جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 13

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج 13، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة الركن الرابع في التوابع]

[ (الفصل الثاني في قضاء الصلوات]
اشاره

ج 13، ص: 2

(الفصل الثاني) من الركن الرابع في قضاء الصلوات و فعلها خارج وقتها الموظف لها من الشارع مستحبة كانت أم واجبة و يقع الكلام في ثلاثة مواضع: الأول ما يحصل بسببه الفوات و(1)الثاني حكم القضاء و الثالث لواحقه،

[الموضع الأول ما يحصل بسببه الفوات]
[في بيان ما يسقط معه القضاء]

فمنه ما يسقط معه وجوب القضاء، و هو سبعة: الصغر ما لم يبلغ مدركا لمقدار الركعة و الطهارة و لو الاضطرارية إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كالسنة(2)بل لعله من ضروري المذهب بل الدين كما اعترف به في المفاتيح

و مثله في ذلك كله الجنون بآفة سماوية و لم يمض عليه من


1- 1 و في الشرائع« الفصل الثاني في قضاء الصلوات و الكلام في سبب الفوات و القضاء و لواحقه».
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات و الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 3

أول الوقت مقدار أداء الصلاة، أما إذا كان من فعله فقد قال الشهيد في الذكرى: إن عليه القضاء مسندا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و وافقه الشهيد الثاني و لعله لكونه السبب في الفوات، و أن المتبادر من إطلاق الأدلة غيره، فيبقى داخلا تحت

عموم (1)قوله (عليه السلام): «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»

و لأنه الموافق للتشديد بأمر الصلاة، و لما يشعر به

قوله (عليه السلام)(2): «كلما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»

و لعل نسبته إلى الأصحاب نشأت من ذكر بعضهم إيجاب القضاء في شرب المرقد، و إلا فما عثرنا عليه من كلام الأصحاب في المقام لا تفصيل فيه، و مثله الإجماعات المنقولة و نفي الخلاف، و نحو

قوله (عليه السلام)(3): «رفع القلم»

و غيره، و كان العمل على الإطلاق هو الأقوى، لأصالة البراءة، و احتياج القضاء إلى أمر

جديد و كونه السبب لا يخرجه عن شمول اللفظ، و دعوى أن المتبادر غيره بحيث صار ما عداه من الأفراد النادرة ممنوعة، و به يقيد أو يخص

قوله (عليه السلام): «من فاتته»

لو سلم شمولها لمثل ذلك كما ستسمعه.

و أما إذا مضى عليه من أول الوقت مقدار أداء الصلاة فقد سبق الكلام فيه، بل لعل عبارة المصنف غير محتاجة إلى القيد في إخراجه، لعدم سببية الجنون الفوات فيه، بل اختياره مع الجنون، و كذا لو كان سبب الفوات عذرا لا يسقط معه القضاء مع الجنون، كمن نام ثم استيقظ مجنونا بعد ما مضى من الوقت مقدار أداء الصلاة، نعم لا فرق بين الإطباقي من الجنون و الأدواري بعد فرض تسبيبهما الفوات في جميع الوقت للإطلاق، و لا بين الماليخوليا و غيره، لصدق المجنون عليه عرفا.


1- 1 لم نعثر على هذا اللفظ في شي ء من أخبار العامة و الخاصة، نعم يستفاد ذلك من صحيحة زرارة المذكورة في الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 2 من كتاب القصاص.

ج 13، ص: 4

و كذا يسقط القضاء مع الإغماء المستوعب للوقت على الأظهر الأشهر كما في الروضة، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل في السرائر أنه المعمول عليه بل عن الغنية الإجماع عليه، و في الرياض أن عليه عامة من تأخر، بل لا خلاف فيه إلا من نادر كما عن الصدوق في المقنع، و نحوه غيره لم ينقل الخلاف إلا عنه، لكن في الحدائق عن بعض أنه يقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا، و آخر ليلة إن أفاق ليلا ثم نقل قول الصدوق بقضاء الجميع.

و كيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول لما سمعت، و للمعتبرة(1)المستفيضة حد الاستفاضة و الواضحة كمال الوضوح في الدلالة، مع أنها مشتملة على القاعدة التي

قال الصادق (عليه السلام)(2): «إنها من الأبواب التي يفتح منها ألف باب»

و معتضدة بما عرفت، فلا يلتفت إلى ما قابلها من الروايات القاصرة عن المقاومة لها من وجوه، بل فيها ما هو متروك الظاهر عند كافة الأصحاب، ضرورة اختلافها في الدلالة إذ بعضها(3)دال على قضاء ما فاته و لو شهرا فصاعدا، لأن أمر الصلاة شديد، و آخر(4)على خصوص يوم إفاقته أو ليلتها، و ثالث (5)إذا جاز ثلاثة أيام فليس عليه قضاء، و إن كان ثلاثة أيام فعليه القضاء فيهن، و في رابع (6)المغمى عليه يقضي صلاة ثلاثة أيام، و في خامس (7)يقضي صلاة يوم، و في السرائر و

عن الفقيه روي (8)أنه يقضي صلاة شهر،

و صحة السند في بعضها غير مجدية بعد إعراض الأصحاب عنها عدا الصدوق، مع أنه بنفسه حملها في الفقيه على الاستحباب المنسوب في الرياض إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 4 و 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 6 و 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 5.

ج 13، ص: 5

المتأخرين كما حكاه في الوافي و غيره عنه، فيكون الاختلاف حينئذ فيها لاختلاف مراتبه في الفضل، فأولها الجميع، ثم الشهر، ثم الثلاثة، ثم اليوم الذي أفاق فيه أو ليلته.

بل ينبغي الجزم بالاستحباب للزبور بعد ما عرفته من ذلك الاختلاف فيها، و خصوص

خبر أبي كهمس (1)قال: «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و سئل عن المغمى عليه أ يقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال: أما أنا و ولدي فنفعل ذلك»

و مرسل منصور بن حازم (2)عنه (عليه السلام) أيضا أنه سأله «عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة فقال: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي و ولدي أن تقضي كلما فاتك»

نعم لولا المسامحة في السنن لأمكن حملها كلا أو بعضا على التقية، و الأمر سهل.

ثم لا فرق في سبب الإغماء بين الآفة السماوية و فعل المكلف، لإطلاق النصوص و بعض الفتاوى، خلافا للذكرى فأوجب القضاء في الثاني دون الأول، و نسبه كما عن غيره إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و تبعه عليه بعض من تأخر عنه، بل لعله ظاهر السرائر حيث قيد عدم وجوب القضاء بما إذا لم يكن هو السبب في دخوله عليه بمعصية يرتكبها، و كيف كان فمستنده على الظاهر انصراف الإطلاق إلى المتبادر المتعارف، سيما مع اشتمال جملة من نصوص الإغماء على

قوله (عليه السلام): «كلما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»

فيبقى غيره حينئذ مندرجا في عموم

قوله (عليه السلام):

«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»

و استحسنه في الرياض لو لا ما يظهر من الفوات من تحقق الخطاب بالفعل ثم يفوت، و هو مفقود في المقام، و فيه أولا منع عدم تحقق الخطاب في الفرض أو بعض أفراده، لأن الممتنع بالاختيار لا يقبح معاملته معاملة المقدور المتعلق به الاختيار، و ثانيا منع توقف صدق اسم الفوات على تحقق الخطاب في نحو ما نحن فيه، بل أقصاه توقفه على عدم النهي كالحائض و نحوها على إشكال، فالأولى


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 13.

ج 13، ص: 6

في رد الشهيد حينئذ إطلاق النصوص بعد منع الانصراف المزبور، اللهم إلا أن يثبت إجماع كما أشعرت به عبارته السابقة، و كأنه أخذه مما ذكره المصنف و غيره من وجوب القضاء على من زال عقله بسبب منه كشرب المسكر، بل قد يظهر من المنتهى نفي الخلاف فيه، لكنه كما ترى، و على كل حال فالمتجه بناء عليه اختصاص ذلك بما لو علم ترتب الإغماء على فعله أو بالمعصية التي أشار إليها في السرائر، لما ستسمعه إن شاء اللَّه فيما يأتي.

و كذا لا يجب القضاء إذا كان السبب الحيض و النفاس مع استيعا بهما إجماعا محصلا و منقولا و سنة(1)بل كاد يكون ضروريا من مذهب الشيعة، فان لم يستوعبها(2)فقد تقدم الكلام فيه، و لا فرق على الظاهر عندهم بين حصوله من فعلهما أولا، سيما إذا كان بعد دخول الوقت و إن لم يمض مقدار الأداء، و لعله لعدم صدق الفوات هنا للنهي الأصلي في المقام بخلاف السابق، بل لا فرق أيضا بين فعلهما ذلك لترك الصلاة أو لغيره للصدق الممنوع انصرافه إلى غير ذلك.

و كذا يسقط القضاء ب الكفر الأصلي بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى و غيره الإجماع عليه، بل في المفاتيح نسبته إلى ضرورة الدين،

للنبوي (3)«الإسلام يجب ما قبله»

و بذلك يخص عموم «من فاتته» أما لو أسلم في دار الحرب و ترك صلاة كثيرة فإنه يجب عليه قضاؤها و إن كان معذورا بعدم تمكنه من الوصول.

و التقييد بالأصلي لإخراج المرتد الواجب عليه القضاء للعموم، و كذا من انتحل الإسلام من الفرق المخالفة حتى المحكوم بكفرها منها، فان الظاهر وجوب القضاء


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الحيض.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« فان لم يستوعبا».
3- 3 الخصائص الكبرى ج 1 ص 249.

ج 13، ص: 7

ما لم يأتوا بالفعل موافقا لمذهبهم، فلا يجب حينئذ قضاء عليهم كما صرح به هنا الشهيدان و أبو العباس و الصيمري، بل عن الأردبيلي نسبته إلى الشهرة بين الأصحاب، بل عن الروض نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه لا لأن

ذلك يكشف عن صحة أفعالهم و إن كان ربما يومي اليه بعض الأخبار الآتية، بل هو إسقاط من الشارع حينئذ، للمعتبرة المستفيضة، منها

رواية الفضلاء(1)عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السلام) «قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنما موضعها أهل الولاية»

و منها

خبر معاوية بن بريد العجلي (2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة متدين، ثم من اللَّه عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام فقال: يقضي أحب إلى، و قال: كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللَّه تعالى عليه و عرف الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة، فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها، لأنها لأهل الولاية، و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء»

إلى غير ذلك.

و ما يشعر به

خبر عمار الساباطي (3)المنقول عن الكشي من سقوط القضاء رأسا مطرح أو مؤل، قال: «قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 من كتاب الزكاة.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 23 من أبواب وجوب الحج- الحديث 1 من كتاب الحج و ذيله في الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 1 لكن رواه عن يزيد بن معاوية العجلي و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 4.

ج 13، ص: 8

جالس: إني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي، فقال: لا تفعل، فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة»

فإنه مع ندوره و عدم الجابر لسنده محتمل لأن يكون سليمان سماها فائتة لمكان اعتقاده أنه بحكم من لم يصل، و

قوله (عليه السلام): «من ترك ما تركت»

يراد به من شرائطها و أفعالها عند أهل الحق، فلا يكون فيه دلالة، لكن و مع ذلك فالإنصاف أن احتمال سقوط القضاء أصلا و رأسا فعلوا أو لم يفعلوا فضلا عن أن يخلوا بترك شرط و نحوه لا يخلو من وجه، خصوصا الفرق المحكوم بكفرها منهم، بل هو أولى قطعا من المحكي عن العلامة من التوقف في سقوط القضاء عمن عمل منهم، إذ هو ضعيف جدا كما اعترف به في الذكرى، قال: لأنا كالمتفقين على عدم إعادتهم الحج الذي لا اختلال فيه بركن، مع أنه لا ينفك عن المخالفة لنا، و هو جيد، لكن اعتبر هو في اللمعة عدم الإخلال بر كن عندنا في عدم وجوب إعادة الحج على المخالف لا عندهم، بل ظاهر الروض نسبته إلى غيره أيضا،

فيفارق الصلاة حينئذ من هذه الجهة، إذ المعتبر في عدم وجوب قضائها عدم الإخلال بها على مقتضى مذهبه، إلا أن وجه الفرق غير ظاهر كما اعترف به في الذخيرة تبعا للروض، بل ظاهر النصوص السابقة خلافه، و دعوى كون وجهه أن الصحيح هو الموافق لما عندنا دونهم، فتجب إعادته حينئذ مع الإخلال و خروج الصلاة عن ذلك الدليل لا يوجب خروج الجميع، على أنه قد يفرق بين الصلاة و بينه بأن عدم إعادتها لعله لسهولة الشريعة، إذ الصلاة تتكرر في كل يوم، فلو كلف بقضاء ستين سنة أو سبعين مثلا لكان فيه كمال المشقة و نفر عن الاستبصار يدفعها ظهور الأدلة السابقة في الجميع لا الصلاة خاصة، بل صريح بعضها الحج.

نعم استثنى المحقق الثاني مما يسقط عن الكافر بعد إسلامه حكم الحدث كالجنابة

ج 13، ص: 9

و حقوق الآدميين، فلعله هنا كذلك أيضا، مع أنه يمكن منعه عليه هنا في الأول خاصة لعموم الأدلة بخلاف الثاني لإشعار تعليل الزكاة به، بل بعضها أولى من الزكاة، و الفرق بينه و بين الكافر واضح بالفعل و عدمه.

و في وجوب إعادة غسل المتنجسات إذا كان فاسدا عندنا وجهان، أقواهما ذلك للأصل و قصور الأدلة عن التناول، و ليس هو كرفع الحدث الذي قد عرفت إمكان دعوى عدم وجوب إعادة الرافع له، و قضيته جواز الدخول به في العبادة التي يفعلها بعد الإيمان المشروطة به حتى أنه لو توضأ مثلا ثم استبصر قبل أن يصلي كان له الدخول في صلاتنا بذلك الوضوء، و هو مشكل جدا خصوصا إذا قلنا بفساد جميع ما فعله حال المخالفة و إن عدم القضاء و نحوه تفضلا لا لانكشاف صحة ما فعله، و إن كان قد يقال أيضا بناء عليه أن من الفضل أيضا عدم إعادة الوضوء و الغسل، لكن لا ثمرة مترتبة على الوجهين أو القولين.

لا يقال: إن مراد الأصحاب بعدم وجوب القضاء و نحوه على المستبصر إنما هو في الواجبات التي خرجت أوقاتها كالصلاة و الصوم و نحوهما، لا ما إذا كان وقته باقيا كما نص عليه المحقق الثاني و الشهيد الثاني و الخراساني في الكافر على ما حكي عن الأخيرين بل عن الأخير منهما الإجماع عليه، فلعله هنا كذلك أيضا، فيجب الصلاة عليه لو استبصر و كان الوقت باقيا و إن كان قد صلى، و من ذلك كل واجب لا يوصف بالقضاء كالوضوء و الغسل و نحوهما، فيعيدهما حينئذ للعبادات الجديدة، لأنا نقول: ظاهر النصوص السابقة عدم الفرق بين الموقت و غيره، بل كاد يكون صريحها، و لذا نص فيها على الحج الذي هو ليس بموقت و إن كان فوريا، و على استثناء الزكاة و غير ذلك، فالإجماع المزبور محل منع إن أراد به ما يشمل المخالفين.

و لو فعل المخالف حال خلافه الفعل موافقا لمذهبنا سواء كان مما يشترط فيه

ج 13، ص: 10

القربة و فرض له صورة يتحقق فيها ذلك، أو لا يشترط كغسل النجاسة و نحوها ثم استبصر سقط عنه الثاني قطعا، و الأول في وجه أيضا وفاقا للذكرى و الروض، لأولويته من الفعل على مذهبه، و لإطلاق الأدلة، و لأنه لم يفقد إلا الايمان، و لعله كاف في صحة الفعل و إن تأخر في الوجود عنه، و لما عرفته في الحج و لغير ذلك، لكن و مع ذلك كله فلا نظر فيه مجال، لإمكان المناقشة في جميع ذلك، و من هنا حكي عن جماعة التوقف فيه، فتأمل، فإن تحرير هذه المسائل يحتاج إلى إطناب تام، و لعل اللَّه يوفقنا له في غير المقام.

و ربما يأتي لهذا الكلام تتمة إن شاء اللَّه كما أنه مضى تمام البحث في كتاب الطهارة في أنه لا يجب القضاء على من ترك الصلاة ل عدم التمكن بسائر الوجوه من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم كما اختاره في المنتهى و التحرير و في التنقيح أنه منسوب إلى المفيد في رسالته إلى ولده، لأن القضاء محتاج إلى أمر جديد، و هو مفقود، و

قوله (عليه السلام): «من فاتته»

ظاهر فيمن كلف.

و لا أداء هنا عند الأصحاب، و لا نعلم فيه مخالفا صريحا كما في المدارك، و بدون القيد كما عن الروض و غيره، و ما حكاه المصنف عن بعضهم أنه يصلي و يعيد نادر غير معروف القائل، و لعله أشار به إلى ما نقل عن مبسوط الشيخ من التخيير بين تأخير الصلاة و الصلاة و الإعادة، و هو كما ترى لا مستند له مخالف للقاعدة، و ل

قوله (عليه السلام)(1): «لا صلاة إلا بطهور»

و «كلما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»(2)

و كذا ما عن المرتضى في الناصريات عن جده من القول بوجوب الفعل و عدم الفضاء و قيل كما في السرائر و اللمعة و البيان و ظاهر الروضة و المدارك و عن المرتضى و الشيخين يقضي عند


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.

ج 13، ص: 11

التمكن لصدق اسم الفوات و عدم صحة سلبه عنه، إذ دعوى اختصاصه بمن خوطب بالأداء يدفعها ملاحظة الأخبار(1)التي أطلق فيها على الساهي و النائم و غيرهما بل المغمى عليه، بل لعل الظاهر منها أصالة القضاء في الصلاة لشدة أمرها، خصوصا

الصحيح (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) الوارد في تفسير قوله تعالى (3)«إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً»

بل قد يومي اتفاقهم ظاهرا على وجوب قضاء شارب المسكر و المرقد إلى عدم اعتبار الخطاب بالأداء أيضا، فما في الرياض- من اعتبار ذلك فيه فيسقط في المقام القضاء، لاحتياجه إلى أمر جديد، و ليس إلا اسم الفوات المعتبر فيه الخطاب بالأداء- لا يخلو من نظر و منع، فالأقوى القضاء هنا، لما عرفت، بل في الروضة نسبته إلى صريح الأخبار، ك

خبر زرارة(4)عن الباقر (عليه السلام) «فيمن صلى بغير طهور أو نسي صلوات أو نام عنها فقال: يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا»

و غيره، و إن كان المناقشة فيه واضحة حتى في صراحة الخبر المزبور فيما نحن فيه.

و كيف كان فقد ظهر لك أن الأشبه و الأحوط الثاني لا الأول من غير فرق بين فقد الطهورين باختياره أو بآفة، نعم قد يتجه التفصيل بذلك على الأول، و قد تقدم تمام البحث في المسألة في كتاب الطهارة، فلا حظ و تأمل.

هذا كله في السبب الذي يسقط معه القضاء

[و ما عدا ما تقدم يجب معه القضاء]

و ما عدا ما تقدم يجب معه القضاء كالإخلال بالفريضة عمدا أو سهوا للإجماع بقسميه و السنة(5)التي كادت تكون


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 3- من أبواب قضاء الصلوات.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
3- 3 سورة النساء- الآية 104.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1 و 3- من أبواب قضاء الصلوات.

ج 13، ص: 12

متواترة، بل هي كذلك، بل الضرورة عدا الجمعة و العيدين لما تقدم سابقا و كذا يجب مع الإخلال بها ب النوم و لو استوعب الوقت زاد على المتعارف أولا، لصدق اسم للفوات، و من هنا أطلق الأصحاب، و ربما فرق بينهما فأوجب القضاء في الثاني دون الأول، بل مال اليه بعض متأخري المتأخرين، و لعله لاحتياج

القضاء إلى فرض جديد، و ليس هو هنا إلا الإجماع، إذ أخبار الفوات غير صادقة على من لم يكلف بالأداء، و المعلوم منه الثاني، فيبقى الأول على الأصل، و فيه مع ظهور معقد الإجماع في الأعم منهما ما عرفته سابقا من صدق اسم الفوات على ذلك، أو الاكتفاء في تحقق القضاء بما هو أعم من الفوات، فالأقوى حينئذ عدم التفصيل، نعم قد يفرق بين ما كان من فعله بأن شرب شيئا مثلا يقتضي الرقود و عدمه، للشك في صدق اسم النوم عليه أو في إرادته منه.

ثم لا فرق في ظاهر المتن بين عدم الفعل رأسا و بين الإخلال بالشرائط التي لم يقم دليل على سقوط القضاء مع الإخلال بها، و لعله كذلك سيما على القول بكون الصلاة اسما للصحيح، لشمول ما دل على وجوب القضاء لمن لم يصل و لو للأصل، بل الظاهر شمول اسم الفوات له، خلافا للرياض في أحكام الخلل من عدم القضاء بالإخلال في الجزء أو الشرط الثابت من قاعدة الشغل، و إن أوجبنا عليه الإعادة في الوقت، لأنه يكفي في وجوبها فيه عدم العلم بالصحة، بخلاف القضاء المتوقف على صدق الفوات.

و لو زال عقل المكلف بشي ء يزيل العقل غالبا و كان ذلك من قبله عالما بترتب الزوال عليه غير مكره و لا مضطر كالمسكر و شرب المرقد وجب عليه القضاء لأنه أي الشرب مثلا سبب في زوال العقل غالبا إذ هو عند الفقهاء ما ترتب عليه الشي ء غالبا بلا خلاف أجده، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، لصدق اسم

ج 13، ص: 13

الفوات مع عدم شمول ما دل على الاسقاط عما تقدم له، بل قد يشعر

قوله (عليه السلام)(1): «كلما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»

بوجوب القضاء عليه، و في المنتهى و يقضي السكران كلما فاته و إن كان غائبا بالسكر، و لا نعلم فيه خلافا، و علله مع ذلك بما أشار إليه المصنف من كونه السبب لذلك و نحوه، إلى أن قال: «و كذا البحث فيمن شرب دواء مرقدا و إن تطاول زمان الإغماء» إلى آخره. و بالجملة فالحكم بوجوب القضاء فيما نحن فيه حيث لا يدخل فيما تقدم مما دل على سقوط القضاء واضح الوجه، و يكفي فيه ما يفهم من الإجماع المنقول و نحوه، أما لو دخل تحت اسم بعض ما تقدم كالمجنون و المغمى عليه فيشكل الوجوب فيه بأنه لو سلم شمول «من فاتته» له وجب الخروج عنه بما دل على سقوط القضاء عن المجنون مثلا، و دعوى انصرافه إلى غير ذلك ممنوع، لكن طريق الاحتياط غير خفي.

و أما لو لم يكن عالما بالاسكار مثلا أو كان مكرها أو شربه لضرورة دعت اليه أو كان مما لا يسكر غالبا كما لو أكل غذاء مؤذيا فآل إلى الإغماء لم يقض كما صريح بالأخير في المنتهى و التحرير، و ذكر الأولين في البيان ظاهرا في الأول و صريحا في الثاني، و صرح بالثالث جماعة على ما قيل كسابقيه، لكن لا يخفى أنه يشكل الحكم هنا بسقوط القضاء عمن

لم يندرج منهم فيما تقدم مما استدل على سقوط القضاء عنه كالمجنون و نحوه بناء على صدق الفوات على من لم يخاطب بالأداء، اللهم إلا أن يؤخذ بعموم

قوله (عليه السلام): «كلما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»

الذي

قال الصادق (عليه السلام)(2): «إنه من القواعد التي يفتح كل باب منها ألف باب»

لكن في شموله للبعض مناقشة واضحة، نعم يتم الحكم بسقوط القضاء بناء على عدم شمول اسم الفوات لمن لم يكن مخاطبا بالأداء و على فرض انحصار دليل القضاء فيه.

و لو ارتد المسلم الذي انعقد و أحد أبويه مسلم أو من ولد و كان أحد أبويه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 9.

ج 13، ص: 14

مسلما على ما يأتي في تعريف الفطري إن شاء اللَّه، و من بلغ مسلما أو أسلم الكافر ثم كفر و هو المسمى بالمرتد الملي وجب عليه قضاء زمان ردته للفوات مع عدم شمول ما دل على سقوط القضاء عن الكافر له، و به صرح في السرائر و المنتهى و التحرير و البيان و الرياض و المدارك و غيرها، بل في المنتهى و المفاتيح و عن الناصرية و الغنية و الغرية و النجيبية الإجماع عليه، بل عن الناصرية

إجماع المسلمين، و إطلاقهم كالمصنف قاض بعدم الفرق بين الفطري و الملي كما عن جماعة التصريح به، لكن يشكل ذلك بالنسبة إلى الفطري خاصة بناء على عدم قبول توبته ظاهرا و باطنا كما تقدم البحث فيه مستوفى في كتاب الطهارة، إلا أن يريدوا يجب و إن لم يصح، أو أن المراد بيان جنس المرتد في مقابل الكفر الأصلي المتحقق في الملي و الفطري في المرأة(1)و لو عن فطرة كما يومي إلى ذلك ما سمعته من الإجماع، بل من المسلمين كما في الناصرية.

ثم من المعلوم أن المراد بوجوب قضاء زمان ردته إذا لم يكن في حال من يسقط القضاء عنه كالجنون و الحيض و الإغماء و نحوها، و كذا الكلام في فاقد الطهورين منه على إشكال فيه، لاستناد الفوات إلى ما تقدمه من السبب، و هل يجري الحكم في المخالف و نحوه إذا استبصر ثم رجع فيجب عليه القضاء و إن لم يخل به على مذهبه، اقتصارا فيما خالف القاعدة على المتقين و المعلوم منه الحال الأول كالكافر أو لا يجب، للإطلاق أو العموم مع ترك الاستفصال؟ الأقوى الأول و إن لم أعثر على مصرح من الأصحاب به.

[الموضع الثاني حكم القضاء]
اشاره

و أما الثاني و هو حكم القضاء فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة إجماعا محصلا و منقولا و كتابا و سنة(2)مستفيضة إن لم تكن متواترة، و لا فرق بين اليومية و غيرها مع

اجتماع شرائط القضاء، بل الظاهر اندراج المنذورة و يستحب إذا


1- 1 في النسخة الأصلية« المرة» و لكن الصواب ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 3- من أبواب قضاء الصلوات.

ج 13، ص: 15

كانت نافلة نهارية أو ليلية، نعم يشترط أن تكون موقتة و لعل المراد بها الرواتب خاصة، فلا يقضى غيرها و إن وقت الشارع لها وقتا، لعدم دليل على مشروعيته، لظهور اختصاص النص و الفتوى بها، بل في بعضها(1)التصريح بالتقييد بها استحبابا مؤكدا حتى

ورد(2)أنه «يعجب الرب ملائكته منه و يقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه»

و «إن اللَّه تبارك و تعالى ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، فيقول: ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه، أشهدكم أني قد غفرت له»(3)

و انه «من ترك القضاء لدنيا تشاغل بها عنه لقي اللَّه تعالى مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»(4)

و الظاهر استحباب قضائها في كل حال يجب فيه قضاء الفريضة، و تسقط مع سقوط قضائها.

نعم إن فاتت بمرض خاصة لا يزيل العقل لم يتأكد الاستحباب ل

قول الصادق (عليه السلام) لمرازم (5)بعد أن سأله إني مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها نافلة فقال: «ليس عليك قضاء، إن المريض ليس كالصحيح، كلما غلب اللَّه عليه فالله أولى بالعذر فيه»

و إنما حمل ذلك على نفي التأكد ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد(6)قال: «قلت له: رجل مرض فترك النافلة قال: يا محمد، ليس بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله، و إن لم يفعل فلا شي ء عليه»

و يستفاد من الخبر الأول تعميم الحكم لكل معذور، لكنا لم نعثر على مصرح به من الأصحاب.

ف ان لم يصل من كان عليه القضاء لمانع لم يبلغه إلى حد العذر يستحب له أن يتصدق بقدر طوله، و أدنى ذلك لكل ركعتين من صلاة الليل و النهار


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 1.

ج 13، ص: 16

بمد فان لم يقدر على ذلك فلكل أربع ركعات من صلاة النهار مد فان لم يتمكن فمد إذا لصلاة الليل و مد لصلاة النهار، و لعل ذلك هو مراد المصنف بقوله فعن كل يوم بمد أو يكون ذلك مرتبة أخرى، و الصلاة أفضل من الصدقة، كل ذلك ل

خبر عبد اللَّه بن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لم يدر هو من كثرتها كيف يصنع؟ قال: فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك، ثم قال: قلت له: فإنه لا يقدر على القضاء، فقال: إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي ء عليه، و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، و إلا لقي اللَّه و هو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، قال: قلت: فإنه لا يقدر على القضاء هل يجزي أن يتصدق فسكت مليا ثم قال: فليتصدق بصدقة، قلت: فما يتصدق؟ قال: بقدر طوله، و أدى ذلك مكان كل صلاة، قلت: و كم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ قال: لكل ركعتين من صلاة الليل و لكل ركعتين من صلاة النهار مد، فقلت: لا يقدر، فقال: إذن لكل أربع ركعات من صلاة النهار، قلت:

لا يقدر، قال: فمد إذن لصلاة الليل و مد لصلاة النهار، و الصلاة أفضل، و الصلاة أفضل، و الصلاة أفضل».

و لا يخفى قصور العبادة عن إفادة مضمون الرواية، بل فيها ما يخالف ظاهرها، و مثلها عبارة النافع و التحرير؛ و الأولى العمل بمضمون الرواية كما يستفاد من الشهيد في البيان و العلامة في ظاهر المنتهى، فإنه قال: «و استحبت الصدقة عن كل ركعتين بمد ثم لكل أربع بمد، ثم مد لصلاة الليل، و مد لصلاة النهار، و الصلاة أفضل».


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 2 مع الاختلاف.

ج 13، ص: 17

قلت: و لا فرق بحسب الظاهر بالنسبة لقضاء النوافل في سائر الأوقات، فمن كانت عليه أوتار فائتة جاز قضاؤها في ليلة واحدة كما استفاضت به الأخبار(1)و أفتى به بعضهم، و في بعض

النصوص (2)«كان أبو جعفر (عليه السلام) يقضي عشرين وترا في ليلة واحدة»

خلافا لما ينقل عن العامة من أنه لا وترين في ليلة واحدة و الظاهر أن الوتر يقضى على حاله من غير زيادة من دون فرق بين كونه قبل الزوال و بعد الزوال، و ما في بعض الأخبار(3)من أنه بعد الزوال يقضى شفعا عقوبة لتضييعه محمول على التقية.

و يجب قضاء الفائتة من الفرائض المتحدة مرتبة على الحاضرة وقت الذكر إن كان فواتها بنسيان ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة لا الفوائت المتعددة فإنه لا يجب فيها ذلك، خلافا لمن ستعرف من القائلين بالمضايقة مطلقا أو المواسعة مطلقا أو التفصيل بغير ما سمعت مما سيأتي كما هو خيرته في باقي كتبه، بل تبعه عليه السيد في المدارك و السيد المحدث و الفاضل المدقق الشيخ أحمد الجزائريان في هداية المؤمنين و تبصرة المبتدي على ما حكي عنهما و الشهيد في ظاهر النفلية أو صريحها، بل مال إليه في غاية المراد، و إن كان الذي استقر عليه رأيه في

غيرهما المواسعة مطلقا، بل هو الذي استظهره الفاضل المدقق المتبحر ملا أسد اللَّه في رسالته من مجموع عبارات الديلمي تبعا لأستاذه العلامة الطباطبائي في مصابيحه في الجملة، لكن الإنصاف أنه إلى التفصيل بين الفوائت المعلومة المعينة فالتضييق، و الفوائت المجهولة بحيث لا يعلم مقدار ما في ذمته فالتوسعة أقرب مما استظهراه منه، كما لا يخفى على المتأمل المتدبر، نعم ليس هو من أهل المضايقة مطلقا قطعا و إن اشتهر ذلك عنه نظرا إلى ما حكاه من عبارته في المختلف.


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الصلوات المندوبة.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الصلوات المندوبة- الحديث- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 10.

ج 13، ص: 18

و لا فرق في كلامه بين الفائت سهوا أو عمدا أو تفريطا بشرب مسكر و نحوه و إن صرح بالفورية في الأخيرين و عبر عنها في أحد فردي الأول بالقضاء وقت الذكر لظهور إرادتها أيضا منه، إلا أن الفرق بينه و بين الأولين توقيته بالذكر لفرض نسيانه و توقيتهما بأول أزمنة الفوات لفرض تعمده، و إلا فليس المراد من القضاء وقت الذكر التوسعة قطعا كعبارة المتن، إذ دعوى عدم ظهورها في ذلك كما وقع من أول الفاضلين المذكورين في الرسالة المزبورة في غاية الغرابة، خصوصا مع اكتفائه ببيان الترتيب الذي صرح به في النافع و غيره من كتبه في الفائتة الواحدة بهذه العبارة، و اكتفائه ببيان عدم الترتيب فيما يأتي بالنسبة للمتعددة عن التصريح بعدم التضييق الذي حكى نصه عليه في غير واحد من كتبه، و احتمال إرادته بما في المتن أنه مبدأ وقتها الذي يختص بها و لا يجوز تأخيرها عنه إلى أن يتضيق الحاضرة، ثم هكذا دائما إلى أن يؤديها مما لا ينبغي أن يصغى اليه، سيما بعد اشتهار تفصيل المصنف بين من تأخر عنه بموافقة القائلين بالتضييق في الواحدة و القائلين بالمواسعة في المتعددة، جمعا بين أدلة الطرفين، و لذا حكي عن ظاهر غاية المرام و غيرها ابتناء تفصيل المصنف في الترتيب على المضايقة و المواسعة كالقولين المشهورين.

نعم لعله لا يرى المضايقة الحقيقية بل يكتفي بالعرفية على ما يشعر به بعض المحكي من كلامه في المعتبر، بل و كلام بعض أتباعه كسيِّد المدارك و الجزائري، و الأمر سهل.

ثم إنه ليس في اقتصاره على وقت الذكر إشعار باختصاص هذا التفصيل في المنسية دون العمدية بعد وضوح كلامه في غير الكتاب بالإطلاق، بل و فيه أيضا بملاحظة ما سيأتي له، نعم لا ظهور في كلامه بمساواة الواحدة الباقية من المتعدد بعد قضائه للواحدة أولا في الحكم المزبور و إن كان يحتمل تفريعه عليه، كما أن من عليه واحدة إذا فاتت عنه أخرى يسقط عنه وجوب التقديم ما دامت الفائتة متعددة، و لا في مساواة

ج 13، ص: 19

التي عرض لها التعدد لاشتباه و نحوه للتي لم يعرض لها ذلك حتى يجب تقديم جميع ما يجب فعله للمقدمة على الحاضرة، و إن كان قد يقال: إن إجراء حكم الواحدة أوفق بعباراتهم فيشكل الحكم حينئذ فيما إذا لم يمكن تقديم الجميع على الحاضرة، فتأمل.

نعم ظاهر المتن و غيره إرادة ضيق الوقت عن تمام فعل الحاضرة، فلا يجزي في وجوب ابتداء القضاء عنده بل و عند القائلين بالمضايقة إمكان إدراك ركعة من الحاضرة كالحاضرتين، أما لو ظهر له في أثناء المقضية أنه إن أتمها لم يتمكن إلا من ركعة من الحاضرة ففي وجوب قطعها بل جوازه و عدمهما تردد، و إن كان قد تسمع فيما يأتي إن شاء اللَّه ما يشهد للأول، كما أنك ستعرف مستند تفصيل المصنف هناك أيضا إن شاء اللَّه مفصلا، و اللَّه الموفق.

[في وجوب الترتيب بين الفوائت]
اشاره

و يجب مع التنبه و عدم الغفلة أن تترتب بمعنى تتقدم السابقة من الفرائض على اللاحقة كالظهر على العصر، و العصر الفائتة على المغرب اللاحقة لها فواتا و المغرب على العشاء سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت بلا خلاف في الحواضر بعضها على بعض كالظهرين أنفسهما و العشاءين كذلك، بل في المدارك و غيرها لا خلاف فيه بين علماء الإسلام، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)به مستفيضة تقدم ذكرها فيما سبق، و كذا لا خلاف معتد به فيه بالنسبة للفوائت بعضها مع بعض بمعنى وجوب فعل السابق فواتا و إن كان عصرا مثلا على اللاحق و إن كان ظهرا، بل عن مجمع البرهان نفيه عنه أصلا، بل إن لم يكن الإجماع عليه محصلا فهو محكي في الخلاف و

التنقيح و عن المعتبر و التذكرة و موضع من الذكرى، كما أنه نسبه في المنتهى إلى علمائنا، و في كنز الفوائد إلى الإمامية مشعرين بدعوى الإجماع عليه نحو المحكي من نسبته إلى الأصحاب في موضع آخر من الذكرى، نعم حكى في الذكرى عن


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 20

بعض من صنف في المضايقة و المواسعة القول باستحبابه، و هو محجوج بما عرفت، بل قيل و

بالنبوي (1)المنجبر بما سمعت «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»

المراد منه بسبب عدم انصراف جهة الشبه إلى أمر مخصوص المشاركة بجميع وجوهه التي منها الترتيب الذي كان في الأداء، و

الصحيح (2)عن الباقر (عليه السلام) «إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها و أقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة»

و الآخر عن محمد بن مسلم (3)قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل صلى الصلوات و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة ثم ذكر بعد ذلك، قال: يتطهر و يؤذن و يقيم في أولهن ثم يصلي و يقيم بعد ذلك في كل صلاة».

و بالتأسي بالمحكي في التذكرة و المنتهى من فعل النبي (صلى اللَّه عليه و آله) يوم الخندق(4).

لكن قد يناقش في الأول- بعد الإغماض عن سنده و عدم وجوده في الأصول المعتمدة و ظهور عاميته- بمنع عدم انصرافه إلى أمر مخصوص، إذا الظاهر منه إرادة كيفية الفائتة الثابتة لها وقت أدائها من القصر و الإتمام و نحوه لا ما يشمل السبق في الفوات ضرورة عدم كون ذلك من كيفيات الفائتة، بل هو من الأمور الاتفاقية لها الحاصل بسبب تعاقب الزمان و تدريجيته، كما يومي إلى ذلك كثرة تعرض الأخبار لبيان اتحاد كيفية القضاء و الفائت من القصر و الإتمام في السفر و الحضر، دفعا لتوهم أن العبرة بوقت القضاء لا الأداء، منها

صحيح زرارة(5)المعبر فيه عن ذلك بمثل لفظ النبوي المزبور


1- 1 لم نعثر على هذا اللفظ في الأخبار و لعله مأخوذ من مضامينها الواردة في أبواب القضاء من كتب الأخبار.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
4- 4 تيسير الوصول- ج 2 ص 190.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.

ج 13، ص: 21

قال: «قلت له (عليه السلام): رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر قال: يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»

بل يومي اليه أيضا عدم اعتبار الترتيب في فوائت غير الفرائض اليومية المصرح به في

كلام غير واحد من الأصحاب، بل في الروض أنه ربما ادعي الإجماع عليه، بل في المهذب البارع دعواه عليه، بل قيل: إنه حكي عن شرح الإرشاد للفخر ذلك أيضا، و لعله كذلك، إذ لم نقف على أحد اعتبر الترتيب فيها سوى ما يحكى عن بعض مشايخ الوزير العلقمي من اعتباره، نعم احتمله في التذكرة، و عن الذكرى نفي البأس عنه كما عن الهادي قوته إن لم يثبت إجماع لعموم الخبر، و في المفاتيح فيه وجهان.

إلا أنه لا يخفى عليك ضعف ذلك كله بعد ما عرفت، خصوصا مع عدم مستند له سوى هذا النبوي الضعيف سندا و دلالة، لما سمعت كما عن كشف اللثام الاعتراف به.

و أضعف من ذلك القول بالترتيب بينها و بين اليومية كما عن ذلك البعض من مشايخ ذلك الوزير أيضا لهذا الخبر، و فيه ما عرفت، بل ينبغي القطع بعدم استفادة الترتيب منه على هذا الوجه، اللهم إلا أن يراد خصوص الحواضر التي كان معتبرا فيها الترتيب في الأداء كالظهرين و العشاءين، لكن ذلك- مع إمكان منعه بسبب انصراف التشبيه إلى ما عرفت- لا يقضي بترتب العصر مثلا على المغرب الفائتة من اليوم السابق، إلا أن يتمم بعدم القول بالفصل، و إلا فدعوى ثبوت الترتيب الذي هو من الكيفية فيه أيضا- بناء على المضايقة المقتضية ترتب الحواضر على ما تقدمها من الفوائت، فكل فائتة سابقه ثم دخل عليها وقت حاضرة ترتب عليها و إن كانت فاتت معها، فيكون الجميع حينئذ كالظهرين و العشاءين- يدفعها أنها لا تتم على المختار من التوسعة و عدم الترتيب الذي ستعرف شهرته بين الأصحاب و معروفيته، على أن المسألة هنا مما لا خلاف معتد به

ج 13، ص: 22

فيها، بخلاف تلك المسألة التي هي المعركة العظمى بينهم، فكيف يتجه ابتناؤها عليها عند الجميع، كما هو واضح.

و في الثاني بعدم دلالته إلا على البدأة بالأول الذي هو أخص من الترتيب المطلق، و باحتمال عدم إرادة الوجوب من الأمر بالبدأة فيه بالأول، لجريانه مجرى الغالب في فعل من يريد القضاء، و سوقه لإرادة بيان الاجتزاء بالأذان لأولهن عنه لكل واحدة واحدة، كما يومي إلى ذلك الخبر(1)الذي بعده، و باحتمال إرادة أولهن قضاء لا فواتا، بمعنى أن المراد ابدأ بأذان لأولهن قضاء في عزمك و إرادتك.

و في الثالث بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه، بل لعله مما يشهد في الجملة على ما سمعت، لظهور اتحاد المقصود من كل منهما.

و في الرابع بعدم ظهور وجهه الذي هو شرط للتأسي عند جمع من الأصوليين أو جميعهم أولا، و بعدم ثبوت ذلك عنه (عليه السلام) بطريق معتبر عندنا كي يتأسى به ثانيا، بل ظاهر حاكيه إرادة الرد على الشافعي بالمروي من طرقهم.

و لعله من ذلك كله أو غيره توقف في الحكم المزبور في الكفاية و الذخيرة و إن كان هو في غير محله، إذ لو قلنا بعدم إمكان دفع

هذه المناقشات لكان فيما سمعت من الإجماعات السابقة التي يشهد لها التتبع كفاية، مضافا إلى

صحيح الوشاء عن رجل عن جميل بن دراج (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له: يفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة، قال: يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى»

و النظر فيما ذكره أهل الرجال في أحوال الوشاء و ابن عيسى الذي رواه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 6 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 23

عنه و الانجبار بما سمعت يرفع ضرر إرساله، على أنه حكي عن صاحب العصرة أن ابن عيسى في نوادره التي عن الصدوق عدها من الكتب المشهورة التي عليها المعول و إليها المرجع رواه عن رجاله عن جميل عن الصادق (عليه السلام) بتفاوت يسير غير قادح في المطلوب، بل عن البحار روايته عن المصنف في المعتبر بإسناده عن جميل كموضع من الوسائل، و كأنهما فهما منه أنه رواه المصنف من أصل جميل أو من غيره، إذ قد كان عنده بعض الأصول القديمة و نقل عنها في غير موضع من المعتبر، فلا ينبغي التوقف في الخبر المزبور من جهة ذلك، كما أنه لا ينبغي التوقف فيه من جهة الإشكال في ذكر المغرب في سؤاله بعد

وضوح الجواب في المراد الذي هو الحجة لا السؤال، على أنه محتمل لصدوره من السائل سهوا أو غلطا، أو إرادة مغرب الليلة السابقة مع ظهري اليوم أو ما قبله أو غير ذلك مما لا مدخلية له فيما نحن فيه.

و إلى ما في ذيل

صحيح زرارة(1)المتقدم الاستدلال بأوله عن أبي جعفر (عليه السلام) «و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة، ابدأ بالمغرب ثم العشاء، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم الغداة ثم صل العشاء، و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب و العشاء، ابدأ بأولهما، لأنهما جميعا قضاء».

و فيه دلالة على المطلوب في غير موضع، نعم يحتاج للتتميم بعدم القول بالفصل إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها الترتيب للعطف بثم و نحوه، فتوقف الخراساني حينئذ في الحكم المزبور في غير محله قطعا، خصوصا في المرتب أداء كالظهرين و العشاءين، و لعله لم يقف على ما ذكرنا.

نعم قد يقال بسقوط الترتيب عند الجهل به كما في الألفية و شرحها للمحقق الثاني و اللمعة و الروضة و المدارك و الذخيرة و الكفاية و المفاتيح و عن الإيضاح و غيره، بل في


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 24

الرياض نسبته إلى الأكثر، كما عن موضع من كشف الالتباس إلى الظاهر من المذهب للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة الظاهرة في غيره، و استلزام التكرار المحال أو الحرج في كثير من موارده المتمم في غيرها بعدم القول بالفصل المحكي في الروضة على الجزم و الذخيرة على الظاهر و عن غيرهما، و موافقته لسهولة الملة و سماحتها، و رفع القلم عن النسيان، و أن الناس في سعة ما لم يعلموا، مع أنه لا يخلو من تردد و نظر كما في القواعد و التحرير و المنتهى و ظاهر كنز الفوائد و عن المعتبر و نهاية الأحكام، بل في البيان و الذكرى وجوبه مع الظن، بل في الدروس و الموجز و عن كشف الالتباس و الهلالية وجوبه مع الوهم أيضا، بل في باب الوضوء من الذكرى الجزم بوجوبه حيث لا يكون في مراعاته زيادة فيما يجب عليه إن لم يراعه فارضا له في صورة محتاجة إلى التأمل بل في التذكرة «أن الأقرب فعله حال الجهل به» بل جزم به في الإرشاد، بل في الرياض «لا ريب أنه أحوط و أولى» بل في المفاتيح نسبته إلى من عدا العلامة و الشهيدين، حيث قال: «و الآخرون على وجوب التكرار» و لعله لإطلاقهم وجوبه كالخلاف و السرائر و المتن و غيرها، و هو مع أنه أحوط في البراءة عما اشتغلت الذمة به من الصلاة بيقين لا يخلو من قوة، لعدم صلاحية الأصل لمعارضة المقدمة الحاصلة بسبب استصحاب وجوبه، و إطلاق الأدلة السابقة من معاقد بعض الإجماعات و الأخبار التي لا مدخلية للعلم و الجهل فيما يستفاد منها، خصوصا الحكم الوضعي كما في غيره من التكاليف و إن كان ظاهر مواردها هنا العلم، لكنه ليس ظهور شرطية كما هو واضح.

و دعوى اعتبار العلم في كل حكم وضعي استفيد من أمر ضرورة استلزامه التكليف بالمحال بدونه ممنوعة كل المنع إن أريد العلم التعييني، و لا تجدي إن أريد ما يشمل الحاصل بالتكرير، كما أنه لا يجدي تسليم استفادة اعتبار التمكن من كل شرط استفيد

ج 13، ص: 25

من أمر أو نهي، ضرورة حصوله هنا و لو بالمقدمة كما لا يخفى، و عدم المحالية بل و الحرج في التكرار، ضرورة كونه كمن فاته مقدار ذلك يقينا الذي من المعلوم عدم سقوط الفضاء عنه لمشقته بكثرته، على أنه لو سلم الحرجية في الجملة فهو سبب ذلك في بعض الأفراد أو أكثرها، و أقصاه السقوط فيما بتحقق الحرج به دون غيره كما هو ظاهر الأستاذ في كشفه في أول كلامه بل صريحه، بل قد لا تحتاج مراعاته إلى زيادة تكرير على ما وجب عليه كما في بعض الصور المفروضة في باب الوضوء من الذكرى، و دعوى الإجماع المركب الذي هو حجة في مثل هذه المسائل عهدتها على مدعيها.

بل قد يقال بوجوب ترجيح إطلاق أدلة المقام على دليل الحرج بناء على قبوله لذلك، كما أخرج عنه فيما لو كان مقدار هذا المكرر معلوم الفوات، و إن كان بينهما هنا تعارض العموم من وجه، لأقلية أفراده منه، و خروج نظيره من معلوم الفوات بل و كثير من التكليفات من صوم الهجير و قتل النفس و نحوهما عنه دون ذلك، و معارضة ذلك كله بتأيد دليل الحرج بعموم رفع المؤاخذة عن الجاهل، و قوة عمومه من حيث كونه نكرة في سياق الإثبات (1)كما ترى، بل قد يقال بعدم شمول دليل الحرج له أصلا، إذ المراد نفيه في الدين لا ما يوجبه العقل عند الاشتباه للمقدمة، و لعله من ذلك كله حكى في مفتاح الكرامة عن مصابيح أستاذه أنه قال: «المسألة لا تخلو من إشكال و إن كان القول بالسقوط حيث يكون حرج و لا تقصير لا يخلو من قوة» انتهى.

لكن قد يقال بأن قصارى ذلك حصول الشك في اعتبار السقوط(2)و عدمه


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية، و الصحيح« النفي» لأن النكرة في دليل عموم نفى الحرج في سياق النفي، و هو قوله تعالى « وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» مضافا إلى أن النكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم أصلا فضلا عن قوة للعموم، اللهم إلا أن يوجه بأن الضمير في قوله:« و قوة عمومه» راجع إلى رفع المؤاخذة.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« الترتيب» إذ لا محصل لشرطية السقوط مضافا إلى أنه قدس سره بصدد تقوية السقوط لا نفيه.

ج 13، ص: 26

و ما شك في شرطيته ليس بشرط عندنا، بل قد يرجع السقوط بالسيرة، و صعوبة معرفة طريق تحصيل التكرار الترتيب في كثير من موارده على أكثر الناس أو عامتهم، و استبعاد إيكال الشارع مثل ذلك مع كثرة وقوعه، و شدة

التفاوت بين عدد المقدمة و ذيها، و مشقة معرفة طريق الحصول إلى باب المقدمة و نحوه، و معلومية الفرق بين الوجوب المقدمي و الأصلي بأن مبنى الأول على أن لا يستلزم قبحا و حرجا كما لو اشتبهت موطوءة الإبل في كثير منها و ظرف السمن بين ظروف كثيرة و غير ذلك مما يعظم اجتنابه على المكلفين، بل تمجه عقولهم، بل من ذلك و نحوه حكم بسقوط مراعاتها في غير المحصور، إلى غير ذلك.

إلا أنه و مع ذلك كله فالاحتياط بالتكرار المحصل للترتيب لا ينبغي تركه، و هو يحصل كما عن غاية المراد و المحقق الثاني بأن يزيد على الاحتمالات صلاة واحدة، فمن فاته الظهران زاد صلاة فصلى ظهرا بين عصرين أو بالعكس، إذ المحتمل فيه اثنان فيزاد صلاة، لكن قيل: إن فيه زيادة تكليف لو كانت الفرائض الفائتة أربعة مثلا، فان الاحتمالات فيه أربعة و عشرون، فينبغي فيه صلاة خمس و عشرين، أو كانت خسمة فان الاحتمالات فيه مائة و عشرون، فينبغي أن يصلي مائة و إحدى و عشرين، و فيه نظر، لعدم إرادته الاحتمالات العقلية الحاصلة من الضرب قطعا.

لكن على كل حال الأولى ارتكاب طريق آخر ذكره غير واحد من الأصحاب أخصر من هذا و أسهل يحصل به الترتيب أيضا و إن توافق معه في بعض الصور، و هو بأن يصلي من فإنه ظهران من يومين ظهرا بين عصرين أو بالعكس، لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كل واحدة، و لو جامعهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب و بعدها، أو عشاء معها فعل السبع قبلها و بعدها، أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها

ج 13، ص: 27

و بعدها و هكذا، و الضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات، و هي اثنان في الأول، و ست في الثاني، و أربعة و عشرون في الثالث، و مائة و عشرون في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا في عدد الفرائض المطلوبة، فحينئذ لو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبع مائة و عشرين، و صحته فيها من ثلاث و ستين فريضة بفعل الإحدى و ثلاثين قبلها و بعدها، و لو أضيف إليها سابعة صارت الاحتمالات خسمة آلاف و أربعين، و تصح من مائة و سبع و عشرين فريضة، و لو أضيف إليها ثامنة صارت الاحتمالات أربعين ألفا و ثلاثمائة و عشرين، و يصح من مائتين و خمس و خمسين فريضة.

نعم قد يقال بأن الفريضة الزائدة على الخمس لا تكون إلا إحدى الخمس، و ترتيبها على مثلها لا يبلغ في زيادة الاحتمالات إلى هذا المقدار، ضرورة عدم توقف الترتيب بينها و بين مماثلها من الفريضة على تكرار، و لذا لو كانت الفوائت المتعددة من نوع واحد كعشاءات متعددة مثلا لم يجب تكرير في تحصيل الترتيب بينها، و توضيح ذلك بأن يقال: إن الفائت إذا كان ظهرين و عصرا فالاحتمالات ثلاثة، و إذا أضيف إليها مغرب صارت اثني عشر حاصلة من ضرب الثلاثة في الأربع، و إذا أضيف إليها العشاء صارت ستين، و إذا أضيف صبح صارت ثلاثمائة و ستين، اللهم إلا أن يراد مطلق الاحتمال و إن لم يكن له مدخلية في الترتيب، لكن دعوى أن صحتها على هذا الطريق من ثلاث و ستين فريضة لا تخلو من نظر، و ذلك لأن صحته في الأول من خمس هي ظهران قبلهما عصر، و بعدهما عصر، و بينهما عصر، فلو أضيف إليها مغرب كانت من إحدى عشرة، فلو أضيف إليها عشاء كانت من ثلاث و عشرين، فلو أضيف إليها صبح و هو السادس كانت من سبع و أربعين، و احتمال إرادة نحو صلاة الكسوف من الفريضة السادسة لا اليومية بناء على مراعاة الترتيب بينها و بين الفوائت، أو المختلفة بالقصر

ج 13، ص: 28

و الإتمام بعيد في عباراتهم، بل مقطوع بعدمه كما لا يخفى على من لا حظ الروضة و غيرها مما ذكر فيه هذا الطريق، نعم لعل المراد إرادة حصوله بالعدد المذكور لا أن المراد أنه أقل عدد يحصل به، لما عرفت.

بل هناك طريق آخر غير ذلك هو أخصر و أسهل ذكره أيضا غير واحد من الأصحاب، و هو أن يصلي الفرائض الفائتة أجمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها بواحد ثم يختمه بما بدأ به منها، فيصح من ثلاث عشرة فريضة في الثالث، و إحدى و عشرين في الرابع، و إحدى و ثلاثين في الخامس الذي فرض فيه زيادة فريضة سادسة.

بل في الروضة أنه يمكن الحصول في الأخير بخمسة أيام ولاء و الختم بالفريضة الزائدة، و لعله لأنه إذا صلى خمسة أيام مكررة ففي كل مرة يبرأ من بعضها و لو واحدة لأنه في الأولى يبرأ من واحدة من الأواخر قطعا، و هي أولها، و كذلك في الثانية، لحصول مثل الجميع بعدها، فيحصل الترتيب بين ما برأ منه أولا و غيره، و لا أقل من واحدة، و كذا في الثالثة و الرابعة و الخامسة، فيبرأ من خمسة و لم يبق إلا الزائد، فإن كان ترتب قبل ذلك مع ما بعده فذاك، و إلا فهو آخر ما فاته فيقضيه و يختم به.

لكن قد يناقش فيه بأنه لا يتم لو فرض أن الزائدة العشاء، و فرض أن الفائت في نفس الأمر هو العشاء ثم العشاء أيضا ثم المغرب ثم العصر ثم الظهر ثم الصبح، فإنه لم يحصل له ذلك بفعل خمسة أيام كيف شاء و الختم بالفريضة الزائدة التي فرضنا أنها العشاء ضرورة عدم تحصيله من اليوم الأول إذا فرض ابتداؤه فيه من الصبح إلا العشاء، و من الثاني العشاء الثاني خاصة، و من الثالث المغرب كذلك، و من الرابع العصر، و من الخامس الظهر، فيبقى حينئذ الصبح الذي لا يجدي في حصول الترتيب له الختم بالعشاء الذي فرض أنه الفريضة الزائدة، اللهم إلا أن يريد الختم بالفريضة الزائدة لكل يوم، لكنه حينئذ ينقص عن الطريق السابق واحدة، لأنه كان من إحدى و ثلاثين، و هذا

ج 13، ص: 29

ثلاثون، و هو بعيد جدا، إذ لو أراده لقال إنه يحصل الترتيب بستة أيام، كما أنه كذلك في الواقع للعلم بحصول فريضة له من كل يوم، بل لعل ذلك أوضح الطرق، و الأمر سهل، إذ المدار على فعل ما يحصل به الترتيب، و أما كيفيته فليس هو من وظائف الفقيه.

هذا كله إذا كان الفائت مختلفا صنفا أو عددا، أما المتحد صنفا و عددا كالظهرين فصاعدا أو العصرين كفاه فعلها بنية الأولى فالأولى كما صرح به غير واحد، بل هو واضح، بل قد يحتمل عدم وجوب هذه النية، بل الاجتزاء بنية الخلاف، قصرا لدليل الترتيب على الأول، لكنه كما ترى ضعيف جدا، نعم حكي عن غاية المراد احتمال إلحاق المتحد عددا المختلف صنفا كالظهر و العصر بالمتحد صنفا و عددا، فيجزي صلاة أربعة مطلقة ينوي بها أولى ما في ذمته إن ظهرا فظهر و إن عصرا فعصر، و الثانية(1)ما في ذمته و هكذا، و هو لا يخلو من قوة بناء على عدم وجوب نية الظهرية و العصرية إلا للتعيين الحاصل بنيته أولى ما في ذمته و إن كان لم يعلمها بخصوصها، إذ الواجب التعيين المفيد تعينا واقعا، و نحو ذلك الظهر المقصورة و الصبح أو العشاء المقصورة، نعم لو فاته مع ذلك مغرب وسطها بين أربع فرائض مطلقة على الطريق الذي سمعته سابقا، و لو فاته صلوات معلومة سفرا أو حضرا(2)و لم يعلم السابق منهما كفى في حصول الترتيب صلوات رباعيات كل يوم قصرا و تماما كما هو واضح، و صرح به غير واحد من الأصحاب.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في مراعاة الترتيب في القضاء مع العلم به بين أن يتولاه بنفسه و بين أن يتولاه عنه وليه بعد موته أو متبرع أو مستأجر، ضرورة تأدية هؤلاء


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن حق العبارة هكذا« ثانية ما في ذمته».
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« سفرا و حضرا».

ج 13، ص: 30

تكليفه عنه و تحملهم إياه عنه، و الفرض أنه كان عليه ذلك مرتبا، فمن أداه عنه غير مرتب لم يكن مجزيا كما صرح بذلك في القواعد، قال: و لو استأجر ولي الميت عنه لصلاته الفائتة وجب على الأجير الإتيان بها على ترتيبها في الفوائت، خلافا للأستاذ في كشفه فلم يعتبره للأصل بعد قصر ما دل على اعتباره على المتقن، و هو القاضي عن نفسه، و إطلاق ما دل على القضاء عنه، لكنه قد يناقش فيه بأن النائب ليس إلا مؤديا تكليف غيره الذي من كيفيته الترتيب كالقصر و الإتمام و الجهر و الإخفات، فلو استأجر أجيرين حينئذ كل واحد عن سنة لم يجز عنه لو أوقعاها دفعة فضلا عن عكس الترتيب بل يصح منهما سنة خاصة كما صرح به في القواعد و الحواشي المنسوبة للشهيد و المحكي عن الإيضاح و جامع المقاصد أيضا.

أما مع الجهل بترتيب فوائته فان كان بعد العلم بمعلوميته عنده إلى أن مات اتجه وجوب التكرار لتحصيله، و إن لم يعلم ذلك كما هو الغالب فالظاهر جريان البحث السابق فيه، بل لعله أولى منه إذا كان للجهل بحال الميت، لا مكان القول بسقوطه به بالنسبة للجاهل المؤدي عن نفسه لا المتحمل تكليف غيره المجهول عنده كيفية تكليف من تحمل عنه من الترتيب و عدمه، و ربما كان مرتبا عنده، بل قد ينقح الأصل كونه كذلك في بعض الأفراد منه أو أكثرها، فيكون من القسم الأول، لكن في كشف الأستاذ أن الأحوط عدم مراعاة الترتيب حذرا من طول المدة و بقاء الميت معاقبا لو كان القضاء عن واجب، و من تأخير وصول الأجر لو كان ندبا، و لا بأس به إن كان المراد ترجيح التعجيل على الاحتياط في مراعاة الترتيب بعد البناء على سقوط وجوب التكرار مراعاة له، و إن كان قد يناقش فيه بالنسبة للثاني، بل و الأول لو كان الفوات لا عن تقصير من المكلف، بل و مع التقصير أيضا بناء على عذرية الحكم الظاهري الحاصل من ظن المجتهد لا واقعيته، لاحتمال عدم خلوصه عن العقاب حينئذ إلا بإتيان الترتيب،

ج 13، ص: 31

بل لا ريب في رجحان ما يحصل به الخلاص المؤبد يقينا على محتمله و إن استلزم زيادة زمان عليه.

و كيف كان فتحصيل الترتيب عن الميت على حسب ما سمعته في الحي بالطرق السابقة، بل لا بأس بتعدد النواب، فيصح حينئذ استئجار أجيرين فصاعدا عن ميت واحد لكن بشرط أن يكون فعلهما مرتبا بمعنى وقوع فعل أحدهما بعد فعل الآخر لو أريد تحصيله على الطريق الأول، ضرورة عدم حصول الترتيب عليه بغير ذلك، إذ لو أوقعاه دفعة في جماعة أو على الانفراد لم يحصل البينية التي هي من مقوماته، و كذا الطريق الثاني إذا فرض توزيع التكرير المحصل للترتيب عليهما أياما، فإنه لو أوقعاهما دفعة لم يحصل منه إلا ما يحصل بفعل واحد منهما، و يكون الثاني لغوا، إذ لو فرض أن الفائت خمس فرائض كان حصول الترتيب بينها على هذا الطريق بأربعة أيام و الختم بما بدأ به، لليقين بحصول فريضة له من كل يوم و لم يبق له إلا احتمال تأخر ما بدأ به أولا عن الجميع، فيختم بها و يبرأ، فإذا فرض توزيع هذه الأربعة على الأجيرين و أوقعاها دفعة بأن صلى كل منهما يومين مقارنا للآخر جماعة أو على الانفراد لم يحصل اليقين إلا بفريضتين، لاحتمال كون الفائتة الأخيرة من يوميهما الأولين، ثم ما قبلها من اليومين الثانيين، فيكون الأربعة أيام بمنزلة اليومين من واحد، بخلاف ما لو كانت أيامهم على التعاقب، إذ هي حينئذ كالأيام الأربعة من واحد بعلم حصول فريضة من كل يوم ثم يختم أحدهما بالفريضة المبتدأة فيحصل الترتيب بين الخمس، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم لا بأس على الظاهر بتوزيع فرائض اليوم عليهما بأن يصلي أحدهما الصبح مثلا و الآخر الظهر مقارنا له، ثم العصر و الآخر المغرب، ثم يصلي العشاء أحدهما و هكذا إلى تمام الأربعة، ثم يختم بابتداء فرائض يومهما، و هو الصبح في المثال، فإنه

ج 13، ص: 32

يحصل الترتيب بين الخمس أيضا.

هذا كله لو قلنا بمراعاة الترتيب حال الجهل، أما بناء على سقوطه و لو كان من ولي الميت كما لعله الأقوى في النظر لم يجب زائدا على فوائت الميت، لكن لو استأجر أجيرين على أدائهما و أوقعاها دفعة جماعة أو فرادى ففي إجزائه نظر، ينشأ من صدق امتثال إطلاق الأدلة بعد سقوط اشتراطه و كونه كالصلاة مع الجنابة في الثوب المشترك في التمسك بأصالة صحة فعله، و من أن أقصى سقوط وجوب مراعاته إجزاء غير معلوم الخلاف، أما معلومة فلا كما في الفرض، ضرورة أن السابقة إحداهما، فتصح حينئذ صلاة منهما دون الأخرى، و وضوح الفرق بينه و بين الثوب المشترك بأن فعلهما معا راجع إلى واحد، و هو المنوب عنه بخلافه فيه، و لعله لذا كان ظاهر القواعد و الحواشي المنسوبة للشهيد عليها الثاني، بل كاد يكون صريح الأخير بل و الأول بعد التأمل الجيد بل ربما حكي عن الإيضاح و الفخر أيضا، بل لم يحضرني الآن مصرح بالأول عدا الأستاذ في الكشف، قال في الأول بعد ما سمعت من عبارته السابقة: «فإن استأجر أجيرين كل واحد عن سنة جاز لكن بشرط الترتيب بين فعليهما، فإن أوقعاه دفعة وجب على كل منهما قضاء نصف سنة» و قال في الثاني: «الترتيب أن يصلي هذا يوما و هذا يوما، و هذا شهرا و هذا شهرا، فإن أوقعاه دفعة بأن يقترنا في نية كل صلاة و كذا لو لم يقترنا فنقول هنا: صلاة واحدة صحيحة و الأخرى غير مجزية لعدم الترتيب، فإذا فرضنا صلاة «غانم» صحيحة كانت صلاة «سالم» غير مجزية، فإذا اختلفا كذلك مقترنين أو سبق أحدهما الآخر بالنية في الصلاة الثانية كانت صلاة «سالم» مجزية، و في الثالثة تجزي صلاة «غانم» و في الرابعة صلاة «سالم» و على هذا يكون بين السنة نصف سنة و بين السنتين سنة واحدة، فيحصل الترتيب، و كذا الحكم إن جهلا» انتهى. و لا ريب

ج 13، ص: 33

في أنه أحوط إن لم يكن أقوى و إن اشتهر في زماننا هذا عدم الالتفات إلى شي ء من ذلك، لكن هل يعتبر في براءة ذمة المؤجر اشتراط التعاقب أو يكفي فيها عدم علمه بالاقتران؟ وجهان أقواهما الثاني.

[في المواسعة و المضايقة و نقل الأقوال فيهما]
اشاره

هذا كله في ترتيب الحواضر و الفوائت أنفسهما، أما البحث فيه بالنسبة إلى بعضها مع بعض فهو المعركة العظمى بين الأصحاب الذي اختلفت فيه أقوالهم، و تشتتت فيه آراؤهم حتى أن بعضهم كالسيد ضياء الدين بن الفاخر و الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أفتى به مدة ثم رجع عنه إلى عدمه أخرى على ما حكاه في غاية المرام، و ما ذاك إلا لكون المسألة من المعضلات، و هي التي أشار إليها المصنف بقوله فان فاتته صلوات متعددة لم يعتبر في صحتها أن تترتب بمعنى تتقدم على الحاضرة و لا في صحة الحاضرة أو غيرها من العبادات أن تتأخر عنها، و لم يجب فعلها فورا متى ذكرها، و لم يجب العدول من الحاضرة لو ذكرها في الأثناء إليها، و لم يحرم التشاغل بسائر ما ينافي فعلها من مندوبات أو واجبات موسعة أو مباحات أو غير ذلك كما هو المشهور بين المتأخرين نقلا و تحصيلا، بل في الذخيرة أنه مشهور بين المتقدمين أيضا، كما أنه نسبه في مصابيح العلامة الطباطبائي إلى أكثر الأصحاب على الإطلاق، كنسبته إلى المشهور كذلك في شرح الموالي، بل في المصابيح أيضا أن هذا القول مشهور بين أصحابنا ظاهر ناش في كل طبقة من طبقات فقهائنا المتقدمين منهم و المتأخرين، و هو كذلك يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب و جادة و حكاية في الرسائل الموضوعة في هذا الباب، كرسالة المولى المتبحر السيد العماد أستاذي السيد محمد جواد و الفاضل المحقق المتبحر ملا أسد اللَّه و غيرهما من كتب الأساطين المعتمدين كالمختلف و كشف الرموز و غاية المراد و الذخيرة و مصابيح العلامة الطباطبائي و نحوها، إذ المستفاد منه أنه مذهب

الشيخ الثقة الجليل الفقيه عبد اللَّه بن علي بن أبي شعبة الحلبي في أصله الذي أثنى عليه الصادق (عليه

ج 13، ص: 34

السلام)(1)عند عرضه عليه و صححه و استحسنه، و قال: «إنه ليس لهؤلاء أي المخالفين مثله»

و عده الصدوق من الكتب المشهورة التي عليها المعول و إليها المرجع، بل أمر المرتضى بالرجوع اليه و إلى رسالة ابن بابويه مقدما لهما على كتاب الشلمغاني لما سئل عن أخذ ما يشكل من الفقه من هذه الثلاثة، و الحسين بن سعيد الأهوازي الذي هو من أصحاب الرضا و الجواد و الهادي (عليهم السلام)، و حاله أجل من أن يذكر مصنف الكتب الثلاثين الحسنة التي يضرب بها المثل في الإتقان و الجودة، و قد عده المحقق طاب ثراه في المعتبر في جملة الفقهاء المعتبرين الذين اختار النقل عنهم ممن اشتهر فضله و عرف تقدمه في نقل الأخبار و صحة الاختيار و جودة الاعتبار، و الشيخ الجليل العظيم النبيل أحمد بن محمد بن عيسى القمي في نوادره و الصدوقين و الشيخ أبي الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم أو

سليمان المعروف في كتب الرجال بالصابوني، و بين الفقهاء بالجعفي تارة، و بصاحب الفاخر أخرى في كتابه الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه و صح من قول الأئمة (ع) عنده، و الشيخ الجليل الحسين بن عبيد اللَّه ابن علي المعروف بالواسطي أستاذ الكراجكي، و مشاهد (معاهد خ ل معاصر خ ل) الشيخ المفيد و قطب الدين الراوندي الذي صنف رسالة في المسألة كما في الفهرست، و عماد الدين محمد بن علي كما في المصابيح، و العماد الطوسي كما في الغرية، و نصير الدين أبي طالب عبد اللَّه بن حمزة الطوسي غير صاحب الوسيلة، و سديد الدين محمود الحمصي صاحب التصانيف الكثيرة علامة زمانه في الأصوليين كما قال تلميذه منتجب الدين، و هو شيخ ورام بن أبي فراس أيضا، و كذا فخر الدين الرازي كما في القاموس، و كان معاصرا لابن إدريس، و كان يطعن عليه بأنه مخلط لا يعتمد على تصنيفه، و الشيخ أبي علي الحسن ابن ظاهر الصوري، و علي بن عبيد بن بابويه منتجب الدين، و قد صنف في المسألة رسالة


1- 1 رجال النجاشي ص 170.

ج 13، ص: 35

سماها العصرة ردا على بعض من عاصره، و لعله ابن إدريس، و قد رأيتها، و الشيخ يحيى نجم الدين بن الحسن بن سعيد، و الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى المذكور ابن عم المحقق، و السيد الأجل علي بن موسى بن طاوس صاحب الكرامات، و العلامة طاب ثراه في جملة من كتبه، و والده و ولده و ابن أخته السيد العميد، و السيد ضياء الدين ابن الفاخر، و الشهيدين و المقداد و تلميذه محمد بن شجاع القطان، و الشيخ السعيد أبي العباس أحمد بن فهد و تلميذه علي بن هلال الجزائري و الصيمري و الكركي و ولده و الميسي و ابن أبي جمهور الأحسائي و الأردبيلي و تلميذه المحقق أبي منصور الشيخ حسن صاحب المعالم في الاثنى عشرية، و ولده الشيخ محمد في شرح الرسالة المزبورة، و الشيخ أبي طالب شارح الجعفرية، و شيخنا البهائي و والده و تلميذه الشيخ جواد بن سعيد الكاظمي، و المحدث القاشاني في المفاتيح و غيرها، و ابن أخيه الشيخ هادي، و الفاضل الخراساني و السيد ماجد و الشيخ سليمان البحرانيين، و فيض اللَّه بن عبد القاهر، و العلامة المجلسي و والده، و المحقق الشيرواني و الفاضل الماحوزي و أكثر علماء عصرنا هذا و ما قاربه، كالمولى المحقق المدقق مجدد مذهب الشيعة في المائة الثانية بعد الألف محمد باقر الأصبهاني الشهير بالبهبهاني، و العلامة الشريف الذي انتهت إليه رئاسة الشيعة في زمانه السيد محمد مهدي الطباطبائي، و أستاذي المحقق النحرير الذي لم يكن في زمانه أقوى منه حدسا و تنبها الشيخ جعفر، و الفاضل المتبحر المحقق المدقق ملا أسد اللَّه و غيرهم، بل حكاه العلامة عن أكثر من عاصر من المشايخ، و الحلي عن جماعة من أصحابنا الخراسانيين و الشهيد نسبه إلى أكثر من علمه العلامة من المشايخ، بل نسبه في الجملة الواسطي المزبور في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي (صلى اللَّه عليه و آله) إلى أهل البيت (عليهم السلام) كما حكاه عنه ابن طاوس في رسالته المنقول جملة منها في الذخيرة

ج 13، ص: 36

و غيرها هنا و في المواقيت، و هو أقوى من الإجماع (1)، بل قد يظهر من الفاضلين في المعتبر و المنتهى و المختلف دعوى إجماع المسلمين عليه في الجملة، مضافا إلى ما سمعت من ذكر الجعفي له في كتابه الذي ذكر في خطبته أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه و صح عنده من قول الأئمة (عليهم السلام).

فمن العجيب بعد ذلك كله و غيره مما تركنا التعرض له خوف الإطالة و الملل و أو كلنا و إلى مظانه دعوى شهرة القول بالمضايقة و الإجماع عليها، و لقد أجاد من منعها على مدعيها، و كيف و قد عرفت أن ذلك مذهب جم غفير من قدماء الأصحاب و متأخريهم ممن اشتهرت أقوالهم و كثرت أتباعهم و تفرقت أمصارهم من قميهم و خراسانيهم و شاميهم و عراقيهم و ساحليهم و اصبهانيهم و كاشانيهم، و فيهم من هو من أجلاء أصحاب الأئمة (عليهم

السلام)، و لا يصار إلا بأمرهم (عليهم السلام)، و من أدرك الغيبتين و من انتهى اليه في زمانه أمر الرئاستين، و أقر له بالفقه و صدق اللهجة، و إن كان لم يصرح بعضهم بجميع ما ذكرناه في العنوان عند شرح المتن إلا أنه لازم ما ذكره منه و لو بمعونة عدم القول بالفصل أو غيره، كما يومي اليه ملاحظة كلامهم في تحرير هذا النزاع


1- 1 قال ما هذا لفظه:« مسألة: من ذكر صلاة و هو في أخرى، قال أهل البيت عليهم السلام: يتم التي هو فيها، و يقضى ما فاتته، و به قال الشافعي، قال ابن طاوس ثم ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت عليهم السلام» ثم قال في أواخر المجلد ما لفظه: « مسألة أخرى: من ذكر صلاة و هو في أخرى إن سأل سائل فقال: أخبرونا عمن ذكر صلاة و هو في أخرى ما الذي يجب عليه؟ قيل له: أن يتمم التي هو فيها و يقضى ما فاته، و به قال الشافعي- قال السيد-: ثم ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال: من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثم قضى ما فاته» انتهى إذ قد عرفت و تعرف إن شاء اللَّه ان القائلين بالمضايقة يوجبون العدول من الحاضرة إلى الفائتة لترتبها عليها عندهم فمن لم يوجبه أو لم يجوزه ممن لا يقول بوجوب الترتيب البتة منه رحمه اللَّه.

ج 13، ص: 37

قديما و حديثا، فإنهم ذكروا جملة من أهل القول بالمواسعة المحضة كعلي بن أبي شعبة و الحسين بن سعيد و ابن عيسى و الجعفي و الواسطي و الصدوقين و غيرهم، مع أنه ليس في المحكي من كلام هؤلاء إلا التصريح ببعض ما سمعته في العنوان من فعل الحاضرة في أول وقتها، أو عدم إيجاب العدول منها إليها أو غير ذلك مما لا تلازم بينه و بين القول بالمواسعة المحضة من كل وجه، و ما ذاك إلا لاكتفائهم في القول بها بالتصريح ببعض ما عرفت، كما أن القول بالمضايقة كذلك، و إلا لو اقتصر بالنسبة إلى كل عبارة على ما نصت عليه و صرحت به و جعل قولا مستقلا لأمكن إنهاء الأقوال في المسألة إلى عشرين أو ثلاثين لاختلاف العبارات بالنسبة إلى ذلك اختلافا شديدا، خصوصا عبارات القدماء التي لم يراع فيها السلامة من الحشو و نحوه، و من المعلوم خلاف ذلك كله عند كل محرر للخلاف و النزاع في المقام، فيعلم حينئذ أنه لا قائل بالتفصيل و الجمود على خصوص ما نص عليه في هذه العبارات، فيكتفى بإدراج من نص على بعض ما سمعته في العنوان في القائلين بالمواسعة و نحوه في المضايقة على ما ستعرف، فتأمل جيدا، و مع ذلك كله فالمتبع الدليل و ستعرف ثبوته على جميع ما في العنوان.

و كذا لا يقدح ما بينهم من الخلاف في أمر غير ما نحن فيه من التخيير المحض في تقديم الحاضرة أو الفائتة كما هو المحكي عن ظاهر الراوندي و الحمصي و ابن سعيد منهم، أو استحباب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر الصدوقين و الجعفي و الواسطي و عن الصوري، بل ربما ظهر من بعضهم وجوبه، لكن يجب إرادته الاستحباب منه، للإجماع من الطائفة نقلا و تحصيلا على جواز التقديم و عدم ترتب الفائتة على فعلها، أو استحباب تقديم الفائتة كما عن العلامة و والده و ولده و مشايخه المعاصرين له و أكثر المتأخرين عنه، بل ظاهر كشف الرموز الاتفاق عليه في الجملة، لكن الأمر في هذا الخلاف هين، بل الظاهر سقوطه عند التحقيق، فان التخيير في الجملة مشترك بين الكل

ج 13، ص: 38

و هو الأصل في هذا القول، بل لعل ترجيح الفائتة عند من ذكره نظرا إلى الاحتياط الذي لا ينافي ترجيح الحاضرة بالذات من حيث أنها صاحبة الوقت المحتمل إرادة من ذكره له، كما لا يخفى على الملاحظ المتدبر، فيكون النزاع لفظيا، فتأمل جيدا.

و قيل و القائل القديمان و الشيخان و السيدان و القاضي و الحلي و الآبي و الشيخ ورام و بعض المحدثين و بعض علمائنا المعاصرين على ما حكي عن بعضهم-:

يجب التشاغل بقضاء الفوائت فورا عند الذكر في سائر الأوقات إلا وقت ضيق الأداء أو الاشتغال بما لا بد منه من ضروريات المعاش من التكسب و الأكل و الشرب، و يجب أن تترتب بمعنى تتقدم على الحاضرة مع سعة الوقت، بل يجب العدول عنها إليها لو كان قد ذكرها في أثنائها، بل هذا الترتيب شرط في صحتها و صحة غيرها من العبادات، بل و حلية باقي ما ينافيها من سائر الأفعال و الأعمال المباحات إلا ما يضطر اليه مما يتوقف عليه الحياة أو النفقات الواجبات من غير فرق في ذلك كله على الظاهر منهم بين اتحاد الفائت و تعدده، و بين الفائت ليومه و غيره، و بين ما كان سببه العمد و التقصير و غيره، بل صرح بعضهم أو أكثرهم بالأول من ذلك، نعم لم ينصوا جميعهم على جميع ما سمعته في العنوان، لكنهم قد اتفقوا جميعا كما قيل على الترتيب، بل نص المفيد و المرتضى و القاضي و الحلبيان و الحلي منهم على فورية القضاء، بل لعله ظاهر القديمين و الشيخ و الآبي أيضا، بل حكى المفيد و القاضي و أبو المكارم و الحلي الإجماع على ذلك، فالفورية و الترتيب حينئذ متلازمان عندهم و إن كانا ليسا كذلك في نفس الأمر، بمعنى أن كل من قال بالترتيب قال بالفورية و بالعكس، لأن هؤلاء عمدة أهل هذا القول، بل هم أصله و أسه، و يشهد له تحرير هذا النزاع من بعضهم بالمضايقة و المواسعة، و من آخر بالترتيب و عدمه، و لو لا التلازم المزبور لاختلف الحكم و تعدد الخلاف، بل عن أبي العباس التصريح بأن الترتيب هو القول بالمضايقة، و عدمه هو

ج 13، ص: 39

القول بالمواسعة كما عن الصيمري ما يقرب منه، و كذا صرح الشيخ و السيدان و القاضي و الحلبي و الحلي منهم ببطلان الحاضرة المقدمة على الفائتة في السعة، بل في الغنية الإجماع عليه، بل هو قضية تصريح المفيد بالحرمة، ضرورة لزومها للفساد في مثلها.

بل الظاهر أنه كالفورية عندهم من لوازم الترتيب، فان المستفاد من كلامهم كونه شرطا في صحة الأداء فيه و في القضاء، و لذا أخذه المصنف في المعتبر في القول بالترتيب و عزاه إلى الثلاثة و أتباعهم، و نص الشهيدان في غاية المراد و روض الجنان على أن المضايقة المحضة بمعنى وجوب تقديم الفائتة مطلقا، و بطلان الحاضرة لو قدمها عمدا، و وجوب العدول لو كان سهوا، و قال أولهما في الذكرى: «ظاهر الأكثر وجوب الفور في القضاء إما لأن الأمر المطلق للفور كما قاله المرتضى و الشيخ، و إما احتياطا للبراءة، فهؤلاء يوجبون تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت، و يبطلون الحاضرة لو عكس متعمدا» و هذا صريح في أن البطلان مأخوذ في هذا القول، و أما العدول في الأثناء إليها فقد نص عليه المرتضى و الشيخ و القاضي و الحلبيان و الحلي منهم و في المسائل الرسية سؤالا و جوابا و الخلاف و الغنية و بحث المواقيت من السرائر و ظاهر شرح الجمل، و عن خلاصة الاستدلال للحلي الإجماع على ذلك، و قد سمعت أن الشهيدين أخذاه في القول بالمضايقة، و قال في المختلف: «لو اشتغل بالفريضة الحاضرة في أول وقتها ناسيا ثم ذكر الفائتة بعد الإتمام صحت صلاته إجماعا، و لو ذكر في الأثناء فإن أمكنه العدول إلى الفائتة عدل بنيته استحبابا عندنا، و وجوبا على رأي القائلين بالمضايقة» و كذا نص المرتضى و القاضي و الحلبي و الحلي منهم على وجوب التشاغل المزبور، و هو لازم الباقين حيث قالوا بالفورية التي من لوازمها تحريم التأخير إلا للأمور الضرورية، و الإخلال بها في أول الوقت لا يسقط القضاء و لا فوريته في سائر الأوقات إما لأن الأصل في كل واجب فوري أن يستمر على وجوبه و فوريته مع الإخلال به، أو للإجماع

ج 13، ص: 40

على بقاء الأمرين هنا و إن قيل بسقوطهما في غيره، إذ لا خلاف بين المسلمين في عدم سقوط القضاء بالتأخير، و لا بين القائلين بفوريته في وجوب المبادرة به بعد الإخلال، فعلى قولهم يلزم المؤخر للقضاء تجدد المعصية في كل زمان، و استحقاق العقوبة على كل تأخير، قال الآبي منهم: و عند أصحاب المضايقة لا يجوز الإخلال بالقضاء إلا لأكل أو شرب ما يسد به الرمق، أو تحصيل ما يتقوت به هو و عياله، و مع الإخلال بها يستحق العقوبة في كل جزء من الوقت.

و أما تحريم الأفعال المنافية عدا الصلاة الحاضرة في آخر وقتها و ضروريات الحياة فقد صرح به المرتضى و الحلي منهم، بل يظهر من المفيد و الحلبيين القول به أيضا فإنهم رتبوا تحريم الحاضرة في السعة على تضيق الفائتة، و بنى المفيد تحريم النافلة لمن وجب عليه فائتة على تحريم الحاضرة، و مقتضاه استناد التحريم إلى التضاد، فيطرد في جميع الأضداد، و بناء الترتيب على المضايقة- كما صرح به الصيمري في المحكي عنه من غاية المرام و يستفاد من غيره أيضا- يعطي دخول تحريم الأضداد في هذا القول عندهم بمعنى الشرطية لا مطلق الوجوب، فيكون تحريم الضد مطلقا عندهم بمعنى الشرطية لا مطلق الوجوب بل يكون تحريم الضد مطلقا من تتمة القول المذكور، و تخصيص نسبة القول به بالمرتضى و الحلي كما وقع من العلامة و الشهيدين و غيرهما لاختصاصهما بالتصريح بذلك، بل قيل: إنه يلوح من ظاهر عباراتهم، و إلا فقد عزاه في التذكرة إلى السيد و جماعة، و هذا صريح في عدم اختصاصه بهما، و هذه المطالب كلها ساقطة على القول بالمواسعة المحضة، فإن أصحاب هذا القول يسقطون الترتيب و يجيزون تأخير القضاء مطلقا، و لا يوجبون العدول في الأثناء، فهذان القولان على طرفي النقيض، و لا تصريح في كلام أحد منهم بالفرق بين الواحدة و المتعددة، أو فائتة اليوم و غيرها و أسباب الفوات

ج 13، ص: 41

بل فيه ما هو صريح في عدم الفرق.

و قد توسط بينهما المفصلون على اختلافهم في وجوه التفصيل، فمنها ما سمعته من المصنف و من تبعه من الترتيب في المتحدة و عدمه في المتعددة الذي استجوده الشهيد في غاية المراد إن لم يكن إحداث قول ثالث، و منها ما للعلامة في المختلف من وجوب تقديم الفائتة إن ذكرها في يوم الفوات، و استحباب تقديمها إن لم يذكرها فيه متحدة كانت أو متعددة، و الظاهر إرادته ما يشمل الليلة المستقبلة باليوم الذي ابتداؤه من الصبح، و لم نعرف من سبقه اليه بل و لا من لحقه عليه عدا ما يحكى عن ابن الصائغ في شرح الإرشاد، بل و لا قال هو به أيضا في باقي كتبه، إذ الموجود فيما حضرنا منها و المحكي عن غيره منها التوسعة حتى تبصرته التي هي آخر ما صنف، فيكون قد رجع عنه، بل هو أشبه من تفصيل المصنف بالاحداث، و كذا لم نعرف الحكم عنده فيمن ذكر فوات صلاة يومية و غيره من الأيام الماضية، إذ وجوب المبادرة في فعلها خاصة مناف للترتيب و عدمه مناف لما ذكره من التعجيل، لكن قد يحتمل تخصيصه الحكم عنده بفائتة اليوم التي لا يجامعها فوات غيرها، كما أنه يحتمل إيجابه في الفرض التعجيل في غير فائتة اليوم مقدمة لها، لاشتراط صحتها به، أو التزامه بسقوط الترتيب هنا، فيضيق حينئذ في فائتة اليوم و يوسع في غيرها، إلا أن الأخير بعيد جدا، و الأول أقرب الأولين، فتأمل جيدا.

و منها ما عن ابن جمهور في المسالك الجامعية من تخريج تفصيل ثالث من هذين التفصيلين هو وجوب الترتيب في الفائتة الواحدة في يوم الذكر دون غيرها، و منها ما عساه يظهر من ابن حمزة من الفرق بين الفائتة نسيانا و عمدا فتضيق الأولى دون الثانية قال في وسيلته: تقضى الفائتة وقت الذكر لها إن فاتت نسيانا إلا عند تضيق وقت الفريضة، فإن ذكرها و هو في الحاضرة عدل بنيته إليها ما لم يتضيق الوقت، و إن تركها قصدا جاز له الاشتغال بالقضاء إلى آخر الوقت، و الأفضل تقديم الأداء عليه و إن لم

ج 13، ص: 42

يشتغل بالقضاء و أخر الأداء إلى آخر الوقت كان مخطئا، و الاشكال فيه فيما لو كان الفائت له عدة صلاة نسيانا و عمدا و كانت فوائت النسيان المتأخرة نحو ما سمعته في كلام العلامة، فتأمل، و منها ما يظهر من الديلمي من التفصيل بين المعين عدده من الفائت و مجهوله، فيتضيق الأول دون الثاني، قال في مراسمه: «كل صلاة فاتت فلا تخلو أن تكون فاتت بعمد أو بتفريط أو بسهو، فالأول و الثاني يجب فيهما القضاء على الفور، و الثالث على ضربين: أحدهما أن يسهو عنها جملة فهذا يجب قضاؤه وقت الذكر ما لم يكن آخر وقت فريضة حاضرة، و الثاني أن يسهو سهوا يوجب الإعادة كما بيناه، فهذا أيضا يجب أن يقضيه على الفور، و الصلاة المتروكة على ثلاثة أضرب: فرض معين و فرض غير معين و نفل، فالأول يجب قضاؤه على ما فات، و الثاني على ضربين: أحدهما أن يتعين له أن كل الخمس فاتت في أيام لا يدري عددها، و الثاني أن يتعين له أنها صلاة واحدة و لا يعلم أي صلاة هي، فالأول يجب عليه فيه أن يصلي مع كل صلاة صلاة حتى يغلب على ظنه أنه قد وفى، و الثاني يجب عليه فيه أن يصلي اثنتين و ثلاثا و أربعا» انتهى و ربما استظهر منه رجوعه إلى تفصيل المصنف إما مطلقا كما في رسالة شيخنا الفاضل المعاصر ملا أسد اللَّه، أو في الجملة كما في مصابيح العلامة الطباطبائي، و عن الحلي في خلاصة الاستدلال أنه حكى كلامه بتمامه في جملة ما ذكره من عبارات القائلين بالمضايقة ثم حكى عن بعض أصحاب المواسعة الانتصار لمذهبهم بموافقته لهم، و رده بالإجماع على عدم تعيين القضاء بهذا الوجه، و هو أن يصلي مع كل صلاة صلاة، و أول ذلك بحمله على أن المراد منه أنه يصلي خمسا كالفريضة اليومية لا اثنتين و ثلاثا و أربعا كما ذكره في القسم الثاني من هذا التقسيم، و أطال الكلام في هذا المعنى و شدد النكير على القائل المذكور، لكنه كما ترى بعيد بل غير سديد، و لعل الأولى ما ذكرنا، و الأمر سهل.

و منها ما عن الغرية من حكاية التفصيل عن قوم بين الوقت الاختياري للحاضرة

ج 13، ص: 43

و الاضطراري، قيل: و ظاهره إرادتهم غير من عرفت من أهل المضايقة و إن كان فيهم من جعل للفريضة وقتين اضطراريا و اختياريا أيضا، لكن كأنه فهم منهم المضايقة فيهما جميعا عدا مقدار أداء الحاضرة من آخر الاضطراري، فتختص به صاحبة الوقت حينئذ، و منها ما عساه يتخيل من الجمود على ما نص عليه من الأمور التي سمعتها في عنواني التضييق و التوسعة من عبارات القدماء و غيرهم، و هذا ينحل إلى تفاصيل متعددة لاختلاف العبارات في ذلك اختلافا شديدا كما أشرنا إليه سابقا، خصوصا من نسب إليهم التوسعة، فإني لم أعرف عبارة من عبارات القدماء الذين نسب إليهم ذلك و هم فحول هذا الفن مشتملة على جميع ما سمعته في العنوان السابق، نعم يستفاد من بعضها عدم الترتيب، و من آخر عدم وجوب العدول، و من ثالث الفوات النسياني، و غير ذلك، فان لم تتمم بعدم معروفية القول بالفصل و بأنهم لم يريدوا بذلك الحصر و الاختصاص تشعبت المسألة حينئذ إلى أقوال متعددة، كما لا يخفى على من لا حظ و تدبر، و إن كان الأمر فيه سهلا، إذ المتبع الدليل.

[في الاستدلال على المواسعة]

و كيف كان فلا ريب أن الأشبه الأول للأصل بمعنى استصحاب عدم وجوب العدول عليه لو كان الذكر في الأثناء الذي هو من لوازم التضييق كما عرفت، و جواز فعلها قبل التذكر، و يتم بعدم القول بالفصل، و بمعنى البراءة أيضا عن حرمة فعلها أو فعل شي ء من أضداد الفائتة، بل و عن التعجيل، إذ هو تكليف زائد على أصل الوجوب و الصحة المتيقن ثبوتهما على القولين، لأن القائل بالتضييق لا ينكرهما في ثاني الأوقات مع الترك في أولهما و إن حكم بالإثم، و ليس المراد إثبات خصوص التوسعة المقومة للوجوب مقابل الفورية و التضييق كي يرد أنه غير صالح لذلك، بل المراد محض نفي التكليف بها قبل العلم، كنفي التكليف بالوجوب للفعل المتيقن طلب الشارع له طلبا راجحا في الجملة، بل ربما قيل بثبوت الندب في الأخير، لاستلزام نفي

ج 13، ص: 44

الأصل المنع من الترك الذي هو فصل الوجوب ثبوت الجواز الذي هو نقيضه، فيتقوم به الرجحان المفروض تيقن ثبوته، و يكون مندوبا، ضرورة صيرورته راجح الفعل جائز الترك، و نحوه جار في المقام، إلا أنه كما ترى فيه نظر واضح، لظهور الفرق بين الجواز الذي هو مقتضى الأصل الحاصل من جهة عدم العلم بالتكليف و بين الجواز المقوم للندب كما حرر ذلك في محله.

و بالجملة فالتأخير فعل من أفعال المكلف التي لا تخلو من حكم، و لم يعلم حرمته إذ الوجوب أعم من الذي لا يجوز تأخيره إلى وقت آخر، فلا يكلف بها، و دعوى اقتضاء طبيعة الوجوب حرمة الترك و لو في الجملة حتى يثبت إذن من الشارع بالتأخير إلى وقت آخر إلى بدل أو لا إلى بدل كالموسع و نحوه، فيلتزم حينئذ إرادته من الوجوب لمكان ثبوته شرعا استحقاق العقاب على الترك في الجملة و لو في بعض الأحوال، و إلا فقد يساوي الندب في البعض، كما لو مات المكلف في أثناء وقت الموسع فجأة، ضرورة ثبوت خاصته له، و إن كان ربما تكون له بعض الثمرات كالقضاء و نية الوجوب و استحقاق ثواب الواجب و حرمة إزالة التمكن و إيجاب العزم و نحو ذلك، فحيث لم تثبت الاذن كما في المقام إذ الفرض قطع النظر عن أدلة الطرفين الخاصة و الرجوع إلى ما تقتضيه الأصول لم يجز التأخير، لعدم الاذن و لو مع العزم على الفعل، لعدم ثبوت بدليته عنه هنا، كعدم ثبوت بدلية الفعل في ثاني الأوقات عن تمام ما يترتب على الفعل في أولها، بل أقصاه الصحة و رفع العقاب عن الخطاب المتوجه فيه لا رفعه مطلقا و لو بالنظر إلى الخطاب الأول، على أن المبادرة تجزي عنه في رفع العقاب و إن لم يتفق له التمكن من الإتمام بخلاف غيرها، إذ لم يعلم التمكن في ثاني الأوقات، فإنه ربما يموت تاركا كما هو مقتضى الإمكان و الأصل في كل حادث، فتبقى ذمته مشغولة و يستحق العقاب على تركه باختياره، إذ لا يعتبر في الترك الموجب لذلك أن يكون بحسب جميع الأحوال

ج 13، ص: 45

الممكنة في حقه، بل بما هو الثابت واقعا في شأنه، و لما كان الواقع غير معلوم قبل وقوعه لم يمكن الإحالة عليه، حتى يختلف باختلافه بالنسبة للأشخاص فيكون مضيقا على واحد و موسعا لآخر، فوجب إناطته بالتضييق المتحد بالنسبة للجميع، فمن ترك الفعل استحق العقاب بهذا الاقدام، و إن كان إذا أدرك الفعل في الوقت الثاني امتثل أصل التكليف بالفعل، بل ربما يكون ذلك سببا للعفو عنه إن ساعد الدليل كما في الفريضة عند بعضهم و هذا و إن كان ليس إثباتا لتضييق الخصم الذي هو بمعنى حرمة التأخير و لو علم المكلف الإدراك في ثاني الأوقات لكنه متحد معه في الثمرة، يدفعها(1)مع أنها سفسطة عند التأمل منع اقتضاء طبيعة الوجوب الذي هو القدر المتيقن من القولين ذلك، و كفاية الأصل المعلوم حجيته في ثبوت الإذن الشرعية بالتأخير و إن لم يكن إلى بدل حتى العزم لأنه بعد تسليم بدليته و وجوبه على المكلف عوضا عن الترك يمكن دعوى اختصاصها بالموسع الذي استفيد من خطاب شرعي توسعته لا التوسعة الناشئة من الأصل التي مرجعها عدم العلم بكيفية الوجوب المراد هنا، و أنه من المضيق الذي لا يكون العزم بدلا عنه أو من الموسع الذي تثبت بدليته عنه، و استلزام ذلك الجواز ترك الواجب لا إلى بدل يدفعه- مع أنه لا بأس بالتزامه في الواجب الموسع فضلا عما نحن فيه، للاكتفاء في تحقق الوجوب بوجود جهة تمنع من تركه عند الضيق و نحوه، و لعدم ثبوت دليل معتبر على إيجاب العزم على المكلف بعنوان البدلية و إن أمكن استفادته من بعض الأمور التي ليس ذا محل ذكرها، لكنها تصلح مؤيدة للدليل لا أن تكون هي الدليل- وضوح الفرق بين الجواز الذي ينشأ من الأصل لعدم علم المكلف بالتكليف و بين الجواز الذي يحصل بنص الشارع، إذ ليس الأول جوازا ابتدائيا من الشارع كي يحتاج في الاذن فيه إلى إقامة بدل عن المتروك، بل سببه جهل المكلف و عدم وصول كيفية التكليف


1- 1 خبر لقوله قدس سره:« و دعوى» المتقدم في ص 44.

ج 13، ص: 46

اليه تفصيلا و إجمال الأمر عليه و لو لتعارض الأدلة، بخلاف الثاني، على أنه لا بأس بالقول بوجوب العزم هنا بدلا كالموسع، لاشتراكهما فيما يتخيل صلاحيته لا ثبات ذلك و إلا فليس لبدليته في الموسع دليل خاص، كما لا يخفى على الخبير المتأمل.

فظهر حينئذ سقوط جميع ما سمعته من تلك الدعوى حتى ما ذكر أخيرا منها من الاحتياط الذي لا دليل على وجوب مراعاته هنا، خصوصا بعد ملاحظة استصحاب السلامة و البقاء الذي به صح الحكم بوجوب أصل الفعل على المكلف، و إلا فالتمكن مقدمة وجوب للفعل، فبدون إحرازها لا يعلم أصل الوجوب، فعلم أن المدار على إمكان التمكن من الفعل في ثاني الأوقات لا على العلم بذلك فضلا عن العلم بوقوعه، فان الغرض من التكليف إيقاع ممكن الوقوع لا معلومه، فتأمل.

و قد تدفع أيضا تلك الدعوى مضافا إلى ما عرفت بمساواة هذا القدر المتيقن من الوجوب للأوامر المطلقة المفيدة لطلب الطبيعة التي حررنا في الأصول أنها لا دلالة فيها على الأزمنة و الأمكنة، بل كل فرد من أفرادها المتماثلة بالذوات المتخالفة في الزمان كلف في حصول الامتثال كاختلافها في المكان و نحوه من المشخصات الأخر، و كون الأوقات مترتبة لا يتمكن المكلف في كل زمان إلا من واحد منها لا يصلح للفرق، إذ أقصاه أن اختيار الفرد الثاني أو الثالث يقتضي الانتقال من المعلوم إلى المحتمل و انقضاء جزء من الزمان بلا عمل، و هو لا يجدي في إثبات المطلوب، خصوصا بعد وقوع نظيره من اختيار المفطر في أول شهر رمضان صوم شهرين متتابعين بعده مع تمكنه من العتق و الإطعام، و بعد معلومية اعتبار استصحاب السلامة و البقاء في نحو ذلك، ففي المقام بعد أن كان الفرض عدم ثبوت ما يزيد على طبيعة الوجوب الذي هو القدر المتفق عليه من القولين كان كالأوامر المطلقة فيما سمعت، ضرورة استناد نفي خصوص الزمان و المكان و نحوهما من المشخصات فيها للأصل أيضا، و إلا فهي لا دلالة فيها عليها،

ج 13، ص: 47

لا أنها دالة على العدم.

لكن قد يخدش هذا الدفع بإمكان الفرق بين الفرض في المقام و بين الأوامر المطلقة بنحو ما يفرق به بين المجمل و المطلق، إذ هو أشبه شي ء بالأول، بل هو منه، و هي من الثاني، فإنها و إن كانت لا دلالة فيها على عدم القيود لكن الامتثال مستند إلى ظهورها بعد نفي المقيدات بالأصل في إرادة المكلف مصداق الطبيعة أي فرد كان بخلاف ما نحن فيه، إذ لم يفرض هناك شي ء يستند إلى إطلاقه، بل فرض قطع النظر عن أدلة المضايقة و المواسعة حتى الإطلاقات و الرجوع إلى مقتضى الأصول بعد إحراز القدر المتيقن من القولين، و هو مطلق الوجوب لا الوجوب المطلق، فتأمل جيدا فإنه قد يدق، بل ربما خفي على بعض المدققين من المعاصرين.

و كيف كان فلا ريب في شهادة الأصل للمواسعة، مضافا إلى إطلاق ما دل على صحة الحاضرة بفعلها في وقتها جامعة للشرائط، إذ ما شك في شرطيته ليس بشرط عندنا، و إلى إطلاق ما دل (1)على وجوب الحواضر بدخول أوقاتها، بناء على ما عساه يظهر من بعض عبارات أهل المضايقة من خروج سببية الوقت عن الوجوب لمن عليه فوائت، و انحصاره في وقت الضيق، لا أنها كالظهر و العصر في الوقت المشترك، و إلى إطلاق ما دل (2)على وجوب قضاء الحاضرة إذا مضى من الوقت مقدار ما يسع الفعل جامعا لما يعتبر فيه من الشرائط، إذ على المضايقة لا يتحقق ذلك لمن كان عليه فوائت، بل لا بد من مضي زمان يسع الجميع، أو إدراك وقت الضيق و لم يفعل، لأن صحة الحاضرة مشروطة بفعل الفائتة، فلا بد من مضي زمان يسع الشرط و المشروط


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 17 و الباب 48 و 49 من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

ج 13، ص: 48

في تحقق القضاء بناء على مساواة غير الطهارة من الشرائط لها في اعتبار سعة الوقت بالنسبة إلى التكليف في أول الوقت، فمن كانت عليه فوائت حينئذ و ذكرها في الوقت ثم عرض له جنون أو حيض أو غيرهما بعد مضي زمان يسع الحواضر خاصة لم يجب عليه القضاء بناء على التضييق، و إلى ما دل (1)بعمومه و إطلاقه على صلاحية جميع أوقات الحواضر لأدائها بالنسبة إلى سائر المكلفين، و إلى ما دل (2)على تأكد استحباب المبادرة مطلقا إلى أداء الصلوات في أوائل أوقاتها و في أوقات فضيلتها، حتى أنه كثيرا ما يطلق

فيها الوقت و يراد وقت الفضيلة، و يجعل غيره كخارج الوقت، بل ربما سمي المصلي فيه مضيعا و متهاونا و متكاسلا و قاضيا.

لكن هذا يتم بناء على القول باستحباب تقديم الحاضرة على الفائتة، بل و على العكس إن كان منشأه الاحتياط و الخروج عن شبهة الخلاف، ضرورة عدم منافاته الاستحباب الذاتي المفهوم من ذلك، بل و إن كان غيره من حمل أخبار المضايقة على إرادة تأكد استحباب التعجيل في الفائتة حتى لو اتفق مزاحمتها للحاضرة في وقت فضيلتها، إذ مرجعه إلى أهميته في نظر الشارع منه و أفضليته، لا أنه يضمحل معه استحباب الأول، بل هو من قبيل المستحبين اللذين اتفق تزاحمهما و كان أحدهما أشد فضيلة من الآخر في نظر الشارع، ففي المقام حينئذ إن أمكنه الجمع بين الفضيلتين كما لو كان قد ذكر الفائتة قبل وقت فضيلة الحاضرة و فعلها ثم جاء بالحاضرة في وقت فضيلتها فاز بالسعادتين، و إن أخرهما معا فلم يفعل الفائتة وقت الذكر و لا الحاضرة في وقتها فاته الأجران، و إن كان له بعد ذلك أجر في تقديم الفائتة لو أراد الفعل، لبقاء استحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 49

المبادرة فيها أيضا، و أما إن لم يمكنه الجمع كما لو كان الذكر مثلا في وقت فضيلة الحاضرة بحيث لا يمكن جمعهما فيه فالأفضل له مراعاة استحباب المبادرة في الفائتة، لأهميته في نظر الشارع من مراعاة مصلحة وقت الحاضرة، فإن فعل الحاضرة ترك الأفضل قطعا لكنه أدرك فضيلة الوقت و مصلحته، فحينئذ لا بأس بالاستدلال بالأخبار الدالة على استحباب المبادرة للحاضرة و إن قلنا بأفضلية تعجيل الفائتة و تقديمها عند التزاحم و عدم إمكان الجمع، إذ ذلك ليس بمسقط لأصل استحبابها، بل هي من قبيل تزاحم زيارة مؤمن و عيادة مريض و فرض أهمية أحدهما في نظر الشارع و أكثرية ثوابه، فتأمل جيدا.

و إلى ما دل (1)على أن الحاضرة متى دخل وقتها لا يمنع منها إلا النافلة المعبر عنها في الأخبار بالسبحة أو أداء الفريضة المشاركة لها في الوقت كالظهر بالنسبة إلى العصر و إلى إطلاق أوامر القضاء المحرر في الأصول إنها للطبيعة، و إلى إطلاق ما ورد(2)من التأكيد البليغ في الرواتب و قضائها، خصوصا صلاة الليل منها و غيرها من الصلوات الكثيرة و الأعمال المخصوصة في الأزمنة و الأمكنة سيما شهر رمضان و رجب و شعبان، و خصوصا زيارات الحسين عليه أفضل الصلاة و السلام، و إلى ما يستفاد من الإجماع في الجملة أو كالإجماع من الجعفي و الواسطي و الفاضلين، لأن الأول قال في كتابه الفاخر الذي ذكر في خطبته أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه و صح عنده من قول الأئمة (عليهم السلام) على ما حكاه عنه ابن طاوس في رسالته في المسألة الموجودة تماما في الفوائد المدنية و بحذف بعضها في غيرها: ما هذا لفظه «و الصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل عليه وقت صلوات بدأ بالتي دخل وقتها و قضى الفائتة

متى أحب» و هو كما ترى ظاهر أو صريح في المواسعة، و الظاهر إرادته مطلق ما ذكره فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 5 و 8- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.

ج 13، ص: 50

من الرواية و إن لم يكن بصورتها، كما يومي إليه- مضافا إلى ما سمعته من ابن طاوس في الرسالة- المحكي عنه أيضا في كتاب غياث سلطان الورى في تعداد الأخبار الواردة في القضاء عن الميت، قال: «السادس ما ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه و صح من قول الأئمة (عليهم السلام) و يقضى عن الميت أعماله الحسنة كلها» انتهى. و قال الواسطي في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي (صلى اللَّه عليه و آله) على ما حكاه عنه ابن طاوس أيضا ما هذا لفظه: «مسألة من ذكر صلاة و هو في أخرى قال أهل البيت (عليهم السلام): يتم التي هو فيها و يقضي ما فاته، و به قال الشافعي» قال السيد: ثم ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام)، ثم قال في أواخر مجلده ما لفظه: «مسألة أخرى من ذكر صلاة و هو في أخرى إن سأل سائل فقال:

أخبرونا عمن ذكر صلاة و هو في أخرى ما الذي يجب عليه قيل له: يتمم التي هو فيها و يقضي ما فاته، و به قال الشافعي، دليلنا على ذلك ما

روي (1)عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثم قضى ما فاته»

انتهى. و هو كما ترى صريح في عدم وجوب العدول الذي صرح به أهل المضايقة كما سمعت، و نسبته إلى أهل البيت (عليهم السلام) تارة و إلى الرواية عن الصادق (عليه السلام) أخرى.

و قال المصنف في المعتبر: «إن القول بالمضايقة يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة أن يأكل شبعا و أن ينام زائدا على الضرورة، و لا يتعيش إلا لاكتساب قوت يومه له و لعياله، و أنه لو كان معه درهم ليومه حرم عليه الاكتساب حتى تخلو يده، و التزام ذلك مكابرة صرفة و التزام سوفسطائي، و لو قيل: قد أشار أبو الصلاح الحلبي إلى ذلك قلنا: نحن نعلم من المسلمين كافة خلاف ما ذكره، فإن أكثر الناس يكون عليهم


1- 1 المستدرك- الباب- 48- من أبواب المواقيت- الحديث 5 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 51

صلوات كثيرة، فإذا صلى الإنسان شهرين في يومه استكثره الناس» انتهى. و قال العلامة في المنتهى: «لو قلنا إن الأمر هنا للتضيق لزم الحرج العظيم، و هو عدم التشاغل بشي ء من الأشياء إلا بالفوائت إلا الأمور الضرورية، و أن لا يأكل الإنسان إلا قدر الضرورة، و لا يسعى إلا في تحصيل الرزق الضروري لذلك اليوم، و كل ذلك منفي بالإجماع» و قال في

المختلف ما محصله: «الذي ينبغي ذكره هنا أن القول بتحريم الحاضرة في أول وقتها مع القول بجواز غيرها من الأفعال مما لا يجتمعان، و الثاني ثابت بالإجماع على عدم إفتاء أحد من فقهاء الأمصار من جميع الأعصار بتحريم زيادة لقمة أو شرب جرعة أو طلب الاستراحة من غير تعب شديد أو المنع من فعل الطاعات الواجبة و المندوبة لمن عليه قضاء، فيلزم انتفاء الأول» انتهى.

قلت: بل يمكن تحصيل الإجماع بمعنى القطع برأي المعصوم على المواسعة في الجملة و نفي المضايقة كذلك إن لم يكن مطلقا إذا لو حظ السيرة و الطريقة من كافة المسلمين في الأعصار و الأمصار في عدم الالتزام بالمبادرة إلى الفائتة و تقديمها على الحاضرة في السعة حتى أن مقلدة أرباب المضايقة لا يتابعونهم في العمل على ذلك فضلا عن غيرهم، و كلام من عرفت من العلماء الذين فيهم من هو في زمن المعصوم و من أدرك الغيبتين و حاز الرئاستين، و قلة القائلين بالمضايقة، إذ هم عشرة أو ثمانية أو سبعة أو ستة أو غير ذلك بل كان الإجماع قد استقر بعد زمان الحلي على نفي المضايقة، إذ المفصلون موسعون إلا في القليل الذي لم يعلم إرادتهم مضايقة المخالف فيه أيضا، كما أنه استقر قبل زمن القديمين أو المفيد على ذلك، فتأمل جيدا.

و إلى سهولة الملة و سماحتها و نفي العسر و الحرج فيها، و خصوصا مثل هذه المضايقة الموجبة لمعرفة الأوقات و ضبط الدقائق و الساعات، و تحريم سائر المضادات و إن كانت أذكارا و دعوات إلا ما تقوم به الحياة و تمس اليه الضرورات، المحتاج أيضا إلى معرفة

ج 13، ص: 52

أقل المجزي منه المورثة وساوس في صدور ذوي الديانات، بل لعل أقل من ذلك مناف للطف المراد منه بعد العبد عن المعصية و قربه إلى الطاعات الذي أوجبه على نفسه رب السماوات الرؤف الرحيم و العليم الحكيم، بل هو مؤد في الحقيقة إلى تضيع أعظم مصلحة حاله لأهون مصلحة فائتة، و صيرورة الأداء قضاء و الحاضر فائتا، خصوصا في مثل وقت العشاءين بالنسبة إلى أغلب الناس سيما مثل النساء و الضعفاء من الرجال، و أنى وسعة عقولهم لمثل هذه التكاليف، خصوصا فيما إذا لم يكن الفوات بعمد و تقصير إلى غير ذلك مما يقصر القلم عن إحصائه الذي ببعضه مع ملاحظة شدة كرم الخالق و رأفته و إتقانه و حكمته يحصل القطع لمن له أدنى نظر بعدم إلزامه بالأقل، سيما مع عدم ندرة هذا الفوات، بل هو الغالب في أكثر الناس سيما في أوائل البلوغ، فان قصورهم أو تقصيرهم عن معرفة سائر ما يعتبر في العبادة سيما النساء منهم و الأعوام من أكمل الواضحات.

فمن العجيب إنكار بعض المحدثين التأييد بهذا الاعتبار الواضح لذوي الأبصار حتى أنه شنع على مدعيه بما هو أولى به منه، و تخلص عن جملة مما سمعت بعدم قوله بحرمة الأضداد، لكن من المعلوم لديك أن البحث مع أئمة هذا القول و أساطينه كالسيد و الحلي و غيرهما، و إلا فهو من الأتباع الذين لم نتعب منهم في رد اليراع، على أنه يكفي في حصول تلك المشقة و العسر اشتراط صحة الحاضرة بفعل الفائت أو التأخير إلى آخر الوقت، فلا حظ و تأمل.

و إلى الأخبار الخاصة الدالة على نفي تلك المضايقة و لوازمها السابقة من الترتيب و غيره من وجوه و إن تفاوتت في الظهور شدة و ضعفا، فمنها- مضافا إلى ما سمعته من

الواسطي بل و الجعفي بل و المحكي عن أصل الحلبي المعروض (1)على الصادق (عليه السلام)


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 5.

ج 13، ص: 53

«من نام أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصليهما جميعا فليصلهما، و إن استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم يصلي المغرب ثم العشاء»

و قال أيضا فيه (1): «خمس صلوات يصلين على كل حال متى أحب: صلاة فريضة نسيها يقضيها مع غروب الشمس و طلوعها، و ركعتي الإحرام، و ركعتي الطواف و الفريضة، و كسوف الشمس عند طلوعها و عند غروبها»

فان الظاهر ذكره لذلك من باب الرواية لا الفتوى كما يشهد له ما تسمعه من رواية نحو ذلك

عن الصادق (عليه السلام)- صحيح ابن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس»

و رواه في الاستبصار بهذا السند و هذا المتن، لكن جعل ابن مسكان بدل ابن سنان، فلعله خبر آخر كما عن بعضهم أو أنه سهو كما عن آخر، و إلا فاحتمال أنه الصواب و كون ابن سنان سهوا فيكون الخبر مرسلا- بناء على ما عن العياشي من أن ابن مسكان لا يدخل على الصادق (عليه السلام) لشفقة أن لا يوفيه و كان يسمع من أصحابه و يأبى أن يدخل عليه إجلالا و إعظاما له- غلط قطعا كما تشهد له القرائن المعينة أنه ابن سنان الحاصلة بملاحظة كتب الرجال، بل رواه ابن طاوس في رسالة المواسعة عن كتاب الحسين بن سعيد كذلك، على أنه قد يريد العياش عدم كثرة الدخول لا تركه بالكلية، أو أنه لا ينافي الرواية عنه (عليه السلام) و إن لم يكن بالدخول إليه فإنه قد يسمعه يقول في طريق أو في دار أخرى و نحو ذلك، و إلا كان محلا للنظر، لاستبعاد الإرسال فيما رواه عنه من الأخبار الكثيرة.


1- 1 المستدرك- الباب- 31- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 4 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 54

و منها

صحيح أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) المروي في رسالة ابن طاوس من كتاب الحسين بن سعيد «إن نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فان خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها ثم ليصلها».

و منها

المرسل في الفقه الرضوي (2)أنه سئل العالم (عليه السلام) «عن رجل نام أو نسي فلم يصل المغرب و العشاء، قال: إن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصليهما جميعا يصليهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما بدأ بالعشاء الآخرة، فإن استيقظ بعد الصبح فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس، فان خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تنبسط الشمس و يذهب شعاعها، و إن خاف أن يعجله طلوع الشمس و يذهب عنهما جميعا فليؤخرهما حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها».

و المناقشة فيه بالإرسال بعد اعتضاده بما سمعت و انجباره بما عرفت لا يصغى إليها كالمناقشة فيه و في سابقيه بظهورها بل صراحتها بامتداد وقت العشاء بل و المغرب إلى الفجر الذي هو مذهب جمهور العامة، و منه يذهب الوهم إلى ورودها مورد التقية في ذلك، و يتطرق الوهن لما اشتملت عليه من الأحكام، إذ هي- مع عدم اقتضائها الخروج عن الحجية فيما نحن فيه، ضرورة عدم بطلان حجية الخبر ببطلانها في بعضه كما


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 8.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 10 و 11.

ج 13، ص: 55

هو محرر في محله، و إلا لاقتضى سقوط أكثر الأخبار، و ربما يشير اليه

خبر جابر الجعفي (1)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن لنا أوعية نملأها علما و حكما و ليست لها أهلا، فما نملأها إلا لتنقل إلى شيعتنا، فانظروا إلى ما في الأوعية فخذوها ثم صفوها من الكدورة، و تأخذوها منها بيضاء نقية صافية»

فلا بأس حينئذ بحمل ذلك خاصة على التقية دون غيره إما لحدوث سببها في وقت التكلم أو لمصلحة أخرى، بل قد يومي اليه ترك ما يعين إرادة الامتداد الأدائي فيما سمعته من المحكي عن أصل الحلبي الذي هو عين المروي عن الصادق (عليه السلام)، فتأمل، و معارضتها باشتمالها على ما لا يقول به أكثر العامة من تقديم الحاضرة على الفائتة إذ كما أن موافقة العامة قرينة على التقية مخالفتهم

قرينة على الرشد كما نطقت به الأخبار(2)و قضى به الاعتبار حتى

ورد(3)«أنه إذا حدث ما لا يجد له بدا من معرفته و ليس في البلد من تستفتيه من موالينا فأت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشي ء فخذ بخلافه، فان الحق فيه»

و منه يظهر حينئذ أنه لا يقدح اشتماله على منع الصلاة عند الطلوع الذي هو موافق لأكثر العامة أيضا، على أنه قد اشتمل بعض المعتمد من أخبار المضايقة على نحو ذلك- يدفعها أنه ليس مختصا بالعامة، بل عن المصنف في الغرية حكايته عن جماعة من متقدمي الفقهاء و متأخريهم، و قد قيل: إن مصطلحه في إطلاق المتأخرين كما يظهر من أول المعتبر إرادة الكليني و الصدوق و من عاصر هما أو تأخر عنهما، فيكون هذا حينئذ قولا لجماعة ممن تقدم على هؤلاء، بل هو مال إليه في غريته و حكم به في معتبرة، بل أفتى به


1- 1 البحار ج 2 ص 93 المطبوعة بطهران عام 1376- باب 14 من كتاب العلم الحديث 26.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي- الحديث 26 من كتاب القضاء.

ج 13، ص: 56

الشيخ في الخلاف، بل قد يفهم منه فيه نفي الخلاف عنه و الإجماع عليه، بل حكي أيضا عن المرتضى و القاضي و الحلي و العماني، بل اختاره جماعة من متأخري المتأخرين، بل حكاه بعض مشايخنا عن العلامة الطباطبائي، بل لعله لا يخلو من قوة، لاستفادته من الأخبار الكثيرة التي عمل بها من لا يقول بحجية أخبار الآحاد

كالثلاثة السابقة، و موثق ابن سنان (1)و خبر أبي الصباح (2)و صحيحه و موثق منصور بن حازم (3)و صحيح أبي بصير(4)و خبر عبيد بن زرارة(5)بل و موثقة أبيه (6)و مرسل الفقيه (7)و المحكي من فقه الرضا (عليه السلام)(8)و ما أرسله في المعتبر(9)من رواية الأصحاب عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و غير ذلك مما ليس ذا محل تفصيله، بل لم نعثر على معارض صريح لها في ذلك، بل هو إن كان ففي الظهرين، و لم يعمل به الأصحاب نعم حاصل الجمع بينها و بين غيرها بعد التأمل و النظر تحديد وقت الاختيار بنصف الليل بحيث يحرم التأخير عنه، و يختص العشاء بآخره، و تحديد وقت الاضطرار كالنسيان و النوم و الحيض و النفاس و نحوها بالفجر، فلا حظ و تأمل.

و منها

صحيح الوشاء(10)عن رجل عن جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام) الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الحيض- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الحيض- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الحيض- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 4 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب المواقيت- الحديث 9 من كتاب الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 9 من كتاب الصلاة.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المواقيت- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
8- 8 المستدرك- الباب- 16- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
9- 9 المستدرك- الباب- 16- من أبواب المواقيت- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
10- 10 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 5.

ج 13، ص: 57

ذكرناه سابقا في مسألة الترتيب، و قدمنا هناك ما يقتضي عدم قدح إرساله، على أنه منجبر هنا بما عرفت، قال فيه: «قلت له: يفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة، قال: يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت و قد دخلت، ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى»

و هو ظاهر في عدم الترتيب الذي هو لازم المضايقة، بل هو صريح فيه، إذ احتمال إرادة آخر وقت العشاء الآخرة المضيق في غاية البعد، بل لا يناسبه التعليل المزبور، و ذكر المغرب في سؤاله- مع احتماله الغلط و السهو و مغرب الليلة السابقة، و عدم الأمر بقضائه في الجواب لاحتمال إرادة الظهرين خاصة منه، و ظهوره في إرادة السؤال عمن عليه فائتة و دخل عليه وقت حاضرة، و الجواب عن ذلك من غير التفات إلى المثال بل اكتفى ببيان الحكم في ذلك- لا يقدح في الحجية قطعا، كالأمر فيه بتقديم الحاضرة المحمول على الاستحباب نحو الأوامر السابقة في الأخبار المتقدمة، كما هو واضح، على أنه يمكن كون ذكر المغرب فيه بناء على تضيق وقتها و ذهابه بذهاب الحمرة كما عن جماعة من أهل المضايقة، فيكون حجة عليهم و إن لم نقل به نحن، فتأمل جيدا.

و منها

موثق عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل تفوته المغرب حتى تحضر

العتمة، فقال: إذا حضرت العتمة و ذكر أن عليه صلاة المغرب فان أحب أن يبدأ بالمغرب بدأ، و إن أحب بدأ بالعتمة ثم صلى المغرب بعد»

بناء على إرادة مغرب الليلة السابقة منه و حضور وقت فضيلة العتمة، بل لو أريد منه مغرب الليلة الحاضرة بناء على انتهاء وقتها بدخول وقت فضيلة العتمة كما عن جماعة من أرباب المضايقة كان حجة إلزامية عليهم.

و منها ما رواه

ابن طاوس (2)في الرسالة من كتاب الصلاة للحسين بن سعيد


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 6.

ج 13، ص: 58

ما لفظه صفوان عن عيص بن القاسم، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال: إن كانت صلاة الأولى فليبدأ بها و إن كانت صلاة العصر فليصل العشاء ثم يصلي العصر»

الذي هو في أعلى درجات الصحة الواجب حمله بقرينة كون الامام (ع) المجيب و جلالة الراوبين و إثبات ابن سعيد له في كتابه على إرادة أولى الصلاتين من الأولى فيه كالظهر بالنسبة إلى العصر و المغرب بالنسبة إلى العشاء أي الفريضتان المشتركتان في وقت

الاجزاء المختلفتان في وقت الفضيلة و الاختصاص، و لما كان دخول الوقت الذي هو في السؤال شاملا لدخول وقت فضيلة الأخرى- بل لعل السائل كان يتوهم انتهاء وقت الأولى بدخول وقت فضيلة الثانية، و لدخول وقت صلاة لا تشاركها السابقة في الصحة فيه- أراد الإمام (عليه السلام) بيان ذلك كله، فقال: إن كانت المنسية صلاة الأولى أي الظهر أو المغرب و لم يذكرها حتى دخل وقت الصلاة التي بعدها فليبدأ بها أداء، لأنها تشاركها في الصحة فيه، و إن كانت غير ذلك كصلاة العصر أو الظهر بالنسبة إلى المغرب أو العشاء أو الصبح فليصل العشاء مثلا التي هي الحاضرة ثم يصلي العصر الفائتة، فيكون لفظ العشاء و العصر في الخبر المزبور من باب المثال، و إن أبيت إلا حمله على الفرق بين الظهر و العصر فتقدم الأولى على الحاضرة التي هي العشاء مثلا بخلاف الثانية و يكون بعضه شاهدا للمواسعة و بعضه المضايقة أمكن الاحتجاج به بأن يقال إن الواجب- بعد ملاحظة عدم القول بالفصل من الطرفين- حمله على التخيير، إذ مآله ابدأ بالحاضرة ابدأ بالفائتة، و ربما ذكر فيه وجوه أخر أيضا إلا أن الجميع مشتركة في تقديم الحاضرة على الفائتة، فعلى كل حال هو دال على ذلك في الجملة، و العكس إما غير معلوم أو يجب الجمع بالتخيير كما عرفت، فتأمل.

و منها ما في المحكي من

فقه الرضا (عليه السلام)(1)«و إن فاتك فريضة فصلها


1- 1 المستدرك- الباب- 2- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 6.

ج 13، ص: 59

إذا ذكرت، فان ذكرتها و أنت في وقت فريضة أخرى فصل التي أنت في وقتها ثم تصلي التي فاتتك»

نحو ما سمعته من الجعفي مما أجمع عليه و صح عنده من قول الأئمة (عليهم السلام)، بل هو شاهد على صحته، فلا بأس بالاعتماد عليه هنا و إن لم نقل بحجيته في غير المقام، كما أنه يراد من الأمر فيه الاستحباب قطعا، للإجماع بقسميه على عدم الوجوب و إن توهم من عبارة الصدوقين المشتملة على الأمر، إلا أنه غلط قطعا، بل تجب إرادتهما منه الاستحباب أيضا كالنصوص، لغلبة تعبيرهما بمتونها، و الأمر سهل،

و قال فيه أيضا: «فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة، و له مهلة في التنفل و القضاء و النوم و الشغل إلى أن يبلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فقد وجب عليه أن يصلي الظهر»

إلى آخره و لا ريب في شمول القضاء فيه الواجب و الندب.

و منها ما رواه ابن طاوس في الرسالة و غيره عن النسخ المعتمدة من

قرب الاسناد للحميري عن عبد اللَّه بن الحسن عن جده علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى بن جعفر

(عليهم السلام) «سألته عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء»

قال: يصلي العشاء ثم المغرب، و سألته عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع الفجر كيف يصنع؟

قال: يصلي العشاء ثم الفجر، و سألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر، قال:

يبدأ بالظهر ثم يصلي الفجر، كذلك كل صلاة بعدها صلاة» فإن ذيله صريح في عدم الترتيب، و لا ينافيه الأمر فيه بتقديم العشاء على الفجر بعد أن كان ظاهره للتجنب عن وقوعها بعد الصلاة التي لا صلاة بعدها، لا للترتيب و المضايقة، بل هو حينئذ مشعر بخلافهما، و بأن المراد من ذلك الاستحباب، لمعلومية جواز الصلاة بعد الفجر في غير الفائتة فضلا عنها، كمعلومية إرادة الندب من الأمر فيه بتقديم الظهر الحاضرة على الفجر الفائتة، للإجماع على عدم وجوب تقديم الحاضرة، بل التعليل نفسه مشعر بذلك، نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 7 و 8 و 9.

ج 13، ص: 60

هو ظاهر في الفرق بالنسبة إلى رجحان تقديم الفائتة و تأخيرها بين ما بعدها صلاة كالظهر و المغرب بل و العشاء و ما ليس بعدها صلاة كالعصر و الصبح، فتقدم الحاضرة في الأول استحبابا و الفائتة في الثاني، و لا بأس به، خصوصا بعد التسامح في السنن إن لم يقم إجماع على خلافه، و أما الأمر في أوله بتأخير المغرب فهو إن لم يطرح أو يحمل على مغرب الليلة السابقة كان حجة إلزامية على القائل بخروج وقت المغرب بدخول وقت العشاء من أهل المضايقة، كغيره (1)من الأخبار الآمرة بتأخير الظهر عن العصر بمجرد خروج وقت الظهر المذكورة في باب المواقيت و غيرها، من أرادها فليلحظها، و على كل حال فهو لا ينافي الاستدلال بذيله على المطلوب كما عرفت.

و منها

ما وجده ابن طاوس في أمالي السيد أبي طالب علي بن الحسين الحسني بسند متصل إلى جابر بن عبد اللَّه (2)ذكره في الرسالة، قال: «قال رجل:

يا رسول اللَّه (ص) و كيف أقضي؟ قال: صل مع كل صلاة مثلها، قال: يا رسول اللَّه قبل أم بعد؟»

ثم قال: و هذا حديث صريح، بل عن بعض نسخ الفوائد المدنية المحكي فيها رسالة السيد المزبور و صفة بالصحة أيضا، على أنه يمكن أن يجبر بما سمعته في تحرير محل النزاع، بل قد سمعت من الديلمي الفتوى بمضمونه في الجملة، بل قد يعضده في الجملة مع الشهادة للمطلوب أيضا ما رواه

الشهيد في الذكرى عن إسماعيل بن جابر(3)قال:

«سقطت من بعيري فانقلبت على أم رأسي فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى علي، فسألته عن ذلك، فقال: اقض مع كل صلاة صلاة»

فإنه صريح في المواسعة لو أوجبنا القضاء على المغمى عليه، بل يتجه الاستدلال به للصدوق في المقنع القائل بوجوب ذلك، و

خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المواقيت- الحديث 8 من كتاب الصلاة.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 15.

ج 13، ص: 61

عمار(1)المروي في الذكرى و غيرها، قال: «قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا جالس: منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي هذا الأمر، قال: لا تفعل، فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة»

فإنه (عليه السلام) و إن بين له فساد اعتقاده وجوب القضاء لكن لم يبين له فساده في كيفيته، بل قد يدعى ظهوره في إقراره عليه، على أن سليمان كان من المشاهير، بل عن المفيد في إرشاده عده من شيوخ أصحاب الصادق (عليه السلام) و خاصته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحين الذين رووا عنه النص بامامة الكاظم (عليه السلام).

و منها

صحيح زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) في حديث هو عمدة أدلة المضايقة «و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب و العشاء، ابدأ بأولهما لأنهما

جميعا قضاء، أيهما ذكرت فلا تصلها إلا بعد شعاع الشمس قال: قلت: لم ذاك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها»

إذ لو كان الأمر على الضيق كما يقوله الخصم لم يكن وجه للنهي عن الفعل في هذا الوقت، بخلاف المختار فإنه لا بأس بعد توسعته أن يكون هذا الوقت مرجوحا بالنسبة إلى غيره كسائر مكروه العبادة، و احتمال إرادة خروج الشمس من الأفق من

قوله: «بعد شعاع الشمس»

- فيكون مؤكدا للمستفاد منه من تقديم صلاة الغداة عند خوف فواتها بخروج الشمس، و إلا فالمراد صل الغداة إذا خفت فواتها ثم صل الفائتة عند الخروج، كما يومي اليه التعليل، و يبقى النهي حينئذ مرادا منه حقيقته التي هي التحريم، ضرورة حرمة فعل الفائتة عند خوف فوات الحاضرة- في غاية البعد، بل من المقطوع عدم إرادته من مثل هذه العبارة.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 62

خصوصا إذا لوحظ النهي عن مثل ذلك في عدة من الأخبار كصحيح أبي بصير(1)و مرسل الرضوي (2)بل و صحيح ابن سنان (3)المتقدمة سابقا، مضافا إلى

خبر عمار ابن موسى (4)عن الصادق (عليه السلام) في حديث «فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته، و إن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة و لا يصلي حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها»

بل و

خبر سليمان بن جعفر الجعفري (5)قال: «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس، لأنها تطلع على قرني شيطان، فإذا ارتفعت و ضفت فارقها، فتستحب الصلاة ذلك الوقت و القضاء و غير ذلك»

الخبر، بل و إطلاق كثير من الأخبار(6)المعتبرة مرجوحية الصلاة في هذا الوقت من غير فرق بين القضاء و النافلة و غيرهما، اللهم إلا أن يقال: إن المشهور كما قيل استثناء قضاء الفريضة بل قضاء النافلة أيضا، بل ذات السبب مطلقا من حكم الأوقات المكروهة، خصوصا الأولى، للأمر(7)بقضائها في أي ساعة و لو عند طلوع الشمس و غروبها، فلا محيص حينئذ عن حمل هذه الأخبار على التقية، و يسقط بها الاستدلال، مع أنه قد يمنع، إذ العامة و إن اختلفوا في ذلك لكن المحكي عن كثير منهم ما عليه المشهور، و الباقون قد اشتملت هذه الروايات على ما يخالف مذهبهم أو مذهب بعضهم، فلعل حملها حينئذ على تفاوت مراتب الرجحان ردا على من حرم ذلك من العامة أولى، فليتأمل.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 8.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 10 و 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب المواقيت- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المواقيت- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المواقيت.
7- 7 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 63

و منها ما في المحكي من كتاب

فقه الرضا (عليه السلام)(1)«ما يأمن أحدكم الحدثان في ترك الصلاة و قد دخل وقتها و هو فارغ، و قال اللَّه عز و جل (2)«الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ» قال: يحافظون على المواقيت، و قال (3)«الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» قال: يدومون على أداء الفرائض و النوافل، فان فاتهم بالليل قضوا بالنهار، فان فاتهم بالنهار قضوا بالليل»

المعتضد في الجملة ب

صحيح ابن مسلم (4)قال:

«سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال: يقضيها إن شاء بعد المغرب، و إن شاء بعد العشاء»

و صحيح الحلبي (5)سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) «عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء، إن شاء بعد المغرب، و إن شاء بعد العشاء»

و صحيح ابن أبي يعفور(6)«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار»

و نحوه

صحيح ابن أبي العلاء(7)مع زيادة «كل ذلك سواء»

و خبر عنبسة العابد(8)قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن قول اللَّه عز و جل (9)«وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً» قال: قضاء صلاة الليل بالنهار، و صلاة النهار بالليل»

و المرسل (10)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «كل ما فاتك من صلاة الليل فاقضه بالنهار، قال اللَّه


1- 1 ذكر صدره في المستدرك في الباب 3 من أبواب المواقيت- الحديث 1 و وسطه في الباب 1 منها- الحديث 5 و ذيله في الباب 45 منها- الحديث 3.
2- 2 سورة المؤمنون- الآية 9.
3- 3 سورة المعارج- الآية 23.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 12.
7- 7 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 13.
8- 8 الوسائل- الباب- 57- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
9- 9 سورة الفرقان- الآية 63.
10- 10 الوسائل- الباب- 57- من أبواب المواقيت- الحديث 4.

ج 13، ص: 64

تبارك و تعالى «وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً» يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار، و ما فاته بالنهار بالليل»

و احتمال إرادة النافلة خاصة من ذلك حتى الرضوي و خصوصا المشتمل على التعبير بصلاة النهار أو الليل المعروف إرادة النافلة منه- بل قد يؤيده ورود نحو ذلك مما علم إرادة النافلة منه في غيرها من الأخبار، بل لعله المنساق من قوله تعالى «أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً»- يدفعه أنه تقييد من غير مقيد، و تخصيص من غير مخصص، و تقليل الفائدة من غير داع، بل لا يتم في الصحيحين بناء على ما

عن جماعة من أرباب المضايقة من القول بحرمة التنفل وقت الفريضة حتى ادعي عليه الشهرة بل نقل عليه الإجماع، و دعوى تعارف الإطلاق في ذلك بحيث صار حقيقة عرفية أو ما يقرب منها بحيث يحمل اللفظ عليه عند الإطلاق يمكن منعها على مدعيها بملاحظة إطلاق ذلك في أخبار كثيرة على ما علم إرادة الفريضة منه، كإمكان منع ظهور الآية فيما سمعت، بل لعل الظاهر إرادة الفريضة من التذكر، و النافلة من الشكور كما عن البحار، و قد يشهد له في الجملة ما

روي (1)في تفسير قوله تعالى (2)«أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» بالقضاء عند الذكر

، بل عن

الراوندي في فقه القرآن قوله تعالى «لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ» كلام مجمل يفسره قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(3): «من نسي صلاة فوقتها حين يذكرها»

يعني إذا ذكر أنها فائتة قضاها لقوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» و عن السيوري في كنزه أن الفقهاء استدلوا بالآية على مشروعية قضاء فائت الليل نهارا و فائت النهار ليلا أي الليل خليفة النهار


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
2- 2 سورة طه- الآية 14.
3- 3 سنن البيهقي ج 2 ص 219.

ج 13، ص: 65

في وقوع ما فات فيه و بالعكس، قال: و القضاء هو الإتيان بمثل الفائت في غير وقته، فيقضي التمام تماما و القصر قصرا، فالمتجه

حينئذ من ذلك كله إرادة الأعم من الفريضة و النافلة إن قلنا بعدم حرمة التطوع وقت الفريضة، و إلا تعين إرادة الفريضة فيما نص فيه منها على القضاء وقت الحاضرة، و لعله من هنا حكي عن بعض علمائنا المعاصرين ممن قال بالمضايقة و حرمة التطوع وقت الفريضة الاعتراف بظهور الصحيحين في ذلك بعد أن اضطرب كلامه، فعند البحث في حرمة التطوع حملهما على قضاء الفريضة، و عند البحث في المضايقة حملهما على النافلة، و حيث كان كل منهما مخالفا لمذهبه التجأ إلى الطرح أو الحمل على التقية.

و منها ما في

كتاب غياث سلطان الورى لابن طاوس على ما في الوسائل و عن غيرها عن حريز عن زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصل صلاة ليلته تلك، قال:

يؤخر القضاء و يصلي صلاة ليلته تلك»

و لعله أخذ من أصل حريز المشهور، و لذا صدره به كما هو مظنة ذلك و غيره من الأصول القديمة على ما يظهر منه في الرسالة، فيكون الحديث حينئذ صحيحا بناء على صحة طريقه إلى الكتاب المزبور كما هو الظاهر، و احتمال إرادة النافلة خاصة من الدين كما ترى لا شاهد له، بل لعل الظاهر من لفظ الدين و الأنسب بحال زرارة إرادة الفريضة خاصة فضلا عما يعمهما، نعم هو لا دلالة فيه على عدم

الترتيب، اللهم إلا أن يستفاد من إطلاق الأمر بالتأخير و الفرض قرب وقت الصبح، و من عدم التفصيل بين ما إذا كان القضاء كثيرا بحيث لا يسع الوقت لتقديم جميعه على صلاة الصبح و ما لم يكن كذلك، فإنه لو كان الترتيب واجبا لمنع من نافلة الليل إذا توقف على تركها.


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 9.

ج 13، ص: 66

و منها

خبر عمار(1)الذي رواه الشيخ بل و السيد في الرسالة من أصل محمد بن علي بن محبوب الذي وجده بخط الشيخ (رحمه اللَّه) عن الصادق (عليه السلام) قال:

«سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس و هو في سفر كيف يصنع؟ أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا تجوز و لا تثبت له، و لكن يؤخرها فيقضيها بالليل»

لكن عن الشيخ أنه قال بعد روايته له: إنه خبر شاذ لا تعارض به الأخبار المطابقة لظاهر الكتاب و إجماع الأمة، و كأنه فهم منه الحرمة، و يحتمل إرادة الكراهة منه بعد تنزيله على خصوص المسافر، أو المراد الصلاة على الراحلة لغلبة كون المسافر في النهار عليها، و على غير ذلك.

و منها

موثقه الآخر(2)الذي به تظهر دلالة سابقه كالعكس عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل يشتمل على مسائل متفرقة، منها «عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: نعم يقضيها بالليل على الأرض، فأما على الظهر فلا»

بناء على إرادة الفريضة من الصلاة فيه، للنهي عن فعلها على الظهر، و ظهور التشبيه في نفي توهم اختلاف الكيفية الناشئ من الأمر بالتقصير للمسافر إرفاقا بحاله، بل عن بعض العامة القضاء قصرا في السفر، بل قد يقال: إن ذلك هو المنشأ في السؤال أو تخيل حرمة الإتمام على المسافر، فلا يجوز له حينئذ قضاء الفائتة حضرا سفرا، لوجوب فعلها تماما مع حرمته في السفر، أو أنه لما جاز للمسافر أداء الفريضة على الراحلة و ماشيا عند الضرورة زعم أنه ربما جاز له قضاؤها أيضا كذلك و إن فأنت في الحضر، و منه يعلم حينئذ عدم التضييق، و إلا لوجب فعلها على الراحلة قطعا كالأداء عند الضيق، إذ لا دليل على خصوصية للقضاء في ذلك، و احتمال حمله على صورة التمكن من النزول


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب المواقيت- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.

ج 13، ص: 67

يدفعه- مع أنه لا دليل عليه في الخبر المزبور- أن المتجه حينئذ بناء على المضايقة أمره بالنزول و القضاء لا تأخيره إلى الليل، كاحتمال حمله على السفر المحرم باعتبار عدم اضطراريته، فإنه حينئذ لا يجوز له القضاء على الراحلة المفوت لكثير من

الواجبات، بل تجب عليه الإقامة حتى يفرغ من القضاء، إذ فيه مع أنه لا قرينة عليه في الخبر أيضا بل هو متناول لمن لم يذكرها إلا في السفر أيضا أنه ممنوع حتى عند القائلين بالمضايقة على الظاهر، إذ هو و إن حرم عليه السفر لكنه مكلف في القضاء فورا عندهم حاله، إذ ارتكاب المحرم في المقدمات لا يسقط التكليف المترتب على الموضوع الحاصل بفعله كالضرورة مثلا، بل هو كمن أراق الماء في الوقت المنتقل بسببه إلى التيمم، و كذا احتمال تنزيل الخبر على التقية باعتبار عدم موافقته للقائلين بالمضايقة كما عرفت، و المواسعة لعدم اشتراطهم في صحة الصلاة الحاضرة على الراحلة ضيق الوقت، بل يكتفون بالضرورة في الوقت، و قضيته جواز القضاء عندهم حالها و إن كان موسعا، إذ فيه- بعد إمكان منعه بناء على المواسعة حتى في الأدائية بناء على وجوب الانتظار لذوي الأعذار أو تسليمه فيها خاصة، اقتصارا في الرخصة في إذهاب كثير من واجبات الصلاة على المتيقن من الأدلة، و هو الحاضرة، بل لعله الظاهر المنساق منها- انه لا داعي إليها، بل يمكن حمله بناء على المواسعة على المرجوحية التي لا تتم على المضايقة لا الحرمة، فعلى كل حال تتم به الدلالة على فساد المضايقة، إذ عدم تعرضه لحكم المسافر- المنافي لتعجيل القضاء، و تجويز تأخيره إلى أن ينزل بالليل من غير تفصيل بين ما إذا تمكن من النزول لقضاء الفائتة كلها أو بعضها إن كثرت و ما إذا لم يتمكن من ذلك، و عدم الأمر بالمبادرة إليه في أول الليل و لا في الليل الأول، و عدم التعرض لحكم حاضرة النهار و الليل مع أن الغالب أداؤها قبل ضيق وقتها و فعلها على الأرض لا على الظهر- دليل واضح على فساد المضايقة، نعم يسقط الاستدلال به لو أريد منه قضاء النافلة خاصة، كما لعله

ج 13، ص: 68

يومي اليه في الجملة ملاحظة سابقه، إلا أنك قد عرفت ما فيه، لا أقل من أن يكون للأعم من الأمرين، و معه تتم الدلالة أيضا، و كان أمره بالقضاء بالليل لعدم تيسر النزول غالبا للمسافر في النهار، أو لأن في الليل من الإقبال ما ليس في غيره، أو لإمكان دعوى مرجوحية القضاء للمسافر في النهار، كما يشهد له الخبر السابق بل و غيره من الأخبار، لكنها عداه في خصوص التطوع.

و منها ما دل على جواز النافلة لمن عليه فائتة من الأخبار السابقة و غيرها، ك

صحيح أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، فقال: يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة»

و موثق عمار(2)عنه (عليه السلام) أيضا «لكل صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين إلا العصر، فإنه يقدم نافلتها فتصيران قبلها، و هي

الركعتان اللتان تمت بهما الثمان بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثم اقض ما شئت»

الخبر، و إن كان هو كما ترى مضطرب اللفظ و المعنى، و إطلاق أدلة النوافل أداء و قضاء، و التأكيد البليغ الوارد فيها كإطلاق ما ورد من الأدلة في استحباب كثير من الصلوات في كثير من الأمكنة و الأوقات و لقضاء الحوائج و المهمات و غير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه كما لا يخفى على الخبير الماهر، بل قد يشرف طمح نظر الفقيه مع التأمل و التدبر في الأدلة الواردة على الظن المتاخم للعلم إن لم يكن العلم بعمومها لمن عليه فائتة و غيره خصوصا في بعضها مثل قضاء النوافل الوارد فيه الأمر بفعله أي ساعة شاء من ليل أو نهار و غيره، فلاحظ و تأمل، بل منها و مما ورد من خصوص قضاء النوافل وقت الحاضرة خصوصا صلاة الليل أو الوتر منها و خصوص بعض الصلوات المستحبة في أوقات الحواضر التي هي غير


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 5.

ج 13، ص: 69

النوافل المروية في الإقبال و مصباح الكفعمي و البحار و غيرها من الكتب المعدة لذلك مما لا يسعنا إحصاؤه هنا لكثرته جدا يستفاد جواز مطلق التطوع في وقت الحاضرة فضلا عن الفائتة أيضا.

و هي و إن كانت معارضة بأخبار أخر(1)دالة على المنع من التطوع لمن عليه فائتة و على المنع منه في وقت الحاضرة(2)و ثالث (3)على المنع منه لمن عليه صلاة مطلقا حاضرة أو فائتة، بل عن بعض أفاضل المعاصرين ترجيحها على الأولى بصحتها و استفاضتها بحيث تقرب إلى التواتر، و وضوح دلالتها و صراحة جملة منها بحيث لا يمكن حمله على الكراهة، و اشتمال جملة أخرى منها على التعليل الموجب لتقويتها، و دلالة بعضها على كون التحرز من ذلك من خواصهم دون سائر الناس، و الإشارة في آخر إلى الرد عليهم بالقياس المعتبر عندهم، و اعتضادها بالشهرة العظيمة بل الإجماع ممن تقدم على الشهيد و من تبعه، إذ لم يعرف قائل بالجواز غيرهم، و لذا عزى المحقق المنع إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، فلا يكافؤها الأخبار السابقة حتى يجمع بينهما بالكراهة خصوصا بعد إمكان الجواب عن بعضها بأن دلالتها من باب العموم أو الإطلاق الذي لا يعارض الخاص أو المقيد، و عن آخر الدال على خصوص بعض الصلوات كالغفيلة و نحوها بأنه لا ربط له في المقام، لاستثناء الأصحاب إياها بالخصوص، ثم قال: إنه لم يعرف قائلا بالفرق بين الحاضرة و الفائتة في ذلك كله إلا أن من أحاط خبرا بأخبار المسألتين يعرف ما في هذا الترجيح من الشين، و أعجب شي ء فيه دعواه الإجماع على المنع ممن قبل الشهيد، و قد قال في الدروس: «إن الأشهر انعقاد النافلة في وقت


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 3.

ج 13، ص: 70

المفروضة أداء كانت النافلة أو قضاء، و

الرواية(1)عن الباقر (عليه السلام) «لا تطوع بنافلة حتى يقضى الفريضة»

يمكن حملها على الكراهة، لاشتهار «أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) قضى النافلة في وقت صلاة الصبح(2)»

إلى آخره. و لتحرير البحث في ذلك محل آخر لاحتياجه إلى مزيد الإطناب في جمع النصوص و فتوى الأصحاب كي يعرف الترجيح في هذا الباب.

و منها ما يستفاد من المروي (3)من قصة نوم النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عن صلاة الصبح من عدم تلك المبادرة و الفورية للقضاء التي يدعيها الخصم، خصوصا على ما في الذكرى و غيرها من روايته في

الصحيح (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه فقبلوا ذلك مني، فلما كان في القابل لفيت أبا جعفر (عليه السلام) فحدثني أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللَّه

(صلى اللَّه عليه و آله): أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله):

قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، و قال: يا بلال أذن فأذن فصلى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) ركعتي الفجر و أمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح، ثم قال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فان اللَّه عز و جل يقول «وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 1 و 6 و الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 1 و 6 و الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 6.

ج 13، ص: 71

و أصحابه فقالوا: نقضت حديثك الأول، فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم، فقال: ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعا و أن ذلك كان قضاء من رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)؟»

و نحوه ما عن دعائم الإسلام (1)بحذف الاسناد لما ذكر في أوله من قصد الاختصار و الاقتصار على الثابت الصحيح مما جاء عن الأئمة (عليهم السلام) من أهل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) من جملة ما اختلف فيه الرواة عنهم (عليهم السلام)، أنه قال: «و روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) نزل في بعض أسفاره إلى أن قال فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): تنحو من هذا الوادي الذي أصابتكم

فيه هذه الغفلة، فإنكم نمتم بوادي شيطان، ثم توضأ»

إلى آخره. و

في التذكرة روي «أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) نزل في بعض أسفاره بالليل في واد فغلبهم النوم و ما انتبهوا إلا بعد طلوع الشمس فارتحلوا و لم يقضوا الصلاة في ذلك الموضع بل في آخر»

إلى غير ذلك مما يظهر منه أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) لم يبادر إلى القضاء زيادة على ما فيه من تقديم قضاء النافلة، بل و ما قيل من الأمر فيه بالأذان و الإقامة اللتين ورد الأمر بهما للقضاء في غيره من الأخبار(2)المعتبرة أيضا، لكن قد يخدش بأنه لا بأس بهما عند أهل المضايقة لكونهما من مقدمات الصلاة و لو على جهة الندب، كما أنه لا بأس عندهم بتطويل نفس الصلاة بمراعاة مستحباتها و إن كان بعدها صلاة أخرى إذ لا يوجبون الاقتصار على الواجب قطعا، فالأولى الاستدلال به من غير هذه الجهة.

و المناقشة فيه بأن الواجب طرحها لمنافاتها العصمة، كالأخبار(3)المتضمنة للسهو


1- 1 المستدرك- الباب- 46- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3 و 4 و الباب 8 منها.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4 و 11 و 15 و عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 214- الطبع الحديث- الباب 19- الحديث 2.

ج 13، ص: 72

منه أو من أحد الأئمة (عليهم السلام) يدفعها ظهور الفرق عند الأصحاب بينه و بين السهو، و

لذا ردوا أخبار الثاني و لم يعمل بها أحد منهم عدا ما يحكى عن الصدوق و شيخه ابن الوليد و الكليني و أبي علي الطبرسي في تفسير قوله تعالى (1)«وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا» و إن كان ربما يظهر من الأخير أن الإمامية جوزوا السهو و النسيان على الأنبياء في غير ما يؤدونه عن اللَّه تعالى مطلقا ما لم يؤد ذلك إلى الإخلال بالعقل، كما جوزوا عليهم النوم و الإغماء الذين هما من قبيل السهو، بخلاف أخبار الأول كما عن الشهيد في الذكرى الاعتراف به حيث قال: لم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة، بل عن صاحب رسالة نفي السهو و هو المفيد أو المرتضى التصريح بالفرق بين السهو و النوم، فلا يجوز الأول و يجوز الثاني، بل ربما يظهر منه أن ذلك كذلك بين الإمامية، كما عن والد البهائي (رحمه اللَّه) في بعض المسائل المنسوبة إليه أن الأصحاب تلقوا أخبار نوم النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عن الصلاة بالقبول، إلى غير ذلك مما يشهد لقبولها عندهم، كرواية الكليني و الصدوق و الشيخ و صاحب الدعائم و غيرهم لها، حتى أنه عقد في الوافي بابا لما ورد أنه لا عار في الرقود عن الفريضة موردا فيه جملة من الأخبار(2)المشتملة على ذلك معللة له بأنه فعل اللَّه بنبيه (صلى اللَّه عليه و آله) ذلك رحمة للعباد، و لئلا يعير بعضهم بعضا.

لكن و مع ذلك كله فالإنصاف أنه لا يجترئ على نسبته إليهم (عليهم السلام)، لما دل من الآيات و الأخبار(3)كما نقل على طهارة النبي و عترته (عليهم الصلاة و السلام)


1- 1 سورة الأنعام- الآية 67.
2- 2 الوافي الجزء الخامس ص 153.
3- 3 و هي قوله تعالى المذكور في سورة الأحزاب- الآية 33 «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» و خبر عبد العزيز بن مسلم المروي في أصول الكافي ج 1 ص 198 الطبع الحديث، قال: «كنا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في يده مقدمنا، فأرادوا أمر الإمامة، و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال: يا عبد العزيز جهل القوم و خدعوا عن آرائهم، إن اللَّه عز و جل لم يقبض نبيه صلى اللَّه عليه و آله حتى أكمل له الدين، و أنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شي ء- إلى أن قال في ص 200-: الإمام المطهر من الذنوب و المبرإ عن العيوب- و إلى أن قال أيضا في ص 202- فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطايا و الزلل و العثار» و قوله عليه السلام في زيارة الجامعة الكبيرة المعروفة: «فبلغ اللَّه بكم أشرف محل المكرمين و أعلى منازل المقربين و أرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لا حق و لا يفوقه فائق. إلخ» و خبر الحسن بن على بن فضال المروي في عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 213 من الطبع الحديث عن أبى الحسن الرضا عليه السلام، قال: «للإمام علامات، يكون أعلم الناس، و أحكم الناس، و أتقى الناس، و أحلم الناس، و أشجع الناس، و أسخى الناس، و أعبد الناس، و يلد مختونا و يكون مطهرا، و يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، و لا يكون له ظل، و إذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين و لا يحتلم، و ينام عينه و لا ينام قلبه، و يكون محدثا، و يستوي عليه درع رسول اللَّه ص و لا يرى له بول و لا غائط لأن اللَّه عز و جل قد و كل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، و يكون رائحته أطيب من رائحة المسك، و يكون أولى الناس منهم بأنفسهم. إلخ» و خبر محمد بن الأقرع المروي في كشف الغمة ج 3 ص 302- الطبع الحديث- في أحوالات أبى محمد العسكري عليه السلام عن كتاب الدلائل للحميري، قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ و قلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب: الاحتلام شيطنة و قد أعاذ اللَّه أولياءه من ذلك، فرد الجواب: الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا، قد أعاذ اللَّه أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك» و خبر زرارة المروي في أصول الكافي ج 1 ص 388 عن أبى جعفر عليه السلام، قال: «للإمام عشر علامات يولد مطهرا مختونا، و إذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين، و لا يجنب، و تنام عينه و لا ينام قلبه، و لا يتثأب و لا يتمطى، و يرى من خلفه كما يرى من أمامه، و نجوه كرائحة المسك، و الأرض موكلة بستره و ابتلاعه، و إذا لبس درع رسول اللَّه ص كانت عليه وفقا و إذا لبسها غيره من الناس طويلهم و قصيرهم زادت عليه شبرا، و هو محدث إلى أن تنقضي أيامه» و ما رواه الكليني قده أيضا في الكافي ج 1 ص 261 عن عدة من الأصحاب منهم عبد الأعلى و أبو عبيدة و عبد اللَّه بن بشر الخثعمي أنهم سمعوا أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إنى لأعلم ما في السماوات و ما في الأرض، و أعلم ما في الجنة، و أعلم ما في النار، و أعلم ما كان و ما يكون. إلخ» و غيره مما أورده في علمه عليه السلام هناك و خبر بريد العجلي المروي في أصول الكافي أيضا ج 1 ص 190 قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عز و جل «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» قال: نحن الأمة الوسطى و نحن شهداء اللَّه على خلقه و حججه في أرضه، قلت: قول اللَّه عز و جل «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ» قال: إيانا عنى خاصة هو سماكم المسلمين من قبل في الكتب التي مضت و في هذا القرآن ليكون الرسول عليكم شهيدا فرسول اللَّه ص الشهيد علينا بما بلغنا عن اللَّه عز و جل و نحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة و من كذب كذبناه يوم القيامة» و خبر الحسن بن برة الأصم المروي في بصائر الدرجات الجزء الثاني- الباب 17- الحديث 17 ص 94- المطبوعة عام 1380 عن أبى عبد اللَّه عليه السلام، قال: «سمعته يقول: إن الملائكة لتتنزل علينا في رحالنا، و تنقلب على فرشنا، و تحضر موائدنا، و تأتينا في كل نبات في زمانه رطب و يابس و تقلب علينا أجنحتها، و تقلب أجنحتها على صبياننا، و تمنع الدواب أن تصل إلينا، و تأتينا في وقت كل صلاة لتصليها معنا، و ما من يوم يأتي علينا و لا ليل إلا و أخبار أهل الأرض عندنا، و ما يحدث فيها. إلخ» و في عيون الأخبار ج 1 ص 213 الباب 19 الحديث 2 «إن الإمام مؤيد بروح القدس إلخ» و خبر أبى بصير المروي في بصائر الدرجات الجزء التاسع الباب 16- الحديث 1 ص 455 قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام جعلت فداك عن قول اللَّه تبارك و تعالى «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» قال: يا أبا محمد خلق و اللَّه أعظم من جبرئيل و ميكائيل، و قد كان مع رسول اللَّه ص يخبره و يسدده و هو مع الأئمة ع يخبرهم و يسددهم» و نحوه مذكور هناك و خبر جابر المروي في بصائر الدرجات أيضا- الجزء التاسع- الباب 15- الحديث 12 ص 454 قال: «قال أبو جعفر عليه السلام: إن اللَّه خلق الأنبياء و الأئمة ع على خمسة أرواح: روح القوة و روح الإيمان و روح الحياة و روح الشهوة و روح القدس، فروح القدس من اللَّه، و سائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان، فروح القدس لا يلهو و لا يتغير و لا يلعب، و بروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرى» و خبر مفضل ابن عمر المروي في بصائر الدرجات في الموضع المشار اليه- الحديث 3 قال: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض و هو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل ان اللَّه تبارك و تعالى جعل للنبي ص خمسة أرواح: روح الحياة فيه دب و درج، و روح القوة فيه نهض و جاهد و روح الشهوة فيه أكل و شرب و أتى النساء من الحلال، و روح الإيمان فيه أمر و عدل، و روح القدس فيه حمل النبوة، فإذا قبض النبي ص انتقل روح القدس فصار في الإمام عليه السلام، و روح القدس لا ينام و لا يغفل و لا يلهو و لا يسهو، و الأربعة الأرواح تنام و تلهو و تغفل و تسهو، و روح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض و غربها و برها و بحرها، قلت: جعلت فداك يتناول الإمام عليه السلام ما ببغداد بيده؟ قال: نعم و ما دون العرش» إلى غير ذلك مما ورد في الموارد المشار إليها و غيرها في أوصافهم عليهم السلام.

ج 13، ص: 73

من جميع الأرجاس و الذنوب و تنزههم عن القبائح و العيوب، و عصمتهم من العثار و الخطل

ج 13، ص: 74

في القول و العمل، و بلوغهم إلى أقصى مراتب الكمال، و أفضليتهم ممن عداهم في جميع

ج 13، ص: 75

الأحوال و الأعمال، و أنهم تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم، و أن حالهم في المنام كحالهم

في اليقظة، و أن النوم لا يغير منهم شيئا من جهة الإدراك و المعرفة، و أنهم لا يحتلمون، و لا يصيبهم لمة الشيطان، و لا يتثاءبون و لا يتمطون في شي ء من الأحيان، و أنهم يرون من خلفهم كما يرون من بين أيديهم، و لا يكون لهم ظل، و لا يرى لهم بول و لا غائط، و أن رائحة نجوهم كرائحة المسك، و أمرت الأرض بستره و ابتلاعه، و أنهم علموا ما كان

ج 13، ص: 76

و ما يكون من أول الدهر إلى انقراضه، و أنهم جعلوا شهداء على الناس في أعمالهم، و أن ملائكة الليل و النهار كانوا يشهدون مع النبي (صلى اللَّه عليه و آله) صلاة الفجر، و أن الملائكة كانوا يأتون الأئمة (عليهم السلام) عند وقت كل صلاة، و أنهم ما من يوم و لا ساعة و لا وقت صلاة إلا و هم ينبهونهم لها ليصلوا معهم، و أنهم كانوا مؤيدين بروح القدس يخبرهم و يسددهم، و لا يصيبهم الحدثان، و لا يلهو و لا ينام و لا يغفل، و به علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى، و رأوا ما في شرق الأرض و غربها، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا اللَّه، كما ورد(1)أنهم لا يعرفهم إلا اللَّه و لا يعرف اللَّه حق المعرفة إلا هم، و ليسوا هم أقل من الديكة التي تصرخ في أوقات الصلوات و في أواخر الليل لسماعها صوت تسبيح ديك السماء الذي هو من الملائكة و عرفه تحت العرش و

رجلاه في تخوم الأرض السابعة، و جناحاه يجاوزان المشرق و المغرب، و آخر تسبيحه في الليل بعد طلوع الفجر «ربنا الرحمن لا إله غيره»(2)ليقم الغافلون، تعالوا عن ذلك علوا كبيرا، نعم لو أمكن دعوى ثبوت تكاليف خاصة لهم تقوم مقام هذه التكاليف اتجه دعوى جواز نومهم عنها، و ربما يومي اليه

قول النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «أصابكم فيه الغفلة»

و قوله (صلى اللَّه عليه و آله): «نمتم بوادي الشيطان»

و اللَّه أعلم بحقيقة الحال.

[في الاستدلال على المضايقة و رده]

و منها ما يظهر لمن سرد أخبار(3)الحيض و الاستحاضة و الاستظهار، من عدم المضايقة في أمر القضاء، و عدم اشتراط صحة الحاضرة بفعله و لو بسبب تركها التعرض له مع ظهور الفوات، بل في مرسل يونس (4)المتقدم في باب الحيض المتضمن لعدم


1- 1 البحار ج 39 ص 84 المطبوعة عام 1381 عن المناقب لابن شهرآشوب.
2- 2 روضة الكافي ص 272- الرقم 406 الطبع الحديث مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الحيض- الحديث 2 من كتاب الطهارة.

ج 13، ص: 77

اشتراط الموالاة في ثلاثة الحيض تصريح بتأخير القضاء، إلا أن صحة الاستدلال موقوفة على العمل، أو يجعل حجة إلزامية لمن عمل به من

أهل المضايقة، إلى غير ذلك من الأخبار التي تصلح للتأييد إن لم يكن الاستدلال لما فيها من الاشعار و إن ضعف، ك

صحيح صفوان بن مهران (1)«أقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللَّه، فقال: لا أطيقها، فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة فقالوا: ليس منها بد فقال: فبما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء و مررت على ضعيف فلم تنصره»

و غيره مما ورد في النجاسات و ما أمر فيه (2)بجعل ما تلبس به من الفرض لما فات لإدراك الجماعة، و ما حكاه ابن طاوس في رسالته من المنامات عن الأئمة (عليهم السلام) الذين لا يتصور الشيطان بصورهم، و غير ذلك.

و معارضة تمام ما سمعته بما يشهد للقول بالمضايقة المحضة بالمعنى المتقدم سابقا- من الاحتياط في البراءة عن تمام ما اشتغلت الذمة به من الفائتة و الحاضرة الذي قد عرفت سابقا عدم الدليل على وجوب مراعاته، بل مقتضى الأصل و غيره البراءة عن ذلك، و ما شك في شرطيته ليس شرطا عندنا، على أنه لا شك فيه لمن لا حظ الأدلة المتقدمة، و من فورية الأوامر المطلقة بالقضاء المحكي عليها الإجماع من المرتضى في الوارد منها في الكتاب و السنة التي قد فرغنا من تحرير فسادها في الأصول- واضحة الضعف، كالمعارضة بالإجماعات المتقدمة في تحرير محل النزاع على اختلاف معاقدها.

بل عن الحلي في خلاصة الاستدلال «أنه أطبقت عليه الإمامية خلفا عن سلف و عصرا بعد عصر و أجمعت على العمل به، و لا يعتد بخلاف نفر يسير من الخراسانيين فإن ابني بابويه و الأشعريين كسعد بن عبد اللَّه صاحب كتاب الرحمة و سعد بن سعد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوضوء- الحديث 2 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 78

و محمد بن علي بن محبوب صاحب كتاب نوادر الحكمة و القميين أجمع كعلي بن إبراهيم ابن هاشم و محمد بن الحسن بن الوليد عاملون بالأخبار المتضمنة للمضايقة، لأنهم ذكروا أنه لا يحل رد الخبر الموثوق برواته، و حفظتهم الصدوق ذكر ذلك في كتاب من لا يحضره الفقيه، و خريت هذه الصناعة و رئيس الأعاجم الشيخ أبو جعفر الطوسي مودع أحاديث المضايقة في كتبه مفت بها، و المخالف إذا علم باسمه و نسبه لم يضر خلافه» إلى آخره.

التي بما سمعته سابقا في تحرير محل النزاع من تعداد القائلين بالمواسعة ينكشف لك فساد دعوى هذه الإجماعات و خطأ حاكيها في استنباطها، و كيف لا و قد عرفت أنا لم نقف بعد الاستقراء على قائل بالمضايقة من أصحاب الفتاوى سوى جماعة ذكرناهم، و عمدتهم نقلة الإجماع الذين هم ليسوا في عصر واحد، و لم يخل عصر أحد منهم من الخلاف، و من المعلوم أنه لا يصح الإجماع نقلا بموافقة المتأخر و لو فتوى، كما أنه لا يصح المتأخر بموافقة فتوى بعض قد اشتهر الخلاف في زمانه و قبله و بعده، بل لو لوحظ كل إجماع حكي على المضايقة و ما سبقه من الفتاوى الموافقة له و المخالفة لقضي منه العجب.

و لذا حكي عن صاحب العصرة مشيرا إلى ابن إدريس على الظاهر أنه قال:

و قد رأيت بعض فقهائنا الآن قد صنف مسألة في معنى القضاء، و قال بقول الشيخ و ادعى إجماع الطائفة على قوله، فتعجبت من ذلك، و كيف ادعى الإجماع مع اختلاف الجماعة الذين ذكرناهم على عظم أقدارهم و شهرة آثارهم بين الأصحاب، ثم أورد على الشيخ في الخلاف بأن ادعاءه الإجماع لعجيب أ تراه لم يعتد بقول الشيخين المتقدمين أي الصدوقين و سلفهما أو لم يعدهما من الأصحاب أو لم يبلغه قولهما و قول سلفهما، و ناهيك به رادا للإجماع في عصر مدعيه فضلا عن المحقق و الشهيد و غيرهما ممن رده أيضا، بل قد عرفت فيما مضى أنه يمكن دعوى استقرار الإجماع على عدم المضايقة و إن كان قد فصل من فصل بما سمعت، إلا أنك عرفت أنه قائل بالمواسعة في المعظم، بل

ج 13، ص: 79

بعضهم عدل عنه إليها تماما، و إن قيل: لعل مدعي الإجماع أخذه من رواة الأخبار لا أصحاب الفتاوى كما يومي اليه ما سمعته من الخلاصة

كان أوضح فسادا من الأول، لأنهم رووا أخبار الطرفين، بل لو قيل: إن معظمهم على المواسعة لم يكن بعيدا، لما تقدم من النص عليها في أصل الحلبي الذي رواه عنه خلق من أصحابنا بطرق كثيرة فيها المفيد و التلعكبري و الصدوقان و ابن الوليد و سعد و الحميري و الصفار و ابن عيسى و ابن أبي عمير و حماد و غيرهم، و أصل الحسين بن سعيد و نوادر ابن عيسى الأشعري و كتب الصدوقين و الجعفي و الواسطي و فقه الرضا (عليه السلام) و كتاب علي بن جعفر و الحميري و محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي صاحب نوادر الحكمة و محمد بن علي ابن محبوب الأشعري صاحب كتاب الجامع و سعد بن عبد اللَّه الأشعري صاحب كتاب الرحمة و السيد أبي طالب الحسيني و دعائم الإسلام و غيرها من الكتب المتقدمة للثقات الأجلاء المعدودين من أجلاء الفقهاء و ممن أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه، بل في أخبار المواسعة من لا يحتاج فضله إلى شهادة، كحريز و إسماعيل بن جابر و جميل ابن دراج و الحسن بن محبوب و جابر بن عبد اللَّه و محمد بن مسلم و أبي بصير و سليمان بن خالد و عبد اللَّه بن سنان و عيص بن القاسم و سعيد الأعرج و سماعة و عمار و غيرهم.

و أوضح من ذلك لو استند في استنباطه إلى السيرة التي عرفت حالها فيما قدمناه من أدلة المواسعة، على أن إجماع المفيد منهم في الرسالة المنسوبة إليه في نفي السهو ربما احتمل أنها للمرتضى، و إلا فمقنعته التي هي المرجع في أقواله غير واضحة الدلالة على أصل المضايقة و الترتيب، فضلا عن دعوى الإجماع، و قد قال في الرسالة المزبورة على ما حكي عنها: «إن الخبر المروي في نومه (صلى اللَّه عليه و آله) عن صلاة الصبح يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق، لأنهم لا يختلفون في أن من فاته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها في أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقا لصلاة فريضة حاضرة

ج 13، ص: 80

و إذا حرم أن يؤدي فيه فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضا قد فاته كان من حظر النوافل عليه قضاء ما فاته من الفرض أولى مع

الرواية(1)عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أنه قال: «لا صلاة لمن عليه صلاة»

يريد أنه لا نافلة لمن عليه فريضة» و هو كما ترى ظاهر في عدم وقوفه على فتاواهم في خصوص ذلك، لكنه استنبطه بالأولوية من عدم الاختلاف المزبور، و من الواضح أولا عدمها بناء على أن حرمة فعل الحاضرة قبل الفائتة للترتيب لا الفورية كالعصر بالنسبة إلى الظهر، ضرورة الفرق حينئذ بينها و بين النافلة، و ثانيا أنه يحتمل إرادته عدم الاختلاف في العبارة المزبورة التي فهم هو منها الحرمة، و لعلنا نمنعه عليه، و نقول: إن مرادهم وجوب قضائها في سائر الأوقات عدا وقت الحاضرة و إن لم يكن على الفور كما يومي إليها وقوع نحوها ممن علم أن مذهبه المواسعة، بل عبروا

بمثلها في قضاء النوافل، و ثالثا أنه صريح في أن إجماعه ليس بالمعنى الذي عند المتأخرين من القطع بقول المعصوم، بل هو بمعنى الاتفاق و عدم الاختلاف، فصح لنا نقضه بما سمعته من تحققه ممن سبقه و تقدم عليه، بل الذي يقوي في ظني أن كثيرا من إجماعات القدماء بمعنى الاتفاق على القواعد الكلية التي تكون مدركا لبعض الأحكام الجزئية، كما يرشد اليه ما سمعته من الخلاصة، فإنه ظاهر في أن دعواه الإجماع المزبور نشأت من ذكرهم عدم حل رد الخبر الموثوق برواته، و أنت خبير أن ذلك لا يقتضي الإجماع على أصل الحكم، بل هو عنه بمعزل، كما هو واضح.

و لقد أجاد المحقق الشيخ علي بن عبد العالي في تعليق الإرشاد حيث قال: كلام ابن إدريس غير صريح في دعوى الإجماع على القول بالمضايقة، لأنه يحتمل أن يراد به الإجماع على أن الأدلة التي ذكرها حجة لا أن ما استدل عليه من هذه المسألة انعقد


1- 1 المستدرك- الباب- 46- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 13، ص: 81

الإجماع عليه، و هو جيد، لكن كان ينبغي جزمه بذلك حتى بالنسبة إلى إجماعه الذي ادعاه في السرائر و إن كان لم يصرح بنحو ذلك فيها، لكنه مراده في الرسالة قطعا، خصوصا مع إحالته المسألة في السرائر إليها مدعيا أنه بلغ فيها إلى أبعد الغايات و أقصى النهايات، ضرورة عدم تركه ذكر مثل ذلك فيها الذي هو أعظم من كل ما ذكر، فيعلم أن هذا أقصى ما كان عنده، و لو وجد ملجأ غيره لأورده، و من العجيب ذكره هذا الإجماع هنا و إنكاره العمل بأخبار الآحاد الثقات في السرائر مدعيا فيها الإجماع أو الضرورة، كما أنه من العجيب نقله في الرسالة المزبورة عمن عرفت ممن علم حاله أنه ممن لا يقول بالمضايقة، بل من العجيب أيضا عدم ذكره رواة المواسعة مقابل ذلك، و لذا رده غير واحد بأن الرواة رووا أخبار الطرفين، و كم له من عجب جر به الطعن إلى نفسه ممن تأخر عنه من الأساطين، بل و من عاصره، فإنك قد سمعت أن سديد الدين محمود الحمصي المعاصر له صاحب التصانيف الكثيرة علامة زمانه في الأصوليين كما عن تلميذه منتجب الدين كان يطعن عليه بأنه مخلط لا يعتمد على تصنيفه، و لعله أخذه مما يظهر عليه من إرادة الترويج، فربما يدعي الدعوى و يذكر فيها الإجماع ثم ينقضها في مكان آخر قريب منه و يدعي فيها الإجماع، كما حكي عنه في مفتاح الكرامة أنه نقل الإجماع في بحث الولاء على أنه إذا كان المعتق المتوفى امرأة فولاؤها لعصبتها دون ولدها و إن كانوا ذكورا، ثم رجع عنه، لأنه راجع تصانيف الأصحاب و أقوالهم فوجدها مختلفة، ثم ما بعد به المدى حتى نسب إلى الخلاف خلاف ما نقل هو عنه، و ربما يمدح الموافق له تارة لأنه وافقه، و يذمه أخرى و يجعله عن العلم بمعزل، إلى غير ذلك مما يطول ذكره، بل لو أردنا استقصاء البحث في نفس عبارته التي سمعتها في الرسالة المزبورة لاحتاج إلى تسويد جملة من الفرطاس، و فيما سمعته الكفاية للمتنبه الفطن.

و مما سمعت يظهر البحث أيضا في إجماعات غيره في المقام كإجماع الشيخ في

ج 13، ص: 82

الخلاف الذي علله بأنهم لا يختلفون في ذلك، فإنه يرد عليه ما سمعته في كلام المفيد، على أنه هو بنفسه قد يشعر بعض عباراته في بعض كتبه به، بل ربما آوى بعض أخبار المواسعة غير راد لها و لا مؤل، بل ربما تشعر جملة من عباراته في الاستبصار بأن المدار في تضيق الحاضرة عنده الوقت الاختياري، و من هنا قال بعض مشايخنا المحققين:

إن كلام الشيخ في كتبه لا يخلو من اختلاف و اضطراب، و أما إجماع ابن زهرة فلا يخفى على الخبير حاله بل و حال غيره من إجماعاته، بل قد يحتمل أن منشأه هنا دعوى المرتضى الإجماع على فورية الأوامر المطلقة في الكتاب و السنة، أو تلك العبارة التي سمعتها في كلام المفيد أو غير ذلك، و بقي إجماع الرسيات و شرح الجمل، و يجري فيهما بعض ما تقدم، و بالجملة الركون هنا إلى هذه الإجماعات التي قد عرفت حالها من الفتاوى و الروايات مما لا يقطع بالعذر معه عند رب السماوات، خصوصا بعد ما سمعت من معارضتها بالإجماعات السابقة في أدلة المواسعة، و اشتهار الاعراض عنها في الأعصار المتأخرة المملوة من الأفاضل المحققين الذين لا يجسر على دعوى قصورهم عن المتقدمين، بل هي على العكس أقرب إلى الصواب كما لا يخفى على ذوي الألباب، بل هم معهم أشبه شي ء بقوله تعالى (1)«ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها» و يكفيهم في الفضل أنهم علموا ما عند المتقدمين و زادوا عليهم بما عندهم، و أعلم الناس من يجمع علمه و علم غيره.

و لقد أجاد المجلسي طاب ثراه فيما حكي عنه في أحكام صلاة الجمعة من البحار حيث قال: «و أي فرق بين عمل الشهيد الثاني و من تأخر عنه و عمل الشيخ و من تأخر عنه إلى زمان الشهيد الثاني حيث يعتبر أقوال أولئك و لا يعتبر أقوال هؤلاء، مع أنه لا ريب أن هؤلاء أدق فهما و أذكى ذهنا و أكثر نتبعا منهم، و نرى أفكارهم أقرب إلى الصواب في أكثر الأبواب» إلى آخره. مع أنه لا يخفى عليك وضوح الفرق بين المقامين و شدة


1- 1 سورة البقرة- الآية 100.

ج 13، ص: 83

التباين بين المسألتين، لما عرفت من كثرة القائلين من القدماء بالمواسعة، بل هي أقرب إلى دعوى الإجماع من المضايقة، إذ أرباب الثانية المقطوع بفتواهم بها بالنسبة إلى الأولى نزر قليل، بل لم يعرف عن بعضهم إلا بالنقل كالقديمين، و ليس هو كالعيان.

فظهر حينئذ ضعف معارضة تلك الأدلة بهذه الإجماعات، كمعارضتها بقوله تعالى (1)«وَ أَقِمِ

الصَّلاةَ لِذِكْرِي» لما حكاه في الذكرى عن كثير من المفسرين أنها في الفائتة، ل

قول النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(2): «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، إن اللَّه تعالى. إلخ»،

و عن البيضاوي بعد ذكر جملة من معاني الآية أو لذكر صلاتي، لما

روي أنه (صلى اللَّه عليه و آله) قال: «من نام»

الخبر. كما عن مجمع الطبرسي أيضا بعد ذكر جملة من المعاني، و قيل: معناه أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها أو لم تكن عن أكثر المفسرين، و هو المروي (3)عن أبي جعفر (عليه السلام)، و يعضده ما رواه

أنس (4)«ان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) قال- إلى آخره- و قرأ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» رواه مسلم في الصحيح

و نحوه عن جوامعه مضافا إلى ما سمعته في صحيح زرارة(5)المروي في الذكرى الذي ذكرناه في أدلة المواسعة، ك

صحيحه الآخر(6)عن الباقر (عليه السلام) «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فان اللَّه عز و جل يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي، و إن كنت تعلم إذا


1- 1 سورة طه- الآية 14.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 12.
3- 3 مجمع البيان- سورة طه- الآية 14.
4- 4 صحيح مسلم ج 2 ص 142.
5- 5 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 13، ص: 84

صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها و اقض الأخرى»

إذ هو ظاهر في استفادة الفورية من الآية، و لذا استدل بها عليها، فتكون اللام للتوقيت أي عند ذكري.

و يعضدها حينئذ الأخبار الكثيرة المستفاد منها ذلك،

كالنبوي (1)الذي ادعى في السرائر أنه من المجمع عليه بين الأمة «من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها»

و الآخر المروي عن رسيات المرتضى «من ترك صلاة ثم ذكرها فليصلها إذا ذكرها، فذلك وقتها»

و خبر نعمان الرازي (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل فإنه شي ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها قال: فليصل حين ذكر»

و نحوه صحيح حماد بن عثمان (3)بل لعلهما خبر واحد و إن وقع خلل في السند، و

صحيح زرارة(4)عن الباقر (عليه السلام) «أربع يصليها الرجل في كل ساعة:

صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت، فهذه يصليهن الرجل في الساعات كلها»

و صحيح معاوية بن عمار(5)عن الصادق (عليه السلام) «خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و إذا نسيت فصل إذا ذكرت، و صلاة الجنازة»

و موثقه (6)عن الباقر (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها قال: يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا»


1- 1 سنن البيهقي ج 2 ص 219.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.

ج 13، ص: 85

و خبر يعقوب بن شعيب أو صحيحه (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أ يصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟

فقال: يصلي حين يستيقظ»

و صحيح زرارة أيضا أو خبره (2)عن الباقر (عليه السلام) «إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور و هو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك و لا ينقص، و من نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، و إن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما»

و صحيحه الآخر(3)عن الباقر (عليه السلام) في قول اللَّه تعالى (4)«إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» قال: يعني مفروضا، و ليس يعني وقت فوتها، إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاته مؤداة، و لو كان ذلك كذلك لهلك سليمان ابن داود حين صلاها لغير وقتها، و لكن متى ما ذكر صلاها، و متى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، فان شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائلا فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فان استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت».

و موثقة سماعة بن مهران (5)«سألته عن رجل نسي أن يصلي الصبح حتى طلعت الشمس قال: يصليها حين يذكرها»

و صحيح أبي ولاد(6)عن الصادق (عليه السلام) سأله


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 4.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 7 من أبواب المواقيت- الحديث 4 و ذيله في في الباب 60 منها- الحديث 1.
4- 4 سورة النساء- الآية 104.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.

ج 13، ص: 86

عن حكمه حيث أنه مسافر و قصر في النهار ثم عدل في الليل و أراد الرجوع إلى منزله و لم يدر أ يقصر في رجوعه أم يتم؟ فقال (عليه السلام) بعد كلام: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه يريدا فان عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من

قبل أن تريم من مكانك ذلك، لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت، فوجب عليك قضاء ما قصرت، و عليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك»:

و صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) أنه سئل «عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكر من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة و لم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت، و هذه أحق بوقتها فليصلها، فإذا قضاها فليصل ما قد فاته مما قد مضى، و لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».

و صحيحه الآخر الطويل (2)عن الباقر (عليه السلام) الذي هو عمدة أدلة القائلين بالمضايقة حتى أن الشيخ في الخلاف قال: إنه جاء مفسرا للمذهب كله، قال:

«إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها و أقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة، و قال: قال أبو جعفر (عليه السلام):

و إن كنت قد صليت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها فصل الغداة أي ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها، و قال: إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر، فإنما هي أربع

مكان أربع، و إن ذكرت أنك لم تصل الأولى و أنت في صلاة العصر و قد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 13، ص: 87

صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين، و قم فصل العصر، و إن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب، و إن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر، فان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها ركعتين ثم تسلم ثم تصلي المغرب، فان كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصل المغرب و إن كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة، فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة و أذن و أقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم صل العشاء، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب و العشاء و ابدأ بأولهما، لأنهما جميعا قضاء، أيهما ذكرت فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس، قال: قلت: لم ذاك؟ قال:

لأنك لست تخاف فوتها».

و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها، و إن كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة، فتكون صلاته للمغرب


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 13، ص: 88

ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك»

و صحيح صفوان بن يحيى (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلى العصر فقال: كان أبو جعفر (عليه السلام) أو كان أبي (عليه السلام) يقول: إن أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلا صلى المغرب ثم صلاها»

و خبر أبي بصير(2)«سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال: يبدأ بالظهر، و كذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف

أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثم تقضي التي نسيت»

و خبر معمر بن يحيى (3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة و قد دخل وقت صلاة أخرى، قال:

يصليها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي قد دخل وقتها»

و ما عن

دعائم الإسلام (4)روينا عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: «من فاتته صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فإن كان في الوقت سعة بدأ بالتي فاتته و صلى التي هو منها في وقت، و إن لم يكن في الوقت إلا مقدار ما يصلي التي هو في وقتها بدأ بها و قضى بعدها الصلاة الفائتة»

و المروي (5)في كتب الأصحاب مرسلا عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أنه قال: «لا صلاة لمن عليه صلاة».

و جميع ذلك كما ترى غير صالح في نفسه لإثبات تمام ما سمعته من أهل المضايقة في عنوان النزاع فضلا عن أن يعارض تلك الأدلة السابقة، أما الآية فلا ريب في عدم ظهورها في نفسها مع قطع النظر عن تفسيرها بالأخبار فيما ذكره، بل هي ظاهرة في


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 8.
3- 3 التهذيب ج 2 ص 46- الرقم 150 من طبعة النجف.
4- 4 المستدرك- الباب- 47- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
5- 5 المستدرك- الباب- 46- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 13، ص: 89

عدمه، إذ لا يخفى كون الخطاب بالآية الشريفة لموسى على نبينا و عليه السلام، فإنه سبحانه قال (1): «وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى- إلى أن قال- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي، إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى، فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى، وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى» إلى آخرها، و احتمال إرادة الخطاب لنبينا (صلى اللَّه عليه و آله) بقوله «فَاعْبُدْنِي» إلى قوله «وَ ما تِلْكَ» على أن يكون جملة معترضة بينهما أو لكل مكلف في غاية الضعف بل الفساد، على أنه لا ينافي ما ستسمع، بل الظاهر أنه تعالى شأنه لما بشره بالرسالة أمره بالاستماع لما أوحاه له من التوحيد الذي هو أصل الأصول و الفروع، و العبادة له تعالى التي هي نتيجة كمال الإيمان الكاشفة عن حصوله و ثبوته، ثم عطف الصلاة له عليها من عطف الخاص على العام، لأنها أفضل العبادات و عمود الطاعات، فالياء في ذكري كياء فاعبدني أي أقم الصلاة لي، إذ إقامتها لذكره إقامة له تعالى شأنه، أو أن المراد أقمها لأجل ذكري، إذ الصلاة في الحقيقة باعتبار اشتمالها على التسبيح و التعظيم و الأذكار و اشتغال القلب و اللسان في اللَّه بسببها ذكر من أذكاره، بل عبر عن الصلاة بالذكر في قوله تعالى (2)«فَاسْعَوْا إِلى

ذِكْرِ اللَّهِ» و قوله تعالى (3)«فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ» و قوله تعالى (4)«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً» و منه (5)«فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ» و

عن


1- 1 سورة طه- الآية 8 إلى 18.
2- 2 سورة الجمعة- الآية 9.
3- 3 سورة البقرة- الآية 240.
4- 4 سورة آل عمران- الآية 181.
5- 5 سورة الروم- الآية 16.

ج 13، ص: 90

الباقر (عليه السلام)(1)«ذكر اللَّه لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه أ لا ترى أنه تعالى يقول (2)فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ»

و ربما حمل عليه قوله تعالى أيضا(3)«وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» أو أن المراد أقمها لأجل أن تكون ذاكرا لي غير ناس كما هو شأن المخلصين و الأولياء الذين لا يفترون عن ذكر اللَّه، و لا تلهيهم تجارة و لا بيع عنه، أو أن المراد لأجل ذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري، أو لإخلاص ذكري و طلب وجهي لا ترائي بها و لا تقصد بها غرضا آخرا أو لأني أذكرك بالمدح و الثناء و أجعل لك لسان صدق، أو لأني ذكرتها في الكتب، أو لذكري إياها و أمري بها فأقمها امتثالا لذلك، أو لوجوب ذكري على كل أحد، و هي منه، أو لأوقات ذكري، و هي مواقيت الصلاة، أو غير ذلك، لا أن المراد أقم الصلاة لذكري لك إياها عند نسيانك لها أي تذكيري و أضافه اليه مع

أن المناسب التعبير بذكرها لما قيل من أنه ورد في الأخبار أن الذكر و النسيان من الأشياء التي لا صنع للعباد فيها، أو أن المراد لذكر صلاتي على جهة الإضمار أو التجوز بإرادتها من ضمير التكلم، إذ هو كما ترى مع ركاكته و ظهور الآية بخلافه مناف لمرتبة موسى أو نبينا (عليهما الصلاة و السلام) من نسيان الصلاة، على أن الآية كالصريحة في إرادة الأمر بإقامة أصل الصلاة و بيان زيادة الاهتمام بها لا خصوص الفائتة منها.

و دعوى وجوب القول بذلك للأخبار المتقدمة و المحكي عن أكثر المفسرين و إن كان ظاهر الآية نفسها ما تقدم يدفعها- بعد إمكان منع قبول مثل هذه الأخبار في


1- 1 تفسير الصافي- سورة البقرة- الآية 147.
2- 2 سورة البقرة- الآية 147.
3- 3 سورة العنكبوت- الآية 44.

ج 13، ص: 91

صرف مثل هذا الظاهر من الكتاب، ضرورة أولويته من التخصيص أو التقييد بخبر الواحد الصحيح الصريح الذي منعه جماعة- أنه لا ظهور في تلك الأخبار بإرادة الفائتة خاصة من الصلاة فيها، بل و لا إرادة التذكر من النسيان من الذكر فيها، إذ صحيح زرارة مع اشتماله على ما لا يقول به أهل المضايقة بل ربما رده بعضهم باشتماله على نوم النبي (صلى اللَّه عليه و آله) ليس فيه سوى الاستدلال على وجوب القضاء إذا ذكر بالآية، و هو يتم مع كون الصلاة فيها للأعم من الحاضرة و الفائتة، بل و يتم و إن كان الذكر فيها لا بمعنى التذكر بعد النسيان، بل يكفي فيه استفادة قضاء الصلاة من إطلاق الأمر فيها بإقامة الصلاة معللا بالذكر الذي منه يستفاد إرادتها و إن خرج وقتها، و دعوى إرادته (عليه السلام) استفادة الفورية حال الذكر منها ممنوعة كل المنع، لما ستعرفه من أنه لا دلالة في مثل هذه العبارة الواقعة فيه على الفورية كي يحتاج إلى الاستدلال عليها، خصوصا و قد سمعت ما عن الطبرسي في كتابيه من تعميم الصلاة في الآية للحاضرة و الفائتة حاكيا له عن أكثر المفسرين راويا له عن الباقر (عليه السلام)، كما أنه حكي عن الشيخ الذي هو من أرباب المضايقة في تبيانه أنه قال بعد أن فسر الآية ببعض ما ذكرناه نحن: «و قيل:

إن المعنى متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها أو فات وقتها فأقمها» إلى آخره، فيجب حينئذ حمل قوله «لِذِكْرِي» و إن قلنا إنه بمعنى التذكر على أن زمان التذكر وقت لوجوب الصلاة مطلقا دفعا لتخيل سقوط الوجوب بالنوم أو النسيان في أول الوقت أو عدم وجوب القضاء بعد خروج الوقت، أو وجوب شي ء آخر غير القضاء، أو وجوب القضاء في وقت خاص كالأداء، بل لو لم يستفد منه إلا مجرد إيجاب القضاء بعد الذكر لكونه فرضا جديدا لكفى بذلك فائدة، لا أن المراد أنه يجب الفعل في أول أوقاته، لعدم صحته بالنسبة للحاضرة التي هي أهم للشارع في إرادة بيانها بالآية، فاللام حينئذ بمعنى «بعد» بل لو جعل بمعنى «في» أو «عند» أمكن القول بأن

ج 13، ص: 92

وقت الذكر جنس يصدق في أفراد متعددة و إن كانت مترتبة الوجود، فيحصل الامتثال بإيقاع الفعل في أي واحد منها، بل لو فرض استمرار زمان الذكر كان أوضح في الامتثال بالتأخير، إذ هو حينئذ كقوله: صل يوم الخميس، و دعوى إرادة الأول لا شاهد لها.

بل قد يقال: إن

قول النبي (صلى اللَّه عليه و آله) في الصحيح المزبور(1): «من نسي شيئا من الصلاة»

بعد أن صلى الصبح و نافلتها يشعر بإرادته الأعم من الفريضة من الصلاة، فيجب حمل الأمر حينئذ على الطلب المطلق الذي هو أعم من الوجوب و الندب، و حمل التوقيت بالذكر على عدم إرادة الفورية، ضرورة عدم التضييق في النافلة، و التقييد و التخصيص ليس بأولى مما ذكرنا، خصوصا لو قلنا: «إذا» للتوقيت و سلمنا إرادة أول أزمنته لكن الأمر للندب حتى يشمل النافلة، لأن مجازية الندب في الأمر في غاية الشيوع و الكثرة، كما أن أمره فيه لأصحابه بالتحول و صلاته النافلة قبل القضاء ظاهر في عدم إرادته وجوب الفعل في أول زمان الذكر من لفظ «إذا» فيه بل قد يدعى ظهور هذه و ما ماثلها في نفسها فضلا عن القرائن المؤيدة في إرادة بيان سببية الذكر للوجوب و ابتداء حصوله فيه ك

قولهم (ع)(2): إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة،

و إذا انكسفتا أو إحداهما فصلوا،

و إذا شككت في الركعتين فأعد،

و إذا شككت في المغرب فأعد، و إذا شككت في الفجر فأعد

، بل

روي (3)«فيمن أجنب في رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان أن عليه أن يقضي الصلاة و الصوم إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوضوء- الحديث 1 و الباب 1 من أبواب صلاة الكسوف الحديث 10 و الباب 1 من أبواب الخلل الحديث 14 و الباب 2 منها الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1 و الوسائل الباب 30 من أبواب من يصح منه الصوم- من كتاب الصوم.

ج 13، ص: 93

ذكر»

و من الواضح عدم فورية قضاء الصوم بالمعنى المزبور، و نحو قوله تعالى(1):

«وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ».

بل قد يقال: إن هذا التقييد يؤتى به عرفا لصحة الكلام و تكميله، ضرورة استنكار قوله: إذا نسيت الصلاة فصل، أو إذا نمت عن الصلاة فصل، و إذا أغمي عليك فصل و عدم مألوفيته إن لم يقيد بالذكر في الأول و اليقظة في الثاني و الإفاقة في الثالث، و لو أردت وضوح الحال فافرض نفسك المجيب عن هذا السؤال، إذ خطابات الشارع كخطابات بعضنا مع بعض، و من المعلوم عدم إرادة الفورية التي يقولها

الخصم من ذلك، و لو فرض إرادتها لم يكتف بمثل هذه العبارة التي لا أقل من احتمال كون «إذا» فيها ظرفا للوجوب أو للقضاء.

و نحو ذلك كله يجري في النبوي المشتمل على ذكر الآية أيضا بعد الإغضاء عن ضعف سنده، بل و صحيح زرارة الآخر أيضا و إن استدل فيه بالآية على وجوب البدأة بالفائتة مع سعة الوقت، لكنه من حيث أن المستدل عليه لا ظهور فيه بمضايقة الخصم كما أن المستدل به لا دلالة فيه أصلا على الترتيب الذي في السؤال كان محتملا لإرادة الاستدلال بالآية على الرخصة أو مطلق الطلب الذي هو أعم من الوجوب التعييني في البدأة بالفائتة و فعلها وقت الحاضرة دفعا لتوهم منع الجواز أو الرجحان الحاصل من شدة ما ورد من التأكيد في المحافظة على الحاضرة في وقتها، فيكون المقصود حينئذ بيان أن ذلك أحد أفراد الواجب التخييري، على أنه لا دلالة فيه على إرادة وقت الاجزاء أو الفضيلة، بل لعل الظاهر الثاني، لشيوع إرادته من مثل التعبير المزبور و ندرة فرض الأول كي يحتاج إلى التنبيه عليه، بل و النبوي الذي ادعى في السرائر إجماع الأمة عليه التي يمكن منعها عليه، إذ الظاهر منه إرادة بيان كون الذكر وقت وجوبها و وقت صحة


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.

ج 13، ص: 94

فعلها، نحو ما سمعته في

قوله (عليه السلام): «إذا ذكرها»

لا مضايقة الخصم.

بل لعل المقصد الأصلي من ذلك إرادة بيان عدم اختصاصها بوقت من الأوقات و بيان صلاحية سائر الأوقات لها، و بيان عدم سقوطها بمجرد فوت وقتها الأدائي، كخبر نعمان الرازي الذي بعده بعد الإغضاء عن سنده، بل هو أظهر منه في كون المقصود منه بيان ذلك، لكون السؤال فيه وقع عن فعل القضاء في الوقت الذي يتوهم فيه الحظر كما عن أبي حنيفة و أصحابه، أو شدة الكراهة لاشتهار النهي عنه، بل لعل السؤال فيه عن الأعم من قضاء الفريضة و النافلة، فيكون الأمر فيه لمطلق الطلب، بل أظهر منهما في المعنى المذكور صحيحا زرارة و معاوية، ضرورة كون المقصود منهما عين ما في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «خمس صلوات يصلين في كل وقت:

صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت، و صلاة الإحرام، و الصلاة التي تفوت، و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس و بعد العصر إلى الليل»

و ما تقدم من المحكي عن

أصل الحلبي (2)«خمس صلوات يصلين على كل حال متى ذكر و متى أحب: صلاة فريضة نسيها يقضيها مع غروب الشمس و طلوعها- إلى أن قال-: و كسوف الشمس عند طلوعها و عند غروبها»

بل يؤيده أيضا أن باقي الخمس أو الأربع فيهما لا مضايقة بمعنى الخصم في شي ء منها، فقوله حينئذ في أولهما: «فمتى ذكرت» يراد به تقرير ما ذكره أولا من الصلاة في كل ساعة، كقوله: «إذا ذكرت» في ثانيهما أي أنه لا بأس

بفعلها حال الذكر في أي وقت كان ليلا أو نهارا حسب ما في الموثق المتقدم بعد الصحيحتين، و السؤال في خبر ابن شعيب محتمل لأن يكون عن الجواز بلا كراهة أو الرجحان، و صحيح زرارة يجري فيه ما سمعت، بل صحيحه الآخر ظاهر في إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 31- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 13، ص: 95

ما تقدم من عدم سقوط الصلاة بفوت وقت الأداء، مع أنه مشتمل على وجوب الصلاة مع الشك فيها في الوقت أو اليقين، و من المعلوم عدم وجوب المبادرة في ذلك.

و موثقة سماعة يعرف حالها مما تقدم، و صحيح أبي ولاد- مع اشتماله على تحديد المسافة بما لا يقوله جملة من أرباب المضايقة كما قيل، و احتمال «من قبل» فيه صلة لصليتها ليناسب التعليل المتصل به و إن بعد من جهة تعلق ما قبله و هو «بتمام» بقوله: «تقضي» إلا أنه قد يراد به مطلق الإعادة- يجب طرحه، لما ستعرف إن شاء اللَّه في محله من عدم وجوب قضاء المقصورة بالعدول عن السفر، بل قيل: إنه مجمع عليه، أو حمله على الاستحباب، و احتمال الاستدلال به بناء على الثاني باعتبار ظهوره في الوجوب الشرطي في أداء المندوب و لا قائل بالفرق بينه و بين الواجب في ذلك كما ترى ظاهر المنع، و صحيح زرارة يعرف حاله مما تقدم، بل لعل فيه ما يقتضي أولويته بذلك مما سبق من إرادة مطلق الجواز أو الرجحان، و احتمال إرادة وقت الفضيلة و غير ذلك.

و أما صحيحه الآخر الطويل الذي هو عمدة أدلة المضايقة فهو- مع أن سنده لا يخلو من كلام في الجملة، و شهادة ذيله للمواسعة، و جريان ما تقدم في قوله فيه: «أي ساعة ذكرتها» و «متى ذكرت» سيما بعد قوله فيه: «و لو بعد العصر» و معارضته بما في صحيح الصيقل (1)عن الصادق (عليه السلام) من أمر ناسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء بإتمام العشاء ثم قضاء المغرب بعد معللا للفرق بينه و بين الظهر و العصر في ذلك بأن الشعاء بعدها صلاة بخلاف العصر، فان حمله على إرادة مغرب ليلة سابقه و عدم وجوب العدول كما هو مذهب القائلين بالمواسعة أولى من حمله على الحاضرتين كما اعترف به في الذكرى المستلزم لطرحه، لمعلومية وجوب العدول فيهما، أو حمله على خلاف ظاهره أو صريحه من ضيق وقت العشاء، فتأمل، و تضمنه لحكم الحاضرتين


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 5.

ج 13، ص: 96

المشتركتين في الوقت المنبئ عن أن ما ذكر فيه من العدول ليس من جهة المضايقة، كما أنه كذلك أيضا، ضرورة عدم اقتضاء المضايقة العدول، لكونه حكما شرعيا مخالفا للضوابط المحكمة و القواعد المتقنة، و هي تبعية الأعمال للنيات، خصوصا بالنسبة إلى البعض الواقع، بل المتجه عليها أن الفساد أو الصحة لما شرع فيه و قام لها و افتتح الصلاة عليها كما لو تجاوز محل العدول، و كون ذلك للدليل الذي قد أمرنا باتباعه و الانقياد له و لا يختص بالمضايقة، بل لأهل المواسعة القول

به من جهته، بل لا ينافي ذلك قولهم و إن أوجبوه بالنسبة إلى هذا الموضوع الخاص، و هو الذاكر في الأثناء، و إن كان هم لم يلتزموا بذلك، إلا أن المراد بيان أن ذلك شي ء لا تقتضيه المضايقة، و لا تنافيه المواسعة لو جاء به الدليل الصريح، كما ستسمع له عند ذكر المصنف العدول زيادة إيضاح فتأمل جيدا، و اشتماله على ما حكي الإجماع على عدمه من العدول بالعمل بعد الفراغ منه بل

قوله (عليه السلام) فيه: «و إذا نسيت الظهر» إلى قوله: «حتى صليت العصر»

لا يكاد يتم له معنى سالم من التكرير أو غيره، و احتمال إرادة وقت الفضيلة من

قوله فيه: «و لم تخف فوتها»

بل لعله الظاهر منه للمستقيم المتأمل، خصوصا مع مراعاة الندرة لو أريد الوقت الاجزائي الذي هو نصف الليل كي يحتاج إلى الاحتراز عنه- محتمل لإرادة الوجوب التخييري الراجح أو مطلقا من الأمر فيه بالعدول، بل لعله متعين بملاحظة ما ذكرناه أخيرا، و الأدلة السابقة للمواسعة المقتضية عدم وجوب العدول بسبب عدم وجوب الترتيب المستلزم لعدم وجوب العدول بطريق أولى.

و من ذلك يظهر لك الحال في خبر عبد الرحمن الذي بعده المطعون في سنده بل و دلالته من حيث كون الأمر فيه بلفظ الخبر، بل قيل: إن المستفاد من إطلاق السؤال

ج 13، ص: 97

و الجواب فيه و من خبر أبي بصير(1)الآتي و غيره شمول أول الجواب لما إذا ذكرت الصلاة في وقت إجزائها، فلا يكون الغرض من

قوله (عليه السلام): «صلى حين يذكرها»

إيجاب المبادرة عند الذكر، و لا يكون الأحكام المذكورة في الترتيب مبنية على ذلك، بل و صحيح صفوان أيضا، مع أن ظاهر جعل الغروب غاية للنسيان فيه وقوع التذكر عنده أو بعده قبل زوال الحمرة لا قبل الانتصاف، فالترديد في الجواب حينئذ يومي إلى أن المراد بفوات المغرب فوت وقت فضيلتها، فلا يكون الحكم فيه بوجوب التقديم للحاضرة أو للفائتة على التعيين، بل و خبر أبي بصير المضمر المطعون في سنده و دلالته للتعبير فيه بلفظ الخبر، إذ لم يقصد بوقت العصر في سؤاله أول وقتها و هو بعد مضي أربع ركعات من الزوال و تأخر وقتها كما هو ظاهر، بل وقت فضيلتها هو مؤكد لما سبق، فيكون المراد حينئذ بقوله: «و كذلك الصلوات» الغير المشتركة في الوقت، بمعنى يبدأ بها إلا أن يخاف فوت وقت فضيلة الحاضرة، فلا يكون دالا على مطلوب الخصم، إذ المقصود حينئذ التشبيه في الجملة، و احتمال جعل قوله: «تبدأ» ثانيا حكما لجميع ما تقدم حتى بالنسبة إلى الظهرين و يراد بالصلوات فيه حينئذ الأعم مما سبق و من الحاضرتين المشتركتين في وقت كالعشاءين، فيتعين حينئذ

إرادة وقت الاجزاء من قوله فيه: «يخرج وقت الصلاة» بعيد جدا، بل يمكن القطع بعدمه.

و أما خبر معمر بن يحيى المطعون في سنده بل و دلالته أيضا بما سمعت فظاهره الحاضرتان، و هو خارج عما نحن فيه، و احتمال إرادة التبين فيه بعد خروج تمام الوقت أو في الوقت و ترك الإعادة حتى خرج الوقت بعيد، بل لا وجه لوجوب الإعادة على الأول إلا أن ينزل على الاستدبار و نحوه بناء على وجوب الإعادة فيه مطلقا، مع أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب المواقيت- الحديث 8 و لا يذكره قده فيما يأتي و إنما تعرض له سابقا في ص 88.

ج 13، ص: 98

محتمل لإرادة خوف فوات وقت الفضيلة، كاحتمال إرادة الحواضر من خبر الدعائم المطعون في مصنفه و في أخباره سيما التي أرسلها ظاهرا، و مطلق الطلب الذي هو أعم من الوجوب من الأمر الذي هو بلفظ الخبر فيه و غير ذلك، و النبوي المرسل الذي لم يوجد في الأصول المعدة لجمع الأخبار محتمل لإرادة نفي الكمال مطلقا للنافلة غير الراتبة و نحوها و الفائتة في وقت الحاضرة، بناء على استحباب تقديمها على الفائتة، أو على نفيه في خصوص الأولى بشهادة

النبوي الآخر الصحيح (1)«إذا دخل وقت مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة»

و إلا فإرادة نفي الصحة منه للنافلة و الحاضرة أو الأخيرة خاصة لمن عليه صلاة فائتة

حتى يكون حجة للخصم لا دليل عليها، بل يمكن معارضته باحتماله في نفسه عدم صحة الفائتة خاصة، أو هي و النافلة لمن عليه حاضرة، بل لعله يلتزم به من يقول بوجوب تقديم الحاضرة كما نسب إلى ظاهر الصدوقين و غيرهما و إن كان قدمنا سابقا أن مرادهما الاستحباب، فتأمل جيدا.

و إن كان بعض ما ذكرناه من التأويل في أخبار المضايقة بعيدا فلا بأس به بعد أن رجحت أخبار المواسعة عليها بما لا يخفى على من تأمل ما حررناه فيهما و في محل النزاع بل و بموافقة الكتاب (2)أيضا الذي أمرنا بها عند التعارض في عدة أخبار(3)مذكورة في محلها للتمييز بين الصادق و الكاذب من حيث أنه كثر الكذابة من أهل الأهواء و البدع على النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) في حياتهم و بعد موتهم لتحصيل الأغراض الدنياوية، و لما رأى جماعة منهم أن الأئمة (عليهم السلام) حكموا بكثير مما اشتهر خلافه بين الناس و لا سيما العامة و كشفوا عن المراد بكثير من الآيات


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
2- 2 سورة الإسراء- الآية 80.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

ج 13، ص: 99

و الروايات مما هو بعيد إلى الأذهان، بل لا يصل اليه عدا المعصوم أحد من أفراد الإنسان جعلوا ذلك وسيلة إلى الاقتحام على نسبة كثير من الأكاذيب إليهم و اختلاق الأضاليل و البدع عليهم، فمن هنا أمر الأئمة (عليهم السلام) بالعرض على الكتاب لسلامته من الكذب و

الاختلاق، لكن من المعلوم إرادة النصوص القرآنية منه أو الظواهر التي لا يحتاج فهم معناها إلى العصمة الربانية، أو احتاج لكن على سبيل التنبيه للغير بحيث يكون بعد الوقوف هو الظاهر المراد لديه، لا الآيات التي ورد تفسيرها بالأخبار الظنية التي تلحق من جهتها بالبطون الخفية، و على فرض صحتها بالسر المخزون و العلم المكنون، إذ ذاك في الحقيقة عرض على الخبر الذي لا مزية له على المعروض، ضرورة أن الكذوب كما يمكنه اختلاق الكذب على الأئمة (عليهم السلام) فيما لا يتعلق بالتفسير كذلك يمكنه الاختلاق فيما يتعلق به، بل قيل: قد طعن في الرجال على جملة من أرباب التفسير الذين شأنهم نقل الأخبار في ذلك عن الأئمة (عليهم السلام)، كما طعن على أرباب الأخبار و وجد في التفاسير المنقولة عنهم (عليهم السلام)، أكاذيب و أباطيل كما وجدت في غيرها من الأخبار، فدعوى بعض الناس إرادة الأعم من ذلك مما لا يصغى إليها و إن بالغ في تأييدها و تشييدها، بل شنع على الأصحاب بما غيرهم أولى به عند ذوي الألباب، و تفصيل الحال لا يناسب المقام.

[في ترجيح ما استدل به على المواسعة]

و لا ريب في موافقة أخبار المواسعة للكتاب الذي عرفته في الاستدلال عليها لا أخبار المضايقة، إذ قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» المفسر بما سمعت مع أنك قد عرفت تفصيل الحال فيه ليس هو إلا من قبيل القسم الثاني من الكتاب الذي قد ذكرنا أنه في الحقيقة عرض على الخبر لا الكتاب، بخلاف أخبار المواسعة المعروضة على الإطلاقات القرآنية الدالة على وجوب الحاضرة على ما عرفته سابقا، بل منه يظهر أيضا ترجيحها بالموافقة للمعلوم من السنة النبوية و أخبار الذرية العلوية التي قد أمرنا

ج 13، ص: 100

بالعرض عليها أيضا في غير واحد من الأخبار(1)بل و بمخالفة العامة أيضا الذين جعل اللَّه الرشد في خلافهم، لأنهم حجبوا بأعمالهم عن الوصول إلى الحق و الرجوع إلى أهله، و بما

روي (2)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه: «أ تدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقول العامة؟ فقال: لا أدري، فقال: إن عليا (عليه السلام) لم يكن يدين اللَّه بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، و كانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الشي ء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس»

بل و بغير ذلك مما ليس ذا محل ذكره إذ القول بالمواسعة و عدم وجوب تقديم الفائتة مخالف للمحكي من مذاهب جمهور العامة بل القول برجحان تقديم الحاضرة مخالف للمحكي عن جميعهم، و لا ينافي ذلك اشتمال بعض أخبار المضايقة على ما لا يقول به كثير من العامة، إذ ذاك إن كان يقدح فإنما هو بالنسبة إلى حمل الخبر على التقية لا فيما نحن فيه، مع

أن التحقيق عدم قدحه فيها أيضا، لاحتمال تجدد سببها، أو لأن السائل إنما يخشى عليه بالنسبة إلى ذلك دون الآخر إذ التقية لا تنحصر في خوف الإمام، أو لأن ذلك مما لا يتقى فيه لظهور وجهه و دليله بخلاف غيره، أو لغير ذلك مما ليس ذا محل تفصيله.

فلا ريب حينئذ في رجحان أخبار المواسعة بذلك بل و بالشهرة و السيرة و الإجماع التي تقدم تحريرها سابقا، و سهولة الملة و سماحتها و نفي العسر و الحرج فيها، و

عن الصادق (عليه السلام) عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(3)أنه قال: «إذا حدثتم عني بالحديث


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي- الحديث 27 من كتاب القضاء.
3- 3 البحار ج ص 242 المطبوعة بطهران عام 1376- الباب 29 من كتاب العلم الحديث 40 عن المحاسن.

ج 13، ص: 101

فانحلوني أهناه و أسهله و أرشده، فإن وافق كتاب اللَّه فأنا قلته، و إن لم يوافق كتاب اللَّه فلم»

بل

روي عن الحسن بن سماعة(1)أنه قال: «سمعت جعفر بن سماعة و سئل عن امرأة طلقت على غير السنة أ لي أن أتزوجها؟ فقال: نعم، فقلت: أ ليس تعلم أن علي بن حنظلة روى إياكم و

المطلقات على غير السنة فإنهن ذوات أزواج؟ فقال: يا بني رواية علي بن حمزة أوسع»

بل قد ترجح عليها أيضا باعتبار السند كثرة و عدالة و غيرهما لو لوحظ مجموع رواة أخبار الطرفين، بل قيل و باعتبار الدلالة أيضا من حيث الوضوح و الخفاء المقتضيين لرد الثاني إلى الأول حسب ما ورد من إجماع المتشابه من كلامهم (ع) إلى المحكم منه، و بملاحظة ما قدمنا ينكشف لك أن أدلة المواسعة أوضح من وجوه، بل قد عرفت أنه لا صراحة في شي ء من أخبار المضايقة ببطلان الحاضرة و فسادها لو فعلت و حرمة سائر المنافيات، و من هنا احتاج الحلي من القائلين بها إلى دعوى اقتضاء الأمر بالشي ء المضيق النهي المفسد عن ضده الموسع حتى نفى الخلاف عنها بعد أن فهم وجوب المبادرة إليها من العبارات السابقة في الأخبار، و المرتضى منهم إلى دعوى ظهور الأدلة في اختصاصها بوقت الذكر المقتضى لعدم صحة الحاضرة مثلا فيه كوقت اختصاص الظهر بالنسبة إلى العصر أو العكس، و الأولى بعد تسليم استفادة الفورية من الأدلة مفروغ من فسادها في الأصول، كفساد دعوى نفي الخلاف فيها، و الثانية ممنوعة على مدعيها أشد المنع، على أنها لا تجديه بالنسبة إلى حرمة باقي الأضداد، كما أنها و سابقتها واضحتا البطلان فيما لو أخر الحاضرة حتى لم يبق من الوقت إلا مقدار فعلها فيه و التكسب لضرورة التعيش مثلا المستثنى عندهما، إذ التكليف في هذه الصورة


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق- الحديث 6 من كتاب الطلاق و في الوسائل« يا بني رواية ابن أبي حمزة أوسع» و هو الصحيح كما في الاستبصار ج 3 ص 292 الرقم 1032.

ج 13، ص: 102

بتأخيرها إلى آخر الوقت مما ينبغي القطع بفساده، ضرورة سقوط الأمر بالفائتة حينئذ المقتضي لما ذكراه، بل لعلهما لم يلتزما البطلان في هذه الصورة، فله حينئذ تقديمها على تكسبه حتى لو قلنا بكون منشأ الفساد غير ما ذكراه من فهم شرطية الترتيب من صحيح زرارة و غيره، إذ لا ريب في سقوطه حينئذ بعدم التمكن منه، و أخبار المواسعة و إن كان لا صراحة في أكثرها أيضا بالمواسعة المحددة بظن عدم التمكن في ثاني الأزمان لموت و نحوه، أو بعدم ظن التمكن منه أو بالوصول إلى حد التهاون عرفا لكن يكفينا في ذلك- بعد عدم ظهور أخبار الطرفين في كل من الدعويين- إطلاق الأدلة بالقضاء المقتضي لذلك كما حرر في محله.

على أنه مع ذلك كله ففي العمل بأخبار المواسعة مراعاة ما اشتهر بين الأصحاب قولا و عملا من أولوية الجمع بين الدليلين من الطرح التي يمكن استنباطها من بعض الأخبار، ك

قوله (عليه السلام)(1): «لا يكون الرجل فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا و أن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعا المخرج»

و «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلماتنا، إن الكلمة لتنصرف على وجوه، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء و لا يكذب»(2)

و «إنا نتكلم بالكلمة الواحدة لها سبعون وجها إن شئت أخذت كذا و إن شئت أخذت كذا»(3)

و «إن القرآن نزل على سبعة أحرف و أدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه، هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ


1- 1 البحار ج 2 ص 184 المطبوعة بطهران عام 1376 الباب 26 من كتاب العلم الحديث 5 عن معاني الأخبار.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي- الحديث 30 من كتاب القضاء.
3- 3 البحار ج 2 ص 199 المطبوعة بطهران عام 1376 الباب 26 من كتاب العلم الحديث 58 عن بصائر الدرجات.

ج 13، ص: 103

بِغَيْرِ حِسابٍ»(1)

و لا أقل من موافقة الجمع غالبا لما دل (2)على أنك بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك، أو أنه غير مناف له، و لا ريب في اقتضاء العمل بأخبار المضايقة على الوجه الذي يدعيه الخصم تخصيص عموم آيات و روايات لا تحصى، و طرح صحاح مستفيضة و أخبار معتبرة، و حمل بعيد جدا لجملة من أخبار أخر، و إعراض عن عن أصول مقررة و حكم معتبرة و مؤيدات كثيرة بخلاف العكس، فإنه يمكن رجوع أخبار المضايقة اليه على أحسن وجه و أجمله كما يعرف بالتأمل فيما مضى مما قدمنا، بل لو أغضينا عن ذلك كله كان مقتضى الضوابط المقررة في تعارض الأخبار المتكافئة أنها تفرض بمنزلة الكلام الواحد من متكلم واحد ثم ينظر فيما يظهر منه مما يقرب حمله عليه و من المعلوم أنه لو صنع ذلك كان استفادة جواز تقديم كل من الحاضرة و الفائتة منه أوضح شي ء.

نعم قد يصعب ظهور الرجحان في أيهما لتعلق الأمر بكل منهما، و كأنه لأنه في كل منهما خصوصية مقتضية خصوصا صاحبة الوقت حال فضيلته، و ربما كان اختلاف الأخبار فيه مؤميا إلى ذلك، و إلى اختلافه بالنظر إلى المكلفين باعتبار كثرة القضاء و عدمه و التكاسل و التسامح في فعله و عدمه و قدم فواته و عدمه و نحو ذلك من الجهات و الاعتبارات، و لا يبعد رجحان مراعاة فضيلة الوقت عند خوف فواتها، و التجرد عن تلك الاعتبارات على تقديم الفائتة، و الأمر سهل.

و أما دعوى رجحان الجمع بين أدلة الطرفين بتفصيل المصنف أو العلامة أو غيرهما مما سمعته سابقا في محل النزاع على ما ذكرنا هنا فهي بمكانة من الضعف لا تخفى على من له أدنى تأمل و نظر فيما تقدم من تلك الأدلة الخالية عن الإشارة إلى شي ء منها عدا


1- 1 الخصال ج 2 ص 10- الطبع القديم.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي- الحديث 7 من كتاب القضاء.

ج 13، ص: 104

مورد سؤال أو جواب في بعض الأخبار يقطع بعدم إرادة ذلك التفصيل منه، لأنه لم يسق لبيانه، بل لعل سياقه ظاهر في إرادة المثال منه، و مع ذلك ففي جملة من تلك الأدلة ما ينافي هذه التفاصيل كلها فضلا عن كونها عارية عن الشاهد المعتبر كما لا يخفى على من لاحظها أدنى ملاحظة، و من هنا كان تطويل الكلام في بيان ذلك بذكر الأدلة و تفصيلها و بيان منافاتها لا طائل فيه و لا حاجة تقتضيه، بل من المعلوم و الواضح أنهم (عليهم السلام) لو أرادوا شيئا من هذه التفاصيل لم يكتفوا في بيانها بمثل هذه الأقاويل، بل قد يدعى الاستراحة من بيان فسادها بأنها خرق للإجماع المركب على عدمها و عدم غيرها من التفاصيل، و إلا لكان يمكن دعوى تفصيل يجمع به بين الأدلة أحسن منها بأن يدعى إرادة وجوب المبادرة العرفية في سائر الفوائت التي لا يقدح فيها التأخير في الجملة، خصوصا إذا كان لمصلحة في الصلاة كتجنب زمان مكروه أو أحوال لا يحصل فيها التوجه للعبادة من نهار سفر و نحوه على وجه لا يحصل فيه عسر و حرج و استنكار، بل يجعل له أورادا معلومة في أوقات معلومة.

نعم يستثنى من زمان تلك المبادرة الصلاة الحاضرة خصوصا وقت فضيلتها حتى لو قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده، و أما غيرها فيبني على مسألة الضد، نعم قد يلحق بها في ذلك الاستثناء الرواتب و ما يساويها أو يزيد عليها من فعل بعض الرغائب ذوات الأوقات الخاصة لا المستحبات المطلقة، بل قد يدعى عدم خرق مثل هذا التفصيل للإجماع دونها، لإمكان دعوى عدم ظهور كلام بعض قدماء القائلين بالتوسعة في نفيه، بل دعوى ظهور بعض الكلمات منه أو من غيره فيه، و نسأل اللَّه تعالى أن يوفقنا لكتابة رسالة في المسألة تشتمل على تفاصيل الأقوال و الأدلة، بل و ما سمعته في عنوان المسألة من الترتيب و حرمة فعل المنافي و وجوب العدول و نحوها بحيث

ج 13، ص: 105

يجعل كل واحد منها مسألة مستقلة، و ينظر فيه للموافق و المخالف، و ما يصلح له و عليه لكيلا يقع اضطراب في الذهن و تشويش في الفكر، و هو الموفق لأمثال ذلك و الميسر للمسالك و المدارك و العاصم و الساتر و الغافر لزلل هاتيك المهالك.

[في عدم وجوب الإعادة لو صلى الحاضرة قبل الفائتة نسيانا]

هذا كله لو تعمد فعل الحاضرة مع سعة الوقت قبل الفائتة و أما لو كان عليه صلاة فنسبها و صلى الحاضرة أو الفائتة اللاحقة و لم يذكرها حتى فرغ فلا خلاف نقلا و تحصيلا في أنه لم يعد ما فعله، بل عليه الإجماع كذلك، بل و لا إشكال فيه خصوصا الأول منه، ضرورة ثبوت الصحة على المختار من المواسعة، بل و على المضايقة أيضا بناء على أن مدرك الفساد على القول بها النهي عن الضد المعلوم انتفاؤه في المقام لنسيان يقتضيه، بل و على كونه اختصاص الوقت بالفائتة، إذ من الواضح كما هو صريح مدعيه إرادة صيرورة وقت الذكر كذلك لا مطلق الوقت، بل و على كونه ظهور النصوص السابقة في شرطية الترتيب، لاستثناء صورة النسيان منه هنا قطعا، إذ ليس هو أعظم من ترتيب الحاضرتين الساقط فيه نحو ذلك إجماعا منا إن لم يكن من سائر المسلمين، و نصوصا، بل قضية أصول المذهب و قواعده و ظاهر أو صريح فتاوى الأصحاب و معاقد إجماعاتهم صحتها لما نويت له و افتتحت عليه و قام له، فلا يعدل بها بعد الفراغ إلى غيرها، و ما في صحيح زرارة السابق (1)من العدول بالعصر بعد

الفراغ منه إلى الظهر معللا له بأنها أربع مكان أربع- مع أنه في خصوص الظهرين من الحاضرتين، و حكي الإجماع على خلافه، و إن احتمل العمل به في المفاتيح لصحته، بل ربما حكي عن غيرها أيضا، بل قد يلوح من المدارك لكن مثله غير قادح في محصل الإجماع الممكن دعواه في المقام فضلا عن محكيه، و احتماله الفراغ من النية كما عن الشيخ أو الاشراف على الفراغ من الصلاة- لا يقوى على قطعها بعد إعراض الأساطين عنه.


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 13، ص: 106

[في استحباب العدول إلى الفائتة لو ذكر في الأثناء]

و أما لو ذكرها في أثنائها و كان العدول ممكنا بان لم يتجاوز محله عدل من الفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة وجوبا بناء على لزوم الترتيب فيها بلا خلاف أجده فيه، بل في مفتاح الكرامة عن حاشية الإرشاد المدونة للمحقق الثاني الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إمكان استفادته من فحوى العدول في الحاضرتين و الحاضرة و الفائتة، أو بضميمة دعوى عدم القول بالفصل، بل قد يدعى صراحة كلمات الأصحاب في أن منشأ العدول فيهما الترتيب المتحقق في الفرض حتى أنهم جعلوا وجوبه و عدمه المدار في وجوب العدول و عدمه بالنسبة للحاضرة و الفائتة، و إن كان من الواضح عدم اقتضاء الترتيب في نفسه و حد ذاته العدول المخالف للأصول و القواعد، بل هو محتاج إلى دليل مستقل.

و من الحاضرة إلى الفائتة السابقة وجوبا على ما صرح به كثير من أهل المضايقة حتى حكى الإجماع عليه غير واحد منهم كما سمعته سابقا عند تحرير محل النزاع، بل قد عرفت هناك أن العلامة في المختلف فرعه على القول بالتضييق، و جعله لازما له، بل و غيره مثله في ذلك أو ما يقرب منه، و لعله لا لأن المضايقة في نفسها و حد ذاتها تقتضيه، بل هو لازم اتفاقي لها، بل للإجماع المحكي و صحيح زرارة المتقدم و غيره مما عرفت ضعفه فيما تقدم، و استحبابا أو جوازا عند القائلين بالمواسعة على ما نسبه إليهم غير واحد جمعا بين ما دل على المواسعة المقتضية عدم وجوب العدول بطريق أولى و بين ما دل على العدول من الصحيح و غيره كما ظهر لك البحث في ذلك كله مفصلا، و منه يعرف وجوب العدول و عدمه على الأقوال الباقية المفصلة في المضايقة و المواسعة، و إن كان ظاهر إطلاق المصنف هنا وجوب العدول حتى لو كانت الفوائت متعددة، كما أن ظاهر العلامة في المختلف استحبابه حتى في فوائت اليوم، إلا أنه يمكن تنزيلهما على ما عرفت، و الأمر سهل.

ج 13، ص: 107

لكن ينبغي أن يعلم أن الحكم باستحباب العدول مبني ظاهرا على القول باستحباب تقديم الفائتة، أما على العكس أو التخيير فالمتجه العدم، اللهم إلا أن يفرق بين الذكر في الابتداء و الأثناء، إلا أنه يستلزم القدح في الأولوية المزبورة بحيث يمكن القول بوجوب العدول للصحيح و الإجماع المحكي و إن قلنا بالمواسعة مع الذكر في الابتداء نحو ما سمعته على التقديرين، فلا تكون المواسعة للعدول حينئذ منافية، كما أن الضائقة ليست بمقتضية و إن كنا لم نعثر على قائل به من الأصحاب، كما أنا لم نعثر على من نسب إلى الصدوقين و غيرهما عدم جواز العدول، بل في المنتهى لا نعلم خلافا بين أصحابنا في جواز العدول و إن نسب غير واحد هناك إلى ظاهرهما وجوب تقديم الحاضرة، و كأنه شاهد لما قلناه هناك من إرادتهما الاستحباب، للإجماع محصلا و منقولا على جواز تقديم الفائتة، أو للفرق بين الابتداء و الأثناء، فيجب تقديم الحاضرة لو كان الذكر ابتداء، و يجوز العدول منها إلى الفائتة لو كان في الأثناء للصحيح، لكن الثاني كما ترى، و إن كان لا يمنع العقل إيجاب مثل ذلك من الشارع فضلا عن جوازه، إلا أنه لا يثبت مثله بمثل هذا الدليل كما هو واضح، و كيف و قضية إيجابه تقديم الحاضرة إيجاب العدول من الفائتة إليها بناء على ما يظهر من الأصحاب من أن منشأ هذا العدول الترتيب، كما أن قضية استحباب تقديم الحاضرة أو جواز تخييرا استحباب العدول أيضا من الحاضرة إلى الفائتة كذلك، بل و قضية استحباب تقديم الفائتة الذي حكموا من جهته باستحباب العدول جوازه من الحاضرة إلى الفائتة(1)و إن كان مستلزما لفوات الاستحباب، مع أنه لم يذكر أحد من الأصحاب

شيئا من ذلك، بل و لا غيره مما يقتضي النقل من الفائتة إلى الحاضرة، نعم نص في البيان و الذكرى و المفاتيح و عن كشف اللثام عليه لضيق الوقت، مع أنه عن المدارك منعه أيضا، لعدم ورود التعبد به، و هو جيد بعد


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« من الفائتة إلى الحاضرة».

ج 13، ص: 108

حرمة القياس عندنا، و أطلق في موضع من الأولين جوازه من الحاضرة إلى الفائتة و بالعكس، و الظاهر إرادتهما منه في الجملة لا على تفصيله في موضع آخر، و هذا كله مما يشهد أن هذا العدول أمر تعبدي جاء به الدليل الذي ينبغي اتباعه، و إلا فلا المضايقة تقتضيه و لا وجوب الترتيب أو استحبابه و جوازه، كما أن المواسعة لا تنافيه، و منه يظهر ضعف الاستدلال به على المضايقة، و قد أشرنا إليه سابقا.

كما أنه منه يظهر وجوب الاقتصار على المتيقن من دليل العدول، لشدة مخالفته القواعد المحكمة، فلا يجوز حينئذ بعد تجاوز محل الاشتراك بين الفرضين بأن ركع لثالثة الظهرين و كان الفائت صبحا كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، بل يحكم حينئذ بصحة المتلبس بها كما بعد الفراغ، و لعله لما في الروضة من اغتفار الترتيب حال النسيان مع حرمة إبطال العمل، و إن كان قد يخدش بأنه قد يقول من أوجب الترتيب باختصاص الاغتفار بما بعد الفراغ لا الأثناء، فيتجه الفساد حينئذ، و الأمر سهل.

و كيف كان فظاهر هم بل هو صريح بعضهم حصر تجاوز محل العدول في ذلك، و فيه بحث، لإمكان الاكتفاء بزيادة الواجب مطلقا خصوصا القيام منه، كما هو ظاهر المنتهى فيه، بل ربما كان في الصحيح إشعار به في الجملة اقتصارا على المتيقن، و ركنية المزاد(1)و عدمها لا مدخلية لها في ذلك، إذ ليس المدار في بقائه اغتفار الزيادة سهوا و عدمه لو فرض أنها المعدول إليها، لعدم الدليل، و إلا لاقتضى جواز العدول بالصبح بعد الفراغ منها قبل تخلل المنافي، لعدم زيادة غير التسليم، و التعبير بإمكان العدول إنما وقع في عباراتهم، و إلا فلا أثر له في الصحيح (2)الذي هو دليل العدول، اللهم


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح« المزيد» بدل« المزاد» لعدم استعمال باب الافعال في الزيادة و لا يجوز القياس في نقل المجرد إلى أي باب يراد.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 13، ص: 109

إلا أن يتمسك لنفي ذلك كله بإطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن (1)المتقدم في أخبار المضايقة: «فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها، و إن كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثم يصلي العتمة بعد ذلك»

خرج منه ما لو زاد ركوعا و بقي غيره.

لكنه كما ترى- بعد الإغضاء عن سنده و احتمال إرادة وقت صلاة- ظاهر بعد التدبر فيه تماما في مساواة المعدول منها و إليها عددا التي صرح فيها بعضهم ببقاء العدول إلى الفراغ، مع أن فيه بحثا أيضا، لعدم استفادته من ذلك الصحيح أيضا بعد طرح ما تضمنه من العدول إلى الظهر بعد الفراغ، بل لعل ظاهر بعض المفاهيم فيه خلافه، اللهم إلا أن يدفع بإطلاق

قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن: «أتمها أي المغرب بركعة»

أو يدفع هو و سابقه بالاستصحاب، إلا أن جريانه هنا على وجه يكون حجة معتبرة صالحة للمعارضة لا يخلو من سماجة، بل و كذا البحث فيما ذكره في البيان و الروضة من ترامي العدول و دوره بمعنى ذكره السابقة ثم السابقة و هكذا ثم يذكر البراءة عن التي انتهى إليها في العدول، فيرجع عنها إلى الأخرى حتى يرجع إلى الأولى مثلا، إذ من الواضح عدم تناول الصحيح المزبور له، بل أقصاه العدول إلى السابقة الواحدة، اللهم إلا أن يقطع بإرادة المثال منه مؤيدا بظاهر إطلاق خبر عبد الرحمن لكنه جرأة، و الأولى مراعاة الاحتياط اقتصارا فيما خالف القواعد العظيمة على المتيقن، بل و في العدول أيضا من الحاضرة إلى الفائتة المشتبهة التي يجب تكرير ثلاث أو خمس لتحصيلها، لظهور الصحيح في الفائتة المعينة، و قياسها مع اختلاف الوجوبين بالأصالة و المقدمة غير سائغ، و نحوه سائر ما يجب مقدمة للترتيب المشتبه أو غيره، لكن عليه يتخير فيما يعدل إليها منها لو


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 13، ص: 110

اشتركت في بقاء محل العدول، و يسقط بعضها لو كان قد تعداه، كما لو فرض كونه في رابعة الحاضرة بعد ركوعها فإنه يتعين عليه حينئذ العدول إلى الرباعية المرددة عندنا أو المعينة عند من أوجب الخمس، و مثله في التخيير المزبور و التعيين لو كانت عليه فوائت متعددة ذكرها في أثناء الحاضرة و قلنا بسقوط الترتيب بين الفوائت، إما حال النسيان أو مطلقا، كما هو واضح، فتأمل.

ثم المراد بالعدول كما صرح به في الروضة و غيرها بل هو ظاهر الصحيح المزبور أيضا أن ينوي بقلبه أن هذه الصلاة مجموعها ما مضى منها و ما بقي هي السابقة مثلا، و لا يتلفظ بلسانه، فان لم يفعل هذه النية لم يحتسب له من الأولى، لظهور الصحيح في كونه قلبا لا انقلابا، بل ينبغي الجزم بالبطلان حينئذ عند من أوجب العدول، و لا يجب عليه التعرض لباقي مشخصات النية حتى القربة اجتزاء بما وقع في النية الأولى التي جعلها الشارع للمعدول إليها، و لو أنه يمكن حمل الصحيح على إرادة نية العدول بما بقي له من صلاته و إلا فما مضى لا مدخلية للنية في قلبه بل هو انقلاب شرعي تابع للنية بالباقي كان جيدا، لقلة مخالفته للقواعد بالنسبة إلى الأول، و لا يشترط في العدول التماثل بالجهر و الإخفات كما هو صريح النص و ظاهر الفتاوى، بل في مفتاح الكرامة عن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه.

هذا كله لو كان قد ذكر الفائتة في الأثناء و أما لو صلى الحاضرة في السعة مع الذكر للفائتة أعاد مطلقا على القول بالمضايقة مطلقا، و في الجملة بناء عليها في الجملة، و ليس له العدول، لأنه فرع صحة المعدول منه، بل ليس له ذلك على المواسعة أيضا و إن كان لا تبطل الحاضرة، اقتصارا في العدول المخالف للأصل على المتيقن، و كذا لو تعمد تقديم اللاحق من الفوائت على السابق بناء على عدم الترتيب فيها.

و لو دخل في نافلة و ذكر أن عليه فريضة استأنف الفريضة إجماعا كما في

ج 13، ص: 111

القواعد بمعنى أنه لم يجز له العدول منها إليها، لعدم جوازه من النفل إلى الفرض كما في السرائر و البيان و الدروس و الذكرى و الموجز و المسالك و عن المبسوط و نهاية الأحكام و غيرها، بل في البيان أنه لا يسلم له الفرض، و في بقاء النفل وجه ضعيف، بل عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس تبطلان معا، و هو كذلك، لأصالة عدم الجواز خصوصا من الأضعف إلى الأقوى، و فوات الاستدامة، فما في المفاتيح من أن الأظهر جواز مطلق طلب الفضيلة لاشتراك العلة الواردة لا يصغى اليه، لكن قيل: إنه يجي ء على قول الشيخ فيما لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة جواز النقل من النفل إلى الفرض، مع أنه قد يمنع، إذ هو من عروض تغير صفات الفعل الواحد المعين لا من النقل، كما هو واضح، فحينئذ لا خلاف معتد به في عدم الجواز الموافق لمقتضى الضوابط، و قياسه على العكس أي النقل من الفرض إلى النفل لناسي سورة الجمعة يومها و الأذان و طالب الجماعة و نحوها مما ليس ذا محل تحريره كباقي صور العدول- إذ مجموعها صحيحها و فاسدها ستة عشر حاصلة من ضرب أربع في العدول منه و اليه، لأن كلا منهما نفل و فرض أداء و قضاء- مع أنه مع الفارق لا وجه له بعد حرمته عندنا، نعم له قطع النافلة و ابتداء الفريضة بناء على جواز قطعها اختيارا، بل قيل بتعينه بناء على المضايقة أو عدم صحة التطوع وقت الفريضة، و إن كان قد يخدش بأنه يمكن دعوى الصحة في المقام على الأولى إن قلنا بحرمة قطع النافلة في نفسه اختيارا، لمعذوريته في الابتداء بالنسيان و لحرمة القطع في الأثناء، فكانت كالفريضة الحاضرة التي تجاوز فيها محل العدول، بل و على الثانية أيضا إن قلنا بذلك يعني ما سمعت، أما بناء على جواز التطوع ابتداء و حرمة القطع فلا ريب في وجوب الإتمام عليه ثم استئناف الفريضة، كما هو واضح.

[في كيفية قضاء صلاة السفر و الحضر]

و تقضى صلاة السفر قصرا و لو في الحضر، و صلاة الحضر تماما و لو في السفر بلا خلاف بيننا في شي ء منه نقلا و تحصيلا، بل إجماعا كذلك، بل في المدارك أنه

ج 13، ص: 112

قول العلماء كافة إلا من شذ، بل في الذكرى لا خلاف بين المسلمين في الحكم الثاني منه إلا من المزني فالقصر لو قضيت في السفر، نحو ما في التذكرة من إجماع العلماء عليه إلا منه، و مع ذلك فالمعتبرة(1)فيه صريحا و ظاهرا مستفيضة تقدم بعضها فيما سبق، مضافا إلى دعوى أنه المفهوم من القضاء، كما أن المفهوم منه المساواة في غيره أيضا من الكيفيات كالجهر و الإخفات، و لذا نص عليهما جماعة، بل في الخلاف الإجماع فيهما، بل هو ظاهر معقد إجماع التذكرة المحكي على كون القضاء كالفوائت هيئة و عددا، على أنه المستفاد أيضا من عموم التشبيه في النبوي (2)بل و

صحيح زرارة(3)قال: «قلت له:

رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال: يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»

لعدم تخصيص العام بالنص على بعض أفراده بعده، اللهم إلا أن يدعى في خصوص المقام ظهور إرادة العددية لا غير منه هنا، و هو غير بعيد، نعم هو ممتنع على رواية الشيخ له في الخلاف محتجا به على ما نحن فيه- قال:

روى حريز عن زرارة(4)«قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال: يقضي ما فاته كما فاته»

- في جميع هيئات الصلاة، و لعله غير الخبر المزبور.

على أنا في غنية عن ذلك كله بما عرفت مما تقدم المقتضي زيادة على ما سمعت ثبوت سائر أحكام الأدائية من السهو و الشك و الظن و الشرائط و الأجزاء و المستحبات فيها من القنوت و نحوه، ضرورة كونها هي بعينها إلا أنها خارج الوقت، بل و المقدمات أيضا حتى استحباب الأذان و الإقامة منها و إن رخص في سقوط الأول منهما فيما عدا


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات.
2- 2 راجع التعليقة 1 من ص 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
4- 4 الخلاف ج 1 ص 126 الطبع الحديث.

ج 13، ص: 113

الأولى من صلاة و رده لو كانت عليه فوائت من غير فرق بين الفريضتين الذين (اللتين ظ) يسقط فيهما أيضا يجمعهما في الأداء كالظهرين و العشاءين و بين غيرهما كالعصر و المغرب مثلا و العشاء و الصبح تخفيفا من الشارع على القاضي، و طلبا للمسارعة في قضاء ما عليه. فلو نسي حينئذ مثلا في المقتضية من الأجزاء ما لا يقدح في الأدائية لم يقدح في صحتها أيضا لأن وجوبها في الأداء مشروط بأن لا يكون ناسيا، و دعوى اشتغال ذمته بها في حال الفوات فيجب حينئذ في القضاء يدفعها- مع أنها من الفروض النادرة التي لا يشملها عموم «من فاتته» الذي هو عرفي أو بمنزلته القاصر

عن معارضة ما دل على الصحة دلالة و فتوى و أصولا- إمكان دعوى عدم الجزم باشتغال ذمته بها غالبا، إذ لعله كان ينساها حين الاشتغال بالفعل و إن فرض أنه حين الفوات كان متذكرا إلى أن فاتت، إذ لعله لو اشتغل بالصلاة حصلت منه الغفلة، على أن المفهوم من الأدلة كون القضاء هو الأداء لكنه في وقت غير وقته، فالتذكر في زمان لا يقدح في الصحة مع النسيان في آخر، بل هو بعد مجي ء الدليل كبعض أوقات الأداء الموسع التي من الواضح عدم مدخلية التذكر في وقت منها في النسيان في آخر، كما هو واضح، نعم هيئة الأداء المعتبرة في القضاء إنما هي المطلوبة للشارع بخصوصها و إن تمكن المكلف من غيرها كالفصر و الإتمام و الجهر و الإخفات و نحوهما، لا التي كان المطلوب غيرها إلا أنه بتعذره و سهولة الملة و سماحتها و عدم سقوط الصلاة في حال انتقل إليها كالجلوس و الاضطجاع في الصلاة و نحوهما فإنه لا يجب مراعاتها في القضاء، بل لا يجزي لو فعل مع التمكن و القدرة كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، بل في مفتاح الكرامة عن إرشاد الجعفرية أن وجوب رعاية الهيئات وقت الفعل لا وقت الفوات أمر إجماعي لا خلاف لأحد من أصحابنا فيه، بل هو من الواضحات التي لا تحتاج إلى تأمل.

و لعل منها ما نص عليه في القواعد و التذكرة و الذكرى و الموجز من سقوط كيفية

ج 13، ص: 114

صلاة شدة الخوف في قضائها وقت الأمن، أما الكمية ففي الأولين إن استوعب الخوف الوقت فقصر، و إلا فتمام، بل و الأخيرين و إن زاد في أولهما التصريح بأمر آخر، فقال: «إن استوعب الخوف الوقت فقصر، و إن خلا منه قدر الطهارة و فعلها تامة فتمام، و إن أمن آخره فالأقرب الاكتفاء بركعة في التمام، و لو فاتت قضاها تماما، إذ الأصل في الصلاة التمام و قد أدرك مصحح الصلاة أعني الركعة» و هو جيد لا بأس به لكن ظاهرهم بل هو كصريح الشهيد منهم أن التمام متى تعين في وقت من أوقات الأداء كان هو المراعى في القضاء و إن كان المخاطب به حال الفوات القصر، و عليه فمن كان حاضرا وقت الفعل ثم سافر فيه و فاتته الصلاة المخاطب بقصرها حاله وجب عليه التمام في القضاء، كما أنه يجب عليه ذلك لو كان مسافرا في الوقت ثم حضر، و لعله لأن الأصل في الصلاة التمام، و فيه بحث إن لم يكن منع، بل في المفتاح أن الأكثر على مراعاة حال الفوات بالنسبة للسفر و الحضر لا الوجوب، و يؤيده أنه الفائت حقيقة لا الأول الذي قد ارتفع وجوبه في الوقت عن المكلف برخصة الشارع له في التأخير، اللهم إلا أن يفرقوا بين القصر الذي منشأه الخوف و القصر الذي منشأه السفر، فإن الأول قريب إلى الإلحاق بكيفية صلاة الخوف، فلا يراعى إلا مع الاستيعاب، بخلاف الثاني فإنه كيفية مطلوبة لذاتها كالتمام، فيراعى فيه حال الفوات لا حال الوجوب حتى لو اجتمع مع الخوف أيضا، و هو لا يخلو من وجه و إن كان يقوى الآن في النظر خلافه، لما عرفت من أنه هو الكيفية المطلوبة الفائتة و إن كان منشأ طلبها الخوف.

كما أنه قد يقوى في النظر ثبوت التخيير في القضاء بين القصر و الإتمام إن كان الفوات في أحد أماكنه، خصوصا إذا كان القضاء في أحدها وفاقا لما عن المحقق الثاني، بل و صاحب المعالم في حاشيته على اثني عشريته على ما حكاه في مفتاح الكرامة عن تلميذه، بل كأنه مال إليه في المدارك أيضا بعد أن جعل تعين القصر فيها وجها،

ج 13، ص: 115

و خصوص التخيير فيها آخر، لأنه هو الكيفية الفائتة في الأداء حتى لو تعين عليه التمام قبل الوصول إلى أحدها، و إن كان الأحوط مراعاة التمام و القصر في قضائه، بل و سابقه أيضا، و إن اقتصر في المدارك و الذخيرة على الثاني منهما في الاحتياط فيه، و لعله لكون التمام فيه رخصة، و الأصل القصر، لأن الفرض أنه مسافر، لكن لما كان احتمال العكس قائما لأنه الأصل في الصلاة و إن خرج منه تعين القصر في غير الأماكن المزبورة و جوازه فيها كان الاحتياط بالجمع، و الأمر سهل.

إنما الكلام في إجزاء القضاء جالسا و ماشيا و نائما و غيرها من الأحوال الاضطرارية التي هي مجزية حال الاضطرار في الأداء عما فاته من أداء الصلاة الاختيارية التي لم يكن مضطرا فيها إلى شي ء من ذلك فضلا عما فاته منها مضطرا إلى ما اضطر إليه في القضاء أو غيره، و قد نص عليه في البيان و الألفية و حاشية المحقق الثاني عليها و الموجز و الرياض و عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس و الجعفرية و شرحيها، بل عن الخمسة الأخيرة التصريح بأنه لا يجب إلى زوال العذر، بل عن ثلاثة منها بأنه لا يستحب، بل لا أجد فيه خلافا صريحا، بل هو ظاهر معقد إجماع إرشاد الجعفرية السابق، بل في حاشية على الألفية لا أعرف مؤلفها الإجماع عليه صريحا، نعم عن بعضهم استثناء خصوص فقد الطهورين من صور الاضطرار فأوجب تأخير القضاء إلى التمكن مدعيا عليه الإجماع، و هو بمكانة من الظهور مستغنى بها عن الاستثناء المزبور، و عن دعوى الإجماع المسطور، لمعلومية عدم صحة القضاء بدونهما عندنا حتى لو قلنا بها في الأداء محافظة على مصلحة الوقت، اللهم إلا أن يدعى مساواة القضاء له بناء على المضايقة فيه، و فيه منع، أما غيره فقد عرفت التصريح ممن سمعت بصحة القضاء معه، و هو قوي جدا بناء على المضايقة، إذ احتمال استثناء زمان التأخير منها إلى التمكن بعيد مناف لمقتضى أدلتهم عليها، بل و على المواسعة أيضا إذا عرض الضيق بظن عدم التمكن بعد ذلك

ج 13، ص: 116

من الفعل أصلا و غيره من مقتضياته.

بل و كذا إذا لم يرج زوال العذر أبدا، و إن كان يمكن القول بوجوب الإعادة فيه لو تمكن بعد ذلك أو ظهر فساد ظن الضيق، لعدم ثبوت إجزاء مثل هذا الأمر الحاصل بسبب تخيل المكلف حصول مقتضية الذي هو الضيق و عدم زوال العذر واقعا لا الظن و عدم الرجاء و إن كانا هما طريقا لامتثال المكلف بما فعله أولا، لكن بحيث يجزيان عن الواقع لو ظهر الخلاف غير ثابت، لعدم الشاهد له حتى إطلاق أمر ظاهر بالبدلية، أما إذا لم يعرض الضيق للمواسعة و كان راجيا للزوال رجاء معتدا به لغلبة زوال مثله أو غيرها فهو و إن كان قد يشهد له إطلاق الأمر بالقضاء المستوعب لسائر الأوقات المقتضي لصحة الفعل من المكلف فيها جميعا على حسب تمكنه، و ما ورد من

قولهم (عليهم السلام)(1): «كلما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر»

الذي هو من الأبواب التي ينفتح منها ألف باب، و عدم وجوب الانتظار إلى ضيق الوقت في الأداء في سائر هذه الأعذار، لظهور الأدلة من أخبار الصلاة على الراحلة و غيرها فيه، و قد سمعت أن القضاء عين الأداء إلا في الوقت، بل هو بعد مجي ء الدليل به صار كالواجب الواحد الذي له وقتان: اختياري و اضطراري، فوقت الأداء للأول و وقت القضاء للثاني، فجميع ما ثبت للفعل في الحال الأول يثبت للثاني، ضرورة لحوق هذه الأحكام للفعل نفسه من غير مدخلية وقته فيه، لكن قد يشكل ذلك كله- بعد منافاته لإطلاق ما دل على شرطية الأمور المفروض تعذرها و جزئيتها، و اقتضائه الجواز مع العلم بالزوال في أقرب الأزمان

الذي يمكن دعوى تحصيل القطع بفساد الدعوى فيه- بمنع اقتضاء إطلاق الأمر ذلك، لأنه متعلق بالفعل الجامع للشرائط و إن كان المكلف مخيرا في الإتيان به في أي وقت، و بذلك و نحوه صار أفرادا متعددة، و إلا فهو في الحقيقة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات.

ج 13، ص: 117

شي ء واحد أوقاته متعددة لا أن الأمر متعلق في كل وقت بالصلاة التي تمكن فيه، فيكون لكل جزء من الوقت متعلق غير الآخر و إن اتفق توافق بعضها مع بعض، و لهذا لا يجري حينئذ استصحاب ما ثبت للفعل في الوقت الأول للأداء مثلا من قصر أو تمام أو غيرهما في الوقت الثاني، لاختلاف متعلق الأمر فيهما، و ليس هو عينه كي يصح استصحاب ما ثبت له في الوقت الأول، ضرورة فساد جميع ذلك، بل هو سفسطة، إذ لا يشك أحد في أن المفهوم من مثل هذه الأوامر شي ء واحد إلا أن أوقاته متعددة حتى يثبت من الشارع إرادة فرد آخر منه في الوقت الثاني أو الثالث بدليل آخر، لا أنه يستفاد من نفس إطلاق الأمر الشامل لمثل هذا الوقت الذي فرض تعذر الجزء فيه مثلا، و إلا لم يجب السعي في تحصيل شي ء من مقدمات الواجب المطلق أصلا.

و دعوى استفادة ذلك من إطلاق ما دل على السقوط عن المريض مثلا يدفعها- مع ظهور تلك الأدلة في الأداء الذي لا يقاس عليه حكم القضاء- أن بينه و بين ما دل على وجوب ذلك في الصلاة عموما من وجه (1)بل لعل بعضه أخص منه مطلقا، كدعوى استفادته من اتحاد القضاء مع الأداء بعد مجي ء الدليل بأصل ثبوته، و أن أقصى إفادة الدليل توسعة الوقت و امتداده لصحة الفعل و إن كان يحرم على المكلف التأخير من الوقت الأول، فهو حينئذ نظير الواجب الذي جعل الشارع له وقتين اختياريا و اضطراريا، إذ هي- مع أنها ممنوعة كل المنع في نفسها لأن الثابت بأمر القضاء شي ء آخر غير ما ثبت بأمر الأداء و إن كان هو مثله و مساويا له- مرجعها إلى قياس وقت الاضطرار على وقت الاختيار فيما ثبت له من الأحكام، و هو ممنوع، ضرورة أنه لا بأس باختصاص الثاني بأحكام عن الأول، فدعوى استفادة ثبوتها في الأول من


1- 1 فيه تأمل منه رحمه اللَّه.

ج 13، ص: 118

ثبوتها في الثاني واضحة الفساد، خصوصا لو كان منشأها الاستصحاب المعلوم عدم جريانه في نحو المقام.

و بالجملة فاستفادة سقوط الشرائط و الأجزاء و الخروج عن إطلاق أدلتهما بأمثال ذلك مما لا ينبغي الالتفات إليها، نعم لا بأس به لو استفيد من ظهور أخبار و نحوها كما استفيد قيام التيمم مثلا مقام الماء مع حصول أسبابه من غير حاجة إلى انتظار، و لذا ساغ فعله للقضائية و إن قلنا بالتوسعة و كان راجيا لزوال العذر، بل و عالما، مع أن فيه بحثا ليس ذا محل ذكره.

و لا ريب في عدم ظهور النصوص الدالة على جواز الصلاة على الراحلة مثلا و نائما و مضطجعا و نحوها من كيفيات الخوف كالاجتزاء بالتكبيرة عن الركعة و غيرها فيما يشمل القضائية الموسعة بعد رجاء زوال العذر و عدم ظن الفوات، كما هو واضح، بل في موثق عمار(1)السابق في أخبار المواسعة الذي فيه النهي عن القضاء على الراحلة و الأمر بفعله على الأرض دلالة على خلافه، و لا أقل من أن يكون التأخير فيما نحن فيه إلى زمان التمكن من باب المقدمة الواجب مراعاتها كالسعي في باقي المقدمات، فحينئذ إطلاق أولئك الأصحاب الجواز لا يخلو من بحث و نظر، خصوصا لو كان العذر مشرفا على الزوال، و إن كان لتفصيل الحال في المسألة زيادة على ما سمعت محل آخر.

و أولى منه في البحث و النظر ما نص عليه في الموجز الحاوي من الكتب السابقة من الاجتزاء أيضا بالصلاة الاضطرارية للتحمل عن الغير و إن رجع عليه المؤجر(2)بتفاوت ما بين الفعلين، و احتمله المحقق الثاني في حاشيته على الألفية مستبعدا له بدون الأرش، كما أنه احتمل فيها أيضا انفساخ الإجارة تارة و تسلط المستأجر على الفسخ


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« المستأجر» بدل« المؤجر».

ج 13، ص: 119

أخرى معللا لأولهما بأن إطلاق الإجارة محمول على الهيئة الكاملة في الواجبات، فلما تعذرت انفسخت، و لثانيهما بإمكان الزوال،

ثم قال: «و لا أستبعد التسلط على الفسخ إذا كان الزوال بطيئا عادة و عدم الاكتفاء بهذا الفعل» قلت: قد يمنع التسلط على الفسخ إن لم تعتبر المباشرة في الإجارة، بل يلزم باستئجار آخر على العمل، نعم ما ذكره فيه من عدم الاكتفاء بهذا الفعل لا يخلو من قوة، بل ينبغي القطع به مع ظهور الإجارة في إرادة الكامل و لو بانصراف الإطلاق اليه، أما إذا لم يكن ظهور في الإجارة بذلك، بل كان قصد المؤجر(1)الفعل المجزي شرعا و لو بحسب تكليف المستأجر(2)فصحته مبنية على صحة التبرع بالصلاة العذرية عن الغير بحيث تكون مبرأة لذمته، و فيه تأمل، لاحتمال اختصاص المعذور بالعذرية، فلا تتعدى منه إلى غيره، لا أقل من الشك، و شغل الذمة مستصحب، و إن كان قد يقال: بأن أدلة التبرع شاملة لسائر المكلفين الذين منهم ذووا الأعذار، إلا أن الانصاف عدم استفادة ذلك منها على وجه معتبر، لعدم سوقها لبيان مثله كما لا يخفى على من لاحظها، و عليه فلا يصح حينئذ استئجار الزمن و نحوه من ذوي الأعذار للقضاء عن الغير ابتداء لعدم صحة تبرعه، و كذا ما عرض منها بعد الإجارة، ضرورة عدم صلاحيتها لتسويغ غير السائغ قبلها، بل أقصاها الإلزام بالسائغ قبلها، فتفسخ حينئذ مع اشتراط المباشرة مثلا و عدم رجاء زوال العذر أو طول مدته، و يلزم باستئجار غيره إن لم يكن كذلك.

و دعوى أن الإجارة لما وقعت مع مكلف غير ذي عذر و لم يكن قصد المؤجر(3)فردا خاصا من الفعل كما هو الفرض كانت الصلاة المستأجر عليها من جملة الواجبات على


1- 1 حق العبارة« المستأجر».
2- 2 الصواب« المؤجر».
3- 3 الصحيح« المستأجر».

ج 13، ص: 120

المكلف، و روعي فيها سائر أحكام صلاته التي هي عليه، بل هي في الحقيقة صلاة له و إن أبرأت ذمة الغير، لا أنها صلاة الغير واقعة منه، و لذا كان يراعى فيها أحكام السهو و النسيان و الشك و الظن و غير ذلك على حسب حال المؤدي لا المؤدى عنه، فيجهر بالقراءة و يجتزى بستر عورتيه و إن كان المتحمل عنه امرأة، و تخفت المرأة و تستر سائر بدنها و إن كان المتحمل عنه رجلا، يدفعها وضوح الفرق بين هذه الأحكام الظاهرة أدلتها في لحوقها للصلاة نفسها من هذا المؤدي نفسه سواء كانت له أو لغيره و بين الأحكام العذرية كالصلاة جالسا و مضطجعا و مؤميا و عريانا و إلى غير القبلة و نحوها مما لم يكن في أدلتها ظهور في تناولها لما نحن فيه، بل ظاهرها في صلاتهم أنفسهم لا التحملية بإجارة و نحوها، نعم قد يلتزم ببعضها لو عرض في أثناء الصلاة، فتأمل، على أن استصحاب شغل ذمة المتحمل عنه محكم لا يخرج عنه بالشك، و بقياس غير الثابت شرعا على الثابت.

هذا كله في التحمل بالإجارة و نحوها، أما إذا كان بخطاب شرعي أصلي كأمر الولد بالقضاء عن أبيه ففي الحاشية المزبورة للمحقق الثاني دعوى وضوح الاجتزاء بالصلاة العذرية منه و إن كان مع رجاء الزوال فضلا عن غيره، فيكون حينئذ حكمه عنده كحكم القضاء عن نفسه من غير فرق بينهما، و هو لا يخلو من وجه في العذر الذي لم يرج زواله السابق على موت الوالد أو المتجدد لإطلاق الولي أو عمومه الشامل للزمن و الأخرس و نحوهما، أما مرجو الزوال من الأعذار كبعض الأمراض أو العوارض التي صارت سببا لفقد الساتر و اشتباه القبلة و عدم إزالة النجاسة و نحوها ففيه البحث السابق، بل يمكن البحث في الأول أيضا، ضرورة انصراف ذلك الإطلاق الذي لم يسق لإفادة نحو ذلك إلى الغالب من الأفراد السالمة عن مثل هذه الأعذار، فيبقى غيرهم حينئذ

ج 13، ص: 121

على الأصل، كبقاء شغل ذمة الميت عليه أيضا، فتأمل جيدا فإن أكثر هذه المسائل ليست بمحررة في كلمات الأصحاب، و لا دليل لها واضح من أخبار الباب، فالاحتياط فيها مطلوب، و اللَّه أعلم.

[الموضع الثالث في اللواحق و فيه مسائل]
اشاره

و إذ قد فرغ من الكلام في سبب الفوات و القضاء شرع في اللواحق، فقال:

و أما اللواحق فمسائل،

[المسألة الأولى من فاتته فريضة من الخمس غير معينة]

الأولى من فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى صبحا و مغربا و أربعا عما في ذمته على المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا نقلا و تحصيلا، بل في الرياض نسبته إلى عامة المتأخرين، بل في السرائر و عن الخلاف و ظاهر المختلف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد تأيده بشهادة التتبع له، و وجود الحكم المزبور في مثل النهاية التي هي متون أخبار غالبا، بل و المقنع على ما حكى عنه الذي ذكر في أوله أن ما بينه فيه كان في الكتب الأصولية موجودا مبينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات، و أنه لذلك حذف منه الاسناد روما للاختصار، و

مرسل علي بن أسباط(1)عن غير واحد من أصحابنا المنجبر بما سمعت، بل قد يدعى عدم قدح مثل هذا الإرسال من مثل هذا المرسل عن الصادق (عليه السلام) «من نسي صلاة من صلوات يومه واحدة و لم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين و ثلاثا و أربعا»

و مرفوع الحسين بن سعيد(2)المروي عن المحاسن «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل نسي صلاة من الصلوات الخمس لا يدري أيها هي، قال: يصلي ثلاثة و أربعة و ركعتين، فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى، و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى»

المؤيدين بأصالة عدم قدح مثل هذا الترديد في صحة العمل، بل هو في الحقيقة تردد للشي ء

في نفسه لا من قبل المكلف، ضرورة عدم وجوب تعيين مثل ذلك عليه في الأداء و القضاء بعد اتحاد ما في ذمته، إذ الظهرية و العصرية أو البدلية عنهما ليست من الأمور التكليفية،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 2.

ج 13، ص: 122

فلا تجب عند عدم توقف التعيين عليها، لعدم الاشتراك أو غيره كما أومى إليه في الخبر الثاني.

و حينئذ لو ظهر له التعيين في الأثناء لم يجب عليه ملاحظة نية الجزم بفعله، و إن حكم به في الذكرى، و أولى منه في الاكتفاء لو ذكر بعد الفراغ، و إن احتمل في الذكرى أيضا وجوب الإعادة عليه حينئذ، لكنه ضعيف جدا، لما عرفت من عدم وجوب مثل هذا التعيين و سقوطه خصوصا في نحو المقام المتعذر عليه الجزم بنية أحدها لمكان نسيانه حتى لو فعل الخمس، إذ قصده ظهرية الواقع منه مثلا لا تورثه جزما بأنه الفائت منه كي يجزم به، بل يمكن القول بعدم إجزائه عنه لو كرر الأربعة ثلاثا قاصدا بكل واحدة منها ما احتمل أنه فإنه من فرائض الأداء كما احتمله في الذكرى غير مرجح للاجزاء عليه، بل عن الشهيد الثاني أيضا ذلك، لأنه تعيين لما لا يعلمه و لا يظنه، بخلاف الترديد فإنه آت في الجملة على كل محتمل، و بخلاف الصبح و المغرب لعدم إمكان الإتيان بالواجب بدونهما، و لاحتمال إرادة العزيمة من الخبرين، بل كاد يكون ظاهرا ثانيهما، لا الرخصة و إن حكي عن مجمع البرهان استظهارها، بل في الذكرى «لو جمع بين التعيين و الترديد أمكن البطلان، لعدم استفادته رخصة به و عدم انتقاله إلى أقوى الظن، و الصحة لبراءة الذمة بكل منهما منفردا فكذا منضما» و إن كان ذلك منه لا يخلو من نظر يعرف بالتأمل فيما قدمنا، كما أنه يعرف منه أيضا عدم الفرق في الحكم المزبور بين الحاضر و المسافر بمعنى اكتفائه بثلاث و اثنتين بين الظهر و الصبح و العشاء على ما صرح به جماعة، بل في التذكرة نسبته إلى الأكثر، و الذخيرة إلى المشهور، بل عن الروض أنه يمكن ادعاء الإجماع هنا، لأن المخالف فيه كالمخالف هناك، بل عنه و في المختلف أن القول بالتكرير هنا دونه في الأولى مما لا يجتمعان، و لعله لقطعهما بالمساواة لا للقياس الممنوع، أو لدعوى دلالة الخبرين عليه و لو بفحواه و إرادة المثال مما فيه خصوصا الثاني

ج 13، ص: 123

منهما المشتمل على ما هو كالتعليل، أو لما ذكرناه آنفا من القاعدة المشتركة بين الحاضر و المسافر، أو لغير ذلك، فما في السرائر- من الفرق بين المسألتين بوجوب الثلاثة في الأولى و الخمس في الثانية معللا ذلك باقتضاء القاعدة الخمس، لكن خولف مقتضاها في الأولى للإجماع دون الثانية، لاقتصار الأصحاب عليها خاصة- لا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.

و أضعف منه ما قيل من أنه يجب عليه أن يقضي في الأولى أيضا صلاة يوم كما في الإشارة و الغنية، بل في ظاهر الأخيرة أو صريحها الإجماع عليه، و حكي عن التقي و ابن حمزة لكن لم أجده في وسيلة الثاني منهما، كما أنا لم نتبين صحة الإجماع المزبور، بل لعل التبين يشهد بخلافه، كما عرفت، بل و لم نعرف له دليلا أيضا سوى دعوى وجوب الجزم أو التعيين المقتضيين لفعل الخمس من باب المقدمة التي قد عرفت فسادها من وجوه.

و من هنا كان الأول أقوى، لأنه مروي في الخبرين السابقين المعتضدين بما سمعت، بل و هو الأشبه أيضا بأصول المذهب و قواعده و إن كان لا مراعاة فيه للجهر و الإخفات المتقدم وجوبهما في الأداء بل و القضاء أيضا، بل ربما توقف في المختار بعضهم من هذه الجهة، لكن قد يدفعها إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع المقتضي بضميمة أصالة براءة الذمة سقوطه عنه هنا و ثبوت التخيير له، ضرورة استحالة التكليف بهما و عدم وجوب الجمع بينهما بعد أن ثبت أن تكليفه الثلاث، خصوصا إذا كان على وجه العزيمة، بل قد يدعى اندراجه فيما ثبت سقوطه فيه من الجهل به أو نسيانه و إن كان هو من جهة خصوص المكلف به من ذوات الجهر أو الإخفات لا الجهل بأصل الوجوب أو نسيانه، بل قد يدعى أيضا عدم تناول أصل الوجوب للمقام، ضرورة ظهوره في المعلومة المعينة، فيبقى ما نحن فيه حينئذ على الأصل، خصوصا بعد

ج 13، ص: 124

ملاحظة النص و معقد الإجماع و الفتاوى حتى من الخصم أيضا، لظهور أن منشأ إيجابه التكرير مراعاة الجرم و التعيين الذي قد عرفت فساده لا الجهر و الإخفات، و إلا لأوجب أربعا لا خمسا، فلا ريب حينئذ في التخيير المزبور و إن احتاط بعضهم بمراعاته بفعل الأربع بل و بالخمس أيضا خروجا عن شبهة الخلاف، لكن مما سمعته سابقا يظهر لك أن الاحتياط بإتيان المرددة مع ذلك، لاحتمال عدم الاجزاء في المعين كما عرفت.

و كذا لا ريب في تخييره هنا بتقديم أي الفرائض شاء، لاتحاد الفائت الذي أوجبنا الثلاث مقدمة لتحصيله، فلا ترتيب حتى لو اشتبهت الفائتة بين يومي القصر و الإتمام، فإنه يجزيه رباعية مطلقة ثلاثيا و ثنائية مطلقة رباعيا و مغرب مخيرا في تقديم أيها شاء، إذ يقطع حينئذ بحصول فائتته كائنة ما كانت، فيفعل حينئذ ما شاء من حواضر و فوائت مما هو مترتب عليها وجوبا أو استحبابا، نعم لو فرض تعدد الفائت المشتبه أمكن القول بمراعاته بناء على عدم سقوطه بالنسيان أو الجهل، فيجب التكرار حينئذ لتحصيله على نحو الوجوه المتقدمة سابقا في نظائره، هذا، و في الرياض تبعا للروضة أنه لو كان في وقت العشاء ردد بين الأداء و القضاء بناء على وجوب نيتهما أو الاحتياط فيه، و إلا كفت القربة، و فيه احتمال وجوب تعيين العشاء عليه في نحو الفرض لرجوع شكه إلى ما عدا العشاء في خارج الوقت و اليه فيه، و تظهر الثمرة في وجوب الجهر عليه و عدمه.

و لو فاته من ذلك الذي ذكرناه و هو فريضة من الخمس غير معينة مرات لا يعلم عد ها قضى ثلاثا و أربعا و اثنتين عندنا و يوما تاما عند من عرفت مكررا كذلك مراعيا للترتيب بينها لا فيها كما نص عليه في نحو المقام في الذكرى، و وجهه واضح حتى يغلب على ظنه أنه وفى

[المسألة الثانية في حكم من فاتته صلوات لا يعلم كميتها]

كما أنه يجب عليه أيضا في المسألة الثانية التي هي إذا فاتته صلاة معينة كصبح أو ظهر و لم يعلم كم مرة أن يكرر من تلك

ج 13، ص: 125

الصلاة التي فاتته حتى يغلب عنده الوفاء بل و كذا لو فاتته صلوات لا يعلم كميتها و لا عينها صلى أياما متوالية إلى أن يغلب عنده الوفاء و إن قال المصنف فيها إنه يفعل ذلك حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة إلا أنه لما لم يكن وجه للفرق بينها و بين المسألتين المتقدمتين بذلك- بل و لا فارق على كثرة من تعرض له- وجب إرادته من العلم هنا الظن كما جزم به في المدارك، أو يريد من غلبة الظن في الأولتين العلم الذي هو في أيدي الناس في جميع أمورهم الذي لا يقدح فيه بعض الاحتمالات التي تقدح في العلم المصطلح عليه عند أرباب المعقول، بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب عليه، كما يومي اليه في الجملة توافق التعبير هنا عنه بغلبة الظن لا الظن خاصة، بل و ما في التذكرة أيضا حيث علله به، قال فيها: «لو فاتته صلوات معلومة التعيين غير معلومة العدد صلى من تلك الصلوات إلى أن يتغلب في ظنه الوفاء، لاشتغال الذمة بالفائت فلا تحصل البراءة قطعا إلا بذلك» بل و ما في المحكي من عبارة الذكرى أيضا حيث فرعه عليه تارة و عبر به عنه أخرى، قال فيها: «و لو فاته ما لم يحصه قضى حتى يغلب على الظن الوفاء تحصيلا للبراءة، فعلى هذا لو شك بين عشر صلوات و عشرين قضى العشرين إذ لا تحصل البراءة المقطوعة إلا به مع إمكانها- إلى أن قال-: و كذا الحكم لو علم أنه فاته صلاة معينة أو صلوات معينة و لم يعلم كميتها، فإنه يقضي حتى يتحقق الوفاء، و لا يبني على الأقل إلا على ما قاله الفاضل» إلى آخره.

بل قد يؤيده أيضا أنه يجب تقييد المذكور بناء على إرادة الظن المزبور بما إذا لم يتمكن من العلم أو كان فيه عسر و حرج، ضرورة وجوب تحصيله عليه بدونهما، لتوقف يقين البراءة عن يقين الشغل عليه، و هو- مع أنه لا إشارة في كلامهم اليه، و لذا التزم بعض مشايخنا بالاكتفاء به و إن تمكن من العلم حاكيا له عن أستاذه الشريف العلامة الطباطبائي تمسكا بما أطبقوا عليه من هذا الإطلاق مستظهرا له من بعض متأخري

ج 13، ص: 126

المتأخرين ممن عاصره أو قارب عصره و إن كان فيه منع واضح، لمخالفته القواعد، بل و تصريح بعض الأصحاب كالشهيدين و عن غيرهما من غير دليل، إذ ليس في أخبار الباب كما اعترف به غير واحد من الأصحاب ما يشهد له و لو بإطلاقه فضلا عن النص عليه عدا ما قيل من

صحيح عبد اللَّه بن سنان (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال:

«قلت له: أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها كيف يصنع؟ قال: فليصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر ما علمه من ذلك».

و هو مع أنه في النوافل التي لا يقاس عليها حكم الفرائض، لأنها أشد منها، نعم لو كنا نقول باقتضاء القاعدة الاقتصار في مثل الصور المفروضة على ما تيقن فواته خاصة أمكن حينئذ استفادة وجوب الزائد على ذلك حتى يصل إلى الظن من حكم النافلة بطريق الأولى، مع أنه منعه في المدارك أيضا و إن كان في منعه نظر، خصوصا بعد اشتمال الجواب على ما هو كالتعليل العام لذلك و الفريضة، و وارد فيمن لا يتمكن من العلم، و لا دلالة فيه على الاكتفاء بالظن، بل كان الأولى إبداله ب

خبر مرازم (2)«ان إسماعيل بن جابر سأل الصادق (عليه السلام) عن النوافل الفائتة التي لا يمكن إحصاؤها فقال: توخ»

معارض ب

قوي علي بن جعفر(3)المروي عن قرب الاسناد عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن الرجل ينسى ما عليه من النافلة و هو يريد أن يقضي

كيف يقضي؟ قال: يقضي حتى يرى أنه قد زاد على ما عليه و أتم»

الذي دعوى أولوية الفريضة منه بذلك أوضح، و نحو ذلك مما ستسمعه فيما يأتي عن قريب إن شاء اللَّه- يؤدي إلى حمل عبارات الأصحاب على الفرد النادر جدا ضرورة غلبة معرفته عددا يقطع بدخول الواجب فيه يتمكن من فعله من غير عسر و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها الحديث 3.

ج 13، ص: 127

في الأزمان المتطاولة، لكثرة دورانه بين الأعداد الحاصرة كالعشرة و العشرين و الأنقص و الأزيد، خصوصا بعد إيجاب القضاء عليه إلى غلبة الظن بالوفاء، فان مرتبة العلم بعدها تحصل بأقل قليل، بل قد يمنع تحقق العسر و الحرج في هذه التتمة أصلا، على أن عادة الأصحاب إطلاق الحكم المقيد بعدم التمكن أو العسر أو الحرج اتكالا على ما علم من العقل و النقل من سقوط التكاليف عندهما لا الإطلاق الموافق لمقتضاهما مع إرادتهم خروج صورة التمكن التي لا عسر و حرج فيها منه من غير إشارة في كثير من كلماتهم إليها، بل قضية تنزيل إطلاقهم الاكتفاء بالظن على ما سمعته من حال العسر و الحرج في تحصيل العلم سقوط القضاء بالمرة لا وجوبه إلى أن يحصل الظن، إذ لا مدرك للسقوط حال العسر إلا كونه حينئذ كالمشتبه بغير المحصور الذي يسقط فيه خطاب المقدمة أصلا حتى الميسور منه أيضا، كما هو واضح.

فلا وجه- بناء على ما ذكرنا من إرادة العلم من غلبة الظن في كلامهم قديما و حديثا حتى نسب للقطع به في كلامهم، و ربما حكي عن الغنية الإجماع عليه، كما أنه عساه يفهم من غيرها أيضا- للإنكار عليهم بأنه لا دليل عليه من النصوص و غيرها، إذ هم حينئذ في غنية عنها بقاعدة توقف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية المقتضية وجوب القضاء إلى أن يحصل العلم بالفراغ، ضرورة كون المقام من أفرادها و إن كانت الأفراد التي اشتبه فيها المكلف به مختلفة في القلة و الكثرة، بل ينبغي القطع به فيما لو كان، عالما بقدر الفوائت ثم نسيه فدار بين أفراد متعددة، إذ لا ريب حينئذ في بقاء الخطاب واقعا بذلك المنسي و لو من جهة الاستصحاب الذي لا يقطعه عروض النسيان بعد إمكان امتثاله بإتيان عدد يعلم دخوله فيه، فالتمسك حينئذ بأصالة البراءة في نفي الزائد عن القدر المتيقن الذي هو القدر المشترك بين سائر الأفراد التي اشتبه فيها المكلف به لا وجه له قطعا، بل و كذا فيما لو لم يسبقه علم بالقدر بل كان اشتباهه فيه من أول الأمر لإجمال ما كلف

ج 13، ص: 128

و خوطب به عليه، فلا يقطع بالامتثال إلا بفعل ما يعلم به ذلك، لا أنه يكتفي بفعل ما يرفع به يقين الشغل، إذ من الواضح إرادة صدق الامتثال منه بتمام المأمور به بعد أن علم أنه مكلف لا عدم يقين الشغل كما في سائر باب المقدمة من الثوب النجس و غيره.

و دعوى بعض الشافعية التي احتملها العلامة في التذكرة بل استوجهها في المدارك و الذخيرة تبعا للمحكي عن المقدس الأردبيلي الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته و نفي الزائد بالأصل في المسألة الثانية من المسائل الثلاث التي عرفت أنها جميعا من واد واحد، تمسكا بما دل من المعتبرة(1)على عدم الالتفات للشك في الصلاة خارج وقتها، و بمساواتها بعد التحليل لما إذا علم الفوات من أيام معينة ثم شك في الزائد عليها، يدفعها ظهور تلك الأدلة في الشك في نفس الفوات ابتداء لا فيما يتناول الفرض، و ظهور الفرق بين تيقن مقدار معين ثم الشك في الزائد و بين سلخ القدر المتيقن من الأفراد التي وقع الاشتباه فيها، إذ الأول محل أصل البراءة، لأنه شك في التكليف نفسه و إن قارنه علم بتكليف آخر، بل سائر موارده من هذا القبيل، بخلاف الثاني الذي قد علم فيه التكليف الدائر بين الخمسة و الستة و العشرة مثلا، و إتيانه بالخمسة التي هي على كل حال مخاطب بها إما لأنها هي التمام أو بعضه لا يحصل معه القطع بامتثال ما علم أنه مكلف به من ذلك الأمر المجمل ظاهرا المعين واقعا، ضرورة عدم صلاحية الأصل لتنقيح أن الخمسة مثلا هي تمام المأمور به، بل لا ريب في ذم العقلاء له على تركه الفرد الذي يحصل به يقين الامتثال إذ هو كأمر السيد عبده بإكرام عدد خاص من علماء البلد لم يبينه له و كان له طريق ممكن للامتثال القطعي، و ربما أشير إلى ذلك في خبري (2)النوافل المتقدمين التي


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب المواقيت.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 1 و 3.

ج 13، ص: 129

من المعلوم أولوية الفرائض منها بذلك، اللهم إلا أن يدعى انحلال ذلك في الفوائت إلى أوامر متعددة، ضرورة كون الفوات تدريجيا و إن كانت جميعها تندرج تحت الأمر بقضاء الفائت، فكل ما علم منها وجب امتثاله، و لا مدخلية له بغيره، و ما شك فيه فالأصل براءة الذمة منه، خصوصا في مثل الصلاة التي قد ثبت عدم الالتفات إلى الشك فيها خارج وقتها، بل قد يدعى استمرار طريقة الأصحاب على التمسك بالأصل في أمثاله من الدوران بين الأقل و الأكثر في الديون و الصيام و غيرهما، و هو قوي جدا، لكن ظاهر أكثر الأصحاب بل صريح بعضهم كالشهيدين و الفاضل المعاصر قدس سره في الرياض و عن غيرهم خلافه هنا، و لعله لما سمعت، و عليه بناء على ما عرفت من إرادتهم العلم بغلبة الظن يستغنى عن تطلب الدليل لذلك، أما لو كان المراد من ذلك الظن بمعنى أنه يكتفي بفعله القضاء و إن تمكن من العلم بسهولة كما سمعته سابقا من بعضهم فلا دليل عليه كما عرفت سوى ما يتوهم من الاتفاق الناشئ من هذا الإطلاق الذي هو كما ترى، و المرسل المروي في كتب الأصحاب من أن المرء متعبد بظنه الذي لا ينبغي الاعتماد عليه في مثل المقام المقتضي لهدم القاعدة المزبورة على أي حال كانت، ك

خبر إسماعيل (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الصلاة تجتمع علي قال: تحر و اقضها»

إذ هو- مع احتماله النافلة أيضا، بل ظهوره بقرينة السائل، خصوصا بعد تعبيره في السؤال بما يظهر منه وقوع ذلك منه غير مرة، و خبر مرازم (2)المشتمل على سؤال إسماعيل بن جابر الصادق (عليه السلام) عن النوافل الذي قدمناه- ضعيف غير صالح لإثبات مثل ذلك أيضا، و أما لو قلنا بأن المراد منها الظن لكن بعد تقييد الاكتفاء به بما إذا لم يتمكن من العلم و لو لعسر و حرج فلعل الدليل عليه- بعد ظهور كونه كالمجمع عليه بين الأصحاب- معلومية قيامه مقام العلم في كل مقام تعذر هو فيه، بل عن المختلف الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 1.

ج 13، ص: 130

على نحو ذلك، و المرسل المتقدم المنجبر بما عرفت و فحوى ما سمعته في النوافل، و استصحاب وجوب القضاء إليه الذي كان ثابتا حال العلم، ضرورة سبق مرتبته عليه هنا، لأن الوفاء تدريجي، و عدم سقوط الخطاب بمقدمة العلم بتعذر بعض أفرادها، و توقف الامتثال عليه بعد أن سقط العلم لتعذره، للشك في حصول الامتثال بدونه، و غير ذلك، فتأمل جيدا.

[المسألة الثالثة من ترك الصلاة مرة مستحلا قتل]

المسألة الثالثة من ترك الصلاة مرة مستحلا قتل بلا خلاف كما عن مبسوط الشيخ و خلافه و مجمع البرهان، بل إجماعا محكيا في التحرير و الذكرى و عن الغنية و كشف الالتباس إن لم يكن محصلا إن كان ذكرا و ولد أو انعقد و كان أحد أبويه مسلما على ما يأتي من الوجهين أو القولين في تفسير المرتد عن فطرة، فإن ما نحن فيه منه كسائر من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كما تقدم البحث فيه عند الكلام في الكافر في باب الطهارة، بل تقدم هناك أيضا البحث في أنه مقتض للكفر بنفسه أو لاستلزامه إنكار صاحب الشريعة، و الفرق بينه و بين إنكار المعلوم ضرورة و بين المعلوم نظرا.

أما الأنثى فلا تقتل بذلك و إن كانت عن فطرة، كما نص عليه هنا غير واحد و يأتي بيانه أيضا في محله من الحدود، بل تحبس و تضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت لما رواه

ابن محبوب (1)عن غير واحد من الأصحاب عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «المرأة إذا ارتدت استتيبت، فان تابت و إلا خلدت في السجن و ضيق عليها في حبسها»

و عن عباد بن صهيب (2)عن الصادق (عليه السلام) «المرتد يستتاب، فان تاب و إلا قتل، و المرأة تستتاب، فان تابت و إلا حبست في السجن و أضرّ بها


1- 1 الاستبصار- ج 4 ص 253- الرقم 959 المطبوع في النجف.
2- 2 الاستبصار- ج 4 ص 255- الرقم 967 المطبوع في النجف.

ج 13، ص: 131

الخبر، و الخنثى المشكل لم أجد لأصحابنا فيه هنا نصا، فيحتمل كونه كالأنثى احتياطا في الدماء، و كونه كالذكر لإطلاق ما دل على قتل المرتد الذي علم خروج المرأة منه خاصة لكن الأول أقوى.

و استتيب إن لم يكن كذلك ب أن كان أسلم عن كفر و لو لتبعية أبويه فيه، إذ يكون حينئذ مرتدا عن ملة الذي حكمه أنه يستتاب فان امتنع قتل لقوله تعالى (1)«فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ» إلى آخره. و صريح الإجماع المحكي عن كتاب المرتد من الخلاف و ظاهر الغنية كما يأتي إن شاء اللَّه تحريره في محله، و تتحقق توبته باخباره عن اعتقاد وجوبها و فعلها مع الندم على ما فات منه، بل و إن لم يفعل أيضا و إن كان يعزر حينئذ، أما لو فعل و لما يخبر ففي الذكرى أنه لا تتحقق التوبة، كما أن فيها استظهار عدم الاكتفاء هنا بالإقرار بالشهادتين، قال: لأن الكفر لم يقع بتركهما.

فان ادعى المرتد عن فطرة الشبهة المحتملة في حقه، لقرب عهده بالإسلام أو بعد بلاده عنه مثلا أو غيرهما مما يمكن صلاحيته لعدم ثبوت الضرورة عنده درئ عنه الحد حتى لو قلنا بأن كفره لنفسه لا لاستلزامه كما يدرأ سائر الحدود في نحو ذلك من الشبهات كما تسمع الكلام مفصلا إن شاء اللَّه فيه و فيما ذكره في المدارك و الذخيرة تبعا للذكرى و المسالك من سقوطه أيضا بدعوى النسيان في إخباره عن الاستحلال أو الغفلة أو تأويل الصلاة في

النافلة، لقيام الشبهة الدارئة للحد معها أيضا.

هذا كله في التارك مستحلا و أما إن لم يكن مستحلا بل كان للعصيان عزر، فان عاد عزر، فان عاد ثالثة ففي الخلاف و ظاهر التحرير هنا قتل كما هو الشأن في سائر الكبائر التي لم يكن حدها القتل أو ما يقضى إليه ابتداء، إذ احتمال إخراج الصلاة من بينها- للحكم بكفر تاركها، و براءة ملة الإسلام منه، و أنه ما بين


1- 1 سورة التوبة- الآية 5 و 11.

ج 13، ص: 132

الكفر و الايمان إلا ترك الصلاة في عدة أخبار(1)فيها الصحيح الصريح المشتمل على تعليل ذلك بأن تركها ليس للذة، بل ما هو إلا لاستخفاف المستلزم للكفر بخلاف الزنا و نحوه من المعاصي التي يدعو إليها الداع- مرغوب عنه بين الأصحاب، و نصوصه محمولة على المبالغة في شأنها أو على الترك ثلاثا المساوي للكفر في القتل أو الاستحلال أو الاستخفاف و عدم الاعتناء في الأمر بها كما يومي اليه في الجملة التعليل المتقدم، لا إذا كان الترك للاشتغال بملاذ الدنيا و حب الراحة، خصوصا في بعض الأوقات أو غير ذلك مما لا ريب عند الأصحاب في مساواة الترك له لسائر الكبائر التي ستعرف أن حكمها في باب الحدود القتل في الثالثة المسبوقة بالتعزيرين، ل

خبر يونس (2)المنسوب إلى رواية الأصحاب في الذكرى عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) «أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»

المؤيد ب

خبر أبي بصير(3)عن الصادق (عليه السلام) «إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كان إذا حد شارب الخمر مرتين قتله في الثالثة»

و خبره الآخر عنه (عليه السلام)(4)أيضا «من أخذ في شهر رمضان و قد أفطر فرفع إلى الامام يقتل في الثالثة»

و مضمرة(5)أيضا، قال: «قلت:

آكل الربا بعد البينة، قال: يؤدب، فإن عاد أدب، فإن عاد قتل»

و غير ذلك مما يأتي في محله إن شاء اللَّه.

و قيل كما في الإرشاد و ظاهر بعض عبارات الذكرى و غيرها و عن المبسوط


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد المسكر- الحديث 2 من كتاب الحدود و التعزيرات.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد المسكر- الحديث 4 من كتاب الحدود و التعزيرات.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 من كتاب الصوم.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب بقية الحدود و التعزيرات- الحديث 2 من كتاب الحدود.

ج 13، ص: 133

و الموجز و كشف الالتباس، بل في الأخير نسبته إلى الشهرة، بل قد يظهر من المحكي عن الخلاف في كتاب الردة الإجماع عليه كما ستسمع: إنه

لا يقتل إلا في الرابعة بل في الذكرى حكي عن المبسوط أنه لا يقتل فيها إلا بعد أن يستتاب، فان امتنع قتل، كما أنه حكي فيها عن الفاضل موافقته في ذلك و لا ريب في أنه هو الأحوط في الدماء التي حقنها مقتضى الأصل، خصوصا بعد

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق»

و إلا فلم نعثر له على نص يشهد له و لو على وجه العموم للكبائر التي منها ترك الصلاة كما اعترف به بعض الأساطين من أصحابنا عدا ما حكى عنه في

المبسوط أنه قال: روي (2)عنهم (عليهم السلام) «إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة»

نعم روى أبو خديجة(3)عن الصادق (عليه السلام) في المرأتين في لحاف واحد القتل في الرابعة مع أنه روى هو القتل (4)فيه في الثالثة عنه (عليه السلام) أيضا، و عن جميل (5)أنه روى بعض أصحابنا قتل شارب الخمر في الرابعة، مع أنك سمعت خبر أبي بصير من قتله في الثالثة، و روى أبو بصير(6)عن الصادق (عليه السلام) في الزاني القتل في الرابعة، كخبر زرارة(7)أو يزيد عنه (عليه السلام) أيضا، مع أنه في الذكرى عن جميل بن

دراج أنه روى بعض أصحابنا قتله في الثالثة، و أيضا لا دلالة في شي ء


1- 1 سنن البيهقي ج 8 ص 19 و 194.
2- 2 المبسوط: كتاب المرتد- حكم تارك الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب حد الزنا- الحديث 23 من كتاب الحدود.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب حد السحق و القيادة- الحديث 1 من كتاب الحدود.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد المسكر- الحديث 7 من كتاب الحدود.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد الزنا- الحديث 1 من كتاب الحدود.
7- 7 الوسائل- الباب- 20- من أبواب حد الزنا- الحديث 2 من كتاب الحدود و لكن روى عن عبيد بن زرارة أو بريد العجلي.

ج 13، ص: 134

منها على الاستتابة التي ذكرها، بل ظاهرها و غيرها خلافه.

لكن على كل حال لا يسوغ قتله قبل تخلل التعزير، لأصالة حقن الدم، و مفهوم النصوص السابقة.

ثم لا فرق هنا في ظاهر النصوص و الفتاوى بين الذكر و الأنثى، فتقتل حينئذ في الثالثة أو الرابعة و إن لم يكن حكمها في الارتداد الذي هو أعظم منه ذلك و إن تكرر منها كما اعترف به في الذكرى، قال فيها بعد أن ذكر حكمها مع الارتداد كما ذكرنا:

«و لو تركتها لا مستحلة و عزرت ثلاثا فظاهر الأصحاب قتلها في الرابعة، و كذا في جميع مواضع الحد أو التعزير» انتهى.

و نحوها في ذلك المرتد الملي الذي قد يظهر من إطلاق بعض الأصحاب أن حكمه في الاستحلال الاستتابة و إن تجاوز الرابعة و الخامسة فما زاد، بخلافه هنا، فإنه يقتل في الرابعة أو الثالثة من غير استتابة و إن كان هو أهون من الارتداد، لكن في مفتاح الكرامة عن كتاب الردة من الخلاف المرتد الذي يستتاب إذا رجع إلى الإسلام ثم كفر ثم رجع ثم كفر قتل في الرابعة و لا يستتاب، دليلنا إجماع الفرقة، على أن كل مرتكب للكبيرة إذا فعل به ما يستحقه قتل في الرابعة، و هو صريح في مساواة الارتداد لباقي الكبائر في الحكم المزبور، و يؤيده عموم الكبائر الثابت حكمها بما سمعت لما يشمل الارتداد، بل هو أكبر الكبائر، و منه يعلم الحال في المرأة أيضا بالنسبة إلى ما تقدم، و تمام البحث في هذه المسائل يأتي في محله إن شاء اللَّه تعالى.

[الفصل الثالث في الجماعة]
اشاره

الفصل الثالث في الجماعة و النظر في أطراف:

[الطرف الأول الجماعة مستحبة في الفرائض]
اشاره

الأول الجماعة مستحبة في الفرائض الحواضر اليومية كلها كتابا(1)


1- 1 سورة البقرة- الآية 40 و سورة النساء- الآية 103.

ج 13، ص: 135

و سنة(1)متواترة و إجماعا بل ضرورة من الدين يدخل منكرها في سبيل الكافرين، بل و الفوائت كما صرح به غير واحد، بل في الذكرى ما يظهر منه دعوى إجماع المسلمين عليه، لعموم الأدلة، و بدلية القضاء عن الأداء، و فعل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) ذلك في قضاء صلاة الصبح (2)بناء على صحة تلك الرواية، بل و غير اليومية من الفرائض عند علمائنا كما في المنتهى حتى المنذورة عندنا كما في الذكرى ذاكرا بعده ما يظهر منه إرادة الإمامية من ضمير الجمع، بل ينبغي القطع به

بالنسبة إلى صلاة الكسوف بل و غيره من الآيات، لصراحة بعض أدلتها السابقة في ذلك.

[في جواز الجماعة في غير اليومية و عدمه]

أما غيرها من المنذورة و ركعتي الطواف و الاحتياط فان ثبت إجماع على مشروعية الجماعة فيها بالخصوص فهو، و إلا كان للنظر فيه مجال كما اعترف به في الرياض بل و غيره للشك في إرادتها من إطلاق أدلة المقام إن لم يكن ظاهرها العدم، خصوصا الأخيرة، لظهور دليلها في تعريضها للفريضة و النافلة المقتضي مراعاة الصحة فيهما على كلا التقديرين مهما أمكن، و ليس هو إلا الانفراد لاحتمال نفلهما الذي لا يشرع فيه الجماعة، بل و الأولى استصحابا لحالها قبل النذر و إن قلنا بعدم صدق المشتق حقيقة بعد زوال المبدأ بناء على عدم اشتراط حجية الاستصحاب في نحوه بذلك، مع أنه قد يمنع عدم الصدق هنا، لعدم زوال الوصف أصلا، بل هو بالنسبة إلى خصوص الناذر فقط، فيكفي في صدق اسم النافلة عليها كونها كذلك في حد ذاتها و بالنسبة إلى غالب المكلفين، كإطلاق اسم النافلة على صلاة الليل بالنسبة للنبي (صلى اللَّه عليه و آله)، بل قد يدعى عدم المنافاة بين وصف النفل من جهة الذات و بين الوجوب من جهة العرض كالنذر و أمر الوالد و السيد، فتندرج حينئذ فيما دل على منع الجماعة في النافلة، خصوصا بعضه مما ستعرف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب المواقيت- الحديث 6.

ج 13، ص: 136

الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة الذات لا شرطية الوصف، لا أقل من الشك، فتبقى على أصالة عدم مشروعية الجماعة فيها، و دعوى أن مفهوم الوصف بالنفل قاض بعدم منع الجماعات في فاقده بعد تعليق المنع بالنافلة يدفعها مضافا إلى ما عرفت و إلى عدم حجيته أنه لو قلنا بحجيته فإنما هو بالنسبة إلى فاقد الوصف من غير موضوع المنطوق أما هو فيمكن منع الحجية فيه، خصوصا لو ذكر موصوفة معه، كقوله أكرم زيدا العالم كل يوم فلا يدل على عدم الإكرام بعد زوال الوصف عن زيد إن لم نقل بدلالته على خلافه، لإطلاق الأمر بإكرام الذات الذي لا يقيده الوصف بالعالم بعد عدم ظهوره في اشتراط دوامه بذلك، لاحتمال إرادة التوضيح منه، أو التخصيص لإخراج الفاقد من غير الموضوع، و كون العلم في الجملة علة للإكرام المستمر و غير ذلك.

فلا ريب في كون الاحتياط بترك الجماعة فيها، بل و فيما بعدها أيضا من ركعتي الطواف و صلاة الاحتياط كما اعترف به فيهما في الرياض تبعا للمحكي عن غيره، خصوصا مع ملاحظة الخلاف في استحباب الأولى منهما و إن كان الطواف واجبا، و ليس المقام مما يتسامح فيه كسائر المستحبات التي لا يقدح عدم مصادفتها للواقع، ضرورة اشتغال الذمة هنا بيقين الذي يطلب فيه البراءة كذلك، و ليس هو إلا في الانفراد، لاحتمال عدم مشروعية الاجتماع فيها، فلا تبرأ الذمة، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك يقدح لو كان منشأ التسامح في المستحب الاحتياط العقلي، أما لو كان هو الأخبار

كعموم (1)«من بلغه»

و نحوه فلا، إذ ذاك يكون حينئذ حجة شرعية في قبول الخبر الضعيف مثلا المثبت للأمر الاستحبابي، فيكون المفرغ للذمة حقيقة ما دل على التسامح لا خصوص الخبر الضعيف، لكن قد يمنع عموم دليل التسامح لمثل المقام، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 13، ص: 137

[في تأكد استحباب الجماعة في الفرائض اليومية]

و كيف كان فالجماعة و إن استحبت في باقي الفرائض إلا أنها تتأكد قطعا في الصلوات المرتبة اليومية سيما الصبح، بل و العشاءين، و سيما جيران المسجد و من يسمع النداء، و قد ورد أن الجماعة تفضل على صلاة الفذ أي الفرد بأربعة و عشرين درجة، أو بخمس و عشرين، أو بسبع و عشرين، أو بتسع و عشرين(1)

و «أن الركعة في الجماعة بأربعة و عشرين ركعة، كل ركعة أحب إلى اللَّه من عبادة أربعين سنة(2)»

و «أن من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر اللَّه تعالى حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة بعد ما بين كل درجتين كحظر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة، و من صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون

درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة، و من صلى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل (عليه السلام) يعتقهم، و من صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة و عمرة مقبولة، و من صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر(3)»

و أن الجماعة أفضل من الصلاة فرادى في مسجد الكوفة(4)

الذي

روي أن الصلاة فيه بألف صلاة(5)

بل

روي (6)«أن فضل الجماعة على الفرد ألفا ركعة».

لكن في الروضة أن الجماعة مستحبة متأكدة في اليومية حتى أن الصلاة الواحدة منها تعدل خمسا أو سبعا و عشرين صلاة مع غير العالم، و معه ألفا، و لو وقعت في مسجد يضاعف بمضروب عدده أي المائة في عددها، ففي الجامع مع غير العالم الفان و سبعمائة، و معه مائة ألف، ثم قال:

«و روي (7)أن ذلك مع اتحاد المأموم، فلو تعدد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1 و 5 و 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
4- 4 التهذيب ج 3 ص 25- الرقم 88 من طبعة النجف.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 18.
7- 7 الظاهر أن الشهيد قدس سره استفاد التضاعف بتعدد المأمومين مما روي في المستدرك في الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 138

تضاعف في كل واحدة بقدر المجموع في سابقه إلى العشرة، ثم لا يحصيه إلا اللَّه»

انتهى مبنيا على احتساب فضل الجماعة على الفرد بما ذكر، و إلا فبناء على الألفين ضاق عن حصرها الحساب و الكتاب، بل

روي (1)أيضا «من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، و يرفع له من الدرجات مثل ذلك، و أن من مات و هو على ذلك و كل اللَّه به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره، و يبشرونه، و يؤنسونه في وحدته، و يستغفرون له حتى يبعث»

و «أن اللَّه يستحيي من عبده إذا صلى في جماعة ثم سأله حاجة أن ينصرف حتى يقضيها»(2).

بل قد يستفاد من جملة(3)من أخبار الباب الدالة على أن تارك الجماعة لا صلاة له الكراهة أيضا، كما هو ظاهر الحر في وسائله بتقريب أنه متى تعذرت الحقيقة وجب الانتقال إلى أقرب المجازات ثم الأقرب، و لا ريب أنه الكراهة بعد الفساد، لكن المعروف استفادة نفي الكمال من مثل هذا التركيب الذي هو أعم من الكراهة، مع احتمال إرادة نفي الصلاة منه هنا عن التارك رغبة عن الجماعة، كما يومي اليه بعض الأخبار(4)و إرادة لا صلاة له بين المسلمين بمعنى عدم حكمهم بها له، لعدم

رؤياه في جماعة المسلمين كما يومي اليه آخر(5)أو غير ذلك.

لكن قد يقال: إن الكراهة إن لم تستفد من هذا التركيب فيمكن استفادتها مما رواه

ابن أبي يعفور(6)عن الصادق (عليه السلام) «انه هم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم و لا يصلون الجماعة، فأتاه رجل أعمى فقال: يا رسول اللَّه إني ضرير البصر و ربما أسمع النداء و لا أجد من يقودني إلى الجماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجماعة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.

ج 13، ص: 139

و الصلاة معك، فقال النبي (صلى اللَّه عليه و آله): شد من منزلك إلى المسجد حبلا و أحضر الجماعة»

و ابن ميمون (1)عنه أيضا عن آبائه (عليهم السلام) أنه قال: «اشترط رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) على جيران المسجد شهود الصلاة، و قال: لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي و هو علي (عليه السلام) فليحرقن علي أقوام بيوتهم بحزم الحطب، لأنهم لا يأتون الصلاة»

و غيرهما مما هو كذلك أو نحوه.

لكنك خبير أن ظاهرها لا يلائم الكراهة أيضا، ضرورة عدم استحقاق العقاب المؤجل على عدم فعلها فضلا عن المعجل، فوجب حملها بعد

صحيح زرارة و الفضيل (2)قلنا له: «الصلاة في جماعة فريضة هي، فقال: الصلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها، و لكنها سنة من تركها رغبة عنها أو عن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له»

بل الإجماع بقسميه بل الضرورة من المذهب على عدم وجوبها لا كفاية و لا عينا في غير الموضعين المخصوصين على إرادة الترك حتى للواجب منها كالجمعة، أو على إرادة الترك رغبة عن جماعة المسلمين، معرضا به لبعض المنافقين الذين لم تطمئن قلوبهم بهذا الدين، كما يومي اليه جملة من الأخبار، منها

خبر ابن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) «سمعته يقول: إن أناسا كانوا على عهد رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أبطأوا عن الصلاة في المسجد و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بالحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم»

و منها آخر(4)قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): «لا غيبة إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 2.

ج 13، ص: 140

لمن صلى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته، و وجب هجرانه، و إذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذره، فان حضر جماعة المسلمين و إلا أحرق عليه بيته»

إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بما ذكرنا المؤيدة بعدم ذكر أحد من الأصحاب الحكم بكراهة ترك الجماعة، بل اقتصروا على ذكر استحبابها، و الأمر سهل بعد معلومية عدم حرمة الترك عندنا.

[في وجوب إقامة الجماعة في الجمعة و العيدين مع الشرائط]

و أنها لا تجب بالأصل لا شرعا و لا شرطا إلا في الجمعة و العيدين مع الشرائط التي مر ذكرها في محلها و إلا فقد تجب بالعارض كالنذر و عدم معرفة القراءة و نحوهما.

[في عدم مشروعية الجماعة في النوافل]

كما أنها لا تجوز في شي ء من النوافل على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الذكرى نسبته إلى ظاهر المتأخرين، بل في المنتهى و التذكرة و عن كنز العرفان الإجماع عليه، بل يظهر من السرائر في صلاة العيد أنه من المسلمات، للنصوص المستفيضة، منها

صحيح زرارة و محمد بن مسلم و الفضيل (1)الذي هو في أعلى درجات الصحة سألوا أبا جعفر

الباقر و أبا عبد اللَّه الصادق (عليهما السلام) «عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة، فقال: إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته و تركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في اليوم الثالث على منبره فحمد اللَّه و أثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، و صلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل، و لا تصلوا صلاة الضحى، فان تلك معصية، ألا و إن كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 141

النار، ثم نزل و هو يقول: قليل في سنة خير من كثير في بدعة»

و منها

موثق عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال: لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أمر الحسن بن علي (عليهما السلام) أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي (عليهما السلام) بما أمره به أمير المؤمنين

(عليه السلام)، فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي (عليهما السلام) صاحوا وا سنة عمراه وا عمراه وا عمراه، فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين (عليهما السلام) قال له: ما هذا الصوت؟ قال: يا أمير المؤمنين الناس يصيحون و اعمراه و اعمراه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قل لهم صلوا»

و منها

خبر سليم بن قيس الهلالي (2)قال: «خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد اللَّه و أثنى عليه ثم صلى على النبي (صلى اللَّه عليه و آله) ثم قال: ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان: اتباع الهوى و طول الأمل- إلى أن قال-: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) متعمدين لخلافه ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، و لو حملت الناس على تركها لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي- إلى أن قال-:

و اللَّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا، و لقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري».

و لعله ظاهر في بدعة الاجتماع في مطلق النوافل التي منها نوافل شهر رمضان، و لا ينافيه مناداتهم بالنهي عن التطوع فيه بعد أن كان مورد عمومه (عليه السلام) ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 4 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 142

بل قد يظهر منه أيضا أن مراده بالنهي في الخبر الأول ذلك أيضا، و أن ذكر شهر رمضان لأنه فرد من العام كما يومي اليه حكايته ما أمر به في هذا الخبر، بل لعل صحيح الفضلاء أيضا كذلك بقرينة

قوله (عليه السلام) في الخطبة: «خالفوا فيها رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»

بل و بقرينة

خبر محمد بن سليمان (1)الطويل جدا، قال: «إن عدة من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث منهم يونس بن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، و صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام)، و سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، و قال أيضا: إني سألت الرضا (عليه السلام) عن هذا الحديث فأخبرني به، ثم قال: قال هؤلاء جميعا:

سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي؟ و كيف فعل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)؟

فقالوا جميعا: إنه لما دخلت أول ليلة من شهر رمضان- إلى أن قال-: فانصرف إليهم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فقال: أيها الناس إن هذه الصلاة نافلة، و لن يجتمع للنافلة، فليصل كل رجل منكم وحده، و ليقل ما علمه اللَّه من كتابه، و اعلموا أنه لا جماعة في نافلة، فافترق الناس».

و هو- مع انجبار سنده بما عرفت، و شهادة قرائن كثيرة بصحة مضمونه، و اعتضاده

بالمروي (2)عن الخصال و العيون «لا يجوز أن يصلى التطوع في جماعة، لأن ذلك بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار»

بل في التنقيح

روى الأصحاب «لا جماعة في نافلة»

و بغير ذلك من النصوص الدالة في الجملة، و بالأصول المقررة و القواعد المحررة المقتضية عدم سقوط القراءة، و عدم وجوب المتابعة و نحوهما من أحكام الجماعة التي لا يعارضها إطلاق بعض الأخبار استحباب الجماعة في الصلاة بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5 و 6.

ج 13، ص: 143

تبادر غير النافلة منها، و كونها مساقة لبيان فضل الائتمام في نفسه من دون نظر لما يؤتم به من الفريضة و النافلة- كاشف عن المراد بالصحيح الأول لأن كلامهم (ع) يحل بعضه بعضا على أنه لا قائل باختصاص المنع في نوافل شهر رمضان، فيكون إحداث قول ثالث.

فما عساه يظهر من المدارك و الذخيرة من التوقف و التردد في هذا الحكم بل الميل إلى عدمه في غير محله قطعا، و إن تجشم أولهما فقال: «ربما ظهر من كلام المصنف فيما سيأتي أن في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة- ثم حكى ما في الذكرى «لو صلى

مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة أو صلى متنفل بالراتبة خلف المفترض أو متنفل براتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع» ثم قال-:

و هذا كلام يؤذن بأن المنع ليس إجماعيا، و الذي ألجأه إلى ذلك قصور سند بعض أخبار المختار و دلالة آخر و ورود بعض أخبار صحيحة دالة على الجواز كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (1)

عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «صل بأهلك في رمضان الفريضة و النافلة فإني أفعله»

و صحيح هشام بن سالم (2)سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن المرأة تؤم النساء، قال: تؤمهن في النافلة، فأما المكتوبة فلا»

و نحوه غيره- ثم قال-:

و من هنا يظهر أن ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد و إن لم يرد فيها نص بالخصوص، مع أن العلامة نقل في التذكرة عن أبي الصلاح أنه روى استحباب الجماعة فيها، و لم نقف على ما ذكره» انتهى.

و هو من غرائب الكلام لابتنائه أولا على الاعراض عن المشهور بل المجمع عليه كما عرفت، و الركون إلى خلافه بتجشم قائل به من نحو ما سمعت، و أنه ليس بإجماعي عند الشهيد، مع أنه على تقديره لا ينافي كونه كذلك عند غيره، و ثانيا على الطعن في دليل

المختار بما ذكر مما عرفت سقوطه في الغاية، مع توجه بعض الطعن المزبور إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 144

صحيحه الذي ألجأه إلى مثل ذلك بلا صراحة فيه بمطلوبه، بل هو موافق للتقية، كالتفصيل في صحيحه الآخر المعرض عنه بين الأصحاب، و إن كان قد يظهر من الاستبصار القول به المحتمل إرادة النافلة التي تجوز فيها الجماعة و لو الفريضة المعادة استحبابا، و غير ذلك، ضرورة اشتماله على خصوص النافلة في شهر رمضان التي يمكن دعوى تواتر الأخبار ببدعية الجماعة فيها، فضلا عن إجماع الشيخ في الخلاف على ذلك بالخصوص، كاشتراك تتميمه بعد الإغضاء عن ذلك بعدم القول بالفصل بينه و بين دليل المختار، بل هو أولى منه.

و من ذلك يظهر ما في قوله: «و من هنا» إلى آخره. مع أنه ضعيف في نفسه أيضا، و إن كان هو ظاهر المفيد في مقنعته، و اختاره في اللمعة و فوائد الشرائع للمحقق الثاني و حاشية الإرشاد لولده و عن الغنية و الإشارة و التقي و المجلسي و تلميذه أبي الحسن، بل عن مجمع البرهان أنه المشهور، و أنه ليس ببعيد، بل عن إيضاح النافع أن عمل الشيعة على ذلك، لكن لا دليل عليه أصلا فضلا عن أن يصلح لمعارضة ذلك الدليل سوى ما في التذكرة من أن التقي نسبه إلى الرواية، و ما في المقنعة من حكاية ما وقع للنبي (صلى اللَّه عليه و آله) يوم الغدير(1)و منه أنه أمر أن

ينادى الصلاة جامعة، فاجتمعوا و صلوا ركعتين ثم رقى المنبر، و ما في الروضة من التعليل بأنه عيد، و الآخر كما ترى و سابقه لا يجوز التعويل عليه هنا و إن قلنا بالتسامح في دليل المستحب لكن حيث لا يعارضه ما يقتضي الحرمة، و دعوى أن دليل الحرمة لا يزيد على حرمة التشريع التي لا تمنع من التسامح في دليل المستحب يدفعها وضوح الفرق بين الأمرين خصوصا في المقام، هذا، و لعل في خلو كلام الأكثر عن ذكر الجماعة عند ذكرهم إياها في الصلوات


1- 1 المقنعة ص 34.

ج 13، ص: 145

المسنونة زيادة ظهور في عدم مشروعيتها فيها، خصوصا مع كون ذلك المقام معدا لذكر كل ما فيه زيادة للفضل، فلا حظ.

نعم ينبغي استثناء التجميع ببعض النوافل التي أشار إليها المصنف مستثنيا لها من الحرمة السابقة بقوله عدا الاستسقاء للإجماع عليه و النصوص (1)و العيدين مع اختلال شرائط الوجوب بناء على ما مر سابقا، بل قد يقال: إنه لا ينبغي استثناء الثانية من ذلك و إن قلنا بصحة الجماعة فيها، لعدم اندراجها في دليل النافلة بعد ظهورها في إرادة الأصلية منها لا ما كانت فرضا سابقا، و من هنا قال الحلي في سرائره بعد أن نقل عن بعض المتفقهة عدم جواز الجماعة فيها معللا له بأنها نافلة و لا يجوز الجمع فيها:

«و هذا قلة تأمل من قائله- إلى أن قال-: فأما تعلقه بأن النوافل لا يجوز الجمع فيها فتلك النافلة التي لم تكن على وجه من الوجوه و لا في وقت من الأوقات نافلة واجبة ما خلا صلاة الاستسقاء، و هذه الصلاة أصلها الوجوب، و إنما سقط عند عدم الشرائط و بقي جميع أفعالها على ما كانت عليه من قبل» إلى آخره، و مرجعه إلى ما ذكرنا من الشك في شمول النافلة لمثلها إن لم يكن الظاهر عدمه، و هو جيد، بل منه يظهر أنه لا ينبغي استثناء التجميع في صلاة اليومية استحبابا كالمعادة لإدراك جماعة و التبرعية عن الميت و نحوهما من حرمته في النافلة، إذ هي أولى بعدم الشمول و إن كان قد يظهر من بعضهم التوقف فيه حتى لو عرض الوجوب باستئجار و نذر و نحوهما، إلا أنه في غير محله كما مرت الإشارة إلى ذلك، و يأتي له زيادة بيان إن شاء اللَّه.

[في إدراك الجماعة بإدراك تكبيرة الركوع]

و كيف كان ف تدرك الصلاة جماعة و تحتسب له ركعة بإدراك تكبيرة الركوع و هو مأموم إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالنصوص(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 146

بل قضية إطلاق معاقد جملة منها إدراكها بمجرد إدراكه تاما أي قبل حصول مسماه من الامام سواء أدرك التكبير معه أولا، بل صرح

به في الذكرى، فقال: «إن أدرك الإمام قبل ركوعه احتسب بتلك الركعة إجماعا سواء أدرك تكبيرة الركوع أولا» لكن فيه أن ظاهر المخالف في المسألة الآتية و دليله اعتبارها في الإدراك، كما ستعرف

[في إدراك الجماعة بإدراك الإمام راكعا]

و كذا تدرك بإدراك الإمام راكعا على الأشبه الأشهر، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين كما اعترف به في الذكرى و الرياض، فنسباه فيهما إليهم، بل نسبه في السرائر إلى المرتضى و من عدا الشيخ من الأصحاب، بل في الغنية نفي الخلاف عنه مطلقا، بل الشيخ نفسه حكى عليه الإجماع في الخلاف مكررا للنصوص المعتبرة المستفيضة جدا إن لم تكن متواترة، بل في السرائر أنها كذلك، منها

الصحيح الذي رواه المشايخ الثلاثة(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا أدركت الامام و قد ركع فكبرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة»

و منها

الصحيح الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال:

«في الرجل إذا أدرك الامام و هو راكع فكبر الرجل و هو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة»

و منها

الصحيح (3)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا دخلت المسجد و الامام راكع فظننت أنك إن مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر و اركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فالحق بالصف».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي منها أيضا الواردة(4)في أمر الإمام بانتظاره في الركوع و تطويله كي يلحق المأمومون.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 147

فما في نهاية الشيخ و عن تهذيبه و استبصاره و المفيد و القاضي- من اشتراط الإدراك بإدراك تكبيرة الركوع، قال في الأول: «و إن لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة، فان لم يلحقها فقد فاتته» إلى آخره- ضعيف جدا، و إن كان يشهد له

صحيح ابن مسلم (1)عن الباقر (عليه السلام) قال: «قال لي: إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»

و صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الامام»

بل

و الثالث (3)أيضا «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الامام فقد أدركت الصلاة»

بل و

خبره الرابع (4)أيضا عن الصادق (عليه السلام) «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة»

بل و

حسن الحلبي أو صحيحه (5)الوارد في الجمعة عن الصادق (عليه السلام) «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ركعات»

متمما بعدم القول بالفصل بين جماعة الجمعة و غيرها قطعا، و إن احتمله في الذخيرة إلا أنه في غير محله.

لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما تقدم، لرجحانها أولا بالشهرة العظيمة فتوى، بل الإجماع كما سمعت، بل و رواية، خصوصا مع ملاحظة اتحاد الراوي في مقابلها عدا الأخير منها، و بموافقة الكتاب ثانيا، لصدق الامتثال بذلك، و بقوة الدلالة ثالثا بخلافها، لاحتمال الأخير إرادة الفراغ من الركعة، و الأولين و الرابع الكراهة في غير الجماعة الواجبة، بل و فيها على بعض الوجوه، و إرادة تمام الركوع من التكبير للتعبير به عنه كما في الذكرى، و لعل منه الصحيح الأول من أدلة الأول، و التخصيص للعموم


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 148

فيها و في الثالث بأخبار المختار، بل قد يقال بعدم عموم فيها، فلم يكن فيها دلالة حينئذ أصلا، إلى غير ذلك مما لا يخفى، هذا.

و ربما كان ظاهر الشيخ في نهايته أنه يكتفي في إدراك الركعة بمجرد سماع المأموم تكبيرة الركوع و إن لم يكن هو حال سماعها خارج الصلاة، فيكون نزاعه حينئذ مع المشهور باشتراط الإدراك حال ركوع الامام بسماع التكبيرة و عدمها، فالمشهور لا يشترطونه فيكتفون بمجرد الاجتماع معه في الركوع و إن لم يكن قد سمع، و هو يشترط الإدراك في هذا الحال بسماع المأموم تكبيرة الركوع، لا أن نزاعه في أصل الإدراك بإدراك الإمام راكعا، و كأنه هو الذي فهمه منه المولى في شرح المفاتيح، لكن على كل حال ضعفه ظاهر، بل لعله على هذا التقدير أضعف، لمعلومية عدم مدخلية التكبيرة المستحبة على الأصح في ذلك، إذ قد لا يقولها الامام، و إن كان قد يشهد له ظاهر بعض ما سمعته من الأخبار، و الأمر سهل بعد ظهور ضعفه على التقديرين، فلا نطيل الكلام بتحرير ذلك.

ثم إنه لا فرق على المختار في تحقق الإدراك بإدراك الركوع بين إدراك الذكر معه أولا، لإطلاق الأدلة السابقة، فما عن التذكرة- من اشتراط ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه، و لعله لتوقف صدق إدراك الركوع عليه، و مفهوم المروي عن

الاحتجاج (1)عن الحميري عن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) «انه إذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة»

- ضعيف جدا، ضرورة منع الأول و قصور الثاني عن تقييد الصحاح السابقة المعتضدة بإطلاق الفتاوى و معقد الإجماع، خصوصا مع احتمال إرادة الاعتداد بالنسبة للفضيلة منه، على أنك ستسمع ما وجدناه في التذكرة، فالمعتبر حينئذ إدراكه قبل رفع رأسه بأن يركع معه و هو راكع، و لا يكفي تحقق التكبير من المأموم، بل و لا الهوي قبل الوصول إلى حد


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.

ج 13، ص: 149

الراكع و قد رفع الإمام رأسه من الركوع، كما عساه يتوهم من صدر الصحيح الأول، للأصل، و ذيل ذلك الصحيح الكاشف عن المراد بما في صدره و الصحيح الآخر و غيرهما.

بل و لا يكفي وصول المأموم إلى ما أراده من حد الراكع فضلا عن الوصول إلى مسمى الركوع في حال أخذ الإمام في الرفع و إن لم يكن قد تجاوز حد الراكع، لصدق رفع الإمام رأسه قبل ركوع المأموم، لا أقل من الشك، لندرة الفرض، فيبقى أصالة عدم الجماعة من غير معارض، لكن في الرياض تبعا للذخيرة أن فيه وجهين، بل قد يظهر من بعض عبارات كشف الأستاذ الاكتفاء بذلك، بل هو صريح التذكرة قال فيها:

«إذا اجتمع مع الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم فإن اجتمعا في قدر الاجزاء من الركوع و هو أن يكون رفع و لم يجاوز حد الركوع الجائز و هو بلوغ يديه إلى ركبتيه فأدركه المأموم في ذلك و ذكر بقدر الواجب أجزأه، و إن أدرك دون ذلك لم يجزه» انتهى.

و لو شك في الإدراك و عدمه فلا جماعة أيضا، لمعارضة استصحاب بقائه راكعا باستصحاب عدم لحوق، و أصالة تأخر كل من رفع الإمام رأسه و ركوع المأموم عن الآخر مع أصالة عدم الاقتران، و لأن الشك في الشرط شك في المشروط، و دعوى ظهور الأدلة في مانعية رفع الإمام رأسه، فيكفي في تحققه أصالة عدمه لا شرطية الركوع واضحة المنع، كدعوى عدم صلاحية معارضة استصحاب عدم لحوق المعتضد باستصحاب عدم الجماعة و أحكامها لاستصحاب بقائه راكعا المحتاج في إثبات المطلوب به إلى واسطة أخرى خارجة عن مقتضاه هي وصول المأموم إليه في هذا الحال، نعم إنما يثمر استصحاب بقائه راكعا إلى حين الإدراك جواز دخول المأموم في الجماعة و نيتها ضرورة وضوح الفرق بين إثبات حصول الإدراك و تحققه به بعد العلم برفع الإمام رأسه و بين إثبات بقاء الامام على هذا الحال إلى أن يدركه، إذ الثاني كاستصحاب

ج 13، ص: 150

عدالة الامام و عقله و غيرهما من سائر شرائط الأفعال المستمرة المتأخرة التي لا يعلم المكلف حصولها في الآن الثاني، بل يكتفي في إحرازها حتى ينوي القربة باستصحاب بقائها في الزمان المتجدد.

على أنه قد يقال بأن منشأ جواز الدخول في العبادة فيه و في أمثاله مما لم يعلم حصول الشرائط في الزمان المتأخر بل قد لا يظن بل قد يظن العدم ظواهر الأدلة كالنصوص السابقة و السيرة و الطريقة و العسر و الحرج و غير ذلك، كما أنه قد يقال أو قيل باعتبار الاطمئنان في الإدراك الذي هو كالعلم في العادة، و إلا فالاستصحاب نفسه من دون حصول ذلك غير كاف أيضا، و ربما يؤيده الصحيح الأخير المشتمل على الأمر بالتكبير و الركوع قبل الوصول إلى الصف إذا ظن عدم الإدراك لو مشى اليه، لكنه كما ترى ضعيف جدا لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، و أضعف منه تأييده بالصحيح المزبور، بل هو عند التأمل لا دلالة فيه على شي ء مما نحن فيه أصلا، فالأقوى الاكتفاء حينئذ بالدخول في الجماعة باحتمال الإدراك، كما أن الأقوى عدم حصول الجماعة مع الشك في أنه أدرك أو لا، بل و مع الظن الذي لم تثبت حجيته شرعا.

[في تحقق الجماعة بإثنين و فضل الجماعة]

و أقل ما تنعقد الجماعة المندوبة باثنين، الإمام أحدهما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى و الرياض و المفاتيح، بل في التذكرة و عن كشف الالتباس الإجماع عليه، بل عن المنتهى عليه فقهاء الأمصار، فلا يشترط حينئذ في حصولها الزيادة على ذلك إجماعا كما عن نهاية الأحكام، و إن كان لفظ الجماعة حقيقة في الثلاثة فصاعدا عندنا، لكن المدار هنا على حصول الصلاة جماعة شرعية يترتب عليه ما ذكر لها من الأحكام لا صدق اسم الجماعة، و هو متحقق بمطلق الضم و الاجتماع المتحقق في ضمن الاثنين قطعا، لما عرفت، و ل

قول النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(1)الذي حكاه عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 151

مولانا الرضا (عليه السلام) «الاثنان فما فوقهما جماعة»

كقوله (صلى اللَّه عليه و آله) للجهني (1)على ما حكاه الباقر (عليه السلام) في الخبر «نعم»

جواب سؤاله عن أنه و امرأته جماعة، و

خبر الصيقل (2)سأل الصادق (عليه السلام) «كم أقل ما تكون الجماعة؟ قال: رجل و امرأة»

و صحيح محمد بن مسلم (3)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه»

و لغير ذلك، فللمتحد المصلي خلف غيره نية الائتمام، بل و نية الجماعة المشروعة المتحققة بذلك قطعا، فما في حواشي الشهيد عن الشيخ أنه إن كان المؤتم واحدا نوى الائتمام و الاقتداء، و إن كان اثنين مع

الامام جاز أن ينوي الجماعة بخلاف الواحد ضعيف قطعا، أو ينزل على ما لا ينافي المطلوب.

ثم لا فرق بين الذكور و الإناث في الحكم المزبور و لو مع التفريق فيما يصح منه كالخناثى، لإطلاق الأدلة و صراحة بعضها في بعض، بل في

خبر أبي البختري (4)عن جعفر (عليه السلام) انعقادها بالرجل و الصبي، قال (عليه السلام): «إن عليا (عليه السلام) قال: الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة»

و به صرح غير واحد، بل يشمله إطلاق الأدلة السابقة بناء على شرعية عبادة الصبي التي يشهد لها الخبر المزبور، إلا أن يدعى انعقادها بذلك حتى لو قيل بالتمرين كما صرح به في الذخيرة تبعا للمحكي عن الروض و مجمع البرهان، لإطلاق الأدلة و خصوص الخبر، و هو لا يخلو من وجه، و إن كان الأوجه بناء على التمرينية حمل خصوص الخبر المتقدم على إرادة حصول فضيلة الجماعة تفضلا لا انعقادها حقيقة، نحو ما ورد في خبر الجهني (5)


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

ج 13، ص: 152

و المرسل (1)عن الصدوق «من أن المؤمن وحده جماعة»

ضرورة عدم حصولها حقيقة بذلك، لمعلومية التنافي بينها و بين الانفراد، فلا بد من حملهما على إرادة حصول فضلها له لو طلبها و أرادها فلم تتيسر له، خصوصا لو أذن و أقام ثم صلى، بل هو مراد الصدوق قطعا في المحكي عنه من أن الواحد جماعة، لأنه إذا دخل المسجد و أذن و أقام صلى خلفه صفان من الملائكة، و متى أقام و لم يؤذن صلى خلفه صف واحد من الملائكة لا الجماعة بالمعنى المصطلح، فلو نوى حينئذ الائتمام لم تصح نيته قطعا، و في بطلان الصلاة إشكال كما عن نهاية الأحكام من بطلان النية لبطلان ما نواه و تعذره، و من بطلان الوصف، فيقع لاغيا و يبقى الباقي على حكمه، لكن يقوى في النظر الثاني إن لم يجعله من مقومات ما نواه متقربا به، و لو ائتم الصبي بمثله انعقدت جماعة بناء على شرعية عباداتهم و على اختصاص شرطية التكليف في الإمام بائتمام المكلفين لإطلاق

قوله (ص) «الاثنان فما فوقهما جماعة»

لكن في كشف الأستاذ أن البناء على التمرين المحض في خصوص الإمامة غير بعيد.

ثم إن المراد بأقلية الاثنين في النص و الفتوى من حيث العدد بمعنى أن لا مرتبة من العدد أقل منه تنعقد بها الجماعة، فلا ينافيه حينئذ تفاوت أفراد هذا الأقل في الفصل كما يومي اليه خبر الصيقل (2)المشتمل

على أن أقل ما يكون به الجماعة رجل و امرأة، ضرورة إرادة بيان اتصاف المرأة بالنقص عن الرجل منه، و عدم الترغيب في جماعة النساء، لكن قد يشكل بما في البيان من أن المرأتين بهذا الاعتبار أقل من الرجل و المرأة، و إن كان قد يدفع بأنه لا دليل عليه سوى مجرد اعتبار لا يصلح معارضا لما سمعت، فلعلهما حينئذ متساويان في نظر الشرع كما يومي اليه ما في كشف الأستاذ،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.

ج 13، ص: 153

حيث قال: أقل ما تنعقد به الجماعة امرأتان إحداهما الإمام، أو رجل و امرأة أو أزيد فضلا منه باعتبار التجانس أو غيره من الحكم الخفية، كما عساه يشهد له الاقتصار في الخبر المزبور على أقلية الأول، فالمتجه حينئذ الوقوف على خصوص المستفاد من الأدلة بالنسبة إلى قلة ذلك و كثرته في الثواب و السكوت عن غيره في سائر الصور المتصورة هنا بالنسبة للصبيين و الصبيتين، و الصبي و الصبية، و المرأة و الصبية، و الرجل و الصبي، و المرأة و الرجل، و المرأتين و الرجلين، و الرجل و الصبية، و غير ذلك، كصور الخنثى أيضا و نحوها.

نعم لا ريب في تصاعد فضلها بتصاعدها، روى الشهيد الثاني عن الشيخ أبي جعفر ابن أحمد القمي نزيل الري في كتاب الامام و المأموم بإسناده المتصل إلى

أبي سعيد الخدري (1)قال: «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): أتاني جبرائيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام و أهدى إليك هديتين قلت: و ما تلك الهديتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات، و الصلوات الخمس في جماعة، قلت: يا جبرائيل و ما لأمتي في الجماعة؟ قال: يا محمد إذا كان اثنين كتب اللَّه لكل واحد بكل ركعة مائة و خمسين صلاة، و إذا كانوا ثلاثة كتب اللَّه لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة، و إذا كانوا أربعة كتب اللَّه لكل واحد بكل ركعة ألفا و مائتي صلاة، و إذا كانوا خمسة كتب اللَّه لكل واحد بكل ركعة ألفين و أربعمائة صلاة، و إذا كانوا ستة كتب اللَّه لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف و ثمانمائة صلاة، و إذا كانوا سبعة كتب اللَّه لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف و ستمائة صلاة، و إذا كانوا ثمانية كتب اللَّه لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألف و مائتي صلاة، و إذا كانوا تسعة كتب اللَّه لكل واحد منهم بكل ركعة ستة و ثلاثين ألفا و أربعمائة صلاة و إذا كانوا عشرة كتب اللَّه لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا و ألفين و ثمانمائة


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 154

صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت بحار السماوات و الأرض كلها مدادا و الأشجار أقلاما و الثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة، يا محمد تكبيرة

يدركها المؤمن مع الامام خير من ستين ألف حجة و عمرة، و خير من الدنيا و ما فيها سبعين ألف مرة، و ركعة يصليها المؤمن مع الامام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين، و سجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة»

و لا استبعاد في شي ء مما ذكر فيه على لطف اللَّه و رأفته و فضله و حكمته خصوصا بعد أن كان ذلك هديته منه إلى حبيبه محمد (صلى اللَّه عليه و آله) فلا غرو إن عظمت، إذ الهدايا على مقدار مهديها، لكن من المعلوم أن ذلك كله للجماعة الصحيحة لا مطلقا، فينبغي المحافظة فيها حينئذ على جميع ما يعتبر فيها.

[في حكم الحائل و فروعه]

و منه أنها لا تصح مع حائل بين الامام و المأموم غير الصفوف يمنع المشاهدة لمن يعتبر في الصحة مشاهدته في سائر الأحوال كالقيام و القعود و نحوهما جدارا كان أو غيره بلا خلاف أجده، بل الظاهر أنه إجماعي كما في الذخيرة، بل هو كذلك في صريح الخلاف و المنتهى و المدارك و عن إرشاد الجعفرية و المصابيح و ظاهر الذكرى و عن المعتبر و الغرية حيث نسب فيها إلى علمائنا، لأنه خلاف المعهود من الجماعة التي يمكن دعوى وجوب الاحتياط فيها باعتبار توقيفيتها، و عدم وضوح استفادة حكمها من الإطلاقات الغير المساقة لبيان كيفيتها، و ل

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «إن صلى قوم و بينهم و بين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام، و أي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام و بينهم و بين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة، و إن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 62- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و ذيله في الباب- 59- منها- الحديث 1.

ج 13، ص: 155

كان بحيال الباب، قال: و هذه المقاصير لم يكن في زمن أحد من الناس و إنما أحدثها الجبارون، و ليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة»

قال (1): و قال أبو جعفر (عليه السلام): «ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى، يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد».

فما في

خبر ابن الجهم (2)«سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يصلي بالقوم في مكان ضيق و يكون بينهم و بينه ستر أ يجوز أن يصلي بهم؟ قال: نعم»

يجب حمله على غير مانع المشاهدة أو التقية أو غير ذلك، على أن الموجود فيما حضرني من

نسخة الوافي بالشين المعجمة و الباء الموحدة، نعم حكى هو في بيانه عن بعض النسخ السين المهملة و التاء المثناة من فوق و احتمل تصحيفه.

أما إذا كان الحائل قصيرا لا يمنع المشاهدة فلا خلاف بل و لا إشكال في عدم قادحيته، نعم قد يتوقف فيما لو منعها حال الجلوس مثلا دون القيام لقصره كما عن المصابيح، لصدق السترة و الجدار، و توقيفية الجماعة، مع أن الذي صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و ولده و أبو العباس و المقداد و الخراساني و عن غيرهم عدم قدحه أيضا، بل لا أجد فيه خلافا و لا إشكالا ممن عدا من عرفت بينهم، و لعله كذلك، لعدم الشك في شمول إطلاق الجماعة له، و عدم إرادة ما يشمله من السترة و الجدار، بل قد يقوى في النظر عدم قدحه لو كان شباكا مانعا للاستطراق دون المشاهدة، وفاقا للسرائر و الذكرى و الدروس و البيان و الموجز و المسالك، بل هو المشهور كما في الذخيرة و الكفاية و الرياض، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في الخلاف فلم يجوزه، و السيد في الغنية حيث قال فيها: «و لا يجوز أن يكون بين الامام و المأمومين و لا بين الصفين


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 156

ما لا يتخطى مثله من مسافة أو بناء أو نهر بدليل الإجماع الماضي ذكره» و الحلبي في إشارة السبق يشترط أن لا يكون بين المؤتمين و بين إمامها حائل من بناء أو ما في حكمه كنهر لا يمكن قطعه أو غيره، و لعلها لا صراحة فيها بالخلاف فيما نحن فيه بل و لا ظهور، فينحصر حينئذ بالشيخ، و إن حكي عن معتبر المصنف أنه حكاه عن المصباح، بل في الذكرى «أنه يظهر من المبسوط و التقي عدم الجواز مع حيلولة الشباك مع اعترافه بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة، و لا فرق بينهما» انتهى، لكن في الذخيرة موافقة المبسوط للمشهور، و في مفتاح الكرامة عن المبسوط ما نصه «الحائط و ما يجري مجراه مما يمنع مشاهدة الصفوف يمنع من صحة الصلاة و الاقتداء بالإمام، و كذلك الشبابيك و المقاصير تمنع من الاقتداء بإمام الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا يمنع من مشاهدة الصفوف» و هي كما ترى مضطربة و إن كان الظاهر منها ما حكاه في الذكرى بناء على استئناف و أو المقاصير.

و كيف كان فلا حجة له سوى الإجماع المدعى في الخلاف على الظاهر و الغنية كذلك الذي لم يثبت و فاق أحد من العلماء لهما فيه، بل صريح من تأخر عنهما خلافه، و دعوى صراحة الصحيح السابق فيه التي هي ممكنة المنع إن كان المراد بموضع الدلالة منه قوله فيه «ما لا يتخطى» إذ الظاهر إرادة المسافة منه كما يومي اليه لفظ القدر، بل ذيله كالصريح في ذلك، اللهم إلا أن يدعى عموم لفظ «ما» فيه لهما كما يومي اليه عبارة الغنية السابقة مؤيدا بتفريع السترة و الجدار عليه في الصحيح، إذ الموجود في كثير من النسخ الفاء و إن كان فيما حضرني من نسخة الوافي الواو، بل و كذا إن كان المراد ما فيه من منع الاقتداء بمن في المقاصير، إذ لعلها لم تكن مخرمة، فان المقاصير جمع المقصورة، و هي كما في المجمع الدار الواسعة المحصنة أو أصغر من الدار كالقصارة بالضم، فلا يدخلها إلا صاحبها، و في الوافي المقاصير جمع المقصورة، و مقصورة المسجد مقام الإمام أي ما يحجر لا يدخل فيه غيره، و ليس فيها إطلاق يتمسك به فضلا عن الصراحة، ضرورة إرادة

ج 13، ص: 157

المقاصير المخصوصة، لكن و مع ذلك كله فالإنصاف بناء المسألة على اعتبار ما شك في اعتباره في الجماعة و عدمه، و لو لإطلاق الأدلة، كقوله تعالى (1)«ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» و غيره، ضرورة كون ما نحن فيه منه، إذ لو سلم أن الصحيح لا دلالة فيه على المنع منه إلا أن ذلك بمجرده لا يصلح مقتضيا للجواز، و كأنه هو منشأ القائلين بالصحة معه، أو البناء على الثاني كما هو المفهوم من استدلال جملة من الأصحاب حتى الشيخ بل ظاهر إرسالهم له إرسال المسلمات أنه لا كلام فيه، بل قد يظهر من بعض عبارات الشيخ الإجماع عليه.

إلا أن الأول لا يخلو من قوة، إذ ليس في شي ء من الأدلة ما سيق لبيان حصول الجماعة بما يشمل الفرض، بل هي بين مساق لبيان فضلها و بين مساق لبيان انعقادها من غير هذه الجهة، و غير ذلك حتى الآية منها التي خوطب فيها بنو إسرائيل بإقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الركوع مع المسلمين الراكعين لو سلم إرادة

الجماعة منها، و إلا فمن المحتمل إرادة الخضوع و الخشوع من الركوع فيها، أو الصلاة على معنى دخولهم معهم و صيرورتهم مثلهم في أداء الصلاة معبرا بالركوع عنها، لأنه أول أركانها المميزة لها عن غيرها، و كررها اهتماما بشأنها، و إظهارا لإرادة ذات الركوع من الصلاة التي أمروا بإقامتها لا صلاة اليهود الخالية عن ذلك كما قيل، أو لأن المراد منها صلاة الجمعة الواجب فيها الاجتماع كما هو مقتضى حقيقة الأمر بالركوع معهم، أو مطلق الجماعة، و على كل حال فلم تسق لبيان حصول الجماعة و انعقاد الصلاة بمجرد صدق اسم الركوع معهم.

على أنه قد يمنع تحقق المعية مع الحائل و لو شباكا، فدعوى حصول الجماعة و ثبوت أحكامها المخالفة للأصل من سقوط القراءة و وجوب المتابعة و نحوهما بمثل ذلك كما ترى، و من هنا كان الاحتياط حينئذ بما ذكره الشيخ لا ينبغي تركه، بل تردد فيه


1- 1 سورة البقرة- الآية 40.

ج 13، ص: 158

في الكفاية، و أولى منه الحائل الذي يتحقق معه المشاهدة حال الركوع خاصة لثقب في وسطه مثلا، أو حال القيام لثقب في أعلاه، أو في حال الهوي إلى السجود لثقب في أسفله.

و ليست الظلمة من الحائل قطعا، بل و لا الطريق و لا النهر وفاقا للأكثر كما في المنتهى، بل المشهور كما في الذخيرة، لمنع الشك في شمول الأدلة لمثله، و استصحاب الصحة قبل اعتراض الطريق و النهر، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح في الأخير، و استجوده في المدارك إن أرادا ما لا يتخطى منه، و قد سمعت ما في الغنية و الإشارة، و لأبي حنيفة فيه و في سابقه قياسا على الجسم الحائل، و هو على بطلانه مع الفارق، لكن من المعلوم أن مرادنا عدم القدح من حيث النهرية و الطريقية، و إلا فمع فرض تحقق المنع من جهة أخرى كعدم التخطي إن قلنا باعتباره أو حصول التباعد السالب لاسم الجماعة أو غير ذلك لا إشكال في القدح، و ظني أن ذلك مبنى الحلبي و أبي المكارم لما ستعرف أن مبناهما في المسألة الآتية تجديد البعد المانع من انعقاد الجماعة بما لا يتخطى فما سمعته من المدارك لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا.

و كذا لا يندرج في الحائل الزجاج و نحوه مما يشاهد من خلفه كما في كشف الأستاذ، لاعتبار المنع عن المشاهدة في الحائل في ظاهر النص و صريح الفتوى، و فيه منع كون مثله مشاهدة، بل أقصاه ارتسام صورة الشي ء فيه، و هو غير المشاهدة حقيقة اللهم إلا أن يمنع و يدعى خرق البصر له أو تقوية به، فيشاهد من خلفه حقيقة.

نعم يندرج في الحائل الشخص، فلو فرض حيلولة إنسان بين الامام و المأموم يمنع المشاهدة بطلت الصلاة إلا أن يكون هو مأموما، إذ مشاهدته حينئذ كافية، لأنه مشاهد الامام، و إلا لبطلت صلاة الصف الثاني المحجوب بالصف الأول، و هو واضح الفساد.

ج 13، ص: 159

و لو فرض فساد صلاة الحائل اتجه الفساد حينئذ، لأنه كالأجنبي كما صرح به في المسالك مقيدا له بعلمه بفساد صلاته، قال فيها: «و لا يقدح حيلولة بعض المأمومين إمامهم عن بعض مع مشاهدة المانع للإمام، أو مشاهدة من يشاهده من المأمومين و إن تعددت الوسائط، و يشترط عدم علم الممنوع من المشاهدة بفساد صلاة الحائل، و إلا بطلت صلاته أيضا، لأن المأموم حينئذ كالأجنبي» انتهى. لكن قد يناقش بظهور دليل الحائل في الفساد و لو مع عدم العلم حال الصلاة، و لعله يريده بحمل النفي في كلامه على نفي عدم العلم أصلا المتحقق بالعلم بعد الصلاة، اللهم إلا أن يدعى خروج خصوص هذا الحائل.

و لو تجدد الحائل في أثناء الصلاة ففي الصحة و عدمها وجهان، كما لو تجدد رفعه بعد فرض دخول المصلي بوجه صحيح كعمى أو عدم علم و نحوهما، لكن يظهر من المنتهى بطلان الائتمام في الأول، و هو قوي جيد، كقوته في الثاني أيضا، ضرورة عدم الجدوى بتجدد رفعه، نعم له نية الانفراد على الظاهر.

و لو كان الحائل بين الامام و بعض المأمومين أو بين بعض الصف اللاحق و الصف السابق إلا أن من هو خلف الحائل منهم متصل بفاقده و لو بوسائط كما هو الغالب في مساجد زماننا هذا فلا بأس به في ظاهر جملة من الأصحاب بل صريحهم، فاكتفوا في الصحة بمشاهدة الإمام أو مشاهدة مشاهده و لو بوسائط و لو بطرف العين، كمشاهدة الجانبين، صرحوا بذلك هنا و فيما يأتي فيما لو صلى الإمام في محراب داخل، قال في موضع من المنتهى: «لو لم يشاهد الامام و شاهد المأموم صحت صلاته، و إلا لبطلت صلاة الصف الثاني، و لا نعرف فيه خلافا» و قال في آخر منه نحو ما في التذكرة و المسالك و المدارك و عن غيرها لو وقف المأموم خارج المسجد حذاء الباب و هو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحت صلاته، و لو صلى قوم على يمينه أو شماله أو ورائه صحت

ج 13، ص: 160

صلاتهم، لأنهم يرون من يرى الامام، و لو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو يسارها لا يشاهدون من في المسجد لم تصح صلاتهم» ثم قال فيه:

«و لو لم يكن المأمومون في قبلته بل على جانبه فان اتصلت الصفوف به صحت صلاته، و إلا فلا، ذكره الشيخ في المبسوط- إلى أن قال أيضا-: التاسع لا بأس بالوقوف بين الأساطين» و قيده في التذكرة بما إذا اتصلت الصفوف به أو شاهد الإمام أو بعض المأمومين، إلى آخره إلى غير ذلك من عباراتهم الصريحة فيما ذكرنا، بل نسبه في الذخيرة إلى الشيخ و من تبعه، بل في الكفاية أني لم أجد من حكم بخلافه، كما أنه في الرياض بعد نسبته إلى الأشهر اعترف بأنه لا يكاد يعرف فيه خلاف إلا من بعض من تأخر، و نسبه في مفتاح الكرامة إلى فوائد الشرائع و الجعفرية و الميسية و الغرية و إرشاد الجعفرية و غيرها، قال: ذكروا ذلك في مسألة المحراب الداخل، لكن قال في الذخيرة:

حكم المصلي خارج المسجد محاذيا للباب ناسبا له إلى جماعة من الأصحاب تارة و إلى الشيخ و من تبعه أخرى متجه إن ثبت الإجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين يكفي مطلقا، و إلا كان في الحكم المذكور إشكال، نظرا إلى

قوله (عليه السلام): «إلا من كان بحيال الباب»

فان ظاهره قصر الصحة على ذلك، و جعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب و يساره، و فيه عدول عن الظاهر انتهى، و استحسنه في الرياض هنا، بل ربما مال اليه.

و اعترضه في الحدائق- بعد أن جعل منشأ اشتباهه تخصيص المشاهدة المعتبرة في الصحة بالإمام دون اليمين و الشمال، و لذا صحت خصوص صلاة المحاذي للباب- بأن اللازم عليه بطلان صلاة طرفي الصف الأول المستطيل بحيث لا يرى المأموم إماما(1)


1- 1 و في النسخة الأصلية« لا يرى الإمام إماما».

ج 13، ص: 161

بل و الصف الثاني الزائد على الصف الأول بحيث لا يشاهدون الأول في جهة الإمام، بل و بطلان صلاة من وقف بين الأساطين إذا كان لا يشاهد المأمومين إلا من الجانبين أو أحدهما دون جهة الإمام، مع أن صحيح الحلبي (1)دل على أنه لا بأس بالصلاة بين الأساطين، إلى أن قال:

و بالجملة فما ذكره من الأوهام البعيدة و التشكيكات الغير السديدة.

قلت: لا ريب في ظهور الصحيح المزبور بقصر الصحة على خصوص من كان بحيال الباب من الصف و حصرها، و دعوى إرادة الإضافي من ذلك بالنسبة إلى الصف السابق على هذا الصف كما في المدارك تهجم من غير شاهد و لا مقتض، كدعوى إرادة الصف الذي بحيال الباب لانصباب الصحيح جميعه على ذلك كما في الحدائق، ضرورة كون بعض الصف حيال الباب، بل الواحد منه في الحقيقة، فوصف جميعه بذلك باعتبار هذا البعض لا شاهد له أيضا و لا مقتض، بل لفظ «من» فيه بعد ذكر الصف كالصريح بخلافه، لظهور إرادة من كان بحيال الباب من الصف، كما هو واضح و دعوى استلزام ذلك بطلان صلاة طرفي الصف الأول كما سمعت يدفعها منع كون منشأ البطلان فيما ذكرنا عدم تحقق المشاهدة الإمامية كي يستلزم ذلك، بل هو وجود الحائل و الحاجز المفقود في الصف الأول، إذ ليس في شي ء من الأدلة اشتراط المشاهدة للإمام أو لمشاهدة و لو بوسائط حتى يكون المسألتان من واد واحد، بل قصارى ما يستفاد من الصحيح بطلان الصلاة مع تحقق السترة أو الجدار، و هذا مفقود بالنسبة إلى الصف الأول أو الثاني بالغا ما بلغ في الطول، فاتضح الفرق بين المسألتين.

و أما بطلان صلاة الواقف بين الأساطين فمع فرض صيرورتها حائلا بين الامام و المأموم أو بين الصفين و لو بالنسبة إلى البعض فلا استنكار فيه، بل هو من المسألة حتى لو كان متصلا بمشاهد، المشاهد لصدق السترة و الجدار، و تصريح بعض الأصحاب بأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 162

لا بأس به بين الأساطين بل نسب إلى الجم الغفير من القدماء و المتأخرين لا حجة فيه، أو ينزل على إرادة البينية التي لا تكون بها حائلة بأن يكون المصلي متوسطا بينها، أي بعضها على يمينه و آخر على شماله لا أمامه و خلفه بحيث تكون حائلة، أو على عدم حيلولة الأسطوانة كما يومي اليه عبارة البيان «و لا يعد الطريق و الأساطين و الماء حائلا» و في المجمع الأسطوانة بضم الهمزة و الطاء السارية، كصحيح الحلبي و غيره مما نفى فيه البأس عن الصلاة بينها، و إلا كان معارضا بصحيح الحائل، و بينهما عموم من وجه، أو يدعى خروج نحو الأساطين و قوائم المسجد و نحوها بإجماع أو غيره، إلا أن دون إثباته خرط القتاد، كما أن دون إثبات اتفاق الأصحاب على خلاف ما استظهرناه من صحيح الحائل ذلك أيضا، و إن ادعي.

بل قد يدعى موافقة جملة من عبارات الأصحاب له، منها ما في القواعد «و لو صلى الإمام في محراب داخل صحت صلاة من يشاهده من الصف الأول خاصة و صلاة الصفوف الباقية أجمع، لأنهم يشاهدون من يشاهده» و منها عبارة الكتاب فيما يأتي، و منها عبارة الموجز «و لو كان في محراب صحيح صح مشاهدة في الأول و بواقي الصفوف و بطل الجناحان» و منها عبارة الدروس «و لو صلى الإمام في محراب داخل بطلت صلاة الجناحين من الصف الأول خاصة» و نحوها البيان أيضا، بل منها ما في التذكرة أيضا المصرح فيها بما سمعته سابقا من المنتهى «لو وقف الإمام في المحراب الداخل في الحائط فإن صلاة من خلفه صحيحة، لأنهم يشاهدونه، و كذا باقي الصفوف التي من وراء الصف الأول، أما من على يمين الامام و يساره فان حال بينهم و بين الإمام حائل لم تصح صلاتهم و إلا صحت» اللهم إلا أن يريد بقرينة تصريحه السابق الجناحين المنفصلين المتقدمين على الصف الأول المتصل، كما أن ذلك محتمل الدروس و البيان أيضا خصوصا بعد ذكرهما قبيل ذلك الاكتفاء بالمشاهدة و لو بوسائط، بل و الموجز أيضا، بل لعل وصف المحراب

ج 13، ص: 163

بالصحيح فيه مشعر بذلك، إذ الظاهر منه إرادة ما ذكره جماعة من المتأخرين في تفسير المحراب الداخل الواقع في عبارات الأصحاب، قال بعضهم: المراد الداخل في المسجد لا الحائط على معنى أنه يكون له جدران مستقلة في المسجد حتى يتم ما ذكروه من الحكم بصلاة من إلى جانبيه، ضرورة حصول الحائل حينئذ، بخلاف الداخل في الحائط، فإنه لا جانب له يقف فيه المأموم بحيث لا يشاهد الامام، بل الغالب اتصال الصف خلفه، فيشاهده مقابله حينئذ، و تتم صلاة الباقي الذين عن يمينه و شماله لمشاهدتهم مشاهده فلا وجه للبطلان المذكور في كلامهم، اللهم إلا أن يفرض محراب داخل في الحائط يكون كالمحراب الأول.

لكنك خبير أن ذلك منه بناء على صحة صلاة من على جانبي المقابل للإمام في الصف الأول، لمشاهدتهم له بطرف عيونهم، و من هنا التجأوا إلى تفسير العبارات بما سمعت، بل هذا منه شهادة على ظهورها فيما ذكرنا، نعم هي ظاهرة في صحة صلاة جميع الصف الثاني المقابل للمشاهد و غيره، لعدم صدق الحائل بين الصفين، و إن كانت صحة الصلاة منحصرة في المقابل من الصف الأول، و الباقي بمنزلة العدم، إذ المراد بالصف الواحد فما زاد، فيكون حينئذ حاله كحال الإمام بالنسبة إلى الصف الأول و إن طال، فإنه يكفي تقدم الامام عليه و عدم الحيلولة بينهما، فكذا الصف الثاني بالنسبة إلى ما تقدم، لا أن منشأ الصحة فيه مشاهدة كل منهم الآخر بطرف عينه حتى ينتهي إلى المقابل كي يرد أن ذلك حاصل في الصف الأول الذي هو خلف الجدار حتى ينتهي إلى الذي هو بحذاء الباب، و لعله لبعض ما ذكرناه بالغ الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح على ما حكي عنه في الإنكار على المنتهى و المدارك و من تبعهما في تفسير الصحيح بما سمعته أولا، و حكمهم بصحة صلاة تمام الصف الخارج عن المسجد إذا كان بعضه محاذيا للباب، لتحقق المشاهدة بالمعنى المتقدم حتى ادعى أنهم خالفوا بذلك النص

ج 13، ص: 164

و فتاوى الأصحاب، مستشهدا عليه بعباراتهم التي سمعتها في المحراب، و هو و إن كان ما فيه من دعوى صراحة تلك العبارات بذلك محلا للنظر أو المنع، لكنه جيد بالنسبة إلى أصل الحكم، ضرورة أن هذه المشاهدة التي اعتبروها و اكتفوا منها بما سمعت مما لا نعرف لها مأخذا معتدا به، و بعد التسليم فلم ينقحوا سائر ما يتصور عليها من الفروع كالاكتفاء بمجرد حصولها و لو بطرف العين من بعد، أو لا بد من الاتصال بمن تلحظه بطرفك بمعنى أنه لو فرض وقوف الامام خلف حائل لا يحصل بسببه البعد عن الجماعة و لكنه لم يكن متصلا بالمشاهد بالوسائط إلا أنه يلحظ بعينه بعض أطراف الجماعة المتباعدة، و لا غير ذلك من الفروع، و إن كان الظاهر من مطاوي كلماتهم الاكتفاء بنحو ذلك، إلا أنه حيث كانت الجماعة من العبادات التوقيفية و الذمة مشغولة بيقين وجب عدم ترك الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة فيه و في سابقه مما عرفت، و إن كان المتعارف في عصرنا هذا عدم تجنب شي ء من قوائم المساجد و نحوها، بل قد يعد فعله من المنكرات، بل في الذكرى «الإجماع عملا في جميع الأعصار على الصلاة جماعة بالاستدارة على الكعبة» إلى آخره، و هو مما يرشد إلى أصل المسألة من الاكتفاء بالمشاهدة المزبورة، و عدم قدح الحائل مع الاتصال بمشاهد المشاهد، و اللَّه أعلم.

ثم إن ذلك كله لو كان المأموم رجلا، بل و امرأة بامرأة لأصالة الاشتراك، بل و إطلاق معاقد الإجماعات بل و النص في وجه و إن كان ضعيفا، بل ظاهر المحكي عن الغرية الإجماع عليه بالخصوص، بل و على المأموم الخنثى، و هو كذلك، لإطلاق الأدلة، و عدم معلومية اندراجها في الامرأة، و إلزاما لها بالمتيقن في البراءة من الشغل و لذا لو كانت إماما لامرأة لم يغتفر الحائل، لعدم معلومية كونها ذكرا، كما عن الميسية التصريح به.

نعم لو أيتمت المرأة بالرجل اغتفر الحائل كما ذكره المصنف مستثنيا له من الحكم

ج 13، ص: 165

بعدم الصحة مع السابق، فقال كغيره من الأصحاب إلا أن يكون المأموم امرأة فيصح و لو مع الحائل من جدار و غيره، بل لا أجد فيه خلافا بينهم كما اعترف به بعضهم إلا من الحلي فجعلها كالرجل في الفساد بعد اعترافه بورود رخصة لها في ذلك، و لا ريب في ضعفه، للمرسل الذي حكاه بعد انجباره بعمل الأصحاب عداه، و

الموثق (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يصلي بالقوم و خلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إن كان الإمام أسفل منهن، قلت: فان بينهن و بينه حائطا أو طريقا قال: لا بأس»

بل و الأصل في وجه، و إطلاقات الجماعة بناء على تنقيح شمولها لمثل ذلك السالمة عن معارضة نص الفساد بعد ظهوره في غير الامرأة، فتبقى خيرة الحلي حينئذ لا مستند لها، كما أنه يتعين القول بخلافها و هو الجواز، لكن عن جماعة كثيرين تقييده بما إذا علمت أحوال الإمام في انتقالاته و حركاته، و لعله مستغنى عنه، كما هو واضح.

[في اعتبار عدم علو الإمام من المأمومين]

و كذا لا تنعقد الصلاة و الامام أعلى من المأمومين بما يعتد به كالأبنية علوا دفعيا لا انحداريا على الأشهر، بل المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن المهذب و المقتصر نفي الخلاف فيه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، للأصل في وجه، و

موثق عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الرجل يصلي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه؟ فقال: إن كان الامام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم و إن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل، فان كان أرضا


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 166

مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس، قال: و سئل الإمام (عليه السلام) فان قام الإمام أسفل من موضع من يصلي خلفه، قال: لا بأس، و قال: إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره و كان الامام يصلي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشي ء كثير».

و ما في المدارك- من أن هذه الرواية ضعيفة السند، متهافتة المتن، قاصرة الدلالة، فلا يسوغ التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل- يدفعه- مع أنها من الموثق الذي هو حجة عندنا في نفسه، مضافا إلى الإجماع عن الشيخ في العدة على العمل بروايات عمار- انجبارها بما عرفت، و بذكرها في الكافي و الفقيه، و اعتضادها بمفهوم

موثقته الأخرى (1)سئل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يصلي بالقوم و خلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إن كان الإمام أسفل منهن»

و بالمرسل العامي (2)على الظاهر «إن عمارا تقدم للصلاة على دكان و الناس أسفل منه فقدم حذيفة (رضي اللَّه عنه) فأخذ بيده حتى أنزله، فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة:

أ لم تسمع رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟ قال عمار: فلذلك تبعتك حين أخذت بيدي»

و المرسل الآخر(3)«إن حذيفة أم على دكان بالمدائن فأخذ عبد اللَّه بن مسعود بقميصه فجذبه، فلما فرغ من صلاته قال: أ لم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى ذكرت حين جذبتني»

بل و ب

خبر محمد بن عبد اللَّه (4)أو معتبرة على بعض الوجوه، سأل الرضا (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 109.
3- 3 سنن البيهقي ج 3 ص 108 و فيها« أبو مسعود» بدل« ابن مسعود».
4- 4 الوسائل- الباب- 63- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 167

«عن الامام يصلي في موضع و الذين خلفه يصلون في موضع أسفل منه، أو يصلي في موضع أرفع منه، فقال: يكون مكانهم مستويا»

بناء على إرادة مطلق الرجحان من الجملة الخبرية فيه، فلا ينافي الندب حينئذ في غير صورة الفرض، فتأمل.

و تهافت المتن في غير روايات عمار غير قادح فضلا عنه الذي لا زالت رواياته المعمول بها بين الأصحاب كذلك، على أن موضع الحاجة من روايته هنا سالم عن التهافت، إذ ليس هو إلا في

قوله: «و إن كان أرفع»

إلى آخره، فإنه

عن الفقيه روايته «إذا كان الارتفاع يقطع سبيلا»

و عن بعض نسخ التهذيب «ببطن مسيل»

و عن أخرى «بقطع مسيل»

و عن ثالثة «بقدر يسير»

و رابعة «بقدر شبر»

و أوضحها الأخيرتان، بل الأخيرة المؤيدة بوضوح اللفظ و المعنى، و برواية التذكرة و الذكرى لها كذلك و إن اختلفاهما أيضا في كيفية الرواية، ففي الأولى ما سمعته من متن الخبر سوى

قوله: «بقدر شبر»

و في الثاني «و لو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر، فان كان»

إلى آخره، ثم قال بعد أن روى ذلك: إنها تدل بالمفهوم على منع الزائد على الشبر، و أما هو فيبني على دخول الغاية في المغيا و عدمه، و كأنه فهم أن جواب الشرط فيه لا بأس، و إلا فهو فيه غير مذكور، و سياقه يقتضي أن يكون لا بأس، و احتمال أن الجواب

قوله: «فان كان أرضا مبسوطة»

كما هو الظاهر على رواية الذكرى له- مع أنه مغن عن

قوله فيه: «و كان في موضع منها ارتفاع»

- يدفعه أنه يقتضي تخصيص العفو عن المقدار المزبور بالعلو الانحداري.

مع أن الظاهر اغتفار العلو اليسير في الدفعي كما صرح به غير واحد من الأصحاب بل كأنه لا خلاف فيه، بل في التذكرة و عن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه و إن اختلف في تقديره بشبر كما عن جماعة للرواية على إحدى النسخ، أو بما لا يتخطى كما في التذكرة و الدروس و الموجز و المدارك، و قربه في البيان، كما عن جماعة الميل اليه لحسن زرارة

ج 13، ص: 168

المتقدم (1)و كونه كالبعد، و اضطراب خبر الشبر لاختلاف نسخه الموجب للاعراض عنه إذا لم يترجح أحدها لا التخيير بينها بناء على عدم كونها كاختلاف الأخبار و إن كان هو محتملا، و عدم تقديره بشي ء منهما بل يوكل إلى العرف كما في السرائر و الذكرى و المسالك و عن غيرها، بل نسبه في الحدائق إلى الأكثر، و لعله يرجع اليه ما في الكتاب و القواعد من الاقتصار على المعتد به، و كأنه لا يخلو من قوة، كما أنه يمكن رجوع التحديد بما لا يتخطى إليه أيضا على أن يكون تقديرا للعرف كما أومأ إليه الشهيدان و سبط الثاني منهما، بل يمكن دعوى تحقق العلو المعتد به عرفا بالشبر، و يدفعه أيضا أنه يقتضي تخصيص العفو في العلو الانحداري بما إذا كان بالمقدار المزبور، مع أن المعروف من الفتاوى تخصيص العفو بذلك في الدفعي، و إلا فالانحداري معفو عنه مطلقا كما هو قضية معقد نفي الخلاف تارة، و الإجماع أخرى، بل عن المهذب و إرشاد الجعفرية التنصيص على أنه يغتفر في الانحداري و إن كان علوه بالمعتد به، نعم قيده المحقق الثاني و الشهيد الثاني على ما حكي عن أولهما بما إذا لم يحصل البعد المفرط، و كأنه قوي، لإطلاق دليل المنع في العلو من غير معارض، إذ ليس هو إلا هذا الموثق، و لا إطلاق فيه بحيث يشمل ذلك،

بل قد يدعى ظهوره في اغتفار خصوص الانحداري الذي يتراءى بحسب النظر مبسوطا ككثير من الأراضي لا ما يكون علوه ظاهرا و إن كان بالتدريج كبعض الجبال و نحوها فتأمل.

و أما احتمال جعل الشرط في الموثق وصليا حتى على نسخة «بقطع مسيل» على أن يكون المراد كون الارتفاع على سبيل القطع و الابانة و الامتياز أي يكون قطعة خاصة


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 62- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و ذيله في الباب 59 منها- الحديث 1.

ج 13، ص: 169

مرتفعة عن قطعة أخرى بعنوان الإبانة و الامتياز لا علوا انحداريا الذي لا ظهور فيه و لا امتياز، أو يراد إذا كان الارتفاع يقطع سبيلا أو مسيلا باعتبار علوه الدفعي دون الانحداري، لكن على هذا يجب نصب السبيل أو المسيل، ففيه مع ركاكته خصوصا الأخير أنه يقتضي عدم العفو عن العلو اليسير الذي قد عرفت الإجماع على العفو عنه، و إن كان قد يظهر من بعض علمائنا المتأخرين احتماله، لخبر محمد بن عبد اللَّه (1)المتقدم سابقا، إلا أنه لا يخفى عليك قصوره عن معارضة ما يقتضي العفو من وجوه.

و كيف كان فتهافت الرواية بالنسبة إلى ذلك- مع إمكان علاجه و لو بتكلف، بل لا تكلف فيه بناء على

رواية التنقيح له «و لو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر أو كان أرضا مبسوطة أو في

موضع فيه ارتفاع و كان الإمام في المرتفع إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس»

إذ يكون حينئذ قوله: «لا بأس» جوابا عن الجميع- لا يقدح في حجيتها بالنسبة إلى غيره مما نحن فيه من عدم اغتفار علو الامام، خصوصا بعد انجبارها و اعتضادها بما سمعت.

فما في موضع من الخلاف- من كراهية ذلك مستدلا بإجماع الفرقة و أخبارهم، كظاهره في موضع آخر منه حيث عبر عنه بلا ينبغي مع احتمال إرادته الحرمة فيهما بقرينة استدلاله عليه بالإجماع و موثق عمار السابق- ضعيف جدا و إن مال إليه في المدارك و المفاتيح و عن صاحب المعالم و تلميذه في الاثنى عشرية و شرحها، و لم يجزم به المصنف، بل قال على تردد كظاهره في النافع و عن الذخيرة و مجمع البرهان، لعدم ما يقتضي شيئا من ذلك سوى

مرسل سهل (2)الذي هو ليس من طرقنا على الظاهر، إنه قال:

«رأيت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) على المنبر فكبر و كبر الناس وراءه ثم ركع


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 108.

ج 13، ص: 170

و هو على المنبر، ثم رجع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس فعلت كذا لتأتموا و لتعلموا صلاتي»

و هو- مع منعه أولا، خصوصا مع موافقته لظاهر المحكي عن الشافعي بل و أبي حنيفة، و قصوره عن معارضة ما تقدم من وجوه ثانيا- محتمل لكون العلو بما لا يعتد به كالمرقاة السفلى و كونه من خواصه، أو لإرادة مجرد تعليم الصلاة المحتاج إلى الصعود على مرتفع كي يشاهد، لا أنها صلاة حقيقة، و غير ذلك، و سوى الإجماع المدعى في الخلاف الذي هو على تقدير إرادة الكراهة منه واضح المنع، فوجب الركون حينئذ إلى الموثق المذكور بالنسبة إلى ما تضمنه من الحكم المزبور من غير فرق بين المأمومين الأضراء و البصراء، لإطلاق الأدلة السابقة.

فما عن أبي علي- من أنه لا يكون الإمام أعلى في مقامه بحيث لا يرى المأموم فعله إلا أن يكون المأمومون أضراء، فإن فرض البصراء الاقتداء بالنظر، و فرض الأضراء الاقتداء بالسماع إذا صح لهم التوجه- في غاية الضعف، بل و إلى ما تضمنه من الأحكام الأخر كاغتفار العلو الانحداري الذي أشار إليه المصنف جازما به من غير تردد، فقال و يجوز أن يقف على علو من أرض منحدرة و قد سمعت البحث فيه فيما تقدم، و كاغتفار العلو الدفعي المعتد به بالنسبة للمأموم فضلا عن الانحداري و غير المعتد به من الدفعي كما يدل عليه الموثق الآخر(1)أيضا، و أشار إليه المصنف أيضا بقوله و لو كان المأموم على بناء عال كان جائزا كغيره من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض، بل في المنتهى و عن الذخيرة نسبته إلى علمائنا، و في المدارك إلى قطع الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع، بل في الخلاف و التنقيح دعواه

صريحا، و في المفاتيح لا بأس به قولا واحدا، بل في التذكرة و الروض و عن الغرية


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 171

الإجماع على صحة صلاة المأموم و إن كان على شاهق، كما أنه نسب الصحة إلى علمائنا و إن كان على سطح في كشف الالتباس على ما حكي عنه، و لعله يرجع إليهما ما في السرائر و إن قيده بأن لا ينتهي إلى حد لا يمكنه الاقتداء به، ضرورة خروج ذلك عن محل البحث.

نعم قيد العلو في البيان و الروض بل و كذا حاشية الإرشاد و عن الجعفرية و إرشادها و فوائد الشرائع و الغرية و الروضة بما لم يؤد إلى العلو المفرد، بل عن النجيبية الإجماع عليه، و لا ريب في مخالفته لما عرفت إذا لم يرد به ما سمعته من السرائر، كما أنه لا ريب في ضعفه حينئذ لإطلاق كثير من الأدلة و صريح بعضها، بل كاد يكون صريح الموثق السابق، و دعوى استلزام ذلك البعد المفرط يدفعها ظهور دليل الفساد فيه بالبعد من غير جهة العلو.

[في اعتبار عدم تباعد المأموم عن الإمام]

و لا يجوز تباعد المأموم عن الامام بما يكون كثيرا في العادة إذا لم يكن بينهما صفوف متصلة لا تباعد بينها كذلك على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، بل هو كذلك في ظاهر التذكرة للأصل بل الأصول بعد توقيفية الجماعة و قصور إطلاقاتها عن تناوله مثل ذلك، لعدم معهوديته بل معهودية خلافه، خلافا للمحكي عن المبسوط من التحديد بثلاثمائة ذراع، و عن الخلاف بما يمنع من مشاهدته و الاقتداء بأفعاله حتى لو أرادا تحديد الكثرة العادية بذلك، ضرورة تحققها بالأقل منه قطعا، على أنا لم نتحقق هذه عنهما، إذ الموجود في أولهما «و حد البعد ما جرت العادة في تسميته بعدا، و حد ذلك قوم بثلاثمائة ذراع، قالوا: إن وقف و بينه و بين الإمام ثلاثمائة ذراع ثم وقف آخر بينه و بين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ثم على هذا الحساب و التقدير بالغا ما بلغوا صحت صلاتهم، قالوا: و كذلك إذا اتصلت الصفوف في المسجد ثم اتصلت بالأسواق و الدروب بعد أن يشاهد بعضهم بعضا و يرى الأولون

ج 13، ص: 172

الإمام صحت صلاة الكل، و هذا قريب على مذهبنا أيضا» و مراده بالقوم بعض الجمهور قطعا، و إلا فلا قول لأحد من علمائنا بذلك كما اعترف به الفاضل، و لعل مراده بهذا إشارة إلى الفرض الأخير خاصة لا إلى ما يشمل التقدير بثلاثمائة كما احتمله في الذكرى و يؤيده أنه الأنسب بقوله أولا «و حد البعد» على أنه يمكن إرادته بما نسبه إلى قوم تحديد البعد في العادة لا تحديده من دون نظر إليها، فيكون حينئذ نزاعا في موضع علمنا من العادة خلافه.

و الموجود في موضع من ثانيهما «الثاني من صلى خارج المسجد و ليس بينه و بين الإمام حائل و هو قريب من الامام و الصفوف متصلة به صحت صلاته، و إن كان على بعد لم تصح صلاته و إن علم بصلاة الامام، و به قال جميع الفقهاء إلا عطا، فإنه قال:

إذا كان عالما بصلاته صحت صلاته و إن كان على بعد من المسجد، دليلنا أن ما اعتبرناه مجمع عليه، و ما ادعاه ليس عليه دليل» إلى آخره، و هو كما ترى صريح في خلاف ما نسب اليه، نعم قال بعد أن ذكر أن الماء ليس بحائل: «مسألة إذا قلنا: الماء ليس بحائل فلا حد في ذلك إذا انتهى اليه يمنع من الائتمام به إلا ما يمنع من مشاهدته و الاقتداء بأفعاله، و قال الشافعي: يجوز ذلك إلى ثلاثمائة ذراع، فان زاد على ذلك لا يجوز، دليلنا أن تحدد ذلك يحتاج إلى شرع، و ليس فيه ما يدل عليه» و لعله لذا نسب اليه ما عرفت، لكن قد يقال بمعونة ما سمعته منه سابقا بتخصيص ذلك منه في الماء أو إرادة علو الماء لا البعد المنافي أو غير ذلك، و إلا كان محجوجا بما عرفت من غير فرق بين الماء و غيره.

فلو انعقدت الجماعة حينئذ في سفينتين فصاعدا اعتبر في البعد بينهما ما يعتبر في الأرض اقتصارا على المتيقن في براءة الذمة عن الشغل بالعبادة التوقيفية، كما هو واضح أما إذا لم يكثر البعد في العادة بل كان الثابت ضده و هو القرب فظاهر المشهور بل

ج 13، ص: 173

صريحهم نقلا و تحصيلا الصحة و إن كان لا يتخطى، بل في الرياض كاد يكون إجماعا، بل ظاهر التذكرة، حيث قال: «عندنا الإجماع عليه» بل عن إرشاد الجعفرية لا يضر البعد المفرط مع اتصال الصفوف إذا كان بين كل صفين القرب العرفي إجماعا، لإطلاق أدلة الجماعة، و ما ورد فيها من الأمر(1)بالوقوف خلف الامام و نحوه، و إطلاق ما دل على جواز الائتمام مع اعتراض الطريق و النهر بل و الحائط في المرأة من معقد الإجماع و الموثق (2)السابقين و نحوهما، خصوصا مع غلبة كون ذلك مما لا يتخطى، و للأخبار(3)المعتبرة الآمرة بالائتمام عند خوف رفع الإمام رأسه من الركوع ثم اللحوق بعد ذلك بالصف في الركعة الثانية أو في أثناء الركوع، و كأنه لتحصيل الفضيلة و رفع كراهة الانفراد بالصف لا لقادحية مثل هذا البعد، و إلا لم يصح الاقتداء بالركعة الأولى، و احتمال اغتفاره لإدراك الجماعة ضعيف بل مقطوع بفساده، ضرورة أنه لم يستثن أحد ذلك من مانعية البعد، و فحوى اغتفار العلو في المأموم و مطلقا في الأرض المنحدرة، فتأمل، و لعدم التحديد شرعا للبعد المشترط عدمه في الجماعة في معقد إجماع المدارك و مصابيح الأنوار للأستاذ و رياض الفاضل و ظاهر التذكرة، و مفهوم بعض الأدلة السابقة، فيرجع في تحديده كغيره إلى العرف و العادة، لكن لا بد من ملاحظة الاجتماع في الصلاة، ضرورة تفاوت مصداق القرب و البعد بتفاوت الحيثيات، بل لا يبعد دعوى محفوظية هيئة الجماعة عند المتشرعة و مأخوذيتها يدا عن يد، فكل ما عد في عرف المتشرعة و عادتهم

أنه بعيد بالنظر إلى جماعة الصلاة بطل، و كلما عد أنه قريب صح، و ربما يلحق به ما لا يحكم فيه بالقرب و البعد عملا بإطلاقات الجماعة، و ليس ذا


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 174

من إثبات الحكم الشرعي بالعرف و العادة، بل و لا من إثبات بيان مهية العبادة التوقيفية بهما، بل هو من إثبات مصداق التباعد و عدمه فيها الثابت حكمه من الإجماعات السابقة و غيرها، على أنه لا بأس بالتزام اعتبارهما هنا إذا صارا سببا لكشف المعهود من جماعة النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) فيقتصر على الثابت منه، و هو الذي لا تباعد فيه.

و ما يقال: إن ذلك كله جيد لو أن الأدلة خلت عن التعرض لبيان التحديد، و ليس- إذ في

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) المتقدم سابقا «إن صلى قوم و بينهم و بين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام، و أي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام و بينهم و بين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة- إلى أن قال-: و قال أبو جعفر (عليه السلام): ينبغي أن يكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد، قال: و قال: أيما امرأة صلت خلف إمام و بينها و بينه ما لا

يتخطى فليس لها تلك بصلاة، قال: قلت: فان جاء إنسان يريد أن يصلي كيف يصنع و هي إلى جانب الرجل؟ قال: يدخل بينها و بين الرجل و تنحدر هي شيئا»

و احتمال إرادة الحائل مما لا يتخطى فيه يدفعه ذكر الحائل فيه بعد ذلك مستقلا، على أن لفظ القدر و ذيل الصحيح شاهدا إرادة المسافة، و في

صحيح عبد اللَّه بن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «أقل ما يكون بينك و بين القبلة مربض عنز، و أكثر ما يكون مربض فرس»

إذ المراد بالقبلة كما عن المجلسي و مولانا مراد في شرحيهما على الفقيه الصف الذي قبلك أو الإمام مع تأيدهما بأن الجماعة توقيفية، و الثابت منها ذلك لا أزيد، فالأصل عدم البراءة و عدم سقوط القراءة و غيرها من أحكام الجماعة في غير


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 175

المتيقن، و ليسا من الشواذ، بل عمل بهما ابن زهرة في الغنية مدعيا الإجماع عليه و الإشارة و المدارك و المفاتيح و الحدائق و غيرها، بل حكي عن السيد و ظاهر الكليني و الصدوق أيضا- يدفعه قوة الظن بإرادة الفضيلة و الاستحباب من الصحيح المذكور، بل و الكراهة مع التباعد بما لا يتخطى.

و لقد أجاد الحلي في سرائره بقوله: «و ينبغي أن يكون بين كل صفين قدر مسقط الإنسان أو مربض عنز إذا سجد، فان تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطى كان مكروها شديد الكراهية حتى أنه قد ورد بلفظ لا تجوز» إلى آخره، خصوصا مع ملاحظة الشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في ظاهر معقد إجماع إرشاد الجعفرية المتقدم و غيرها، و إعراضهم عن هذا الصحيح مع أنه بمرأى منهم و مسمع و بين أيديهم، بل قد استدلوا ببعضه بحيث لا يحتمل خفاؤه عليهم، بل عن المصنف نفسه كغيره من الأصحاب ذكره له بالخصوص فيما نحن فيه، إلا أنه أعرض عنه حاملا له على الندب معللا لذلك باستبعاد القول بشرطية ما فيه، بل قد يظهر منه عدم وقوفه على قائل به، نعم عن العلامة أنه نسبه إلى الحلبي خاصة، كما أنه في الذكرى نسبه اليه و إلى ابن زهرة خاصة، و ظاهره انحصار الخلاف فيهما، و هو كذلك، لعدم تحققه من غيرهما، إذ متأخرو المتأخرين كصاحب المدارك و المفاتيح و الذخيرة و الحدائق ممن لا يعتد في رفع الشذوذ عن الأخبار بفتاواهم، كما أنه لا يعتد بخلافهم في اعتبار الخبر و العمل به و الركون اليه كما هو واضح للخبير بطريقتهم، و الكليني و الصدوق لم يصرحا بذلك، بل أقصاه روايتهما هذا الصحيح التي هي أعم من العمل به على جهة الوجوب قطعا، و المرتضى لم يحك عنه إلا قوله: «ينبغي أن يكون بين كل صفين قدر مسقط الجسد، فان تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطى لم يجز» و لعله يريد الاستحباب مع كراهة الزائد كما يومي اليه لفظ «ينبغي» في كلامه، فيكون كالمحكي

ج 13، ص: 176

عن النهاية و المبسوط و المراسم و الوسيلة و البيان و الهلالية من التعبير بأنه ينبغي أن يكون قدر مربض عنز مع معلومية اعتبار التباعد العرفي من بعضهم، بل قد يشهد لإرادة الاستحباب من الصحيح المزبور زيادة على ذلك ما في ذيله أو صدره على اختلاف كيفية الرواية له «و ينبغي» إلى آخره، لإشعار لفظ «ينبغي» به، و ظهور إرادة بيان ضد التواصل من قوله: «لا يكون» كظهور إرادة بيان ما يتخطى من قوله: «تكون» الثانية على معنى أنه إن كان بينهما ما لا يتخطى فلا تواصل، و إن كان بينهما ما يتخطى كقدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد تحقق التواصل، و من المعلوم إرادة الاستحباب من الأخير، ضرورة عدم تحقق شي ء من البعد فيه بل يكون سجوده عند عقب من تقدمه، إذ المراد قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد بين الموقفين، و ليس هو إلا مقدار سجود الإنسان، و من الواضح اغتفار أزيد من ذلك عند من جعل المدار ما لا يتخطى إذ لا يتصور في الفرض المزبور اغتفار، لعدم إمكان تحقق الجماعة بدونه.

و منه حينئذ ينقدح استحباب ما قبله من أنه لا يكون بينهما ما لا يتخطى، إذ هو من قبيل البيان له، و أنه هو الذي يتخطى و أنه هو الذي يتحقق به التواصل المطلوب في الجماعة بلفظ «ينبغي» كما أنه من ذلك كله ينبغي إرادة الكراهة من قوله: «إن صلى» إلخ «و أي صف» إلى آخره، ضرورة شهادة الخبر بعضه على بعض، بل لو قلنا إن قوله:

«ينبغي» إلى آخره، رواية أخرى ليست من تتمة الخبر المزبور كما عساه يظهر من الحدائق أمكن الاستشهاد بها، لأن كلامهم (عليهم السلام) بمنزلة كلام متكلم واحد، و إن كان الأول أقوى شهادة منه، على أنه قد يدعى تعارف نحو «لا صلاة» في نفي الكمال على وجه الحقيقة لا أقل من الشهادة بذلك، بل قد يقال إن المراد باشتراط أن لا يكون بين الصفين مثلا ما لا يتخطى إنما هو بين محل السجود من الصف الأول و بين

ج 13، ص: 177

الصف الثاني، كما لعله يؤيده إرادة التحديد بالنسبة إلى جميع أحوال الصف التي منها السجود لا حال القيام خاصة، و أن المراد بما لا يتخطى أي ما لا يمكن تخطيه أبدا بأعلى أفراد مصداق التخطي، و هو الذي يملأ الفرج، لكونه نكرة واقعة في سياق النفي لا التخطي المتعارف في المشي، إذ مسقط جسد الإنسان إذا سجد أزيد منه قطعا، مع أنه اكتفي به في بيان ما يتخطى، و حينئذ يوافق المختار أو يقرب منه، لتحقق التباعد المعتاد في الجماعة به خصوصا مع ملاحظة التقريب و المسامحة في التحديد المزبور لا التحقيق و المداقة كما يومي اليه التحديد بذلك من غير بيان المراد به من المتعارف و غيره و لا أفراد المتخطين، بل لعله يكون حينئذ شاهدا للمختار لا عليه، بل يمكن تنزيل كلام من سمعت ممن حدد بما لا يتخطى على ذلك، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين، و يؤيده أنه لو كان المراد به غير ذلك لاشتهر غاية الاشتهار علما و عملا، ضرورة استعمال الناس الجماعات من سالف الأزمنة إلى يومنا هذا، مع أنك قد عرفت ندرة من أفتى به و معروفية الفتوى بخلافه بل و العمل.

و بذلك كله يتضح لك الوجه في صحيح عبد اللَّه بن سنان المتقدم بعد تسليم إرادة ما عرفت منه، بل هو أولى بالحمل على الندب، لكن و مع ذلك كله فالأحوط و الأفضل مراعاة ما لا يتخطى بالخطوة المتعارفة ملاحظا فيه موقف المصلي لا مسجده كي يتحقق التواصل، و إن كان الأقوى ما عليه المشهور من أن المدار على العادة في القرب و البعد بالنسبة للإمام و المأموم، و إلى الصفوف بعضها مع بعض، و إلى أشخاص الصف الأول بعضهم مع بعض، لعدم الفرق بين الجميع نصا و فتوى، فيصير الصف الأول مثلا حينئذ إماما للصف الثاني و هكذا، لا أنه يراعى القرب و البعد للإمام بالنسبة إلى سائر المأمومين المعلوم بالضرورة خلافه.

و لذا قال المصنف أما إذا توالت الصفوف فلا بأس بالبعد الكثير عن

ج 13، ص: 178

الامام بالغا ما بلغ بلا خلاف أجده، بل قد تشعر عبارة الذكرى بالإجماع عليه، بل قد سمعت فيما تقدم معقد إجماع إرشاد الجعفرية، نعم ينبغي تقييده بما إذا لم تطل الجماعة بحيث يؤدي إلى التأخر المخرج عن الاقتداء كما قيده به جماعة، و لعله مستغنى عنه، ضرورة كون المانع حينئذ التخلف الفاحش عن الامام المخرج عن اسم الاقتداء باعتبار عدم علمه بانتقالاته.

ثم لا فرق عندنا في جميع ما ذكرنا بين الجامع و غيره، لعدم ما يصلح له، خلافا للمحكي عن الشافعي فجوز التباعد بثلاثمائة ذراع في الأول، لكونه مبنيا للجماعة بخلاف الثاني، و ضعفه واضح، كما أنه لا فرق في هذا الشرط بين ابتداء الصلاة و استدامتها نحو غيره من الشرائط من الحائل و العلو و نحوهما، لاقتضاء ما دل عليه من معقد الإجماع أو غيره ذلك، ضرورة كون الصلاة المشترط فيها ذلك اسما للمجموع، فلو حصل حينئذ البعد الذي لم يعف عنه في أثناء الصلاة بعد أن لم يكن بطل الاقتداء و وجب الانفراد إن لم نقل بمشروعية الانتظار لمن انتهت صلاته حتى يسلم الامام فيسلم معه، أو قلنا به و لكن لم ينتظر بناء على كون ذلك جائزا له لا واجبا، أو أنه انتظر و لكن لم نقل ببقاء أحكام الجماعة عليه بل كان ذلك تعبدا فيكون حينئذ كمن سلم و خرج فيتعين الانفراد حينئذ و يبطل الاقتداء، نعم له تجديده لو ائتموا هؤلاء جديدا بعد انتهاء صلاتهم أو أمكنه المشي بحيث لا يكون فعلا كثيرا مثلا إلى محل القرب بناء على جواز تجديد الائتمام في الأثناء، بل لعله أولى منه، لسبق القدوة، و من هنا صرح في البيان و الدروس و الروض و المسالك و غيرها بأنه لو خرجت الصفوف المتخللة بين الامام و المأموم عن الاقتداء إما لانتهاء صلاتهم كما لو كان فرضهم القصر، و إما لعدولهم إلى الانفراد و قد حصل البعد المانع عن الاقتداء انفسخت القدوة، بل صرح بعضهم بعدم عوده لو انتقل بعد ذلك إلى محل الصحة، و لعله بناء منهم على عدم جواز تجديد الائتمام في

ج 13، ص: 179

الأثناء، خلافا للمدارك و الحدائق فجعلاه شرطا في الابتداء دون الاستدامة، و ربما نسب للشهيد في قواعده كما عن الذخيرة أنه استحسنه، و ربما مال إليه في الرياض، و لا ريب في ضعفه، لخلوه عن الشاهد له بعد الغض عن كونه عليه.

نعم قد يقال إن الشرط بقاء الصف لا كونهم مصلين، فيفصل حينئذ بين قيام من انتهت صلاته و عدمه، فيبقى الاقتداء في الأول دون الثاني كما هو خيرة المولى الأعظم في شرح المفاتيح، و ربما يؤيده عدم كون مثله تباعدا في العرف و العادة، بل قد يؤيده أيضا نص جماعة كالشهيد في البيان و الكاشاني في المفاتيح و المولى الأعظم في شرحها على الصحة، حيث يحرم البعيد قبل القريب، و ما ذاك إلا للاكتفاء بالصف و إن لم يكن مصليا فعلا، و قد يخدش بالفرق أولا بين من يؤول أمره إلى الصلاة و هو متهئ لها و بين من فرغ منها و أعرض عنها و إن كان جالسا في مكانه، و بالمنع ثانيا كما أومى إليه في المسالك و المدارك و غيرهما حيث قالا: ينبغي أن لا يحرم البعيد قبل أن يحرم من قبله ممن يزول معه التباعد و إن كان قد يدفع الأخير بعدم عد مثله من التباعد في العادة، و بأنه ليس في النصوص و الفتاوى ما يشهد له، إنما الذي فيها وجوب افتتاح المأمومين بعد افتتاح الإمام خاصة قلوا أو كثروا، استطالت صفوفهم أو قصرت من غير مدخلية للمأمومين في ذلك بعضهم مع بعض كما هو لازم قولهما عدا من كان متصلا بالإمام من الشخص و الشخصين، مع ما فيه من التضييق و التشديد لإدراك الجماعة خصوصا بالنسبة إلى بعض المأمومين الذين يتوقفون في النية، بل فيه من الإفضاء إلى عدم حضور القلب و التوجه ما لا يخفى، على أنه غالبا يتعذر أو يتعسر على المتأخر العلم بحصول تكبيرة الافتتاح من بين التكبيرات من المتقدم، خصوصا لو كان مجيئه للجماعة بعد اصطفاف الصفوف و تهيؤهم للصلاة و شروعهم في تصورها و نيتها، بل قد يفضي مراعاة ذلك إلى عدم إدراك أول ركعة في الجماعات المعظمة إلا للقليل منها، بل و الركعة

ج 13، ص: 180

الثانية أيضا، بل ربما تفوت الفريضة تماما خصوصا الثنائية أو الثلاثية، و خصوصا مع إرادة الإسراع فيها لسفر أو نحوه من الأعذار، إلى غير ذلك مما يمكن دعوى القطع بخلافه من السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار و عظم الجماعات كجماعة النبي و أمير المؤمنين (عليهما الصلاة و السلام) و غلبة تخلل الصفوف من لا يوثق بصحة صلواتهم و من أنه لو كان كذلك لاشتهر رواية و فتوى و عملا اشتهار الشمس في رابعة النهار، لتوفر الدواعي و كثرة الاستعمال، و لو أن هذا القائل اعتبر عدم العلم بسبق المتأخر على المتقدم لكان أسهل من اعتبار العلم بسبق المتقدم و إن كان هو بعيدا أيضا مخالفا للسيرة المعلومة من أغلب الناس، فإنهم لا يتوقفون في الائتمام بعد إحراز افتتاح الامام خصوصا بعد تهيئة الصفوف و شروعها في التوجه و النية و نحو ذلك، و إن كان الأحوط مراعاته بل مراعاة الأول أيضا.

ثم إن الظاهر الاكتفاء على كل حال في الاتصال بغير التباعد و لو بوسائط على نحو ما سمعته من بعضهم في المشاهدة من غير فرق بين الصف الأول و غيره، فلا يقدح حينئذ استطالة الصف الثاني على الأول بمراتب حتى لو كان الصف الأول واحدا أو اثنين و الصف الثاني مائة أو مائتين فصاعدا، فأحرم غير البعيد عنهما من الصف الثاني بعد إحرامهما ثم أحرم باقي الصف القريب فالقريب بناء على مراعاة ما سمعته من المسالك و المدارك، و إلا فعلى ما ذكرنا لم يراع شي ء من ذلك، بل يكون الصف الأول على قصره بمنزلة الإمام للصف الثاني و هكذا، و أما احتمال مراعاة القرب في جميع أفراد الصف الثاني بالنسبة إلى الصف الأول بحيث إذا لم يحصل القرب من بعضهم اليه كما لو طال الصف الثاني على الأول مثلا بطل ايتمام الفاقد للقرب من الصف الثاني و إن كان متصلا بالقريب بوسائط و بذلك يفرق بين الصف الأول حينئذ و غيره لعدم اعتبار ذلك فيه بالنسبة للإمام قطعا و ضرورة فهو لا يخلو من وجه، لكن الأوجه و الأقوى الأول

ج 13، ص: 181

للسيرة و الطريقة، و عدم كون مثله تباعدا و إن كان بعض صوره لا تخلو من نوع تأمل و شك ينبغي من جهتهما الاحتياط فيه، بل و في سائر صوره، فتأمل جيدا، و ربما كان في المقام بعد بعض الفروع و الكلام لكن لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا على ذوي البصائر و الأفهام، و اللَّه أعلم بحقائق الأحكام.

[كراهة قراءة المأموم خلف الإمام المرضي في أولتي الإخفاتية]

و يكره أن يقرأ المأموم غير المسبوق خلف الإمام المرضي في أولتي الفريضة الإخفاتية وفاقا للمراسم على الظاهر و النافع و المعتبر و التلخيص و الدروس و البيان و الموجز و كشف الالتباس و الجعفرية و غيرها، بل في المعتبر و الدروس و غيرهما أنه الأشهر، بل في الروضة أنه الأجود المشهور، و هو كذلك، لأنه وجه الجمع بين الأدلة بعد أن علم سقوط وجوب القراءة عن المأموم بالإجماع المحكي إن لم يكن المحصل صريحا في الخلاف و المعتبر و المنتهى، و ظاهرا في التذكرة، و المعتضد بنفي الخلاف عنه في النجيبية بل و السرائر و إن كان معقد ما فيها ضمان الإمام القراءة، ضرورة إرادة السقوط منه نحو الضمان في الديون، كالأخبار(1)الدالة على ضمان الإمام القراءة و عدم ضمانه غيرها، بل لا جمع يعتد به بينها غير ذلك، إذ المعتبرة التي هي العمدة في المقام و إن كان كثير منها مشتملا على النهي عن القراءة عموما و خصوصا الذي هو حقيقة في التحريم، لكن جملة أخرى منها ظاهرة في الجواز و الكراهة،

كالصحيح (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال: إن قرأت فلا بأس، و إن سكت فلا بأس»

إذ من الواضح إرادة الإخفات من الصمت كما فهمه غير واحد من الأصحاب، و

خبر إبراهيم بن علي


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 13.

ج 13، ص: 182

المرافقي و عمر بن الربيع البصري (1)المنجبر ضعف سنده بالشهرة المحكية أو المحصلة، أنه سئل جعفر بن محمد (عليهما السلام) «عن القراءة خلف الامام فقال: إذا كنت خلف الامام و تتولاه و تثق به فإنه يجزيك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت به، فإذا جهر فأنصت، قال اللَّه تعالى (2)وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»

و ما في السرائر عن المرتضى أنه

روي (3)أنه بالخيار فيما خافت فيه

أي إن شاء قرأ و إن شاء لا، بل عنه أيضا و فيها أنه لا يقرأ فيما جهر فيه الامام، و يلزمه القراءة فيما خافت فيه الامام، و

صحيح سليمان (4)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أ يقرأ الرجل في الأولى و العصر خلف الامام و هو لا يعلم أنه يقرأ، فقال: لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الامام»

لإشعار لفظ «لا ينبغي» بذلك، خصوصا بعد الانجبار بالشهرة و الاعتضاد بما تقدم.

فاحتمال إرادة الحرمة منه أو إباحة الترك التي هي أعم منها و من الكراهة لقوة إمكان وروده لدفع توهم وجوب القراءة المحكي عن جماعة من العامة الذي قد عرفت معلومية بطلانه عندنا نصا و فتوى بعيد، على أنه يكفي في إثبات المطلوب ما قبله لا لأن الكراهة مما يتسامح فيها، ضرورة عدم تماميته في مقابلة الحرمة المستفادة من ظاهر النواهي المفتي بها في ظاهر المقنع و الغنية و التحرير و التبصرة و المدارك و عن السيد (رحمه


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 15 و في الوسائل« عمرو بن الربيع» كما أن في التهذيب ج 2 ص 33- الرقم 120« أبو أحمد عمرو بن الربيع النصري» و هو سهو فإنه لا أثر له في كتب التراجم و الموجود فيها« أبو أحمد عمر ابن الربيع البصري» و هو الصحيح.
2- 2 سورة الأعراف- الآية 203.
3- 3 المستدرك- الباب- 28- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.

ج 13، ص: 183

اللَّه) و التقي و غيرهما من متأخري المتأخرين، بل لأنه دليل معتبر في نفسه، أو بملاحظة الانجبار صالح للخروج به عن ظاهر تلك النواهي، خصوصا بعد شيوع استعمال النهي في الكراهة، و احتمال إرادة نفي الوجوب منها هنا ردا على بعض العامة، حتى أنه من جهة هذا الاحتمال على الظاهر نفى الكراهة عن

القراءة في اللمعة بل صريح النهاية و ذيل عبارة المبسوط كالمحكي من عبارة القاضي استحباب قراءة الحمد، بل و كذا عن ابن سعيد، لكنه خير بينه و بين التسبيح وحده، و إن كان هو أيضا ضعيفا جدا، بل لا نعرف دليلا على الاستحباب المزبور سوى الأمر في

قوله (عليه السلام)(1): «إن لم تسمع فاقرأ»

المراد منه الجهرية قطعا، و ظاهر لفظ الاجزاء مع الأمر بالقراءة إن أحب في خبر البصري الممنوع دلالته على الندب، و إرادة قلة الثواب من الكراهة هنا التي لا تنافي كونه مستحبا، ضرورة عدم إرادة المعنى المصطلح منها في القراءة التي هي جزء الصلاة، و فيه بعد التسليم أنه يرجع معه النزاع لفظيا، إذ المراد نفي الاستحباب الساذج.

فظهر حينئذ من ذلك كله أن القول بالكراهة هو الأقوى في المقام، و لا ينافيه ما

في بعضها(2)«من أن من قرأ خلف إمام يأتم به بعث على غير الفطرة»

لورود أعظم من ذلك كاللعن و نحوه في المكروهات حتى

ورد في تفريق الشعر أن «من لم يفرق شعره فرقه اللَّه بمنشار من النار»(3)

إلا أن الاحتياط بترك القراءة لا ينبغي تركه لقوة احتمال الحرمة.

[في استحباب التسيح و كراهة السكوت للمأموم]

نعم يستحب له التسبيح بل يكره له السكوت

للصحيح (4)عن الصادق (عليه السلام) «إني أكره للمرء أن يصلي خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار،


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 62- من أبواب آداب الحمام- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 184

قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال: يسبح»

و خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن رجل يصلي خلف إمام يقتدى به في الظهر و العصر يقرأ، قال: لا و لكن يسبح و يحمد ربه و يصلي على نبيه (صلى اللَّه عليه و آله)»

و إطلاق صدر

خبر أبي خديجة(2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين، و على الذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلا اللَّه و اللَّه أكبر و هم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب، و على الامام أن يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين»

بل ربما كان ظاهر المحكي عن المقنع تعيين التسبيح إلا أنه في غاية الضعف بعد الأصل و ظاهر الصحيح الأول، و إمكان تحصيل الإجماع على عدمه، بل لعله نفسه أيضا لم يرده و إن عبر بعبارة بعض هذه الأخبار كما هي عادته فيه.

[في حكم الأخيرتين من الإخفاتية]

و أما أخيرتا الإخفاتية فيقوى في النظر بقاء حكم المنفرد فيهما وفاقا للغنية و الإشارة و المختلف و المحكي عن التقي و غيره، للأصل و إطلاق الأدلة و ظاهر

صحيح ابن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ و كان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين، و قال: يجزيك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أي شي ء تقول أنت؟ قال: اقرأ فاتحة الكتاب»

بل قد يشم منه معلومية الحكم و وضوحه، و الطعن فيه بظهوره في أفضلية القراءة من التسبيح المعلوم عكسها في محله يدفعه بعد تسليم دلالته إمكان منعه أولا في


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.

ج 13، ص: 185

مثل المأموم المفروض عدم قراءته في الأولتين

بعد ورود «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»(1)

و لعله لذا حكي عن بعضهم التصريح بأفضلية القراءة، و عدم قدحه في المطلوب ثانيا، و كذا الطعن فيه بأنه لا دلالة فيه على جواز القراءة لاحتمال إرادته بالتنصيص على إجزاء التسبيح رفع توهم أنه كيف يكون مجزيا مع أن الصلاة لا تتم إلا بالقراءة لا إرادة إجزاء غيره أو رجحانه، و لا ينافي ذلك

قوله (عليه السلام) في ذيله: «اقرأ فاتحة الكتاب»

لمعلومية أنه (عليه السلام) لا يأتم إلا بغير المرضي، فلا تسقط القراءة عنه، إذ هو كما ترى، خصوصا لو قرئ «اقرأ» فيه بصيغة الأمر على إرادة أي شي ء تقول أنت في الحكم، مضافا إلى وضوح منع ما فيه من دعوى عدم ايتمام الإمام إلا بغير المرضي بل قد يأتم بعضهم ببعضهم، و إن كان قد يقال لا إمام حينئذ إلا أحدهما على أن الظاهر إرادة القراءة في الأخيرتين لا الأولتين، فتأمل جيدا.

و لذيل خبر أبي خديجة السابق (2)بل و خبر علي بن جعفر(3)بناء على إرادة مطلق الرجحان من الأمر فيه بالجملة الخبرية، بل و الصحيح الأول أيضا بناء على إرادة الأعم من المعنى المصطلح من لفظ الكراهة فيه مع ذلك أيضا، و

صحيح معاوية بن عمار(4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين قال: الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، و من خلفه يسبح»

و المرسل (5)في السرائر أنه روي «يقرأ في الأخيرتين أو يسبح»

و خبر أبي خديجة(6)المروي في المعتبر عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت في الأخيرتين فقل للذين خلفك يقرءون، فاتحة الكتاب»

و لغير ذلك مع السلامة عن المعارض في شي ء من أدلة المقام عدا ما دل على


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
6- 6 البحار ج 18 ص 622 من طبعة الكمباني.

ج 13، ص: 186

سقوط القراءة المختص بحكم التبادر بالمتعينة منها كمعاقد الإجماعات السابقة لا مطلقا بحيث يشمل المخير بينها و بين التسبيح، بل المرجوحة بالنسبة إليه كما قيل، و احتمال إرادة الأعم منها و من الأذكار من لفظ القراءة بعيد جيدا، بل قد يقطع بفساده بملاحظة النصوص و الفتاوى، و لذا لم يسقط القنوت و الأذكار و نحوها، فيتجه حينئذ الاستدلال بالأخبار الحاصرة ضمان الإمام في القراءة خاصة على المطلوب بعد حمل القراءة فيها على المتعينة، على أنه لو سلم شمولها للقراءة المخيرة لم تكن دالة على سقوط التسبيح الذي هو أحد فردي التخيير أو أفضلهما، بل قد يشعر بعض تلك الأخبار بأن مدار سقوط القراءة و عدمه السماع و عدمه، على أن السقوط هنا عن المأموم ليس إلا لضمان الامام، و هو لا يكون إلا حيث يختار الإمام القراءة، لعدم دليل يقتضي ضمانه غيرها، و

احتمال اندراج التسبيح فيها قد عرفت بعده، و في غالب الأوقات يثبت عدم معرفة المأموم حال الامام و اختياره القراءة أو التسبيح، و لم يتعارف تنبيه المأمومين لذلك، بل المتعارف خلافه، و لغير ذلك من السيرة و الطريقة و نحوهما.

فما عن ابني إدريس و حمزة من القول بسقوطهما حتما عند الأول منهما و جوازا عند الآخر كالمحكي عن ظاهر المرتضى و ابن سعيد و الفاضل في المنتهى و غيرهم ضعيف محجوج بجميع ما عرفت، بل و بأولوية الجواز في الأخيرتين من الأولتين- لما عرفت من أن التحقيق الجواز فيهما على الكراهة- لا شاهد له يعتد به سوى ما تقدم و سوى

خبر ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) المروي في المعتبر «إذا كان مأمونا فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين»

و هو مع إرساله محتمل أو مظنون أنه عين صحيح ابن سنان المتقدم المشتمل على خلاف ذلك، و احتمال عثور المصنف عليه في بعض الأصول يدفعه


1- 1 المستدرك- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 187

عدم نسبته إلى أحدها منه كما هي عادته في أمثاله، و سوى

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «و إن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الأولتين و

أنصت لقراءته و لا تقرأن شيئا في الأخيرتين، فإن اللَّه عز و جل يقول (2)للمؤمنين: «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ- يعني في الفريضة خلف الامام- فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» فالأخيرتان تبعتا الأولتين»

بناء على شمول التبعية للإخفاتية و إن كان المورد الجهرية، و فيه- مع إمكان منع شموله للإخفاتية، ضرورة انصرافه إلى الجهرية المعهودة، و اقتضاء التبعية فيهما الجواز بناء على المختار، بل الكراهة أيضا و إن كان ربما يقطع بعدمها- انه قاصر عن معارضة جميع ما سمعته، فلا مانع من إرادة التبعية فيه هنا في أصل الجواز بدون كراهية، و يثبت حينئذ التسبيح بعدم القول بالفصل و بالأدلة السالمة عن المعارض فيه، كل ذلك مع موافقة المختار للاحتياط، خصوصا بالنسبة للتسبيح، لضعف القول بالسقوط حتما جدا، بل لم نتحققه من الحلي المنسوب اليه ذلك، إذ ظاهر عبارته نفي الوجوب خاصة كما لا يخفى على من لاحظها.

نعم يستفاد من هذا الصحيح المتأخر سقوط القراءة، بل على وجه الحتم في أخيرتي الجهرية كما عن ظاهر التبصرة و مجمع البرهان و إن كنا لم نتحققه منهما، إلا أنه لا دلالة فيه على سقوط الفرد الثاني من فردي التخيير الذي هو التسبيح، كما عن الحلي حتمية سقوطه أيضا مع القراءة نحو ما سمعته عنه في الإخفاتية، لكنا لم نتحققه أيضا منه، بل أقصى عبارته سقوط الوجوب ناسبا له إلى الرواية، كما أنه لم نتحقق أيضا ما نسب إلى المبسوط و النهاية و ابن سعيد من استحباب قراءة الحمد وحدها فيهما كما لا يخفى على من

لا حظ عباراتهم، بل و كذا ما نسب إلى القاضي و أبي الصلاح و ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 سورة الأعراف- الآية 203.

ج 13، ص: 188

المختلف و الذخيرة من التخيير بين الحمد و التسبيح استحبابا، نعم لعله ظاهر المحكي عن السيد و الواسطة، بل و كذا جملة من الأقوال المنسوبة في المقام إلى الأصحاب حتى أنهاها بعض مشايخنا إلى سبعة، و في الإخفاتية التي تقدم البحث فيها سابقا إلى تسعة.

و كيف كان فالأقوى في النظر هنا بقاء حكم المنفرد أيضا من التخيير بين التسبيح و القراءة كالاخفاتية وفاقا لمن عرفته فيها، للأصل و إطلاق ما دل على وجوب أحدهما السالمين عن معارضة إطلاق النهي عن القراءة خلف الإمام المرضي بعد انصرافه إلى القراءة المتعينة، و هي في الأولتين، خصوصا المشتمل على التعليل بالإنصات، بل قد يشعر ذلك بوجوب القراءة في الأخيرتين اللتين لا جهر فيهما كي ينصت إليها، بل قد يدعى أولوية القراءة فيهما من الأولتين حيث لا يسمع الهمهمة بل و إن سمعها بناء على عدم الحرمة، و لكثير مما سمعته في الإخفاتية، فلا حاجة إلى التكرير، و الخروج عن ذلك كله بالصحيح المزبور مع ابتنائه على حرمة القراءة في الأولتين كي تتبعهما الأخيرتان في ذلك بعيد جدا، مع أنه لا دلالة فيه على سقوط التسبيح، اللهم إلا أن يفهم من سقوط القراءة إرادة ضمان الامام و الاكتفاء بما يفعله عنه و لو تسبيحا.

[في حكم الأولتين من الجهرية]

و أما أولتا الجهرية مع سماع المأموم القراءة فالإجماع محصلا أو منقولا مستفيضا حد الاستفاضة على عدم وجوب القراءة فيهما، بل في التذكرة «لا يستحب إجماعا» بل في الرياض «لا خلاف في أصل المرجوحية على الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالتنقيح و الروض و الروضة» إلى آخره، بل في ظاهر المبسوط أو صريحه و المقنع و الفقيه و النهاية و الغنية و الوسيلة و المختلف و التحرير و التبصرة و كشف الرموز و المدارك و الذخيرة و المحكي عن السيد و القاضي و أبي الصلاح و واسطة ابن حمزة و غيرها حرمة القراءة، و هو مع موافقته للاحتياط قوي جدا، للنهي عنها في المعتبرة(1)المستفيضة جدا مع التعليل


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 189

في بعضها(1)بالأمر بالإنصات، بل ربما يظهر من سبر أخبار المقام معروفية ذلك قديما بين الشيعة حتى أنهم كانوا يكتفون في بيان كون الامام مرضيا و غير مرضي بالقراءة خلفه و عدمها.

و لا معارض له سوى إشعار لفظ الاجزاء في

موثق سماعة(2)«سألته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول، قال: إذا سمع صوته فهو يجزيه و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»

و هو مع إضماره و عدم استفادة تمام المدعى منه بل و لا الصورة المهمة منه كما ترى ضعيف جدا، إذ أقصاه أنه أقل فردي المجزي، و لعله في مقابلة سماع الصوت و فقه قوله، لا لجواز القراءة منه.

و سوى دعوى معلومية ندبية الإنصات المأمور به في نفسه بالإجماع و السيرة و غيرها، بل و في خصوص المقام بالأصل و السيرة، و ما عساه يظهر من الإجماع من التنقيح حيث نسب استحبابه إلى من عدا ابن حمزة من الأصحاب، فالتعليل به حينئذ في

صحيح ابن الحجاج (3)عن الصادق (عليه السلام) «و أما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه، فان سمعت فأنصت، و إن لم تسمع فاقرأ»

، بل و

صحيح زرارة(4)عن الباقر (عليه السلام) «و إن كنت خلف امام فلا تقر أن شيئا في الأولتين و أنصت لقراءته، و لا تقر أن شيئا في الأخيرتين، فإن اللَّه عز و جل يقول للمؤمنين وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ- يعني في الفريضة خلف إمام- فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»

و الحسن كالصحيح (5)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت و سبح في نفسك»

يومي إلى إرادة عدم الحرمة من النهي عن القراءة.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6.

ج 13، ص: 190

و فيه- مع خلو أكثر الأخبار عن التعليل به، و قوة احتمال إرادة الحكمة منه لا التعليل الحقيقي أو ما يجري مجراه، و عدم ظهور إرادة التعليل من الأخيرين، بل أقصاهما الأمر به لنفسه، و إن استدل عليه في أولهما بالآية، و احتمال إرادة تعليل النهي الأول عن القراءة بالآية مع أنه مبني على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضد بعيد جدا، بل و كذا لا ظهور في الصحيح الأول بتعليل النهي عن القراءة بالإنصات، بل أقصاه بيان وجه الأمر بالجهر بالقراءة، و هو غير ما نحن فيه- أنه يمكن منع دعوى الإجماع في المقام، و انعقاده على الندب في غير المقام بعد أن كان مورد الآية الفريضة كما في الصحيح لا يقتضي الاستحباب هنا، و نسبة نديته في التنقيح إلى من عدا ابن حمزة يمنعها التتبع، و بالجملة فالخروج عن تلك النواهي في تلك المعتبرة المستفيضة بمثل ذلك كما ترى.

و دعوى أن جملة منها شاملة بإطلاقها أو عمومها للإخفاتية التي قد أثبتنا الكراهة فيها

كالحسن و الصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا صليت خلف إمام مؤتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن يكون صلاة يجهر فيها و لم تسمع فاقرأ»

و لما إذا لم يسمع القراءة مما ستعرف عدم الحرمة فيه أيضا، بل في بعضها التنصيص عليه ك

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح(2): «إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع»

فيتجه حينئذ إرادة الكراهة منه التي هي أولى من مجازية القدر المشترك، بل أولى من التقييد، على أنه متعذر حتى في الرواية الأولى ضرورة أنه بقرينة الاستثناء فيها كالنص في الإخفاتية، فلا يمكن تقييد النهي فيها حينئذ بها، يدفعها منع اقتضاء مثل ذلك الكراهة بعد اختصاص كثير من الأدلة بالنهي عن القراءة في الصلاة الجهرية المسموعة المراد منه بمقتضى أصالة الحقيقة السالمة عن المعارض


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 12.

ج 13، ص: 191

الحرمة، بخلافه في الإخفاتية لما عرفت، فجمعهما حينئذ في نهي واحد بعد ثبوت كراهة أحدهما بدليل مستقل و حرمة الآخر كذلك و لو بظاهر النهي في دليل آخر يعين إرادة القدر المشترك.

و دعوى أولوية الكراهة منه فيكون قرينة على إرادتها من النهي في ذلك الدليل المستقل بعد تسليمها ليس بأولى من مراعاة أصالة الحقيقة فيه المقتضية لإرادة القدر المشترك من نهي الجمع، بل هي أولى، ضرورة أولوية

الكراهة من القدر المشترك لا من مراعاة أصالة الحقيقة التي يجب الجمود عليها إلى أن تحصل القرينة الصارفة و المعينة، و ليست، إذ لا أقل من تصادم الاحتمالين المزبورين، فلا موجب للخروج عنها حينئذ.

و أما الصحيح الأخير(1)فالظاهر إرادة الإخفاتية منه أو غير المسموع بحيث يفهم و إن كان تسمع فيه الهمهمة لا الجهرية غير المسموعة أصلا، لما ستعرف من أنه لا كراهة في القراءة فيها، فيجري فيه حينئذ ما سمعته حذو النعل بالنعل، و من ذلك كله يعلم ضعف القول بالكراهة و إن اشتهر بين المصنف و من تأخر عنه، بل أطلق في الدروس نسبته إلى المشهور كما عن غيرها، بل ربما استفيد من نسبة التنقيح وجوب الإنصات المنافي للقراءة إلى ابن حمزة خاصة و ندبيته للباقين الإجماع عليه، و إن كان قد يخدش بأنه لا تلازم بين الندبية المزبورة و الكراهة، ضرورة مجامعتها للحرمة، كما أنه يعرف مما سبق المناقشة في إطلاق دعوى الشهرة أيضا على الكراهة، فتأمل.

و من السماع أو يلحق به سماع الهمهمة حرمة أو كراهة، كما هو ظاهر المتن و المعتبر و النافع و التحرير و الإرشاد و التلخيص و الدروس و البيان و اللمعة و النفلية و التنقيح و الموجز و الهلالية و الجعفرية و غيرها، بل نسبه في مفتاح الكرامة إلى فتوى المعظم،

للحسن كالصحيح (2)«فان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»

و خبر عبيد بن


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7

ج 13، ص: 192

زرارة(1)«إن سمع الهمهمة فلا يقرأ»

الواجب من جهتهما- خصوصا بعد اعتضادهما بالشهرة، و بإطلاق ما دل من المعتبرة على عدم القراءة خلف الإمام المؤتم به- تقييد ما دل على القراءة إذا لم يسمع، بناء على صدق عدم سماعها معها كما في الرياض، و هو و إن كان لا يخلو من بحث، لكنه خال عن الثمرة بعد ما عرفت، نعم قد يظهر من المبسوط الفرق بين سماع الهمهمة و غيرها من سماع القراءة نفسها، فينصت في الثاني و يخير فيها بين القراءة و عدمها في الأول، بل كاد يكون ذلك صريح النهاية و المحكي عن واسطة ابن حمزة و نجيب الدين بن سعيد، و لعله لإشعار لفظ الاجزاء في موثق سماعة(2)المتقدم، و هو لا يخلو من وجه.

و هل يستحب التسبيح و الدعاء و التعويذ ل

خبر زرارة(3)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت و سبح في نفسك»

و خبر أحمد بن المثنى (4)«كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فسأله حفص الكلبي فقال: أكون خلف الامام و هو يجهر بالقراءة فأدعو و أتعوذ، قال: نعم فادع».

أولا لمنافاته للانصات المأمور به في المعتبرة المستفيضة؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة بناء على عدم منافاته للانصات، خصوصا لو فسر التسبيح في النفس بما يقرب إلى التصور، فتأمل.

[في حكم عدم سماع الهمهمة]

و أما إذا لم يسمع حتى الهمهمة فتجوز في الجملة القراءة بلا خلاف أجده بين الأصحاب، بل و لا حكي عن أحد منهم عدا الحلي، مع أنه لا صراحة في عبارته في السرائر بذلك بل و لا ظهور، و لا يبعد أنه و هم من الحاكي، نعم ظاهر جماعة من


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 لكن رواه عن أبى المعزى حميد بن المثنى و هو الصحيح.

ج 13، ص: 193

الأصحاب كالشيخ في المبسوط و النهاية و المصنف في النافع و المرتضى و أبي الصلاح و ابن حمزة و علي بن أبي الفضل الحلبي فيما حكي عنهم وجوب القراءة، اقتصارا على المتيقن مما خرج من الأصل، و عموم ما دل على وجوبها، و عملا بالأمر في المعتبرة المستفيضة، و صريح المختلف و التذكرة و المنتهى و التحرير و البيان و اللمعة و الموجز و الهلالية و الجعفرية و غيرها

الاستحباب، جمعا بين ما اشتمل على الأمر من المعتبرة و بين ما دل على جواز الفعل و الترك، ك

صحيح علي بن يقطين (1)«سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: لا بأس إن صمت و إن قرأ»

مؤيدا بما دل على ضمان الإمام القراءة من المعتبرة و غيرها، و ظاهر القاضي بل و المتن و التلخيص الإباحة، للأصل و الصحيح المزبور بعد حمل الأمر في تلك المعتبرة عليها، لوروده في مقام توهم المنع، و فيه أنه لا يتصور الإباحة في جزء العبادة، اللهم إلا أن يمنع ذلك بأن يخص عدم التصور في مجموع العبادة دون أجزائها، فيكتفى حينئذ برجحان الجملة، بل هو في الحقيقة كالجزء المندوب في العبادة الواجبة، ضرورة تضاد الأحكام، بل قد يقال إنه لا مانع من تحقق الكراهة الحقيقية في بعض الأجزاء بمعنى مرجوحية الفعل بالنسبة للترك لا أقلية الثواب، فإنه لا مضايقة عند العقل و غيره في قول الشارع أطلب الصلاة جماعة طلبا راجحا إلا أن ترك القراءة فيها أرجح من فعلها و إن كان لو فعلت كانت من أجزائها و داخلة تحت اسم الصلاة، و يزيد ذلك إيضاحا فرض تعلق الطلب بمركب خارجي كالسرير و نحوه مع فرض مساواة عدم بعض أجزائه لوجوده أو رجحانه عليه و إن كان هو جزء أيضا لو جي ء به إلا أنه لا يقدح في رجحان الطلب للمجموع من حيث الاجتماع، فلا بأس حينئذ بكونه جزءا من

المطلوب و إن لم يتعلق به الطلب المتعلق باسم الجملة، و دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.

ج 13، ص: 194

انحلال طلب الجملة إلى طلب كل جزء جزء في نفسه يمكن منعها، إلا أن للبحث في جميع ذلك مجالا ليس ذا محله.

نعم يرد على القول المزبور بل و سابقيه أيضا أنه ليس أحد منها يجمع به بين تمام أخبار المقام، ضرورة اشتمال بعضها على النهي عن القراءة ك

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح السابق (1): «إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع»

مؤيدا بإطلاق النهي عن القراءة و بإطلاقه في الجهرية، ضرورة صدقها و إن لم يسمع، بل و بإطلاق الأمر بالإنصات بناء على عدم توقفه على السماع كما يومي اليه بعض الأخبار، و بمساواتها حينئذ للإخفاتية التي أثبتنا الكراهة فيها، بل قد يدعى شمول بعض أخبارها لها، فيتجه حينئذ الحكم بالكراهة جمعا بين الأخبار كلها بعد إرادة الجواز من الأوامر، لورودها في مقام توهم الحظر، إلا أني لم أعرف بها قائلا، و لعله لأن العمدة في الشهادة لها مما ذكرناه الصحيح المذكور، و من المحتمل قويا إرادة الإخفاتية من

قوله (عليه السلام) فيه: «أ و لم تسمع»

لا الجهرية غير المسموعة كما عساه يومي اليه

صحيح الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن يكون صلاة يجهر فيها بالقراءة و لم تسمع فاقرأ».

و على كل حال فلا ريب أن الترك أحوط و إن كان القول بالحرمة في غاية الضعف، بل القول بالندب لا يخلو من قوة، خصوصا بعد فرض قطع النظر عن احتمال الحرمة و مراعاة قاعدة التسامح و إن كان يعارضها فيها احتمال الكراهة إلا أنه أقوى منها و من الإباحة هنا نصا و فتوى، و كأن المصنف توقف في رجحانه على الإباحة و إن جزم بعدم الكراهة حيث قال مستثنيا من عبارته السابقة إلا أن تكون الصلاة جهرية


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 195

ثم لا يسمع و لا همهمة فإنه لا يكره حينئذ، و التحقيق ما سمعت، كما أنك قد سمعت أيضا الكلام فيما أشار إليه من الخلاف في أصل المسألة أي قراءة المأموم خلف الامام بقوله و قيل يحرم، و قيل يستحب أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه بل قد سمعت أيضا ما به يعرف ما في إطلاق مختاره الذي أشار إليه بقوله و الأول أي الكراهة مطلقا إخفاتية أو جهرية مسموعة و لو همهمة أشبه فلا حظ و تأمل.

و لو كان يسمع بعض القراءة في الجهرية دون البعض ففي إلحاقه بالمسموع تماما أو عدمه كذلك أو كل منهما بكل منهما وجوه لا يخلو أخيرها من قوة، كما أنه يقوى هذا أيضا في باقي الصلوات التي لم يجب فيها جهر و لا إخفات كصلوات الآيات و العيدين و نحوهما، فينصت حيث يسمع و يقرأ حيث لا يسمع نحو ما سمعته من الوجوب و الحرمة و الكراهة، و يقوى في النظر أيضا جريان حكم السماع في الجهرية على من كان سمعه خارقا للعادة، فيسمع ما لا يسمعه غيره، بل و جريان حكم غير السامع على من كان ذلك بعرض كصمم و نحوه، لظهور الأخبار أن السماع و عدمه في الجهرية هو المدار، نعم قد يحتمل جريان حكم الإخفاتية على من يسمع القراءة فيها لشدة قرب من الامام و نحوه، مع احتمال العدم أيضا، فتأمل جيدا، و اللَّه أعلم.

[في وجوب القراءة خلف إمام لا يقتدى به]

هذا كله في الصلاة خلف الإمام المرضي و أما لو كان الامام ممن لا يقتدى به لأنه مخالف وجبت القراءة في الصلاة خلفه تقية كما صرح به جماعة من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا بينهم كما اعترف به في المنتهى و عن السرائر، بل نسبه في الحدائق إلى عمل الأصحاب تارة، و بزيادة «كافة» أخرى، لانتفاء القدوة المعتبرة في ضمان الإمام القراءة، بل هو منفرد حقيقة كما يومي اليه

خبر الفضيل (1)عن الباقر و الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4 و خبر الفضيل مذكور في ذيله.

ج 13، ص: 196

(عليهما السلام) «لا تعتد بالصلاة خلف الناصب و اقرأ لنفسك كأنك وحدك»

و خبر زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «عن الصلاة خلف المخالفين، فقال: ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر»

و ل

قول الصادق (عليه السلام) في الحسن كالصحيح (2): «إذا صليت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع»

و قول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين(3): «اقرأ لنفسك، و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» جواب سؤاله «عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته و الامام يجهر بالقراءة»

إلى غير ذلك مما يستفاد منه الحكم المزبور منطوقا و مفهوما.

فما في

خبر زرارة(4)عن الباقر (عليه السلام) «لا بأس بأن تصلي خلف الناصب، و لا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه، فان قراءته تجزيك إذا سمعتها»

و أخيه بكير(5)«سألت الصادق (عليه السلام) عن الناصب يؤمنا ما تقول في الصلاة معه؟

فقال: أما إذا جهر فأنصت للقراءة و اسمع ثم اركع و اسجد أنت لنفسك»

و غيرهما كخبر أحمد ابن عابد(6)و نحوه يجب طرحهما بعد إعراض عامة الأصحاب عنهما كما اعترف به في الحدائق، أو حملهما على فعل صلاة غير هذه الصلاة، لعلم الامام (عليه السلام) بضرر أو مصلحة في خصوص السائلين حتى في القراءة خفيا كما يومي اليه في الجملة صحيح معاوية بن وهب (7)بل و خبر إسحاق بن عمار(8)في المقام، بل و غيرهما في غيره، أو على إرادة القراءة خفيا بناء على أنها لا تنافي الإنصات، أو على إرادة القراءة بعد الإنصات كما عساه يومي اليه في الجملة صحيح ابن وهب (9)أيضا المشتمل على قصة ابن


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
6- 6 المستدرك- الباب- 30- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 لكن رواه عن أحمد بن عائذ و هو الصحيح.
7- 7 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
9- 9 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

ج 13، ص: 197

الكواء مع أمير المؤمنين (عليه السلام) أو غير ذلك.

نعم ظاهر بعض النصوص و الفتاوى الاجتزاء بالحمد خاصة مع التعذر كأن ركع الامام مثلا، بل في المدارك الإجماع عليه، و في الذخيرة نفي الخلاف فيه على الظاهر، ل

مرسل ابن أسباط(1)عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) المنجبر بما عرفت «في الرجل يكون خلف الامام لا يقتدى به فيسبقه الإمام

بالقراءة قال: إذا كان قد قرأ أم الكتاب أجزأ أن يقطع و يركع»

و خبر محمد بن أبي نصر(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «قلت له: إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أؤذن و أقيم و لا أقرأ إلا الحمد حتى يركع أ يجزيني ذلك؟ قال: نعم يجزيك الحمد و حدها»

بل و

خبر ابن عذافر(3)«سألت الصادق (عليه السلام) عن دخولي مع من أقرأ خلفه في الركعة الثانية فركع عند فراغي من قراءة أم الكتاب، فقال: تقرأ في الأخراوين كي تكون قد قرأت في ركعتين».

بل عن التهذيب و الروضة و الجعفرية و شرحها عدم وجوب إتمام الفاتحة لو ركع الامام قبل فراغ المأموم منها و إن أوجب فيما عدا الأولين منها إتمامه في أثناء الركوع كما في ظاهر الموجز و عن الدروس و الذكرى و البيان، لكن عن الأولين تقييده بالإمكان، و إلا سقطت، إلا أنا لم نعرف لهم دليلا على ذلك بالخصوص، بل ظاهر

صحيح أبي بصير(4)عن الباقر (عليه السلام) الدال على قطع القراءة مع التعذر خلافه قال: «قلت له: من لا أقتدي به في الصلاة، قال: افرغ قبل أن يفرغ، فإنك في حصار، فان فرغ قبلك فاقطع القراءة و اركع معه»

نعم إطلاقه دليلهم على قطع الفاتحة و الخروج عن إطلاق الأمر بالقراءة و ما دل على أنه لا صلاة بدونها، لكن قد يناقش


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 198

بأنه لا دلالة فيه على خصوص الفاتحة بل أقصاه الإطلاق المعارض بإطلاق نحو

قوله (صلى اللَّه عليه و آله):

«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»

بل و بخصوص مفهوم مرسل ابن أسباط المتقدم المؤيد بإشعار خبر ابن أبي نصر السابق، فعدم الاعتداد بالصلاة المزبورة حينئذ و وجوب إعادة غيرها لا يخلو من قوة، وفاقا للتذكرة و عن نهاية الأحكام، بل قيل: إنه قضية ما في المبسوط و النهاية.

و لعله أولى منه بذلك ما إذا لم يتمكن من شي ء من القراءة كما لو أدركهم في الركوع، لكن عن ظاهر الهداية و المقنع و البيان و نص التهذيب الانعقاد بمجرد تكبيره و دخوله معهم، و لعله ل

خبر إسحاق بن عمار(1)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

إني أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع و قد ركع القوم فلا يمكنني أن أؤذن و أقيم و أكبر، فقال لي: فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة و اعتدد بها، فإنها من أفضل ركعاتك، قال إسحاق: ففعلت ثم انصرفت فإذا خمسة أو

ستة قد قاموا إلى من المحزوميين و الأمويين فقالوا: جزاك اللَّه عن نفسك خيرا، فقد و اللَّه رأيناك خلاف ما ظننا بك و ما قيل فيك، فقلت: و أي شي ء ذاك؟ قالوا: اتبعناك حين قمت إلى الصلاة و نحن نرى أنك لا تقتدي بالصلاة معنا فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا، قال: فعلمت أن أبا عبد اللَّه (عليه السلام) لم يأمرني إلا و هو يخاف علي هذا و شبهه»

لكن فيه بعد إرادة التكبير المستحب من التكبير فيه و بعد الغض عن سنده أنه لعله لمصلحة لخصوص السائل كما وقع نظيره في غير المقام.

فالأولى عدم الاعتداد بها و لا بالصلاة التي يضطر فيها إلى القيام قبل التشهد، و لا يجزيه فعله قائما للأصل و إطلاق ما دل (2)على اعتبار الجلوس فيه السالمين عن


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 13، ص: 199

المعارض، خلافا للموجز و عن الجعفرية و شرحها من الاجتزاء به، بل قيل إنه به صرح علي بن بابويه فيما نقل من عبارته، بل في الأول إلحاق التسليم به أيضا، و لم نعرف له مستندا في الملحق و الملحق به.

نعم لا يجب الجهر في القراءة الجهرية إذا لم يتمكن منه قطعا كما في المدارك، و لا نعرف فيه خلافا كما في المنتهى، و لصحيح ابن يقطين السابق(1)

و مرسل ابن أبي حمزة(2)عن الصادق (عليه السلام) «يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس»

لكن من المعلوم إرادته المبالغة في الإخفات كما عن السرائر الاعتراف به، ضرورة عدم صدق اسم القراءة إن أريد الحقيقة، و ليس هو إلا مجرد تصور لا قراءة كما هو واضح، و لا ينافي ذلك ما حكي عن بعض العامة من وجوب قراءة المأموم فلا يجب الإخفات حينئذ لعدم التقية، لأنه من المحتمل أن المشهور بينهم عملا أو فتوى أيضا عدم القراءة بحيث لا يكفي في رفعها ذهاب بعضهم إلى القراءة، فتأمل.

[في حكم ما لو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام]

و لو فرغ المأموم من القراءة قبل الامام استحب له إبقاء آية من السورة ثم يذكر اللَّه و يسبحه و يكبر و يهلل حتى يفرغ فيتم السورة و يركع، بل أطلق الإمام (عليه السلام) في

موثق زرارة(3)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: أبق آية و مجد اللَّه و أثن عليه، فإذا فرغ قرأتها ثم تركع»

و خبر ابن أبي شعبة(4)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: فأتم السورة و مجد اللَّه تعالى و أثن عليه حتى يفرغ»

و لذا حكم في الذكرى بعد أن ذكر خبر زرارة باستحباب ذلك مع الإمام المرضي و غيره، و قال: إن فيه دلالة على استحباب التسبيح و التمجيد في الأثناء، و على جواز القراءة


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 200

خلف الامام، و هو جيد، بل فيه دلالة على عدم وجوب المتابعة في الأقوال في الجملة أيضا، خصوصا لو قلنا: المراد منه القراءة في الأخيرتين بالنسبة للمرضي.

ثم إن ظاهر النصوص و الفتاوى عدم وجوب إعادة هذه الصلاة بعد مراعاة تلك الأمور التي سمعتها من القراءة و غيرها و إن كان الوقت باقيا، بل و لو كان له مندوحة عن ذلك، وفاقا لبعض و خلافا لآخر، للإطلاق المزبور، و الحث على حضور جماعتهم، و إدراك الصف الأول و المبالغة في فضلها حتى أن في بعضها(1)التشبيه بصلاة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و في آخر(2)كسل السيف في سبيل اللَّه مع ظهور وجه الحكمة فيها من أنهم حتى يقولوا رحم اللَّه جعفرا ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه و لما يحصل به من تأليف القلوب و عدم الطعن على المذهب و أهله، و دفع الضرر و غير ذلك، بل قد ورد الحث (3)على مخالطتهم و عيادة مرضاهم و تشييع جنائزهم، و أنكم إن استطعتم أن تكونوا الأئمة و المؤذنين فافعلوا.

نعم يظهر من بعض المعتبرة(4)أن الأفضل الصلاة في المنزل ثم الصلاة معهم و أنها تحسب حينئذ نافلة، و لتمام البحث في ذلك محل آخر تقدم بعضه في الوضوء، إلا أنه ينبغي أن يكون المراد بمن لا يقتدى به في النصوص و الفتاوى العامي المخالف في الدين لا ما يشمل المؤمن الفاسق الذي يصلى خلفه رغبة أو رهبة، اقتصارا فيما خالف الأصول و العمومات من ترك الجهر بالقراءة أو تركها و نحوهما على الظاهر أو المتيقن من النصوص و الفتاوى، نعم لو فعل ذلك و لم يترك شيئا مما يجب عليه منفردا جاز و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 75- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 201

ألزم نفسه بالمتابعة الظاهرة الموهمة للائتمام تحصيلا لبعض الأغراض أو دفعا لبعض الضرر أعاذنا اللَّه من شر ذلك، و اللَّه أعلم.

[في وجوب متابعة المأموم للإمام]

و مما يعتبر في الجماعة أيضا أنها تجب المتابعة فيها على المأموم للإمام في الأفعال بلا خلاف أجده فيه على الظاهر كما اعترف به في الروض و الذخيرة و الحدائق بل في المعتبر و المنتهى و الذكرى و المدارك و المفاتيح و عن النجيبية و القطيفية و غيرهما الإجماع أو الاتفاق عليه، بل ظاهر الأول أنه كذلك بين المسلمين، بل هو صريح الثاني أو كصريحه، لظاهر الآية(1)و

النبوي (2)«إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا»

و إن كان هو عاميا على الظاهر إلا أنه رواه الأصحاب في كتبهم، بل و عملوا به، و لإشعار محافظة سائر المسلمين عليه في سائر الأعصار و الأمصار بوجوبه و لزومه أيضا، بل و إشعار سياق كثير من الأخبار المشتملة على لفظ الاقتداء و نحوه به، بل كاد يكون ظاهر فحوى ما تسمعه من المعتبرة(3)الآمرة بالرجوع لمن رفع رأسه من السجود أو الركوع قبل الامام لتحصيل الرفع معه و إن حصل مع ذلك زيادة ركن، بل و ظاهر الأخبار(4)الآمرة باشتغال المأموم بتسبيح و نحوه عند الفراغ من القراءة قبل الامام انتظارا لركوع الامام كي يركع معه، إلى غير ذلك مما يمكن تصيده من الأدلة حتى ما تسمعه من موثق ابن فضال (5)سؤالا و جوابا، فمن العجيب ما يظهر من بعض متأخري المتأخرين من انحصار دليل الأصحاب بعد دعوى الإجماع في النبوي العامي حتى أن بعض مشايخنا قال: إنه الأصل في هذا الباب.


1- 1 سورة البقرة- الآية 40.
2- 2 كنز العمال ج 4 ص 250- الرقم 5224.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجماعة.
5- 5 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 202

و كيف كان فالمراد منها في المشهور كما في الرياض أن لا يتقدم المأموم الإمام، بل هو معقد إجماع الذكرى السابق، كما أنه ظاهر غيرها أيضا، و قضيته جواز المقارنة كما نص عليه الفاضل و الشهيدان على ما حكي عن أولهما و غيرهم، بل في ظاهر المفاتيح

الإجماع عليه، و هو الحجة بعد صدق اسم الجماعة و الركوع مع الراكعين، بل و المتابعة أيضا، ضرورة الاكتفاء في تحققها بقصد المأموم ربط فعله بفعل الامام، و بعد نص الصدوق عليه في المحكي من عبارته التي هي في الغالب متون أخبار، و بعد إشعار ما ورد(1)في المصليين اللذين قال كل منهما كنت إماما، و إن كان لا يخلو من تأمل يعرف فيما يأتي في مسألة التقدم إن شاء اللَّه، مضافا إلى

المروي (2)عن قرب الاسناد صحيحا عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) «في الرجل يصلي إله أن يكبر قبل الامام؟

قال: لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد»

بناء على إرادة تكبيرة الإحرام منه التي يجب المتابعة فيها كالأفعال، بل لا قائل بجواز المقارنة فيها دون الأفعال، مع احتمال إرادة غير تكبيرة الإحرام منه من تكبير الركوع و السجود على أن يكون حينئذ كناية عن الفعل قبل الامام، إما لغلبة حصول الركوع مثلا بالتكبير، فمع فرض سبقه يحصل السبق بالركوع، و إما للتعبير به عنه كما وقع في غيره (3)من الأخبار السابقة في مسألة إدراك الامام و هو راكع، فيكون حينئذ عين ما نحن فيه.

و المناقشة بمتروكية ظاهره من وجوب المقارنة يدفعها أولا منع اقتضاء المعية

ذلك، بل هي تصدق على المقارن و على المتأخر المتصل بالمتقدم، و ثانيا الخروج عن ذلك بعد التسليم بمعلومية جواز التأخر المتصل نصا و فتوى، فيصرف الوجوب المزبور حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 203

إلى إرادة الوجوب التخييري، كما أنه يصرف بعض ما دل على وجوب التأخر من النبوي (1)المشتمل على فاء التعقيب، على أنه قد يناقش بعدم اقتضاء فاء الجزاء، بل قد يدعى ظهور الشرطية خصوصا إذا كانت الأداة نحو «إذا» الظرفية في المقارنة، إذ المراد اركعوا وقت ركوعه، نحو قوله: «وَ إِذا قُرِئَ. وَ أَنْصِتُوا»(2)، نعم قد يناقش في الخبر المزبور بظهور إرادة نفي القبلية من المعية فيه، كما يومي اليه

قوله (عليه السلام): «فان كبر قبله أعاد»

و يدفع بمنع إرادة خصوص ذلك منه، بل الظاهر إرادة الأعم، و لذا نص فيه على خصوص ذلك، و إن كان قد يحتمل أنه لندرة المقارنة خصوصا في مثل المأموم الذي يريد ربط فعله بفعل إمامه لا أنه يفعل مستقلا عنه، فيقارن فعل إمامه اتفاقا، لإمكان دعوى عدم جواز ذلك، لعدم تحقق التبعية فيه، بل أقصاه بناء على الجواز أن له الفعل الذي يعلم مقارنته لفعل إمامه، فيفعل بقصد التبعية لذلك، فتأمل جيدا.

و على كل حال فما يظهر من المحكي عن إرشاد الجعفرية من تفسير المتابعة بالتأخر خاصة بل كأنه مال إليه في الحدائق ضعيف و إن كان هو الأحوط، بل في الروض و الذخيرة و عن غيرهما أنه الأفضل، بل عن الصدوق و الشهيد الثاني في روضته انتفاء الفضيلة مع المقارنة رأسا إلا أنا لم نعرف لهم دليلا على ذلك، و لذا كان ظاهر المفاتيح تمامية الجماعة به لحصول السبب الذي يترتب عليه مع ذلك أحكام الجماعة من سقوط القراءة و نحوه، و دعوى اشتراط الفضيلة بأمر زائد على سببية تلك الأحكام لا نعرف لها شاهدا.

ثم لا يخفى أن المتابعة كما يقدح في تحققها عرفا السبق كذلك التأخر الطويل عن


1- 1 كنز العمال ج 4 ص 250- الرقم 5224.
2- 2 سورة الأعراف- الآية 203.

ج 13، ص: 204

وقوع الفعل بعد فعل الامام ركنا و غيره، خصوصا إذا أدى ذلك إلى فراغ الامام من فعله قبل فعل المأموم، ضرورة عدم صدق المتابعة حينئذ عرفا كما اعترف به المولى الأكبر في مطاوي كلماته على الظاهر بل يؤيده أيضا إرادة نحو ذلك منها في باب الوضوء و إن لم نقل بوجوبه، و لعل المتابعة غير التبعية عرفا، أو هما بمعنى و يقدح التأخر في صدقهما، أو أن المنساق من إطلاقهما ما لا يشمل التأخر المعتد به، فكان من اللازم حينئذ إضافة و لا يتأخر تأخرا فاحشا إلى التفسير السابق لها، بل في المنتهى «أن الأقرب وجوب المتابعة في ترك الفعل المندوب أيضا، فلو نهض الامام من السجدة الثانية قبل أن يجلس نهض المأموم أيضا من غير جلوس، لأن المتابعة واجبة فلا يشتغل عنها بسنة» إلى آخره و إن كان هو لا يخلو من نظر.

و دعوى أن المتابعة لا يقدح فيها إلا السبق يدفعها- مضافا إلى العرف و الآية(1)و ظاهر لفظ الاقتداء و الائتمام، و

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(2): «فإذا ركع فاركعوا»

و إلى ما يفهم من المدارك و الذخيرة و الحدائق عند البحث في جواز مفارقة المأموم الإمام لعذر و عدمه من الإجماع على ذلك، بل هو صريح الرياض هناك، ضرورة صدق المفارقة في الفرض- ما يشعر به المعتبرة المستفيضة الدالة على ترك المأموم القراءة عند ركوع الامام، منها ما مر(3)في المبحث السابق، إذ هي و إن كانت واردة في الائتمام بمن لا يقتدى به إلا أنه من المعلوم إرادة إظهار مراعاة أحكام الجماعة حقيقة كما هو واضح، و منها

صحيح معاوية(4)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يدرك


1- 1 سورة البقرة- الآية 40.
2- 2 كنز العمال ج 4 ص 250- الرقم 5224.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجماعة.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.

ج 13، ص: 205

آخر صلاة الامام و هو أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته، قال: نعم»

لكن قد يناقش بأنه ظاهر في الركوع الأول المتوقف انعقاد الجماعة عليه، و هو خارج عن محل البحث، و يمكن دفعها بالتأمل، و منها

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) في المسبوق أيضا، قال فيه: «إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب»

، و عن

الفقه الرضوي (2)«فإن سبقك الإمام بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك الحمد و سورة، فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد»

و عن

دعائم الإسلام (3)عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) «إذا أدركت الامام و قد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك، فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب و سورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ».

إذ من الواضح أن ذلك كله في جميعها محافظة على إدراك ركوع الامام، و احتمال إرادة الرخصة منها لا العزيمة بعيد، كيف و هي

ظاهرة في أن قراءة السورة ليست من الأعذار المسوغة تفويت المتابعة، بل قد يظهر من الأخير أن إتمام الفاتحة كذلك أيضا فلا يندرج حينئذ في المحكي عن إرشاد الجعفرية من أنه لا خلاف في الصحة إذا تخلف عن الامام بركن أو ركنين لعذر، و الظاهر إرادته عدم الإثم في التأخير أيضا، و إلا فنفس صحة الصلاة و الاقتداء و إن أثم تحصل بالتأخير العمدي من غير عذر أيضا، ضرورة كونه من المتابعة التي ستعرف تعبدية وجوبها لا شرطيته لا في الصلاة و لا في


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 14.
3- 3 المستدرك- الباب- 38- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 206

الائتمام، و لذا أطلق في المنتهى و الموجز على ما حكي عنهما أنه إن تخلف بركن كامل لم تبطل، بل في الثاني منهما التصريح بالجواز و إن كانت المتابعة أفضل، بل قال في الذكرى ما نصه: «و لو سبق الإمام المأموم بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه و التحقق بالإمام سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر، و قد مر مثله في الجمعة، و لا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن و لا أكثر عندنا» و في التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخير بركن، و المروي بقاء القدوة رواه عبد الرحمن (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) فيمن لم يركع ساهيا حتى انحط الامام للسجود يركع و يلحق به، و هو جيد إلا أنه أنكر في الحدائق بعد أن حكى عن الشهيد ما سمعت عليه ذلك، و كأنه فهم منه جواز ذلك للمأموم

بمعنى عدم الإثم عليه، فأخذ يستنهض الأخبار السابقة على خلافه، و فيه أنه لا دلالة في كلامه على ما فهم منه من الجواز المزبور الذي هو صريح الموجز أو كصريحه بل أقصاه بقاء القدوة، فيكون كفوات المتابعة بالسبق.

و دعوى ظهور الأخبار المزبورة في فوات القدوة ممنوعة على مدعيها كما لا يخفى على من لاحظها مع التأمل، فما في الحدائق من بطلان الاقتداء بفوات الركن ضعيف جدا، خصوصا إن أراد ما يشمل العذر من السهو، و عدم التمكن من الركوع و السجود لشدة الازدحام، ضرورة مخالفة الأول لخبر عبد الرحمن المزبور، و الثاني لما ورد(2)في الجمعة فيمن زوحم عن الركوع و السجود، اللهم إلا أن يفرق بين الجمعة باعتبار وجوب الجماعة فيها و بين غيرها مما لا يجب فيه ذلك، بل المتجه فيه حينئذ إما نية الانفراد بناء على اعتبارها، أو القول بصيرورته منفردا قهرا، أو يحكم عليه باستئناف الصلاة، لكنه كما ترى ضعيف، و الأقوى مساواة حكم المتابعة بالتأخر لحكمها بالتقدم، ضرورة كونهما من واد واحد.


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 13، ص: 207

نعم قد يتوقف في بقاء القدوة بالسبق أو التأخر إذا تفاحش بحيث سلب معهما صورة الجماعة و الاقتداء، كما لو تأخر عنه في أفعال كثيرة أو سبقه كذلك، و إن أطلق في الذكرى عدم فوات الاقتداء بفوات الأكثر، بل قد تشعر عبارته بدعوى الإجماع عليه، إلا أن

الأولى ما سمعت، و لعله يرجع اليه ما في كشف الالتباس من الحكم ببطلان الاقتداء مع التأخر بركنين لغير عذر بناء منه على فوات الصورة بذلك.

هذا كله في الأفعال أما الأقوال فلا ريب بل و لا خلاف على الظاهر في وجوبها في تكبيرة الإحرام كما اعترف به في الذخيرة و الكفاية، بل في الروض و الحدائق و الرياض الإجماع عليه، ضرورة عدم صدق الاقتداء بمصل مع فرض سبق المأموم بها، بل و عدم تحقق الجماعة المحفوظة عند المسلمين خلفا عن سلف و يدا عن يد، لا أقل من الشك في تناول الإطلاقات لمثل ذلك، بل لا يبعد إلحاق المقارنة بالسبق في الفساد هنا و إن لم نقل به في الأفعال وفاقا للمدارك و الذخيرة و غيرهما، بل ظاهر الرياض نسبته إلى فتوى أصحابنا، اقتصارا في العبادة التوقيفية على المعهود المتيقن في البراءة، خصوصا بعد ملاحظة النبوي (1)المتقدم سابقا بناء على ظهوره في التأخر، ك

خبر أبي سعيد الخدري (2)عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) المروي عن المجالس مسندا إليه «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم و أقيموها و سووا الفرج، و إذا قال إمامكم: اللَّه أكبر فقولوا: اللَّه أكبر، و إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا و لك الحمد»

و حملا للمعية في صحيح قرب الاسناد السابق على نفي التقدم (3)خاصة، أو على غيره مما تقدم


1- 1 كنز العمال ج 4 ص 250- الرقم 5224.
2- 2 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
3- 3 و في النسخة الأصلية« في صحيح الدعائم السابق على التقدم» و الصحيح ما أثبتناه لعدم التعبير عن الدعائم بالصحيح مضافا إلى عدم روايته عن موسى بن جعفر ع و أما إضافة لفظة« نفى» فوجهه واضح.

ج 13، ص: 208

أو على التقية، لأنه المحكي عن أبي حنيفة، خصوصا و المروي عنه فيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) المعروف حاله في زمانه، و استظهارا من الأدلة انحصار الاقتداء بالمصلي الذي يمكن منع تحققه إلا بعد انتهاء التكبير الذي جعله الشارع افتتاح الصلاة مقابل اختتامها بالتسليم، و احتمال حصول الصدق بمجرد الشروع فيه لأنه جزء من الصلاة قطعا فجزؤه جزء منها و إن كان تحريم القطع و نحوه مراعى بالإتمام يدفعه إمكان منع صدق الاقتداء بالمصلي عرفا قبل الإتمام، و إن صدق عليه أنه شرع في الصلاة بمجرد الشروع فيه، على أنه لا أقل من عدم انصراف الإطلاق اليه، على أنه يقتضي عدم صحة المقارنة بأول حرف منه أيضا، ضرورة ظهور السبق في تحقق وصف الصلاة بالمقتدى به لا المقارنة بل قد يدعى أيضا عدم جواز سبقه بإتمام التكبير و إن تأخر عنه في الابتداء، لصدق السبق بها حينئذ عليه الذي قد عرفت انعقاد الإجماع على عدم الصحة معه.

فلا ريب أن الأحوط بل الأقوى وجوب المتابعة فيها بمعنى عدم شروع المأموم فيها إلا بعد فراغ الامام منها، خلافا لما تشعر به بعض العبارات من جواز المقارنة فيها بل حكاه في الذكرى قولا، بل في مفتاح الكرامة نقله عن الشيخ في أوائل كتاب الصلاة من المبسوط، بل في التذكرة و عن نهاية الأحكام الإشكال فيه مشعرا بالتردد فيه.

و أما غيرها من الأقوال فيقوى في النظر عدم وجوب المتابعة فيها، فله السبق حينئذ فضلا عن المقارنة وفاقا لصريح بعضهم، و ظاهر آخرين، بل في المفاتيح و الرياض نسبته إلى الأكثر، بل في الحدائق الظاهر أنه المشهور، و لعلهم أخذوه من اقتصارهم على ذكر المتابعة في غير الأقوال، و إلا فعن الفاضل الشيخ إبراهيم البحراني في إيضاح النافع أني لم أقف فيه على نص و لا فتوى من القدماء، بل يمكن إرادة ما يعم الأقوال من الأفعال المذكور فيها المتابعة في كلام الأصحاب، قلت: بل قد يدعى أنه ظاهر

ج 13، ص: 209

الكتاب و النافع و القواعد و التحرير و الموجز حيث أطلق فيها المتابعة من غير ذكر الأقوال و الأفعال، كما عن اللمعة و النفلية و الهلالية و الغرية و غيرها، بل هو معقد إجماع أهل العلم في المنتهى و إن كان تفريع المصنف و غيره السبق في الركوع و السجود عليها قد يومي إلى إرادة الأفعال منها، بل صرح في الدروس و البيان و كشف الالتباس بوجوبها فيها أيضا كما عن الجعفرية و إرشادها و الميسية.

لكن و مع ذلك فالأقوى ما عرفت للأصل و إطلاقات الجماعة و ما تسمعه من أخبار التسليم (1)و السيرة و فحوى عدم وجوب الاسماع على الامام و الاستماع على على المأموم، كفحوى عدم وجوب قراءته خصوص ما يفعله الإمام في الركعتين الأخيرتين و في ذكر الركوع و السجود و غيرهما حتى القنوت، إذ في الروض أن المتابعة كما تستحب أو تجب في الأقوال الواجبة فكذا في المستحبة، و هو صريح في اندراجها في البحث، و العسر و المشقة و تأديته إلى فوات الاقتداء في بعض الأحوال، و ما يشعر به ما ذكر في النص (2)و الفتوى من تسبيح المأموم أو إبقاء آية حتى يركع لو فرغ من القراءة قبل الامام، و إمكان المناقشة ببعض ذلك بأن من قال بوجوب المتابعة فيها يقيده بالسماع مع أنه له أن يقول في صورة عدمه أيضا بوجوب ترك القول عليه إذا علم عدم قول الإمام أو بوجوب التأخير ما دام لم يظن قوله كما ترى تحكم من غير حاكم، و إلزام بدون ملزم.

و من الأقوال التسليم، فيجري فيه البحث كما هو قضية عموم الأقوال في الفتاوى و احتمال اختصاصه بعدم جواز السبق فيه و إن قلنا بالجواز في غيره مراعاة لعدم خروج المأموم عن الصلاة قبل خروج الامام كما يومي اليه ما عن جماعة من تقييد جواز تسليمه بالعذر أو بقصد الانفراد يدفعه- مع ابتنائه على وجوب المتابعة في الأقوال كما في


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 210

الروض نسبته إلى أهل هذا القول، أو احتمال أن ذلك ليس من حيث المتابعة المبحوث فيها- ظاهر

صحيح الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد، فقال: يسلم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحب»

إذ لا ظهور فيه بحصول عذر يقضي بجواز ترك الواجب، بل هو ظاهر في عدمه، كما أنه لا ظهور فيه بوجوب قصد الانفراد قبل سبقه، و

صحيح أبي المعزى (2)عنه (عليه السلام) أيضا المعمول به بين الأصحاب كما في الروض «في الرجل يصلي خلف إمام فسلم قبل الامام، قال: ليس بذلك بأس»

و صحيحه الآخر(3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يكون خلف الامام فيسهو فيسلم قبل أن يسلم الامام، قال: لا بأس»

إذ لو أن المتابعة واجبة لوجب عليه تكرار السلام مع الإمام كالأفعال على ما ستعرف، بل من هذه الأخبار يستفاد قوة القول بعدم وجوب المتابعة في باقي الأقوال زيادة على ما سمعت، ضرورة مساواتها له أو أولويتها، بل في الروض لا قائل بالفرق بينه و بينها.

و كيف كان فوجوب المتابعة فيها من حيث كونها متابعة تعبدي لا شرطي لا في الصلاة و لا

في إبقاء أحكام الجماعة كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل عليه عامة المتأخرين كما اعترف به في الذكرى و عن إيضاح النافع و النجية، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كظاهر التذكرة و عن نهاية الأحكام و مجمع البرهان و إرشاد الجعفرية و غيرها، و لعله كذلك، لاتفاق ما وصل إلينا من فتاوى أساطين الأصحاب عليه من غير خلاف أجده فيه بينهم، و إن حكاه بعضهم عن ظاهر قول الصدوق لا صلاة له، و ظاهر قوله في المبسوط: و من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته.

لكن فيه أن الظاهر إرادة الأول فوات فضيلة الجماعة رأسا على ما سمعته سابقا


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.

ج 13، ص: 211

منه و من الشهيد الثاني كما يومي اليه ما ذكره في المقارنة بعده بلا فاصل، قال على ما حكي عنه إن من المأمومين من لا صلاة له، و هو الذي يسبق الإمام في ركوعه و سجوده و رفعه، و منهم من له صلاة واحدة و هو المقارن له في ذلك، و منهم من له أربع و عشرون ركعة، و هو الذي يتبع الإمام في كل شي ء و يركع بعده و يسجد بعده و يرفع منهما بعده، فتأمل.

و الثاني المفارقة الانفرادية لا ما نحن فيه، و إلا فالمحكي عن نسختين صحيحتين منه أنه قال: «و ينبغي أن لا يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، فإن رفع ناسيا عاد اليه ليكون رفعه مع رفع الامام، و كذلك القول في السجود، و إن فعل ذلك متعمدا لم يجز له العود إليه أصلا، بل يقف حتى يلحقه الامام» و نحوه في السرائر، و هو صريح في موافقة الأصحاب، فتأمل جماعة من متأخري المتأخرين حتى الفاضل في الرياض تبعا للمحكي عن جده في شرح المفاتيح في ذلك في الجملة في غير محله، ضرورة أن العمدة في إثبات أصل وجوبها كما عرفت الإجماع، و أقصى الثابت منه بقرينة اتفاقهم هنا التعبدي و إلا فلا نص فيها بالخصوص كي يظهر من إطلاق اعتبارها فيه الشرطية على نحو غيرها من الشرائط، مضافا إلى فحوى المعتبرة(1)المستفيضة الآتية التي أمر فيها بالرجوع إلى الامام أو النهي عنه، إذ لا يتصور إلا بعد إحراز بقاء الصحة مع المخالفة، بل فهم الأصحاب خصوص العمد من موثق غياث بن إبراهيم كما ستعرف، بل خبر ابن فضال صريح فيه، بناء على عدم إرادة العلم من الظن فيه، و على عدم الاكتفاء في امتثال خطاب المتابعة المتوقف على العلم بفعل الامام لا الظن، فتأمل.

بل ينبغي القطع بذلك لو كان الترك لعذر كشدة تضايق الصف بحيث لا يتمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 212

من الركوع و السجود معهم و نحوه بملاحظة أخبار الجمعة(1)بناء على عدم الفرق بين كيفية الجماعتين، بل قد يستفاد منها زيادة على ما سمعت إلحاق الناسي و نحوه، لأنه من الأعذار أيضا، و دعوى أن التأمل في صورة العمد خاصة لعدم الإتيان بالمأمور به على

وجهه و لاقتضاء النهي الفساد في العبادة اقتضاء عقليا لا يمكن معارضته بدليل يدفعها أن كونه وجها موقوف على شرطيته التي هي محل البحث، و أن اقتضاء النهي الفساد عقلا فيما إذا تعلق بالعبادة نفسها أو جزئها مثلا لا في أمر خارجي عنها كمحل البحث، إذ السبق أو التأخر أمران خارجان عن مسمى الركوع قطعا، فلا قبح و لا منع في العقل لو صرح الشارع بوجوب مثلهما تعبدا لا مدخلية له في صحة الصلاة كما هو واضح، بل اعترف به بعض الخصوم، إلا أنه تأمل فيما يثبته من الأدلة، و قد عرفتها و عرفت الفرق بين المتابعة و غيرها مما ذكروا اعتباره في الجماعة من التقدم في الموقف و العلو و الحائل و نحوها، و أن الفساد هناك نشأ من جهة أنه ظاهر الأدلة التي دلت على اعتبارها في الجماعة، بل في بعضها أنه لا صلاة له بخلافها، بل لعل الأمر فيها بالعكس كما لا يخفى.

[في حكم ما لو رفع المأموم رأسه قبل الإمام عمدا]

و على كل حال فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر كما في المبسوط و السرائر و النافع و المنتهى و التحرير و الذكرى، و كذا الدروس و البيان و حاشية الإرشاد للمحقق الثاني، بل عن سائر كتبه و كتب الشهيدين و النهاية و إيضاح النافع و الميسية و غيرها، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الذكرى ما يقتضي نسبته إلى المتأخرين، بل في المدارك أنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا، كما أن في ظاهر التذكرة و عن نهاية الأحكام ما يشعر بنسبته إليهم أيضا، و لعله كذلك، إذ لا أجد فيه خلافا صريحا معتدا به سوى ما يحكى عن مقنعة المفيد «من صلى مع إمام يأتم به فرفع رأسه قبل الامام فليعد إلى الركوع حتى يرفع رأسه معه، و كذلك إذا رفع رأسه من السجود


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 13، ص: 213

ليكون ارتفاعه عنه مع الامام» مع أنه لا صراحة فيه، لاحتمال إرادته السهو خاصة، بل في مفتاح الكرامة ليس له فيما عندنا من نسخ المقنعة عين و لا أثر، و لعلهم توهموا ذلك مما أصله في التهذيب، فظنوا أن ذلك كلام المفيد، و ليس كذلك قطعا، و إنما هو من كلام الشيخ، و ما دروا أن الشيخ أولا قصد شرح المقنعة ثم رأى أنه أهمل فيها كثيرا من المباحث المهمة فأصل لنفسه، ثم عدل عن ذلك كله، و أن ذلك لواضح.

و أول من توهم ذلك صاحب المدارك و اقتفاه الخراساني و الكاشاني، و مع الإغضاء عن ذلك فهو ضعيف في نفسه و إن وافقه عليه الكاشاني أولا ثم استصوب استحباب الإعادة، بل قربه الخراساني أيضا في الكفاية في الرفع من السجود، و لم يستبعد التخيير في الركوع، كالمحدث البحراني تردد في وجوب الإعادة و استحبابها بعد أن جزم بخلاف ما عليه الأصحاب من وجوب الاستمرار، بل يشهد له ترك الاستفصال في

صحيح الفضيل (1)سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن رجل صلى مع إمام يأتم به ثم رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: فليسجد»

و صحيح ابن يقطين (2)الذي هو ك

خبر الأشعري (3)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الامام، قال: يعيد ركوعه معه»

بل قد يستفاد من موثق ابن فضال (4)الآتي خصوصا بناء على إرادة الراجح من الظن فيه، و عدم الاجتزاء به في امتثال خطاب المتابعة، فتأمل، و

موثق محمد بن علي بن فضال (5)قال لأبي الحسن (عليه السلام) أيضا: «أسجد مع الامام و أرفع رأسي قبله أعيد، قال: أعد و اسجد».

لكن بملاحظة ظهور اتفاق الأصحاب- الذين من أيديهم خرجت هذه الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.

ج 13، ص: 214

و هم أعرف من غيرهم بها، و ما دل (1)على البطلان بزيادة الركن، بل و مطلق الزيادة في الصلاة عمدا، و تعارف عدم تعمد السبق و قصده في الجماعة، خصوصا بعد حرمته شرعا التي يبعد من المسلم الآني لتحصيل فضيلة الجماعة

و استحبابها ارتكابها- يجب تنزيلها على غير صورة العمد إلى مخالفة الإمام بسبقه، بل لعل ذلك مع وجوب حمل فعل المسلم خصوصا مثل ابن فضال على غير المحرم هو الداعي إلى ترك الاستفصال في السؤال، لا إرادة التعميم في المقال سيما مع ملاحظة

سؤال ابن فضال في الموثق الآخر(2)لأبي الحسن (عليه السلام) أيضا كتب إليه «في الرجل كان خلف إمام يأتم به فيركع قبل أن يركع الامام و هو يظن أن الامام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد ركوعه مع الامام أ يفسد ذلك عليه صلاته أم يجوز تلك الركعة؟ فكتب يتم صلاته و لا تفسد صلاته بما صنع»

إذ لعله منه يقوى في الظن إرادته بل و غيره من السؤال عن الرفع و نحوه ما لا يشمل العمد للسبق بل كان لسهو أو تخيل فعل الامام و نحو ذلك، و ملاحظة النهي في

موثق غياث بن إبراهيم (3)قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) «عن الرجل رفع رأسه من الركوع قبل الامام أ يعود فيركع إذا أبطأ الامام و يرفع رأسه معه؟ قال: لا»

المتجه بسببه الجمع بينه و بين الأخبار السابقة بما عليه الأصحاب من تنزيله على العمد، و الأولى على غيره، إذ هو أولى من الطرح قطعا، و من حمله على رفع الوجوب و الأولى على الندب أو الجواز، أو على كون الامام ممن لا يقتدى به، إذ الحكم فيه أنه لا يجوز العود اليه قطعا، كما أنه صرح به غير

واحد، لأنه بحكم المنفرد عنه، أو على التفصيل بين الركوع و السجود، فيرجع في الثاني دون الأول، لاستلزامه زيادة الركن دونه،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع و الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 215

بل الأخير مع أنه كاد يكون خرق الإجماع المركب لا يتجه في مثل صحيح ابن يقطين السابق و خبر الأشعري، إلا أن يحملا على ما عليه الأصحاب من اغتفار ذلك سهوا و هو رجوع إلى ما فر منه، على أنه مع ذلك كله يمكن دعوى إشعار الموثق المزبور بالعمد لا لظهور قوله: «رفع» فيه بالقصد، إذ هو كالأفعال في الأخبار السابقة المحمولة عند الأصحاب على السهو، و القصد أعم من العمد المراد منه هنا قصد سبق الامام بذلك لا مطلق القصد إلى الرفع الذي يمكن مجامعته للسهو عن الجماعة و نحوه، بل لايماء قوله فيه: «أبطأ الإمام» إلى أن رفعه ذلك كان لتخيله قرب لحوق الامام به، و إلى أنه لم يمكث مع الامام زمانا معتدا به، و لذا أبطأ عليه، و لغير ذلك، لا أقل من أن يكون شهرة الأصحاب أو اتفاقهم شاهدا على الجمع المزبور، ضرورة عدم حصول الظن معهما بإرادة صورة العمد من إطلاق الأخبار الأول و لا صورة السهو من الموثق المزبور، فيبقى كل منهما حجة في كل منهما.

[في حكم ما لو رفع المأموم رأسه قبل الإمام سهوا]

و يتضح حينئذ وجه ما ذكره المصنف من أنه لو كان ذلك الرفع من الركوع و السجود ناسيا للمأمومية أعاد كما في جميع الكتب السابقة في صورة العمد للأخبار السابقة، و أولويته من ظن الركوع أو مساواته له، و بقاء خطاب المتابعة، و غير ذلك مما يستفاد مما قدمنا حتى ما سمعته أولا من إمكان الاستئناس له بأخبار جماعة الجمعة الدالة على اغتفار ترك المتابعة لعذر كالضيق و نحوه، ضرورة أنه من الأعذار أيضا، بل في بعضها(1)التصريح بأنه لا بأس بترك الركوع مع الامام سهوا فيركع ثم يلحق به، بل في آخر(2)التصريح بعدم البأس في الجملة بزيادة السجدتين فيمن لم يتمكن من السجود خاصة في الركعة الأولى، و لما قام الإمام للثانية بقي قائما معه فلما ركع الامام لم يستطع أن يركع هو معه لكنه سجد معه،

قال الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 216

«فان كان نوى بالسجدتين أنهما للأولى قام و جاء بركعة ثانية و تمت صلاته، و إن لم ينو أنهما للأولى أو الثانية لم يكونا لأحدهما، فيجي ء بسجدتين جديدتين للأولى، و يقوم و يأتي بركعة ثانية و تمت صلاته»

إذ هو صريح في اغتفار زيادة السجدتين اللتين هما ركن هنا للعذر، مضافا إلى ما

سمعته من الأخبار السابقة، فالتفصيل حينئذ بين رفع الرأس في الركوع و بينه في السجود لاستلزام الأول زيادة ركن بخلاف الثاني اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، على أنه قد يستلزم زيادة الركن في السجود أيضا لو فرض سبقه بالرفع في السجدتين.

ثم من المعلوم أن ظاهر الكتاب و الأصحاب و النصوص كما عرفت و اعترف به غير واحد وجوب الاستمرار في الأولى و الإعادة في الثانية، لكن في التذكرة و عن نهاية الأحكام عدم وجوب العود في الأخيرة، و كأنه مال إليه في المدارك، و لا ريب في ضعفه بعد ما سمعت من تلك الأدلة المعتضدة بما عرفت السالمة عن المعارض بعد تنزيل موثق النهي (1)على صورة العمد، فلو ترك الاستمرار في الأول بطلت صلاته للنهي في الموثق المزبور بعد ضميمة عدم القول بالفصل بين الركوع و غيره، لاستلزامه الزيادة عمدا في الصلاة التي لم يثبت اغتفارها هنا، خصوصا لو كانت ركنا، بخلاف الإعادة في الثانية و إن استظهره في المدارك أيضا، لكن الأقوى خلافه، لصيرورته حينئذ كالعامد التارك للمتابعة، كما في الدروس و البيان و الموجز و عن الجعفرية و شرحيها و فوائد الشرائع و تعليق النافع و الفوائد الملية، فيأثم و لا تبطل صلاته كما صرح به في الهلالية و الميسية و الروضة على ما قيل، اللهم إلا أن يدعى الفرق بينهما بظهور الأمر في النصوص هنا بالشرطية و توقف الصحة عليه، بخلاف ترك المتابعة عمدا، و بأنه لما كان رفعه نسيانا


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 217

لم يكن هو الرفع المطلوب منه فيحتاج إلى الإعادة كي يحصل له الرفع المطلوب الذي هو مع الامام، و إن كان ضعف الثاني واضحا بمنع عدم كونه المطلوب بعد أن عرفت تعبدية وجوب المتابعة، و لذا لو أراد الناسي العود فرفع الإمام رأسه سقط العود على الأقرب كما في البيان، و استجوده في كشف الالتباس، و مثله لو نسيه أيضا، بل و قد يناقش في الأول أيضا بتبادر إرادة المتابعة من هذه الأوامر، و قد عرفت تعبديتها.

لكن و مع ذلك فالأحوط إعادة الصلاة خصوصا في الوقت، بل اقتصر في الكفاية و الذخيرة على الجزم به، و نظر في القضاء، و ظان الرفع من الامام كالناسي في الأحكام كما في الدروس و البيان و عن غيرهما ممن تأخر عنهما، للموثق المزبور بضميمة عدم القول بالفصل، لكن قد يناقش بعد التسليم باحتمال إرادة العلم هنا، فتأمل.

هذا كله في السبق في الرفع من حيث كونه رفعا، أما إذا كان قد رفع رأسه عمدا قبل أن يذكر الذكر الواجب بطلت صلاته لا للسبق بل لتعمد تركه الذكر، و هو أمر غير ما نحن فيه، فما في التذكرة و الموجز و عن نهاية الأحكام و الهلالية- من التصريح هنا بأنه لو سبق إلى رفع من ركوع أو سجود فان كان بعد فعله ما يجب من الذكر استمر و إن كان لم يفرغ إمامه منه، و إن كان قبله بطلت و إن كان قد فرغ إمامه- لا مدخلية له في محل البحث.

أما لو كان ناسيا فلا ريب في عدم البطلان، لكن لو عاد إليهما تحصيلا للمتابعة ففي وجوب الذكر عليه لرجوعه إلى محله و تنزيل تثنية الركوعين منزلة ركوع واحد بقرينة

قوله (عليه السلام)(1): «يعود و يرجع»

و عدمه لخروجه عنه، و حصول ركوع الصلاة الذي كان يجب الذكر فيه، و لذا لا يجب عليه فعله لو صادف الامام رافعا، و منع كونهما ركوعا واحدا شرعا، إذ اغتفار الزيادة أعم من ذلك؟ وجهان أو قولان، أحوطهما الأول،.


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6 و فيه « أ يعود فيركع».

ج 13، ص: 218

و أقواهما الثاني.

[في حكم ركوع المأموم و سجوده قبل الإمام]

و كذا الحكم لو أهوى المأموم إلى ركوع أو سجود قبل إمامه، فيستمر مع العمد و إن أثم كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل عليه عامة المتأخرين كما اعترف به في الذكرى، بل في التذكرة و غيرها نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعله كذلك، إذ لا خلاف أجده فيه إلا من بعض متأخري المتأخرين، فتردد في صحة الصلاة معه أو جزم

بالعدم نحو تردده أو جزمه فيما سبق، و ربما حكي عن المبسوط، و هو وهم لما سمعته من عبارته، و استشعر أيضا من عبارة الصدوق المتقدمة، لكنه على كل حال ضعيف جدا، لما عرفت من تعبدية المتابعة لا شرطيتها، كضعف احتمال وجوب الرجوع عليه لإطلاق الأخبار السابقة في الرفع بناء على عدم القول بالفصل بينه و بين الركوع، إذ قد عرفت تنزيله على صورة النسيان جمعا بينه و بين الموثق السابق، فقضية عدم القول بالفصل وجوب الاستمرار عليه كما في الرفع المشترك مع ما نحن فيه ببعض الأدلة السابقة من استلزام زيادة الركن التي لم يثبت اغتفارها هنا، أو زيادة غيره كذلك بناء على إفساد مطلق الزيادة في الصلاة.

نعم قيد الصحة في التذكرة مع السبق إلى الركوع بعد أن اعترف بإطلاق الأصحاب كالمتن و المبسوط و السرائر و غيرها بما لم يكن قبل فراغ الامام من القراءة، و إلا فسدت الصلاة، و تبعه الشهيد في الذكرى و الدروس و الحواشي المنسوبة اليه و أبو العباس في الموجز و غيرهما، بل و المحقق الثاني على ما حكي عنه و عن شيخه ابن هلال و تلميذيه شارحي الجعفرية، بل في المدارك بطلت قطعا، بل في الذكرى و إن كان قد قرأ المأموم في صورة يستحب له ذلك بناء على عدم إجزاء الندب عن الفرض، و هو جيد إن لم يثبت ضمان الامام لها على جميع أحوال المأموم، كما لعله الظاهر من إطلاق الأدلة و الفتاوى في المقام و غيره، فلا يعتبر حينئذ في المأموم ما يعتبر في القاري حال

ج 13، ص: 219

القراءة من الطمأنينة و الانتصاب و نحوهما، بل قد يومي اليه زيادة على ذلك ايتمامه في أثناء القراءة أو بعدها مع اكتفائه بقراءة الإمام، بل و ظاهر اتفاقهم في صورة السبق سهوا على عدم وجوب القراءة عليه بعد رجوعه إلى الامام إذا كان قد ركع في أثنائها، على أنه يجب تقييد ما ذكروه بما إذا لم يكن ذلك غفلة عن القراءة و إن كان هو قد تعمد السبق كما في الدروس، إذ لا منافاة بين تعمده ذلك و غفلته عنها، فيكون حينئذ كترك الطمأنينة حال قراءة الإمام غافلا الذي لا يقدح في ضمان الامام عنه، ضرورة مساواة الانتصاب الفائت بسبب الركوع لها، و إن كان هو في الأول يجب الرجوع إليها إذا تنبه، لتمكنه منها، بخلافه في الثاني، لاستلزامه زيادة ركن و خروجه عن محل تدارك المنسي، فتأمل جيدا، و لتمام البحث في ذلك كله مقام آخر لكنه على كل حال هو غير ما نحن فيه، إذ الفساد هنا بترك القراءة أو ما في حكمها عمدا لا المتابعة.

و يرجع إلى متابعة الإمام مع السهو كما هو المشهور بين الأصحاب أيضا نقلا و تحصيلا، بل لا أجد خلافا معتدا به في عدم الفرق بينه و بين الرفع الذي عرفت حكمه و الدليل عليه فيما مضى سوى ما في المنتهى فاستوجه الاستمرار هنا مع أنه رجع عنه في آخر كلامه، و قوى العود أيضا، و سوى ما وقع لبعض متأخري المتأخرين من التفصيل بين الركوع و السجود، فيرجع في الأول، و تفسد الصلاة أو يستمر في الثاني، و الأقوى الأول لبعض ما سمعته في الرفع، بل جميعه بناء على عدم الفصل كما هو ظاهر الأصحاب نقلا و تحصيلا، و لذا ذكر بعضهم حكم السبق في الرفع دون الركوع و السجود، و آخر بالعكس، و ثالث الأمرين معا مفصلا فيهما بالعمد و السهو مع خلو الأخبار عنه في الركوع و السجود، و

للموثق (1)«كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في رجل كان خلف إمام يأتم به فيركع قبل أن يركع الامام و هو يظن أن الامام قد ركع،


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 220

فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام أ يفسد ذلك عليه صلاته أم يجوز تلك الركعة؟ فكتب يتم صلاته و لا يفسد بما صنع صلاته»

بناء على مساواة النسيان له أو أولويته منه كما هو كذلك هنا قطعا، فتغتفر حينئذ زيادة الركوع فضلا عن غيره، و لكن الاحتياط بإعادة الصلاة في سائر الصور الغير المنصوصة لا ينبغي تركه.

و لو لم يرجع أو يستمر ففي صحة الصلاة و عدمها البحث السابق، نعم قد يقيد هنا القول بالصحة مع عدم الرجوع عن الركوع الذي سبق الامام فيه سهوا بما إذا لم يكن الإمام في حال القراءة، و إلا بطلت الصلاة كما عن

الغرية و فوائد الشرائع التصريح به إذ هو حينئذ كالركوع عمدا قبل فراغ الامام من القراءة، و فيه أنه لا عبرة بهذا الانتصاب للقراءة بعد فرض صحة ركوعه، و أنه الركوع الصلاتي، و أنه وجب عليه آخر للمتابعة، ضرورة أن المعتبر فيها الانتصاب قبل الركوع لا بعده، فليس حينئذ في تركه الرجوع إلا ترك المتابعة التي عرفت تعبديتها لا شرطيتها، و دعوى أن الركوع الصلاتي الحاصل مع الامام لا ما قبله و إن كان هو مغتفرا مصادرة، بل قد يومي الاجتزاء به في صورة العمد إلى خلافها، إذ لا فرق بينهما إلا بالإثم و عدمه.

و منه ينقدح حينئذ بطلان الصلاة لو أنه أراد الرجوع إلى الامام بعد وصوله إلى حد الركوع و قبل الذكر، لما فيه من ترك الواجب في محله، اللهم إلا أن يدعى جعل الشارع للركوعين بمنزلة ركوع واحد، فلا بأس بتأخير الذكر للثاني، و فيه بحث أو منع كالبحث أو المنع في إيجاب الذكر في الثاني بعد ما عرفت من أن وجوبه للمتابعة التي لا تقتضي وجوب الذكر، و إلا فركوع الصلاة قد حصل بالأول من غير فرق بين حصول الذكر في الأول أو نسيانه، بل و كذلك غير الذكر مما لا تقتضيه المتابعة لو كان من الطمأنينة و غيرها، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة مع أنها كثيرة النفع جدا، إذ مما يتفرع عليها أيضا وجوب الركوع عليه لو نوى الانفراد بعد رجوعه منه و قبل

ج 13، ص: 221

ركوعه مع الامام، و غير ذلك، و احتمال احتسابه ركوعا صلاتيا تارة و زائدا أخرى لا دليل عليه في كلامهم.

هذا كله في الرجوع، أما الاستمرار في صورة العمد فقد سمعت فيما سبق بطلان الصلاة بتركه، لكن المراد أنه لو ترك الاستمرار و تابع الامام فيما فعله، و إلا فان لم يستمر بأن رفع رأسه من الركوع مثلا و لم يركع مع الامام لم تبطل صلاته، لعدم المقتضي و إن أطلق الأصحاب وجوب الاستمرار المشعر بالبطلان مع عدمه و إن لم يتابع، لكن بقرينة تعليلهم البطلان بالزيادة يجب تنزيله على ما ذكرنا، إذ ليس في الفرض إلا ترك المتابعة بالرفع معه، و هو لا يقتضي البطلان و إن كان مسبوقا بترك المتابعة بالركوع كما سمعته فيما سبق من عدم الفرق في ذلك بين الركن و الركنين ما لم يخرج عن هيئة الجماعة على إشكال فيه أيضا، لإطلاق الفتاوى، بل كاد يكون صريح بعضها، و اللَّه أعلم.

[في عدم جواز وقوف المأموم قدام الإمام]

و مما يعتبر في صحة الصلاة جماعة أيضا أنه لا يجوز أن يقف المأموم قدام الامام بلا خلاف أجده بين الأصحاب، بل في التذكرة و المنتهى و الذكرى و المدارك و المفاتيح و عن نهاية الأحكام و الغرية و إرشاد الجعفرية و ظاهر المعتبر الإجماع عليه من غير فرق بين الابتداء و الاستدامة، كما هو صريح معقد بعضها، اقتصارا في العبادة التوقيفية على ما علم ثبوته من فعل النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و الصحابة و التابعين و تابعي التابعين و سيرة سائر فرق المسلمين في جميع الأعصار و الأمصار بعد قصور الإطلاقات المساقة لغيره عن تناول مثل ذلك، و لظهور سياق كثير من أخبار الباب في ذلك، بل كاد يكون صريح بعضها، خصوصا بعض ما تسمعه فيها (منها خ ل) بل هو كذلك، و لذا استدل عليه في المفاتيح بعد الإجماع بالنصوص.

فلو تقدم المأموم على الامام بطلت صلاته كما هو صريح معقد بعض الإجماعات

ج 13، ص: 222

السابقة، و ظاهر آخر، لكن قد ينافيه على الظاهر ما ذكره بعد ذلك في الذكرى من أنه لو تقدم المأموم في أثناء الصلاة متعمدا فالظاهر أنه يصير منفردا، لإخلاله بالشرط، و يحتمل أن يراعى باستمراره أو عوده إلى موقفه، فان عاد أعاد نية الاقتداء، و لو تقدم غلطا أو سهوا ثم عاد إلى موقفه فالظاهر بقاء القدوة للحرج، و لو جدد نية الاقتداء هنا كان حسنا، و كذا الحكم لو تقدمت سفينة المأموم على سفينة الإمام، فلو استصحب نية الائتمام بعد التقدم بطلت صلاته، و قال الشيخ في الخلاف: لا تبطل لعدم الدليل، اللهم إلا أن يريد صيرورته منفردا بالنية كما يومي اليه قوله: «أعاد نية الاقتداء» و إن كان ربما ينافيه ذكر الاحتمال بعده، أو يقيد البطلان الذي هو معقد الإجماعات السابقة بما لو بقي على نية الائتمام كما يومي اليه قوله أخيرا: «فلو استصحب» إلى آخره، و إلا صار منفردا قهرا و إن لم ينو الانفراد، بل لعل ذلك هو ظاهر غيره أيضا ممن ستعرفه في الجماعة في السفينة مع أن كلا منهما لا يخلو من نظر.

أما الأول فلظهور معاقد الإجماعات و الفتاوي في تحقق البطلان لأصل الصلاة بمجرد حصول التقدم، ضرورة لزوم مقارنته لتلبس المأموم في جزء من الصلاة، إذ ليس في أثناء الصلاة فترة، و هو منهي عن التقدم فيه، و احتمال اختصاص الفساد به- فيتدارك غيره إن كان ممكنا أو ربما لا يكون فساده مقتضيا لفساد الصلاة كجلسة استراحة و نحوها- جيد لو لا ظهور الإجماعات السابقة أو صراحتها بتحقق الفساد متى حصل التقدم في الصلاة، و احتمال إرادتهم شرطية ذلك في الجماعة دون الصلاة بعيد جدا بل باطل، بناء على كون الجماعة من المقومات للصلاة كالظهرية و العصرية لا أنها مستحب خارجي كالمسجدية و نحوها، بل لعله كذلك و إن لم نقل بالتقويم بناء على ظهور الأدلة في أن الأمور المزبورة من التقدم و الحائل و نحوهما شرائط للصلاة في حال الجماعة، فهي حينئذ كاستقبال القبلة و نحوه و إن قلنا بكون الجماعة من الخوارج، نعم

ج 13، ص: 223

الشأن في إثبات ذلك في جميع هذه الشرائط من الأدلة، نعم هو ثابت في مثل الحائل و نحوه مما وردت النصوص به مع احتمال إرادة شرطية الجماعة منها فيه فضلا عن غيره، إلا أن الذي يقوى في النظر إرادة شرطية الصلاة في هذا الحال، فنية الانفراد حينئذ أي بعد حصول المانع مثلا لا تجدي، نعم لو فرض تقدمها على التقدم اتجهت الصحة.

و أما الثاني فلابتنائه على كون ذلك شرطا في الجماعة دون الصلاة، و انقلاب المنوي إلى غير ما نوى من دون دليل، و هما معا كما ترى، بل و كذا النظر و التأمل فيما ذكره من التقدم الغلطي و السهوي لعدم دليل عليه، بل ظاهر الأدلة من الإجماعات و غيرها خلافه، و التعليل بالحرج من الواضح قصوره عن إثبات ذلك، و معارضته لغيره، ضرورة عدم تصوره في مثل المقام، على أن قضيته الصحة و إن لم يعد إلى موقفه بأن استمر سهوه إلى الفراغ، و هو خلاف ظاهره فضلا عن ظاهر غيره من الأصحاب ممن خرط هذا الشرط في سلك باقي الشرائط من الحائل و التباعد و نحوهما.

ثم إنه قد يظهر من المتن و ما ماثله من عبارات الأصحاب كالقواعد و المنتهى و غيرهما جواز مساواة المأموم للإمام، بل هو صريح التذكرة و الذكرى و البيان و ظاهر الدروس و الروض و غيرها، بل في المدارك و المفاتيح نسبته إلى الأكثر، بل في الروض و عن المسالك و غيرها نسبته إلى الشهرة، بل في الرياض لا خلاف فيه إلا من الحلي، بل في التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل و صدق الجماعة و إطلاق الأمر(1)بوقوف المأموم الواحد عن يمين الامام و الاذن له بالوقوف حذاء الإمام إذا لم يجد مكانا في الصف يقوم به، و إشعار حكم أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)بصحة صلاة المختلفين في دعوى كل منهما الامام، ضرورة

عدم تصوره إلا مع التساوي، إذ التقدم إن حصل فهو الإمام


1- 1 الوسائل- الباب- 23 و 57- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 224

و إلا بطلت الصلاة، و الأمر بقيام المرأة وسطا لو صلت جماعة في النساء في عدة من أخبار(1)بعضها في الصلاة على الجنازة، و ما ورد(2)في كيفية إمامة العاري العراة، و

خبر الحسين ابن علوان (3)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: «الرجلان صف، فإذا كانوا ثلاثة تقدم الامام»

و ما في

خبر أبي علي الحراني (4)الوارد عن الصادق (عليه السلام) في منع الجماعة الذين دخلوا المسجد قبل أن يتفرق جميع من فيه عن الأذان، ثم قال فيه:

«إن أرادوا أن يصلوا جماعة فليقوموا في ناحية المسجد و لا يبدو بهم إمام».

إلا أنه يمكن المناقشة في الإجماع بأنا لم نعثر على مصرح بالحكم قبله، بل و لا حكي، نعم نسب إلى ظاهر الشيخ و ابن حمزة و المصنف مع أنه في مفتاح الكرامة قال:

قد يظهر من جمل العلم و العمل موافقة الحلي في المنع، فلا ظن حينئذ به، بل لعل الظن بخلافه، و في الأصل بأنه إن لم يكن مقتضاه العكس باعتبار التوقيفية و استصحاب شغل الذمة و نحوهما فهو مقطوع بما ستسمع، و إطلاقات الجماعة- بعد تسليم صدق اسم الجماعة على الفرض، لاحتمال كونها اسما للصحيح منها الذي لم يعلم كون الفرض منه- غير مساقة لبيان ذلك كما سمعته بالنسبة إلى التقدم، و كذا إطلاق اليمين، بل هو أولى، ضرورة مقابلته بأنه إن كان المأموم أكثر من واحد فخلفه، بل و كذا الحذاء، و في سؤال المتداعيين أولا بما في الذكرى من أنه لا اقتداء هنا حتى يتأخر المأموم، و من أن تأخر المأموم شرط في صحة صلاته لا صلاة الامام، و ثانيا الامام (عليه السلام) أراد


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة و الباب 25 من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلي.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 13 و هو خبر أبي البختري.
4- 4 الوسائل- الباب- 65- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 225

الجواب حتى لو تداعيا التقدم أو نسياه أيضا، و بما في حاشية الوسائل من احتمال اغتفار ذلك بالخصوص للتقية، لأنه لا بد من فرض اقتدائهما بمخالف ظاهرا، و إلا لزم الدور فان ركوع كل واحد منهما مثلا متوقف على ركوع الآخر و إن كان هو لا يخلو من نظر ضرورة عدم التوقف في الإمامية، و كأنه اشتبه بالمأمومية، و في الأمر بالوسط للامرأة بأنه- بعد الغض عن الطعن في هذه الأخبار بما اشتملت عليه من الجماعة في النافلة، و النهي عنها في المكتوبة، بل و النهي عن التقدم أيضا- يمكن دعوى إشعارها بعكس المطلوب، بل ظهورها فيه من حيث اشتمالها على الاستدراك المشعر بمعروفية التقدم في الإمامة، و النهي المعلوم وروده في مقام توهم الوجوب، و تبادر إرادة الخصوصية للنساء بذلك كما لا يخفى على من لاحظها، على أنه لا صراحة في الوسطية بالمساواة، ضرورة صدقها مع التقدم اليسير على من في الجانبين، بل هذا هو المراد منها قطعا عند التأمل، و في خبر الحسين باحتمال أو ظهور إرادة التقدم تماما منه إذا زاد المأمومون على واحد، فيكون المراد بالصف حينئذ في الاثنين خلافه الذي لا ينافيه التقدم اليسير، و في خبر أبي علي بنحو ذلك من احتمال إرادة البدو تماما، بل يحتمل إرادة غير ما نحن فيه من البدو، بل يحتمل قراءته بالراء فيه كما هو إحدى النسختين و إن كان المحكي عن نسخة الفقيه الواو، فتأمل، و في كيفية جماعة العراة بأن الموجود في

صحيح ابن سنان (1)«أنه يتقدم الامام بركبتيه و يصلي بهم جلوسا»

و في

خبر إسحاق بن عمار(2)«يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه، و يومي إيماء»

إلى آخره، و هما كما ترى واضحان في الدلالة على خلاف ذلك.

بل منهما يستفاد أولوية الحكم في غير العراة، ضرورة لزوم (3)مراعاة التقديم


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى- الحديث 2.
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية و لكن حق العبارة« استلزام».

ج 13، ص: 226

فيهم للتقديم في غيرهم، فيتجه حينئذ مختار الحلي من لزوم تقدم الامام و لو بقليل، بل قد يدعى إشعار لفظ الامام بذلك و إن لم أعرف من وافقه عليه عدا الكاشاني في مفاتيحه إلا أنه قوي جدا، خصوصا مع ملاحظة

النبوي (1)«إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا»

و ملاحظة مطلوبية الاحتياط في العبادات التوقيفية زيادة على ما عرفت، و الاقتصار على الثابت المعلوم من فعل النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و الصحابة و التابعين و سائر المسلمين، و

خبر محمد بن عبد اللَّه الحميري (2)المروي عن احتجاج الطبرسي عن صاحب الزمان (عليه السلام) «عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ و هل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة و يقوم عند رأسه و رجليه؟ و هل يجوز أن يتقدم القبر و يصلي و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب و قرأت التوقيع و

منه نسخت- إلى أن قال-: و أما الصلاة فإنها خلفه، يجعله الامام، و لا يجوز أن يصلي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن شماله، لأن الإمام لا يتقدم عليه و لا يساوى»

بناء على أن المراد من الامام فيه إمام الجماعة كما يرشد اليه استدلال المحدث البحراني بخبر الحميري- الذي هو عين هذا الخبر، إلا أن

المروي عنه فيه الفقيه (عليه السلام)، و حذف منه «و لا عن يمينه و لا عن شماله و لا يساوى»

- على عدم جواز تقديم المأموم على الامام معرضا بالأصحاب حيث أنهم لم يذكروا دليلا للحكم المزبور من الأخبار، و ادعى أنه لم يسبقه إلى هذا التنبه أحد عدا شيخنا البهائي، و كل ذلك مؤيد لإرادة الإمام فيه إمام الجماعة، فتأمل.

و ملاحظة ما في نصوص الباب (3)الكثيرة جدا من الأمر بالتقدم و التقديم


1- 1 كنز العمال ج 4 ص 250- الرقم 5224.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب مكان المصلى- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 227

و الخلف و نحوها حتى أنه في الحدائق استصوب ما عليه الحلي فيما لو كان المأموم أزيد من واحد، قال: للنصوص المتطابقة على الأمر بالخلف في مثله السالمة عن المعارض، منها

صحيح ابن مسلم (1)عن الباقر (عليه السلام) «عن الرجل يؤم الرجلين قال: يتقدمهما و لا يقوم بينهما»

و إن كان قد يخدشه أنها محمولة على الاستحباب كالأمر بكون الواحد إلى اليمين في جملة من الأخبار(2)أيضا كما ستعرف ذلك إن شاء اللَّه مفصلا، لكن من المعلوم إرادة الندب بمعنى استحباب قيام المأموم إن كان متعددا خلف الامام، فغير المستحب حينئذ أن يكونوا في أحد جنبيه أو فيهما، بمعنى (3)استحباب كون المأموم الواحد إلى جهة يمين الامام و إن جاز كونه على جهة يساره أو خلفه لا أن المراد مساواتهم و مساواته في الموقف، و دعوى أن غير الخلف المساواة- إذ التقديم و إن كان يسيرا خلف، فيكون أمر الواحد بالكون على اليمين مقابل الخلف نصا في المساواة، كأخبار الخلف أيضا بناء على الاستحباب- واضحة الفساد، ضرورة إرادة كون تمام المأموم وراء الامام من الخلف بحيث يكون سجوده محاذيا لقدم الامام، و إلا فالتقدم اليسير ليس من الخلف عرفا قطعا، و لا ينافي صدق كونه على اليمين، كما هو واضح.

و كيف كان فمدار التقدم و المساواة العرف كما صرح به في الذخيرة و الرياض، و جعله في المدارك وجها قويا، و هو فيها (فيهما ظ) منقح لا اشتباه فيه، و كأن ما وقع للأصحاب من تقديرهما في حال القيام أو هو مع الركوع بالأعقاب أو بها و الأصابع معا أو بالمناكب خاصة، أو بأصابع الرجل في حال السجود، و بمقاديم الركبتين و الأعجاز في حال التشهد و الجلوس، و بالجنب في حال النوم لإرادة ضبط العرف، و إلا فليس في


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« و بمعنى».

ج 13، ص: 228

نصوص المقام تعرض لشي ء من ذلك عدا ما يشعر به ما ورد(1)في استحباب مساواة أهل الصفوف و عدم اختلافهم من تحقق التساوي بتحاذي المناكب، و ما ورد(2)في كيفية جماعة العراة من تحقق التقدم في حال الجلوس بابراز الركبتين، لكن في التذكرة أنه لو تقدم عقب المأموم بطل عندنا، و في المدارك «نص الأصحاب على أن المعتبر التساوي بالأعقاب، فلو تساوى العقبان لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه، و لو تقدم بعقبة على الامام لم ينفعه تأخره عنه بأصابعه و رأسه» و في الروض و المسالك الاكتفاء في البطلان بتقدم عقب المأموم أو أصابعه حاكيين له عن العلامة بعد أن حكيا عن الشهيد اعتبار العقب خاصة، قالا: «و لو فرض تقدم عقب المأموم مع تساوي أصابعه لأصابع الامام فظاهرهما معا المنع، لتقدم العقب الذي هو المانع عند الشهيد، و الاكتفاء بأحد الأمرين عند العلامة، و كذا لو تأخرت أصابع المأموم و تقدمت عقبه» و كأنهما أرادا ما حكي عن العلامة في النهاية الأحكام من أنه استقرب اعتبار التقدم بالعقب و الأصابع معا بناء على إرادته بالمعية الاكتفاء بكل منهما في مقابلة اعتبار العقب خاصة، لا أن المراد شرطية البطلان بتقدمهما معا كما لعله الظاهر من هذه العبارة المحكية، و قال في الروض:

إنه يمكن دخول الركوع في الموقف، فيعتبر فيه الأقدام حينئذ نسبة، و عدم الاعتبار بتقدم الرأس الذي حكي عن نهاية الأحكام التصريح به و في المسالك إلى ظاهرهم، و قال فيه أيضا: «و أما حالة السجود و التشهد فيشكل عدم الاعتبار حالهما مطلقا، و ينبغي مراعاة أصابع الرجل في حالة السجود، و مقاديم الركبتين أو الأعجاز في حالة التشهد» و عن الدروس و المسالك «لا يضر تقدم المأموم على الامام بمسجده إلا في المستديرين حول الكعبة» و عن الروضة «أن المعتبر العقب قائما و المقعد و هو الألية جالسا،


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى.

ج 13، ص: 229

و الجنب نائما» و هو صريح في اعتبار عدم التقدم في أحوال المصلي جميعها كما هو ظاهر غيره من الأصحاب عدا المتن و ما ماثله الذي قد يفهم منه اختصاص ذلك في الموقف.

و لا ريب في أن الأول أقوى كما أنه لا ريب أيضا في أن الأوجه عدم الالتفات إلى شي ء من ذلك و إيكال الأمر إلى العرف الذي معرفة صدق التقدم و المساواة فيه من أوضح الأشياء، فلا حاجة حينئذ إلى ذكر ما سمعت الذي لا يخلو جملة منه من إشكال و نظر، بل قد يقطع بفساد بعضه، كما أنه لا حاجة أيضا إلى ما وقع من بعضهم من تفسير التقدم المانع لصحة الصلاة بأن لا يكون المأموم أقرب إلى القبلة من الامام، و كأنه إليه أومأ الشهيد بل و غيره أيضا على ما حكي عنه باشتراطهم عدم أقربية المأموم إلى الكعبة من الامام فيما صرحوا به من جواز الصلاة جماعة بالاستدارة على الكعبة مستدلا عليه في الذكرى بالإجماع عليه عملا في الأعصار السالفة، إذ قد يناقش فيه بأنه لا يتم في الصلاة جماعة في جوف الكعبة بناء على جوازها، ضرورة عدم تصور القرب فيه إلى القبلة و البعد إلا أن يراد خصوص ما استقبله الامام من الجدار مثلا، بل قد يدعى عدم تصور أصل التقدم و التأخر في بعض صور الجماعة فيه بناء على جوازها لو تخالفا في جهة الاستقبال فيه إما بأن يكون وجه أحدهما إلى الآخر أو قفا كل منهما اليه، بناء على أن الشرط في المسألة السابقة عدم الحائل بين الامام و المأموم لا المشاهدة على أنه يمكن فرض تحققها و لو بفرض التعاكس الناقص لا التام، لعدم إرادة المشاهدة الإمامية منها، و إلا لما اكتفوا فيها بأطراف العيون في الصف الأول و في جناحي الامام و في الصف خلف الباب المفتوح و غير ذلك مما سمعت الإشارة إليه.

اللهم إلا أن يمنع مثل هذه الكيفيات من الجماعة التوقيفية، لعدم معهوديتها بل معهودية خلافها، بل هي أولى بالمنع من الاستدارة التي استشكل فيها في المدارك و الذخيرة، بل منعها العلامة في جملة من كتبه على ما حكي عنه، و خص الصحة بصلاة

ج 13، ص: 230

من هو خلف الإمام أو إلى جانبه محتجا بأن موقف المأموم خلف الإمام أو إلى جانبه، و هو إنما يحصل في جهة واحدة، فصلاة من غايرها باطلة، و بأن المأموم مع الاستدارة إذا لم يكن واقفا في جهة الإمام يكون واقفا بين يديه، فتبطل صلاته.

و إن كان قد يناقش أولا بالإجماع الذي سمعته في الذكرى، و ثانيا بإمكان دعوى صدق الخلف و الجانب، إذ هما بالنسبة إلى كل واحد بحسبه و لو بملاحظة الدائرة البركالية و لعله محافظة على ذلك اعتبر المجوزون عدم أقربية المأموم إلى الكعبة من الامام، بل ينبغي على مختار الحلي من اعتبار تقدم الامام اشتراط أقربية الإمام إلى الكعبة، لكن قد يشكل بأنه لا تلازم بين كون المأموم خلفا أو جانبا بحسب الدائرة البركالية و بين عدم أقربيته إلى الكعبة من الامام، ضرورة زيادة جوانب الكعبة فقد يكون قريبا جدا إليها و إن كان هو خلفا بحسب الدائرة كما هو واضح، و ثالثا بإمكان منع اعتبار الخلف و الجانب في الجماعة، نعم يعتبر عدم تقدم المأموم مثلا على الامام و إن كان ذلك يلزمه حيث يكون الاستقبال إلى الجهة الخلف أو الجانب، و لعل اعتبارهما في كثير من الأخبار مبني على الغالب، و لا ريب في عدم صدق التقدم في الكيفية المفروضة، إلا أن المتجه على هذا التقدير سقوط الشرط المزبور أي عدم كون المأموم أقرب مطلقا، بل يكتفى حينئذ بعدم صدق التقدم، و كيف كان فالأقوى صحة الجماعة مع الاستدارة، و الأحوط عدم أقربية المأموم فيها إلى الكعبة بحسب الدائرة، و أحوط منه ملاحظة الكعبة مع ذلك، و أحوط منه أقربية الامام إليها دائرة و عينا، و اللَّه أعلم.

[في لزوم نية الاقتداء للمأموم]

و لا بد في صحة الجماعة للمأموم و جريان أحكامها عليه من نية الائتمام بلا خلاف نقلا و تحصيلا، بل هو مجمع عليه كذلك، بل في المنتهى أنه قول كل من يحفظ عنه العلم، إذ من أصول المذهب و قواعده توقف العبادات على النيات، فلو لم ينوه حينئذ كان منفردا كما صرح به غير واحد من الأصحاب كالفاضل في التذكرة و الشهيدين

ج 13، ص: 231

و غيرهم، بل لا أجد فيه خلافا، و لا تبطل صلاته إلا بما تبطل به صلاة المنفرد حتى لو ألزم نفسه بمتابعة الامام و صار كالمأموم، إذ ليس فيه إلا أنه قرن فعله بفعل غيره، و لم يثبت إبطال مثل ذلك للصلاة، بل الثابت بظاهر الأدلة خلافه، خلافا للشافعية في أصح وجهيها، لأنه وقف صلاته على صلاة الغير لا لاكتساب فضيلة الجماعة، و لما فيه من إبطال الخشوع و شغل القلب، و هو كما ترى مقتض لفساد صلاة من اشتغل قلبه و سلب خشوعه، و لم يقل به أحد كما في الذكرى، نعم لو أدي ذلك الإلزام إلى ما يبطل الصلاة الواقعة من المنفرد بأن ترك قراءة أو زاد ركوعا أو سجودا أو سكوتا طويلا للانتظار أو غير ذلك اتجه البطلان حينئذ لذلك لا للإلزام المزبور، كما هو واضح لكن في القواعد «السابع نية الاقتداء، فلو تابع بغير نية بطلت صلاته» و لعله يريد جماعة أو إذا أدت المتابعة إلى ما عرفت، و إلا فقد عرفت أنه لا وجه لفساد الصلاة أصلا.

فما في الرياض نقلا عن المنتهى و نهاية الأحكام و الذكرى- من الإجماع على وجوب أصل نية الاقتداء. فلو لم ينوه أو نوى الاقتداء بغير معين فسدت الصلاة فضلا عن الجماعة، قال: و كذا لو نوى باثنين- في غاية العجب، إذ ليس في المنتهى سوى قوله: «مسألة و نية الاقتداء شرط، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم» و مراده الشرطية في الجماعة قطعا، و في الذكرى «الشرط الثاني من شروط الاقتداء نية الاقتداء» ل

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «إنما لكل امرئ ما نوى»

و على ذلك انعقد الإجماع- إلى أن قال-: فلو ترك نية الاقتداء فهو منفرد، فان ترك القراءة عمدا أو جهلا بطلت، و كذا لو قرأ لا بنية الوجوب، و إن قرأ بنية الوجوب و تساوقت أفعاله و أفعال الإمام بحيث لا يؤدي إلى انتظار الامام صحت صلاته، و لم يضر ثبوت الجماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.

ج 13، ص: 232

و إن تابع الإمام في أفعاله و أذكاره، و إن تقدم عليه فترك بعض الواجب من الأذكار بطلت صلاته، لتعمده الإخلال بابعاضها الواجبة، و إن تقدم هو على الامام كأن فرغ من القراءة قبله و التسبيح في الركوع و السجود و بقي منتظرا فان طال الانتظار بحيث يخرج عن كونه مصليا بالنسبة إلى صلاته قيل يبطل، لأن ذلك يعد مبطلا، و يمكن أن يقال باستبعاد الفرض- إلى

أن قال-: و إن سكت اتجه البطلان، و إن لم يطل الانتظار فالأقرب الصحة، إذ ليس فيه إلا أنه قرن فعله بفعل غيره، و لم يثبت كون ذلك قادحا في الصلاة» ثم حكى عن بعض العامة البطلان و أفسده، و هو صريح فيما قلناه و إن كان في بعض ما ذكره مما لا مدخلية له فيما نحن فيه نظر و تأمل، و كذا صرح في التذكرة و الروض و الذخيرة و غيرها.

بل الظاهر الصحة حتى لو اعتقد حصول الجماعة له و صيرورته مأموما من غير نية جهلا منه إذا لم يقع منه ما يخل بصلاة المنفرد، اللهم إلا أن يدعى اندراجه في التشريع و فيه- بعد الغض عن النظر في إبطال مثله هنا- تأمل أو منع، بل يقوى في النظر أنه ليس مما يخل قراءته بنية الندب بناء على عدم قدح مثل ذلك خصوصا في الأجزاء، نعم يتجه الحكم بفساد الصلاة مع عدم نية الجماعة فيما لو كانت صحة الصلاة موقوفة على الجماعة كالفريضة المعادة لإدراك الجماعة، بناء على توقف صحة إعادتها على الجماعة كما هو ظاهر الأصحاب، فلو لم ينو حينئذ الجماعة بطلت الصلاة، لعدم إمكان صيرورتها فرادى ابتداء.

و لو كانت الجماعة واجبة بالأصل كالجمعة أو بالعارض وجبت حينئذ نيتها شرعا زيادة على الوجوب الشرطي، و احتمال عدم الوجوب في مثل الجمعة لعدم انعقادها إلا جماعة فيستغني بنية الجمعة حينئذ عن الجماعة لا يخلو من وجه، و إن جزم في الذكرى

ج 13، ص: 233

بفساده ل

قوله (صلى اللَّه عليه و آله) : «إنما الأعمال بالنيات».

و لو شك في نية الاقتداء ففي التذكرة هو كالشك في النية، فيتلافى مع بقاء المحل و لا يلتفت بعد تجاوزه، و في الذكرى يمكن أن يكون بناؤه على ما قام إليه، فان لم يعلم شيئا بنى على الانفراد، لأصالة عدم نية الائتمام، و هو جيد، إلا أنه يعتبر مع ذلك أيضا ظهور أحوال المأمومية عليه و عدمه، فتأمل.

و كذا لا خلاف نقلا و تحصيلا في لا بدية القصد إلى إمام متحد معين بالاسم أو بالإشارة أو بالصفة أو بغيرها، بل يكفي القصد الذهني بعد إحراز جامعيته لشرائط الإمامة في صحة الصلاة جماعة، بل كأنه مجمع عليه، لأصالة عدم ترتب أحكامها من سقوط القراءة و نحوها بعد الشك في تناول الإطلاقات أو القطع بالعدم، لعدم المعهودية، بل معهودية الخلاف، نعم لا يشترط استحضار هذا القصد حال نية الصلاة بل يكفي بناء المكلف على أنه زيد أو عمرو فلو كان بين يديه اثنان و نوى الائتمام بهما أو بأحدهما و لم يعين لم تنعقد صلاته قطعا لا لأن التعيين شرط في سائر العبادات ضرورة أنه ليس مما نحن فيه، بل لما عرفت من عدم ثبوت مقتضي الصحة في النصوص و الفتاوى، بل الأخيرة متطابقة على فساده تطابق فعل الإمامين أو اختلف، بل يحتمل أنه كذلك حتى لو عين أحدهما بما يعينه في الواقع من الاسم أو الصفة لكن لم يعرف مصداقهما بأن قصد

الصلاة خلف زيد أو العالم منهما و كان لا يعرف أن هذا أو هذا زيد أو العالم، إذ الترديد في المصداق كالترديد في المفهوم يشك في شمول الأدلة له، و إطلاق الأصحاب الاجتزاء بالتعيين بالاسم أو بالصفة منزل على مفيد التشخيص عند المعين لا في الواقع كما هو المتبادر من اشتراط التعيين في الفتاوى، نعم لو اقتدى بإمام جماعة ثبتت عدالته عنده و أشار إلى ذاته التي لم يعلم اسمها أو وصفها صحت الصلاة قطعا،

ج 13، ص: 234

لتناول الأدلة له، أما لو نوى الاقتداء باسمه و لكن لم يعرف مصداق اسمه من بين الذوات المتقدمة عليه الصالحة لأن يكون كل واحد منها إماما له فالظاهر أنه كالترديد في المصداق، بل يمكن ذلك حتى لو عينه بإمام هذه الجماعة، ضرورة احتماله كون هذه الذات إمام الجماعة أو هذه الذات، كاحتمال كون هذا زيدا أو هذا زيدا، لا أنه كالائتمام بهذا المحتمل أنه زيد أو عمرو أو بكر، إذ هو في الحقيقة ترديد في الأسماء خاصة أو ما يقرب منه مما لا مدخلية له في حصول تعيين الائتمام بتلك الذات المحتمل أنها زيد أو عمرو أو بكر، إنما الذي يقدح عدم التعيين في المفهوم كأحدهما أو الصدق فيما نواه بمعنى عدم علمه موضوعه الذي يحمل عليه، بخلاف ما لو علم موضوعه و هو هذه الذات مثلا و لكن لم يعلم المحمول عليها من زيد أو بكر أو عمرو، هذا مع احتمال تصحيح الجماعة في سائر هذه الصور بحصول التعيين و التشخيص في الواقع و إن لم يشخصه عند المقتدي، فيراد من اشتراط الأصحاب التعيين إخراج ما لا تعيين فيه أصلا خاصة، كأحدهما الصادق على كل منهما و نحوه لا غيره مما ذكرنا، لصدق الاقتداء بمن وثق بدينه و أمانته فيه دونه، بل لعله على ذلك عمل أغلب الناس.

و لو نوى الاقتداء بزيد فظهر أنه عمرو بطلت و إن كان أهلا للإمامة أيضا كما في التذكرة و الذكرى و الروض و عن نهاية الأحكام و الروضة و إرشاد الجعفرية من غير فرق بين ظهور ذلك له بعد الفراغ أو في الأثناء، إذ نية الانفراد هنا كعدمها، لعدم وقوع ما نواه و عدم نية ما وقع منه، و فائدة التعيين التوصل به إلى الواقع لا أنه يكفي و إن خالف الواقع، نعم لو كان قد شك فيه في الأثناء اتجه له نية الانفراد و صحت صلاته ما لم يظهر له أنه خلاف ما عينه، و في إيجاب البحث عنه عليه وجهان، بل قد يحتمل صحة صلاته و إن لم ينو الانفراد استصحابا لحكم التعيين الأول الذي لا يفسده إلا تخلفه لا احتمال تخلفه، و إن كان فيه أن التعيين كما أنه شرط في الابتداء كذلك

ج 13، ص: 235

شرط في الاستدامة إلا في خصوص استنابة الامام على احتمال كما ستعرف.

و لو اقتدى بهذا الحاضر على أنه زيد فظهر أنه عمرو قاصدا التعيين فيهما- و إلا لو كان ذلك محض اعتقاد لا مدخلية له في تعيين مقتداه صحت صلاته، لحصول التعيين بالإشارة التي لا يقدح فيها خطأ الاعتقاد المزبور- ففي صحة صلاته ترجيحا للإشارة، و بطلانها ترجيحا للاسم وجهان كما في الذكرى و المدارك و الرياض، أحوطهما بل أقربهما الثاني كما عن كشف الالتباس و إن لم أجده فيه، و استوجهه في الروض حاكيا له عن العلامة، خلافا للذخيرة و الكفاية فالأول، بل ينبغي الجزم به لو كان عمرو عنده غير عادل و إن استشكل فيه المولى الأعظم في شرح المفاتيح من ظهور عدم الاقتداء بعادل و مما ورد(1)من صحة صلاة من اقتدى بيهودي باعتقاد عدالته ثم ظهر فساده، لكن لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني، لوضوح الفرق بين تخلف الاعتقاد في الصفة بعد تشخص الذات و بين تخلفه بالنسبة للموصوف، بل هو أولى من المسألة الأولى في البطلان التي نوى الاقتداء فيها بزيد ثم ظهر أنه عمرو و إن كان عدلا، كما هو واضح.

و منه يعلم أنه لا وجه لنية الانفراد في الفرض و إن كان قبل ما يصدر منه ما يبطل صلاة المنفرد، لفساد أصل الصلاة التي هي شرط في جواز الانفراد، خلافا له أيضا فحكم بها قبل أن يصدر منه ما يبطل صلاة المنفرد كترك القراءة و نحوها بأن يكون ظهر له بعد التكبير، و لا ريب في ضعفه كما عرفت.

إنما البحث لو ظهر أنه عمرو العدل عنده و قد سمعت أن الأقوى البطلان فيه أيضا إن كان أراد مصداق الحاضر الذي باعتقاده أنه زيد، فإنه حينئذ لم تزد الإشارة في نظره على الاسم، بل هو المقصود منها، كقصد الفرد من

الكلي، فيرجع حينئذ إلى عدم التعيين كما لو اقتصر على الاسم.


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 236

أما إذا قصد من الإشارة مفهومها و الاسم تعيين آخر مستقل لكنه تخيل اتفاق موردهما فقد يقال بالصحة، لحصول التعيين بالإشارة التي لم ينافها تبين فساد التعيين بالاسم، و تناول إطلاق الأدلة له بصدق الامتثال فيه، و إشعار إطلاق ما دل (1)على جواز استنابة الامام غيره إذا عرض له عارض في الجملة، خصوصا في مثل الجماعات المعظمة التي يغلب فيها عدم اطلاع جميع المأمومين على ذلك.

و قد يقال بالبطلان لقبح الترجيح بلا مرجح، و كون أحدهما خطأ و الآخر صوابا غير صالح للترجيح، بل كل منهما ينبغي تأثيره أثره، فيتعارضان، فلا يحصل مقتضي الصحة، و ليس كل منهما مقتضي الصحة حتى يقال تخلف أحدهما لا ينافي اقتضاء الآخر مقتضاه إذ هو بمنزلة العدم حينئذ، بل هما مع اقتضائهما الصحة تخلفهما مقتضي البطلان، و للشك في تناول الإطلاقات لمثله إن لم نقل ظاهر مواردها خلافه، و لا إشعار في إطلاق الاستنابة به أصلا، إذ أقصاه إن لم ينزل على علم المأمومين بالنائب عدم قدح حدوث غير المعين ابتداء حتى لو علم المأموم بذلك و لم يعينه، لأنه بمنزلة المنوب عنه، فيكفي التعيين الأول، كما أنه يكفي أصل نية الاقتداء به عن تجديدها كما صرح به في التذكرة لكن على

إشكال، و هو على كل حال غير ما نحن فيه قطعا، كما هو واضح.

فالقول بالبطلان حينئذ لا يخلو من قوة و إن أطنب المولى الأعظم في شرح المفاتيح في ترجيح الصحة، بل قال: «لا وجه للبطلان لو وقع الكشف في الأثناء قبل عروض ما يضر المنفرد، و كذا لو وقع الكشف بعد الفراغ من الصلاة، خصوصا بعد خروج الوقت» لكن لا يخفى على من لا حظ كلامه أنه لا ترجيح في شي ء مما ذكره لذلك، بل منه ما هو خارج عن محل النزاع، و منه ما هو ممنوع أو غير مجد، فلا حظ و تأمل، و لو أمكن التفصيل هنا بين ما كان الاسم و الإشارة على حد سواء في نية التعيين


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 237

بهما و بين ما كان العمد (العمدة خ ل) فيه أحدهما و ذكر الآخر مكملا فيحكم بالبطلان في الأول و الثاني إن كان هو الاسم، و بالصحة إن كان الإشارة كان وجها، و اللَّه أعلم.

و لو صلى اثنان فقال كل منهما: كنت إماما صحت صلاتهما بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر الروض و الرياض الإجماع عليه، بل هو صريح المنتهى، لمساواة صلاة الإمام صلاة المنفرد من كل وجه في القراءة و غيرها، و نية الإمامة ليست منوعة بل هي كنية المسجدية، بخلاف نية المأمومية لاختصاصها بأحكام كثيرة، و ل

خبر السكوني (1)المعمول به هنا بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد عن أبي عبد اللَّه عن

أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) أنه قال «في رجلين اختلفا فقال أحدهما: كنت إمامك و قال الآخر: كنت إمامك: إن صلاتهما تامة، قال: قلت: فان قال كل واحد منهما:

كنت أءتم بك قال: فصلاتهما فاسدة ليستأنفا»

نعم ينبغي تقييد الصحة بما إذا لم تكن صحة الصلاة موقوفة على الجماعة كالمعادة مثلا، فان فرض نية كل منهما الإمامة يوجب انفرادهما، و هو مقتض للبطلان.

و أما لو قال كل منهما كنت مأموما بحيث علم صحة قولهما لم تصح صلاتهما بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر جماعة الإجماع، بل هو صريح التذكرة للإخلال بالقراءة، و للخبر(2)المتقدم المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب، و لأنهما إن اقترنا في النية لم يكن أحدهما صالحا للإمامة كما لو سبق أحدهما، لفساد صلاته بنية الائتمام بلا إمام بناء على أن ذا ليس من الفساد الذي لا يقدح في صلاة المأموم كتبين الحدث و نحوه، مع احتماله، إلا أن الظاهر فرض المسألة في الاقتران الذي من الواضح فيه البطلان لما عرفت، و لاستلزام صحة صلاتهما عدمها، ضرورة عدم جواز الائتمام بالمأموم كما حكي في التذكرة و الذكرى الإجماع عليه، بل فيهما التصريح بأنه لا فرق بين أن


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 238

يكون عالما بأنه مأموم أو جاهلا.

أما إذا لم يعلم صحة قولهما بل كان كل منهما مدعيا محضا ففي حاشية الإرشاد للمحقق الثاني و عن فوائد الشرائع في قبول قول كل منهما في حق الآخر بعد الصلاة تردد، و علله في الثاني بأن الامام لو أخبر بحدثه أو عدم تستره أو عدم قراءته لم يقدح ذلك في صلاة المأموم إذا كان قد دخل على وجه شرعي، و قضية المزبور جريان التردد في الصورة الأولى أيضا التي علم فيها ذلك حتى مع الاقتران، لأن الحدث و نحوه لا يقدح في صحة صلاة المأموم و إن علم صحة دعوى الإمام في حصوله منه قبل الصلاة، إذ تكليف المأموم العمل بالظاهر المقتضي لتحقق الاجزاء كتبين الفسق و غيره، و لعله مراده.

لكن قد يناقش على كل حال أولا بأنه اجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب، و ثانيا بما في الروض من أنه يمكن أن يكون شرط جواز الائتمام ظن صلاحية الإمام لها، و لهذا لا يشترط أن يتحقق المأموم كون الامام متطهرا و لا متصفا بغيرها من الشروط الخفية بعد الحكم بالعدالة ظاهرا، و حينئذ إن تحققت الإمامة و الائتمام لم يقبل قوله في حقه كما في الحدث و نحوه، و إن حكم بهما ظاهرا ثم ظهر خلافه قبل قول الامام، لعدم تيقن انعقاد الجماعة، و البناء على الظاهر مشروط بالموافقة.

و هذا هو مقتضى النص في الموضعين و إن كان قد يخدش الأول بإمكان تنزيل النص على إرادة بيان حكم من ائتم بمن ائتم به في الواقع من دون نظر إلى نفس الدعوى بناء على أن التردد المزبور في الثاني خاصة، و الثاني بإمكان الاكتفاء في هذا الشرط في الجماعة، و هو أن لا يكون قد نوى الائتمام به بالظن أيضا كإحراز الوضوء و نحوه، فتتحقق الإمامة حينئذ و إن كان في الواقع قد نوى الائتمام به، فضلا عن أن يكون ذلك مجرد دعوى منه، بل قد يؤيد ذلك في الجملة بما دل على عدم الالتفات إلى الشك بعد

ج 13، ص: 239

الفراغ، بل هو كدعوى الامام بعد الفراغ بأنه لم ينو الصلاة أو أنه كان في نافلة أو نحو ذلك.

و التحقيق أنه لا ريب في البطلان لو علم نية كل منهما الائتمام بالآخر و لو بعد الفراغ، لما عرفت من الخبر المعتضد بفتوى الأصحاب، و أصالة الواقعية في الشرائط السالمة عما يقتضي خلافها هنا عدا القياس على الحدث و نحوه المعلوم حرمته عندنا، أما مع عدم العلم بل كان مجرد دعوى كل منهما ذلك فظاهر النص و الفتوى البطلان أيضا، و هو الأحوط خصوصا في مثل العبادة التوقيفية و حصول الشك في الفراغ هنا، بل الأقوى و إن كان الجزم به لا يخلو من نظر، لإمكان تنزيل النص و الفتوى على الصورة الأولى و إن اشتملا على قول كل منهما، لكن من المحتمل إرادة معلوم الصدق منه عندهما كما هو الغالب، و ربما يومي اليه فرض الفاضل و غيره المسألة في الصورة الأولى، و من المعلوم كون الخبر في نظرهم، اللهم إلا أن يدعى تساوي المسألتين عندهم، و من هنا فرضها المصنف بمضمون الخبر، و الفاضل بما عرفت مع عدم معرفة أحد خلافا بينهم في ذلك، و اللَّه أعلم.

و كذا تبطل صلاتهما لو شكا فيما أضمراه لأصالة الشغل السالمة عن معارضة ما يقتضي البراءة، و إطلاق العبارة و التحرير و الموجز و عن المبسوط و المعتبر يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين كونه في أثناء الصلاة قبل القراءة أو بعدها أو بعد الفراغ منها، علما ما قاما اليه من الإمامة أو الائتمام أو لا، بل علما فعل القراءة أو تركها أو لم يعلما إذ هو لا يفيد تشخيص أحدهما، لاحتمال السهو و النسيان، لكنه قد يشكل فيما بعد الفراغ بأنه شك في الصحة بعد الفراغ، فلا يلتفت اليه، و لذا اختاره في الروض و المسالك و حكي عن المحقق الثاني أنه قواه و جعله مقتضى النظر، و احتمله في التذكرة، بل في المدارك لا بأس به إذا كان كل منهما قد دخل في الصلاة دخولا مشروعا، و هو قوي

ج 13، ص: 240

جدا حتى لو علما أنهما قاما إلى الائتمام لكنهما احتملا وقوع غيره، بل و لو علما ترك القراءة أيضا، إذ لعله سهوا لا لنية الائتمام، فيكون المدار حينئذ على احتمال الصحة، بل قد يتجه ذلك أيضا في الأثناء فيحكم على ما سبق بالصحة بمجرد احتمالها، و يراعي في الباقي ما يراه من تكليفه.

و لعله إلى ذلك في الجملة أشار في الذكرى و المسالك و الروض، قال في الأولى:

«يمكن أن يقال: إذا كان الشك في الأثناء و هو في محل القراءة لم يمض ما فيه إخلال بالصحة، فينوي الانفراد و صحت صلاته، لأنه إن كان نوى الإمامة فهي نية الانفراد و إن كان قد نوى الائتمام فالعدول عنه جائز، و إن كان بعد مضي محل القراءة فإن علم أنه قرأ بنية الوجوب أو علم القراءة و لم يعلم نية الندب انفردا أيضا، لحصول الواجب عليه، و إن علم ترك القراءة أو القراءة بنية الندب أمكن البطلان، للإخلال بالواجب، و ينسحب البحث في الشك بعد التسليم، و يحتمل قويا البناء على ما قام إليه، فان لم يعلم ما قام اليه فهو منفرد» و اعترضه في المدارك بجواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام بصاحبه، فتبطل الصلاتان، و يمنع العدول، و فيه أن مجرد احتمال ذلك لا يمنع حمل الفعل على الوجه الصحيح مهما أمكن، و المراد بالانفراد هنا مراعاته في الباقي من صلاته ما يراعيه المنفرد، بل لا بأس في نية الانفراد مع ذلك تخلصا من احتمال كون أحدهما إماما و الآخر مأموما إن كان هو أحد أفراد الشك، نعم في عبارة الذكرى نظر من وجوه أخر تعرف بالتأمل فيما قدمناه، فتأمل جيدا.

[في جواز إئتمام المفترض بالمفترض و إن اختلف الفرضان]

و يجوز أن يأتم المفترض بالمفترض و إن اختلف الفرضان عددا كالفصر و التمام، و نوعا كالظهر و العصر و المغرب و العشاء، و صنفا كالأداء و القضاء للنصوص(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 53 و 55- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 241

المعمول بها بين معظم الأصحاب، بل لا أجد خلافا في شي ء من ذلك سوى ما يحكى عن والد

الصدوق من منع اقتداء المسافر و بالحاضر و العكس، و عنه من منع اقتداء مصلي الظهر بمصلي العصر إلا أن يتوهمها العصر ثم يعلم أنها كانت الظهر، و هما بعد الإغضاء عن ثبوتهما عنهما خصوصا ما عن الثاني منهما نادران شاذان كما اعترف به في المفاتيح و الرياض، بل لا أعلم مأخذا لثانيهما كما اعترف به في الذكرى و البيان أيضا، إذ ليس إلا ما قيل من أن العصر لا يصح إلا بعد الظهر، فلو صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع أنها بعدها، و هو كما ترى ضعيف جدا، ضرورة ترتب عصر المصلي على ظهر نفسه لا على ظهر إمامه، على أنه إن تم يقتضي المنع أيضا في العكس و في العشاء و المغرب.

و من

صحيح علي بن جعفر(1)سأل أخاه (عليه السلام) «عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه و هي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟

و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة صلاتها»

و هو- مع أنه مناف لما ذكره الصدوق، و موافق للتقية، بل في الوسائل لأشهر مذاهب العامة- محتمل لكون الأمر بالإعادة فيه للمحاذاة و التقدم على الرجال المذكورين فيه حتى على القول بكراهتهما، إذ لعلها

للإيقاع على الوجه الأكمل نحو الأمر بإعادة الجمعة لمن صلاها بغير الجمعة و المنافقين و غيره، و لأن لاعتقادها مدخلية بل لعلها فوت صلاة الإمام التي هي الظهر، نعم

في الكافي أنه في حديث (2)«إن، علم أنهم في صلاة العصر و لم يكن صلى الأولى فلا يدخل»

لكنه- مع إرساله و إعراض المشهور نقلا و تحصيلا عنه، بل في المنتهى الإجماع على عدم شرطية تساوي الفرضين قال: «فلو صلى ظهرا مع من يصلي العصر صح، ذهب إليه علماؤنا أجمع» و نحوه في


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.

ج 13، ص: 242

التذكرة و عن المعتبر لكن بدون «أجمع» و احتماله للتقية، و الدخول بنية العصر كما في الوسائل، و الكراهة- قاصر عن معارضة النصوص المعتبرة المستفيضة الصحيحة الصريحة الوارد بعضها(1)في ائتمام المسافر ظهرا و عصرا بظهر الحاضر، بل و لا لأولهما أيضا بعد الإغضاء عما يدل على خلافه من النصوص المستفيضة حد الاستفاضة، و فيها الصحيح الصريح و المعتضدة بالشهرة القريبة من الإجماع، بل هي كذلك عن الفاضلين، نعم ظاهر بعضها الكراهة، كخبر البقباق (2)عن الصادق (عليه السلام) و غيره كما ستعرف ذلك عند تعرض المصنف له، و لعله هو دليله، إلا أنه لا يخفى على من لاحظه ظهوره في الكراهة أو

صراحته كما قيل و إن اشتمل صدره على النهي الظاهر في الحرمة لو لا التصريح بالصحة و الجواز فيه التي لا تجامع الحرمة عند الإمامية، و الأمر سهل، هذا.

و قد يظهر من إطلاق المتن بناء على عدم رجوع القيد الآتي في كلامه إلى الجميع جواز الائتمام في أي فرض بأي فرض بعد تساوي النظم، لكن في الدروس الأقرب المنع من الاقتداء في صلاة الاحتياط و بها إلا في الشك المشترك بين الامام و المأموم، و لعله لأنها معرضة للنفل و الإتمام فينبغي ملاحظة الصحيح على كل منهما، لكن فيه أولا أنه لا فرق في ذلك بين الشك المشترك و غيره، و ثانيا أنه لا يقدح احتمال النفل بعد أن كانت واجبة في الظاهر لا أقل من أن تكون كالنافلة المنذورة بناء على صحة الائتمام فيها و بها، فالأولى التمسك له بالشك في تناول إطلاقات الجماعة له التي لم تسق لمثل ذلك و إن كان فيه تأمل.

نعم قد يقال هو في محله بالنسبة إلى النافلة المنذورة إذا أريد الائتمام فيها بفريضة يومية أو العكس و إن كان ظاهر من جوز الاجتماع فيها بالنذر مساواتها للفرائض، فيصح الائتمام بها و فيها من غير فرق بين مجانسها و مخالفها، و لعله لا يخلو من وجه.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 243

أما مع اختلاف النظم كاليومية و الجنائز و الكسوف و العيدين فلا خلاف أجده بين الأصحاب في عدم مشروعية الجماعة فيها، بل في كلام بعضهم دعوى الإجماع عليه بل لعله من بديهيات المذهب أو الدين كما قيل، لا لعدم إمكان المتابعة، إذ يمكن بنية الانفراد عند محل الاختلاف، أو الانتظار إلى محل الاجتماع، أو الائتمام بالركوع العاشر مثلا من صلاة الكسوف كما عن النجيبية احتماله، و أحد قولي الشافعي جوازه حتى في صلاة الجنازة، بل لأن العبادة توقيفية و لم يثبت مثل ذلك فيها، بل لعل الثابت خلافه، و الإطلاقات واضحة القصور عن التناول لمثله، كوضوح قصورها عن تناول مثل الائتمام في صلاة العيدين بالاستسقاء المتوافقين في النظم و بالعكس حتى لو نذر و إن كان الاجتماع مشروعا فيها، إلا أنه فيها نفسها لا في المتخالفين.

أما الائتمام في ركعتي الطواف الواجب باليومية و بالعكس فغير بعيد كما نص على أولهما في البيان و إن كان هو أيضا لا يخلو من تأمل باعتبار توقيفية العبادة، و قصور الإطلاقات عن تناول مثله، بل و عبارات الأصحاب التي قد يدعى الإجماع عليها، لاحتمال إرادة القضية المهملة منها، بل ينبغي القطع به في عبارة الكتاب و ما شابهها بناء على رجوع القيد الآتي في كلامه إلى الجميع، فتأمل جيدا.

[في جواز إئتمام المتنفل بالمفترض]

و كذا يجوز أن يأتم المتنفل بإعادة صلاته احتياطا مندوبا أو قضاء كذلك، أو لإرادة الجماعة، أو كان صبيا أو تبرعا عن ميت بالمفترض للأصل فيها، أو في بعضها، و إطلاق الأدلة، بل في بعضها الائتمام بالأسماء التي لا مدخلية للفرض و النفل فيها، مع اعتضاد ذلك كله بنفي الخلاف المعتد به في شي ء منه نقلا في الرياض إن لم يكن تحصيلا، و إن كان معقده فيه ايتمام المتنفل بالمفترض من غير تنصيص على ما ذكرنا، كمعقد إجماع الخلاف، و نفي الخلاف بين أحد من أهل العلم في المنتهى و عند علمائنا في التذكرة، إلا أن ذلك و نحوه مرادهم قطعا، و إلا فقد سمعت سابقا

ج 13، ص: 244

عدم مشروعية الجماعة في النافلة عدا العيدين و الاستسقاء و الغدير على قول ضعيف، و احتمال إرادة الأولين هنا يمنعه ما عرفته من اشتراط توافق النظم في الجماعة، فلا يتصور فيهما الائتمام بالفريضة اليومية التي هي مراد المصنف من المفترض هنا، أو هي و المنذورة في وجه ينقدح منه إمكان إرادة ما يشملهما بالمتنفل إذا فرض وجوبهما على الامام بنذر و نحوه، فيكون حينئذ مفترضا و مأمومه متنفلا بهما.

كما أنه ينقدح أيضا شموله لنافلة الغدير إن قلنا بجواز الجماعة فيها و قلنا بجواز فعلها كذلك و لو بغير مجانسها من الفرائض و إن كان هو محلا للنظر و التأمل، إذ لو سلمنا صحة الجماعة فيها فالظاهر اختصاصها بمجانسها، اقتصارا في العبادات التوقيفية، فلا تندرج حينئذ في صورة ايتمام المتنفل بالمفترض إلا إذا نذرها الامام كما عرفت.

نعم قد يندرج فيها الاقتداء في ركعتي الطواف المندوب بركعتي الواجب منه و بالفريضة بناء على استثنائها من عدم مشروعية الجماعة في النافلة، فتأمل.

و كيف كان فالنصوص المعتبرة المستفيضة جدا فيما ذكره المصنف بالنسبة إلى إعادة الصلاة جماعة إذا كان قد صلاها فرادى، بل أو جماعة كما في الذكرى و سيمر عليك جميعها أو أكثرها عن قريب إن شاء اللَّه، لكن

في بعضها(1)«يجعلها الفريضة»

و في آخر(2)«إن شاء»

و في ثالث (3)«يختار اللَّه أحبهما اليه»

و في رابع (4)«يجعلها سبحة»

و على الأول يخرج عن موضوع الصورة التي ذكرها المصنف، بل و على الثالث في وجه، و يأتي إن شاء اللَّه تحقيق البحث في ذلك.

و أما ائتمام المتنفل ب المتنفل فاني و إن لم أجد فيه خلافا أيضا كما اعترف به في الرياض إلا أني لم أجد نصا على صورة من صوره عدا العيدين و الاستسقاء منه،


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.

ج 13، ص: 245

لكنه مقتضى الأصل في بعضه، و الإطلاقات في الجميع، خصوصا في مثل المتبرع به من

اليومية، و المعاد منها تحصيلا للإمامة أو المأمومية أو للاحتياط، لقرب انسياقها إلى الذهن منها، و ليس المراد التعميم في المتن و ما شابهه من عبارات الأصحاب قطعا، إذ قد عرفت عدم مشروعية الجماعة في النافلة عندنا، بل المراد الجنسية التي تتحقق بالعيدين و الاستسقاء و المعادة و المتبرع بها و المحتاط فيها بعضها ببعض و بركعتي الطواف المندوب بها و باليومية الندبية، بناء على جواز الجماعة فيها و إن كان لا يخلو من منع، بل في الذكرى أنه يجوز اقتداء المتنفل بمثله في الإعادة إذا كان في المأمومين مفترض.

أما لو صلى اثنان فصاعدا فرادى أو جماعة ففي استحباب إعادة الصلاة لهم جماعة نظر، من شرعية الجماعة، و من أنه لم يعهد مثله، فالنهي عن الاجتماع في النافلة يشمله، و هو جيد، بل في التذكرة «الوجه منع صحة صلاة المتنفل خلف مثله إلا في مواضع الاستثناء كالعيدين المندوبين و الاستسقاء» و ظاهره عدم جواز الإعادة بالإعادة من صوره فضلا عن غيرها و إن كان الأقوى خلافه.

[في جواز إئتمام المفترض بالمتنفل]

و أما المفترض بالمتنفل فلا خلاف فيه أيضا نقلا و تحصيلا، بل في الخلاف و ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و النصوص (1)بعد الأصل و الإطلاقات دالة على بعض صوره، و هي اقتداء المؤدي فرضه بمن أعاد تحصيلا لفضيلة

الجماعة، و أما باقي الصور كاقتداء مصلي اليومية أداء أو قضاء بالمتبرع عن غيره أو المحتاط و بالناذر للنافلة و بركعتي الطواف الواجب، أو ذي النافلة المنذورة بمصلي اليومية ندبا لإعادة أو تبرع أو احتياط و بالمتنفل نافلة يجوز الجماعة فيها كالغدير على قول، أو من نذر العيدين و الاستسقاء و الغدير بغير الناذر فلم أجد بها نصا بالخصوص، لكنه مقتضى إطلاق الأدلة و إن كان بعضها محلا للنظر و التأمل، كالنافلة المنذورة و لو الغدير باليومية كما


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 246

سمعته سابقا، و لعله إلى هذه الأماكن في هذه الصورة و ما تقدمها أشار المصنف بقوله:

في أماكن معلقا له بقوله: «يجوز».

ثم قال و قيل بجواز الائتمام مطلقا أي كل متنفل بكل مفترض و متنفل و كل مفترض بكل مفترض و متنفل بعد توافق النظم، لكنه مجهول القائل، مبناه جواز الاجتماع في النوافل الذي قد عرفت بطلانه بما لا مزيد عليه، على أنه لو سلم فلا يقتضي جواز الاقتداء في الفرائض بها أو بالعكس، بل أقصاه بعضها ببعض، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الاقتصار على ما سمعت من الصور التي يمكن استخراجها من الأدلة لا مطلقا، بل في التذكرة أن الأقرب عندي منع اقتداء المفترض بالمتنفل إلا في صورة النص، و هو ما إذا قدم فرضه، و إن كان النظر فيه واضحا بالنسبة إلى بعض الصور المتقدمة، و لعله لا يريد ما يشملها، نعم ما فيها- من أن الأقرب منع صحة صلاة الجمعة خلف متنفل بها كالمعذور إذا قدم ظهره، أو خلف مفترض بغيرها مثل من يصلي صبحا قضاء أو ركعتين منذورة- لا يخلو من وجه، مع أنه قال في الذكرى- بعد أن حكى ذلك عن الفاضل و ذكر أنه يتصور فيما إذا خطب و انقضى العدد ثم تحرم واحد بصلاة واجبة فاجتمع العدد سواء كان المتحرم الخطيب أو غيره إن جوزنا مغايرة الإمام للخطيب- قال: «و في هذا المثال مناقشة، لأن الظاهر إذا اجتمع العدد بعد الخطبة وجوب الجمعة و فساد صلاة المتلبس بها إذا كانت ظهر اليوم، نعم لو كان قد صلى الظهر و تلبس بالعصر ثم حضر العدد أمكن أن يقال بصحة الفرض، و أبلغ منه في الصحة أن يكون مسافرا أو أعمى و قد صلى فرضه و شرع في آخر و اجتمع العدد» انتهى، و لتمام البحث في تنقيح ذلك و الحكومة بينهما مقام آخر.

[في كيفية وقوف المأموم]

و يستحب أن يقف المأموم عن يمين الامام لا خلفه و لا يساره إن كان رجلا واحدا على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المنتهى «أنه مذهب

ج 13، ص: 247

أكثر أهل العلم» بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن المعتبر إلى العلماء، مشعرين بدعوى الإجماع عليه، بل في الخلاف «أن عليه إجماعنا و جميع الفقهاء إلا النخعي و سعيدا» و في المنتهى «لو وقف المأموم الواحد عن الخلف أو الشمال و المتعدد عنه و عن اليمين جاز على كراهة إجماعا» و نحوه ما في التذكرة لكن مع ترك الخلف في معقد إجماعها و خلفه لا يمينه و لا يساره إن كانوا جماعة على المشهور بين الأصحاب أيضا كذلك، بل في التذكرة نفي الخلاف فيه، كما عن المنتهى و إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، و في الخلاف «إذا وقف اثنان عن يمين الامام و يساره فالسنة أن يتأخرا خلفه» مستدلا على ذلك بإجماع الفرقة، خلافا لظاهر المحكي عن أبي علي من إيجاب الموقف المزبور في الواحد و الجماعة في صحة الصلاة، و لم أجد من وافقه عليه، بل و لا من حكي عنه عدا ما في مفتاح الكرامة أنه قد يلوح من الجمل و العقود و جمل العلم و العمل وجوب الوقوف عن اليمين، مع أن الذي أظنه إرادتهم الندب و إن عبروا بما ظاهره الوجوب خصوصا من مثل القدماء في المعروف استحبابه، بل يمكن دعوى إرادة أبي علي الكراهة من قوله: «لا يجوز صلاته لو خالف» كما هو ديدن القدماء في التعبير عنها بمثله.

و مع ذلك كله فقد أنكر في الحدائق على الأصحاب مبالغا في إظهار العجب و إساءة الأدب تمسكا بظاهر الأمر بقيام الواحد عن اليمين و الأكثر خلفا في النصوص المستفيضة التي فيها الصحيح و الحسن و غيرهما، قال أحدهما (عليهما السلام) في

صحيح ابن مسلم (1): «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه»

و الصادق (عليه السلام) في الحسن لزرارة(2)في حديث «نعم و يقوم الرجل عن يمين الامام» جواب سؤاله «عن الرجلين يكونان جماعة»

و ليت


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 248

شعري ما أدري إنكاره على من حصل الإجماع على إرادة الندب من هذه الأوامر التي ليست بصيغها، بل يمكن دعوى ظهورها هنا في مطلق الطلب في مثل هذه الأخبار الخارجة من بين أيديهم، أو على من كان المنقول منه حجة عنده.

على أنه مع الإغضاء عن ذلك يمكن استفادة الندب منها بمعونة الشهرة العظيمة المعتضدة بالإطلاقات الكثيرة، و

مرفوع علي بن إبراهيم الهاشمي (1)المروي في الكافي قال: «رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يصلي بقوم و هو إلى زاوية في بيته بقرب الحائط و كلهم عن يمينه و ليس على يساره أحد»

و احتمال إرادة الخلف الذي على جهة اليمين منه بعيد جدا، خصوصا و أخبار الخصم بمثل هذه العبارة، و إطلاق خبري أبي الصباح (2)

و موسى بن بكر(3)عن الكاظم و الصادق (عليهما السلام) «عن الرجل يقوم في الصف وحده فقال: لا بأس إنما يبدو الصف واحد بعد واحد»

و صحيح سعيد الأعرج (4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أ يقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال: نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام»

و خبر السكوني (5)عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): لا تكونن في العثكل، قلت: و ما العثكل؟ قال: أن تصلي خلف الصفوف وحدك، فان لم يمكن الدخول في الصف و قام حذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته»

ضرورة ظهوره كسابقه و المرفوع المتقدم في عدم وجوب القيام خلف الامام مع فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 5 الوسائل- الباب- 58- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1 عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام إلخ.
5- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 249

تعدد المأمومين، كظهور الأولين قبلهما في عدم وجوب قيام الواحد عن اليمين، مضافا إلى إمكان دعوى إيماء التعليل في

خبر أحمد بن رباط(1)عن الصادق (عليه السلام) إلى الندب في الجملة أيضا، قال: «قلت له: لأي علة إذا صلى اثنان صار التابع على يمين المتبوع؟ قال: لأنه إمامه، و طاعة للمتبوع، و إن اللَّه جعل أصحاب اليمين المطيعين فلهذه العلة يقوم على يمين الامام دون يساره».

خصوصا بعد تعارف مثل هذه التعليلات للمندوبات، كايماء الأمر بالتحويل من اليسار إلى اليمين في أثناء الصلاة في خبري ابني سعيد(2)و بشار(3)إلى الصحة، ضرورة أنه لو كان القيام إلى اليمين شرطا في الصحة كما يدعيه الخصم لاتجه الأمر بالاستئناف و لم يجز التحويل،

قال في أولهما: «عن أحمد بن محمد في الصحيح ذكر الحسين ابن سعيد أنه أمر من يسأله عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره و هو لا يعلم ثم علم و هو في صلاته كيف يصنع؟ قال: يحوله عن يمينه»

و قال في ثانيهما: «أنه سمع من يسأل الرضا (عليه السلام) عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره و هو لا يعلم كيف يصنع ثم علم و هو في الصلاة؟ قال: يحوله إلى يمينه»

فيبقى حينئذ احتمال الوجوب التعبدي الذي لا يقوله الخصم، و يمكن نفيه بالأصل و غيره.

على أنه قد يبعد الوجوب أيضا زيادة على ما سمعت و على السيرة و الطريقة إغفال التعرض في الأدلة لما هو الغالب من فروعه، كتجدد التعدد أو الاتحاد في الأثناء، و أنه هل

يتقدم الامام عليهما أو يتأخران هما عنه في الأول، أو يتأخر الإمام اليه أو يتقدم هو إلى الامام في الثاني، و لو فرض التعذر فهل يجب الانفراد أو يغتفر، و لو كان المأموم واحدا ثم جاء آخر فهل يقف خلف أولا و ينوي ثم يتأخر اليه المأموم أو أنه يتأخر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 250

القديم أولا ثم ينوي الجديد، إلى غير ذلك، و احتمال جريان مثله على تقدير الندب أيضا يدفعه معلومية تفاوت حال الوجوب و الندب، و أنه يكتفى في إثبات الثاني بما لا يكتفى به في الأول بأن يقال إنه يومي تحويل الامام من كان على يساره إلى يمينه و عدم تحويله نفسه إلى الحكم في بعض ما ذكرنا، كاستحباب انتقال المأموم إلى اليمين عند عروض الاتحاد له بعد أن كان متعددا، و به صرح في المنتهى، بل و استحباب تأخره عنه عند عروض التعدد كما صرح به أيضا في الكتاب المزبور و البيان، و لا فرق بين سبق إحرام الجديد أو تأخر القديم على الظاهر، كما أنه من الواضح عدم وجوب نية الانفراد عندنا مع التعذر، لكون الحكم مندوبا و تركه مكروها، لما سمعته من إجماع المنتهى، بل منه و من غيره أيضا بل و من النصوص أيضا يظهر إرادة الأكثر من واحد من الجماعة هنا كما صرح به بعضهم، و الصبي كالبالغ في هذه الأحكام بناء على شرعية عباداته، فلو اجتمع معه رجل تأخرا، و إن اتحد وقف عن يمين الامام كما أشارت إليه النصوص (1)أيضا.

ثم لا يخفى أنه لا منافاة بين ما سمعته هنا من استحباب قيام الجماعة خلف و بين ما ذكره الفاضل من استحباب قيام الامام وسطا ليتساوى نسبته إلى المأمومين ليتمكنوا من المتابعة، و ل

ما رواه الجمهور(2)عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أنه قال: «وسطوا الامام و سدوا الخلل»

ضرورة إرادة ما لا ينافي الخلف من الوسط.

نعم قد يناقشون بعدم صلاحية ما ذكروه دليلا لإثباته فضلا عن أن يعارض ما دل على استحباب اليمين، و خصوص مرفوع علي بن إبراهيم الهاشمي (3)المتقدم سابقا خصوصا لو أريد منه جهة اليمين و إن كانوا خلفه، و حمله على الضرورة كما في الذكرى


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 كنز العمال ج 4 ص 133- الرقم 2906.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 251

لا داعي له، و من هنا أنكر في الحدائق استحباب ذلك عليهم، و لا بأس به لو لا التسامح في المستحب، و يمكن القول باستحباب كل منهما، فيخرج اليسار حينئذ خاصة، فتأمل.

هذا كله في المأموم الرجل، و أما الأنثى و لو متعددة فالمشهور بين الأصحاب كما في المفاتيح استحباب وقوفها خلفه، و إليها أشار المصنف بقوله أو امرأة عاطفا له على

الجماعة كما هو خيرة النافع و المدارك و الذخيرة و المفاتيح و ظاهر الدروس و الرياض للأمر به في

خبر أبي العباس (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يؤم المرأة في بيته، قال: نعم تقوم وراءه»

و مرسل ابن بكير(2)أيضا «في الرجل يؤم المرأة، فقال: نعم تكون خلفه»

و مضمر القاسم بن الوليد(3)«سألته عن الرجل يصلي مع الرجل الواحد معهما النساء، قال: يقوم الرجل إلى جنب الرجل، و يتخلفن النساء خلفهما»

و غيرها، حتى

قول الباقر (عليه السلام)(4): «المرأة و المرأتان صف و الثلاث صف»

فإنه كالأمر السابق المحمول على الندب إن قلنا بعدم حرمة المحاذاة، و إلا فعلى الوجوب كما عن التذكرة و الذكرى و الروض و المدارك و الرياض و غيرها، لكن قد يناقشون بأنه لا تلازم بين المسألتين، إذ الجماعة هيئة توقيفية متلقاة من الشارع و قد وردت عنه بهذه الكيفية الخاصة، و لا معارض لها، إذ لا إشعار فيما استفيد منه الكراهة هناك بما يشمل الجماعة، و لو فرض إطلاقه وجب تقييده بما هنا، خصوصا مع أمر الكاظم (عليه السلام) المرأة التي صلت بحيال الرجال مؤتمة به بخيال أنه العصر فبان ظهرا في صحيح علي بن

جعفر(5)المتقدم سابقا بالإعادة التي لا وجه لها إلا المحاذاة إذ حمله على الندب كما سمعته فيما سبق موقوف على المعارض، و ليس إلا حمل أخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 53- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 252

المحاذاة على الكراهة، لمكان التعارض فيها، و فيه أن التأخر هنا لا للمحاذاة بل لهيئة في الجماعة، اللهم إلا أن يثبت إجماع مركب على عدم الفرق بين الفرادى و الجماعة فيها كما عساه يظهر من الفاضل و الشهيدين و غيرهما ممن بنى المسألة هنا على تلك، بل في مفتاح الكرامة عن الغنية و التحرير و ظاهر التذكرة الإجماع على عدم الفرق بين الجماعة و الفرادى إلا أني لم أجده في ثانيها، بل قد يشك في أصل ثبوته أيضا، فيتجه حينئذ حمل الأوامر هنا على الندب، بل في صريح منتهى العلامة و عن ظاهر معتبر المصنف الوجوب هنا مع اختيارهما الكراهة هناك، اللهم إلا أن يكون ذلك رجوعا منهما، كما عساه يشهد له بعض الأمارات في كلام الأول منهما لا أنه قول بالفصل، و فيه بحث، بل قد يظهر فيما يأتي من كلام المصنف- من وجوب تأخر النساء عن الرجال لو جاءوا إلى الجماعة في الأثناء حتى حكي عن معتبر المصنف الإجماع عليه- مدخلية الجماعة في الجملة في هذا التأخير، و أنها غير مبتنية على مسألة المحاذاة التي فتوى

المصنف و غيره بل لعله سائر المتأخرين على الكراهة فيها.

لكن و مع ذلك فالذي يقوى في النظر الندب هنا بناء على الكراهة هناك، عملا بالأصل و إطلاقات الجماعة المعتضدة بالشهرة المحكية، بل الإجماع المركب، و بإطلاق الأخبار الدالة على جواز المحاذاة التي بسببها قيل بالكراهة هناك مع قصور أخبار المقام عن إفادة الوجوب سندا أو دلالة، خصوصا بعد ملاحظة العطف أو كالعطف في بعضها على المندوب أو عطفه عليها، و الأمر بتأخرهن عن غير الامام المحمول على الندب بناء على الكراهة في تلك المسألة، و معلومية إرادة الندب من مثل هذه العبارة في المأموم المتحد و المتعدد إذا كان ذكرا، و استبعاد الاكتفاء في إيجاب ذلك بمثل ذلك بعد حكمهم (عليهم السلام) بكراهة المحاذاة في غير الجماعة، و غير ذلك، و الأمر بالإعادة في الصحيح

ج 13، ص: 253

المزبور(1)لعله لأحد الوجوه السابقة، أو لوجوب التأخر في الجملة في أصل الجماعة كما سمعته سابقا من الحلي أو لغير ذلك، بل قد يقال بالندب هنا و إن قلنا بحرمة المحاذاة هناك بناء على إرادة المساواة منها لا ما يشمل تقدم الإمام في الجملة للمعتبرة(2)المستفيضة المذكورة هناك الدالة على الصحة

مع تقدم الامام بصدره أو بحيث يكون سجود المرأة مع ركوعه أو بمقدار شبر، فيكون المندوب هنا كونها خلف الإمام في جميع أحوال الصلاة من ركوع أو سجود، كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): تكون أي المرأة وراءه و خلفه، و

صحيح الفضيل بن يسار(3)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أصلي المكتوبة بأم علي، قال: نعم، قال تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك»

و دونها في الفضل اجتماع سجودها مع ركبتيه، لقوله (عليه السلام) أيضا في

صحيح هشام بن سالم(4): «الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه، سجودها مع ركبتيه»

و دونهما غيرهما، بل لا استحباب فيه و إن كان مجزيا، بل قد يقال ذلك أيضا في الثاني كما هو ظاهر اقتصار الأصحاب على استحباب الخلف، و إن كان هو مدلول صحيح هشام السابق الذي يستفاد منه و من سابقه أيضا استحباب كونها على جهة اليمين في الخلف لا اليسار أو غيره، خصوصا بعد ما قيل ردا على المفاتيح حيث استدل بصحيح هشام على استحباب اليمين إن قوله: «عن يمينه» إلى آخره، في الصحيح المزبور من كلام الصدوق ليس من صحيح هشام، و لذا لم يذكره في الوافي، لكن رواه في الذخيرة كما سمعت، و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مكان المصلى- الحديث 1 و 9 و الباب 6 منها الحديث 2 و 3 و 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مكان المصلى- الحديث 9.

ج 13، ص: 254

و لو كان الإمام امرأة وقف النساء إلى جانبيها و لا تتقدمهن كالرجل في جماعة الرجال و إن كثرن بل تقوم وسط الصف بينهن بلا خلاف أجده فيه بين القائلين بامامة النساء كما اعترف به في التذكرة و الرياض، بل في المنتهى و عن المعتبر إجماعهم عليه للأخبار المستفيضة(1)فيه باللفظ المتقدم حد الاستفاضة، و فيها الصحيح و غيره، بل ظاهرها جميعها وجوب ذلك و حرمة التقدم، إلا أني لم أجد أحدا صرح به و إن أوهمته بعض العبارات المشتملة على الأمر به كالروايات، بل التأمل الصادق في كلماتهم يعطي إرادتهم الندب منه كما صرح به غير واحد، بل قد يظهر من الرياض أنه من معقد نفي خلافه، و ما حكاه من إجماع الفاضلين كغيره ممن حكى ذلك أيضا، و لعله كذلك، لانصراف النهي فيها إلى رفع الوجوب أو الندب باعتبار وروده في مقام توهمهما، و الأمر إلى إرادة الندب، لتبادر إرادة ما أريد منه في كيفية جماعة الرجال مؤيدا بفتوى الأصحاب نصا و ظاهرا كما عرفت، و بالأصل و إطلاقات الجماعة، و غير ذلك، كما أن المنساق من الأمر بالوسط هنا إرادة عدم التقدم المذكور في جماعة الرجال لا بحيث ما يشمل التقدم في الجملة، و إن كان هو الذي يوهمه ظاهر النص و الفتوى، و عليه فيحتاج الحلي إلى تخصيص اشتراط تقدم الإمام في الجملة في صحة الصلاة بغير جماعة النساء،

كما أنه يحتاج إلى ذلك أيضا من جعله مندوبا لا واجبا.

و الذي يقوى في النظر إرادة ما ذكرنا من النص و الفتوى حتى ما صرح فيها بعدم بروزها عن الصف فيراد بروزها تماما في جميع أحوال الصلاة عن تمام أبدان النساء كالنهي (2)عن أن تتقدمهن، فتأمل جيدا.

و لو كان المأموم رجلا و امرأة وقف الرجل إلى يمين الامام و المرأة خلفهما، و لو كانوا أكثر من رجل و امرأة فصاعدا وقف الرجال خلف الرجال ثم النساء خلف


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 255

الرجال، و لو كان خنثى مشكلا سقطت الجماعة بناء على وجوب وقوف الرجل على اليمين و المرأة خلف، لتعذر الاحتياط هنا كتعذر تحصيل الوظيفة بناء على الاستحباب و إن كان الأولى حينئذ وقوفها خلف تجنبا عن حرمة المحاذاة التي هي أقوى من القول بوجوب الموقف المزبور، و لو كان رجلا و خنثى تعذر الاحتياط مع مراعاة الوظيفة، و إن كان المتجه وقوف الرجل إلى يمين الامام، لعدم ثبوت تعدد الذكر، و وقفت الخنثى خلف، لاحتمال أنها امرأة، بل لا يجزيها إلا ذلك بناء على حرمة المحاذاة و مراعاة البراءة اليقينية، و لو كان رجل و امرأة و خنثى فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له، كما أنه يأتي تمام

البحث في كيفية موقف النساء إذا اجتمعت مع الرجال، و وجوب تأخرهن عنهم لو جاءوا في الأثناء عند تعرض المصنف له أيضا، و اللَّه أعلم.

و كذا لو صلى العاري بالعراة لعدم سقوط استحبابها عنهم إجماعا محصلا و محكيا في المختلف و المنتهى و الذكرى، بل في الأخيرين التصريح بالنساء أيضا، و نصوصا(1)مضافا إلى الأصل و إطلاق الأدلة، فما في ظاهر المحكي عن المقنع من وجوب الفرادى عليهم لا ينبغي أن يصغى اليه، كما أنه يجب حمل مستنده مما في

خبر أبي البختري (2)عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) في العاري «فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى»

على التقية كما قيل، أو غير ذلك، فإذا أرادوا الجماعة حينئذ جلس الامام و جلسوا في سمته كما في الوسيلة و النافع و المنتهى و الدروس و المدارك و الرياض و عن النهاية و المعتبر، بل قيل و عن الجامع و الإصباح أيضا بل في السرائر و المنتهى الإجماع عليه، بل عن المعتبر نسبته إلى أهل العلم و الثلاثة و أتباعهم و لا يبرز إلا بركبتيه كما صرح به غير واحد من الأصحاب، كل ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلي.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.

ج 13، ص: 256

ل

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) سأله «عن قوم صلوا جماعة و هم عراة، فقال:

يتقدمهم الامام بركبتيه، و يصلي بهم جلوسا و هو جالس»

و ظاهره كالفتاوى و معاقد الإجماعات عدم الفرق هنا بين أمن المطلع و عدمه كما صرح به بعضهم ناسبا له إلى المشهور، و آخر إلى مقتضى النص و فتوى الأكثر، بل كاد يكون صريح معقد إجماع السرائر بل و غيرها، و هو الأقوى، للزوم الفرض خوف الاطلاع كما اعترف به في الذكرى و إن كانوا في سمت واحد، و لظاهر الصحيح السابق و الموثق الآتي (2)السالمين عن معارضة الأخبار(3)المفصلة بذلك، ضرورة ظهورها في الواحد و لئن سلم إطلاق بعضها وجب تقييده بهما، كإطلاق ما دل على القيام في الصلاة.

فما عن بعضهم من التفصيل هنا أيضا بأمن المطلع و عدمه كالمفرد ضعيف لم أعرف ما يشهد له صريحا في النصوص، كما أني لم أعرف قائله بالخصوص عدا البيان و إن حكاه في المدارك و الذخيرة، و لعلهما أراداه أو أخذاه من إطلاق بعضهم، أو من المحكي عن موضع من النهاية «يقف معهم في الصف».

و كيف كان فضعفه ظاهر كظهور ضعف ما في الوسيلة، و المنتهى و الدروس و عن النهاية، بل قيل و الجامع و الإصباح، بل عن معتبر المصنف الميل اليه من وجوب السجود و الركوع على المأمومين و الإيماء على الإمام، للأصل و إطلاق ما دل على وجوبهما في الصلاة، و

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق (4): «يتقدمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه،

فيومئ إيماء بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب لباس المصلى- الحديث 3 و 5 و 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى- الحديث 2.

ج 13، ص: 257

وجوههم»

و أمن المطلع بالنسبة إليهم باعتبار تضامهم و تلاصقهم، بخلاف الامام لتقدمه عليهم و كونهم خلفه كما هو مفروض الموثق.

خلافا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، فالإيماء للجميع، بل في السرائر الإجماع عليه، لفحوى ما دل عليه (1)في المنفرد إن لم نقل بشمول إطلاق بعضه له، خصوصا مع فهم العلة فيه أنه العراء، بل قد يدعى أولوية المأموم المجتمع مع غيره منه، بل في حسنة زرارة بإبراهيم (2)تعليل النهي عن السجود و الركوع بأنه يبدو ما خلفهما الظاهر في عدم الفرق في ذلك بين المنفرد و الجماعة و إن كان مورده فيها الأول لكن من المعلوم أنه لا يخصه، و لا ريب في رجحانها على الموثق المزبور سندا بل و دلالة كما عن نهاية الأحكام الاعتراف بأنه مؤل، لاحتماله كما قيل إرادة ركوعهم و سجودهم على الوجه الذي لهم، و هو الإيماء، و لوجوب تقييده بأمن المطلع، و إلا فاحتمال الإطلاق بعيد، بل ينبغي القطع بعدمه، بل لا يقوله الخصم كما يومي اليه كلام الفاضل منهم، و حينئذ يتجه بناء عليه الركوع و السجود للصف الآخر و الإيماء لغيرهم كما

اعترف به في الذكرى لأمن الأول المطلع دون الثاني، و هو كيفية غير معهودة، كما أنه قد يشكل أيضا بما في الذكرى من أن المطلع هنا إن صدق وجب الإيماء للجميع، و إلا وجب القيام، و إن كان قد يجاب عنه بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام، فكان المطلع موجودا حال القيام و غير معتد به حال الجلوس، فتأمل، بل و اعتضادا بالإجماع المحكي الذي يشهد له إطلاق كثير من الفتاوى كما قيل، بل و اعتبارا ضرورة اقتضاء الموثق المزبور كمالية صلاة المأموم دون صلاة الإمام، بل قد يدعي إمكان تصيد منعه من الأدلة، فتأمل، بل في الذكرى «يلزم من العمل بالموثق أحد أمرين، إما اختصاص المأمومين بهذا الحكم، و إما وجوب الركوع و السجود على كل عار إذا أمن المطلع،


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب لباس المصلى- الحديث 6.

ج 13، ص: 258

و الأمر الثاني لا سبيل اليه، و الأمر الأول بعيد» و هو جيد مضافا إلى ما في استبعاد اختصاص الإمام بالإيماء مع أنه يستحب أو يجب عليه القيام في وسطهم، و معه يكون آمنا من اطلاعهم، بل حاله كحالهم، و احتمال اختصاص الإيماء بما إذا كان جلوسهم خلف خلاف ظاهر الخصم بل و الموثق أيضا الظاهر في وجوب الإيماء على الامام و جلوسهم خلف، و هو مضعف آخر للموثق الآخر(1)ضرورة استحباب الوسط كما هو ظاهر الكتاب و القواعد و عن غيرهما، أو الوجوب كما هو ظاهر الجمل و العقود و

الوسيلة و المنتهى و الذكرى و عن المراسم و المعتبر و نهاية الأحكام و الروض و الذكرى و غيرها، بل هو معقد النسبة إلى أهل العلم في المعتبر و المنتهى كما قيل، و إن كان الأقوى في النظر الأول للأصل و إطلاقات الجماعة، و الجمع بين الصحيح و الموثق بناء على إرادة الخلف حقيقة منه لا التأخر في الجملة، بل قد يدعى إرادة الاستحباب أيضا من أولئك أيضا و إن عبروا بما ظاهره الوجوب، لكن بقرينة المقام و ذكرهم البروز بركبتيه المعلوم استحبابه كما قيل حتى على مذهب الحلي الذي أوجب التقدم في الجملة يقوى إرادة الندب من ذلك، خصوصا في مثل عبارات القدماء التي هي كالأخبار، بل و المتأخرين في مثل هذه المقامات المعدة لبيان الوظائف، فتأمل جيدا.

ثم الإيماء إنما هو بالرأس، لأنه المنساق، و ل

حسن زرارة(2)«و يجعل سجوده أخفض من ركوعه»

كما في خبر أبي البختري (3)و تمام البحث و ما يتعلق به من الفروع كصورة التعذر بالرأس و وجوب الاعتماد على الركبتين و الإبهامين عند إرادته


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب لباس المصلى- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب لباس المصلى- الحديث 6 و لكن ليس فيه الجملة المذكورة و انما هي في الفقيه ج 1 ص 296 مرسلا مقطوعا.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.

ج 13، ص: 259

خصوصا للسجود و غير ذلك تقدم في اللباس، إذ الظاهر اشتراك الفرادى و الجماعة في هذه الأحكام، و اللَّه أعلم.

[في استحباب إعادة المنفرد صلاته جماعة]

و يستحب أن يعيد المنفرد صلاته التي صلاها إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة إماما كان أو مأموما بلا خلاف كما في الحدائق و عن غيرها، بل في المنتهى و المدارك و الذخيرة و المفاتيح الإجماع عليه، ل

صحيح هشام (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي معهم و يجعلها الفريضة إن شاء»

و زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) «لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، بل ينبغي أن ينويها و إن كان قد صلى، فان له صلاة أخرى»

و موثق عمار(3)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أ يجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم، و هو أفضل، قلت: فان لم يفعل، قال: ليس به بأس»

و خبر أبي بصير(4)قال له (عليه السلام) أيضا: «أصلي ثم أدخل المسجد فيقام الصلاة و قد صليت، فقال: صل معهم، يختار اللَّه أحبهما اليه»

و خبر حفص بن البختري (5)عنه (عليه السلام) أيضا «الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: يصلي معهم و يجعلها الفريضة»

و صحيح ابن بزيع (6)كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) «أني أحضر المساجد مع جيرتي و غيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم و قد صليت قبل أن آتيهم و ربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل فأكره أن أتقدم و قد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك فأمرني في ذلك بأمرك أنتهي اليه و أعمل به إن شاء اللَّه، فكتب صل بهم»

و الحلبي (7)عن الصادق (عليه السلام) «إذا صليت صلاة و أنت في المسجد و أقيمت الصلاة فإن شئت


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.

ج 13، ص: 260

فاخرج و إن شئت فصل معهم و اجعلها تسبيحا».

و احتمال إرادة إعادة الصلاة بالمخالفين الذين لا صلاة لهم و معهم تقية من هذه الأخبار كلها- كما نص عليه في بعض النصوص، و خصوصا في صيرورته إماما المدلول عليه بخبر ابن بزيع منها و ذيل صحيح زرارة المتقدم الذي لم نذكره بتمامه، و

مرسل الصدوق (1)«قال له رجل: أصلي في أهلي ثم أخرج إلى المسجد فيقدموني، قال:

تقدم لا عليك و صل بهم»

- ضعيف جدا مخالف لصريح بعضها و ظاهر آخر، و الإجماع المحكي على لسان من عرفت إن لم يكن المحصل، و ذكر ذلك في بعض النصوص لا يصلح شاهدا لتنزيل غيرها عليه كما هو واضح.

نعم صريح بعضها(2)كظاهر آخر استحباب إعادة الصلاة الفرادى، أما صلاة الجماعة فلا صراحة في شي ء منها بها، بل و لا ظهور إماما أو مأموما، و من هنا تردد فيه في المنتهى و التذكرة، بل في صريح المدارك اختياره، كظاهر المتن و الوسيلة و التحرير و الإرشاد و القواعد و عن المبسوط و النهاية و غيرها مما علق الحكم فيها على المنفرد، بل في الحدائق أنه المشهور تارة، و أنه الأشهر أخرى، قلت: و الأحوط أيضا في العبادة التوقيفية و إن كان الحكم استحبابيا، خصوصا إذا لم يكن في الجماعة الجديدة مزية على القديمة بكثرة المأمومين أو فضيلتهم أو فضيلة إمام أو غير ذلك، خلافا للسرائر و الذكرى و الدروس و البيان و الموجز و كشف الالتباس و الروض و المسالك و عن غيرها فتستحب إماما كان أو مأموما، لإطلاق بعض الأدلة و التعليل في صحيح زرارة(3).

و ربما احتمل لفظية النزاع بحمل كلام المانعين على إعادة تلك الجماعة بعينها إماما و مأموما، و المجوزين على ما إذا حصل غيرهم و أراد الجماعة و إن انضم معهم، كما عساه يومي اليه ما في البيان «يستحب

للمنفرد إعادة صلاته إذا وجد من يصلي معه إماما كان


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 261

أو مأموما، و الأقرب استحباب ذلك لمن صلى جماعة، و استرسال الاستحباب، نعم لو صلى جماعة لم يستحب له إعادتها إذا لم يأت مبتدئا بالصلاة، فلو أتى مبتدئا استحب لإمامهم أو لبعضهم أن يؤمه أو يأتم به، و استحب للباقين المتابعة» بل قد يظهر من الروض أنه لا إشكال فيه مع الفرض المزبور، لكن التأمل الصادق شاهد بمعنوية النزاع، ضرورة ظهور كلام المانع في المنع مطلقا.

نعم وقع خلاف بين القائلين بالجواز فبين مطلق له كالسرائر و غيرها و بين خاص بما إذا جاء مبتدئا كوقوعه بالنسبة إلى التكرير ثلاثا فما زاد، فقرب منعه في التذكرة بعد أن استشكله، و جوزه في الذكرى و البيان و المسالك و ظاهر الروض و عن الميسية و غيرها، للإطلاق المزبور أيضا، و هو قوي جدا، خصوصا مع ملاحظة قاعدة التسامح التي لم نخصها بما كان كليه مستحبا كالذكر و نحوه، و لا بما إذا صرح بالنهي التشريعي فيه، على أن الأخير غير ثابت في المقام من طرقنا، بل لعل الثابت خلافه بملاحظة

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «الصلاة خير موضوع من شاء استقل و من شاء استكثر»

و ما جرت عليه عادة العلماء من قضاء سائر صلواتهم و الوصية بها بعد موتهم المعلوم أولوية الإعادة منه.

بل ربما يستفاد من ذلك و من

قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة(2)السابق: «فان له صلاة أخرى»

و قوله (عليه السلام)(3): «يختار اللَّه أحبهما اليه»

و «اجعلها تسبيحا»(4)

و غيرها استحباب الإعادة مطلقا فرادى و جماعة مكررا لها ما شاء إن لم ينعقد إجماع على خلافه خصوصا إذا كان مع قيام احتمال الفساد في الفعل السابق الذي لا ينفك عنه غالبا أكثر الناس، و إن كان قضية ما ذكرناه الاستحباب و إن لم يحتمل كصلاة المعصوم، أو لم يأت


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.

ج 13، ص: 262

إلا بعين ما جاء به أولا، و بالجملة يمكن دعوى النفل في الفرائض بعد فعلها، فله فعل ما شاء، إلا أن الجرأة عليه صعبة خوفا من انعقاد الإجماع على خلافه، و إن كان قد يستأنس لعدمه بما سمعته من الشهيد من استحباب التكرير المزبور، ضرورة إمكان دعوى عدم الفرق، بل قد يقال: إنه منفرد لو أعادها إماما إذا لم ينو الإمامة التي لا يجب

عليه نيتها، و دعوى الوجوب عليه هنا لانتفاء سبب المشروعية بدونها كما عن المحقق الثاني ممنوعة، و كذا لو عدل المأمومون عن الائتمام به ابتداء فضلا عن الأثناء، إذ القول حينئذ بانكشاف البطلان مما لا وجه له، إلى غير ذلك من الصور المتصورة هنا التي يمكن استنباط ما قلناه من استحباب الإعادة مطلقا منفردا أو جماعة متحدا و مكررا منها.

و من ذلك كله يعلم الحال فيما لو صلى اثنان فرادى ثم أرادا إعادة الصلاة جماعة و إن منعه في الذخيرة و الكفاية و الحدائق إذا لم يكن معهما مفترض للأصل، و جعل فيه وجهين في الذكرى و المدارك و الرياض لذلك و للترغيب في الجماعة، بل الظاهر عدم الفرق فيما ذكرنا بين الأدائية و القضائية، و بين توافق صلاة المأموم و صلاة الامام و تخالفهما، سواء كان في الأداء كظهر و عصر أو في القضاء، لكن الاحتياط في كثير من هذه الصور لا ينبغي تركه هنا، خصوصا بعد النهي عن الجماعة في النافلة.

ثم إن ظاهر الفتاوى و بعض النصوص السابقة نية الندب في المعادة لو أراد التعرض للوجه كما صرح به في السرائر و المنتهى و التذكرة و البيان و المدارك و الذخيرة و الكفاية و عن المبسوط و نهاية الأحكام و مجمع البرهان، بل عن حاشية المدارك للأستاذ حكاية روايتين (1)عن غوالي اللآلي صريحتين في الندب، خلافا للذكرى و الدروس و حواشي الشهيد و الموجز و الروض و المسالك و عن فوائد الشرائع فجوزوا إيقاعها على


1- 1 المستدرك- الباب- 43- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3 و 4.

ج 13، ص: 263

وجه الوجوب، لصحيح هشام السابق (1)و خبر حفص (2)و غيرهما أيضا حتى

مرسل الصدوق (3)«و روي أنه يحسب له أفضلهما و أحبهما»

و فيه أنه لا دلالة في غير الصحيح و الخبر المزبور، ضرورة عدم المنافاة بين كونها نافلة و اختيار اللَّه لها، بل و لا دلالة فيهما أيضا، لاحتمال إرادة الأمر بجعلها الفريضة التي أوقعها لا أن المراد انوها الفريضة، خصوصا مع ملاحظة قواعد المذهب القاضية بعدم انقلاب ما وقع واجبا ندبا التي يقصر مثلهما عن الحكم بهما عليها، فنية الندب حينئذ أحوط و أقوى، نعم قد يقوى في النظر الاجتزاء بها إذا تبين فساد الأولى و إن كان قد نوى فيها الندب، لظاهر الأخبار السابقة التي يخرج بها عن قاعدة عدم إجزاء المندوب عن الواجب، لكن قال الشهيد (رحمه اللَّه) في الحواشي: إن الفائدة في النزاع المتقدم تظهر لو تبين أن صلاته الأولى باطلة فإنها تجزيه لو نوى الوجوب، و فيه ما عرفت، فتأمل، و اللَّه أعلم.

[في حكم ما إذا أكمل المأموم قراءته قبل الإمام]

و كذا يستحب أن يسبح المأموم حتى يركع الإمام إذا أكمل القراءة قبله كما في النافع

و المنتهى و القواعد و التذكرة و الذكرى و غيرها، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب،

للموثق عن عمرو ابن أبي شعبة(4)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: فأتم السورة و مجد اللَّه و أثن عليه حتى يفرغ»

و آخر عن زرارة(5)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: أبق آية و مجد اللَّه و أثن عليه فإذا فرغ اقرأها و اركع»

و احتمال حملهما على خصوص الصلاة مع المخالف كما في المدارك لا داعي له، و إن كان قد ورد(6)نظير ذلك فيه أيضا، إذ القراءة


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و 4.

ج 13، ص: 264

كما تكون مع المخالف تكون مع الإمام المرضي في الجهرية إذا لم يسمع و لا همهمة، و في غير الأولتين، و فيهما بالنسبة للمسبوق على قول، و غير ذلك.

و دعوى تبادر إرادة القراءة في الأولتين بل الجهرية منهما بقرينة أمر السائل بإبقاء آية إلى عند الركوع المتوقف على علمه بسبقه بها عدا هذه الآية، و لا يكون ذلك إلا مع سماع القراءة، و إلا فلا سبيل غالبا إلى العلم بسبقه في القراءة بحيث يمسك آية من قراءته، و هو ليس إلا مع المخالف يدفعها إمكان منعها بأسرها، خصوصا في مثل الموثق الأول، و خصوصا

بعد فتوى الأصحاب، و خصوصا بعد كون الحكم مستحبا، و خصوصا في مثل التسبيح و التمجيد، و خصوصا بعد ما ورد(1)الأمر به للمأموم في الإخفاتية معللا بأنه لا يقوم كما يقوم الحمار ساكتا المشعر بكراهية السكوت مع ذلك، بل قد يستفاد من الأدلة استحبابه للمأموم في جميع أحواله التي لم يكن مشغولا فيها بواجب حتى في الجهرية المأمور فيها بالإنصات كما تقدمت الإشارة إليه سابقا، بل يستفاد من موثق زرارة السابق استحباب إبقاء آية ليركع عنها، و لا بأس به.

[في استحباب أن يكون في الصف الأول أهل الفضل]

و كذا يستحب أن يكون في الصف الأول أهل الفضل إجماعا في الرياض و عن الغنية، كما أنه في الحدائق حكاه عن بعضهم، بل في المنتهى نسبته إلى عامة أهل العلم ل

خبر جابر(2)عن الباقر (عليه السلام) «ليكن الذين يلون الإمام أولوا الأحلام و النهي، فان نسي الإمام أو تعايا قوموه، و أفضل الصفوف أولها، و أفضل أولها ما دنا للإمام»

و نحوه المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(3)و الأحلام


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 7- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و ذيله في الباب 8 منها- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 7- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 265

جمع حلم بالكسر: و هو العقل، و منه قوله تعالى (1)«تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا» و النهي

بالضم جمع نهية كمدية و مدى على ما في الحدائق: العقل أيضا، و تعايا: لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه و لم يطق إحكامه، لكنهما كما ترى قاصران عن إفادة تمام ما في المتن و غيره إذا الفضل كما في المدارك و غيرها المزية الكاملة من علم أو عمل أو عقل، و ولاء الإمام أخص من تمام الصف الأول.

فالعمدة حينئذ في الخارج عن مدلولهما الإجماع المحكي معتضدا بالاعتبار المقرر هنا الحاصل بملاحظة ما ورد(2)في فضل الصف الأول و أنه كالجهاد في سبيل اللَّه، فيختصون به، لأن الأفضل للأفضل، بل منه قال الشهيد في الذكرى: ليكن يمين الإمام لأفاضل الصف الأول، لما

روي (3)«أن الرحمة تنتقل من الامام إليهم، ثم إلى يسار الصف، ثم إلى الباقي،

و الأفضل للأفضل،

و في المضمر(4)«فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد»

بل لم أعرف غيره أيضا مما يمكن استفادة استحباب ما ذكر في الذكرى و الروض و الرياض و عن الغنية و غيرها من اختصاص الصف الثاني بمن دونهم و هكذا، و إن نسبه في ظاهر الأخير إلى الإجماع و النصوص التي لم نعثر على شي ء منها سوى ما في الأول من

الرواية العامية(5)على الظاهر عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «ليليني أولوا الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء»

مع أنها ليست بتلك المكانة من الدلالة على تمام المطلوب، و الأمر سهل.


1- 1 سورة الطور- الآية 32.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 البحار- ج 18 ص 634 من طبعة الكمباني و كنز العمال ج 4 ص 125 الرقم 2695.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
5- 5 كنز العمال ج 4 ص 133- الرقم 2901 و 2904 و ليس فيهما« ثم الصبيان ثم النساء».

ج 13، ص: 266

و الظاهر كون ذلك مستحبا في نفسه في الجماعة لا يختص الخطاب به بأهل الفضل خاصة، بل يشترك فيه باقي المأمومين معهم أيضا بالنسبة إلى تقديمهم و نظم الجماعة بالنظم المزبور.

ثم لا ريب في ظهور العبارة باستحباب الصف الأول في الجماعة كما دلت عليه النصوص و الفتاوى، بل في الرياض أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة الجنازة و غيرها و إن كان قد يناقش فيه بأن الظاهر منها هنا إن لم يكن المقطوع به الثانية و لذا صرح بعضهم بأن الأفضل الأخير في الأولى، بل في الرياض نفسه أنه ربما عزي إلى الأصحاب جملة، و لا بأس به للمعتبرة المستفيضة(1)و تمام البحث فيه في محله.

نعم ظاهر الإطلاق عدم الفرق بين جماعة الرجال و النساء مع إمكان دعوى تبادر الأول، خصوصا بملاحظة بعض

النصوص العامية(2)«إن خير جماعتهن أواخرها و شرها أولها»

عكس الأولى، لكن الأولى العمل على الإطلاق الأول.

[في كراهة أن يكون في الصف الأول الصبيان]

و كيف كان ف يكره تمكين الصبيان منه أي الصف الأول كما في القواعد و الإرشاد و الروض و المدارك و الذخيرة، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى تصريح الأصحاب، كما أن في الروض إلحاق المجانين و العبيد بهم بذلك، بل فيه و في المدارك و عن غيرها إلحاق غير أولى الفضل مع وجودهم أيضا بهم، و زيادة كراهة التأخر لأولى الفضل عنه أيضا، لكن لم أجد نصا بالخصوص في شي ء من ذلك و إن كان يفهم من الروض وجوده بالنسبة إلى الصبيان، و جعله وجه تخصيصهم في نحو المتن بها، كما أنه ذكر أن وجه تعميمه لما سمعت البناء على المعنى الأصولي لها، و هو ما رجح تركه و إن لم يكن بنص خاص، و هو كما ترى مبني على كراهة ترك المستحب، و فيه نظر أو منع، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.
2- 2 كنز العمال ج 4 ص 133- الرقم 2887.

ج 13، ص: 267

[في كراهة وقوف المأموم في صف وحده]

و كذا يكره أن يقف الرجل المأموم في صف وحده لا لعذر كضيق و نحوه بلا خلاف معتد به

أجد فيه، بل في المدارك الإجماع عليه، للنهي في

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): لا تكونن في العثكل، قلت: و ما العثكل؟

قال: أن تصلي خلف الصفوف وحدك، فان لم يمكن الدخول في الصف قام حذاء الامام و أجزأه، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته»

و لا يقدح فيه عدم وجدان العثكل بالثاء المثلثة كما عن بعض النسخ أو التاء المثناة من فوق بالمعنى المزبور في اللغة كما عن المجلسي بعد تفسيره في الخبر نفسه بما سمعته، على أن في مجمع البحرين عن بعض النسخ «الفسكل» بالفاء و السين المهملة الفرس المتأخر في آخر خيل السباق، و هو مناسب لما نحن فيه كما لا يخفى، و لمفهوم

المرسل عن الدعائم (2)عن الصادق (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل دخل مع القوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصف غيره و الصف الذي بين يديه متضايق، قال: إذا كان كذلك صلى وحده فهو معهم، و قال: قم في الصف ما استطعت، و إذا ضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس»

بل و

المرسل الآخر عنها(3)أيضا عن علي (عليه السلام) «إذا جاء الرجل و لم يستطع أن يدخل الصف فليقم حذاء الإمام، فإن ذلك يجزيه، و لا يعاند الصف»

إذ المراد بمعاندة الصف قيامه فيه وحده، بل و مفهوم

صحيح الفضيل (4)عن الصادق (عليه السلام) و إن قال في الحدائق أن فيه غموضا بعد أن ذكر الاستدلال به من بعضهم، قال: «أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1 و 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 268

و لا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف، و تمشي منحرفا حتى يتم الصف»

إذ لا ريب في ظهوره في ترتب الضرر مع عدم وجدان الضيق، و المراد بالمشي منحرفا المشي متأخرا لا مستقبلا للقبلة، كما أن المراد بالصف فيه الصف الذي خرج منه للضيق و تمامه خلوصه منه، و يحتمل إرادة صف آخر رأى فيه فرجة، فيخرج عن الاستدلال.

لكن لما كان الضرر أعم من الحرمة- لحصوله بالكراهة، و الأخبار الأول قاصرة سندا عن إثباتها، و عن معارضة الأصل و الإطلاقات و الإجماع في صريح المنتهى و التذكرة و ظاهر المدارك أو صريحها و عن الغنية على الصحة، ك

صحيح أبي الصباح (1)سئل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يقوم في الصف وحده، فقال: لا بأس، إنما يبدو واحد بعد واحد»

و نحوه

خبر موسى بن بكير(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) بتفاوت يسير- وجب إرادة الكراهة من ذلك كله، حتى قوله (عليه السلام) في خبر السكوني: «فسدت»

مع إمكان إنكار كون خصوص هذه اللفظة من الخبر بقرينة حذفها عنه في المروي عن دعائم الإسلام، و موافقتها

للمروي (3)من طريق العامة «إن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أبصر رجلا خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة».

فما عن الإسكافي حينئذ من الفتوى بها مع عدم العذر له بالضيق و نحوه ضعيف جدا بعد ما عرفت، مضافا إلى

موثق الأعرج (4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أ يقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟

قال: نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام»

بناء على ما فهمه منه في الحدائق ناسبا له إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4 لكن روى عن موسى بن بكر كما في الفقيه ج 1 ص 254- الرقم 1147.
3- 3 كنز العمال ج 4 ص 255- الرقم 5318.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 269

فهم الأصحاب من إرادة قيامه وحده في الصف الأخير، لكن يكون موقفه محاذيا لموقف الامام من خلفه، لوجوب مطابقة السؤال للجواب، و ل

قول الرضا (عليه السلام) في فقهه(1): «فان دخلت المسجد و وجدت الصف الأول تاما فلا بأس أن تقوم في الصف الثاني وحدك حيث شئت، و أفضل ذلك قرب الإمام»

فإن المراد مساوقته في الموقف، و لتصريح الأصحاب بأنه لا كراهة في الوقوف وحده مع تضايق الصف.

و إن كان قد يناقش بأن الظاهر إرادة وقوفه جناحا للإمام، و أنه أولى من وقوفه وحده في الصف و إن كان لا كراهة فيه مع التضايق، و لذا حكي

عن الفقيه أنه قال: «سألت محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من دخل و وقف عن يمين الامام لتضايق الصفوف، فقال: لا أدري، و ذكر أنه لا يعرف في ذلك أثرا»

و احتمال إرادته ذلك مع امتلاء الصفوف على وجه لا يوجد في ذلك المكان موقف للمصلي كما ترى، إذ هو كالصريح في أن المراد لم أقف على أثر دل على استحباب محل وقوف الثاني نحو ما جاء في الأول، و كالصريح في إرادة الجناح من الحذاء، و نحوه العلامة في المنتهى، قال: «لو دخل المسجد و لم يجد مدخلا في الصف صلى وحده عن يمين الإمام مؤتما

لرواية سعيد الأعرج (2)» إلى آخره، و لا ينافي ذلك استحباب كون المأموم خلف الامام لو زاد على الواحد، لوجوب تقييدها بما هنا، فتأمل، مضافا إلى خبر السكوني (3)المتقدم، بل قد يستفاد منه كراهة قيامه في الصف وحده و لو مع امتلاء الصفوف إذا أمكنه أن يكون جناحا للإمام، فإنه حينئذ يكون كتمكنه من القيام في الصف، فتأمل.


1- 1 المستدرك- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 270

و على كل حال فمما سمعته من موثق الأعرج كخبره الآخر(1)و صحيح أبي الصباح (2)و خبر موسى بن بكير(3)و غيرها يستفاد وجه ما ذكره المصنف مستثنيا له مما سبق بقوله إلا أن تمتلئ الصفوف فلا يكره له حينئذ القيام وحده كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل في ظاهر المدارك أو صريحها دعواه عليه، أما إذا لم يمتل أحد الصفوف بأن كان فرجة فيه سعى اليه، بل قد يستفاد من صحيح الفضيل (4)استحبابه، بل في المدارك تبعا للذكرى و عن المقنع و نهاية الأحكام له السعي إليها و إن كانت في غير الصف الأخير، و لا كراهة هنا في اختراق الصفوف، لأنهم قصروا حيث تركوا تلك الفرجة، نعم لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولى، بل قد يستفاد من صحيح الفضيل

بناء على الوجه الذي قدمناه استحباب السعي لتسوية الفرجة و تتميمها في أثناء الصلاة بتقدم كان ذلك أو بتأخر، بل هو صريح

خبر علي بن جعفر(5)المروي عن كتابه عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له أن يتقدم أو يتأخر وراءه في جانب الصف الأخير، قال: إذا رأى خللا فلا بأس»

و خبر أبي عتاب زياد مولى آل دعش (6)المروي عن بصائر الدرجات عن الصادق (عليه السلام) «سمعته يقول: أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا، و لا عليك أن تأخذ وراءك إذا رأيت ضيقا في الصفوف أن تمشي فتتم الصف الذي خلفك أو تمشي منحرفا فتتم الصف الذي قدامك، فهو خير، ثم قال: إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) قال:

أقيموا صفوفكم فاني أنظر إليكم من خلفي لتقيمن أو ليخالفن اللَّه بين قلوبكم»

و يقرب


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4 لكن روى عن موسى بن بكر كما في الفقيه ج 1 ص 254- الرقم 1147.
4- 4 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.

ج 13، ص: 271

منه خبر محمد بن مسلم (1)المروي فيها أيضا عن الباقر (عليه السلام)، مضافا إلى الأخبار(2)الكثيرة جدا الآمرة بإقامة الصفوف، و تسوية فرجها، و المحاذاة بين المناكب و عدم الاختلاف لئلا يخالف اللَّه بين قلوبكم، و

يتخلل الشيطان بينكم كما يتخلل أولاد الحذف أي الغنم الصغار السود.

و من هنا نص بعض الأصحاب على استحباب هذه الأمور كلها زيادة على ما ذكره المصنف، بل و على استحباب أمر الإمام بذلك تأسيا بالنبي (صلى اللَّه عليه و آله) لكن ظاهر خبر أبي عتاب أنه يمشي في الصلاة لسد الفرجة إذا كان الصف الذي هو فيه ضيقا، و لعله كذلك، و إلا وقع فيما فر منه صيرورة الفرجة في الصف الذي فارقه كما أن ظاهره و غيره مما سمعت من النصوص المفتي بمضمونها عدم الفرق في ذلك بين كون مشيه إلى الخلف أو الإمام، لكن في

رواية ابن مسلم (3)«قلت له: الرجل يتأخر و هو في الصلاة، قال: لا، قلت: فيتقدم، قال: نعم، و أشار إلى القبلة»

و لم أجد من أفتى به، بل حمله في الذكرى على عدم الحاجة إلى ذلك، فيكره، و لا بأس به.

و الظاهر جريان جميع ما سمعته من الأحكام في جماعة النساء، لأصالة الاشتراك و غيرها، نعم لا يكره للمرأة الوقوف وحدها في الصف مع جماعة الرجال إذا لم يكن نساء كما صرح به في الذكرى و المدارك، بل لعله يستحب على ما تقدمت الإشارة إليه سابقا، لأنها معذورة.

[في كراهة النافلة إذا أقيمت الجماعة]

و كذا يكره أن يصلي المأموم نافلة إذا أقيمت الصلاة على المشهور بين


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 70- من أبواب صلاة الجماعة- و المستدرك الباب 54 منها.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب مكان المصلى- الحديث 2 و الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5 و لكن في الموضعين« ماشيا إلى القبلة».

ج 13، ص: 272

الأصحاب كما في الذخيرة، لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح، و ل

خبر عمر بن يزيد(1)أنه سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له:

إن الناس يختلفون في الإقامة، فقال: المقيم الذي تصلي معه»

و ظاهره الشروع في الإقامة، كما أن ظاهره بقرينة قوله: «لا ينبغي» الكراهة لا الحرمة كما هو المشهور بل المجمع عليه بين المتأخرين، مضافا إلى الأصل و إطلاق الأدلة، فما في الوسيلة و عن النهاية من المنع من التنفل إذا أقيم للصلاة ضعيف لا دليل عليه، ضرورة أنه لا مدخلية لأدلة التطوع وقت الفريضة، إذ البحث هنا من حيث إقامة الصلاة للجماعة و إن كان وقت النافلة باقيا، و لذا قال في الذكرى: إنه قد يحمل كلامهما على ما لو كانت الجماعة واجبة، و كان ذلك يؤدي إلى فواتها، و عليه فتخرج المسألة عن الخلافيات، و المراد ابتداء التنفل، فلو شرع في النافلة قبل ذلك لا كراهة و إن علم حصول الإقامة في الأثناء ما لم يخف الفوات، فتأمل.

[وقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة]

و وقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة على الأظهر بل المشهور بين الأصحاب كما في الذكرى و المدارك، و عليه عامة من تأخر كما في الرياض بل صرح به في الخلاف أيضا في فصل كيفية الصلاة، بل في الرياض و غيره عنه دعوى الإجماع عليه، لكني لم أجده فيه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية بن شريح (2)«إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم و يقدموا بعضهم»

خلافا للخلاف هنا و عن المبسوط فعند فراغ المؤذن من كمال الأذان


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 273

مدعيا عليه في أولهما الإجماع، و لم نقف له على مستند، بل قد يريد بقرينة إجماعيه الإقامة منه، بل قطع به بعض مشايخنا كما يومي اليه ما عن المبسوط بعد ذلك بلا فصل، و كذا وقت الإحرام، إذ من المعلوم أنه ليس قبل الإقامة، و لما حكاه في المختلف و الذكرى عن بعض أصحابنا من أنه عند قوله: «حي على الصلاة» لأنه دعاء إليها فاستحب القيام عنده، و هو كما ترى لا يصلح معارضا لما عرفت، بل فيه أن هذا اللفظ موجود في الأذان، و أن قوله: «قد قامت» أولى بالقيام عنده، لأنه صيغة إخبار أريد منها الأمر بالقيام، بخلافه فإنه دعاء إلى الإقبال إلى الصلاة، و اللَّه أعلم.

[الطرف الثاني فيما يعتبر في الإمام]
اشاره

الطرف الثاني يعتبر في الإمام

[في اعتبارالإيمان في الإمام]

الإيمان بالمعنى الأخص الذي به يكون إماميا، فلا تصح خلف المخالف بلا خلاف، بل هو مجمع عليه محصلا و منقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص التي منها الأخبار(1)الكثيرة الآمرة بالقراءة خلف المخالفين، و أنهم بمنزلة الجدر، و قد مر شطر منها. فضلا عن الأخبار الخاصة(2)في خصوص ذلك، و عن الأخبار(3)الدالة على اعتبار العدالة، إذ لا فسق أعظم من ذلك.

بل و لا من وقف على أحدهم (عليهم السلام) كالواقفية، أو قال بإمامة أحد أولادهم كالزيدية و الإسماعيلية و الفطحية و الواقفية و غيرهم بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل هو مقتضى اعتبار الإيمان الذي قد عرفت انعقاد الإجماع بقسميه عليه، ضرورة إرادة المعترف بامامة الجميع منه لا البعض، إذ إنكار بعضهم كإنكار الجميع، مضافا إلى ما دل على اعتبار العدالة في الامام، و لا ريب في انتفائها بذلك، و لا في تحقق الكفر


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 274

الموجب للخلود في جهنم، و إلى

مكاتبة أبي عبد اللَّه البرقي (1)إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) «تجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك و جدك (عليهما السلام)، فأجاب لا تصل وراءه»

و قول الصادق و الرضا (عليهما السلام) في خبري الأعمش (2)و الفضل بن شاذان (3)المرويين عن الخصال و العيون «لا يقتدى إلا بأهل الولاية»

إذ من المعلوم إرادة ولاية الجميع.

بل قد يندرج في ذلك أيضا أهل العقائد الفاسدة من الغلو و التجسيم و التجبير و التكذيب بقدر اللَّه، بناء على تحقق الكفر بها لا الفسق خاصة، و إلا خرجت بالشرط الثاني، و على التقديرين لا يجوز الائتمام بهم قطعا، و في

مرسل خلف بن حماد(4)عن الصادق (عليه السلام) «لا تصل خلف الغالي و إن كان يقول بقولك و المجهول و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصدا»

و خبر إسماعيل بن مسلم (5)سأل الصادق (عليه السلام) أيضا «عن الصلاة خلف رجل يكذب بقدر اللَّه عز و جل قال: ليعد كل صلاة صلاها خلفه»

و في

المرسل (6)عن علي بن محمد و محمد بن على (عليهم السلام) «من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة شيئا، و لا تصلوا خلفه»

و مكاتبة علي بن مهزيار(7)إلى محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) المروية عن الأمالي «أصلي خلف من يقول بالجسم، و من يقول بقول يونس، فكتب لا تصلوا خلفهم، و لا تعطوهم من الزكاة، و ابرأوا منهم بري ء اللَّه منهم»

و في

خبر إبراهيم بن أبي محمود(8)عن الرضا (عليه السلام) أيضا عن آبائه (عليهم السلام) «من زعم أن اللَّه يجير عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون- إلى أن قال-: فلا تصلوا وراءه»

بل

عن الطبرسي (9)أنه رواه في الاحتجاج عن الرضا


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
8- 8 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 12.
9- 9 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 14.

ج 13، ص: 275

عن أبيه عن الصادق (عليهم السلام) بزيادة «و لا تأكلوا ذبيحته، و لا تقبلوا شهادته و لا تعطوه من الزكاة شيئا».

بل قضية مرسل حماد(1)المتقدم و غيره- ك

خبر يزيد بن حماد(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) المروي عن رجال الكشي «قلت له: أصلي خلف من لا أعرف، فقال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه»

و المرسل (3)عن الصادق (عليه السلام) «ثلاثة لا يصلى خلفهم، أحدهم المجهول»

و غيرهما- عدم جواز الائتمام بالمجهول إيمانه أيضا، كما هو قضية اشتراطه و عدم إمكان تنقيحه بالأصول.

نعم لا جدوى بعد ما تسمعه من اعتبار العدالة في الإمام التي لا يمكن الحكم بها إلا بعد معرفة الإيمان، بل و باقي العقائد التي لا يعذر المخطئ فيها كالتجسيم و نحوه، بناء على أنها الملكة أو حسن الظاهر، و إلا فعلى الاكتفاء بظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق فيها يجب إحراز الايمان، إذ الظاهر إرادته من الإسلام عندهم، مع احتمال اكتفائهم بإظهار الشهادتين اللتين يتحقق بهما الإسلام في الحكم بايمانه و عدالته، إذ عدمهما فسق لا يحمل عليه المسلم قبل ظهوره منه، فتأمل جيدا.

[في اعتبار العدالة في الإمام]
اشاره

و كذا يعتبر في الإمام العدالة فلا يجوز الائتمام بالفاسق إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص(4) ، بل ربما حكي عن بعض المخالفين موافقتنا في ذلك محتجا بإجماع أهل البيت (عليهم السلام)، فما في

صحيح عمر بن يزيد(5)سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنه يسمع


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6 و هو مرسل خلف بن حماد و هو الصحيح كما تقدم في ص 274.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 276

أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه، قال: لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا»

محمول على ما لا يوجب الفسق، أو على التوبة منه، أو وقوعه مكفرا عنه إذا لم يصر عليه، أو غير ذلك.

بل و لا المجهول حاله أيضا بناء على عدم الاكتفاء في العدالة بعدم ظهور الفسق كما ستعرف إن شاء اللَّه، لوجوب إحراز الشرط في الحكم بصحة المشروط، إذ عرفت أن الإجماع محكي و محصل على كونها شرطا لا على أن الفسق مانع كما عساه يتوهم من النهي عن الصلاة خلف الفاجر و الفاسق، إذ ذلك و إن كان واردا في جملة من النصوص (1)إلا أن

في بعضها(2)«لا تصل إلا خلف من تثق بدينه و أمانته»

و في آخر(3)«و إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم»

و في

المروي (4)عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب أبي عبد اللَّه السياري صاحب موسى و الرضا (عليهما السلام) «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة

فيقدم بعضهم فيصلي بهم جماعة فقال: إن كان الذي يؤمهم ليس بينه و بين اللَّه طلبة فليفعل، قال:

و قلت له مرة أخرى: إن القوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم و يتقدم أحدهم فيصلي بهم، فقال: إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس، قلت:

و من لهم لمعرفة ذلك؟ قال: فدعوا الإمامة لأهلها»

مضافا إلى الإجماعات السابقة، و إلى ما دل على النهي عن الصلاة خلف المجهول مما تقدم و غيره، لاندراج المجهول عدالته فيه أيضا، بل قد يقال بدلالة تلك النصوص المتضمنة للنهي عن الصلاة مع الفاجر


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و 4 و 5 و 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 12 و ذيله في الباب 27 منها- الحديث 4.

ج 13، ص: 277

و الفاسق على المطلوب أيضا بتقريب توقف امتثال هذا التكليف على اجتناب الواقعي منه، كما هو مقتضى عدم مدخلية العلم في مفاهيم الألفاظ، فينقدح حينئذ التمسك بالإطلاقات لتناوله بناء على كون المخصص و المقيد مقسما للعام و المطلق، فما في

خبر عبد الرحيم القصير(1)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فيقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه»

يجب حمله على التقية بقرينة لفظ «الناس» فيه، أو على عدم معرفته بالخصوص و إن أمكن

تحصيل عدالته بصلاة العدول خلفه مع عدم احتمال التقية و غيرها مما ينافي شهادتهم بعدالته، أو غير ذلك.

ثم لا فرق في النصوص و الفتاوى في اعتبار العدالة بل و غيرها من الثلاثة الأخر في الإمام بين الفرائض الخمس و غيرها من صلاة العيدين و الجنائز و الآيات و نحوها، إذ هي شرط في أصل منصبية الإمامة، كما هو واضح.

نعم الظاهر عدم اعتبار عدالته فيما بينه و بين ربه في صحة نية إمامته إذا كان موثوقا به عند من ائتم به، للأصل، و عموم الأدلة، و إطلاقها بعد عدم الملازمة بين اشتراطها في الائتمام به و بينه في الإمامة، و عليه ينزل إطلاق الفتاوى اعتبار العدالة في الإمام في مقابل قول العامة بجواز الائتمام بالفاسق، و لذا فرعوه عليه، فيكون المراد عدلا عند المأموم، و هو معنى

«لا تصل إلا خلف من تثق به»

و لذا تصح الصلاة و لو انكشف الفسق بعدها، بل لعل الأمر كذلك في الجماعة الواجبة كالجمعة، و خبر السياري المزبور غير صالح لإثبات ذلك، لأن راويه ضعيف فاسد المذهب مجفو الرواية كثير المراسيل كما عن النجاشي و الفهرست، مع احتمال إرادة عدم معرفة من ائتم به ذلك منه أو الفرد الكامل كما يومي اليه جواب السؤال الثاني أو غير ذلك، و كذا

المرسل (2).


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 90 و ليس فيها «و لا فاجر مؤمنا».

ج 13، ص: 278

من طرق العامة «لا يؤمن امرأة رجلا و لا فاجر مؤمنا»

المحتمل لإرادة المعلوم فجوره عند المأموم، كمعلومية إرادة ذلك من نحو

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «قدموا أفضلكم»

بل لعل العارف بعدالة نفسه من الأفراد النادرة التي لا ينصرف إليها الإطلاق.

و دعوى عدم أهلية الفاسق لهذا المنصب يدفعها عدم كون الفرض من المناصب و إنما هو من الأحكام الشرعية، ضرورة استحباب صلاة الجماعة للشخصين مثلا مع وثوق أحدهما بالآخر، و إرادة الواقع من طهارة المولد و نحوها فلا تجوز الإمامة مع علمه نفسه بعدمها لو سلمت لا تستلزم إرادته هنا، بل لعل الاقتصار في النهي على غيره في نحو خبر أبي بصير(2)مشعر بعدم كونه منهم.

بل لعل الأمر كذلك في المفتي أيضا، فيصح له الإفتاء الجامع للشرائط مع علمه بفسق نفسه، إذ لا دليل على اشتراط حجية ظنه بالعدالة تعبدا كالشهادة، بل مقتضى إطلاق آية الإنذار(3)و غيرها خلافه، فإطلاقهم اعتبار العدالة فيه يراد منه بالنسبة للمستفتي باعتبار عدم وثوقه بما يخبر به من ظنه

الجامع للشرائط، و إلا فلو فرض اطلاعه عليه جاز له الأخذ به و إن كان فاسقا، و ليس كذلك في الصلاة، فإن الظاهر عدم جواز الائتمام به و إن علم منه الإتيان بها جامعة للشرائط، لظهور الأدلة في اعتبارها نفسها بالنسبة للائتمام لا من جهة عدم الوثوق بما يراد منه، مضافا إلى نصوص (4)قدموا خياركم، و أفضلكم، و إمام القوم وافدهم إلى اللَّه تعالى، و غير ذلك.

كما أنه ليس كذلك ظن غير المسلم، بل و غير الإمامي الاثني عشري و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
3- 3 سورة التوبة- الآية 123.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 279

جمع الشرائط، لظهور النصوص (1)في الاعراض عنهم و عدم الركون إليهم، و الفطحية و الواقفية و نحوهم و إن كان فيهم من هو من أصحاب الإجماع و ممن أقر له بالفقه و لكن ذلك و نحوه لقبول روايتهم لا آرائهم، و لذا لم يقبل الأصحاب ما ذكره ابن بكير من الرأي في عدم الحاجة إلى المحلل لو تزوجها بعد العدة، بل ذكر الشيخ في حقه ما ينقدح منه عدم قبول شي ء مما رواه فضلا عما رآه و إن كان المعروف بل المروي (2)قبول ما رووه دون ما رأوه، بل هو شاهد آخر للمطلوب، و كيف كان فالأقوى ما عرفت.

نعم الظاهر اعتبارها في نحو منصب الحكومة، لمعلومية عدم جواز تولي الفاسق لأمثاله.

و لو سلم الاشتراط في الإمامة فالظاهر عدم بطلان صلاته لو فعل، لكونه تشريعا في أمر خارج كالمسجدية و إن لم نقل بمثله في المأموم، لوضوح الفرق بينهما، كما بيناه في محله.

أما العدالة في شهود الطلاق بالنسبة إلى الزوج و إلى الشاهدين و إلى الأجنبي فالظاهر اعتبار الواقعية فيها، لقاعدة كون الأسماء للمسميات الواقعية، و دعوى أن الظاهر في العدالة و نحوها مما لا طريق له إلا هو عنوان الحكم فيها لا الواقع لا دليل عليها فلا يجوز حينئذ للأجنبي نكاحها مع العلم بفسق أحد الشاهدين و إن كان هو عند الغير على ظاهر العدالة، كما لا يجوز للزوج نكاح أختها و الخامسة مع علمه بفسقهما، و لا للشاهدين نكاحها مع علمهما بفسقهما، و لا بأس باختلاف الأحكام باختلاف الناس في الموضوع، نعم لا بأس بنكاح الأجنبي مع الجهل بحالهما، لأصالة الصحة بخلاف الزوج، و بذلك كله يظهر لك ما أطنب فيه في الحدائق، و أكثر من التسجيع و التشنيع، و لا غر و فإنه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صفات القاضي- من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صفات القاضي- الحديث 78 من كتاب القضاء.

ج 13، ص: 280

من المحدثين المخالفين في القواعد للمجتهدين الماهرين، و اللَّه الهادي لنا و له.

و كيف كان فالعدالة في اللغة أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا كما في المبسوط و السرائر، و الاستواء و الاستقامة كما في المدارك و غيرها، و ربما احتمل أن العدالة من العدل، و هو القصد في الأمر ضد الجور، و لما كان الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها- كما يظهر من الأخبار(1)و ممن نسب تعريفها الآتي إلى الشرع، إذ احتمال إرادة النسبة إلى الشرع و لو مجازا منه بعيد- لم نحتج مع ذلك إلى تحقيق المعنى اللغوي، و لا يهمنا إجمال ما سمعته من السرائر و غيرها، و أمر المناسبة سهل، بل لو لم نقل بالحقيقة الشرعية فيها فالمجاز الشرعي لا شك في ثبوته، و هو كاف، و هي في الشرع من متحد المعنى على الظاهر، لا فرق فيها بالنسبة إلى كل ما اعتبرت فيه من شهادة و طلاق و غيرهما، و ما في بعض الأخبار(2)من اعتبار بعض أمور في الشاهد غير معتبرة في غيره إنما هو من حيث الشهادة لا من حيث العدالة.

نعم قيل هي فيه الظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق كما عن ابن الجنيد و المفيد و الشيخ في الخلاف، بل هو ظاهر مما حكي عن مبسوطة أيضا، بل قربه في السرائر في باب الشهادات، قال فيها: إن العدل من كان عدلا في دينه، عدلا في مروته، عدلا في أحكامه، فالعدل في الدين أن لا يخل بواجب و لا يرتكب قبيحا، و قيل أن لا يعرف بشي ء من أسباب الفسق، و هذا أيضا قريب، و في المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات و لبس الثياب المصبغات للنساء و ما أشبه ذلك، و العدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا، و مرادهم بالإسلام الايمان، و إلا فظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من كتاب الشهادات.

ج 13، ص: 281

الإسلام من دون معرفة كونه مؤمنا غير كاف، مع احتماله لكونه نوع فسق، و المسلم لا يحمل عليه قبل ظهوره منه، و ستسمع كلام صاحب المسالك، و الظاهر أن ذلك طريق لثبوت العدالة عندهم بمعنى أنه إذا لم يعرف بشي ء من أسباب الفسق يحكم بثبوت العدالة عنده حتى يثبت العدم، و لذا جعله في الذخيرة نزاعا آخر غير النزاع في أصل العدالة.

و كيف كان فالحجة على ذلك أصالة الصحة في أفعال المسلمين و أقوالهم المستلزمة للحكم بأنه لم يقع منه ما يوجب الفسق، فيكون عدلا لعدم الواسطة بينهما، و قد فرض نفي الشارع أحدهما، فتعين الثاني، و إجماع الفرقة و أخبارهم المنقولان عن الخلاف، بل عنه أن البحث عن عدالة الشاهد شي ء لم يعرفه الصحابة و لا التابعون، و إنما هو أمر أحدثه «شريك» و

صحيحة حريز(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا، و أقيم الحد على الذي شهدوا عليه، إنما عليهم أن يشهدوا ما أبصروا و علموا، و على الوالي أن يجيز شهادتهم إلا أن يكونوا معروفين بالفسق»

و ما عن

الصدوق في المجالس عن صالح بن علقمة(2)عن أبيه «قال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) و قد قلت له: يا ابن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أخبرني عمن تقبل شهادته و من لم تقبل شهادته، فقال: يا علقمة كل من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته، قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف الذنوب فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترف بالذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء و الأوصياء (عليهم الصلاة و السلام)، لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه الشاهدان فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 13 لكن روى في الوسائل عن صالح بن عقبة عن علقمة و هو الصحيح كما يشهد على ذلك قوله ع:« يا علقمة».

ج 13، ص: 282

و إن كان في نفسه مذنبا»

و مرسلة يونس (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال:

«خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم: الولايات و المناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه».

و خبر عبد الرحيم القصير(2)قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس يقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه و اعتد بصلاته»

و مرسلة ابن أبي عمير(3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في قوم خرجوا من خراسان و كان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي قال: لا يعيدون»

و خبر عمر ابن يزيد(4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه، قال: لا تقرأ خلفه، ما لم يكن عاقا قاطعا»

و ما رواه

الصدوق بإسناد ظاهره الصحة كما قيل عن عبد اللَّه بن المغيرة(5)«قلت للرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته و أشهد شاهدين ناصبين، قال: كل من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»

و حسنة البزنطي (6)عن أبي الحسن (عليه السلام) «جعلت فداك كيف طلاق السنة؟

قال: يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين كما قال اللَّه تعالى في

كتابه، فإن خالف ذلك رد إلى كتاب اللَّه عز و جل، فقلت له: فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أ يكون طلاقا؟ فقال: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه- الحديث 4.

ج 13، ص: 283

الطلاق بعد أن يعرف منه خير»

و ما ورد(1)في شهادة اللاعب بالحمام أنه لا بأس بها إذا لم يعرف بفسق، و

عن علي (عليه السلام)(2)أنه كان يقول لشريح: «و اعلم أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا محدودا بحد لم يتب منه، أو معروف بشهادة زور أو ظنين»

و في صحيحة أبي بصير(3)سأل الصادق (عليه السلام) «عما يرد من الشهود فقال: الظنين و المتهم و الخصم، قال: فالفاسق و الخائن. قال: كل هذا يدخل في الظنين»

و مثلها جميع الأخبار الدالة على رد شهادة الفاسق، بل ربما أيد أيضا زيادة على ذلك بأن حال السلف يشهد به و بأنه بدونه لا يكاد تنتظم الأحكام للحكام، خصوصا في المدن الكبيرة و القاضي القادم إليها من بعد مع عدم خلطته و اختباره لهم، ضرورة اقتضاء اعتبار غيره تعطيل كثير من الأحكام حتى يختبرهم أو يكون عنده من هو مختبرهم و

مخالطهم، و لا ريب في كونه حرجا و عسرا و تعطيلا، و كيف و الناس في كثير من الأمكنة لا يتمكنون من ذلك في طلاقهم و ديونهم و غير ذلك مما يحتاجون اليه.

بل قد يرشد إليه أيضا الحث على الجماعة المشعر بأنها متيسرة في كل وقت سفرا و حضرا و ظاهر قوله تعالى (4)«وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» حيث لم يقيده بشي ء و لا ينافيه قوله تعالى (5)في الأخرى «وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» إذ لا كلام في كون الشاهد لا بد أن يكون ذا عدل، لكن الكلام في أن ذلك يحكم به حتى يظهر خلافه أولا، و لا تعرض في الآية له، فيبقى إطلاق الأولى سالما، إذ لعل المقصود عدم إشهاد المعروف بالفسق، كما أنه لا يعارض ما ذكرنا بالاحتياط، إذ هو تارة بالفعل، و تارة


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 23.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من كتاب الشهادات- الحديث 3.
4- 4 سورة البقرة- الآية 282.
5- 5 سورة الطلاق- الآية 2.

ج 13، ص: 284

بالترك، و مع ذلك كله فمن المستبعد جدا أو الممتنع أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) و غيرهما من القضاة و الحكام الذين لا انقطاع لأمور الخصومات و الحدود في زمانهم، بل لعلها في اليوم الواحد تتكرر عند الشخص الواحد منهم مرات كانوا يبحثون و ينقرون و يفتشون كما يصنعه المتأخرون من أصحابنا و خفي على من ذكرنا من قدماء أصحابنا كابن الجنيد و المفيد و الشيخ، حتى أن الشيخ حكى إجماع الفرقة و أخبارهم على ذلك، هذا.

لكن لا يخفى عليك أن هذا الأصل غاية ما يمكن تسليم مقتضاه حمل ما يقع من المسلم من ذي الوجوه قولا أو فعلا على الوجه الصحيح منها، و أنه لا يجوز التفتيش عن ما يقتضي فساد فعله، بل يغض السمع و البصر و يحمل على الحسن ما لم يكن الفعل و القول نصا في الفساد أو ظاهرا فيه على الأقوى، و إلا لم يمكن الجرح إلا نادرا، لا أن مقتضاه أن لا يقع منه ما يقتضي الفسق و ما لا وجه له إلا هو، و ملاحظة الأخبار بالنسبة للطهارة و النجاسة و الذبائح و المناكح و نحوها من المعاملات و العبادات لا تفيد أزيد من ذلك، و لا ينافيه رد شهادته حيث يشهد و إن كان الأصل يقتضي أن لا تكون زورا، لكن ذلك في نفسه لو علم لا يكفي في قبول الشهادة، لاحتمال الوهم و النسيان و الدخول إليها بمدخل شرعي فاسد و إن كان معذورا فيه، على أن اشتراط العدالة فيها تعبدي يرتفع أثر هذه الاحتمالات عندها، فمورد أصل الصحة حينئذ الفعل المعلوم أنه محتمل في نفسه لوجوه متعددة، لا المحتمل أنه من المحتمل، و إلا فقد يكون هو في نفسه مما لا يحتمل إلا الفساد، فتأمل.

و دعوى أنه كما أن الأصل حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح كذلك الأصل في المسلم أن لا يخل بواجب و لا بترك محرم و لذا لا يلتفت إلى الشك في شي ء من الواجبات الموقتة بعد فوات وقتها ممنوعة، و عدم الالتفات المزبور للدليل، و لو سلم كل

ج 13، ص: 285

من الأصلين فقد يمنع وجوب العمل بمقتضاه بالنسبة للغير كالائتمام و الطلاق و نحوهما، بل يمكن القطع به بملاحظة أحوال السلف في الروايات فضلا عن غيرها، فان عدم اعتمادهم على من لا يعرفون أحواله و تحرزه من الكذب و نحوه من الضروريات التي لا تنكر، أو يقال إن كلا من هذين الأصلين أمر شرعي تعبدي بحت لا يثبت به ملكة أو حسن ظاهر حتى يلحقه وصف العدالة، لكن فيه أنه لا معنى لثبوت هذا الأصل إلا جعل الشارع المجهول محكوما عليه بان لم يرتكب محرما و لا أخل بواجب، و كل من كان كذلك يلزمه وصف العدالة، و ليس في الأخبار حسن ظاهر أو ملكة، بل الذي يظهر من النصوص و الفتاوى أن العدل الذي لا يخل بواجب و لا يرتكب محرما لكن ذلك منهم من جعله طريقا لحصول الملكة، و منهم من جعله نفسه عدالة من غير ملاحظة ملكة، و بعد تسليم الأصل فالمجهول من الذي لم يخل بواجب و لم يرتكب محرما.

فان قلت: ليس كل من لم يخل بواجب إلى آخره عدلا، بل الذي يعلم منه ذلك أو يظن ظنا معتبرا، و الأصل لا يفيد شيئا منهما. قلت: هو ما علم أو ظن أو ثبت شرعا أنه كذلك كالبينة و الأصل.

ثم إنه لا معنى لثبوت هذا الأصل إلا جعله المجهول عند الشارع مثل الذي علم منه أنه لا يخل بواجب في جريان جميع الأحكام، و منها العدالة، نعم قد يعارض الأصل بظواهر الأخبار الآتية إن شاء اللَّه التي كادت تكون متواترة، بل عن بعضهم أنها كذلك في أنه يعتبر في طريق العدالة زائدا على الإسلام مع عدم ظهور الفسق، فينقطع العمل بالأصل بحيث يثبت العدالة.

و أما الأخبار فهي- مع كون كثير منها ضعيف السند، غير صريحة في المقصود بل بعضها دال على ضده، كمرسلة يونس (1)و رواية عمر بن يزيد(2)و رواية عبد اللَّه


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 286

ابن المغيرة(1)و حسنة البزنطي (2)و صحيحة حريز(3) - محمولة على إرادة كونه معروفا بأنه لم يعرف بشهادة زور، كحمل رواية المجالس (4)على إرادة من لم تره بعينك بعد الفحص عن حاله، لا و لو لأنه مجهول الحال غريب لم تره مدة عمرك، ضرورة احتمال كون مثله معروفا مشهورا بالفسق و شهادة الزور في بلاده أو عند من خالطه.

و أما رواية عبد الرحيم فقد يكون الاعتماد عليه من جهة صلاة الناس خلفه و إن لم تعرفه، و لا دلالة في مرسلة ابن أبي عمير، فان المداسين كثيرون، و لعلهم اختبروه و لم يعرفوه بهذه المثابة حتى جاءوا إلى الكوفة، فإن التدليس يصل أمره إلى أعظم من ذلك، و أما رواية اللاعب بالحمام فلعل المراد منها ما ذكرنا من المعرفة بكونه غير معروف

الفسق، و كذلك قول علي (عليه السلام) لشريح بل لعل الفاسق داخل تحت الظنين في كلامه (عليه السلام) بقرينة صحيحة أبي بصير، و أما ما ورد من رد شهادة الفاسق فهو مع معارضته بما دل على قبول شهادة العدل يراد منه الفاسق في الواقع لا من علمت فسقه، و لو أخذ العلم في ذلك لأخذ في العدل، و ما ذكروه من التأييد معارض بالمؤيدات الكثيرة لعدمه، بل قد يدعى اختلال النظام بذلك، فان كثيرا من حقوق الناس من أموال و فروج و دماء تضيع بذلك، فكم من دم يهدر، و كم من فرج يغصب، و كم من ولد يؤخذ، إن ذلك من المستبعد بل من الممنوع، خصوصا مع ملاحظة النصوص و طريقة الأصحاب، و استبعاد خفاء مثل ذلك على الشيخ معارض باستبعاد خفائه على غيره، على أن الشيخ طريق توثيقه للرجال و عدم قبوله لرواية المجهول معلوم، و لذلك و غيره احتمل تنزيل كلامه على إرادة أنه لا بد من اختباره حتى يظهر عند المختبر أنه غير ظاهر الفسق، و لا يجب عليه أن يبحث عن باطنه و اعتقاداته، و هذا الذي ادعى


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من كتاب الشهادات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من كتاب الشهادات- الحديث 17.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من كتاب الشهادات- الحديث 13.

ج 13، ص: 287

حدوثه من «شريك» فمراده بعدم ظهور الفسق ظهور عدم الفسق، و لا يقال في المجهول الذي لم يعرف و لا اتفق أنه رأي بل كان في بلاد بعيدة أنه غير ظاهر الفسق، كما يرشد إلى ذلك ما حكي عنه في النهاية من التصريح بأن العدالة على ما في صحيحة ابن أبي يعفور(1)الآتية، و عنه في الخلاف أنه قال بعد ذلك:

«مسألة إذا حضر الغرباء في بلد عند الحاكم فشهد عنده اثنان فان عرفا بعدالة حكم، و إن عرفا بفسق وقف، و إن لم يعرف عدالة و لا فسقا بحث» و عن بعض النسخ «لم يجب عندنا سواء كان لهما السيماء الحسنة و المنظر الجميل أو ظاهرهما الصدق، بشهادة قوله عز و جل (2)«مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ»- قال-: و هذا ما رضي به» و كذلك ما عن الكاتب «إذا كان الشاهد حرا بالغا مؤمنا بصيرا معروف النسب مرضيا غير مشهور بكذب في شهادته، و لا بارتكاب كبيرة و لا مقام على صغيرة، حسن التيقظ عالما بمعاني الأقوال، عارفا بأحكام الشهادة، غير معروف بحيف على معامل، و لا تهاون بواجب من علم أو عمل، و لا معروف بمباشرة أهل الباطل و الدخول في جملتهم، و لا بالحرص على الدنيا، و لا بساقط المروة، بريا من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمن البراءة من أهلها، فهو من أهل العدالة المقبولة شهادتهم» فان التأمل في كلامه هذا يقضي بحسن الظاهر، و كيف يصدق على مجهول الحال أنه مرضي غير مشهور بكذب و غير معروف بحيف على معاملة.

و أما المفيد فقد صرح في المقنعة على ما نقل عنه «أن العدل من كان معروفا بالدين و الورع عن محارم اللَّه» و هو ظاهر في حسن الظاهر.

و الحاصل أن ذلك محتمل في كلامهم حتى في كلام الكاتب و إن حكي عنه التصريح بأن المسلمين كلهم على العدالة إلى أن يظهر ما يزيلها.


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 282.

ج 13، ص: 288

و من هنا نقل عن الأستاذ الأكبر في حاشية المعالم الإجماع على أن المراد بالعدالة حسن الظاهر في كل مقام اشترطت فيه، و في شرح المفاتيح «لم يستحضر الخلاف إلا عن ابن الجنيد» و لعله كذلك، لأن عبارات الشيخ و غيره قابلة للحمل على ما ذكرنا بل قد يدعى ظهورها في هذا المعنى، فتأمل جيدا.

و أما الإجماع الذي ذكره الشيخ و حال السلف من النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و الصحابة و التابعين فهو- مع إمكان تنزيله على ما سمعت- يمكن دعوى تبين فساده بالإجماع المحصل الحاصل بملاحظة كلام المتقدمين من أصحابنا من عدم اكتفائهم في التعديل بذلك، بل الشيخ نفسه عرف العدالة في نهايته بمضمون رواية ابن أبي يعفور الآتية كما سمعت، و من ذلك كله يقوى الظن بأن مراده كبعض الأخبار أنه لا يحتاج إلى الفحص و التفتيش حتى يقف أن الرجل لا ذنب له باطنا، بل يكفي عدم ظهور الفسق بعد الخلطة و الاختبار، هذا.

و في شرح المفاتيح للمولى الأعظم أنه لا بد من معروفية كونه مسلما مؤمنا حتى يقال يكفي مجرد الإسلام المرادف للايمان، فإن معرفة ذلك لا تتحقق غالبا أو على سبيل التعارف إلا بالمعاشرة و المعروفية، و لو لم يعرف أصلا من أن يعلم (1)كونه مسلما مؤمنا سيما في ذلك الزمان الذي كان المؤمن فيه في غاية القلة، فهو عين حسن الظاهر، لكن قد يناقش أولا بأن الإسلام أي الإيمان يكفي في ثبوته مجرد إظهاره، و يحكم عليه بذلك بسائر أحكام المسلمين؛ و ثانيا بأنه لا تلازم بين المعرفتين، فإن أكثر الناس نعرف أنهم مسلمون مؤمنون بل نشهد على ذلك و لا نعرف من حسن ظاهرهم شيئا، فتأمل.

كما أنه قد يناقش فيما وقع من بعض المتأخرين- من الاستدلال على فساد هذا


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« من أين يعلم».

ج 13، ص: 289

القول ببعض الأخبار(1)المشترطة في قبول شهادة الشاهد كونه عدلا، و في بعضها(2)خيرا كالآية(3)«وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» و نحوها- بأن أصحاب هذا القول لا ينكرون اشتراط العدالة، بل يكتفون بالحكم بثبوتها بمجرد الايمان مع عدم ظهور الفسق، لا أن العدالة ليست شرطا عندهم بل الفسق مانع كما يتخبل، أو أن العدالة عندهم عبارة عن ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق و إن كان هو محتملا في كلامهم، بل تومئ اليه بعض أدلتهم.

و كذا ما يقال إن العرف و اللغة المحكمين في ألفاظ الكتاب و السنة ينفيان تحقق العدالة بمجرد ذلك فضلا عن أن يحققا وجودها به، أما أولا فلأن العدالة من المعاني

الشرعية فيرجع فيها اليه، و قد سمعت ما يقتضي أنها عبارة عن ذلك فيه، و لا مدخل للعرف و اللغة فيها، و ثانيا لا منافاة بين الحكم بها و بثبوتها بمجرد الايمان و عدم ظهور الفسق و بين كونها أمرا زائدا على ذلك، بل لو لم يصدق عرفا على المؤمن الذي لم يظهر منه فسق أنه عدل لم يقدح لكون ذلك طريقا شرعيا ثابتا بالدليل الشرعي.

نعم يرجع النزاع معهم في دليلهم الدال على ذلك، و إلا فكثير من الألفاظ التي للشرع طريق في تحققها و الحكم بثبوتها كالبينة و خبر العدل و الاستصحاب و نحو ذلك لا يحكم أهل العرف بإطلاق اللفظ فيها، لكن ذلك غير قادح بعد فرض الطريق الشرعي فالأولى الاقتصار في ردهم على ما عرفت، مع أن كلامهم في غاية الفساد و إن حكي عن المسالك و بعض المتأخرين في باب الطلاق أنه قال- بعد إيراد

حسنة البزنطي (4)المتقدمة


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 9.
3- 3 سورة الطلاق- الآية 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه- الحديث 4.

ج 13، ص: 290

المشتملة على قوله (عليه السلام): «من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير»

-: «إن هذه الرواية واضحة الاسناد و الدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق و لا يرد أن

قوله (عليه السلام): «بعد أن يعرف منه خير»

ينافي ذلك، لأن الخير قد يعرف من المؤمن و غيره، و هو نكرة في سياق الإثبات لا يقتضي العموم، فلا ينافيه مع معرفة الخير منه الذي أظهره من الشهادتين و الصلاة و الصيام و غيرهما من أركان الإسلام أن يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح، لصدق معرفة الخير منه معه، و في الخبر مع تصديره باشتراط الشهادة ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أن العدالة هي الإسلام، فإذا أضيف إلى ذلك أن لا يظهر الفسق فهو أولى» و ظاهره الاكتفاء بشهادة سائر المخالفين، بل تحقق العدالة فيهم، و هو من المقطوع بفساده حتى على القول بأن العدالة هي الإسلام مع عدم ظهور الفسق، إذ لا فسق أعظم من فساد العقيدة، و كيف و جميع عباداتهم فاسدة، لكونهم مخاطبين بما عندنا، و حالهم كحال الكفار، فلعل المراد بالخير في الرواية الايمان و غيره، لكنه لم يصرح به لمكان التقية.

و قيل العدالة عبارة عن حسن الظاهر كما هو ظاهر ما سمعته من المقنعة و النهاية بل و حكي أيضا عن القاضي و التقي و ابن حمزة و سلار، بل قيل في الناصريات ما يشير إلى ذلك أيضا، بل عن المصابيح نسبته إلى القدماء، بل سمعت عن حاشية المعالم نقل الإجماع على كون العدالة حسن الظاهر في كل مقام اشترطت فيه، و المراد بالظاهر خلاف الباطن الذي لا يعلم به إلا اللَّه، و بحسنه كونه جاريا على مقتضى الشرع بعد اختباره و السؤال عن أحواله، للنصوص المستفيضة جدا و إن كان بعضها لم يذكر فيه تمام حسن الظاهر لكنه كالصريح في عدم الاكتفاء بظاهر الإسلام، فيتم الاستدلال به حينئذ بضميمة عدم القائل بالفصل، منها مضافا إلى ما عرفته في أخبار الخصم

قول الصادق

ج 13، ص: 291

(عليه السلام) في رواية أبي بصير(1): «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا»

و قوله (عليه السلام) في رواية العلاء بن سيابة(2)عن الملاح و المكاري و الجمال:

«لا بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء»

ك

قول الباقر (عليه السلام)(3): «شهادة القابلة جائزة على أنه استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت»

و عن

أمالي الصدوق (4)بسنده عن الكاظم (عليه السلام) «من صلى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به خيرا و أجيزوا شهادته»

و خبر سماعة(5)عن الصادق (عليه السلام) قال: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت

غيبته، و كملت مروته، و ظهر عدله، و وجب أخوته»

و عن العيون (6)روايته بسنده إلى الرضا (عليه السلام)

، و عن العسكري (عليه السلام) في تفسيره (7)في قوله تعالى (8): «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» «من ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفته و تيقظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه، فما كل صالح مميز، و لا كل محصل مميز صالح، و إن من عباد اللَّه لمن هو أهل لصلاحه و عفته، و لو شهد لم تقبل شهادته لقلة تمييزه، فإذا كان صالحا عفيفا مميزا محصلا مجانبا للمعصية و الهوى و الميل و التحامل فذلك الرجل الفاضل».


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من كتاب الشهادات- الحديث 39.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 12 لكن روى عن الصادق عليه السلام.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 14.
7- 7 ذكر تمامه في تفسير الصافي- ذيل الآية الكريمة و صدره في الوسائل في الباب 41 من كتاب الشهادات- الحديث 22.
8- 8 سورة البقرة- الآية 282.

ج 13، ص: 292

و عن الهداية للشيخ الحر (رحمه اللَّه) «روي أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) كان إذا تخاصم اليه رجلان- إلى أن قال-: و إذا جاءوا بشهود لا يعرفهم بخير و لا شر بعث رجلين من خيار أصحابه يسأل كل منهما من حيث لا يشعر الآخر عن حال الشهود في قبائلهم و محلاتهم، فإذا أثنوا عليهم قضى حينئذ على المدعى عليه، و إن رجعا بخبر شين و ثناء قبيح لم يفضحهم و لكن يدعو خصمين إلى الصلح، و إن لم يعرف

لهم قبيلة سأل عنهما الخصم، فان قال: ما علمت منهما إلا خيرا أنفذ شهادتهما»(1).

و ما رواه الصدوق في الصحيح و الشيخ في التهذيب بسنده لكن في المتن في الكتابين تفاوت، و نحن ننقلهما كما في الوافي معلما لموضع الاشتراك من موضع الاختصاص عن

عبد اللَّه بن أبي يعفور(2)قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): «بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، و تعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين و أن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة «يه» فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فان ذلك يجيز شهادته و عدالته بين


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1 من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 1 و لا يخفى أن حرف« ش» علامة للاشتراك في الجملة الآتية و كذلك« يه» للفقيه و« يب» للتهذيب.

ج 13، ص: 293

المسلمين «ش» و ذلك إن الصلاة ستر و كفارة للذنوب «يه» و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين، و إنما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي و من يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع «ش» و لولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين «يب» لأن الحكم جرى من اللَّه و رسوله (صلى اللَّه عليه و آله) بالحرق في جوف بيته «يه» فان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، و كيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من اللَّه عز و جل و من رسوله (صلى اللَّه عليه و آله) فيه بالحرق في جوف بيته بالنار «ش» و قد كان يقول (صلى اللَّه عليه و آله): لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة «يب» و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): لا غيبة إلا لمن صلى في بيته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته، و وجب هجرانه، و إذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذره، فان حضر جماعة المسلمين و إلا أحرق عليه بيته، و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته، و ثبت عدالته بينهم».

و خبر عبد اللَّه بن سنان (1)المروي عن الخصال عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعة على الناس: إذا حدثهم لم يكذبهم، و إذا وعدهم لم يخلفهم، و إذا خالطهم لم يظلمهم وجب أن يظهروا في الناس عدالته، و يظهر فيهم مروته، و أن يحرم عليهم غيبته، و أن يجب عليهم أخوته».

و صحيحة محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»

إلى غير ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 8.

ج 13، ص: 294

من الأخبار الواردة في إمام الجمعة و غيرها ك

قوله (عليه السلام)(1): «لا تصل خلف من لا تثق بدينه و أمانته»

و نحوها، و لا ريب في ظهورها ظهورا لا يكاد ينكر في رد القول بالاكتفاء بالإسلام مع عدم ظهور الفسق، كما أنها ظاهرة في رد القول بالملكة.

و قيل العدالة عبارة عن ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى و المروة، و المراد بملازمة التقوى اجتناب الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر، بل هو من جملة الكبائر، و

بالمروة أن لا يفعل ما تنفر النفوس عنه عادة، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، و عن مصابيح الظلام أنه المشهور بين الأصحاب، بل عن الشيخ نجيب الدين العاملي نسبته إلى العلماء، و لعل المراد المتأخرون، و إلا فقد عرفت أن المتقدمين لم يأخذ أحد منهم ذلك في تعريفهم، بل في الكفاية و عن الذخيرة لم أعثر على هذا التعريف لغير العلامة، و ليس في الأخبار له أثر و لا شاهد عليه فيما أعلم و كأنهم اقتفوا في ذلك أثر العامة، و عن مجمع البرهان نحوه، مع أنه نسبه في مجمع البرهان إلى أنه مشهور بين عامة العامة و الخاصة، فيكون قرينة على إرادة المتأخرين.

و حجتهم على ذلك كما قيل إن العدالة لغة الاستقامة و عدم الميل إلى جانب أصلا فإن الفسق ميل عن الحق و الطريق المستقيم، و موضوعات الألفاظ يرجع فيها إلى اللغة و العرف، فلا بد أن يكون في الواقع استقامة، لأن الألفاظ أسامي للمعاني الواقعية لا ما ثبت شرعا أو ظهر عرفا، إذ ذلك خارج عن معنى اللفظ جزما، فحيث صارت العدالة شرطا فلا بد من ثبوتها و العلم بها، لأن الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط، فمقتضى ذلك العلم بعدم الميل بحسب نفس الأمر، و لا يحصل ذلك إلا بالمعاشرة الباطنية بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق و الاطمئنان بأنه لا يميل، و هو معنى الملكة و الهيئة الراسخة، و كذلك الحال في لفظ الفاسق، و هو أمر معروف مشاهد في كثير


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 295

من الناس بالنسبة إلى بعض المعاصي كالزنا بالأم و اللواط بالولد و نحو ذلك و إن كانت مراتبهم في ذلك و نحوه متفاوتة، فمنهم من له ملكة في البعض و منهم من له ملكة في الجميع، فلا يمكن حينئذ للإنسان أنه يعلم عدالة شخص حتى يعلم أنه له ملكة يعسر عليه مخالفة مقتضاها بالنسبة إلى جميع المعاصي، و لا يكون ذلك إلا باختيار الباطني و تتبع الآثار حتى تطمئن نفسه بحصولها في الجميع، كما في الحكم بسائر الملكات من الكرم و الشجاعة و نحوهما، و ربما ادعى بعضهم أنه يمكن رد كلام أكثر المتقدمين إلى ذلك، كما أنه حمل الأخبار على إرادة تتبع الآثار المطلعة على الملكة، سيما صحيحة ابن أبي يعفور، فان هذه الأشياء المذكورة فيها غالبا توصل إلى اطمئنان النفس بالملكة.

لكنه كما ترى في غاية الضعف، بل عليه لا يمكن الحكم بعدالة شخص أبدا إلا في مثل المقدس الأردبيلي و السيد هاشم على ما ينقل من أحوالهما، بل و لا فيهما، فإنه أي نفس تطمئن بأنهما كان يعسر عليهما كل معصية ظاهرة و باطنة، كلا إن ذلك لبهتان و افتراء، بل الإنسان من نفسه لا يعرف كثيرا من ذلك، و من العجيب تنزيل صحيحة ابن أبي يعفور على الاطمئنان في حصول الملكة في جميع المعاصي بواسطة اجتناب المذكور فيها منها التي هي بالنسبة إليه في جنب العدم، و كيف يعرف الشخص ببعض أحواله، مع أنا نرى بالعيان تفاوت الناس أجمع في ذلك، فكم من شخص تراه في غاية الورع متى قهر بشي ء أخذ يحتال و يرتكب ما لا يرتكبه غيره من المحرمات في قهر من قهره، كما نرى ذلك كثيرا في أهل الأنفة و الأنفس الأبية، و آخر متى أصابه ذل و لو حقيرا ارتكب من الأمور العظيمة التي تستقر بها نفسه ما لا يفعله أعظم الفساق، بل أغلب الناس كذلك و إن كانت أحوالهم فيه مختلفة، فمنهم بالنسبة إلى ماله، و منهم بالنسبة إلى عرضه، و منهم بالنسبة إلى أتباعه و أصحابه، فدعوى أنه بمجرد الخلطة على جملة من أحواله يحصل الجزم و الاطمئنان بأنه في سائر المعاصي ظاهرها و باطنها ما عرض

ج 13، ص: 296

له مقتضاها و ما لم يعرض له ملكة يعسر عليه مخالفتها مقطوع بفسادها.

و كيف و قد سئل الأردبيلي على ما نقل ما تقول لو جاءت امرأة لابسة أحسن الزينة متطيبة بأحسن الطيب و كانت في غاية الجمال و أرادت الأمر القبيح منك فاستعاذ بالله من أن يبتلى بذلك، و لم يستطع أن يزكي نفسه، فمن الواضح فساد ذلك كله سيما بالنسبة إلى حال كثير من رواة الأخبار، و إن قلنا بكون التزكية من الظنون الاجتهادية لكن دعوى حصول الظن بالملكة العامة لسائر المعاصي كذب و افتراء و غيرهما بمجرد نقل بعض أحواله كما ترى، و مراعاة الأخبار تقضي بأن العدالة أمرها سهل كما ينبئ عنه الحث على الجماعة سفرا و حضرا، و قولهم: إذا مات الإمام أو أحدث قدم شخص آخر ممن خلفه، على أن أمر العدالة محتاج إليه في كثير من الأشياء كالطلاق و الديون و الوصايا و سائر المعاملات، و هي على هذا الفرض في غاية الندرة، بل لا يخلو من العسر و الحرج قطعا، بل ظاهر الرواية(1)التي هي مستندهم خلافه، ل

قوله (عليه السلام) فيها: «ساترا لعيوبه و أن يكون معروفا بالستر و العفاف و إذا سئل عنه قيل لا نعلم منه إلا خيرا»

خصوصا مع ملاحظة لفظ الستر، بل قد يقطع بعدم وجود الملكة في أكثر أصحاب النبي (صلى اللَّه عليه و آله)، و لذلك صدر منهم ما صدر من ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و كتمان الشهادة، حتى ورد أنهم كلهم دخلهم شك عدا المقداد و أبي ذر و سلمان و عمار، و احتمال زوالها عنهم بمجرد موت النبي (صلى اللَّه عليه و آله) مستبعد جدا كما في سائر أهل الملكات، إذ الظاهر أن الملكة على تقدير زوالها إنما تزول بالتدريج لا دفعة كما اتفق لهم، فتأمل.

مضافا إلى أن الحكم بزوالها عند عروض ما ينافيها من معصية أو خلاف مروة


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 1.

ج 13، ص: 297

و رجوعها بمجرد التوبة ينافي كونها ملكة، و احتمال أن المراد الملكة مع عدم وقوع أحد الكبائر خلاف ظاهر تعريفهم من أنها عبارة عن الملكة الباعثة على ذلك، و لا ريب أن اتفاق وقوع الكبيرة لا يرفع أصل الملكة، و إرادة أنه يرتفع الحكم بها يدفعها حكمهم بعودها بمجرد التوبة من غير حاجة إلى تجديد الاختبار.

و دعوى أن ذلك أمر تعبدي شرعي للإجماع، و إلا فلا يحتاج للاختبار للملكة نعم يحتاج إلى زمان يعرف منه الندم، و قد يظهر ذلك في أيسر زمان، يدفعها أن الثابت من الشارع أنه بفعل ذلك يكون فاسقا لا عدلا غير مقبول الشهادة مثلا كما هو مقتضى التعريف، و كون الشأن فيها كالشأن في الكريم إذا بخل و الشجاع إذا جبن يقتضي عدم ارتفاعها بذلك، كما لا يرتفع الحكم بكونه شجاعا و كريما بعد حصول الملكة.

و أيضا قد اشتهر بينهم تقديم الجرح على التعديل لعدم حصول التعارض، لكون المعدل لا يعلم و الجارح عالم، و من لا يعلم ليس حجة على من علم، و لو كان من باب الملكة لكان من باب التعارض، لأن المعدل يخبر عن الملكة و الآخر يخبر عن عدمها، بل عن ملكة الفسق، اللهم إلا أن أهل الملكة ينفون الحكم بمقتضاها بمجرد وقوع الكبيرة مثلا و إن لم تذهب الملكة، فلا يكون تعارضا بينهما، إذ قد يكون الجارح اطلع على فعل كبيرة و لا ينافي ذلك إخبار العدل بحصول الملكة، نعم لو كان الجرح بما يرفع الملكة اتجه التعارض، فتأمل جيدا.

و مع ذلك كله فلم يتضح لنا ما أرادوا بحجتهم السابقة، أما أولا فلأنا قد بينا أن العدالة لها حقيقة شرعية، و ثانيا لو قلنا ببقائها على المعنى اللغوي فالظاهر بل المقطوع به عدم إرادته هنا، لكون الاستقامة و الاستواء حقيقة في الحسي، فلا بد أن يراد بهما هنا معنى مجازي، و كونه عدم الميل الذي يلزمه الملكة ليس بأولى من عدم انحراف الظاهر و اعوجاجه.

ج 13، ص: 298

و المناقشة في جميع ما ذكرنا أو أكثره بأنها و إن كانت هي الملكة لكن الطريق إليها حسن الظاهر يدفعها وضوح منعها إن أريد حصول الاطمئنان من الطريق المزبور بحصولها، لما عرفت من أن حسن الظاهر باستقراء بعض أحوال الشخص لا يفيد الاطمئنان بحصول الملكة في الجميع بل البعض، و رجوع النزاع لفظيا إن أريد كونه طريقا تعبديا، و لا فائدة حينئذ في ذكرها و اشتراطها، بل فيه إيهام خلاف المراد.

كالمناقشة فيه أيضا بأن قضية كونها حسن الظاهر عدم انقداحها بوقوع الكبيرة تسترا، و لعله الظاهر من بعضهم حيث قال: إن العادل هو الذي يستر عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه، لا أنه الذي يكون لا عيب له و لا عثرة، نعم لا بد أن لا يظهر منه ذلك، فحينئذ إذا صدر منه باطنا يجب إخفاؤه بحيث لو أظهره مظهر يصير فاسقا، لحرمة الغيبة و إشاعة الفاحشة و وجوب ستر العورة، مضافا إلى حرمة التجسس، قال اللَّه تعالى (1)«وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» و قال (2)«الَّذِينَ يُحِبُّونَ» إلى آخره، و الأخبار الدالة على التحريم و شدة الحرمة و العقوبات الشديدة متواترة، مضافا إلى إجماع المسلمين بل بداهة الدين، فحينئذ إذا صدر من أحد ذلك وجب الحكم بتفسيقه، و هو ظاهر في أن حسن الظاهر لا يقدح فيه وقوع الكبيرة

باطنا متسترا بحيث يحرم على أحد أن يخبر عنه بذلك، فينبغي أن يكون عدلا عند هذا المطلع فضلا عن غيره، لعدم انقداح حسن الظاهر.

بل قضيته عدم ثبوت الجرح أبدا، و إلا ينفي حسن الظاهر، و حينئذ يكون من باب التعارض بينه و بين المعدل، فلا معنى لتقديم قوله على قول المعدل، و أيضا لو كان ذلك قدحا في حسن الظاهر لم يكن لإعادة ذلك بصدور التوبة منه معنى.


1- 1 سورة الحجرات- الآية 12.
2- 2 سورة النور- الآية 18.

ج 13، ص: 299

إذ يدفعها أيضا ظهور إرادة القائلين بأن العدالة حسن الظاهر اشتراط ذلك بعدم وقوع الكبيرة منه مع ذلك و إن أطلقوا، فيكون العدالة منهم حسن الظاهر مع عدم وقوع الكبيرة معه و لو باطنا.

أو يقال إن العدالة عندهم كما يومي اليه كلام ابن إدريس و غيره عبارة عن اجتناب جميع الكبائر التي منها الإصرار على الصغائر واقعا سواء كان ذلك عن ملكة أو كان بعضها عنها و الآخر عن مجرد اتفاق، لكن الطريق إلى الحكم بكون الرجل مجتنبا للكبائر حسن الظاهر على حسب ما يستفاد من الأخبار، فيكون هي في الواقع ذلك و إن كان الحكم بتحققها شرعيا، فمن اطلع حينئذ على وقوع كبيرة من شخص و لو متسترا ذهبت عدالته، و لا يجوز له أن يصلي خلفه، إذ حسن الظاهر غير مثمر بعد الاطلاع على انتفائها، إذ الفرض أنها عبارة عن اجتناب الكبائر واقعا، و لا ينافي ذلك كونه يحرم على المطلع أن يتكلم لمكان كونه غيبة، نعم لو دعي إلى الشهادة في مقام الجرح وجب عليه أن يشهد للإجماع على جوازها في مثل هذا المقام، و تنقدح حينئذ أصل العدالة و إن كان صدور المعصية منه على وجه التستر بحيث لا ينافي حسن الظاهر قطعا، و من ذلك يظهر حينئذ وجه تقديم الجرح على التعديل، لكون المعدل يثبت حسن الظاهر و الجارح لا ينفيه، بل يقول: إني اطلعت منه على ما يذهب العدالة و إن بقي حسن ظاهره.

فقول الأصحاب العدالة حسن الظاهر لا يخلو من مسامحة، إذ حسن الظاهر نفسه ليس بعدالة، بل العدالة غيره، و هو طريق إليها، و ليست هي الملكة كما يقوله المتأخرون، فتأمل جيدا.

و دعوى أن الملكة عندهم هي هذه القوة التي انتظم بها حسن الظاهر، إذ حسن الظاهر لا يكون إلا عن ملكة و قوة يصدر عنها واضحة المنع أولا، و الفساد ثانيا،

ج 13، ص: 300

ضرورة كثرة وقوع ملكة التدليس، على أن حسن الظاهر قد يكون لا عن ملكة بل مجرد اتفاق، بل لا معنى لاشتراط الملكة حينئذ بالتقرير المتقدم، بل هو في الحقيقة رجوع للقول بحسن الظاهر، كما هو واضح.

فظهر لك من ذلك كله بحمد اللَّه شدة ضعف القول بأنها الملكة، بل لعله مساو في الضعف للقول الأول فيها، و قد سمعت أن الخراساني اعترف بعدم الشاهد له في فتاوى القدماء من أصحابنا، و أنه اقتفوا به أثر العامة، و بأنه لا شاهد له في النصوص أصلا، و لعله كذلك، و الصحيحة(1)التي هي أشد ما ورد في أمر العدالة قد عرفت أنه لا دلالة فيها على القول بالملكة بوجه من الوجوه، مع أنها على اختلاف متنها قد اشتملت على ما لا يقدح في العدالة إجماعا كحضور الجماعة، و من هنا احتمل بعضهم أن يراد بها كون الرجل معروف العدالة بين المسلمين حتى تصير شهادته حجة لكل من احتاج منهم، و متلقاة بالقبول، و دلت أيضا على أن حضور الجماعة واجب، و أنه يحرق بيت من لم يحضرها، و لعل المراد من لم يحضرها رغبة عنها مع وجود إمام المسلمين (عليه السلام)، فان ذلك قد يؤدي إلى الكفر، و الأمر سهل.

لكن قد يناقش الخراساني بأن في بعض النصوص إشارة إلى اعتبار الملكة في العدالة

كالخبر المروي (2)عن تفسير العسكري عن علي بن الحسين (ع) و احتجاج الطبرسي عن الرضا عنه (عليهما السلام) قال: «إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته و منبته و تماوت في منطقه و تخاضع في حركاته فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا و ركوب المحارم منها لضعف قيمته (بنيته خ ل) فنصب الدين فخا لها، فهو لا يزال يخيل الناس بظاهره، فان تمكن من حرام اقتحمه، و إذا وجدتموه يعف عن المال الحرام


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 14.

ج 13، ص: 301

فرويدا لا يغرنكم، فان شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام و إن كثر و يحمل نفسه على شوهاء قبيحة يأتي منها محرما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقدة عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، و إذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه، و كيف محبته للرئاسات الباطلة و زهده فيها، فان في الناس من خسر الدنيا و الآخرة بترك الدنيا للدنيا، و يرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال و النعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة- إلى أن قال-: و لكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر اللَّه، و قواه مبذولة في رضى اللَّه، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل- إلى أن قال-: فذلكم الرجل نعم الرجل، فبه فتمسكوا، و بسنته فاقتدوا، و إلى ربكم به فتوسلوا، فإنه لا ترد له دعوة، و لا تخيب له طلبته»

إلا أنه- مع كونه غير معلوم السند، و مرويا في غير الكتب الأربعة، و محتملا للتعريض به إلى أناس خاصين كالأول و الثاني و أصحابهما و قاصرا عن معارضة غيره من الأخبار المكتفية بحسن الظاهر حتى على مذهب الخصم- قال في الوسائل: إنه بيان لأعلى مراتب العدالة لا لأدناها، بل قال: إنه مخصوص بمن يؤخذ عنه العلم و يقتدى به في الأحكام الدينية، كما هو ظاهر، لا بإمام الجماعة و الشاهد و هو جيد جدا.

بقي الكلام في منافيات المروة ففي الذخيرة و الكفاية دعوى الشهرة على اعتبارها في عدالة الشاهد و الامام، بل عن الماحوزية نقل حكاية الإجماع على ذلك، و عن مجمع البرهان أنه احتمل الإجماع على اعتبارها في غير مستحق الزكاة و الخمس، بل في الذخيرة أيضا و ظاهر المفاتيح أن المشهور جعلها جزء في مفهوم العدالة، و كيف كان فلا أعرف

ج 13، ص: 302

لهم حجة على شي ء من ذلك سوى

قول الكاظم (عليه السلام) في حديث هشام(1): «لا دين لمن لا مروة له، و لا مرة لمن لا عقل له»

و خبر عثمان بن سماعة(2)المتقدم في علامات المؤمن «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته، و كملت مروته، و ظهر عدله، و وجب أخوته»

بل و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(3): «و أن يكون ساترا لعيوبه»

إذ منافي المروة عيب، لأن مخالفتها إما لخبل أو نقصان عقل أو قلة مبالاة أو حياء، و على كل حال فلا ثقة بقوله و لا بفعله، و قد

قالوا (عليهم السلام)(4): «الحياء من الايمان، و لا إيمان لمن لا حياء له»

بل و ربما يشير إلى ذلك

حديث البرذون حيث قال: «لا أقبل شهادته لأني رأيته يركض على برذون»

بل ربما ادعي ملازمتها للتقوى.

لكن الجميع كما ترى، بل لا يخفى على المتأمل في الأخبار المتقدمة أنها لا مدخلية لها في العدالة حيث لم تذكر في شي ء منها، و دعوى التلازم بينها و بين التقوى ممنوعة أشد المنع، فإن أولياء اللَّه يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة، نعم لا يبعد قدح بعض الأشياء التي تقضي بنقصان عقل فاعلها، كما إذا لبس الفقيه مثلا لباس أقبح الجند من غير داع إلى ذلك، بل قد يقال: إنها محرمة حينئذ بالعارض، للأمر


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 19- الطبع الجديد- الحديث 12 من كتاب العقل و الجهل.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9 و هو خبر عثمان عن سماعة كما تقدم في الرقم 5 من ص 291 و يأتي في الرقم 1 من ص 303.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من كتاب الشهادات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 110- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

ج 13، ص: 303

بحفظ العرض و ما في

حديث سماعة(1)من قوله (عليه السلام): «كملت مروته»

ليس المراد منها ما هي عندهم قطعا، و إجماع الماحوزية غير ثابت، بل نقل عنه نفسه أنه

قال: ليس يبعد عدم اعتبارها، لأنه مخالفة للعادة لا الشرع، و هو ظاهر في عدم ثبوت الإجماع عنده، بل

روي أنه (صلى اللَّه عليه و آله) كان يركب الحمار العاري، و يردف خلفه(2)

و

أنه كان يأكل ماشيا إلى الصلاة بمجمع من الناس في المسجد(3)

و

أنه كان يحلب الشاة(4)

و نحو ذلك، مع أنه ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الزهد ما لو وقع في مثل هذا الزمان لكان أعظم مناف للمروة بالمعنى الذي ذكروه، مثل

ما ورد(5)في رقع جبته حتى أستحيي من راقعها.

و كان الذي دعاهم إلى اعتبار المروة وجودها في بعض أخبار، لكن من المعلوم أنها ليست بالمعنى الذي ذكروه، بل هو ك

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) جواب سؤال جويرية(6)عن الشرف و العقل و المروة: «و أما المروة فإصلاح المعيشة»

و روي (7)عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله):

«ستة من المروة، ثلاثة منها في الحضر، و ثلاثة منها في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن و عمارة المسجد و اتخاذ الاخوان، و أما التي في السفر فبذل الزاد و حسن


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
2- 2 البحار- ج 16 ص 285 المطبوعة عام 1379- باب مكارم أخلاق النبي ص الرقم 136.
3- 3 البحار- ج 18 ص 617 و 618 من طبعة الكمباني كتاب الصلاة.
4- 4 البحار- ج 6 ص 238 المطبوعة عام 1379- باب مكارم أخلاق النبي ص.
5- 5 البحار- ج 14 ص 872 من طبعة الكمباني.
6- 6 روضة الكافي ص 241 الرقم 331 المطبوعة عام 1377.
7- 7 الوسائل- الباب- 49- من أبواب آداب السفر- الحديث 12 من كتاب الحج.

ج 13، ص: 304

الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه»

و عن الصادق (عليه السلام)(1)«المروة و اللَّه أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، و المروة مروتان، مروة في الحضر، و مروة في السفر فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن، و لزوم المساجد، و المشي بين الإخوان في الحوائج، و النعمة ترى على الخادم تسر الصديق و تكبت العدو، و أما في السفر فكثرة الزاد و طيبه و بذله، و كتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك، و كثرة المزاح في غير ما يسخط اللَّه»

إلى غير ذلك.

و المروة بهذا المعنى غير ما ذكره الأصحاب قطعا، على أنه لا دلالة فيها على اعتبارها في العدالة، بل لعل بعض ما يخالف المروة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب مما يؤكد العدالة و إن كان من المنكرات عرفا، كما أن بعضه مما يستلزم الطعن في عرض الرجل مما ينحل

إلى محرم، على أن الأول يمكن دعوى اشتراطه في الشهادة لا أخذه في العدالة، إلا أن يكون يحصل منه عدم الاطمئنان بمبالاته في الدين، و ينقدح حسن ظاهره، و احتمال أن العدالة من الحقيقة الشرعية فما شك في اعتباره فيها ينبغي أن يعتبر لأصالة عدم تحقق الشرط بدونه يدفعه أن الأخبار أظهرت ما يراد منها، مع أن ذكرها في مقام البيان كالصريح في نفي اعتبار أمر زائد فيها، و دعوى أن الاحتياط قاض به يدفعها أن الاحتياط غير منضبط، فقد يكون فيه، و قد يكون في عدمه، كمعاني العدالة.

نعم قد يقال: إن منافيات المروة منافية لمعنى العدالة التي هي الاستواء و الاستقامة، فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بشي ء من الأشياء المنكرة عرفا فلا ريب في عدم استقامته، مؤيدا بما عساه يومي اليه بعض النصوص في المروة و إن لم تكن صريحة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب، بل قد يقال: إن منافاتها تورث شكا في دلالة


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 13، ص: 305

حسن الظاهر على الملكة أو على حسن غيره مما لم يظهر منه، ضرورة كون المراد منه ما هو منكر في العادة، و مستقبح فيها من دون ملاحظة مصلحة يحسن بها، كما في بعض الأمور الواقعة من بعض الأولياء التي لا قبح فيها في العادة مع العلم بوجهها، نحو ما وقع من أمير المؤمنين (عليه السلام) من ترقيع المدرعة و المدافة في المعاملة على الشي ء اليسير و غير ذلك.

ثم إن الظاهر إرادة الخلق في منافيات المروة القادحة في العدالة كما يشير اليه كلام ثاني الشهيدين، لا أن اتفاق وقوع النادر قادح، و ليس هو أعظم من الصغيرة.

[بحث حول الصغيرة و الكبيرة]

و أما الإصرار على الصغائر فهو مبني على أن المعاصي صغائر و كبائر كما هو المشهور، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى المتأخرين قاطبة، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى العلماء مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كالصيمري عند تفسير الكبيرة بكل ما توعد اللَّه عليه النار ناسبا له إلى الأصحاب، و إن كان التحقيق أنه لا يلتفت إلى دعوى الإجماع في المقام، لأن القول بأن كل معصية كبيرة و أنه لا صغيرة قول معروف بين الأصحاب محكي عن المفيد و القاضي و التقي و الشيخ في العدة في البحث عن حجية خبر الواحد ناسبا له إلى الأصحاب، كالطبرسي في مجمع البيان حيث قال: «قالوا: المعاصي كلها كبائر، لكن بعضها أكبر من بعض، و ليس في الذنوب صغيرة، و إنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر، و يستحق العقاب عليه أكثر» و أبلغ منه ما في السرائر حيث أنه بعد أن ذكر كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في أن الذنوب على قسمين، صغائر و كبائر، قال: «هذا القول لم يذهب إليه (رحمه اللَّه) إلا في هذا الكتاب، و لا ذهب إليه أحد من أصحابنا، لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي إلا بالإضافة إلى غيرها».

و إن كان الأقوى ما ذكرناه أولا لظاهر قوله تعالى (1):


1- 1 سورة النساء- الآية 35.

ج 13، ص: 306

«إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» و الأخبار، كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة، و الحسن بن محبوب الآتية(1)في تعداد الكبائر، و محمد بن مسلم (2)القائلة إن الكبائر سبع، و أبي بصير(3)و روايتي الحلبي (4)في الآية المتقدمة، و عباد النواء(5)و حسنة عبيد بن زرارة(6)و خبر مسعدة بن صدقة(7)و خبر عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسيني (8)الذي تسمعه إن شاء اللَّه في تعداد الكبائر، مضافا إلى

الخبر «إن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر»

و في آخر(9)«من اجتنب الكبائر كفر اللَّه تعالى عنه جميع ذنوبه، و ذلك قول اللَّه تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ»

إلى آخره،

و في آخر(10)«عن الكبائر تدخل في قوله تعالى يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ*، قال: نعم ذلك اليه»

و غير ذلك، بل يمكن دعوى تواتر الأخبار بما يستفاد منه ما ذكرنا، هذا.

مع اعتضادها بالشهرة، على أنه لو كان جميع الذنوب كبائر لم يحصل عدل في أغلب الناس بل سائرهم، ضرورة أنه لا ينفك أحد عن مواقعة بعض المعاصي، و العدالة محتاج إليها الناس في أكثر أمورهم من عبادات و معاملات، و فتح باب التوبة المقدور عليها في كل وقت و حين غير مجد بعد الاحتياج إلى الاختيار، إذ التحقيق أنه لا تقبل


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 1 من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 6 من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 16 من كتاب الجهاد.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 و الباب 45 منها- الحديث 32 من كتاب الجهاد.
5- 5 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 24 من كتاب الجهاد.
6- 6 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 4 من كتاب الجهاد.
7- 7 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 13 من كتاب الجهاد.
8- 8 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 من كتاب الجهاد لكن روي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني.
9- 9 الوسائل- الباب- 44- من أبواب جهاد النفس- الحديث 4 من كتاب الجهاد.
10- 10 الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد النفس- الحديث 7 من كتاب الجهاد.

ج 13، ص: 307

بمجرد قوله تبت من دون معرفة الندم الباطني منه، بل ربما قيل بتعذر العزم على عدم المعاودة المتوقفة عليه التوبة أو تعسره و إن كان فيه منع واضح، ضرورة نهي اللَّه عن جميع المعاصي.

بل قد يقال: إنا نمنع قلة وجود العدل بالمعنى المذكور، فان الظن الغالب من جهة مراعاة أحوال الناس في أنه لا يسلم أحد منهم من وقوع الصغيرة ظن إجمالي، و إلا فليس في غالب أحوالنا في جميع الأوقات نعلم أن الشخص الذي ظاهره الستر و العفاف و اجتناب الكبائر وقعت منه صغيرة لا نعلم منه أنه تاب

عنها أو لا، كلا إن ذلك ممنوع، بل قد يحصل الظن بعدمه في كثير من الناس.

على أنه يمكن أن يقال كون الذنوب كلها كبائر لا يقضي بأنها كلها قادحة في العدالة، إذ لا دليل على ذلك، بل القادح فيها الأكبر من المعاصي، و أما غير الأكبر فلا يقدح إلا مع الإصرار، لأن العدالة المستفادة من الأخبار هي كون الرجل معروفا بالستر و العفاف مجتنبا للمعاصي العظيمة حسن الظاهر إذا سئل عنه في محلته قيل لا نعلم منه إلا خيرا، و هذا لا يقدح فيه وقوع بعض الذنوب التي ليست بتلك المكانة إلا مع الإصرار عليها، و يرشد إلى هذا أن أهل القول الأول ما دعاهم إلى كون العدالة اجتناب الكبائر مع عدم الإصرار على الصغائر أنه عندهم المعاصي تنقسم إلى قسمين إذ من الواضح أن هذا لا يلزم منه ذلك و لا وقوعها مكفرة، فإنه لا تلازم بين كونها مكفرة و عدم قدحها في العدالة، فإنه قد يكون استحقاق العقاب قادحا في العدالة، بل الذي دعاهم إلى ذلك هو ظواهر الأخبار الدالة على أن العدالة لا يقدح فيها مثل ذلك و هو بعينه الداعي لأولئك إن كانت المعاصي عندهم كلها كبائر.

نعم كلام ابن إدريس ينافي ذلك، لظهوره في أن فاعل الصغيرة لا يحكم بعدالته حتى يتوب، لكنه ليس هو حجة على غيره، مع احتمال أنه ذكره في الرد على الشيخ

ج 13، ص: 308

لبيان أن التوبة علاج له، و ما في

رواية ابن أبي يعفور «و يعرف باجتناب الكبائر»

لا ينافي ذلك، لأن المراد بالكبائر هنا قطعا غير ذلك المعنى، لوصفه الكبائر فيها بالتي أوعد اللَّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك من المعاصي، و هو الأكبر، و ليس قولنا إن المعاصي كلها كبائر يوجب حمل هذا اللفظ على ذلك و لو مع القرينة الصارفة، كما أن جعل الوصف موضحا ليس بأولى من جعله مخصصا، و عود النزاع لفظيا على هذا التقدير نلتزمه إن كانت ثمرته منحصرة في ذلك، مع أن الظاهر عدم الانحصار.

بل قد يقال: إن أهل هذا القول لا ينافيهم القول بالتكفير، لأن المراد بكون الكل كبائر عندهم من جهة القبح و استحقاق العقاب، خلافا للمعتزلة، فإنه يظهر من المنقول عنهم أنه لا يحسن المؤاخذة على الصغائر مع اجتناب الكبائر، و يرشد إلى هذا قوله في مجمع البيان في العبارة السابقة: «إن المعاصي كلها كبائر» من حيث القبح، بل و قوله: «و إنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر، و يستحق العقاب عليها أكثر» بل و قوله أيضا بعد عبارته السابقة: «و هذان القولان متقاربان» مشيرا به إلى قول متقدم على القول الذي نسبه إلى أصحابنا هو أن الكبيرة كلما أوعد اللَّه عز اسمه عليه في الآخرة عقابا، أو أوجب فيه في الدنيا حدا، إذ لا يكونان متقاربين إلا مع إرادة استحقاق العقاب، لأن اللَّه قد أوعد على المعاصي كلها النار، قال عز من قائل (1)«وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ»* إلى آخره، فتأمل.

و إن أبيت ذلك كله فقد يستدل لهم ببعض الأخبار، نحو ما دل (2)على أن


1- 1 سورة النساء- الآية 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب جهاد النفس- الحديث 3 من كتاب الجهاد.

ج 13، ص: 309

كل معصية شديدة، و

في بعضها(1)«لا تنظر إلى ما عصيت بل انظر إلى من عصيت»

و ما دل (2)على التحذير من استحقار الذنب معللا بأنه قد يكون غضب اللَّه فيه، و غير ذلك، و ما يقال إن الاستحقار أمر زائد على الذنب فلعله بانضمامه إلى ذلك يكون كبيرة فيه ما لا يخفى، و بأن اللَّه قد أوعد على سائر المعاصي النار، و بأن أخبار الكبائر قد اختلفت اختلافا لا يرجى جمعه، و بأن في ذلك إغراء للمكلف في فعل المعصية، مضافا إلى إمكان إرادة الأكبر من الكبائر في الروايات كما يومي إلى ذلك بعضها، و في الآية إنكم إن اجتنبتم هذه الكبائر التي ذكرناها في هذه السورة نكفر عنكم ما وقع منكم منها في الماضي كقوله تعالى (3)«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» و مثله (4)«وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ».

و إن كان لا يخفى ما في الجميع، و اختلاف الأخبار غير قادح فيما علم منها جميعها من أن الذنوب فيها كبائر و صغائر، على أن المعروف كون الكبيرة كل ذنب توعد اللَّه عليه تعالى بالعذاب في كتابه العزيز، بل في الرياض هو الذي عليه المشهور من أصحابنا بل عن بعضهم أنه لم يجد فيه قولا آخر كما عن الصيمري نسبته إلى أصحابنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و عن الدروس و الروض تعريفها بذلك، لكنه في الأول «أنها عدت سبعا، و هي إلى السبعين أقرب» و في الثاني «أنها إلى السبعمائة أقرب» نعم في مفتاح الكرامة «قيل: إنها كل ذنب رتب عليه الشارع حدا أو صرح فيه بالوعيد و قيل: هي كل معصية تؤذن بقلة اعتناء فاعلها بالدين، و قيل: كلما علمت حرمته بدليل


1- 1 المستدرك- الباب- 43- من أبواب جهاد النفس- الحديث 8 من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب جهاد النفس- من كتاب الجهاد.
3- 3 سورة الأنفال- الآية 39.
4- 4 سورة النساء- الآية 26.

ج 13، ص: 310

قاطع، و قيل: كلما توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب أو السنة» و كأنه لم يعثر عليها لأحد من المعروفين من أصحابنا، و إلا لنسبه اليه، و إن كان ظاهر قوله: «قيل» ينافيه، لقضائه بالاطلاع على القائل لكن لعله اطلع عليه من العامة.

و في الحدائق قيل: إنها ما نهي عنه في سورة النساء من أولها إلى قوله «إِنْ تَجْتَنِبُوا» الآية، و منهم من أو كل أمرها إلى التعداد، فعن بعضهم أنها سبع: الشرك و قتل النفس و قذف المحصنة و أكل مال اليتيم و الزنا و الفرار من الزحف و العقوق، و بعض أنها تسع بزيادة السحر و الإلحاد في بيت اللَّه أي الظلم فيه، و آخر عشر بزيادة الربا، و آخر اثنتي عشرة بزيادة شرب الخمر و السرقة، و آخر عشرون: السبع الأول و اللواط و السحر و الربا و الغيبة و اليمين الغموس و شهادة الزور و شرب الخمر و استحلال الكعبة و السرقة و نكث الصفقة و التعرب بعد الهجرة و اليأس من روح اللَّه سبحانه و الأمن من مكر اللَّه عز و جل، و زاد بعضهم أربع عشرة أخر، أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير اللَّه به و السحت و القمار و البخس في الكيل و الوزن و معونة الظالمين و حبس الحقوق من غير عذر (عسر خ ل) و الإسراف و التبذير و الخيانة و الاشتغال بالملاهي و الإصرار- قال-: و قد يعد أشياء أخر كالقيادة و الدياثة و الغصب و النميمة و قطيعة الرحم و تأخير الصلاة عن وقتها و الكذب خصوصا على رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و ضرب المسلم بغير حق و كتمان الشهادة و السعاية إلى الظالم و منع الزكاة المفروضة و تأخير الحج عن عام الوجوب و الظهار و المحاربة بقطع الطريق.

و عن العلامة الطباطبائي اختيار ما عليه المشهور من أن الكبائر هي المعاصي التي توعد اللَّه سبحانه عليها النار مستندا في ذلك إلى جملة من الأخبار، و فيها الصحيح و غيره، لكن يظهر من المنقول عنه أنه عمم الوعيد بالنار إلى الصريح و الضمني، و أنه حصر الوارد في الكتاب في أربع و ثلاثين، منها أربع عشرة مما صرح فيها بخصوصها بالوعيد بالنار.

ج 13، ص: 311

الأول: الكفر بالله العظيم، لقوله تعالى (1)«وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» و غير ذلك، و هي كثيرة.

الثاني: الإضلال عن سبيل اللَّه، لقوله تعالى (2)«ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ، وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ» و قوله تعالى (3):

«إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ، وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ».

الثالث: الكذب على اللَّه تعالى و الافتراء عليه، لقوله تعالى (4)«وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ، أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ» و قوله تعالى (5)«إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ، مَتاعٌ فِي الدُّنْيا، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ» و فيه أنه ليس في الثانية ذكر النار.

الرابع: قتل النفس التي حرم اللَّه قتلها، قال اللَّه تعالى (6)«وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً» و قال عز و جل (7)«وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً، وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً».

الخامس: الظلم، قال اللَّه عز و جل (8)«إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها، وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً».


1- 1 سورة البقرة- الآية 259.
2- 2 سورة الحج- الآية 9.
3- 3 سورة البروج- الآية 10.
4- 4 سورة الزمر- الآية 61.
5- 5 سورة يونس عليه السلام- الآية 70 و 71.
6- 6 سورة النساء- الآية 95.
7- 7 سورة النساء- الآية 33 و 34.
8- 8 سورة الكهف- الآية 28.

ج 13، ص: 312

السادس: الركون إلى الظالمين، قال اللَّه تعالى (1)«وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ».

السابع: الكبر، لقوله تعالى (2)«فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ».

الثامن: ترك الصلاة، لقوله تعالى (3)«ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ».

التاسع: المنع من الزكاة، لقوله سبحانه (4)«وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ».

العاشر: التخلف عن الجهاد، لقوله سبحانه (5)«فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قالُوا: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ: نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ».

الحادي عشر: الفرار من الزحف، لقوله عز و جل (6)«وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ».

الثاني عشر: أكل الربا، لقوله عز و جل(7):


1- 1 سورة هود عليه السلام- الآية 115.
2- 2 سورة النحل- الآية 31.
3- 3 سورة المدثر- الآية 43 و 44.
4- 4 سورة التوبة- الآية 34 و 35.
5- 5 سورة التوبة- الآية 82.
6- 6 سورة الأنفال- الآية 16.
7- 7 سورة البقرة- الآية 276.

ج 13، ص: 313

«الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ».

الثالث عشر: أكل مال اليتيم ظلما، لقوله تعالى (1)«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً».

الرابع عشر: الإسراف، لقوله عز و جل (2)«وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ».

و أما المعاصي التي وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار فهي أربع عشرة:

الأول: كتمان ما أنزل اللَّه، لقوله عز و جل (3)«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي

بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ، وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ».

الثاني: الاعراض عن ذكر اللَّه عز و جل، لقوله عز و جل (4)«وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً، مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا».

الثالث: الإلحاد في بيت اللَّه عز اسمه، لقوله عز و جل (5)«وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ».

الرابع: المنع من مساجد اللَّه، لقوله تعالى شأنه (6)«وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها، أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ، وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ».

الخامس: أذية رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، لقوله تعالى (7):


1- 1 سورة النساء- الآية 11.
2- 2 سورة المؤمن- الآية 46.
3- 3 سورة البقرة- الآية 169.
4- 4 سورة طه- الآية 99 و 100 و 101.
5- 5 سورة الحج- الآية 26.
6- 6 سورة البقرة- الآية 108.
7- 7 سورة الأحزاب- الآية 57.

ج 13، ص: 314

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً».

السادس: الاستهزاء بالمؤمنين، لقوله عز و جل (1)«الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ، وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ».

السابع و الثامن: نقض العهد و اليمين، لقوله تعالى (2)«إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ،. وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ».

التاسع: قطع الرحم، قال اللَّه تعالى (3)«وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» و قال عز و جل (4)«فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ» و فيه أن «أولئك» في الأولى لم يعلم كونه إشارة إلى كل واحد من النقض و القطع و الإفساد، و الثانية مع ذلك لم تشتمل على وعيد بالعذاب، إلا أن يقال إنه يفهم من اللعن و ما بعده.

العاشر: المحاربة و قطع السبيل، قال اللَّه تعالى (5)«إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا، وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» و فيه أنه قد يرجع ذلك إلى الكفر و الوعيد على الأمرين معا.

الحادي عشر: الغناء، لقوله تعالى (6)«وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ».


1- 1 سورة التوبة- الآية 80.
2- 2 سورة آل عمران- الآية 71.
3- 3 سورة الرعد- الآية 25.
4- 4 سورة محمد ص- الآية 24 و 25.
5- 5 سورة المائدة- الآية 37.
6- 6 سورة لقمان- الآية 5.

ج 13، ص: 315

الثاني عشر: الزنا، قال اللَّه تعالى (1)«وَ لا يَزْنُونَ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً».

الثالث عشر: إشاعة الفاحشة، قال تعالى (2)«إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ».

الرابع عشر: قذف المحصنات، قال اللَّه تعالى (3)«إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ».

و أما المعاصي التي يستفاد من الكتاب العزيز و عيد النار عليها ضمنا و لزوما فهي ستة:

الأول: الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى، قال اللَّه عز و جل (4)«وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ».

الثاني: اليأس من روح اللَّه عز و جل، قال اللَّه تعالى (5)«وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ».

الثالث: ترك الحج، قال اللَّه تعالى (6)«وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ».

الرابع: عقوق الوالدين، قال اللَّه تعالى (7)«وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا» مع

قوله تعالى (8)«وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ، وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ» و قوله تعالى (9)«فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ».


1- 1 سورة فرقان- الآية 68 و 69.
2- 2 سورة النور- الآية 18 و 23.
3- 3 سورة النور- الآية 18 و 23.
4- 4 سورة المائدة- الآية 48.
5- 5 سورة يوسف عليه السلام- الآية 87.
6- 6 سورة آل عمران- الآية 91 و 92.
7- 7 سورة مريم ع- الآية 33.
8- 8 سورة إبراهيم ع- الآية 18 و 19.
9- 9 سورة هود ع- الآية 108.

ج 13، ص: 316

الخامس: الفتنة، لقوله تعالى (1)«وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ».

السادس: السحر، قال اللَّه تعالى (2)«وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ، وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ، وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ».

هذا جملة الكبائر المستنبطة من الكتاب العزيز بناء على المختار في معنى الكبيرة و هي أربع و ثلاثون، و قال (رحمه اللَّه) في أثناء كلامه: «إنه قد يتعقب الوعيد في الآيات خصالا شتى و أوصافا متعددة لا يعلم أنها للمجموع أو للآحاد، فلذلك طوينا ذكرها، و كذلك الوعيد على المعصية و الخطيئة و الذنب و الإثم و أمثالها، و هذه أمور عامة، و قد

علمت أن الوعيد لا يقتضي كونها كبائر» انتهى.

و فيه أنه بناء على ما ذكر من حصر الكبائر في هذا العدد يلزم أن يكون ما عداها صغائر، و أنه لا يقدح في العدالة فعلها بل لا بد من الإصرار، و بدونه تقع مكفرة لا تحتاج بالنسبة إلى رفع العقاب بها إلى توبة، فمثل اللواط و شرب الخمر و ترك صوم يوم من شهر رمضان و شهادة الزور و نحو ذلك من الصغائر التي لا تقدح في عدالة و لا تحتاج إلى توبة، بل تقع مكفرة و لا يثبت بها جرح، و هو واضح الفساد، و كيف يمكن الحكم بعدالة شخص قامت البينة على أنه لاط في غلام في زمان قبل زمان أداء الشهادة بيسير، كما لا يخفى على المخالط لطريقة الشرع، و إن شئت فانظر إلى كتب الرجال و ما يقدحون به في عدالة الرجل، على أن في

رواية ابن أبي يعفور السابقة «أن تعرفوه


1- 1 سورة البقرة- الآية 187.
2- 2 سورة البقرة- الآية 96.

ج 13، ص: 317

بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اللسان و نحو ذلك»

بل في ذلك إغراء للناس في كثير من المعاصي، فإنه قل من يجتنب من المعاصي من جهة استحقاق العقاب بعد معرفته أن لا عقاب عليه.

و أيضا قد ورد في السنة في تعداد الكبائر ما ليس مذكورا فيما حصره مع النص عليه فيها بأنه كبيرة، و

قوله (عليه السلام)(1): «إن الكبيرة كل ما توعد اللَّه عليها النار»

لا ينافيه و لو لكونه (عليه السلام) يعلم كيف توعد اللَّه عليها بالنار، قصارى ما هناك نحن بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد اللَّه عليه النار، فنحكم بكونه كبيرة و إن لم نعرف كيف وعد اللَّه عليه النار، فانظر إلى ما في

حسنة عبيد بن زرارة(2)لما سأله (عليه السلام) عن الكبائر فقال: «هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع- إلى أن قال-: فقلت:

فهن أكبر المعاصي، قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر، فقال: أي شي ء أول ما قلت لك؟ قال: قلت: الكفر، قال: فان تارك الصلاة كافر يعني من غير علة»

كيف أدخل ترك الصلاة في الكفر مع استحضاره (عليه السلام) لقوله تعالى (3):

«ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» و أيضا قد قال اللَّه تعالى (4): «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ، ذلِكُمْ فِسْقٌ» فإنه إن أريد بالإشارة إلى الأخير أو كل واحد فقد حكم بالفسق، و احتمال إرادة الإصرار بعيد، كاحتمال إرادة ما لا ينافي العدالة من الفسق، بل مجرد المعصية أو من غير مجتنب الكبائر.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 24 من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 4 من كتاب الجهاد.
3- 3 سورة المدثر- الآية 43 و 44.
4- 4 سورة المائدة- الآية 4.

ج 13، ص: 318

و أيضا قد ورد في السنة التوعد بالنار و أي توعد على كثير من المعاصي، و بناء على ما ذكر لا بد و أن يراد بها إما الإصرار عليها أو من غير مجتنب الكبائر، و كله مخالف للظاهر من غير دليل يدل عليه.

و أيضا فيما رواه

عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني (1)ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر معللا ذلك «بأن اللَّه تعالى نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان و ترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض اللَّه، لأن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برأ من ذمة اللَّه و ذمة رسوله (صلى اللَّه عليه و آله)»

فانظر كيف استدل على كونه كبيرة بما ورد من السنة.

و أيضا نقل الإجماع على أن الإصرار على الصغيرة من جملة الكبائر، و دفع ذلك كله بأن المراد أن الكبيرة كلما توعد اللَّه عليها النار، و بعض الأشياء الذي قام عليه الدليل ينافيه جعل ذلك ضابطا، و من هنا توقف (رحمه اللَّه) في الحكم بكبر بعض الأشياء الواردة في السنة مع عدم دخولها تحت هذا الضابط.

و أيضا قوله (رحمه اللَّه) أخيرا: إنه قد يتعقب الوعيد في الآيات خصالا شتى و أوصافا متعددة لا يعلم أنها للمجموع أو للآحاد فلذلك طوينا

ذكرها فيه أنه إذا كان اجتناب الكبيرة شرطا مثلا في تحقق العدالة و غيرها فلا يمكن الحكم بالعدالة حتى يعلم اجتناب الكبيرة، و لا يكون ذلك إلا باجتناب جميع ما تحتمل أنه كبيرة، نعم لو قلنا إن فعل الكبيرة مانع من الحكم بالعدالة لاتجه القول بذلك، لأنا لم نعلم أنها كبيرة، و لعله قدس سره أراد الشك في الاندراج في التعريف، فيتجه له حينئذ عدم إجراء حكم الكبيرة على مثله، لكون المتيقن الأخير في الآية، و غيره محل شك فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 2 من كتاب الجهاد لكن رواه عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسنى و هو الصحيح.

ج 13، ص: 319

و لكن على كل حال الرجوع في تفسير الكبيرة إلى ما ذكر- من أنها ما توعد اللَّه عليها بالنار، و رجوع ذلك إلى معرفتنا، و أن المراد به كون ذلك الوعد في كتابه لا ما يشمل ما كان على لسان نبيه و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام)، و إجراء الحكم من العدالة و التكفير و نحو ذلك عليه- مما يقطع الناظر المتأمل الممارس لطريقة الشرع بفساده» فلا بد إما من القول بهذا التفسير و إيكال ذلك إلى معرفتهم (ع) كما يشعر به حسنة عبيد ابن زرارة المتقدمة(1)و يتجه حينئذ ما نقل عن ابن عباس أنها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، و في رواية إلى السبعين، أو يراد به و لو على لسان النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) كما تشعر به رواية عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني، أو يراد تعريف الأكبر من

قوله: «هي ما توعد اللَّه عليه بالنار»

لا أنه تعريف مساو للكبائر كما يشعر به بعض الأخبار، و في بعض الروايات أنها سبع، وعد منها ما توعد اللَّه عليه النار، و بذلك يتجه الجمع بين الروايات.

و دعوى أن حصر الكبائر فيما ذكره العلامة المزبور لا يقتضي عدم انقداح العدالة بغيرها، و أنه لا بد و أن تقع غيرها مكفرة، إذ لعل العدالة يقدح فيها ما ليس بكبيرة، و جميع الصغائر لا تقع مكفرة يدفعها ظهور اتفاق القائلين بأن الذنوب على قسمين صغائر و كبائر على هذين الأمرين، نعم بعض من لم يقل بذلك كابن إدريس يظهر منه انقداح العدالة بالجميع، و أنها محتاجة إلى التوبة، على أنه لا فائدة في هذه المتعبة في حصر الكبائر من دون هذين الأمرين- فإنه (رحمه اللَّه) قد ظهر منه بذل الجهد بما لم يسبقه إليه أحد حتى يظهر منه أنه استقرأ القرآن من أوله إلى آخره و لا حظ جميع الأخبار الواردة في المقام و جميع ما تضمنته الروايات- بعد حذف المكرر في أربعين و ما تضمنه الكتاب العزيز صريحا و ضمنا في أربع و ثلاثين، و استشكل فيما تضمنته بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 4 من كتاب الجهاد.

ج 13، ص: 320

الأخبار من جهة عدم موافقته لهذا الضابط، و ما ذلك إلا ليرتب عليها أحكاما جليلة كالعدالة و الاحتياج إلى التوبة و نحو ذلك، و قد عرفت أن ذلك غير متضح الوجه.

و الذي يظهر أن الكبائر لم تثبت لها حقيقة شرعية، بل هي باقية على معناها اللغوي، و المراد بها هنا كل معصية عظيمة في نفسها لا من جهة المعصي، و يعرف ذلك إما من ورود الأخبار بأنه كبيرة، و الذي يحصل منها- بعد إلغاء مفهوم العدد في بعضها أو حمله على معنى لا ينافي المطلوب كالأكبرية و نحوها- أربعون كما اعترف به العلامة المزبور، «أ» الكفر بالله، «ب» إنكار ما أنزل اللَّه تعالى «ج» اليأس من روح اللَّه تعالى «د» الأمن من مكر اللَّه «ه» الكذب على اللَّه و على رسوله و على الأوصياء صلوات اللَّه عليهم، و عن رواية مطلق الكذب «و» المحاربة لأولياء اللَّه «ز» قتل النفس التي حرم اللَّه «ح» معونة الظالمين «ط» الكبر «ي» عقوق الوالدين «يا» قطيعة الرحم «يب» الفرار من الزحف «يج» التعرب بعد الهجرة «يد» السحر «يه» شهادة الزور «يو» كتمان الشهادة «يز» اليمين الغموس «يح» نقض العهد «يط» تبديل الوصية «ك» أكل مال اليتيم ظلما «كا» أكل الربا بعد البينة «كب» أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل به لغير اللَّه «كج» أكل السحت «كد» الخيانة «كه» الغلول و عن رواية مطلق السرقة «كو» البخس في المكيال و الميزان «كز» حبس الحقوق من غير عسر «كح» الإسراف و التبذير «كط» الاشتغال بالملاهي «ل» القمار «لا» شرب الخمر «لب» الغناء «لج» الزنا «لد» اللواط «له» قذف المحصنات «لو» ترك الصلاة «لز» منع الزكاة «لح» الاستخفاف بالحج «لط» ترك شي ء مما فرض اللَّه «م» الإصرار على الذنوب، و إما بتوعد النار عليها في الكتاب أو السنة صريحا أو ضمنا كما تقدم، أو من غير توعد و لكن شدد على الفعل أو الترك تشديدا أعظم من

ج 13، ص: 321

التوعد بالنار كالبراءة منه و لعنه و كونه كالزاني بأمه مثلا و نحو ذلك مما يعد لعظمته أزيد من التوعد بالنار بعد فرض أنه معصية، أو ما بقي عظمته في أنفس أهل الشرع و إن لم نعثر على غير النهي عنه.

بل عن الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر قدس سره أن الكبيرة ما عده أهل الشرع كبيرا عظيما و إن لم يكن كبيرا في نفسه كسرقة ثوب ممن لا يجد غيره مع الحاجة، و الصغيرة ما لم يعدوه كسرقته ممن يجد، و يلزمه مخالفة كثير مما جاءت به الأخبار المعتبرة أنه كبيرة، بل بعض ما توعد اللَّه عليه بالنار، على أنه إن أراد بأهل الشرع عامتهم فهم قد يستعظمون المعلوم أنه صغيرة في الشرع و بالعكس، و إن أراد العلماء فكلامهم مضطرب في الكبيرة، اللهم إلا أن يريد أن العلماء و الأعوام يستعظمونه مع الغفلة عن بحث الكبائر و الصغائر، لكنه على كل حال هو ضابط غير مضبوط، فان الذنب قد يستعظم من جهة قلة وقوعه أو ترتب مفاسد أخر عليه و نحوه، و قد لا يستعظم من جهة تعارفه و نحوه.

فان قلت: إنه وارد عليك أيضا، قلت: إنا نأخذه بعد فقد ما يدل على عظمه من الكتاب و السنة و غيرهما، و الفرق بيننا و بينه أنه يجعله ضابطا حتى فيما ورد من الأخبار المعتبرة أنه كبيرة عظيمة، و نحن نأخذه بعد فقد ذلك، لأن الظاهر من العظمة عندهم و عدم المسامحة فيهم و عدم نسبة التقوى لفاعله و غير ذلك مع عدم ما ينافيها من الأدلة أن يكون ذلك مأخوذا عن صاحب دينهم، فتأمل.

و يقرب مما ذكره شيخنا ما نقل عن بعضهم أنك إن أردت أن تعرف الفرق بين الصغيرة و الكبيرة فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فان نقصت عن أقل مفاسدها فهي من الصغائر، و إلا فمن الكبائر، مثلا حبس المحصنة للزنا فيها أعظم مفسدة من القذف مع أنهم لم يعدوه من الكبائر، و كذا دلالة الكفار

ج 13، ص: 322

على عورات المسلمين و نحو ذلك مما يفضي إلى القتل و السبي و النهب، فان مفسدته أعظم من مفسدة الفرار من الزحف، و منه يخرج الوجه في كلامه «هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع» و كأنه إلى ما ذكرناه أقرب، لأنه لا يخرجه عن معرفة عظم الذنب، فتأمل.

و كيف كان فالإصرار من جملة الكبائر، لوروده في بعض الأخبار(1)و في مفتاح الكرامة نقل الإجماع عليه، و عن التحرير «الإجماع على أنه إن داوم على الصغائر أو وقعت منه في أكثر الأحوال ردت شهادته» و عن الذخيرة «لا خلاف في ذلك» و المنقول عن الصحاح و القاموس و النهاية الأثيرية «أن الإصرار الإقامة على الشي ء و الملازمة و المداومة» و ما سمعته عن التحرير من الإكثار إن دخل في الإقامة و الملازمة كان إصرارا، و إلا كان قادحا في

الشهادة و إن لم يكن إصرارا لمكان الإجماع لكن لا يمكن أخذه في العدالة بناء على ذلك إلا أن يكون ذلك مما ينافي التقوى أو يكون كبيرة يمكن استفادتها على الوجه الذي ذكرنا، و لهم أقوال مختلفة في تفسير الإصرار، و الأولى فيه الرجوع إلى العرف العام، فان لم يكن فالى ما ذكرنا عن أهل اللغة، و الظاهر أنه ليس منه فاعل الصغيرة مع العزم على عدم العود، بل و لا ما إذا لم يخطر بباله عود و عدمه، نعم إذا كان عازما على العود لا يبعد أن يكون منه عرفا بل و لغة، و الظاهر أن الإكثار من صغائر شتى لا من نوع واحد لا يعد إصرارا على كل واحد قطعا، إنما الكلام بالنسبة إلى الجميع، و لعل إجماع التحرير المتقدم شامل له، و يأتي إن شاء اللَّه في باب الشهادات تمام البحث في هذه المسائل كلها.

بل صرح غير واحد بعدم الفرق بين المداومة على النوع الواحد من الصغيرة و الإكثار منه و بين غيره في صدق الإصرار على الصغيرة المراد بها الجنس، كما أنه صرح


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب جهاد النفس- الحديث 33 و 36 من كتاب الجهاد.

ج 13، ص: 323

الخراساني في الذخيرة بالاتفاق على وجوب التوبة من الذنب و إن كان صغيرة، و ربما يؤيده ما ذكروه في غسل التوبة من عدم الفرق في ذلك بين كونه عن كفر أو عن فسق أو عن ذنب و لو صغيرة، و لكن قد بالغ بعض الناس في بطلانه و جزم بأن دعواه الإجماع على ذلك اشتباه واضح، و لعله لمعلومية تكفيرها باجتناب الكبائر، و معلومية عدم قدحها في العدالة، مع أنه بناء على عدم التوبة عنها يتجه الانقداح، ضرورة كونه حينئذ مصرا على عدم التوبة، فلا فرق حينئذ بين الصغيرة و الكبيرة بالنسبة إلى ذلك قلت: قد يدفع ذلك كله بالتزام وجوب التوبة عنه، لعموم الأمر بها عن كل ذنب من حيث كونه خروجا عن الطاعة و فعل قبيح في ذاته، و تكفيره بمعنى عدم العقاب عليه لا ينافي حسن التوبة عنه من حيث كونه معصية و قبيحا و ذنبا و إن لم يترتب عليه عقاب إذ التوبة ليست (إلا خ ل) لرفع العقاب خاصة، و عدم قدح الصغيرة في العدالة من حيث نفس فعلها لا من حيث التقصير في عدم التوبة، بخلاف الكبيرة، و كفى بذلك فرقا، و تظهر الثمرة في حال الغفلة عن التوبة، فإنه لا معصية فضلا عن الإصرار، فلا يقدح حينئذ فعل الصغيرة في العدالة بخلافه في الكبيرة، فإنه قادح و إن غفل عن التوبة عنها، و اللَّه العالم.

[في اعتبار العقل للإمام]

و كذا يعتبر في الإمام العقل حال الإمامة، ضرورة عدم عبادة للمجنون نعم لا بأس بالجنون قبلها كما لو كان أدواريا، لإطلاق الأدلة السالم عن إطلاق المنع من الائتمام بالمجنون نصا و فتوى بعد ظهوره في إرادة حال الائتمام منه، خصوصا بعد ملاحظة اعتضاد الإطلاق الأول بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، و إن جزم الفاضل في باب الجمعة من تذكرته بالمنع معللا له بالمكان عروضه حالة الصلاة، و بأنه لا يؤمن من احتلامه حالة الجنون من غير شعور، فقد

روي «أن المجنون

ج 13، ص: 324

يمني حالة جنونه»

و لنقصانه عن هذه المرتبة، و الجميع كما ترى، خصوصا الثاني لإمكان اندفاعه بعد تسليم اعتباره بالغسل دفعا لمثل هذا الاحتمال كما حكى عنه في النهاية الحكم باستحبابه له لذلك، بل و الثالث أيضا: ضرورة كون المانع النقص في الصلاة لا مثل المرض في نفسه.

[في اعتبار طهارة المولد للإمام]

و كذا يعتبر في الإمام من غير خلاف أجده فيه بيننا، بل عليه الإجماع منقولا إن لم يكن محصلا طهارة المولد فلا يجوز الائتمام حينئذ بولد الزنا، ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر ابن نباتة(1): «ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس- وعد منهم- ولد الزنا»

و الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «لا يصلين أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير أي ليث المرادي (3)«خمسة لا يؤموا الناس- و عد منهم- المجنون و ولد الزنا»

لكنها كما ترى لا دلالة في شي ء منها على ما عبر به الأصحاب من طهارة المولد، بل أقصاها

المنع عن ابن الزنا، و لعله لأن كل من لم يعلم أنه ابن زنا محكوم عندهم عليه بطهارة مولده شرعا حتى من كان ولد على غير الإسلام ثم استبصر، أو التقط في دار الحرب أو الإسلام ممن لا يعرف له أب و إن كان هو لا يخلو من إشكال، فالأولى التعبير بأن لا يكون ابن زنا بدله كما هو مضمون الأخبار، فيكفي حينئذ في صحة الائتمام عدم العلم بكونه ابن زنا لإطلاق الأدلة أو عمومها، بناء على أن خروج ابن الزنا منها لا يصيرها مجملة بالنسبة إلى مجهول الحال، بل هو مندرج فيها لصدق العنوان ككونه ممن يوثق بدينه و نحوه عليه مع عدم الجزم بصدق عنوان المخصص عليه، و احتماله غير كاف في الخروج عن الدليل الظاهر في التناول، و إلا لكان احتمال التخصيص و التقييد كافيا.

و دعوى أنه بإخراج ولد الزنا من ذلك العام صار المراد به نقيض الخاص،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 325

و هو غير ابن الزنا- فحيث لا يعلم كونه ابن زنا أو غيره لم يحكم بأحدهما لإرادة الواقع من كل منهما، إذ العلم غير داخل في مفاهيم الألفاظ- ممكنة المنع، كما هو أحد الوجهين في المسألة أو أظهرهما، خصوصا في المقام الذي ظاهر الأصحاب الاتفاق فيه على جواز الائتمام بمن لم يثبت أنه ابن زنا، بل قد عرفت أن ظاهرهم الحكم عليه بطهارة مولده و إن كان هو لا يخلو من إشكال كما سمعت.

نعم لا يبعد أن يكون من ابن الزنا من ثبت أنه تكون على غير نكاح والديه، فولد اليهوديين على غير نكاحهما ابن زنا و إن استبصر، إلا أن يدعى شمول

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «إن الإسلام يجب ما قبله»

لمثله، و إن كان فيه تأمل أو منع.

و أما ولد الشبهة فلا ريب في طهارة مولده شرعا كالمولود على الفراش و إن تناولته الألسن، إلا أنه لم يثبت شرعا كما هو واضح.

[في اعتبار بلوغ الإمام في الفرائض]

و كذا يعتبر البلوغ في الإمام للبالغين في الفرائض على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، بل في الرياض عن كتاب الصوم من المنتهى نفي الخلاف عنه، للأصل و ظهور انصراف الإطلاقات للمكلفين، و

الخبر(2)المنجبر ضعفه بالعمل عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم، و لا يؤم حتى يحتلم، فإن أم جازت صلاته و فسدت صلاة من يصلي خلفه»

و لفحوى اعتبار العدالة المتوقف تحققها على التكليف، مؤيدا ذلك كله بعدم جواز الائتمام به في النافلة، خصوصا للمفترض، و بعدم ائتمانه بسبب عدم تكليفه على إحراز ما يعتبر في صحة الصلاة، بل ينبغي القطع به

بناء على التمرينية، خلافا للشيخ في الخلاف و عن المبسوط فجوز إمامة المراهق المميز العاقل مدعيا عليه الإجماع


1- 1 الخصائص الكبرى ج 1 ص 249.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.

ج 13، ص: 326

في أولهما،

للموثق (1)عن الصادق (عليه السلام) «تجوز صدقة الغلام و عتقه و يؤم الناس إذا كان له عشر سنين»

و خبر طلحة بن زيد(2)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: «لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم و أن يؤم»

و خبر غياث بن إبراهيم (3)عن الصادق (عليه السلام) «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم و أن يؤذن».

و فيه أن إجماعه موهون بمصير غيره من الأصحاب إلى خلافه عدا ما يحكى عن المرتضى (رحمه اللَّه) في بعض كتبه، بل سمعت نفي الخلاف فيه عن المنتهى المشعر بدعوى الإجماع عليه، بل و بمصيره نفسه إلى خلافه في تهذيبه و عن نهايته و اقتصاده، و أما أخباره فمع ضعف سند بعضها، و لا جابر- بل و دلالته، لأعمية نفي الاحتلام من البلوغ، و بلوغ العشر من عدمه، و خلوها عن قيود الخصم، و إعراض أكثر الأصحاب عنها في هذا الباب و في سائر الأبواب- قاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه، هذا.

و لا فرق في إطلاق الأدلة منعا و جوازا بين كونه سلطانا متخلفا أو غيره، خلافا للإسكافي ففرق، فقال في الثاني بالأول، و في الأول بالثاني، و هو لا يخلو من وجه، ضرورة إرادته سلطان حق، و هو ليس إلا الإمام (عليه السلام)، و مع فرض كونه دون البلوغ يتجه ما ذكره، و إلا سقط وجوب الجمعة على الناس، و الأمر سهل لقلة الثمرة في الفرض المزبور، إذ هو حينئذ المرجع في الحكم، و لعل تكليفه حينئذ أمر آخر، و هو أعرف منا به، هذا.

و لكن المحكي عن ابن الجنيد في الذكرى غير ذلك، حيث قال: و قال ابن الجنيد: غير البالغ إذا كان سلطانا مستخلفا للإمام الأكبر كالولي لعهد المسلمين يكون إماما، و ليس لأحد أن يتقدمه، لأنه أعلى ذوي السلطان بعد الإمام الأكبر، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 327

صريح في إرادة غير ما ذكرنا، و على كل حال فلا ثمرة يعتد بها، و كذا لا فرق في إطلاقها بين إمامته بالبالغين في الفرائض و النوافل أو بغيرهم معه، خلافا للدروس و الذكرى ففرقا بين الأول فالأول، و غيره فالثاني، و لعله لتساوي الصلاتين حينئذ نفلا بخلاف الثاني (1)و هو لا يخلو من وجه بالنسبة إلى ائتمام غير البالغين به، لحصول الظن الفوي من استقراء الأدلة بمشروعية سائر عبادات البالغين لغير البالغين، و منها ائتمام بعضهم ببعض كالبالغين، فتأمل جيدا.

[في عدم جواز ائتمام القائم بالقاعد]

و كذا يعتبر في الامام أن لا يكون قاعدا بقائم على المشهور بين أصحابنا، بل لم ينقل فيه خلافا من كانت عادته ذلك، بل في الخلاف و التذكرة و كشف الالتباس و المفاتيح و ظاهر المنتهى و عن الغنية و السرائر و ظاهر إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، للأصل، و تبادر غيره من الإطلاقات و الأخبار المرسلة في الخلاف، و إمكان دعوى استفادة اعتبار عدم نقصان صلاة الإمام نفسها عن صلاة المأموم من استقراء الأدلة، و

النبوي (2)المروي بين العامة و الخاصة أنه قال (صلى اللَّه عليه و آله) بعد أن صلى بهم جالسا في مرضه: «لا يؤمن أحد بعدي جالسا»

بل قيل: و خبر السكوني (3)عن الصادق عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)،

و محمد بن مسلم عن الشعبي (4)عن علي (عليه السلام) أيضا «لا يؤمن المقيد المطلقين» و زاد في أولهما «و لا يؤم صاحب الفالج الأصحاء، و لا صاحب التيمم المتوضين».

لكن قد يوهم ترك بعض القدماء التعرض لاعتباره في صفات الامام مع التعرض


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« الأول».
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3 لكن روى عن صاعد بن مسلم عن الشعبي و هو الصحيح كما في التهذيب ج 3 ص 269 الرقم 773.

ج 13، ص: 328

لغيره الخلاف فيه، بل في صريح الوسيلة و عن الواسطة التصريح بالكراهة، كما عن نجيب الدين في الجامع إطلاق كراهة إمامة المقيد، و في الوسائل «باب كراهة إمامة الجالس القيام، و جواز العكس» و عن المبسوط إطلاق جواز ائتمام المكتسي بالعاري و لعله لإطلاق الأدلة مع ضعف الخبرين عن إفادة التحريم، بل الثاني منهما مع عدم صراحته في المطلوب مشعر بالكراهية، و هو جيد لو لم يكن الخبران معتضدين و منجبرين بما عرفت من الإجماع المحكي إن لم يكن محصلا، بل في الحدائق «من غفلات صاحب الوسائل تفرده بالقول بالكراهة مع إجماع الأصحاب على التحريم، و صراحة الخبر فيه بلا معارض».

قلت: مضافا إلى ما عرفت من إمكان دعوى تبادر غيره من الإطلاقات، و إمكان استفادة اعتبار عدم النقصان من الاستقراء المزبور، و لذا قال في المدارك بل في الذخيرة نسبته إلى الشهرة بين الأصحاب، بل ظاهر الحدائق و الرياض نسبته إليهم.

و كذا الكلام في جميع المراتب لا يؤم الناقص الكامل، فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع حينئذ و هكذا، و إن كان قد يناقش في استفادة الكلية المزبورة من مثل الخبرين السابقين و ما تسمعه في إمامة الأمي و الملحن و غيرهما على وجه معتبر يعارض إطلاق الأدلة، خصوصا بعد ما تسمعه من جواز إمامة(1)المتوضين بالمتيممين و غيرهم من ذوي التكاليف الاضطرارية كما اعترف به في

الحدائق، بل جزم بعدم اعتبار الكلية المزبورة، و جعل المدار على خصوص ما ورد من الأدلة في الجزئيات الخاصة من غير ترق منها إلى غيرها، و عليه بنى جواز ائتمام المكتسي العاجز عن الركوع و السجود و القيام بالعاري، لاندراجه تحت ما دل على إمامة الجالس بالجالس، قال: و لا يضر


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« ائتمام».

ج 13، ص: 329

هنا نقص صلاة الإمام من حيث كونه عاريا و المأموم مكتسي، لما عرفته من عدم الدليل عليه، معرضا بذلك لسيد المدارك حيث حكى فيها عن التذكرة جواز اقتداء المكتسي العاجز بالعاري، لمساواته له في الأفعال، ثم قال: و هو يتم إذا قلنا إن المانع من الاقتداء بالعاري عجزه عن الأركان، و أما إذا علل بنقصه من حيث الستر فلا، و هو أي تعريضه به في محله، إذ لو سلمنا الكلية المزبورة فإنما هي في أفعال الصلاة كما يومي اليه تعليل التذكرة لا في مقدماتها الخارجة، ضرورة جواز الائتمام بالمتيمم و من تعذر عليه إزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه و ذي الجبائر و غير ذلك، بل و المسلوس و المبطون كما في الموجز و كشف الالتباس، لإطلاق الأدلة من غير معارض، و لذا نص في الخلاف على جواز ائتمام الطاهر بالمستحاضة، بل أطلق جواز ائتمام المكتسي بالعريان، و ما في الذكرى و كذا المنتهى- من اعتبار القدرة على الاستقبال، فلو عجز عنه لم يؤم القادر عليه، و يجوز أن يؤم مثله- لا يخلو من نظر، إنما البحث إن كان ففي استفادة الكلية المزبورة بالنسبة للأفعال أو الأركان منها، فان ثبت إجماع عليها كما هو قضية إرسالهم لها إرسال المسلمات أو شهرة معتد بها يمكن دلالة تلك الأخبار بسببها بحيث تحكم على إطلاق الأدلة فذاك، و إلا كان للبحث فيها مجال، بل قد يومي نص كثير من الأصحاب خصوصا المتقدمين على خصوص بعض أفرادها الوارد في الأدلة بل القليل منها من غير تعرض لها إلى عدم ثبوتها عندهم، إذ من الواضح أولويتها بالذكر من بعض جزئياتها المتفرعة عليها.

كما أنه يومي إلى ذلك أيضا بعض الأخبار(1)السابقة في جماعة العراة المتضمنة إيماء الامام و ركوع المأمومين و سجودهم، و قد عمل بها بعض الأصحاب كما سمعت، و في الذخيرة في جواز إمامة المفتقر إلى الاعتماد بمن لا يفتقر اليه قولان، ثم إنه بناء


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى- الحديث 2.

ج 13، ص: 330

عليها فهل يجوز الائتمام إلى زمان حصول النقصان فينوي الانفراد حاله حينئذ، أو أنه لا يجوز ذلك ابتداء، لصدق وصف النقصان في الامام و إن كان هو في أثناء الصلاة و لظهور إرادتهم نقصان مرتبته بذلك عن منصب الإمامة لا أنه من جهة الاختلاف في الأفعال التي لا مدخلية للإمام فيها بالنسبة للمأموم عدا القراءة منها لتحمله إياها عنه، فلا يجوز

حينئذ ائتمام الكامل ابتداء بمن فرضه الصلاة قائما مؤميا للركوع و السجود، و لا المكتسي العاجز عن القيام خاصة دون الركوع و السجود بالعاري؟ وجهان، قد يشعر بأولهما بعض كلماتهم و تعليلاتهم الآتية في الأمي و غيره، و التحقيق اتباع ظاهر الدليل في كل مقام، و لعله يقتضي غالبا الثاني.

نعم ظاهر المتن و غيره كصريح جماعة- بل لا أجد فيه خلافا صريحا، بل في التذكرة و الروض و عن نهاية الأحكام الإجماع عليه- جواز إمامة القاعد بمثله، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض عدا النبوي المتقدم المحمول على إرادة لا يؤمن أحد بعدي القائمين جالسا بقرينة ما عرفت، و ما ورد في كيفية جماعة العراة مما تقدم سابقا و غير ذلك.

بل و كذا يجوز ائتمام كل مساو بمساويه نقصا أو كما لا، و الناقص بالكامل كالقاعد بالقائم بلا خلاف أجده فيه أيضا، لإطلاق الأدلة، و

خبر أبي البختري (1)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «المريض القاعد عن يمين المصلي جماعة»

أما إذا كانا ناقصين و اختلفت جهة النقص فيحتمل مراعاة الأعظم من أفعال الصلاة، فيأتم حينئذ فاقده بفاقد الأهون، و يحتمل جواز الائتمام مطلقا، لاشتراكهما في النقصان، و لذا أطلق في الخلاف جواز ائتمام القاعد بالمومي.

لكن على كل حال لا يبعد استثناء القراءة من ذلك، فلا يأتم متقنها و إن فرض تعذر باقي الأركان عليه بفاقدها و إن كان متمكنا من غيرها، لعدم التحمل،


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 331

بل و كذا القائم بالقاعد و إن فرض تمكن الثاني من الركوع و السجود و نحوهما و تعذرهما على القائم، لإطلاق الدليل السابق، و إن كان يمكن دعوى انصرافه إلى القائم المتمكن إلا أنه لما كانت الجماعة توقيفية و الأصل عدم سقوط القراءة و غير ذلك اتجه التجنب عن مثل هذه الكيفيات من الجماعات التي ليس في النصوص و الفتوى ما ينقحها، فتأمل جيدا.

و لو حدث للإمام ما يوجب القعود أو مطلق النقص في الأثناء وجب على المأموم الانفراد ما لم يستنب الامام غيره، كما صرح به في التذكرة و الذخيرة، لظهور النص و الفتوى في اعتبار ذلك ابتداء و استدامة و إن كان الأول أظهر الفردين منهما، بل قد يقال باعتبار ذلك في تمام الصلاة و إن لم يكن ائتم به المأموم حال النقص، فلو فرض فعل الامام بعض الصلاة قاعدا فتمكن من القيام في البعض الآخر فأريد الائتمام به حال كماله لم يجز، لنقص صلاته التي يراد الائتمام بها، و إن كان لا يخلو من إشكال، لظهور النبوي المزبور و معاقد الإجماعات السابقة في غيره، و عدم ثبوت العلة المذكورة.

[في عدم جواز إمامة الأمي بمن ليس كذلك]

و كذا لا يجوز أن يكون الإمام أميا بمن ليس كذلك بلا خلاف صريح أجده فيه، بل في التذكرة و الذكرى و عن الغرية و إرشاد الجعفرية و ظاهر المعتبر الإجماع عليه مع التصريح في جملة منها بعدم الفرق بين الجهرية و الإخفاتية في ذلك، و هو العمدة فيه بعد أصالة عدم سقوط القراءة عن المأموم، لانصراف إطلاق الأدلة إلى غيره، و بعد الكلية المزبورة خصوصا بالنسبة إلى القراءة، و إن كانا هما معا لولاه محلا للنظر، كالاستدلال عليه بالأخبار(1)الآمرة بتقديم الأفضل، ضرورة أفضلية القاري عليه، و ب

خبر أبي عبيدة(2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن القوم من


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 332

أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان، فقال: إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) قال: يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فان كانوا في القراءة سواء فالأقدم هجرة»

المساق لبيان الفضل و الاستحباب الذين تعرفهما إن شاء اللَّه عند ذكر المصنف لهما كغيره من الأصحاب، و إن كان يمكن أن يقال

بإرادة القدر المشترك بين الندب و الوجوب من خصوص هذا الأمر فيه.

و على كل حال فلو ائتم حينئذ به القاري وحده أو مع أمي آخر بطلت صلاته قطعا، بل قيل: و صلاة الامام و المأموم الأمي أيضا إذا كان القاري ممن جمع شرائط الإمامة، لوجوب ائتمامه به حينئذ على المشهور بين الأصحاب كما في المدارك، بل فيها أنه قطع به الفاضل في تذكرته من غير نقل خلاف من أحد، لتمكنه حينئذ من الصلاة بقراءة صحيحة، فيجب عليه، و لا ريب في كونه أحوط و إن كان في تعينه نظر مع فرض عجزه عن الإصلاح، لأصالة البراءة، و إطلاق الأمر بالصلاة، و معلومية اشتراط التكليف بالقدرة، و إطلاق أدلة استحباب الجماعة، و غير ذلك، بل ليس هو أعظم من الأخرس المعلوم عدم وجوب الائتمام عليه نصا و فتوى، و لقد أجاد في المدارك بقوله بعد ذكره الحكم المزبور: إن للتوقف فيه مجالا، بل لعل الأقوى في النظر عدم الوجوب، بل قد يدعى القطع به و بظهور الفتاوى في ذلك أيضا، بل الذي وقفت عليه من عبارة التذكرة مقيد بالممكن له التعلم، و هو قد يتجه فيه الوجوب مع فرض تقصيره لتكليفه حينئذ بالإتيان بالصلاة بقراءة صحيحة، فيجب عليه التعلم أو الائتمام، فلو صلى بدونهما بطلت صلاته حتى لو كان جاهلا بوجوب ذلك، لعدم معذورية الجاهل عندنا في الصحة و الفساد و إن كان ساذجا، و نحوه القاصر أيضا بناء على وجوب الائتمام عليه و ما في المدارك- من أنه لا يبعد صحة صلاة الأمي مع جهله بوجوب الاقتداء، لعدم توجه النهي إليه المقتضي للفساد- في غير محله كما هو مفروغ منه في غير المقام.

ج 13، ص: 333

و المراد بالأمي هنا من لا يحسن القراءة الواجبة أو أبعاضها كما صرح به بعضهم، بل في الرياض «لا خلاف يعرف بينهم في أنه من لا يحسن قراءة الحمد أو السورة أو أبعاضهما و لو حرفا أو تشديدا أو صفة» و لا بأس به و إن كان مخالفا للمعنى اللغوي، إذ ليس في روايات المقام له أثر، لكن الظاهر عدم دخول اللحن في الاعراب عندهم فيه، و لا التمتام و نحوه فيه، لذكرهم ذلك بعده بالخصوص، فيكون المراد منه عدم حسن القراءة بالنظر إلى مخارج حروفها أو بنيتها أو تشديدها و نحو ذلك.

و كيف كان فظاهر المتن و صريح غيره بل لا أجد فيه خلافا جواز إمامته بمثله أو أنقص منه، و هو جيد مع اتحاد محل الأمية أو نقصانها في المأموم، لإطلاق الأدلة أما مع اختلافها بأن كان يحسن أحدهما الفاتحة و الآخر السورة ففي المدارك تبعا للتذكرة و الذكرى «جاز ائتمام العاجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون العكس، للإجماع على وجوبها في الصلاة بخلاف السورة» و لا بأس به إن أرادوا الائتمام به إلى الوصول إلى السورة فينفرد، و إلا فيشكل بأنه لا دليل على سقوطها عنه مع فرض تمكنه من قراءتها صحيحة بناء على أن السبب في عدم ائتمام القاري بالأمي ذلك، كما هو مقتضي تعليلهم الحكم به كما أنه يشكل أيضا بنحو ذلك أو ما يقرب منه باقي ما ذكره في الذكرى من الفروع في المقام التي تبع في بعضها العلامة في التذكرة، و تبعه غيره في بعضها أيضا، قال: «و لو أحسن أحدهما بعض الفاتحة و الآخر بعض السورة فصاحب بعض الفاتحة أولى بالإمامة و لو أحسن الآخر كمال السورة ففي ترجيح من يحسن بعض الفاتحة نظر من حيث الإجماع على وجوب ما يحسنه، و من زيادة الآخر عليه، و الأول أقرب مع احتمال جواز إمامة كل منهما- إلى أن قال-: و لو أحسن كل منهما بعض الفاتحة فإن تساويا في ذلك البعض صح اقتداء كل منهما بصاحبه، و إن اختلفا فان زاد أحدهما على الآخر جاز إمامة الناقص دون العكس، و إن اختلف محفوظاهما لم يؤم أحدهما الآخر، لنقص كل منهما

ج 13، ص: 334

بالنسبة إلى الآخر» انتهى.

و الذي يدور بعد ذلك كله في النظر أن مانعية الأمية للإمامة من جهة تحمل القراءة خاصة و ضمانها، كما يومي اليه ملاحظة كلماتهم و إن أطلقوا هم الحكم، لانصراف إطلاق أدلة التحمل إلى ذي القراءة الصحيحة، لا أقل من الشك، فلو ائتم به حينئذ القاري فضلا عن غيره في غير محل تحمل القراءة كالركعتين الأخيرتين أو في محلها حيث يجوز للمأموم القراءة و قرأ و قلنا بالاجتزاء بذلك كما هو الظاهر اتجهت الصحة، و كذا لو فرض أن أميته كانت بالأذكار التي لا يتحملها الامام عن المأموم كأذكار الركوع و السجود و التشهد و التسليم و تسبيح الأخيرتين، كل ذلك لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض عدا ما عساه يقال مما لا منشأ له يعتد به من أن أميته أورثت نقصا في صلاته، فلا يجوز الائتمام به مطلقا، و هو كما ترى.

و على كل حال فاقتداء الأمي بالأمي مع فقد القاري الذي يأتمان به بناء على وجوبه حينئذ لا ينبغي التوقف فيه، للتساوي، أما مع الاختلاف فيجوز ائتمام ذي الأمية السابقة بذي الأمية اللاحقة إلى أن يصل إلى المحل الذي يحسنه، فينفرد عنه من غير فرق في ذلك بين الفاتحة و السورة، و لا بين الأكثر من الفاتحة أو الأقل، ضرورة أن ما سمعته من الذكرى وجوه اعتبارية لا تصلح أن تكون مدركا للأحكام الشرعية، خصوصا بناء على المختار من حجية الظن المخصوص للمجتهد لا مطلقا، مع احتمال تنزيل جميع كلماتهم على ما ذكرنا، بل لعله الظاهر للمتصفح المتأمل، و هل يجوز التعاكس بمعنى صيرورة الامام مأموما بمن ائتم به فيما لا يحسنه هو و كان يحسنه المأموم؟

وجهان، قد يظهر من التذكرة أولهما، و من الذكرى ثانيهما، و لعله الأقرب إن أريد الانتقال من الإمامة إلى المأمومية و بالعكس، أما لو نوى كل منهما الانفراد ثم أراد الائتمام جديدا فيقوى الصحة بناء على ما ستعرفه من جواز نقل النية في الأثناء.

ج 13، ص: 335

و الأخرس كالأمي في كثير من الأحكام المتقدمة، لا يجوز ائتمام القاري به و يجوز ائتمام مثله به، بل لا يبعد جريان ما ذكرناه في الأمي فيه، فيجوز الائتمام للقارئ به في غير محل تحمل القراءة فضلا عن الأمي، بل في التذكرة و الذكرى و غيرهما جواز ائتمام الأمي به في محل القراءة أيضا على أحد الوجهين، بل في المنتهى أن الأقرب الجواز، و الآخر المنع لا لعدم تحمل القراءة بل لنقصان صلاته بعدم التكبير الذي هو أحد الأركان، و هو مبني على الكلية المزبورة التي عرفت أنها محل البحث أو المنع، نعم يتجه المنع هنا لأصالة عدم سقوط القراءة عن الأمي بتحريك الأخرس لسانه بعد انصراف إطلاق الأدلة إلى غيره، و كونه أميالا يصيره بمنزلة الأخرس الذي لا يستطيع الكلام، و يؤيده مع ذلك

المروي (1)عن دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام) «لا يؤم الأخرس المتكلمين»

إذ لا ريب في اندراج الأمي في المتكلمين، و احتمال استفادة عدم جواز مطلق ائتمامه به منه و لو في محل غير القراءة فيشكل حينئذ ما سمعته منا بعيد على أنه غير صالح للحجية في نفسه فضلا عن أن يعارض إطلاق أدلة الجماعة، نعم لا ريب في أن الأحوط عدم الائتمام في ذلك و في جميع ما تقدم، لقوة احتمال إرادة النقص بذلك و بالأمية عن أصل الصلاحية لمنصب الإمامة للكامل، بل الشك كاف في مثل العبادة التوقيفية، و اللَّه أعلم.

[في عدم اعتبار الحرية في الإمام]

و لا يشترط في الإمام الحرية على الأظهر الأشهر، بل هو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، لإطلاق الأدلة، و

صحيحتي (صحيحي خ ل) محمد بن مسلم عن أحدهما(2)و أبي عبد اللَّه (عليهما السلام)(3)«عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به و كان أكثرهم قرآنا، قال: لا بأس به»

و حسن زرارة أو صحيحه (4)عن الباقر (عليه السلام)


1- 1 البحار- ج 18 ص 634 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 336

«قلت له: الصلاة خلف العبد، فقال: لا بأس به إذا كان فقيها و لم يكن هناك أفقه منه»

بل

و موثق سماعة(1)«عن المملوك يؤم الناس، فقال: لا إلا أن يكون هو أفقههم و أعلمهم»

بضميمة عدم القول بالفصل بالنسبة إلى ذلك، و

خبر أبي البختري (2)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) في حديث، قال:

«لا بأس أن يؤم المملوك إذا كان قارئا»

فما في الوسيلة- من أن العبد لا يؤم الحر غير مولاه، و عن نهاية الفاضل اختياره، بل عن نهاية الشيخ و مبسوطة ذلك أيضا، و عن

المقنع أنه لا يؤم إلا أهله- ضعيف جدا لا دليل يعتد به في الجملة على شي ء منه فضلا عن أن يعارض ما عرفت سوى

خبر السكوني (3)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه قال: «لا يؤم العبد إلا أهله»

و هو- مع احتماله الكراهة مطلقا أو مع وجود الأفضل أو الأقرأ منه بقرينة ما سمعته من الأخبار- قاصر عن إثبات ذلك من وجوه لا تخفى على من له أدنى بصيرة.

[في اشتراط الذكورة للإمام إذا كان المأموم ذكرانا أو ذكرانا و أناثا]
اشارة

و كذا يشترط في الإمام الذكورة إذا كان المأموم ذكرانا أو ذكرانا و أناثا فلا يجوز إمامة المرأة لهم بلا خلاف أجده فيه نقلا و تحصيلا، بل في الخلاف و المنتهى و التذكرة و الذكرى و الروض و عن غيرها الإجماع عليه، لأصالة عدم سقوط القراءة، و

النبوي (4)«لا تؤم امرأة رجلا»

و آخر(5)«أخروهن من حيث أخرهن اللَّه»

و المروي في موضع عن

دعائم الإسلام (6)عن علي (عليه السلام) «لا تؤم


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 سنن البيهقي ج 3 ص 90.
5- 5 المستدرك- الباب- 5- من أبواب مكان المصلى- الحديث 1.
6- 6 البحار- ج 18 ص 634 من طبعة الكمباني.

ج 13، ص: 337

المرأة الرجال، و لا الأخرس المتكلمين، و لا المسافر المقيمين»

و آخر(1)عنه (عليه السلام) أيضا «لا تؤم المرأة الرجال، و تصلي بالنساء، و لا تتقدمهن تقوم وسطا فيهن و يصلين بصلاتها»

و للسيرة و الطريقة المستمرة في الأعصار و الأمصار، إذ لو اتفق ذلك و لو يوما لاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، و مطلوبية الحياء منهن و الاستتار المنافيين للإمامة المقتضية للظهور و الاشتهار، و للأخبار(2)الكثيرة المتقدمة في بحث المكان من الصلاة المشتملة على النهي عن محاذاة الرجل للمرأة و تقدمها عليه، بناء على إرادة الحرمة منه، بل و الكراهة المنافية للجماعة المعلوم استحبابها، و إرادة الأعم من المصطلح فيها و الأقل ثوابا لا شاهد لها، و احتمال إرادة الأقل ثوابا منها في الجماعة و الفرادى لكون مرجعها فيهما للصلاة يدفعه خروج التقدم عن حقيقتها، فلا بأس بإرادة المصطلح منها فيه حال الصلاة على معنى يكره التقدم و المحاذاة في الفرادى حال الصلاة، و ليس ذا كالقول بعدم منافاة كراهة التقدم و المحاذاة لاستحباب الجماعة بعد كونهما من مقوماتها و لوازمها، كما هو واضح، لكن و مع ذلك فللتأمل بعد في الاستدلال بها على المطلوب مجال، إلا أنا في غنية عنه بما عرفت.

[في جواز ائتمام النساء بالمرأة]

و كيف كان ف يجوز أن تؤم المرأة النساء في الفريضة و النافلة التي يجوز فيها الاجتماع على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الرياض أن عليه عامة من تأخر، بل في الخلاف و التذكرة و عن الغنية و إرشاد الجعفرية و ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه، لقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع و غيره، فلا يقدح حينئذ ظهور خطاب الإطلاقات بالذكور لو سلم كون جميعها كذلك، و

للنبوي (3)المروي في كتب الفروع


1- 1 المستدرك- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مكان المصلى.
3- 3 كنز العمال ج 4 ص 257- الرقم 536.

ج 13، ص: 338

لأصحابنا مستدلا به على المطلوب، و هو «أنه (صلى اللَّه عليه و آله) أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها و جعل لها مؤذنا»

و الصادقي (1)المروي في الفقيه مسندا «سئل كيف تصلي النساء على الجنائز؟ فقال: يقمن جميعا في صف واحد و لا تتقدمهن امرأة، قيل:

ففي صلاة المكتوبة أ يؤم بعضهن بعضا؟ قال: نعم»

و مرسل ابن بكير(2)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «في المرأة تؤم النساء، قال: نعم تقوم وسطا بينهن و لا تتقدمهن»

كالموثق (3)عنه (عليه السلام) أيضا «عن المرأة تؤم النساء، فقال: لا بأس به»

بل لعلهما كالصريحين في إرادة التعميم أو الفريضة، ضرورة ندرة النافلة التي يجوز الاجتماع فيها كالاستسقاء و نحوه، خصوصا بالنسبة للنساء، فترك الاستفصال فيهما حينئذ كالصريح فيما ذكرنا.

و به يظهر دلالة

الصحيح (4)عن الكاظم (عليه السلام) سأله أخوه «عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة و التكبير، فقال: قدر ما تسمع»

و إن كان السؤال فيه عن حكم آخر غير أصل الائتمام، إلى غير ذلك من مرسل الدعائم المتقدم و نحوه.

خلافا للمحكي عن أبي علي و علم الهدى و الجعفي من المنع في الفريضة و الجواز في النافلة، و نفى عنه البأس في المختلف، و مال إليه في المدارك و اختاره المولى الأعظم في شرح المفاتيح على الظاهر مستظهرا له أيضا من الكليني و الصدوق، لاقتصارهما على ذكر صحاح سليمان بن خالد(5)و هشام (6)و زرارة(7)المشتملة على التفصيل المزبور، لأصالة عدم تحقق الجماعة التوقيفية، و عدم سقوط القراءة، و عدم البراءة من الشغل


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 12.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 339

اليقيني، و النصوص الكثيرة التي فيها الصحيح و غيره السالمة عن معارضة أكثر ما تقدم باعتبار إطلاقه و تقييدها مع الغض عن ضعف سند بعضه، و كونه من طرق العامة، و دلالة آخر، و المؤيدة بعدم معهوديته في عصر و مصر من الأعصار و الأمصار أصلا، بل معهودية خلافه، لتعارف خروج النساء- مع مطلوبية الحياء و الستر منهن، و القرار في البيوت- إلى جماعة الرجال و الائتمام بهم، و لو كان ذلك مشروعا لكان أولى لهن من الخروج قطعا، و لوقع يوما في عصر النبي أو الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) خصوصا مع فاطمة سيدة نساء العالمين (ع) و باقي نسائهم و بناتهم، و لشاع و ذاع حتى خرق الأسماع، ضرورة توفر الدواعي إلى الجماعة و كثرة تكرر الصلاة و عموم الباوى بها.

و في الجميع نظر واضح، إذ الأصول لا تقبل المعارضة لشي ء مما ذكرنا حتى قاعدة الاشتراك، و النصوص يكفي في ردها إعراض الأصحاب عنها مع كثرتها و صحتها و وضوح دلالتها و كونها بمرأى منهم و مسمع، بل في المنتهى أنه لم يعمل بها أحد من علمائنا، بل فيه أيضا كما عن المعتبر أنها نادرة، فكيف يحكم مثلها على ما عرفت، خصوصا بعد موافقتها للمحكي عن جماعة من العامة، و احتمال المكتوبة فيها الجماعة الواجبة كالجمعة و ظهورها في جواز الجماعة بمطلق النافلة الذي هو أيضا مذهب العامة، و تنزيلها على النافلة التي يجوز فيها ذلك تنزيل للمطلق على أندر أفراده، كتنزيل أخبار المختار عليه على أن بعضه لا يصلح لذلك، لصراحته في الفريضة، كالإجماعات المحكية و بعض الأخبار، و عدم المعهودية أو معهودية الخلاف بعد حفظ الحكم فيه باللفظ و غلبة عدم الوثوق بالنساء في أحكام الفريضة و الجماعة غير قادح، خصوصا بعد الحكم بعدم تأكد الجماعة لهن كما صرح به بعضهم عملا بهذه الصحاح.

فظهر بحمد اللَّه و بركة محمد و أهل بيته (عليهم الصلاة و السلام) أن أصول المذهب

ج 13، ص: 340

تقتضي الاعراض عن ظاهرها، كما أنها تقتضي الاعراض عن ظاهر

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «قلت له: المرأة تؤم النساء، قال: لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطا معهن في الصف، فتكبر و يكبرن»

من عدم جواز مطلق الائتمام في النافلة و الفريضة كما هو إحدى الحكايتين عن الجعفي و المرتضى، إذ هو مخالف لجميع ما عرفت مما قلناه و قاله الخصم من النصوص و غيرها، فهو واضح البطلان، كسابقه وضوحا لا يحتاج معه إلى إتعاب يراع أو تسويد قرطاس.

و كذا الحكم في الخنثى المشكل أي هي هنا كالامرأة حكما، فتأتم به النساء، لأنه إما رجل أو امرأة، و كل منهما يجوز إمامته لهن، و لا يأتم به رجل، لاحتمال أنه امرأة، فلا يعلم حينئذ براءة الذمة من الشغل اليقيني،

و دعوى شمول الإطلاقات أو العمومات له- إذ أقصى ما خرج إمامة المرأة، فيبقى المشتبه داخلا فيها، لصدق عنوانها عليه، ككونه ممن تثق بدينه و نحوه، و لا دلالة في النصوص على اشتراط الذكورة في إمامة الرجال كي يحتاج إلى العلم باحرازها، بل غايتها ما سمعت من عدم إمامة المرأة، و فرق واضح بينهما، و منه ينقدح حينئذ قوة خيرة ابن حمزة من جواز إمامة الخنثى بالخنثى، خلافا للمشهور فالمنع، لاحتمال كون الامام منهما امرأة و المأموم رجلا، بل و ينقدح فساد أدلتهم من أصالة عدم سقوط القراءة، و أصالة عدم براءة الذمة من الشغل اليقيني و نحو ذلك، ضرورة اندفاعها جميعها بالعمومات بعد فرض شمولها له- يدفعها- بعد تسليم دخول الفرد المشتبه موضوعا في العام المفروض تخصيصه، و تسليم وجود عمومات و إطلاقات صالحة لشمولها- ظهور اتفاق الأصحاب على كون الذكورة شرطا في إمامة الذكور، لا أن الأنوثة مانع، فلا بد حينئذ من العلم به ابتداء، و على حصر جواز إمامة الأنثى بالنساء خاصة، بل الثاني ظاهر النصوص أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 341

و من ذلك ظهر وجه قول المصنف و لا تؤم المرأة رجلا لما عرفته سابقا و لا خنثى لاحتمال كونه رجلا، و قد عرفت انحصار إمامتها بالنساء، و أما الخنثى بالخنثى فهما و إن كان الشرطية و الحصر المزبوران لا يصلحان سندا لعدم الجواز فيهما قطعا، إذ أقصاهما أن الذكور لا يؤمهم إلا ذكر، و المرأة لا تؤم إلا النساء، و ليس في ائتمام الخنثى بالخنثى منافاة لشي ء منهما، لعدم معلومية ذكورية المأموم منهما كي ينافيه احتمال أنوثية الامام، و عدم معلومية أنوثية الامام كي ينافيها احتمال ذكورية المأموم، لكن ليس في الأدلة إطلاقات أو عمومات واضحة التناول لهما بحيث يكفيان في براءة الذمة عن الشغل اليقيني بعد الإغضاء عن أصل صلاحية العموم أو الإطلاق المفروض تخصيصهما لشمول الفرد المشتبه موضوعه أنه من أفراد العام الباقية أو من أفراد المخصص فلا ريب في حصول الشك في انعقاد مثل هذه الجماعة و جريان أحكامها عليها، فلا يجتزى بها، فتأمل جيدا، و اللَّه أعلم.

[في عدم جواز ائتمام المتقن بالملحن في قراءته]

و لو كان الامام يلحن في قراءته لم يجز إمامته بمتقن على الأظهر بل المشهور نقلا و تحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين، لأصالة عدم سقوط القراءة، و نقصان صلاة الإمام عن صلاة المأموم، و فحوى الإجماعات السابقة في الأمي إن لم يدع شموله له بناء على أن اللاحن غير محسن للقراءة أيضا، لكن قد يناقش في الأول بانقطاعه بإطلاق الأدلة الممنوع إرادة القراءة الصحيحة خاصة منه، لصدق اسم القراءة على الملحونة، خصوصا إذا لم يغير اللحن المعنى، و في الثاني بما عرفته سابقا من عدم ثبوت الكلية السابقة من الأدلة، و في الثالث بأنه قياس محض، و لعله لذا تردد في الحكم بعض متأخري المتأخرين، بل جوز في الوسيلة و عن المبسوط الائتمام في الفرض على كراهية لإطلاق الأدلة، بل و عن ظاهر السرائر أيضا ذلك، لكن إذا لم يغير اللحن المعنى، و لعله لخروجه عن اسم القراءة معه بخلافه إذا لم يغير، إلا أن الانصاف تحقق

ج 13، ص: 342

الشك إن لم يكن الظن في سقوط القراءة عن المأموم بالقراءة الملحونة للإمام و إن كانت هي صحيحة في حقه، و لو بملاحظة ما تقدم في الأمي، إلا أنه يتجه- بناء على أن المانع ذلك- جواز الائتمام في غير محل تحمل القراءة، إذ الكلية المزبورة غير ثابتة، نعم ظاهر العبارة و غيرها- بل لا أجد فيه خلافا بين الأصحاب، بل الظاهر الإجماع عليه- جواز إمامته بمثله إذا اتحد محل اللحن أو زاد في المأموم، لإطلاق الأدلة الذي لا ينافيه ما ذكرناه سابقا من دعوى تبادر القراءة الصحيحة من أخبار التحمل، إذ ذاك بالنسبة إلى المأموم الكامل لا من يلحن كالإمام، و لا يخفى عليك جريان كثير ما سمعته من الفروع السابقة في الأمي هنا حتى وجوب الائتمام على الملحن بالقاري و عدمه، و إن تردد فيه هنا بعض من جزم بالوجوب هناك، لكنه في غير محله، إذ المسألة من واد واحد، فالكلام الكلام، و لا حاجة إلى الإعادة، فتأمل.

و كذا لا يجوز ائتمام المتقن ب من يبدل الحروف كالتمتام و شبهه من الفأفاء و غيره بلا خلاف معتد به أجده فيه كما اعترف به في الرياض و غيره، لأولويته من الأمي و اللاحن، فيجري فيه جميع ما سمعت، و ما في التذكرة و المنتهى و التحرير و الذكرى و المسالك و عن المبسوط و المعتبر من جواز الائتمام بالتمتام و الفأفاء للمتقن مبني على تفسير التمتام بغير ما في المتن كما هو صريح بعضهم و ظاهر آخر، لتعليله الجواز بأنه يكرر الحرف و لا يسقطه، لا على تفسيره بالمبدل، فيكون حينئذ نزاعا في موضوع، و هو سهل، مع أنه قد يناقش في الجواز على التفسير المزبور أيضا بأنه لم يأت بالقراءة على وجهها مع التكرير، ضرورة صيرورتها به هيئة أخرى، و لعله لذا اختار المنع في البيان على هذا التفسير أيضا، و هو لا يخلو من قوة.

نعم قد يظهر الخلاف من الوسيلة على التفسير الأول فضلا عن الثاني حيث قال:

«تكره إمامة من لا يقدر على إصلاح لسانه أو من عجز عن أداء حرف أو يبدل حرفا

ج 13، ص: 343

من حرف أو ارتج عليه في أول كلامه أو لم يأت بالحرف على الصحة و البيان» بل و من المحكي عن المبسوط أيضا «تكره الصلاة خلف التمتام و من لا يحسن أن يؤدي الحروف، و كذلك الفأفاء، فالتمتام هو الذي لا يؤدي التاء، و الفأفاء هو الذي لا يؤدي الفاء» إلا أنه لا يخفى عليك ضعفهما بعد الإحاطة بما سمعت سابقا في الأمي و غيره، ضرورة اتحاد الطريق في الجميع، و من هنا كان لا حاجة إلى إعادة كثير مما تقدم هناك، فلا حظ و تأمل، مع أنه قال في المبسوط بعد ذلك بلا فصل فيما حكي عنه: «و كذا لا يؤتم بإرث و لا ألثغ و لا أليغ، فالأرث هو الذي يلحقه في أول كلامه ريح فيتعذر عليه، فإذا تكلم انطلق لسانه، و الألثغ هو الذي يبدل حرفا مكان حرف، و الأليغ هو الذي لا يأتي بالحروف على البيان و الصحة، و إذا أم أعجمي لا يفصح بالقراءة أو عربي بهذه الصفة كرهت إمامته».

إذ من الواضح مساواة الألثغ بالتفسير الذي ذكره للتمتام و الفأفاء، و إن كان هما مختصان في الفاء و التاء بخلافه بناء على تفسيره بما عرفت، و إلا فهو خاص أيضا بناء على ما في المنتهى عن الصحاح من تفسيره بأنه الذي يجعل الراء غينا أو لاما و السين تاء، و حواشي الشهيد من أنه الذي يجعل الراء لاما، بل و على ما عن الفراء أيضا من أن اللثغة بطرف اللسان هو الذي يجعل الراء على طرف اللسان، و يجعل الصاد ثاء.

و على كل حال فينافي حينئذ حكمه بالمنع فيه، لحكمه بالكراهة فيهما، إلا أن الظاهر بل لعله من المقطوع به بملاحظة قرائن كثيرة في كلامه إرادته الكراهة أيضا من قوله: «لا يؤتم» فلا منافاة حينئذ، نعم هو كالسابق في غاية الضعف بالنسبة للألثغ، بل لا أجد فيه خلافا من غيره عدا الوسيلة التي سمعت عبارتها لما تقدم، و متجه بالنسبة للإرث المفسر بما عرفت، بل في المنتهى أنه حكاه الأزهري عن المبرد أيضا لإطلاق الأدلة السالمة عن المعارض، بل لولا التسامح في دليل الكراهة لأمكن

ج 13، ص: 344

التوقف فيما ذكره من الكراهة، و اتجه الحكم بالجواز من غير كراهية، نعم يتجه المنع فيه بناء على ما في التذكرة من تفسيره بأنه الذي يبدل حرفا بحرف، و ما عن الفراء من أنه الذي يجعل اللام تاء، بل و على ما عن الصحاح أيضا من أن الرثة بالضم العجم في الكلام إن أراد به عدم خروج الحرف كما هو، لعدم حصول القراءة الصحيحة المسقطة عن المأموم.

و منه ينقدح حينئذ عدم جواز الائتمام بالأليغ بالياء المثناة من تحت كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل في الرياض الاعتراف بعدم الخلاف فيه، لفحوى ما سمعت أيضا بناء على إرادة نحو ذلك من تفسيره المزبور الذي يقرب من بعض ما ذكر في تفسير الإرث بأنه الذي يدغم حرفا في حرف و لا يبين الحروف، خلافا له و للوسيلة فالكراهة، و لا ريب في ضعفه، اللهم إلا أن يريدا- و إن بعد أو منع- بعدم بيانها عدم إتيانها على الوجه الكامل، فيتجه حينئذ الجواز فيه، إذ هو حينئذ كاللثغة الخفيفة التي تمنع من تخليص الحرف، و لكن لا يبدله بغيره المصرح بجواز ائتمام القاري معها في التذكرة و الذكرى و عن نهاية الأحكام و الروضة، و إن استشكله في المدارك بأن من لا يخلص الحرف لا يكون آتيا بالقراءة على وجهها، لكن فيه احتمال أو ظهور إرادتهم اللثغة التي لا تبلغ به إلى إخراج الحرف عن حقيقته و إن نقص عن كماله، كاحتمال إرادة الشهيد في البيان ذلك أيضا مما ذكره من أن الأقرب جواز إمامة من في لسانه لكنة في بعض الحروف بحيث يأتي به غير فصيح بالمفصح، فلا ينافيه حينئذ ما في ظاهر الذكرى من أنه لو كان في لسانه لكنة من آثار العجمة لم يجز الائتمام بعد تنزيله على إرادة اللكنة المغيرة لحقيقة الحرف، كتنزيل إطلاق بعض العبارات عدم جواز الائتمام بمؤوف اللسان على ذلك و نحوه، لا ما يشمل من لا يتمكن من إتيان

ج 13، ص: 345

الحرف على الوجه الكامل، إذ المدار ما عرفت من تحقق القراءة الصحيحة و عدمها، فلا حاجة حينئذ إلى التعرض إلى خصوص الخنخنة، و هي كما في حواشي الشهيد التكلم بالخاء من لدن الأنف، و اللجلجة و هي كما فيها أن يكون فيه عي و إدخال بعض كلامه في بعض، كما لا حاجة إلى إعادة بعض الفروع المتقدمة سابقا في الأمي الواضح جريانها في المقام من ائتمام المماثل به و نحوه، ضرورة اشتراك الجميع في ذلك، فلا حظ و تأمل.

[في عدم لزوم نية الإمامة في الجماعة المندوبة]

و لا يشترط في صحة الجماعة المندوبة و ترتب أحكامها بالنسبة للإمام و المأموم أن ينوي الإمام الإمامة و إن أم النساء وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض، بل قد يشعر قصر نسبة الخلاف في المنتهى كما عن المعتبر إلى أبي حنيفة و الأوزاعي بالإجماع عليه، بل عن مجمع البرهان كأنه إجماعي بل في التذكرة لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به صح عند علمائنا، للأصل في وجه، و إطلاق الأدلة و السيرة في الائتمام بمن لا يعلم الائتمام به، و مساواة صلاته لصلاة المنفرد إلا بما لا يعتد به من رفع الصوت و نحوه، فليست هي نوعا آخر مستقلا، بل هي كالمسجدية و نحوها، بل لا يبعد في النظر عدم اعتبار نية العدم أيضا ما لم يرجع إلى التشريع المحرم كما هو ظاهر معقد إجماع الذكرى، بل قطع به المولى البهبهاني في مصابيحه، فلو قصد عدم الإمامة و اقتدى المأمومون به من غير رضاه أصلا صحت صلاته و صلاة المأمومين، نعم قد يقال باعتبارها في ترتب الثواب و استحقاقه كما في الدروس و الذكرى و حاشية الإرشاد و المسالك و مصابيح المولى و عن غيرها، لمعلومية اشتراطها في جميع الأسباب التي رتب الشارع عليها ثوابا، مع أن المحكي عن مجمع البرهان أنه لم يستوضح شرطيتها في ذلك أيضا قال: لأنه تكفي نية الصلاة عن بعض التوابع مثل سائر نوافل الصلاة مع أنها أفعال لا بد منها، و ليس في الإمامة شي ء زائد على حال الانفراد حتى ينوي ذلك الشي ء إلا بعض الخصائص مثل رفع الصوت

ج 13، ص: 346

ببعض الأذكار.

فالظاهر أنه إذا نوى و لم يقصد الانفراد و لا الجماعة يحصل له الثواب لو حصلت له الجماعة، بل و لو لم يشعر به، بل في الذكرى و المسالك و غيرهما احتماله أيضا من غير تعقيب بجزم بالعدم، لكن فيما إذا لم يعلم حتى انتهت صلاته نظرا إلى كرمه و إحسانه لأنه لم يقع منه إهمال، و إلى استبعاد حصول الثواب للمأمومين بسببه و حرمانه، و إلى ما ورد من تزايد ثواب الجماعة بتزايد المأمومين و لو مع عدم اطلاع الامام و لا أحدهم، و إلى احتمال استحقاقه الثواب باستيهاله للإمامة.

لكن الجميع كما ترى غير صالح لمعارضة ما دل على انحصار الأعمال في النيات، و أنها هي روح الأعمال و قوامها، و احتمال الفرق بين حالة العلم و عدمه- فلا يحصل الثواب في الأول إلا بالنية بخلاف الثاني كما هو قضية ما سمعته من الشهيدين و غيرهما- لا شاهد له سوى حسن الظن بالله، فإنه عند ظن عبده به الحسن، كاحتمال جعل الشارع ذلك من الأسباب المترتب عليها الثواب و إن لم يقصدها المكلف كما سمعته من مجمع البرهان، و احتمله أولا في الذكرى ثم جزم بعدمه، فإنه لا شاهد عليه أيضا عدا دعوى إطلاق ما دل على ترتب الثواب على حصول وصف الإمامة المتحقق بمجرد نية المأموم الائتمام، و لذا يجري عليه جميع الأحكام من الشك و المتابعة و غيرهما، لكن من المعلوم تنزيل هذه الإطلاقات على ما ورد في بيان توقف الأعمال على النيات كما يومي اليه خلو كثير من أخبار العبادات عن التعرض لخصوص النية فيها، و ما ذاك إلا للاتكال عليها و صيرورتها من جملة أصول المذهب المستغنية عن التكرير و الإعادة في كل شي ء، فدعوى ترتب الثواب على حصول وصف الإمامة و إن لم يكن قصده الامام ممنوعة كل المنع، و لا تلازم بين صيرورته إماما بالنسبة إلى انعقاد الجماعة و جريان أحكامها و بين حصول الثواب الذي هو أمر آخر متوقف على القصد و النية، لا أقل من الشك في خروجه عن تلك

ج 13، ص: 347

العمومات، إلا أن الفضل و الإحسان غير مستنكر على ذي الطول و الامتنان.

أما الجماعة الواجبة كالجمعة ففي الدروس و الذكرى و البيان و حاشية الإرشاد و مصابيح الأنوار و الرياض وجوب اعتبارها فيها، لتوقف صحة الصلاة على الجماعة، و توقف صدق امتثال الأمر بها جماعة على النية، خلافا للمدارك فلم يوجبها أيضا تبعا لما عن مجمع البرهان، لأن المعتبر تحقق القدوة في نفس الأمر، فهو في الحقيقة شرط من شرائط الصحة التي لا يجب على المكلف ملاحظتها حال النية، و استحسنه في الذخيرة و هو في محله إن كان المراد الاكتفاء بنية الجمعة مثلا عن التعرض لنية الجماعة باعتبار عدم صحتها شرعا بدونها، لا أنها كالجماعة المندوبة التي لا يقدح في صحتها نية الإمام الفرادى في صلاته، ضرورة الفساد هنا لو نوى ذلك، إذ هو تشريع محض، اللهم إلا أن يفرض وقوعها منه على وجه يكون لاغيا في نيته و عمله صحيحا، كنية عدم رفع الحدث في الوضوء، فتأمل.

و مما سمعت يتضح لك البحث في وجوب نية الإمامة أيضا في الصلاة المعادة نفلا باعتبار توقف صحتها أيضا على كونه إماما، فلا يتصور افتتاحها منه بغير نية الإمامة، إذ لا وجه لإعادتها فرادى، بل لا يبعد هنا وجوب ملاحظة ذلك أو ما يقوم مقامه في النية، و لا يكتفى بقصده الظهر مثلا كما كان يكتفى بذلك في الجمعة، لعدم توقفه في نفسه على الجماعة كي يستغنى بنيته عن نيتها بخلاف الجمعة، و هل يلحق بالجماعة الواجبة أصالة الواجبة عارضا، كمن نذر الإمامة مثلا؟ وجهان ينشئان من احتمال صيرورة الجماعة بسبب النذر شرطا من شرائط الصحة، فتكون كالجماعة في الجمعة، و من أنه واجب خارجي لا مدخلية له في الصحة، بل أقصاه عدم الوفاء بالنذر إذا لم ينو لإفساد الصلاة، لعدم صلاحية النذر لتأسيس حكم شرعي، بل غايته الإلزام بالمشروع، و تقدم البحث في نظيره في باب الوضوء، إذ ما نحن فيه كنذر الموالاة في الوضوء، فلاحظ و تأمل.

ج 13، ص: 348

[في أولوية صاحب الإمارة و المنزل بالإمامة]

و صاحب المسجد الراتب فيه و الامارة من قبل الامام العادل (عليه السلام) و المنزل الساكن فيه أولى من غيرهم بالتقدم عدا إمام الأصل (عليه السلام) في إمامة الجماعة بلا خلاف صريح معتد به أجده فيه نقلا في المنتهى ظاهرا أو صريحا و الحدائق و عن غيرهما، و تحصيلا، بل في الذكرى أنه ظاهر الأصحاب، بل عن المعتبر أن عليه اتفاق العلماء، و يدل على الأول- مضافا إلى ذلك، و إلى ما في ظاهر الرياض و المفاتيح من نفي الخلاف عنه بالخصوص و إن كان غيره أفضل منه، و إلى ما في الحدائق من دعوى اتفاق الأصحاب عليه، كما عن ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه أيضا، و إلى ما حكي من نص جماعة من القدماء عليه ممن عادتهم الفتوى بمضامين النصوص خصوصا الصدوق منهم في مثل المقنع و الأمالي، و إلى ما عساه يشعر به ما سمعته (1)مما ورد في المنزل، و إلى ما ذكر له من التعليل بأن تقدم الغير يورث وحشة و تنافرا في القلوب، و إلى ما ورد من أحقية من سبق بالوقف- النبوي المروي (2)عن فقه الرضا (عليه السلام) و دعائم الإسلام (3)

قال في الأول: «صاحب الفراش أحق بفراشه، و صاحب المسجد أحق بمسجده»

و قال في الثاني: «يؤمكم أكثركم نورا، و النور القرآن، و كل أهل مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم إلا أن يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة من أهل المسجد»

و ما

في الأخير أيضا(4)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «يؤم القوم أقدمهم هجرة- إلى أن قال-: و صاحب المسجد أحق بمسجده»

و ما في

فقه الرضا (عليه السلام)(5)أيضا «و اعلم أن أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرأهم- إلى أن قال-: و صاحب المسجد أولى بمسجده».


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« تسمعه».
2- 2 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
5- 5 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.

ج 13، ص: 349

و على الثاني و الثالث- مضافا إلى ما سمعت، و إلى خصوص ما في التذكرة من نفي معرفة الخلاف في أولوية تقديم صاحب المنزل و إن كان غيره أقرأ و أفقه، بل عن نهاية الأحكام الإجماع على ذلك، و في المفاتيح «لا يتقدم أحد على صاحب المنزل بلا خلاف» و إلى ما في الثاني من الولاية عن إمام الأصل (عليه السلام) الذي هو أولى من كل أحد بلا خلاف كما اعترف به في الرياض، بل لعله من الضروريات-

خبر أبي عبيدة(1)عن الصادق (عليه السلام) «إن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) قال:

يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فان كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة و أفقههم في الدين، و لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله، و لا صاحب سلطان في سلطانه»

و ما سمعته من خبر الدعائم (2)في خصوص الثاني منهما.

بل هو ظاهر في تقديم الأمير على صاحب المسجد، و قد يلحق به المنزل و لو بضميمة عدم القول بالفصل كما صرح بهما في التذكرة و عن نهاية الأحكام و الروضة، و لا ينافيه تقدم الولي عليه في الجنازة لأن الصلاة على الميت تستحق بالقراءة، و السلطان لا يشارك

في ذلك، و هنا تستحق بضرب من الولاية على الدار و المسجد، و السلطان أقوى ولاية و أعم، و لأن الصلاة على الميت يقصد بها الدعاء و الشفقة و الحنو، و هو مختص بالقرابة، و يؤيد أيضا أنه بإمامته عن إمام الأصل (عليه السلام) يشبه نائبه الخاص في الإمامة بمسجد له راتب أو منزل الذي صرح جماعة من الأصحاب بأنه أولى منهما، لأنه لا يأذن إلا للراجح أو المساوي، فالأول له مرجحان، و الثاني له مرجح واحد، بل و أولى من ذي الإمارة أيضا لو فرض أن إمام الأصل (عليه السلام) استنابه


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 350

عن نفسه في خصوص الصلاة، خلافا للروض و الرياض فلم يقدما الأمير على صاحبي المسجد و المنزل، بل قدماهما عليه، لإطلاق النص و الفتوى بأوليتهما في محلهما مع عدم معلومية شمول أولوية ذي الإمارة لنحو المفروض، و خبر الدعائم محتمل أو ظاهر في إرادة إمام الأصل (عليه السلام)، و فيه أن الإطلاق مساق لبيان أولوية الثلاثة من غيرهم لا بعضهم مع بعض، على أن بين الإطلاقات عموما من وجه، فيرجح عموم ذي الإمارة ببعض ما سمعت و خبر الدعائم الظاهر في إرادة غير إمام الأصل، خصوصا مع ملاحظة تنكير الأمير فيه، بل لعل ظاهر لفظ الأمير أو صريحه ذلك، ضرورة إرادة من أمره إمام الأصل (عليه السلام) لا هو بمعنى أن اللَّه أمره على عباده، لا أقل من إرادة الأعم منهما منه.

ثم إن الظاهر كون أولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية لا فضيلة ذاتية، فلو أذنوا حينئذ لغيرهم جاز و انتفت الكراهة المستفادة من خبر أبي عبيدة و غيره كما صرح به الشهيدان و عن غيرهما، بل عن المبسوط و السرائر التصريح بالجواز أيضا، بل في المنتهى التصريح مع ذلك بأن الغير حينئذ أولى من غيره نافيا معرفة الخلاف فيه، لكن في الذخيرة تبعا للمدارك أنه اجتهاد في مقابلة النص، و فيه أنه لا تعرض في النص للاذن وجودا و لا عدما، و دعوى شمول إطلاقه لصورة الإذن أيضا يدفعها عدم تبادرها منه أو تبادر غيرها، خصوصا مع ملاحظة نظائرها من الأولويات المعلوم جواز الاذن فيها في أحكام الأموات و غيرهم، بل لو قيل باستحباب إذنهم للأكمل منهم مع حضوره معهم كان وجها كما اعترف به في الروض، و لأن الأدلة إنما دلت على أنه الأفضل لمن عداهم أن لا يتقدمهم، مراعاة لحقهم و توقيرا لهم، و ذلك لا ينافي- اقتصارا في مخالفة عموم أدلة الأفضل على المتيقن، و هو عدم الإذن- أفضلية لمن كان أفقه و أفضل

ج 13، ص: 351

و أتقى، عملا بالأخبار(1)الدالة على الأمر بتقديم صاحب هذه الصفات، فيكون ذلك حينئذ جمعا بين مراعاة حقهم بإرجاع أمر الإمامة إليهم و بين ما دل على استحباب تقديم الأفضل و الأكمل ك

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(2): «من أم قوما و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة»

و غيره.

لكن الإنصاف أن تحصيل ذلك من الأدلة على وجه معتبر لا يخلو من سماحة و من هنا تردد في ظاهر المسالك و الكفاية في أن الأفضل لهم الاذن أو المباشرة تبعا لما في الذكرى حيث قال: «لم أقف على نص يظهر منه أن الأفضل لهم الإذن للأكمل أو المباشرة للإمامة» بل قال: «إن ظاهر الأدلة يدل على أن الأفضل لهم المباشرة» ثم قال: «و على هذا فلو أذنوا فالأفضل للمأذون رد الاذن ليستقر الحق على أصله» و نحوه في المدارك و الذخيرة و إن كان الذي يقوى في النظر في الجملة الأول.

و لا تسقط هذه الأولوية بعدم حضور صاحبها في أول الوقت ما لم يخف فوات الفضيلة، لإطلاق الأدلة، و دعوى أن الوارد في الأخيرين النهي عن التقدم الذي لا يصدق مع عدم الحضور بل و الأحقية الواردة في الأول يدفعها- بعد وضوح منع آخرها- إرادة الصلاة في محله و جماعته من التقدم عليه لا صيرورته مأموما، و إلا فهو قد لا يأتم به، و من هنا صرح في التذكرة و الذكرى بانتظار الراتب في المسجد و مراجعته ليحضر أو يستنيب إلى أن يتضيق وقت الفضيلة، فيسقط اعتباره حينئذ كما في البيان و الروض أيضا و عن غيرهما، لكن في الأخير نحو ما في الذكرى من أنه لو بعد منزله و خافوا فوت وقت الفضيلة قدموا من يختارونه، و لو حضر بعد صلاتهم استحب إعادتها معه، لما فيه من

اتفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرتين، و لا بأس به بناء على استحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 26 و 28- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 352

إعادة الفريضة جماعة و إن كان قد صليت كذلك.

كما أنه لا بأس بتنزيل ما عساه يظهر من خبري الحناط(1)و معاوية بن شريح (2)من عدم انتظار الراتب على الضيق المزبور، و إن كان المحكي عن ظاهر المنتهى العمل بهما حيث حكم بعدم الانتظار، بل نسبه إلى الشافعي،

قال في أولهما: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة يقوم القوم على أرجلهم أو يجلسون حتى يجي ء إمامهم، قال: لا بأس يقومون على أرجلهم، فإن جاء إمامهم و إلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم»

و قال في الثاني: «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) قال: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم و يقدموا بعضهم، قلت: فان كان الامام هو المؤذن، قال: و إن كان فلا ينتظرونه و يقدموا بعضهم»

مع ما في الحدائق من إشكال هذين الخبرين بأن الأذان و الإقامة في الجماعة من وظائف صلاة الامام و متعلقاتها، و لا تعلق لصلاة المأمومين بشي ء منهما فما لم يكن الامام حاضرا فلمن يؤذن هذا المؤذن و يقيم المقيم،

بل ذيل الخبر الثاني غير مستقيم أصلا، إذ الفرض فيه أن الامام أذن و أقام فأين ذهب حتى ينتظرونه و لا ينتظرونه، و إن كان قد يدفع ذلك عنهما بمنع عدم مدخلية الأذان و الإقامة في صلاة المأمومين أصلا، فإذا فرض عدم مجي ء الإمام في وقته أذنوا و أقاموا و قدموا بعضهم و صلوا، على أنه يمكن تقديمهم الامام منهم قبل الأذان و الإقامة، فيكونان له، و لا ينافيه ذيل الخبر الأول عند التأمل و لو بنوع من التكلف، و بأن المراد من

قوله: «فان كان الامام هو المؤذن»

إلى آخره اعتياد فعل ذلك الإمام للأذان لا أنه كان قد أذن في خصوص تلك الصلاة كي يرد ما سمعت، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 353

و المراد بصاحب المنزل الساكن فيه و إن لم يكن مالكا لعينه، بل يكفي فيه ملك المنفعة كما صرح به غير واحد، بل يكفي فيه استعارتها، بل لا يبعد تقديمهما على مالك العين خصوصا الأول، نعم قد يرجح عليهما لو كان مع ذلك جالسا معهما فيه، لترجيحه عليهما بزيادة ملك العين، و اللَّه أعلم.

[في أولوية الهاشمي من غيره بالإمامة إذا كان بشرائط الإمامة]

و الهاشمي أولى من غيره بالتقدم إذا كان بشرائط الإمامة كما في النافع و الإرشاد و التحرير و القواعد و ظاهر المنتهى و عن المبسوط و النهاية، بل هو المشهور بين المتأخرين كما في الروض و المسالك، بل في المختلف أن المشهور تقديم الهاشمي بعد أن حكى عن ابن زهرة جعله مرتبة بين الأفقه المتأخر عن الأقرأ و بين الأسن، و إن كان قد يناقش بأنه لم يذكره كثير كما اعترف به في الذخيرة، بل في الروض «لم يذكره أكثر المتقدمين» بل في البيان «لم يذكره الأكثر» كما أنه قد يناقشون جميعا في أصل الحكم المزبور- و إن كان المراد منه تقديمه على غير الثلاثة المتقدمة كما عساه ظاهر المتن و غيره و صريح بعضهم، بل في المسالك القطع به- بأنه لا دليل عليه، بل ظاهر ما دل على تقديم الأقرأ و الأسن و الأقدم هجرة و الأعلم خلافه، و قد اعترف في الذكرى و غيرها بأنه لم نعثر على تقديم الهاشمي في الأخبار إلا ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من

قول النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «قدموا قريشا و لا تقدموها»

و هو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى، نعم هو مشهور في صلاة الجنازة، بل لعله لا خلاف فيه بينهم حتى أن المحكي عن المفيد منهم إيجابه هناك، بل في الحدائق فيه نص الفقه الرضوي(2)و فيه إكرام لرسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و مراعاة لتقدم آبائه.


1- 1 كنز العمال ج 6 ص 98.
2- 2 المستدرك- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 13، ص: 354

لكن من المعلوم أن ذلك كله لا يثبت الحكم المزبور و إن كان هو استحبابيا يتسامح فيه

إلا أنه معارض باحتمال استحباب تقديم الأفقه و الأسن و الأقدم هجرة و نحوهم عليه، إذ هو أيضا حكم استحبابي يتسامح فيه، مع أن إطلاق دليل تقديمه قاض به، نعم يمكن القول باستحبابه للتسامح إذا لم يوجد من يحتمل رجحان تقديمه عليه من أهل الصفات الآتية لا مع وجودهم، لعدم الدليل، بل ظاهر الدليل خلافه، و خلاف ما في الدروس و الموجز و عن الغنية و غيرها أيضا من جعل الهاشمي بعد الأفقه مرتبة، نحو ما في الوسيلة و عن موضع من المبسوط لكن مع تبديله بالأشرف فيهما، بل و عن التقي ذلك أيضا لكن عبر بالقرشي بدل الهاشمي، لعدم الدليل أيضا.

فالأولى الاقتصار في رجحان تقديمه على غير الهاشمي الغاري عن الصفات المستفاد رجحانها من النصوص، أو الجامع مع فرض زيادة الهاشمي عليه بالهاشمية، بل يمكن تنزيل إطلاق المتن و غيره على إرادة رجحان الهاشمي على غيره من حيث الهاشمية و عدمها لا أن المراد رجحانه على غيره و إن كان جامعا للصفات المنصوصة، فتأمل جيدا.

ثم بناء على ترجيح الهاشمي لنسبه ففي ترجيح المطلبي على غيره نظر، من اقتصار أكثر الفتاوى على الأول، و مما

روي عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «نحن و بنو المطلب لم نفترق في جاهلية و لا إسلام»

نعم الهاشمي أولى منه قطعا، و حينئذ في ترجيح أفخاذ بني هاشم بسبب شرف الآباء كالطالبي و العباسي و الحارثي و اللهبي و العلوي و الحسني و الحسيني و الصادقي و الموسوي و الرضوي و الهادي بالنسبة إلى غيرهم و بعضهم مع بعض احتمال بين، إذ الترجيح دائر مع شرف النسب، فيوجد حيث يوجد بل قد ينسحب احتمال الترجيح بسبب الآباء الراجحين بعلم أو بتقوى أو صلاح، و لعل من عبر من الأصحاب بالأشرف نظر إلى ذلك، كما يومي اليه أيضا ما قيل من تقديم أولاد المهاجرين على غيرهم لشرف آبائهم، بل قد يقال أيضا بترجيح العربي

ج 13، ص: 355

على العجمي، و القرشي من العربي على غيره للشرفية أيضا، و الأمر سهل.

[في ملاك الأولوية في الإمامة]

و إذا تشاح الأئمة في الإمامة بأن أراد كل منهم التقدم على وجه لا ينافي العدالة و لا الإخلاص في العبادة بل كان رغبة في رجحانها على المأمومية، أو لأن للإمام وقفا أو وصية تكفيه عن طلب الدنيا بالتجارة و نحوها فان ذلك أمر مطلوب مؤكد للعبادة غير مناف لها كما عن القطيفي النص عليه، فلا منافاة حينئذ بين التشاح و بين بقاء الإخلاص، بل ربما قيل: إنه يحقق الإخلاص، إذ تركه مع كونه أرجح لا يكون إلا لعلة فمن قدمه المأمومون فهو أولى كما في النافع و القواعد و التحرير و الدروس و البيان و الموجز و الروض و إن كان مفضولا كما صرح به في الأخير، و هو قضية إطلاق الباقين، لما في ذلك من اجتماع القلوب و حصول الإقبال المطلوب، و ال.

يرجع التفصيل في الذكرى و المدارك و غيرهما، بل في ظاهر الذخيرة نسبته إلى الأصحاب بأن المأمومين إما أن يكرهوا إمامة واحد بأسرهم، و إما أن يختاروا إمامة واحد بأسرهم أو يختلفون في الاجتهاد، فان كرهه جميعهم لم يؤم بهم، و إن اختار الجميع واحدا فهو أولى، و إن اختلفوا طلب الترجيح بالقراءة و الفقه و غيرهما، لكن قد يناقشون بقصور التعليل المزبور عن تقييد النص الآمر بتقديم ذي الصفات الآتية، و من هنا مال بعض متأخري المتأخرين إلى عدم مراعاة الأمر المزبور تبعا لإطلاق كثير من الأصحاب اعتبار الصفات الآتية من دون ذكر اتفاق المأمومين، و منه يظهر أولوية المناقشة فيما ذكره في التذكرة و كشف الالتباس و عن نهاية الأحكام من الترجيح باتفاق أكثر المأمومين مع الاختلاف، إذ قد عرفت أنه لا دليل على الترجيح باتفاق الجميع فضلا عن الأكثر الذي قضية إطلاق الأصحاب عدا من عرفت و النصوص عدم الالتفات اليه، مع أن مختار الأقل ربما كان أرضى عند اللَّه، بل لعله الغالب، فالمناسب طرح الجميع و الرجوع إلى المرجحات الشرعية.

ج 13، ص: 356

و قد تدفع إما بتنزيل كلمات الأصحاب و إن بعد على إرادة تقديم من اتفق عليه المأمومون من فاقدي الصفات أو الجامعين لها، و إما بإمكان استفادتهم له مما دل (1)على كراهة إمامة من يكرهه المأمومون كما ستسمعها فيما يأتي، و مما عساه يشعر به

خبر الحسين بن زيد(2)عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي قال:

«و نهى أن يؤم الرجل قوما إلا بإذنهم، و قال: من أم قوما بإذنهم و هم به رضوان فاقتصدهم في حضوره و أحسن صلاته بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده و قعوده فله مثل أجر القوم، و لا ينقص من أجورهم شي ء»

و المروي (3)عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب أبي عبد اللَّه السياري، قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام):

إن القوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم و يتقدم أحدهم فيصلي بهم فقال: إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس، قال: و من لهم بمعرفة ذلك؟ قال:

فدعوا الإمامة لأهلها»

إذ الظاهر إرادة اتحاد القلوب في الرضاء بالإمام كما اعترف به في الوسائل، و

خبر زكريا صاحب السابري (4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر: مؤذن أذن احتسابا، و إمام أم قوما و هم به راضون، و مملوك يطيع اللَّه و يطيع مواليه».

نعم قد يقال: إن المعتبر من اتفاق المأمومين إذا كان عن نظر و معرفة و اطمئنان في الشخص و نحو ذلك، لا إذا كان لأغراض دنيوية و شهرة سوادية و نحوهما مما لا يحتاج إلى بيان لمن له أدنى مراقبة و

انتقاد في أفعال العباد، خصوصا السواد منهم، و من غلبت عليهم شهواتهم حتى ألبست لهم الباطل زي الحق احتيالا منها بعقولهم، و مخافة هيجان أحزانهم و لم يعلموا أنها ينتقدها عليهم الخبير البصير الحكيم اللطيف الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.

ج 13، ص: 357

يعلم السر و أخفى.

و كيف كان فان اختلفوا أي المأمومون تساووا أو زاد بعضهم على الآخر- لما عرفت من عدم مدخلية الكثرة في النصوص و إن رجح بها في التذكرة لبعض الوجوه- فزع إلى ملاحظة المرجحات المنصوصة، لا أنهم يقتسمون الأئمة فيصلي كل خلف من يختاره، لما فيه من الاختلاف المثير للإحن، و لأنه خلاف مقتضى النصوص فيقدم الأقرأ حينئذ على غيره على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الرياض نسبته إلى اتفاق الأصحاب، كما عن الغنية و ظاهر المنتهى الإجماع عليه، بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بيننا من زمن الصدوقين إلى زمن الكاشاني و ما قاربه و تأخر عنه فقدموا الأفقه عليه ناسبا بعضهم ذلك إلى المختلف، لكن التدبر في عباراته يشرف المتدبر على القطع بفساد هذه النسبة و إن كان فيها ما يوهمها، نعم في الذكرى نقل عن بعض الأصحاب تقديم الأفقه، و لعله أراد ما في التذكرة حيث نسب فيها ذلك إلى بعض علمائنا، إلا أنا كالشهيد لم نتحققه، بل و لم نتحقق ما في الذخيرة من نسبته أيضا إلى غير واحد من المتأخرين، و لعله أراد بعض من لم يصنف منهم أو الأردبيلي و تلميذه سيد المدارك، فإنهما و إن كانا غير مصرحين به لكنهما مالا اليه، و كذا لم نتحقق ما فيهما من نسبة التخيير في تقديم أحدهما إلى بعض من الأصحاب عدا ما عساه يظهر من المحكي من عبارة المبسوط، بل كاد يكون صريحها، و حكاه في الذكرى عن الواسطة أيضا، و إن قالا فيهما أيضا بتقديم القراءة على الفقه، إلا أن الظاهر إرادتهما مع التساوي في الفقه كما هو صريح المبسوط أو كصريحه، و على كل حال فلم نجد قائلا صريحا قبل جماعة من متأخري المتأخرين برجحان تقديم الأفقه عليه و إن كان ربما استشعر ذلك من عبارة الصدوق، إلا أن ملاحظة المحكي من كلامه في المقنع و ما كتبه اليه والده في رسالته و عبارة الفقه الرضوي التي في الغالب تعبيرهما بها يرشد إلى حصول سقط في

ج 13، ص: 358

كلامه، فلاحظ و تأمل.

كما أني لا أجد فيه خلافا أيضا في النصوص المتعرضة لذكر هذه الصفات و إن اختلفت في غيره، إلا أنها اتفقت على تقديمه، ففي

خبر أبي عبيدة(1)المتقدم سابقا عن الصادق عن النبي (عليهما الصلاة و السلام) «يتقدم القوم أقرأهم للقرآن، فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فان كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة و أفقههم في الدين»

، و في المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(2)«إن أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرأهم للقرآن، فان كانوا في القراءة سواء فأفقههم، و إن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة، و إن كانوا في الهجرة سواء فأسنهم، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها»

و عن دعائم الإسلام (3)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «يؤم القوم أقدمهم هجرة، فان استوى فأقرأهم، فان استووا فأفقههم، فإن استووا فأكبرهم سنا»

مؤيدا ذلك كله بمدخلية القراءة في الصلاة دون الفقه، إذ الظاهر إرادة معرفة غير أحكام الصلاة أو ما لا يشتد الحاجة إليه من أحكامها منه، لا ما يشمل معرفة غالب أفعالها، و إلا لم يكن القاري صالحا للإمامة فضلا عن ترجيحه عليه.

لكن قد يشكل إطلاقهم ذلك- بعد الإغضاء عن أسانيد هذه الأخبار، و موافقتها لفتوى ابن سيرين و الثوري و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي و ابن المنذر، و عدم حجية الثاني منها عندنا، و تقديم الثالث منها الأقدم هجرة على الأقرأ مما هو مخالف للنصوص و الفتاوى، كاشتمال الأول على ما يخالفهما أيضا من تأخير الفقه عن سائر الصفات، و احتمال تنزيلها على زمن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) مما كان أمر الفقه


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 359

فيه قليلا سهلا و غير ذلك- بأن الأفقه أعرف و أعلم بأركان الصلاة و أحكامها، و لذا استحب أن يكون الفضلاء في الصف الأول كي يقوموا الامام و ينبهوه، و بأن المحتاج اليه من القراءة محصور، و الفرض معرفة الفقيه به، بخلاف الفقه فإنه غير محصور، إذ قد يعرض في الصلاة ما لا يكون قد استعد له الأقرأ قبل ذلك، و بما دل عليه العقل و النقل كتابا و سنة من عظم مراتب العلماء(1)و عدم استواء من يعلم مع من لا يعلم(2)

و أنهم كأنبياء بني إسرائيل (3)

و أنه «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»(4)و إن «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى»(5)

و إن «من أم قوما و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة»(6)

و إن «إمام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم»(7)

و إن «من يصلي خلف عالم فكأنما صلى خلف رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»(8)

و إن «أئمتكم وفدكم و قادتكم إلى اللَّه، فانظروا من توفدون و من تقتدون به في دينكم و صلاتكم»(9)

إلى غير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه حتى ورد(10)في العبد و الأعمى فضلا عن غيرهما أنهما يؤمان الناس إذا كانا أفقه خصوصا بالنسبة للمجتهدين الذين جعلوهم (عليهم السلام) حكاما على العباد و أنهم بمنزلتهم بل يمكن دعوى دخولهم تحت الأمراء و النواب، و

في الخبر «نحن حجج اللَّه على العلماء و هم حجج اللَّه على الناس»

و في آخر عن الرضا (عليه السلام) أنه قدم


1- 1 سورة المجادلة- الآية 12.
2- 2 سورة الزمر- الآية 12.
3- 3 البحار ج 2 ص 22 المطبوعة عام 1376 الباب 8 من كتاب العلم- الحديث 67.
4- 4 سورة الفاطر- الآية 25.
5- 5 سورة يونس ع- الآية 36.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
9- 9 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4 و المستدرك الباب 23 منها- الحديث 4.
10- 10 الوسائل- الباب- 16 و 21- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 360

العالم على الهاشمي قائلا له: «إنكم سادات الناس و العلماء ساداتكم»

و خصوصا إذا جمعوا مع ذلك باقي الصفات الأخر و الورع و التقوى و الرياضات النفسانية حتى تشرحت أذهانهم و صاروا يعرفون من اللَّه ما لا يعرفه غيرهم.

مضافا إلى ما في إمامة المفضول بالفاضل من الاستنكار عقلا و عادة حتى حكى في الذكرى عن ابن أبي عقيل منع ذلك و منع إمامة الجاهل بالعالم، و قال: «إن أراد الكراهية فحسن، و إن أراد به التحريم أمكن استناده إلى أن ذلك يقبح عقلا، و هو الذي اعتمد عليه محققوا الأصوليين في الإمامة الكبرى، و لقوله جل اسمه «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ

لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى، فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» و للخبرين المتقدمين في كلام ابن بابويه» إلى آخره، و هو ظاهر في أنه هو أيضا محتمل له، فتأمل.

و من ذلك كله مال بعض متأخري المتأخرين و جزم به آخر من تقديم الأفقه عليه حاملين لتلك الأخبار على التقية، أو على أن المراد بالأقرإ فيها العالم بالأحكام مع القراءة أيضا، لأنها في زمن الصحابة كانت مستلزمة للفقه، إذ حكي عن ابن مسعود أنا كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها و نهيها و أحكامها و المراد منها، أو على إرادة ذلك الزمان مما كان أمر العلم فيه بسبب وجود النبي (صلى اللَّه عليه و آله) بين أظهرهم قليلا و سهلا، بخلاف أمر القراءة، بل لعل تفاضلهم في ذلك الزمان إنما كان بها كما و كيفا و استعمالا، بل كان من مقتضى الحكمة و المصلحة شدة الحث و التأكيد في حفظ القرآن و ضبطه و تعلمه و تعليمه، لأنه مفجر النبوة، و من أعظم منن اللَّه على هذه الأمة، و لعل ذا أقرب من الأولين، إذ احتمال التقية في مثل المقام ضعيف جدا، خصوصا مع قول جماعة منهم كالشافعي و غيره بتقديم الأفقه، كضعف الاحتمال للثاني، لذكر الأفقه و العالم بأحكام السنة في الأخبار المزبورة بعد ذلك، و دعوى إرادة العالم

ج 13، ص: 361

بأحكام السنة منه بخلاف الأقرأ فإنه القاري العالم بأحكام الدين القرآنية كما ترى لا تستأهل ردا.

و على كل حال فالقول به بالنسبة إلى بعض أفراد القارين و بعض أفراد الفقهاء لا يخلو من قوة، كما أن القول بالأول بالنسبة إلى البعض الآخر كذلك، بل قد يدعى وضوح الترجيح عند عامة المتشرعة الممارسين لطريقة الشرع السابرين (السامعين خ ل) لأخبارهم (ع)، و كان ذلك مأخوذا لهم يدا عن يد إلى أئمتهم (ع)، بل لعل في اختلاف الأخبار إشعارا بذلك، ضرورة أنه لا يكاد يخفى على أطفال المتشرعة ترجيح العالم المجتهد الفاضل المراقب المرتاض على قارئ مقلد لا يعرف معنى ما يقرأه كبعض الأعاجم، إذ لا خير في قراءة لا تدبر فيها.

كما أنه لا يخفى ترجيح القاري الذي هو جيد القراءة جدا و عارف بجملة ما يحتاج إليه في الصلاة على وجه الاجتهاد أو التقليد على من كان أزيد منه فقها في الجملة على وجه الاجتهاد أو التقليد إلا أن قراءته في أدنى مراتب الاجزاء، فالميزان غير مختل الوزن، و مع فرض تعادل الكفتين يفزع إلى الأخبار لا أنه يرجع إليها على كل حال، ضرورة عدم وفاء ما اشتمل منها على ذكر المرجحات بتمام الأمور المتصورة المستفادة أيضا من عموم أخبار أخر و خصوصها، بل لا تعرض فيها لتمام ما يتصور في مضامينها نفسها كاجتماع المتعدد منها في مقابلة المتحد، و إن كان قضية إطلاق ترتيبها ترجيحه و إن كان واحد على المتعدد، و اللَّه أعلم بحقيقة الحال.

و المراد بالأقرإ كما هو المتبادر المنساق منه الأجود قراءة كما في التذكرة و كشف الالتباس و المدارك و غيرها، و اليه يرجع ما في التحرير من أنه الأبلغ في الترتيل و معرفة المخارج و الاعراب مما يحتاج إليه في الصلاة، و زاد في البيان وجوه التجويد، و ما في الروض و عن غيره من أنه الأجود أداء و إتقانا للقراءة و معرفة أحكامها و محاسنها،

ج 13، ص: 362

و نحوه في المسالك، و عن فوائد الشرائع و الميسية، لا الأكثر قرآنا و إن نسب إلى بعضهم بل اختاره المولى الأكبر في شرح المفاتيح لتعارف الترجيح به في ذلك الزمان، و للصحيح (1)و الخبر(2)الواردين في العبد و الأعمى يؤمان القوم إذا رضوا بهما و كانا أكثرهم قرآنا و غيرهما من أخبار الطرفين، لكن الأول أقوى، نعم لا بأس بالترجيح بذلك أيضا مع التساوي في الأداء كما اعترف به في الذكرى بل و المنتهى، بل ربما نقل عن غيرهما أيضا، و لعل الخبرين يحملان على ذلك.

و كيف كان فبناء على ظاهر كلمات الأصحاب من تقديم الأقرأ ف المشهور نقلا في الذخيرة و تحصيلا كون الأفقه بعده، و نسبه في المنتهى و التذكرة إلى الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه، لما عرفت من الأمور السابقة التي هي إن لم تقتض تقديمه على الأقرأ فلا ريب في اقتضائها تقديمه على غيره، و للرضوي (3)بل و خبر الدعائم (4)أيضا، و لا يعارضها خبر أبي عبيدة(5)الذي لا جابر له في المقام، بل الموهن متحقق، فما عن المرتضى و أبي علي و

السرائر- من جعل الأسن بعد الأقرأ ثم الأفقه، بل في البيان عن بعض الأصحاب أنه ذهب إلى تقديم الأقدم هجرة فالأسن فالأفقه، بل عن القاضي أنه لم يذكر الأفقه أصلا كالمحكي عن الأمالي من جعل الأقدم هجرة بعد الأقرأ و بعده الأسن و بعده الأصبح وجها- ضعيف لم نعرف لشي ء منه شاهدا سوى خبر أبي عبيدة لخصوص ما حكاه في البيان، و قد عرفت قصوره في المقام.

و يكفي الفقه في الصلاة في الترجيح، فلو فرض كون أحدهما أفقه من الآخر


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 363

فيها تقدم، أما لو تساويا في الفقه فيها و زاد أحدهما في الفقه في غيرها لم يبعد ترجيحه عليه أيضا وفاقا للروض و المسالك و الرياض و غيرها، بل عن فوائد الشرائع نسبته إلى ظاهرهم، خلافا للذكرى فلم يعتبره لخروجه عن كمال الصلاة، و فيه أن المرجح لا ينحصر فيها، بل كثير منها كمال في نفسه، و لعل هذا منها مع شمول النص له بإطلاقه، بل قد يظهر من خبر أبي عبيدة إرادته بالخصوص، ل

قوله (عليه السلام) فيه: «الأعلم بالسنة و الأفقه في الدين»

نعم لو كان أحدهما أفقه من الآخر في الصلاة و الآخر أفقه منه في غيرها لم يبعد ترجيح الأول، مع أنه لا يخلو من نظر فيما لو فرض عموم فقاهته لسائر أبواب الفقه.

و لو تساووا في الفقه فالأقدم هجرة عند علمائنا كما في المنتهى، للرضوي بل و خبري أبي عبيدة و الدعائم، إذ لا ينافيه مخالفة مقتضاهما في الأفقه لما عرفت، فما في التحرير و الدروس و الموجز و عن السرائر و المبسوط من تقديم الأكبر سنا أو الأشرف أو الهاشمي عليه ضعيف، بل عن بعضهم عدم ذكره مرجحا أصلا، و لعله لأنه لا فائدة فيه في زمننا كما اعترف به في الحدائق، ل

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «لا هجرة بعد الفتح»

و لأن المراد به ما هو المتبادر منه من الأقدم هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام كما في المنتهى و غيره، و الظاهر إرادة ذلك الزمان منه، نعم بناء على عدم انقطاع الهجرة عندنا كما صرح به في المسالك تتصور له فائدة في بعض الفروض النادرة، و احتمال إرادة السبق إلى العلم منه في زماننا كما عن يحيى بن سعيد و القطيفي، أو الساكن في الأمصار كما عن المحقق الكركي و تلميذه، أو السبق إلى الإسلام أو إلى داره، أو أولاد من تقدمت هجرته كما في التذكرة لا شاهد على شي ء منه، و ما

عن الصادق (عليه السلام) «إن فضل أهل المدن على القرى كفضل أهل السماء على


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب جهاد العدو- الحديث 7 من كتاب الجهاد.

ج 13، ص: 364

الأرض»

لا دلالة فيه أصلا، بل و لا دلالة في

المروي (1)عن معاني الأخبار عنه (عليه السلام) أيضا «أنه من ولد في الإسلام فهو عربي، و من دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر، و من سبي و عتق فهو مولى»

على شي ء من ذلك عدا الأول مما ذكر في التذكرة، مع أن الظاهر إرادته ذلك على نوع من المجاز.

فان تساووا في الهجرة فالأسن عند أكثر العلماء كما في التذكرة للأخبار السابقة، فما عن السرائر من تقديمه على الأقدم هجرة ضعيف، و الظاهر إرادة الأسن في الإسلام كما في التحرير و الذكرى و الدروس و الموجز و عن المبسوط و السرائر و النفلية و الجعفرية و فوائد الشرائع و الميسية و الغرية و إرشاد الجعفرية و الفوائد الملية، فابن خمسين في الإسلام أسن من ابن سبعين و له فيه أربعون، إلا أن النص غير ظاهر فيه كما اعترف به في المدارك، و لعله لذا لم يرجح في نهاية الأحكام على ما قيل.

فان تساووا فالأصبح وجها عند الأكثر كما في الروض للرضوي و المرسل عن علل الصدوق و السرائر حيث قال أولهما بعد ذكره خبر أبي عبيدة: و

في حديث آخر(2)«و إذا كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها»

و ثانيهما نحو ما عن المرتضى فان تساووا فقد

روي (3)«أصبحهم وجها»

مع إمكان التأييد ببعض الأخبار(4)الدالة على عناية اللَّه بمن حسن صورته و غيرها، لكن تركه بعضهم أصلا، كما أنه تأمل فيه أو منعه آخر و خير بينه و بين الأحسن ذكرا ثالث، بل احتمل إرادة الأحسن


1- 1 معاني الأخبار ص 239 المطبوعة عام 1379.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.
4- 4 البحار الجزء 2 من المجلد 15 ص 26 باب أصناف الناس و مدح حسان الوجوه.

ج 13، ص: 365

ذكرا بين الناس منه أو قال به رابع، ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «إنه يستدل على الصالحين بما يجري اللَّه تعالى لهم على ألسنة الخلق»

إلا أن الجميع في غير محله بعد القول بالتسامح في أدلة السنن، ضرورة الاكتفاء حينئذ بما عرفت مما هو منجبر بالشهرة العظيمة، بل عن فوائد الشرائع نسبته إلى عامة الأصحاب على حسب الاكتفاء في استحباب المراتب السابقة عليه بنحو ذلك مما تقدم مما هو قاصر سندا أو سندا و دلالة و لذا حملوا التقديم فيها جميعها على الاستحباب دون الفرض و الإيجاب حتى قال في التذكرة:

إنا لا نعلم فيه خلافا، و كأنه يريد معتدا به، و إلا فقد سمعت ما عن ابن أبي عقيل و إن كان يحتمل إرادته الكراهة، و عن العماني و

ظاهر المبسوط و صريح المراسم إيجاب تقديم الأقرأ على الأفقه، لكنه من المحتمل بل كاد يكون صريح العبارة المحكية عن ثانيهما إرادتهم الفقيه الذي لم يكن عنده قدر ما يكفي في الصلاة من القراءة، فيكون خروجا عما نحن فيه حينئذ و إلا كان ضعيفا جدا لإطلاق الأدلة و عمومها، و إمكان تحصيل الإجماع إن لم يكن الضرورة على عدم الوجوب مع عدم ما يصلح لإثباته في نفسه فضلا عن أن يعارض غيره، إذ ليس إلا تلك الأخبار القاصرة عن تمام ما ذكره الأصحاب من قيود الاستحباب فضلا عن الحتم و الإيجاب، كذكر التشاح المعتبر بينهم في أصل الرجوع إلى هذه المرجحات، اللهم إلا أن يكون استفادوه من لفظ التقديم فيها، و تعارف ذكر مثل هذه المرجحات عند الاختلاف، و من قوله في خبر أبي عبيدة:

إنه يقول بعض للآخر: تقدم يا فلان و بالعكس إذ ذاك من التشاح، لعدم اختصاصه بإرادته تقديم نفسه، بل هو أعم منه و من إرادة تقديم غيره كما نص عليه في الرياض و غيره، إلا أن الظاهر بل لعله من المقطوع به عدم إرادة ما يشمل رغبة كل من


1- 1 نهج البلاغة- القسم الأول من الأقسام الخمسة من الرسالة الثالثة و الثلاثون الجزء 4 ص 19 المطبوع في بيروت مع شرح محمد عبده.

ج 13، ص: 366

الشخصين في إمامة الآخر به، و لعل ما في خبر أبي عبيدة منه لا أنه من التنازع في إمامة شخص كأن يريد زيد مثلا إمامة عمرو و يريد بكر إمامة خالد، إذ هذا أقصى ما يمكن تسليم اندراجه في التشاح، مع إمكان منعه و قصره على إرادة كل منهم الإمامة لنفسه، فتأمل.

و كيف كان فان تساووا في هذه الصفات ففي الدروس و الموجز و عن غيرهما القرعة من غير مراعاة مرجحات أخر، و في التذكرة قدم أتقاهم و أورعهم على الأقوى لأنه أشرف في الدين، و أفضل و أقرب إلى الإصابة (الإجابة خ ل)، ثم أشرفهم نسبا و أعلاهم قدرا فان استووا فالأقرب القرعة، لأنهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة فالإمام أولى، و احتمل الشهيد تقديم الأورع على المراتب كلها بعد القراءة و الفقه و لا بأس به ل

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «قدموا خياركم»

و قوله (عليه السلام)(2): «إن أئمتكم وافدكم»

و غير ذلك مما لا يخفى.

بل قد يقال بعدم انحصار الترجيح بالمرجحات المنصوصة، بل إنما ذكرت تنبيها للمكلف و تعليما له على ملاحظة أمثال ذلك، و إلا فميزانه بيده، و الصفات الراجحة شرعا غير خفية، كما أنه غير خفي مراتبها أيضا، و مع فرض التساوي في الجميع قد يقوى السقوط حينئذ، و يرجع إلى التخيير، إذ الظاهر أن القرعة للأمور المشكلة باعتبار الاشتباه الظاهري دون الواقع، و إلا فمع احتمال خلو الواقع كما في الفرض فلا، نعم قد يكون لها وجه عند تعارض أمر الترجيح عليه بالتعدد و الاتحاد و غيرهما، و لعل عدم تعرض النصوص لعلاج نحو ذلك لسهولة أمر هذا الاختلاف، و عدم خوف الفتنة منه، و ندرة التساوي من كل وجه، أو تصادم المرجحات كذلك.

و المراد بالورع كما في الذكرى العفة و حسن السيرة، و هو مرتبة وراء العدالة


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 367

تبعث على ترك المكروهات و التجنب عن الشبهات و الرفض، و أهذب منه ما عن بعضهم من أن التقوى التجنب عن الشبهات لئلا يقع في المحرمات، و الورع هو التجنب عن المباحات لئلا يقع في الشبهات، لكن عن الأردبيلي المناقشة في ذلك بأنه ليس من ترك كثيرا من الأمور التي هي عمدة في التقرب مثل تحصيل العلوم و العبادات الشاقة الكثيرة و قضاء حوائج المؤمنين مع أنه يجتنب الشبهات و يتورع عن المباحات يكون أتقى و أكرم على اللَّه تعالى، بل الأمر بالعكس، لأن الأكرمية باعتبار الاتصاف بالأوصاف المقربة، فمن اتصف بالأكثر و الأعلى فهو الأكرم عند اللَّه، ففي التعريفين تأمل و تزلزل، فحينئذ ينبغي تقديم من فيه الوصف المذكور، و إني أظن أنه مقدم في جميع المراتب، و عدم ذكره لظهوره، قلت: المراد ترك المباحات خوف الوقوع في المحرمات لا المستحبات، و إلا فهذه الأمور المذكورة عين التقوى و الورع إذا جامعها الإخلاص، فتأمل جيدا، و اللَّه أعلم بحقيقة الحال.

[في استحباب أن يسمع الإمام من خلفه الشهادتين]

و يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين بلا خلاف أجده فيه،

للصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد، و لا يسمعونه هم شيئا يعني الشهادتين، و يسمعهم أيضا السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين»

و خبر أبي بصير(2)عنه (عليه السلام) أيضا «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول، و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه شيئا مما يقول»

بل يستفاد من الثاني استحباب إسماع سائر ما يجوز الإجهار فيه من الأذكار في الركوع و السجود و غيرهما، كما أنه يستفاد منه كراهة إسماع المأموم شيئا من ذلك، نعم الظاهر الاقتصار في ذلك على غير المنكر من رفع الصوت كما يشير اليه

خبر عبد اللَّه بن سنان (3)المروي عن تفسير العياشي سأل الصادق (عليه السلام) «عن الامام هل عليه أن يسمع من خلفه و إن كثر، فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 368

ليقرأ قراءة وسطا، إن اللَّه تعالى (1)يقول وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها».

[في جواز الاستنابة إذا عرض للإمام ضرورة]

و إذا مات الإمام أو أغمي عليه في الأثناء استنيب من يتم الصلاة بهم بلا خلاف معتد به

أجده، بل بالإجماع في الموت صرح جماعة، بل في التذكرة ذلك أيضا فيه مع الإغماء، بل عن الذكرى و غيرها الإجماع في مطلق العذر الشامل للموت و غيره، و إن كنت لم أجد ذلك فيها، إلا أن ظاهر الأصحاب عدم التوقف فيه و في كل عذر مساو للموت من جنون و نحوه، و إن كان لا تصريح في النصوص إلا بالموت إلا أن الظاهر إلغاء الخصوصية و لو بمعونة الاتفاق المزبور، فما في الحدائق حينئذ- من التأمل أو المنع في الإغماء و نحوه من الأعذار المخرجة للإمام عن الاختيار عدا الموت ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (2): «في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات، قال: يقدمون رجلا آخر و يعتدون بالركعة»

إلى آخره، و

مكاتبة الحميري للقائم (عليه السلام) المروية عن الاحتجاج (3)«أنه روي عن العالم (عليه السلام) أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم و حدثت حادثة كيف يعمل من خلفه؟

فقال (عليه السلام): يؤخر و يتقدم بعضهم و يتم صلاتهم و يغتسل من مسه، التوقيع ليس على من نحاه إلا غسل اليد إذا لم يحدث ما يقطع الصلاة يتم صلاته مع القوم»

- في غير محله، إذ لا يخفى عليك انسياق عدم الفرق بين الموت و غيره من نفس الخبرين مع قطع النظر عن الاتفاق و الأخبار الأخر، و أن الموت أحد الأفراد نص عليه لمكان السؤال عنه، كما أن الظاهر أيضا عدم إرادة الشرطية من قوله في صحيح الحلبي:


1- 1 سورة الإسراء- الآية 110.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 4 من كتاب الطهارة.

ج 13، ص: 369

«يقدمون» بحيث لا يجزي لو تقدم بعضهم من غير تقديم منهم، بل هو أحد الأفراد أيضا كما يومي اليه مكاتبة الحميري، إذ الظاهر إرادته هذا الصحيح من قوله فيها:

«روي عن العالم» إلى آخره، و قد سمعت حكايته إياه بما لا يفهم منه ذلك حيث قال:

«يتقدم» بل لعله ظاهر في خلافه، و لا ينافيه ما في الذكرى من أن حق الاستخلاف في الفرض المزبور للمأمومين للصحيح المذكور، إذ من المعلوم عدم إرادته الحقية الحتمية بل الظاهر أيضا عدم اعتبار كون المقدم بعضهم، و إن كان ظاهر مكاتبة الحميري أنه هو الذي فهمه من إطلاق الصحيح، إلا أن الظاهر عدم إرادته ذلك على سبيل الشرطية كما نص عليه بعض الأصحاب، مضافا إلى ما تسمعه من ظهور بعض النصوص الواردة في الأعذار الطارئة للإمام التي لم تخرجه على الاختيار كالحدث و الرعاف و نحوهما في تقديم الأجنبي، و لا فرق بينهما على الظاهر، فما عساه يلوح من بعضهم- من التوقف في ذلك اقتصارا في العبادة التوقيفية على المتيقن- في غير محله.

و كذا إذا عرض للإمام ضرورة بأن سبقه الحدث أو الرعاف أو الأذى في بطنه أو ذكر أنه كان على غير طهارة أو تمت صلاته لسفر جاز أن يستنيب عنه من يتم الصلاة بالمأمومين بلا خلاف أجده في شي ء من هذه الأعذار، بل في الذكرى «يجوز الاستخلاف عند علمائنا أجمع للإمام إذا أحدث أو عرض له مانع» و في التذكرة «الإجماع على المرض و الحدث» بل في الرياض «أنه بالإجماع على ذلك صرح جماعة» و مع ذلك فالنصوص (1)بها مستفيضة حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة، منها أنه

سأل معاوية بن عمار(2)الصادق (عليه السلام) في الصحيح «عن الرجل يأتي المسجد و هم في الصلاة و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده و يكون أدنى


1- 1 الوسائل- الباب- 40 و 72- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 370

القوم اليه فيقدمه، فقال: يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد يومي إليهم بيده من اليمين و الشمال فكان الذي أومى إليهم بيده تسليما و انقضى صلاتهم، و أتم هو ما كان فاته أو بقي عليه»

و المرسل (1)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «ما كان من إمام تقدم في الصلاة و هو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف و ليأخذ بيد رجل فليصل مكانه، ثم ليتوضأ و ليتم ما سبقه به من الصلاة، فإن كان جنبا فليغتسل و ليصل الصلاة كلها»

إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يسع المقام حصرها، إذ هي تقرب من ثلاثة عشر، و ظاهرها إتمام النائب الصلاة من موضع القطع و لو في

أثناء قراءة السورة، فما عن بعضهم من وجوب الابتداء بالسورة لا دليل عليه و إن كان هو الأحوط، و أحوط منه الفعل بنية القربة المطلقة.

و إطلاق كثير منها كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في النائب بين المأموم و الأجنبي كما صرح به بعضهم، بل كاد يكون صريح

صحيح جميل (2)عنه (عليه السلام) «في رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف و قدم رجلا و لم يدر المقدم ما صلى الامام قبله، قال:

يذكره من خلفه»

و خبر زرارة(3)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن إمام أم قوما فذكر أنه لم يكن على وضوء فانصرف و أخذ بيد رجل و أدخله و قدمه و لم يعلم الذي قدمه ما صلى القوم، قال: يصلي بهم، فإن أخطأ سبح القوم به و بنى على صلاة الذي كان قبله»

ضرورة ظهور فرض عدم علمه بما صلاة الإمام فيه و غيره بما قلنا، لكن قد يشعر الثاني منهما بأن النائب يبني على صلاة من قبله، فيكتفي بالمقدار الذي بقي للمأمومين و لو ركعة أو ركعتين، و يكون حينئذ نائبا عن الإمام في ذلك و إن لم يكن


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 371

هو بالنسبة إليه صلاة، بل قد يومي

خبر طلحة بن زيد(1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم و يقوم هو فيتم بقية صلاته»

إلى جواز النيابة في السلام وحده أيضا بناء على إرادة الأعم من المأموم من الرجل المقدم فيه، و

خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد سأله «عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدم غيره فيسجد و يسجدون، و ينصرف و قد تمت صلاته»

إلى جوازه في السجدة أيضا بناء على إرادة ما يشمل الأجنبي من الغير فيه، إلا أن الحكم لما كان من المستغربات و لم ينص عليه أحد من الأصحاب كما اعترف به في الحدائق و إن كان ربما استظهره من المنتهى وجب حمل هذه الأخبار على إرادة المأموم، و مع فرض عدم قبول خبر زرارة و سابقه له باعتبار تضمنهما لعدم علم المقدم و لو كان مأموما لعلم- مع أنه يمكن دفعه بإمكان تصويره فيه أيضا- يجب أن يراد بالبناء فيه بالنسبة للمأمومين دونه، أو غير ذلك أو طرحه.

لكن على كل حال لا ينبغي التوقف في جواز استخلاف المأموم و غيره، و إن كان الأحوط الأول، كما أنه لا ينبغي التوقف في أنه للمأمومين تقديم من يشاؤون (3)إذا لم يقدم

الامام لهم من يأتمون به، بل لبعضهم أن يتقدم و إن لم يقدمه أحد، كما يدل عليه

صحيح علي بن جعفر(4)سأل أخاه موسى (عليه السلام) «عن إمام أحدث فانصرف و لم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام، فليتقدم بعضهم


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 72- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 في النسخة الأصلية« من يشاؤا» و لكن الصواب ما أثبتناه.
4- 4 الوسائل- الباب- 72- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 372

فليتم بهم ما بقي منها و قد تمت صلاتهم».

نعم الظاهر أنه أحق منهم بالتقديم، لكونه نائبا عنه، و لظاهر أكثر الأدلة إلا أن ذلك ليس على سبيل الحتم و الإلزام قطعا، بل لهم أن لا يأتموا بمن قدمه لهم، فيقدمون غيره، و يتمون صلاتهم، كما أن لهم إتمام صلاتهم فرادى من غير ائتمام حتى لو قلنا بعدم جواز نية الانفراد اختيارا، ضرورة قهريته في المقام، إذ احتمال فساد الصلاة مقطوع بعدمه، كاحتمال وجوب الائتمام، بل عن العلامة في التذكرة الإجماع على بطلان الأخير من الاحتمالين، و يؤيده أيضا- مضافا إلى الأصل و غيره- ظاهر

صحيح زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم، لأنه ليس على الامام ضمان»

فيجب حينئذ حمل صحيح علي بن جعفر السابق على تأكد الفضل و الاستحباب لا الحتم و

الإيجاب، أو على خصوص الجمعة كما أسلفناه، و إلا فاحتمال القول بأن العبادة توقيفية و الأصل عدم جواز العدول و عدم نقل النية فينبغي الاقتصار على المتيقن مما لا ينبغي الالتفات اليه، خصوصا في المقام، لما عرفت من الصحيح المزبور، فللمأمومين حينئذ إتمام الصلاة فرادى و جماعة بتقديمهم إماما، أو تقديم الامام لهم، أو من دون تقديم مقدم بل تقدم لنفسه، أو بعضهم فرادى و بعضهم جماعة، متفقين في الإمام أو مختلفين فيه، كما نص على ذلك كله أو أكثره في المنتهى و غيره، و يستفاد من نصوص المقام.

و كذا يستفاد منها أنه لو فعل ذلك الامام اختيارا بأن أحدث مثلا عمدا جاز الاستخلاف أيضا كما نص عليه في التذكرة و غيرها، لإطلاق بعض النصوص، و القطع بمساواته للمضطر، خلافا لأبي حنيفة فمنعه بناء منه على أصل فاسد.


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 13، ص: 373

بل قد يستفاد أيضا مما ورد منها في استخلاف الامام المسافر عند انتهاء صلاته من يتم الصلاة بالمأمومين جواز الاستخلاف في صورة سبق الإمام المأمومين، ضرورة عدم الفرق بينهما كما نص عليه في المنتهى، و إن استشكله في الحدائق تبعا للتحرير من جهة عدم النص عليه بالخصوص مع توقيفية العبادة، لكنه في غير محله، إذ الفقيه بعد ممارسته لكلامهم (عليهم السلام) و أنسه به صار كالحاضر المشافه في كثير من الأمور فإذا فهم و انساق إلى ذهنه من بعض الأدلة التعدي من مواردها إلى غيرها كان حجة شرعية يجب عليه العمل بها، و لعل كثيرا من إنكار بعض القاصرين عن هذه المرتبة على الأصحاب حتى يرمونهم بالعمل بالقياس و نحوه يدفعه نحو ذلك، كما لا يخفى.

بل قد يستفاد من نصوص المقام أيضا جواز نقل المأموم نيته من إمام إلى إمام آخر اختيارا، و جواز نقل المأموم نيته إلى الإمامة ببعض المأمومين أو غيرهم كما نص في التذكرة على الأول، فقال: «يجوز نقل المأموم نيته من إمامه إلى إمام آخر في تلك الصلاة» لكن منعه في الحدائق تبعا له في المنتهى و محتمل الذكرى للأصل و توقيفية العبادة

و النبوي (1)«إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه»

و لعدم الفائدة في النقل لحصول فضيلة الجماعة، إلا أن الجميع كما ترى لا تعارض فهم الفقيه التعدية من الأدلة المزبورة، و من هنا قال في الذكرى: «إنه يمكن أن يفرق بين العدول إلى الأفضل و غيره» بل قد يقال بجواز دور النقل و تراميه و إن قال في الذكرى: «فيه ما فيه» و لعل الانصاف فضلا عن الاحتياط يقتضي التوقف في بعض الصور المزبورة مخافة رجوع مداركها إلى تخريج في الأدلة غير جائز».

و نحوه في ذلك جواز استخلاف الإمام إماما غيره ببعض جماعته أو جميعها مع بقائه مصليا مؤتما بالخليفة أو منفردا، مأموما كان الخليفة أو منفردا، و إن أمكن تجشم


1- 1 المستدرك- الباب- 39- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 374

الدليل لذلك كله، خصوصا بناء على جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام و بالعكس، و جواز نقل النية من إمام إلى إمام آخر، لكن الاحتياط في ذلك كله ساحل بحر الهلكة، و إن كان الظاهر أنه لا إشكال في التعدي عن خصوص الأعذار المنصوصة الطارئة للإمام من الحدث و الرعاف أو تذكر الحدث أو الأذى في البطن و السفر و إن اقتصر عليها في الحدائق، بل الظاهر إرادة كل ما يمنعه عن إتمام الصلاة و لو لطعنة أو غيرها، بل يمكن التعدي إلى ما يمنعه من إتمام الصلاة مختارا، فيستخلف حينئذ لو صار فرضه الجلوس مثلا.

[في كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر و بالعكس]

و يجوز و إن كان يكره أن يأتم حاضر بمسافر و بالعكس على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الرياض «أن عليه من عدا الصدوقين كافة» بل عن الخلاف و ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه، خلافا للمحكي عن والد الصدوق فلا يجوز فيهما، و عنه في المقنع في ثانيهما، و هما ضعيفان، لإطلاق الأدلة، و خصوص ظاهر المعتبرة المستفيضة في الثاني إن لم تكن متواترة، ك

صحيح ابن مسلم (1)عن الباقر (عليه السلام) «إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته

ركعتين و يسلم، و إن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر و الأخيرتين العصر»

و حماد بن عثمان (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المسافر يصلي خلف المقيم، قال: يصلي ركعتين و يمضي حيث شاء»

و خبر الأحول (3)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فان كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين و إن كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة، و الأخيرتين فريضة»

و عمر بن يزيد(4)سأل الصادق (عليه السلام) أيضا «عن المسافر يصلي مع الامام فيدرك من الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7.

ج 13، ص: 375

ركعتين أ يجزي ذلك عنه؟ فقال: نعم»

و غيرها من الأخبار الكثيرة الصريحة في الصحة المستلزمة للجواز و عدم الإثم، ضرورة عدم انفكاكهما في مثل المقام عندنا، و هي الحجة على الصدوق بل و على والده أيضا بضميمة عدم القول بالفصل.

مضافا إلى

الموثق (1)عن الصادق (عليه السلام) «لا يؤم الحضري المسافر و لا المسافر الحضري، فإن

ابتلي بشي ء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم، و إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته بركعتين و يسلم، و إن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر و الأخيرتين العصر»

إذ الظاهر إرادة الكراهة من النهي أولا فيه بقرينة

قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «فان ابتلي»

إلى آخره، مما هو معلوم عدم مجامعته للحرمة، فيكون حينئذ ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير المرادي (2)عن الصادق (عليه السلام) «لا يصلي المسافر مع المقيم فان صلى فلينصرف في الركعتين»

الذي يراد منه أن الأرجح له أن لا يفعل، فان فعل كانت هذه كيفية صلاته، بل ينبغي الجزم بالنسبة للنهي الأول بقرينة الأخبار الأول، بل يمكن تحصيل القطع بالجواز فيهما بملاحظة السيرة و الطريقة، و عدم معروفية المنع مع كثرة وقوع ذلك في زمن النبي و أمير المؤمنين (عليهما الصلاة و السلام) و غيرهما إذ لا زال المترددون من الأطراف عندهم و يحضرون الصلاة معهم، كما أنهم (عليهم السلام) لا زالوا هم في سفر يأمون فيه من فرضه الإتمام، و مع ذلك لم ينقل خبر من الأخبار إنهم (ع) منعوهم من الائتمام في أحد الحالين، إذ لو وقع لشاع و ذاع حتى خرق الأسماع، لتوفر الدواعي اليه.

و دعوى عدم صراحة الموثق المزبور بالكراهة، لاحتمال اختصاص الصحة بصورة


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 376

الضرورة و التقية كما هو مورد الخبر(1)نحو المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(2)بل فيه زيادة على «و إن ابتلي» «و لم يجد بدا من أن يصلي معهم»

و هو نص في اختصاص الحكم بالجواز و الصحة بحال الضرورة، و هو لا يستلزم ثبوته كلية كما هو ظاهر الجماعة، بل الثابت خصوص الحال المزبور، لاعتبار سند الخبرين أي الموثق و الرضوي، و صلاحيتهما بذلك لتقييد إطلاق الصحاح بحالة الضرورة، إذ غايتها إفادة الصحة في الجملة، و لا إشكال فيها كذلك، و إنما هو في كليتها و عمومها لحال الاختيار، و ليس فيها تصريح بل و لا إشارة، بل غايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة، جمعا بين الأدلة، مع أنه مساق لبيان حكم آخر غير الجواز، و هو كيفية اقتداء المسافر بالحاضر و بالعكس لو اتفق ردا على جماعة من العامة القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام، و هم الشافعي و أبو ثور و أبو حنيفة و أصحابهم، و لا عبرة به حينئذ فيما نحن فيه ضرورة حجيته فيما يساق له.

يدفعها- بعد الإجماع حتى من الصدوقين إذ المحكي عنهما إطلاق المنع- وضوح قصور

الخبرين عن التقييد سندا و دلالة و اعتضادا، بل الثاني منهما غير حجة عندنا، و في سند الأول منهما داود بن الحصين، و عن ابن عقدة و الشيخ أنه واقفي، و لا بيان فيه للابتلاء المجوز لذلك، بل لعل كثيرا من أفراده لا يتصور فيه الاضطرار، إذ التقية لا يمكن حمل الأخبار هنا حتى الموثق عليها، باعتبار نصوصيتها في خلاف الكيفية التي عندهم في ائتمام المسافر بالحاضر بعد الإغضاء عن دعوى الظهور أو القطع بانسياق إرادة بيان شدة الكراهة من نحو العبارة في مثل المقام، و كأن المقام من الواضحات


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 16- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 13، ص: 377

التي لا تستأهل تطويل البحث.

كما أن إثبات الكراهة في الأمرين معا كذلك و إن كان ربما يظهر من اقتصار المتن- كالمحكي عن غيره- على كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر انتفاؤها في العكس كما حكي عن ظاهر المراسم، بل قيل: «إنه كاد يكون صريح التحرير، و مال اليه أو قال به في المختلف» انتهى، إذ إجماع الخلاف و الغنية و الموثق المزبور المعتضد بالرضوي كاف في إثبات الكراهة التي يتسامح فيها.

نعم هل يختص الكراهة في اختلاف الفرضين قصرا و تماما، لأنه المنساق من الأدلة بملاحظة خصوص ما تعرض له فيها مما هو مختلف بحيث يعلم أو يظن إرادة ذلك من الإطلاقات، كما يومي اليه خبر أبي بصير و الموثق المزبور حيث نهي فيهما أولا على الإطلاق، ثم ذكر فيهما أنه لو خالف النهي فليفعل كذا مما هو مختص بمختلف الكيفية أو أنه يعم مطلق ائتمام المسافر بالحاضر و بالعكس للإطلاق؟ وجهان بل قولان، مال إلى ثانيهما في الرياض حاكيا له عن الروضة، و اختاره الفاضلان على ما حكي عن أولهما، و لعله ظاهر البيان، و المحكي عن السرائر و غيرها أيضا مما قيد فيه بالرباعية(1)و هو الأقوى في النظر و إن كانت الكراهة مما يتسامح فيها، إلا أنه لا شي ء يعتمد عليه حتى مع ملاحظة التسامح عدا الإطلاق المنساق لما عرفت بقرينة ما سمعت، فلا كراهة في الائتمام بالصبح و المغرب، بل و بالظهرين إذا فرض الاتفاق كما لو ائتم حاضر بمسافر في صورة قضائهما قصرا أو العكس في صورة قضائهما أداء، أما لو ائتم الحاضران أو المسافران أحدهما بالآخر لكن مع اختلاف كمية فرضيهما في القصر و التمام بالنظر للأداء و القضاء أو للقضاء أمكن القول بالكراهة، و لا يقاس عليه مطلق نقصان فرض المأموم أو الإمام عن الآخر من حيث القصر و التمام، للأصل السالم عن معارضة قياس معتبر


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« بالرباعية هو أولهما».

ج 13، ص: 378

من تنقيح أو غيره، و إن كان الحكم مما يتسامح فيه.

ثم إن المستفاد من نصوص المقام في كيفية ائتمام المسافر بالحاضر هو مفارقة الإمام عند انتهاء صلاته، لكن في التذكرة و المنتهى و القواعد و الذكرى و الدروس و البيان و الموجز و الروض ما يستفاد منه جواز انتظاره الامام حتى يسلم فيسلم معه، بل لا أجد فيه

خلافا بينهم، بل في أكثر هذه الكتب أنه أفضل، بل صريح الذكرى و الروض و غيرهما عدم الفرق في ذلك بين ائتمام المسافر بالحاضر و بين من كانت صلاته ناقصة من الحاضرين أو المسافرين المؤتمين بمثلهم، كمن اقتدى في الصبح أو المغرب بمن يصلي الظهر أو العصر، و لعلهم أخذوا ذلك من كراهة مفارقة المأموم الإمام مع عدم وجوب التسليم فورا على المصلي منفردا فضلا عن المؤتم الذي يغتفر له السكوت الطويل لإدراك متابعة الامام، على أنه يمكن التخلص عنه هنا بأن يشتغل بذكر و تسبيح و نحوهما أو مما تسمعه إن شاء اللَّه في صلاة الخوف، كما يومي اليه ما في المنتهى حيث قال في استنابة المسبوق: «و لو انتظروا حتى يفرغ و يسلم بهم لم أستبعد جوازه، و قد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف» لكن في الحدائق مناقشة بأن ثبوت ذلك في صلاة الخوف لا يستلزم ثبوته هنا، و تبعه في الرياض، و هي لا تخلو من وجه، مع أن الثابت في صلاة الخوف انتظار الامام لا المأمومين، كالمناقشة فيما ذكره في الروض، بل لعله يستفاد من القواعد أيضا من جواز انتظار الإمام الجماعة بالسلام بهم فيما لو فرض نقصان صلاته عن صلاتهم بل نص في الأول على أفضلية ذلك له و إن كان مدركه أيضا ما تسمعه في صلاة الخوف لكن في ثبوت الحكم فضلا عن الأفضلية فيه و في سابقه نوع تأمل، لتوقيفية هيئة العبادة و توقف البراءة فيها على اليقين، بل ظاهر المصنف في صلاة الخوف أن انتظار الإمام للمأمومين من خواصها، فالحكم بذلك حينئذ لا يخلو من نظر، و إن اقتصر بعض متأخري المتأخرين على المناقشة في الأفضلية دون أصل الحكم، على أن ظاهرهم الانتظار

ج 13، ص: 379

في خصوص السلام.

مع أن قضية بعض ما سمعته مستندا لهم جوازه في التشهد أيضا حيث لا يكون فعله مع الامام، كما إذا فرض انتهاء صلاة المأموم مثلا في ثالثة الإمام، لكن كاد يكون صريح الذكرى و الروض الاختصاص بالتسليم، و المحصل من الأدلة في الثاني أنه يومي إليهم بالسلام، فيقومون إلى إتمام صلاتهم، أو أنه يستنيب بهم من يتمون صلاتهم معه.

نعم في وجوب جلوس الامام بعد السلام إلى أن يفرغ المأمومون و عدمه قولان المشهور كما في الحدائق الثاني، للأصل، خلافا للمحكي عن المرتضى و ابن الجنيد فالأول و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق أو الصحيح (1): «أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم و لا يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم، ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا، فان علم أن ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء»

و خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن حد قعود الامام بعد التسليم ما هو؟ قال: يسلم و لا ينصرف حتى يعلم أن كل من دخل معه في صلاته قد أتم صلاته ثم ينصرف»

لكن الأولى حملهما على استحباب الجلوس و كراهة الانصراف، ل

موثق عمار(3)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يصلي بقوم فيدخل قوم في صلاته بقدر ما صلى ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته و سلم أ يجوز له و هو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال: نعم»

و ظاهر

موثق سماعة(4)قال:

«ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلم أحدا حتى يرى أن من خلفه قد أتموا الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التعقيب- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التعقيب- الحديث 8 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التعقيب- الحديث 7 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التعقيب- الحديث 6 من كتاب الصلاة.

ج 13، ص: 380

ثم ينصرف هو»

كصحيح الحلبي أو حسنه (1)عن الصادق (عليه السلام) «لا ينبغي للإمام أن يتنفل (ينفتل ينتقل خ ل) إذا سلم حتى يتم من خلفه الصلاة»

و حفص بن البختري (2)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «ينبغي للإمام أن يجلس حتى يتم كل من خلفه صلاته».

نعم قد يشم من هذه الأخبار استحباب بقاء الامام على هيئة المصلي و كراهة فعل سائر ما

ينافي الصلاة من انصراف أو غيره حتى التنفل بناء على إحدى نسختي صحيح الحلبي إلى أن يتم المأمومون صلاتهم.

ثم إن ظاهر المتن و غيره كراهية الائتمام كما هو ظاهر بعض نصوص (3)المقام و ظاهر آخر(4)منها كراهية الإمامة بمعنى كراهية تعرضه للإمامة و رضاه بها و طلبه إياها و نيته لها، و لا بأس بكراهتهما معا عملا بالظاهرين.

[في كراهة إستنابة المسبوق بركعة فصاعدا]

و كذا يكره أن يستناب المسبوق بركعة فصاعدا، للنهي في

صحيح سليمان بن خالد(5)المحمول عليها، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يؤم القوم فيحدث و يقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة، و لكن يأخذ بيد غيره فيقدمه»

إذ هو و إن كان حقيقة في الحرمة المقتضية للفساد إلا أنه لما كانت الصحة مقتضى المعتبرة المستفيضة(6)التي تسمعها إن شاء اللَّه في المسألة الثانية عشر وجب حمله عليها جمعا، إلا أن يدعى عدم منافاة حرمة التقديم لصحة الصلاة هنا بعد وقوعه كما هو الظاهر، إذ التقديم أمر خارج عن صلاة المتقدم.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التعقيب- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التعقيب- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 13، ص: 381

نعم قد يقال: إنه يفهم من حرمة التقديم حرمة التقدم المستلزمة لفساد الائتمام فتعارضه حينئذ الأخبار(1)الظاهرة في الصحة، فيحمل على الكراهة، مضافا إلى إشعار لفظ «لا ينبغي» في خبري معاوية بن شريح (2)و معاوية بن ميسرة(3)عن الصادق (عليه السلام) بذلك أيضا،

قال في أولهما: «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: إذا أحدث الامام و هو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم إلا من شهد الإقامة»

و قال في ثانيهما: «لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة»

بل هما ظاهران في كراهة استنابة المسبوق و لو بالإقامة فضلا عن الركعة و الركعتين، إلا أني لم أعثر على قائل به إلا الحر في ظاهر الوسائل، و لا بأس به، نعم قضية الأخبار الثلاثة كراهة التقديم من الامام دون التقدم بعد أن قدم و الائتمام من المأمومين به، بل و دون تقديم المأمومين إياه، لكن يمكن دعوى عدم الفرق بين تقديم الامام و تقديم المأمومين كما صرح به في المدارك، بل هو ظاهر المتن و غيره أيضا و إن كان مورد الأخبار الأول.

[في كراهة إمامة الأجذم و الأبرص]
اشارة

و كذا يكره أن يؤم الأجذم و الأبرص على المشهور بين المتأخرين بل عليه عامتهم عدا النادر كما اعترف به في الرياض، بل في ظاهر

الانتصار أو صريحه الإجماع عليه، و هو- بعد اعتضاده بالشهرة المتأخرة، و فتوى بعض المتقدمين، و

خبري عبد اللَّه بن يزيد(4)و الحسين بن أبي العلاء(5)المجبورين بهما «سألت أبا عبد اللَّه عن المجذوم و الأبرص يؤمان المسلمين، قال: نعم، قلت: هل يبتلي اللَّه بهما المؤمن؟

قال: نعم، و هل كتب اللَّه البلاء إلا على المؤمن»

- مرجح للعمل بما دل على جواز الصلاة خلف العدل و نحوه على ما دل على النهي عن إمامة الأجذم و الأبرص، ك

قول


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 382

أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1)«خمسة لا يؤمون الناس و لا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص و المجذوم و ولد الزنا و الأعرابي حتى يهاجر و المحدود»

و الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(2)«خمسة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا و الأعرابي»

و أمير المؤمنين (عليه السلام) في حسن زرارة أو صحيحه (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا

يصلين أحدكم خلف المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا، و الأعرابي لا يؤم المهاجرين».

فينزل حينئذ على الكراهة، خصوصا بعد جمعه معهما في نهي واحد ما ستعرف أن الأصح فيه الكراهة أيضا، و لا ينافيه جمع ما علم عدم صحة الائتمام به من المجنون و ولد الزنا، لوجوب إرادة القدر المشترك منه حينئذ، على أنه قد يراد من المجنون و ولد الزنا ما كان جنونه أدواريا، ضرورة استبعاد إرادة بيان الائتمام حال الجنون، و ما قيل فيه: إنه ولد زنا أو كانت ولادته منه في زمن الجاهلية على وجه، فيتمحض لإرادة الكراهة حينئذ منه، كما أنه قد يقال إن التعارض بين هذه الأخبار و بين ما دل على جواز إمامة العدل تعارض العموم من وجه، و لا ريب في رجحانها عليها من وجوه لكن قضية ذلك تنزيل الأجذم و الأبرص على الفاسقين، فتخلو الكراهة المحكوم بها عند الأصحاب حينئذ عن الدليل، مضافا إلى تبادر إرادة كون نفس الجذام و البرص مانعا عن مرتبة الإمامة لا من حيث الفسق، و إلا لم يكن لذكرهما مع تلك بالخصوص وجه، و إن كان يمكن الجواب عنهما بتجشم و تعسف، فالأولى في تقريب الاستدلال على الكراهة ما عرفت مع إمكان قيام قرائن أخر مؤيدة له أيضا.

خلافا لظاهر الفقيه و الخلاف و المبسوط و النهاية و إشارة السبق و الغنية و المحكي عن بعض رسائل علم الهدى و نهاية الفاضل فالمنع، و تردد فيه أو مال إليه في الرياض


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 383

تبعا للمدارك، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه، بل ربما قيل: إنه محتمل الانتصار أيضا و إن عبر بالكراهة فيه، لظاهر النهي في تلك الأخبار المعتضدة بالإجماعين، مع أن فيها الصحيح و غيره السالمة عن معارضة ما يقاومها، ضرورة ضعف الخبرين (1)و منع جبر مثل هذه الشهرة لهما، و عموم غيرهما، و احتمال إرادة الحرمة من معقد إجماع الانتصار، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد ما سمعت.

و كيف كان فظاهر الأدلة المزبورة و المتن و غيره و صريح البعض عدم الفرق بين إمامتهما بالصحيح و المماثل، فما عساه يظهر من الشيخ في المبسوط و الجمل و النهاية و ابن زهرة في الغنية و الحلبي في إشارة السبق و ابن إدريس في السرائر و يحيى بن سعيد في الجامع و غيرهم من التفصيل بذلك لم نعثر له على دليل، و لعله انسياق ذلك من الأدلة، و هو لا يخلو من قوة لو كان الحكم المنع دون الكراهة للتسامح فيها و لو بعضهم ببعض.

كما أنا لم نعثر للقول بالتفصيل بين إمام الجمعة و العيدين و غيرهما فالمنع في الأول و الكراهة في الأخير على دليل بالخصوص، بل ظاهر الأدلة و أكثر الفتاوى خلافه، فما في السرائر من التفصيل بذلك محل منع.

و تشتد كراهة إمامتهما لو كان أثر البرص و الجذام في وجهيهما، للنهي (2)عن إمامة من في

وجهه أثر ذلك المستفاد منه الكراهة في غيرهما أيضا مع فرض أثره في الوجه.

[في كراهة إمامة المحدود بعد توبته]

و كذا يكره أن يؤم المحدود بعد توبته لا قبلها لفسقه، إذ الحد لا يجعله عادلا و إن ورد(3)أنه مكفر للذنوب، أما بعدها فيجوز على كراهة وفاقا للمشهور بين المتأخرين، لإطلاق الأدلة و عموماتها المقتضية باعتبار قوتها من وجوه- منها


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 سنن البيهقي ج 8 ص 328.

ج 13، ص: 384

اعتضادها بفحوى ما دل على جواز إمامة الكافر بعد إسلامه و استجماعه شرائط الإمامة- تنزيل النهي عن إمامته في الصحيح (1)و غيره على الكراهة، خلافا لظاهر جماعة من القدماء و بعض متأخري المتأخرين فالمنع مطلقا للنهي المزبور، أو إلا بمثله كما في الغنية و غيرها مدعيا عليه الإجماع فيها، لكنه موهون بمصير أكثر المتأخرين بل عامتهم إلا النادر و مصير بعض المتقدمين بل أكثرهم، بناء على تنزيل النهي في عباراتهم على الكراهة كالنص إلى خلافه، و النهي في الصحيح السابق و غيره و إن كان حقيقته الحرمة إلا أنه من المعلوم هنا قصوره عن تخصيص تلك الأدلة الكثيرة المعتضدة بالشهرة السابقة و الأولوية المزبورة و غيرهما، على أنه يمكن دعوى أن

التعارض فيها تعارض العموم من وجه، و لا ريب أن الرجحان في جهتها، لكن بناء على هذا يكون مستند الكراهة احتمال إرادة العدل حينئذ من ذلك النهي، و مثله كاف في إثباتها دون الحرمة، كما أنه يكون الوجه حينئذ في ذكر المحدود بالخصوص مع اندراجه في الفاسق حينئذ هو قصد رد احتمال كفاية الحد باعتبار تكفيره الذنب عن التوبة و العدالة.

ثم إن ظاهر المتن و غيره كالنص اختصاص الكراهة بالإمامة دون الائتمام به كما عن مجمع البرهان الاعتراف به، و إن كان لم يستبعد مع ذلك كون المأمومية كذلك و هو في محله، بل يمكن دعوى انسياق ذلك إلى الذهن من النص و الفتوى أيضا، فتأمل.

[في جواز إمامة الأغلف إذا كان معذورا في ترك الختان]

و كذا يكره أن يؤم الناس الأغلف المعذور في تركه الختان لا غيره ممن هو مقصر في تركه، ضرورة عدم جواز الائتمام به حينئذ لفسقه، بل في المسالك و الروض الجزم ببطلان صلاته، و إن كان لا دليل عليه سوى ما قيل من قاعدة الضد المحقق في الأصول عدم اقتضائها الفساد، نعم قد يقال بالبطلان لو كانت الغلفة تواري


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.

ج 13، ص: 385

النجاسة، لحمله حينئذ النجاسة المقدور على إزالتها بالختان، كما نص عليه أول الشهيدين في حاشيته على القواعد، و نص أيضا على أنه إن كان غير قادر على إزالتها صحت صلاته للضرورة دون صلاة من ورائه، مع أنه قد يناقش فيما ذكره أخيرا بمنع فساد صلاة المأمومين بعد فرض معذوريته في النجاسة، بل و ما ذكره أولا أيضا بأنه من البواطن المعفو عن نجاستها، إذ الظاهر إرادته الغلفة المتنجسة من النجاسة في كلامه، و احتمال إرادته كون الغلفة نفسها نجسة عينا باعتبار وجوب قطعها شرعا فهي كالمقطوعة حينئذ مقطوع بعدمه كما لا يخفى على من لا حظ كلامه تماما، على أنه واضح الفساد.

أما المعذور في ترك الختان فالمشهور بين المتأخرين- بل في الرياض أن عليهم عامتهم، بل لعله ظاهر كثير من المتقدمين أيضا حتى من تركه منهم- جواز إمامته، لإطلاق الأدلة و عموماتها السالمة عن المعارض، خلافا للمبسوط و المحكي عن المرتضى فالمنع، بل في التذكرة قال أصحابنا: «الأغلف لا يصح أن يكون إماما» لكن يقوى في الظن إرادتهما كغيرهما ممن حكاه عنهم في التذكرة التفصيل المزبور كما اعترف به الفاضل المذكور، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلافيات، و إلا كانت الحجة ما عرفت، و لا يعارضها

خبر عمرو بن خالد(1)عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «الأغلف لا يؤم القوم و إن كان أقرأهم، لأنه ضيع من السنة أعظمها، و لا تقبل له شهادة، و لا يصلى عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا على نفسه»

و خبر عبد اللَّه بن طلحة الهندي (2)عن الصادق (عليه السلام) «لا يؤم الناس المحدود و ولد الزنا و الأغلف و الأعرابي و المجنون و الأبرص و العبد»

و خبر الأصبغ بن نباتة(3)عن أمير المؤمنين


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 13- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6 و فيه« ستة لا ينبغي.» و هو الصحيح كما تقدم في ص 324.

ج 13، ص: 386

(عليه السلام) «سبعة لا ينبغي أن يؤموا الناس- إلى أن قال-: و الأغلف»

ضرورة قصور الجميع سندا و دلالة عن إفادة الحرمة، خصوصا الأول و الأخير، بل قد يشعر التعليل في أولها بالتفصيل المزبور، إذ المعذور ليس بمضيع، بل قد يقال برجوع الاستثناء فيه هنا إلى الجميع و لو للقرينة، فيكون حينئذ كالصريح فيما قلنا، و لعله لذا جزم في التذكرة بدلالة الرواية على التفصيل، و الظاهر عموم الكراهة للمماثل و غيره لإطلاق الأدلة.

[في كراهة إمامة من يكرهه المأموم]

و كذا يكره إمامة من يكرهه المأموم كما صرح به بعضهم، بل في الرياض أنه المشهور،

للمرسل (1)عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «ثمانية لا يتقبل اللَّه لهم صلاة- إلى أن قال-: و إمام قوم يصلي بهم و هم له كارهون»

و خبر عبد الملك (2)المروي عن الخصال عن الصادق (عليه السلام) «أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام الجائر و الرجل يؤم القوم و هم له كارهون»

و خبر عبد اللَّه بن أبي يعفور(3)المروي عن الأمالي عن الصادق (عليه السلام) «ثلاثة لا يتقبل اللَّه لهم صلاة- إلى أن قال-: و رجل أم قوما و هم له كارهون»

لكنه في المنتهى نفى الكراهة مطلقا لاختصاص الإثم بمن يكرهه، و هو لا يخلو من وجه بعد تنزيل الأخبار على إرادة إمامة المخالفين، و إن كان الأوجه خلافه، للتسامح في الكراهة.

نعم ما ذكره في التذكرة- من التفصيل بين الكراهة للدين و التقوى و غيرها فلا يكره الأول دون الثاني- حسن، للأصل و إمكان دعوى اختصاص النصوص بحكم التبادر أو غيره بالثاني، أي كراهتهم له لكونه إماما بأن يريدوا الائتمام بغيره لا لدينه و الظاهر اختصاص الكراهة هنا بالإمامة، و لو كره بعض دون بعض أمكن تعميم الكراهة، لمراعاة الشارع حق الجميع و عدم إرادته تعدد الجماعات، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 387

[في كراهة أن يؤم الأعرابي بالمهاجرين]

و كذا يكره أن يؤم الأعرابي الجامع لشرائط الإمامة بالمهاجرين على المشهور بين المتأخرين، بل في الرياض إجماعهم عليه، بل قيل قد يظهر من المنتهى الإجماع عليه، للنهي عن ولايتهم قبل أن يهاجروا في الكتاب العزيز و عن الائتمام في الأخبار السابقة التي فيها الصحيح و غيره، و إن كان مورده فيها مختلفا، ففي بعضها(1)إطلاق الأعرابي،

و في آخر(2)تقييده بقوله (عليه السلام): «حتى يهاجر»

و في ثالث (3)بالمهاجرين،

لكن على كل حال هو محمول على الكراهة، لقصور ما تضمنه من تلك الأخبار عن إطلاقات الجماعة و عموماتها، ك

قوله (عليه السلام)(4): «صل خلف من تثق بدينه»

و نحوه سندا في البعض، و دلالة في الجميع، لاحتمال إرادة خصوص غير الجامع لشرائط العدالة(5)منه، إما لوجوب الهجرة عليه، أو لتعربه بعدها، أو لغير ذلك كما هو الغالب في ذلك الزمان و غيره المنساق إلى الذهن من الإطلاق هنا، خصوصا بعد ذم اللَّه تعالى لهم في كتابه المجيد(6).

لكن قد يقال: إن النهي في بعضها عن الإمامة بالمهاجرين مما يشعر بجوازها بمثله، و هو مناف للاحتمال المزبور، ضرورة عدم جواز إمامته مطلقا بناء عليه، فيتعين إرادة الجامع لشرائط الإمامة منه، إلا أنه ساكن البادية بخلاف المهاجر، و يكون المنع عن إمامته بالمهاجرين تعبديا كما هو ظاهر جماعة من القدماء، بل في الرياض نسبته إلى أكثرهم تارة، بل قال: إني لا أجد فيه خلافا بينهم صريحا إلا من الحلي و من تأخر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و فيه « لا تصل إلا خلف من تثق بدينه».
5- 5 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« الإمامة» و يجي ء أيضا بعد أسطر في عبارته قدس سره.
6- 6 سورة التوبة- الآية 98.

ج 13، ص: 388

عنه، بل في الخلاف الإجماع عليه، مع أنه قد يؤيده أيضا تخصيصه بالنهي عنه في مقابلة الفاسق، إذ هو كالصريح في أن المنع من غير جهته، و إلا فالفسق فيه على تقديره أحد أقسامه، فلا فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر و إفراده به، بل ما

روي عن قرب الاسناد مسندا إلى أبي البختري (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «أن عليا (عليه السلام) كره أن يؤم الأعرابي لجفائه عن الوضوء و الصلاة»

كالصريح في رد احتمال إرادة المتعرب منه بعد الهجرة، بل ورد إرادة الفاسق منه أيضا، إذ الظاهر إرادة ساكن البادية منه، إلا أن عدم الائتمام به للعلة المزبورة التي لا تقتضي فسقه، و لفظ الكراهة فيه غير صريح في إرادة المعنى المصطلح، بل هي في القديم

للأعم منه و من التحريمي، فلا ينافي حينئذ ظاهر النهي في تلك الأخبار.

و من ذلك كله مع الشهرة القديمة و الإجماع المحكي مال اليه أو قال به في الرياض و فيه مع أنه لا إشعار معتد به في تخصيص النهي عن إمامته بالمهاجرين بجوازها بالمماثل كما أنه لا إشعار في تعليل المرسل (2)بعدم إمكان إرادة المتعرب بعد الهجرة من إطلاق الأعرابي و لو في غير هذا الإطلاق، بل و لا فيه أيضا، لاحتمال كون التعليل لبعض أفراد الأعرابي، على أنه يعارض بما يشعر به ما رواه

الصدوق (رحمه اللَّه) في الخصال مسندا عن الأصبغ بن نباتة(3)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من إرادة المتعرب بعد الهجرة من الأعرابي، حيث قال فيه: «ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس:

ولد الزنا و الأعرابي و المرتد بعد الهجرة و شارب الخمر و المحدود و الأغلف»

كما أنه يعارض الشهرة القديمة بعد تسليمها بالشهرة المتأخرة، خصوصا في المقام، لتحققها بخلاف الأولى المستفادة من ظاهر النهي في عباراتهم المحتمل للكراهة كالأخبار، خصوصا في نحو عبارات القدماء، و به يوهن الإجماع المحكي في الخلاف، إذ معقده النهي أيضا عن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.

ج 13، ص: 389

الائتمام بسبعة المحتمل لإرادة الأعم من الكراهة و الحرمة، مضافا إلى إعراض

المتأخرين عنه، بل قد سمعت أنه قيل: قد يظهر من المنتهى الإجماع عليه، كل ذا مع أن التعارض بين النهي عن الائتمام بالأعرابي و بين ما دل على الصلاة خلف من تثق بدينه تعارض العموم من وجه، لا العموم و الخصوص المطلق كما عساه تخيل أو يتخيل في بادئ النظر و لا ريب في رجحانها عليها من وجوه لا تخفى، خصوصا مع ملاحظة شيوع النهي في الكراهة، و ملاحظة المرسل السابق المصرح فيه بلفظ الكراهة في الحكاية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا في عبارته، و غير ذلك.

بل قد يقال: إن النهي في بعضها قد وقع على ما أثبتنا كراهته من المحدود و نحوه، و هو مشعر بإرادة الأعم من الحرمة منه، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى ما عليه المتأخرون من الكراهة، و لا ينافيها إبراز الاحتمال المزبور في الأعرابي المقتضي لإرادة الفاسق منه، فيبقى حينئذ كراهة الائتمام بالعدل الأعرابي خاليا عن الدليل، لأن الكراهة مما يتسامح فيها، فيكفي فيها- بناء على الاحتياط العقلي، مضافا إلى إطباق المتأخرين، و مرسل أمير المؤمنين (عليه السلام) المشتمل على التعليل السابق- احتمال إرادة الأعرابي العدل من الأخبار المزبورة، نعم هو لا يكفي في إثبات الحرمة، ضرورة الفرق بينهما، لكن ظاهر الفتاوى و بعض النصوص اختصاص ذلك في الإمامة بالمهاجر، أما بمماثله فلا، و لعله كذلك و إن كانت الكراهة مما يتسامح فيها، فتأمل جيدا.

[في كراهة إمامة المتيمم بالمتطهرين]

و كذا يكره إمامة المتيمم عن الحدث الأصغر بالمتطهرين عنه على المشهور بين الأصحاب، بل في المنتهى لا نعرف فيه خلافا إلا من محمد بن حسن الشيباني فمنعه، لنهي

الصادق (عليه السلام) عنه في خبر صهيب (1)المحمول على الكراهة


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6 لكنه خبر ابن صهيب.

ج 13، ص: 390

لضعفه سندا عن إثبات الحرمة، و معارضته بما هو أقوى منه، قال فيه: «لا يصلي المتيمم بقوم متوضين»

و نحوه خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «لا يؤم صاحب التيمم المتوضين»

فما عساه يظهر من النهي عنه في بعض عبارات القدماء- من المنع عنه بل في البيان نسبته إلى كثير و إن كان السبر يشهد بخلافه- ضعيف جدا، بل في المدارك لولا ما يتخيل من انعقاد الإجماع على هذا الحكم أي الكراهة لأمكن القول بجواز الإمامة من غير كراهة، للأصل و

صحيح جميل (2)سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن إمام قوم أجنب و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل و معهم ما يتوضون به أ يتوضأ بعضهم و يؤمهم؟ قال: لا، و لكن يتيمم الامام

و يؤمهم، فان اللَّه عز و جل جعل الأرض طهورا كما جعل الماء طهورا»

قلت: و نحوه في نفي البأس عن الإمامة موثق عبد اللَّه بن بكير و حسنه (3)و خبر ابن أسامة(4)بل جزم في الحدائق بنفي الكراهة لهذه الأخبار مع تنزيل النهي في الخبرين السابقين على التقية بقرينة رواتهما لكنه ضعيف قطعا، بل الظاهر تعميم الكراهة للمتيمم عن الأصغر أو الأكبر، لإطلاق النهي، بل و للمتوضئ و المغتسل و إن اقتصر فيهما على المتوضين، إلا أن الظاهر عدم إرادة خصوصهم.

و كذا تكره إمامة الأسير للنص (5)كما في الفوائد الملية، و الحائك و الحجام و الدباغ بغير أمثالهم،

للمروي (6)في الفوائد الملية عن كتاب الامام و المأموم لجعفر ابن أحمد القمي مسندا إلى الصادق عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4 لكنه خبر أبي أسامة.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1 و 3.
6- 6 المستدرك- الباب- 13- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 13، ص: 391

رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): لا تصلوا خلف الحائك و إن كان عالما و لا الحجام و إن كان زاهدا و لا الدباغ و إن كان عابدا».

و زاد في النفلية و الفوائد الملية أنه ينبغي أن لا يكون الإمام أيضا مكشوف غير العورة من أجزاء البدن التي يستحب له سترها و خصوصا الرأس، أو آدرا أو مدافع الأخبثين إلا بمساويهم، بل من الأولى أيضا أنه روي و لا ابنا بأبويه.

بل عن البيان كراهة إمامة الكامل للأكمل و لو مع الاذن المكروه وقوعها من الأكمل أيضا.

بل عن جماعة كراهة إمامة السفيه، بل في التذكرة الإشكال في إمامته، و لعله لأنه و إن لم يكن فاسقا بفعل معصية لكنه غير عدل بفعل ما ينافي المروة منه، إذ السفيه من لا يبالي بما قال أو قيل له، لكن علله فيها بنقصه و علو منصب الإمامة، و هو مشعر بمنعه و إن لم يؤد إلى فسق، و لا ريب في ضعفه، إذ لو فرض (1)سفه لا ينافي العدالة و لو من حيث المروة جازت إمامته كما في البيان لكن على كراهة ل

قوله (عليه السلام):

«إن أئمتكم و وافدكم إلى اللَّه و شفعائكم اليه»

و ما

عن الفقيه بإسناده إلى أبي ذر (رحمه اللَّه)(2)قال: «إن إمامك شفيعك إلى اللَّه فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا»

و يحتمل حمله على السفه المنافي للعدالة.

و كذا ينبغي سلامة الإمام أيضا من العمى، و خصوصا إذا أم في الصحراء، ل

قول علي (عليه السلام)(3): «لا يؤم الأعمى في البرية، و المقيد المطلقين»

و الفالج


1- 1 في النسخة الأصلية« منعه» و لكن الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و ذيله في الباب 22 منها- الحديث 3.

ج 13، ص: 392

و العرج و القيد كما في النفلية و الفوائد الملية معللا له في الثاني بالنهي عن إمامة المتصف بذلك في الأخبار و إن كنت لم أجده في خصوص العرج، إلا أن أمر الكراهة سهل نعم ما في المنتهى و التحرير و التذكرة- من منع إمامة أقطع الرجلين بالسليم- محل للنظر بل المنع إن أرادوا بالرجلين ما يشمل القدمين و لم يمتنع بذلك عن القيام و الركوع و السجود، لإطلاق الأدلة من غير معارض، ضرورة عدم قدح تعذر السجود على الإبهامين مثلا في صحة صلاته أو المؤتم به، و لعلهم يريدون غير المتمكن من القيام و الركوع في أقطع الرجلين، إذ هو حينئذ كامامة الجالس للقائم، كما يرشد اليه تعليله المنع بذلك في المنتهى، و النص في الثلاثة على جواز إمامة مقطوع إحدى الرجلين، و على جواز إمامة أقطع اليدين بعد أن اعترف في أولها بعدم النص فيه لأصحابنا مع تعذر السجود على اليدين و أحد الإبهامين، بل نص في الأخير على جواز إمامة أقطع الثلاثة أيضا.

و من العجيب ما عن الإيضاح من أنه كلما اشتملت صلاة الامام على رخصة من ترك واجب أو فعل محرم بسبب اقتضاها و خلا المأموم من ذلك السبب لم يجز الائتمام من رأس، لأن الائتمام هيئة اجتماعية تقتضي أن تكون الصلاة مشتركة بين الامام و المأموم، و أن صلاة الامام على الأصل و هذا متفق عليه إن كان مراده ما يشمل ما ذكرنا.

و مثل إمامة المتيمم بالمتطهر و ذي الجبائر بفاقدها، بل و قيل: إمامة المسلوس بالصحيح و المستحاضة بالطاهر و نحوهم المنصوص على جواز إمامتهم في كلام بعض الأصحاب، إذ قد عرفت فيما سبق أنه لا دليل في النصوص على الكلية المزبورة التي هي عدم جواز ائتمام الكامل في أركان الصلاة بالناقص فيها، فضلا عن مثل الشرائط

ج 13، ص: 393

الخارجة و الداخلة أو الأفعال غير الأركان، إذ المدار على الصحة في حق الإمام إلا ما خرج بالدليل كالقاعد و نحوه.

و من هنا لم يبعد في النظر جواز ائتمام المجتهد أو مقلده بآخر أو مقلده المخالف له في الفروع مع استعمال محل الخلاف في الصلاة، كما لو تستر الامام بسنجاب أو نحوه مما يرى المأموم عدم جوازه أو كفر مثلا في الصلاة أو فعل غير ذلك أو تركه، لصحة صلاة الإمام في حقه عند المأموم، و لذا يجتزى بعبادته لو كانت تحمليه عنه مثلا، بل يجري عليها جميع أحكام الصحيحة من إسقاط الإعادة و القضاء و حرمة الابطال و غيرهما بل ينبغي القطع بذلك بناء على واقعية الحكم الحاصل بالظن الاجتهادي ثانيا، و أنه من انقلاب التكليف كالتقية و التيمم عند الاضطرار، لا عذريته و أن المكلف به الحكم الأولي، و أن جهة الحسن و القبح و المطلوبية و المبغوضية جارية عليه، و أنه مراعاة لمصلحته المترتبة عليه سوغ الشارع العمل بالظن لاحتمال مصادفته، فإن أصاب فعشر حسنات، و إلا فهو معذور و له حسنة، و إن كان هذا هو التحقيق عندنا، لكن قد يقال بالصحة بناء عليه أيضا، و إن لم تكن بتلك المكانة من الوضوح، لما عرفت من أن ظن المأموم فساد صلاة الإمام بمنزلة عدمه، لعدم حجيته حتى للظان نفسه في حق الغير الذي لم يكن من مقلدته، فلا يمنعه حينئذ من الحكم بصحة صلاة الإمام في حقه ظنه فسادها، و ليس الائتمام بها يصيرها صلاة له كي يعتبر فيها ظنه، بل هي بعد صلاة الإمام يراعي فيها تكليفه نفسه، و يكفي في جواز الائتمام إحراز ما يعتبر فيها عنده، لتناول إطلاق الأدلة لها، لصدق اسم الصلاة حينئذ عليها، ضرورة اتحاد مقتضي الصحة مما دل على حجية ظن المجتهد بالنسبة إلى صلاة الامام و المأموم و إن ظن كل منهما فساد صلاة الآخر، إلا أن الشارع ألغى هذا الظن في حق الغير، على أنه هو مع ظن الفساد يحتمل الصحة في الواقع، و أن خلاف ظنه هو الصواب.

ج 13، ص: 394

نعم لو فرض كون المأموم ممن يقطع بفساد صلاة الإمام لتحصيله الإجماع مثلا على فساد الصلاة بالسنجاب اتجه عدم جواز الائتمام بناء على هذه الطريقة، لعدم كونها صلاة و إن كان صاحبها معذورا عنده، فهي في الحقيقة كصلاة الإمام بغير وضوء مع علم المأموم به دونه، بخلافه على الطريقة الأولى، لأنه و إن كان هو عالما بعدم جواز الصلاة في السنجاب لكنه مع ذلك عالم بأن الامام فرضه الصلاة فيه إذا لم يحصل له هذا العلم و كان قد حصل له الظن، فيكون في الحقيقة هو موضوعا و الامام موضوع آخر، و كل منهما له فرض عند الشارع.

بل قد يقال بالصحة فيه بناء على العذرية أيضا، لإمكان إلغاء هذا القطع بالنسبة إلى حق الغير بعد فرض عدم تقصيره، فيكون كالظن، و لعله يؤيده السيرة و الإطلاق و إن كان فيه ما فيه.

أما لو كان الاختلاف بالقراءة كأن يرى المأموم وجوب السورة و الامام عدمها و لم يأت بها في الصلاة فالظاهر عدم جواز الائتمام مطلقا لا لأن الصلاة فاسدة بل لعدم تحمل القراءة، بل لعل الظاهر عدم الجواز حتى لو جاء بها المأموم، لظهور الأدلة في أن الجماعة الصحيحة موجبة لضمان الإمام القراءة، فهو لازم مساو لها، تنتفي بانتفائه، فلا جماعة حينئذ شرعا يجب أن يقرأ المأموم فيها مثلا في الأولتين مع سماعه قراءة الإمام، بل قد يقال ذلك أيضا في المقام الذي يجوز للمأموم القراءة فيه بأن لم يسمع الهمهمة مثلا، أو كانت الصلاة إخفاتية و قلنا بالجواز، لانتفاء وصف أصل الضمان و إن جاز للمأموم التأدية و عدم الاكتفاء، على أنه قد يقال بأن المسقط عن المأموم حيث يقرأ في نحو الإخفاتية فعل الامام لا قراءته و إن كانت هي جائزة له، نعم لو قلنا بوجوب القراءة على المأموم في الفرض المذكور لعدم تحمل القراءة عنه أمكن القول حينئذ بجواز الائتمام مع فعل المأموم القراءة و إن تركها الامام، كما أنه يمكن القول بجوازه

ج 13، ص: 395

لو قرأ الإمام السورة ندبا، فيجزي حينئذ عن المأموم و إن اختلف رأيهما فيها كما جزم به في البيان، لكن يجري فيه نحو ما سمعته من عدم تحقق وصف الضمان في الإمام أيضا و لعله لذا منعه في التذكرة و الموجز و الكشف و إن علاوة بأن الندب لا يجزي عن الواجب بل منع الفاضل و الشهيد و أبو العباس و الصيمري ائتمام المخالف بالفروع مع استعمال الامام محل الخلاف في تلك الصلاة من غير فرق بين القراءة و غيرها، بل نصوا على السنجاب و التأمين و القران و نحوها، بل لا أعرف فيه خلافا بينهم و لا ترددا سوى ما عساه يظهر من التحرير من الاشكال فيه في الجملة، لكن مما تقدم تعرف ما فيه، كما أنك فيه تعرف وجهه.

بل و تعرف الحال أيضا إذا اختلفا في الاجتهاد في القبلة و إن صرح بعض هؤلاء بعدم الجواز فيه أيضا، بل ظاهره أنه مفروغ منه، بل و تعرف وجه جواز الائتمام بمن كان على ثوبه أو بدنه نجاسة لا يعلم بها و علمها المأموم و إن تردد فيه الشهيد و استوجه المنع على ما قيل في الجعفرية، و عن الغرية أن عليه الفتوى، و قد سمعت معقد إجماع الإيضاح، و جوزه في الموجز و الكشف و القواعد أيضا بعد أن نظر فيه، لكن قال:

إن لم نوجب الإعادة مع تجدد العلم في الوقت، و عن نهاية الأحكام إطلاق الجواز، كما عن الشيخ سليمان البحراني أنه لا يخلو من وجه، و التحقيق الجواز بناء على المختار من عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت و خارجه، ضرورة اقتضاء ذلك صحة صلاته في الواقع، و اختصاص مانعية النجاسة حينئذ بالعلم، بل و قبل الدخول في الصلاة، فلو علم بها في الأثناء و أمكنه إزالتها بلا فعل مناف أزالها و صحت، و إلا بطلت للمنافي لا للنجاسة، أما على القول بوجوب الإعادة عليه في الوقت أو فيه و خارجه فيشكل الجواز بأن صلاته حينئذ ليست بصلاة و إن كان هو معذورا، و لا قضاء عليه على الأول فلا يجوز الائتمام بها حينئذ، إذ هي كفاقدة الطهارة من الحدث و لا يعلم الامام، نعم قد

ج 13، ص: 396

يحتمل الصحة على أولهما و إن كان بعيدا بأن يقال: إن صلاته صحيحة حال الجهل، و لا تفسد إلا بالعلم في الوقت، و إن كان هو بعد تحققه يكون كاشفا، لكن الأصل عدمه، فللمأموم حينئذ الائتمام به اعتمادا على هذا الأصل، لكنه كما ترى، و من ذلك تعرف البحث في الناسي و نحوه، و اللَّه أعلم.

إلى هنا تم بحمد اللَّه الجزء الثالث عشر من كتاب جواهر الكلام و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه و قد خرج بعون اللَّه نقيا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر و حسر عنه النظر و يتلوه الجزء الرابع عشر في أحكام الجماعة و صلاة الخوف و صلاة المسافر قريبا إن شاء اللَّه تعالى و به يتم كتاب الصلاة عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.