جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد12

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج12، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة الركن الثالث في بقية الصلوات و فيه فصول]

[ (الفصل الرابع) في الصلاة على الأموات]
اشاره

ج12، ص: 2

(الفصل الرابع) من الفصول السابقة في الصلاة على الأموات و

[في أقسام الصلاة على الأموات]
اشاره

فيه أقسام:

[القسم الأول من يصلى عليه]

الأول من يصلى عليه و هو كل من كان مظهراً للشهادتين بحيث صار بذلك من المسلمين، و لم يكن قد صدر منه مع ذلك ما يوجب اندراجه في الكافرين، فتجب الصلاة عليه حينئذ بلا خلاف فيه في المحكي عن المنتهى و إن كان المعقد فيه المسلم كالمحكي عن الإجماع في التذكرة و عن مجمع البرهان، إذ هو هو، ضرورة عدم إرادة ما يشمل الخوارج و الغلاة و نحوهما ممن انتحلوا الإسلام و كفروا بإنكار ضرورياته منه، و لذا فرع بعضهم خروجهم على اعتبار الإسلام في المصلى عليه، و في الخلاف و المحكي عن المبسوط لا يصلى على القتيل من البغاة لكفره، لكن عن الأول في قتال أهل البغي أنه يصلى عليه للعموم و الاحتياط، و قد يريد بالثاني من لم يصل ببغيه إلى حد الكفر بخلاف الأول فيرتفع الخلاف، كما أنه يرتفع بما سمعته بين المتن و من عبر كعبارته كالقواعد و الجمل و العقود و الإصباح على ما حكى عن الأخيرين و بين المشهور من التعبير بالمسلم، بل عرفت

ج 12، ص: 3

أنه معقد الإجماع و نفي الخلاف فضلا عما عن كشف الرموز من أنه المذهب، إذ هو المراد من المظهر فيها لا ما يشمل الخوارج و الغلاة و المنافقين و نحوهم و إن توهم، إلا أنه ينبغي القطع بعدمه في مثل المتن الذي ستسمع تقييده في الأطفال بمن له حكم الإسلام، و تقدم تصريحه في الغسل بعدم غسل الخوارج و الغلاة، مع أن الصلاة أولى بالمنع، و يعتبر فيها تقدم الغسل، فيستقر الإجماع حينئذ على عدم إلحاقهم بالمسلمين في ذلك، فيبقى أصل البراءة بلا معارض.

نعم ما عن المقنعة و الوسيلة و السرائر و الكافي و الإشارة من قصر الوجوب على المؤمن ظاهر أو صريح في الخلاف، بل في الذكرى «و شرط سلار في الغسل اعتقاد الميت للحق، و يلزمه ذلك في الصلاة» قلت: لعله لتأخرها، كما أنه لعل ذلك منهم بناء على كفرهم في الدنيا كما صرح به بعضهم، أو إلحاق ما بعد الموت بعالم الآخرة، و قد بينا ضعف الأول بما لا مزيد عليه في النجاسات، كما أنا بينا ضعفه و ضعف الثاني في التغسيل، و نزيد هنا بما عرفت من محكي الإجماع إن لم يكن محصله باعتبار متروكية الخلاف المزبور كما اعترف به الشهيد في البيان، و بعموم

قوله (عليه السلام) في خبر السكوني (1):

«لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر طلحة بن يزيد(2): «صل على من مات من أهل القبلة، و حسابه على الله»

و مرسل الدعائم (3)عن الباقر (عليه السلام) «الصلاة على الميت فرض على الكفاية لقول النبي (صلى الله عليه و آله): صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله، و على من قال: لا إله إلا الله»

و فيها(4)عنه (عليه السلام) أيضا «أنه قال: صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.
3- 3 دعائم الإسلام ج 1 ص 281 ذكره في ذيل الصفحة.
4- 4 المستدرك- الباب- 29- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 4

على امرأة ماتت في نفاسها من الزنا و على ولدها، و أمر بالصلاة على البر و الفاجر من المسلمين»

و غيرها من الإطلاقات في الميت و نحوه و ما يوجد من الصدر خاصة أو مع باقي الأعضاء و غير ذلك، و الضعف منجبر بما عرفت.

فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إليه للأصل المقطوع بما سمعت، و بأن الصلاة كرامة و دعاء و غير المؤمن منهما محروم، و فيه منع انحصار وجهها في الإكرام، و عليه فلعله لإظهار الشهادتين، و عدم اعتبار الدعاء فيها للميت خاصة بل له أو عليه كما كان يصنعه النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) على المنافقين الذي منه يظهر أن المراد من النهي في قوله تعالى (1)«وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ» إلى آخره. الدعاء لهم كما اعترف به في كشف اللثام، و لجهل عمر بذلك و بمرتبة النبي (ص) (النبوة خ ل) و أنه مستغن عن تعليمه و غيره و شدة نفاقه و ريائه أساء الأدب مع النبي (صلى الله عليه و آله) لما تقدم للصلاة على ابن أبي كما

عن كتاب سليم بن قيس (2)«فأخذ عمر بثوبه من ورائه و قال: «لقد نهاك الله أن تصلي عليه و لا يحل لك أن تصلي عليه فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): إنما صليت كرامة لابنه، و اني لأرجو أن يسلم به سبعون رجلا من بني أبيه و أهله، و ما يدريك و ما قلت إنما دعوت الله عليه»

هذا، و قد ظهر لك أولوية وجوب الصلاة على الفرق المخالفة منا كالفطحية و الناووسية و نحوهم من المخالفين، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في المبحثين المزبورين، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فالمصلي عليه إما أن يكون مسلما أو طفلا له ست سنين ممن له حكم الإسلام بالتولد أو السبي أو الالتقاط من أرض المسلمين أو الوصف بناء على


1- 1 سورة التوبة- الآية 80.
2- 2 المستدرك- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 5

اعتباره منه أو نحو ذلك، فتجب حينئذ الصلاة عليه عند الأكثر بل المشهور بل في التذكرة نفي الخلاف فيه، بل في الانتصار و ظاهر الخلاف أو صريحه و صريح المحكي عن المنتهى الإجماع عليه، بل عن المقنعة أنه مذهب آل الرسول (عليهم السلام)، بل اليه يرجع ما

عن المقنع و الجعفي «لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة»

بناء على أن المراد بعقلها إمكان معرفتها، و الغالب حصوله ممن بلغ ذلك،

سأل الحلبي و زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) في الصحيح (1)«عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ فقال: إذا عقل الصلاة، قلت: متى يجب عليه الصلاة؟ فقال: إن كان ابن ست سنين و الصيام إذا أطاقه»

و سأل زرارة(2)أيضا أبا جعفر (عليه السلام) في ذيل خبره المتضمن سقوط الصلاة عن ذي الثلاث «فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا عقل الصلاة و كان ابن ست سنين، قال: قلت: فما تقول في الولدان؟ قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عنهم فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين»

و في ذيل مرسل الفقيه (3)المتضمن نفي الصلاة على ذي الثلاث أيضا، «و سئل أبو جعفر (عليه السلام) متى تجب الصلاة عليه؟ قال: إذا عقل الصلاة و كان ابن ست سنين»

و المراد بالوجوب في الجميع الثبوت لا الشرعي قطعا، أي متى يعقل فتثبت له الصلاة؟ فقال: إذا كان لست سنين، كما رواه

محمد بن مسلم في الصحيح (4)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الصبي متى يصلى عليه؟ فقال: إذا عقل الصلاة، قلت: متى يعقل الصلاة و تجب عليه؟ فقال: لست سنين».


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الكافي ج 3 ص 207 المطبوع بطهران عام 1377 باب« غسل الأطفال و الصبيان و الصلاة عليهم»- الحديث 4 من كتاب الجنائز.
3- 3 الفقيه ج 1 ص 105- الرقم 488 المطبوع في النجف.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 2 و فيه« متى يصلى؟ قال: إذا عقل الصلاة» إلخ.

ج 12، ص: 6

بل منه و غيره يعلم أن المراد تفسير بالعقل بالست في الصحيح السابق و ذيل المرسل لا اشتراط الست مع عقل الصلاة، بل و لا أن المراد أحدهما، على أن الواو بمعنى «أو» كما عساه يوهمه أنه مقتضى الجمع بين النصوص السابقة و بين

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الصبي أ يصلى عليه إذا مات و هو ابن خمس سنين؟

قال: إذا عقل الصلاة فصل عليه»

بل بقرينة الصحيح و غيره مع الاتفاق ظاهرا يجب حمله على إرادة الكناية بذلك فيه عن بلوغ الست و عدم العبرة بالخمس، فتأمل، نعم

الظاهر إرادة التحديد بذلك على الغالب في القابلية، فالنادر ممن يعقلها قبل ذلك كغيره ممن لا يعقلها فيه أو فيما بعده لا عبرة به، خصوصا إذا كان بالجهد في التعليم أو التقصير في المقدمات، فهو تحقيق في تقريب حينئذ.

و كيف كان فقد بان لك أن مقتضى الجمع بين النصوص السابقة و الإجماعات المحكية هو ما عرفت، خصوصا بعد فهم الوجوب، فانا لم نعرف خلافا فيه إلا من ابن أبي عقيل فلم يوجب الصلاة إلا بعد البلوغ، و مال إليه الكاشاني في الوافي للأصل المقطوع بما عرفت، و عدم حاجة الطفل إلى الاستغفار و نحوه المراد من الصلاة الممنوع على مدعيه بالصلاة على المجنون مثلا أولا، و بعدم انحصار وجه مشروعيتها في ذلك بحيث يدور الحكم عليه ثانيا، و ل

موثق عمار(2)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال: لا إنما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهما القلم»

و خبر هشام (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «إن الناس يكلموننا و يردون علينا قولنا إنه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل، فيقولون: لا يصلى إلا على من صلى،


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 7

فنقول: نعم، فيقولون: أ رأيتم لو أن رجلا يهوديا أو نصرانيا أسلم ثم مات من ساعته فما الجواب فيه؟ فقال: قولوا لهم: أ رأيتم لو أن هذا الذي أسلم الساعة ثم افترى على الناس ما كان يجب عليه في فريته فإنهم سيقولون: يجب عليه الحد، فإذا قالوا هذا قيل لهم: فلو أن هذا الصبي الذي لم يصل افترى على إنسان هل كان يجب عليه الحد؟

فإنهم سيقولون: لا، فيقال لهم: صدقتم إنما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة و الحدود، و لا يصلى على لا يجب عليه الحدود»

القاصرين عن معارضة ما عرفت من وجوه، خصوصا بعد اعتضاده بعموم الصلاة على الميت و على الأمة، و بعد عدم ثبوت اعتبار سند الثاني منهما، و ظهوره في إرادة الرد على العامة القائلين بالوجوب إذا استهل و ظهور الأول منهما في سقوط الصلاة عن المجنون الذي لم يقل به، و كونهما معا من العام الذي يجب تخصيصه بما ذكرنا، بل في الذكرى إمكان إرادة ما يشمل التمريني من جري القلم في الأول، قلت: بناء على شرعية عبادته كما هو الأصح يقوى الاحتمال المزبور، و مع تعذر جميع ذلك فالطرح و الرد إليهم (عليهم السلام) متعين في مقابلة ما ذكرنا، لا أنه تحمل الأخبار السابقة من جهتهما على الندب كما التزمه الكاشاني.

و على كل حال ف يتساوى في ذلك عندنا الذكر و الأنثى و الحر و العبد بل في التذكرة نفي الخلاف فيه، بل الإجماع عليه معلوم.

و أما إذا كان دون ذلك فلا وجوب بلا خلاف فيه بيننا إلا من الإسكافي الذي لا يقدح خلافه في دعوى تحصيل الإجماع هنا فضلا عن محكيه في الانتصار و الغنية و الخلاف و غيرها، و هو الحجة بعد الأصل و النصوص السابقة و غيرها، ك

خبر علي بن عبد الله (1)عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) «لما قبض إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه و آله)- إلى أن قال-: و مضى رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 8

انتهى به إلى قبره، فقال الناس: إن النبي (صلى الله عليه و آله) نسي أن يصلي على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم قال: أيها الناس أتاني جبرئيل (عليه السلام) بما قلتم، زعمتم بأني نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع ألا و إنه ليس كما ظننتم، و لكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، و جعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة، و أمرني أن لا أصلي إلا على من صلى»

التي لا يعارضها

خبر السكوني (1)عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: «يورث الصبي و يصلى عليه إذا سقط من بطن أمه فاستهل صارخا، فإذا لم يستهل صارخا لم يورث و لم يصل عليه»

و صحيح ابن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «لا يصلى على المنفوس و هو المولود الذي لم يستهل و لم يصح و لم يورث من الدية و لا من غيرها، و إذا استهل فصل عليه و ورثه»

و خبر ابن يقطين (3)عن أبي الحسن الماضي عليه السلام «قلت له: لكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين و الشهور؟ قال: يصلى عليه على كل حال إلا أن يسقط لغير تمام»

لرجحانها عليها من وجوه لا تخفى، خصوصا بعد موافقتها لما عليه العامة عدا النادر.

بل قد يشكل لذلك و ل

خبري زرارة المشتملين على موت ولدين لأبي عبد الله و أبي جعفر (عليهما السلام) فصلى عليهما أبو جعفر (عليه السلام) و اعتذر عن ذلك فقال تارة لزرارة(4)بعد أن أخذ بيده و تنحى: «إنه لم يكن يصلى على الأطفال إنما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بهم فيدفنون من وراه و لا يصلى عليهم، و إنما صليت


1- 1 التهذيب ج 3 ص 331 الرقم 1035 من طبعة النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 9

عليه من أجل أهل المدينة كراهة أن يقولوا: لا يصلون على أطفالهم»

و أخرى (1)«أما أنه لم يكن يصلى على مثل هذا و كان ابن ثلاث سنين، كان علي (عليه السلام)

يأمر به فيدفن و لا يصلى عليه و لكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله»

بل و خبر علي بن عبد الله (2)حمل تلك النصوص على الندب، بل جزم بعدمه في الحدائق مشددا للتكبير على دعوى ذلك، بل ربما حكي عدم الندب بل جزم بعدمه في الحدائق مشددا للتكبير على دعوى ذلك، بل ربما حكى عدم الندب أيضا عن الكليني و الصدوق و المفيد.

لكن قال المصنف و غيره: إنه يستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك أي الست إن ولد حيا بل قيل: إنه المشهور لظهور الخبرين المزبورين في أن الفعل للتقية، و لو أنه ندب ما احتيج إلى الاعتذار بما سمعت، بل ربما كان الحمل على التقية مع إمكانه في نفسه أرجح من الندب، لما فيه من بقاء اللفظ على حقيقته، بل ربما توقف في حمل الأمر على الندب و إن لم يقم احتمال التقية لمجرد رجحان دليل عدم الوجوب، لعدم كونه قرينة على ذلك، لكن قد يقال بعد التسامح في السنن و الشهرة في المقام:

إن الندب هو الموافق لمقتضى حجية الأخبار، و ان كلامهم (عليهم السلام) بمنزلة متكلم واحد، و نقع الكلمة فيه على وجوه متعددة، و ان أفقه الناس من يعرف معاني تلك الكلمات و ما يلحن له في القول، و انها بمنزلة الكلام المسموع منهم (عليهم السلام) الذي لا ريب في ظهور الأمر فيه بعد فرض التصريح منه بعدم الوجوب في الندب الذي هو أشهر المجازات و أقربها إلى الحقيقة، فيترجح حينئذ على إبطال الدليل و طرحه، فتأمل.

و كيف كان فلو وقع سقطا ميتا لم يصل عليه ندبا فضلا عن الوجوب و إن كان قد و لجته الروح قبل خروجه بلا خلاف أجده فيه، للأصل و النصوص السابقة، بل لعله كذلك لو خرج بعضه و استهل إلا أنه سقط ميتا لخبر السكوني المتقدم


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 10

و ربما كان هو ظاهر المتن و القواعد و غيرهما، لكن عن صريح المعتبر و المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة و غيرها الاستحباب و لو كان البعض الخارج أقله، خلافا لأبي حنيفة فاعتبر خروج الأكثر، قيل لإطلاق خبر ابن سنان (1)المتقدم، و فيه أن ظاهره المولود الذي يمكن دعوى عدم صدقه إلا على الخارج، نعم يمكن الاستناد له بعد التسامح إلى إطلاق خبر ابن يقطين (2)فتأمل، هذا، و قد تقدم البحث في باب الغسل في الصلاة على الشهيد و نحوه و صدر الميت و تحقيق الحال في المحكوم بتبعيته من الأطفال و ولد الزنا و غير ذلك، فلا نعيده، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[القسم الثاني في المصلي]

القسم الثاني في المصلي و قد أشبعنا الكلام في التغسيل في بيان أن أحق الناس بالصلاة و غيرها من أحكام الميت عليه أولاهم بميراثه إذ هو أولى أولي الأرحام الذين بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، و في بيان عدم منافاة

الأولوية المزبورة لوجوب هذه الأحكام على سائر المكلفين كفاية و إن قلنا بوجوب مراعاتها و فساد الفعل لو كان عبادة إن وقع بدونها، إنما الكلام في أولوية أولى أولي الأرحام، إذ قد يكون متعددا، ضرورة كون المراد منه طبقات الإرث، فقال و الأب أولى من الابن بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك، بل في التذكرة «أنه أولى منه و من الجد و غيره من الأقارب كولد الولد و الاخوة عند علمائنا» مشعرا بالإجماع عليه، و هو- مع أقربية إجابته للدعاء باعتبار كونه أشفق و أرق، و ولايته على الولد، و ما روي (3)من تولي الصادق (عليه السلام) أمر إسماعيل دون أولاده إن لم نقل إنه من حيث الإمامة أو أنه ليس لإسماعيل ولد قابل لذلك- يصلح مستندا للحكم، و أكثرية نصيب الولدية


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب التكفين- الحديث 2 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 11

من الوالدية، كما في كشف اللثام و غيره لعده في باب الغرقى أضعف لو سلم كشفه عن الأولوية و لو بدعوى أن المراد «من أولادهم بميراثه» أكثرهم نصيبا كما يومي اليه في الجملة صحيح الكناسي(1)المتقدم سابقا في التغسيل- بل قيل: إنه يعطيه كلام الشيخ و ابن حمزة، بل عن الفاضل القطع به، و فرع عليه أولوية العم من الخال و الأخ من الأب من الأخ من الأم- يجب الخروج عنها هنا بما سمعت، حتى أن الفاضل الذي هو القاطع بذلك وافق هنا على أولوية الأب و إن قل نصيبه.

و كيف كان فما عن ابن الجنيد من تقديم الجد عليه و على الابن في غاية الضعف بما ظهر لك سابقا من النصوص و الفتاوى من إرادة الأولى بالميراث من الولي هنا، و من المعلوم أنهما أولى منه بذلك، و احتمال إرادة الأولوية بالميراث و لو في بعض الأحوال- فيكون مساوقا لآية أولي الأرحام (2)الظاهرة في إرادة بيان أولويتهم من الأجانب فحسب من غير تعرض للترجيح فيما بينهم، فلا تنافي حينئذ أولوية الجد من جهة أنه أليق بمنصب الإمامة و أن له الولاية عليهما- كما ترى، ضرورة ظهور الأولوية بالميراث في الترجيح بين أولي الأرحام، بل ظاهر المحكي عن المختلف من رده كلام الإسكافي بآية أولي الأرحام أنها هي كذلك فضلا عن تلك الفقرة، و إن كان فيه نظر واضح، لكن قد يؤيده

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة(3): «قول الله عز و جل وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* إن بعضهم أولى بالميراث من بعض، لأن أقربهم إليه أولى به»

كل ذلك مع ظهور أقربية الولد للصلب من الجد عرفا خصوصا لو علا، نعم قد يساويه ولد الولد، فمن الغريب ما في المدارك من أنه لو كان المدار في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موجبات الإرث- الحديث 7 من كتاب الإرث.
2- 2 سورة الأنفال- الآية 76.
3- 3 تفسير البرهان- سورة الأنفال- الآية 76 عن تفسير العياشي.

ج 12، ص: 12

الأولوية على الأمس رحما و شدة العلاقة من غير اعتبار لجانب الإرث يقرب ما ذكره ابن الجنيد، نعم يمكن الاستدلال لابن الجنيد ب

تولي الباقر (عليه السلام) أمر ولد الصادق (عليه السلام)(1)و فيه أنه لعله لأنه إمام العصر الذي ستعرف أولويته من كل أحد أو لغير ذلك كما هو واضح.

فلا إشكال حينئذ في أولوية الأب و كذا الولد و إن نزل أولى من الجد أب الأب و إن اتصل فضلا عن العالي و الجد للأم و الأخ و العم و باقي الأرحام لما عرفت من أن مدارها على الأولوية بالإرث، و هو مختص به هنا لا يشاركونه فيه، نعم لو كان صغيرا ففي انتقالها لخصوص الجد لأنه وليه و إن لم نقل بتقديمه في الطبقة الثانية، أو إلى الإناث لو كانوا معه، أو إلى المرتبة الثانية من الأرحام، أو إلى حاكم الشارع، أو تسقط وجوه مترتبة في القوة و الضعف.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره بل لا خلاف أجده فيه بينهم بل هو مقتضى الأصل و إطلاق الأدلة اشتراك الأولاد في ذلك لو تعددوا، لكن في الحدائق أن المفهوم من

صحيحة محمد بن الحسن الصفار(2)المروية بطريق المشايخ الثلاثة، قال: «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام و له وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين و خمسة أيام الآخر؟ فوقع (عليه السلام) يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله»

كون الأكبر الولي شرعا، و فيه أنه في القضاء، بل هو صريح أو كالصريح في ثبوت الولاية لغيره في غيره، فتأمل.

و أما الطبقة الثانية ف لأخ من الأب و الأم أولى ممن يمت بأحدهما


1- 1 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الدفن- الحديث 6 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3 من كتاب الصوم.

ج 12، ص: 13

لعدم إرث المتقرب بالأب معه، و تقرب الثاني بمن لا ولاية لها مع الأب، فكذا فرعها مع فرعه، و لأنه أكثر نصيبا منه، و لتقربه من جهتين، و ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح عن بريد الكناسي (1)المتقدم في التغسيل: «و أخوك لأبيك و أمك أولى بك من أخيك لأبيك، و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك»

ضرورة دلالته على أولويته منهما صريحا في الأول، و فحوى في الثاني، لأن الأولى من الأولى أولى، بل الظاهر كون أولادهم كذلك،

قال في الصحيح المزبور: «و ابن أخيك من أمك و أبيك أولى بك من أخيك لأبيك، و ابن أخيك لأبيك أولى بك من عمك»

إلى آخره معتضدا ذلك كله بعدم الخلاف فيه فيما أجد، بل و لا في تقديم الأخ للأب على الأخ للأم للصحيح المزبور، و لأنه أكثر نصيبا، و لتقربه بمن له الولاية.

أما الجد فقد يظهر من المصنف و غيره ممن ترك التعرض له مساواته للأخ مطلقا لأنه من الأولى بالميراث، لكن عن الشيخ و ابن إدريس تقديمه على الأخ للأبوين فضلا عن غيره، قالا: «الأب أولى الأقارب، ثم الولد، ثم الجد من قبل الأب، ثم الأخ من قبل الأب و الأم، ثم الأخ من قبل الأب، ثم الأخ من قبل الأم، ثم العم ثم الخال، ثم ابن العم، ثم ابن الخال» و زاد في المحكي عن جامع المقاصد «ثم المعتق ثم الضامن ثم الحاكم ثم عدول المسلمين» و عن المنتهى أنه يلزم على قول الشيخ أن العم من الطرفين أولى من العم من أحدهما، و كذا الخال، قال: «و لو اجتمع ابنا عم: أحدهما أخ لأم كان الأخ من الأم على قوله أولى من الآخر، و هو أحد قولي الشافعي» و في تذكرته بعد أن ذكر قولي الشافعي في تقديم العم للأبوين على العم للأب قال: «و عندنا أن المتقرب بالأبوين أولى، لأنه الوارث خاصة- و قال-: إن ابن العم إذا كان أخا لأم يقدم عندنا على ابن العم الآخر لاختصاصه بالميراث» و عن جامع المقاصد و غيره


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موجبات الإرث- الحديث 2 من كتاب الإرث.

ج 12، ص: 14

«المشهور أن الأخ من الأم أولى من العم و الخال، و العم أولى من الخال، و الخال أولى من ابن العم و ابن الخال، ثم ابن العم أولى من ابن الخال».

و كيف كان فليس في النصوص ما يدل على تقديم الجد على الأخ، بل لعل الأخ منهما أولى منه باعتبار تقربه من وجهين، نعم هو مساو للأخ من الأب فيقدم حينئذ على الأخ من الأم، اللهم إلا أن يقال باعتبار أن له الولاية على الميت و أبيه في بعض أحوالهما يقدم على الأخ مطلقا، لكن على كل حال ينبغي الاقتصار عليه من قبل الأب كما قيداه به، أما إذا كان من قبل الأم فهو مساو للأخ منها خاصة، كما هو واضح.

و كذا ينبغي تقديم العم للأبوين على العم لأحدهما، و العم للأب خاصة عليه للأم، و الجميع على الخال، لما عرفت من أن المدار على أولوية الميراث أو التقرب بالأب الذي له الولاية،

قال (عليه السلام) في الصحيح المزبور: «و عمك أخو أبيك من أبيه و أمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه- قال-: و عمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه- قال-: و ابن عمك أخي أبيك من أبيه و أمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه- قال-: و ابن عمك أخي أبيك لأبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه»

و هو كالصريح فيما قلناه، و من ذلك كله يظهر لك ما في مناقشة سيد المدارك فيما سمعته من الشيخ بأنه إن أراد بالأولوية أن من يرث أولى ممن لم يرث لم يلزم منه أولوية بعض الورثة على بعض كالأب على الابن، و الجد على الأخ، و العم على الخال، و إن أراد بها كثرة النصيب انتقض بالأب فإنه أولى من الابن مع أنه أقل نصيبا منه، و كذا الجد فإنه أولى من الأخ مع تساويهما في الاستحقاق إلا أن يقال: إن التخلف في هاتين الصورتين لعارض و هو قوة جانب الأب و الجد باختصاصهما بزيادة الحنو و الشفقة و حصول النسل منهما، لكن في ذلك خروج عن اعتبار الإرث، إذ قد عرفت أن المدار على ما ذكرنا.

ج 12، ص: 15

و أما انتقال الولاية عند فقد ذوي الأرحام إلى المعتق ثم الضامن فلعلهما لأنهما الأولى بالميراث حينئذ، إذ احتمال التخصيص بأولى الأرحام يدفعه إطلاق اللفظ، نعم قد يشكل ذلك في الحاكم و عدول المسلمين لعدم إرثهما، و نيابتهما عن إمام الأصل الذي له الإرث في الفرض لو كانت مؤثرة لاستحقا التقديم بها على الأرحام، لما ستعرف من تقدمه (عليه السلام) عليهم، على أنه لا عموم فيها يشمل المقام، فسقوط الولاية حينئذ غير بعيد و إن كان الأحوط خلافه، هذا.

و ينبغي استثناء الزوج من أولوية الأرحام، فإنه أولى بالمرأة من عصابتها و إن قربوا لما عرفته مفصلا في التغسيل، كما عرفت البحث في قوله و إذا كان الأولياء جماعة فالذكر أولى من الأنثى و لو كان الذكر صغيرا أو مجنونا أو غائبا ففي الذكرى «أن الأقرب كون الولاية لها، لأنه بنقصه كالمعدوم» و مال إليه في كشف اللثام، و المحكي عن جامع المقاصد «و لو لم يكن في طبقته مكلف ففي كون الولاية للأبعد أو للحاكم عليه نظر، من عموم آية أولى الأرحام، و الناقص كالمعدوم، و أنه أولى بالإرث فلتكن الولاية له يتصرف فيها الولي» قلت: مثله يأتي في الأول أيضا، و قد ذكرنا في التغسيل قوة السقوط في ذلك، فلاحظ و تأمل، هذا. و عن المبسوط و السرائر «أن الذكر أولى من الأنثى إذا كان ممن يعقل الصلاة» و في الذكرى «و هذا يشعر بأن التميز كاف في الإمامة كما أفتى به في المبسوط و الخلاف في جماعة اليومية» قلت:

و لو صلى فرادى فالظاهر عدم الاجتزاء بها و إن قلنا بشرعيتها، استصحابا للشغل، و معلومية عدم إجزاء الندب عن الواجب، و به صرح الأستاذ في كشفه.

و أما أن الحر و إن بعد أولى من العبد و إن قرب فمعلوم، بل عن المنتهى «لا أعلم فيه خلافا» قلت: لانتفاء ولايته عن نفسه فعن غيره بطريق أولى و لأنه هو الوارث دونه، بل منه يعلم الحال في باقي موانع الإرث من القتل و غيره،

ج 12، ص: 16

لكن في القواعد و الفقيه «العبد أولى من الحر» بل في جامع المقاصد «هذا الحكم مذكور في كلام الأصحاب و هو مشكل إن أريد الولاية، إذ العبد لا إرث له فلا ولاية له، و إن أريد بأولويته أفضلية تقديم الولي فهو صحيح إلا أنه خلاف المتبادر من كلامهم و الظاهر أن مرادهم الأول بدليل أنهم في ترجيح الهاشمي اشترطوا تقديم الولي له» قلت: لا بد من إرادة ذلك و بيان أن الحرية لا يقدم على الفقاهة و إن كانت في العبد كما جزم به في الكشف، نعم يمكن التوقف في ذلك بالنسبة إلى باقي المرجحات.

و لو كان الميت عبدا فسيده أولى به من أرحامه كما في حال حياته، و لا ميراث له على الأصح، فلا أحد أولى بميراثه، اللهم إلا أن يحمل على إرادة المنشأية لولا المانع بل آية أولى الأرحام مطلقة، لكن على كل حال لا يعارض السيد، نعم لو كان هو مولى عليه احتمل الرجوع حينئذ إلى الأرحام و إلى ولي السيد.

و كيف كان فقد ظهر من ذلك كله فساد ما حكاه في المدارك عن بعض مشايخه المعاصرين أنه قيل باشتراك الورثة بالولاية، إذ هو مع أنه مجهول القائل مخالف لما عرفت مما يقتضي تقديم بعضهم على بعض، كفساد ما يقال أو قيل: إن الأنثى لا ولاية لها أصلا ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسنة حفص (1)«في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه، قلت: فان كان أولى الناس به امرأة قال: لا إلا الرجال»

إذ هو مع أنه في خصوص القضاء معارض بإطلاق الأدلة السابقة

و بصحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت: المرأة تؤم النساء قال:

لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن في الصف معهن تكبر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 5 من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 17

و يكبرن»

المعتضد بالإجماع على الظاهر.

و لا يتقدم الولي إلا إذا كان عالما بالواجب من أحكام الصلاة و استكملت فيه مع ذلك شرائط الإمامة، و إلا قدم غيره الجامع لذلك، بل يجوز له التقديم و إن كان صالحا لها أيضا، للأصل و إطلاق النصوص (1)بالتخيير، إلا أن الظاهر استحباب مباشرته مع المساواة فضلا عما لو كان أكمل، لأنه ادعى للإجابة، بل له احتمل في كشف اللثام و غيره عدم استحباب تقديم الغير و إن كان أكمل، نعم قوى الندب في الذكرى، بل حكي عن المفيد في الغرية أنه جعل من السنة تقديم العالم الفقيه إلا أنه بعد الهاشمي، و الأمر سهل.

و الظاهر جواز الرجوع بالاذن قبل التلبس، لأنها كالوكالة، أما بعده ففي الذكرى «أن الأقرب المنع لما فيه من اختلال نظم الصلاة، و وجه الجواز أنها صلاة عن إذنه الذي هو جائز في الأصل فيستصحب، و حينئذ يصلون فرادى، إذ لا طريق إلى الابطال و العدول إلى إمام آخر بعيد» قلت: قد يمنع حرمة الإبطال هنا بدعوى إرادة خصوص الصلاة الفريضة من العمل في قوله تعالى (2)«وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» بعد تسليم دلالته على حرمة القطع و أنه غير مراد منه خصوص الارتداد و نحوه، و حينئذ فيقوى جواز الرجوع.

و كيف كان فان لم يقدم أحدا فعن غير واحد سقوط اعتباره، قال في المحكي عن الذكرى: «لإطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة من عهد

النبي (صلى الله عليه و آله) إلى الآن، و هو يدل على شدة الاهتمام، فلا يزول هذا المهم بترك إذنه، نعم يعتبر إذن حاكم الشرع» قلت: يتجه سقوط اعتباره لو ترك مع ذلك الصلاة فرادى، أما


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.
2- 2 سورة محمد صلى الله عليه و آله- الآية 35.

ج 12، ص: 18

لو اختارها فالوجه عدم مزاحمته و الاجتزاء بها، لأن ذلك مقتضى أولويته، و احتمال أن ولايته نظرا للميت فمع عدم إذنه في الجماعة خيانة للميت و مناف لصلاحه فلا يعتبر ضعيف بل مخالف لظاهر الأدلة، و على كل حال فليس للغير المبادرة للتقديم من دون استئذانه لعدم سقوط ولايته في الاختيار كما هو واضح، و سيصرح به المصنف، و لذلك لا تنتقل الولاية عنه بذلك إلى غير من في طبقته من الأرحام، بل و لا تنحصر في المشاركين له في الطبقة بناء على اشتراك الجميع في الولاية.

و إذا تساوى الأولياء في الصلاحية للإمامة قدم الأفقه فالأقرأ فالأسن فالأصبح كما في القواعد و التحرير و البيان، و المشهور نقلا في كشف اللثام و غيره تقديم الأقرأ على الأفقه، قلت: و يؤيده أنه لم نقف على مأخذ لذلك في خصوص هذه الصلاة كما اعترف به غير واحد، بل مقتضى تعليلاتهم أخذ ذلك مما ورد في الجماعة اليومية، بل في الذكرى أن ظاهر الأصحاب إلحاق هذه الجماعة بتلك، و قد قدم المصنف و غيره هناك الأقرأ على الأفقه، بل نسبه في الذكرى إلى الأصحاب، فينبغي أن يكون هنا كذلك، خصوصا مع إطلاق الدليل، اللهم إلا أن يكون وجه الفرق ما في كشف اللثام تبعا للذكرى من أن نص تقديم الأقرأ صريح في قراءة القرآن، و لا قرآن في صلاة الأموات، مع عموم تقديم الأعلم و الأفقه، و هو لا يخلو من قوة، لكن قد يقال باعتبار كثير من مرجحات القراءة في الدعاء، و إلا فلا ينبغي اعتبارها رأسا لا تقديم الأفقه عليها، مع أن ظاهرهم الاتفاق على اعتبارها في الجملة، نعم في الإرشاد خاصة اقتصر على الأفقه.

و على كل حال ففي كشف اللثام أنه ليس في المبسوط و الخلاف و السرائر و الإصباح و المنتهى و نهاية الأحكام و التذكرة للأصبح ذكر، بل انتقلوا فيما عدا الأول و الأخير بعد الأسن إلى القرعة، نعم في الأخير بعد الأسن، و بالجملة يقدم الأولى في المكتوبة

ج 12، ص: 19

و هو يعطي الصباحة و غيرها كقدم الهجرة، و هو الذي ينبغي إذا عمم المأخذ المكتوبة و صلاة الجنازة، قلت: قد عرفت انحصار المأخذ في ذلك، فالمتجه حينئذ مراعاة ذلك كله فيما لم يظهر فيه فرق بين المقامين، و قد استقصينا الكلام هناك في ذلك و في المراد من هذه الألفاظ في بحث الجماعة قبل كتابة المقام، فلاحظ و تأمل.

لكن بقي شي ء و هو أنه في جماعة اليومية يتجه تأخير القرعة لو تشاحوا عن وجود المرجحات، لأن الحاصل استحباب تقديم الواجد للمأمومين على الفاقد، أما المقام فباعتبار اشتراك الولاية و أنه لا يجب على الفاقد تقديم الواجد كما في اليومية على ما عن بعضهم التصريح به هنا للأصل و إطلاق الأدلة يمكن حينئذ تصور التشاح مع الأوصاف المزبورة، فيحتاج حينئذ إلى القرعة، و لعله لذلك ترك ترتيبها على الأوصاف المزبورة في المتن و غيره، لأنها تأتي مع التشاح و ان امتاز أحدهما بالصفات كما عن القاضي في المهذب إطلاق القرعة إذا تشاح الاثنان و إن حكي عنه في الكامل أنه اعتبرها مع التساوي في العقل و الكمال، فتأمل جيدا.

و الظاهر الترجيح بهذه الأوصاف في الإمام من غير الأولياء أيضا كما صرح به في كشف اللثام لاتحاد طريق المسألتين، بل في الترجيح بها أو بعضها في الفرادى وجه، لكن ظاهر المتن بل و غيره خلافه، و لعله لإمكان وقوع الصلاة منهم جميعا فرادى، فلا تشاح حينئذ، بخلافه في الجماعة و إن قال في كشف اللثام: إنه لا بأس عندي لو عقدوا جماعة أو جماعتين أو جماعات دفعة، لكن الأفضل الاتحاد، إذ يمكن تشاحهم حينئذ على الأفضل، أو يفرض عدم تيسر الزائد على الجماعة الواحدة، مع أنه يمكن منع ذلك من أصله بعدم المعهودية على وجه يشكل اندراجه في إطلاق الأدلة، بل قد يتوقف فيما ذكرناه أيضا و إن كان الأقوى الجواز، بل تسمع إن شاء الله في جواز تعاقب المصلين ما يقضي بالجواز حتى في الجماعة، و على كل حال فالمخاطب بالتقديم الفاقد حينئذ

ج 12، ص: 20

كما أنه هو و الجماعة مخاطبون بتقديمه في الجماعة، بل يستحب للواجد أيضا ذلك، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد ظهر لك مما دل على ثبوت الأولوية المزبورة أنه لا يجوز أن يتقدم أحد للصلاة جماعة أو فرادى كما عرفته مفصلا في بحث التغسيل إلا بإذن الولي سواء كان بشرائط الإمامة أو لم يكن بعد أن يكون مكلفا ضرورة عدم اعتبار صلاحية لما هو ولي عليه في ثبوت الولاية، لإطلاق الأدلة الممنوع انصرافه إلى ذلك على وجه الشرطية، بل ثبوت الولاية في التغسيل لمن لا يجوز له المباشرة مع وجود المماثل أوضح شي ء في الدلالة على العدم، نعم يعتبر فيه الصلاحية للاذن أو الفعل، أما إذا لم يكن كذلك ففي سقوط الولاية أو انتقالها إلى وليه أو إلى غيره من الأرحام أو إلى الحاكم وجوه، كما لو امتنع أو كان غائبا و إن كان الأقوى الأول فيهما، خصوصا في الأول منهما، و ظاهر العبارة و غيرها تقديم الولي على الموصى إليه بالصلاة، بل عن المسالك أنه المشهور، بل في المحكي عن المختلف لم يعتبر علماؤنا ما ذكره ابن الجنيد أي من تقديم الوصي، و هو كذلك لأني لم أجد من وافقه عليه، نعم عن المحقق الثاني احتماله، بل نفى عنه البأس في المدارك لعموم ما دل (1)على النهي عن تبديل الوصي و لاشتهار ذلك بين السلف، و لأن الميت ربما آثر شخصا لعلمه بصلاحه و طمعه في إجابة دعائه، فمنعه من ذلك و حرمانه ما أمله غير موافق للحكمة، و لأن الولاية نظر للميت في أحد الاحتمالين، لكن ذلك كله كما ترى لا يصلح معارضا لإطلاق الأدلة

بعد منع عموم النهي عن تبديل الوصية لذلك، كما أن ما يحكى عن ابن حنبل- من ترجيح الوصي بأن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر و عمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، و أوصت عائشة أن يصلي عليها أبو هريرة، و ابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير، و يونس


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من كتاب الوصايا.

ج 12، ص: 21

ابن حسر أوصى أن يصلي عليه مالك بن أنس، و أبو شريحة أوصى أن يصلي عليه زيد ابن أرقم- لا حجة فيه مع عدم ثبوته، و على كل حال فالأقوى ما ذكرنا، لكن لا ريب في أولوية صلاة الوصي بإذن الولي لما فيه من الجمع بين الحقين بل الحقوق و الاحتياط، و الله أعلم.

و إمام الأصل (عليه السلام) أولى بالصلاة من كل أحد بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، بل لعله ضروري المذهب كما اعترف به في كشف اللثام، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أو قائم مقامه في ذلك كما نادى به النبي (صلى الله عليه و آله) في الغدير(1)و إن كان مورده أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا أن المعلوم اشتراك الأئمة (عليهم السلام) جميعا به، لاشتراكهم (عليهم السلام) في الإمامة المقتضية له، و ل

قول الصادق (عليه السلام)(2): «إذا حضر الامام (عليه السلام) الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها»

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرسل الدعائم (3): «إذا حضر السلطان الجنازة فهو أحق بالصلاة عليها من وليها»

و لأنه هو الموافق لصلاح الميت و دفع الضرر عنه الذين ينبغي مراعاة الولي إياهما، بل ربما كان منشأ ولايته أنه ادعى من غيره لصلاح الميت،

و تقديم الحسين (عليه السلام) سعيد بن العاص (4)في الصلاة على الحسن قائلا: «لولا السنة لما قدمتك»

لعله لإطفاء الفتنة كما في الذكرى، فان من السنة إطفاؤها، على أنه غير ثابت عندنا، كما أنه لم يثبت عدم مسبوقية تلك الصلاة بصلاته (عليه السلام) و لا لحوقها، مع أنه يمكن أن يكون قد أذن له


1- 1 الغدير للامينى ج 1 من ص 14 إلى ص 73.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.
3- 3 المستدرك- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5 من كتاب الطهارة.
4- 4 كنز العمال- ج 8 ص 114- الرقم 2145.

ج 12، ص: 22

في الائتمام بغيره و لم ينو الائتمام هو به، بل صلى بنية الانفراد، على أن التقية باب واسع، و على كل حال فهو غير مناف لما دل على أن المعصوم لا يصلي عليه إلا معصوم كما هو واضح.

و كيف كان فلا يحتاج الامام بعد ما عرفت من أولويته إلى الاذن ممن هو أولى به من نفسه أيضا كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن مبسوط الشيخ و

معتبر المصنف و مختلف الفاضل فاعتبروا الاذن جمعا بين الحقوق (الحقين خ ل) و الأدلة، و ل

خبر السكوني (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا حضر سلطان من سلاطين الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه الولي، و إلا فهو غاصب»

و هو- مع ضعفه و إشعاره بعدم وجوب الاذن و لا يقولون به- محتمل كما في الذكرى لغير سلطان الأصل كما يشعر به التنكير المشعر بالكثرة، بل يمكن أن يكون ذلك تعريضا في الولاة و الخلفاء الذين يتقدمون بسلطانهم ك

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(2): «لا يؤم الرجل في سلطانه»

بل حمله في كشف اللثام على تقدير جزاء للشرط فيه و إرجاع «هو» إلى الولي: أي إن قدمه الولي فذاك و إلا فهو غاصب، قلت: يمكن احتمال ذلك في المحكي من عبارة المبسوط، قال: فان حضر الامام العادل كان أولى بالتقديم، و وجب على الولي أن يقدمه (تقديمه خ ل) فان لم يفعل لم يجز له أن يتقدم، و إن كان ذيله يشهد لإرادة الإمام من الضمير المجرور على معنى وجوب الاذن على الولي فان لم يفعل أثم، لكن ليس للإمام التقدم، إلا أنه في غاية البعد، ضرورة كون المناسب عدم مراعاته بعد إقدامه على المعصية إن لم يجبر على الاذن كما صرح به في الذكرى على تقدير اعتبار الاذن، لا أنه يؤثر منعا في الأولوية


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.
2- 2 سنن أبى داود ج 1 ص 137 المطبوعة عام 1371.

ج 12، ص: 23

المزبورة، خصوصا و الامام أولى منه بماله من الاذن أيضا إن كان من المؤمنين، فلو أذن لغير الولي نفذ فضلا عن مباشرته.

نعم قد يقال بأن ولاية الإمام حال حضوره الجنازة لا أنه متى أمكن الرجوع اليه لم يجز مباشرة أولياء الميت شيئا من أموره حتى يأذن لهم، لما فيه من العسر و الحرج بل يمكن كون المعهود من حال السلف خلاف ذلك، كما أن اشتراط الحضور في الخبرين يومي اليه أيضا، فما عساه يظهر- من إطلاق الأولوية في المتن و غيره من كونه كباقي الأولياء، بل عن أبي الصلاح التصريح بذلك، قال: الإمام أولى، فإن تعذر حضوره و إذنه فولي الميت- لا يخلو من نظر، كالمحكي عن ابن الجنيد من أن الأولى الإمام، ثم خلفاؤه، ثم إمام القبيلة كباقي الصلوات محتجا بأن له ولاية الصلاة في الفرائض، ففي الجنائز أولى، و هو مناف لإطلاق ولاية الأولى بالميراث بلا مقتض بعد وضوح منع الملازمة المزبورة، بل هو مناف للضرورة إن أريد بالخلفاء ما يشمل المجتهدين في هذا الزمان، بل عن التذكرة «أن الولي أولى من الوالي عند علمائنا» لكن في الذكرى «إن أراد:

أي الفاضل توقفه على تقديمه و إن كان تقديمه مستحبا فحسن، و إن أراد نفي استحباب تقديمه فظاهر الخبر: أي خبر السكوني يدفعه» قلت: قد عرفت ما في الخبر المزبور لكن لا بأس به بعد التسامح و فرض كون الوالي جامعا لشرائط الإمامة، و الله أعلم.

و الهاشمي أولى من غيره إن قدمه الولي و كان بشرائط الإمامة بلا خلاف أجده فيه، بل حكى الشهرة عليه غير واحد، بل عن المعتبر و التذكرة و نهاية الأحكام الإجماع عليه لكن بمعنى أنه ينبغي للولي تقديمه، فالإجماع المزبور كاف حينئذ في ثبوته فلا يقدح حينئذ عدم استثبات الشهيد في الذكرى

للمرسل النبوي «قدموا قريشا و لا تقدموها»

في رواياتنا، مع أنه أعم من المدعي، و ربما كان من ترويجات السقيفة، نعم ما عن المفيد من وجوب التقديم في غاية البعد لعدم الدليل، و لولا أن المحكي من

ج 12، ص: 24

عبارته يأبى الحمل على الامام لكان المتجه حمله عليه، و يمكن أن يريد تأكد الندب، و المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) الذي هو عين المحكي عن رسالة علي بن بابويه لو قلنا بحجيته لا دلالة فيه على الوجوب، قال: «و اعلم أن أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي، فإن كان في القوم رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة إذ قدمه الولي، فإن تقدم من غير أن يقدمه الولي فهو غاصب» اللهم إلا أن يدعى ظهوره في إرادة وجوب تقديم الولي إياه كما سمعته من كشف اللثام في خبر السكوني، و يؤيده أنه لا معنى لاشتراط الأحقية بتقديم الولي، إذ لا فرق بينه و بين غيره في ذلك، فلا بد حينئذ من جعل الشرط مستأنفا و يقدر له جزاء، لكن كفانا مؤنة ذلك عدم حجية الكتاب المزبور مع مخالفته هنا للمشهور، فتأمل.

و كيف كان فالمراد هنا ثبوت أصل الترجيح بالهاشمية لا رجحانها على سائر المرجحات، و تخصيص المصنف هنا بالذكر لها لعله لخلاف المفيد، أو لإرادة بيان ترجيحها في غير الأولياء، لكن يبعد الأخير ظهور الفتاوى و معاقد الإجماعات في عدم الفرق في الترجيح بها بين الأولياء و بين غيرهم، كما أن الظاهر عدم اختصاص تلك المرجحات السابقة في الأولياء كما عرفت، هذا، و في الذكرى «قال ابن الجنيد: و من لا أحد له فالأقعد نسبا برسول الله (صلى الله عليه و آله) من الحاضرين أولى به» و هو إنما يقتضي ثبوت الولاية مع عدم الولي، و يقتضي تقديم الأقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فالأقرب، و لعله إكرام لرسول الله (صلى الله عليه و آله)، فكلما كان القرب منه أكثر كان أدخل في استحقاق الإكرام» قلت: يمكن أن لا يكون مخالفا فيما نحن فيه من ترجيح تقديم الهاشمي على غيره، إذ هو أمر غير الولاية، و فيه حينئذ أنه مناف لما سمعته من ترتب الولاية على طبقات الإرث، فلا بد من انتهائه إلى الامام (عليه السلام)،

ج 12، ص: 25

و يأتي البحث السابق فيما لو غاب الولي، و الله أعلم.

و يجوز أن تؤم المرأة النساء بلا خلاف أجده فيه، بل في التحرير الإجماع عليه، و

قال زرارة(1)في الصحيح لأبي جعفر (عليه السلام): «المرأة تؤم النساء قال: لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر و يكبرن»

و سأله (عليه السلام) الصيقل (2)في خبره أيضا «كيف تصلي النساء على الجنازة إذا لم يكن معهن رجل؟ قال: يصففن جميعا و لا تتقدمهن امرأة، يقمن جميعا في صف واحد و لا تتقدمهن امرأة، قيل ففي صلاة مكتوبة أ يؤم بعضهن بعضا؟ قال:

نعم»

و قال الباقر (عليه السلام) في خبر جابر(3): «إذا لم يحضر الرجل تقدمت امرأة وسطهن و قام النساء عن يمينها و شمالها و هي وسطهن تكبر حتى تفرغ من الصلاة»

و ظاهر الجميع وجوب القيام وسط الصف، بل في كشف اللثام أنه ظاهر الأكثر لظاهر الأخبار، لكن قال المصنف هنا و يكره أن تبرز عنهن بل تقف في صفهن و اقتصر في الكشف على نقل خلافه، و كأنه حمل النص و الفتوى على ذلك و لا بأس به.

و كيف كان فظاهر النص و الفتوى و معقد الإجماع عدم اشتراط صلاتهن بعدم الرجال، بل يجزي ذلك منهن عنهم كما هو مقتضى الوجوب الكفائي الشامل للرجال و النساء و الخنائي، فما عساه يحكى عن ظاهر السرائر من اشتراط صلاتهن بعدم الرجال في غير محله، مع أنه

يمكن إرجاعه إلى الأصحاب و كذا الرجال العراة في الائتمام و عدم البروز عن الصف بل يقف معهم كالمرأة بلا خلاف، بل في جامع المقاصد و فوائد


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 25- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 و ذيله في الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 26

الشرائع نسبته إلى الشيخ و الأصحاب، لكن قال في الأخير مع أنهم صرحوا بأن العراة يجلسون في اليومية و كأنه بناء على أن الستر ليس شرطا في صلاة الجنازة و نحن نشترطه أو للفرق بينها و بين اليومية بالاحتياج إلى الركوع و السجود هناك بخلافه هنا، و ليس بشي ء لوجوب الإيماء، و المتجه فعلها من جلوس و استحباب عدم التقدم بحاله، و فيه أنه مخالف لظاهر الأكثر، بل صريح التذكرة و الذكرى و المحكي عن المعتبر و غيره، بل ظاهرهم عدم الفرق في ذلك بين أمن المطلع و عدمه، و إن كان قد يشكل بأنه كما يجب القيام في هذه الصلاة يجب حفظ العورة عن النظر، بل هو أهم بالمراعاة، و يمكن حمل كلامهم هنا على الأول، و أمن بعضهم من بعض حاصل بوقوف الامام معهم في الصف، فكل منهم مستتر بالآخر، و عدم وجوب مثله في الفريضة إن قلنا به فللنص (1)و لأن القيام في هذه الصلاة من أركانها بخلافه في الفريضة، و ظاهر الوسيلة وجوب وضع اليد على السوأة، قال: «يقف الإمام في وسطهم واضعين (واضع خ ل) أيديهم على سوآتهم» و لم أجده لغيره، لكن لا بأس به لو توقف الحفظ عن

النظر عليه، كما أنه لا بأس بما هو ظاهر الأكثر من وجوب وقوف الإمام في الصف، بل لا أجد تصريحا بخلافه من غير المصنف، إذا المحقق الثاني و إن صرح بالندب إلا أنه صرح بالجلوس كما عرفت، إلا أنه و مع ذلك فالقول بالندب غير بعيد الإرادة من إطلاق الفتاوى إذا لم يتوقف عليه التحفظ عن النظر، و لعل إطلاق المصنف الجواز بناء على عدم توقفه غالبا، لأن دبره مع بروزه مستور بالأليتين، و قبله بالتقدم، كما أن إطلاق الأصحاب الوقوف في الصف مبني على قبح النظر إلى صورة الأليتين، بل لا يبعد جعل المدار في القيام أيضا على التمكن من التحفظ عن النظر و عدمه، فيجب في الأول و الجلوس في الثاني، بل يصلون حينئذ من جلوس إن كانوا جميعا كذلك، و إلا صلى كل منهم بحسب تمكنه بناء


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب لباس المصلى من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 27

على مشروعية الصلاة للعاجز مع القادر، لكن لا يأتم القائم بالقاعد كما في اليومية، و إن كان في إقامة الدليل عليه بناء على عدم اندراج مثل هذه الصلاة في الإطلاق إشكال قد يدفعه أنه و إن قلنا بعدم اندراجها في إطلاق الصلاة لكن لا ريب في اندراج ائتمامها في إطلاق الائتمام، فيعتبر فيه حينئذ ما اعتبر فيه في غيرها إذا كان دليل الاعتبار ظاهرا في الائتمام، من حيث هو لا الائتمام بخصوص الفريضة مثلا، فما في كشف الأستاذ- من أن في اشتراط القيام لو أم قائمين مع عجزه عن القيام، و طهارته بالماء لو أم متطهرين به، و عدم ارتفاع مقامه بما يعتد به على المأمومين وجهين، أقواهما العدم- لا يخلو من نظر فيما عدا الوسط الذي يقوى عدم اعتباره في الفريضة فضلا عن هذه الصلاة، و ربما تسمع لذلك تتمة، كما أنه بملاحظة ما سلف لنا في صلاة العاري يحصل ما له نفع تام في المقام، فلاحظ و تأمل.

ثم إن الظاهر جريان البحث في ائتمام المستورين بالعاري، فيستحب أو يجب الوقوف معهم في الصف، و الله أعلم.

و كيف كان ف غيرهما من الأئمة: أي العاري و الامرأة يبرز أمام الصف و لو كان المؤتم واحدا بلا خلاف أجده فيه، بخلاف المكتوبة ل

خبر اليسع بن عبد الله القمي (1)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يصلي على الجنازة وحده قال: نعم، قلت: فاثنان قال: نعم و لكن يقوم الآخر خلف الآخر و لا يقوم بجنبه»

و لا صراحة فيه بخصوص الائتمام، فيمكن ثبوت الحكم في الانفراد أيضا، إلا أني لم أجد نصا من أحد من الأصحاب عليه، و الظاهر إرادة الندب من إطلاق النص و الفتوى، بل مقتضى النهي في الأول منهما الكراهة، و هو مما يؤيد إرادتهم من نحو ذلك فيما تقدم الندب أيضا، إذ احتمال الوجوب هنا بعيد.


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 28

و على كل حال ف إذا اقتدى النساء بالرجل وقفن خلفه بالأولى لمطلوبية الستر، و لأن الجنازة أولى من المكتوبة التي ينبغي تأخرهن عنه فيها و إن كان وراءه رجال وقفن خلفهم بلا خلاف، بل في المدارك لا ريب فيه لتأخر رتبتهن، و لأنه أبلغ في الستر و أبعد عن الافتتان بهن و الاشتغال بتصورهن، و في

خبر السكوني (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): خير الصفوف في الصلاة المقدم، و خير الصفوف في الجنائز المؤخر، قيل: يا رسول الله و لم؟

قال: صار سترة للنساء»

و اليه أشار في الفقيه فقال: و أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير، و العلة في ذلك أن النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الميت الصف الأخير، و العلة في ذلك أن النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز فقال النبي (صلى الله عليه و آله): أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير فتأخرن إلى الصف الأخير فبقي فضله على ما ذكره (صلى الله عليه و آله)، و مراده كما في وافي الكاشاني «أن النساء إنما يختلطن بالرجال في الجنائز طلبا لفضل الصف المتقدم من صفوفهن المتأخرة، فيقفن خلف الرجال متصلات بهم، فنهين عن ذلك بتفضيل الصف الأخير من صفوفهن على الأول منها، و أما في الصلوات المكتوبة فللزوم تأخرهن عنهم هنالك بمقدار مساقط أجسامهن أو أكثر لم يحصل الاختلاط المحذور منه، و أما طلب الرجال

التأخر بعد شرعيته هنا فلا مفسدة فيه، لأنهن كن خلفهم لا يرونهن، و أما تقدمهم على النساء في الصلاتين فكان من الأمور المعهودة عندهم، و كانوا يعلمون ذلك، و إنما كان فضيلة تأخرهم بالإضافة إلى أنفسهم دون النساء، لتقدم الرجال على النساء على كل حال، إذا عرفت هذا فمعنى

قوله (صلى الله عليه و آله): «صار سترة للنساء»

أن الصف المتأخر أنما فضل على المتقدم لتطلب النساء التأخر فالتأخر، فيكون أبعد من الرجال، فيكن مستورات عنهم بصفوفهن المتقدمة، ثم لما شرع لهذه المصلحة بقي حكمه إلى يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 29

القيامة و إن لم يكن مع الرجال امرأة، مع أن فيه منع الناس عن الازدحام، قيل:

و يحتمل أن يكون المراد بالصفوف في الحديث صفوف الجنائز لا المصلين، فان كل صف من الجنائز أقرب إلى المصلي فهو المؤخر و هو الأفضل، قلت، و حينئذ يشكل التعليل» انتهى.

قلت: بل يشكل الدليل حينئذ على ما ذكره غير واحد من الأصحاب، بل ظاهرهم الاتفاق عليه من فضل الصف الأخير في صلاة الجنازة عكس اليومية، إذ لم نقف على غير الخبر المزبور، لكن و مع ذلك عن المجلسي الجزم بالاحتمال المزبور، بل بالغ في الإنكار على الأصحاب في فهم الخبر المذكور على غير ذلك، قال: «و الذي يفهم من الرواية و هو الظاهر منها لفظا و معنى أن المراد بالصفوف في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة لصلاة الجنازة و غيرها، و المراد بصفوف الجنائز إنما هو الجنائز المختلفة إذا وضعت بين يدي الإمام للصلاة عليها، و أن المراد خير الصفوف في الصلاة الصف المتقدم: أي ما كان أقرب إلى القبلة، و خير الصفوف في الجنائز المؤخر: أي ما كان أبعد عن القبلة و أقرب إلى الامام، و لما كان الأشرف في جميع المواضع متعلقا بالرجال صار كل من الحكمين سببا لسترة النساء، لأن تأخرهن في الصفوف سترة لهن، و تأخر جنائزهن لكونه سببا لبعدهن عن الرجال المصلين سترة لهن، فاستقام التعليل في الخبرين و سلم الكلام عن ارتكاب الحذف و المجاز، و صار الحكم مطابقا لما دلت عليه الأخبار، و العجب من الأصحاب كيف غفلوا عن هذا الاحتمال الظاهر و ذهبوا إلى ما يحتاج إلى تلك التكلفات البعيدة الركيكة، فخذ ما آتيتك و كن من الشاكرين» و استجوده في الحدائق لكن قال: إن دليل الأصحاب لا ينحصر في الخبر المزبور، فيمكن أن يكون نص لم يصل إلينا كما في كثير من الأحكام، بل التعليل المزبور من الفقيه كالصريح في وصول نص اليه كما لا يخفى على الممارس العارف بطريقته، مضافا إلى ما

في فقه الرضا

ج 12، ص: 30

(عليه السلام) «و أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير».(1)

قلت: على أنه قد يقال بعدم حسن التعليل في الخبر المزبور إلا على ما ذكره الأصحاب، ضرورة عدم الاحتياج للسترة في الصلاة على المرأة حتى يكون الصف المؤخر من جنائز الرجال سترة بين المصلي و بين جنائز النساء الذي هو المقدم، بخلافه على ما عند الأصحاب، إذ المراد أنه صار فضل التأخر سببا لستر النساء و عدم تقدمهن على الرجال أو محاذاتهن، كما هو واضح بأدنى نظر، فتأمل، و كيف كان فلا ريب في تأخر النساء عن الرجال إلا أن الظاهر كون ذلك على الندب، لإطلاق الأدلة و انسباق ثبوت ذلك فيها تشبيها لها بالصلاة، أو أنها منها، و قد عرفت عدم وجوب ذلك في الفريضة، فهي أولى عند التأمل.

و على كل حال ف ان كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا كما صرح به جماعة و إن كان ظاهر النصوص الوجوب كبعض الفتاوى،

قال محمد بن مسلم (2)في الصحيح: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تصلي على الجنازة قال:

نعم، و لا تصف معهم و تقف مفردة»

و سأله (عليه السلام) سماعة (3)أيضا «عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة فقال: تتيمم و تصلي عليها و تقوم وحدها بارزة من الصف»

و البصري(4)«تصلي الحائض على الجنازة فقال: نعم، و لا تصف معهم و تقوم مفردة»

و مرسل ابن المغيرة(5)عن رجل أنه سأله (عليه السلام) أيضا «عن الحائض تصلي على الجنازة فقال: نعم و لا تقف معهم»

كقول الباقر (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (6)أيضا: «ان الحائض تصلي على الجنازة و لا تصف معهم»

إلى غير


1- 1 فقه الرضا عليه السلام ص 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 5 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 3 من كتاب الطهارة.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 4 من كتاب الطهارة.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 31

ذلك، لكن حمل الأمر و النهي فيها على الندب و الكراهة لأنه المناسق له لقوة الإطلاق و الحكم بندبية التأخر لغيرها غير بعيد، كما أن المنساق من النصوص المزبورة إرادة انفرادها بصف عن النساء و الرجال، بل هو مقتضى إطلاق خبر سماعة لا خصوص الأخير و إن كان هو المذكور في كثير منها باعتبار تذكير الضمير، لكنه لا ينافي الانسياق فضلا عن الإطلاق، فما عن الذكرى- من أن في انفراد الحائض هنا نظرا من

قول الصادق (عليه السلام): «لا تقف معهم تقف منفردة»

و ان الضمير يدل على الرجال، و إطلاق الانفراد يشمل النساء- في غير محله، خصوصا

بعد فهم الأصحاب، إذ لم أجد فيه خلافا من أحد، ثم لا يخفى أن الأمر بالتيمم في موثق سماعة لا لتحصيل الطهارة، ضرورة عدم إمكان حصولها قبل انقطاع الدم، بل المراد استحباب الصورة و لا بأس به، و الله أعلم.

[القسم الثالث في كيفية الصلاة]
اشاره

القسم الثالث في كيفية الصلاة و هي

[في كيفية الصلاة على المؤمن]

على المؤمن خمس تكبيرات بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص منها المشتمل على بيان الوجه في ذلك أنه أخذ من كل من الخمس صلوات تكبيرة(1)أو من كل من الخمس فرائض: الصوم و الصلاة و الزكاة و الحج و الولاية تكبيرة(2)و لعله لذا ترك العامة أحدها لعدم النصيب لهم في الأخيرة، و بالجملة كون الصلاة عندنا خمسا كالضروري من المذهب، بل يعرفه المخالف منا فضلا عن الموافق، بل عن بعض العامة أنهم تركوه لأنه من شعار الشيعة، قال في المحكي عن حواشي الشهيد: إن محمد بن علي بن عمران التميمي المالكي قال في كتابه الموسوم بفوائد مسلم: إن زيدا كبر خمسا و إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان كذلك يكبرها و لكن ترك هذا المذهب لأنه صار علما على القول بالرفض، قلت: و من هنا تركوا الحق في أصول الدين


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 32

و فروعه، لأنه علم على الرفض، و تكبير علي (عليه السلام) على سهل بن حنيف خمسا و عشرين تكبيرة كأنه تكرير للصلاة خمس مرات كما صرحت به

النصوص (1)و أنه (عليه السلام) كلما صلى و مشى به جاء جماعة فقالوا: لم ندرك الصلاة عليه فأنزله و أعاد الصلاة حتى انتهى به إلى قبره،

بل

عنه (عليه السلام)(2)أنه قال: «لو كبرت عليه سبعين تكبيرة لكان أهلا»

و في آخر(3)عن الصادق (عليه السلام) «أنه صلى (عليه السلام) خمسا لأن له خمس مناقب، فصلى عليه لكل منقبة صلاة»

و أشار فيه إلى أربعة منها، هي أنه بدري أحدي من النقباء الذين اختارهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) من الاثنى عشر نقيبا، عقبي أي أحد الستة الذين لاقاهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) في عقبة المدنيين و أخذ البيعة عنهم، و ترك ذكر الخامسة، و لعلها الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه من السابقين الذين رجعوا اليه (عليه السلام)، بل منه يعلم ندب تكرير الصلاة لأهل الشرف و الفضل كما ستعرف.

و من ذلك يظهر الوجه في تكبير النبي (صلى الله عليه و آله) على فاطمة بنت أسد أربعين (4)و

على عمه حمزة سبعين (5)و ان المراد صلاته أربعة عشر صلاة، و

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة(6): «أنه صلى عليه سبعين صلاة»

يمكن حمله على إرادة الدعاء له سبعين مرة أي دعا له بعد كل تكبيرة، فيتحد حينئذ مع الخبر الأول، و على كل حال فليس المراد سبعين تكبيرة لصلاة واحدة، بل

عن صحيفة الرضا


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 و 5 و 21.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 12 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 18.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5 و 7 من كتاب الطهارة.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.

ج 12، ص: 33

(عليه السلام)(1)بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «رأيت النبي (صلى الله عليه و آله) كبر على عمه حمزة خمس تكبيرات، و كبر على الشهداء بعده خمس تكبيرات، فلحق حمزة سبعين تكبيرة».

نعم في

خبر عقبة(2)سأل جعفر (عليه السلام) «عن التكبير على الجنائز فقال: ذاك إلى أهل الميت ما شاءوا كبروا، فقيل: إنهم يكبرون أربعا فقال: ذاك إليهم».

و في

خبر جابر(3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التكبير على الجنازة هل فيه شي ء موقت؟ فقال: لا، كبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إحدى عشر و تسعا و سبعا و خمسا و ستا و أربعا»

و لا ريب في شذوذه، و في كشف اللثام أنه يجوز أن يكون بحضور جنازة أخرى أو جنازات أخر في أثناء الصلاة و الاستئناف عليهما، و يجوز خروج الزائد عن الصلاة، و يجوز أن يراد بالتكبير الصلاة، و يراد تكريرها ستا و سبعا فصاعدا، و يجوز كون تكبيرات الامام و المأموم اللاحق بأجمعها ستا أو سبعا أو تسعا.

قلت: لا يقدح بعد ذلك أو بعضه بعد ما عرفت من الشذوذ و مخالفة الإجماع أو الضرورة فضلا عن المستفيض أو المتواتر من النصوص (4)التي منها يعلم البطلان لو قصد من أول الأمر التقرب بالزائد أو الناقص على وجه التشريع و إن لم يفعل ما نواه أما لو زاد عمدا بعد نية التمام فقد قيل بعدم البطلان، لوقوعه البتة في الخارج فلا تبطل، و قد يشكل أولا بما عن جامع المقاصد مما إذا زاد عند بعض الأدعية تكبيرتين فإنه حينئذ ليس خارجا عن الصلاة، و ثانيا بأنه مع قصد الزيادة بما يأتي به دون التي هي من الصلاة لا تقع منها، نعم لو زاد سهوا يمكن عدم البطلان و إن كان عند بعض الأدعية،


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 17 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 18.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 17.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 34

لعدم ثبوت حكم الركنية هنا، و دعوى أنها الأصل يمكن منعها، خصوصا بعد إمكان فتح قاعدة السهو التي منها يمكن القول بالصحة مع النقصان كذلك إذا لم يذكره إلا بعد انمحاء الصورة، خلافا لبعضهم فصرح بالبطلان به إذا كان على وجه لا يمكن التدارك، و فيه بحث يعلم من المباحث السابقة، و الله أعلم.

و كيف كان ف الدعاء خاصة أو الشامل للشهادتين بينهن أي التكبيرات غير لازم عند المصنف خاصة هنا، قيل: و ظاهر النافع و المعتبر، للأصل و الإطلاق المقطوعين بما ستعرف إذا فرض كون الثاني منهما مساقا لنحو ذلك، و اختلاف النصوص الذي هو في خصوص بعض الكيفيات، خلافا لمن عداه من الأصحاب فيجب، بل لعله في النافع و المعتبر كذلك، قال في الأول: «هي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية و لا يتعين، و أفضله أن يكبر» إلى آخر ما في الكتاب مع زيادة الانصراف بالخامسة مستغفرا، و نحوه في ذلك كله في كشف اللثام عن المعتبر مع زيادة أنه مذهب علمائنا، بل حسن الظن به في نقل ما ظاهره الإجماع يوجب إرادته عدم تعين دعاء مخصوص لا أصل الدعاء، و إلا كان ذلك منه من الغرائب، ضرورة كونه محصلا و منقولا في ظاهر الخلاف و صريح الغنية على خلافه، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام «الصلاة على النبي و آله (عليهم السلام) واجبة بإجماع الإمامية» و في الذكرى «أن الأصحاب أجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة كابني بابويه و الجعفي و الشيخين و أتباعهما و ابن إدريس، و لم يصرح أحد منهم بندب الأذكار، و المذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب».

قلت: مضافا إلى اشتراك جميع نصوص الكيفية فعلا و قولا بخلافه على اختلافها ففي

صحيح محمد بن مهاجر(1)عن أمه أم سلمة «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 35

كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا صلى على ميت كبر فتشهد، ثم كبر فصلى على الأنبياء و دعا، ثم كبر و دعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة و دعا للميت، ثم كبر و انصرف فلما نهاه الله عز و جل عن الصلاة للمنافقين كبر فتشهد، ثم كبر فصلى على النبيين، ثم كبر و دعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة و انصرف، و لم يدع للميت»

قيل: و أرسله في الفقيه و رواه في العلل مبدلا الأنبياء بالنبي، و زائدا و المؤمنات، و في

خبر إسماعيل (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) على جنازة فكبر عليه خمسا، و صلى على أخرى فكبر عليه أربعا فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله و مجده في التكبيرة الأولى، و دعا في الثانية للنبي (ص) و دعا في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات، و دعا في الرابعة للميت، و انصرف في الخامسة، و أما الذي كبر عليه أربعا فحمد الله

و مجده في التكبيرة الأولى، و دعا لنفسه و أهل بيته في الثانية، و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة، و انصرف في الرابعة، و لم يدع له لأنه كان منافقا».

و قال أبو بصير(2)في خبره: «كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز فقال: خمس تكبيرات، ثم دخل آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز فقال له: أربع صلوات، فقال الراوي: جعلت فداك سألك ذاك فقلت خمسا، و سألك هذا فقلت: أربعا فقال: إنه سألني عن التكبير و سألني هذا عن الصلاة؟ ثم قال: إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات ثم بسط كفه فقال:

إنهن خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات».


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 12 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 36

و خبر علي بن سويد(1)عن الرضا (عليه السلام) فيما يعلم قال: «في الصلاة على الجنائز تقرأ في الأولى أم الكتاب، و في الثانية تصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) و تدعو في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات، و تدعو في الرابعة لميتك، و الخامسة تنصرف بها»

و القداح (2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) كان إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب و يصلي على النبي (صلى الله عليه و آله)»

و سأل زرارة(3)في الصحيح أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الصلاة على الميت فقال: تكبر ثم تصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) ثم تقول: اللهم عبدك و ابن عبدك ابن أمتك، لا أعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه و تقبل منه، و إن كان مسيئا فاغفر له ذنبه، و افسح له في قبره، و اجعله من رفقاء محمد (صلى الله عليه و آله)، ثم تكبر الثانية و تقول: اللهم إن كان زاكيا فزكه، و إن كان خاطئا فاغفر له، ثم تكبر الثالثة و تقول: اللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده، ثم تكبر الرابعة و تقول: اللهم اكتبه عندك في عليين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و اجعله من رفقاء محمد (صلى الله عليه و آله)، ثم كبر الخامسة و انصرف».

و سأله (عليه السلام) أيضا أبو ولاد(4)في الصحيح أو الحسن «عن التكبير على الميت فقال: خمس، تقول في أولاهن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم صل على محمد و آل محمد، ثم تقول: اللهم إن هذا المسجى قدامنا عبدك و ابن عبدك و قد قبضت روحه إليك، و قد احتاج إلى رحمتك، و أنت غني عن عذابه، اللهم إنا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا و أنت أعلم بسريرته، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 8 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 37

و إن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، ثم تكبر الثانية و تفعل ذلك في كل تكبيرة»

و قال هو (عليه السلام) أيضا للحلبي (1)«تكبر ثم تشهد ثم تقول: إنا لله و إنا إليه راجعون الحمد لله رب العالمين رب الموت و الحياة صل على محمد و أهل بيته، جزى الله محمدا عنا خير الجزاء بما صنع بأمته و بما بلغ من رسالات ربه، ثم تقول: اللهم عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك، ناصيته بيدك، خلا من الدنيا و احتاج إلى رحمتك، و أنت غني عن عذابه اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، و تقبل منه، و إن كان مسيئا فاغفر له ذنبه، و ارحمه و تجاوز عنه برحمتك، اللهم ألحقه بنبيك (صلى الله عليه و آله)، و ثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا و الآخرة، اللهم اسلك بنا و به سبيل الهدى، و اهدنا و إياه صراطك المستقيم، اللهم عفوك، ثم تكبر الثانية و تقول: مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات».

و قال سماعة(2): «سألته عن الصلاة على الميت فقال: تكبر خمس تكبيرات، تقول أول ما تكبر: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم صل على محمد و آل محمد و على الأئمة الهداة، و اغفر لنا و لوالدينا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم اللهم اغفر لأحيائنا و أمواتنا من المؤمنين و المؤمنات، و ألف بين قلوبنا على قلوب أخيارنا و اهدنا

لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك، و تقول: اللهم هذا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك أنت أعلم به افتقر إلى رحمتك، و استغنيت عنه، اللهم فتجاوز عن سيئاته، و زد في حسناته و اغفر له و ارحمه و نور له في قبره و لقنه حجته و ألحقه بنبيه و آله، و لا تحرمنا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.

ج 12، ص: 38

أجره و لا تفتنا بعده، تقول هذا حتى تفرغ من خمس تكبيرات» و زاد في التهذيب «فإذا فرغت سلمت عن يمينك».

و سأل عمار(1)أبا عبد الله (عليه السلام) في الموثق «سألته (عليه السلام) عن الصلاة على الميت فقال: تكبر ثم تقول: إنا لله و إنا إليه راجعون، إن الله و ملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما، اللهم صل على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد كما صليت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد و على أئمة المسلمين، اللهم صل على محمد و على إمام المسلمين اللهم عبدك فلان و أنت أعلم به، اللهم ألحقه بنبيه محمد و آله (صلوات الله عليهم)، و افسح له في قبره و نور له فيه و صعد روحه و لقنه حجته، و اجعل ما عندك خيرا له، و أرجعه إلى خير ما كان فيه، اللهم

عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده، اللهم عفوك عفوك، اللهم عفوك عفوك، تقول هذا في التكبيرة الأولى، ثم تكبر الثانية فتقول: اللهم عبدك فلان، اللهم ألحقه بنبيه محمد و آله و سلم و افسح له في قبره و نور له فيه و صعد نوره و لقنه حجته، و اجعل ما عندك خيرا له، و أرجعه إلى خير مما كان فيه، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده، اللهم عفوك، اللهم عفوك، تقول هذا في الثانية و الثالثة و الرابعة، فإذا كبرت الخامسة فقل: اللهم صل على محمد و على آل محمد، اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و ألف بين قلوبهم، و توفني على ملة رسولك، اللهم اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالايمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم عفوك عفوك و تسلم».

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر يونس(2): «الصلاة على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة، و الثانية تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 10.

ج 12، ص: 39

و الثالثة الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و على أهل بيته (عليهم السلام) و الثناء على الله، و الرابعة له، و الخامسة تسلم و تقف بقدر ما بين التكبيرتين، و لا تبرح حتى يحمل السرير من بين يديه»

مضافا إلى نصوص (1)المستضعف و المنافق و غيرها مما تضمن أنها هي تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل.

و بالجملة لا ريب في إمكان دعوى تواتر الأخبار بوجوب الزائد على التكبيرات بل قد يدعى تواترها في الدعاء فيها للميت أيضا، و

قول الباقر (عليه السلام) في حسن زرارة و محمد بن مسلم و معمر بن يحيى و إسماعيل الجعفي(2): «ليس في الصلاة قراءة و لا دعاء موقت تدعو بما بذالك، و أحق الموتى أن يدعى له المؤمن، و أن يبدأ بالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

محمول على نفي الدعاء المعين له الذي حكى في المنتهى إجماع أهل العلم عليه، و أشار إليه المصنف بقوله و لو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا على التعيين لا أصله، بل قوله (عليه السلام): «تدعوا» إلى آخره. ظاهر في ذلك، قال في الذكرى بعد أن روى الخبر المزبور: «نحن لا نوقت لفظا بعينه، بل نوجب مدلول ما اشتركت فيه الروايات بأي عبارة كانت» فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين- من أنه إنما يجب فيها الدعاء للميت أو لغيره كالمحكي عن ابن الجنيد ليس في الدعاء بين التكبيرات شي ء موقت لا يجوز غيره- واضح الضعف، كاحتمال وجوب الذكر فيه و إن لم يكن دعاء، ل

قول الصادق (عليه السلام)(3): «نعم إنما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل كما تكبر و تسبح في بيتك على غير وضوء»

جواب سؤال يونس بن يعقوب له عن الصلاة على الجنازة على غير وضوء الذي هو قرينة على كون المراد نفي


1- 1 الوسائل- الباب- 3 و 4- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 40

كونها ذات الركوع و السجود التي يعتبر فيها الوضوء، لا أن المراد بيان جميع ما يقال فيها.

فظهر أن ذلك كله لا ينافي ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب، بل في الذكرى و المحكي عن المختلف و جامع المقاصد و غيرهما نسبته إلى الشهرة من وجوب الشهادتين في التكبيرة الأولى، و الصلاة على محمد و آله في الثانية، و الدعاء للمؤمنين في الثالثة، و الدعاء للميت في الرابعة، و هو الذي جعله المصنف أفضل، فقال و أفضل ما يقال

ما رواه محمد بن مهاجر(1)عن أمه أم سلمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا صلى على ميت كبر و تشهد ثم كبر و صلى على الأنبياء و دعا ثم كبر و دعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة و دعا للميت ثم كبر و انصرف

و فيه أن دليل التأسي بفعله المروي فيه و في

خبر إسماعيل (2)أيضا بعد حمل الحمد و التمجيد فيه على الشهادة في غيره يقضي بوجوب التوزيع الذي قد عرفت موافقته للمعلوم من نظم الدعاء من الابتداء بثناء الله و الصلاة على النبي ثانيا، و الدعاء للمؤمنين ثالثا، و ذكر المقصود رابعا، و عرفت أيضا أنه المشهور بين الأصحاب، بل في الخلاف الإجماع عليه، قال:

«يكبر أولا و يشهد الشهادتين، و يكبر الثانية و يصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) و يكبر ثالثا و يدعو للمؤمنين، و يكبر رابعا و يدعو للميت، و يكبر الخامسة و ينصرف- إلى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم»

و لعله كذلك أيضا، إذ هو المذكور في الجمل و العقود و الكافي و الوسيلة و الإشارة و الجامع و الغنية و التحرير و الإرشاد و القواعد و الدروس و البيان و اللمعة و الذكرى و الموجز و فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد و الجعفرية و شرحيها و الروض و الكفاية و المنظومة و غيرها و الفقيه و المقنع و الهداية


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 9 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 41

و المصباح و مختصره على ما حكي عن البعض و إن كان ما في الخمسة الأخيرة ألفاظا معينة، و في الغنية بعد الثالثة و الرابعة خاصة ألفاظ معينة، لكن من المحتمل إن لم يكن الظاهر عدم إرادة لزوم التعيين، و إنما هو

على ضرب من التأديب، بل هو كالصريح من الهداية، حيث أنه بعد أن ذكر الألفاظ التي ستعرفها قال: «المواطن التي ليس فيها دعاء موقت الصلاة على الجنازة و القنوت و المستجار و الصفا و المروة و الوقوف بعرفات و ركعتا الطواف» إلى آخره.

و لعل الجميع كذلك خصوصا كتب الصدوق، كما أن ما في المبسوط و النهاية و الاقتصاد و المقنعة و المراسم و السرائر و المهذب من شهادة التوحيد بعد الأولى حسب، و في الأربعة الأخيرة لها ألفاظ مخصوصة، إلا أن في المهذب بعد ذكر الألفاظ «و الاقتصار على الشهادتين مجز كذلك أيضا» بعد حمل شهادة التوحيد فيها على ما يشمل الشهادتين كما يومي اليه ما في المهذب حيث أنه ذكر كما ذكروا، ثم قال:

«و الاقتصار» إلى آخره. و يؤيد ذلك كله ما عن المنتهى من إجماع أهل العلم على عدم دعاء معين، قال: «إذا ثبت عدم التوقيت فيها فالأقرب ما رواه ابن مهاجر- ثم ذكر- أنه إذا كبر الثانية صلى على النبي و آله (صلوات الله عليهم)، و أنه لا يعرف في ذلك خلافا، و أنه رواه الجمهور عن ابن عباس و رواه الأصحاب في خبر ابن مهاجر و غيره، و أن تقديم الشهادتين يستدعي تعقيب الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) كما في الفرائض- قال-: و ينبغي أن يصلي على الأنبياء لخبر ابن مهاجر- ثم قال-:

الدعاء للميت واجب لأن وجوب صلاة الجنازة معلل بالدعاء للميت و الشفاعة فيه، و ذلك لا يتم بدون وجوب الدعاء- ثم قال-: لا يتعين هنا دعاء أجمع أهل العلم على ذلك، و يؤيده أحاديث الأصحاب»

ج 12، ص: 42

و كيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك خبر علي بن سويد الذي لا يقدح اشتماله على قراءة أم الكتاب في التكبيرة الأولى و خبر أبي بصير الذي ينبغي حمل ما فيه من الأربع صلوات على التغليب على الشهادتين، بل قد تدل عليه بقية الأخبار السابقة بعد حمل ما فيها من الزائد على وظيفة كل تكبيرة على الندب، لمعارضة الأدلة المزبورة، أما هي فتبقى على ظاهر الأمر الذي هو للوجوب، كما أن المجرد منها عن الشهادتين في التكبيرة الأولى مثلا لا ينافي ثبوتهما من دليل آخر، و لا ظهوره في وجوب غيرهما على حسب ما سمعت، و عدم ذكر كثير من الأصحاب جمع الأذكار كلها أو بعضها في كل تكبيرة لا ينافي الحكم، مع أن الحسن بن عيسى قال: «تكبر و تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، اللهم صل على محمد و آل محمد و أعل درجته و بيض وجهه كما بلغ رسالتك و جاهد في سبيلك و نصح لأمته، و لم يدعهم سدى مهملين بعده، بل نصب لهم الداعي إلى سبيلك الدال على ما التبس عليهم من حلالك و حرامك، داعيا إلى موالاته و معاداته ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة، و عبدك حتى أتاه اليقين، و صلى الله عليه و على أهل بيته الطاهرين، ثم تستغفر للمؤمنين الأحياء منهم و الأموات، ثم تقول: اللهم إن عبدك و ابن عبدك تخلى من الدنيا و احتاج إلى منا عندك، نزل بك و أنت خير منزول به، افتقر إلى رحمتك و أنت عني عن عذابه، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا، فان كان محسنا فزد في إحسانه، و إن كان مسيئا فاغفر له ذنوبه، و ارحمه و تجاوز عنه، اللهم ألحقه بنبيه (صلى الله عليه و آله) و صالح سلفه، اللهم عفوك عفوك، و تقول هذا في كل تكبيرة».

و لعل مراده الندب كما حكاه عنه بعضهم، و نحوه في الجمع المزبور و إن اختلف اللفظ الجعفي كما في الذكرى، و عن المختلف أنه استدل له في جمعه الأذكار بعد كل تكبيرة

ج 12، ص: 43

ب خبر أبي ولاد(1)ثم قال: و الجواب نحن نقول بموجبه لكنه لا يجب فعل ذلك لما قدمناه من حديث مهاجر، قال: و كلا القولين جائز للحديثين، و لما مر من

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة و ابن مسلم و حسنهما(2): «ليس في الصلاة على الميت قراءة و لا دعاء موقت»

و إن كان العمل بالمشهور أولى، و لكن ينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم (عليهم السلام) و كذلك أوردناها» و ظاهرة

كالفاضل مشروعية ذلك، و كان الأولى الاستدلال للجمع المزبور ب مضمر سماعة(3)لا حسن أبي ولاد المجرد عن الدعاء للمؤمنين بخلاف المضمر المزبور، و لا يقدح قوله (عليه السلام) فيه: «فان قطع عليك» إلى آخره.

فان المراد به عدم ضرر قطع تكبيرة الإمام عليك الدعاء لو كنت مسبوقا مثلا، فأتم دعاءك و إن وقعت منه في الأثناء، قال الكاشاني: «كأنه أريد به أنك إن كنت مأموما لمخالف فكبر الإمام الثانية قبل فراغك من هذا الدعاء أو بعده و قبل الإتيان بما يأتي فلا يضرك ذلك القطع- بل تأتي بتمامه أو بما يأتي بعد الثانية بل الثالثة أو الرابعة حتى تتم الدعاء- قوله (عليه السلام): «تقول اللهم» أي تقول هذا أيضا بعد ذاك سواء قطع عليك بأحد المعنيين أو لم يقطع، و في التهذيب «فقل» بدل «تقول» و قوله (عليه السلام) في آخر الحديث: «يقول هذا» يعني تكرر المجموع و هذا الأخير ما بين كل تكبيرتين، و في التهذيب «حين يفرغ» مكان «حتى يفرغ» و على هذا يكون معناه أن يأتي بالدعاء الأخير بعد الفراغ من الخمس، و فيه بعد، و الظاهر أنه تصحيف» إلى آخره.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.

ج 12، ص: 44

و على كل حال فالظاهر أنه لا بأس بالجمع المزبور كلا أو بعضا، نعم ما ذكره من خصوص

الألفاظ المزبورة لم نجده في شي ء مما وصلنا من النصوص، كما أن ما في المحكي عن الفقيه و المقنع و الهداية كذلك، قال: «يكبر و يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدي و دين الحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، و يكبر الثانية و يقول: اللهم صل على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد كأفضل ما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، و يكبر الثالثة و يقول: اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات، و يكبر الرابعة و يقول: اللهم هذا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك نزل بك و أنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، و إن كان مسيئا فتجاوز عنه و اغفر له، اللهم اجعله عندك في أعلا عليين، و اخلف على أهله في الغابرين و ارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين» بل و لا ما في المحكي عن المقنعة و المراسم و المهذب بعد التكبيرة الأولى «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا فردا صمدا قيوما لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، لا إله إلا الله الواحد القهار ربنا و رب آبائنا الأولين» و في الباقية كما قاله الصدوق لكن قدموا بعد الثانية الدعاء بالبركة على الرحمة، و زادوا بعد دعاء الثالثة «و أدخل على موتاهم رأفتك و رحمتك، و على أحيائهم بركات سماواتك و أرضك، إنك على كل شي ء قدير» و بعد الخامسة قول: «اللهم عفوك عفوك» و في كشف اللثام و كذا في شرح القاضي لجمل السيد، إلا أنه قال: «يتشهد المصلي بعد التكبيرة الأولى بالشهادتين» و قال بعض أصحابنا و منهم شيخنا المفيد: «يقول بعد التكبيرة الأولى: لا إله إلا الله» إلى آخر ما سمعت، ثم قال: «و كل من هذا الوجه و من الشهادتين جائز»

ج 12، ص: 45

قلت: قد عرفت ما يرده من الأدلة السابقة كقوله السابق في المحكي عن المهذب من جواز الاقتصار على الشهادتين، و كذا لم نجد تمام ما عن المصباح و مختصره من قول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و في الثانية كما في المقنعة، و في الثالثة كما ذكره الصدوق، و زاد بعده «تابع بيننا و بينهم بالخيرات إنك مجيب الدعوات، إنك على كل شي ء قدير» و كذا في الرابعة إلى قوله: «فتجاوز عنه» ثم قال: «و احشره مع من كان يتولاه من الأئمة الطاهرين» بل و لا ما في الغنية من تشهد الشهادتين بعد الأولى و الصلاة على محمد و آله (صلوات الله عليهم) بعد الثانية و الدعاء للمؤمنين، فتقول: «اللهم ارحم المؤمنين» إلى آخر ما عن المقنعة، و كذا في الرابعة إلا أنه قال: «اللهم عبدك» بلا لفظ «هذا» و زاد لفظ «و ارحمه» بعد قوله «و اغفر له» و لم يذكر في الخامسة شيئا، و هذا كله شاهد على عدم إرادة الوجوب لخصوص ما ذكروه من هذه الألفاظ.

و

قال الصادق (عليه السلام) لإسماعيل بن عبد الخالق (1)في الدعاء للميت:

«اللهم أنت خلقت هذه النفس، و أنت أمتها، تعلم سرها و علانيتها، أتيناك شافعين فيها فاشفعنا، اللهم و لها ما تولت، و احشرها مع من أحبت»

و لكليب الأسدي (2)«اللهم عبدك احتاج إلى رحمتك و أنت غني عن عذابه، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، و إن كان مسيئا فاغفر له»

و يشبه أن يكون لمن جهل حاله كما في كشف اللثام و في المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(3)«كبر و قل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن الموت حق و الجنة حق و النار و البعث حق، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور، ثم كبر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 7.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 46

الثانية و قل: اللهم صل على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد أفضل ما صليت و رحمت و ترحمت و سلمت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، ثم تكبر الثالثة و تقول: اللهم اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات، و تابع بيننا و بينهم بالخيرات، إنك مجيب الدعوات و ولي الحسنات يا أرحم الراحمين، ثم تكبر الرابعة و تقول: اللهم إن هذا عبدك و ابن أمتك نزل بساحتك و أنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته، و إن كان مسيئا فتجاوز عنه و اغفر لنا و له، اللهم احشره مع من يتولاه و يحبه، و أبعده ممن يتبرأه و يبغضه، اللهم ألحقه بنبيك، و عرف بينه و بينه، و ارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين، ثم تكبر الخامسة و تقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ»

و كيف كان فقد عرفت قوة ما عليه المشهور من إيجاب القدر المشترك بين النصوص موزعا على التكبيرات، و اختلاف تلك النصوص مع ما عرفت من الجمع بينها لا ينافي وجوب القدر المشترك كما صرح به في كشف اللثام تبعا للذكرى، بل لعله المراد مما في التذكرة أيضا، قال: الأقوى أنه لا يتعين دعاء معين، بل المعاني المدلول عليها بتلك الأدعية، و أفضله أن يكبر و يشهد الشهادتين إلى آخر ما في الكتاب إلى قوله: و يكبر الخامسة و ينصرف مستغفرا ذهب إليه علماؤنا أجمع، و ربما أو همت العبارة عدم وجوب التوزيع، و إلا لم يكن ذلك أفضل، بل هو الواجب لأنه معاني تلك الأدعية، اللهم إلا أن يحمل على وجه آخر و إن بعد.

لكن على كل حال ينبغي بناء على اعتبار معاني تلك الأدعية الواردة في تلك النصوص إضافة الترجيع و التحميد و الصلاة على سائر الأنبياء و الدعاء للمصلي نفسه و نحو ذلك مما تعرفه بملاحظة النصوص السابقة إلى المعاني التي عرفتها، نعم قد يدفع وجوب

ج 12، ص: 47

أكثر ذلك الأصل و خبر أم سلمة و ما ماثله من النصوص السابقة، و الاتفاق على الظاهر على خلافه كالإنفاق ظاهرا على عدم وجوب دعاء بعد الخامسة ممن عدا المفيد و القاضي في شرح الجمل و الديلمي و الحلي على ما حكي عنهم، فذكروا قول: اللهم عفوك عفوك، و في الوسيلة «عفوك» ثلاث مرات، و لم نجده في شي ء من النصوص، كما أن ما في

موثق عمار(1)«اللهم صل على»

إلى آخره، و ما في

مضمر سماعة(2)«اللهم هذا عبدك»

إلى آخره، بناء على روايته حين تفرغ، و ما في

فقه الرضا (عليه السلام)(3)«ربنا آتنا»

إلى آخره، لم أجده في شي ء من الفتاوى، فالأقوى حينئذ عدم وجوب شي ء من ذلك، و قد صرح في الغنية باستحباب تثليث العفو مدعيا عليه الإجماع، و الله أعلم.

[في كيفية الصلاة على المنافق]

هذا كله إن كان الميت مؤمنا و إن كان منافقا اقتصر المصلي على أربع تكبيرات و انصرف بالرابعة إن قلنا بمشروعية الصلاة عليه أو وجوبها لغير تقية وفاقا للحلبي و ابن حمزة و سعيد و الفاضل في بعض كتبه و الشهيدين و العليين و أبي العباس و الصيمري و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل عن المفاتيح نسبته إلى الأصحاب خلافا لظاهر كثير من العبارات، بل قيل أكثرها و صريح المحكي عن الهداية و الغنية، بل في الأخير الإجماع عليه، و لا ريب أن الأقوى الأول للأصل، و الفرق بينه و بين المؤمن و الإلزام له بمذهبه إن كان مخالفا، و ما دل (4)على أن الخمس للخمس التي منها الولاية، و هي مفقودة، و لأنها شرعت للدعاء للميت، و ليس هنا، و ل خبر أم سلمة(5)و خبر إسماعيل بن همام (6)المتقدمين، و

صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري (7)سأل الرضا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 16.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.

ج 12، ص: 48

(عليه السلام) «عن الصلاة على الميت فقال: أما المؤمن فخمس تكبيرات، و أما المنافق فأربع، و لا سلام فيها»

و قال الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام بن سالم (1):

«كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يكبر على قوم خمسا و على قوم آخرين أربعا، فإذا كبر على رجل أربعا اتهم»

إلى غير ذلك من النصوص التي بها يقيد إطلاق نصوص الخمس، لا أنه يجمع بينها بالتخيير بين الانصراف بالرابعة و بين الدعاء عليه بعدها ثم يكبر الخامسة كما في حواشي الكتاب للكركي، ضرورة مخالفته لقواعد المذهب، على أن الاقتصار على الأربع لا ينافي وجوب الدعاء عليه الذي قد يدل عليه

قول أحدهما (عليهما السلام» في صحيح ابن مسلم (2): «إن كان جاحدا للحق فقل: اللهم املأ جوفه نارا و قبره نارا و سلط عليه الحيات و العقارب و ذلك قاله أبو جعفر (عليه السلام) لامرأة سوء من بني أمية صلى عليها أبي فقال: هذه المقالة و اجعل الشيطان لها قرينا، قال محمد ابن مسلم: فقلت له: لأي شي ء يجعل الحيات و العقارب في قبرها، فقال: إن الحيات يعضضنها و العقارب يلسعنها و الشيطان يقارنها في قبرها، قلت: و تجد ألم ذلك قال: نعم شديدا»

و في خبر عامر بن السمط(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إن رجلا من المنافقين مات

فخرج الحسين بن علي (عليهما السلام) يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين (عليه السلام) أين تذهب يا فلان؟ فقال له مولاه: أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين (عليه السلام): انظر أن تقوم على يميني فيما تسمعني أقول مثله، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين (عليه السلام): الله أكبر اللهم


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
2- 2 فروع الكافي- ج 1 ص 189« باب الصلاة على الناصب»- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.

ج 12، ص: 49

العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهم أخر عبدك في عبادك و بلادك و أصله حر نارك، اللهم أذقه أشد عذابك، فإنه كان يوالي أعداءك و يعادي أولياءك و يبغض أهل بيت نبيك»

و رواه صفوان مثله بدون ذكر اللعن كالمحكي عن المقنعة و الهداية من الدعاء عليه بذلك، كما أن في الأولى و المحكي عن المهذب و شرح الجمل للقاضي الدعاء على الناصب بما في

خبر صفوان (1)لكن زادا في أوله «عبدك و ابن عبدك لا نعلم منه طلا شرا- ثم قالا-: فاخزه في عبادك» إلى آخر ما مر محذوفا منه قوله: «أذقه أشد عذابك» و الفاء في «فإنه كان» و زادا في آخره «فاحش قبره نارا و من بين يديه نارا و عن يمينه نارا و عن شماله نارا، و سلط عليه في قبره الحيات و العقارب»

و في خبر أحمد عن البزنطي (2)قال: «اللهم أخز عبدك في بلادك و عبادك».

و في

صحيح الحلبي (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا صليت على عدو الله فقل: اللهم إن فلانا لا نعلم إلا أنه عدو لك و لرسولك، اللهم فاحش قبره نارا و احش جوفه نارا و عجل به إلى النار، فإنه كان يتولى أعداءك و يعادي أولياءك و يبغض أهل بيت نبيك، اللهم ضيق عليه قبره. فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه و لا تزكه»

و في حسنه (4)«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال في جنازة ابن أبي: اللهم احش جوفه نارا و املأ قبره نارا و أصله نارا»

فما في الذكرى و الدروس و تبعه المحقق الثاني و تلميذه و الفاضل الميسي و الكاشاني- من عدم الوجوب للأصل المقطوع بما عرفت، و لأن التكبير عليه أربع و بها يخرج عن الصلاة الذي فيه ما لا يخفى- واضح الضعف، بل المحكي عنه في حواشيه و الموجز و شرحه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 50

و غيرها، بل قيل: إنه ظاهر كثير من الأصحاب الوجوب، نعم قد يتم عدم الوجوب بناء على عدم مشروعية الصلاة عليه إلا للتقية، مع إمكان القول بالوجوب على هذا التقدير و إن

بعد عملا بظاهر الأمر في خبري الحلبي (1)و ابن مسلم (2)لكن في كشف اللثام «و هل يجب اللعن أو الدعاء عليه؟ وجهان من الأصل و عدم وجوب الصلاة إلا ضرورة إن قلنا بذلك، فكيف يجب أجزاؤها، و هو خيرة الشهيد، قال:

لأن التكبير عليه أربع، و بها يخرج من الصلاة، و عليه منع ظاهر، و من ظاهر الأمر في خبري الحلبي و ابن مسلم» قلت: لا يخفى عليك قوة الثاني على المختار من وجوب الصلاة عليه، لأن المراد به هنا نصا و فتوى- خصوصا مع مقابلته بالمؤمن في الصحيح السابق- المخالف كما صرح به جماعة، بل في كشف اللثام في شرح قول الفاضل: «و لعنه إن كان منافقا» أي مخالفا كما في المنتهى و السرائر و الكافي و الجامع، و بمعناه ما في الغنية و «رة» من الدعاء على المخالف، فما عن المصباح و مختصره- من التعبير بلعن المخالف المعاند، و النهاية لعن الناصب المعلن و التبري منه، و المبسوط لعن الناصب و التبري منه و الوسيلة الدعاء على الناصب- لا يخلو من نظر إن أريد منه التخصيص، و حمل جميع هذه النصوص على الناصب و المنافق في إسلامه لا داعي له بل و لا شاهد عليه، بل لا يبعد كون التعبير عنه بالمنافق حقيقة إلا على بعض الوجوه التي ترجع معها إلى صورة الصلاة كالصلاة(3)على عبد الله بن أبي الذي صلى عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقد يدل الدعاء عليه على الدعاء على المخالف أيضا إلغاء للفرق بينهما و تنقيحا للمناط فيهما،

كما أن ما هو ظاهر في الناصب كذلك أيضا، بل على بعض التفاسير له يشمل سائر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 51

المخالفين، بل قد يقال باتحادهم في الحكم معه هنا و إن لم يكونوا متظاهرين بالعداوة لآل محمد (عليهم الصلاة و السلام) تخيلا منهم أنهم على عقيدتهم في الرضا عن الأول و الثاني و الثالث، و إلا فهم أعداء لأعدائهم و منهم آل محمد (عليهم الصلاة و السلام) و أوليائهم و تدليس الحال للتقية لا يرفع أصل العداوة كما هو واضح، فقد يقال حينئذ بوجوب لعنهم أو رجحانه كما هو ظاهر القواعد و المحكي عن المنتهى و السرائر و الكافي و الجامع فضلا عن الدعاء عليهم بغيره، و إن كان الأقوى عدم وجوبه أي اللعن بإطلاق الأدلة السابقة الذي لا ينافيه فعل الحسين (عليه السلام) و إن أمر وليه بقوله بعد تسليم كون الذي صلى عليه منهم لا ناصبا أو منافقا في إسلامه أو محكوما بكفره أو قلنا باشتراك الجميع في ذلك، لكن الأولى في الجمع بينه و بين غيره من النصوص القول بوجوب الدعاء عليه من غير توقيت بدعاء مخصوص، و الله أعلم.

[في اعتبار النية في صلاة الميت]

و كيف كان ف يجب فيها النية بلا خلاف و لا إشكال، و في اعتبار الوجه و عدمه هنا ما تقدم سابقا، إذ احتمال العدم فيها و إن قلنا به في غيرها لعدم اشتراكها بل هي إما واجبة أو مندوبة ضعيف، ضرورة أن القائل باعتبار الوجه لا ينحصر دليله في التمييز، بل ظاهره أو صريحه اعتباره و إن لم يتوقف عليه التمييز، و إلا كان موافقا للمختار كما أوضحناه في محله، نعم لا إشكال في اعتبار الإخلاص فيها كغيرها من العبادات، كما أنه لا بد من مقارنتها للتكبير الذي هو أول العمل، و يكفي في الباقي الاستدامة على التفسير السابق لها في محله، و لا يشترط فيها التعرض فيها لكونها فرض كفاية، لأنه من الأمور الخارجية، و إن احتمله في الذكرى، لأن النية لامتياز الشي ء على ما هو عليه، لكنه واضح الضعف، و قال فيها أيضا: و لا يشترط تعيين الميت و معرفته، بل يكفي نية منوي الإمام، فلو عين و أخطأ فالأقرب البطلان، لخلو الواقع عن نيته، و نحوه غيره، لكن في جامع المقاصد أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يشر إلى الموجود

ج 12، ص: 52

بأن قصد الصلاة على فلان لا على هذا فلان، قلت: يمكن أن يأتي هنا ما ذكروه في تعيين الامام من حيث تعارض الإشارة و الاسم، فيصح في الصحيح فيه و يبطل في الباطل، نعم ظاهرهم الفرق بين المقامين باعتبار التعيين فيه بخلافه هنا و إن وجب فيه القصد إلى معين متحد أو متعدد، و عليه فرعوا الاكتفاء هنا بنية منوي الامام، و مقتضاه عدم جواز مثل ذلك في الائتمام بالصلاة، و لعله لعدم خروجه به عن الإبهام عند المصلي و إن خرج به عنه في الواقع، و المعتبر الأول في الائتمام، لأصالة عدم انعقاد الجماعة، و اقتصارا في إطلاقها على المتيقن المعهود، بل لعله المنساق من الأدلة عند التأمل بخلاف المقام الذي لا مانع فيه سوى الإبهام المانع عن الامتثال، فرفعه بالصفة المعينة في الواقع كاف في صدقه و إن لم يرتفع بها الإبهام عن المصلي باعتبار الشك في مصداقها، و نحوه غيره من المتعلقات كالمنوب عنه بصلاة و نحوها، فإنه يكفي فيها القصد إلى معين و إن لم يتعين عنده، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[في اعتبار الاستقبال في صلاة الميت]

و أما وجوب استقبال القبلة فيها فلا خلاف فيه أيضا كما في المدارك قال:

«لأن العبادة كيفية متلقاة من الشارع، و المنقول من النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) فعل الصلاة كذلك، فيكون خلافه تشريعا محرما» و فيه ما عرفت سابقا، و في كشف اللثام عليه الإجماع ظاهرا و يشمله العمومات، و فيه منع إن أراد عمومات الصلاة كما ستعرفه و لا عموم مجديا في الوجوب في غيرها، فالأولى الاستدلال له بالإجماع المزبور إن تم، و ما عساه يظهر من نصوص (1)كيفية الصلاة على الجنائز المتعددة من المفروغية عن اعتبار الاستقبال، بل

مرسل ابن بكير(2)منها عن الصادق (عليه السلام) قد يستدل به على ذلك، قال له في جنائز الرجال و الصبيان و النساء قال:

«توضع النساء مما يلي القبلة و الصبيان دونهم و الرجال دون ذلك، و يقوم الامام مما يلي الرجال»

و ثبوت الندب


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.

ج 12، ص: 53

بالنسبة إلى موالاة الرجال لا يقضي به بالنسبة إلى موقفه، على أنه ظاهر في الوجوب، و المعارض له الذي بسببه حمل على الندب أو التخيير إنما هو بالنسبة إلى تقديم الرجال على النساء إلى القبلة، فالذي يلي المصلي حينئذ النساء، فموقفه حينئذ لا تغيير فيه، فتأمل جيدا، مضافا إلى ظهور

خبر جابر(1)قال لأبي جعفر (عليه السلام): «أ رأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر قال: تقضي ما فاتك، قلت: أستقبل القبلة؟ قال: بلى و أنت تتبع الجنازة»

في ذلك، و في الوافي لا منافاة بين استقبال القبلة بالتكبير و اتباع الجنازة كما هو ظاهر.

بل لا يخفى ظهور

خبر الجعفري (2)المروي في التهذيب و الكافي في الصلاة على المصلوب في اعتبار القبلة أيضا، و أنه إنما جاز الانحراف فيه بالخصوص إلى ما بين المشرق و المغرب لأنه قبلة، قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن المصلوب قال:

أما علمت أن جدي (عليه السلام) صلى على عمه؟ قلت: أعلم ذلك و لكني لا أفهمه مبينا، فقال: أبينه لك إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، و إن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر، فإن ما بين المشرق و المغرب قبلة، و إن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، و إن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر، و كيف كان منحرفا فلا تزائلن مناكبه، و ليكن وجهك إلى ما بين المشرق و المغرب، و لا تستقبله و لا تستدبره البتة، قال أبو هاشم: قد فهمته إن شاء الله فهمته و الله»

إذ من الواضح أنه إنما أمره (عليه السلام) بالقيام بما أمره، لأن استقبال القبلة شرط في هذه الصلاة، و كذا استقبال أحد منكبي الميت، و في القبلة سعة، و لا يتحقق الأمران إلا بذلك، و به صرح الكاشاني في جامعه.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 54

نعم كان على المصنف و غيره استثناء مثل الانحراف المزبور في صلاة المصلوب من وجوب الاستقبال للخبر المزبور، اللهم إلا أن لا يكونوا عاملين به، بل في المحكي عن عيون الصدوق «أن هذا حديث غريب لم أجده في شي ء من الأصول و المصنفات» لكن في الذكرى «أنه و أن كان غريبا و لم يذكر الأصحاب مضمونه في كتبهم إلا أنه ليس له معارض و لا راد، و قد قال أبو الصلاح و ابن زهرة: يصلى على المصلوب و لا يستقبل وجه الإمام في التوجه، فكأنهما عاملان به، و كذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين يحيي بن سعيد و الفاضل في المختلف قال: إن عمل به فلا بأس به، و ابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب أنه إن صلي عليه و هو على خشبة استقبل بوجهه وجه المصلي، و يكون هو أي المصلي مستدبر القبلة، ثم حكم بأن الأظهر إنزاله بعد الثلاثة و الصلاة عليه، قلت: هذا النقل لم أظفر به، و إنزاله قد يتعذر كما في قضية زيد» انتهى و ناقشه في الكشف «بأن المعارض لها ما دل على استقبال المصلي القبلة، و الراد لها و إن لم يوجد لكن الأكثر لم يذكروا مضمونها كما اعترف به» قلت بعد تسليم وجود المعارض المزبور يقيد به، و بناء على عمل ابن زهرة به قد قيل: إنه يظهر منه الإجماع على ما سمعته منه، و في كشف الأستاذ نفي البأس عن العمل به، و كيف كان فمع تعذر الاستقبال فكاليومية.

و كذا يجب القيام فيها بلا خلاف يعلمه فيه في التذكرة إلا من الشافعي، بل الإجماع بقسميه محصله و منقولة في الذكرى و جامع المقاصد و المدارك عليه، كما أن الأمر بالقيام و الوقوف فيها في تضاعيف النصوص كالمتواتر، منها النصوص التي تسمعها في السنن في الوقوف عند الوسط و الصدر، إذ ندبية ذلك بعد أن كان المراد منها أفضل أفراد الواجب التخييري غير قادحة، كما هو واضح، نعم هو شرط مع الإمكان، أما مع العجز فبحسب الإمكان كاليومية، لقاعدة الميسور و غيرها مما سمعته في اليومية مما

ج 12، ص: 55

هو مشترك بينهما، و لو وجد من يمكنه القيام ففي المدارك لم يسقط الفرض بصلاة العاجز لأصالة عدم سقوطه بغير الصلاة الكاملة، مع احتمال السقوط لقيام العاجز بما هو فرضه و كان مراده أنه وجد المتمكن بعد وقوع صلاة العاجز، لا وجوده قبل صلاته، فإن مشروعية صلاة العاجز حينئذ فضلا عن الاسقاط لا تخلو من نظر، بل منع لانحصار التكليف حينئذ بالمتمكن، إذ الواجب الكفائي المكلف به الجميع على معنى عقابهم لو تركوه أجمع لا مع إرادة الفعل من كل واحد منهم، ضرورة عدم تصوره في مثل الغسل و نحوه مما لا يقع إلا من واحد مثلا إلا على التكرار المعلوم انتفاؤه، فحينئذ تعذر المكلف به و الانتقال إلى بدله الاضطراري إنما يكون إذا تعذر على جميع من كلف به، فيندرج حينئذ في قاعدة الميسور و نحوها لا إذا تعذر على البعض خاصة الذي هو أشبه شي ء بتعذر أحد فردي المخير به، فإنه لا إشكال في انحصار التكليف في الآخر و عدم الانتقال إلى بدل المتعذر إذا لم يكن أحد فردي التخيير، على أنه لا يخفى على ذي مسكة أن الشارع إذا أوجب الصلاة من قيام مثلا على الميت لا من مباشر بعينه لا ينتقل إلى غيرها من الصلاة مضطجعا و نحوه ممن تعذر عليه القيام مع تمكن الغير من الإتيان بالمراد، خصوصا في مثل الكيفية من العربية في الأذكار و نحوها. و احتمال أن الصلاة باعتبار صحة وقوعها من متعدد دفعة كالواجب العيني ينتقل فيه إلى البدل بالنسبة إلى كل مكلف تعذر عليه يدفعه أن الظاهر اتحاد كيفية الخطاب في جميع الكفائيات من غير فرق بين ما لا يقع إلا من واحد و غيره، إنما المراد في الجميع وقوع الفعل في الخارج من غير ملاحظة خصوص الفاعل، فلا فرق حينئذ بين الصلاة و غيرها في ذلك.

أما لو صلى العاجز بظن عدم التمكن فوجد المتمكن الذي قلنا يمكن حمل ما تقدم من المدارك عليه فالاجزاء فيه و عدمه مبني على قاعدة الاجزاء، و لعل الأقوى هنا العدم لا لعدم اقتضاء الأمر الإجزاء بل لأنه من تخيل الأمر كما حققناه في محله، و كان المتجه

ج 12، ص: 56

على المعلوم من مذهبه في قاعدة الإجزاء الجزم هنا بالسقوط، اللهم إلا أن يقال: إن أفصاه الاجزاء عن الفاعل لا عن غيره، و فيه أن خطاب الكفاية خطاب واحد، فمتى حصل فعل صحيح كان مسقطا عن الغير، و من هنا يظهر لك أنه لا وجه للقول بالمشروعية مع عدم السقوط عن الغير في المسألة السابقة، بل لا بد من الحكم بعدم المشروعية كما اخترناه أو بالسقوط معه، و إن كان قد يوهم المشروعية مع عدم السقوط بعض العبارات منها ما في كشف اللثام تبعا للروضة «و لو صلاها عاجز قاعدا أو راكبا أو نحوهما فهل تسقط عن القادرين؟ وجهان، من تحقق صلاة صحيحة، و من نقصها مع القدرة الكاملة» و أوضح منه ما في الذكرى «لو وجد من يمكنه القيام فهو أولى من العاجز، و في الاجتزاء بصلاة العاجز حينئذ نظر، من صدق الصلاة الواجبة بالنسبة إليها، و من نقصها و قدرة غيره على الكاملة» و في جامع المقاصد و مع العجز يسقط كاليومية، لكن هل يسقط بصلاة العاجز الفرض عن غيره ممن يقدر على القيام؟ الظاهر لا، لأن الناقص لا يسقط الكامل، و لأصالة بقائه في العهدة، و كذا القول في العاري مع المستتر بناء على اشتراط الستر و من لا يحسن العربية مع من يحسنها، لكن قد يحمل الجميع على ما سمعته من المدارك، و إلا كان محلا للنظر، فتأمل، كالذي سمعته سابقا من الأستاذ في كشفه من صحة ايتمام القائم بالقاعد و نحوه مما يقضي بالمشروعية المزبورة، و هل يعتبر الاستقرار في القيام؟ وجهان، جزم بأولهما الأستاذ في كشفه، كما أنه جزم باعتبار مراتب العجز عن القيام كما في صلاة الفريضة، و لعله لظهور البدلية، مطلقا، و ان كان لا يخلو من تأمل بل سابقه لا يخلو من منع إذا لم يعتبر الاستقرار في مفهوم القيام، فهو حينئذ كغيره مما يعتبر في الصلاة مما تسمع البحث فيه إن شاء الله، و الله أعلم.

[في اعتبار وضع رأس الميت إلى يمين المصلي]

و يجب أيضا جعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي بلا خلاف أجده فيه،

ج 12، ص: 57

بل في ظاهر الذكرى و الكشف و المحكي عن المعتبر الإجماع عليه، بل في الغنية و يجب إعادة الصلاة على الميت إذا كانت الجنازة مقلوبة بدليل الإجماع المشار اليه و طريقة الاحتياط، و هو الحجة بعد الاعتضاد بالتأسي و قاعدة الشغل، و

موثق عمار(1)أنه سأل الصادق (عليه السلام) «عن ميت صلي عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت مقلوب، رجلاه إلى موضع رأسه، قال: يسوى و تعاد الصلاة عليه و إن كان قد حمل ما لم يدفن، فان دفن فقد مضت الصلاة عليه، لا يصلى عليه و هو مدفون»

لكن الخبر و معقد الإجماع إنما هو إعادة الصلاة على المقلوب، و هو أعم من كون رأسه على يمين المصلي بناء على إرادة كونه عن اليمين فعلا، كما يقضي به استثناء المأموم في الروضة و المدارك و ظاهر كشف اللثام و غيرها من هذا الحكم، إذ لو أريد منه الجهة بمعنى كون الرأس إلى جهة اليمين أي المغرب و الرجلين إلى المشرق في مثل العراق و نحوه ممن كانت قبلته نقطة ما بين المشرق و المغرب لم يكن فرق بين الامام و المأموم في ذلك، و يتحقق بناء على عدم اعتبار المحاذاة بمعنى المسامتة و إن كان موقف المصلي متجاوزا عن رأسه بل كان الميت كله عن يساره، لكن ظاهر الذكرى أن المراد من ذلك بيان استقبال الميت، قال: و يجب الاستقبال بالميت بأن يوضع رأسه عن يمين المصلي و

رجلاه إلى يسار المصلي، و قد حكينا عن المهذب في بحث القبلة أنه بعد أن ذكر وجوب استقبال الميت في أحواله الثلاثة:

الاحتضار و الصلاة عليه و الدفن من غير ذكر خلاف قال: «و يختلف استقباله باختلاف حالاته، ففي الاحتضار يكون مستلقيا و ظاهر رأسه مستدبرا، و وجهه و باطن قدميه مستقبلا، و في حال الصلاة يكون مستلقيا أيضا، و رأسه إلى المغرب و مقدم جنبه الأيمن مستقبلا، و في حال دفنه يكون مضطجعا، رأسه إلى المغرب و وجهه و بطنه و مقاديم بدنه إلى القبلة، و مستند هذا التفصيل نصوص الطائفة و عملهم عليه» و ظاهر هما كغيرهما أن


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 58

هذه كيفية الاستقبال بالميت الواجب حال الصلاة عليه، فيراد حينئذ من اليمين جهته التي لا فرق فيها بين الامام و المأموم، و هي المستفادة من الخبر و معقد الإجماع المزبور دون نفس اليمين، بل ستعرف ما يدل من النصوص و الفتاوى على الوقوف عند الرأس بحيث يكون أمامه لا يمينه، و

مضمر الحلبي (1)في الصحيح «سألته عن الرجل و المرأة يصلى عليهما قال: يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة، فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره، و يكون رأسها أيضا مما يلي يسار الامام، و رأس الرجل مما يلي يمين الامام»

مع أنه في خصوص الرجل و في خصوص اجتماعه مع المرأة معارض بغيره فلا بد من حمله على ضرب من الندب، كما تعرفه إن شاء الله فيما يأتي، فالمتجه الاقتصار على الاعتبار المستفاد من الخبر و معقد الإجماع السابقين من جهة اليمين لا نفسه، و إن وجب مع ذلك المحاذاة للميت على الامام و المنفرد دون المأموم كما ستعرف إن شاء الله، كاستفادة ما صرح به جماعة من الأصحاب من وجوب كونه مع ذلك مستلقيا على قفاه من معقد إجماع المهذب و غيره، بل لا خلاف أجده فيه.

نعم بقي بحث آخر لا مدخلية له في شي ء من ذلك، و هو أنه ذكر غير واحد من الأصحاب مع ذلك وجوب وقوف المصلي وراء الجنازة، بل في الذكرى و غيرها أن هذا ثابت عندنا، و في كشف اللثام «دليله التأسي و استمرار العمل عليه من زمن النبي (صلى الله عليه و آله) إلى الآن و الأئمة، بل لا نجد فيه خلافا إلا من بعض العامة، فجوز التقدم عليها فضلا عن كونها على أحد جانبيه قياسا على الغائب» و هو كما في الذكرى خطأ في خطإ، لعدم جواز الصلاة على الغائب عندنا، بل في المحكي عن التذكرة و نهاية الأحكام أنه يشترط حضور الميت عند علمائنا أجمع، بل قيل: إن الإجماع ظاهر المنتهى و فوائد الشرائع أيضا، لعدم صدق اسم الصلاة عليه بدونه، أو يشك فيه فيشك في


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 7 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 59

شمول الأدلة له، فالأصل عدم مشروعيته، و لاستمرار السلف على تركه، و لو جاز لما ترك، خصوصا على مثل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و غيره، و لأنها مشروطة بشروط لا بد من العلم بها، و لا يعلم بها مع الغيبة غالبا، ككونه إلى القبلة و استلقائه، و لظهور النصوص في اعتبار حضوره، بل هو كالمقطوع به منها كما لا يخفى على من لاحظها، و صلاة رسول الله (صلى الله عليه و آله) على النجاشي قضية في واقعة، و لعله خفض له كل مرتفع حتى شاهد جنازته كما عن الخصال و العيون عن محمد بن القاسم عن يوسف بن محمد بن زياد عن أبيه (1)عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه (عليهم السلام) أو أن المراد دعا له كما في خبر حريز(2)عن زرارة و ابن مسلم.

و لا فرق في الغائب بين كونه في بلاد أخرى غير بلاد المصلي و بين كونه فيها، خلافا للشافعية فجوزوه في الأول دون الثاني، لإمكان الحضور، و لعله بهم عرضا في المحكي عن المبسوط و السرائر، فقيدا الغائب بكونه في بلد آخر، لا لأنه يجوز عندهما على الغائب في بلد المصلي، فإن الظاهر منع الجميع عندنا، و لذا استدل في المحكي عن المنتهى بأنها لا تجوز على الحاضر في البلد مع الغيبة، فعدم الجواز مع الكون في بلد أخرى أولى بل قيل: إن ظاهر المحقق الثاني في فوائده على الكتاب الإجماع أيضا على أنه لا يصلى على البعيد بما يعتد به عرفا كذلك، و لا على من بين المصلي و بينه حائل إلا عند الضرورة نعم في جامع المقاصد «لو اضطر إلى الصلاة على الميت من وراء جدار ففي الصحة تردد» و في كشف اللثام «من الشك في كونها كالصلاة بعد

الدفن أو أولى، ثم على الصحة ففي وجوبها قبل الدفن وجهان» قلت: الأقوى عدم الوجوب بل عدم الصحة بعد حرمة القياس و منع الأولوية أو تنقيح المناط، فلعل حيلولة خصوص القبر كعدمها عند الشارع مثل النعش و نحوه مما لا يمنع صدق اسم الصلاة عليه، فالمراد حينئذ بالغائب الممنوع


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.

ج 12، ص: 60

الصلاة عليه من لم يكن مشاهدا أو في حكم المشاهد شرعا.

و كيف كان فلا إشكال في وجوب كون المصلي خلف الجنازة جهة، نعم في جامع المقاصد «هل يشترط أي مع ذلك أن يكون محاذيا لها بحيث يكون قدام موقفه حتى لو وقف وراءها باعتبار السمت و لم يكن محاذيا لها و لا لشي ء منها لم يصح؟ لا أعلم الآن تصريحا لأحد من معتبري المتقدمين بنفي و لا إثبات و إن صرح بالاشتراط بعض المتأخرين، فإن قلنا به فاشتراطه بالنسبة إلى غير المأموم لأن جانبي الصف يخرجان عن المحاذاة» قلت: لا إشكال في أنها الأحوط في البراءة عن يقين الشغل، بل هي المنساقة من الصلاة على الميت في النصوص فضلا عما دل منها على الوقوف عند الصدر و الوسط و الرأس و نحوها، و الحكم بندب ذلك إنما هو بالنسبة إلى باقي أفراد المحاذاة لا غيرها، فتأمل، و الله أعلم.

[في عدم اشتراط إزالة الخبث في الصلاة على الميت]

و كيف كان ف ليست الطهارة من الأصغر و الأكبر من شرط صحتها للأصل و النصوص المستفيضة أو المتواترة كالمحكي من الإجماع، بل هو محصل على عدم اشتراط ذلك أو بدله، و ما في المحكي عن المقنعة- من أنه لا بأس للجنب أن يصلي عليه قبل الغسل يتيمم مع القدرة على الماء، و الغسل له أفضل، و كذلك الحائض تصلي عليه بارزة عن الصف بالتيمم- أقصاه ما في كشف اللثام من أنه لم يذكر صلاتهما بلا تيمم و لا تيمم غير المتوضي، و لا صراحة فيه بل و لا ظهور بالاشتراط خصوصا الأخير، بل لعل إطلاق كلامه يقضي بنفيه، بل لا يبعد سيما في مثل عبارات هؤلاء القدماء إرادة الندب من ذلك، ضرورة بدلية التيمم حالة التعذر، و لا دليل على وجوبه هنا بالخصوص بل ظاهر الأدلة خلافه، فيمكن إرادته الندب من ذلك كالمرتضى فيما حكي من جمله «و يجوز للجنب أن يصلي عليها عند خوف الفوت بالتيمم من غير اغتسال» و القاضي في المحكي من شرحها «و أما الجنب فإذا حضرت الصلاة على الجنازة و خشي من أنه إن

ج 12، ص: 61

تشاغل بالغسل فاتته فإنه يجوز له أن يتيمم و يصلي» على أنه قال: «و عندنا أن هذه الصلاة جائزة بغير وضوء إلا أن الوضوء أفضل» بل عنه في المهذب «أن الأفضل للإنسان أن لا يصليها إلا و هو على طهارة، فان لم يكن على ذلك و فاجأته تيمم و صلى عليها، فان لم يتمكن من ذلك أيضا جاز أن يصليها على غير طهارة، و من كان من النساء على حيض أو جنابة و أرادت الصلاة على الجنازة فالأفضل أن لا تصليها إلا بعد الاغتسال فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ذلك بالتيمم، فان لم تتمكن من ذلك جاز لها أن تصلي عليها بغير طهارة» إذ الظاهر إرادة الأعم من التعذر من عدم التمكن، و من هنا بعد أن حكى ذلك في كشف اللثام عنهم قال: و كأنهم أرادوا الفضل، نعم عن أبي علي لا بأس بالتيمم إلا للإمام إن علم خلفه متوضئ، مع أن الشهيد و غيره فهم منه الكراهة، قال:

و كأن نظره إلى إطلاق الخبر(1)كراهة ائتمام المتوضي بالمتيمم، مع أنه ربما منع عليه بأن ذلك في الصلاة حقيقة، و فيه كما في كشف اللثام أنه لا دليل عليه.

و كيف كان فلا إشكال في عدم اشتراط ذلك، بل الظاهر عدم اشتراط إزالة الخبث أيضا وفاقا لجماعة، بل لا أجد فيه خلافا، نعم تردد فيه في الذكرى بعد أن اعترف بعدم الوقوف فيه على فتوى و لا نص، و لعله من الأصل و إطلاق الأصحاب و الأخبار(2)جواز صلاة الحائض؟ مع عدم انفكاكها عن الدم غالبا، و إرشاد التعليل في خبر يونس بن يعقوب (3)الآتي اليه، و أخفية الخبث لصحة الصلاة معه بخلاف حكم الحدث، و من إطلاق بعض الأخبار(4)الناطقة بوجوب الطهارة من الخبث للصلاة،


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6 و 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء.

ج 12، ص: 62

و لا يخفى عليك ضعف الأخير، و لذا كان خيرته في الدروس و البيان العدم، ضرورة عدم تأتيه بناء على كون الصلاة حقيقة في غيرها، بل و عليه سواء كان على جهة الاشتراك لفظا أو معنى، لانصرافها إلى غيرها، خصوصا بعد

سؤال يونس بن يعقوب (1)أبا عبد الله عليه السلام «عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء فقال: نعم إنما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل كما تكبر و تسبح في بيتك على غير وضوء»

و قوله (عليه السلام) في مرسل حريز(2)«الطامث تصلي على الجنازة لأنه ليس فيها ركوع و لا سجود، و الجنب يتيمم و يصلي على الجنازة»

و غير ذلك، كالمروي (3)عن الرضا (عليه السلام) و نحوه إذ هو و إن كان لنفي الوضوء إلا أنه لا ريب في ظهوره في أنه لا يعتبر فيها ما اعتبر في الصلاة من حيث الصلاة، بل إن كان كالاستقبال فهو لدليل مستقل.

و من ذلك يظهر لك ما في الذكرى من جريان جميع ما يعتبر في الصلاة فيها إلا ما خرج بالدليل كالطهارة من الحدث مثلا بدعوى اندراجها فيها، فيجب الستر حينئذ و غيره لها، بل ينبغي مراعاة صفات الساتر فضلا عن أصله، كما أنه ينبغي عدم فعل شي ء من الموانع في أثنائها، و تبعه على بعضه كالستر بعض من تأخر عنه كالكركي و الأستاذ في كشفه، و تردد آخر في الموانع، لكن في

منظومة الطباطبائي الجزم بعدم ذلك كله، قال:

و ليس من شروطها رفع الحدث قطعا كذا الأصح في رفع الخبث

و هكذا عدالة الامام و سائر الشروط و الأحكام

لذات أركان و في الذكرى طردجميعها و هو ضعيف المستند


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 63

و لا أرى شرطا سوى الايمان و ما مضى و الحل في المكان

مشيرا بما مضى إلى الاستقبال و كون رأس الميت على اليمين و نحوهما، و بطلانها مع الغصب في المكان بعد وجوب القيام فيها بناء على عدم اجتماع الأمر و النهي في محل واحد واضح، بل في كشف الأستاذ اعتبار إباحته للميت أيضا، قال: «إلا المتسع فتجوز ما لم يكن المصلي أو الميت غاصبين أو مقومين للغاصب» و إن كان هو كما ترى للبحث فيه مجال.

نعم لا إشكال في البطلان مع عدم الحل في مكان المصلي، بل و في الساتر المغصوب و إن لم نقل بكون الستر من شروطها بناء على اتحاد كلي التصرف و القيام في الشخصي الخارجي، لكن قد عرفت ما فيه في محله، و كان على العلامة المزبور التنبيه عليه، بل اشتراطه أيضا كالمكان إن كان الفساد عنده في ذات الركوع من هذه الجهة، و من هنا قال الأستاذ في كشفه: و يشترط فيها إباحة اللباس و عدم المانع ككونه حريرا أو ذهبا في وجه قوي كما أن ما ذكره من عدم اشتراط العدالة في الامام و إن كان قد يشهد له إطلاق الأدلة خصوصا نصوص تقدم الولي (1)من غير اشتراط في شي ء منها استجماعه للعدالة و نحوها من شرائط الائتمام معتضدا ذلك بخلو الفتاوى عن التعرض لاشتراط شي ء من ذلك، لكن قد يناقش بأن لفظ الصلاة و إن كان لا يشملها إلا أن لفظ الائتمام لا ريب في شموله لائتمامها، فما دل على اعتبار العدالة فيه و طهارة المولد و تعيينه بالإشارة و الاسم و عدم ارتفاع مقامه بما يعتد به و نحو ذلك شامل له، و لعله لذا قال الأستاذ في كشفه هنا: «و الظاهر اشتراط طهارة المولد و العدالة» لكن قال:

و في اشتراط قيامه لو أم قائمين مع عجزه عن القيام و طهارته بالماء لو أم متطهرين به و عدم ارتفاع مقامه بما يعتد به على المأمومين وجهان، أقواهما العدم، أما الرقية و الجذام و نحوه


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 64

و سلامة اللسان من الآفة فلا مانع منها بلا شبهة، و كان ذلك منه لاختلاف النصوص في إطلاق الاعتبار في الائتمام، و في الاختصاص بالائتمام بالصلاة التي قد عرفت انصرافها إلى غيره، ففي

خبر الأصبغ بن نباتة(1)«سمعت عليا (عليه السلام) يقول: ستة لا يؤمنون الناس و عد منهم شارب الخمر»

و ما روى الصدوق (2)بسنده عن أبي ذر «ان إمامك شفيعك إلى الله، فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا»

و صحيح ابن مسلم (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «خمسة لا يؤمنون الناس وعد منهم ولد الزنا»

ك خبر أبي بصير(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، بخلاف باقي ما يعتبر في الإمام مما ذكره فإنه خاص بائتمام الصلاة حتى الجلوس بناء على مشروعيته مع وجود القائم، لأن

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في مرسل الصدوق (5)عن الباقر (عليه السلام): «لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا»

إنما هو بعد ما صلى عليه السلام بأصحابه من جلوس، فالمراد على الظاهر من قوله: «لا يؤمن» إلى آخره في الصلاة، فتبقى الجنائز حينئذ على إطلاق الأدلة، و لعل خلو الفتاوى

هنا اتكالا على ما ذكروه في بحث الجمعة و الجماعة مما يظهر منه اعتبار ذلك في أصل الائتمام بصلاة الفريضة و غيرها، بل ظاهر ما سمعته منهم من ملاحظة تراجيح السابقة في المصلي على الجنازة التي هي التراجيح المذكورة في إمام الجماعة بالصلاة كالصريح في اتحاد أحكام الجماعتين، و أوضح منه ما وقع للمصنف و غيره من أنه يتقدم الولي إذا كان بشرائط الإمامة و إلا قدم غيره، فان الظاهر إرادة ما هو المذكور في الجماعة و الجمعة من شرائط الإمام، و إلا كان من الواجب التعرض للفرق بين الإمامين في المقامين.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 12، ص: 65

نعم مقتضى ذلك عدم الاقتصار على اعتبار ما ذكره الأستاذ في كشفه، بل ينبغي حينئذ اعتبار سائر ما ذكروه هنا في الامام و في الجماعة، فلا يصح إمامة القاعد مثلا بالقائم مثلا، و لا يجوز الارتفاع و الحائل إلا في النساء، إلى غير ذلك مما لا يخفى جريانه في المقام، كما أن ما جاز هناك من إمامة الأبرص و المتيمم و الأعمى و غيرهم و لو على كراهة جاز هنا بالأولى، و دعوى الفرق بين العدالة و الارتفاع و طهارة المولد و بين غيرها بإطلاق الأدلة فيها دونها يدفعها أن العمدة فهم اعتبار تلك الأمور في الامام و الجماعة مطلقا و إن كان المورد الصلاة المنصرفة إلى غير المقام، و إلا فلا إطلاق معتد به في العدالة فضلا عن غيرها، إذ الخبر المزبور و إن كان مرويا في المحكي عن مستطرفات السرائر كذلك لكن رواه الصدوق في المحكي عن خصاله «ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس: ولد الزنا و المرتد و الأعرابي بعد الهجرة و شارب الخمر و المحدود و الأعلف» و هو- مع اشتماله على لفظ لا ينبغي و الطعن في سنده و عدم ذكره اشتراط العدالة، ضرورة أعمية نفي إمامة هؤلاء منها- معارض بإطلاق الأدلة هنا، و بينهما تعارض العموم من وجه، و عدم الترجيح يقضي بعدم الاشتراط، و خبر أبي ذر لم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه و آله) ليكون ظاهره حجة علينا، و لم نعثر في الارتفاع على إطلاق، فليس حينئذ في الجميع إلا ما عرفت من ظهور الأدلة و الفتاوى في اعتبار ذلك في الامام و الجماعة في الصلاة و غيرها فيعتبر حينئذ جميع ما يعتبر هناك، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان للنظر في تعينه مجال خصوصا بعد عدم المنقح من إجماع أو غيره، بل الفرق بين الصلاتين بالتحمل و غيره مع وضوحه قد نصت عليه الأدلة كما عرفت، فدعوى اعتبار جميع ما يعتبر في إمام جماعتها و إمامها لا تخلو من إشكال، و من هنا كان الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه.

كما أنه لا ينبغي تركه في سائر ما يعتبر في الصلاة إلا ما دل عليه الدليل، خصوصا

ج 12، ص: 66

في الموانع كالكلام و نحوه مما لا يفسد هيئتها بحيث يخرجها عن صدق الاسم، و إلا فتبطل قطعا، قال في كشف الأستاذ: و يفسدها كلما يخل بصورتها من سكوت طويل أو فعل كثير أو فعل لهو و لعب و إن قل أو غير ذلك مما يفسد هيئتها و يخرجها عن صدق الاسم لذاته أو كثرته، و الأحوط أن يعتبر ما يعتبر في الصلاة عدا الحدث، قلت: و إن كان ما ذكروه في وجه المنع من إطلاق الصلاة الشامل لها واضح الضعف كما عرفته مكررا، فالأولى تعليله بأنه لما لم يكن المعهود إلا الصلاة المجردة عن ذلك كله اتجه مراعاة الاحتياط بل ربما قيل: بأن التكبيرة الأولى من التكبيرات تكبيرة الإحرام، كما أن ذكر التسليم في جملة من النصوص المتقدمة سابقا يمكن أن يكون كناية عن التحليل و الانصراف لا التسليم حقيقة، و إن أمكن للتقية، إلا أنه ينافيها اشتمال الخبر على الخمس تكبيرات، كما أنه ينافي إرادة الوجوب تركه و نفيه في المستفيض من النصوص و الإجماع محصلا و منقولا على وجه يمكن تحصيله من نقلته، و استحبابه المحكي من معقد إجماع جامع المقاصد و الروض، و يمكن إرادته من النفي في تلك النصوص، و قول أبي علي: «و لا استحب التسليم فيها فان سلم الإمام فواحدة عن يمينه» ليس خلافا في المسألة أو غير معتد به، كقوله في الذكرى بعد أن اعترف أن ظاهرهم عدم مشروعيته.

و أما شرعية التسليم استحبابا أو جوازا فالكلام فيه كالقراءة، إذ الإجماع إنما هو على عدم وجوبه، و قد ذكر في القراءة بعد أن حكى عن الشيخ التصريح بكراهة القراءة احتمال استناده فيها إلى أنه تكلف ما لم يثبت شرعيته، و قال: يمكن أن يقال بعدم الكراهية، لأن القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهي عنه، و الأخبار خالية عن النهي و غايتها النفي، و كذا كلام الأصحاب لكن الشيخ نقل الإجماع بعد ذلك، و نحن فلم نر أحدا ذكر الكراهة فضلا عن الإجماع عليها، إذ هو كما ترى لا يصلح مثله لإثبات المشروعية و لو على الاستحباب في خصوص المقام الذي هو محل البحث، ضرورة عدم

ج 12، ص: 67

المنع في قراءة القرآن في نفسه فيها الجائز في الفريضة فضلا عنها، و

قول الرضا (عليه السلام) في خبر ابن سويد(1)المتقدم سابقا: «تقرأ في الأولى بأم الكتاب»

محمول على التقية للإجماع بقسميه على عدم الوجوب، بل معقد المنقول منه مستفيضا و متواترا نفيها فيها، فيمكن حمله على نفي المشروعية وجوبا و استحبابا منه، كما صرح به في معقد ظاهر إجماع كشف اللثام و صريح المحكي عن الروض، نعم عن المنتهى تجويز قراءتها لاشتمالها على الشهادة، يعني قوله: إياك نعبد، و عن خلاف الشيخ كراهتها، و حكى الإجماع عليه، لكن في كشف اللثام يجوز إرادته الإجماع على عدم الوجوب، و لعله لما سمعته من الذكرى من عدم المصرح بها غيره، و كيف كان فهي ليست بواجبة و لا مندوبة، فقراءتها بعنوان أحدهما على الجزئية أو

غيرها تشريع، نعم لا بأس بقراءتها في نفسها و لا يجتزى بها عن الشهادة قطعا، لعدم مرادفة إياك نعبد لها كما هو واضح، و الله أعلم.

[في عدم جواز التباعد عن الجنازة كثيرا]

و كيف كان فلا يجوز التباعد للمصلي إماما أو منفردا أو مأموما بغير الصفوف عن الجنازة المتحدة و المتعددة بغير تعدد الجنائز كثيرا كما صرح به الفاضل و أول الشهيدين و ثاني المحققين و غيرهم، بل ربما نسب إلى الأصحاب، بل قد يظهر من المحكي عن الصدوق وجوب القرب، قال: «فليقف عند رأسه بحيث إن هبت ريح فرفعت ثوبه أصاب الجنازة» لكن يمكن إرادته الندب كالمحكي عن المبسوط و النهاية و السرائر و المهذب و المنتهى أنه ينبغي أن يكون بينه و بين الجنازة شي ء يسير، و لعله لذا قال في جامع المقاصد: إنه يستحب أن يكون بين الامام و الجنازة شي ء يسير ذكره الأصحاب، فيراد حينئذ من القرب الزائد على الواجب، و على كل حال ففي كشف اللثام لم أظفر بخبر ينص على الباب، لكن في جامع المقاصد و غيره أن المرجع في هذا التباعد إلى العرف، و مثله الارتفاع و الانخفاض، و مقتضاه كونه منصوصا، اللهم إلا أن يكون


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 8 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 68

المراد الصدق العرفي الذي يخرج عن اسم الصلاة على الميت، أو يراد التباعد الممنوع منه في عرف المتشرعة، لأن الصلاة على الأموات كيفية معهودة مأخوذة يدا بيد عن صاحب الشرع، و ليس ذا إثباتا للحكم الشرعي بالعرف، بل هو حفظ لكيفية مخصوصة نحو ما تسمعه منا في نظم الجماعة و في الفعل الكثير في الصلاة، كما أنه قد يقال في الاستدلال على المطلوب زيادة على ذلك بما تسمعه من الأمر بالوقوف عند الصدر و الوسط و الرأس، فإنه و إن حمل على الندب لكن المراد الندب بالنسبة إلى خصوص الصدر مثلا لا أصل الوقوف عند الميت، على أن المتجه التخيير فيها و فيما ثبت جوازه من الوقوف عليه من غيرها، فالتباعد الذي لم يصدق عليه أحدها و لا هو مما ثبت جوازه ليكون أحد أفراد التخيير باق على المنع، ضرورة عدم شمول الإطلاقات له بعد تقييدها بما عرفت، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و الله أعلم.

[في عدم جواز الصلاة إلا بعد التغسيل و التكفين]

و لا يجوز أن يصلى على الميت إلا بعد تغسيله أو ما في حكمه و تكفينه بلا خلاف كما في كشف اللثام، بل في المدارك هذا قول العلماء كافة، و لعله الحجة، لا ما فيها من أن النبي (صلى الله عليه و آله) هكذا فعل و كذا الصحابة و التابعون، فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرما، إذ قد يناقش فيه بمنع التشريع بعد الإطلاق الذي لا يعارضه غير الظاهر من الفعل في الوجوب كي يقيد به، بناء على أن وجوب التأسي في معلوم الوجوب، اللهم إلا أن يدعى ظهوره في الوجوب بالمواظبة عليه و عدم التصريح بخلافه، أو يمنع اعتبار معرفة الوجه في وجوب التأسي، أو يقال: إنه علم من الفعل الظاهر بالتكرار و غيره في خصوصيته على غيره من الأفراد عدم إرادة ظاهر تلك الإطلاقات، إلا أنه لم يعلم وجهه، فيرجع الإطلاق حينئذ إلى الإجمال، فلا يعلم مشروعية الصلاة المتقدمة عليهما مثلا، و الأصل لا يشخص، لكن الجميع كما ترى.

فالعمدة حينئذ ما عرفت لا ذلك، بل و لا ما في الذكرى من

قول الصادق

ج 12، ص: 69

(عليه السلام)(1): «لا يصلى على الميت بعد ما يدفن، و لا يصلى عليه و هو عريان»

ضرورة كونه أعم من التكفين فضلا عن التغسيل، بل و لا الخبران الآتيان في فقد الكفن، ضرورة دلالتهما على عدم جواز الصلاة على مكشوف العورة، نعم قد يقال إنه المنساق من عطفها عليهما في النصوص و إن كان بالواو التي هي لمطلق الجمع إلا أنه لا يبعد إرادة الترتيب منها هنا بمعونة فهم الأصحاب، بل لا ينكر انسياقه من سير تلك النصوص و اتفاقها على ذكرها بعدهما كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بلسانهم (عليهم السلام).

و كيف كان فالظاهر من الفتاوى و معقد الإجماع إرادة الوجوب الشرطي لا التعبدي خاصة، فلا يعتد حينئذ بالصلاة قبل أحدهما، بل مقتضى الشرطية عدم الفرق في ذلك بين العمد و غيره، لكن في كشف اللثام احتمال الاعتداد،

و لا ريب في ضعفه نعم قد يقال ذلك في الناسي بناء على قاعدة العفو عنه، لعموم حديث الرفع (2)و غيره و الغسل و الكفن المقدمان على الحياة في المرجوم و نحوه مثل المؤخرين، فيصلي عليهما حينئذ من دون إعادة شي ء منهما، و الطهارة الحاصلة من الشهادة أولى من الحاصلة بالغسل و ستر ثيابه أولى من ستر الكفن، فيصلي حينئذ على الشهيد من دونها كما استفاضت به النصوص (3)أو تواترت، و الإجماع منا بقسميه عليه، فما في خبر عدي بن حاتم (4)و خبر عمار(5)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) و

مرسل الفقيه (6)«من أن عليا (عليه السلام) لم يغسل عمار بن ياسر و لا هاشم بن عتبة المرقال و دفنهما في ثيابهما


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- الحديث 7 و 8 و 9 و 12 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- الحديث 4.

ج 12، ص: 70

و لم يصل عليهما»

وهم من الراوي، أو المراد عدم صلاته بنفسه لمشغوليته (عليه السلام) بالحرب، بل أمر غيره بالصلاة عليهما، أو غير ذلك.

و كل ما أقيم مقام الغسل من صب أو تيمم أو تغسيل كافر أو نحوها كاف (كفى خ ل) في صحة الصلاة، أما إذا لم يحصل شي ء من ذلك إما

لتعذره كمن مات في بئر و نحوه و تعذر إخراجه، أو لعدم وجود الفاعل فالظاهر وجوب الصلاة، لإطلاق الأدلة التي لم يثبت تقييدها في محل الفرض، و قاعدة الميسور، و عدم ذكر الصلاة في خبر العلاء بن سيابة(1)في بئر محرج مات فيه رجل و لم يمكن إخراجه أنها تجعل قبرا له لمعلوميتها من العمومات.

و لا يعتد بغسل المخالف و لو لمثله و إن كان لو غسله المؤمن كغسلهم تقية كان مجزيا، لصحة العبادة منه بخلاف الأول، و الأمر بإلزامهم ما ألزموا به أنفسهم لا يشمل المقام على الظاهر، نعم قد يقال بوجوب الصلاة على موتاهم بناء على إسلامهم و إن كانوا هم المباشرين لتغسيلهم إذا كان لا يمكن للمؤمن التغسيل و لو الموافق لهم لسقوط التغسيل هنا بالتعذر، فتبقى الصلاة كباقي أفراد من تعذر تغسيله، كما أنه قد يقال بوجوبها و إن لم نقل بمشروعية غسل موتاهم، قصرا لاشتراط صحتها بتقدم الغسل على من كان مشروعا تغسيله و متمكنا منه أو بدله، بخلاف من لم يكن مشروعا له، فتبقى عمومات الصلاة بحالها حينئذ كغيره ممن تعذر تغسيله شرعا أو عقلا ممن له قابلية التغسيل.

نعم لما كان طريق وجوبهما و عدمه متحدا و هو جريان حكم الإسلام بعد الموت و عدمه اتجه حينئذ دعوى التلازم بينهما، مع إمكان المنع أيضا بالفرق بين الغسل و الصلاة بأن الأول إكرام للميت كما يظهر من النصوص (2)و لا كرامة له، بخلاف الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الدفن- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل الميت- الحديث 3 و 4 و الباب 18 منها الحديث 1.

ج 12، ص: 71

المتضمنة للدعاء عليه و لعنه، و من ذلك يظهر لك حينئذ ما في الاستدلال ب نصوص الصلاة عليهم (1)على مشروعية تغسيلهم، اللهم إلا أن يكون وجهه فهم القابلية من

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «صلوا على كل ميت»

و لا يجوز إلا بعد تغسيله، ضرورة أن مقدمة المقدمة مقدمة، نعم لو كان هناك دليل على عدم القابلية للغسل بحيث يرجح على ذلك أمكن القول حينئذ بوجوب الصلاة للعمومات التي لا معارض لها، لا أنها تسقط مع احتماله أيضا و إن كان الأول أقوى، فتأمل جيدا.

[في كيفية الصلاة على من لم يكن له كفن]

و على كل حال فان لم يكن له كفن جعل في القبر و سترت عورته و صلي عليه بعد ذلك كما صرح به جماعة، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، و لعله ل

موثق الساباطي (3)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في قوم كانوا في سفر يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر و هم عراة ليس عليهم إلا إزار كيف يصلون عليه و هو عريان و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال:

يحفر له و يوضع في لحده و يوضع اللبن على عورته يستر عورته باللبن و الحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن، قلت: فلا يصلى عليه إذا دفن فقال: لا يصلى على الميت بعد ما يدفن، و لا يصلى عليه و هو عريان حتى توارى عورته»

و مرسل محمد بن مسلم (4)قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): قوم كسر لهم مركب في بحر فخرجوا يمشون على الشط فإذا هم برجل ميت عريان و القوم ليس عليهم إلا مناديل متزرين بها و ليس عليهم فضل ثوب يوارون الرجل فكيف يصلون عليه و هو عريان؟ فقال: إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره و يضعوه في لحده يوارون عورته بابن أو أحجار


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.
2- 2 كنز العمال- ج 8 ص 83- الرقم 1562.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.

ج 12، ص: 72

أو تراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره، قلت: و لا يصلون عليه و هو مدفون بعد ما يدفن قال: لا، لو جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله (صلى الله عليه و آله) فلا يصلى على المدفون و لا على العريان»

قلت: الخبران إنما يدلان على حكم العريان الذي لم يحصل له بعض الكفن أو ثوب توارى به عورته حال الصلاة لا كل من لم يكن له كفن الصادق على من له بعضه أو غيره مما يوارى به عورته، و لذا قال في الذكرى: «فان لم يكن له كفن و أمكن ستره بثوب صلي عليه قبل

الوضع في اللحد، و إلا فبعده و يستر عورته بما أمكن و لو باللبن و الحجر، ل ما رواه عمار(1)» إلى آخره. بل صرح في جامع المقاصد بوجوب الأول مع إمكانه، لكن في المدارك بعد أن حكى ذلك عن الذكرى قال:

لا ريب في الجواز، نعم يمكن المناقشة في الوجوب، و فيه أنه قد يدل عليه مضافا إلى أقربيته للتكفين و حصول المشاهدة معه و عدم السفل و التباعد عنه مفهوم الشرط بناء على أن الأمر في جوابه للرخصة لا الوجوب كما هو الظاهر من كشف اللثام نافيا عنه الخلاف فيه في الظاهر، قال بعد ذكر الخبرين المزبورين: و لعل وضعه في اللحد و ستر عورته فيه لكراهة وضعه عاريا تحت السماء و إن سترت عورته كما قد يرشد إليه كراهة تغسيله تحت السماء، و لرفع الحرج عن المصلين لما في ستر عورته خارجا ثم نقله إلى اللحد من المشقة، و إلا فالظاهر لا خلاف في جواز الصلاة عليه خارجا إذا سترت عورته بلبن أو تراب أو نحوهما، بل في المدارك التأمل في أصل وجوب الستر، قال: «و مقتضى إطلاق الأمر بالستر وجوبه و إن لم يكن ثم ناظر و تباعد المصلي بحيث لا يرى، لكن الرواية قاصرة من حيث السند عن إثبات الوجوب» و فيه أنه لا بأس به بعد الانجبار بما حكاه هو من قطع الأصحاب، و منه يظهر لك وجه النظر فيما ذكره في الكشف، و لعل وجه


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 73

الفرق صدق اسم العراء على الخارج دون الموضوع في اللحد، فالأحوط إن لم يكن الأقوى المحافظة على ما في الخبرين في موضوعهما، و الظاهر أن المراد بالعريان فيهما مكشوف العورة، فيجزي سترها حينئذ بثوب و نحوه و إن صدق اسمه عليه، مع إمكان منع الصدق في بعض الأفراد إن لم يكن جميعها، و ظاهر الخبرين وضع اللبن و الحجر على نفس العورة لا سد اللحد بهما ليحصل به ستر العورة مع احتماله، خصوصا إذا وضع في اللحد على هيئة المدفون لا مستلقيا كما عساه يومي اليه ظهور الخبر فيه، و أنه لا يبقى إلا إهالة التراب عليه، فيصلي عليه و يدفن، لكن فيه أنه مخالف لما تقدم سابقا من وجوب الاستلقاء حال الصلاة، اللهم إلا أن يكون ذلك خارجا عنه، و ملحقا بالصلاة على المدفون، لكن لا ريب في أن الأحوط الأول مع ستر نفس العورة ثم بعد الفراغ من الصلاة يجعل على جانبه و يدفن.

و المصلوب الذي لم ينزل إلى ثلاثة أيام و لم يعلم نزوله بعدها لا يبعد مشروعية الصلاة عليه قبل إنزاله و إن لم يكن غسل و كفن، لأنها الحد في بقائه شرعا، فبعدها كان بحكم المدفون، و لإطلاق دليل الصلاة عليه، و يحتمل انتظاره إلى النزول فيغسل و يكفن و يصلى عليه، لإطلاق دليل الشرطية، و لعل منه كل من تعذر دفنه و كان غير مغسل أو غير مكفن، إذ مشروعية الصلاة بدونهما تقديما لمصلحة الدفن، فمع عدمه يسعى في حصولهما إلى آن الدفن فيصلي عليه بدونهما مع فرض تعذرهما، فتأمل جيدا. و الله أعلم.

هذا كله في الواجب

[في سنن صلاة الميت]
اشاره

و أما سنن الصلاة فهي

[من السنن أن يقف الإمام عند وسط الرجل و صدر المرأة]
اشاره

أن يقف الامام عند وسط الرجل و صدر المرأة وفاقا للأكثر، بل المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب، بل في المحكي عن المنتهى نفي الخلاف عنه، بل في الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرسل ابن المغيرة(1):


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 74

«من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها و يكون مما يلي صدرها، و إذا صلى على الرجل فليقم في وسطه»

و الباقر (عليه السلام) في خبر جابر(1): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقوم من الرجال

بحيال السرة و من النساء أدون من ذلك قبل الصدر»

بل يمكن حمل

قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر موسى بن بكر(2): «إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها، و إذا صليت على الرجل فقم عند صدره»

عليه للمجاورة و لو بمعونة ما عرفت، إذ هو أولى من احتمال التخيير و إن حكي عن الفاضلين في المعتبر و المنتهى، لكن فيه أنه فرع المكافاة و ليست قطعا، نعم قد يقال به مع الفضل في الأول و على كل حال فما عن الاستبصار من الاقتصار على العمل بمضمونه في غير محله، كالذي عن الخلاف من الوقوف عند رأس الرجل و صدر المرأة مدعيا عليه الإجماع، إذ هو- مع أنا لم نجد للأول في النصوص أثرا، بل قد سمعت خلافه فيها، و لا في الفتاوى سوى ما يحكى عن علي بن بابويه- قاصر عن معارضته لما عرفت، نعم عن الفقيه و الهداية الوقوف عند الرأس مطلقا، بل ربما حكي عن الشيخ أيضا و عن المقنع الصدر مطلقا، و هما معا ضعيفان محجوجان بما عرفت، هذا.

و في كشف اللثام و الأولى إلحاق الخنثى و الصغيرة بالمرأة، و لم يستبعده في الأولى في جامع المقاصد تباعدا عن موضع الشهوة، و هو لا يخلو من وجه في الثانية، كالحاق الصغير بالرجل، بل جزم به في ظاهر المنظومة أو صريحها، و إشكال في الأولى، و لذا تردد فيها في المحكي عن الروض، بل في كشف الأستاذ و يتخير في الخنثى المشكل و الممسوح، و لعل ملاحظة الصدر أولى، ثم قال: و في جريانه في

الأبعاض و في كيفيته فيها بحث، قلت: خصوصا في البعض، كما أن الأولوية المزبورة لا تخلو منه أيضا و إن كان وجهها واضحا، هذا، و ظاهر المتن اختصاص الحكم بالإمام، و قد عرفت أن مقتضى


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.

ج 12، ص: 75

الدليل الأعم، نعم ينبغي استثناء المأموم كما نص عليه جماعة، و في المنظومة.

و المقتدى له الوقوف في طرف بالبعد في الصفوف أو بطول صف

مع أنه يمكن تعميم الحكم أيضا لمن أمكنه منهم بأن يكون مما يلي موقف الامام، و الله أعلم.

[في كيفية الصلاة على الرجل و المرأة معا]

و إن اتفقا أي الرجل و المرأة و أريد الصلاة عليهما دفعة واحدة جعل الرجل مما يلي الامام و المرأة من ورائه كما ذكره جماعة، بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه، بل لا خلاف فيه إلا من الحسن البصري و ابن المسيب كما في كشف اللثام، بل عن المنتهى أنه مذهب العلماء كافة، كالمحكي عن المعتبر و التذكرة من أن به قال جميع الفقهاء،

و سأل الحلبي و زرارة الصادق (عليه السلام)(1)«عن الرجل و المرأة كيف يصلى عليهما؟ فقال: يجعل الرجل و المرأة و يكون الرجل مما يلي الامام»

و محمد ابن مسلم الباقر (عليه السلام)(2)«كيف يصلى على الرجال و النساء؟ فقال: يوضع الرجل مما يلي الرجل و النساء خلف الرجال»

و أحدهما (عليهما السلام)(3)عن ذلك أيضا فقال: «الرجال أمام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم على أثر بعض»

و ابن بكير(4)عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) في جنائز الرجال و الصبيان و النساء فقال:

«توضع النساء مما يلي القبلة و الصبيان دونهم و الرجال دون ذلك و يقوم الامام مما يلي الرجال»

بل لعله المراد من التقديم في

خبر البصري (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام)» عن جنائز الرجال و النساء إذا اجتمعت فقال: يقدم الرجال في كتاب علي (عليه السلام)»

و خبر طلحة بن زيد(6)عنه (عليه السلام) أيضا «كان علي (عليه السلام) إذا صلى على المرأة و الرجل قدم المرأة و أخر الرجل، و إذا صلى على العبد و الحر قدم العبد و أخر


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث- 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث- 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.

ج 12، ص: 76

الحر، و إذا صلى على الكبير و الصغير قدم الصغير و أخر الكبير»

و مرسل الصدوق (1)عن علي (عليه السلام) على معنى التقديم إلى القبلة عكس التقديم

في مضمر سماعة(2)«سألته عن جنائز الرجال و النساء إذا اجتمعت فقال: يقدم الرجل قدام المرأة قليلا و توضع المرأة أسفل من ذلك قليلا عند رجليه و يقوم الامام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعا»

نعم لا يجب ذلك قطعا، بل عن المنتهى و المفاتيح نفي الخلاف عنه، للأصل و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام (3): «لا بأس بأن يقدم الرجل و تؤخر المرأة و يؤخر الرجل و تقدم المرأة يعني في الصلاة على الميت»

و مضمر الحلبي (4)«سألته عن الرجل و المرأة يصلى عليهما قال: يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة فيكون رأس المرأة عند و ركي الرجل مما يلي يساره، و يكون رأسها أيضا مما يلي يسار الامام و رأس الرجل مما يلي يمين الامام»

بل لو لا عدم مكافأة ذلك لما تقدم من وجوه لأمكن القول بالتخيير كما عن الاستبصار.

و كيف كان فإذا أراد مع ذلك الإتيان بالمستحب السابق الشامل إطلاق دليله لصورة الجمع فل يجعل صدرها محاذيا لوسطه ليقف الامام موقف الفضيلة فيهما كما صرح به الفاضل و الشهيد و غيرهما، بل حكاه في كشف اللثام عن المبسوط، بل في مفتاح الكرامة عن المنتهى عليه إجماع العلماء كافة، لكنا لم نتحققه، بل قد يشكل ذلك بما سمعته من مضمري سماعة و الحلبي السابقين، و

موثق عمار(5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يصلي على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلي عليهم؟ قال: إن كان ثلاثة أو اثنين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة، و يكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلي على ميت واحد و قد صلى عليهم جميعا يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 2.

ج 12، ص: 77

إلى إلية الأول ثم يجعل رأس الثالث إلى إلية الثاني شبه الدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا، فإذا سواهم هكذا قام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد، سئل فإن كان الموتى رجالا و نساء قال: يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى إلية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم، ثم يجعل رأس

المرأة إلى إلية الرجل الأخير ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم، فإذا سوى هكذا قام في الوسط وسط الرجال و كبر و صلى عليهم كما يصلى على ميت واحد»

و ظاهر جماعة منهم الشهيد في الذكرى مع تصريحه هنا بما في المتن العمل به، بل في قواعد الفاضل بعد أن ذكر هنا ما في المتن قال في آخر الفصل الثالث في تعدد الجنائز: و ينبغي أن يجعل رأس الميت الأبعد عند ورك الأقرب و هكذا، كما عن تذكرته و تحريره و نهايته ثم قال: صفا مدرجا ثم يقف الامام وسط الصف، و ظاهره المخالفة للأول، لكن في كشف اللثام «و الأخبار خالية عن تعيين الأبعد و الأقرب إلا في الرجل و المرأة، فيجعل المرأة و هي أبعد عند ورك الرجل، و كلام المصنف في الموتى الذين من صنف واحد لما قدمه من جعل صدر المرأة بحذاء وسط الرجل» قلت: فيه انه مناف للنص المزبور الذي اعترف أنه هو الأصل في الحكم المذكور، بل مناف لقوله الأبعد الذي لا مصداق له إلا في المرأة و الرجل في النصوص، و لا يتم فيما تسمعه من الذكرى، و قال في جامع المقاصد: لا منافاة بين هذا و بين ما تقدم، لأن ذلك مع اتحاد الرجل، و قول المصنف فان كان عبدا وسط بينهما بيان للمرتبة في المذكورين، و لا دلالة فيه على كيفية الصف، و هو مناف أيضا لظاهر النص السابق، ثم قال: نعم قد يقال الغرض من ذلك مراعاة القرب من الامام، و ذلك يفوت بالصف مدرجا، قال في الذكرى في التفريع:

لا فرق في التدريج إذا كان المجتمعون صفا واحدا بين صف الرجال و النساء و الأحرار و العبيد و الإماء و الأطفال، و الظاهر أنه يجعلهم صفين كتراص البناء لئلا يلزم الانحراف

ج 12، ص: 78

عن القبلة، و إن كان ظاهر الرواية أنه صف واحد، و في هذا الكلام شي ء، قلت:

لعله لا انحراف فيه عن القبلة في الصف الواحد أيضا، و إنما فيه البعد عن الجنازة لو أراد استقبال الجميع، و صيرورة الميمنة قريبا من الخلف بل الخلف في بعض الأحوال لو قرب من الجنازة التي هي وسط الرجال، بل لعله لا يتأتى له حصول موقف الفضيلة منها أي الوقوف على وسطها، فإنه لا بد من انحرافه عن ذلك إذا أراد الاستقبال لكن قد يدفع ذلك كله ظاهر النص، فيقف حينئذ عند وسط الرجال و إن خرج ميمنة الصف عن جهة الإمام، قال الشهيد في المحكي عنه من فوائد القواعد: «يقف في وسطهم و إن خرج عن محاذاة أوله و آخره للرواية» هذا، و في كشف اللثام بعد أن ذكر خبر عمار و الظاهر جواز جعل كل وراء آخر صفا مستويا ما لم يؤد إلى البعد المفرط بالنسبة إلى بعضهم، و كذا جعل كل عند رجل الآخر و هكذا صفا مستويا كما قالت بهما العامة، و احتمل المصنف في النهاية التسوية و أجمل، و ظاهر الذكرى الاقتصار على المنصوص، ثم ظاهر النص و الأصحاب جعلهم صفا واحدا، و أجاد الشهيد حيث استظهر جعلهم صفين كتراص البناء لئلا يلزم انحراف المصلي عن القبلة إذا وقف وسطهم، و في نسخة بدل التعليل المزبور ليكونوا في سمت قبلة المصلي، و هو جيد، بل قد يظهر من نصوص (1)تقدم المرأة ما ذكره من الصورة الأولى، كما أن الصورة الثانية محتمل مضمر سماعة(2)فضلا عن إطلاق الأدلة فيهما خصوصا في الأولى و إن كان الأولى اجتناب الصورة الثانية، لفوات استقبال الجنازة فيها من دون نص صريح معتبر، كما أنه لا يخفى عليك ما في الذي استجوده من كلام الشهيد.

و كيف كان فهذه الكيفية مخالفة لما سمعته من المتن و غيره، و يمكن لهذه النصوص تقييد ما دل على الصدر و الوسط بغير التعدد و لو اثنين من صنف واحد أو مختلفين، أما


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 8.

ج 12، ص: 79

فيه فالكيفية المزبورة إن لم يثبت إجماع على خلاف ذلك، نعم ليس في شي ء من نصوص الدرج (1)ذكر تقديم المرأة إلى القبلة معه، بل في خبر الحلبي (2)منها عكس ذلك، فيمكن اعتباره بعد حمل ما في صحيح الحلبي (3)على الجواز ترجيحا لتلك النصوص عليه، فيقيد بها إطلاق موثق عمار(4)و غيره الدال على الدرج كما في كشف اللثام النص عليه، قال: و في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) التدريج يجعل رأس رجل إلى إلية الآخر و هكذا، و وقوف الإمام في الوسط، و هو لا ينافي الترتيب المذكور كما في الذكرى إلا باعتبار أن الامام

يقوم في الوسط، فلا يفيد تقديم طرف الصف القرب، و لا تأخير وسطه البعد.

قلت: و منه ينقدح احتمال عدم اعتباره، و أنه مختص في غير الدرج المزبور، لعدم فائدته فيه، إذ مع قيام الإمام في الوسط لا يفيد التقديم القرب، و لا التأخير البعد بل قد يدعى ظهور نصوص تقديم المرأة في غير الدرج المذكور، لعدم صدق الامام و نحوه فيه، فحينئذ لا معارضة بين تلك النصوص و مضمر الحلبي (5)بل يمكن أن يكون ذلك وجه ما في المتن و غيره هنا من جعل صدر المرأة عند وسط الرجل لتحصيل موقف الفضل فيهما على معنى اعتبار ذلك في غير الدرج، أما هو فكيفية أخرى غير هذه الكيفية قل من تعرض لها، بل لم نعرفه قبل الفاضل و من تبعه، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة في كلام الأصحاب، لكن يسهل الخطب فيها أن الحكم فيها ندب يتسامح فيه.

ثم إن ظاهر المتن كصريح غيره بل لا أجد فيه خلافا تقديم الرجل للإمام على المرأة و إن كان عبدا، بل عن الخلاف و المنتهى و ظاهر التذكرة الإجماع عليه، تغليبا لجانب الذكورة، و لإطلاق الأدلة السابقة، و لا ينافيه خبر طلحة(6)و مرسل


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 5.

ج 12، ص: 80

الصدوق (1)لأن المراد فيهما العبد الذكر في مقابل الحر الذكر لا الحرة، نعم هو دال على تقديمه عليه، فحينئذ بوسط بين الحر و الحرة، كما أن من فحواه يستفاد تقديم الحرة على الأمة، لكن في الذكرى و أما الحرة و العبد فيتعارض فحوى الرجل و المرأة و الحر و العبد، لكن الأشهر تغليب جانب الذكورة، فيقدم العبد إلى الإمام، قلت: قد عرفت الإجماع عليه، فان جامعهم خنثى أخرت عن المرأة أيضا للإمام بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف و المنتهى و ظاهر التذكرة الإجماع عليه، لاحتمال الذكورة، قلت:

لكن قد يقيد ذلك بما إذا لم تكن مملوكة، و إلا قدمت المرأة الحرة للإمام عليها ترجيحا للمرجح المعلوم على الموهوم.

[في حكم اجتماع الطفل مع الرجل و المرأة]

و كيف كان ف لو كان طفلا مع الرجل و المرأة جعل من وراء المرأة مما يلي القبلة كما عن النهاية و المهذب و الغنية، بل في الأخير الإجماع عليه لأولويتها بالشفاعة منه، و إطلاق خبري طلحة و الصدوق، لكن قد يعارض ب مرسل ابن بكير(2)و الإجماع عن الخلاف و ظاهر الجواهر على تقديم الصبي لست فصاعدا للإمام عليها، بل

في الخلاف عن عمار بن ياسر(3)«أخرجت جنازة أم كلثوم و ابنها زيد بن عمر و معها

الحسنان و ابن عباس و عبد الله بن عمر و أبو هريرة، فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الامام و المرأة وراءه، و قالوا: هذا هو السنة»

بل بذلك يرجح مرسل ابن بكير على الخبرين المزبورين في ذي الست، كرجحان الإجماع المذكور على إجماع الغنية الذي لم يشهد التتبع بصدقه، نعم هما مع الإجماع المزبور يرجحان على المرسل المذكور بالنسبة إلى ذي الأقل من ذلك، لاعتضادهما بالمحكي من إجماع الخلاف و المنتهى و ظاهر الجواهر و التذكرة، فإطلاق المتن حينئذ و من عرفت تأخره عن المرأة إلى القبلة كإطلاق الصدوقين


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 11.

ج 12، ص: 81

و سلار على ما قيل تقديمه للإمام لمرسل ابن بكير المزبور و استحسنه المصنف في المحكي عن معتبرة في غير محله.

نعم قد يقال بالإطلاق الأول لو كان الصبي مملوكا و المرأة حرة، و الإطلاق الثاني في العكس ترجيحا لجانب الحرية المعتضد في الأول بالصغر و الكبر، إلا أنه معارض لها في الثاني كمعارضة الذكورة لها في الأول، إلا أنه قد تدفع الأخيرة بأن الثابت الترجيح بذكورة الرجل لا مطلق الذكورة بالنسبة للمرأة، نعم لا بأس بها في الصبي و الصبية، فالإطلاق الأول حينئذ في الفرض المزبور متجه بخلاف الثاني الذي قد تزاحم فيه المرجحان المنصوصان كالصبي الحر ذي الست بالنسبة إلى العبد البالغ، ففي كشف اللثام تقديمه للإمام عليه للشرف بالحرية، و عن ابن حمزة و منتهى الفاضل العكس، لأنه أولى بالشفاعة، و إطلاق خبري (1)تقديم الصغير إلى القبلة، و الأولى التخيير فيه و في كلما تزاحم فيه المرجحات المنصوصة إذا لم يرجح أحدها على الآخر بالتعدد أو بمرجح خارجي من إجماع أو غيره، و منه يعلم الحال في تقديمه على الخنثى إذا كان من ست كما صرح به في الخلاف و المحكي عن السرائر و المبسوط و الإصباح و الجواهر، بل لعل في ظاهر الأول أو صريحه الإجماع عليه، بل قد يظهر من منظومة الطباطبائي ترجيح الذكورة على كل حال، قال:

و قدم الذكور و الأحرارإليك ندبا و كذا اعتبارا

و إن تعارضت فقدم أولاو أنت بالخيار فيما قد تلا

و لا يخلو من نظر، فتأمل هذا، و عن أبي علي أنهم يجعلون على العكس مما يقوم الأحياء خلف الإمام للصلاة، و قال في إمامة الصلاة إن الرجال يلون الامام، ثم الخصيان ثم الخناثى، ثم الصبيان، ثم النساء، ثم الصبيات، و لم نجد في النصوص ما يشهد له، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.

ج 12، ص: 82

ليس فيها لذكر الخصيان أثر، و الظاهر إلحاقهم بالرجال، لكن عن الحلبي أيضا «تجعل المرأة مما يلي القبلة و الرجل مما يلي الامام، و كذلك الحكم إن كان بدل المرأة

عبدا أو خصيا أو صبيا، كما أنه ليس فيها ترجيح للجنائز المتساوية في الذكورة و نحوها» لكن عن التذكرة «لو كانوا كلهم رجالا أحببت تقديم الأفضل، و به قال الشافعي، و عن المنتهى قدم إلى الامام أفضلهم، لأنه أفضل من الآخر فأشبه الرجل مع المرأة» و عن التحرير «ينبغي التقديم بخصال دينية ترغيب في الصلاة عليه، و عند التساوي لا يستحب القرب إلا بالقرعة أو التراضي» و في كشف اللثام و لم أجد بذلك نصا إلا أن ينزل عليه

قوله (عليه السلام) في خبر السكوني (1)و سيف بن عميرة(2): «خير الصفوف في الصلاة المقدم، و خير الصفوف في الجنائز المؤخر، قيل: يا رسول الله و لم؟ قال: صار سترة للنساء»

قلت: لكن ليس فيه ترجيح بالأفضلية و نحوها، و كأنه لذا قال في الذكرى بعد أن نقل الترجيح عن العلامة بالأفضلية قال: و هو مخالف للنص و الأصحاب نعم عن الوسيلة و الجامع في رجلين أو امرأتين يقدم أصغرهما إلى القبلة، قيل و لعله لخبري طلحة و الصدوق، و فيه أن الظاهر إرادة ما دون البلوغ من الصغر فيهما، و بالجملة الأولى الوقوف على المستفاد من النصوص استفادة معتبرة، إذ احتمال أن ما فيها من المثال، و إلا فالمراد مراعاة سائر المرجحات بعيد جدا، و عليه فالأمر غير منحصر في الأفضلية.

و كيف كان فمما ذكرنا يظهر لك كيفية النظم لو اجتمع الجميع الرجل و المرأة الحرة و

المملوكة و الصبي و الصبية كذلك للست و دونها، و الخنثى البالغ و غيره للست و غيره الحر و المملوك، و عن فوائد القواعد لثاني الشهيدين قال: جملة الحكم في ذلك أن يجعل الرجل مما يلي الإمام، ثم الصبي الحر، ثم العبد البالغ، ثم العبد لست، ثم الخنثى الحر


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 83

البالغ، ثم الخنثى الحر لست، ثم الخنثى الرقيق كذلك، ثم المرأة الحرة، ثم الأمة، ثم الطفل الحر لدون ست، ثم العبد كذلك، ثم الخنثى الحر، ثم الرقيق كذلك، ثم الأنثى كذلك، و لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، كما أن ما في كشف الأستاذ و مع اجتماع الجنائز يقدم الرجل الحر إلى الامام، ثم الرق، ثم الصبي الحر بالغا ست سنين، ثم غير بالغها ممن يصلي عليه، ثم الصبي الرق ممن بلغ ستا، ثم من لم يبلغ و الممسوح كذلك، ثم الخنثى الحر، ثم البالغة الحرة، ثم صبيتها مرتبة، ثم الأمة، ثم صبيتها كذلك، ثم النساء على هذا التفصيل كذلك أيضا، كما أن مما قدمناه في تداخل الغسل المندوب و الواجب يظهر لك ما أطنبوا فيه في المقام من الجمع بصلاة واحدة بينهما، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[من السنن أن يكون المصلي متطهرا]

و من السنن أيضا أن يكون المصلي متطهرا بلا خلاف، بل في المحكي عن التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل في المحكي عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

خبر عبد الحميد بن سعد(1)قال لأبي الحسن (عليه السلام): «الجنازة يخرج بها و لست على وضوء فان ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة أ أصلي عليها و أنا على غير وضوء؟ فقال: تكون على طهر أحب إلى»

مع أن الصلاة ذكر و دعاء و مسألة و شفاعة للميت فاستحب في فاعلها أن يكون على أكمل أحواله و أفضلها، نعم الظاهر مشروعية التيمم في مفروض سؤال الخبر المزبور كما دل عليه غيره من النصوص (2)و أفتى به الأصحاب، بل قد يقال بمشروعيته مع التمكن من الوضوء أيضا كما تقدم محررا في بحث التيمم، فلاحظ و تأمل.

نعم لا ريب في رجحان الطهارة المائية عليه، بل لا يبعد رجحان الصورية عليها فضلا عن الحقيقة، لكن عن

فقه الرضا (عليه السلام)(3)«و إن كنت جنبا


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة.
3- 3 المستدرك- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 84

و تقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ»

و ظاهره المساواة، و هو لا يخلو من تأمل، كما أن

قوله (عليه السلام) أيضا(1): «قد أكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة لأنه ليس بالصلاة، و إنما هو التكبير، و الصلاة التي هي فيها الركوع و السجود»

كذلك و لعله يريد نية الوجوب من التعمد و الحرمة من الكراهة، و إلا كان مخالفا للنص و الفتوى كما عرفت، و الله أعلم.

[من السنن أن ينزع نعليه]

و من سننها أيضا أن ينزع نعليه كما عن جماعة التصريح به، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، و هو الحجة إن تم إجماعا لا

خبر سيف بن عميرة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا يصلى على الجنازة بحذاء، و لا بأس بالخف»

ضرورة اقتضائه الحرمة إلا أنه لقصوره من وجوه عن إثباتها يحمل على الكراهة فيه لا استحباب نزعه، اللهم إلا أن يدعى رجوعه اليه، و لا يخلو من تأمل، و عليه فلا دلالة فيه على استحباب الحفاء كما عبر به في النافع و المحكي عن المعتبر و المنتهى، بل في الذكرى أنه عبارة ابن البراج، و هو الذي أراده العلامة الطباطبائي بقوله:

و الخلع للحذاء دون الاحتفاءو سن في قضائه الحافي الحفا

فإنه لقب القاضي عبد العزيز بن الجبار، و في معقد إجماع الغنية و أن يتحفى الامام و على كل حال فقد علل بأنه موضع اتعاظ، فكان التذلل أنسب بالخشوع، مضافا إلى

ما رواه الجمهور(3)عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار»

و هما معا كما ترى، بل في الذكرى استحباب الحفاء يعطي استحباب نزع الخف، و الشيخ و ابن الجنيد و يحيى بن سعيد استثنوه، و الخبر ناطق به،


1- 1 المستدرك- الباب- 8- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
3- 3 سنن البيهقي ج 3 ص 229.

ج 12، ص: 85

و في التذكرة اختار عدم نزع الخف، و احتج بحجة المعتبر، و هو تام لو ذكر الدليل المخرج للخف عن مدلول الحديث، قلت: يمكن إخراجه بالخبر المزبور بناء على ظهور نفي البأس فيما يشمله، كما أنه يمكن عدم استثنائه كما أطلقه في النافع و غيره، لعدم منافاة نفي البأس لاستحباب الحفاء، إذ أقصاه الجواز، اللهم إلا أن يكون هنا كذلك بناء على إرادة ندب النزع من النهي الأول، فيدل حينئذ على نفيه فيه، لكن كل ذلك بعد الدليل على الحفاء، و قد عرفت عدمه، و إجماع

الغنية مع موهونيته بمصير الأكثر إلى خلافه خاص بالإمام، بل قد يظهر من المحكي عن المقنع عن شيخه التوقف في نزع النعل فضلا عنه، قال: روي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي على جنازة بنعل حذو، و كان محمد بن الحسن يقول: كيف يجوز صلاة الفريضة به و لا يجوز صلاة الجنازة به، و كان يقول:

لا نعرف النهي عن ذلك إلا من رواية محمد بن موسى الهمداني، و كان كذابا، قال الصدوق: و صدق في ذلك إلا أني لا أعرف من غيره رخصة و اعترف بالنهي و إن كان من غير ثقة، و لا يراد الخبر بغير خبر معارض، قلت: روى الكليني عن عدة عن سهل ابن زياد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة ما تقدم، و هذا طريق غير طريق الهمداني إلا أن يفرق بين الحذاء و بين نعل الحذو، و قد يفرق بين الصلاتين باشتراط عدم الخبث في ذات الأركان و عدمه في الجنازة، لكن لا يخفى ما في كلام الصدوق من عدم اشتراط العدالة في الخبر و ظهور الحرمة و غير ذلك، كما أنه لا يخفى عليك ظهور الفتاوى في عدم الفرق هنا بين النعل العربية و غيرها، فاحتماله بتنزيل الحذاء أو نعل حذو على غيرها فيختص ندب الخلع حينئذ بها لا ما يشمل العربية في غاية البعد، خصوصا بعد تفسير الحذاء بالنعل في الصحاح و في المحكي عن النهاية، و إضافة النعل للحذو للتوضيح كما قيل أو غير ذلك، و الله أعلم.

[من السنن أن يرفع يديه في أول تكبيرة]

و من سننها أيضا أن يرفع يديه في أول تكبيرة إجماعا محصلا و منقولا

ج 12، ص: 86

مستفيضا إن لم يكن متواترا، بل لعله إجماع أهل العلم كما عن التذكرة و المنتهى و ظاهر المعتبر، بل لا خلاف فيه في النصوص كالفتاوى و أما في البواقي فيستحب أيضا على الأظهر وفاقا لوالد الصدوق و للتهذيب و الاستبصار و الجامع و النافع و المعتبر و التذكرة و التحرير و التلخيص و الإرشاد و نهاية الأحكام و القواعد و البيان و الدروس و اللمعة و الموجز و التنقيح و كشف الالتباس و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و التلخيص و حاشية الميسي و الروض و الروضة و المسالك و مجمع البرهان و المفاتيح و الحدائق و المدارك و المنظومة على ما حكي عن البعض، بل عن كشف الالتباس أنه المشهور، بل عن الروض أن عمل الطائفة عليه الآن، بل في مفتاح الكرامة عن شرح الجعفرية أنه إجماعي، لكن قال: لعل النسخة غير صحيحة كما هو الظاهر، و لعله الأقوى تأسيا بفعل

الصادق عليه السلام المروي في الصحيح عن عبد الرحمن بن العزرمي (1)قال: «صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) على جنازة فكبر خمسا يرفع يده في كل تكبيرة»

و خبر عبد الله بن خالد مولى بني الصيداء(2)فإنه صلى خلفه أيضا فرآه يرفع يده في كل تكبيرة،

بل

سأل يونس الرضا (عليه السلام) في خبره (3)فقال له: «جعلت فداك أن الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى و لا يرفعون فيما بعد ذلك فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال: ارفع يدك في كل تكبيرة»

بل منه يستفاد أن ما رواه

غياث بن إبراهيم (4)عن الصادق عن علي (عليهما السلام) «أنه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير»

و إسحاق بن أبان الوراق (5)عنه أيضا عن أبيه (عليهما السلام) «كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 2 لكن روى عن محمد بن عبد الله بن خالد.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجنازة الحديث 5 روى عن إسماعيل بن إسحاق.

ج 12، ص: 87

(عليه السلام) يرفع يده في أول التكبير على الجنازة و لا يعود حتى ينصرف»

محمول على التقية، بل تفوح رائحتها منهما لسليم حاسة الشم مع قطع النظر عن ذلك، و لا يقدح فيه اختلاف العامة بعد أن كان ذلك مذهب مالك و الثوري و أبي حنيفة الذي يتقى منه في ذلك الزمان، لأنه الذي عليه السواد و السلطان و الأتباع كما يومي اليه ما حكاه يونس، بل هو المعروف عندهم في صلاة المكتوبة أيضا كما يومي اليه

خبر إسماعيل بن جابر(1)المروي عن قرب الاسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رسالة طويلة كتبها لأصحابه إلى أن قال: «دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتح الصلاة، فإن الناس قد شهر و كم بذلك، و الله المستعان، و لا حول و لا قوة إلا بالله».

فلا ريب حينئذ في أولوية ذلك مما عن الشيخ من حملهما على بيان الجواز، خصوصا مع إشعار «كان» بالدوام، و قد يقال في الأول بعد فرض كون التعبير فيه من غير الراوي أن المراد رفع اليدين في الدعاء، أي لا يستحب فيها إلا قنوت واحد، و هو عند الدعاء للميت لا كالعيد، قال في المدارك: و لم يذكر الأصحاب هنا استحباب رفع اليدين في حالة الدعاء للميت، و لا يبعد استحبابه لإطلاق الأمر برفع اليدين في الدعاء المتناول لذلك، و إن كان فيه أن مقتضى التعليل الرفع أيضا في غير الدعاء للميت بل لا يخفى عليك بعد حمل الخبر عليه إلا أنه لا بأس به بعد رجحان دليل الندب بصحة السند و كثرة العدد و مخالفة العامة و التسامح، و ما سمعته سابقا في أول أفعال الصلاة من ظهور بعض النصوص في كون الرفع هيئة التكبير، ك

قول الرضا (عليه السلام)(2): «إنما ترفع اليدين بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع، فأحب الله


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 9 من كتاب الصلاة لكن رواه عن الكافي.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 11 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 88

عز و جل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا»

و غيره مما لا يخفى، و احتمال معارضة ذلك كله بالشهرة بين قدماء الأصحاب- إذ المنقول عن الشيخين و المرتضى و ابن زهرة و القاضي و التقي و البصري و العماد الطوسي و الديلمي و العجلي و الفاضل في المختلف العدم، بل في الذكرى و المدارك و أكثر الأصحاب أن لا رفع إلا في الأولى، بل في كشف اللثام و غيره أنه المشهور بمعنى عدم استحبابه في غيرها، و اليه يرجع ما في الذكرى أن الخروج عن جمهور الأصحاب بخبر الواحد فيه ما فيه، بل في الغنية و المحكي عن شرح القاضي الإجماع عليه، فيحمل تلك النصوص على إرادة بيان جواز الفعل- يدفعه مع أنه لا يتم في خبر يونس (1)أن الشهرة المتقدمة بعد تسليمها لظهور بعض العبارات في منع الرفع في غير الأولى، بل في التنقيح حكايته عن البصري و معارضته بالشهرة المتأخرة، بل بها يوهن الإجماعان المزبوران، بل لا يخفى حال الأول منهما على الممارس للغنية بل و لا الثاني، و لو سلم التكافؤ بين الشهرتين فالترجيح بالعرض على مذاهب

العامة بحاله، مضافا إلى ما عرفت، فلا حاجة حينئذ إلى ما عن المعتبر من الترجيح بأن ما دل على الزيادة أولى، و لأن رفع اليدين مراد الله في التكبير الأول، و هو دليل الرجحان، فيشرع في الباقي تحصيلا للأرجحية، و لأنه فعل مستحب، فجاز أن يفعل مرة و يخل به أخرى، فلذلك اختلفت الروايات، إذ فيه أن خبر النقيصة الأول يدل على نفي الزائد صريحا، فيتعارض، و الرجحان في الأولى لا يقضي به في غيرها، و لفظ «كان» مشعر أو ظاهر في الدوام، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[من السنن أن يدعو عقيب الرابعة للميت إن كان مؤمنا، و عليه إن كان منافقا]

و منها عند المصنف كما عرفت سابقا أنه يستحب عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمنا، و عليه إن كان منافقا و قد سمعت أن الأقوى الوجوب فيهما، و أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.

ج 12، ص: 89

لا يتعين خصوص اللعن منه كما تقدم ذلك مفصلا، نعم ظاهر المصنف و غيره من القائلين بالأربع للمنافق أن محل الدعاء بعد الرابعة و إن لم يكن بعدها تكبيرة، بل لعله لا خلاف فيه بين القائلين بالوجوب و الندب و الأربعة و الخمسة لظهور الأدلة السابقة في أنها هي محل الدعاء للميت أو عليه، و لا يبعده عدم تكبيرة أخرى بعدها على تقدير الأربع، و لذا قال في الذكرى بندب الدعاء لا وجوبه، و فيه ما عرفت سابقا، كما أن ما في المدارك من أنه لا يتعين الدعاء بعد الرابعة كذلك و إن كان هو مبنيا على ما ذهب اليه من عدم وجوب التوزيع المزبور، كما أن المحدث البحراني بعد أن ذهب إلى كفر المخالفين و عدم مشروعية الصلاة عليهم إلا تقية قال هنا: إنه متى صلى كان مخيرا بين الدعاء عليهم بعد كل تكبيرة كما هو ظاهر خبر الحسين بن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)و غيره من الأخبار و بين الدعاء بعد الرابعة كما في فقه الرضا (عليه السلام)(2)و فيه ما لا يخفى بعد التدبر في النصوص و الفتاوى.

و أما الدعاء بدعاء المستضعفين إن كان كذلك أي مستضعفا كما في

صحيح الحلبي (3)و أكثر كتب الأصحاب بل جميعها عدا النادر، بل في الغنية الإجماع عليه «اللهم اغفر لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ» نعم قال في آخره: «و إن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية»

و ستسمع المراد منه، و في

صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) و الغنية و المحكي عن المبسوط و بعض الكتب «ربنا اغفر للذين تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ» و زاد في الصحيح إلى آخر الآيتين أي قوله تعالى (5)«رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ

جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 4- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
5- 5 سورة المؤمن- الآية 8.

ج 12، ص: 90

و لعله المراد في الصحيح الأول أيضا إلا أنه لم أعثر عليه في شي ء من الفتاوى إلا ما يحكى عن الجعفي، فقال: إلى آخر الآيات، و في

صحيح الفضيل و ابن أذينة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «و إن كان واقفا مستضعفا فقل: اللهم»

إلى آخر الآية، نعم ستسمع احتمال إرادته من خبر ثابت بن أبي المقدام (2)فيكون دعاؤه ما فيه، و الظاهر عدم التوقيت فيه للإطلاق السابق، بل المراد الدعاء بجنس ذلك نحو ما سمعته في المؤمن و المنافق و اليه أومأ في المحكي عن الكافي من أنه إن كان مستضعفا دعا للمؤمنين و المؤمنات.

كما أنه لا خلاف فيما أجده في كون الدعاء المزبور بعد الرابعة، لأن الظاهر الخمس في كيفية صلاته كما صرح به في كشف اللثام على وجه يظهر منه كونه مفروغا منه، لإطلاق ما دل عليها المقتصر في تقييده عند المصنف و من عرفت على المنافق الذي هو غير المستضعف قطعا كما هو مقتضى المقابلة نصا و فتوى، فالإطلاق حينئذ بحاله.

و المراد بالمستضعف هنا- و إن قيل إن ظاهر الأصحاب في الزكاة و الوصية المخالف الذي ليس له نصب- هو من لا يعرف اختلاف الناس، فلا يعرف ما نحن عليه و لا يبغضنا كما عن السرائر و لعله ل

توقيع الكاظم (عليه السلام) لعلي بن سويد(3)«الضعيف من لم يرفع اليه حجته و لم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي سارة(4)«ليس اليوم مستضعف


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 لكن رواه عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 7 لكن رواه عن ثابت أبى المقدام و هو الصحيح.
3- 3 أصول الكافي- ج 2 ص 406« باب المستضعف» 11.
4- 4 أصول الكافي- ج 2 ص 406« باب المستضعف» 12.

ج 12، ص: 91

أبلغ الرجال و النساء النساء»

و لأبي بصير و سفيان بن السمط(1)«فتركتم أحدا يكون مستضعفا، فو الله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن و تحدث به السقايات في طرق المدينة»

و لأبي بصير(2)«من عرف الاختلاف فليس بمستضعف»

و لأبي حنيفة(3)الذي هو من أصحابنا «من عرف الاختلاف فليس بمستضعف»

قول أبي جعفر (عليه السلام) لزرارة(4): «ما يمنعك من اليه من النساء المستضعفات اللاتي

لا ينصبن و لا يعرفن ما أنتم عليه، و ممن لا يعرف الاختلاف أشباه الصبيان ممن ليس له مزيد تمييز يمكنه به معرفة الحق أو يبعثه على الفساد و البغض لنا»

كما

قال أبو جعفر (عليه السلام) أيضا لزرارة(5): «هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر و لا يهتدي بها إلى سبيل الايمان، لا يستطيع أن يؤمن و لا يكفر، قال: و الصبيان و من كان من الرجال و النساء مثل عقول الصبيان»

و في

خبر سليم بن قيس (6)المروي في الاحتجاج عن الحسن (عليه السلام) «إن الناس ثلاثة: مؤمن يعرف حقنا و يسلم و يأتم بنا فذلك ناج محب لله و لي، و ناصب لنا العداوة يبرأ منا و يلعننا و يستحل دماءنا و يجحد حقنا و يدين الله بالبراءة منا فهذا كافر مشترك فاسق، و إنما كفر و أشرك من حيث لا يعلم كما يسبوا الله من غير علم كذلك يشرك بالله بغير علم، و رجل


1- 1 أصول الكافي- ج 2 ص 404« باب المستضعف» 4 و هو خبر سفيان بن السمط فقط.
2- 2 أصول الكافي- ج 2 ص 405« باب المستضعف» 7.
3- 3 معاني الأخبار- ص 200 المطبوعة بطهران عام 1279.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب 3 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه- الحديث 2 من كتاب النكاح.
5- 5 أصول الكافي- ج 2 ص 404« باب المستضعف» 3.
6- 6 الاحتجاج- ص 162.

ج 12، ص: 92

أخذ بما لا يختلف فيه و رد علم ما أشكل عليه إلى الله تعالى مع ولايتنا و لا يأتم بنا و لا

يعادينا فنحن نرجو أن يغفر الله له و يدخله الجنة، فهو مسلم ضعيف»

و عن الغرية «أنه الذي يعترف بالولاء و يتوقف عن البراء»

و في كشف اللثام «و كأنه نظر إلى

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر الفضيل: «و إن كان واقفا مستضعفا فكبر و قل:

اللهم اغفر للذين تابوا»

إلى آخره. و في الذكرى «هو الذي لا يعرف الحق، و لا يعاند فيه، و لا يوالي أحدا بعينه» قال في جامع المقاصد: و التفسيرات متقاربة إلا أن ما ذكره ابن إدريس ألصق بالمقام، فان العالم بالخلاف و الدلائل إذا كان متوقفا لا يقال له مستضعفا، و ما يقال من أن المستضعف هو الذي لا يعرف دلائل اعتقاد الحق و إن اعتقده فليس بشي ء، إذ لا خلاف بين الأصحاب في أن من اعتقد معتقد الشيعة الإمامية مؤمن، يعلم ذلك من كلامهم في الزكاة و النكاح و الكفارات، و في كشف الأستاذ «أنه من لا يوالي و لا يعادي و يدخل نفسه في اسم المؤمنين و المخالفين، و لا يعرف ما هم عليه» قلت: لعل الاستضعاف مراتب مختلفة، كما أنه يكون من قصور العقل و غيره، و يلحق في الصورة باسم المؤمنين أو المخالفين.

و على كل حال فالتكبير عليه بعد إحراز إسلامه و الضعف في إيمانه بالمعنى الأخص خمس تكبيرات، لإطلاق ما دل عليها في الميت الذي لم يعلم خروج غير المنافق و الجاحد للحق و نحوهما ممن علم عدم شموله للمستضعف عنه، و الظاهر إلحاق ولد المستضعف به في ذلك أيضا، كما أن الظاهر كون الاستضعاف حالة مقابلة للايمان و الخلاف لا تتنقح بالأصل كما ستعرف الإشارة إليه في مجهول الحال، و الله هو العالم.

و إن جهله و لم يعرف مذهبه سأل الله تعالى أن يحشره مع من يتولاه كما في القواعد و عن التحرير و الإرشاد و البيان، ل

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح

ج 12، ص: 93

زرارة و محمد بن مسلم(1): «و يقال في الصلاة على من لا يعرف مذهبه: اللهم إن هذه النفوس أنت أحييتها و أنت أمتها، اللهم و لها ما تولت و احشرها مع من أحبت»

بل في كشف اللثام أنه المذكور في المقنع و الهداية و المقنعة و المصباح و مختصره و المهذب و الغنية بل عن الأخير الإجماع عليه، و لا ينافيه ما عن المعتبر و التذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و غيرها من الدعاء بما في

خبر ثابت بن أبي المقدام (2)قال: «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها و كنت قريبا منه فسمعته يقول: اللهم إنك خلقت هذه النفوس و أنت تحييها و أنت أعلم بسرائرها و علانيتها و مستقرها و مستودعها، اللهم و هذا عبدك و لا أعلم منه

شرا و أنت أعلم به، و قد جئناك شافعين له بعد موته، فان كان مستوجبا فشفعنا فيه و احشره مع من كان يتولاه»

إذ لا يريدون التعيين، خصوصا و لا صراحة في الخبر المزبور أن الميت كان مجهول الحال عنده، بل هو من المستبعد، سيما مع كونه من جيرته، بل الأقرب أنه كان مستضعفا، و شفاعته (عليه السلام) فيه لأن له حق الجوار عليه، ففي

صحيح الحلبي أو حسنه (3)عن الصادق (عليه السلام) المتقدم سابقا «و إن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية»

فإن المراد بالسبيل الحق و بالولاية ولاية أهل البيت (عليهم السلام) كما في الوافي أي حق من لا ولاية له عليك لا يوجب أن تدعو له كما تدعو لأهل الولاية، بل يكفي لذلك أن يستغفر له على وجه الشفاعة، و ربما يؤيده ما في

مرسل ابن فضال (4)عن الصادق (عليه السلام) «الترحم على جهتين جهة الولاية و جهة الشفاعة»

بل في وافي الكاشاني الترحم على جهة الولاية مثل ما مر من الدعاء للمؤمنين، و على جهة الشفاعة مثل الخبر


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 7 لكن روى عن ثابت أبى المقدام و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.

ج 12، ص: 94

المزبور، ثم قال: و إنما تجوز الشفاعة لمن كان قد استوجبها كالمستضعف إذا كان من الشفيع بسبيل دون غيره، و في حسن ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) السابق الدعاء للمجهول بدعاء المستضعف، كما أن في

خبر سليمان بن خالد(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، اللهم صل على محمد عبدك و رسولك، اللهم صل على محمد و آل محمد، و تقبل شفاعته، و بيض وجهه، و أكثر تبعه، اللهم اغفر لي و ارحمني و تب علي، اللهم اغفر للذين- إلى آخر الآية(3) - فإن كان مؤمنا دخل فيها، و إن كان ليس بمؤمن خرج منها»

و في

صحيح الحلبي (4)عن الصادق (عليه السلام) «و إذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللهم إن كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه».

و كيف كان فلا إشكال في وجوب الدعاء هنا بعد أن كان الواقع عدم خلوه ممن عرفت وجوب الدعاء لهم و عليهم، نعم الظاهر عدم التوقيت فيه، بل يجب مراعيا لجهل حاله كما أومأ إليه في المحكي عن الكافي من اشتراط الدعاء له و عليه، بل الأولى مراعاة احتمال الايمان و الخلاف و الاستضعاف، فيأتي بدعاء صالح لذلك كله كما أومى إليه في بعض النصوص

السابقة، إلا أنه قد يظهر من دعائه في بعض آخر منها عدم مراعاة استضعافه، و لعله لأن المفروض معلومية انتفائه أو لندرته، و منه يعلم فساد احتمال الحكم باستضعافه إذا جهل حاله بتخيل أنه ينقحه أصالة عدم الايمان و الخلاف و إن كان هو لا يخلو من وجه، بناء على بعض التفاسير للمستضعف الذي مرجعه إلى عدم معرفة الحق و عدم معاندته فيه و عدم موالاة أحد بعينه، لكن النصوص و الفتاوى كالصريحة بخلافه و لعله لأن الاستضعاف حالة أخرى متجددة بعد حال الصغر مقابلة للايمان و الخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.
3- 3 سورة المؤمن- الآية 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.

ج 12، ص: 95

ينفيها الأصل أيضا، فتأمل.

كما أن ظاهر النصوص و الفتاوى تعليق الحكم على الجهل بمذهبه و نحوه المتحقق مع الظن به، و هو كذلك، ضرورة عدم الدليل على الاجتزاء به في مثل ذلك، نعم لو كان مستنده ظاهر إقراره و نحوه مما علم الاكتفاء به اتجه خروجه حينئذ عن المجهول، لكن في كشف اللثام تفسير الجاهل بالذي لم يعرف خلافه للحق و إن كان من قوم ناصبة و لا استضعافه و لا عرف إيمانه و لا ظن، ثم قال: فعندي يكفي الظن في الايمان و لا بد من العلم في الباقيين، و للنظر فيه مجال و إن كان قد يشهد له بعض النصوص المميزة للمؤمن عن غيره ببعض الأمارات الظنية، و لتمام البحث فيه محل آخر.

نعم ما في المدارك الظاهر أن معرفة بلد الميت الذي يعلم إيمان أهلها أجمع كاف في إلحاقه بهم لا يخلو من قوة، و ربما عد مثله علما في العادة أو عومل معاملته، و الله أعلم.

و الظاهر أن التكبير على المجهول خمس، إما لإطلاق ما دل على وجوبها للميت المقتصر في تقييده على معلوم النفاق الذي قد يدعى انسياق الأدلة فيه، و إما لأن بها يحصل يقين البراءة من الشغل اليقيني، إذ هو إن كان من ذوي الأربع فلا يقدح زيادة الخامسة للاحتياط بعد الكمال، و إن كان من ذوي الخمس فهي في محلها، فلا حاجة حينئذ في يقين البراءة إلى التكرار و إن اختلف الصلاتان، لكنه اختلاف هيئة عدد لم يعتبر في القليل منه عدم الزيادة عليه و لو بقصد الاحتياط حتى يتوقف يقين حصول البراءة على التكرار، بل المراد حصول الأربعة في الخارج و لو كانت في ضمن خمسة لم يقصد بها التشريع المفسد، و تسمع فيما يأتي إن شاء الله الاجتزاء بصلاة واحدة للمؤمن و المنافق على أن يشتركا في الأربعة و يختص المؤمن بالزيادة، و أنه و نحوه ليس من التداخل في شي ء، لعدم تعدد الأوامر و إن كان قد تعدد المأمور بالصلاة عليه، فهو نحو الأمر بضرب الرجال الحاصل امتثاله بضرب كل واحد و بضربهم جميعا دفعة،

ج 12، ص: 96

كما هو واضح، فلاحظ و تأمل فإن له نفعا في المقام، و الله أعلم.

و إن كان الميت طفلا سأل الله أن يجعله مصلحا لحال أبيه شافعا فيه لكن في

خبر زيد بن علي (1)عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «أنه كان يقول: اللهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا»

و في النافع و المحكي عن الفقيه و المقنع و الهداية و المصباح و مختصره «اللهم اجعله لنا و لأبويه فرطا» بتقديم «لنا» و حذف السلف و الأجر، و لعله أقربهما من الفرط الذي هو من يتقدم لإصلاح ما يحتاجون اليه كما عن السرائر و المنتهى، بل في الذكرى و عن الجامع الفرط الأجر المتقدم، و في الصحاح بالتحريك الذي يتقدم الواردة فيهي ء لهم الأرسان و الدلاء و يمدر الحياض و يستقي لهم و هو فعل بمعنى فاعل، و يقال رجل فرط و قوم فرط أيضا، و

في الحديث (2)«أنا فرطكم على الحوض»

و منه قيل للطفل: «اللهم اجعله لنا فرطا» أي أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه، اقتصروا عليه كالمحكي عن المبسوط و النهاية و الاقتصاد و الوسيلة و الجامع، كما أنه لعدم وجوب تقديم الأبوين في الدعاء قدم «لنا» عليه، بل يسقط الدعاء بكونه فرطا لهما إذا لم يكونا مؤمنين، و يختص بالمؤمنين حينئذ، بل في

الدعائم (3)عن جعفر ابن محمد (عليهما السلام) «أنه كان يقول في الصلاة على الطفل: اللهم اجعله لنا سلفا و فرطا و أجرا»

من دون ذكر الأبوين.

و المتجه على ما في الكتاب- من اختصاص الدعاء بالصلاح و الشفاعة لأبيه الذي لم أجد موافقا له عليه نصا و فتوى عدا ما عن الكافي في الجملة، فقال: «دعي لوالده إن


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الجنازة- الحديث 1.
2- 2 كنز العمال- ج 7 ص 221- الرقم 2412.
3- 3 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 97

كان مؤمنا، و لهما إن كانا مؤمنين» السقوط و لو كان أبوه خاصة كافرا، لعدم جواز الدعاء له حينئذ، و عدم ذكره غيره، اللهم إلا أن يبدل الدعاء له بالدعاء عليه، و الأمر سهل بناء على عدم وجوب الدعاء هنا كما عن الروض، قال: و في الدعاء لأبوي لقيط دار الكفر مع الحكم بإسلامه نظر، أقربه ذلك، ثم قال: و الأمر سهل لكونه غير واجب، و في كشف اللثام و في وجوب الدعاء هنا الوجهان، و يقوى العدم أنه ليس للميت و لا عليه، قلت: كما أنه يقوى الوجوب ظاهر الفتاوى، نعم الظاهر عدم التوقيت فيه باللفظ المخصوص، و عن

فقه الرضا (عليه السلام)(1)«اللهم اجعله لأبويه و لنا ذخرا و مزيدا و فرطا و أجرا»

و في المقنعة «اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا و قبضته طاهرا فاجعله لأبويه نورا، و ارزقنا أجره و لا تفتنا بعده» و كذا الغنية و المحكي عن المهذب لكن فيهما «فرطا و نورا» بل قد يقال بوجوب الدعاء المزبور في صلاة الطفل المندوبة فضلا عن الواجبة، لأن ندب الأصل لا ينافي وجوب الهيئة كالنافلة، و

الأحوط المحافظة في الدعاء على مضمون الخبر المذكور، و الله أعلم.

[من السنن إذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة]

و كيف كان فقد ذكر الأصحاب كما في كشف اللثام و المحكي عن الروض أنه إذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة ل

خبر حفص بن غياث (2)عن أبي جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «أنه كان إذا صلى على جنازة لم يبرح من مكانه حتى يراها على أيدي الرجال»

و في كشف اللثام و لكونه إماما خص الحكم بالإمام في المصباح و مختصره و السرائر و التذكرة و الجامع و الذكرى و الدروس، قلت: لكن ظاهر العبارة و غيرها بل صرح به الكركي و غيره عدم الفرق بين الامام


1- 1 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 و فيه« عن جعفر عن أبيه عليهما السلام».

ج 12، ص: 98

و غيره، لقاعدة الاشتراك، و ل

خبر يونس (1)«و يقف مقدار ما بين التكبيرتين و لا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه»

نعم عن الميسي و ثاني الشهيدين أنه يستثنى من المصلين من يتحقق بهم رفع الجنازة إن لم يتفق من غيرهم، و نحوه في المدارك مع أنه لا يخلو من نظر إذا لم يصل إلى حد الوجوب، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[من السنن أن يصلي على الجنائز في المواضع المعتادة]

و منها ما في الذكرى ناسبا له إلى الشيخ و الأصحاب أن يصلي عليها أي الجنائز في المواضع المعتادة و لعله الحجة في مثله سيما مع تأييده بالتبرك بكثرة المصلين فيها، و بأن السامع بموته يقصدها فيحصل كثرة المصلين عليه المعلوم رجحانها حتى

قال الصادق (عليه السلام) في الصحيح عن عمر بن يزيد(2): «إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا قال الله تبارك و تعالى: قد أجزت شهادتكم و غفرت له ما أعلم مما لا تعلمون».

و لو صلى عليها في المساجد جاز بلا خلاف فيه بيننا، بل عن المنتهى الإجماع عليه، للأصل و

خبر البقباق (3)سأل الصادق (عليه السلام) «هل يصلى على الميت في المسجد قال: نعم»

و مثله محمد بن مسلم (4)نعم الظاهر الكراهة كما صرح بها جماعة، بل عن الروض و جامع المقاصد نسبتها إلى الأصحاب كما عن المعتبر نسبتها إلى روايتهم، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليها إلا في مكة، كالخلاف قال فيه: يكره أن يصلى عليها في المساجد إلا بمكة إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة، و في

خبر أبي بكر بن عيسى بن أحمد العلوي (5)قال: «كنت في المسجد و قد جي ء بجنازة فأردت أن

أصلي عليها فجاء أبو الحسن الأول (عليه السلام) فوضع مرفقه في صدري فجعل يدفعني حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 90- من أبواب الدفن- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.

ج 12، ص: 99

خرج من المسجد، ثم قال: يا أبا بكر، إن الجنائز لا يصلى عليها في المساجد»

لكنه كما ترى عام لا استثناء فيه لمكة كما سمعته من معقد إجماع الخلاف و المحكي عن مجمع البرهان و عن المنتهى تعليله مع ذلك بأنها كلها مسجد، فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع، لكنه كما ترى، فالعمدة حينئذ في التخصيص الإجماع المزبور إن تم، و من الغريب ما في المدارك من نفي الكراهة مطلقا لما سمعته من خبر الجواز الذي لا ينافي ما دل على الكراهة، بل لم أجد موافقا له على ذلك سوى ما يحكى عن أبي علي «لا بأس بها في الجوامع و حيث يجتمع الناس على الجنازة دون المساجد الصغار» نعم يمكن القول بارتفاعها لو اعتيدت، و لذا استحبها في البيان في المواضع المعتادة و لو في المساجد مع أنه لا يخلو من نظر واضح.

و منها صلاتها جماعة للتأسي و الإجماع بقسميه على ذلك و على عدم وجوبها، فيكفي صلاتها فرادى، كما أنه يكفى فيها صلاة واحد و لو امرأة بلا خلاف فيه بيننا نصا و فتوى و

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(1): «صلوا»

لا يدل على اشتراط الجمع، فان الخطاب هنا كما في الذكرى لكل واحد لا للجميع، و إلا لوجبت على عامة الناس، فلا يشترط الاثنان و لا الثلاثة حينئذ، و اشتراط الأربعة لأنهم الحملة للجنازة غلط ناش عن اتباع الهوى، و الاعراض عن ذوي الهدى (عليهم السلام)، إذ لا تلازم بين عدد الحمل و المصلين، على أن الاتفاق حاصل على جواز حمل واحد.

و منها الجهر للإمام في التكبير، لأن كثيرا من الرواة حكى عدد التكبير من فعل النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام)، و هو لا يحصل غالبا إلا بسماعه، فيتأسى بهم، و ظهور مساواتها المكتوبة في ذلك، خصوصا بعد معلومية الحكمة في الجهر فيها، و هي أعلام من خلفه ليقتدى به، بل الظاهر استحباب جهرة بباقي الأذكار حتى الدعاء،


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.

ج 12، ص: 100

لإطلاق الدليل المزبور، خلافا لما عن الفاضلين من استحباب السر في الدعاء سواء فعلت ليلا أو نهارا، لأنه أبعد من الرياء، فيكون أقرب إلى الإجابة، و ل

خبر أبي همام (1)عن الرضا (عليه السلام) «دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية»

و هو كما ترى، نعم لا يبعد استحباب الإسرار للمأموم مطلقا كالمكتوبة، لإطلاق دليله.

و منها الاجتهاد في الدعاء للمؤمن كما في الخبر(2)إلى غير ذلك من المندوبات التي يتسامح في سننها، و لا يخفى كيفية تحصيلها من النصوص، نعم لا يستحب فيها دعاء الاستفتاح عندنا و لا التعوذ و التكبيرات الست قبلها، لابتنائها على التخفيف، و لما مر من صفتها، و الله أعلم.

[في مكروهات صلاة الميت]

و يكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين وفاقا للأكثر، بل المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الغنية الإجماع عليه جماعة و فرادى من مصل واحد و متعدد كما صرح به بعضهم، و كالصريح من آخر فضلا عن إطلاق المصنف و غيره، ل

خبر وهب بن وهب (3)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى على جنازة فلما فرغ جاءه ناس فقالوا: يا رسول الله لم ندرك الصلاة، فقال: لا يصلى على جنازة مرتين و لكن ادعوا لها»

و نحوه خبر إسحاق بن عمار(4)عن الصادق (عليه السلام)، بل رواه

الحسين بن علوان (5)في المحكي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) لكن قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم لم يكونوا أدركوها، فكلموا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يعيد

الصلاة فقال لهم: قد قضيت الصلاة عليها و لكن ادعوا لها»

إلا أنه للضعف


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدعاء- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 6 من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 24.
4- 4 الوسائل- الباب- 6 من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 23.
5- 5 الوسائل- الباب- 6 من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 13.

ج 12، ص: 101

في السند و المعارضة بالأصل و إطلاق الأمر بالصلاة في وجه، و

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(1)«الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب و إن كان قد صلي عليه»

و موثق يونس (2)عنه (عليه السلام) أيضا، سأله «عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلي عليها قال: إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها»

و قول الباقر (عليه السلام)(3)في خبر جابر: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى على جنازة امرأة من بني النجار فوجد الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجي ء قوم إلا قال لهم: صلوا عليها»

و إطلاق الأخبار(4)بالصلاة على القبر لمن فاتته، و غير ذلك حملت على الكراهة، بل لو لا التسامح فيها و فتوى المشهور بها بل قيل: إنه إجماع أمكن نفيها، و حمل تلك النصوص على التقية، لأن الكراهة محكية عن ابن عمر و عائشة و أبي موسى و الأوزاعي و أحمد و الشافعي و مالك و أبي حنيفة، و أسندوه إلى

علي (عليه السلام)، بل قد يؤيده عامية بعض رجال السند، بل لا يبعد إرادة التعريض بهم في الموثقين المزبورين، و لعله لذا حكى في المفاتيح عن بعضهم استحباب التكرير مطلقا، و في كشف اللثام عن ابن سعيد إذا صلى على جنازة ثم حضر من لم يصل عليها صلى عليها و لا بأس أن يؤم به الإمام الذي صلى أولا، قال في الكشف: و ظاهره نفي الكراهة و قد أجاد في نفيه البأس عن تكرير الامام لما تظافر من أخبار تكرير النبي (صلى الله عليه و آله) على حمزة(5)و فاطمة بنت أسد(6)و أمير المؤمنين (عليه السلام) على سهل (7)و شيث على آدم (عليه السلام)(8)قلت: و ظاهره هو أيضا نفيها عن تكرير


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 20.
3- 3 التهذيب ج 3 ص 325 الرقم 1012 المطبوع في النجف.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.

ج 12، ص: 102

الامام، فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في الجواز مطلقا، أو للمصلي الواحد غير الإمام الذي ظاهر الأصحاب الإجماع عليه هنا و فيما يأتي، بل يمكن دعوى تواتر النصوص، بخلاف الأول في الجملة، بل في كشف اللثام أنه مقتضى الأصل، بل مقتضى تخيير الكركي بين نيته الوجوب و الندب في المعادة أن السقوط بالأول كان رخصة، خصوصا بالنسبة إلى غير المصلي أولا الذي لا ريب في شمول الخطاب له، و أقصى الدليل أن له الاجتزاء بما وقع من فعل الغير، أما إذا لم يرده فهو من المخاطبين بذلك الخطاب، فيكون فعله

واجب، و لا يقدح جواز الترك في خصوص ذلك بعد أن كان أصل الفعل غير جائز الترك، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا إشكال في أصل الجواز، إنما البحث في الكراهة، و الأقوى بعد التسامح بها ثبوتها مطلقا، لما عرفت من إطلاق النصوص و معقد الإجماع، خلافا لابن إدريس فخصها بالجماعة، لأن الصحابة صلوا على رسول الله (ص) فرادى كما عن

إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي عن كتاب أبان بن عثمان أنه حدث عن أبي مريم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «أن عليا (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) إمامنا حيا و ميتا، فدخل عليه عشرة عشرة، و صلوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلاثاء حتى الصباح، و يوم الثلاثاء حتى صلى عليه كبيرهم و صغيرهم و ذكرهم و أنثاهم و ضواحي المدينة بغير إمام»

و قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي أو حسنه (2): «أتى العباس عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بقيع المصلى، و أن يؤمهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس فقال: أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 10.
2- 2 أصول الكافي- ج 1 ص 451« باب مولد النبي ص و وفاته» 37.

ج 12، ص: 103

إمامنا حيا و ميتا، و قال: إني أدفن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في البقعة التي قبض فيها، ثم قال على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه و يخرجون»

و في المروي عن الاحتجاج عن سليم بن قيس (1)عن سلمان «أنه (صلى الله عليه و آله) لما غسله علي (عليه السلام) و كفنه أدخلني و أدخل أبا ذر و المقداد و فاطمة و حسنا و حسينا (عليهم السلام) فتقدم و صفنا خلفه فصلى عليه، ثم أدخل عشرة من المهاجرين و عشرة من الأنصار فيصلون و يخرجون حتى لم يبق أحد من المهاجرين و الأنصار إلا صلى عليه»

و لجماعة من الأصحاب منهم- كما قيل- الشيخ في الخلاف مدعيا عليه إجماع الفرقة و الشهيدان و الكركي فخصوصا بالمصلي الواحد مطلقا كما هو ظاهر جماعة، أو غير الامام كما في المدارك و ظاهر كشف اللثام و المحكي عن الروض، أو إذا لم يناف التعجيل، و إلا فتكره مطلقا كما عن بعضهم، و عن المنتهى التردد في كراهة صلاة من لم يصل بعد صلاة غيره، و عن التذكرة و نهاية الإحكام بعد أن استقرب فيهما الكراهة مطلقا قال: «إن الوجه التفصيل فان خيف على الميت ظهور حادثة به كره تكرار الصلاة، و إلا فلا» و

عن الحسن بن عيسى «أنه لا بأس بالصلاة على من صلي عليه مرة»

و لا ريب في ضعف الجميع.

نعم يقوى ارتفاع الكراهة مطلقا في ذي الفضل و الشرف الأخروي كما يظهر من نصوص تكرار الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و حمزة و سهل بن حنيف و فاطمة بنت أسد، أما غيرهم فالكراهة مطلقا، لما عرفت من النصوص السابقة، و معقد الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة التي لا ينافيها ما تسمعه منهم من جواز الصلاة على المدفون يوما و ليلة كما ظنه الشهيد حتى أنه لأجله حمل كلامهم هنا على تكرارها للمصلي الواحد، إذ فيه أن الجواز لا ينافي الكراهة، على أنه يمكن اختصاصها بما قبل الدفن، كما أنه يمكن حمل كلامهم هناك على من دفن بغير صلاة و إن كان بعيدا كما ستعرف، كما أنه لا ينافي


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 9.

ج 12، ص: 104

دليل الكراهة الموثقان (1)و خبر جابر(2)المتقدمة المحمولة على بيان الرخصة، و إن كان الأخير منها مشتملا على الأمر، إلا أنه لما كان في مقام توهم عدم المشروعية لم يمتنع حمله على ما لا ينافي الكراهة التي لا يقدح في ثبوتها ضعف خبري إسحاق (3)و وهب (4)خصوصا بعد انجبارهما بما عرفت، و احتمالهما نفي الوجوب، و الخوف على الميت لا ينافي الظهور الذي هو الحجة في غيرها من الاحكام فضلا عنها، كاحتمال أنهم سألوه الإعادة كما في

خبر ابن علوان (5)على أنه بعد تسليمه لا يمنع إطلاق اللفظ الشامل للمورد و غيره، و منه يظهر دلالة خبر ابن علوان على المطلوب، و إجماع الخلاف لم نتحققه فيه، بل لا صراحة فيه في الخلاف و إن كان قد اقتصر على المصلي الواحد، و التكرار على النبي (صلى الله عليه و آله) و فاطمة و سهل و حمزة لما ذكرنا من عدم الكراهة إذا كان الميت من أهل الفضل و الشرف لا لعدمها في الفرادى مطلقا كما ظنه الحلي أو في غير الامام كما سمعته من غيره، بل ربما ظهر من المجلسي و المحدث البحراني أن الصلاة المكررة على النبي (صلى الله عليه و آله) غير ما نحن فيه، و إنما كانوا يدورون حوله و يدعون له، و إن كان فيه ما فيه، لكن قد يؤيده

خبر أبي مريم الأنصاري (6)قال الباقر (عليه السلام): «كيف كانت الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله)؟ فقال: لما غسله أمير المؤمنين (عليه السلام) و كفنه سجاه ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله، ثم وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 19 و 20 من كتاب الطهارة.
2- 2 التهذيب ج 3 ص 325- الرقم 1012 المطبوع في النجف.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 23.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 24.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 13.
6- 6 أصول الكافي ج 1 ص 450« باب مولد النبي ص و وفاته» 35.

ج 12، ص: 105

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً، فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة و العوالي»

و في

خبر جابر(1)عن الباقر (عليه السلام) «انه قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول في صحته و سلامته إنما نزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض الله لي»

و في

صحيح أبي مريم (2)المروي عن التهذيب «أنه سأل الباقر (عليه السلام) أيضا كيف صلي على النبي (صلى الله عليه و آله)؟

فقال: سجي بثوب و جعل وسط البيت فإذا دخل قوم داروا به و صلوا عليه و دعوا له ثم يخرجون و يدخل آخرون»

و أما منافاة التعجيل و خوف الحادثة فلم أجد في النصوص لها أثرا، فالمتجه فيها ملاحظة الترجيح، و ربما كان في بعض الأحوال محرما فضلا عن أن يكون مكروها، كما هو واضح، و الله أعلم.

[مسائل خمس]
اشاره

مسائل خمس

[المسألة الأولى من أدرك الإمام في أثناء الصلاة]

الأولى من أدرك الإمام في أثناء الصلاة كان له الدخول معه بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه و لو في الدعاء بين التكبيرتين، لإطلاق دليل الجماعة فضلا عن إطلاق نصوص المسبوق (3)سيما

خبر الدعائم (4)عن جعفر بن محمد عليه السلام «من سبق ببعض التكبيرات في صلاة الجنازة فليدخل معهم، فإذا انصرفوا أتم ما بقي عليه و انصرف و إذا دخل معهم فليكبر و ليجعل ذلك أول صلاته»

فما عن بعض العامة من وجوب انتظار التكبيرة في الدخول في غير محله قطعا حتى بالنسبة إلى ما ابتدعوه من القياس، بل الظاهر أنه ينوي الوجوب في فعله كغيره من المأمومين و المنفرد، لبقاء تناول الخطاب


1- 1 أصول الكافي- ج 1 ص 451« باب مولد النبي ص و وفاته» 38.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- من كتاب الطهارة.
4- 4 دعائم الإسلام ج 1 ص 282.

ج 12، ص: 106

له، بل لا ينافي الاستدامة على ذلك فراغهم منه قبله بناء على حرمة قطع العمل عليه، بل و كذا لو قلنا بجواز القطع له كغيره من المصلين كما جزم به الأستاذ في كشفه، و هو قوي جدا اقتصارا في حرمة إبطال العمل على ذات الأركان المكتوبة أو الأعم منها و النافلة كما أوضحناه في محله، لكن جواز القطع له من هذه الحيثية لا ينافي الاستدامة على الوجوب الذي حصل من تناول الخطاب لهذا المتلبس الشامل بإطلاقه حال فراغهم من الفعل قبله، فان أتم اندرج في الممتثلين بالخطاب

الذين يسقط بفعلهم إرادته من الغير و فراغهم قبله إنما يسقط ابتداء الفعل لا إتمامه الحاصل من الأمر بالفعل و إن كان غير واجب عليه كالمصلي الذي لم يسبق بصلاة، بل هو أولى منه بذلك، و احتمال الفرق بأنه يترك إلى بدل بخلاف المسبوق كما ترى، و إن قطع اختص الامتثال بغيره و سقط عنه إعادة الفعل بما وقع منهم، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

و كيف كان فإذا دخل معه تابعه في التكبير لا في الدعاء، بل يحافظ على ما يراد منه من التشهد في أول تكبيرة و الصلاة في الثانية و هكذا كما نص عليه الفاضل في المحكي عن المنتهى لإطلاق دليل وجوب ذلك، و ل خبر الدعائم (1)و لأنه كالائتمام بالفريضة، فإذا فرغ الإمام أتم ما بقي عليه من التكبيرات وجوبا إن قلنا بحرمة القطع، نعم على كل حال لا يجتزي بما وقع منه في حصول الصلاة منه بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف الإجماع صريحا، و في غيره ظاهرا عليه، ل

صحيح العيص (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة فقال: يتم ما بقي»

كما أن

زيد الشحام (3)سأله أيضا «عن الصلاة على الجنائز إذا فات الرجل منها التكبيرة أو الثنتان أو الثلاث فقال: يكبر ما فاته»

و قال الباقر (عليه السلام) لجابر(4):


1- 1 دعائم الإسلام ج 1 ص 282.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.

ج 12، ص: 107

«تقضي ما فاتك»

و النبوي (1)«ما أدركتم فصلوا و ما فاتكم فاقضوا»

و غير ذلك مما تسمعه، فما في

خبر إسحاق بن عمار(2)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) كان يقول: لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز»

قاصر عن المعارضة من وجوه، خصوصا بعد موافقته للمحكي عن ابن عمر و جماعة من العامة، بل في كشف اللثام احتمال إرادة أنه ليس بقضاء، أو أن المقضي ما بقي لا ما سبق، قلت: لكن عن بعض النسخ ما بقي، و قد يحتمل عدم وجوب القضاء لما قلناه من جواز القطع أو صلاة الجنازة أو غير ذلك مما لا بأس به بعد ما عرفت من قصوره عن المقاومة من وجوه.

و حمله الشيخ على أنه لا يقضى مع الدعوات بل ولاء و فيه أنه مبني على كون الإتمام كذلك، كما هو خيرة المصنف و المحكي عن الصدوق و الشيخ و غيرهم، بل في كشف اللثام أنه المشهور، بل في المعتبر نسبته إلى الأصحاب، و ظاهرهم تعيين ذلك مطلقا، بل عن المنتهى التصريح به، قال: لأن الأدعية فات محلها

فتفوت، أما التكبير فلسرعة الإتيان به كان مشروع القضاء، قلت: و الأولى الاستدلال ب

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(3): «إذا أدرك الرجل التكبير و التكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا»

و خبر علي بن جعفر(4)المروي عن كتاب مسائله سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يدرك تكبيرة أو ثنتين على ميت كيف يصنع؟ قال: يتم ما بقي من تكبيرة و يبادر رفعه و يخفف»

فيقيد بهما ما دل على وجوب الأدعية المزبورة، و يخص عموم ما بقي و ما فات و نحوه، بل في الحدائق يؤيده الاتفاق على الوجوب الكفائي، و لا ريب أنه قد سقط الواجب حينئذ عن هذا المصلي بصلاة


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 44.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 7.

ج 12، ص: 108

القوم على الجنازة، لكن قد يشكل مع كون التعارض من وجه بأن التقييد بالتتابع جار على الغالب من خوف الفوات يرفع الجنازة أو إبعادها أو قلبها عن الهيئة المطلوبة في الصلاة، فيسقط الدعاء حينئذ، و يبقى التكبير الذي هو الركن الأعظم فيها، و من هنا كان خيرة الفاضل في بعض كتبه و ابن فهد و العليين و الصيمري و ثاني الشهيدين و الأصبهاني و غيرهم على ما حكي عن بعضهم وجوب الدعاء إذا لم يخف الفوات، بل في المحكي عن البحار نسبته إلى الأكثر للأصل و العموم و

الإطلاق الذي لا يعارضه التقييد المزبور بعد ما عرفت، بل في كشف اللثام «و لا يعارضه أيضا سقوط الصلاة بفعل السابقين فضلا عن أجزائها، فإن المسبوق لما ابتدأ كانت صلاته واجبة، و وجوبها مستمر إلى آخرها، و إلا لم يجب إتمام ما بقي من التكبيرات» و إن كان فيه نظر يعرف مما قدمناه في أول البحث، و منه يعلم سقوط أصل التأييد بذلك، بل و ما في الرياض من الجواب عن أصل الإشكال بأنه حسن لو كان متعلق الوجوب هو نفس الدعاء لا الصلاة، و ليس كذلك، بل المتعلق هو الصلاة، و ليس الكلام فيه، بل في وجوب الدعاء، و هو في حق من دخل في الصلاة عيني، للأمر الذي هو حقيقة فيه، فلا إجماع على كفايته بل لعل

قوله (عليه السلام) في خبر علي بن جعفر(1): «و يخفف»

إشارة إلى الإتيان بأقل المجزي من الدعاء، بل

مرسل القلانسي (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين فقال: يتم التكبير و هو يمشي معها، فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر، فإن أدركهم و قد دفن كبر على القبر»

مشعر بالاشتغال بالدعاء، إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى المشي، لكن في الذكرى في وجه الإشعار أنه لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن، و فيه أن ظاهر الخبر كما اعترف به

في الحدائق و كشف اللثام أنه إن لم يدرك الصلاة على الميت صلى عليه عند القبر، فان لم


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.

ج 12، ص: 109

يدركها قبل الدفن فبعده، و ليس من مسألة المسبوق في شي ء.

و حينئذ يبقى ما في المتن و المبسوط و النهاية و النافع و المعتبر و التحرير و القواعد و التذكرة و نهاية الأحكام و الدروس و البيان و جامع المقاصد و كشف الالتباس و الروض و مجمع البرهان على ما حكي عن بعضها من أنه إن رفعت الجنازة أو دفنت أتم و لو على القبر بلا دليل لانحصاره فيه فيما أجد، و قد استدل به جماعة منهم المصنف عليه، و الأصل و إطلاق الأمر بالإتمام و النهي عن الابطال بعد تسليمه لا يفي بتمام الإطلاق قطعا، فالمتجه حينئذ الصحة فيما وافق من أفراده اشتراط الاستقبال و عدم البعد و نحوهما دون غيره، و يسهل الخطب ندرة ذلك مع التتابع سيما الدفن، و إن قال في كشف اللثام:

و يقرب الدفن قبل الإتمام أن لا يكون للميت كفن فيكون في القبر مستور العورة، و لعله لشدة ندرته في الفرض تركه في المحكي عن الخلاف و المقنعة و الوسيلة فاقتصروا على وصل الرفع خاصة، بل في الأول الإجماع عليه، كما أنه لما ذكرنا حكي عن جماعة تقييد الإتمام بالدعاء مشيا لو رفعت بما إذا كان إلى سمعت القبلة و لم يفت شرط من الصلاة، و إلا وجب التكبير ولاء، قال في جامع المقاصد- بعد أن حكى عن الذكرى إشعار الخبر بالاشتغال بالدعاء-: و هو حسن، لكن لو كان مشيهم إلى غير سمعت القبلة، أو بحيث يفوت به شرط الصلاة لم يبعد القول بوجوب موالاة التكبير» قلت: على أنه مبني على عدم اشتراط الاستقرار في صلاة الجنازة، و الذي يقوى في النظر القاصر أن مراد الأصحاب خصوصا المصنف و غيره ممن اعتبر الولاء الإتمام و لو رفعت على أيدي الرجال أو دفنت في ذلك الموقف، لإطلاق الأمر به الشامل لحالتي الرفع و الدفن ردا على من قال من العامة بالبطلان بالرفع كما أومأ إليه في الخلاف و التذكرة و غيرهما، لا أن المراد الاشتغال بالإتمام ماشيا معها إلى أن ينتهي إلى الدفن، فان ذلك من المستبعد فرضه مع الولاء، كما أنه من المستبعد بل المقطوع بعدمه إرادة الإتمام و لو على القبر مفصولا بزمان

ج 12، ص: 110

و لو طال أي إن رفعت أو دفنت و لم يمكن الإتمام مراعيا للشرائط أتم بعد التمكن منها و لو على القبر، بل هو من الأغلاط و الخرافات، فحينئذ لم يحتج الأصحاب فيما ذكروه من الحكم المزبور إلى الخبر المذكور، بل يكفي فيه إطلاق الأمر بالإتمام، فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر إطلاق النص و الفتوى إتمام ما بقي عليه مع بقاء الجنازة بحالها من غير حاجة إلى تقدم لو كان بعيدا، و لا إلى تأخر من كان فاصلا بينه و بين الجنازة من المأمومين و لا غير ذلك مما يحتاج إليه غير المأموم، بل ظاهر إطلاقهما معاملته على الحال السابق له من المأمومية، مع احتمال اعتبار شرائط المنفرد له كالمنفرد باختياره، و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا سبق المأموم الإمام بتكبيرة أو ما زاد]

المسألة الثانية إذا سبق المأموم الإمام بتكبيرة أو ما زاد غير الأولى استحب له إعادتها مع الامام كما في القواعد و التحرير و التذكرة و الإرشاد و نهاية الأحكام على ما حكي عن بعضها، و ظاهر الجميع و لو عمدا كما أن ظاهرها مع بقاء المأمومية و عدم نية الانفراد، كظهور عدم البطلان بذلك كالفريضة، لأن الفائت المتابعة، و هي أمر خارجي لا شرطي، أما عدم الوجوب مع العمد فظاهر، بل مقتضى مساواة الائتمام فيها للفريضة البطلان إن أعاد، لاستلزامها زيادة التكبير الذي هو كالركوع في الركنية القادح زيادتها و نقصها، و لذا توقف في الذكرى و جامع المقاصد و المحكي عن الروض فيها من ذلك، و من أنها ذكر، فلا يقدح زيادتها، بل عن المسالك و حاشية الميسي أنه يستمر متأنيا حتى يلحقه الامام، و ظاهر هما الوجوب كما في الفريضة، لكن قد يمنع ركنية التكبير بهذا المعنى، كما عن الأردبيلي أنه غير واضح.

نعم لا ريب في الإثم بالتشريع مع قصد الجزئية، إلا أن إبطاله- مع عدم إدخاله في ابتداء النية، و ليس في نصوص المقام نحو ما في الفريضة من

قوله (1): «من


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2 و ليس فيه كلمة« أو نقص».

ج 12، ص: 111

زاد في صلاته أو نقص»

إلى آخره- محل نظر بل منع، أقصاه الإثم، لكن لعل إطلاق من عرفت ندب الإعادة فضلا عن الجواز، لما في

قرب الاسناد للحميري عن علي بن جعفر(1)سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يصلي له أن يكبر قبل الامام قال: لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد التكبير»

و هو و إن عم لكن الحميري أورده في باب صلاة الجنازة، و لعدم اجتماع شرائط صلاحيته للوجوب حمل على الندب على أن في الوسيلة و البيان و المحكي عن المبسوط و القاضي ما يظهر منه الوجوب، بل في كشف اللثام أنه ظاهر الأكثر خصوصا القاضي و إن كنا لم نتحقق غير من سمعت، و لعله لظاهر الخبر المزبور، لكن في كشف اللثام «و كأنه لا نزاع أي بين القول بالوجوب و القول بالندب، لجواز انفراده عن الامام متى شاء، فله أن لا يعيد إلا إذا استمر على الائتمام، و لذا استدل عليه في التذكرة و النهاية و المنتهى بإدراك فضيلة الجماعة، فالجماعة إن أرادوا الوجوب فبمعنى توقف استمرار الائتمام عليها، و فيه- مع أن من المأمومين من لا يجوز له الانفراد هنا، و هو البعيد عن الجنازة و من لا يشاهدها، و لا يكون منها على الهيئة المعتبرة- أنه خلاف الظاهر من كلماتهم إن لم

يكن الصريح، كما هو واضح بأدنى تأمل، و لعل المراد من دليل التذكرة إدراك فضيلة الجماعة بما يعيده من التكبيرة لا أن المراد عدم الانفراد.

و من ذلك كله ظهر لك الحال في الساهي و الظان تكبير الإمام، فإنه و إن قلنا في الفريضة تجب عليه الإعادة مع الامام للدليل يمكن القول بعدمه هنا، للأصل، و حصول تكبيرة الصلاة، إذ الظاهر أنها الواقعة منه لا المعادة مع الامام، و لذا لم تبطل صلاته في المخالفة عمدا إذا لم يعد معه و إن كان قد أثم بتفويت المتابعة، فمع السهو لا إثم بفواتها، و رجوع الساهي في الفريضة للدليل، فالتعدي في غير محله، نعم لا يبعد القول


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 112

بالندب لإطلاق الخبر المزبور الذي قد عرفت قصوره عن إثبات الوجوب و إن كان هو أو التساوي مع الفريضة مستند الوجوب في ظاهر من عرفت، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة لا خلاف في عدم جواز تأخير الصلاة إلى الدفن]

المسألة الثالثة لا خلاف في عدم جواز تأخير الصلاة إلى الدفن على القبر اختيارا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل كاد يكون ضروريا، و قد تقدم الإشارة إلى ذلك، و ليس المراد من الفتاوى و بعض النصوص الآتية الرخصة في التأخير قطعا كما ستعرف، إلا أن الظاهر عدم سقوطها بذلك لو كان عمدا فضلا عما لو كان عن عذر بلا خلاف صريح أجده إلا من المصنف في المعتبر و المحكي عن الفاضل في بعض كتبه، و مال إليه في المدارك، و لا ريب في ضعفه، للأصل و إطلاق دليل الوجوب، و فحوى نصوص الجواز ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام بن سالم(1): «لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن»

و في

خبر مالك مولى الجهم (2)و مرسل الصدوق «إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن»

و في

خبر عمر بن جمع (3)«كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر»

و في

الذكرى روي (4)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) صلى على قبر مسكينة دفنت ليلا»

و خبر القلانسي (5)المتقدم سابقا، ضرورة أنه يمكن دعوى لزوم الجواز للوجوب في الفرض، لعدم ما يصلح حينئذ مقيدا لإطلاق نحو

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة لكن رواه عن عمرو بن جميع و هو الصحيح.
4- 4 سنن البيهقي ج 4 ص 48.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 113

(صلى الله عليه و آله)(1): «لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة».

كما أن منه يعلم تحكيم حرمة النبش تحصيلا للصلاة عليه غير مدفون على دليله و إن كان التعارض بينهما من وجه، و في الشافية عن العلامة الإجماع على حرمة النبش بذلك، بل لا يبعد عدم تحديد ذلك بيوم الدفن أو باليوم و الليلة أو بالثلاثة أو بتغير الصورة، للأصل و الإطلاق المزبور، فيصلي حينئذ عليه إلى أن يعلم أنه صار رميما و خرج عن صدق اسم الميت، و تحديد أصل الجواز باليوم و الليلة في كلام الأكثر نقلا و تحصيلا- بل المشهور في كشف اللثام و المحكي عن الروض و التنقيح و تخليص التلخيص، بل في الغنية الإجماع عليه- يمكن تنزيله على غير الفرض، و لئن سلم أمكن منعه بعدم الدليل عليه كما اعترف به غير واحد سوى الإجماع المزبور معتضدا بما سمعت، و هو قاصر عن معارضة ما يقتضي الإطلاق، بل في الخلاف أنه قد روي ثلاثة أيام، بل ظاهره العمل بها فيه، حيث قال: «قد حددنا الصلاة على القبر يوما و ليلة، و أكثره ثلاثة أيام» بل عن المراسم التصريح به، بل عن الكاتب «أنه يصلى عليه ما لم يعلم تغير صورته» و في البيان «أن الأقرب عدم التحديد» قيل: و هو خيرة جامع المقاصد و فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد و الميسية و المسالك و الروض و الروضة و فوائد القواعد و مجمع البرهان و ظاهر المعتبر و المنتهى و المختلف و الكفاية و الحسن و الصدوق، إلا أنه لا ريب في

أن الأحوط عدم الصلاة عليه بعد اليوم و الليلة إذا كان قد صلي عليه و الصلاة مطلقا إذا لم يكن، كما هو واضح.

و من ذلك كله يضعف الظن بالإجماع المزبور في المصلى عليه بناء على جواز تكرارها عليه فضلا عن محل الفرض، و دعوى أنه وجه جمع بين ما دل على الجواز مما


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 114

تقدم و بين ما دل على المنع ك

خبر محمد بن أسلم (1)عن رجل من أهل الجزيرة قال:

«قلت للرضا (عليه السلام): يصلى على المدفون بعد ما يدفن قال: لا، لو جاز لأحد لجاز لرسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «بل لا يصلى على المدفون و لا على العريان»

و في

موثق عمار(3)المتقدم سابقا في وضع رأس الجنازة عن يمين المصلي «فإن كان قد دفن فقد مضت الصلاة عليه لا يصلى عليه و هو مدفون»

و في

موثق يونس (4)السابق أيضا «إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها»

كما أن في

موثق عمار(5)الآخر المتقدم أيضا «يصلى عليه ما لم يوار بالتراب و إن كان قد صلي عليه»

و في

موثقه الثالث (6)«قلت: فلا يصلى على الميت إذا دفن قال: لا يصلى على الميت بعد ما يدفن، و لا يصلى عليه و هو عريان»

و فيه أنه لا شاهد معتد به على الجمع المزبور.

و لذا احتمل الشيخ في الجمع أمرا آخر، و ربما مال اليه المحدث البحراني، و هو حمل نصوص الجواز على إرادة محض الدعاء من الصلاة، و نصوص المنع على صلاة الجنازة و قد يشهد له

صحيح محمد بن مسلم أو زرارة(7)«الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء، قال: قلت: فالنجاشي لم يصل عليه النبي (صلى الله عليه و آله) قال: لا إنما دعا له»

و خبر جعفر بن عيسى (8)قال: «قدم أبو عبد الله (عليه السلام) مكة فسألني


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 8 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 8 من كتاب الطهارة و هو خبر محمد بن أسلم عن الرضا عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 70.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 19.
6- 6 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4.

ج 12، ص: 115

عن عبد الله بن أعين فقلت: مات فقال: مات قلت: نعم، قال: فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه، قلت: نعم، فقال: لا، لكنا نصلي عليه هاهنا، فرفع يديه يدعو و اجتهد في الدعاء و ترحم عليه»

لكن فيه مع ظهور بعض نصوص الجواز في خلافه أنه يمكن دعوى الإجماع على خلافه، و إن كان الأحوط كما في شافية الجزائري فيمن صلي عليه قبل الدفن الاقتصار على الدعاء له بعده لا غير.

كما أن الجمع بحمل نصوص الجواز على من لم يصل عليه، و نصوص المنع على من صلي عليه- و اختاره في المختلف و مال إليه الكركي و غيره ممن تأخر عنه مع ظهور نصوص الجواز في غيره كما يومي اليه نفي البأس و نحوه فيها مما لا يعبر به عن الوجوب في الأعم منه- مخالف لما هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لعله معقد ما حكي من إجماع الخلاف و الغنية من جواز الصلاة على القبر لمن فاتته قبل الدفن و لم يدركها الشامل بإطلاقه من صلي عليه إن لم يكن هو الظاهر، خصوصا بملاحظة ندرة وقوع الدفن قبل الصلاة، بل صرح به جماعة من المتأخرين، فمن الغريب ما وقع للفاضل المزبور خصوصا ما حكي عن نهايته من أنه لا يصلى على المدفون إذا كان قد صلي عليه قبل دفنه عند جميع علمائنا، اللهم إلا أن يريد نفي الوجوب كالمختلف و التذكرة، و إلا فاحتمال تنزيل عبارات من تقدمه من الأصحاب على ذلك في غاية البعد إن لم يكن المنع، فلا وجه للجمع به بين النصوص.

كما أنه لا وجه للجمع بما قد سمعته من معتبر المصنف من حمل نصوص المنع على إرادة نفي الوجوب الذي لا ينافي نصوص الجواز، إذ قد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه.

كما أنه من ذلك كله يعلم شذوذ النصوص المزبورة، لإطباق الأصحاب- كما في الرياض، قال: و يستفاد من الذكرى- على الجواز في الجملة و إن اختلفوا في إطلاقه و تحديده بما عرفت، بل قيل: إنها محتملة للحمل على التقية، للمحكي عن أبي حنيفة الذي

ج 12، ص: 116

غالب العامة على فتاويه، فحملها على ذلك أو طرحها غير مستنكر على الفقيه، إلا أنه للتسامح في الكراهة يتجه حمل ما يقبل ذلك منها عليها، و ربما استفيد منها أشدية كراهة التكرار بعد الدفن عليه قبله.

و منه يعلم ضعف ما سمعته سابقا من احتمال نفي الكراهة في المقام، كما أن الظاهر في خبر المقلوب منها إرادة صحة الصلاة من مضيها فيه إذا لم يدرك الجنازة إلا بعد الدفن و لا استبعاد في تقييد الشرطية بذلك، فلا تجب الصلاة حينئذ عليه و إن قلنا بوجوبها لو تركت أصلا، نعم تسرية ذلك إلى باقي الشرائط لا يخلو من منع واضح، فتجب إعادة الفاسدة على القبر كالمتروكة أصلا، فتأمل، و قد يحتمل في بعض النصوص المزبورة إرادة النهي عن تأخير الصلاة إلى الدفن اختيارا، و في آخر نفي مساواة الفعل بعد الدفن له قبله أو نفي الجواز بلا كراهة أو غير ذلك، و لا بأس بتوزيعها على هذه الاحتمالات، و لو سلم عدم قبول بعضها لشي ء من ذلك فلا بأس بطرحه بعد الإحاطة بما عرفت.

كما أنه بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا يعرف الحال في قول المصنف يجوز أن يصلى على القبر يوما و ليلة من لم يصل عليه، ثم لا يصلى عليه بعد ذلك و كيف كان فالظاهر أن التحديد باليوم و الليلة أو غيره على تقدير القول به إنما هو إذا لم يتفق ظهور الميت من قبره بسيل أو نحوه، فإذا ظهر و لم يكن قد صلي عليه صلي عليه وجوبا، لانتفاء المانع حينئذ، و احتمال السقوط بسقوط الأمر الأول و عدم الأمر الجديد ضعيف، بل لا يبعد مشروعية تكرار الصلاة عليه إذا قلنا بها بالنسبة إلى غير المدفون، لإطلاق الأدلة، و تخلل الدفن الذي فرض بقاؤه زائدا على المقدر غير مانع، إذ الظاهر كونه تقديرا للصلاة عليه مدفونا لا ظاهرا، فتأمل، و الظاهر أيضا مراعاة سائر الشرائط في الصلاة على القبر من الاستقبال و كون الرأس عن يمين المصلي بناء على اعتباره و نحو ذلك

ج 12، ص: 117

مما هو ممكن، كما هو واضح، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة الأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة]

المسألة الرابعة الأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة بلا خلاف فيه بيننا كما اعترف به في الحدائق، بل في المحكي عن الخلاف و التذكرة الإجماع عليه، و المراد صلاحية لا كراهة فيها كما صرح به جماعة، و

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1): «يصلى على الجنازة في كل ساعة، انها ليست بصلاة ركوع و سجود، و إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس و غروبها التي فيها الخشوع و الركوع و السجود، لأنها تغرب بين قرني شيطان، و تطلع بين قرني شيطان»

و سئل الصادق (عليه السلام)(2)أيضا «هل يمنعك شي ء من هذه الساعات عن الصلاة على الجنائز؟ فقال: لا»

و قال هو (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي(3): «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس و حين تطلع، إنما هو استغفار»

و قال جابر(4)للباقر (عليه السلام): «إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال: عجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف أن يفوت وقت الفريضة، و لا ينتظر بالصلاة على الجنازة طلوع شمس و لا غروبها»

إلى غير ذلك مما هو ظاهر في ذلك مطلقا و لو بواسطة التعليل المزبور، مضافا إلى أنها من ذوات الأسباب، و المكروه في هذه الأوقات إنما هو ابتداء النافلة، على أنه لا يجري في الواجب منها، ضرورة أنه ليس من ابتداء النافلة، بل قد يستفاد من الخبر المزبور ما هو الظاهر من النص و الفتوى من عدم كراهة

المستحب منها فضلا عن الواجب في وقت الصلاة الواجبة، للأصل، و عدم اندراجها في الصلاة المنهي عنها فيه، و لا في التطوع المراد منه الصلاة كما أوضحناه في محله.

لكن

سأل علي بن جعفر(5)أخاه (عليه السلام) «عن صلاة الجنائز إذا احمرت


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.

ج 12، ص: 118

الشمس أ يصلح أولا؟ فقال: لا صلاة في وقت صلاة، و قال: إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز»

بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر البصري(1): «يكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس و حين تطلع»

و يمكن أن يكون الثاني تقية من الأوزاعي القائل بكراهتها، و مالك و أبي حنيفة القائلين بالمنع فيهما و عند قيامها مريدا من لفظ الكراهة المنع، أو اتقى بقربها منه، و الأول كناية عن نفي البأس عن ذلك، لأن المنهي عنه الصلاة في وقت الصلاة لا نحو صلاة الجنازة التي هي الدعاء و الاستغفار، بل قد يشم من عدم انطباق الجواب على السؤال- ضرورة عدم كون الاحمرار وقت صلاة- أن الجواب

إقناعي، و ان التقية تمنعه من التصريح بالحق، و لا ينافي ذلك قوله:

«إذا وجبت» إلى آخره، إذ أقصاه استحباب تقديم الفريضة في وقتها الفضيلي على صلاة الجنازة الموسعة، و لعلنا نقول به وفاقا لجماعة لذلك، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الغنوي(2): «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت إلا أن يكون مبطونا أو نفساء أو نحو ذلك»

مؤيدا ذلك بما دل على شدة المحافظة على الوقت الفضيلي حتى ظن منه الوجوب على وجه يرجح على ما دل على ندب تعجيل الميت، و خبر جابر المتقدم يمكن إرادة فوات وقت الفضيلي منه، فلا يكون منافيا، و إلا رجح عليه غيره خصوصا بعد ضعفه، فما عساه يظهر من المحكي عن الفاضلين و الكركي من التخيير و عدم الترجيح لا يخلو من نظر، نعم يمكن ترجيح صلاة الجنازة الواجبة على النافلة الموقتة، لأنه مع ندب التعجيل اشتغال بواجب، و هو أفضل من المندوب، بل يمكن ترجيحها على الواجب غير الموقت حتى القضاء بناء على المواسعة و إن كان لا يخلو من إشكال فيه بالخصوص باعتبار معارضة ندب التعجيل في الجنازة بما دل على


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 12، ص: 119

ندب المبادرة بالقضاء حتى اشتهر القول بوجوبه.

و كيف كان فالأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة إلا عند تضيق وقت فريضة حاضرة مع سعة وقت الجنازة، فتقدم حينئذ عليها وجوبا قطعا بلا إشكال، بل و لا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و وجهه واضح، بل هو كذلك في كل واجب مضيق فضلا عن الفريضة، و إن كان البطلان و عدمه لو خالف مبنيا على مسألة الضد، نعم قد يقال به هنا في خصوص معارضة الفريضة بناء على فهم النهي عنه بالخصوص من خبر جابر و نحوه و إن كان فيه ما فيه، و الأولى بناء البطلان مطلقا على ذلك.

و لو انعكس الأمر بأن خيف على الميت مع سعة الوقت قدمت الصلاة عليه قطعا لما عرفت بلا خلاف، و ما عن السرائر من أن تقديمها حينئذ أولى و أفضل قد لا يريد به ما لا ينافي الوجوب، و إلا فهو قد نفى الخلاف فيها بين المحصلين عن عدم معارضة الموسع المضيق على وجه يبطل لو خالف فضلا عن الإثم.

و لو تضيقتا معا فالمشهور تقديم الفريضة، بل لا أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن المبسوط من تقديم الجنازة، قال: «لو تضيقت الحاضرة بدئ بها إلا أن يخاف ظهور حادثة في الميت فيبدأ به» مع أنه احتمل في الذكرى إرادته تضيق أول الوقتين كما هو مذهبه، و يكون هذا من قبيل الأعذار المسوغة للتأخير للوقت الثاني، و عليه فلا يكون خلافا فيما نحن فيه، لكن احتمل ثانيا إن لم يكن إجماع على خلافه أولوية تقديم الميت، و أنه كإنقاذ الغير من الغرق عند ضيق الوقت و عدم إمكان الإيماء، ثم قال أو يقال:

تقدم الحاضرة لإمكان استدراك الصلاة على القبر إلا أنه يشكل بأن زمان فعل الحاضرة يخاف فيه على الميت قبل الدفن، فيجب تعجيل دفنه خوفا من الحادث، و لا يتم إلا بالصلاة، على أنه يمكن هنا تأخر الصلاة عن الدفن إذا خيف بسببها، فيبقى في الحقيقة المعارضة بين المكتوبة و دفنه.

ج 12، ص: 120

و من هنا يعلم حكم تضيقهما معا و ما لو جامعت صلاة واجبة، قلت: الأقوى تقديم الفريضة مع فرض تعارضهما، لأهميتها، و لإطلاق الخبرين، و مشروعية القضاء لها معارض بمشروعية الصلاة على القبر، بل الظاهر تقديم الدفن على الصلاة على الميت إذا فرض الخوف عليه من انتهاك حرمته إلى حصول الصلاة عليه، فيدفن حينئذ، و يصلى على القبر.

أما لو تعارضت المكتوبة و الدفن ففي جامع المقاصد لا بأس بتقديمه على الصلاة، لتساوي الحرمتين، و لتدارك الصلاة بالقضاء بخلافه، و لاستثناء المبطون و النفساء في خبر الغنوي (1)الذي هو كالصريح في ذلك، و لا ينافيه خبر علي بن جعفر(2)المتقدم آنفا، و هو جيد، بل ربما يؤيده في الجملة تشاغل أمير المؤمنين (عليه السلام) بدفن سلمان و عمران عن الصلاة، لكن لو أمكن الجمع بين الدفن و الإيماء للمكتوبة لم يكن بعيدا من الصواب.

و لو لم يسع الوقت إلا ركعة و لم يخف على الجنازة من الهتك إلا أنه يخشى من فوت الصلاة عليها لعارض من العوارض أمكن القول بجواز

فعلها في أثناء الفريضة بعد فعل الركعة، لأنها أذكار و دعاء ليس فيها ما ينافي الصلاة، بل لا يبعد جوازه اختيارا على وجه لا يؤدي إلى فساد الصلاة بفوات الموالاة و نحوها، إلا أني لم أجد به نصا لأحد من الأصحاب، بل يمكن دعوى ظهور النصوص و الفتاوى في عدم اجتماعهما، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة الخامسة إذا صلى على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى]

المسألة الخامسة إذا صلى على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى كان مخيرا إن شاء قطع الأولى و استأنف الصلاة عليهما، و إن شاء أتم الأولى على الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.

ج 12، ص: 121

و استأنف للثاني كما صرح به الفاضل و غيره، بل نسبه الكركي إلى المعظم، و البحراني إلى المشهور، لكن أقصى ما استدل به له

الرضوي (1)«إن كنت تصلي على الجنازة و جاءت الأخرى فصل عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات، و إن شئت استأنفت على الثانية»

و خبر جابر(2)سأل الباقر (عليه السلام) «عن التكبير على الجنازة هل فيه شي ء موقت؟ فقال: لا، كبر رسول الله (صلى الله عليه و آله)

أحد عشر و تسعا و سبعا و خمسا و ستا و أربعا»

و صحيح علي بن جعفر(3)و هو العمدة، و لذا اقتصر عليه الأكثر سأل أخاه (عليه السلام) «عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو اثنتين و قد وضعت معها أخرى كيف يصنعون؟ قال: إن شاءوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، و إن شاءوا رفعوا الأولى و أتموا ما بقي على الأخيرة كل ذلك لا بأس به»

و فيه أن الأول ليس حجة عندنا، مع احتماله إن كنت تريد أن تصلي إلى آخره، و ما في كشف اللثام من عدم إرادة الابطال حقيقة بل المراد أنه كما يجوز تكرير الصلاة على جنازة واحدة يجوز زيادة تكبيرة أو تكبيرات عليها لمثل ذلك بدليل خبر جابر فإنما ينوي الآن الصلاة عليهما و ينوي الخمس جميعا عليهما، بل فيه أنه لعله معنى قول الصدوق في كتابيه: «إن شاء كبر عليهما الآن خمس تكبيرات» و قول الشيخ و أتباعه: كان مخيرا بين أن يتم خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثم يستأنف الصلاة على الأخرى، و بين أن يكبر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى اليه، و قد أجزأه ذلك عن الصلاة عليهما و إن كان هو كما ترى، بل عبارة المصنف و ما ضاهاها كالصريحة في خلافه، بل عبارة الفاضل صريحة في ذلك، و أما الثاني فهو بالنسبة إلى ذلك من المؤل الذي ليس بحجة


1- 1 المستدرك- الباب- 28- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 17 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 122

عندنا، خصوصا و التأويل بغيره من إرادة تكرار الصلاة و نحوها أقرب منه، و أما الثالث فمبناه على أن ترك الأولى حتى الفراغ من التكبير على الأخيرة كناية عن الاستئناف عليهما، و الباقي كناية عن إتمام الصلاة على الأولى ثم إتمام ما بقي أي فعل الصلاة على الأخيرة، و هو إنما يتجه لو كان السؤال عن كيفية الصلاة، و ليس، بل هو ظاهر في السؤال عن رفع الأولى قبل الأخيرة، بل قد يظهر من لفظ ما بقي على الأخيرة التشريك بينهما في الأثناء فيما بقي من الأولى، ثم تخصيص الثانية بما يكمل الصلاة عليها كما فهمه الشهيد في الذكرى.

قال فيها: الرواية قاصرة عن إفادة المدعى، إذ ظاهرها أن ما بقي من التكبيرات الأولى محسوب للجنازتين، فإذا فرغ من تكبير الأولى تخيروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الأخيرة و بين رفعها من مكانها و الإتمام على الأخيرة، و ليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الأولى بوجه، هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة، نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثم استأنف عليها. لأنه قطع للضرورة، إلا أن مضمون الرواية يشكل بعدم تناوله النية أولا للثانية، فكيف يصرف باقي التكبير إليها مع توقف العمل على النية، إلا أن يقال: يكفي إحداث نية من الآن لتشريك باقي التكبير على الجنازتين، و هو يتم إذا قلنا أن محل النية الثانية لم يفت ما بقي التكبير، لأن الواجب خمس تكبيرات على الجنازة بأذكارها المخصوصة، و قد حصل هنا، فحينئذ إن قلنا بجميع الأذكار مع كل تكبيرة فلا بحث، و إلا فالأولى الجمع بين وظيفة التكبير بالنسبة إلى الجنازتين فصاعدا، و ابن الجنيد يجوز للإمام جمعهما إلى أن يتم على الثانية خمسا، و إن شاء أن يومي إلى أهل الأولى ليأخذوها و يتم على الثانية خمسا، و هو أشد طباقا للرواية، و هو في غاية الجودة، بل يحتمله ما سمعته من كلام الصدوق و الشيخ و أتباعه، و ما في كشف اللثام من أنه يشكل مختار الشهيد وجوب اتباع كل تكبيرة بذكر غير ما يتبع

ج 12، ص: 123

الأخرى و الخبر لا يصلح سندا له يدفعه أنه يكفي فيه إطلاق الأدلة السابقة، ضرورة صدق وصفي الأولى و الثانية مثلا على التكبيرة الواحدة بالنسبة إلى الميتين، فيجب فيها حينئذ الأمران معا، كما أن ما في جامع المقاصد- من أن ما ذكره من التشريك بين الجنازتين فيما بقي من التكبير فغير مستفاد من الرواية أصلا، بل كما يحتمله يحتمل الإكمال على الأولى و الاستئناف على الثانية- واضح الدفع بما عرفت من ظهور لفظ ما بقي فيه، و أوضح من ذلك اندفاعا ما في كشف اللثام من أنه لا يظهر من لفظ السؤال وضع الأخرى بعد التكبير على الأولى، بل يحتمل ظاهرا أنه سئل عن أنهم كبروا على جنازة و قد وضعت معها أخرى صلوا عليها أولا، فإذا شرعوا في التكبير على الأولى في الذكر التي هي الأخيرة لأنهم صلوا على الأخرى أولا كيف يصنع بالأخرى إن لم ترفع حتى شرع في الصلاة على الأولى فأجاب (عليه السلام) بالتخيير بين ترك الأولى التي هي الأخرى حتى يفرغوا من الصلاة على الأخيرة و رفعها و الصلاة على الأخيرة، إذ هو في نفسه كما ترى- فضلا عن دعوى كونه احتمالا ظاهرا، بل يمكن دعوى ظهور الصحيح المزبور في مفروغية السائل عن جواز التشريك المزبور، إلا أنه أشكل عليه رفع الأولى و إبقاؤها للإشكال في اشتراكها مع الثانية فيما بقي من التكبيرات و عدمه، بل قد يدعى الغنية عن الصحيح المزبور في إثبات التشريك، لإمكان الاكتفاء فيه بالإجماع بقسميه على جوازه في الابتداء، و النصوص المستفيضة، بل لا دليل على رجحان التفريق عليه و إن ذكره في القواعد و المحكي عن المبسوط و السرائر، و علل بأن الصلاتين أفضل من صلاة، و أن القصد بالتخصيص أولى منه بالتعميم، لكن الجميع كما ترى.

و كيف كان فظاهر النصوص كالفتاوى أن ليس ذلك من التداخل في شي ء، بل هو أحد طرق امتثال الأمر بالصلاة على الأموات المراد منه إيجاد طبيعتها على جنس الميت اتحد أو تعدد مع اتحاد الصنف و عدمه، حتى لو كان عدد التكبير مختلفا كالمؤمن

ج 12، ص: 124

و المنافق بناء على الأربعة في الثاني و الخمسة في الأول، فيجمعها حينئذ بصلاة واحدة، و يختص التكبير الخامس على المؤمن، و يصدق امتثاله فيهما معا، و يظهر من الروضة أنه لا إشكال في جواز ذلك، و أنه كالصلاة على الصنف الواحد، مع أن ما نحن فيه لا يزيد على ذلك، فإذا صح اشتراك الأموات في التكبيرة الواحدة فلا فرق بين كونها أولى بالنسبة إلى أحدهم و ثانية بالنسبة إلى آخر، و هكذا، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع، و هو صدق حصول الخمس تكبيرات على كل واحد منهم، و دعوى اختصاص التشريك فيها مع اتحاد وصف الأولية مثلا في الجميع لا شاهد لها، بل هو على خلافها قائم كما عرفت، فحينئذ لا نحتاج إلى الصحيح المزبور في إثبات الحكم المذكور، بل منه ينقدح صور أخر للتشريك و التفريق في الأبعاض بالنسبة إلى الأموات و بالنسبة إلى تعدد حضور الجنائز لا بأس بالتزامها و إن كان الأحوط ترك بعضها.

نعم قد يرد على الشهيد و أتباعه بأنه لا دليل على حرمة قطع العمل هنا، إذ الآية كما عرفته في محله ظاهرة في النهي عن إبطال العمل بالارتداد و نحوه، و لا دليل غيرها، فالأصل المقرر بوجوه بحاله مقتض للجواز كما في باقي الواجبات الكفائية، بل قد يظهر من نصوص (1)نفي الصلاة عنها و أنها كالدعاء في ذلك أيضا فضلا عما هي كالصريحة فيه من عدم انجرار حكم الصلاة لها من حيث الصلاة، و من هنا جزم غير واحد من متأخري المتأخرين بجواز القطع اختيارا، و لعله كالإجماع من الأصحاب في المقام كما اعترف به في جامع المقاصد و غيره، فلا حاجة حينئذ إلى صحيح

علي بن جعفر(2)في إثبات ما ذكروه من التخيير المزبور، إذ هو جار على مقتضى دليل التشريك و التفريق


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2 و الباب 21 منها الحديث 3 و 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 125

من غير فرق بين التلبس في الفعل و عدمه بعد جواز القطع، فمن الغريب اضطرابهم في ذلك حتى أنهم ذكروا لهم صحيح علي بن جعفر و ناقشوهم في دلالته كما عرفته مفصلا، بل في كشف اللثام كيف يجوز إبطال الصلاة الواجبة من غير ضرورة و لا إجماع و لا نص صحيح، إلا أن يراد صحة الصلاة و إن حصل الإثم، و هو واضح لا حاجة به إلى دليل غير ما تقدم من أدلة التخيير بين جمع الجنائز بصلاة و إفراد كل بصلاة، أو يقال: إنه ليس من الابطال حقيقة بناء على أنه كما يجوز إلى آخر ما نقلناه عنه فيما احتملناه في الرضوي، لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و قد ظهر لك أن الأقوى التخيير بين الوجوه الثلاثة: الإتمام على الأولى و التشريك و القطع ثم الاستئناف من غير فرق في ذلك بين ما استحب الصلاة عليها من الجنائز و ما وجب، لما عرفته سابقا من جواز الجمع بينهما ابتداء، فكذا في الأثناء، لكن عن التذكرة و نهاية الأحكام تعيين الإتمام على الأولى إذا كانت الصلاة على الأخيرة مستحبة، و علل باختلاف الوجه، و قد عرفت عدم اعتباره عندنا، لكن مقتضاه عدم الفرق في عدم جواز الجمع بين حضور هما معا أو مجي ء إحداهما في

أثناء الأخرى، و ظاهر المحكي عنهما اختصاصه في حضور المستحبة بعد التلبس في الواجبة، و لذا قال في كشف اللثام: و كأنه ناظر إلى ما احتملناه من أنه لا يبطل صلاته على الأول حتى يريد التشريك، بل هي صلاة واحدة مستمرة، فإذا ابتدأ بها مستحبة جاز أن يعرض لها الوجوب في الأثناء، لأنه زيادة تأكد لها دون العكس، فإنه إزالة للوجوب لكن لا يخفى عليك أنها اعتبارات لا تصلح أن تكون مدركا لحكم شرعي فضلا عن أن تعارض المدارك التي ربما عد ذلك كله بالنسبة إليها اجتهادا في مقابلة النص.

نعم قد يحرم القطع و التشريك بالمعارض كما إذا خاف على الأولى خاصة من طول المكث من فتق و نحوه، كما أنه يتعين عليه القطع أو يرجح له حتى على القول بحرمته إذا

ج 12، ص: 126

خاف على الثانية خاصة، إذ التشريك في الأثناء يزيد في مكثها باعتبار احتياجه إلى اختلاف أدعية التكبيرة إلا إذا كان مجي ء الثانية في آخر دعاء رابعة الأولى، فإنه يكبر الخامسة حينئذ مشتركا بينهما فيها ثم يتشهد، و لو خاف عليهما معا لاحظ قلة الزمان في القطع و التشريك بالنسبة إليهما إن أمكن، و إلا لم يكن له القطع، و من ذلك كله يظهر لك ما في الروضة، قال: و ما ذكره في الذكرى من جواز القطع على تقدير الخوف على الجنائز غير واضح، لأن الخوف إن كان على الجميع أو على الأولى فالقطع يزيد الضرر على الأولى و لا يزيله، لانهدام ما قد مضى من صلاتها الموجب لزيادة مكثها، و إن كان الخوف على الأخيرة فلا بد لها من المكث مقدار الصلاة عليها، و هو يحصل مع التشريك الآن و الاستئناف، نعم يمكن فرضه نادرا بالخوف على الثانية بالنظر إلى تعدد الدعاء مع اختلافهما فيه بحيث يزيد ما يتكرر منه على ما مضى من الصلاة، قيل: و مراده بالنادر ما لو حضرت الثانية في أثناء الشهادتين على الجنازة الأولى خاصة بحيث تصير شريكة في التكبير الثاني، و فيه أن الجنازة الثانية تنتفع بالقطع حتى لو حضرت بالتكبير الرابع كما عرفت، فتأمل جيدا.

ثم من المعلوم أنه لو صلى صلاة واحدة على المتعدد شرك بينهم فيما يتحد لفظه و راعى في المختلف كالدعاء لو كان فيهم مؤمن و مجهول و منافق و طفل وظيفة كل واحد، و مع اتحاد الصنف راعى تثنية الضمير و جمعه و تذكيره و تأنيثه، أو يذكر مطلقا مؤلا بالميت، أو يؤنث مؤلا بالجنازة، و في الروضة أن الأول أولى، و الله أعلم.

[الفصل الخامس في البحث عن الصلوات المرغبات]
اشاره

(الفصل الخامس) في البحث عن الصلوات المرغبات

[المندوبات قسمان]
اشاره

أي المندوبات و هي قسمان:

[الأول النوافل اليومية]

الأول النوافل اليومية و قد ذكرناها فيما تقدم مفصلة.

ج 12، ص: 127

[الثاني ما عدا ذلك]
اشاره

و الثاني ما عدا ذلك، فهو ينقسم على قسمين

[فمنه ما لا يخص وقتا بعينه]
اشاره

فمنه ما لا يخص وقتا بعينه، و هذا القسم الكثير بل لا حصر له إن أريد إدراج غير الموسومة فيه، لأن الصلاة خير موضوع، بل عن البيان أن النوافل إما مختصة بوقت أو لا، و كلاهما لا ينحصر غير أنا نذكر كغيرنا من الأصحاب مهمه، و هو صلوات

[الأولى صلاة الاستسقاء]

الأولى صلاة الاستسقاء، و هي مستحبة عند الجدب بمعنى عوز الأنهار و فتور الأمطار بلا خلاف فيه بيننا بل و بين غيرنا ممن يحفظ عنه العلم عدا أبي حنيفة، فجعل السنة عند ذلك الدعاء خاصة، و قد سبقه الإجماع و لحقه، و استسقاء النبي (صلى الله عليه و آله) بغير صلاة بل بالدعاء على المنبر لا دلالة فيه على عدم المشروعية، إذ لا ريب في جوازه بدونه، على أنه معارض بما

عن (1)عائشة و أبي هريرة و ابن عباس و عقبة من أنه (صلى الله عليه و آله) صلى ركعتين أيضا للاستسقاء،

بل

عن عائشة(2)أيضا أنه (صلى الله عليه و آله) في تلك القضية الخاصة نزل من المنبر فصلى ركعتين.

و اعلم أن السبب الأصلي و الباعث الكلي في عوز الأنهار و احتباس الأمطار و ظهور الغلاء و الجدب و سائر علامات الغضب شيوع المعصية و كفران النعمة و التمادي في البغي و العدوان و منع الحقوق و التطفيف في المكيال و الميزان و الظلم و الغدر و ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نقص المكيال و الميزان و منع الزكاة و الحكم بغير ما أنزل الله و نحو ذلك من المعاصي التي تخرق الأستاذ و تغضب الجبار، قال الله تعالى (3)«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» و قال سبحانه (4):


1- 1 سنن البيهقي ج 3 ص 347 و 349.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 349.
3- 3 سورة الرعد- الآية 12.
4- 4 سورة الأعراف- الآية 94.

ج 12، ص: 128

«وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ، وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» و قال عز و جل (1)«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ» و قال عز اسمه (2)«ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ

بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» و قال تعالى (3)«وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً» أي كثيرا،

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)(4): «إذا غضب الله تبارك و تعالى على أمة و لم ينزل عليها العذاب- أي عذاب الاستئصال- غلت أسعارها، و قصرت أعمارها، و لم تربح تجارتها، و لم ترك ثمارها، و لم تغزر أنهارها، و حبس عنها أمطارها، و سلط الله عليها أشرارها»

و قال (صلى الله عليه و آله) أيضا(5): «خمس خصال إن أدركتموها فتعوذوا بالله من النار لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان، و لم تمنع الزكاة إلا منع القطر من السماء، فلولا البهائم لم يمطروا، و لم ينقضوا عهد الله و رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم، فأخذ بعض ما في أيديهم، و لم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم»

و قال الباقر (عليه السلام)(6): «اما أنه ليس سنة أقل مطرا


1- 1 سورة النحل- الآية 113.
2- 2 سورة الروم- الآية 40.
3- 3 سورة الجن- الآية 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 1 من كتاب الأمر بالمعروف.
6- 6 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 4 من كتاب الأمر بالمعروف.

ج 12، ص: 129

من سنة، و لكن الله يضعه حيث يشاء، إن الله جل جلاله إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم و إلى النبات و البحار و الجبال»

و

قال الصادق (عليه السلام)(1): «إذا فشى أربعة ظهرت أربعة إذا فشى الزنا ظهرت الزلزلة، و إذ فشى الجور في الحكم احتبس القطر- إلى أن قال-: و إذا منعوا الزكاة ظهرت الحاجة»

و قال الرضا (عليه السلام)(2): «إذا كذب الولاة حبس المطر، و إذا جار السلطان هانت الدولة، و إذا حبست الزكاة ماتت المواشي»

و في حديث (3)«إن الله تعالى أوحى إلى شعيب أني معذب أربعين ألفا من شرار قومك و ستين ألفا من خيارهم فقال: هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: إنهم داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي»

و في حديث عقوبات المعاصي (4)«الذنوب التي تغير النعم البغي، و الذنوب التي تورث

الندم القتل، و التي تنزل النقم الظلم، و التي تهتك الستور شرب الخمر، و التي تحبس الرزق الزنا، و التي تعجل الفناء قطيعة الرحم، و التي تردد الدعاء و تظلم الهواء عقوق الوالدين»

و في الخبر(5)«ان أسرع الشر عقوبة البغي»

و قال أحدهم (عليهم السلام)(6)مشيرا إلى فتوى نقلت له عن بعض الناس: «من هذا و أشباهه تحبس السماء قطرها»

إلى غير ذلك من الآيات و الأخبار التي هي أكثر من أن تحصى.

و لعل أعظم أسباب حلول النقم و تحويل النعم احتقار النعمة و بطر المعيشة و الاستهانة


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 5 من كتاب الأمر بالمعروف.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 29.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 1 من كتاب الأمر بالمعروف.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 3 من كتاب الأمر بالمعروف.
5- 5 الوسائل- الباب- 74- من أبواب جهاد النفس- الحديث 5 من كتاب الجهاد.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من كتاب الإجارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 130

بجلائل النعم التي أنعم الله بها على عباده، خصوصا الخبز، فقد أمرنا بإكرامه و تعظيمه قيل: و قد ورد(1)أن من إكرامه أن لا يشم و لا يقطع و لا يوطأ و لا يوضع تحت القصع و كذا الاستهانة بالمائدة و وطئها بالرجل، بل عن

الصادق (عليه السلام)(2)قال:

«لقد دخلت على أبي العباس و قد أخذ القوم المجلس، فمد يده إلى و السفرة بين يديه

موضوعة، فأخذ بيدي فذهبت لأخطو إليه فوقعت رجلي على طرف السفرة فدخلني من ذلك ما شاء الله أن يدخلني، إن الله يقول فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ» إلى آخر الآية(3)،

و لقد أصاب الأمم السالفة بكفران النعم و الاستهانة بها ما قصه الله تعالى في كتابه العزيز، و ورد تفصيله في الأخبار المروية عن النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام)، و حسبك من ذلك قصة سبأ و أصحاب الثرثار و غيرهم، و الذين في قصصهم عبرة لأولي الأبصار.

و الذي ينبغي للناس إذا ظهرت مخائل الجدب و الغلاء أن يفزعوا إلى الله تعالى، و يلحوا في الدعاء ليلا و نهارا سرا و جهارا عن صدر نقي و قلب تقي و إخبات و إخلاص خوفا و طمعا، فان ذلك يحرك سحاب الجود و يستعطف كرم المعبود، كيف لا و الدعاء من مفاتيح النجاح و مقاليد الفلاح، و المناجاة سبب النجاة، و بالإخلاص يكون الخلاص و إذا اشتد الفزع فالى الله المفزع، و قد قال الله سبحانه (4)«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» و قال (5)«أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ» و قال عز و جل (6)«وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»


1- 1 الوسائل- الباب- 80 و 83 و 84 و 78- من أبواب آداب المائدة من كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب آداب المائدة- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
3- 3 سورة الأنعام- الآية 89.
4- 4 سورة المؤمن- الآية 62.
5- 5 سورة النمل- الآية 63.
6- 6 سورة البقرة- الآية 182.

ج 12، ص: 131

و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)(1): «إلا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم و يدر أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربكم بالليل و النهار، فان سلاح المؤمن الدعاء»

و قال (صلى الله عليه و آله)(2): «الدعاء سلاح المؤمن، و عمود الدين، و نور السماوات و الأرضين»

و قال أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)(3): «ما من شي ء أفضل عند الله من أن يسأل و يطلب ما عنده، و ما من أحد أبغض إلى الله ممن يستكبر عن عبادته و لا يسأل ما عنده»

و قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)(4): «الدعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر»

و عنه (عليه السلام)(5)«الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراما، فأكثروا من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة، و نجاح كل حاجة، و لا ينال ما عند الله إلا بالدعاء، و أنه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه»

«و ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحى أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته»(6)

و عنه (عليه السلام)(7)«ما اجتمع أربعة رهط قط على أمر واحد فدعوا إلا تفرقوا عن إجابة»

و في آخر(8)«ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا فدعوا الله في أمر إلا استحباب لهم، فان لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عشر مرات إلا استحباب لهم، فان لم يكونوا أربعة فواحد يدعوا أربعين مرة فيستجيب العزيز الجبار له».

و ينبغي أن يكون الدعاء بعد التوبة و الإقلاع عن المعصية و رد المظالم و إخراج


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الدعاء- الحديث 5 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الدعاء- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 3- من أبواب الدعاء- الحديث 2 و ذيلها في الباب 1 منها- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدعاء- الحديث 5 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدعاء- الحديث 7 من كتاب الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدعاء- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
7- 7 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الدعاء- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
8- 8 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الدعاء- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 132

الحقوق و التواصل و التراحم و المواساة و التصدق، فان ذلك أنجح في المطالب و أسرع إلى إجابة الرب عز شأنه.

و من أعظم الأسباب في ذلك التوبة و الاستغفار، فإنهما الماحيان للذنب الذي هو السبب الأقوى في ظهور الغلاء و الجدب، و قد قال الله عز و جل (1)حكاية عن هود على نبينا و آله و عليه السلام «وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ» و عن نوح (عليه السلام)(2)«فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ، وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ، وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً» قال لهم ذلك لما حبس الله عنهم المطر و أعقم أرحام نسائهم أربعين سنة،

و عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه(3): «إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات و حبس البركات و إغلاق طريق الخيرات ليتوب تائب، و يقلع مقلع، و يتذكر متذكر، و يزدجرد مزدجر، و قد جعل سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرزق، و رحمة للخلق، فقال: استغفروا ربكم إنه كان غفارا»

إلى آخرها

و في خطبة أخرى له (عليه السلام) أيضا «و لو أن أهل المعاصي و كسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعمة الله و حلول نقمته و تحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت أيديهم، فأقلعوا و تابوا و فزعوا إلى الله جل ذكره بصدق نياتهم و إقرار منهم بذنوبهم و إساءتهم لصفح لهم عن كل ذنب، و إذا لأقالهم على كل عثرة، و لرد عليهم كل كرامة و نعمة، ثم أعاد لهم من صالح أمرهم و ما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم و فسد عليهم»

و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما


1- 1 سورة هود عليه السلام- الآية 54 و 55.
2- 2 سورة نوح عليه السلام- الآية 9 و 10 و 11.
3- 3 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الاستسقاء- الحديث 1.

ج 12، ص: 133

السلام)(1)«من أعطي أربعا لم يحرم أربعا: من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، و من أعطي الاستغفار لم يحرم التوبة، و من أعطي الشكر

لم يحرم الزيادة، و من أعطي الصبر لم يحرم الأجر»

و الروايات في هذا المعنى أكثر من أن يحيط بها السير، فلنكتفي بهذا المقدار.

و بالجملة لا كلام في رجحان الاستسقاء إذا ظهر الجدب عند جميع المسلمين، بل بالضرورة من الدين، و خلاف أبي حنيفة في الصلاة لذلك خاصة، و إلا فقد استسقى النبي و الأنبياء من قبله و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) من بعده و أمروا به، و قد جاء عنهم في ذلك خطب بليغة و أدعية بديعة،

روى الكليني في الكافي كما عن المجالس للشيخ بإسنادهما عن أبي العباس و زريق الخلقاني عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2)و اللفظ للأول قال: «أتى قوم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا رسول الله: ان بلادنا قد قحطت و توالت السنون علينا، فادع الله تعالى يرسل السماء، فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالمنبر فأخرج و اجتمع الناس فصعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و دعا و أمر الناس أن يؤمنوا فلم يلبث أن هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد أخبر الناس أن ربك قد وعدهم أن يمطروا يوم كذا و كذا و ساعة كذا و كذا فلم يزل الناس ينتظرون ذلك اليوم و تلك الساعة حتى إذا كانت تلك الساعة أهاج الله ريحا فأثارت سحابا و جللت السماء و أرخت عز إليها فجاء أولئك النفر بأعيانهم إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا رسول الله ادع الله أن يكف السماء عنا فانا قد كدنا أن نغرق فاجتمع

الناس و دعا النبي (صلى الله عليه و آله) و أمر الناس أن يؤمنوا على دعائه فقال له


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدعاء- الحديث 16 من كتاب الصلاة.
2- 2 روضة الكافي ص 217- الرقم 266 المطبوعة بطهران عام 1377 و المستدرك الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 7 و فيهما أبى العباس زريق الخلقاني.

ج 12، ص: 134

رجل: يا رسول الله أسمعنا، فكل ما تقول ليس يسمع، فقال: قولوا اللهم حوالينا و لا علينا، اللهم صبها في بطون الأودية و في منابت الشجر و حيث يرعى أهل الوبر، اللهم اجعلها رحمة و لا تجعلها عذابا»

و عن مجالس الشيخ أبي علي بإسناده عن مسلم القلانسي (1)قال: «جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: و الله يا رسول الله لقد أتيناك و ما لنا بعير باط و لا غنم يعظ، ثم أنشأ يقول:

أتيناك يا خير البرية كلهالترحمنا مما لقينا من الأزل

أتيناك و العذراء تدمى لبانهاو قد شغلت أم البنين عن الطفل

و ألقى بكفيه الفتى استكانةمن الجوع ضعفا لا يمر و لا يحل

و لا شي ء مما يأكل الناس عندناسوى الحنظل العامي و العلف الغل

و ليس لنا إلا إليك فرارناو أين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن هذا الأعرابي يشكو قلة المطر و قحطا شديدا ثم قام يجر بردائه حتى صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و كان فيما حمده به أن قال:

الحمد لله الذي علا في السماء فكان عاليا، و في الأرض قريبا دانيا أقرب إلينا من حبل الوريد، و رفع يديه إلى السماء و قال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مرتعا مريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائف، نافعا غير ضار تملأ به الضرع، و تنبت به الزرع، و تحيي به الأرض بعد موتها، فما رد يده إلى نحره حتى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل و ألقت السماء بأرزاقها و جاء أهل البطاح يقولون: يا رسول الله الغرق الغرق، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله اللهم حوالينا و لا علينا فانجاب السحاب عن السماء، فضحك رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدنا قوله، فقام عمر بن الخطاب: فقال: عسى أردت يا رسول الله:


1- 1 البحار- ج 18 ص 955 من طبعة الكمباني.

ج 12، ص: 135

و ما حملت من ناقة فوق ظهرهاأبر و أوفى ذمة من محمد

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هذا من قول حسان بن ثابت، فقام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: كأنك أردت يا رسول الله:

و أبيض يستسقي الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل

إلى آخره. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أجل، فقام رجل من بني كنانة فقال:

لك الحمد و الحمد ممن شكرسقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوةو أشخص منه اليه البصر

فلم يك إلا كإلقاء الرداءو أسرع إلا أتانا الدرر

وفاق الغرابل عم البقاع أغاث به الله عليا نصر

فكان كما قاله عمه أبو طالب ذا رواء أغر

به الله يسقي صوب الغمام فهذا العيان و ذاك الخبر

فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا كناني بواك الله بكل بيت بيتا في الجنة»

و عن قرب الاسناد للحميري (1)و في الفقيه (2)عن الصادق (عليه السلام) و اللفظ للأول قال: «اجتمع عند علي (عليه السلام) قوم فشكوا قلة المطر، و قالوا:

يا أبا الحسن ادع لنا بدعوات في الاستسقاء، قال: فدعا علي بالحسن و الحسين (عليهم السلام) فقال للحسن: ادع لنا»

إلى آخره. و من دعاء علي بن الحسين (عليهما السلام)(3)


1- 1 المستدرك- الباب- 11- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
2- 2 الفقيه ج 1 ص 338- الرقم 1517 من طبعة النجف.
3- 3 الصحيفة السجادية ص 97 رقم الدعاء 19.

ج 12، ص: 136

في الاستسقاء عند الجدب، و هو من أدعية الصحيفة، إلى غير ذلك، بل

عن فائق الزمخشري (1)من العامة فضلا عن الخاصة رواية الصلاة للاستسقاء أيضا، قال:

«خرج النبي (صلى الله عليه و آله) للاستسقاء فتقدم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة و كان يقرأ في العيدين و الاستسقاء في

الركعة الأولى بفاتحة الكتاب و سبح اسم ربك الأعلى، و في الركعة الثانية بفاتحة الكتاب و هل أتاك حديث الغاشية، فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه و قلب رداءه ثم جثى على ركبتيه و رفع يديه و كبر تكبيرة قبل أن يستسقي صلى الله عليه و آله ثم قال: اللهم اسقنا و أغثنا، اللهم اسقنا غيثا مغيثا و حيا ريعا و جدا طبقا غدقا مغدفا مونقا عاما هنيئا مريئا مربعا مريعا مرتعا وابلا سائلا سبلا مجللا ديما ديما درا نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث غيثا تحيي به البلاد، و تغيث به العباد، و تجعله بلاعا للحاضر منا و الباد، اللهم أنزل علينا بأرضها سكنها، و أنزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحيى به بلدة ميتا واسعة مما خلقت لنا أنعاما و أناسي كثيرا»

و عن نوادر الراوندي (2)بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال علي (عليه السلام):

مضت السنة في الاستسقاء أن يقوم الإمام فيصلي ركعتين ثم يبسط يده و ليدع، قال:

و قال علي (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) دعا بهذا الدعاء في الاستسقاء اللهم أنزل علينا رحمتك بالغيث العميق»

إلى آخره.

و في الفقيه و التهذيب (3)«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب بهذه الخطبة في صلاة الاستسقاء الحمد لله سابغ النعم، و مفرج الهم»

إلى آخرها، و هي من الخطب الجليلة، و المراد أنه صلى و خطب لها


1- 1 البحار- ج 18 ص 954.
2- 2 البحار- ج 18 ص 950.
3- 3 الفقيه ج 1 ص 335- الرقم 1504 و التهذيب ج 3 ص 151- الرقم 328 المطبوعان في النجف.

ج 12، ص: 137

كما عن الشيخ روايتها بهذا اللفظ في المصباح، و له (عليه السلام) خطبتان أخريان (1)في النهج، و كيف كان فلا كلام عندنا في استحباب الصلاة للاستسقاء بعد تظافر النصوص أو تواترها بذلك، و في الذكرى أنه استسقى النبي و علي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و الصحابة و صلوا ركعتين.

و أما كيفيتها فهي مثل كيفية صلاة العيد إجماعا محكيا عن الخلاف و التذكرة و المنتهى، و في الاستبصار هذه الرواية- مشيرا إلى موثق إسحاق بن عمار(2)المتضمن تقديم الخطبة على الصلاة في الاستسقاء- مخالفة لإجماع الطائفة المحققة، لأن عملها على الرواية الأولى لمطابقتها للأخبار(3)التي رويت في أن صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد، و في

حسن هشام بن الحكم (4)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن صلاة الاستسقاء فقال: مثل صلاة العيدين يقرأ فيها و يكبر كما يقرأ و يكبر فيها، يخرج الامام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسألة، و يبرز معه الناس فيحمد الله و يثني عليه و يجتهد في

الدعاء و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلم الامام قلب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، و الذي على الأيسر على الأيمن، فإن النبي (صلى الله عليه و آله) كذلك صنع».

و لا ريب كما أنه لا خلاف في شمول المماثلة للقراءة و عدد الركعات و التكبيرات و القنوتات، بل في الذخيرة الإجماع عليه غير أنه يجعل مواضع القنوت في العيد استعطاف الله سبحانه و سؤاله الرحمة بإرسال الغيث لأنه هو المقصود و المراد و يتخير


1- 1 المستدرك- الباب- 11- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث- 1.

ج 12، ص: 138

من الأدعية في القنوت و بعد الصلاة ما تيسر له للأصل و ظاهر النصوص و الفتاوى و إلا يختر الأخذ بهذه الرخصة. بل إذا أراد الأفضل فليقل ما نقل في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم أعرف من غيرهم بما ينبغي أن يناجي به رب العباد ضرورة كون الوزير أدرى من الرعية بما يؤدي إلى استجلاب الخير و نيل المقصود من الملك قطعا، و يمكن أن تكون العبارة من صناعة القلب، و النكتة فيه جواز الدعاء بما تيسر و إن أمكن المنصوص، و إلا فليس المراد ظاهرها قطعا، لكن لم نقف على دعاء مخصوص في القنوت هنا، و يمكن استحباب ما ورد فيه بالعيد و إن كان بتغيير مقتضى المقام، فينبغي أن يكون بالاستغفار و الدعاء بإنزال الرحمة و توفير المياه، و على كل حال فليبدأ بالصلاة على النبي و آله (عليهم الصلاة و السلام) و يختم بها، لما

روي (1)عن علي (عليه السلام) «إذا سألتم الله حاجة فصلوا على النبي (صلى الله عليه و آله) فان الله تعالى إذا سئل عن حاجتين أستحيي أن يقضي إحداهما دون الأخرى»

و ليقدم الثناء على الله تعالى ل حسن هشام المتقدم (2)و ليعترف بذنبه طالبا من الله العفو و الرحمة، قال الله تعالى (3)«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» و غير ذلك مما لا يخفى على من له معرفة بكيفية الدعاء المستجاب المستفادة من نصوص أهل العصمة و بعض آيات الكتاب إنما الكلام في شمول المماثلة المزبورة للوقت و نحوه من الأمور الخارجة عن الكيفية و عدمه، و فيه قولان أحوالهما الأول، بل في الذكرى أنه ظاهر كلام الأصحاب و أقوالهما الثاني للإطلاقات السالمة عن معارضة إطلاق المماثلة في النص، إذ حسن هشام كغيره يستفاد منه المماثلة في ذلك الأمر الخاص، و دعوى المدارك دلالته عليه محل منع،


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الدعاء- الحديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
3- 3 سورة الأعلى- الآية 14 و 15.

ج 12، ص: 139

على أن شمول إطلاقها لمثله كذلك لانسياق الكيفية منه، فمعاقد الإجماعات تنصرف حينئذ إلى غيره قطعا، خصوصا بعد ما حكي من الإجماع عن نهاية الأحكام على عدم التوقيت، و عن

التذكرة نفي الخلاف فيه، نعم لا بأس بتطلب بعض الأزمنة الشريفة لها، لأنها أرجى للإجابة، و لعله لذا حكي عن التذكرة أن الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال، لأن ما بعد العصر أشرف و إن كان هو لا يخلو من بحث، خصوصا بعد ما قيل من أنه مشهور بين العامة التي جعل الله الرشد في خلافها، و في الذكرى أنه نقله ابن عبد البر عن جماعة العلماء من العامة، و الأمر سهل.

و من مسنونات هذه الصلاة أن يصوم الناس ثلاثة أيام لأنه أرجى للإجابة، و ل

خبر السراج (1)قال: «أرسلني محمد بن خالد إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أقول له: إن الناس قد أكثروا علي في الاستسقاء فما رأيك في الخروج غدا؟ فقلت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: قل له: ليس الاستسقاء هكذا، فقل له:

يخرج فيخطب الناس و يأمرهم بالصيام اليوم و غدا، و يخرج بهم في اليوم الثالث و هم صيام قال: فأتيت محمدا فأخبرته بمقالة أبي عبد الله (عليه السلام) فجاء فخطب الناس و أمرهم بالصيام كما قال أبو عبد الله (عليه السلام): فلما كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في الخروج؟»

و خبر مرة مولى محمد بن خالد(2)قال: «صاح أهل المدينة إلى محمد ابن خالد في الاستسقاء فقال لي: انطلق إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فاسأله ما رأيك؟

فإن هؤلاء قد صاحوا إلى، فأتيته فقلت له فقال لي: قل له: فليخرج، قلت له: متى يخرج جعلت فداك؟ قال: يوم «الاثنين».

قيل: و نحوه خبر العيون (3)عن مولانا العسكري (عليه السلام).


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2.

ج 12، ص: 140

و من ذلك يعرف استحباب أن يكون خروجهم يوم الثالث كما عن التذكرة نسبته إلى علمائنا خلافا لما عن الشافعي فقال: رابع أيام الصيام و منه يعرف أيضا أنه يستحب أن يكون ذلك الثالث الاثنين و لذا اقتصر عليه جماعة، بل في الرياض نسبة ذلك إلى الأكثر، لكن قال المصنف فان لم يتيسر ف يوم الجمعة و لم نقف له على دليل بالخصوص، إلا أنه لا بأس به لشرفه و كونه محلا لإجابة الدعاء بل

ورد(1)«أن العبد ليسأل الحاجة فتؤخر الإجابة إلى يوم الجمعة»

و لعله لذا خير غير واحد بينهما، بل قيل: إنه المشهور بين المتأخرين، و أنه يظهر من التذكرة الإجماع عليه، بل عن المفيد و أبي الصلاح الاقتصار على الجمعة، و كأنه ل ما ورد(2)في ذم يوم الاثنين، و أنه يوم نحس لا تطلب فيه الحوائج، و أن بني أمية تتبرك به و تتشاءم منه آل محمد (صلى الله عليه و آله) لقتل الحسين (عليه السلام) فيه، حتى ورد أن

من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا حشر مع بني أمية، مع ترجيح ذلك على الخبرين المزبورين لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد عمل الأصحاب بهما، و فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات كالحلي و غيره و إن اختلفوا في الترتيب أو التخيير، بل لعل أحوط القولين منهما أقواهما هذا مع إمكان حمل ذلك على من أراد الفعل بقصد التبرك بيوم الاثنين كما يفعله بنو أمية، و الله أعلم.

و كذا يستفاد من التأمل في الخبرين المزبورين و غيرهما كخبر هشام بن الحكم (3)أنه يستحب أيضا أن يخرجوا في هذه الصلاة إلى الصحراء كما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب آداب السفر من كتاب الحج و الباب 21 من أبواب الصوم المندوب- الحديث 3 من كتاب الصوم.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.

ج 12، ص: 141

مجمع عليه نقلا في الذكرى و عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و غيرها إن لم يكن تحصيلا، بل في

خبر أبي البختري (1)عن الصادق (عليه السلام) «مضت السنة أنه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء، و لا يستسقى بالمساجد إلا بمكة»

و ليكن خروجهم إليها حفاة و في المسالك و لكن نعالهم بأيديهم، و لم نعرف له شاهدا على سكينة و وقار و ذكر الله و إخبات، لأنه أبلغ في الخشوع و أرجى للإجابة، و ل

قوله (عليه السلام) في خبر مولى محمد بن خالد(2): «يمشى كما يمشى يوم العيدين»

و في خبر هشام بن الحكم (3)«فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسألة» و زاد في أولهما أن «بين يديه- أي الإمام- المؤذنون في أيديهم عنزهم»

أي عصيهم و في المسالك يخرجون في ثياب البذلة بكسر الباء، و هي ما يمتهن من الثياب.

و لا يصلوا هذه الصلاة في المساجد و إن كانت مكشوفة للخبر السابق، لكن قد عرفت أنه صريح في استثناء مكة من ذلك، فإنه يستسقى في المسجد الحرام منها، و لا بأس به خصوصا بعد ما عن المنتهى من الإجماع عليه منا و من أكثر أهل العلم فما عساه يظهر من عدم استثناء المصنف له كغيره ممن نقل عنه ذلك من العدم في غير محله كالمستفاد من ظاهر عبارة الكاتب من إلحاق مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) به، لعدم المستند له سوى القياس الذي لا ينبغي الاقتصار معه على خصوص مسجد النبي (صلى الله عليه و آله)، بل ينبغي حينئذ إلحاق مسجد الكوفة و نحوه من المساجد المعظمة المشرفة به، و هو كما ترى مخالف لصريح الخبر المزبور و ظاهر غيره، و الأسرار الربانية لا تدور مدار الشرف، نعم في الذكرى لو حصل مانع من الصحراء لخوف و شبهه جازت في المساجد، و لا بأس به.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.

ج 12، ص: 142

و كذا يستحب أن يخرجوا معهم أهل الصلاح و الورع و نحوهم ممن يظن إجابتهم بل الشيوخ و الأطفال و العجائز على المشهور كما في الكفاية و الذخيرة لأنهم أقرب إلى الرحمة و أسرع للإجابة، و

للنبوي (1)«لولا أطفال رضع و شيوخ ركع و بهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا»

و في المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام) من الخطبة(2)«اللهم ارحمنا بمشايخ ركع و صبيان رضع و بهائم رتع و شباب خضع»

لكن قد اشتمل على ذكر الشباب، و لم يذكره أحد من الأصحاب هنا، و لعل المراد أهل الورع و التقوى منهم كما يومي اليه الوصف المزبور، فيندرجون حينئذ فيما ذكروه من إخراج أهل التقوى و الصلاح.

و عليه فالظاهر إرادة الذكور من الشباب خاصة لا النساء، لما في خروجهن من الفتنة، و لذا صرح غير واحد بعدم خروجهن، بل لعله ظاهر الاقتصار على الشيوخ و الأطفال و العجائز من الجميع، و على كل حال فقد يتأكد الخروج المزبور في أبناء الثمانين فصاعدا، ل

قوله (عليه السلام)(3): «إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر»

قيل: و عن الكيدري زيادة البله، كما عن ابن حمزة و الفاضل و الشهيدين و أبي العباس و غيرهم زيادة البهائم أيضا، و لا بأس به، بل و بكل ما يرجى فيه الإجابة و استجلاب الرأفة و الرحمة، و

عن الصادق (عليه السلام)(4)«ان سليمان ابن داود خرج ليستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها و هي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك و لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم و هي رافعة قائمة من


1- 1 سنن البيهقي ج 3 ص 345.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 4.
3- 3 البحار- الجزء الثالث من المجلد 15 ص 164 الباب 64.
4- 4 الفقيه ج 1 ص 333- الرقم 1493 المطبوع في النجف.

ج 12، ص: 143

قوائمها إلى السماء فقال (عليه السلام): ارجعوا فقد سقيتم بغيركم»

و كأنه في بالي أن

عالم قوم يونس (عليه السلام) أمرهم بإخراج البهائم و تفريق أطفالها عنها فكشف الله عنهم العذاب(1)

و الله أعلم.

و صرح غير واحد من الأصحاب بأنهم لا يخرجوا معهم ذميا لقوله تعالى (2)«وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ» بل منه و نحوه زيد جميع الكفار و المتظاهرين بالفسق و المنكر و نحوهما من المسلمين، و لعله لبعد الرحمة بهم، و عدم محبة الله سماع أصواتهم، فحضورهم

أبعد للإجابة، و نقض للغرض، لكن قد يقال: إن مثل هؤلاء إذا خضعوا و اعترفوا بذنبهم كانت الإجابة لهم أقرب من غيرهم، أو يقال:

إنه ربما تعجل إجابتهم لعدم محبة الله سماع أصواتهم عكس المؤمن الذي يحب سماع صوته فيؤخر إجابة دعائه كما

ورد في الخبر(3)و عن الصادق (عليه السلام)(4)«أنه جاء أصحاب فرعون اليه فقالوا له: غار ماء النيل و فيه هلاكنا فقال: انصرفوا اليوم، فلما كان الليل توسط النيل و رفع يديه إلى السماء و قال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنه لا يقدر على أن يجي ء بالماء إلا أنت فجئنا به فأصبح النيل يتدفق»

الخبر. و قد خرج المنافقون مع النبي (صلى الله عليه و آله) للاستسقاء، و المخالفون مع الرضا (عليه السلام)، و عن المنتهى بعد أن ذكر خبر خروج فرعون فعلى هذه الرواية لو خرجوا جاز أن لا يمنعوا لأنهم يطلبون أرزاقهم من الله تعالى، و قد ضمنها لهم في الدنيا، فلا يمنعون من طلبها، فلا يبعد إجابتهم، و قول من قال: إنهم ربما ظنوا أن ما حصل من السقيا بدعائهم ضعيف،


1- 1 تفسير الصافي سورة يونس عليه السلام- الآية 98.
2- 2 سورة الرعد- الآية 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.
4- 4 الفقيه ج 1 ص 334- الرقم 152 المطبوع في النجف.

ج 12، ص: 144

لأنه لا يبعد أن يتفق نزول الغيث يوم خروجهم بانفرادهم فيكون أعظم لفتنتهم.

و يستحب أيضا في المشهور كما في الكفاية أن يفرقوا بين الأطفال و أمهاتهم لما فيه من

الهيبة بكثرة البكاء و الضجيج ما يستوجب الرقة و الرأفة و الرحمة كما يشهد له فعل ذلك من قوم يونس بأمر عالمهم فكشف الله تعالى عنهم العذاب، إلا أنه ينبغي مراعاة حفظ الأطفال الواجب، فيفرقهم حينئذ بأن يدفع كل واحد إلى غير أمه أو غير ذلك إذا أمن الضرر معه، و ظاهر المتن أن هذه الأحكام من المستحب الكفائي حيث لم يوجهها كالنصوص إلى أحد بعينه، خلافا لظاهر الذكرى فوجهها جميعا أو بعضها إلى الامام، و لعل الأول أولى.

و كيف كان ف إذا فرغ الامام من صلاته حول استحبابا رداءه بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن صريح الخلاف و ظاهر المعتبر الإجماع عليه للنصوص المستفيضة(1)و التفاؤل و التأسي به (صلى الله عليه و آله)(2)بل للأخير خصوصا مع التعليل في صحيح هشام (3)و إمكان دعوى التناول لهما في صحيح ابن بكير(4)و اشتراك التفاؤل بذلك لتحويل الجدب خصبا الذي هو المقصود من هذا التحويل كما يومي اليه

بعض النصوص (5)«سألته عن تحويل النبي (صلى الله عليه و آله) رداءه إذا استسقى قال: علامة بينه و بين أصحابه يحول الجدب خصبا بين الامام و المأموم»

صرح الشيخ و الثانيان باستحبابه لهما معا، و قواه في الذكرى، بل في ظاهر المحكي من خلاف الشيخ الإجماع عليه، خلافا لظاهر المتن و غيره، بل هو صريح المحكي عن معتبره،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الاستسقاء من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الاستسقاء من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2.

ج 12، ص: 145

فيختص بالإمام، بل عن ظاهر المنتهى عدم الخلاف فيه بيننا حيث نسبه إلى بعض العامة و لعله الأقوى نظرا إلى تطابق النصوص (1)و أكثر الفتاوى على ذكره للإمام خاصة، بل لعل التأمل فيها يشرف الفقيه على القطع بذلك و إن كان الحق عدم حجية مفهوم اللقب ما لم تقتضها القرائن، و المنساق من صحيح ابن بكير(2)الامام.

و المراد بتحويل الرداء للإمام جعل ما على اليمين على اليسار و بالعكس، كما نص عليه في الصحيحين و غيرهما، و فسره به غير واحد، بل عن التذكرة الإجماع عليه سواء كان مربقا (مربعا خ ل) أو مقورا، و قال الكركي و الشهيدان: «لا يشترط جعل الظاهر باطنا و بالعكس، و لا الأسفل أعلى و بالعكس و إن كان جائزا» و في روضة الثاني منهما بعد أن فسر التحويل بجعل اليمين يسارا و بالعكس قال: «و لو جعل مع ذلك أعلاه أسفله و ظاهره باطنه كان حسنا» و فيه أن المنساق إلى الذهن من التحويل لا يكون إلا بأحد الأمرين خاصة، فلا معنى حينئذ لعدم اشتراطهما، و لا لجمعهما مع التحويل، اللهم إلا أن يراد بالتحويل جعل ما على اليمين على اليسار أو بالعكس بمعنى جمعهما على أحد الجانبين، أو يراد تحويل الرداء حيث يكون موضوعا على أفضل حالية بأن كان على المنكبين مع رد ما على الأيسر على الأيمن، فإن تحويله حينئذ يتحقق بعكس هذه

الهيئة و لو برد ما على الأيمن على الأيسر من دون حاجة إلى جعل ظاهره باطنه و أعلاه أسفله لكنهما معا كما ترى خلاف المنساق إلى الذهن من التفسير المزبور، بل لعل قول الأصحاب و بالعكس صريح في خلافه، خصوصا بالنسبة إلى الأخير، كما أن ما في

صحيح هشام (3)عن الصادق (عليه السلام) كذلك أيضا، قال فيه: «فإذا سلم الامام قلب


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1 و الباب 3 منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.

ج 12، ص: 146

ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، و الذي على الأيسر على الأيمن، فإن النبي (صلى الله عليه و آله) كذلك صنع»

و نحوه في صحيح ابن بكير.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره استحباب ذلك مرة واحدة، بل هو ظاهر النصوص و صريح المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) و إن كان ظاهر خبر مولى محمد بن خالد أن وقته بعد صعود الامام المنبر، و قد سمعت ما في صحيح هشام، و في خبر ابن بكير «يصلي ركعتين و يقلب رداءه» و لعله لا تنافي بينها بعد حمل مطلقها على المقيد، اللهم إلا أن يشكل بأن شرطه التنافي، و مع عدم العلم باتحاد المأمور به كما في المقام لم يحمل المطلق على المقيد، و بأن المستحبات لا مقتضي لحمل مطلقا على مقيدها أيضا، و بإمكان دعوى عدم قابلية

صحيح هشام للتقييد، لضعف احتمال إرادة القلب فيه بعد التسليم و صعود المنبر، و لعله لذا و لزيادة التفاؤل و للعمل بالأخبار الكثيرة كان خيرة المفيد و سلار و القاضي و الراوندي فيما حكي عنهم استحباب تثليث التحويل، لكن المتجه بناء على ذلك تخصيص استحباب التحويلين منهما بما بعد الصعود و بعد التسليم و إطلاق الثالث، كما أن المتجه بناء على اتحاده كونه بعد الفراغ من الصلاة و الصعود إلى المنبر قبل الخطبة، إذ هو الحاصل من حمل الأخبار بعضها على بعض. و كيف كان فلا ريب أن الأقوى الأول و إن كان الثاني أحوط.

ثم إذا صعد المنبر و حول رداءه استقبل القبلة و كبر مائة تكبيرة رافعا بها صوته و بعده سبح الله ملتفتا إلى الناس عن يمينه مائة تسبيحة كذلك رافعا بها صوته و بعده هلل الله مائة تهليلة ملتفتا إلى الناس عن يساره رافعا بها صوته مثل ذلك و (11) بعده استقبل الناس (12) بوجهه و حمد الله مائة (13) مرة كما صرح بذلك كله في خبر مولى محمد بن خالد، و زاد غير واحد من الأساطين كالحلي و الشهيدين و غيرهم بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب رفع الصوت بالتحميد أيضا،

ج 12، ص: 147

و لا بأس به و إن كان الخبر خاليا منه، إذ قد يفهم من التصريح به فيه في الأولين إرادته في الأخير، فكأنه حذف منه لدلالة سابقه عليه، نعم لا وجه للاقتصار عليه في كلام بعضهم في التكبير خاصة مع التصريح به في الخبر في التسبيح، و أضعف منه عدم ذكر الرفع أصلا، كما أنه لا وجه لعدم ذكر البعض أيضا ذلك بعد التحويل مع التصريح به في الخبر أيضا، و كذا لم نقف على دليل لما في الغنية و المحكي عن غيرها من جعل التحميد عن اليسار و الاستغفار مائة عند استقبال الناس بوجهه، و لا للمحكي عن إشارة السبق من جعل التحميد عن اليمين و التسبيح عن اليسار و الاستغفار عند استقبال الناس بوجهه، بل و لا لغيره أيضا مما حكي في المقام، إذ قد عرفت أن الموجود في الخبر الذي هو دليل الحكم هنا ما سمعت، و أنه بعد التحميد يرفع يديه فيدعو ثم يدعون.

كما أنه ليس فيه ما ذكره المصنف و غيره من أن الامام يذكر و هم أي المأمون يتابعونه في كل ذلك لكن لعله لأنه ذكر الله، و لأن وظيفة المأموم المتابعة للإمام و لما فيه من الضجيج و الدوي ما هو أرجى لتحصيل المقصود من غيره، و من هنا نص ابن حمزة و الثانيان على متابعته في رفع الصوت، بل هو المحكي عن إشارة السبق و التقي و الكيدري و البيان و ظاهر القاضي، بل لعله ظاهر المصنف و كل من عبر بمثل عبارته، و لا بأس به و إن خلا النص عنه، خلافا للسرائر و المحكي عن الإسكافي فلا يتابعونه في الرفع، و عن الفقيه و المقنع أنهم يتابعونه في رفع الصوت و الدعاء، و ظاهر هما الاقتصار عليهما، و الأولى ما عرفت من المتابعة في الجميع أي الأذكار و الدعاء، و قد يستفاد من خبر زريق أبي العباس (1)أنهم يؤمنون على دعاء الإمام، فحينئذ مقتضى الجمع

بينه و بين غيره التخيير في خصوص الدعاء بين المتابعة و بين التأمين كما هو ظاهر السرائر، نعم لا يتابعونه في الالتفات إلى الجهات كما صرح به غير واحد، بل لعله ظاهر الجميع،


1- 1 روضة الكافي ص 217- الرقم 266 المطبوعة بطهران عام 1377.

ج 12، ص: 148

بل لعله مقطوع به بالنسبة إلى جميع الجهات، لتصريحهم باستقباله الناس بالتحميد كما عليه الأكثر، أو الاستغفار كما عليه البعض، و لو تابعوه في الجهات لم يتحقق ذلك، اللهم إلا أن يكون جهتهم حينئذ استقبال الامام، و الأمر سهل.

ثم يخطب و يبالغ في تضرعاته كما بالغ

أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته (1)التي أولها «الحمد لله سابغ النعم»

إلى آخرها، و هي من الخطب العجيبة البديعة، و الأولى له اختيارها أو غيرها من المأثور عنهم (عليهم السلام)، ضرورة أنهم أعرف من غيرهم بذلك و بكيفية الخطاب معه تعالى، فان لم يحسنها خطب من نفسه بما يتمكن من الحمد و الثناء، و عقبهما بالتضرع و الدعاء كما صنع العباس عم النبي (صلى الله عليه و آله) لما قال له عمر بن الخطاب قم و استسق، فإنه قام و حمد الله و أثنى عليه، ثم قال: «اللهم إن عندك سحابا و إن عندك مطرا» إلى آخره. و ظاهر المتن أن الخطبة بعد الصلاة بل و بعد فعل الأذكار، و لا ريب فيه بالنسبة إلى الأول،

بل في السرائر و عن الخلاف و التذكرة الإجماع عليه و إن كان قد نفى البأس في الأخير بعد ذلك عن المحكي عن أحمد في إحدى الروايات من التخيير بين إيقاعها قبل الصلاة و بعدها، لورود الأخبار بهما، كما أنه استحسنه في المحكي عن المعتبر على تقدير القول به، و في

خبر طلحة بن زيد(2)عن الصادق (عليه السلام) «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى للاستسقاء ركعتين و بدأ بالصلاة قبل الخطبة و كبر سبعا و خمسا و جهر بالقراءة»

و نحوه المرسل (3)عن الباقر (عليه السلام) بل و غيره أيضا في أصل تأخير الخطبة عن الصلاة، بل لا خلاف فيه في النصوص سوى

خبر إسحاق بن عمار(4)عن الصادق (عليه السلام) «الخطبة


1- 1 الفقيه ج 1 ص 435- الرقم 1504 من طبعة النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2.

ج 12، ص: 149

في الاستسقاء قبل الصلاة»

كما يحكى عن أبي علي اختياره، و قد أجاد في الاستبصار بقوله: إن هذه الرواية شاذة مخالفة لإجماع الطائفة المحقة، لأن عملها على الرواية الأولى لمطابقتها للأخبار التي رويت في أن صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد، و تبعه على ذلك أو نحوه غيره من الأصحاب.

قلت: على أنها محتملة الحمل على التقية و على إرادة الدعاء من الصلاة، أو الخطبة بأمر الناس بالصيام و التهيؤ للاستسقاء كما قاله (عليه السلام) في تعليم حماد السراج (1)و أما حسن هشام (2)فدلالته على تقديم الخطبة على الصلاة مبنية على كون الحمد و التمجيد و الثناء عبارة عن الخطبة مع إفادة الواو و التقديم الذكري الترتيب، و الأول و إن كان يمكن تسليمه لكن الثاني واضح المنع، خصوصا مع معارضته بالأخبار المصرحة بتقديم الصلاة على الخطبة، و مع اشتماله على التشبيه بصلاة العيد التي تتأخر فيها الخطبة بناء على اقتضائه مثل ذلك.

و أما الثاني أي تأخرها عن الأذكار فظاهر المتن و المبسوط و الوسيلة و الإرشاد و غيرها ذلك أيضا، بل عن الحدائق أنه المشهور بين المتأخرين، و لعله ل خبر مرة مولى محمد(3)بناء على إرادة الخطبة من الدعاء فيه خلافا للفاضل في المختلف و المحكي عن الصدوق و المفيد و علم الهدى و أبي يعلى و أبي المكارم و التقي و القاضي و غيرهم، فتقدم على الذكر، بل في الذكرى أنه المشهور، و ربما قيل بجوازهما معا، و هو قوي و إن كان سابقه أقوى منه كما يومي اليه ظاهر ما حكي من أفعالهم (عليهم السلام) من تمام عمل الاستسقاء بالخطبة و الدعاء و لم يحك عنهم فعل شي ء آخر بعد ذلك، و خبر مرة يمكن حمله على الاكتفاء فيه بالأذكار عن الخطبة، بل لعله أولى من حمل الدعاء فيه على


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 2.

ج 12، ص: 150

الخطبة، فتأمل جيدا.

و كذا ظاهر المتن اتحاد الخطبة، بل لعله ظاهر الأصحاب قبله أيضا لقولهم:

«يخطب» بل لعله ظاهر النصوص، لكن في الدروس و غيرها تعددها، بل عن المنتهى و الغرية الإجماع عليه، للتشبيه بصلاة العيد التي تتعدد فيها الخطبة، و هو و إن كان أحوط إلا أنه لم أعثر على خبر يتضمن التشبيه إلا حسن هشام، و هو كما عرفت إنما يدل على المشابهة في كيفيتها، و الخطبة خارجة عنها، و لعل المراد بإحدى الخطبتين التي تتقدم على الاستسقاء لتعليم الناس الصوم و نحوه له كما يومي اليه استدلال الذكرى عليه بخبر مرة، و لا ريب في أنه أمر خارج يفعل للتعليم حيث يكون الناس في حاجة إليه.

ثم إنه قد يظهر من قول المصنف و غيره: «و يبالغ في تضرعاته» أن المراد بالخطبة هذا الدعاء و الابتهال و التضرع كما يومي اليه عبارتا الذكرى و الروض أنه «يستحب المبالغة في التضرع و الإلحاح في الدعاء في الخطبتين» بل و ما عن المصباح من أنه «يستحب أن يدعو بخطبة أمير المؤمنين (عليه السلام)» و ما في خبر مولى محمد السابق من أنه بعد الأذكار يدعو ثم يدعون حيث لم يتعرض فيه لذكر خطبة غير هذا، كما أنه حكي عن المقنع مثل ذلك أيضا، لكن اشتمال خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) على المعنى المعروف منها و على الدعاء يؤيد عدم الاكتفاء بالدعاء المحض عن الخطبة بالمعنى المعروف، نعم قال بعض الأصحاب إنه إن لم بحسن الخطبة بالمروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) اقتصر على الدعاء.

و كيف كان فلا ريب في أن الأحوط بل و الأقوى الخطبة بالحمد و الثناء و نحوهما أولا ثم تعقيب ذلك بالدعاء مبالغا في التضرع كما صنعوا صلوات الله عليهم فإن تأخرت الإجابة كرروا الخروج إجماعا محكيا عن المعتبر و المنتهى و التذكرة، بل عن الغرية الإجماع على هذا التكرير حتى تدركهم الرحمة و هو الحجة حينئذ، مضافا إلى

ج 12، ص: 151

إمكان دعوى استفادته من الأدلة باعتبار أن المقصود و المراد من تلك الأفعال لم يحصل و لأن المتعارف في السائلين تكرار السؤال إذا لم يجابوا بأول مرة، فما عن إسحاق من المنع من التكرير لأنه (صلى الله عليه و آله) لم يخرج إلا مرة واحدة ضعيف كدليله، إذ لعله (صلى الله عليه و آله) استغنى عن المعاودة لأنه أجيب، و كون التحقيق أن الأمر ليس للتكرار لا يقتضي عدم إرادة التكرار على وجه خاص لدليل خاص غير الأمر كما هو واضح.

إنما الكلام في أنهم إذا كرروا الصلاة كرروا سائر ما تقدمها من الصوم و نحوه كالاستسقاء الأولى أولا، الظاهر الأول إذا كان تكريرهم ذلك وقع بعد مضي مدة من الاستسقاء الأول بحيث أفطروا مثلا، أما إذا كان متصلا بالأول فيكفي فيه على الظاهر الصوم الأول مع فرض الاتصال بصوم يوم التكرير كما يفهم من المحكي عن الكاتب، قال: «إن لم يمطروا أولا و لا أظلتهم غمامة لم ينصرفوا إلا عند وجوب صلاة الظهر، و لو أقاموا بقية نهارهم كان أحب إلى، فان أجيبوا و إلا تواعدوا على المعاودة يوما ثانيا و ثالثا» و لا بأس به في الجملة و إن كنا لم نقف على نص دال عليه، فتحصل مما ذكرنا حينئذ أن للتكرير كيفيتين: الأولى بعد أيام، و الثانية متصلة بيوم الاستسقاء، و الظاهر جواز الأمرين معا، كما أن الظاهر جواز استئناف الصوم و الصلاة إذا لم يجابوا بأول يوم، قال في الذكرى: «و لو تأخرت الإجابة كرروا الخروج حتى يجابوا إما بصوم مستأنف أو بالبناء على الأول» و هو في غاية الجودة، أما التكرار للصلاة مثلا في مجلس واحد إذا لم تظهر أمارات الإجابة من الغمام و نحوه فلا يخلو من إشكال، لفقد النص و ظهور كلام الأصحاب في توقف مشروعية التكرير على عدم الإجابة و لم تعرف حتى تمضي مدة في الجملة، فتأمل جيدا.

و اعلم أنه كما يجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار فإنها تجوز عند جفاف

ج 12، ص: 152

مياه العيون و الآبار عند علمائنا كافة كما عن التذكرة، و هو الحجة بعد إمكان التنقيح بين المنصوص في الأدلة من قلة الأمطار و بين الجفاف المزبور باعتبار اشتراكهما في تسبيب الجدب و حلول الخوف من الغضب، قال في المسالك: «و كذا تجوز عند كثرة الغيوث إذا خيف الضرر بها، و تسمى صلاة الاستضحاء، و هي نوع من صلاة الحاجة، و كذا لو غزرت مياه العيون و الأنهار بحيث خيف منها الضرر شرعت صلاة الحاجة، بل هي من مهام الحوائج» قلت: لا إشكال في مشروعية صلاة الحاجة عند ذلك و عند غيره كما نص عليه، بل و على الصوم أيضا في الذكرى، إنما الكلام في مشروعية خصوص صلاة الاستسقاء التي هي كيفية خاصة في أمثال ذلك، و الأولى الاقتصار فيها على قلة المياه بحيث يخشى منها الجدب سواء كان من الغيوث و العيون.

ثم إنه لا ريب في أنه لا أذان و لا إقامة لصلاة الاستسقاء للنص و للإجماع المحكي عن المعتبر، نعم يقول بدلهما: «الصلاة الصلاة» بالرفع و النصب، كما أنه لا ريب في استحباب الجهر بالقراءة فيها للنص أيضا(1)بل في الذكرى و بالقنوت لما مر في صلاة العيد، و لو سقوا قبل الخروج لم يخرجوا، و كذا لو خرجوا فسقوا قبل الصلاة، نعم يستحب في المقامين صلاة الشكر، و لو سقوا في أثناء الخطبة أتموها، كما أنه كذلك لو كان في أثناء الصلاة و إن سقطت الخطبة حينئذ و الأذكار معا، و يجوز الاستسقاء بغير صلاة قطعا، إما في خطبة الجمعة و العيدين أو في أعقاب المكتوبات أو يخرج الإمام إلى الصحراء فيدعو و الناس يتابعونه، كما يستفاد ذلك كله من النصوص، بل الظاهر الجواز بصلاة بغير الكيفية المزبورة فيفعل مجرد ركعتين لكن بعنوان صلاة الحاجة، ضرورة أن ذلك من أهم الحوائج، و احتمال مشروعية صلاة خاصة لخصوص هذه الحاجة بحيث الجواهر- 19


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستسقاء- الحديث 1.

ج 12، ص: 153

لا يجوز صلاة غيرها باطل قطعا.

و يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء لما

روي (1)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) رفعهما حتى رأي بياض إبطيه»

و الظاهر أن هيئته كهيئة أيدي القانتين بأن يقلب ظهرهما إلى الأرض و وجههما إلى السماء و يجعلهما بإزاء وجهه، لكن في الذكرى أنه

روى العامة(2)عن أنس «أن النبي (صلى الله عليه و آله) استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء»

و هكذا دعاء رفع البلاء، و يمكن أن يكون في بعض الأحيان فعل ذلك (صلى الله عليه و آله).

و لا ريب في استحباب استسقاء أهل الخصب لأهل الجدب بالدعاء و نحوه ك ما صنعه رسول الله (صلى الله عليه و آله) للأعرابي (3)و لأن الله أثنى على من قال:

«رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا»(4)و أما الجواز بالصلاة و الخطبة و نحوها كما لو كانوا هم أهل الجدب فلا يخلو من إشكال.

و يجوز نذر صلاة الاستسقاء قطعا، للإطلاق و لكن في وقتها، أما في غير وقتها فالأقرب عدم

الانعقاد، لعدم التعبد بمثله في غير وقته. ثم يخرج الباذر بنفسه، قيل:

و يستحب له دعاء من يجيبه إلى الخروج، و خصوصا من يطيعه من أهله و أقربائه، و لا يجب عليهم الإجابة، و ليس له إكراههم عليها سواء بقي الجدب أو وقع الغيث، و لو سقوا بعد النذر قبل الخروج ففي وجوب الخروج حينئذ نظر، و ربما قيل بالوجوب، و لعله لإيجاد الصورة شكرا لله تعالى.


1- 1 سنن البيهقي ج 3 ص 357.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 357.
3- 3 البحار- ج 18 ص 955 من طبعة الكمباني.
4- 4 سورة الحشر- الآية 10.

ج 12، ص: 154

و هل تجب الخطبة بنذر الصلاة؟ إشكال اختار في الذكرى العدم، لانفصالها عنها، فان نذرهما معا وجبتا، و لا يجب القيام فيها و لا كونها على المنبر و إن وجبا لو قيدها به، بل لا تجزيه الخطبة على مرتفع غيره من حائط و نحوه، و هل يجب على ناذر الاستسقاء الصلاة في الصحراء؟ ظاهر الشيخ ذلك لأنه المعتاد و الأفضل، و فيه نظر، نعم لو قيده به وجب، و لو قيده في منزله أو المسجد جاز له العدول بناء على عدم الانعقاد بالنسبة إلى الأفضل، لكن صرح الشيخ بعدم جوازها في الصحراء مع التقييد بالمسجد، و هو حسن، و تسمع ما له نفع في المقام في نذر النافلة إن شاء الله.

و يستحب الدعاء عند نزول الغيث، ل ما روي (1)عنه (صلى الله عليه و آله) من الأمر بالدعاء في ثلاث: التقاء الجيوش و إقامة الصلاة و نزول

الغيث، و هو مأثور(2)عن أهل البيت (عليهم السلام).

قيل: و يستحب التمطر في أول المطر بأن يخرج فيه ليصيبه، و كان ابن عباس إذا وقع الغيث قال لغلامه: أخرج فراشي و رحلي يصيبه المطر، فقال له أبو الجوزاء:

لم تفعل هذا يرحمك الله؟ قال: لقول الله سبحانه و تعالى (3)«وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً» فأحببت أن يصيب البركة فراشي و رحلي، و لا يجوز نسبة الأمطار إلى الأنواء بمعنى أنها مؤثرة بنفسها، و أن لها مدخلا في التأثير قطعا، لقيام البرهان على أن ذلك من فعل الله، و تحقق الإجماع عليه، و لأنها تختلف كثيرا تتقدم و تتأخر، و لو قال غير معتقد مطرنا بنوء كذا فظاهر الشيخ عدم الجواز، قال: لنهي النبي (صلى الله عليه و آله)، و لعله أشار إلى ما في

رواية الجهني (4)من أنه «صلى بنا


1- 1 المستدرك- الباب- 21- من أبواب الدعاء- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.
3- 3 سورة ق- الآية 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب آداب السفر- الحديث 10 من كتاب الحج.

ج 12، ص: 155

رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء من الليل، فلما انصرف الناس فقال: هل تدرون ما ذا قال ربكم؟ قالوا: الله و رسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر بالكواكب، و كافر بي و مؤمن بالكواكب، من قال مطرنا بفضل الله و

رحمته فذلك مؤمن بي و كافر بالكواكب، و أما من قال مطرنا بنوء كذا و كذا فذاك كافر بي و مؤمن بالكواكب»

لكنه كما ترى ظاهر في اعتقاد المدخلية، قبل: و النوء سقوط كوكب في المغرب و طلوع رقيبه من المشرق، و منه الخبر من أمر الجاهلية الأنواء، و حكي عن أبي عبيدة أنها ثمانية و عشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة، يسقط في كل ثلاث عشر ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، و يطلع آخر بمقابله من ساعته، و انقضاء هذه الثمانية و عشرون مع انقضاء السنة، و كانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم و طلع آخر قالوا: لا بد من أن يكون عند ذلك مطر، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى النجم، فيقولون مطرنا بنوء كذا، و إنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءا أي نهض، فسمي النجم به، قال: و قد يكون النوء السقوط، أما لو قال مطرنا بنوء كذا و أراد به فيه أي في وقته و أنه من فعل الله تعالى ففي الذكرى قيل: لا يكره، لأنه ورد أن الصحابة استسقوا بالمصلي ثم قيل للعباس: كم بقي من نوء الثريا فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا بعد وقوعها، فما مضت السبع حتى غيث الناس، و لم ينكر ذلك أحد، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[الثاني صلاة الاستخارة]

الثاني مما لا يختص وقتا معينا من الصلوات المرغبات صلاة الاستخارة و هي طلب الخيرة كما في المصباح و عن القاموس و النهاية و مجمعي البرهان و البحرين، قال في الأخير: «خار الله لك أي أعطاك ما هو خير لك، و الخيرة بسكون الباء اسم منه و الاستخارة طلب الخيرة كعنبة، و أستخيرك بعلمك أي أطلب منك الخير متلبسا

ج 12، ص: 156

بعلمك بخيري و شري، و

في الحديث (1)«من استخار الله راضيا بما صنع خار الله له حتما»

أي طلب منه الخيرة في الأمر،

و فيه (2)«استخر ثم استشر»

و معناه أنك تستخير الله أولا بأن تقول: اللهم إني أستخيرك خيرة في عافية، و تكرر ذلك مرارا ثم تشاور بعد ذلك فيه، فإنك إذا بدأت بالله أجرى الله لك الخيرة على لسان من يشاء من خلقه، و خر لي و اختر لي أي اجعل أمري خيرا و ألهمني فعله، و اختر لي الأصلح» انتهى. و المراد بطلب الخيرة الدعاء و التوسل في أن يكون ما أراد فعله أو تركه من الأمور خيرا له، و من هنا قال في المحكي عن إشارة السبق: يصلي ركعتين إلى أن قال: و يسأل الخير فيما قصد اليه، و معتبر المصنف تصلي ركعتين و تسأل الله سبحانه أن يجعل ما عزمت عليه خيرة، فالصلاة لها بهذا المعنى من صلاة الحوائج حينئذ و لذا قال في الغنية بعد ذكر

الركعتين و الدعاء: و يذكر حاجته التي قصد الصلاة لأجلها.

لكن الإنصاف أني لم أجد في النصوص ما هو صريح في إرادة ذلك من الاستخارة التي يصلي لها، نعم يحتمله

صحيح عمر بن حريث (3)قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): صل ركعتين و استخر الله فو الله ما استخار الله مسلم إلا خار الله له»

بل لعله الظاهر منه عند التأمل،

و المرسل عن العنبري (4)سئل أبو عبد الله (عليه السلام) أيضا «عن الاستخارة فقال: استخر الله في آخر ركعة من صلاة الليل و أنت ساجد مائة مرة و مرة، قال: كيف أقول؟ قال: تقول: أستخير الله برحمته أستخير الله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2 مع الاختلاف في اللفظ.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1 لكن روى عن عمرو بن حريث.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2- لكن رواه عن محمد بن خالد القسري.

ج 12، ص: 157

برحمته»

و صحيح حماد بن عثمان (1)عنه (عليه السلام) أنه قال في الاستخارة: «أن يستخير الله الرجل في آخر سجدة من ركعتي الفجر مائة مرة و مرة، و يحمد الله و يصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) ثم يستخير الله خمسين مرة، ثم يحمد الله و يصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) و يتم المائة و الواحدة»

بل أظهر منه

خبر حماد بن عيسى عن ناجية(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه كان إذا أراد شراء العبد أو الدابة أو الحاجة الخفيفة أو الشي ء اليسير استخار الله عز و جل فيه سبع مرات، فإذا كان أمرا جسيما استخار الله مائة مرة»

و نحوه

خبر معاوية بن ميسرة(3)عنه (عليه السلام) أنه قال: «ما استخار الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة، يقول:

يا أبصر الناظرين و يا أسمع السامعين و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين و يا أحكم الحاكمين صل على محمد و أهل بيته و خر لي في كذا و كذا»

و قال في الفقيه: قال أبي رضي الله عنه في رسالته إلى: إذا أردت يا بني أمرا فصل ركعتين و استخر الله مائة مرة و مرة، فما عزم لك فافعل، و قل في دعائك: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، رب بحق محمد و آله صل على محمد و آله، و خر لي في كذا و كذا الدنيا و الآخرة خيرة في عافية» إلا أنه و إن كان ظاهر الدعاء فيه يقتضي ما ذكرنا لكن قوله: «فما عزم لك فافعل» قد يشعر بإرادة طلب تعرف ما فيه الخيرة باتفاق حصول العزم من المستخير الذي كان مترددا في الفعل و عدمه كما صرح به في السرائر في كيفية الاستخارة، و هو مضمون

خبر اليسع القمي (4)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أريد الشي ء فأستخير الله فيه فلا يوفق فيه الرأي أفعله أو أدعه؟


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 158

فقال: انظر إذا قمت إلى الصلاة- فإن الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى الصلاة- أي شي ء يقع في قلبك فخذ به، و افتح المصحف فانظر إلى أول ما ترى فيه فخذ به إن شاء الله»

إذ قوله: «فلا يوفق فيه الرأي» كالصريح في إرادة عدم حصول العزم كي يتعرف ما فيه الخيرة، و لذا أمره (عليه السلام) بما سمعت، و

خبر ابن فضال (1)قال: «سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن (عليه السلام) لابن أسباط فقال: ما ترى له و ابن أسباط حاضر، و نحن جميعا نركب البر أو البحر إلى مصر، و أخبره بخبر طريق البر، فقال: البر و ائت المسجد في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين و استخر الله مائة مرة ثم انظر إلى ما يقع في قلبك فاعمل به، و قال الحسن: البر أحب إلى قال:

له و إلى»

و موثق ابن أسباط أو صحيحه (2)قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): جعلت فداك ما ترى آخذ برا أو بحرا، فان طريقنا مخوف شديد

الخطر، فقال: اخرج برا و لا عليك أن تأتي مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و تصلي ركعتين في غير وقت فريضة، ثم تستخير الله مائة مرة و مرة، ثم تنظر فان عزم الله لك على البحر فافعل».

و خبر إسحاق بن عمار(3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له: ربما أردت الأمر تفرق مني فريقان: أحدهما يأمرني و الآخر ينهاني قال: فقال: إذا كنت كذلك فصل ركعتين و استخر الله مائة مرة و مرة، ثم انظر أجزم الأمرين لك فافعل فإن الخيرة فيه إن شاء الله، و ليكن استخارتك في عافية، فإنه ربما خير للرجل في قطع يده و موت ولده و ذهاب ماله»

و روي عن كتاب الدعاء(4)«إن أبا جعفر الثاني (عليه السلام) كتب إلى إبراهيم بن شيبة فهمت ما استأمرت به في ضيعتك التي تعرض السلطان فيها، استخر الله تعالى مائة مرة خيرة في عافية، فإن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 7.

ج 12، ص: 159

أحلل بقلبك بعد الاستخارة بيعها فبعها، و استبدل غيرها إن شاء الله، و لا تتكلم بين أضعاف الاستخارة حتى تتم المائة».

و

عن الكليني أنه روي في كتاب رسائل الأئمة(1)أن الجواد (عليه السلام) كتب بمثل ذلك إلى علي بن أسباط،

و يقرب من ذلك ما رواه

هارون بن خارجة(2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا أراد أحدكم أمرا فلا يشاور فيه أحدا من الناس حتى يبدأ فيشاور الله تعالى، قال: قلت: و ما مشاورة الله تعالى جعلت فداك؟

قال: تبدأ فتستخير الله فيه أولا ثم تشاور فيه، فإنه إذا بدأ بالله تعالى أجرى له الخيرة على لسان من يشاء من الخلق»

إذ هو و إن لم يكن فيه تعرف الخيرة بالعزم عليه لكن فيه التعرف بما يقع على لسان المشير، و أما

خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا(3)«من استخار الله راضيا بما صنع الله له خار الله له حتما»

فيحتملهما معا،

كالمرسل (4)عن الصادق (عليه السلام) «كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن، ثم قال:

ما أبا لي إذا استخرت على أي جنبي وقعت»

إلا أن الأظهر إرادة التفويض إلى الله من الأول مع الدعاء و السؤال لأن يختار له ما هو خير له كما يتفق للإنسان في بعض الأمور التي

تتعارض عليه فيها المصالح و المفاسد في الفعل و الترك فيبقى متحيرا مترددا ما يدري كيف يفعل، فينبغي له حينئذ أن يستخير الله و يفوض أمره اليه و يطلب منه توفيقه لما يختاره له مما هو خير له في عافية، فإذا فعل ذلك فلا بد أن يختار الله له حتما، بل لعل المراد من الثاني أيضا ذلك، بل قد يحمل عليه

مرسل عثمان بن عيسى (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إن أبغض الخلق إلى الله من يتهم الله، قال السائل:


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الاستخارة- الحديث 3.

ج 12، ص: 160

و أحد يتهم الله قال: نعم من استخار فجاءه الخيرة بما يكره فسخط فذلك يتهم الله»

بل

و خبر البرقي (1)عنه (عليه السلام) «من دخل في أمر بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر»

و إن كان الظاهر من قوله (عليه السلام): «دخل في أمر» إرادة الاستخارة بالمعنى الأول لا الثاني.

نعم هو ظاهر

خبر مرازم (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أراد

أحدكم شيئا فليصل ركعتين ثم ليحمد الله و ليثني عليه و ليصل على محمد و على أهل بيته، و يقول: اللهم إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني و دنياي فيسره لي و اقدره، و إن كان غير ذلك فاصرفه عني، فسألته أي شي ء أقرأ فيهما؟

فقال: اقرأ ما شئت، و إن شئت قرأت فيهما قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون»

و خبر جابر(3)عن الباقر (عليه السلام) قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا هم بأمر حج أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق تطهر ثم صلى ركعتي الاستخارة و قرأ فيهما بسورة الحشر و سورة الرحمن، ثم يقرأ المعوذتين و قل هو الله أحد إذا فرغ و هو جالس في دبر الركعتين، ثم يقول: إن كان كذا و كذا خيرا لي في ديني و دنياي و عاجل أمري و آجله فصل على محمد و آله، و يسره لي على أحسن الوجوه و أجملها، اللهم و إن كان كذا و كذا شرا لي في ديني و دنياي و آخرتي و عاجل أمري و آجله فصل على محمد و آله، و اصرفه عني، رب صل على محمد و آله، و اعزم لي على رشدي و إن كرهت ذلك أو أبته نفسي».

و قد جمع بين الاستشارة و بين طلب تيسر ما فيه الخير في

خبر إسحاق بن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 3.

ج 12، ص: 161

عمار(1)المروي عن كتاب الدعاء لابن طاوس «إذا أراد أحدكم أن يشتري أو يبيع أو يدخل في أمر فيبتدئ بالله و يسأله، قلت: فما يقول؟ قال: يقول: اللهم إني أريد كذا و كذا، فان كان خيرا لي في ديني و دنياي و آخرتي و عاجل أمري و آجله فيسره لي، و إن كان شرا لي في ديني و دنياي فاصرفه عني، رب اعزم لي على رشدي و إن كرهته و أبنته علي نفسي، ثم يستشير عشرة من المؤمنين، فان لم يصبهم و أصاب خمسة فيستشير خمسة مرتين، و إن كان رجلان فكل واحد خمسا، و إن كان واحد فليستشره عشرا»

و لا بأس به، و على كل حال فهو معنى آخر غير المعنيين الأولين المتقدمين و إن قيل: إنه قريب من أولهما، بل مآلهما غالبا إلى واحد، و فيه أنه إلى الثاني و هو طلب العزم على ما هو الخيرة و التوفيق له أقرب منه إلى الأول الذي هو الدعاء بأن يجعل الخيرة في الأمر الفلاني الذي قد عزم على فعله كما هو واضح، أقصاه تعرف حصول الخيرة من الله بالعزم على الفعل، أو بما يقع على لسان المستشار، فليس حينئذ قسما مستقلا، و مع التسليم فلا يبعد مشروعية الاستخارة بالمعاني الثلاثة و مشروعية الصلاة لها و تكرار الدعاء المزبور بمقدار العدد المذكور لكن لا على جهة الشرطية، بل هو من المكملات، بل لا يبعد اختلافه باختلاف الأمور في الاهتمام و العظمة و عدمهما كما أومأ إليه خبر ناجية المتقدم، بل يومي اليه اختلاف الروايات في العدد

بمائة مرة و مرة أو السبعين أو الخمسين و غيرها.

كما أنه من المكملات ملاحظة شرف المكان على ما يومي اليه خبر ابن أسباط(2)و الجهم (3)المتقدمان، بل و الزمان كما يومي اليه خبر اليسع (4)المتقدم، بل و الحال


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 162

كما في السجود و في حال الطهارة، و قال في فهرست الوسائل: «باب استحبابها أي الاستخارة حتى في العبادات المندوبات و كيفياتها، و في ذلك ثلاث عشر حديثا، و أن الأفضل إيقاعها في الأوقات الشريفة و الأماكن الكريمة، خصوصا عند قبر الحسين (عليه السلام)» و هو جيد و إن لم تكن النصوص صريحة في جميع ما ذكره، لكن يستفاد منها أن كل ما له مدخلية في استجابة الدعاء و بعد الشيطان عنه من مكان أو زمان أو غيرهما ينبغي ملاحظته، لأن المقام نوع منه، كما يومي اليه أيضا زيادة على ما سمعت خبر يسع القمي (1)المتقدم، و يستفاد منها أيضا القطع في الدعاء على الوتر، و عدم التكلم في أثناء الاستخارة، و اشتراط العافية إلا إذا طابت نفسه، و لم يتهم الله في شي ء مما يفرض وقوعه من موت ولد و ذهاب مال و غيرهما، لأنه هو الذي اختاره الله بدليل ما سمعته من النصوص الدالة على أنه متى استخار

الله فلا بد أن يختار له، و معرفة ذلك إما بما يتفق وقوعه من المستخير، أو بالعزم عليه، أو بما يجري على لسان المستشار.

و من هنا يقوى أن للاستخارة معنيين لا غير: أحدهما أن يسأل من الله سبحانه أن يجعل الخير فيما أراد إيقاعه من الأفعال، و الثاني أن يوفقه لما يختاره له و ييسره له، نعم لتعرف الثاني طرق، و لعلها تتبع إرادة المستخير بالمعرفة، فتارة يشاء و يطلب من الله معرفة ذلك بالعزم منه على ما هو مختار، و تارة بما يقع على لسان المستشار.

و تارة بالرقاع كما في

خبر هارون بن خارجة(2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل، و ثلاث منها كذلك لا تفعل، ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 163

ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرة أستخير الله برحمته خيرة في عافية، ثم استو جالسا و قل: اللهم خر لي و اختر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية، ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها و اخرج واحدة واحدة، فإن خرج ثلاث متواليات افعل فافعل الأمر الذي تريده، و إن

خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله، و إن خرجت واحدة افعل و الأخرى لا تفعل فأخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها فاعمل به، و دع السادسة لا تحتاج إليها».

و تارة بالبنادق كما في

مرفوع علي بن محمد(1)عنه (عليه السلام) «أنه قال لبعض أصحابه و قد سأله عن الأمر يمضي فيه و لا يجد أحدا يشاوره كيف يصنع؟ قال:

شاور ربك، قال: فقال له: كيف؟ قال: انو الحاجة في نفسك ثم اكتب رقعتين في واحدة لا و في واحدة نعم، و اجعلهما في بندقتين من طين، ثم صل ركعتين و اجعلهما تحت ذيلك و قل: يا الله إني أشاورك في أمري هذا و أنت خير مستشار و مشير، فأشر علي بما فيه صلاح و حسن عاقبة، ثم أدخل يدك فان كان فيها نعم فافعل، و إن كان فيها لا فلا تفعل، هكذا تشاور ربك».

و تارة بالسبحة كما

روي عن الصادق (عليه السلام)(2)و صاحب الزمان (عليه السلام)(3)و عليهما العمل في زماننا هذا من العلماء و غيرهم، و صورتها «أن يقرأ الحمد عشر مرات أو ثلاثا أو مرة، و إنا أنزلناه كذلك، و هذا الدعاء ثلاث مرات أو مرة، اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور، و أستشيرك لحسن ظني بك في المأمول و المحذور، اللهم إن كان الذي قد عزمت عليه مما قد نيطت بالبركة أعجازه و بواديه و حفت

بالكرامة أيامه و لياليه فخر لي، اللهم فيه خيرة ترد شموسه ذلولا،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 164

و تقعض أيامه سرورا، اللهم إما أمرا فأئتمر، و إما نهيا فأنتهي، اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية، ثم تقبض على السبحة و تنوي إن كان المقبوض وترا كان أمرا و إن كان زوجا كان نهيا، أو بالعكس»

و قال في الذكرى: لم تكن هذه الاستخارة مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضي الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدس الغروي رضي الله عنه، و قد رويناها عنه، و جميع مروياته عن عدة من مشايخنا عن الشيخ الكبير الفاضل الشيخ جمال الدين بن المطهر عن والده رضي الله عنهما عن

السيد رضي الدين عن صاحب الأمر (عليه السلام) «يقرأ الفاتحة عشرا و دونه ثلاث و دونه مرة، ثم يقرأ القدر عشرا و يقول» إلى آخر الدعاء

ثم قال: و قال ابن طاوس (رحمه الله) في كتاب الاستخارات: وجدت بخط أخي الصالح الرضي

الآوي محمد بن محمد الحسيني ضاعف الله سيادته و شرف خاتمته بما هذا لفظه عن الصادق (عليه السلام) «من أراد أن يستخير الله فليقرأ الحمد عشر مرات و إنا أنزلناه عشر مرات ثم يقول» و ذكر الدعاء، إلا أنه قال عقيب «و المحذور»: اللهم إن كان أمري هذا قد نيطت، و عقيب «سرورا» يا الله إما أمر فأئتمر و إما نهي فأنتهي اللهم خر لي برحمتك خيرة في عافية ثلاث مرات ثم يأخذ كفا من الحصى أو السبحة،

انتهى.

و قد يقوى إرادة التمثيل من الحصى و السبحة لكل معدود، إلا أن الأحوط الاقتصار عليهما، كما أن الأولى الاقتصار على السبحة الحسينية و إن كان الأقوى الاكتفاء بكل ما يسبح به، خصوصا إذا كانت من تراب الرضا (عليه السلام) و نحوه بل كل معدود، و لا يعتبر العدد المخصوص في السبحة كالثلاث أو الأربع و الثلاثين، لعدم الدليل.

ج 12، ص: 165

و تارة تكون بالقرعة و المساهمة ك

ما اتفق ليونس، فإنه روي (1)«أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله تعالى فركب في السفينة فوقفت، فقالوا هذا عبد آبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه، فرمى بنفسه في الماء فالتقمه الحوت»

و في

الوسائل عن علي بن طاوس في كتاب الاستخارات و أمان الأخطار بإسناده إلى عبد الرحمن بن سيابة(2)قال: «خرجت إلى مكة و معي متاع كثير، فكسد علينا، فقال بعض أصحابنا: ابعث

به إلى اليمن فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال:

ساهم بين مصر و اليمن ثم فوض إلى الله عز و جل، فأي البلدين خرج اسمه في السهم فابعث اليه متاعك، فقلت: كيف أساهم؟ قال: اكتب في رقعة بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنه لا إله إلا أنت عالم الغيب و الشهادة، و أنت العالم، و أنا المتعلم فانظر في أي الأمرين خير لي حتى أتوكل عليك فيه و أعمل به، ثم اكتب مصر إن شاء الله، ثم اكتب في رقعة أخرى مثل ذلك ثم اكتب اليمن إن شاء الله، ثم اكتب في رقعة أخرى مثل ذلك ثم اكتب يحبس إن شاء الله فلا تبعث به إلى بلدة منهما، ثم اجمع الرقاع و ادفعها إلى من يسترها عنك ثم أدخل يدك فخذ رقعة و توكل على الله و اعمل بها».

و قد وقفت على خيرة بالقرعة بغير هذا الطريق بل هي بالأصابع في كيفية أخرى طويلة، و ربما ادعي تجربتها إلا أني لم أعرف سندها معرفة يعتد بها في الركون إلى مثل ذلك، خصوصا إن قلنا بعدم التسامح في مثله، لعدم اندراجه في السنن، بل هو تعرف للغيب، و إن كان الأظهر أن استحباب الاستخارة بهذا الطريق أو غيره لا ريب في أنه من السنن التي يتسامح في أدلتها، فلا بأس في نية القربة للمستخير بذلك حينئذ، و لا ينافيه اشتمال الدليل على علامة الخيرة، إذ لا ريب في أن للفاعل إيقاع فعله كيف شاء،


1- 1 مجمع البيان ج 3 ص 135 من طبعة صيدا- سورة يونس عليه السلام الآية 98.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 166

و مباح له الفعل و الترك، فلا حرج عليه بإناطة الفعل و الترك بهذه العلامة لاحتمال إصابتها الواقع، و لا تشريع فيه، و من ذلك تعرف أنه لا بأس حينئذ بالأخذ بجميع ما سمعت من أقسام الاستخارات و إن ضعف سند دليل بعضها.

فما في السرائر- من الاقتصار في الاستخارة على ذات الصلاة و الدعاء، ثم فعل ما يقع في القلب، و التشديد في الإنكار على الاستخارة بالرقاع و البنادق و القرعة، قال:

لأن رواتها فطحية مثل زرعة و رفاعة و غيرهما ملعونون، فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته، و المحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه، و لا يذكرون البنادق و الرقاع و القرعة إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه، فشيخنا أبو جعفر لم يذكر في نهايته و مبسوطة و اقتصاده إلا ما ذكرناه و اخترناه، و كذلك شيخنا المفيد في رسالته إلى ولده لم يتعرض للرقاع و لا للبنادق، بل أورد روايات كثيرة فيها صلوات و أدعية، و لم يتعرض لشي ء من الرقاع، و الفقيه عبد العزيز أورد ما اخترناه، و قال:

قد ورد في الاستخارة وجوه عديدة أحسنها ما ذكرناه، و أيضا فالاستخارة في كلام العرب الدعاء، و هو من استخارة الوحش، و ذلك بأن يأخذ القانص ولد الظبية، فيفرك (فينفرك خ ل) أذنيه فيبغم، فإذا سمعت أمه بغامه لم تملك أن تأتيه فترمي بنفسها عليه فيأخذها القانص حينئذ، و استدل على ذلك بقول حميد بن ثور الهلالي، ثم قال: و كان يونس بن حبيب اللغوي يقول: إن معنى قولهم: استخرت الله استفعلت من الخير أي سألت الله أن يوفق لي خير الأشياء أي أفضلها، فمعنى صلاة الاستخارة على هذا صلاة الدعاء- محل للنظر من وجوه، و إن تبعه المصنف فيما حكي من معتبره حيث قال:

و أما الرقاع و ما يتضمن افعل و لا تفعل ففي حيز الشذوذ، نحو ما يحكى عن بعض نسخ المقنعة من أن هذه الرواية- مشيرا به إلى رواية الرقاع- شاذة ليست كالذي تقدم، لكنا أوردناها على وجه الرخصة دون محض العمل، لكن عن ابن طاوس أن النسخ

ج 12، ص: 167

الصحيحة العتيقة لم توجد فيها هذه الزيادة، و لم يتعرض الشيخ في التهذيب لها، و قال:

«إني قد اعتبرت كلما قدرت عليه من كتب أصحابنا المتقدمين و المتأخرين، فما وجدت و لا سمعت أن أحدا أبطل هذه الاستخارة» انتهى. و لقد أجاد الفاضل في المختلف- بعد أن نقل ما سمعته من السرائر- في قوله: و هذا الكلام في غاية الرداءة، و أي فرق بين ذكره في كتب الفقه و كتب العبادات، فان كتب العبادة هي المختصة به، و مع ذلك فقد ذكره المفيد في المقنعة و هي كتاب فقه، و الشيخ في التهذيب و هو أصل الفقه، و أي محصل أعظم من هذين، و هل استفيد الفقه إلا منهما، و أما نسبة الرواية إلى زرعة و رفاعة فخطأ، فإن المنقول روايتان ليس فيهما زرعة و لا رفاعة، ثم أخذ يشنع عليه بعدم معرفته بالروايات و الرجال، و أن زرعة و رفاعة ليسا من الفطحية، و أن من حاله كذلك كيف يجوز له أن يقدم على رد الروايات و الفتاوى، و يستبعد ما نص عليه الأئمة (عليهم السلام)، و هلا استبعد القرعة و هي مشروعة إجماعا في حق الأحكام الشرعية و القضاء بين الناس، و شرعها دائم في جميع المكلفين، و أمر الاستخارة سهل يستخرج منه الإنسان معرفة ما فيه الخير في بعض أفعاله المباحة المبتنية عليه منافعها و مضارها الدنيوية.

و عن ابن طاوس في كتاب الاستخارات ردا على السرائر أيضا أنه ما روينا عن زرعة و سماعة شيئا، و إنما روينا عمن اعتمد عليه ثقات أصحابنا، و كأن ما حضره من نسخة السرائر فيها إبدال رفاعة بسماعة، و عن وسائل الحر أن ابن طاوس روى الاستخارة بالرقاع بعدة طرق، و في الذكرى إنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع اشتهارها بين الأصحاب و عدم راد لها سواه و سوى الشيخ نجم الدين في المعتبر، و كيف تكون شاذة و قد دونها المحدثون في كتبهم و المصنفون في مصنفاتهم، و قد صنف السيد السعيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة و المآثر الباهرة أبو الحسن علي بن طاوس الحسني كتابا ضخما في الاستخارات، و اعتمد فيه على رواية

ج 12، ص: 168

الرقاع، و ذكر من آثارها عجائب و غرائب أرانا الله تعالى إياها، و قال: «إذا توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض، و إن توالى النهي فهو شر محض، و إن تفرقت كان الخير و الشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها» و في الفوائد الملية «و نحن قد جربنا ما ذكره ابن طاوس فوجدناه كما قال» و في الروض «أن ذات الرقاع الست أشهر الاستخارات» و في مفتاح الكرامة أن ابن طاوس قد ادعى الإجماع على الاستخارة بالرقاع ممن روى ذلك من أصحابنا و من الجمهور، لأنه نقل هذه الاستخارة عن جماعة كثيرين من العامة، و جعل الأخبار الواردة بالدعاء و ما يقع في الخاطر و غيرها محمولة على الضرورة، كعدم التمكن من الكتابة و لو لعدم معرفتها، بل نزل جملة منها على إرادة الرقاع، و من هذا كله مضافا إلى ما سمعته سابقا من التسامح في أدلة الاستخارة كما أومأ إليه في المختلف تعرف وجوه النظر فيما سمعته من السرائر، و ما أبعد ما بينه و ما بين ما ذهب اليه بعض مشايخنا من التوسعة في أمر الاستخارة حتى جعل مدارها ما ينوي المستخير تعرف الخيرة به كائنا ما كان، و ربما يؤيده ما سمعته في بعض الروايات السابقة ك رواية(1)الاستخارة بالحصى و السبحة و نحوهما بل قد يدعى أنه المستفاد من مجموع الروايات، نعم ينبغي للمستخير أن يسأل من ربه الخيرة و يتضرع له في ذلك ثم يطلب منه تعرف الخير بما يشاء مما يقع في ذهنه، و في الوافي بعد ذكر مرفوعة البنادق قال: و طريق المشاورة لا ينحصر في الرقعة و البندقة بل يشمل كل ما يمكن استفادة ذلك منه مثل ما مضى في حديث الرقاع و مثل ما يأتي في باب القرعة و غير ذلك، و إنما ذكر البندقة تعليما و إرشادا للسائل، لكنك خبير بما في مثل هذه التوسعة،

كما أنك خبير بما في مثل ذلك الجمود، فالأولى الاقتصار على ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 8- من أبواب صلاة الاستخارة.

ج 12، ص: 169

النصوص الواردة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) الذين هم المرجع و المعول في هذه الأسرار التي لا يعلمها إلا الله، و معادن سره و خزان وحيه.

و كيف كان فالمعروف في كيفيتها ما سمعته في الخبر الذي هو الأصل فيها، لكن في النفلية زيادة الغسل أولا و لم نعرف له مستندا، اللهم إلا أن يكون مأخذه رجحان الغسل في نفسه كالوضوء، فينبغي للمستخير ملاحظة ما له مدخلية في إجابة الدعاء، أو أنه من الغسل للحاجة، إذ هي أعم من طلب الخيرة من الله، أو لغير ذلك، و لعله لذا و نحوه قال في الفوائد الملية بعد أن أنكر وجود النص على الغسل: و لا ريب أنه أكمل، كما أنه حكي في الروض عن ابن طاوس «أن من آدابها أن تكون صلاة المستخير بها صلاة مضطر إلى معرفة مصلحته التي لا يعلمها إلا من علام الغيوب، فيتأدب في صلاته، و أن يكون عند قوله: أستخير الله برحمته خيرة في عافية بقلب مقبل على الله و نية حاضرة صافية، و إذا عرف وقت سجوده أنه قد غفل عن ذكر الله بين يدي عالم الخفيات أن يستغفر و يتوب في تلك الحال من ذلك الإهمال، و إذا رفع رأسه من السجود يقبل بقبلة على الله و يتذكر أنه يأخذ رقاع الاستخارة من لسان حال الجلالة الإلهية و أبواب الإشارة الربانية، و أنه لا يتكلم بين أخذ الرقاع مع غير الله جل جلاله، و أنه إذا خرجت مخالفة لإرادته لا يقابل مشورة الله تعالى بالكراهة، بل يقابله بالشكر» انتهى هذا، و قد سمعت أن الموجود في النص ابن فلانة و افعل و لا تفعل بغير هاء، لكن عن المقنعة ابن فلان، و عن أكثر نسخ النفلية افعله بالهاء، بل في الفوائد الملية أنه كتب عليها المصنف في بعض كتبه لفظ «صح» تأكيدا لإثباتها، و لا يخفى عليك أن العمل بما في النص المزبور أولى.

و تارة بالمصحف الشريف كما سمعته في خبر اليسع القمي (1)المتقدم سابقا،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 170

لكن هل المراد بأول ما ترى فيه من الآيات أو الصفحة؟ وجهان، حقيقة اللفظ تقتضي الثاني، و المناسب لتعرف الاستخارة الأول، و هو الذي اختاره بعض مشايخنا مدعيا أنه صريح الخبر المزبور، و ناقلا له عن تصريح البعض، إلا أن الخبر كما سمعت، و لم نعثر على ذلك البعض، بل في الذكرى و عن الموجز الحاوي التعبير بما في النص، نعم قد يقال إن الظاهر عدم العبرة بالمقام و السوق، بل المدار على ما يتبادر من لفظ الآية كما صرح به بعض مشايخنا، فلو أنه وقع نظره على قوله عز و جل (1)«إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ»- كما وقع لبعض حيث استخار على المهاجرة الطلب العلم فوقع نظره على هذه الآية الكريمة فهاجر فوفق لما أراد و بلغ المراد- قلنا له: استخارتك

حسنة جيدة و لا نعتبر المقام، لأنه كان مقام استهزاء، فنقول: هي غير جيدة، لكن ملاحظة المقام إنما هي للعارف الخريت الماهر، فإنه إذا لاحظها ظهر له من ذلك الأسرار الغريبة، و قد يقال إنه لما لم يعلم المراد بالأول في الخبر المزبور الآيات أو الكلمات، و على الأول فهل المدار على أول آية في صفحة النظر أو على أول الآية من الصفحة السابقة على صفحة النظر، إذ الفرض كون محل النظر بعض الآية في هذه الصفحة و البعض الآخر في الصفحة السابقة، و لم يعلم أيضا اعتبار المقام و السوق و عدمه، و لم نقف على خبر غير الخبر المزبور، كان المتجه الاقتصار في الجيدة و الردية على الجامعة لجميع ذلك، و إلا جدد الاستخارة به بعد التوسل و الدعاء في أن يريه الله رشده صريحا، لأنه لم يوفق له في الرأي في الاستخارة الأولى، هذا.

و ربما أشكل أصل الاستخارة بالمصحف بما

روي (2)في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «لا تتفأل بالقرآن»

و أجيب بأنه إن صح الخبر أمكن التوفيق


1- 1 سورة هود عليه السلام- الآية 89.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.

ج 12، ص: 171

بينهما بالفرق بين التفؤل و الاستخارة، فإن التفؤل إنما يكون فيما سيقع و يتبين الأمر فيه كشفاء المريض أو موته و وجدان الضالة و

عدمه، و مآله إلى تعجيل تعرف ما في علم الغيب، و قد ورد النهي عنه و عن الحكم فيه بتة لغير أهله، و كره النظر في مثله، بخلاف الاستخارة فإنها طلب لمعرفة الرشد في الأمر الذي يراد فعله أو تركه، و تفويض الأمر إلى الله تعالى في التعيين و استشارته، كما

قال (عليه السلام)(1): «تشاور ربك»

و بين الأمرين فرق واضح، و إنما منع التفؤل بالقرآن و إن جاز بغيره إذا لم يحكم بوقوع الأمر على البت، لأنه إذا تفأل بغير القرآن ثم تبين خلافه فلا بأس، بخلاف ما إذا تفأل بالقرآن ثم تبين خلافه، فإنه يقضي إلى إساءة الظن بالقرآن، و لا يتأتى ذلك في الاستخارة، لبقاء الإبهام فيه بعد و إن ظهر السوء، لأن العبد لا يعرف خيره من شره قال الله (2)«عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً» الآية، و فيه أنه بناء على صحة الخبر المزبور يبعد حمله على ذلك، لأن التفؤل إن لم يكن هو أقرب إلى موضوع الاستخارة من تعرف علم الغيب فهو بالنسبة إليهما على حد سواء، لصدقه على كل منهما.

نعم يسهل الخطب عدم صحة الخبر المزبور، على أنه قد يعارضه ما يحكى عن ابن طاوس في كتاب الاستخارات من أنه ذكر للتفؤل بالقرآن بالمعنى المذكور وجوها يستبعد بل يمتنع عدم وصول نصوص فيها اليه، بل ظاهر بعض عباراته أو صريحها وقوفه على ذلك، قال: «منها أنك تصلي صلاة جعفر و تدعو بدعائها ثم تأخذ المصحف و تنوي فرج آل محمد (عليهم السلام) بدء و عودا ثم تقول: اللهم إن كان في قضائك

و قدرك أن تفرج عن وليك و حجتك في خلقك في عامنا هذا و في شهرنا هذا فاخرج لنا آية من كتابك نستدل بها على ذلك، ثم تعد سبع ورقات و تعد عشرة أسطر من ظهر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2.
2- 2 سورة البقرة- الآية 213.

ج 12، ص: 172

الورقة السابعة و تنظر ما رأيته في الحادي عشر من السطور، ثم تعيد الفعل ثانيا لتفسيره فإنه تتبين حاجتك إن شاء الله- ثم إنه بين معنى قوله في عامنا هذا- أن العلم بالفرج عن وليه يتوقف على أمور كثيرة، فيكون كل وقت يدعى له بذلك في عامي هذا أو شهري هذا يفرج الله أمرا من تلك الأمور الكثيرة فيسمى ذلك فرجا- و ذكر أيضا عن بندر بن يعقوب- أنك تدعو للأمر و النهي أو ما تريد الفأل فيه بفرج آل محمد (عليهم السلام) و ذكر نحوا من ذلك الدعاء، و قال: ثم تعد سبعة أوراق ثم تعد من الوجهة الثانية من الورقة السابعة ستة أسطر، و تتفأل بما يكون في السطر السابع قال: و في رواية أخرى تدعو بالدعاء ثم تفتح المصحف و تعد سبع قوائم، و تعد ما في الوجهة الثانية من الورقة السابعة، و ما في الوجه الآخر من الورقة الثامنة من لفظ الجلالة، ثم تعد قوائم بعدد اسم الجلالة، ثم تعد من الوجهة الثانية من القائمة التي ينتهي العدد إليها، و من غيرها مما يأتي بعدها سطورا بعدد لفظ الجلالة، و تتفأل بآخر سطر من ذلك» انتهى.

و هو كما ترى ظاهر فيما قلنا، و منه ينقدح إرادة البت و القطع من النهي عن التفؤل في الخبر المزبور، لا على أنه أمارة لا يورث تخلفها في نفس المتفئل شيئا من ظن السوء بالقرآن، بل لعل المراد بالنهي المزبور إنما هو لعامة الناس الذين لا يعلمون الكيفية و لا يفهمون المعنى و المراد، و إذا تخلف الأمر يظنون ظن السوء بالقرآن الكريم، بل لعل الاستخارة فيه أيضا بالنسبة إليهم كذلك فضلا عن التفؤل بالمعنى المتقدم، فمن المحتمل قويا أن يراد حينئذ بالتفؤل المنهي عنه المعنى الذي يشمل الاستخارة أيضا، و الله أعلم.

و هناك استخارة أخرى مستعملة عند بعض أهل زماننا، و ربما نسبت إلى مولانا القائم (عليه السلام)، و هي أن يقبض على السبحة بعد قراءة و دعاء و يسقط ثمانية ثمانية، فإن بقي واحد فحسنة في الجملة، و إن بقي اثنان فنهى واحد، و إن بقي ثلاثة

ج 12، ص: 173

فصاحبها بالخيار، لتساوي الأمرين، و إن بقي أربعة فنهيان، و إن بقي خمسة فعند بعض أنها يكون فيها تعب، و عند بعض أن فيها ملامة، و إن بقي ستة فهي الحسنة الكاملة التي تجب العجلة، و إن بقي سبعة فالحال فيها كما ذكر في الخمسة من اختلاف الرأيين أو الروايتين، و إن بقي ثمانية فقد نهي عن ذلك أربع مرات، إلا أنا لم نقف عليها في شي ء من كتب الأصحاب قديمها و حديثها أصولها و فروعها كما اعترف به بعض المتبحرين من مشايخنا، نعم قد يقال بإمكان استفادتها من استخارة السبحة المتقدمة المقتضية إيكال الأمر في علامة الجودة و الرداءة بالشفع و الوتر على قصد المستخير، و إن كان الذي يسقط في تلك اثنان اثنان.

و يخطر بالبال أني عثرت في غير واحد من المجاميع على فأل لمعرفة قضاء الحاجة و عدمها ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يقبض قبضة من حنطة أو غيرها ثم يسقط ثمانية ثمانية، و يحتمل أنه على التفصيل المزبور، و لعله هو المستند في ذلك، و إلا فالاستفادة الأولى لا تنطبق على هذه الكيفية الخاصة التي يكون القصد في الحقيقة تابعا لها لا العكس، على أنه فيها تقسيم الأمر المستخار إلى أزيد من الأمر و النهي المستفادين من تلك الأخبار المتقدمة حتى في ذات الرقاع، بل لم أعرف استخارة قسم الأمر المستخار فيها إلى أمر و نهي و مخير فيه سوى ما حكاه في الحدائق عن كتاب السعادات لوالده، قال: قال فيه

خيرة مروية(1)عن الامام الناطق جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) «يقرأ الحمد مرة و الإخلاص ثلاثا، و يصلي على محمد و آله خمس عشر مرة، ثم يقول: اللهم إني أسألك بحق الحسين و جده و أبيه و أمه و أخيه و الأئمة التسعة من ذريته أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تجعل لي الخيرة في هذه السبحة، و أن تربني ما هو الأصلح لي في الدين و الدنيا، اللهم إن كان الأصلح في ديني و دنياي و عاجل أمري


1- 1 المستدرك- الباب- 7- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 2.

ج 12، ص: 174

و آجله فعل ما أنا عازم عليه فمرني، و إلا فانهني، إنك على كل شي ء قدير، ثم تقبض قبضة من السبحة و تعدها سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله إلى آخر القبضة، فإن كان الأخيرة سبحان الله فهو مخير بين الفعل و الترك، و إن كان الحمد لله فهو أمر، فإن كان لا إله إلا الله فهو نهي»

بل ظاهر الدعاء في هذه الاستخارة أيضا الحصر في النهي و الأمر كالروايات السابقة، نعم ذيل الرواية صريح في ثبوت التخيير، و ربما جمع بينها بإرادة الأعم من الراجح و المساوي من الأمر في تلك، أي عدم الضرر انضمت معه مصلحة أولا، و بإرادة خصوص الراجح و المرجوح من الأمر و النهي هنا، فجاز التخيير، و ربما قيل برجوع ذلك إلى قصد المستخير، و عليه حينئذ فله تكرير الاستخارة على عدم الضرر مثلا إذا كان استخارته أولا على الأرجحية.

و لا يخفى عليك أنه بناء على ما ذكرنا سابقا لا بأس على الإنسان في تعرف الرشد و عدمه بشي ء من ذلك كله، ضرورة أن له إيقاع فعله كيف أراد، و منه وقوع فعله على مقتضى هذه الأمور لاحتمال إصابة الرشد فيها، إذ احتمال اشتراط الإصابة بجزمه بذلك أو أخذه من دليل معتبر واضح المنع، بل هو بالنسبة إلى هذا المعنى أوسع تسامحا من السنن، إذ قد يتوقف في مشروعية نية التقرب بمجرد قيام الاحتمال الناشئ من نحو تلك المراسيل، مع أنه لا بأس به أيضا بناء على ابتناء التسامح فيها على الاحتياط العقلي، بل و على غيره لمكان تلك الأخبار المرسلة و إن كانت هي في غاية الضعف من الإرسال، بل قد سمعت ما حكيناه عن بعض فضلاء مشايخنا من أن المستفاد من أخبار الاستخارة الإناطة بما يشاؤه المكلف من الطرق لمعرفة رشده و إن لم يكن لها أثر في النصوص بعد الدعاء و التوسل و التضرع لله تعالى و نحوها في أن يبين له رشده بذلك، و إن قلنا إنه محل للتأمل أو للمنع، خصوصا بعد ما قيل من أنه في الوسائل روي(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الاستخارة- الحديث 1.

ج 12، ص: 175

عن الطبرسي بإسناده إلى صاحب الأمر (عليه السلام) خبرا ظاهره أنه لا استخارة في الخواتيم بأن يكتب في أحدهما افعل و في الآخر لا تفعل، و لا ريب أن الأولى الاقتصار في الاستخارة على تلك الطرق الثابتة بما عرفت.

كما أن الأولى الاقتصار على استخارة الإنسان نفسه لما يريده من أموره، فان لم يكن عالما بكيفيتها تعلمها كما سمعته في

الخبر السابق «إنا كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن»

الخبر. إذ لا ريب في أنه أولى من الاستنابة، لخلو النصوص الواردة في هذا الباب عن الإشارة إليها، بل قد يومي التأمل فيها إلى عدمها، خصوصا و الامام (عليه السلام) بين أظهرهم حتى أنه يستشيرونه في الأمر فيأمرهم بالاستخارة كما سمعته في خبر ابن أسباط، بل

لعل مقتضى الأصل عدم مشروعية النيابة فيها، لأنها من المستحبات المشتملة على التضرع و التوسل و الدعاء و نحوها مما لا يجري الاستنابة فيها، إلا أن المعروف في زماننا هذا بل و ما تقدمه بين العلماء فضلا عن الأعوام الاستنابة فيها، قال جدي العلامة ملا أبو الحسن (رحمه الله) فيما حكي عنه في شرح المفاتيح: لا يخفى أن المستفاد من جميع ما مر أن الاستخارة ينبغي أن تكون ممن يريد الأمر بأن يتصداها هو بنفسه، و لعل ما اشتهر من استنابة الغير على جهة الاستشفاع، و ذلك و إن لم نجد له نصا إلا أن التجربات تدل على صحته، و هو في غاية الجودة، و ربما يؤيده- مضافا إلى إطلاقات الوكالة و عموماتها و رؤيا بعض الصالحين من المعاصرين ما يقتضي جواز الاستنابة فيها- ان الاستخارة بمعانيها ترجع إلى الطلب، و أن من طلب حاجة من سلطان عظيم الشأن فإن الأرجح و الأنجح في حصولها أن يوسط بعض القريبين إلى حضرة ذلك السلطان في سؤالها، و أن الاستخارة مشاورة، و لا ريب في صحة النيابة فيها، كما استشار ابن الجهم أبا الحسن (عليه السلام) لابن أسباط، بل مشاورة المؤمن نوع منها، و قد فعلها غير المستشير، بل إن كان المقصود من خطاب

ج 12، ص: 176

أبي الحسن (عليه السلام) ابن الجهم كان صريحا في الاستنابة، و غير ذلك، بل حكي عن الشيخ سليمان البحراني الاستدلال عليها بوجوه عشرة بعد اعترافه بعدم نص فيها، منها أن علماء زماننا مطبقون على استعمال ذلك، و نقلوا عن مشايخهم نحو ذلك، و لعله كاف في مثله، لكن الإنصاف أن الجميع كما ترى، و من المعلوم أن المراد بالاستنابة غير استخارة الإنسان نفسه على أن يشور على الغير بالفعل أو عدمه بعد أن يشترط على الله المصلحة لمن يريد الاستخارة له، إذ هي ليست من النيابة قطعا، بل قد يقال إنه ليس من النيابة ما لو دعا المستخير لنفسه و سأل من ربه صلاحه و استناب غيره في قبض السبحة أو فتح المصحف أو نحوهما و إن دعا هو معه، و لعل الاستنابة المتعارفة في أيدينا من هذا القبيل، و الله أعلم.

[الثالث صلاة الحاجة]

و منها صلاة الحاجة بلا خلاف أجده فيها نصا و فتوى، بل قيل: إنه ذكر الصدوق و الشيخان في الفقيه و الهداية و المقنع و المقنعة و المصباح صلوات شتى للحاجة، قلت: منشأ ذلك النصوص (1)المستفيضة جدا إن لم تكن متواترة كما لا يخفى على من لاحظها في مثل وافي الكاشاني و نحوه مما أعد لجمع الروايات، و منها ما هو مطلق في صلاة الركعتين و طلب الحاجة ك

خبر الحارث بن المغيرة(2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كانت لك حاجة فتوضأ فصل ركعتين ثم احمد الله و اثن عليه و اذكر من آلائه ثم ادع تجب»

و في خبره الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا أردت حاجة فصل ركعتين و صل على محمد و آل محمد و سل تعطه»

و منها ما قد اشتمل على ذكر مقدمات و كيفيات لها، منها ما ذكره في القواعد من صلاة ركعتين بعد صوم ثلاثة أيام آخرها


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة الحديث 3.

ج 12، ص: 177

الجمعة، كما في

صحيح صفوان بن يحيى و محمد بن سهل (1)عن أشياخهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا حضرت لك حاجة مهمة إلى الله عز و جل فصم ثلاثة أيام متوالية: الأربعاء و الخميس و الجمعة، فإذا كان يوم الجمعة إن شاء الله فاغتسل و ألبس ثوبا جديدا، ثم اصعد إلى أعلى بيت في دارك، و صل فيه ركعتين، و ارفع يديك إلى السماء، ثم قل: اللهم إني حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك و صمدانيتك، و أنه لا قادر على حاجتي غيرك، و قد علمت يا رب أنه كلما تظاهرت نعمتك علي اشتدت فاقتي إليك، و قد طرقني هم كذا و كذا و أنت بكشفه عالم غير معلم، واسع غير متكلف، فأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فنسفت، و وضعته على السماء فانشقت، و على النجوم فانتشرت، و على الأرض فسطحت، و أسألك بالحق الذي جعلته عند محمد و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و تسميهم إلى آخرهم أن تصلي على محمد و أهل بيته، و أن تقضي حاجتي، و أن تيسر لي عسيرها، و تكفيني مهمها، فان فعلت

فلك الحمد، و إن لم تفعل فلك الحمد، غير جائر في حكمك، و لامتهم في قضائك، و لا حائف في عدلك، و تلصق خدك بالأرض، و تقول: اللهم إن يونس بن متى عبدك دعاك في بطن الحوت و هو عبدك فاستجبت له، و أنا عبدك أدعوك فاستجب لي، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): لربما كانت الحاجة لي فأدعو بهذا فأرجع و قد قضيت»

و في خبر أبي علي الخزاز(2)صلاة أربع ركعات بكيفية مخصوصة مع صوم الأيام المزبورة، إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لصلاة الحاجة المشتملة على ذكر كيفيات و مقدمات و أدعية خاصة لها، من أرادها فليطلبها من مظانها.

نعم ينبغي الاقتصار في فعل ما لا يخالف ما علم عدمه من إطلاق أدلة أخر


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.

ج 12، ص: 178

كالتربيع و القرآن بين السورتين و نحوهما، إلا إذا كان فيها دليل معتبر، لأن التسامح في أدلة السنن حتى في مثل ذلك لا يخلو من نظر أو منع، فتأمل.

ثم إن ظاهر النصوص و الفتاوى عدم الفرق في الحاجة بين قضاء الدين و دفع المرض و هلاك العدو و غيرها، بل ظاهر خبر إسماعيل بن الأرقط(1)و خبر جميل (2)منها أنه لا فرق في الحاجة بين أن ترجع للمصلي نفسه و بين أن

ترجع إلى غيره كشفاء مرض ولده أو غيره، إذ هي حاجة له أيضا كما هو واضح،

قال في أولهما: «مرضت في شهر رمضان مرضا شديدا حتى ثقلت و اجتمعت بنو هاشم ليلا للجنازة و هم يرون أني ميت فجزعت أمي فقال لها خالي أبو عبد الله عليه السلام: اصعدي إلى فوق البيت فابرزي إلى السماء و صل ركعتين فإذا سلمت فقولي: اللهم إنك وهبته لي و لم يكن شيئا، اللهم إني أستوهبك مبتدئا فأعرنيه، قال: ففعلت فأفقت و قعدت، و دعوا بسحور لهم هريسة فتسحروا بها و تسحرت معهم»

و قال في ثانيهما: «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه امرأة و ذكرت أنها تركت ابنها و قد قالت بالملحقة على وجهه ميتا، فقال لها: لعله لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك فاغتسلي و صلي ركعتين و ادعي و قولي يا من وهبه لي و لم يك شيئا جدد هبته لي ثم حركيه و لا تخبري بذلك أحدا، قالت: ففعلت فحركته فإذا هو قد بكى».

و من الأخير يستفاد استحباب الغسل كما ذكرناه في الأغسال.

كما أنه يستفاد من

صحيح زرارة(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) استحباب الصدقة أيضا، قال: «في الأمر يطلبه الطالب من ربه، قال: تصدق في يومك على ستين مسكينا على كل مسكين صاعا بصاع النبي (صلى الله عليه و آله)، فإذا كان الليل


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.

ج 12، ص: 179

اغتسلت في الثلث الباقي، و لبست أدنى ما تلبس من تعول من الثياب، إلا أن عليك في تلك الثياب إزارا، ثم تصلي ركعتين، فإذا وضعت جبهتك في الركعة الأخيرة للسجود هلكت الله و عظمته و قدسته و مجدته و ذكرت ذنوبك فأقررت بما تعرف منها مسمى، ثم رفعت رأسك، ثم إذا وضعت رأسك للسجدة الثانية استجرت الله مائة مرة، اللهم إني أستجيرك ثم تدعو بما شئت و تسأله إياه، و كلما سجدت فأفض بركبتيك إلى الأرض ثم ترفع الإزار حتى تكشفهما، و اجعل الإزار من خلفك بين ألييك و باطن ساقيك»

و نحوه رواه مرازم في الحسن (1)كالصحيح عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليهما السلام)، و في

خبر يونس بن عمار(2)«شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) رجلا كان يؤذيني، فقال: ادع عليه، فقلت: قد دعوت عليه فقال: ليس هكذا، و لكن أقلع عن الذنوب و صم و صل و تصدق، فإذا كان آخر الليل فأسبغ الوضوء ثم قم فصل ركعتين ثم قل و أنت ساجد: اللهم إن فلان بن فلان قد آذاني، اللهم أسقم بدنه و اقطع أثره و انقص أجله و عجل له ذلك في عامي هذا، قال: ففعلت فما لبث أن هلك»

و نحوه

خبر ابن أذينة(3)عن شيخ من آل سعد قال: «كان بيني و بين رجل من أهل المدينة خصومة ذات خطر عظيم، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فذكرت ذلك له و قلت: علمني شيئا لعل الله يرد علي مظلمتي، فقال: إذا أردت العدو فصل بين القبر و المنبر ركعتين أو أربع ركعات، و إن شئت ففي بيتك، و تسأل الله أن يعينك، و خذ شيئا مما تيسر فتصدق به على أول مسكين تلقاه، قال: ففعلت ما أمرني فقضي لي ورد علي مظلمتي»

إلى غير ذلك من النصوص التي يطول ذكرها تماما، و الله أعلم


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.
3- 3 الفقيه ج 1 ص 352- الرقم 1550 المطبوع في النجف.

ج 12، ص: 180

[الرابع صلاة الشكر]

و منها صلاة الشكر لله تعالى عند تجدد النعم بلا خلاف أجده فيها أيضا، و هي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد و الإخلاص، و في الثانية الحمد و الجحد، و يقول في ركوع الركعة الأولى و سجوده: الحمد لله شكرا شكرا و حمدا، و يقول في ركوع الركعة الثانية و سجودها: الحمد لله الذي استجاب دعائي و أعطاني مسألتي، كما صرح بذلك كله في

خبر هارون بن خارجة(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا أنعم الله عليك بنعمة فصل ركعتين تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد، و تقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب و قل يا أيها الكافرون، و تقول في الركعة

الأولى في ركوعك و سجودك: الحمد لله شكرا شكرا و حمدا، و تقول في الركعة الثانية في ركوعك و سجودك: الحمد لله الذي استجاب دعائي و أعطاني مسألتي» لكن عن الصدوقين أنه يقول في ركوع الأولى: «الحمد لله شكرا، و في سجودها شكرا لله و حمدا، و يقول في ركوع الثانية و سجودها: الحمد لله الذي قضى حاجتي و أعطاني مسألتي»

و لم نعثر عليه في رواية، بل قد سمعت خلافه في الرواية المزبورة، كما أن فيها أيضا خلاف ما في النفلية من إطلاق القول المزبور في الركوع و السجود من الركعتين، ثم قال: و تقول بعد التسليم: الحمد لله الذي قضى حاجتي و أعطاني مسألتي، ثم تسجد سجدة الشكر، إلا أن الأمر في ذلك كله سهل، بل لا يبعد استفادة مطلق ذكر هذا المعنى من الخبر المزبور بأي عبارة كانت، بل لا يبعد أيضا عدم اعتبار تلك الكيفية المخصوصة فيها، بل هي مستحب في مستحب، و لا الكيفية المذكورة في

خبر محمد بن مسلم المروي (2)عن كشف اللثام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إذا كسا الله المؤمن ثوبا جديدا فليتوضأ و ليصل ركعتين يقرأ فيهما أم الكتاب و آية الكرسي و قل هو الله أحد و إنا


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الملابس- الحديث 1.

ج 12، ص: 181

أنزلناه في ليلة القدر، ثم ليحمد الله الذي ستر عورته و ذريته في الناس، و ليكثر من

قوله: لا حول و لا قوة إلا بالله فإنه لا يعصى الله فيه، و له بكل سلك فيه ملك يقدس له و يستغفر له و يترحم عليه»

على أنه لم يعلم منه إرادة قراءة ذلك في كل منهما من قوله فيه: «فيهما» أولا.

و كيف كان فظاهر النص و الفتوى أن محلها عند تجدد النعم، فما عن ابن البراج من أن وقت صلاة الشكر عند ارتفاع النهار لم نعرف مستنده، و لعله يريد الصلاة في هذا الوقت إذا فرض تجدد النعمة عند طلوع الشمس مثلا، فليجتنب عن إيقاع النافلة في ذلك الوقت إلى ارتفاع النهار، لما فيه من الجمع بين صدق العندية ضرورة إرادة العرفية منها و بين التجنب عما يقال من كراهة التنفل في هذا الوقت، ثم لا فرق على الظاهر في استحباب الصلاة المزبورة بين تجدد النعم و بين دفع النقم و قضاء الحوائج كما صرح به بعضهم، بل قيل: إنه يشير اليه كلام الصدوقين أيضا، بل الظاهر استحبابها في تجدد كلما يستحب الشكر له.

[الخامس صلاة الزيارة]

و منها صلاة الزيارة للنبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و تحية المساجد و الإحرام عند حصول أسبابها بالنصوص و الإجماع كما عن كشف اللثام، و المعروف المعمول عليه تعقيب صلاة الزيارة لفعلها، لكن في الغنية صلاة الزيارة للنبي أو أحد الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) ركعتان عند الرأس بعد الفراغ من الزيارة، فإذا أراد الإنسان الزيارة لأحدهم (عليهم السلام) و هو مقيم في بلده قدم الصلاة ثم زاره عقيبها، و يصلي الزائر لأمير المؤمنين (عليه السلام) ست ركعات ركعتان له (عليه السلام) و أربعة لآدم و نوح (عليهما السلام)، و عن إشارة السبق أنه يبتدئ بهما قبل الزيارة إن كانت عن بعد، و إلا بعدها عند رأس المزار لمن حضره، و لم أعثر لهما على نص في ذلك، كما أن الظاهر عدم اعتبار الوقوع عند الرأس فيهما، و إن كان لعله بحيث يجعل القبر

ج 12، ص: 182

على يساره و لا يستقبل منه شيئا أفضل من غيره، بل مكانهما مطلق مشهد المزور، بل و ما قاربه مما خرج عنه خصوصا إذا كان متصلا به، و لتفصيل البحث في كيفية زيارات النبي و فاطمة و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و غيرهم من الشهداء و العلماء و الصلحاء مقام آخر.

[منها ما يختص وقتا معينا]
اشاره

و منها ما يختص وقتا معينا، و هو صلوات:

[الأولى نافلة شهر رمضان]
اشاره

الأولى نافلة شهر رمضان، و الأشهر في الفتاوى و الروايات استحباب هذه النافلة، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا كما في فوائد الشرائع و غيره الاعتراف به، بل عن المنتهى بعد نسبته إلى أكثر أهل العلم قال: «الإجماع عليه إلا من شذ» بل في السرائر «لا خلاف في استحباب الألف إلا ممن عرف باسمه و نسبه، و هو أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، و خلافه لا يعتد به، لأن الإجماع تقدمه و تأخر عنه» بل عن المهذب البارع «أن باقي الأصحاب على خلافه» بل في الذكرى و عن البيان «الفتاوى و الأخبار متظافرة بشرعيتها، فلا يضر معارضة النادر» بل عن المعتبر «عمل الناس في الآفاق على الاستحباب» و في المختلف «الروايات به متظافرة، و الإجماع عليه، و خلاف ابن بابويه لا يعتد به» بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن المراسم نفي الخلاف في ذلك أو الإجماع على اختلاف النقلين، بل عن ظاهر خلاف الشيخ أو صريحه كصريح انتصار المرتضى الإجماع عليه.

و بالجملة لم نعثر على خلاف في ذلك مما عدا الصدوق، إذ اقتصار الإسكافي على زيادة الأربع ليلا و ترك التعرض من ابن أبي عقيل و علي بن بابويه ليس خلافا، بل المحكي عن أولهم التصريح بما عليه الأصحاب، بل قيل: إنه صرح بزيادة على الألف الذي ستسمعه عندهم، قال في الذكرى: قال ابن الجنيد: قد روي عن أهل البيت (عليهم السلام) زيادة في صلاة الليل على ما كان يصليها الإنسان في غيره أربع ركعات

ج 12، ص: 183

تتمة اثنتي عشرة ركعة، مع أنه قائل بالألف أيضا، و هذه زيادة لم نقف على مأخذها إلا أنه ثقة و إرساله في قوة المسند، لأنه من أعاظم العلماء، بل ربما قيل لا يكاد يوجد منكر، لأن الصدوق موافق على الجواز، فكان اتفاقا من الكل، و إن كان الإنصاف أن التدبر في كلامه في الأمالي و الفقيه يقضي بأن مراده نفي المشروعية بالخصوص و إن استحب فعلها بعنوان استحباب مطلق الصلاة في كل ليلة، نعم هو في غاية الضعف بعد ما عرفت، و بعد النصوص المستفيضة المتعاضدة مع أن فيها المعتبر في نفسه أيضا، بل يمكن حصول القطع بمضمونها بملاحظة كثرتها و اشتمالها على تفاصيل الأدعية بين الركعات و اشتهار العمل بها بين الطائفة قديما و حديثا حتى وصل إلى ما سمعت، مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن، و إلى ما يقتضيه شرف الزمان، و إلى غير ذلك، و من المعلوم أنه بدون ذلك يجب طرح المعارض و إن صح سنده و رده إليهم (عليهم السلام) أو تأويله و إن بعد، فالمناقشة حينئذ فيما ذكره الشيخ أو غيره- من التأويل في الروايات المعارضة المتضمنة لنفي الزيادة على النوافل المعتادة بإرادة النفي جماعة، أو بالحمل على التقية أو بإرادة نفي كونها مؤكدة كالرواتب، أو نفي الزيادة في الرواتب و نحو ذلك بالبعد عن المضمون، و بأن نصوص الإثبات أوفق بالتقية، لشهرة التراويح عندهم حتى قيل من جهة ذلك أن المسألة محل إشكال- واهية جدا، ضرورة أنه لا ينبغي الإشكال مع تعذر التأويل فضلا عن بعده بعد ما سمعت، إذ ليس من المستغرب طرح أخبار صحيحة بمجرد الهجر بين الطائفة علما و عملا فضلا أن يكون قد عارضها مع ذلك أخبار أخر متواترة أو قريبة منه كما هو معلوم من طريقة الأصحاب، خصوصا إذا كانت تلك الأخبار صحيحة غير محتملة الخفاء عليهم، إذ ذلك يزيدها و هنا عند التأمل.

[في استحباب ألف ركعة في ليالي شهر رمضان]

و كيف كان فهي ألف ركعة تختص في شهر رمضان زيادة على النوافل المرتبة بمعنى تأكد استحبابها في الشهر المزبور، و إلا فلا ريب في استحباب ذلك في

ج 12، ص: 184

كل ليلة كما ينقل عنهم (عليهم السلام) فعلها كذلك،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر جميل بن صالح(1): «إن استطعت أن تصلي في شهر رمضان و غيره في اليوم و الليلة ألف ركعة فافعل، فان عليا (عليه السلام) كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة»

و قال أيضا في

خبر ابن أبي حمزة(2)بعد أن سأله أبو بصير ما تقول في الصلاة في رمضان؟: «إن لرمضان لحرمة و حقا لا يشبهه شي ء من الشهور صل ما استطعت في رمضان تطوعا بالليل و النهار، و ان استطعت في كل يوم و ليلة ألف ركعة فصل، إن عليا عليه السلام كان في آخر عمره يصلي في كل يوم و ليلة ألف ركعة».

إلا أنهم (عليهم السلام) لما علموا عدم وقوع ذلك من أكثر الناس بل عامتهم ندبوا إليها في خصوص شهر رمضان في مجموعه لتأكدها فيه باعتبار زيادة شرفه و عظمته و حرمته حتى

قال (صلى الله عليه و آله) في خطبته (3): «إن الله جعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، و جعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير و البر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عز و جل، و من أدى فيه فريضة من فرائض الله عز و جل كم أدى سبعين فريضة من فرائض الله فيما سواه من الشهور».

و يكفيه من الفضل أن جعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و من ذلك كله و غيره حثوا (عليهم السلام) على طلب الزيادة فيه، ف

قال الصادق (عليه السلام) في خبر المفضل بن عمر(4): «تصلي في شهر رمضان زيادة ألف ركعة»

و هي مستفادة أيضا من مجموع النصوص الواردة في ترتيبها كما ستسمعها، مضافا إلى الإجماع عليها ممن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 11 من كتاب الصوم.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 185

قال بها فيه كما عن المعتبر، فهو حينئذ مذهب علمائنا عدا ابن بابويه كما عن المنتهى، لما عرفت من اختصاص الخلاف به، بل لم يستثنه في المحكي عن التذكرة كنفي الخلاف

عن المراسم، بل في السرائر و عن ظاهر الانتصار أو صريحه الإجماع عليه، فما في الذكرى عن الشيخ الجليل ذي المناقب و المآثر أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني في كتاب التعريف من أنها سبعمائة ركعة لا يخفى ما فيه، مع احتماله إرادة الألف و ترك زوائد ليالي الأفراد لشهرتها، على أن المنقول عنه في الكتاب المزبور في المحكي من إقبال ابن طاوس أن صلاة شهر رمضان تسعمائة ركعة، و في رواية ألف، و عن كشف اللثام أنه قال الصفواني: قد روي أن في ليلة تسع عشرة أيضا مائة ركعة، و هو قول من قال بالألف، و قضيته أنه إن كان له شك فهو في مائة من الألف، و الظاهر أنها وظيفة تسع عشرة بقرينة ما سمعته عنه في كشف اللثام.

و على كل حال فضعفه واضح، ضرورة أن احتمال الزيادة على المقدار المزبور أقرب من احتمال النقيصة، أما أولا فلما سمعته سابقا من المنقول في الذكرى عن الإسكافي، و أما ثانيا فلما يستفاد من تلك الأخبار السابقة من استحباب كل ما يستطاع فعله من الصلاة في شهر رمضان؛ و أما ثالثا فل

خبر سليمان بن عمرو(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد عشر مرات أهبط الله عز و جل اليه من الملائكة عشرة يدرأون عنه أعداءه من الجن و الانس، و

أهبط الله اليه عند موته ثلاثين ملكا يؤمنونه من النار»

و خبر أبي يحيى (2)عن عدة ممن يوثق بهم قالوا: قال: «من صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث- 2 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 186

عشر مرات بقل هو الله أحد فذلك ألف مرة في مائة لم يمت حتى يرى في منامه من الملائكة ثلاثين يبشرونه بالجنة، و ثلاثين يؤمنونه من النار، و ثلاثين تعصمه من أن يخطئ، و عشرة يكيدون من كاده»

إذ الظاهر أن ذلك زيادة على الألف لما ستسمعه من ترتيبه مما يقتضي اختصاص ليلة النصف بعشرين ركعة، فيكون الزائد حينئذ ثمانين بل ربما يقال: إن المائة غير تلك الوظيفة، لأصالة عدم التداخل، خصوصا في المقام كما أفتى به في الدروس و الذكرى، قال في أولهما بعد أن ذكر الألف: و يستحب زيادة مائة ليلة النصف، و ربما يقف المتتبع للنصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) على زيادات على ذلك، خصوصا بالنسبة إلى بعض، إلا أن بذل الجهد في جميع ما ورد مفض إلى منافاة الغرض، و لعل في ما في كتب أصحابنا المصنفة في العبادات الكفاية.

و أما ترتيب فعل الألف في تمام الشهر فهو أن يصلي في كل ليلة من العشرتين الأولتين عشرين ركعة إجماعا محكيا عن الانتصار و الخلاف و كشف اللثام إن لم يكن محصلا، و نصوصا(1)بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه أيضا بين علمائنا القائلين بالوظيفة ثمان ركعات بعد المغرب و اثنتي عشرة ركعة بعد العشاء على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل عن ظاهر الانتصار و الخلاف الإجماع عليه، ل

خبر مسعدة بن صدقة(2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «مما كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصنع في شهر رمضان كان يتنفل في كل ليلة، و يزيد على صلاته التي كان يصليها قبل ذلك منذ أول ليلة إلى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة، ثماني ركعات منها بعد المغرب، و اثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة، و يصلي في عشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة، اثنتي عشرة منها بعد المغرب، و ثماني عشرة منها بعد العشاء الآخرة،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث- 2 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 187

و يدعو و يجتهد اجتهادا شديدا، و كان يصلي في ليلة إحدى و عشرين مائة ركعة، و يصلي في ليلة ثلاث و عشرين مائة ركعة، و يجتهد فيهما»

و نحوه في الأمر بالعشرين و ترتيبها خبر علي بن أبي حمزة(1)و خبر أبي بصير(2)و خبر الحسن بن علي (3)و خبر محمد بن أحمد بن المطهر(4)بل و

خبر محمد بن سليمان (5)الذي هو محكي عن عدة من أصحابنا أنهم اجتمعوا عليه منهم يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) و سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال محمد بن سليمان: و سألت الرضا (عليه السلام) عن هذا الحديث فأخبرني به، و قال هؤلاء جميعا: «سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي؟ و كيف فعل رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فقالوا جميعا:

إنه لما دخلت أول ليلة من شهر رمضان صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) المغرب ثم صلى أربع ركعات التي كان يصليهن بعد المغرب في كل ليلة، ثم صلى ثمان ركعات، فلما صلى العشاء الآخرة و صلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد العشاء الآخرة و هو جالس في كل ليلة قام فصلى اثنتي عشرة ركعة، ثم دخل بيته إلى أن قال: فلما كان ليلة تسع عشرة اغتسل حين غابت الشمس و صلى المغرب بغسل، فلما صلى المغرب و صلى أربع ركعات التي كان يصليها فيما مضى في كل ليلة بعد المغرب دخل إلى بيته، فلما أقام بلال الصلاة للعشاء الآخرة خرج النبي (صلى الله عليه و آله) فصلى

بالناس فلما انفتل صلى الركعتين و هو جالس كما كان يصليها كل ليلة، ثم قام فصلى مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد و قل هو الله أحد عشر مرات، فلما فرغ من ذلك صلى صلاته التي كان يصلي كل ليلة آخر الليل و أوتر، فلما كان ليلة عشرين من شهر رمضان فعل كما كان


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 4 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 5 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 7 من كتاب الصلاة لكن روى عن الحسن بن على عن أبيه.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 1 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 6 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 188

يفعل قبل ذلك من الليالي، فلما كان ليلة إحدى و عشرين فعل فيها مثل ما فعل ليلة تسع عشرة فلما كانت اثنتين و عشرين زاد في صلاته فصلى ثمان ركعات بعد المغرب و اثنتين و عشرين ركعة بعد العشاء الآخرة، فلما كانت ليلة ثلاث و عشرين فعل فيها مثل ما فعل بتسع عشرة و إحدى و عشرين».

و على ذلك جرى الشيخ في التهذيب في تفصيل الدعوات، خلافا للمحكي عن القاضي فالعكس، و لعله ل مضمر سماعة(1)المشتمل على التصريح بذلك، لكن لا يبعد خصوصا مع رواية سماعة للأمرين معا الحكم بالتخيير كما صرح به ثاني الشهيدين و غيره ممن تأخر عنه تبعا للمحكي عن الفاضلين و بعض من تقدمهما، بل قد يقال بأن ذلك كله مستحب في مستحب، فله حينئذ بسط الألف كيف ما شاء.

و على كل حال فالظاهر أفضلية الفرد الأول على الثاني و إن لم أجد من صرح بها، كما

أنه هو أي الثاني أفضل من غيره بناء على مشروعيته.

ثم إن صريح الخبر المزبور كون الثمان ركعات بعد نافلة المغرب كما عن المصباح و المراسم النص عليه، بل لا أجد فيه خلافا، و يؤيده ضيق وقتها، و هو ذهاب الحمرة عن تقديم تلك عليها، كما أن صريحه فعل الاثنتي عشرة بعد الوتيرة أيضا كما في النقلية و عن مجمع البرهان و بعض نسخ المراسم، بل في الذكرى أنه المشهور، بل في المفتاح عن الفوائد الملية ذلك أيضا، و استغفر به بعد أن حكى عن المختلف و الذكرى و المهذب البارع و كشف اللثام و الحدائق الشهرة على إيقاعها قبل الوتيرة قال: و به صرح في المراسم و السرائر و الغنية و إشارة السبق و الشيخ في المصباح في آخر كلامه، و كان الأولى نقلها عن الذكرى، و إلا فالتدبر في عبارة الفوائد يعطي عدم إرادته الشهرة على ذلك، و كيف كان فالدليل حينئذ مع الأول و الشهرة مع الثاني، و لعله لذا جوز الأمرين في


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 189

المسالك و الفوائد الملية، بل استظهر في الذكرى الجواز أيضا، و لا بأس به لسعة وقت الوتيرة، إلا أنه لا ريب في أفضلية الأول كما اعترف به في المسالك للخبر المزبور، و بالجملة فهذه أربعمائة من الألف.

و يصلي في كل ليلة من العشر الأواخر ثلاثين ركعة بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف و ظاهر الانتصار الإجماع عليه، للنصوص المستفيضة(1)نعم في خبر علي بن أبي حمزة(2)منها و خبر محمد بن سليمان (3)الطويل المتقدم سابقا- و إن لم ينص فيهما إلا على ليلة اثنتين و عشرين و خبر علي بن فضال- إيقاعها على الترتيب المذكور أي ثمان بعد المغرب و اثنتين و عشرين بعد العشاء كما هو المشهور نقلا و تحصيلا و في خبر محمد بن أحمد بن المطهر(4)و موثق مسعدة بن صدقة(5)اثنتا عشرة بعد المغرب و ثمان عشرة بعد العشاء كما في الغنية و عن إشارة السبق و المهذب و الكافي، و في موثق سماعة(6)اثنتين و عشرين بعد المغرب و ثمان بعد العشاء، و للجمع بين الأولين خير في الذكرى و الروض و الروضة و عن غيرها، و للجمع بين الأول و الأخير خير بينهما في المسالك و عن المعتبر، و قد يقال: إن المتجه مراعاة الجمع بين الجميع، فيخبر حينئذ بين الأفراد الثلاثة و إن لم أجد من أفتى به، كما أني لم أجد من عين ما في موثق سماعة، بل قد يقال باستفادة تخيير المكلف في الفعل كيف ما شاء من اختلاف هذه النصوص و إطلاق غيرها، و إن ذلك مستحب في مستحب، لكن على كل حال لا ريب في أولوية اختيار ما عليه المشهور لكثرة أخباره و شدة اشتهاره فتوى حتى سمعت عن الخلاف الإجماع عليه، فهذه سبعمائة ركعة.

و يصلي زيادة على ذلك في ليالي الأفراد الثلاثة تسع عشرة و إحدى


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 4 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 6 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 10 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 2 من كتاب الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 190

و عشرين و ثلاث و عشرين كل ليلة مائة ركعة زيادة على الوظيفة السابقة وفاقا لجماعة، بل عن المنتهى نسبته إلى الأكثر، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه عملا بكل من الأمرين بكل من الوظيفتين فيها، و لصريح خبر محمد بن أحمد بن المطهر و ظاهر خبره الآخر(1)و ظاهر أو صريح موثق مسعدة بن صدقة و سماعة بن مهران، إلا أنها جميعا حتى الخبر الأول لم تصف (2)المائة ليلة إحدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين إلا أنه قد يتم بأنه لا قائل بالفصل بين الليالي الثلاث، مضافا إلى ما عن غرية المفيد أنه قال: «تصلي في العشرين ليلة عشرين ركعة ثمان بين العشائين و اثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة، و يصلي في العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة، و يضيف إلى هذا الترتيب في ليلة تسع عشرة و ليلة إحدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين كل ليلة مائة ركعة، و ذلك تمام الألف ركعة، قال: و هي رواية محمد بن أبي قرة(3)في كتاب عمل شهر رمضان فيما أسنده عن علي بن مهزيار عن مولانا الجواد (عليه السلام)» و إلى ما سمعته سابقا عن الصفواني، و في السرائر أن ذلك مذهب شيخنا في مسائل الخلاف أفتى به و عمل عليه، و دل على صحته و جعل ما خالفه رواية

لا يلتفت إليها، و مذهب شيخنا المفيد في كتاب الأشراف، و هو الذي أفتى به. و يقوى عندي، لأن الأخبار به أكثر و أعدل رواة، قلت: بل يظهر من المحكي عن كتاب مسار الشيعة للمفيد أن ذلك هو المعروف، قال فيه: أول ليلة من شهر رمضان فيها الابتداء بنوافل شهر رمضان و هي ألف ركعة من أول الشهر إلى آخره بترتيب معروف في الأصول عن الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 8 من كتاب الصلاة.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح« لم تضف المائة على ليلة.» إلخ أي لم يتعرض لليلة تسع عشرة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 13 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 191

(عليه السلام)، ضرورة أن المحكي عن المفيد كما عرفت اختيار الترتيب المزبور.

و لكن روى المفضل بن عمر(1)عن الصادق (عليه السلام) أنه يقتصر في الليالي الأفراد الثلاثة على المائة حسب، فيبقى عليه ثمانون عشرون من ليلة التسع عشرة و ستون من الليلتين الأخيرتين يصلي في كل يوم جمعة من الجمع الأربع في الشهر مبتدئا بذلك من أول الشهر، لأن الفرض استعداده للعمل بهذه الرواية منه عشر ركعات بصلاة علي و فاطمة و جعفر صلوات الله و سلامه عليهم و في ليلة الجمعة في العشر الأواخر، لكن في المتن و القواعد و غيرهما في آخر جمعة عشرين بصلاة علي (عليه السلام) و هما، بمعنى إن أريد من الجمعة ليلتها لظهور الخبر المزبور في إرادة الأخيرة أيضا كالعبارة و في عشية تلك الجمعة أي ليلة السبت عشرين ركعة بصلاة فاطمة (عليها السلام) (11) و نحوه في الاقتصار على المائة في ليلة

تسع عشرة خبر محمد بن سليمان (2)المتقدم سابقا، و عليها في الليلتين الأخيرتين خبر ابن فضال (3)و به أفتى جماعة، بل في فوائد الشرائع أن كثيرا من الأصحاب عليه، و عليه رتب الشيخ الدعوات في المصباح، بل في الذكرى و غيرها نسبته إلى الأكثر، بل عن ظاهر الانتصار الإجماع عليه، و لعله للجمع بينهما خير في الغنية و الإرشاد و الدروس و الذكرى و اللمعة و فوائد الشرائع و النقلية و الروض و الروضة و القواعد و غيرها، و لا بأس به.

و من العجيب ما في السرائر «من أن ذلك تكليف ما لا يطاق، و هو قبيح في الفرض، و النافلة و الموقت لا بد من أن يفضل وقته عنه أو يساويه كالصوم، و من المعلوم أنه لو اتفق ليلة السبت مثلا في أقصر ليالي الصيف و هي تسع ساعات لا يتمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 6 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 7 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 192

من الإتيان بصلاة فاطمة (عليها السلام) مع الفرض و الراتبة و الأكل و الشرب و قضاء ما لا بد منه من الحاجة، و من ادعى ذلك فقد كابر، و لو سلم له فهي صلاة على غير تؤدة، و لا تلاوة للقرآن كما أنزل، بل و لا ركوع و لا سجود» إلى آخره إذ هو كما ترى مكابرة للوجدان، و إنكار للمشاهدة بالعيان، بل جعل في الوسيلة الصلاة المزبورة سحر ليلة السبت، كما أنه جعل العشرين ركعة بصلاة أمير

المؤمنين (عليه السلام) في سحر الجمعة الأخيرة، على أن قصور الأوقات عن جميع ما ورد فيها من المستحبات غير قادح، لورودها على متعارف غالب الناس من عدم الاستغراق، بل كل منهم يفعل بعضا منها، و إلا فلا ريب في قصور اليوم و الليلة خصوصا بعض الأيام و الليالي عن فعل جميع ما ورد فيها من الصلوات و الأذكار و الأدعية و نحوها، كما هو واضح لمن له أدنى خبرة، و مع ذلك فهو متجه لو قلنا باعتبار ذلك شرطا في هذه النافلة، أما بناء على أنه مستحب في مستحب كما عن المراسم التصريح به، بل عن إشارة السبق أنه لم يتعرض لاستحباب كون عشرين ليلة السبت بصلاة فاطمة (عليها السلام)، بل و لا للعشرين في آخر ليلة جمعة بصلاة علي (عليه السلام) فحينئذ بناء على ذلك يصلي بصلاة فاطمة (عليها السلام) ما شاء ثم يصلي ركعتين إذا ضايقه الوقت، فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر النص و الفتاوى توزيع ذلك على ما هو الغالب المتعارف من كون الحاصل في الشهر أربع جمع، أما لو اتفق خمس جمع فيه ففي الروض و المسالك إشكال، لخلو النص و الفتاوى منه، فيحتمل حينئذ صلاة عشر فيها أيضا، و بسط الثلاثين الباقية ليلتها و عشيتها بجعل ست عشرة أولا و أربع عشر ثانيا، أو بالعكس، و يحتمل سقوط العشر في الجمعة الأخيرة و بقاء التوزيع بحاله، و زاد في الأخير احتمال إسقاط أي جمعة شاء، ثم قال: و الظاهر تؤدي الوظيفة بجميع الاحتمالات، كما أنه استظهر في الأول

ج 12، ص: 193

ذلك فيما ذكره من الاحتمالين، و قال في فوائد الشرائع: إن الباقي عليه حينئذ ثلاثون ركعة، فيوزعها على ما سيأتي إلى حيث ينتهي، قلت: قد يقوى في النظر الاقتصار في توزيع الثمانين على الجمع الأربع السابقة كما عساه مال إليه في الفوائد الملية، إذ ليس في النص اعتبار إيقاع الباقي في آخر جمعة، و لو سلم ظهوره فهو مبني على الغالب، بل لا محيص عما ذكرناه إذا كانت الجمعة الخامسة محتملة من جهة سبق الهلال و تأخره لا متيقنة، أو كانت عشيتها ليلة العيد مثلا و لو احتمالا محافظة على أدائها بناء على أنه لو أخر البعض إليها فصادف كون تلك العشية ليلة العيد سقطت، لأنها نافلة شهر رمضان و قد خرج، و لذا قال في الروضة: «لو نقص الشهر سقطت وظيفة ليلة الثلاثين» و إطلاقه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الجمعة و غيرها، فلو اتفقت عشية الجمعة ليلة العيد حينئذ سقطت وظيفتها، لكن في الروض و المسالك أنه لا يؤخر وظيفة العشية إلى ليلة العيد، بل يصليها في آخر سبت من الشهر، و كأنه لعدم ظهور النص في اشتراط التأدية بعشية جمعة رابعة، إنما المراد فعلها في آخر عشية جمعة من رمضان، بل قد يقال بأن هذا الترتيب كيف ما كان هو مستحب في مستحب، و إلا فالمراد إيقاع هذه الألف ركعة في شهر رمضان، لإطلاق الدليل الذي لا ينافيه ذكر الترتيب المزبور، و منه حينئذ يعلم ما في دعوى السقوط المذكور في الروضة، اللهم إلا أن يريد أن المكلف أخر وظيفة الثلاثين اعتمادا على الاستصحاب و غلبة التمام فاتفق النقصان فان المتجه حينئذ السقوط و احتمال القضاء خارج الشهر، لإطلاق أدلة القضاء أو عمومها، خصوصا ما ورد في تفسير قوله تعالى (1)«وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً» من

قول الصادق عليه السلام(2): «كلما فاتك بالليل فاقضه بالنهار»

إلى آخره.


1- 1 سورة الفرقان- الآية 63.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب المواقيت- الحديث 4 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 194

يدفعه بعد التسليم عدم تحقق الخطاب بالأداء حتى يتحقق الفوات، لكون الفرض ظهور الليلة من شوال، و لعله لذا نص في الفوائد الملية كما قيل على عدم مشروعية القضاء، و لا بأس به، إلا أن يقال بما سمعته منا من تحقق الخطاب بدخول الشهر، و أن التوزيع المذكور مستحب في مستحب، و بناء عليه يظهر حينئذ ما في الذكرى من أنه لو فات شي ء من هذه النوافل فالظاهر أنه يستحب قضاؤه نهارا، ثم قال: و بذلك أفتى ابن الجنيد، و كذا لو فاته الصلاة ليلة الشك ثم ثبت رؤيته، و تبعه في الروضة فقال:

يستحب قضاء الفائت و لو نهارا في غيره، و الأفضل قبل خروجه، إذ قد عرفت أن ذلك أداء لا قضاء مع فرض وقوعه في الشهر، كما هو واضح، و لعل في ترك لفظ اليوم و الليلة في المتن و غيره مع وجودهما في الخبر الذي هو الأصل في المسألة إشعارا ببعض ما ذكرنا من عدم اعتبار وقوع ذلك في اليوم أو الليلة و إن وقعا في النص، لصدق لفظ الجمعة في المتن و غيره عليهما، و إن كان من المستبعد إرادة الإطلاق من اللفظ المزبور، بل الظاهر إرادة أحدهما، و الخبر حينئذ قرينة، فيتوافقان، و الأمر سهل، هذا، و في

هذا الخبر(1)«أنه اقرأ في هذه الصلوات كلها أعني صلاة شهر رمضان الزيادة منها بالحمد و قل هو الله أحد إن شئت مرة و إن شئت ثلاثا و إن شئت خمسا و إن شئت سبعا و إن شئت عشرا»

و لم أقف على من أفتى به، نعم في الدروس أنه يستحب قراءة التوحيد في الليالي الثلاثة في كل ركعة عشرا، و لعله ل خبر محمد بن سليمان (2)المتقدم المروي عن الرضا (عليه السلام)، و لا بأس به، كما أنه لا بأس بما فيها و الذكرى من استحباب الدعاء عقيب كل ركعتين بالمرسوم في تهذيب الشيخ (رحمه الله)، لكن قيده في الأخير بسعة الوقت، أما لو ضاق الوقت اقتصر على الصلاة، و كأنه لوضوحه


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 6 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 195

تركه في الأول، كما أنه ترك فيها ما ذكره في الذكرى هنا من حرمة الجماعة في هذه النافلة و بدعيتها لوضوحه و معلوميته بين الطائفة كما ذكرنا ذلك في مبحث الجماعة، بل ذكرنا هناك حرمتها في كل نافلة عدا ما استثني، فلاحظ، نعم كان عليه التعرض لما فيها أيضا من اختصاص استحباب هذه الصلاة المزبورة بالصائم أو تشمله و المفطر، ربما يستشعر من المحكي عن أبي الصلاح الأول، و في المختلف الثاني، بل ظاهره حكايته مما عداه من علمائنا، و لعله لإطلاق بعض النصوص، و لأنها عبادة شرعت لشرف الزمان، فلا تسقط بسقوط الصوم، و هو حسن.

[في كيفية صلاة أمير المؤمنين]

و أما كيفية صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) فهي أربع ركعات بتشهدين و تسليمين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة و خمسين مرة قل هو الله أحد كما نص عليها في خبر المفضل المزبور(1)إلا أنه لم يذكر فيه التشهدين و التسليمين، و لعله للعلم بهما كالقنوت، ضرورة وضوح تثنية النوافل إلا ما استثني، و منه يعلم حينئذ ما في نسبة الخلاف في نحو ذلك لبعض قدماء الأصحاب الذي منشأه عدم النص

فيه على ذلك، لكن قد عرفت أنه من المحتمل كونه لوضوحه، و لعلها هي التي رواها(2)أبو بصير و عبد الله بن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) و إن لم ينص في شي ء منهما على تسميتها بصلاة أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل وصف الصلاة المزبورة،

و قال: «من صلاها انفتل و ليس بينه و بين الله ذنب».

[في كيفية صلاة فاطمة (عليها السلام)]

و كيفية صلاة فاطمة (عليها السلام) على ما في خبر المفضل (4)أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1 و ذيله في الباب 10 من أبواب التعقيب- الحديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 196

ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة و القدر مائة مرة، و في الثانية الحمد مرة و سورة التوحيد مائة مرة

قال فيه أيضا: «فإذا سلمت فسبح تسبيحها (عليها السلام) و هو الله أكبر أربعا و ثلاثين مرة، و سبحان الله ثلاثا و ثلاثين، و الحمد لله ثلاثا و ثلاثين، فو الله لو كان شي ء أفضل منه لعلمه رسول الله (صلى الله عليه و آله) إياها»

و لا أعرف خلافا بين الأصحاب قدمائهم و المتأخرين في كيفية الصلاتين المزبورتين، نعم عكس النسبة في الدروس و النقلية و عن التحرير و البيان، كما أنه اقتصر في المحكي

عن المنتهى على نسبة الأربع لفاطمة (عليها السلام) و على نقل النسبة المشهورة عن الشيخ ساكتا عليه لكنك خبير بأن ذلك منهم مع أنه خلاف ما في خبر المفضل المزبور لا فائدة يعتد بها تترتب عليه، لثبوت الاستحباب على كل من التقديرين، إذ لا إشكال في رجحان التأسي بالزهراء (عليها السلام) بعد عصمتها، مع أصالة الاشتراك معها في التكليف، على أنه لا قائل في ذلك بالنسبة إلى خصوص صلاتها المروية في خبر المفضل، لصراحته بعدم اختصاصها بهذا الاستحباب، فظهر حينئذ أنه لا ثمرة لهذا الخلاف إلا ما في المسالك حيث قال: عكس جماعة من الأصحاب النسبة و نسبوا الأربعة لفاطمة (عليها السلام) و الركعتين لعلي (عليه السلام)، و كلاهما مروي فيشتركان في النية، و تظهر الفائدة في النسبة حال النية، و فيه أنه لا مدخلية للنسبة في النية بعد تشخيص المكلف قصده الأربع أو الاثنين، و لو جعل الفائدة في النذر حيث ينيطه الناذر بصلاة فاطمة (عليها السلام) أو صلاة علي (عليه السلام) لكان أولى، و قد أنكر بعض من تأخر عنه الرواية، و هو في محله بالنسبة إلى رواية الركعتين لعلي (عليه السلام)، و إلا فالأربع قد

نسبت لفاطمة (عليها السلام) في صحيح هشام بن سالم (1)كما عن المنتهى و خبره عن الصادق (عليه السلام) الذي رواه الصدوق «من صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بخمسين


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 2.

ج 12، ص: 197

مرة قل هو الله أحد كانت صلاة فاطمة (عليها السلام)، و هي صلاة الأوابين»

لكن قد يظهر من الصدوق مع روايته الخبر المزبور الشك في ذلك، حيث قال عند عقد الباب: «باب ثواب الصلاة التي تسميها الناس صلاة فاطمة (عليها السلام) و يسمونها صلاة الأوابين» و قال أيضا: «و كان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد يروي هذه الصلاة و ثوابها إلا أنه يقول لا أعرفها بصلاة فاطمة (عليها السلام) و أما أهل الكوفة فإنهم يعرفونها بصلاة فاطمة (عليها السلام)» إلى آخره، إلا أنه يعطي معروفيتها بذلك في الزمن السابق.

و كيف كان فلا إشكال في الأربع المزبورة، إذ أقصى ذلك نسبتها إليهما، و لعله لأنهما صلياها، و الظاهر انصراف نذر صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع عدم التعيين من الناذر إليها، لعدم ثبوت نسبة الركعتين اليه (عليه السلام)، و عدم منافاة شركة فاطمة (عليها السلام) إياه، أما لو نذر صلاة فاطمة (عليها السلام)، و قلنا إن كلا من الأربع و الاثنين صلاتها فلا يبعد انصرافه إلى الركعتين، لاختصاصهما بالنسبة في خبر المفضل إليها، و ربما قيل بالتخيير بينهما و بين الأربع، و فيه إشكال، بل لعل الانصراف إلى الجمع حينئذ أقرب منه.

ثم إنه بناء على ما ذكرنا من ثبوت الأربع لكل منهما (عليهما السلام) أو هي مع الاثنين أيضا كما سمعته ممن عرفت، بل في المسالك نسبته إلى الرواية فهل يستحب خصوص التكرير تأسيا بكل منهما، إذ الفعلان منهما بمنزلة الأمرين المقتضيين تعدد المسبب كما هو معنى أصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب أو لا يستحب، لعدم ظهور الفعل بالتعدد بخلاف الأمر، و هو الأقوى، و لعله لحظ الأول في المسالك في قوله فيما تقدم، و تظهر الفائدة في النية، ضرورة أن التشخيص حينئذ يكون بقصد النسبة المزبورة، لتعدد الفعل و الاتفاق بالكيفية.

ج 12، ص: 198

و كيف كان فلا يتوهم اختصاص استحباب هذين الصلاتين و صلاة جعفر الآتية في شهر رمضان، بل هي مستحبة في كل وقت،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر المفضل المزبور: «اسمع و عه و علم ثقات إخوانك هذه الأربع و الركعتين، فإنهما أفضل الصلوات بعد الفرائض، فمن صلاها في شهر رمضان أو غيره انفتل و ليس بينه و بين الله عز و جل من ذنب»

نعم يتأكد استحبابها في خصوص شهر رمضان لزيادة شرفه، و للخبر المذكور و غيره.

كما أنه يتأكد استحباب صلاة فاطمة (عليها السلام) في أول يوم من ذي الحجة على ما نص عليه في القواعد و الذكرى، و لعله لأنه اليوم الذي تزوجت صلوات الله عليها بعلي (عليه السلام) فيه، فناسب صلاتها فيه كما عساه يفهم من المحكي عن الكفعمي، و قال الشيخ في المصباح: هذا اليوم يوم مولد إبراهيم الخليل (عليه السلام) و فيه زوج رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاطمة من أمير المؤمنين (عليهما السلام) و روي (1)أنها كان يوم السادس، و يستحب أن يصلى فيه صلاة فاطمة (عليها السلام) و روي (2)أنها أربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام)، و يستفاد منه أن كون صلاة الأمير (عليه السلام) أربعا مفروغ منه، و أن الظاهر عنده كون صلاة فاطمة (عليها السلام) ركعتين، لنسبته الأربع إلى الرواية، و الأمر سهل، و لا ينافي ما ذكرناه من استحباب الصلاة المزبورة في هذا اليوم ما عن البحار من أنه قد ورد في بعض الأخبار صلاة ركعتين في هذا اليوم قبل الزوال بنصف ساعة بكيفية صلاة الغدير كما هو واضح.

[في كيفية صلاة جعفر الطيار (عليه السلام)]

و أما كيفية صلاة جعفر الطيار (عليه السلام) التي قد تظافرت الأخبار


1- 1 البحار- ج 10 ص 27 و 29 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 7.

ج 12، ص: 199

باستحبابها المجمع عليه كما عن المنتهى و ظاهر المعتبر، بل عن غيرهما أنه من المتفق عليه بين علماء الإسلام إلا نادرا، و عن آخر أنها مشهورة بين الخاصة و العامة، و بلغت الأخبار بها التواتر، و الأئمة صلوات الله عليهم كانوا يصلونها، و لعل المراد بالنادر أحمد، فإنه قد حكي عنه عدم استحبابها، و لا ريب في شذوذه و بطلانه، كما أنه لا ريب في شذوذ ما يحكى عن بعض مبغضي العامة من أن الخطاب بهذه الصلاة و تعلمها وقع للعباس عن النبي

(صلى الله عليه و آله)، بل في الذكرى أنه رواه الترمذي أيضا، إذ من الواضح أن رواية أهل البيت (عليهم السلام) أوثق، لأن صاحب الدار أدرى بالذي فيها، على أنه من الممكن خطاب النبي (صلى الله عليه و آله) لهما معا بها في وقتين.

و كيف كان فتسمى هذه الصلاة بصلاة الحبوة و بصلاة التسبيح، و وجه الثاني واضح، و أما الأول فلما في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لجعفر عليه السلام: ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك؟

فقال له جعفر: بلى يا رسول الله، قال: فظن الناس أنه يعطيه ذهبا أو فضة فتشرف الناس لذلك، فقال له: إني أعطيك شيئا إن أنت صنعته كل يوم كان خيرا لك من الدنيا و ما فيها، فان صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما، أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما»

و خبر الثمالي (2)عن الباقر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لجعفر بن أبي طالب عليه السلام: يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف و كان عليك مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا غفرت لك؟ قال: بلى يا رسول الله»

و في خبر أبي البلاد(3)«قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): أي شي ء لمن صلى صلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 2 و في الوسائل إبراهيم بن أبي البلاد.

ج 12، ص: 200

جعفر عليه السلام؟ قال: لو كان عليه مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا لغفرها الله له، قال:

قلت: هذه لنا قال: فلمن هي إلا لكم خاصة»

و قال إسحاق بن عمار(1)أيضا للصادق عليه السلام: «من صلى صلاة جعفر عليه السلام هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لجعفر؟ قال: إي و الله»

و الظاهر أنه (صلى الله عليه و آله) حباه إياها يوم قدومه عليه من سفره كما يفهم من

خبر بسطام (2)و قد بشر في ذلك اليوم بفتح خيبر فقال (صلى الله عليه و آله): «و الله ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر عليه السلام أو بفتح خيبر، فلم يلبث أن جاء جعفر قال: فوثب رسول الله (صلى الله عليه و آله) فالتزمه و قبل ما بين عينيه، ثم قال: له: ألا أمنحك»

إلى آخره.

و كيف كان فهي أربع ركعات بلا خلاف نصا و فتوى، فمن اقتصر على الثنتين منها لم يأت

بالوظيفة، بل هو مشرع في الدين إن قصد ذلك من أول الأمر من غير فرق في ذلك بين القول بأن الأربع بتسليمة واحدة كما يحكى عن ظاهر المقنع حيث قال: و روي أنها بتسليمتين و بين القول بأنها بتسليمتين كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل عن مصابيح الأستاذ الأكبر أنه كاد يكون إجماعا، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عمن سمعت، مع أنا لم نتحققه، بل أنكر غير واحد العبارة المزبورة فيه، نعم لم يذكر التسليم ككثير من النصوص المتضمنة للكيفية، و لعله لمعلومية تثنية النوافل كترك القنوت و التشهد، أو لأن المقصد الأهم في كيفيتها بيان مواضع التسبيح أو غير ذلك، على أنه محجوج ب خبر الثمالي (3)أو صحيحه المعتضد بالفتاوى، إذ من المعلوم أنه لا ملازمة بين اشتمالها على التسليمتين و بين جواز الاقتصار


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 5.

ج 12، ص: 201

على الثنتين، بل ربما يظهر من

صحيح ابن الريان (1)الذي أفتى بمضمونه الشهيدان أنه لا ينبغي الفصل بين أداء الأربع بزمان و نحوه اختيارا، قال: «كتبت إلى الماضي الأخير عليه السلام أسأله عن رجل صلى صلاة جعفر ركعتين ثم تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة أو يقطع ذلك بحادث يحدث أ يجوز له أن يتمها إذا فرغ من حاجته و إن قام عن مجلسه أم لا يحتسب بذلك إلا أن يستأنف الصلاة، و يصلي الأربع ركعات كلها في مقام واحد؟ فكتب بلى إن قطعه عن ذلك أمر لا بد

منه له فليقطع ثم ليرجع فليبن على ما بقي منها إن شاء الله»

بل هو ظاهر في معاملتها معاملة الفريضة الرباعية التي هي بتسليمة واحدة، قال في مصابيح الظلام فيما حكي عنه: «يأتي بالأخيرتين بعد زوال العذر بلا فصل احتياطا، كما أن الفصل بين الأربع لا يفصل من غير عذر احتياطا للخبر المزبور» إلى آخره، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الجزم به لا يخلو من نظر، خصوصا بعد ما ورد من قصر الكيفية للمستعجل التي قد يدعى أولويتها من الكمية،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبان (2): «من كان مستعجلا يصلي صلاة جعفر (عليه السلام) مجردة ثم يقضي التسبيح و هو ذاهب في حوائجه»

و قال في

خبر أبي بصير(3)أيضا: «إذا كنت مستعجلا فصل صلاة جعفر مجردة ثم اقض التسبيح»

و لا بأس به بعد ورود الدليل به و فتوى مثل الشهيدين به في الدروس و الذكرى و النقلية و الروض و غيرها، كما أنه لا بأس بصلاتها في المحمل في السفر كما نص عليه في الذكرى و غيرها، و قد

كتب علي بن سليمان (4)في الصحيح إلى الرجل (عليه السلام) يسأله «ما تقول في صلاة التسبح في المحمل؟ فكتب إذا كنت مسافرا فصل»

بل لا يبعد أنها على


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 4.

ج 12، ص: 202

طريقة سائر النوافل، فيجري حينئذ فيها ما يجري فيها، لكن عن مصابيح الأستاذ الأكبر أن الأولى و الأحوط العمل بالصحيحة، و بما يظهر من الشهيد من الاقتصار على المحمل للمسافر.

و كيف كان فكيفيتها أن يقرأ في الأولى الحمد مرة اتفاقا و نصوصا و إذا زلزلت مرة و في الثانية العاديات و في الثالثة إذا جاء و في الرابعة قل هو الله أحد وفاقا للمشهور بين الأصحاب و تحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما في الفقيه من قوله بعد أن ذكر ما سمعت: «و إن شئت صليت كلها بالحمد و الإخلاص» بل عن مقنعه أنه يقرأ بعد الحمد الإخلاص في الجميع، و جعل المشهور رواية، بل عنه في الهداية «أنه يقرأ في الأولى العاديات، و في الثانية الزلزلة، و في الثالثة النصر، و في الرابعة التوحيد» قيل: و هو المنقول عن رسالة أبيه، بل و الموجود في فقه الرضا (عليه السلام)(1)و سوى ما عن صاحب الشافية من اختياره ما في

خبر أبي البلاد(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «قلت له: أي شي ء أقرأ فيها؟ و قلت: أعترض القرآن قال:

لا، اقرأ فيها إذا زلزلت و إذا جاء نصر الله و إنا أنزلناه و قل هو الله أحد»

و ما عن مجمع البرهان من التخيير، و ما عن الحسن بن عيسى من قراءة الزلزلة في الأولى،

و النصر في الثانية، و العاديات في الثالثة، و التوحيد في الرابعة، و لا دليل على رخصة الفقيه بالخصوص فضلا عما سمعته عن مقنعه سوى ما في الروض و المسالك من أنه

في بعض الأخبار(3)«إن شئت صليت كلها بالحمد و قل هو الله أحد»

و لم نعثر عليه مسندا، و التمسك لها أي الرخصة المذكورة بإطلاق الأمر بالقراءة في بعض النصوص و بسورة


1- 1 المستدرك- الباب- 2- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 2 لكن رواه عن ابن أبي البلاد.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.

ج 12، ص: 203

في آخر مع أنه لا ينبغي الاختصاص بالتوحيد ينافيه النهي في خبر أبي ولاد المزبور عن اعتراض القرآن فيها الذي هو بمعنى الوقوع فيه و اختيار ما يشاء من السور،

و ما في رواية ابن المغيرة(1)من أن الصادق (عليه السلام) قال: «اقرأ في صلاة جعفر عليه السلام بقل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون»

و نحوه صحيح بسطام (2)عنه (عليه السلام) أيضا مع أنا لم نجد من أفتى بمضمونهما لا اختصاص فيهما بالتوحيد، و كذا لا دليل لما سمعته عن الحسن بن عيسى بالخصوص، بل و لا ما في الهداية سوى ما سمعته عن فقه الرضا (عليه السلام) و أنه في رسالة علي بن بابويه التي هي مضامين النصوص، و صاحب الشافية و إن اختار ما في خبر أبي ولاد لكنه أعرض عن خبر

المفضل (3)و خبر إبراهيم بن عبد الحميد(4)عن أبي الحسن (عليه السلام) المعتضدين بما عرفت من الشهرة، و نسبة الصدوق له في المقنع إلى الرواية، بل ظاهره في الفقيه أن الفضل فيه و إن رخص بالتوحيد، بل لو لا ما فيه من الإتيان بليلة القدر لأمكن إرجاعه إلى خبر المفضل، ضرورة أنه بالواو التي هي لمطلق الجمع، و من ذلك يعرف ما في التخيير الذي اختاره المقدس الأردبيلي و إن كان هو أقرب من غيره، بل كان ينبغي له ذكر ما في خبر ابن المغيرة و الصحيح المزبور فردا آخر للتخيير، و لا ريب أن الأولى على كل حال ما عليه المشهور و إن كان يقوى الجواز بجميع ذلك بل و بغيره، للإطلاق مع حمل النهي المزبور على إرادة الإرشاد للأفضلية لا لعدم أصل الجواز، و الله أعلم.

ثم يقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر خمس عشرة مرة بلا خلاف أجده في هذا العدد، بل و في غيره مما تسمعه من الأعداد عدا ما ستعرفه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 3.

ج 12، ص: 204

نصا و فتوى، بل و لا في ترتيب الذكر نصا و فتوى أيضا سوى ما عن الفقيه من التخيير بينه و بين تقديم التكبير جمعا بين النصوص (1)المتضمنة للأول و بين خبر الثمالي (2)المشتمل على تقديم التكبير، و لا ريب أن الأول أحوط و أولى، خصوصا بعد

معروفية هذا الترتيب في الفريضة و في قصر المجبورات، بل ورد أنه المراد بالصالحات الباقيات، و كذا لا أجد خلافا بين الأصحاب فيما يستفاد من لفظ «ثم» في المتن و غيره من تقديم القراءة على الذكر في سائر الركعات للنصوص (3)أيضا عدا ما يحكى عن الفقيه أيضا و الأردبيلي من جواز تقديمه عليها جمعا أيضا بين تلك النصوص و بين صحيح الثمالي المزبور أو خبره، و لا ريب أن الأول أحوط و أولى.

ثم يركع و يقولها عشرا بلا خلاف أيضا نصا و فتوى، لكن هل تكون عوض الذكر أو هي بعده؟ الأحوط الثاني، بل قد يومي اليه عدم التصريح بالعوضية في نصوص المسألة، بل قد يومي اليه زيادة على ذلك ما دل (4)على قضاء الذكر بعد الصلاة للمستعجل، إذ من المستبعد بل الممتنع تجرد الركوع هناك عن الذكر، مع أن ظاهر هذين الخبرين تأخر التسبيح خاصة للاستعجال من دون مخالفة أخرى للكيفية، و معارضة ذلك باشتماله على ذكر العدد خاصة من غير تعرض لذكر الركوع مع قابلية هذا الذكر للبدلية يدفعها احتمال الاتكال على المعلومية، كما يرشد اليه الاقتصار على العدد فيما هو من المعلوم عدم سقوطه به كالتشهد و الاستغفار بين السجدتين و التكبير للركوع و السجود و الرفع منهما و التسميع و نحو ذلك، و احتمال الالتزام بسقوط ما عدا الأول أيضا مع أن الأول كاف في الإرشاد المزبور واضح المنع.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة جعفر ع.

ج 12، ص: 205

و هكذا يقولها عشرا بعد رفع رأسه من الركوع و في سجوده و بعد رفعه و في سجوده ثانيا و بعد الرفع منه، فيكون في كل ركعة خمس و سبعون مرة و ثلاثمائة في الأربع ركعات، و مجموع الكلمات ألف و مائتا تكبيرة و تهليلة و تسبيحة و تحميدة كما نص على ذلك كله في

خبر أبي بصير(1)و غيره، بل لا خلاف أجده في الفتاوى أيضا إلا ما يحكى عن ابن أبي عقيل من أنها خمس و ستون في كل ركعة، لأنه قال: «ثم يرفع رأسه من السجود و ينهض قائما و يقول ذلك عشرا ثم يقرأ»

و هو- مع أنه لا صراحة فيه بذلك، لاحتمال عدم إسقاطه العدد بعد القراءة أيضا، كما يومي اليه ما يحكى عنه من أنه وافق على إيقاع التسبيح بعد القراءة، و إلا فمقتضاه حينئذ سبعون لا خمس و ستون- لا دليل عليه، بل صريح الأدلة خلافه، كما أن صريح بعضها و ظاهر آخر إيقاع العشرة بعد الرفع من السجدة الثانية و هو قاعد، فما عساه يظهر منه من قوله ذلك بعد النهوض لا دليل عليه أيضا، بل الدليل على خلافه، و لعله يسقط الذكر بعد الرفع بجعل ما ذكره بعد النهوض ما يفعل بعد القراءة، إلا أنه قدمه عليها لصحيح الثمالي أو خبره لا أنه الوظيفة بعد الرفع، و إن كان ينافيه ما سمعته من المحكي عنه آنفا لكن لا ريب في ضعفه على كل حال، ثم إنه من المعلوم وقوع التسبيح قبل التشهد في الثانية و الرابعة كما صرح به صحيح الثمالي، كما أنه

من المعلوم أن للأربع ركعات قنوتين على حسب غيرها من النوافل، و أنهما بعد التسبيح قبل الركوع، و عن بعضهم نفي الخلاف فيه، لكن يقال: إنه بعد الركوع في خبر(2)مروي في احتجاج الطبرسي، و لم يحضرني الكتاب المزبور، إلا أن العمل على خلافه.

فاتضح من جميع ما ذكرنا تمام الكلام في كيفيتها و أنه يقرأ في الركعة الأولى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.

ج 12، ص: 206

بعد الحمد إذا زلزلت، و في الثانية منها الحمد و العاديات، و في الثالثة الحمد و إذا جاء نصر الله و الفتح، و في الرابعة الحمد و قل هو الله أحد و لا وقت موظف لهذه الصلاة بحيث لا يجوز في غيره للنصوص و الفتاوى، نعم قال في القواعد: «إن أفضل أوقاتها الجمع» و لعله

للتوقيع (1)من الناحية المقدسة في جواب سؤال الحميري في صلاة جعفر عليه السلام «أي أوقاتها أفضل؟ فوقع (عليه السلام) أفضل أوقاتها صدر النهار يوم الجمعة»

بل لا يبعد شدة تأكدها في كل وقت شريف كشهر رمضان و ليالي القدر منه و غير ذلك لما عرفت.

و في

المروي (2)عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) «انه كان يصلي في آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر عليه السلام إلى أن قال: و يحتسبها في صلاة الليل»

و لا بأس بالاحتساب المزبور بعد فتوى غير واحد من الأصحاب به، بل ربما ادعى بعضهم الشهرة عليه، بل في المصابيح نسبته إلى عامة المتأخرين بعد أن حكاه فيها عن الصدوق و ابني حمزة و سعيد و العلامة و الشهيد، و بعد تظافر النصوص به، منها ما سمعت، و منها

خبر أبي بصير(3)عن الصادق (عليه السلام) «صل صلاة جعفر أي وقت شئت من ليل أو نهار، و إن شئت حسبتها من نوافل الليل، و إن شئت حسبتها من نوافل النهار حسب لك من نوافلك و تحسب لك في صلاة جعفر»

و منها

صحيح ذريح (4)عنه عليه السلام أيضا «إن شئت صل صلاة التسبيح بالليل، و إن شئت بالنهار، و إن شئت في السفر، و إن شئت جعلتها من نوافلك، و إن شئت جعلتها من قضاء صلاة»

و منها

خبره الآخر(5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة جعفر أحتسب بها من نافلتي


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 24.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 2.

ج 12، ص: 207

فقال: ما شئت من ليل أو نهار»

فما عن ابن الجنيد بعد أن ذكر جواز جعلها من قضاء النوافل قال: «لا أحب الاحتساب بها من شي ء من التطوع الموظف عليه» و ما عن ابن أبي عقيل من أنه لا بأس بصلاتها في الليل إلا أنه لا يحسبه من ورده فيه ضعيف جدا، و إن كان قد يشهد لهما

خبر بسطام (1)المروي عن أربعين الشهيد بسند فيه ضعف عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في صلاة جعفر عليه السلام: «و لا تصلها من صلاتك التي كنت تصلي قبل ذلك»

لكنه كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت، خصوصا بعد ما قيل من اضطراب متنه أيضا كسنده، لما يحكى عن بعض النسخ «و صلها من صلاتك» فلا يصلح قطعا لمعارضة ذلك الصحيح المؤيد بغيره و عمل الأكثر، بل قيل:

و ما ثبت من احتسابها من نوافل شهر رمضان كما صرح به الأصحاب، و ورد به النقل (2)عن الأئمة (عليهم السلام).

نعم لو قلنا باتحاد التسليم فيها كما هو ظاهر الصدوق أمكن حينئذ المنع، لمكان الاختلاف، أما على المختار فلا جهة لمنع الاحتساب المزبور، بل هو في الحقيقة اجتهاد في مقابلة النص الحاكم على أصالة عدم هذا الاحتساب، لأنه من التداخل، و ما أبعد ما بينه و بين ما عن الشهيد في البيان من جواز

احتسابها من الفرائض، و ربما مال إليه في الذكرى و الروض بعد أن حكياه عن ظاهر بعض الأصحاب حيث عللاه بأنه ليس فيه تغيير فاحش، بل حكاه في فوائد الشرائع عن الذكرى ساكتا عليه، بل يشهد له مضافا إلى التعليل المزبور صحيح ذريح السابق، لكن لأصالة عدم التداخل خصوصا الواجب و الندب، و عدم إجزاء النفل عن الفرض، و وضوح قصور التعليل المذكور- إذ مع تسليم أنه لا تغيير فاحش باعتبار أن الزائد أذكار لا يقدح في الصلاة، لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 1.

ج 12، ص: 208

متى جي ء بها بقصد صلاة جعفر لم يصح قصد الفريضة معها، و احتمال صحيح ذريح قضاء النوافل أو ظهوره في ذلك، و إلا لذكر الأداء من الفرض، و عدم معهودية ذلك من فعلهم (عليهم السلام) بل المعهود منه غيره، و عدم الفتوى به ممن عدا ما عرفت- لم يجتر على مخالفة هذا الأصل العظيم بذلك، بل قد يومي الاقتصار في الاحتساب بالنوافل إلى عدمه زيادة على ذلك، و إلا كانت الفرائض أولى بالذكر، اللهم إلا أن يقال بإرادة احتسابها في الفرائض بمعنى أن المكلف ينوي الفريضة خاصة من غير ضم نية نفل معها إلا أنه يختار هذه الكيفية في أدائها التي لا تنافي الفرض، لأنها أذكار، فيعطى حينئذ فضلا من الله ثواب صلاة جعفر، فلا مخالفة فيه حينئذ للأصل، إذ ليس من التداخل على هذا التقدير، بل لعل كل الاحتساب من هذا القبيل، لكن فيه أن ظاهر أدلة الاحتساب قصد أنها صلاة جعفر و النافلة الموظفة مثلا لا أنه قهري، على أن دعوى أن تلك الكيفية لا تنافي الفرض محل منع، ضرورة أنها هيئة أخرى و إن كان الزائد أذكارا، كيف و قد جاء بهذه الأذكار بقصد التوظيف في هذه الأحوال لا بعنوان رجحان الذكر المطلق، بل لا يبعد دعوى عدم الاجتزاء بهذه الكيفية و إن لم يقصد الخصوصية بهذه الأذكار، إذ لا أقل من الشك في براءة الذمة بها باعتبار عدم العهدية في مثل هذا الفصل و التراخي في أفعالها، و شيوع عدم منافاة الذكر للصلاة يراد منه ما لم يستلزم تغيير الهيئة مثل هذا التغيير، كقولهم بعدم منافاة القرآن لها، مع أن من الواضح أنه لو قرأ سورة البقرة أو هي مع غيرها بين السجدتين أو قبل الهوي للسجود أو نحو ذلك لم تصح صلاته، لتغيير الهيئة المعهودة، و لعله حينئذ لا ينافيه قولهم:

لا يبطل الصلاة القرآن و الدعاء، إذ قد عرفت أنه ليس البطلان لذلك، بل إنما هو لما فاته من طول الفصل و نحوه مما هو مغير للهيئة، و كيف كان فلا ريب في أن الأحوط

ج 12، ص: 209

و الأولى عدم احتسابها في الفرائض، هذا.

و لو سها عن التسبيح أو عن بعضه في بعض الأحوال قضاه في الحالة التي ذكره فيها،

للتوقيع (1)عن الناحية المقدسة في جواب سؤال محمد بن عبد الله بن جعفر «عن صلاة جعفر (عليه السلام) إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود و ذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في صلاته؟ فوقع (عليه السلام) إذا سها في حالة عن ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره»

و حكي العمل به عن ظاهر جماعة و صريح مجمع البرهان و مصابيح الظلام و الحدائق، و لا بأس به و إن كان الأحوط له قضاؤه بعد الفراغ مع ذلك، و أحوط منه استئنافها جديدا، و الله أعلم.

و يستحب أن يدعو في آخر سجدة من هذه الصلاة بعد التسبيح بالدعاء المخصوص بها المروي في

مرفوع السراد(2)«يا من لبس العز و الوقار، يا من تعطف بالمجد و تكرم به، يا من لا ينبغي التسبيح إلا له، يا من أحصى كل شي ء علمه، يا ذا النعمة و الطول، يا ذا المن و الفضل، يا ذا القدرة و الكرم أسألك بمعاقد العز من عرشك، و بمنتهى الرحمة من كتابك، و باسمك الأعظم الأعلى و كلماتك التامات أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا»

أو المروي في

خبر أبي سعيد المدائني (3)«سبحان من لبس العز و الوقار، سبحان من تعطف بالمجد و تكرم به، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان من أحصى كل شي ء علمه، سبحان ذي المن و النعم، سبحان ذي القدرة و الكرم، اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 2 لكن روى عن ابن بسطام.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة جعفر ع- الحديث 1.

ج 12، ص: 210

و منتهى الرحمة من كتابك، و اسمك الأعظم، و كلماتك التامة التي تمت صدقا و عدلا صل على محمد و أهل بيته، و افعل بي كذا و كذا»

و الأحوط له جمعهما معا، و لعل من لا يستحضر الألفاظ يستحب له ذكر المعاني و ما يقاربها و لو بألفاظ أخر، و كذا يستحب أن يدعو بعد الفراغ منها بالمنقول كما في الذكرى.

و قد ظهر لك مما سمعته من النصوص فضلا عما لم تسمعه مقدار فضيلة هذه الصلاة و شدة الاهتمام بها، و ربما كان فعلها أشد فضلا مما روي عنهم (عليهم السلام) من الصلوات و إن نسبت إليهم كصلاة علي و فاطمة (عليهما السلام)، بل و

ما يحكى من صلاة النبي (صلى الله عليه و آله)(1)«انها ركعتان يقرأ في كل ركعتين الحمد و إنا أنزلناه خمس عشرة مرة، فإذا ركع قرأها كذلك، فإذا انتصب قرأها كذلك، فإذا سجد

قرأها كذلك، فإذا رفع رأسه من السجود قرأها كذلك، ثم يقوم و يصلي ركعة أخرى كذلك»

قيل: فإذا سلم دعا بالمنقول في المصباح فينصرف و ليس بينه و بين الله عز و جل ذنب إلا غفر له، و فعلها (صلى الله عليه و آله) يوم الجمعة، و إن كان الأولى له فعل الجميع قطعا، و مع التعارض لا ريب في أولوية اختيار صلاة جعفر (عليه السلام)، إذ لا أقل أنها قطعية بخلاف غيرها مما نقل بأخبار الآحاد كالصلوات السابقة و كصلاة الحسين (عليه السلام)، قال في الذكرى: «تصلي يوم الجمعة أيضا أربع ركعات يقرأ في الأولى بعد التوجه الحمد خمسين مرة و كذا الإخلاص، فإذا ركع قرأ الحمد عشرا و كذا الإخلاص، و كذا في الأحوال، ففي كل ركعة مائتي مرة ثم يدعو بالمنقول» و غيرها من الصلوات المنقولة في يوم الجمعة و غيره و بين العشاءين من كل يوم و غيره المروية في المصباح و غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.

ج 12، ص: 211

[في استحباب ركعتي الغفيلة بين العشاءين]

بل تعرض لبعضها جماعة من الأصحاب منهم العلامة في القواعد، قال:

«يستحب

بين المغرب و العشاء صلاة ركعتين يقرأ في الأولى الحمد و قوله تعالى: «وَ ذَا النُّونِ» إلى آخر الآية(1)و الثانية الحمد و قوله

تعالى «وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها» إلى آخر الآية(2)ثم يرفع يديه فيقول: اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا، اللهم أنت ولي نعمتي، و القادر على طلبتي، تعلم حاجتي، فأسألك بحق محمد و آل محمد لما قضيتها لي و يسأل حاجته فإنه يعطيه ما سأل» و قد رواها الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم (3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «من صلى بين العشاءين ركعتين»

و ذكر الكيفية المزبورة، بل

و كذا عن فلاح ابن طاوس (4)مع زيادة، «فإن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: لا تتركوا ركعتي الغفيلة، و هما ما بين العشاءين»

و ظاهر ذكر الكيفية في النص و الفتوى بل ربما كان صريح البعض أنها غير ركعتي الرواتب، و إن حكي احتماله عن بعضهم، و أن المراد بين صلاة المغرب و العشاء إذا صليتا في وقت فضيلتهما لا وقتها كما حكي عن بعضهم أيضا، بل الظاهر أن هذين الركعتين غير الركعتين اللتين ذكرهما في القواعد أيضا، و رواهما

الشيخ في المصباح أيضا(5)عن الصادق (عليه السلام) قال:

«أوصيكم بصلاة ركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد مرة و الزلزلة ثلاث عشرة مرة، و

في الثانية الحمد مرة و التوحيد خمس عشرة مرة»

و إن كان الظاهر أن هذين ليسا من الأربع أيضا، فما عن بعضهم من الميل إلى أنهما من الأربع أيضا محل للنظر، إذ


1- 1 سورة الأنبياء- الآية 87.
2- 2 سورة الأنعام- الآية 59.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 15- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.

ج 12، ص: 212

الأصل تعدد الفعل بتعدد الأمر و إن كانا معا مطلقين.

أما إذا كان أحدهما مطلقا و الآخر مقيدا تقييدا يحتمل اندراجه في ذلك المطلق فقد يقال بعدم الحكم بالاتحاد أيضا، للأصل بمعنى الظاهر من اللفظ و عدم التنافي، لعدم إحراز الاتحاد، بل لعله كذلك أيضا مع إحرازه أيضا، لإمكان حمل الأمر بالمقيد على زيادة الفضيلة التي لا تنافي الفضل المستفاد من أمر المطلق، فلا تنافي حينئذ بخلاف الأمر الوجوبي، فإنه لا ريب في حصول التنافي مع فرض اتحاد المأمور به، كما هو واضح، و من ذلك يعلم أنه لا ينبغي التأمل في التعدد إذا كان المقيد على وجه يظهر منه عدم الاندراج في ذلك المطلق أو تقطع، و لعل ما نحن فيه من هذا القبيل، ضرورة عدم اندراج الركعتين الذين أمر فيهما بقراءة الحمد و تلك الآيات المزبورة في الركعتين المأمور بهما بقراءة الحمد فيهما و سورة كالرواتب و ركعتي الوصية المذكورة آنفا، و الحمل على التخيير في الكيفية لا دليل عليه، بل ظاهر الدليل خلافه، كما أن ظاهر دليل الوصية المشتمل على تلك الكيفية عدم اندراجه في مطلق الأمر بالركعات المحمول على الرواتب، و كون منشأ فعلها إنها ساعة الغفلة لا يقتضي الاتحاد، كل ذلك مع التسامح في دليل المستحب، فلا ريب أن التعدد حينئذ أحوط و أولى، و قد تقدم لنا بعض البحث في ذلك في أول كتاب الصلاة.

[في استحباب صلاة الكاملة يوم الجمعة]

و يستحب أيضا يوم الجمعة الصلاة الكاملة، و هي على ما رواه

الشيخ في المصباح (1)مسندة إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من صلى أربع ركعات يوم الجمعة قبل الصلاة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب عشرا و المعوذتين و الإخلاص و الجحد و آية الكرسي عشرا عشرا.»

قال في المصباح:

و في رواية(2)أخرى «إنا أنزلناه عشرا و شهد الله عشر مرات


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 12، ص: 213

فإذا فرغ من الصلاة استغفر الله مائة مرة، ثم يقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة، و يصلي على النبي صلى الله عليه و آله مائة مرة، قال: من صلى هذه الصلاة و قال هذا القول رفع الله عنه شر أهل السماء و الأرض»

إلى غير ذلك من الصلوات الكثيرة المذكورة في المصابيح و غيرها من كتب الأصحاب شكر الله سعيهم و أجزل ثوابهم و جزاهم الله خيرا.

[الثانية صلاة ليلة الفطر]

الثانية صلاة ليلة الفطر مما يختص وقتا معينا صلاة ليلة الفطر و هي على ما رواه السياري (1)مرفوعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة و ألف مرة قل هو الله أحد، و في الثانية الحمد مرة و قل هو الله أحد مرة

قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من صلى ليلة الفطر ركعتين يقرأ في أول ركعة منهما الحمد مرة و قل هو الله أحد ألف مرة، و في الركعة الثانية الحمد مرة و قل هو الله أحد مرة واحدة لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه» بل عن مسار الشيعة للمفيد أن في الرواية «لم ينفتل و بينه و بين الله عز و جل ذنب إلا غفر له»

قلت: و خصوصا إذا سأل من الله ذلك.

و كيف كان فلا خلاف أجده بين الأصحاب في هذه الصلاة و لا في كيفيتها، قال في الذكرى: إن السياري و إن كان معدودا في الضعفاء إلا أن الأصحاب تلقوها بالقبول، لكن عن البيان أنه يقرأ في الأولى الحمد مرة و مائة مرة التوحيد، و في الثانية الحمد مرة و التوحيد مرة، و لعله أراد غير هذين الركعتين.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى عدم اختصاص هذه الصلاة بوقت خاص من ليلة الفطر، لكن عن

الكفعمي أنه ذكر استحباب صلاة ركعتين بين العشاءين صفتهما ما سمعته عن البيان، قال: و روي قراءة التوحيد في الركعة الأولى ألفا و قد يتوهم منه إرادة هذين الركعتين إلا أنه يمكن حمله على إرادة غيرهما، خصوصا بعد قوله:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.

ج 12، ص: 214

«و روي» مما يشعر بتمريضه في الجملة، مع أنك عرفت أنها الرواية المعمول عليها بين الأصحاب، فيعلم حينئذ إرادة غير هذين الركعتين، مضافا إلى أن الشيخ نص في المصباح على أن ذات الألف بعد الفراغ من جميع صلواته.

[الثالثة صلاة يوم الغدير]

و منها صلاة يوم الغدير و هو الثامن عشر من ذي الحجة قبل الزوال بنصف ساعة لكن الموجود في

خبر العبدي (1)عن الصادق (عليه السلام) «إن من صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عز و جل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة و عشر مرات قل هو الله أحد و عشر مرات آية الكرسي و عشر مرات إنا أنزلناه عدلت عند الله عز و جل مائة ألف حجة و مائة ألف عمرة، و ما سأل الله عز و جل حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة، و إن فاتتك الركعتان و الدعاء قضيتها بعد ذلك»

و لعله قريب إلى ما ذكره المصنف و غيره من توقيت الصلاة بذلك، و إن كان الموجود فيه الاغتسال في الوقت المزبور لا الصلاة إلا أنه من المقدمات لها، فلعل مرادهم بالصلاة ما يشمل ذلك، أو أن المراد بالساعة في الفتاوى النجومية، و في النص التي وردت بها الأدعية في كل يوم و الرابعة فيها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، إذ لا ريب في أنه إذا اغتسل قبل الزوال بنصف هذه الساعة كانت صلاته المتعقبة لغسله قبل الزوال بنصف ساعة نجومية، و لعله اليه يرجع ما قيل من أنه يغتسل قبل النصف الذي هو للصلاة بنصف ساعة، بل و ما في المصباح من أنه يغتسل صدر النهار، إذ المراد بالصدر القريب من الرأس بالنسبة إلى الآخر كصدر الإنسان، و إلا فلا مأخذ لهما بالخصوص، على أن الأمر فيه سهل بناء على ما عن المنتهى من أن هذه الصلاة تستحب في هذا اليوم، و أشده تأكيدا قبل الزوال بنصف ساعة، و هو لا يخلو من قوة.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.

ج 12، ص: 215

و كيف كان فلا خلاف أجده في هذه الصلاة بين قدماء الأصحاب و متأخريهم كما عن بعضهم الاعتراف به عدا ما في الفقيه من أن شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (رضي الله عنه) كان لا يصحح هذا الخبر، و كان يقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني، و كان كذابا غير ثقة، و كلما لم يصححه ذلك الشيخ و لم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح، و أنت خبير بما فيه، خصوصا و الحكم استحبابي و خصوصا بعد المحكي عن المصنف في المعتبر من أنه روي في ذلك روايات، منها رواية داود بن كثير(1)و إن كنا نحن لم نعثر على رواية أخرى غير المذكورة في كيفية الصلاة المزبورة، إلا أنه هو أدرى أو يريد رواية أصل الصلاة لا هي مع الكيفية.

ثم إن مقتضى كون الواو لمطلق الجمع عدم الترتيب هنا و في غيره بين ما يقرأ بعد الحمد، فلا خلاف حينئذ في التقديم و التأخير في الفتاوي لو كان، لكن في السرائر بعد أن عبر بنحو ما في الخبر من تقديم آية الكرسي على القدر قال: و روي أن آية الكرسي تكون آخرا و قبلها إنا أنزلناه، و هو يعطي أنه قصد الترتيب بالواو، و عليه تكون المسألة خلافية لتقديم جماعة- كما قيل-: القدر على آية الكرسي، نعم الأولى بناء على ذلك المحافظة على ترتيب الخبر المزبور، كما أن الأولى قراءة آية الكرسي إلى قوله تعالى «هُمْ فِيها خالِدُونَ» لكن بقصد القربة المطلقة فيما بعد قوله تعالى «الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ» لما قيل: إن المقرر عند القراء و المفسرين من أن آية الكرسي إليها إلا إذا نص على الزيادة، بل قد يقال بأن له نية الخصوصية أيضا، لإمكان دعوى أن المتعارف فيها بين المتشرعة هذا الحد، و لعله لذا نص عليه في القواعد هنا، بل أرسل في المصباح(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 2 و فيه داود ابن كثير عن أبى هارون العبدي.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.

ج 12، ص: 216

عن الصادق (عليه السلام) في كيفية صلاة الرابع و العشرين من ذي الحجة ثم قال: و هذه الصلاة بعينها رويناها يوم الغدير، و هو ظاهر في أن المراد بآية الكرسي في يوم الغدير إلى «خالِدُونَ» لنصه عليها هنا، هذا.

و في المختلف عن التقي أن من وكيد السنن الاقتداء برسول الله (صلى الله عليه و آله) في يوم الغدير بالخروج إلى ظاهر المصر عند الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة لمن يتكامل له صفات إمامة الجماعة بركعتين، إلى أن قال: «و تقتدي به المؤتمون، و إذا سلم دعا بدعاء هذا اليوم و من صلى خلفه، و ليصعد المنبر قبل الصلاة فيخطب خطبة مقصورة على حمد الله تعالى و الثناء و الصلاة على محمد و آله، و التنبيه على عظم حرمة يومه و ما أوجب الله فيه من إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، و الحث على امتثال أوامر الله سبحانه و رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيه، و لا يبرح أحد من المؤمنين و الامام يخطب، فإذا انقضت الخطبة تصافحوا و تهانوا و تفرقوا» انتهى، متضمنا لجملة أحكام لم نقف لها على دليل معتبر، كاستحباب الجماعة فيها التي قد أشبعنا البحث فيها في ذلك الباب، و كالخروج إلى الصحراء فإنه لا دليل له سوى أن النبي (صلى الله عليه و آله) فعلها كذلك في ذلك اليوم، لكن لم يكن قد خرج بل نزل الوحي عليه في أثناء الطريق فأداه كما نزل في ذلك الوقت و على ذلك الحال، فلا تشمله حينئذ أدلة التأسي قطعا، بل هو كأفعاله العادية، و كاستحباب الخطبة فإنه لم نقف أيضا على رواية صريحة في ذلك سوى ما ستسمع، لكن لعلها لا بأس بها لأنها ذكر لله سبحانه و تمجيده و تحميده و ذكر لله و رسوله و آله و صلاة عليهم و موعظة و أمر بالمعروف و نهي عن المنكر و نحو ذلك، و الكل حسن مرغوب شرعا في كل وقت، و يوم الغدير أشرف الأيام، و الحسنات تتضاعف فيه، و قد خطب فيه النبي (صلى الله عليه و آله) مضافا إلى ما

في

ج 12، ص: 217

المصباح (1)مسندا عن الرضا (عليه السلام) من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صعد المنبر على خمس ساعات من نهار هذا اليوم فحمد الله و ذكر الخطبة- إلى أن قال-: ثم أخذ في خطبة الجمعة و جعل صلاة جمعته صلاة عيده،

و لم يرو له صلاة لليوم بعد الخطبة و قبلها و لعل الذي دعا التقي إلى جميع ما سمعت إجراء أحكام العيد على يوم الغدير و المحافظة على حفظ ما وقع فيه، و لذا و لتأكيد الاخوة و تثبيت المودة و التشبيه بالصحابة أمر فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذيل خطبته المزبورة بالتصافح و التهاني و نحوهما.

ثم إن الخبر المزبور قد صرح فيه بقضاء هذه الصلاة لو فاتت، و عن المنتهى التصريح به، كما أنك قد عرفت أن الشيخ أرسل عن الصادق (عليه السلام) صلاتها أيضا في اليوم الرابع و العشرين من ذي الحجة، و الله أعلم.

[الرابعة صلاة ليلة النصف من شعبان]

و منها صلاة ليلة النصف من شعبان و عن مجمع البرهان أنها مشهورة، بل في المصباح أنه رواها ثلاثون رجلا من الثقات، قال في القواعد: و هي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، و الإخلاص مائة مرة ثم يعقب و يعفر، و كأنه أخذ التسليمتين من الأصل و القاعدة في النوافل، و إلا فلم يذكر في النص بل و جملة من الفتاوى كما قيل، بل و لم يذكر فيه و لا فيها التعفير بل و لا التعقيب، نعم قال في المصباح متصلا بالخبر المزبور: فإذا فرغت فقل: «اللهم إني إليك فقير» إلى آخره، لكن الواقف على فضل هذه الليلة و ما ورد فيها يعلم أنه ينبغي أن يفعل كلما يتمكن منه من فعل الخير، و لا وقت خاص بها من هذه الليلة لا في النص بل و لا في الفتوى إلا ما يحكى عن المراسم من أن وقتها بعد العشاء الآخرة، و لعله أخذه مما ورد في غيرها من صلوات هذه الليلة، و من أن ذلك هو مبدأ التوجه إلى الأعمال المرادة في مثلها، لأنه أول وقت الفراغ من الفريضة و توابعها و مما يحتاجه لاستقامة بدنه من القوت


1- 1 مصباح المتهجد- ص 524.

ج 12، ص: 218

و نحوه، و الأمر في ذلك كله سهل، و قد ذكر في هذه الليلة صلوات فلتطلب من مظانها

[الخامسة صلاة ليلة نصف رجب و ليلة المبعث و يومه]

و منها صلاة ليلة نصف رجب و ليلة المبعث و يومه و هي على ما في القواعد اثنتا عشر ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد و يس، بل هو المحكي أيضا عن النهاية في يوم المبعث، و عن السرائر و بعض نسخ المصباح فيه و في ليلته، و عن أكثر النسخ الحمد و سورة في ليلة النصف و يوم المبعث، كما عن المعتبر و المنتهى في اليوم، و التذكرة في ليلة النصف، و عنها و التحرير و المعتبر و المنتهى في ليلة المبعث كل ركعة الحمد مرة و المعوذتين و التوحيد أربع مرات، بل كذلك عن الأول بالنسبة إلى يوم المبعث، و لا يبعد الاكتفاء بأي سورة، و لذا حكي عن النهاية و السرائر أنه إن لم يتمكن من قراءة يس قرأ ما تيسر، بل الموجود في المحكي في المصباح عن أبي القاسم الحسين ابن روح مما يعلم أنه أخذه من الامام (عليه السلام) ذلك أيضا من غير اشتراط عدم التمكن، كما أن الموجود في

خبر أبي الصلت (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) مطلق السورة أيضا، نعم قال: «فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا و قل هو الله أحد أربع مرات و المعوذتين أربعا، و قلت: لا إله إلا الله و الله أكبر و سبحان الله و الحمد لله و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم أربعا، الله ربي لا أشرك به شيئا أربعا، لا أشرك بربي أحدا أربعا»

إلا أن مورد الخبر المزبور يوم النصف و يوم المبعث، و تمام البحث في تفصيل هذه الصلوات و غيرها و ما يقال فيها و بعدها مذكور في كتب العبادات لأصحابنا شكر الله سعيهم و أجزل ثوابهم.

[خاتمة]
[في أفضلية القيام في النوافل على القعود]

خاتمة كل النوافل يجوز أن يصليها الإنسان قاعدا اختيارا على المشهور، بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و النهاية و البيان الإجماع عليه، بل لا أجد فيه خلافا إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 4 و هو خبر ريان بن الصلت.

ج 12، ص: 219

من الحلي، فمنعه إلا في الوتيرة و على الراحلة مدعيا خروجهما بالإجماع للأصل مع شذوذ الرواية المجوزة، و لا ريب في ضعفه بعد ما عرفت، و منه يعلم ما في النسبة إلى الشذوذ، و إن أراد رواية لا عملا فهو أغرب من الأول، إذ هي مع أنها معتبرة في أعلى درجات الاستفاضة إن لم تكن متواترة، مضافا إلى ما يشعر به جواز الجلوس في ركعات الاحتياط المعرضة للنافلة، فالنافلة أولى، و مضافا إلى التسامح، إذ هو كما يجري في الأصل يجري في الكيفية، لاندراجها عند التأمل في

قوله (عليه السلام)(1): «من بلغه ثواب على عمل»

و في غيره من أدلته، فلا ينبغي التوقف حينئذ في ذلك.

و لكن فعلها عدا الوتيرة قائما أفضل بلا خلاف أيضا، لظاهر النصوص و لأن أفضل الأعمال

أحمزها، أما الوتيرة فظاهر الأكثر و صريح الروض أن الجلوس فيها أفضل، لتضمن المعتبرة أنها ركعتان من جلوس يعدان بركعة من قيام، و لأنها شرعت لتكميل النوافل و صيرورتها ضعف الفرائض، و هو إنما يتأتى مع الجلوس فيها، إذ الظاهر تثنيتها على تقدير القيام فيها كما صرح به في الروض، و تسمعه في الصحيح الآتي، على أنه مضافا إلى ذلك مناف لنصوص الإحدى و خمسين، و دعوى احتسابهما واحدة كما صرح به المحقق و حكي عن غيره بعيدة، كما عن كشف اللثام لا دليل عليها إلا البدلية عن الجلوس المقتضية أنهما واحدة، و هو كما ترى أيضا، و ظاهر ذكري أول الشهيدين و صريح روضة ثانيهما أفضلية القيام فيها أيضا، بل حكي ذلك عن الفاضل و جماعة من المتأخرين، و لعله لإطلاق ما دل (2)على رجحان القيام في النافلة، و رجحان الأحمز من الأعمال، و لصريح الموثق (3)أن القيام أفضل، و ظاهر

الصحيح(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمة العبادات من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القيام من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القيام- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 9.

ج 12، ص: 220

«و ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليهما و هو قاعد، و أنا أصليهما و أنا قائم»

فإن مواظبته (عليه السلام) على القيام فيهما يدل على رجحانه، و لا ينافيه مواظبة أبيه (عليه السلام) على الجلوس بعد أن كان محتملا

أنه لمشقة القيام عليه (عليه السلام) لكثرة اللحم كما يظهر من بعض الروايات، ك

خبر سدير(1)قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أ تصلي النوافل و أنت قاعد؟ فقال: ما أصليها إلا و أنا قاعد منذ حملت هذا اللحم و بلغت هذا السن»

بل قيل: إنه يشهد للمطلوب أيضا

الصحيح الآخر(2)«كان أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بالتوحيد و الجحد، فان استيقظ في الليل صلى و أوتر، و إن لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعة و احتسب الركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا»

فان فيه إشعارا بأن الأولتين هما الوتيرة و أنه صلاهما قائما على أظهر معنييه، و هو كما ترى، لكن و مع ذلك كله فلا ريب في أن الأحوط اختيار الجلوس فيهما، للاتفاق على صحته فيهما، بخلاف ما لو صلى قائما فإنه قد يلوح من بعض عباراتهم تعيين الجلوس فيهما و عدم مشروعية غيره، حيث اقتصروا عليه في مقام البيان، و كذا في بعض الأخبار(3)و أما غيرها من النوافل فلا ريب نصا و فتوى في أن صلاتها قائما أفضل و أحوط.

[في استحباب تضعيف الركعات لو صلى النوافل قاعدا]

و كذا لا ريب في أنه إن جعل كل ركعتين من جلوس مفصولتين مكان ركعة من قيام كان أفضل من الصلاة جالسا ركعة ركعة قطعا، بل لا أجد فيه خلافا أيضا للنصوص، منها

خبر ابن مسلم (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القيام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب المواقيت- الحديث 15 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القيام- الحديث 3.

ج 12، ص: 221

عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا قال: يضعف ركعتين بركعة»

و صحيح الصيقل (1)قال: «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إذا صلى الرجل جالسا و هو يستطيع القيام فليضعف»

و خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن كتابه، قال: «سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام قال يصلي النافلة و هو جالس، و يحتسب كل ركعتين بركعة، و أما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة»

و لا ينافي ذلك النصوص (3)المتضمنة عدد الرواتب مثلا بعد إمكان حملها على إرادة العدد بصلاة القائم، بل هو الظاهر إن لم يكن المقطوع به، إذ احتمال إرادة تضاعف الأجر خاصة من هذه النصوص واضح الفساد، و إن كان ربما يشهد له

خبر أبي بصير(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: إنا نتحدث نقول: من صلى و هو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة، و سجدتين بسجدة، فقال: ليس هو هكذا هي تامة لكم»

لكن يمكن حمله كما في الذكرى و عن المبسوط على إرادة بيان أصل الجواز و غيره على الاستحباب أو على غير ذلك، كوضوح فساد احتمال إرادة الاحتساب المزبور من غير فصل بالتسليم للإطلاق، فتكون النافلة حينئذ من جلوس التي هي عوض عن ركعتي القيام أربع ركعات بتسليمة واحدة، ضرورة تنزيل الإطلاق المذكور على المعلوم من نصوص أخر(5)معتضدة بالفتاوى من تثنية النوافل عدا ما خرج بالدليل كصلاة الأعرابي(6).

و كيف كان فقد يساوي التضعيف المزبور في الفضل أو يفضل عليه، بل هو


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القيام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القيام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القيام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.
6- 6 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 12، ص: 222

كصلاة القائم تلفيق كل ركعة من القيام و القعود بمعنى أنه يقرأ القراءة مثلا و هو جالس فإذا أراد أن يختمها قام فركع، كما في

صحيح زرارة(1)«قلت لأبي جعفر عليه السلام:

الرجل يصلي و هو قاعد فيقرأ السورة، فإذا أراد أن يختمها قام فركع بآخرها قال:

صلاته صلاة القائم»

و في

صحيح حماد(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها و اركع فتلك يحتسب لك بصلاة القائم»

و في

خبره الآخر أو صحيحه (3)عن الصادق (عليه السلام) «فإذا بقي من السورة آيتان فقم فأتم ما بقي و اركع و اسجد فذلك صلاة القائم».

و لو اقتصر على ذلك في إحدى الركعتين لم يبعد جوازه مع نقصان ربع الأجر أو أزيد منه بيسير بناء على نقصان الملفقة عن الركعة التي يقام فيها قياما، نعم هو ربع لا غير لو صلى ركعة من قيام و أخرى من جلوس لو قلنا بجوازه كما هو الظاهر، لعدم الفرق في الجلوس في النافلة بين الجميع و البعض، بل هو ظاهر دليل الجواز، و قد يقال بالمنع لعدم التوظيف، و الأول أولى، لكن ليس له التضعيف للركعة الباقية في هذا و نحوه، لاقتضائه التسليم على الركعة الواحدة المنافي للتثنية في النوافل.

و لا يخفى أن الظاهر من هذه النصوص الجلوس حتى في تكبيرة الإحرام، و إنما يقوم في آخر السورة لكن في شرح المقدس البغدادي أن في تخصيص القراءة بالجلوس دلالة على أن التكبير للإحرام في القيام من حيث أن القيام هو الأصل الذي كان عليه في الاستعداد للصلاة، و ظاهره وقوع التكبير للإحرام فيه في إدراك فضل صلاة القائم و فيه بحث واضح.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره ممن اقتصر على الجلوس عدم جواز غيره من الاستلقاء و الاضطجاع و نحوهما اختيارا، بل هو صريح الشهيد و غيره، بل ظاهر الاقتصار في نقل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القيام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القيام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القيام- الحديث 2.

ج 12، ص: 223

الخلاف في ذلك من غير واحد على العلامة في النهاية فأجازه عدمه من غيره للأصل الذي لا يقطعه ما يستدل به للفاضل من أن الكيفية تابعة للأصل فلا يجب، و

النبوي (1)«من صلى نائما فله نصف أجر القاعد»

إذ الأول كما ترى، ضرورة أن المراد بالوجوب المعنى الشرطي كالطهارة، و أما الثاني فهو ليس من طريقنا، فلا يتمسك به لإثبات مثل هذا الحكم المخالف لأصالة التوقيف في العبادة، لكن قد يقال بجريان دليل التسامح في كيفية العبادة كأصلها، فيكفي حينئذ في إثباته فتوى مثل الفاضل المزبور و الخبر المذكور و إن لم يكن من طريقنا، و فحوى النصوص (2)الواردة في جواز فعلها حال الجلوس و المشي و على الراحلة و نحو ذلك مما يومي إلى أن المراد وجودها في الخارج على أي حال يكون، و خصوص

خبر أبي بصير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «صل في العشرين من شهر رمضان ثماني

بعد المغرب و اثنتي عشر ركعة بعد العتمة- إلى أن قال-: قلت: جعلت فداك فان لم أقو قائما؟ قال: فجالسا، قلت: فان لم أقو جالسا؟

قال: فصل و أنت مستلق على قفاك»

و من المعلوم إرادة الضعف في الجملة عن الأداء جالسا من نفي القوة كما يومي اليه تعليق فعلها جالسا على ذلك مما علم عدم اشتراطه به، فتأمل جيدا.

ثم إن إطلاق أكثر النصوص و الفتاوى يقتضي التخيير في الجلوس بين جميع كيفياته، بل في بعضها(4)نفي البأس عن التربع و مد الرجلين و أن ذلك واسع

و في آخر(5)«عن الصلاة في المحمل فقال: صل متربعا و ممدود الرجلين و كيف أمكنك»


1- 1 سنن أبى داود ج 1 ص 344 الطبعة الثانية عام 1369 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 15 و 16- من أبواب القبلة و الباب 4 من أبواب القيام من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نافلة شهر رمضان- الحديث 5 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القيام.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القيام- الحديث 5.

ج 12، ص: 224

نعم يكره الإقعاء و هو كما قيل: أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه كما يفعله العامة،

للصحيح (1)«إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك»

و كذا إقعاء الكلب، للنهي عنه ، و تمام الكلام في البحث فيه في غير المقام، لكن في مصابيح الطباطبائي «أنه يستحب للجالس مطلقا(2)

أن يتربع في جلوسه، فإذا ركع ثنى رجليه بلا خلاف للحسن (3)و هو أن ينصب فخذيه و ساقيه، كذا قالوا» إلى آخره، بل عن ظاهر المنتهى و غيره و صريح الخلاف الإجماع على استحباب التربيع قارئا، كما عن ظاهر المعتبر و غيره استحباب ثني الرجلين راكعا، و لا بأس به، ل

حسن حمران بن أعين(4)عن أحدهما (عليهما السلام) «كان أبي إذا صلى جالسا تربع، فإذا ركع ثنى رجليه»

و أما ما يشعر به بعض الأخبار من كراهة فعله مطلقا حتى

في بعضها(5)«كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يجلس جلسة القرفصاء و على ركبتيه و كان يثني رجلا واحدة و يبسط الأخرى عليها، و لم ير متربعا قط»

فلعل المراد بالتربيع فيه ما عن مجمع البيان أن يقعد على وركيه و يمد ركبته اليمني إلى جانب يمينه، و قدمه إلى جانب شماله، و اليسرى بالعكس، بل هو المحكي عن الجوهري و الزمخشري و فقه الثعالبي و غيرها كذلك، بل لعله هو الذي يشهد له

خبر أبي بصير(6)عن الصادق عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) «إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد، و لا يضع إحدى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القيام- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القيام- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 74- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب آداب المائدة- الحديث 2 من كتاب الأطعمة و الأشربة.

ج 12، ص: 225

رجليه على الأخرى، و لا يتربع، فإنها جلسة يبغضها الله و يبغض صاحبها»

فيكون التربيع الذي ذكرناه في الصلاة غير ذلك، بل هو ما سمعته من نصب الفخذين و الساقين جلسة العبد المتهيّئ للامتثال و القيام إذا دعا، و الظاهر عدم وضع الأليتين فيه على الأرض، و إلا كان من الإقعاء المنهي عنه في وجه، و لعله ظاهر من اقتصر في تفسيره على نصب الفخذين و الساقين، لكن الذي حكي عن غير واحد التصريح بوضع الأليتين على الأرض فيه، و له وجه، و لا بأس بتعدد معنى التربيع فتأمل، قال في القاموس: «تربع في جلوسه خلاف جثى و أقعى» و مقتضاه كما في الحدائق أنه على غير هذه الحالتين من هيئات الجلوس، هذا، و قد ذكر في الذكرى عن بعض الأصحاب أنه احتمل في كيفية ركوع القاعد وجهين متقاربين ذكرهما العامة، و تمام البحث فيهما و فيما يتعلق بالقاعد من الفروع بالنسبة إلى تمكنه من أقل الركوع و أكمله فقط، فهل يجب عليه أن يفاوت بينه و بين السجود بالانخفاض أو لا يجب؟ يذكر في بحث القيام في الصلاة، فلاحظ و تأمل، إذ مثله يأتي في المقام أيضا.

ثم إنه يستفاد من التأمل فيما ذكرنا أن معنى جواز الجلوس في النافلة استحباب هذه الكيفية من الصلاة أيضا و إن كان الصنف القيامي أفضل منه، لكن هو صنف مستقل برأسه راجح بالنسبة إلى تركه مرجوح بالنسبة إلى غيره، بل هو بالنسبة إلى أفراده مختلف المرتبة في الفضيلة أيضا كما عرفته سابقا، فمن نذر الصلاة جالسا حينئذ انعقد نذره كما في الذكرى و عن غيرها، و لعله لعموم الأمر بالوفاء به، و كون الصلاة جالسا مرجوحة بالنسبة إلى الصلاة قائما لا يقضي ببطلان النذر بعد أن كان هذا الفرد راجحا في نفسه أيضا و لو لعدم رجحان الخصوصية بنفسها بل هي من التوابع، إذ لا يشترط في صحة النذر رجحانه مطلقا، و إلا لاقتضى عدم انعقاده في المسجد مثلا إذا كان غيره أشرف منه، و كذا لا يقضي بانعقاد المطلق دون المقيد،

ج 12، ص: 226

إذ هو تفكيك مخالف لقصد الناذر مع اتحاده، نعم يتم لو كان له قصدان مستقلان تعلق أحدهما بالمطلق و الآخر بالمقيد على معنى نذر الصلاة و أن يكون جالسا فيها أمكن ذلك حينئذ.

و منه يعلم أن المتجه البطلان فيما لو قيده المطلق بأمر لا يشرع معه، كما لو نذر الصلاة بدون طهارة، كما هو ظاهر القواعد و صريح الذكرى و عن غيرها، و إن كان اللازم لاولهما حيث حكم بانعقاد النذر بالنسبة إلى المطلق دون القيد فيما لو نذر النافلة جالسا الحكم بالصحة هنا أيضا كذلك، لكنه لا يخفى عليك ما فيه في المقامين، و إن كان الثاني منهما أوجه من الأول، لأن نذرها جالسا لا يقتضي حرمة القيام عليه فيها، إذ النذر لا ينعقد في ترك الراجح و فعل المرجوح بالنسبة إلى غيره، و لا جهة رجحان في خصوصية نفسها، و الاكتفاء برجحان طبيعة الفرد التي تتبعه الخصوصية يستلزم انعقاده في الأماكن المكروهة و نحوها، فلا يراد حينئذ من نذرها جالسا عدم فعلها قائما، و لو أراده لم ينعقد بالنسبة إلى ذلك، نعم يبرأ بكل منهما، كما أنه يأثم بتركهما معا، و هو معنى وجوب المطلق دون القيد، و ليس هو كإطلاق نذر الركعتين المنصرف إلى القيام مع غفلة الناذر عن خصوص القصد و إناطته بما ينصرف اليه اللفظ، و فيه أنه مع فرض عدم قصد الناذر التقييد خروج عن موضوع المسألة، و مع فرضه لا يتجه إلزامه بالمطلق الذي لم يقصده الناذر، ضرورة أنه غير المقيد، فما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع، بل المتجه حينئذ البطلان كما عن المحقق الثاني، لعدم إمكان انعقاد ما نذره على وجه يحرم عليه الأفضل منه و عدم قصد غيره، بل لعله عند التأمل كما لو علق النذر بالقيد كأن يقول: لله علي أن أكون على الراحلة أو جالسا أو مستدبرا عند راتبة الظهر اليوم نعم ينعقد القيد إن قال: لله علي إن استويت على الراحلة أو جلست على الأرض مثلا أن أكون عليها مصليا، لأن المعتبر حينئذ رجحان الصلاة على تركها، و ليس ما نحن فيه

ج 12، ص: 227

منه قطعا، بل هو أقرب شي ء إلى الأول، ضرورة انصراف قوله: لله علي أن أصلي النافلة جالسا إلى إرادة إلزام القيد الزائد لا أصل المطلق و إلزام هذا القيد بهذا النذر بدعوى الاكتفاء في انعقاد النذر برجحان الفرد لرجحان الطبيعة فيه، و إن لم يكن للخصوصية مدخلية يقتضي الإلزام بسائر المشخصات من الأمكنة و الأزمنة و سائر المقارنات من اللباس و بعض الأحوال الراجعة للمصلي و غيره مما هو معلوم عدمه عند التأمل الجيد، كما هو واضح.

[الركن الرابع في التوابع]

اشاره

الركن الرابع في التوابع و فيه فصول:

[الفصل الأول في الخلل الواقع في الصلاة]
اشاره

الفصل الأول في الخلل الواقع في الصلاة المفروضة اليومية و إن شاركها غيرها من الفرائض و النوافل في كثير من الأحكام كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى و هو إما أن يكون عن عمد أي قصد مع تذكر المصلي كونه في الصلاة، بل محل ما يجب الشي ء فيه، و إلا لدخلت كثير من أحكام السهو في العمد كما ستعرف إن شاء الله تعالى أو سهو و هو كما عن الفقهاء عزوب المعنى عن القلب بعد خطوره بالبال، و لعل عدم تعريفه أولى لظهوره، و تساوي الخاص و العام في معرفته، كوقوعه و عدم خلو غير المعصوم منه، و إلا فتعريفه بما سمعت لا يخلو من إجمال، و لا فرق في أحكام السهو بين العالم و الجاهل فكما يقع من العالم السهو فيخل ببعض ما يعلم وجوبه كذلك من الجاهل بالوجوب بالنسبة للعزم على الفعل و التعود على وقوعه، فيكون المدار حينئذ على سبب الترك، فان

ج 12، ص: 228

كان الجهل كان من العامد، و إن كان السهو كان من الساهي، و إن كان الجهل سببا للسهو فوجهان أو شك و المراد به تردد الذهن من غير ترجيح، قيل و الفرق بينه و بين ما تقدمه بالنسبة للإخلال كونه نفسه خللا في الصلاة بخلاف الأولين، فإنهما سببان للخلل الذي هو نقص مثلا، و فيه تأمل، فإنه قد يكون أيضا سببا للخل، بقي الكلام في الخلل الواقع من سبق اللسان، فإنه لا يندرج في أحد الثلاثة و إن كان الظاهر عدم بطلان الصلاة به مع التدارك بالصحيح، و لو أراد الجهر مثلا فأخفت أو بالعكس على وجه لا يندرج في العامد و لا الناسي و لا الجاهل ففي التدارك جهرا أو إخفاتا نظر، و لو كان الخلل وقع اضطرارا بفعل أجنبي مثلا فإنه لا يدخل في أحد الثلاثة أيضا.

و لو كان بمثل الطمأنينة في القراءة ففي إعادتها مطمئنا نظر.

[في الخلل الواقع في الصلاة عمدا]
اشاره

أما أحكام العمد فمن أخل بشي ء من واجبات الصلاة لها أو فيها عامدا فقد أبطل صلاته لقوله: شرطا كان ما أخل به كالوضوء و التستر و طهارة الثوب و البدن و نحو ذلك أو جزء منها كالقراءة و السجود أو كيفية كالجهر و الإخفات أو تركا كالكلام و الالتفات و القهقهة و نحو ذلك، لما تبين في الأصول من اقتضاء النهي في العبادة الفساد من غير فرق بين ما يتعلق بنفس العبادة أو شرطها أو خارج عنها فيها، كالنهي عن التكفير و الكلام و إن كان اقتضاؤه في البعض عقليا و في الآخر عرفيا، لكنهما مشتركان في أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه، لكون الإخلال بالجزء إخلالا بالكل، و لانعدام المشروط بانعدام الشرط، فيبقى في عهدة التكليف، على أن الحكم في المقام إجماعي على الظاهر، و عن نهاية الأحكام أنه لا خلاف فيه، فما وقع من بعض المتأخرين من أن النهي إذا لم يتعلق بنفس العبادة أو شرطها لا يقتضي فسادها و إنما يثبت البطلان بدليل من خارج كما في الكلام و الالتفات ليس في محله.

ج 12، ص: 229

نعم قد عرفت أنه لا بد في العامد من تذكر كونه في الصلاة، بل لا بد من تذكر كونه في المحل الذي يجب فيه الشي ء، فمن تكلم عامدا غافلا عن كونه في الصلاة أو من ترك الطمأنينة غافلا عن كونه في السجود مثلا ليس من العامد في شي ء، و أولى منه ما لو زعم نفسه أنه خارج عن الصلاة، و إلا لوجب الحكم بفساد صلاة من سلم زاعما الإتمام على أنه عن المنتهى «أنه لو تكلم ناسيا للصلاة لم تبطل صلاته، و عليه علماؤنا أجمع» فما يقال-: إن القاعدة تقتضي البطلان في الجميع، و المعلوم خروجه من السهو إذا كان في نفس الشي ء، كأن يقع الكلام مثلا عن غير قصد أو يترك السجود كذلك فيبقى الباقي، و لا بأس بالحكم بفساد صلاة المسلم مع زعم الإتمام بعد فرض كونه من المسألة، إلا أن يدل دليل، و ما عن المنتهى لا صراحة فيه في كون الكلام وقع عمدا، و على تقديره فهو أخص من الدعوى- ضعيف جدا، لإطلاق النص و الفتوى في السهو، بل لعل الغالب في أفراده ذلك، مع ما يظهر من ملاحظة الأخبار من إطلاق السهو على المسلم بزعم الإتمام و نحوه، و لعلك تسمع لهذا الكلام تتمة إن شاء الله تعالى.

و كيف كان فلا فرق بين العالم بالحكم الشرعي التكليفي و الوضعي و الجاهل بهما أو بأحدهما معذورا كان الجاهل أو غير معذور على الأصح في الأخير، و لذلك قال:

و كذا أي تبطل صلاته لو فعل ما يجب تركه أو ترك ما يجب فعله جهلا بوجوبه أو بتوقف الصحة عليه، فيكون كالعامد غير معذور، و عن الدرة الإجماع عليه، كما عن شرح الألفية للكركي أن جاهل الحكم عامد عند عامة الأصحاب في جميع المنافيات من فعل أو ترك، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر مسعدة بن زياد(1)في قوله تعالى (2)«فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ» إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي


1- 1 أمالي المفيد ره المجلس الخامس و الثلاثون- الحديث 1 ص 172.
2- 2 سورة الأنعام- الآية 150.

ج 12، ص: 230

أ كنت عالما؟ فان قال: نعم قال له: أ فلا عملت بعلمك (بما علمت خ ل)؟ و إن قال:

كنت جاهلا قال: أ فلا تعلمت حتى تعمل، فيخصمه، فتلك الحجة البالغة»

فما يقال في الجاهل المعذور: إنه مأمور، و الأمر يقتضي الإجزاء يدفعه أنه لا أمر حقيقة بل هو تخيل الأمر، و وجوب العمل عليه بما تخيله للنهي عن الجرأة على المعصية لا يقتضي الاجزاء عن المراد و المطلوب واقعا، و إلا لانهدمت قاعدة واقعية الشرائط و الأجزاء كما هو واضح.

إلا الجهر و الإخفات فإنه يعذر الجاهل بذلك إجماعا محصلا و منقولا كما تبين في محله من غير فرق فيه بين المتنبه و غيره، إلا إذا لم يمكن نية القربة من جهته، بل لا يشترط في ذلك سبق تقليده بالمعذورية و إن فعل محرما بترك السؤال مع التنبه، إذ لا تلازم بين صحة(1)العبادة و فعل المحرم من جهة أخرى في مواضعهما و المتيقن منه القراءة في الأولتين مع احتمال الإطلاق، بل ظهوره في القراءة في الأخيرتين، بل و الذكر فيهما، لشمول رواية زرارة(2)المتقدمة سابقا له، نعم قد يخص ذلك بما إذا لم يكن وجوب الإخفات من حيث المأمومية، فإنه لا يعذر الجاهل فيه كما يأتي إن شاء الله، و اقتصارا فيما خالف الأصل على ما هو المنساق من غير المفروض و مثل الجهر و الإخفات القصر و الإتمام، لا يستثنى من الجاهل بالحكم بالنسبة إلى الصحة و البطلان غير هذين المسألتين و إن تحققت المعذورية في الإثم في غيرهما، و الظاهر تناول معذوريته في المقام لما لو علم بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع، بل لو علم

في الأثناء مضى ما كان جاهلا فيه و وجب الباقي، و هل المراد بالجهل ما يشمل الجهل


1- 1 في النسخة الأصلية هكذا و لكن حق العبارة هكذا« بطلان العبادة» أو« لا تنافي بين صحة العبادة و فعل المحرم».
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 231

بالخصوصية كما لو علم مثلا في الجملة وجوب الجهر في بعض الفرائض و الإخفات في أخرى إلا أنه لم يعلمهما بالتفصيل؟ وجهان، أقواهما عدم الشمول، اقتصارا على المتيقن من النص و الفتوى.

و لو جهل غصبية الثوب الذي يصلى فيه أو المكان فلا قضاء و لا إعادة بلا خلاف أجده، لعدم النهي، و لم يثبت اشتراط كونه ليس مغصوبا في الواقع، نعم يتجه البطلان مع العلم بالغصبية، لعدم جواز اجتماع الأمر و النهي في شي ء أو جهل نجاسة الثوب أو البدن و لو الجبهة، بل و ما تسمعه من الشعر و لو مسترسلا و نحوه مما يصدق معه إصابة الشخص المصلي المندرج في نحو

قول علي (عليه السلام)(1): «ما أبالي أ بول أصابني أو ماء إذا لم أعلم»

فإنه معذور بالنسبة للقضاء من غير خلاف معتد به، و أما الإعادة في الوقت ففيها قولان تقدما سابقا، كما أنه تقدمت الأدلة على ذلك أو بنجاسة المقدار المعتبر من موضع السجود أي ما يسجد عليه فلا إعادة فيه أيضا كما في النافع و الذكرى و التحرير و القواعد و الإرشاد و عن المعتبر و الهلالية و حاشية الإرشاد و الروض، بل حكي عن المبسوط و الجمل

و إن كان لا يخلو من نظر، لكن على كل حال ما في الرياض- من أنه لم يتقدم لحكم السجود على الموضع النجس جهلا ذكر لا هنا و لا في شي ء مما وقفت عليه من كتب الفقهاء عدا الشهيد الثاني في الروض فألحقه بالثوب و البدن في الأحكام- في غير محله، كما أن ما حكاه عن روض الشهيد كذلك أيضا، لظاهر ما دل على اشتراط طهارة ما يسجد عليه، إذ مقتضاه ثبوت الإعادة و لو مع الجهل، و إلحاقه بالثوب و البدن من غير دليل يقتضيه قياس لا نقول به، فلا يخرج عن إطلاق الأمر السالم عن المعارض فيه، بل قضية ذلك وجوب القضاء أيضا عليه، لصدق اسم الفوات عليه بظهور الشرطية في الواقع، لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات- الحديث 5 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 232

في الرياض أنه لم يعلم وجوب القضاء بناء على كونه فرضا مستأنفا، و لا دليل عليه هنا عدا عموم الأمر بقضاء الفوات، و هو فرع تحقق الفوات، و لم يتحقق بعد احتمال اختصاص الشرطية بحال العلم كما في النظائر، فيندفع القضاء بالأصل السالم عن المعارض و هو كما ترى.

نعم قد يتم ذلك لو قلنا بأن وجوب الإعادة عليه في الوقت لعدم العلم بالصحة الذي يتوقف العلم ببراءة الذمة عليه لا للحكم بفساد ما وقع و لو لظهور الشرطية فيما تقدم ضرورة حجية الظواهر كالنصوص، بخلاف الأول فإن عدم الحكم بالصحة أعم من الحكم بالفساد المتوقف عليه اسم الفوات الذي هو موضوع القضاء شرعا، مع أنه لا يخلو من تأمل، لإمكان الاكتفاء في تحقيق الفوات بأصالة عدم حصول المطلوب منه، فتأمل جيدا فإنه قد يقال: إن العمدة في شرطيته الإجماع المفقود في المقام بعد فتوى من عرفت بالعفو عنه الذي يمكن أن يستفاد من نصوص العفو عنه في اللباس مثلا، سيما خبر زرارة(1)المشتمل على التعليل المؤكد لقاعدة الاجزاء في العمل بقاعدة اليقين و نحوها، إلا أن ظاهر الأصحاب عدم العمل بعموم التعليل المذكور كما ستعرفه فيما يأتي إن شاء الله.

[فروع]
[الأول إذا توضأ بماء مغصوب]

الأول إذا توضأ بماء مغصوب أذن له فيه الغاصب أولا مع العلم أو ما يقوم مقامه شرعا، و في الاكتفاء بخبر الواحد العدل فيما لو فرض كونه في يد مسلم مثلا إشكال، لاحتمال صيرورته من قبيل المدعي فلا يقبل قوله بالغصبية سواء كان جاهلا بالحكم أو عالما إلا إذا كان جهلا بالحرمة يعذر فيه، فان الظاهر الصحة، لعدم توجه النهي، و عدم ثبوت شرطية الإباحة في الواقع، فيكون الحكم الوضعي في


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب النجاسات- الحديث 1 من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 233

المقام تابعا للتكليفي و صلى أعاد الطهارة وحدها إن لم يصل و إلا أعاد الصلاة أيضا، لما دل على شرطية عدم العلم بغصبية ماء الوضوء من قاعدة و إجماع منقول و غيرهما و أما لو

جهل غصبيته لم يعد إحداهما و جاز له أن يدخل بذلك الوضوء في عبادة أخرى بلا خلاف أجده في ذلك، و قد يلحق به الناسي للغصبية أيضا، لعدم توجه النهي فيهما، و لا دليل على اشتراط إباحة الماء في الواقع، بخلاف نجاسته فإنه لا يعذر الجاهل فيها على الأصح و إن جاز له الإقدام بأصالة الطهارة، و ذلك لما دل على اشتراط الطهارة في الواقع، و المشروط ينعدم بانعدام شرطه، بل في الدرة السنية بعد أن ذكر حكم الجهل بغصبية الماء قال: و ليس الجهل بنجاسة الماء كذلك إجماعا، و لو علم بالغصب في الأثناء فالظاهر صحة ما وقع منه و تتميمه بالماء المباح لصحة الجزء، إذ صحة كل شي ء بحسبه، نعم قد يأتي وجهان فيما لو علم بعد تمام الغسل قبل المسح، منشأهما صيرورة ذلك تلفا فينتقل للقيمة، و أنه باق على مملوكية مالكه الأصلي و إن خوطب بالقيمة، و كذلك لو علم بعد الصب على العضو للتتميم بالنسبة إلى إجراء ما على اليد من الماء على المكان الذي لم يصل اليه الماء.

[الثاني إذا لم يعلم أن الجلد ميتة]

الثاني إذا لم يعلم يقينا و لا ما يقوم مقامه أن الجلد جلد ميتة فصلى فيه ثم علم بعد الإتمام لم يعد إذا كان قد أخذه من يد مسلم شرعا أو اشتراه من سوق المسلمين (11) و إن كان فيه كفار ممن لا يعرف إسلامه بالخصوص، لقاعدة الاجزاء، و ظاهر الأخبار المتقدمة سابقا في اللباس معتضدين باتفاق الأصحاب عليه في الظاهر، بل لو لا ه لأمكنت المناقشة فيه بأن الظاهر مما تقدم سابقا كون التذكية شرطا فينعدم المشروط بانعدامها، و جعل الشارع يد المسلم و سوق المسلمين بمنزلة العلم بالتذكية لا يقضي بالصحة حتى لو تبين الخلاف، بل أقصاه الصحة مع استمرار خفاء الحال، و بمنع قاعدة الاجزاء في مثله، و إلا لانهدمت قاعدة الشرائط، فتأمل جيدا، و تقدم

ج 12، ص: 234

سابقا كثير من مباحث المسألة.

فإذا أخذه من يد غير مسلم أو وجده مطروحا و لو في بلد الإسلام بل و لو في أسواقهم و كان عليه أثر الاستعمال على ما يقتضيه إطلاق العبارة و إن كان لا يخلو من نظر، لما يفهم من بعض المعتبرة من الاكتفاء بالصلاة في الفراء المصنوعة بأرض الإسلام و إن كان فيها غير مسلمين لكن بشرط غلبة المسلمين أعاد الصلاة و إن لم يظهر أنه ميتة، لكون التذكية شرطا كما دلت عليه الأخبار(1)المعتبرة، منها

قول الصادق (عليه السلام) في حسنة زرارة(2)بإبراهيم بن هاشم: «فان كان مما يؤكل لحمله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و ألبانه و كل شي ء جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح».

و غيره من الأخبار، و هي الحجة، مع أن الأصل عدم التذكية مؤيدا بفتوى من وقفت على كلامه

من الأصحاب هنا، إلا أنه مع ذا يظهر من بعضهم الاشكال فيه، و ربما يؤيده بالنسبة إلى بعض الأفراد، مضافا إلى ما سمعته آنفا ما تقدم لنا في آخر مباحث الطهارة، و لكن هو الحكم بطهارة المطروح في بلد الإسلام الذي عليه أثر الاستعمال، و هي أعم من جواز الصلاة فيه، لاحتمال الاكتفاء فيها في مثل المفروض بعدم العلم بالميتة، و هو أعم من الحكم بالتذكية التي هي شرط الصلاة و إن كان ذلك لا يخلو من نظر، نعم الظاهر الصحة لو صلى فيه بل و سائر ما تقدم مع إمكان نية التقرب و صادف أنه مذكى في الواقع، و احتمال أن سبق العلم بتذكيته شرط و لم يحصل ممكن، لكنه بعيد جدا.

[الثالث إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه]

الثالث إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه كأن لم يعلم كونه جلد مأكول اللحم أو لا أو حريرا أولا و صلى أعاد الصلاة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب، لاستصحاب شغل الذمة، و عدم العلم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.

ج 12، ص: 235

بتحقق الساتر المعتبر شرعا، و الشك في الشرط شك في المشروط، و المناقشة فيه بمنع كون الشرط ذلك بل هو التستر بما لم يعلم تعلق النهي به، و لو كان الملبوس غير ساتر كالخاتم و نحوه فأولى بالجواز يدفعها أنها لا تتم في مثل ما ورد فيه الأمر، ك

قوله (عليه السلام)(1): «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى فيما أحل الله أكله»

بل و لا في ما كان الوارد فيه النهي (2)أيضا كالحرير و نحوه بناء على أن اسم العبادة للصحيح و إن قلنا إن المستفاد منه مانعية الحرير لا شرطية غيره، لكن من المعلوم أن العلم غير داخل في مفاهيم الألفاظ، فليس معنى قوله: لا تصل في الحرير المعلوم أنه حرير، بل النهي فيه منصرف إلى الواقع، و يستفاد منه حكمان وضعي و تكليفي بمقتضى الفهم العرفي، بل ليس الوضعي فيه تبعا للتكليفي، فيثبت بطلان عبادة الجاهل مع ظهور كونه حريرا، كما أنه لا ريب في عدم العلم بالامتثال إذا لم يعلمه من جنس ما يصلى فيه، لعدم العلم بكونها صلاة، فلا يجزى إلا الاحتياط اللازم فيما اشتغلت الذمة به بيقين.

و أما بناء على أنها للأعم أو الصحيح المجتمع من الأجزاء دون الشرائط و الموانع فقد يقال: إن المتجه الصحة حال عدم العلم لصدق اسم الصلاة عليها، فتدخل تحت الإطلاقات، فيحكم بالصحة حتى تعلم الحريرية، فحينئذ تكون فاسدة و يجب الإعادة لظهور

قوله (عليه السلام)(3): «لا تصل في حرير محض»

بذلك، لكن قد يمنع للفرق بين الشك في أصل المانعية و الشك في موضوع ما ثبت مانعيته، و الأول هو المثمر اندراجه في الإطلاقات كما سمعت دون الثاني، و شيوع الفرق بين الشرط و المانع بوجوب العلم بإحراز الأول و الاكتفاء بعدم العلم في الثاني إنما هو فيما كان عدم

المانع مقتضى الأصل و نحوه لا في مثل ما نحن فيه مما لا نصيب للأصل فيه، مع أن الواقع فيه المانع


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب لباس المصلي.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب لباس المصلى- الحديث 2.

ج 12، ص: 236

كما عرفت، أو يدعى أن المفهوم من مثله- فضلا عما تعلق الأمر به كجلد مأكول اللحم- شرطية غير الحرير في صحة الصلاة، فمع عدم العلم به كما هو الفرض لم يعلم الخروج عن العهدة عما ثبت التكليف به من شخصي الصلاة و إن قلنا إن اسمها للأعم، و لعل القطع بوجوب الإعادة في كلام الأصحاب يرشد إلى ذلك، أو للبناء على الأول لما عرفت من أنهم يفهمون من مثل هذه الخطابات أي «لا تصل في الحرير» و نحوه شرطية الصلاة في غير الحرير و لو لأنه لما ورد النهي عن الصلاة في الحرير مثلا كان مقيدا للأوامر الظاهرة في الاكتفاء بالصلاة في كل شي ء، فهو من قبيل المقسم له إلى قسمين:

الصلاة في غير الحرير و الصلاة فيه، فتبقى الصلاة في مجهول الحال غير داخلة في واحد منهما، فلم يعلم الامتثال بها، هذا، مع أنه قد يظهر من عبارة ذلك المناقش الحكم بالصحة حتى لو علم بالحريرية مثلا بعد ذلك، و هو معلوم البطلان.

و حاصل البحث في جميع ما تقدم أن الجاهل إما أن يكون بالحكم أو بالموضوع أي متعلق الحكم أما الأول فكالعامد بالنسبة للصحة و البطلان إلا في المسألتين السابقتين و في الجاهل بالحكم جهلا يعذر فيه مع تبعية الحكم الوضعي للتكليفي كالجاهل بحرمة الغصب مثلا جهلا يعذر فيه، و أما الجاهل بالموضوع فالظاهر أنه كذلك أيضا بالنسبة للصحة و البطلان إلا في مسائل ثلاث: الغصبية و النجاسة في الثوب و البدن و محل السجود على الأقوى و الميتة بشرط الأخذ ممن تقدم ذكره، بل يدخل فيه كل ما رخص الشارع بالأخذ فيه من طريق خاص كما في بعض مسائل القبلة و نحوها.

و هل يدخل في ذلك خطأ البينة و حكم الحاكم و نحوهما؟ وجهان، أقواهما العدم تحكيما لقاعدة الشرطية و نحوها، فلو قامت البينة على كون الجلد جلد مأكول اللحم مثلا أو أن هذه القطعة أرض ثم تبين الخطأ فالأقوى وجوب الإعادة، فتأمل، فإنه قد يقال باقتضاء قاعدة الإجزاء عدمها، لكن قد يمنع ظهور أمر العمل بنحو ذلك في الاجزاء.

ج 12، ص: 237

و مثله العمل بخبر الواحد و ظن المجتهد و نحو ذلك، نعم إنما يسلم ذلك في خصوص بعض الموارد التي أمر فيها بالصلاة على الوجه المخصوص الظاهر في كون ذلك مجزيا و إن لم يطابق الواقع كما سمعته في الصلاة بالمأخوذ من سوق المسلمين، مع احتمال كون المراد منه الاذن في الاقدام، و أنه طريق من الطرق ما لم يعلم الواقع، بل مقتضى التأمل في كلام الأصحاب و حصرهم معذورية الجاهل بالحكم في المسألتين و بموضوع الشرائط فيما عرفت للأدلة هدم قاعدة الاجزاء من أصلها بالمعنى المزبور.

و أما عند التردد بين المصحح و المفسد كالأرضية للسجود فالظاهر الإعادة إلا مع نية التقرب و مصادفة الواقع على تأمل في البعض، لاحتمال كون الشرط فيه سبق العلم لا من جهة التوصل إلى نية التقرب، و الظاهر أن ما ذكرناه بالنسبة إلى ما لا يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه من الحكم بالبطلان لا يجري بالنسبة إلى العوارض الطارية له، أو لبدن المصلي من الرطوبة التي لا يعلم كونها مما يؤكل لحمه أو لا و نحو ذلك من الفضلات بل و كذلك الشعرات التي لا يعلم كونها من مأكول اللحم أو لا، للسيرة المستقيمة من العلماء و الأعوام في عدم التجنب لمثل ذلك حتى يعلم، بل قد يتمسك بالاستصحاب أيضا بأن يقال كان هذا الساتر أو البدن خاليا عن المانع فليكن الآن كذلك، و إن كان هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه، مع احتمال القول بوجوب التجنب لما تقدم سابقا و لإطلاق بعض الكلمات، و الأول هو الأقوى، و يجري هذان الاحتمالان في غير الساتر من اللباس، بل و في المحمول بناء على المنع منه من غير مأكول اللحم، بل لا يخلو الفساد من قوة عند القائلين بوضع أسماء العبادة للصحيح، بل و مطلقا بناء على ما عرفته من كون المراد من النهي عن ذلك و نحوه الواقع، و لا طريق له إلا العلم بالعدم، و لا سيره في المقام كما في العوارض، مع أنه يمكن منعها في العوارض أيضا بالنسبة إلى الإعادة لو بان الواقع، و الله العالم فتأمل.

ج 12، ص: 238

[في الخلل الواقع في الصلاة سهوا]
اشاره

و أما حكم الخلل الناشئ عن السهو و الظاهر شموله للترك الناشئ عن الغفلة عن الشي ء و عدم خطوره في الذهن إما له نفسه أو لعدم خطور الصلاة، و للترك لزعم الإتيان به، فان لفظ السهو صادق على كل منهما، و ترتب الأحكام بالنسبة إليهما متحد، و أما الترك لنسيان الحكم الشرعي فالظاهر أنه من العمد

[حكم الإخلال بالركن]

فإن أخل بركن أي ترك ركنا من الأركان الخمسة المتقدم معناه سابقا أعاد الصلاة إن لم يذكر إلا بعد تجاوز المحل من غير فرق بين التكبير و غيره، ف ما في بعض الأخبار (1)- من عدم بطلان الصلاة بالسهو عن التكبير حتى لو ركع القاضي بعدم ركنيتها- مخالف لإجماعنا المحكي على لسان جماعة، بل و المسلمين أيضا عدا الزهري و الأوزاعي، نعم تسمع الخلاف فيما يأتي في مثل الركوع، أما لو ذكر قبل تجاوزه فلا بطلان بل كان عليه أن يأتي به بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى، قال فيه: «لو أخل بركن في الصلاة سهوا و كان محله باقيا أتى به بلا خلاف بين أهل العلم» و الظاهر بعد إمعان النظر أن المراد بالمحل في المقام عدم الدخول في ركن آخر في غير التكبير، و أما فيه فهو الدخول في القراءة كما هو الظاهر من المصنف هنا و النافع و التحرير و المنتهى و غيرها، فيكون الوجه حينئذ في الأول عدم استلزام التلافي سوى زيادة ما لا تقدح زيادته سهوا كما أشار إليه في المنتهى بقوله بعد نفي الخلاف المتقدم: فإن الإتيان به ممكن على وجه لا يؤثر خللا و لا إخلالا بهيئة الصلاة، لكن فيه أنه لا يتم في السهو عن

الركوع حتى دخل في السجود، لكون زيادة سجدة واحدة سهوا غير قادحة في الصلاة، كما أنه لا يتم الاستدلال عليه أيضا بفحوى الأخبار(2)الآمرة بالإعادة على المشكوك فيه مع بقاء المحل، إذ فيه أن المراد بالمحل فيهما مختلف على الظاهر لأن المراد به على الأصح في


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الركوع و الباب 15 من أبواب السجود.

ج 12، ص: 239

الشك الدخول في فعل آخر، و المراد به هنا عدم الدخول في ركن.

و أما في التكبير فعن الدرة و الذكرى الإجماع على بطلان صلاة من سها عن التكبير حتى قرأ و إن لم أجده فيهما، بل الموجود الإجماع على الركنية و الابطال سهوا، نعم حكي عن إرشاد الجعفرية و النجيبية و الشافية الإجماع على ذلك، و في المدارك أن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة، قلت: قد يظهر الخلاف في ذلك من السرائر حيث أنه جعل فيها من السهو الموجب لإعادة الصلاة السهو عن تكبيرة الافتتاح ثم لا يذكرها حتى يركع، و جعل من السهو الموجب للتلافي السهو عن التكبيرة ثم ذكرها و هو في القراءة قبل الركوع، فأوجب عليه أن يكبر ثم يقرأ، بل ربما يظهر من المنقول عن المراسم، لقوله: كمن سها عن تكبيرة الإحرام حتى يركع، فإنه ظاهر في عدم القدح بالدخول في القراءة، بل قد يدعى ظهوره من كل من اشترط في إبطال السهو عن الركن الدخول في ركن آخر، لأن القراءة ليست ركنا.

و كيف كان فالأقوى الأول بعد الإغضاء عن عدم تصور الثاني كما ستعرفه لما سمعته من الإجماعات المنقولة، مضافا إلى

قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (1): «عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال: يعيد»

إذ الظاهر إرادة إعادة الصلاة، ك

قول أحدهما (عليه السلام) في رواية محمد(2)في الذي يذكر أنه لم يكبر في أول صلاته فقال: «إذا استيقن أنه لم يكبر، فليعد و لكن كيف يستيقن»

و قول الصادق (عليه السلام)(3): «عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة فقال: يعيد الصلاة و لا صلاة بغير افتتاح»

و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر ابن أبي يعفور(4)«في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ فقال: لا، بل يعيد صلاته


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.

ج 12، ص: 240

إذا حفظ أنه لم يكبر»

و لا ينافي ذلك

خبر ذريح المحاربي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل ينسى أن يكبر حتى قرأ قال: يكبر»

و خبر زرارة أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام)(2)قال: «قلت له: الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع».

و خبر أبي بصير(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبر فبدأ بالقراءة فقال: إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبر، و إن ركع فليمض في صلاته»

و ذيله لا يخرجه عن الحجية كما ذكرنا، إذ هي- بعد الغض عما في السند بالنسبة للبعض و اشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب، و رجحان الأخبار السابقة عليها بالإجماعات المنقولة و غيرها- محتملة لأن يراد بالأمر بالتكبير فيها إعادة الصلاة، و احتمال العكس- مع أنك قد عرفت رجحان الأولة- لا يقبله بعضها، بل يؤيد الأول أيضا ما نقل من الإجماع على وجوب مقارنة النية تكبيرة الإحرام الشامل لصورتي العمد و السهو، و من هنا نقل عن السيد حسن بن السيد جعفر جعل مقارنة النية للتكبير من الأركان، و كأن الذي دعاه إلى ذلك هو حكمهم ببطلان الصلاة مع السهو عن التكبير و الدخول في القراءة.

على أن هذا كله مبني على أن المراد بالنية الاخطار و التصور الفكري مع اشتمالها على نية الوجه و نحوها كما هو الظاهر منهم حتى

يتجه ثمرة لهذا النزاع من استقبال التكبير خاصة أو الصلاة، و إلا فبناء على ما اخترناه من أن النية هي الداعي فالظاهر سقوط ذلك لكونها لازمة لإعادة التكبير، و يكون استقبالا للصلاة، بل هو مبني أيضا على كون النية جزءا من الصلاة و أن الدخول في الصلاة يتحقق بها، و التكبير لتحريم القطع، و إلا فبناء على أنها شرط و أن الصلاة لا تنعقد إلا بالتكبير يسقط البحث من جهة أنه لم يحصل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 10.

ج 12، ص: 241

دخول في الصلاة حتى يقال: إنه سها عن ركن فيها، لأن الكلام بعد انعقاد الصلاة و كونها صحيحة، و لعله لذا لم يحرروا هذه المسألة و أطلقوا أن السهو عن الركن يتدارك ما لم يدخل في ركن آخر مع ذكرهم أن السهو عن التكبير لا يتدارك بالدخول في القراءة أو لأن التلافي في الحقيقة عين الإعادة، بل هو مبني أيضا على عدم اشتراط مقارنة النية في مثل هذا الحال، و إلا سقط البحث من أصله أيضا.

و الظاهر أنه لا فرق في وجوب الإعادة بين الشروع في القراءة و غيرها من الأذكار التي تقرأ أمام القراءة و إن كان ظاهر عبارتهم يقضي بالتخصيص في القراءة، لكنه مبني على الغالب، و إلا فالمراد أنه متى سها عن التكبير وجب إعادة الصلاة.

هذا كله في المحل بالنسبة للتكبير، و أما بالنسبة للقيام فقد ذكر جمع منهم المصنف أن من أخل به حتى نوى بطلت صلاته، و صريح بعضهم جعله من الأركان، و لا يخفى ما فيه، لأنه مبني على جزئية النية، بل على جزئية القيام معها أيضا، و لعل مقصودهم بيان ما تبطل الصلاة بتركه و لو سهوا بالنسبة إلى أجزاء الصلاة أو ما يقرب من أجزائها فنقول حينئذ: من سها عن القيام حتى نوى فالظاهر بطلان صلاته، أما بناء على كون النية جزء من الصلاة فيمكن الاستدلال عليه حينئذ بعد الأصل في نحو العبادة التوقيفية بالأخبار الدالة على وجوبه في الصلاة، ك

قوله (عليه السلام) في خبر زرارة(1): «من لم يقم صلبه فلا صلاة له»

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)«من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له»

و قول أبي جعفر (عليه السلام)(3) في قوله تعالى(4):

«فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ»: النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحره»

إلى غير ذلك، مضافا إلى ما نقل من الإجماع على وجوبه في الصلاة و أنه ركن، و أما بناء على كون


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 3.
4- 4 سورة الكوثر- الآية- 2.

ج 12، ص: 242

النية شرطا خارجا عن حقيقة الصلاة فكذلك أيضا، لأنه يعتبر فيها حينئذ جميع ما يعتبر على تقدير الجزئية كما يظهر من جماعة من الأصحاب، و كأن وجهه ما نقل من الإجماع على

وجوب مقارنة النية تكبيرة الإحرام، و لا ريب في شرطية القيام بالنسبة إليها، و هو متجه بناء على أن المراد بالمقارنة ما هو الظاهر منها من كون الزمان الواحد ظرفا لهما، و كذلك إن أريد بها إيقاعها بين الالف و الراء، أو أريد بها بسط النية على التكبير بالابتداء و الانتهاء، أما إن أريد بالمقارنة وقوع التكبيرة في آخر جزء من النية فيمكن القول حينئذ أنه إن سها عن القيام حتى نوى ثم ذكر قبل أن يكمل بحيث أمكنه المقارنة صحت، و إلا فلا، بل قد يدعى أنه حينئذ لا دليل على البطلان بتعمد مثل ذلك فضلا عن سهوه، و تصريح الجماعة بخلافه ما لم يكن إجماعا لا حجة فيه، نعم يمكن أن يدعى ظهور ما دل على اعتبار القيام في الصلاة من الأخبار المذكورة و من

قول أبي جعفر عليه السلام في خبر أبي حمزة الصحيح (1): «يصلي قائما»

و نحوه مع أغلبية وقوع النية عند الفعل في ذلك، بل يمكن للمتتبع تحصيل الإجماع على أنها على تقدير شرطيتهما للصلاة لا بد من تأخرها عن جميع شرائط الصلاة سيما القيام، و من هنا وقع الخلاف في كونها جزءا أو شرطا، لكن ذلك كله بناء على ما هو الظاهر في معنى النية لا على مختارنا فيها، فإنه لا يتأتى شي ء من ذلك.

و أما بطلان الصلاة بالسهو عن النية حتى كبر فالإجماع محصلا و منقولا عليه، مضافا إلى

قولهم (عليهم السلام)(2): «لا عمل إلا بنية»

و لا ريب في عدم صدقه بعد فوات التكبير، إلى جميع ما ذكرنا أشار المصنف و إن تسامح بإطلاق لفظ الركن على ما ليس ركنا اصطلاحا بقوله كمن أخل بالقيام حتى نوى أو بالنية حتى كبر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات من كتاب الطهارة.

ج 12، ص: 243

أو بالتكبير حتى قرأ ثم قال أو بالركوع حتى سجد أو بالسجدتين معا حتى ركع فيما بعد، و قيل يسقط الزائد من الركوع و السجود و يأتي بالفائت مع ما بعده و يبني، و قيل يختص هذا الحكم أي الإسقاط مع الإتيان بالفائت بالأخيرتين، و لو كان في الأولتين استأنف، و الأول أي البطلان أظهر من غير فرق بين الأولتين و الأخيرتين، أما في الأول أي الإخلال بالركوع حتى سجد فهو المشهور، بل ربما نسب إلى عامة المتأخرين، كما أنه حكي عن المفيد و المرتضى و سلار و ابني إدريس و البراج و أبي الصلاح، بل هو ظاهر المحكي عن ابن أبي عقيل أيضا، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، إذ لم يعلم أن التدارك وجه له، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح عن رفاعة(1)«سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد و يقوم قال:

يستقبل»

و موثقة إسحاق بن عمار(2)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسى أن يركع قال: يستقبل حتى يضع كل شي ء من ذلك موضعه»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(3): «إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة»

و خبره الآخر(4)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ينسى أن يركع قال: عليه الإعادة»

و صحيح زرارة(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا تعاد الصلاة إلا من خمس: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود».

بل يمكن الاستدلال عليه أيضا في الجملة ب

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة و بكير(6): «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها و استقبل صلاته»

و ما في البعض من الضعف على تقدير وجوده منجبر بالشهرة المحصلة و المنقولة،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 244

بل في المنقول عن الغنية الإجماع عليه، بل قد يستدل بما عن النجيبية أيضا «ان من سها عن ركن من الأركان الخمسة أعاد إجماعا» و

بما في السرائر في المسألة من الإجماع على أن الركوع ركن متى أخل به ساهيا أو عامدا حتى فات وقته و أخذ في حالة أخرى بطلت صلاته، و دعوى أن بعض هذه الروايات ليست بصريحة في الذكر في الأثناء بل لا تأبى الحمل على نسيان الركوع أبدا يدفعها مع أن البعض الآخر كاف في ذلك أنه مطلق لا استفصال فيه، و هو حجة كما بين في محله، و كذلك دعوى أنها ليست دالة على الإخلال بمجرد الدخول في السجود، على أنه على تقدير سجوده سجدة واحدة لا يحصل بالتدارك إلا زيادة سجدة واحدة سهوا، و هي غير قادحة، و لم يقم إجماع على عدم جواز التلافي بمجرد الدخول في ركن آخر، إذ مع أنه لا قائل بالفصل في المقام يكفي في ذلك إطلاق جملة من المعتبرة المتقدمة، مع إطلاق إجماع الغنية أيضا، بل قد يقال: و إجماع النجيبية و السرائر المتقدمين، بل هو مقتضى القاعدة أيضا، و عدم البطلان بزيادة السجدة مع عدم ترك الركوع لا يلزم منه صحة ما نحن فيه، و القياس لا نقول به، فحينئذ لا يشمله

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(1)«في رجل استيقن أنه زاد سجدة لا يعيد الصلاة من سجدة»

لأن الظاهر أن المراد منه زيادة سجدة خاصة لا ما إذا كانت الزيادة مع نسيان الركوع، بل هو من التخريج الذي لا نقول به، فتأمل.

لا يقال إن خبر أبي بصير الأول ظاهر في تقييد ذلك بالسجدتين فيقيد به تلك المطلقات، لأنه- مع كونه غير قابل للتقييد، لانجبار تلك المطلقات بفتوى الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم في المقام، إذ لم نقف على من فصل بين السجدة الواحدة و السجدتين سوى ما في مفتاح الكرامة من أنه في بعض العبارات حتى سجد سجدتين مع أني لم أقف عليها، بل هي غير صريحة في ذلك- غير ظاهر في التقييد بناء على حمل


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 3.

ج 12، ص: 245

الواو في قوله (عليه السلام): «و سجد سجدتين» على معنى أو، بل لا تعارض حينئذ بينه و بين تلك المطلقات، لكونه من قبيل التنصيص على أحد الأفراد، مع أن الظاهر من مفهومه هنا رفع اليقين لا اليقين مع السجدة الواحدة، و إن أريد بالركعة الركوع كان الواو في قوله (عليه السلام): «و ترك الركوع» بمعنى «أو» و كان شاهدا لنا، و لذلك لم يجعله المناقش في المقام منه، فتأمل جيدا.

و كذا لا يقال إن

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان (1): «إن نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا»

أيضا مطلق شامل لما بعد السجدة الواحدة و قبلها، و بين المطلقين تعارض العموم من وجه، لأنا نقول: قد عرفت أن ما ذكرناه أرجح من وجوه متعددة لا تخفى فما ظهر من صاحب المدارك و تبعه صاحب الحدائق من المناقشة في البطلان مع الذكر قبل إتمام السجدتين ليس في محله، و قوله في الحدائق: إنه لا يوافق ما ذكروه في غير المقام من غير خلاف بينهم ان من سها عن واجب يمكن تداركه ثم تداركه صحت صلاته يدفعه أن الكلام في إمكان تداركه في المقام، نعم ظاهر كلام الأصحاب حيث يتحقق السجود و لو على ما لا يصح السجود عليه في الأقوى دون الهوي و نحوه، أما الواصل إلى حد السجود من غير تحقق سجود منه كما إذا كان محل سجوده فيه هبوط ففي إلحاقه به وجهان، أقواهما الإلحاق، تحكيما للقاعدة في البطلان، و يحتمل عدمه، لعدم صدق مسمى السجود، هذا.

و عن ابني الجنيد و بابويه الخلاف في أصل المسألة، قال الأول على ما في المختلف:

«لو صحت الأولى و سها في الثانية سهوا لم يمكن استدراكه كأن أيقن و هو ساجد أنه لم يكن ركع فأراد البناء على الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزيه ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 246

و لو أعاد إذا كان في الأولتين و كان الوقت باقيا كان أحب إلى و في الثنائيتين أي الأخريين ذلك يجزيه» انتهى، و هو ظاهر في إرادة بطلان ما وقع منه، و ليس يريد إعادة ركوع ثم سجود، بل الظاهر أنه يوجب ركعة مستقلة من قراءة و نحوها، و لا يقدح ما وقع بين الأولى و الثانية و هكذا، و قال علي بن بابويه على ما في المختلف أيضا: «و إن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك، لأنه إذا لم يثبت لك الأولى لم يثبت لك صلاتك، و إن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين و اجعل الثالثة ثانية، و الرابعة ثالثة» انتهى. و مراده إلقاء ما وقع ما بين الأولى و غيرها و جعل الثالثة المقدرة على معنى كونها ثالثة لو كانت الثانية صحيحة ثانية، بل يظهر من المنقول عن الشيخ في النهاية عدم اشتراط سلامة الأولى في وجه أيضا، قال: «فان تركه ناسيا ثم ذكر في حال السجود وجب عليه الإعادة، فان لم يذكر حتى صلى ركعة أخرى و دخل في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة الأولى و بنى كأنه صلى ركعتين، و كذلك إن كان قد ترك الركوع في الثانية و ذكر في الثالثة أسقط الثانية و جعل الثالثة ثانية و تمم الصلاة» بل يظهر من المبسوط وجود قائل بالتلفيق مطلقا، لقوله في فصل السهو: «و في أصحابنا من قال: يسقط السجود و يعيد الركوع ثم يعيد السجود، و الأول أحوط، لأن هذا الحكم يختص بالأخيرتين» و نحوه عن الجمل و الاقتصاد، و قال في باب الركوع: «إن أخل به عامدا أو ناسيا في الأولتين مطلقا أو في ثالثة المغرب بطلت صلاته، و إن كان في الأخيرتين من الرباعية فإن تركه عمدا بطلت صلاته، و إن تركه ناسيا و سجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة و قام و ركع و تمم صلاته» انتهى. و هو صريح في التفصيل الذي ذكره المصنف، و لا يخفى أن كلام هؤلاء المخالفين جميعهم ظاهر في أن زيادة السجدتين سهوا غير مبطلة، فما يأتي مما تسمعه من المدارك و الرياض و غيرهما من نفي الخلاف في بطلان الصلاة بزيادة السجدتين

ج 12، ص: 247

سهوا في غير محله، إلا أن يكون مرادهم في غير ما نحن فيه، فتأمل، كما أنه لا يخفى عليك احتياج تحرير هذه الأقوال إلى زيادة تنقير، لكن لما كان المختار عدمها جميعها كان الاعراض عن ذلك أولى.

و كيف كان فمما يمكن الاستدلال به لذلك

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1)«في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع قال: فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما، فيبني على صلاته على التمام، و إن كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ و انصرف فليقم فليصل ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه»

و في الوسائل رواه الصدوق بإسناده عن العلاء، قلت: فيكون الرواية حينئذ صحيحة، لأن طريق الفقيه إلى العلاء صحيح لا على رواية الشيخ، و منه يظهر وجه وصف بعضهم لها بالصحة كما يظهر ما في طعن آخر فيها، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح العيص بن القاسم (2)«في رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع يقوم و يركع و يسجد سجدتي السهو»

و فيه مع عدم كون الثاني مما نحن فيه إلا على وجه تسمعه فيما يأتي أنه لا يصلح حجة لتفصيل الشيخ، و لا لتفصيل ابن الجنيد و ابن بابويه، بل و لا لتفصيل النهاية في أحد الوجهين، لعدم الفرق فيه بين الأولى و غيرها، و لا بين الأولتين و الأخيرتين، و لا بين ما إذا ذكر في حال السجود في الأولى كما اشترطه في النهاية و غيره، و مجرد كون ذلك جمعا بين الأخبار لا يقضي به مع عدم الشاهد عليه، بل الجمع فرع التكافؤ، و ليس، لرجحان الأخبار الأولة من وجوه عديدة من الانجبار بالشهرة و الإجماع المنقول و غيرهما.

و احتمال أن الشاهد على التفصيل بين الأولى و غيرها

الرضوي (3)«و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الركوع- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الركوع- الحديث 3.
3- 3 فقه الرضا عليه السلام ص 9.

ج 12، ص: 248

نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك، لأنه إذا لم تصح لك الأولى لم تصح لك صلاتك، و إن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين و

اجعلها أعني الثانية الأولى، و الثالثة ثانية، و الرابعة ثالثة»

المؤيد ب ما عن العلل و العيون (1)كما في الرياض يدفعه بعد تسليم حجية الرضوي أنه لا يقاوم أيضا تلك الأخبار المنجبرة بالقاعدة و غيرها مما عرفت، فإنه لا يكفي في شاهد الجمع مجرد كونه حجة كما بين في محله، هذا.

و في الرياض تضعيف الصحيح الأول باشتماله على ما لا يقول به الخصم بل و لا أحد من وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع، قال: و منه يظهر شذوذ الثاني و عدم ارتباطه بما نحن فيه، قلت: هذا من جملة فروع المسألة، فإن القائلين بالتلفيق يلتزمون ذلك، لصيرورة الثالثة مثلا ثانية، و الرابعة ثالثة، فتكون الفريضة ناقصة ركعة، فإذا ذكرها بعد التمام جاء بها على القاعدة، و لذا جعله في المبسوط من فروع المسألة، و قوله: و منه يظهر شذوذ الثاني فيه أن له ارتباطا على تقدير أن يراد بالركعة فيه الركوع بقرينة قوله: لم يركع، فحينئذ يكون من المسألة، و يحمل قوله (عليه السلام) في الجواب: و يركع مع السجود معه، لأنه من قبيل من نقص ركعة، و الأمر سهل، نعم دلالة الجزء الأول على التلفيق مطلقا متجهة، لكن لم يعرف قائله و إن نسب إلى الشيخ، مع أنك قد عرفت أنه غير قابل للمعارضة لما سمعت من الأدلة.

و كذا ذكر في الرياض و غيره أنه لا شاهد للشيخ على ما ذكره من التفصيل بين الأولتين

و الأخيرتين، و فيه أنه لعله الروايات التي ذكروها في باب الشك،


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 12، ص: 249

منها

قول الصادق (عليه السلام)(1): «إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة»

و منها

قوله (عليه السلام) أيضا(2): «ليس في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهو»

و منها

قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(3): «الإعادة في الركعتين الأولتين و السهو في الركعتين الأخيرتين»

إلى غير ذلك من الأخبار، بل في السرائر الإجماع على بطلان الصلاة إذا لم تسلم الأولتان، قال: ذلك في المسألة، نعم المتجه في الرد عليه حينئذ أن المراد بالسلامة و السهو في هذه الأخبار الشك في أعدادها لا كل سهو فيها كما لا يخفى على من لاحظها مع غيرها، على أنك قد عرفت انجبار الأخبار السابقة بما يوجب تأويل المقابل أو الطرح لا الجمع، لأنه فرع التكافؤ، فتأمل.

و أما البطلان في ناسي السجدتين حتى ركع فهو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل عن

النجيبية أنه لا خلاف فيه، و في المنقول عن الغنية الإجماع عليه أيضا، و قد عرفت أن كلام من تقدم في الركوع، نعم يظهر من المبسوط أن القائلين بالتلفيق لم يفرقوا بين السجدتين و الركوع، و كذلك بالنسبة إلى مذهبه من التفصيل بين الأولتين و الأخيرتين، بل تقدم في فصل السجود نسبة الخلاف إلى جماعة، فلا حظ، لكن قد عرفت أن الصحيح مخصوص في الركوع، فلا معنى للتعدية، و دعوى أن السجود كالركوع غير ثابتة، و على تقديرها كان جميع ما تقدم حجة عليه، و الأولى الاستدلال له بخبر عبد الله بن سنان المقدم.

و كيف كان فلا ريب أن الأقوى البطلان، لما عرفت من الإجماع و نفي الخلاف و القاعدة المتقدمة مع إطلاق جملة من الروايات السابقة، كقوله في

صحيح زرارة المتقدم:

«لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود»

بل يدل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 10.

ج 12، ص: 250

عليه أيضا ما دل على أن زيادة الركوع مبطلة على كل حال، ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر منصور بن حازم (1): «لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة»

و مثله غيره، فان الظاهر من مقابلة السجدة أن يراد بالركعة الركوع كما فهمه بعضهم، مع إمكان الاستدلال عليه ب ما دل (2)على إعادة ناسي السجدة الواحدة ما لم يركع، فلاحظ و تأمل، بل و مفهوم

خبر محمد بن مسلم (3)عن أحدهما (عليهما السلام) «ان الله عز و جل فرض الركوع و السجود، و القراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، و من نسي القراءة فقد تمت صلاته»

و موثق منصور بن حازم (4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها فقال: أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ فقلت: بلى، قال: فقد تمت صلاتك إذا كنت ناسيا»

على أنه أيضا سيأتي في المسألة نفي الخلاف من الرياض و المدارك عن البطلان بزيادة الركوع، و إن كان فيه ما فيه، إلا أن يريدوا في غير هذه المسألة لنقلهم الخلاف فيها عن قريب، و بجميع ما ذكرنا يخص

خبر عبد الله بن سنان المتقدم (5)قال: «إن نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك»

و كذا تبطل لو زاد في الصلاة ركعة أو ركوعا أو سجدتين أو تكبيرا، و حينئذ أعاد سهوا و عمدا بخلاف غيرها، فإنها لا تبطل زيادته، أما النية فلأنها القصد إلى الفعل، و هو إن لم

يكن استحضاره مؤكدا لم يكن مفسدا، بل قد عرفت سابقا أن الذي تقتضيه الضابطة في وجه بل قول استحضار هذا القصد في


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الركوع- الحديث 3.

ج 12، ص: 251

تمام الفعل، لكن لمكان العسر و الحرج اكتفي بالاستدامة الحكمية، و احتمال تصور زيادتها إذا جدد النية الأولى في الأثناء أي قصد جميع الفعل في الأثناء يدفعه أولا أن الجميعية لا دخل لها في النية، و ثانيا أنه إن وقع منه ذلك عمدا أي مع تنبه لكونه في الصلاة فالإبطال حينئذ إن قلنا به لترك الاستدامة لا لزيادة النية، و إلا فبدونه لا دليل على البطلان و إن وقع ذلك منه سهوا بأن كان قد غفل عن كونه في الصلاة، بل الذي يظهر من تتبع الأدلة كالحكم بصحة المتكلم سهوا و غيره الصحة، فإنه يدخل فيه المتكلم بزعم أنه ليس في الصلاة و هو منه، و على تقدير كون مثل ذلك تركا للاستدامة يتجه التزام أن تركها سهوا غير قادح كما في سائر أجزاء الصلاة، فتأمل جيدا، فإنه قد يظهر من كشف اللثام البطلان بزيادة النية سهوا، لكنه كما ترى.

و أما القيام فالظاهر الإجماع، على أن زيادته في الجملة سهوا غير مبطلة كنقيصته هذا إن قلنا بركنيته على الإطلاق، و إلا فبناء على ما نقوله من تخصيص الركنية منه بالمتصل بالركوع لكون السابق على التكبير و المقارن له شرطا خارجا عن الصلاة التي أولها تكبيرة الافتتاح فلا يتصور حينئذ زيادته بدون الركوع، و كذا لو قلنا بجزئية القيام حال التكبير فإنه لا يتصور بدونه بعد تشخص ركنيته به على معنى أن الركن القيام التكبيري كما اعترف به في كشف اللثام، و زاد فيه القيام، و التزم أنه لا يتصور زيادته إلا بزيادتها أيضا، و لكن قد عرفت أن زيادتها غير مبطلة، هذا، و ما ذكره المصنف من بطلان الصلاة بزيادة الركعة كما في القواعد و الإرشاد هو المنقول عن الجمل و المقنع و كافي ثقة الإسلام و العقود و المراسم و الغنية، و من هنا قال في الذكرى:

إن الأكثرين أطلقوا البطلان.

لكن مقتضى هذا الإطلاق عدم الفرق بين الجلوس بمقدار التشهد و عدمه، و بين التشهد و عدمه، و الرباعية و غيرها، و في الرياض أنه الأشهر، و في المدارك أنه بهذا

ج 12، ص: 252

التعميم قطع الشيخ في جملة من كتبه و السيد و ابن بابويه، و عن مصابيح الظلام أن المشهور المعروف البطلان من غير فرق بين الرباعية و غيرها، و بين زيادة ركعة أو أزيد و بين أن يكون قد جلس بقدر التشهد أولا، و عن الدروس أن المشهور البطلان مطلقا و عن الغنية الإجماع على الإعادة فيما لو زاد ركعة، و في الخلاف الإجماع على أنه إذا صلى المغرب أربعا أعاد، و فيه أيضا في آخر كلامه بعد أن صرح بالبطلان و نسب اعتبار الجلوس إلى بعض أصحابنا ما نصه عندنا أنه لا بد من التشهد، و لا يكفي الجلوس بمقداره و إنما يعتبر ذلك أبو حنيفة، و في السرائر «أن من صلى الظهر مثلا أربع ركعات و جلس في دبر الرابعة فتشهد الشهادتين و صلى على النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) ثم قام ساهيا عن التسليم فصلى ركعة خامسة فعلى مذهب من أوجب التسليم فالصلاة باطلة، و على مذهب من لم يوجبه فالأولى أن يقال: الصلاة صحيحة لأنه ما زاد في صلاته ركعة، لأنه بقيامه خرج من صلاته، و إلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره، و نعم ما قال» انتهى. و أنت خبير أن ذلك ليس خلافا منه لاشتراطه التشهد لا الجلوس بمقدار التشهد، على أنه بناه على الندبية، و من هنا قواه بعض المتأخرين لكن مع اشتراطه التشهد لا الجلوس بقدره، و جعل أخبار الباب مشيرة إلى ندبية التسليم فتكون المسألة حينئذ ذات أقوال ثلاثة، لكن لم أجد قائلا صريحا من القدماء بناء على وجوب التسليم و أنه جزء من الصلاة باشتراط الصحة بالتشهد لا بالجلوس بقدره، إذ من ذكر التشهد لا الجلوس بقدره يبنيه على ندبية التسليم مع إمكانه لمكان الأخبار.

نعم المخالف صريحا العلامة في التحرير و المختلف و موضع من القواعد و ظاهرا في المنتهى و الشهيد في الألفية، بل هو المنقول عن ابن الجنيد و الشيخ في التهذيب و المصنف في المعتبر، بل نسب إلى جملة من المتأخرين، ففصلوا بين أن يكون قد جلس بمقدار التشهد فتصح، أو لا فتفسد، لكن صريح الأكثر منهم تخصيص ذلك في

ج 12، ص: 253

الرباعية، نعم ظاهر بعض أدلة العلامة في المختلف التعميم في الجميع، كمن بنى المسألة على ندبية التسليم، و كيف كان فكلامهم في المسألة لا يخلو من اضطراب لاختلاف كيفية المدرك فيها.

و تفصيل الحال أن يقال: أما بناء على وجوب التسليم فالمتجه الفساد كما اعترف به ابن إدريس و غيره، للأصل، و لأنه من الإخلال بالهيئة بزيادة مالا تغتفر زيادته في الصلاة مع

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

و شغل الذمة اليقيني يحتاج الفراغ كذلك، مضافا إلى إجماع الغنية و ما تسمعه من الأخبار، و دعوى أن مقتضى القاعدة الثانية الصحة، لأنه لم يقع منه إلا السهو عما ليس بركن في الصلاة فلا تفسد به الصلاة يدفعها أولا أن مقتضى ذلك عدم الفرق بين أن يكون جلس مقدار التشهد أولا، مع أن الإجماع إذا لم يجلس كما في المنتهى و الذكرى و عن المعتبر و التذكرة على الفساد، بل في التحرير أنها باطلة قولا واحدا، بل قد عرفت أن النزاع خاص بالرباعية، و إلا فقد سمعت أن الشيخ نقل الإجماع على بطلان صلاة من صلى المغرب أربعا،

و احتمال أن ذلك كله خرج بالإجماع و نحوه و إلا كان مقتضى القاعدة الصحة لا ينبغي أن يصدر ممن له نظر و تأمل في أطراف هذه المسألة، بل الاعتماد على مثل ذلك نوع من التعويل على الهباء و الاتكال على المنى، و ثانيا أن البطلان لم ينشأ من جهة النسيان بل لأنه لم يخرج عن الصلاة حينئذ سيما بعد نية المصلي إتيان الركعة داخلة في الصلاة مع فعل ما يبطلها عمدا و سهوا كالركوع و غيره.

لا يقال: إذن لا يتحقق صورة نسيان التسليم أبدا بحيث تصح معه الصلاة، لأنا نقول: قد يتحقق في صورة تخيل المصلي الخروج عن الصلاة و فعل المنافي حينئذ بهذا الزعم، و يكون خروجه حينئذ بمجرد الاعراض عن الصلاة و تخيل التمام، و احتمال أن


1- 1 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.

ج 12، ص: 254

الخروج في المسألة متحقق بفعل المنافي أيضا الذي هو القيام يدفعه منع إخراج القيام له مع نية أن هذا الفعل منه للصلاة، لتخيله أنها ثلاثة مثلا، و من هنا ترى أن العرف لا يرتاب في كون القائم بزعم عدم الإتمام زائدا في الصلاة باقيا على التلبس بها غير خارج عنها فاعلا للمنافي في أثنائها، بخلاف ناسي السلام سهوا مع البناء على الخروج عن الصلاة و الاعراض عنها، و إن كان التحقيق عدم الفرق بينهما، على أنه قد عرفت اقتضاء القاعدة البطلان في الإخلال بكل واجب عمدا و سهوا، و ما دل على اغتفار السهو إن لم نقطع بعدم شموله لمثل المقام و إلا فالشك لا ينبغي أن ينكر، فتبقى القاعدة سالمة، و أيضا لو كان يخرج المصلي بالقيام لم يتجه الحكم منهم بالتدارك إن ذكره قبل الركوع، لعدم إمكان تداركه للخروج عن الصلاة، مع أنه عن بعضهم نفي الخلاف في وجوب التدارك و صحة الصلاة، و عن الآخر لا إشكال فيه، نعم ربما وقع إشكال في سجود السهو، كل ذا مع أنه لا مانع من التزام أن لا صورة يتحقق فيها السهو عن التسليم مع صحة الصلاة كما يظهر من المصنف فيما يأتي، فإنه ظاهر في أن ناسي التسليم إن ذكر ذلك بعد فعل ما يبطل الصلاة عمدا و سهوا بطلت صلاته، و إن ذكره بعد فعل ما يبطلها عمدا لا سهوا فالأشبه الصحة و يأتي بالتسليم حينئذ، فساوى بينه و بين نقصان الركعة كما ستعرف، بل لعله التحقيق.

هذا كله مضافا إلى الأخبار المعتبرة المنجبرة بالشهرة المحصلة و المنقولة و إجماع الغنية و غيره، منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (1)و هي تجري مجرى الصحيح، بل أقوى

من بعض الصحاح «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا»

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير(2): «من زاد في صلاته فعليه


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 255

الإعادة»

و مضمرة الشحام (1)«سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات قال: إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد»

بل قد يستدل عليه بالحكم بالإعادة في الوقت لو نسي المقصر و أتم صلاته، فإنه من المسألة عند التأمل، و بالأخبار(2)المتضمنة لإعادة الصلاة من ركعة لا من سجدة و غيرها، و قد عرفت فساد القول بأن مثل ذلك ليس زيادة في الصلاة بناء على وجوب التسليم، بل لم يدع هذا أحد قبل المصنف فيما نقل عنه العلامة في المختلف، مع أنه لو كان بالجلوس بمقدار التشهد يفرغ من الصلاة و إن لم يتشهد لما وجب عليه التدارك قبل الركوع، إلا أن يكون على جهة القضاء، و كذا لو كان الجلوس للتروي.

و بالجملة كيف يكون الجلوس الذي هو واجب عليه مخرجا له عن الفرض مع أن لو سها عن التشهد مع الجلوس بقدره ثم ذلك قبل أن يقوم لا إشكال في وجوب التشهد عليه على وجه التدارك، و لو كان هذا الجلوس مخرجا لكان لا معنى لوجوب التدارك و يلزمه إما القول بأنه لا مصداق لهذه الروايات أو القول بأنه إن كان قد جلس بمقدار التشهد ليست زيادة، و إن كان لم يجلس كان زيادة في الصلاة، و كل منهما فيه ما لا يخفى و من هنا استند المخالف إلى ما تسمعه من دعوى القول بندبية

التسليم المعلوم ضعفها فيما تقدم، أو إلى الأخبار التي منها

صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «عن رجل صلى خمسا فقال: إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته»

و خبر محمد بن مسلم (4)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل استيقن بعد ما صلى الظهر أنه صلى خمسا قال: و كيف استيقن؟ قلت: علم، قال: إن كان علم أنه جلس


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 5.

ج 12، ص: 256

في الرابعة فصلاة الظهر تامة، و ليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة و سجدتين فيكونان ركعتين نافلة و لا شي ء عليه»

و خبر جميل بن دراج (1)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل صلى خمسا قال: إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهد فعبادته جائزة»

و هي- مع الطعن في سند البعض، و إعراض المشهور عنها، و موافقتها للعامة، و اشتمالها على مخالفة القواعد في المسألة و غيرها من انعقاد الركعتين نافلة بغير نية و لا تكبيرة إحرام- غير ظاهرة الدلالة على ما ذكروه، لاحتمال حملها على ما هو المتعارف المعلوم من أنه إذا جلس عقيب الرابعة يكون مشغولا في التشهد، إذ من المستبعد جدا بقاؤه

جالسا، بل قد وجد مثل هذا الإطلاق و إرادة التشهد منه كما في بعض أخبار سبق الإمام المأموم (2)فإنه أمر باللبث قدر التشهد ثم لحوق الامام، و المراد به التشهد، و المراد حينئذ بالجلوس بمقدار التشهد ما يشمل التسليم، لإطلاق التشهد على الشامل له، و لا ينافيه قول السائل: «صلى خمسا» مثلا، لأن المراد أنه تنبه و إذ قد وقع منه خمس ركعات فبين الامام (ع) طريقا لمعرفة حاله السابق من الجلوس و عدمه بأنه إن كان جالسا علم حينئذ أو ظن أنه قد تشهد و سلم و قام، لاستبعاد غيره، و إلا أعاد، و ربما يؤيده

قوله (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (3): «فيكونان نافلة»

إلى آخره، بل و

قوله (عليه السلام) فيه: «و لا شي ء عليه»

إذ لو كان ناسيا لأمره بقضائه، بل جميع هذه الأخبار محتملة بعد حمل الجلوس قدر التشهد فيها على التشهد لأن تكون سندا للقائلين بندبية التسليم، بل استظهره منها بعضهم، فتخرج حينئذ الاستدلال، نعم يرجع للبحث عن أصل وجوب التسليم و قد أثبتناه، بل قد يقال: إن المقصود من


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 257

قوله: «إن جلس» إلى آخره، في هذه الأخبار إرادة استنباط حال المصلي هل فرغ من الصلاة ثم شرع في غيرها و لو بإتمامها ساهيا فلا

تكون زيادة في الصلاة، أو أنها زيادة فيها فأراد معرفة حاله بهذا الطريق.

و من هنا يمكن أن يقال بشي ء، و هو لو رأى المصلي نفسه أنه في خامسة أو سادسة و لكن وقع له الشك في أنه هل كان قد فرغ من الصلاة و أن هذه ابتداء صلاة جديدة أو أن هذه زيادة في الفريضة وقعت منه سهوا فإنه قد يقال بالصحة حينئذ حملا لما وقع من المسلم عليها، بل قد يكون هذا الشك منه شكا في الشي ء بعد دخوله في شي ء آخر، فلا يلتفت، بل يحتمل القول به لو رأى نفسه قائما قبل تحقق الركوع منه فيبني على الصحة لما ذكرنا أيضا، و لا منافاة فيه لكلام الأصحاب، إذ المراد منه أنه بعد أن علم أنه لم يقع منه تشهد و لا تسليم لا ما ذكرنا، بل يمكن القول فيها بالصحة أيضا فيما لم يتنبه المكلف إلا و هو في خامسة مع علمه بعدم وقوع التشهد و التسليم منه، لكنه يحتمل أنه نسيهما فابتدأ في صلاة جديدة و قلنا بصحة الصلاة في مثله، و يحتمل أن ذلك وقع منه زيادة في الصلاة، فإن أصالة الصحة تقضي بكون الواقع منه على الوجه الأول، لأنه هو الصحيح، و إن كان الجزم بذلك لا يخلو من إشكال، فتأمل.

و لعل خبر محمد بن مسلم (1)الآتي منزل على بعض ما ذكرناه، و ما فيه من التشهد و التسليم في الأثناء لعله مبني على جواز قضاء المنسي و لو في أثناء النافلة، لكونه غير مناف لها، فتأمل جيدا، فإنه لا يتم تنزيله على ذلك.

كيف كان فقد ظهر لك أن هذه الأخبار لا تصلح لأن تكون مقيدة لإطلاق تلك الأخبار الصحيحة الموافقة للقواعد الشرعية المنجبرة بالشهرة المحصلة و المنقولة و إجماع الغنية و غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.

ج 12، ص: 258

هذا كله بناء على وجوب التسليم، و أما بناء على ندبيته فقد عرفت أن بعضهم استوجه الصحة، و فيه أنه ينبغي اشتراطها بالتشهد مع نسيان التسليم لا بالجلوس بمقداره و إن لم يتشهد، لأنه حينئذ لم يفرغ أيضا من الصلاة، لعدم الاكتفاء بالجلوس، و الاكتفاء بذلك فيه يقضي بالاكتفاء بالجلوس أيضا بقدر التسليم و إن لم يسلم بناء على وجوبه، فلا ينبغي تخصيص الصحة حينئذ بالندبية، مع احتمال أن يقال و إن كان بعيدا إنا و إن قلنا بندبية التسليم و حصول التشهد منه لكن نقول ببطلان الصلاة أيضا، لاشتراط الخروج حينئذ بنية الخروج مثلا و الاعراض عن الصلاة و نحو ذلك، لا بتمام الأجزاء الواجبة، و إلا لم يكن معنى لندبية التسليم و جزئيته، بل لا بد حينئذ من القول بكونه خارجا عن الصلاة مستحبا، و هو بعيد، فحينئذ يصدق عليه أنه زاد في صلاته ركعة و إن قلنا بالاستحباب و به يتم الفساد، و من هنا تعرف أن بناء المسألة على الاستحباب أو الوجوب غير متجه إلا إذا قلنا بخروجه على تقدير الاستحباب عن الصلاة قهرا، و يكون التسليم مستحبا خارجيا و إن كان هذا غير لازم لدعوى الاستحباب.

و حيث بان لك فساد القول بالصحة استغنينا عن ذكر كثير من المسائل المترتبة عليه على التفصيل، و لا بأس بذكرها على الاجمال، منها ما عرفت الإشارة إليه من التعدية لغير الرباعية، و قد عرفت أن المدارك في المسألة مختلفة، فبعضها يقضي بالتعدي كالتمسك بأن الأمر يقتضي الاجزاء، و ما تقدم من حكاية السهو و نحو ذلك، و آخر يقضي بالاقتصار، كالتمسك بالروايات الخاصة، مع احتمال أن يقال بالتعدية أيضا تنقيحا للمناط و فهما من الروايات أنه لا خصوصية للرباعية، و منها الظاهر أنه لا فرق بين زيادة ركعة أو أكثر كما يقتضيه عموم الجواب في الأخبار و القاعدة لو كانت هي المنشأ، بل قد يقال إن الركعتين أولى بالبناء على النافلة، و منها القول بالصحة لو ذكر بعد الركوع قبل السجود، بل هو أولى، نعم يبقى الكلام في أنه حينئذ هل له أن يصيرها نافلة أو أن

ج 12، ص: 259

ذلك مخصوص بما إذا جاء بركعة؟ وجهان، و احتمال القول بأنه يتشهد و يسلم للصلاة ثم يسجد متما للركعة و يضيف إليها أخرى فتكون نافلة في غاية الضعف، لكونه تصرفا من غير إذن من الشارع، و منها أن القائلين بالصحة يشترطون العلم بحصول الجلوس منه أما لو لم يعلم مع العلم بأن ما هو فيه ليس ابتداء صلاة جديدة فالظاهر الفساد عندهم، و ما ورد في بعض الأخبار ك

خبر محمد بن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام)- قال:

«سألته عن رجل صلى الظهر خمسا قال: إن كان لا يدري جلس عقيب الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر، و يجلس و يتشهد ثم يصلي و هو جالس ركعتين و أربع سجدات و يضيفهما إلى الخامسة فتكون نافلة»

- لا يقولون به، فحينئذ يكون معرضا عنه

كبعض الأخبار(2)«أنه صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شي ء؟

قال: و ما ذاك؟ قال: صليت بنا خمس ركعات قال: فاستقبل القبلة و كبر و هو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة و لا ركوع ثم سلم، و كان يقول: هما المرغمتان»

أو يحملان على بعض الوجوه الصحيحة التي لا تخفى على المحيط بما قدمنا، بل قد عرفت منه سقوط ذلك كله عندنا، و أن الصحة محصورة بالذاكر قبل الركوع دون ما عداه حتى لو ركع إلا على القول بالإرسال، مع أن الأقوى خلافه كما تسمع إن شاء الله.

و أما بطلان الصلاة بزيادة الركوع و السجدتين ففي تعليق الإرشاد و مجمع البرهان الإجماع

عليه في الثاني، و في المدارك أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا، و بلا خلاف كما في الرياض كما عن غيرهما، لكن ينبغي تخصيص ذلك فيما يأتي من الخلاف بالإرسال و بما مضى من مسألة الركعة و بما تقدم من كلام الشيخ في مسألة التلفيق، فإنه يرجع إلى عدم قدح زيادة الركوع و السجدتين، و كيف كان فالوجه فيه- بعد القاعدة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 9.

ج 12، ص: 260

المحكمة التي لا زالت العلماء يستدلون بها من أن زيادة الركن كنقيصته مخلة بهيئة العبادة التوقيفية- الأخبار المتقدمة سابقا، ك

قوله (عليه السلام): «إذا استيقن أنه زاد في صلاته ركعة لم يعتد بها و استقبل الصلاة استقبالا»

و قوله عليه السلام: «لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة»

فإن مقابلتها بالسجدة قاضية بإرادة الركوع، خصوصا و قد أطلقت عليه في جملة من النصوص، بل هذا هو الموافق للنظم إن لم يثبت مراد شرعي بالركعة، فتأمل، إلى غير ذلك من الأخبار المتقدم بعضها في صورة النقصان نسيانا، بل قد يستدل أيضا ب ما دل (1)على أن الصلاة ثلاثة أثلاث: طهور و ركوع و سجود، و غيرها من النصوص، و المناقشة في بعضها بأنه يلزم أن يكون الخارج أضعاف الداخل و هو

ممنوع يدفعها أولا ما بيناه في الأصول من أن المدار على الاستنكار العرفي و ثانيا أن هذا العموم ليس لغويا فلا يجري فيه ذلك، هذا، و ليعلم أن هناك مواضع استثنوا فيها اغتفار زيادة بعض الأركان ليس هذا موضع ذكرها، و تأتي إن شاء الله في محالها.

و قيل: لو شك في الركوع فركع ثم ذكر أنه ركع أرسل نفسه ذكره ثقة الإسلام و الشيخ و علم الهدى (رحمهما الله) و الحلي و ابنا حمزة و زهرة على ما حكي عن بعضهم بل عن الأخير الإجماع عليه، و قواه بعض المتأخرين و الأشبه البطلان كما في النافع و التحرير و المختلف و المنتهى و التنقيح و عن ظاهر الحسن و صريح جمع من المتأخرين، بل ربما نسب إلى أكثرهم، بل في التنقيح أن عليه الفتوى، و هو الأقوى في النظر، للأصل المتقدم سابقا، إذ هو إخلال بالهيئة، فلم يأت بالمأمور به على وجهه، و

قول الباقر (عليه السلام) في الحسن كالصحيح (2): «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الركوع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 261

ركعة لم يعتد بها و استقبل صلاته استقبالا»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير(1)«من زاد في صلاته فعليه الإعادة»

كقوله في خبر ابن حازم (2)و نحوه

خبر عبيد بن زرارة(3): «لا يعيد الصلاة من سجدة و يعيدها من ركعة»

بناء على أن المراد بها الركوع، و في التنقيح الاستدلال عليه بأنه زاد ركنا، و كل من زاد ركنا تبطل صلاته أما الكبرى فإجماعية، و أما الصغرى فلأن الركوع لغة الانحناء، انتهى. و كلامه يعطي أن كون الركوع ركنا لا كلام فيه، إنما الكلام في كون هذا من الركوع أولا و في المختلف و غيره أنه لا خلاف في أن زيادة الركوع مبطلة، و ما تقدم من القول بالتلفيق لا يقضي بنفي الركنية مطلقا، فإنهم لعلهم اغتفروه في ذلك المقام الخاص، و هو تدارك السجدتين المنسيتين.

فإذا علمت ذلك ظهر أن مستند المتقدمين لا يخلو من أمرين إما الوقوف على رواية تدل على اغتفار مثل ذلك كما يقضي به إيراده في مثل النهاية التي هي متون أخبار أو أن هذا ليس ركوعا، لأنه مأخوذ فيه رفع الرأس، و لهذا لو ذكر بعد رفع رأسه بطلت صلاته إجماعا، و الأول لا يجوز الفتوى به بمجرد الاحتمال، و الثاني واضح الفساد ضرورة عدم مدخلية رفع الرأس في الركوع، و لذا لو سها عنه لم تبطل صلاته لترك الركوع قطعا، و تبين كون الركوع حاصلا لا يقضي بأن هذا ليس ركوعا، و كون الهوي إلى السجود كان واجبا عليه و هذا قد اشتمل عليه و لم يزد إلا مجرد الطمأنينة كذلك لا يخرجه عن هذا الاسم، و إلا لتأتي في صورة العمد أيضا.

و دعوى أن نية الركوعية و الطمأنينة لا تشخصه ركوعا، لأنها معارضة بالنية الأولى المقتضية لكونه هويا للسجود، و هي مستدامة، و المستدامة بحكم المبتدأة، و من


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 3.

ج 12، ص: 262

هنا أجمعنا على صحة صلاة من أوقع أفعالا بنية ركعة معينة من الصلاة فتبين أنه في غيرها بل قد سلف أيضا أنه لو دخل في صلاة بنية الفرض ثم عزبت عنه إلى النفل سهوا و أتمها بنية النفل كانت صحيحة، و أما الطمأنينة فليست بركن، فلا تضر زيادتها، يدفعها أن النية الأولى لا تخرج المسميات عن المسمى اللغوي، و المثالان ليسا من هذا القبيل، مع أنه عليه تتجه الصحة حينئذ و لو رفع رأسه، إذ لا زيادة إلا هذا الرفع الذي لا يقدح زيادته، لكونه ليس ركنا، و ليس هو أعظم من القيام في غير محله، و ما في المدارك- من أن هذه الزيادة لم تقتض تغيير هيئة الصلاة، و لا خروجا عن الترتيب الموظف، فلا تكون مبطلة و إن تحقق مسمى الركوع، لانتفاء ما يدل على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نص أو إجماع- في غاية الضعف من وجوه، و ما يقال: إنه مأمور بذلك- و مقتضاه عدم ترتب الفساد عليه بوجه من الوجوه- فيه- مع نقضه بصورة الرفع، بل و بغيره من الأركان المتداركة عند الشك مع تبين الخلاف- أن ظواهر الأوامر الآمرة بتلافي المشكوك فيه عدم الفساد ما دام باقيا على ذلك الحال لا ما إذا انتقل منه إلى اليقين، مع أنه يجب صرف الظاهر عن ظاهره لما سمعت من الأدلة، نعم يمكن التمسك لهم بالإجماع المنقول عن الغنية، و يؤيده فتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات كالمرتضى و ابن إدريس، لكن ذلك بمجرده لا يجوز الجرأة به على هذا الحكم المخالف للأصول و الضوابط، و ما سمعته من إطلاق الأخبار مع إعراض أكثر المتأخرين، و طريق الاحتياط الإتمام و الإعادة.

ثم اعلم أن الحاكمين بالصحة اختلفوا فبين من خص ذلك بالأخيرتين كما عن النهاية و الوسيلة و بين من عمم الحكم لهما كما عن غيرهما، و كأن الأول مبني على أن السهو متى دخل الأولتين في الركعات أو الأفعال أفسد، فالمفسد حينئذ نفس تعلق الشك بالركوع فيهما لا زيادته بالخصوص فيهما، و يأتي التعرض إن شاء الله لبطلانه.

ج 12، ص: 263

و لو ذكر قبل الوصول إلى حد الراكع فالظاهر الصحة، لعدم تحقق زيادة الركوع منه، لكن هل يجب عليه الانتصاب للسجود أو يكفي ما حصل منه من الهوي و إن كان لغيره، و المسألة سيالة في غير المقام، مثل من هوى لا للركوع حتى وصل إلى حد الراكع ثم ذكر أن عليه ركوعا، و مثله السجود و نحو ذلك، فيحتمل عدم الوجوب، لكون مثل هذه الأشياء مقدمات لا واجبات في الصلاة لأنفسها، فلا يقدح حصولها على أي وجه يكون، و يحتمل قويا الوجوب، لمنع كونها مقدمات، لأنه بالنية و تكبيرة الإحرام في الصلاة حتى يتحلل بالتسليم إلا ما خرج من قتل عقرب مثلا و نحوه، و يتفرع على الوجهين وجوبها و عدمه على تقدير تعذر الركوع و السجود مثلا، فتأمل جيدا، و قد يأتي التعرض لذلك إن شاء الله.

و إن نقص ركعة فما زاد كما صرح به في النافع، بل هو الظاهر من كل من تعرض لهذه المسألة، فما عن المحقق الثاني- من أن مراد المصنف بقوله: «و إن نقص» ما يتناول نقص الركعة فما زاد و نقص الركوع- لا أعرف له وجها، إذ نقصان الركوع إن كان مع الإتيان بالسجود فمبطل للدخول في ركن، فلا يجري عليه شي ء من الأحكام الآتية، و إن كان مع نقصان السجود فهو من نقصان الركعة، على أنه قد ذكر سابقا نقصان الركوع و السجدتين، نعم يمكن إجراء الأحكام الآتية في الناسي للسجدتين من الأخيرة حتى سلم، فلو أبدل الركوع بالسجود لكان له وجه، كما أنه يمكن إبداء وجه لنقصان الركوع بحيث تجري عليه أحكام المسألة بأن يقال لو نقص ركوعا و سجد سجدة واحدة و قلنا إن مثل ذلك لا يقدح في تلافي الركن كما اختاره سابقا في المدارك فإنه يتجه حينئذ جميع الأحكام من الإتمام إن ذكر قبل فعل شي ء مما يبطلها، و الإعادة إن ذكر بعد فعل المبطل عمدا و سهوا، و التردد، مع أن الأشبه الصحة إن ذكر بعد فعل المبطل عمدا لا سهوا، و الأمر سهل.

ج 12، ص: 264

و كيف كان فان ذكر قبل فعل ما يبطل الصلاة في العمد خاصة أو في العمد و السهو و لم يحصل مناف للصلاة أتم و لو كانت ثنائية بلا خلاف أجده فيه على الظاهر كما اعترف به في المدارك، بل الظاهر أنه متفق عليه إلا على القول إن الأولتين لا يتعلق بهما سهو أبدا، فإنه يتجه حينئذ التفصيل، لكنه في غاية الضعف، بل لا ينبغي الالتفات اليه، و يدل عليه مضافا إلى ما يمكن أن يستفاد من كلماتهم من دعوى الإجماع عليه أن كل من نقص شيئا للسهو عنه و ذكر قبل أن يدخل في ركن آخر وجب عليه، و الفرض أنه لم يقع منه هنا إلا تشهد أو تسليم في غير محله سهوا، و هو لا يقضي بفساد الصلاة، لكونه ليس من ذلك، و الأخبار الكثيرة المعتبرة الآمرة بالإتمام بعد الذكر، و محل الفرض هو المتيقن من بين الأفراد، إنما الكلام في دخول غيره معه، و دعوى أن السلام مخرج عن الصلاة قهرا ممنوعة أشد المنع، بل المعلوم منه ما كان في محله.

و إن ذكر النقص بعد أن فعل ما يبطلها عمدا و سهوا أعاد بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن الصدوق في المقنع، قال: «فان صليت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجة فأضف إلى صلاتك ما نقص منها و لو بلغت الصين و لا تعد الصلاة، فان إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن» مع أن المنقول عن كشف اللثام و المجلسي أنهما قالا: إن الموجود فيما عندنا من نسخ المقنع «و إن صليت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة، و لا تبن على ركعتين» و نحوه في مفتاح الكرامة، فلم تكن المسألة من المتحقق فيها الخلاف، فما يظهر من بعض متأخري المتأخرين من الميل إليه أخذا بظواهر بعض الأخبار الموافقة للعامة المعارضة بأقوى منها المعرض عنها بين قدماء الأصحاب و متأخريهم إعراضا يسقطها عن الحجية إنما نشأ من اختلال الطريقة، لعدم المبالاة بكلام الأصحاب حجج الله في أرضه و أمنائه على

ج 12، ص: 265

حلاله و حرامه في جنب الخبر الصحيح، و كيف لا و لو أراد الإنسان أن يلفق له فقها من غير نظر إلى كلام الأصحاب بل من محض الأخبار لظهر له فقه خارج عن ربقة جميع المسلمين بل سائر المتدينين، فالتحقيق حينئذ أنه كلما كثرت الأخبار و ازدادت صحة و مع ذلك أعرض الأصحاب عنها و لم يلتفتوا إليها مع أنها بين أيديهم بمنظر منهم و مسمع تزداد و هنا، و يضعف الاعتماد عليها لحصول الظن بل القطع بعدم كونها على ما هي ظاهرة فيه، هذا مع الغض عن كونها معارضة بأخبار أخر مخالفة للعامة معتضدة بقواعد الباب، بل معتضدة بما دل على بطلان الصلاة بالحدث مثلا و الاستدبار و نحو ذلك خالية عما اشتملت عليه جملة من تلك الأخبار من سهو النبي (صلى الله عليه و آله) المخالف لقواعد الإمامية العقلية، فمن العجيب بعد ذلك كله ما يظهر من بعض المتأخرين من حملها على الجواز جمعا بينها و بين ما دل على الإعادة و الاستقبال، إذ هو مع أنه في الحقيقة إحداث قول ثالث فرع التكافؤ، و قد عرفت عدمه من وجوه عديدة، فالمتجه حينئذ طرحها أو حملها على ما لا ينافي المقصود.

و إن كان يبطلها عمدا لا سهوا كالكلام و لو في السؤال عن نقصان الصلاة فيه تردد ينشأ من أنه كالوقوع في الأثناء سهوا، بل يشمله ما دل على اغتفاره سهوا مضافا إلى الأخبار الحاكمة بالصحة، بل منها ما هو صريح في وقوع الكلام منه المنجبرة بشهرة الأصحاب، و من أن ذلك من قبيل العمد لا السهو، لأن الفرض أنه تكلم عامدا لذلك بزعم الفراغ، و لذا يصح لو كان عقدا أو إيقاعا، مع أن المنقول عن المبسوط أن فيه رواية، بل قد عرفت أن القاعدة تقضي بالبطلان في الجميع، و المتيقن من القاعدة الثانية غير هذا الفرد، فيبقى داخلا تحت الأولى.

و الأشهر الأشبه الصحة وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، بل لعل عليه عامة المتأخرين، خلافا للمحكي عن النهاية و الجمل و العقود و الوسيلة و الاقتصاد و المهذب

ج 12، ص: 266

و الغنية، فيعيد الصلاة، بل في الأخير الإجماع عليه، و عن الحلي أنه أوجب الإعادة إذا نقص ركعة و لم يذكر حتى ينصرف، و أطلق في كشف اللثام، و قيل: و كذا الحسن، و لظاهر المحكي عن المبسوط عن بعض أصحابنا من التفصيل بين الرباعيات و غيرها، لمنع اندراجه في العمد المفسد، إذ هو القصد للفعل مع التنبه للصلاة كما أوضحناه في أول الفصل، و لا ينافيه صحته لو كان عقدا أو إيقاعا، لكونه مقصودا، و منع جواز الاعتماد على مرسلة المبسوط التي لم نجدها في الجوامع العظام كالوسائل، خصوصا بعد إعراضه نفسه عنها فيه، أو إجماع الغنية الموهون بمصير الأكثر إلى خلافه و بالأخبار المعتبرة و غيرهما، كمنع اقتضاء القاعدة ذلك، بل استصحاب الصحة و صدق اسم الصلاة عندنا، و ما دل على اغتفار زيادة ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة سهوا، و اغتفار تخلل الكلام و نحوه إذا كان كذلك من إجماع و نصوص قاضية بالصحة، و احتمال اختصاص ذلك بالانفراد دون الاجتماع ينافيه إطلاق دليل العفو عن كل منهما المؤيد بشمول العفو في غير المقام لسائر ما ورد به حالتي الاجتماع و الانفراد.

على أنه يجب الخروج عنها بعموم الأدلة الدالة على العفو عن السهو فيهما و نحوهما فضلا عن الخصوص، ك

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم و هو يرى أنه قد أتم الصلاة و تكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين فقال: يتم ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه»

بل

و صحيح زرارة(2)عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم فقال: يتم

ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم و لا شي ء عليه»

و إطلاق غيرهما من الأخبار الكثيرة جدا المصرح في بعضها بغير الرباعية و إن كان قد اشتمل جملة منها على ما هو محمول على التقية أو غيرها من قصة ذي اليدين و غيرها، إلا أنه لا ينافي الاستدلال بها على المطلوب،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 267

و خبر علي بن النعمان الرازي (1)قال: «كنت مع أصحاب لي في سفر و أنا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت بالركعتين الأولتين فقال أصحابي: إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم و كلموني، فقالوا: أما نحن فنعيد، فقلت: لكني لا أعيد و أتم بركعة، فأتممت بركعة ثم سرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فذكرت الذي كان من أمرنا فقال لي: كنت أصوب منهم فعلا، إنما يعيد من لا يدري ما صلى»

و إن كان فيه إشكال باعتبار وقوع الكلام منه عمدا بعد العلم بالحال، لكن يمكن إرادة إضمار القول منه بذلك، لا أنه قال ذلك صريحا، أو مبني على ما حكي عن موضع من التهذيب من احتمال أن يكون من سلم في الصلاة ناسيا فظن أن ذلك سبب لاستباحة الكلام، كما أنه سبب لاستباحته بعد الانصراف كالمتكلم ناسيا في عدم وجوب الإعادة عليه، و إن كان هو كما ترى.

فمن العجيب بعد ذلك كله ما عن الأردبيلي من نفي البعد عن التخيير بين الإعادة و عدمها، بل قضية إطلاق هذه الأخبار إن لم يكن صريح بعضها- بل هو قضية العبارة و غيرها، بل في التذكرة نسبته إلى ظاهر علمائنا، بل في الرياض إرسال الإجماع عليه- عدم الفرق بين طول الفصل و عدمه، للأصل، و عدم ثبوت إبطال المحو لصورة الصلاة بالفعل الكثير و نحوه في حال السهو، خصوصا في مثل المقام، بل الثابت فيه خلافه، لظاهر جملة من أخباره في تناوله، بل كاد يكون صريح

الحسن (2)«قلت: أجي ء إلى الامام و قد سبقني بركعة في الفجر فلما سلم وقع في قلبي أني أتممت فلم أزل أذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس، فذكرت أن الامام قد سبقني بركعة، قال: فان كنت في مقامك فأتم بركعة، و إن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة»

و إن كان لا صراحة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 268

في سؤاله بحصول الكلام، إلا أنه قد يدعى ظهور الجواب في دوران الحكم على الانصراف و عدمه، خلافا للمحكي عن الشافعي و مالك و أحمد من الإعادة مع طول الفصل، بل مال اليه أو قال به في التذكرة كما عن المحقق الثاني في حاشية النافع، بل يرجع اليه ما عن المختلف و الروض من الحكم بالإعادة لو خرج عن كونه مصليا، فلو افتتح حينئذ فريضة جديدة بعده ثم ذكر صحت لفساد الأولى به، فلا يقع افتتاح

الجديدة حينئذ في أثنائها، أما عندنا فيقوى فسادهما معا، كما إذا لم يفصل، لزيادة تكبيرة الإحرام التي هي ركن في أثناء الأولى فتفسدها و إن لم تكن لها، لإطلاق ما دل على الإعادة بالزيادة، خصوصا بعد

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر زرارة(1): «لا تقرأ في المكتوبة شيئا من العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة»

الظاهر في كونه زيادة في الصلاة و إن كان للتلاوة، و ل

خبر زرارة(2)المروي في المستطرفات عن كتاب حريز «لا قران بين صومين، و لا قران بين صلاتين، و لا قران بين فريضة و نافلة»

بناء على أن المراد من القران بين الصلاتين الشروع في الأخرى قبل انتهاء الأولى كالقران بين الحج و العمرة، لا خصوص الجمع بينهما بنية واحدة، و أن المراد النهي عن القران الشامل للفريضتين.

و

قول علي بن الحسين (عليهما السلام)(3)في المروي عن قرب الاسناد و كتاب مسائل علي بن جعفر «وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى عمل في الصلاة، و ليس في أثناء الصلاة عمل»

بناء على إرادة عدم مشروعية عمل في الصلاة غيرها، و إن كان يمكن دعوى ظهوره في عدم

مشروعية عمل في الصلاة على أن يكون منها من دون توقيف


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النية- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 12، ص: 269

من الشارع، و إلا فلا بأس بنية الصوم في أثناء الصلاة، و لا بإيتاء الزكاة في أثنائها و لا بغير ذلك مما لا ينافيها، بل لا بأس بالمعاملة و لا بالإيقاع في أثنائها لمن ظن الفراغ منها ناسيا ثم ذكر أنه في أثنائها، و على كل حال لعدم وقوعها في محلها من حيث كونها في أثناء الأولى لم يحصل بها افتتاح بعد أن حصل بها الفساد، ضرورة عدم حصوله إلا بتمامها، فكيف يتصور انعقاد الجديدة بها.

لكن في التذكرة و عن نهاية الأحكام و الذكرى و البيان و الروض عدم بطلان الأولى مع فرض الشروع في الثانية قبل حصول ما يبطلها، لعدم كون التكبير زيادة و ركنا في تلك الصلاة، بل احتمل فيها جعل ما شرع فيها من الصلاة الثانية تتمة للأولى إذ وجود السلام بعد أن وقع سهوا كعدمه، بل لم يستبعده الأستاذ في كشفه، بل عن الذكرى المروي العدول، بل عن الروض و غيره أن الأصح عدم الاحتياج إلى العدول لعدم انعقاد الثانية، نعم ينبغي ملاحظة كونه في الأولى من حين الذكر بناء على تفسير الاستدامة الحكمية بأمر وجودي، و على الأصح في الأفعال الباقية عدم إيقاعها بنية الثانية، بل في كشف اللثام احتمال العدول بالنية و القطع ثم إتمام السابقة، أو إتمام اللاحقة ثم إتمام السابقة، و في الذكرى «أن الأول مروي، و عليه إن قلنا ببطلان الأولى لزيادة النية و التكبير عدل في جميع الثانية، و إلا ففيما وافق المنسي» انتهى.

فتلخص حينئذ احتمال بطلانهما، و صحتهما معا، و بطلان الأولى و صحة الثانية و العكس، مضافا إلى احتمال العدول، و احتمال اختصاص ذلك في الفريضة المفتتحة، أما النافلة فلا يتأدى الفرض بنية النفل، لكن ذلك كله كما ترى، و إن كان ربما يؤيد صحة الأولى- مضافا إلى ما في

المرسل (1)عن صاحب الأمر (عليه السلام) من الاجزاء عن الفريضة الأولى و اغتفار ما زيد من الأركان، قال فيه: «إنه كتب إليه الحميري


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 270

يسأله عن رجل صلى الظهر و دخل في صلاة العصر فلما صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، و إن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر و صلى العصر بعد ذلك»

و لعله المراد بما في الذكرى من أنه المروي- ظهور الصحة لو تبين له النقصان بعد الدخول في ركعات الاحتياط، إلا أنه قد يفرق

بينهما بظهور الأدلة في الأخير دون غيره، أو يلتزم الفساد فيه أيضا، فتأمل جيدا.

و من ذلك كله يظهر لك وضوح فساد الصلاة المفتتحة قبل إفساد الأولى بمفسد قبل الشروع، فلو أعاد حينئذ من نقص صلاته و لم يذكر إلا بعد السلام قبل أن يفعل المفسد لم يصح، و الاعراض من دون فعل المنافي غير كاف، كما أنه لا يكفي فيه حصول القيام معه للثانية، لمنع حصول البطلان به و إن تعمده ما لم يدخل في الفعل الكثير، و لو كان في مواضع التخيير و عزم على التمام و سلم على اثنين صحت صلاته، و في جواز البناء على الإتمام و إجراء حكم السهو أو لزوم ذلك وجه قريب، و لو زعم الإتمام على ركعة فذكر قبل فعل المفسد فقام ثم زعم الإتمام ثم ذكر فقام و زعم الإتمام ثم ذكر فقام و أتى بعد الجميع بالسلام و الكلام تكرر عليه وجوب سجود السهو بحيث ينتهي إلى ثمان أو ستة عشر بتكرر الكلام مثلا و السلام كما هو واضح.

و كذلك التفصيل السابق لو ترك التسليم نسيانا بناء على وجوبه و جزئيته ثم ذكر فتبطل لو ذكره بعد فعل المنافي عمدا و سهوا، لوقوعه حينئذ في أثناء الصلاة إذ لا مخرج شرعا عن حكمها غيره، كما أنها تصح و يتلافاه لو ذكره قبل فعل شي ء ينافيها قطعا، و على الأقوى لو كان بعد ما يبطلها عمدا لا سهوا، و لكن قد يشكل الأول بعموم ما دل على عدم بطلان الصلاة بنسيان غير الركن من إجماع و نصوص، و خصوص

ج 12، ص: 271

إطلاق

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم قال: تمت صلاته»

كصحيحه الآخر(2)«في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد قال: ينصرف و يتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته»

بل و

حسن الحلبي (3)عن الصادق عليه السلام «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، و إن كنت قد تشهدت فلا تعد»

كخبره الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا نسي أن يسلم خلف الإمام أجزأه تسليم الامام»

و خبر غالب بن عثمان (5)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته و يتشهد ثم ينام قبل أن يسلم قال: تمت صلاته، و إن كان رعافا فاغسله و ارجع فسلم»

بل قضية ما عدا الحسن و ما بعده مما ذكرنا ذلك حتى لو نسي التشهد معه أيضا، كما يدل عليه مضافا إلى ما سمعت

خبر عبيد بن زرارة(6)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال: تمت صلاته، و إنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ و يجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد»

ك خبره الآخر(7)و خبر ابن مسكان (8)عن الصادق (عليه السلام) أيضا، بل و غير هما المتناولة كالسابقة صورة النسيان أو المحمولة عليها، بل قضية ما عرفت أولا ذلك حتى لو نسي سجدة من السجدتين الأخيرتين معهما.

و لعله لذلك كله جزم في المدارك بعدم بطلان الصلاة بنسيان التسليم على القول بوجوبه، بل هو مقتضى بعض عبارات من عرفت ممن حكم بصحة الصلاة بزيادة الخامسة فما زاد مع جلوسه قدر التشهد، بل مال اليه أو قال به هنا في المسالك مقتصرا على تعليله


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 12، ص: 272

بما سمعته منا أولا، بل قال: اللهم إلا أن يقال بانحصار الخروج فيه، و هو في حيز المنع، لكن ناقشه في المدارك بأن المقتضي للبطلان على هذا التقدير ليس هو الإخلال بالتسليم، و إنما هو وقوع المنافي في أثناء الصلاة، فإن ذلك يتحقق بفعله قبل الفراغ و إن لم يتعقبه ركن، و فيه أنه لا يتجه بعد فرض عدم انحصار المخرج به، إذ لعل تمام التشهد أو الاعراض مع فعل المنافي كاف فيه

حال السهو، على أنه قد يمنع شمول ما دل على بطلان الصلاة بالحدث مثلا و لو سهوا في أثناء الصلاة لنحو المقام، خصوصا مع احتمال كون وجه إبطاله كذلك عدم إمكان تدارك ما يبقى من أجزاء الصلاة، فبعد فرض اغتفار ذلك السهو و سقوطه لم يبق وجه لذلك، بل قد يقال برجحان ما دل على عدم بطلان الصلاة بالسهو عن غير الركن على ما دل على بطلان الصلاة به مطلقا، و دعوى عدم التعارض بين الأدلة- إذ البطلان لفعل المنافي في الأثناء لا لنسيان التسليم مثلا كما سمعته من المدارك- لا تخلو من تأمل أو منع، على أنا في راحة منها بالأدلة الخاصة السابقة، فالمتجه حينئذ عدم الفساد به مطلقا إن لم يكن إجماع على خلافه، بل ينبغي القطع به بناء على استحباب التسليم و لو على الجزئية، و إن كان قد يحتمل تحقق الفساد به أيضا، لصدق حصول المنافي في الأثناء و إن كان هو مستحبا، لكنه بعيد كبعد احتماله أيضا على تقدير الوجوب و أنه خارج عن الصلاة، فتأمل جيدا، فإنه قد أوضحنا الحال في أول الخاتمة في قواطع الصلاة، و ذكرنا هناك ما يقتضي القطع ببطلان الصلاة بذلك، و أن هذه النصوص و ما شابهها مع تعارضها في نفسها و احتمالها احتمالات متعددة قد خرجت مخرج التقية، فلا حظ كي يتضح لك الحال في جميع أطراف المسألة، لأنه كان متأخرا في التصنيف عن المقام، و الله العالم.

و لو علم أنه ترك سجدتين و لكن لم يدر أنهما من ركعة أو ركعتين

ج 12، ص: 273

ففي التذكرة و البيان بل و المنتهى و عن نهاية الأحكام و التحرير و الروض رجحنا جانب الاحتياط الواجب مراعاته في نحو المقام مما اشتغلت الذمة فيه بيقين، فيعيد حينئذ كما صرح به جماعة، بل في الكفاية أنه المشهور على تأمل في دليله، و هو في محله للاكتفاء في فراغ الذمة بأصالة الصحة، بل هو في الحقيقة من الشك في المبطل بعد الخروج عن المحل، و لعله لذا عن نهاية الأحكام و الروض احتمال الصحة و قضاء السجدتين بل قد يقال بعدم وجوب قضائهما أيضا، لعدم صلاحية أصالة الصحة لتشخيص أنهما من ركعتين، ضرورة الاكتفاء في تحققه باحتمال أنهما من ركعتين، لكنه لا يكفي في وجوب قضائهما، لعدم تحقق فواتهما الذي هو موضوع القضاء، فاحتمال أنهما من ركعة واحدة كاف في سقوطه، و من هنا احتمل الصحة في المدارك و الذخيرة و عن الميسية و غاية المرام و مجمع البرهان من غير ذكره لقضاء السجدتين، لكن قد يستغرب ذلك من حيث علمه بمشغولية ذمته بإعادة الصلاة أو قضاء السجدتين، فمع فرض عدم الإتيان بأحدهما يقطع بعدم خروجه عن عهدة ما علم التكليف به، إلا أنه قد يهونه إمكان دعوى أنه لا بأس به في الأحكام الظاهرية، بل قد يدعى وقوع نظائر له فيها، و إلا فبدونه ينقدح احتمال وجوب قضاء السجدتين عليه ثم الإعادة و إن لم أجده لأحد، فتأمل جيدا.

و لو علم أن السجدتين كانتا من ركعتين و لكن لم يدر أيتهما هي قيل كما عن الشيخ و جماعة يعيد، لأنه لم تسلم له الأوليان يقينا، و الأظهر أنه لا إعادة لأصالة عدم التقدم أولا، و عدم الفرق عندنا بين الأولتين و غير هما في جميع أحكام السهو عدا العدد كما ستعرف ذلك إن شاء الله محررا، فيقضيها حينئذ بعد الصلاة و عليه سجدتا السهو لنسيان السجدة إجماعا كما عن التذكرة ل

قول الصادق عليه السلام(1):


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 274

«تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان»

بل المتجه تكريرهما لكون الفرض نسيان السجدتين كما هو واضح.

[حكم الإخلال بغير الركن]
اشاره

و إن أخل بواجب غير ركن لم تبطل صلاته إجماعا محصلا و منقولا، بل هو المستفاد من النظر في مجموع الأخبار، نعم منه ما تتم معه الصلاة من غير تدارك و لا سجود للسهو و منه ما يسارك من غير سجود، و منه ما يتدارك مع سجدتي السهو

[فالأول ما يتم معه الصلاة من غير تدارك]

فالأول من نسي القراءة كما في النافع و القواعد و الإرشاد و غيرها، بل لا أجد خلافا فيه كما استظهره في الذخيرة و اعترف به في المدارك، بل نفاه نفسه فيها لا وجدانه، كما عن صريح جامع المقاصد كالرياض إلا من ابن حمزة القائل بركنيتها، و هو شاذ، بل في المدارك الإجماع عليه، للأخبار المستفيضة، و فيها الصحيح و غيره، كقول أحدهما في

صحيح زرارة(1): «من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، و من نسي فلا شي ء عليه»

و الصادق (عليه السلام) في خبر منصور بن حازم (2)بعد أن قال له: «إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها أ ليس قد أتمت الركوع و السجود؟

قلت: بلى، فقال: قد تمت صلاتك إذا كان نسيانا»

إلى غير ذلك مما تسمع بعضه فيما يأتي، و هي الحجة على القائل بركنيتها، كما أن الأصل و قوله (ع): «لا شي ء عليه» فيها حجة على القائل بوجوب سجدتي السهو لكل زيادة و نقيصة الشامل للمقام، و إن كان ستعرف قوته فيما يأتي، إلا أن التعارض بين ما هنا و بين ما دل عليه من مرسل ابن أبي عمير(3)و غيره من وجه، لكن لعل الترجيح لما هنا بالفتاوى و قلة الأفراد المرادة من قوله عليه السلام:

«لا شي ء عليه» بعد الحكم بصحة الصلاة بالنسبة إلى أفراد الزيادة و النقصان و غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 275

أو الجهر أو الإخفات في مواضعهما و في المدارك نفي الخلاف عنه في الجهر و الإخفات، بل الإجماع عليه أيضا، بل قد يقال بعدم وجوب تداركه و إن ذكره قبل الركوع، كما نقل عن كثير التصريح به، فما لعله يظهر من المصنف و بعض العبارات كما عن صريح جامع المقاصد من مساواته في هذا الحكم للقراءة لا يخلو من تأمل، لإطلاق ما دل على أنه لا شي ء عليه إن أخل بذلك ساهيا، بل قد يستفاد منه أنه لا يرجع إليه في الأثناء، بل لو تجاوز الكلمة إلى كلمة أخرى، و الظاهر أنه كنسيان القراءة نسيان الأعراب أو الترتيب بين الآيات، و تسمع في آخر المبحث أن عليه الإجماع في عبارة الدرة و هو الحجة، مضافا إلى أن في التلافي زيادة ركن، لأن الفرض أنه لم يذكره إلا بعد أن ركع.

و كذا لا فرق بين نسيان القراءة جميعها أو بعضها ك قراءة الحمد خاصة أو قراءة السورة و على كل حال فلم يذكر شيئا من ذلك حتى ركع أي وصل إلى حد الراكع و إن لم يذكر، و في

خبر أبي بصير(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أم القرآن قال: إن كان لم يركع فليعد أم القرآن»

و نحوه غيره، و مثل القراءة التسبيح في الركعتين الأخيرتين أو الذكر في الركوع كما في النافع و القواعد و المنتهى و غيرها، و في المدارك و الرياض و عن الذخيرة أنه لا خلاف فيه، لما في التلافي من زيادة ركن، و في

الخبر(2)«عن رجل ركع و لم يسبح ناسيا قال: تمت صلاته»

أو الطمأنينة فيه بلا خلاف إلا ما عن الشيخ، فقال بركنيتها، و هو ضعيف كما بين في محله، و لعله لذا نقل عن جماعة نفي الخلاف فيه هنا من غير استثناء، و يحتمل رجوع الضمير في العبارة إلى الركوع أو الذكر، و في الخبر الأول (3)الدال على عدم بطلان


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الركوع- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 12، ص: 276

الصلاة بنسيان التسبيح دلالة على عدم البطلان بالطمأنينة فيه، و بعدم القول بالفصل بين الطمأنينتين يتم المطلوب، و يظهر فساد كلام الشيخ حتى رفع رأسه بحيث خرج عن مسمى الراكع، و اليه يرجع تعبير بعضهم بالانتصاب أو رفع رأسه أو الطمأنينة فيه أي في الرفع بلا خلاف أجده فيهما حتى سجد و إلا فقبله يتداركهما كما هو ظاهر العبارة، و لعله لأنه ممكن فيجب للاستصحاب، و لكن قد يناقش باستلزام زيادة قيام لو كان المنسي الطمأنينة خاصة، اللهم إلا أن يقال إنها شرط فيه، فلا يكون الأول صحيحا، و لكن لا يخلو من

نظر، لاحتمال كونها واجبا حاله، و الفرض أنه قد فات كالذكر حال السجود أو رفع الرأس، فالظاهر أن وجوبه لأن يسجد عن قيام، فلذا يتداركه لو نسيه لا أنه من حيث كونه رفع رأس من الركوع، فلا يتدارك إلا بإعادة الركوع، و هو ركن، و هو مناف لفتوى المصنف و غيره، فتأمل.

أو الذكر في السجود كما في النافع و القواعد و المنتهى و غيرها و عن المبسوط و الجمل و العقود،

للخبر(1)«عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه و سجوده قال: لا بأس»

أو السجود على الأعضاء السبعة كما في النافع و المنتهى، بل قيل: لا خلاف فيه، نعم قيل عدا الجبهة، فإن نسيانها في السجدتين معا يوجب فوات الركن، و في الواحدة يقتضي فوات واحدة، فيدخل في القسم الثالث، و هو مبني على أن السجود لا يتحقق بدون وضع الجبهة، و لعله لا يخلو من تأمل، و عن النهاية من لم يمكن جبهته في حال السجود من الأرض متعمدا فلا صلاة له، و إن كان ذلك ناسيا فلا شي ء عليه، فتأمل على أن دخول مثل ذلك في تارك السجدة أو السجدتين محل نظر، و أيضا العبارة و نحوها كالصريحة في عدم الاستثناء، بل هو لا يخلو من قوة، لإمكان منع عدم تحقق السجود إلا بوضع الجبهة، فلو سجد على مقدم رأسه و نحو ذلك يعد عرفا أنه ساجد، كما أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 12، ص: 277

لا يسقط السجود بتعذر وضع الجبهة، فليست هي حينئذ إلا كغيرها من المساجد، و إن تعدد السجود بتعدد رفعها و وضعها بخلاف غيرها، لكن ذلك لا يقتضي توقف اسم السجود عليها، فتأمل.

أو الطمأنينة فيه كما صرح به جماعة، بل في الرياض لا خلاف فيه، بل قد يستدل عليه بالخبر المتقدم (1)في ذكر السجود بالتقريب المتقدم في ذكر الركوع حتى رفع رأسه بحيث يستلزم عوده زيادة سجدة، و هو قيد للجميع، بل قد يقال و إن لم يستلزم زيادة سجدة كما إذا كان الرفع يسيرا جدا عملا بإطلاق الخبر المتقدم في الذكر، و لكن فيه أن الظاهر تحقق الزيادة بمطلق الرفع كما يومي اليه الأمر بجر(2)الجبهة جرا لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه أو رفع رأسه من السجود أي إكماله، و إلا فلا يتحقق نسيان الرفع مع تحقق السجدتين، و دعوى تحقق التثنية بالنية ضعيفة مخالفة للعرف كما في كل استدامة، فإن النية لا تعددها على وجه يقال إنه فعل مرتين مثلا، نعم قد يقال بناء على عدم اعتبار وضع الجبهة في السجود و أنه يتحقق بمطلق وضع الرأس بالحال المخصوص: إنه يمكن نسيان رفع الرأس مع تعدد السجود بأن يتعدد منه وضع الجبهة مثلا مرتين من دون رفع رأسه و لو بتقلب رأسه في ذلك، اللهم إلا أن يمنع أن ذلك تعدد سجود بل تعدد أحواله في السجدة الواحدة، و لكن يشكل حينئذ تعين الأمر بالجر مخافة تعدد السجود بدونه، ضرورة إمكان وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه بتغير أحواله في تلك السجدة من دون رفع رأسه و من

دون جر، و من هنا يمكن القول بعدم وجوب الجر عينا، و إنما أمر به حذرا مما تعارف من تعدد رفع الرأس و وضعه لا لنفي الاحتمال المزبور، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الركوع- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود.

ج 12، ص: 278

أو الطمأنينة فيه أي في رفع الرأس من السجدة الأولى بقرينة قوله:

حتى سجد ثانيا بلا خلاف فيه كما في الرياض أو الذكر في السجود الثاني أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه أي في السجود حتى رفع رأسه على نحو ما مر في السجود الأول في جميع ذلك، و بالجملة العمدة في الحجة على جميع ما تقدم إما استلزام زيادة ركن في الصلاة مع التلافي، و إما الدليل الخاص من الإجماع المحكي المعتضد بنفي الخلاف و غيره، قال في الدرة السنية في شرح الألفية- بعد ذكر جملة مما ذكر المصنف كنسيان القراءة أو أبعاضها أو صفاتها و الذكر في الركوع و عربيته و موالاته و الطمأنينة فيه و الرفع و الطمأنينة فيه و الذكر في السجود و عربيته و موالاته و الطمأنينة فيه و الطمأنينة في الرفع من الأولى-: «لأنه إن دخل في ركن فلا يغتفر زيادته، و إلا فقد أجمعوا على عدم التدارك» انتهى. و قد عرفت نفي الخلاف و بعض الروايات في البعض، و لو عاد للتدارك حيث لم يستلزم زيادة ركن فسد مع العمد، و صح مع السهو.

[الثاني ما يتدارك من غير سجود للسهو]

الثاني أي ما يتدارك من غير سجود للسهو من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة استأنف الحمد كما في المبسوط و السرائر و النافع و القواعد و الإرشاد و المنتهى و غيرها، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، بل في الرياض بلا خلاف يظهر، بل بالإجماع صرح بعض من تأخر، مضافا إلى القاعدة، إذ هو واجب يمكن تلافيه، و الأخبار منها

خبر أبي بصير(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أم القرآن، قال: إن كان لم يركع فليعد أم القرآن»

و منها

موثقة سماعة(2)«سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب قال: فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع، فإنه لا صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات»

و أما


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 279

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) المنقول عن قرب الاسناد «سألته عن الرجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال:

يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل»

فلم أعثر على عامل به، فاتجه حمله على إرادة أنه ذكر بعد ما فرغ من السورة و ركع أو غير ذلك، نعم مقتضى ما ذكرناه من الأدلة وجوب التلافي ما لم يصل إلى حد الراكع، و لا تنافيه عبارة المصنف و نحوها، ضرورة عدم إرادة تخصيص وجوب التلافي بما إذا ذكر بعد قراءة السورة، كما هو واضح.

و على كل حال إذا استأنف الحمد وجب عليه إعادة سورة، و لما لا يجب عليه قراءة تلك السورة كما صرح به في القواعد لعدم الدليل عليه فيبقى استصحاب التخيير سليما عن المعارض، لكن يظهر عن المبسوط و الإرشاد وجوب إعادتها بعينها، و لعله

للرضوي (2)«و إن نسيت الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل أن تركع فاقرأ الحمد و أعد السورة، فإن ركعت فامض على حالتك»

و فيه بعد تسليم حجيته أنه لا صراحة فيه بذلك، إذ قد يكون المراد منه و إن كان بعيدا إعادة قراءة النوع، بل قد تنزل بعض العبارات أيضا على ذلك، نعم لم أجد مخالفا في وجوب إعادة السورة و عدم الاكتفاء بالقراءة الأولى، لوجوب الترتيب الممكن تلافيه، و الأخبار المتقدمة لا تنافيه مع التصريح به في الرضوي كما عرفت، و لكن لعل المتجه السجود للسهو لزيادة قراءة السورة كما سمعت أمر الصادق (عليه السلام)(3)به لكل زيادة و نقيصة، بل مقتضاه ذلك أيضا في

المسألة الآتية لزيادة القيام فيها، إذ المفروض قيامه مرتين في الركعة


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 23- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 280

الواحدة المعتبر فيها قيام واحد، و مثل نسيان قراءة الحمد نسيان السورة أو أبعاضها أو الصفات من الاعراب و الترتيب بين الآيات عدا الجهر و الإخفات كما عرفت، و كان ذلك كله للقاعدة المشار إليها سابقا، و

صحيح معاوية بن وهب (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أقرأ سورة فأسهو فأتنبه و أنا في آخرها فأرجع إلى أول السورة أو أمضي قال: بل امض»

محمول على إرادة وقوع السهو في الأثناء على وجه لم يعلم الإتيان بتمام السورة أو يخشى من فوات الموالاة، أو أنه كما في الذخيرة من جملة ما يدل على استحباب السورة الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه، و الله العالم.

و كذا لو نسي الركوع و ذكر قبل أن يسجد أي قبل أن يتحقق منه مسمى السجود قام فركع ثم سجد و في المدارك و عن المعتبر و المفاتيح و المصابيح الإجماع عليه، لإطلاق الأمر مع بقاء المحل، لعدم استلزام التلافي زيادة مفسدة، بل قد يدل عليه أيضا

صحيح عبد الله بن سنان (2)«إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا»

قيل للإجماع على عدم مشروعية قضاء مثل الركوع و التكبير بعد الصلاة فيحمل لفظ القضاء فيه على التدارك في المحل، على أن الموجود في الوسائل التي عندي «فاصنع الذي فاتك» و الأولى حمل القضاء فيه على الأعم من التدارك في المحل و غيره، لما تسمع من الاستدلال به على القضاء خارج الصلاة، و بذلك كله يقيد ما دل (3)على وجوب استقبال الصلاة بنسيان الركوع، بل قد يستدل عليه أيضا ب ما دل (4)على تلافيه مع الشك، فالنسيان أولى، لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل- الحديث 7 و الباب 26 منها- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الركوع.

ج 12، ص: 281

الذي عثرت عليه من الأخبار الدالة على ذلك إنما هو في الشك في الركوع و هو قائم، نعم في

خبر أبي بصير(1)«في الرجل لا يدري ركع أم لم يركع قال: يركع»

فيستدل حينئذ بإطلاقه على الشك، و يأتي في المقام بطريق أولى، فتأمل جيدا. فما في السرائر و المنتهى- من أنه لو سها عن الركوع و هو قائم عاد إلى الركوع مما قد يستظهر من تقييدهما بذلك الخلاف في المسألة،

مع إمكان المناقشة في كون مثله سهوا عن الركوع و احتمال عدم إرادتهما التقييد- محجوج بما سمعت.

و المراد بالقيام في المتن و غيره الانتصاب، لكن قيده بعضهم بما إذا حصل النسيان حاله فهوى إلى السجود، فإنه يجب حينئذ أن يقوم و يركع محافظة على الهوي الركوع، إذ ذلك كان للسجود، فلا يكتفى به، أما إذا حصل النسيان بعد الوصول إلى حد الراكع فلا يقوم منتصبا، بل يقوم منحنيا إلى حد الراكع، و المراد على الظاهر أنه وصل إلى حد بحيث لو تجاوزه صدق عليه اسم الراكع لا أنه وصل إلى حد الراكع حقيقة، إذ لا يتصور حينئذ نسيان الركوع، بل هو نسيان الرفع و الطمأنينة مثلا، و لعل ما ذكره المصنف و غيره من وجوب القيام و الركوع بعده مطلقا أولى محافظة على القيام الذي يكون عنه الركوع، و أما الانحناء الأول فهو و إن كان للركوع إلا أنه لم يتحقق معه مسمى الركوع، فلا يكتفى به، اللهم إلا أن يقال إن القيام الأول كاف، و ما وقع في الأثناء إنما وقع سهوا فلا يكون قادحا، بل هو بمنزلة ما لم يقع، فيحصل القيام المتصل بالركوع و إن قام منحنيا، و هو لا يخلو من نظر و تأمل، و كيف كان فبناء على التقييد المذكور يجب القيام منحنيا إلى الحد الذي حصل النسيان عنده، كما أنه حيث يجب القيام ثم الركوع لا يجب الطمأنينة في القيام لحصولها في السابق، و احتمال وجوب الركوع عن قيام فيه طمأنينة ممنوع. نعم يجب حصول تمام القيام، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الركوع- الحديث 4.

ج 12، ص: 282

هذا كله إذا لم يتحقق صورة الركوع منه، و إلا أشكل- كما في المدارك- العود اليه، لاستلزامه زيادة ركن، فإن حقيقة الركوع هو الانحناء المخصوص، و أما الذكر و الطمأنينة و الرفع منه فواجبات خارجة عن حقيقته، لكن قد يقال إن المدار على القصد أو على عدم قصد العدم، بل لعل العرف يتوقف على ذلك في الأفعال المشتركة، فتأمل.

و كذا من ترك السجدتين أي يتلافاهما إذا ذكرهما قبل أن يصل إلى حد الراكع كما هو خيرة النافع و المنتهى و القواعد و الإرشاد و البيان و ظاهر الألفية و الدرة السنية، بل نسبه في مفتاح الكرامة إلى الشرائع و ما تأخر عنها، و عن الذخيرة نسبته إلى المتأخرين، و في المدارك إلى الأكثر، و هو المنقول عن ابن حمزة، و أما الشيخ في المبسوط فقد عد مما يوجب الإعادة السهو عن سجدتين من ركعة ثم يذكر ذلك و قد ركع في الثانية، و هو مشعر بعدم الإعادة عند الذكر قبل الركوع، و لكن قال فيما يوجب التلافي: «إن نسي سجدة واحدة من السجدتين و ذكرها في حال قيامه وجب عليه أن يرسل نفسه فيسجدها ثم يعود إلى القيام» و هو مشعر بعدم العود مع نسيان السجدتين، و مثله عن السيد و سلار، فيكون كلامهم مضطربا، نعم عن أبي الصلاح و المقنعة و السرائر الفساد و ان اختلف تعبيرهم عن ذلك، ففي المقنعة «إن ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كل حال، و إن نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه و سجد ثم قام» و مثله عن أبي الصلاح، و في السرائر «من السهو الذي لا يتدارك نسيان السجدتين و لم يذكرهما إلا في حال لو شك لا يرجع إليهما- ثم قال بعد ذلك-: من النسيان الذي يتدارك لو نسي السجدة و ذكرها قبل الركوع» لكن عن غرية المفيد موافقة المشهور.

و على كل حال فالأول هو الأقوى، لكونه سهوا عن ركن و لم يتجاوز محله، فيمكن تلافيه فلا يفسد إجماعا، أما أنه لم يتجاوز محله فلأن الظاهر من تتبع كلمات

ج 12، ص: 283

الأصحاب في غير المقام أن المراد بالمحل بالنسبة للسهو عدم الدخول في ركن آخر، بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك، و في مفتاح الكرامة في شرح قول العلامة: «و لو ذكر في محله أتى به» قال: أي لو ذكر قبل الانتقال إلى ركن أتى به و صحت الصلاة، لأنه لا يؤثر خللا و لا إخلالا بماهية الصلاة كما في المعتبر، و قد قطع بذلك الأصحاب، بل يدل عليه أيضا الإجماع على تدارك السجدة الواحدة كما تسمع، إذ احتمال كون المحل للسجدة الواحدة غيره للاثنين تعسف بارد، و أما أنه مع بقاء المحل يتدارك ففي المنتهى لا خلاف فيه بين أهل العلم، بل حكى غيره الإجماع على ذلك، فحينئذ لا ينفك المخالف عن مخالفة الإجماع، لأنه إن قال بخروج المحل فقد عرفت أنه لا يصغى اليه، و هو مخالف لما يظهر من كلماتهم بل إجماعاتهم، و إن قال: إنه لا يتدارك و إن بقي المحل فقد عرفت ما قاله في المنتهى و دعوى الإجماع من غيره، كل ذلك مع

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(1) : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا»

و قد عرفت سابقا أن المراد بالقضاء إنما هو ما يشمل التدارك بقرينة الإجماع على عدم مشروعية قضاء الأركان، مع أن الذي سمعته فيما حضرني من الوسائل «فاصنع» بل في المدارك «يؤيده رواية محمد بن مسلم (2)المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين، فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام بطريق أولى» انتهى. لكن فيه أن الأصل غير ثابت، فلا معنى للأولوية التي يمكن منع كونها الحجة شرعا، كل ذا مع أنا لم نعثر على دليل للمخالف كما اعترف بذلك بعضهم سوى الأصل، و

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 12، ص: 284

(عليه السلام)(1): «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود»

و فيه أن الأصل على تقدير تسليمه- إذ الظاهر أن الأصل الصحة- يخرج عنه بما سمعت من الأدلة و القاعدة المستفادة من الشرع، و أما قوله (عليه السلام): «لا تعاد» إلى آخره. فالظاهر

أن المراد منه من ترك واحدا من هذه الخمسة مطلقا لا في مثل المقام الذي يعاد فيه إلى السجود، بل قد يكون للمشهور لا عليهم، فتأمل.

أو إحداهما بلا خلاف كما في المنتهى و الرياض، و هو موضع وفاق بين العلماء كما في المدارك، و بالإجماع صرح جماعة كما في الرياض، و عن المصابيح الإجماع عليه، و عن التذكرة نسبته إلى العلماء، و يدل عليه مضافا إلى ذلك القاعدة المشار إليها سابقا، و الأخبار المستفيضة، منها

صحيح إسماعيل بن جابر(2)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و هو قائم أنه لم يسجد قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء»

إلى آخره، و بمعناه غيره.

ثم إنه لا إشكال في عدم وجوب الجلوس قبل السجود المتدارك حيث يكون المنسي السجدتين، بل و كذا إذا كان المنسي سجدة واحدة و كان قد جلس بعد رفع رأسه من السجود الجلسة الواجبة، أما إذا جلس بنية أنه للاستراحة لزعمه الفراغ من السجدتين فالأقوى في النظر الاكتفاء به أيضا، بل عن الروض نسبته إلى كثير منهم، لحصول الواجب به، و نيته أنه الاستراحة(3)لا تخرجه عن ذلك كما في سائر أفعال الصلاة، و إلا لوجب على من سجد مثلا بنية أنه في الركعة الثالثة و الفرض أنه في


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب للاستراحة.

ج 12، ص: 285

الثانية الإعادة، و لوجب على القائم بنية أنه للرابعة مع أنه في الثالثة القيام ثم القعود، إلى غير ذلك مما لا معنى له، على أن ما نواه لم يقع لاستحالته، لكونه في غير محله، فتكون نيته لغوا، فهو بمنزلة من لم ينو، و تكفي النية الأولى الإجمالية الواقعة في ابتداء الصلاة، و ربما يؤيده الأخبار(1)الدالة على أنه لو دخل في الصلاة بنية الفريضة ثم سها و نوى الندب بأفعالها لتخليه أنها نافلة لا يضره ذلك، و كذلك العكس.

لا يقال إنه قد سلف في ناسي الركوع حتى هوى للسجود و لما يسجد أنه يقوم و يركع محافظة على الهوي للركوع، و مقتضى ما ذكرت عدم الوجوب لوقوع الهوي منه، و نيته أنه للسجود لغو، إذ يدفعه أنا أوجبناه هناك محافظة على القيام المتصل بالركوع كما عرفت، هذا، و ربما ظهر من المدارك و الرياض عدم الاجتزاء، لتضاد النية الأولى مع النية الثانية بالوجوب و الندب، و النية الأولى إنما تؤثر حيث لا يحصل نية ثانية مضادة لها، و هو محتمل، لكن الأقوى الأول.

و أما إذا لم يكن جلس فالذي صرح بعضهم به وجوب الجلوس حينئذ، لكونه فعلا من أفعال الصلاة يجب تلافيه، و المنقول عن الشيخ و ظاهر غيره بل هو الذي صرح به في المنتهى عدم الوجوب، للأخبار المتقدمة الآمرة بالسجود

من غير استفصال بل ربما استدل لهم بأن الواجب الفصل بين السجدتين و قد تحقق بالقيام، و مقتضاه النزاع في وجوب هذا الجلوس، و لا ريب أن الأقوى الأول بناء على وجوبه على وجه يكون كغيره من أفعال الصلاة، و ترك الاستفصال إنما هو لأن السؤال عن السجدة دون غيرها، نعم لو قلنا بوجوبه مقيدا بحال رفع رأسه من السجدة اتجه حينئذ عدم تداركه لفوات محله حينئذ، و تنقيح ذلك من الأدلة لا يخلو من نظر و إن كان أصل الوجوب مفروغا منه، و من ذلك يعلم ما في تفريع وجوبه في قضاء السجدة لو فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 286

نسيانها مع الجلوس، مع أنه قد يقال بعدم وجوب قضائه و إن كان واجبا مطلقا، لعدم الدليل.

و أما لو شك في الجلوس فقد صرح بعضهم بالبناء على الأصل، فيأتي به، و احتمال أنه شك فيه بعد الانتقال عنه فلا يلتفت يدفعه أنه بعد الرجوع إلى المحل لتلافي السجدة يرجع شكه إلى الشك فيه و هو في محله، لكن و مع ذا قد يقال بعدم الالتفات للشك في تناول ما دل على تلافي المشكوك فيه في المحل لمثل ذلك، مضافا إلى ما في بعضها(1)من أن عدم التلافي حيث ينتقل لكونه في تلك الحال أذكر الصادق في مثل المقام، فتأمل فإن المسألة نافعة في غير المقام، كما لو رجع مثلا من القيام إلى السجدة المنسية فشك في حصول السجدة الثانية، فإنه بناء على الأول يجب

الإتيان بها، و على ما قلنا العدم، و لعله هو الأقوى، و لو نسي الطمأنينة فيه خاصة ففي تداركها بإعادته مطمئنا فيه و عدمه نظر كما تقدم الكلام في نظائره، فلاحظ و تأمل.

أو التشهد و ذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه ثم قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثم ركع و إن كان قد قرأ سابقا محافظة على الترتيب بلا خلاف كما في الرياض، بل في الخلاف و المدارك و عن الغنية الإجماع عليه، و يدل عليه مضافا إلى ذلك القاعدة المتقدمة و الأخبار المستفيضة، منها

صحيح سليمان بن خالد(2)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين فقال: إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة»

إلى آخره، و بمعناه غيره، نعم عبارة المصنف لم تشمل نسيان السجدة الأخيرة و التشهد الأخير، فنقول: لا ينبغي الشك في وجوب تدارك السجدة بل السجدتين إذا ذكر في أثناء التشهد أو بعده قبل التسليم بناء على


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 12، ص: 287

وجوبه و أنه من الصلاة، لإمكان التدارك لبقاء المحل، و أما إذا ذكر بعد التسليم فان كان المنسي السجدتين بطلت الصلاة لفوات الركن، و إن كان واحدة قضاها منفردة كما عن الذكرى، و هو المصرح به في المدارك و الرياض، بل في

الأخير أني لم أجد في الحكم خلافا، و في الحدائق أن ظاهر الأصحاب عدم الخلاف فيه، و استدل له بإطلاق

الصحيح (1)كما قيل «في رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها ثم يذكر بعد ذلك قال: يقضي ذلك بعينه، قلت: أ يعيد الصلاة؟ قال: لا»

و نحوه آخر(2)كما قيل، مضافا إلى

صحيح ابن سنان (3)«إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا»

و شمولها لكثير مما لا يقول به الأصحاب لا يخرجها عن الحجية فيما بقي، بل قيل: إنه لا يقدح و إن كان الخارج أكثر من الداخل، لأن منع ذلك مختص بالعموم اللغوي دون الإطلاقي، بل الاتفاق واقع على جواز التقييد فيه إلى الواحد.

قلت: أما صحة الصلاة حيث يكون المنسي واحدة فهو مما لا ينبغي الإشكال فيه نعم قد يقال هنا إن لم يكن إجماع بوجوب التلافي لا القضاء، لبقاء المحل، و وقوع التسليم منه لا يخرجه عن الصلاة، بل هو من قبيل من سلم ساهيا في غير محله، بل قد يقال بوجوب التلافي ما دام باقيا على هيئة المصلي و لم يطل الفصل و لم يحصل ما يفسد الصلاة و إن كان الفائت السجدتين، لتوقف الخروج عن المحل على الشروع في ركن آخر، و لم يحصل، كما يرشد إلى ذلك كله حكم ناسي الركعة، و

ما يقال- من أنه يلزم حينئذ القول بفساد الصلاة لو تخلل حدث قهرا أو نحوه، لوقوعه حينئذ في الأثناء


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.

ج 12، ص: 288

من جهة عدم خروجه بالتسليم- يدفعه بعد تسليم إمكان (1)عدم الالتزام بذلك أنه إذا وقع مثل ذلك كان خروجا عن الصلاة قهرا، و المراد أنه لا يخرج عن الصلاة بالمخرج الاختياري أي التسليم لا القهري، و يحكم حينئذ بصحة الصلاة إذا كان الفائت غير ركن، و بالفساد حيث يكون الفائت ركنا، كما يرشد اليه صحيح عبيد بن زرارة(2)المشتمل على التعليل بأن التشهد سنة، بل و صحيح زرارة(3)و إن ذكر التسليم فيه، لاحتمال إرادة قضائه تبعا للتشهد أو الندب أو غير ذلك مما تقدم في محله، فلاحظ و تأمل.

و مما يؤيد ما ذكرنا ما يظهر منهم من أن الخروج عن المحل إنما يكون في الدخول في ركن، و بدونه لا يخرج، و إلا فلو نسي الركوع و السجود حتى تشهد و سلم ثم ذكر لا تفسد صلاته، فنسيان السجود وحده بطريق أولى، و لعل ما نقل عن الذكرى من احتمال إعادة السجدة مع التشهد مرتبا بينهما يؤيد ما ذكرنا، و أما بناء على استحباب التسليم فقد ذكر بعضهم أن حاله كحال القول بالوجوب، فمتى ذكر بعد التشهد قبل التسليم السجدة أو السجدتين تداركها، قيل: و فيه نظر، و لعله

لأن الخروج قد تحقق بتمام التشهد، فان كان الفائت ركنا بطلت الصلاة، و إن كان السجدة قضيت، و فيه أن القائل باستحباب التسليم لم يقل بكونه مستحبا خارجيا عن الصلاة، بل هو جزء مستحب منها، فبتمام التشهد يحصل الفراغ من الواجب، و بالتسليم يحصل الفراغ من تمام الواجب و المستحب، فحينئذ يتجه التدارك لبقاء المحل بعدم الخروج عن تمام الصلاة و إن حصل الواجب منها، نعم لو اقتصر على التشهد و لم يأت بالتسليم اتجه ما ذكر في النظر، فتأمل.

و أما التشهد فكذلك لا كلام في تداركه إذا ذكره قبل تمام التسليم، أما لو ذكره


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« عدم إمكان الالتزام».
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 12، ص: 289

بعد ذلك فلا إشكال في عدم الفساد حيث يذكر و يفعل قبل حصول ما ينافي الصلاة من الحدث أو غيره، و أما إذا ذكر بعد ذلك فالمعروف أن الصلاة صحيحة و يأتي بالتشهد قضاء، خلافا لابن إدريس فإنه أوجب إعادة الصلاة، قيل و هو متجه إذا تخلل الحدث على مذهبه من كون التسليم مستحبا، فيكون الحدث واقعا في الأثناء، لعدم المخرج، و بذلك يفرق بينه و بين التشهد الأول، فيقضي الأول و إن حصل الحدث بخلاف التشهد الثاني، بل عن ابن إدريس التصريح بذلك، و لولاه أمكن دعوى أنه لا تلازم بين القول باستحباب التسليم و الفساد، إذ الخروج يتحقق حينئذ إما بالتسليم و إن قلنا باستحبابه، أو بالحدث نفسه، أو بغير ذلك، فيكون قد ترك ما لا يفسد تركه إذا كان نسيانا، لعدم كونه ركنا، كما أن القائل بوجوب التسليم و أنه به يتحقق الخروج من الصلاة لو تركه نسيانا فأحدث مثلا قد لا يلتزم بفساد الصلاة، فتأمل.

و أما القضاء لو ذكره بعد التسليم فلإطلاق

الصحيح (1)بل ظاهره «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهد حتى ينصرف من صلاته فقال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، و إلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه»

المعتضد بإطلاق الخبرين (2)المتقدمين، و هي بإطلاقها حجة على ابن إدريس أيضا، نعم ما ذكرناه من المناقشة في السجدة يتأتى في المقام أيضا، بل لعل عبارة الشهيد في البيان في المقام تشير إلى ذلك، قال: «و يتلافى التشهد الأول و الصلاة على النبي و آله ما لم يركع، و التشهد الأخير ما لم يحدث، فإن أحدث أتى به بنية مستأنفة» انتهى و هو ظاهر في أن المراد بالتلافي التلافي المحلي لا القضائي، فتأمل جيدا فان جميع ما سمعت مقتضى هذه المناقشة، و لعله لا يخلو من قوة لو كان المنسي السجدتين اللتين يمكن إلحاقهما بنسيان الركعة، و من


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1- و 4.

ج 12، ص: 290

وجه لو كان سجدة، أما التشهد فالظاهر أن نسيانه في الآخر مقتض لقضائه لا لتداركه باعتبار كون التسليم محله بعد تمام الركعة

الرابعة، فهو في حال النسيان في محله، فيقتضي الخروج، فيتعين القضاء، بل لعل مقتضى إطلاق الأدلة كونه كذلك مع نسيان السجدة أما اقتضائه البطلان مع نسيان السجدتين فمحل للنظر أو المنع، فالاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

و لا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو، و قيل يجب، و الأول أظهر للأصل

و خبر الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد قال: يرجع فيتشهد، قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ قال: ليس في هذا سجدتا السهو»

و خبر أبي بصير(2)«سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فان كان ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها و ليس عليه سهو»

بناء على كون نفيه مع التدارك، لكن في

خبر المعلى بن خنيس (3)«سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن الرجل ينسى السجدة من صلاته قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأولتين و الأخيرتين سواء»

و يمكن كون المراد سجود السهو لما وقع من زيادة القيام و نحوه لما تسمعه إن شاء الله في الخاتمة من وجوبه لكل زيادة و نقيصة، لا أنه للسهو المتدارك، بل يمكن كون مراد المصنف نفي الوجوب من هذه الحيثية، لأنه حفظ سهوه فأتمه، و لا سهو على من حفظ سهوه و أتمه كما تسمع التصريح بذلك في النصوص، لا ما يشمل الزيادة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التشهد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 5.

ج 12، ص: 291

المتخللة مثلا، و إن كان قد يشهد

قوله (عليه السلام) في الموثق(1): «و ليس في شي ء مما تتم به الصلاة سهو»

في أحد الوجهين، و الله العالم.

و لو ترك الصلاة على النبي و آله (صلوات الله عليهم) حتى سلم و لم يذكر إلا من بعد الركوع قضاهما بعد التسليم كما صرح به جماعة، بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، بل في الخلاف «من ترك التشهد و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) قضى ذلك بعد التسليم و سجد سجدتي السهو، و قال الشافعي: يجب عليه قضاء الصلاة، دليلنا إجماع الفرقة، و القضاء فرض ثان» انتهى. خلافا لابن إدريس و من تبعه، فلم يوجبوا قضاء، للأصل المنقطع ب خبر حكم بن حكيم (2)المتقدم سابقا، بل و بما قيل من أن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه تسوية بين الكل و الجزء، و أنه مأمور به و لم يأت به فيبقى في العهدة، و بأن التشهد اسم

للمجموع فحيث لم يأت ببعضه لم يأت به، و إن كان قد يتوجه على الأول بعد تسليم الجزئية منه على وجه تقضى لو فاتت معه أنا نمنع تسوية البعض للكل، و قضاء البعض في ضمن الكل بعد فرض تسليم الخصم له لا يقضي بقضائه مستقلا كما في الصلاة و أبعاضها، و على الثاني أن البقاء في العهدة إما أن يكون منشأ الاستصحاب، أو إطلاق ما دل على وجوبه، و كلاهما منتفيان، ضرورة ظهور الوجوب في المكان المخصوص في الصلاة، و الفرض أنه قد خرج منها، و ما في الرياض- من أن الأصل يقتضي الفساد، و إنما خرجنا عنه في مثل المقام بالإجماع و هو هنا مع الإتيان به بعد الصلاة، فيتعين حينئذ الإتيان به- يدفعه منع أن المدرك هذا الإجماع، بل هو عموم ما دل على أن نسيان غير الركن غير مفسد للصلاة ك

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.

ج 12، ص: 292

(عليه السلام)(1): «لا تعاد الصلاة»

إلى آخره، و نحوه من إطلاق الإجماعات و غيرها، على أنه لم يعلم من القائل بوجوب القضاء أن الصحة متوقفة عليه، بل قد يقول: إنه واجب لنفسه كما هو الظاهر من عدم البطلان بتخلل الحدث و نحوه، و على الثالث أنا نمنع دخوله تحت اسم التشهد، و لئن سلمنا فهو مع الإتيان بالبعض لم يصدق عليه أنه نسي التشهد كما لا يصدق عليه أنه جاء

بالتشهد، بل هو واسطة بين الأمرين كما هو مقتضى كونه اسما للمجموع، فتأمل جيدا، فانحصر الدليل بخبر حكم بن حكيم مع انجباره بما عرفت من الشهرة، و ما لعله يمكن تحصيله من الإجماع من عبارة الخلاف المتقدمة، سيما على ما في مفتاح الكرامة من نقل عبارة الخلاف بلفظ «أو» و لعله عثر على نسخة أخرى، فتأمل.

و من هنا تعرف أن الظاهر عدم وجوب سجود السهو له من حيث وجوبه للتشهد لعدم دخوله تحت اسمه كما هو ظاهر المصنف و عن غيره، و أبعاض التشهد تقضى كالصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) كما نص عليه بعضهم، بل حكي عن ظاهر البيان و الموجز الحاوي و كشف الالتباس أو صريحه و صريح الجعفرية و شرحها و تعليق الإرشاد، لعموم خبر حكم السابق، و لو نسي الصلاة على الآل (عليهم السلام) فقط فهل يجب على تقدير القضاء إعادة ما يتم به مما قبله و إن لم يكن نسيه كما في الذخيرة، أو لا يجب كما هو الأقوى، كما هو مقتضى خبر حكم، و لأن قضاءه من حيث كونه جزء صلاة لا أنه خطاب تراد دلالته، و لعله أشار إلى ذلك في الذكرى بقوله: و وجوب قضاء الصلاة وحدها مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه الأذكار عند النسيان.

[الثالث ما يتدارك مع سجدتي السهو]

الثالث أي ما يتدارك مع سجدتي السهو و هو من ترك سجدة أو التشهد و لم يذكر حتى ركع قضاهما أو أحدهما أما السجدة فقد صرح بقضائها في المبسوط


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 293

و الخلاف و النافع و القواعد و الإرشاد و المنتهى و الألفية و الدرة السنية و المدارك و الرياض، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل عن الغنية و المقاصد العلية الإجماع عليه، كما أن عن التذكرة و الذكرى الإجماع على عدم بطلان الصلاة بالإخلال بواحده سهوا، و هو الحجة، مضافا إلى ما تقدم من خبر حكم ابن حكيم و ما في معناه و

خبر ابن سنان المتقدم (1)أيضا، و هو قوله (عليه السلام):

«إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا»

و الأخبار الخاصة، منها

صحيح إسماعيل بن جابر(2)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و هو قائم أنه لم يسجد قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء»

و خبر أبي بصير(3)قال: «سألته عن رجل نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فان ركع

فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو»

و مثلهما في الدلالة على المطلوب موثق عمار الساباطي (4)و غيره من الأخبار، فما نقل عن العماني و ثقة الإسلام من القول بفساد الصلاة ضعيف محجوج بما عرفت، و لعل دليله

خبر المعلى بن خنيس (5)«سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته فقال:

إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأولتين و الأخيرتين سواء»

و هو مع أنه لا جابر لسنده معارض بما سمعت من الأدلة المستغنية عن ذكر الترجيح عليه، فلا مانع من حمله على الاستحباب أو غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 5.

ج 12، ص: 294

و كذا ما عن المفيد و الشيخ في التهذيب من استقبال الصلاة إذا كانت من الركعتين الأولتين، ل

صحيح البزنطي (1)المروي في الكافي و التهذيب عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن رجل صلى ركعة ثم ذكر و هو في الثانية و هو راكع أنه ترك سجدة من الأولى فقال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول: إذا تركت السجدة في

الركعة الأولى و لم تدر واحدة أم اثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك أنهما اثنتان» و زاد في التهذيب مع إسقاط لفظ الصلاة و إبدال الواو بالفاء «و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود»

بل يؤيده ما دل على اشتراط سلامة الصلاة بسلامة الأولتين و

قوله (عليه السلام): «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة».

إذ هذه الرواية و إن كانت معتبرة السند إلا أنها لا تقاوم تلك المطلقات المنجبرة بشهرة العمل و الإجماع المنقول و إطلاق الفتوى بعدم بطلان الصلاة بنسيان غير الركن على أنها معارضة برواية

محمد بن منصور(2)«سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها فقال: إذا خفت ألا تكون وضعت جبهتك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة و تضع جبهتك مرة و ليس عليك سهو»

و ما في رواية المعلى بن خنيس المتقدمة من أن نسيان السجدة في الأولتين و الأخيرتين سواء، و عدم العمل منا بصدرها لا يقدح في العمل بذيلها، فان الظاهر إرادة الاستئناف بل و

خبر جعفر بن بشير(3)المروي عن المحاسن، قال: «سئل أحدهم (عليهم السلام) عن رجل ذكر أنه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلا سجدة و

هو في التشهد الأول قال: فليسجدها ثم ينهض، و إذا ذكره و هو في التشهد الثاني قبل أن يسلم فليسجدها ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو»

هذا، مع أنها غير واضحة المتن على اختلاف نسخه و إجماله


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 7.

ج 12، ص: 295

فان قوله (عليه السلام): «و لم تدر واحدة» إلى آخره ظاهر في الشك و السؤال،

و قوله (عليه السلام): «إذا تركت»

كقوله (عليه السلام) في آخره: «أعدت السجود»

ظاهر في النسيان، اللهم إلا أن يراد من الواو معنى «أو» مع أنه قد لا يتم من جهة أخرى أيضا، أو يقال إن معنى الخبر على ما فهمه الشيخ أن السائل سأل عن رجل تيقن و هو راكع في الثانية أنه ترك سجدة من الأولى فقال (عليه السلام): إن الشك يوجب استقبال الصلاة، فاليقين أولى بخلاف الركعتين الأخيرتين فإنما عليه إذا ترك سجدة فيهما أن يقضيها بعد، و هو كما ترى، أو يقال: إن المراد من بطلان الصلاة بالشك في كون الفائت سجدة أو سجدتين كما ذكروه في الشك في كون الفائت من السجدتين من ركعة أو ركعتين، و فيه أنا نمنع ذلك كما عرفته سابقا لأصالة الصحة، على أنه لا وجه للتفصيل حينئذ بين الأولتين و الأخيرتين، بل و لا ل

قوله (عليه السلام):

«حتى تصح لك اثنتان».

و أجاب عنها في الخلاف أنها لا تنافي الأخبار الأول، لأن هذا الحكم مختص بمن يشك فلم يذكر فيلزمه الإعادة، و إنما يجوز له المضي في الصلاة و إعادة السجدة بعد التسليم إذا كان ذلك مع العلم، فلا تنافي بين هذه الأخبار، و فيه أنه حينئذ لا مطابقة بين السؤال و الجواب، مع أنه إن كان ذلك صحيحا في الشك ففي النسيان بطريق أولى و قد أشار (عليه السلام) إلى العلة ب

قوله (عليه السلام): «حتى يصح لك اثنتان»

مع أن ذيله و

قوله (عليه السلام): «إذا تركت»

ظاهر في النسيان، و عن المختلف الجواب عنها بأن المراد بالاستقبال الإتيان بالسجود المشكوك فيه لا استقبال الصلاة، قال:

و يكون

قوله (عليه السلام): «و إذا كان في الثالثة»

إلى آخره، راجعا إلى من تيقن ترك السجدة في الأولتين، فإن عليه إعادة السجود لفوات محلها، و لا شي ء لو شك، بخلاف ما لو كان الشك في الأولى، لأنه لم ينتقل عن محل السجود فيأتي بالمشكوك فيه

ج 12، ص: 296

و لا يخفى ما فيه من التعسف و الركاكة، على أن قول السائل: «و هو راكع» ينافيه، اللهم إلا أن يعتبر في منافاته للتدارك رفع الرأس منه، فيكون المراد حينئذ أن السائل لما سأل عن ذلك أجاب (عليه السلام) أن على الشاك أن يأتي بالسجدة في محلها حتى يكون آتيا بالسجدتين، فالمتيقن أولى، و الراكع في الثانية لم يتجاوز محل الإتيان بالسجود فيهوي إلى السجود الثاني، بخلاف ما إذا أتم الركعتين فتيقن في الثالثة أو الرابعة أنه ترك سجدة في الأولى فإنما عليه قضاء السجدة بعد، و لا ينافيه ما عن الكافي و قرب الاسناد من أن لفظه «استقبل الصلاة» فإن الرجوع استقبال للصلاة أي رجوع إلى جزء متقدم منها، هذا، و الانصاف أنه لولا ما قدمناه من شهرة العمل بين الأصحاب و الإجماع المحكي و نحوهما لكان العمل بها متجها، ضرورة قصور غيرها عن معارضتها بدونها سندا و دلالة، و وجوب حمل المطلق على المقيد، لكن قد يقال اختلاف متنه و إجماله يمنع من ذلك أيضا.

و كيف كان فالأقوى ما عليه المشهور، و طريق الاحتياط غير خفي، بل عن الشهيد أنه لم يستبعد حمله على استحباب الاستقبال، كما أن الأقوى هو المشهور بينهم أيضا من قضاء السجدة بعد التسليم، بل لم ينقل الخلاف فيه إلا عن المفيد في الرسالة الغرية و أبي الحسن علي بن بابويه في رسالته إلى ولده ما تسمعه عن الإسكافي، أما الأول فقال: «إذا ذكر بعد الركوع فليسجد في الثانية ثلاث سجدات: واحدة منها قضاء» و أما الثاني فقال: «إن السجدة المنسية من الركعة الأولى تقضي في الركعة الثالثة، و سجود الثانية إذا ذكرت بعد ركوع الثالثة تقضى في الركعة الرابعة، و سجود الثالثة يقضي بعد التسليم» و هما مع منافاتهما لهيئة الصلاة و مخالفتهما للمعتبرة المستفيضة و عمل المشهور لم نعثر لهما على مستند في ذلك سوى الرضوي (1)الذي بعد تسليم حجيته


1- 1 المستدرك- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 12، ص: 297

لا يهجم على طرح ما عرفت من الأدلة به.

و أما

صحيح ابن أبي يعفور(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلم»

فحمله في المدارك على ما ذهب اليه من استحباب التسليم، و يمكن حمله بناء على الوجوب على التسليم المستحب بعد الواجب، و إطلاقه عليه شائع في الأخبار، و الأمر سهل، لعدم العامل به، إذ هو لا يوافق أحد المذهبين المتقدمين، نعم في إطلاقه دلالة على بعض ما ذهب اليه والد الصدوق، و هو قضاء السجدة من الركعة الثانية، و على المحكي عن الإسكافي أيضا قال:

«و اليقين بترك إحدى السجدتين أهون من اليقين بترك الركوع، فإن أيقن بتركه إياها بعد ركوعه في الثالثة سجدها قبل سلامه، و الاحتياط إن كانت في الأولتين الإعادة إن كان في وقت» فتأمل.

و أما التشهد فالظاهر من عبارة المصنف و غيره أنه التشهد الأول، بل هو صريح بعضهم، لكن أطلق آخر، بل في الرياض لم يظهر قائل بالفرق بينهما، كما عن الذكرى «لا فرق بين التشهد الأول و الأخير في التدارك بعد الصلاة عند الجماعة في ظاهر كلامهم سواء تخلل الحدث أم لا» انتهى.

و على كل حال فقال الشيخ في الخلاف: «من ترك التشهد و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) ناسيا قضى ذلك بعد التسليم و سجد سجدتي السهو، و قال الشافعي يجب عليه قضاء الصلاة، دليلنا إجماع الفرقة، و القضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل» انتهى و قال فيه في موضع آخر: «إذا نسي التشهد الأول من صلاة رباعية أو ثلاثية- إلى أن قال-:

و إذا ذكر بعد الركوع مضى في صلاته، فإذا سلم قضى التشهد ثم سجد سجدتي السهو،- حتى قال-: دليلنا إجماع الفرقة» و عن الغنية و المقاصد العلية الإجماع على قضائه، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 12، ص: 298

الدرة و عن غيرها أنه المشهور، و في المدارك أنه مذهب الأكثر.

و يدل عليه مضافا إلى ما سمعت من الإجماع المنجبر بالشهرة المتقدمة و الأخبار المطلقة كخبر حكم بن حكيم و ما في معناه

الصحيح (1)«في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهد حتى ينصرف، فقال: إن كان قريبا رجع

إلى مكانه فتشهد، و إلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه»

و خبر علي بن أبي حمزة(2)قال أبو عبد الله (عليه السلام):

«إذا قمت في الركعتين الأولتين و لم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد، و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك»

و ما في سنده من الضعف قد عرفت الجابر له، كالضعف في دلالته من حيث احتمال أن يراد به التشهد في السجدتين الذي يقوله الخصم كما ستعرف على أنه ظاهر في خلاف ذلك كما يقتضيه لفظ «ثم» و كذا المناقشة في الأول بظهوره في التشهد الأخير و الكلام في التشهد الأول بعد أن عرفت أنه لا قائل بالفصل، مع أنا نمنع ظهوره فيه.

فما عن المقنع و الفقيه «إذا سلمت سجدت سجدتي السهو و تشهدت فيهما التشهد الذي فاتك»- مما هو ظاهر في الاجتزاء بذلك عن قضاء التشهد كما عن المفيد في الرسالة للأصل و

الموثق (3)«سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد قال: يسجد سجدتين يتشهد فيهما»

و خبر الصيقل (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يصلي الركعتين من الوتر يقوم فينسى التشهد حتى يركع و يذكر و هو راكع

قال: يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم، قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 12، ص: 299

ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال: ليس النافلة مثل الفريضة»

بل يؤيده أيضا خلو الأخبار الصحيحة و غيرها المستفيضة الواردة في مقام البيان عن الأمر بقضائه، فإنها اقتصرت على الأمر بالسجدتين فقط، منها

قول أبي جعفر عليه السلام (1) : «في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما قال:

فليجلس ما لم يركع و قد تمت صلاته، فان لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته، و إذا سلم سجد سجدتين و هو جالس»

و نحوه غيره- ضعيف جدا، إذ ذلك كله غير صالح له، أما الأصل فالظاهر أنه غير منطبق على ما يدعونه من التداخل بين التشهدين، بل الأصل عدمه، على أنك ستسمع فيما يأتي إن شاء الله اختلافهما بالكيفية، على أن ظاهر عبارتهم المتقدمة حذف تشهد السجدتين، و ستعرف فيما يأتي وجوبه إن شاء الله، و أما الموثق فلا دلالة فيه أيضا، فإن

قوله (عليه السلام): «يتشهد فيهما»

لا ظهور فيه أنه التشهد الفائت، فإن كان الاستناد اليه من جهة الاقتصار على ذلك الظاهر في نفي غيره فهو راجع إلى التأييد الأخير بالصحاح كما عرفت، و مثله في ذلك الخبر الذي بعده، و أما خلو الصحاح ففيه أنه إن سلمنا ظهوره في ذلك فهو لا يعارض النص المنجبر بما عرفت من الشهرة و الإجماع، و كلامهم بمنزلة كلام متكلم واحد يبين بعضه بعضا.

فما يظهر من بعض المتأخرين من الميل اليه لذلك فيه ما لا يخفى، فلم يبق لهم مستند سوى ما نقل عن

الفقه الرضوي(2)قال: «و إن نسيت التشهد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة فأرسل نفسك و تشهد ما لم تركع، فان ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو و تشهدت فيهما ما قد فاتك»

و هو بعد تسليم حجيته لا يقاوم ما ذكرنا من الأدلة، على أنه محتمل لأن يراد بقوله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التشهد- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 12، ص: 300

«فيهما» بعدهما، إذ من المعلوم أنه لا يراد به في حال السجود، بل المراد البعدية، و لا دليل على إرادة البعدية من غير فاصل، بل قد يراد بعد تمامهما، فتأمل، بل تحتمله عبارة الفقيه و المقنع المتقدمة، كما أنه يحتمل أن يراد به بيان التشهد في السجدتين، و

قوله (عليه السلام): «ما قد فاتك»

أي نظيره، إذ قد يكون الفائت التشهد الخفيف، و أيضا التأمل بذلك يقضي أنه يحذف تشهد السجدتين، فليس خلافا في المسألة حينئذ بل هو خلاف آخر، بل قد عرفت احتمال عدم الخلاف أصلا من المقنع و الفقيه، لاحتمالهما بعض الوجوه، فينحصر حينئذ في المفيد، مع أن المحكي عنه في المقنعة موافقة الأصحاب، و تعرف فساده إن شاء الله.

ثم إن جميع ما ذكرنا من الأدلة و الأخبار التي كادت تكون متواترة حجة على ما نقل عن الكاتب من القول بإعادة الصلاة، ل

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق (1)«في رجل نسي التشهد في الصلاة قال: إن ذكر أنه قال: بسم الله و بالله فقط فقد جازت صلاته، و إن لم يذكر شيئا من التشهد أعاد الصلاة»

و هو لا يقاوم ما ذكرنا من وجوه عديدة، فيحمل على الاستحباب كما قاله في الوافي أو غير ذلك أو يطرح، و كأنه لا إشكال عندهم في أن محل قضائه بعد التسليم للأدلة المقتضية لذلك من الأخبار و غيرها، فتأمل.

و يسجد لكل من نسيان السجدة و التشهد سجدتي السهو أما الأول فهو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل عليه الإجماع في المنتهى و عن الخلاف و الغنية و التذكرة و آراء التلخيص للعلامة، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

مرسلة ابن أبي عمير عن سفيان بن السمط(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تسجد سجدتي السهو في


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 301

كل زيادة تدخل عليك أو نقصان» بل في الوافي زاد فيها «و من ترك سجدة فقد نقص»

لكن المعروف و المنقول في كتب الاستدلال و غيرها كالوسائل عدمها، و الظاهر أنها من عبارة الشيخ في التهذيب في بيان وجه الاستدلال بالخبر المزبور على وجوب سجدتي السهو على من ترك السجدة و إن قضاها، فلاحظ، و ما في سنده من الوهن منجبر بما عرفت، و خبر جعفر بن بشير السابق (1)و

خبر منهال القصاب (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أسهو في الصلاة و أنا خلف الامام فقال: إذا سلم فاسجد سجدتين و لا تهب»

فان تعليقه الحكم على مطلق السهو يشمل ما نحن فيه، و لا يقدح خروج كثير من الأفراد، لما عرفت أن ذلك يقدح في العموم اللغوي.

و ربما استدل عليه ب

خبر الفضيل بن يسار(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من حفظ سهوه و أتمه فليس عليه سهو،

إنما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص»

و نحوه غيره، إما لأن المراد منه الشك في الخصوصية بعد معلومية أحدهما كما لعله المعنى الحقيقي لهذه العبارة، فيجب حينئذ هنا، لعدم القول بمدخلية هذا الشك، أو لأنه إذا وجب للشك في الزيادة و النقيصة فمع التيقن بطريق أولى، و ربما نوقش بأنه لا أولوية عقلية و لا لفظية، بل هذا الخبر بالدلالة على خلاف المطلوب أوضح، لدخول قاضي السجدة تحت من حفظ سهوه و أتمه، و قد تدفع بأنها عرفية، و عدم رفع الفعل بعد الصلاة اسم النقصان، بل و لا هو معنى التتمة.

و عن ظاهر المنقول عن المفيد في الغرية و أبي جعفر بن بابويه و والده عدم الوجوب بل عن أمالي الأول منهما أنه من دين الإمامية، للأصل، مضافا إلى

مضمرة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.

ج 12، ص: 302

أبي بصير(1)المشتملة بعد الأمر بقضائها بعد الانصراف على قوله (عليه السلام):

«و ليس عليه سهو»

كمضمر محمد بن منصور(2)«سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك

فيها. فقال: إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة و تضع جبهتك مرة و ليس عليك سهو»

و يؤيده مع ذلك خلو الأخبار(3)الصحيحة الكثيرة الواردة في مقام البيان عن الأمر بهما، و

الموثق (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سهو ما يجب فيه سجدتا السهو قال: إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت أن تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو، و ليس في شي ء مما يتم به الصلاة سهو- إلى أن قال- و سئل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو، قال: لا، قد أتم الصلاة»

إلى آخره.

و في الكل نظر، أما الأول فهو- مع كونه مضمرا ضعيفا لا جابر له موهنا باعراض المشهور عنه- معارض للإجماعات السابقة محتمل لأن يراد بالسهو المنفي الموجب للإعادة أو غيرها لا سجدتيه، أو لحال التدارك، بل رواية الفقيه له مسندا صحيحا لا تجدي أيضا بعد الاعراض المزبور، و ما سمعته من محكي الإجماع المسطور، و أما الثاني ففيه مع ذلك أيضا أنه صريح أو كالصريح في صورة الشك، و الكلام في النسيان و إن استفيد حكمه منها، و أما التأييد بالخلو المتقدم فهو غير صالح لأن يعارض ما سمعت من الأدلة المتقدمة، و كذلك الموثق مع قصور دلالته و اشتماله على ما لا يقول به الخصم و الحصر في السؤال، و

معلومية إرادة حال التدارك منه بقرينة ذكر الركوع و غيره، فكان الأول هو الأقوى، فما وقع من بعض المتأخرين كالفاضل المعاصر في


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود.
4- 4 التهذيب ج 2 ص 353- الرقم 1466 من طبعة النجف.

ج 12، ص: 303

الرياض و غيره من الميل اليه ضعيف.

و أما وجوبهما لنسيان التشهد ففي المدارك أنه لا خلاف فيه، بل في الخلاف الإجماع عليه في موضعين، و عن الغنية الإجماع عليه أيضا، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة غاية الاستفاضة التي قد تقدم بعضها في البحث عن قضائه، فما عن ظاهر بعضهم من العدم لعده مواضع السجود مع تركه له ضعيف جدا، و الظاهر أنه لا فرق بين الأول و الثاني كما تقدم سابقا، و يأتي الكلام إن شاء الله في باقي ما يجب له سجدتا السهو في الخاتمة.

[في الخلل الواقع في الصلاة شكا]
اشاره

و أما الخلل الحاصل في الصلاة بسبب طرو الشك فيها، و المراد به التردد مع تساوي الطرفين

[ففيه مسائل]
اشاره

ففيه مسائل:

[الأولى من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد]

الأولى من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد كالصبح و صلاة السفر و صلاة العيدين إذا كانت فريضة و الكسوف عند علمائنا كما في التذكرة و المعتبر مع زيادة الجمعة فيهما، و ترك التمثيل بالكسوف و صلاة العيدين في ثانيهما، بل في المنتهى «ذهب إليه علماؤنا أجمع إلا ابن بابويه» و إن ترك التمثيل فيه بالعيدين أيضا، على أن النقصان و الزيادة في التمثيل غير قادحين، و لذا حكى الإجماع العلامة الطباطبائي في المصابيح على البطلان في كل شك تعلق بغير الرباعية و صلاة الاحتياط من الفرائض، و عن الانتصار و الغنية الإجماع في الفجر و السفر، و في الخلاف «من شك في صلاة الغداة أو المغرب فلا يدري كم صلى أعاد- إلى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة- ثم قال-: من شك في صلاة السفر أو صلاة الجمعة وجب عليه الإعادة- إلى أن قال-: دليلنا ما قلناه في المسائل الأول من إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط» و الظاهر أنه لا يريد بقوله في العبارة الأولى «فلا يدري» تخصيص نوع الشك، بل هو ما يشمل ما نحن فيه بقرينة استدلاله بأخبار ليست خاصة في ذلك، و كيف كان فلم أعثر على مخالف في هذا الحكم، بل و لا من حكي عنه ذلك سوى ما نقله بعضهم عن ابن بابويه من تجويز البناء على

ج 12، ص: 304

الأقل، و ستعرف ضعفه، على أنه غير ثابت، بل أطال بعض المتأخرين في بيان فساد هذا النقل عنه.

و الذي يدل على الحكم المذكور- مضافا إلى ما سمعت من الإجماعات الصريحة و الظاهرة- الأخبار المستفيضة، منها

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر زرارة(1)قال: «قلت له: رجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال: يعيد»

و منها

رواية إسماعيل الجعفي و ابن أبي يعفور(2)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) قالا:

«إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فاستقبل»

و منها

مضمرة سماعة(3)قال: «سألته عن السهو في صلاة الغداة قال: إذا لم تدر واحدة أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها، و الجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد الصلاة، لأنها ركعتان»

و منها

خبر محمد(4)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال: يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»

و منها

خبر عنبسة بن مصعب (5)«إذا شككت في الفجر فأعد»

و منها

مرسلة يونس (6)«ليس في الفجر سهو»

إلى غير ذلك من الأخبار، لكنها لم تتعرض لخصوص العيدين و الكسوفين، إلا أن الإطلاق و التعليل بالنسبة إلى الجمعة بكونها ركعتين مع الاعتضاد بما سمعت كاف في الدلالة على ذلك.

و ما في بعض الأخبار ك

خبر عمار الساباطي (7)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة قال: يتشهد و ينصرف ثم يقوم فيصلي


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 18.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 12.

ج 12، ص: 305

ركعة، فإن كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا، و إن كان صلى ركعة كانت هذه تمام الصلاة»

لا ينبغي أن يلتفت اليه، بل قال الشيخ في الاستبصار: «أنه خبر شاذ مخالف للأخبار كلها، و اجتمعت الطائفة على ترك العمل به» انتهى، كبعض الأخبار الأخر(1)المتضمنة للبناء على الركعة للشاك في الواحدة و الثنتين، فإنها مع عدم الجابر لأسانيدها و إعراض الأصحاب عنها محتملة للحمل على النافلة، أو استقبال الصلاة.

فوائد: منها أنه يظهر من بعض الأصحاب هنا أن البطلان على مقتضى القاعدة، لعدم العلم ببراءة الذمة لاحتمال الزيادة و النقيصة، و

فيه إشكال، إذ لا مانع من الاعتماد على استصحاب الصحة، و على أصل عدم الفعل، فينفى به الزائد حيث يتعلق به الشك و يتم الناقص، و ما يقال: إنه مكلف بمصداق الصلاة في الخارج و أصالة العدم لا يقضي بتحقق الصدق يدفعه بعد منعه أنه مناف لكلامهم في كثير من المقامات بالنسبة إلى الشك في الأركان و غيرها زيادة و نقيصة، كاحتمال أن ذلك كله الدليل، إذ هو مناف لما يظهر من تمسكهم بالأصل فيه، بل و كذا القول: إن أصالة العدم تقضي أيضا بعدم تحقق هيئة المأمور به، فهي معارضة لذلك، لأن الظاهر أن الهيئة من جملة التوابع، فبعد الحكم الشرعي بوجوب الإتيان مثلا تتبع الهيئة هذا، و المسألة لا تخلو من تأمل، و ستسمع لها تتمة إن شاء الله بعد الفراغ من البحث عن صور الشك الأربعة.

و منها أن الذي يظهر من

قولهم (عليهم السلام)(2): «إذا شككت في الفجر فأعد»

و نحوه البطلان بمجرد وقوع الشك، فيكون حينئذ حاله كحال الحدث كما عن الفاضل الشيرواني، و لكن الذي صرح به بعض الأصحاب كالفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما العدم، فلو زال الشك قبل فعل المنافي صح، و هو كذلك، بل قد يدعى أن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 23.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 306

مثل العبارة المتقدمة ظاهرة في استمرار الشك لا إذا زال، و لم يذكره أحد في المبطلات

للصلاة على كل حال، إنما الذي يظهر من ملاحظة الأخبار إرادة تحصيل اليقين بهما الذي لا ينافيه مجرد وقوع الشك و إن زال، على أن فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى إذ اشتراط حصول اليقين أو الظن من أول الصلاة إلى آخرها بأول التفات الذهن لا يتيسر في أغلب الأوقات.

ثم على تقدير ذلك فهل يجب عليه التروي أو يجوز له القطع قبله؟ وجهان لا يخلو أولهما مع كونه أحوط من قوة، بل صرح به ثاني الشهيدين في المسالك، بل لعله ظاهر روضته، إلا أن الأقوى خلافه، للأصل و إطلاق الأدلة سيما في غير المقام من أفراد الشك في الركعات و الأفعال الذي لم يذكر أحد فيه وجوب التروي، و دعوى عدم صدق أنه شاك قبل التروي واضحة الفساد، و إلا لاقتضى جواز الأفعال حال التروي لعدم حصول الشك، كما أنه لا دلالة في نصوص ذهاب الوهم على ذلك، ضرورة إمكان إرادة اتفاق ذهاب الوهم، أو أنه لو تروى أو نحو ذلك مما لا دلالة فيه على الوجوب، فمن الغريب ما في المسالك من الاستدلال بنحو ذلك، و لذا أنكر عليه سبطه في المدارك، و منه يعلم ما في كلام الفاضل البهبهاني في شرح المفاتيح، فالتحقيق حينئذ جواز البناء مع التذكر قبل صدور المنافي منه كالسكوت الطويل و فوات الموالاة في أفعال الصلاة و نحو ذلك، و له استئناف الصلاة مع صدق الشك، لإطلاق الأمر بالإعادة عند حصوله المقيد بما إذا لم يتفق الذكر له قبل صدور المنافي الذي له أن يفعله حال الشك، بل له استئناف الصلاة و الاكتفاء بالشك مبطلا من غير حاجة إلى فعل مبطل آخر غيره، هذا.

و على تقدير وجوب التروي فهل يقدر بخروجه عن الصلاة مثلا و نحو ذلك أم لا؟ لا يبعد الثاني، فيتروى مقدار يكتفي به الناس في مثل ذلك، فتأمل، و لو أوقع

ج 12، ص: 307

بعض الأفعال حال الشك ثم زال الشك عنه يحتمل قويا البطلان و إن كان ما فعله موافقا، لأنه فعل غير مأمور به في الصلاة، و كونه كذلك في الواقع مع عدم العلم به غير نافع لفوات النية و الاستدامة، و احتمال الاكتفاء بالنية الأولى بعيد، نعم ربما يتوهم الصحة إذا وقع الفعل بنية القربة المطلقة إذا كان مما يصح فيه ذلك مثل قراءة القرآن، إلا أن المتجه القول ببطلان ذلك الواقع ثم إعادته، لعدم الاكتفاء بالواقع أولا حيث لم يصادف الجزم في الصلاة الذي هو عبارة عن الاستدامة، و عدم إفساده للصلاة، لكونه لم ينوه أنه لها، و الفرض أنه مما لا يبطلها.

و منها أن الظاهر من بعض الأخبار المتقدمة و كلام الأصحاب عدم الفرق بين تعلق الشك بالنسبة للزيادة و النقيصة، و ما في بعضها من وقوع السؤال عمن لا يدري واحدة أم اثنتين لا يقتضي تقييدا ل

قوله (عليه السلام)(1): «مثلا إذا شككت في الفجر فأعد»

و دعوى أن مثل هذه العبارة لم تقع في كل ثنائية حتى يتمسك بها يدفعها عدم القول بالفصل، على أن عبارات الأصحاب و ظاهر إجماعاتهم كافية في ذلك.

و منها أنه قد نقل عن جماعة التصريح بأنه لا فرق في هذا الحكم بين الواجبة بالأصل و العارض كالمنذورة و نحوها، و لعله لإطلاق النصوص و الفتاوى، مضافا إلى التعليل بأنها ركعتان، و لا يعارض ما دل على حكم النافلة، لخروجها بالنذر عنها، و إن كان لا يخلو من تأمل، للشك في شمول الإطلاق و في أن لحوق الحكم في النافلة لوصف النفل أو أنه لذاتها و إن ألزمها النذر، لكن لا يبعد البطلان إن قلنا إنه مقتضى القاعدة نعم لو قلنا مقتضاها الصحة اتجه ذلك، هذا، و قد يستفاد من إجرائهم حكم الواجب على النافلة التي تجدد لها الوجوب بنذر و نحوه جريان حكم النفل على الواجب الذي عرض له وصف الندب كصلاة العيدين و المعادة احتياطا أو بقصد الجماعة و التبرعية عن الغير


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 308

و نحو ذلك، فلا تبطل حينئذ بالشك، لكنه لا يخلو من إشكال بل منع، خصوصا فيما كان الحكم فيه معلقا على الاسم كالمغرب و نحوه، و ستسمع تمام الكلام إن شاء الله في البحث عن حكم الشك في النافلة.

و لو شك المسافر في مواضع التخيير بعد إكمال الركعتين احتمل البطلان مطلقا، و الصحة كذلك، و الصحة إذا كان الشك مسبوقا بقصد الإتمام، لتناول الأدلة حينئذ لها، و ليس له العدول حينئذ إلى القصر لإرادة الابطال و إن جوزناه له قبل هذا العارض، لحرمة الابطال، و اقتصارا على المتيقن من محل العدول، أما لو كان من أول الأمر قصده القصر فالمتجه حينئذ البطلان، لكونه شكا في ثنائية، خلافا للعلامة الطباطبائي فاستقرب الصحة معينا عليه التمام حينئذ، للمنع من بطلان العمل، و امتناع التخيير بين الصحيح و الفاسد، و فيه أنه بطلان لا إبطال، و لا تخيير بين الصحيح و الفاسد بل هو فاسد بحث، و لذا لم يكن له العدول، نعم لو فرض أنه شك و لم يكن قصد القصر أو التمام من أول الأمر بناء على أن له تأخير ذلك إلى محل الافتراق أمكن القول بذلك، و أنه يتعين عليه اختيار التمام، لما سمعت، مع أنه لا يخلو من نظر للشك في جواز اختيار التمام له حينئذ، إذ المتيقن من جوازه حال قابليته لكل منهما، لكن قد يقال: إن القصرية و التمامية ليستا من المقومات للماهية، و لذا لم يجب التعرض لهما في النية، فتخبيره حينئذ بينهما يرجع إلى إرادة الاجتزاء بما يقع منه من الأربع و الاثنين، فلا عدول فيه يحتاج إلى الدليل كالظهرية و العصرية، بل و لا تخييره يحتاج إلى النية كي يرد ما سمعت، و منه يظهر وجه الصحة في السابق مطلقا، فتأمل جيدا.

و منها ما صرح به جمع الأصحاب في صلاة الكسوف أنه متى تعلق الشك بعددها بطلت، و متى تعلق بركوعاتها فان كان في المحل جاء بالمشكوك فيه، و إلا لم

ج 12، ص: 309

يلتفت إلا إذا تعلق شكه بالركوع بما يرجع إلى الشك في الركعات، كما إذا شك في أنه هل هو في الخامس أو في السادس، فان كان في الخامس كان في الأولى، و إن كان في السادس كان في الثانية، لكن هناك قولان آخران نقلهما الشهيد في الذكرى بالنسبة للشك في الركوع:

أحدهما عن قطب الدين الراوندي، و هو أنه إذا لم يتعلق شكه بما يزيد على الاحتياط المعهود فإنه يحتاط، لدوران الشك في اليومية مع الركوع، و لا تضر زيادة السجود في الاحتياط، لأنه تابع، أما إذا زاد كما لو شك بين الاثنين و الخمس فان الاحتياط يكون بثلاث ركعات، و هو زائد على الاحتياط المعهود، فلا تعرض في كلامه له، و لو كان بين الأربع و الخمس تلافى بركعة، لأنه غير زائد على الاحتياط المعهود، و هو الجبر بركعة أو ركعتين، و إن لم يكن كذلك في اليومية، للعلم بإحراز الأربع فيها و أصالة عدم الزيادة، و لو كان شكه بين الواحد و الاثنين احتاط أيضا بركعة، لعدم زيادته على الاحتياط المعهود و إن كان هو مبطلا في اليومية، و قد يحتمل ذلك في كلامه، فيكون كصاحب البشرى بالنسبة إلى ذلك، و الله العالم.

و ثانيهما عن صاحب البشرى، و هو معاملة ركوعات الأولى معاملة اليومية، فمتى وقع بين الأول و الثاني بطل، و في غيره يصح، إلى أن قال: «أما إذا وقع بين الرابع و الخامس فنهاية ما يلزمه سجدتا السهو، و هل يسجد عند ذلك بناء على أنه صلى خمسا أم لا؟ وجوه ثلاثة: الأول البناء أخذا ب رواية عمار(1)أنه يبني على الأكثر ثم يتلافى ما نقص بعد الصلاة، الثاني التخيير بين الركوع و عدمه جمعا بين الرواية السابقة و بين قاعدة من شك في الركوع و هو قائم أتى به، فان اختار الأول تلافى بعد الصلاة ما نقص، و إلا فلا، الثالث البناء على الأقل و يركع ثم يهوي إلى السجود- ثم قال-:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 310

و حكم ما بعد الخمسة حكم الخامسة، و إن قلنا إن الحكم في الخمس الثانية مثل الخمس الأولى كان له وجه» ثم أطال في ذلك بعبارات تقضي بأن المسألة لديه في كمال التردد و عدم التنقيح، و لا يخفى عليك ضعفهما، أما الأول فلعدم المطابقة بين الفائت و الاحتياط لمكان زيادة السجدتين، و قوله: «إنه تابع» أول البحث، إذ لا دليل عليه، و أما الثاني فهو مبني على تسمية الركوعات ركعات، و هو ممنوع، و على تسليمه فالأخبار الواردة في الشك كادت تكون صريحة في عدم شمولها لمثل ما ذكر، كما لا يخفى على المتأمل فيها، على أن في كلامه مواضع أخر للنظر تركناها خوف الإطالة.

و كذا المغرب تفسد بالشك فيها على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل حكاه عليه جماعة نصا و ظاهرا، بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية، و بذلك يظهر ما في نسبة الخلاف

اليه أو إلى والده، مع أن المنقول عنه في المقنع أنه قال: إذا شككت في المغرب أعدت، و

روي (1)«إذا شككت في المغرب و لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فسلم ثم قم فصل ركعة، و إن شككت في المغرب و لم تدر في ثلاث أنت أم في أربع و قد أحرزت الاثنتين في نفسك و أنت في شك من الثلاث و الأربع فأضف إليها ركعة أخرى، و لا تعتد بالشك، فان ذهب وهمك إلى الثالثة فسلم و صل ركعتين و أربع سجدات و أنت جالس»

و هي كما ترى غير ظاهرة فيما نقل عنه، بل الظاهر منها موافقة الأصحاب و نسبة ذلك إلى الرواية، و يؤيده أيضا ما نقل عنه قبل من التصريح بأنه إذا شك في المغرب أعاد، و إذا شك في الفجر أعاد، و أما عبارة الفقيه المنقولة عنه فهي و إن كانت غير نقية من الاضطراب لكنها غير صريحة فيما نقله عنه الأصحاب من جواز البناء على الأقل كما نقل ذلك عن والده أيضا.


1- 1 المقنع ص 30 المطبوع بطهران عام 1377« باب السهو في الصلاة» و ذيله لا يوافق ما في الجواهر.

ج 12، ص: 311

و كيف كان فخلافهما على تقدير تحققه غير قادح، لما سمعت من الإجماع المنقول على لسان جملة من الفحول، و بعض الأخبار المتقدمة في المسألة السابقة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة(1)الآمرة بالإعادة عند الشك في المغرب، و هي كثيرة، فما في

خبر عمار(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل شك في المغرب فلم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا قال: يسلم ثم يقوم فيضيف إليها ركعة، ثم قال: هذا و الله مما لا يقضى أبدا»

كخبره الآخر(3)«قلت: يصلي المغرب فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا قال:

يتشهد و ينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة، فإن كان صلى ثلاثا كانت هذه تطوعا، و إن كان صلى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة، و هذا و الله مما لا يقضى أبدا»

- بعد الاعراض عنهما من أكثر الأصحاب، بل في الاستبصار قد اجتمعت الطائفة على ترك العمل بهما- لا مناص من حملهما على التقية أو طرحهما أو غير ذلك، و هو واضح، كوضوح جريان الفوائد المتقدمة، هذا، بل صرحت بعض الأخبار هنا بالفساد إن تعلق الشك بالزيادة كما في

خبر موسى بن بكر(4)سأله الفضيل عن السهو، فقال: «إذا شككت في الأولتين فأعد»

و قال: «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك»(5)

و في الاستبصار(6)«إذا جاز الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك»

و هو مع إطلاق كلام الأصحاب و إجماعاتهم مضافا إلى

قوله: «إذا شككت في المغرب فأعد»(7)

يقضي بعدم الفرق بين تعلق الشك بالزيادة و النقيصة، فما عن المقنع من أنه إذا تعلق بالزيادة أضاف ركعة ضعيف مع عدم ثبوت هذا النقل عنه، و لعله للعبارة المتقدمة لكن قد عرفت نسبته للرواية فيها خاصة، اللهم إلا أن يكون ذلك من كلامه لا منها،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 19.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 10.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 312

و على تقديره فمن المحتمل كون المراد حال الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إحراز الاثنتين بأن حدث بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، فيكون إضافة الركعة حينئذ لاحتمال النقيصة و عدم الاعتداد بغيره من الاحتمال، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا شك في فعل شي ء من أفعال الصلاة]
اشاره

المسألة الثانية إذا شك في فعل شي ء من أفعال الصلاة واجبا كان أو مستحبا ثم ذكر فان كان الشك و هو في موضعه أي قبل أن يدخل في فعل آخر واقع بعده كالشك في التكبير قبل أن يدخل في القراءة، و كالشك في القراءة قبل الركوع، و الركوع قبل السجود، إلى غير ذلك من الأفعال المذكورة في كتب الفقهاء المختص كل واحد منها باسم كالنية و التكبير و القراءة و الركوع و السجود و التشهد و القيام أتى به و أتم، و إن كان قد انتقل عنه و كان داخلا في غيره مضى في صلاته سواء كان ذلك الفعل ركنا أو غيره إجماعا محكيا

على لسان جماعة إن لم يكن محصلا، و نصوصا(1)بل و سواء كان في الأولتين من الرباعية أو الأخيرتين على الأظهر الأشهر، بل المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، إذ لم يعرف الخلاف في ذلك إلا عن الشيخين و ابن حمزة في الوسيلة و العلامة في التذكرة، قال في مفتاح الكرامة:

أما المفيد فقد قال: «كل سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأولتين من فرائضه فعليه إعادة الصلاة» و أما الشيخ فلعل الناقل أراد قوله في النهاية من أنها تبطل بالشك بالركوع أو السجود من الأوليين، أو مع ما في التهذيب من أنه لو نسي سجدة من الأوليين تبطل الصلاة، و لعله لم يقف على غير ذلك في كتب الشيخ، على أن ما ذكره عنه في التهذيب مبني على أن القول بالبطلان فيها يستلزم البطلان هنا، و قد يمنع، و عن ابن حمزة في الوسيلة أنه قال: «تبطل بالشك في الركوع من الأوليين بعد الفراغ من السجود


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 313

أو في السجود في واحدة منهما بعد الفراغ من الركوع» و في التذكرة «ليس بعيدا من الصواب الفرق بين الركن و غيره، فتبطل إن شك في الأوليين في ركن، لأن الشك فيه في الحقيقة شك في الركعة، بخلاف ما إذا كان المشكوك فيه غير ركن» لكن لا يخفى عليك أنهم لم يتفقوا على معنى واحد، بل عبارة المفيد محتملة لإرادة النسيان من السهو دون الشك، و عبارة النهاية ليست عامة، كما أن عبارة الوسيلة

ظاهرة في أنه حيث لا يمكن التدارك، و عبارة التذكرة خاصة في الركن.

و كيف كان فيدل على المطلوب إطلاق الأخبار الكثيرة، بل في بعضها ظهور في خصوص الركعتين الأولتين، فضلا عن العموم و الإطلاق و ترك الاستفصال في آخر، منها

قول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1)«عن الرجل يشك و هو قائم لا يدري ركع أم لم يركع، قال: يركع و يسجد»

و نحوه خبر عمران الحلبي (2)و مثلهما خبر أبي بصير أيضا و الحلبي

و في خبره الآخر(3)قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل شك فلم يدر سجد سجدة أم ثنتين قال:

يسجد حتى يستيقن أنهما سجدتان»

و مثله خبر الشحام (4)عن الصادق (عليه السلام) أيضا، و منها

صحيح زرارة(5)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة قال: يمضي، قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبر قال يمضي، قلت: رجل شك في التكبير و قد قرأ قال: يمضي، قلت: رجل شك في القراءة و قد ركع قال: يمضي، قلت: شك في الركوع و قد سجد قال: يمضي على صلاته، ثم قال: يا زرارة(6)

إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء»


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الركوع- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الركوع- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الركوع- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب السجود- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب السجود- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 314

و هو كالصريح في شموله للأولتين، و عدم فرقه بين الأركان و غيرها، و في

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو»

و في

خبر أبي بصير(2)قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن شك في الركوع بعد ما يسجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه»

ك صحيح إسماعيل بن جابر(3)إلى غير ذلك، مضافا إلى ما تقدم م ما دل (4)على خصوص نسيان السجدة و القراءة و نحوها، بل و ما دل (5)على أن نسيان غير الركن لا يبطل الصلاة، و إلى نفي الخلاف و إطلاق الإجماعات على أن من سها عن شي ء و ذكره قبل أن يتجاوز محله أتى به، إلى غير ذلك من الأدلة التي يقصر القلم عن إحصائها على التفصيل، فإن إعطاء هذه

القواعد الشرعية و حملها على كونها في غير الأولتين و إجرائها بالنسبة للمسافر في خصوص المغرب مما لا يقبله طبع فقيه.

حجة المفيد الأصل، و

قول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر عنبسة بن


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 نقله في الوافي- في باب الشك في أجزاء الصلاة- عن التهذيب بإسناده عن أبي بصير عن أبى عبد الله عليه السلام و لكنا لم نعثر عليه في الوسائل و التهذيب و الاستبصار بعد الفحص في مظانها، و لا يخفى أن صحيحة إسماعيل بن جابر تشتمل على فرعين، اشتركت في الفرع الأول رواية إسماعيل و أبي بصير و أوردهما في الوسائل في الباب 14 من أبواب السجود- الحديث 1- 4 و أما الفرع الثاني فلم يرد إلا في صحيحة إسماعيل التي ذكرها في الوسائل في الباب 13 من أبواب الركوع- الحديث 4 و الباب 15 من أبواب السجود- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود و الباب 28 من القراءة في الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 315

مصعب (1)قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد»

و نحوه غيره، و في

حسنة الوشاء(2)قال: «قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام):

الإعادة في الركعتين الأولتين، و السهو في الركعتين الأخيرتين»

و خبر عامل بن جذاعة(3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة»

و خبر البقباق (4)قال: «قال لي: إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك»

إلى غير ذلك مما دل على الأمر بالإعادة بمجرد الشك في الفجر و الجمعة و السفر و الأولتين.

و فيه أما الأصل فهو- مع إمكان منعه بأن يقال: أما في الشك قبل تجاوز المحل فالأصل يقضي بعدم الفعل، فيأتي به، و استصحاب الصحة تحكم، و أما في الشك فيه بعد تجاوز محله فلأن استصحاب الصحة يقضي بعدم الالتفات، فتأمل- مقطوع بما سمعت من الأدلة، و أما الأخبار فلا يخفى على من لاحظها أنها ظاهرة في الشك بالنسبة للعدد، كما يقضي به اشتمال بعضها على المغرب أيضا، و

قوله (عليه السلام) في آخر(5): «فأعدهما حتى تثبتهما»

بل لو لم تكن ظاهرة في ذلك لوجب تنزيلها عليه، لما سمعت من الأدلة المتقدمة، لرجحانها عليها من وجوه متعددة، فالقول بأنه يمكن تقييد تلك بالركعتين الأولتين مع أنه لا يتأتى في بعضها كما ترى تقديم للمرجوح من وجوه، منها إعراض المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، فلا محيص عن الركون إلى إطلاق تلك القاعدة المدلول عليها بمحكي الإجماع أو محصله، و ما سمعت من الأخبار المعتضدة و المنجبرة بما عرفت بل المطابقة لما يقتضيه التدبر و الاعتبار، بل و ما هو لسائر بني آدم في جميع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 13.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 15.

ج 12، ص: 316

أفعالهم المدار(1).

إنما البحث في تعيين الموضع المعبر عنه في كلام بعض بالمحل و الغير في الرواية الذي يدور التلافي و عدمه مداره بالإجماع بقسميه و النصوص، و الذي يقوى في النظر و إن قل المفتي به إن لم ينعقد إجماع على خلافه أن المراد به كلما صدق عليه الغيرية عرفا واجبا أو مستحبا لكن إذا كان مرتبا شرعا، لظاهر ما سمعت من المعتبرة المؤيدة بظاهر حال المسلم من عدم الدخول في المرتب على شي ء قبل فعل ذلك الشي ء، بل هو الموافق لسهولة الملة و سماحتها، بل قد يدعى أن في غيره حرجا، ضرورة صعوبة التكليف بذكر قراءة أول السورة مثلا في آخرها، خصوصا السور الطوال، بل الإنسان في أغلب


1- 1 اعلم أولا أن هنا قاعدتين: الأولى كل شي ء شك فيه قبل أن يدخل في غيره يجب الإتيان به، الثانية إذا شك فيه بعد أن دخل في غيره لا يلتفت اليه، و يدل على الأولى- بعد الإجماع المنقول المعتضد بنفي الخلاف و بأصالة عدم الفعل فيجب التلافي- الأخبار، و فيها الصحيح و غيره، منها خبر أبى بصير سأل الصادق عليه السلام« عن رجل شك و هو قائم لا يدرى ركع أم لم يركع قال: يركع و يسجد» و مثله خبر الحلبي، و مثلهما الأخبار الآمرة بإعادة السجدة عند الشك فيها، و تتم دلالة الجميع بعدم القول بالفصل، و منها مفهوم قول الصادق( عليه السلام) في صحيح زرارة:« يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء، و قول أبي جعفر( عليه السلام) في صحيح ابن مسلم:« كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» و قول الصادق( عليه السلام) في خبر أبى بصير:« كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» و مثله خبر إسماعيل بن جابر، و المناقشة في حجية المفهوم في هذه الأخبار أو عمومه لا يلتفت إليها سيما في المقام، لما سمعت من دعوى الإجماع، بل يمكن التحصيل، و منطوق هذه الأخبار المعتضد بغيره من الروايات الدالة على عدم الالتفات بالنسبة للركوع و السجود المتممة للدلالة بعدم القول بالفصل حجتنا على القاعدة الثانية، مضافا إلى الإجماع المنقول و يشهد له التتبع فيمكن دعوى التحصيل( منه رحمه الله).

ج 12، ص: 317

أحواله يعتريه السهو و شغل الذهن بحيث لا يفيق إلا و هو في جزء من أجزاء الصلاة، و جميع ما تقدم لا يعلم أنه وقع أو ما وقع، و لا كيف وقع، بل لعل بناء الناس في جميع أحوالهم و أمورهم على ذلك حتى الحداد في حدادته و النجار في نجارته و جميع أرباب(1)

الصنائع في صنائعهم لا يلتفتون إلى شي ء بعد الانتقال عنه و الدخول في غيره.

لكن في المسالك أن المفهوم من الموضع محل يصلح لإيقاع الفعل المشكوك فيه كالقيام بالنسبة إلى الشك في القراءة و أبعاضها و صفاتها، و الشك في الركوع، و كالجلوس بالنسبة إلى الشك في السجود و التشهد، ثم قال: «و هو في هذه الموارد جيد لكنه يقتضي أن الشاك في السجود و التشهد في أثناء القيام قبل استيفائه لا يعود اليه، لصدق الانتقال عن موضعه، و كذا الشاك في القراءة بعد الأخذ في الهوي و لم يصل إلى حد الراكع، أو في الركوع بعد زيادة الهوي عن قدره و لما يصر ساجدا، و الرجوع في هذه المواضع كلها قوي، بل استقرب العلامة في النهاية وجوب العود إلى السجود عند الشك ما لم يركع، و هو غريب» انتهى. و هو مع كونه تقييدا للغير في النصوص من غير مقيد يقتضي وجوب تلافي التكبير بعد الشروع في القراءة، بل و بعد تمامها قبل الركوع، مع أنه هو و نظيره مورد القاعدة في صحيح زرارة(2)السابق (3)و لعل الذي ألجأه إلى ذلك التعبير بالمحل في كلام بعضهم، فالأولى حينئذ التعبير بما في الرواية و يظهر منه في الروضة و تبعه عليه بعض المتأخرين أن المراد به الأفعال المعهودة شرعا المفردة بالتبويب كالنية و التكبير و القراءة و الركوع و السجود و التشهد و نحو ذلك، فكل


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 6.
2- 2 راجع التعليقة« 2» على ص 314.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 4.

ج 12، ص: 318

شي ء شك فيه منها قبل أن يدخل في الفعل الآخر وجب تلافيه، و كل شي ء شك فيه بعد دخوله في آخر منها لا يلتفت، و هو مع أنه تخصيص أيضا لهذه القاعدة الجارية في أكثر أبواب الفقه يقتضي وجوب تلافي كل ما شك فيه إذا كان في مقدمات الأفعال لا فيها أنفسها، كما إذا شك في الركوع و هو هاو إلى السجود و لما يسجد، و كذلك الشك في القراءة و هو هاو إلى الركوع قبل أن يصل إلى حد الركوع، و كذلك لو شك في التكبير و القراءة و الركوع و هو هاو إلى السجود و لما يسجد، و الموجود في الرواية الصحيحة(1)عدم الالتفات إلى الركوع المشكوك فيه في أثناء الهوي إلى السجود، و كأنه (رحمه الله) أخذه من سؤال السائل عن هذه الأفعال المفردة في التبويب، لكن ذلك لا يقتضي التخصيص في جواب الامام، بل الظاهر عدم إرادة التقييد في خبري أبي بصير(2)و إسماعيل بن جابر(3)الظاهرين في أن مساقهما مساق غيرهما من النصوص، سيما بعد التصريح بعدم الالتفات إلى الركوع المشكوك فيه في أثناء الهوي إلى السجود، و دعوى أن العطف بثم التي هي للترتيب و التراخي يقضي بوجود الواسطة بين الخروج من المنسي و الدخول في آخر، و ليست إلا هذه المقدمات ممنوعة، سيما بعد أن كان من موردها المصرح به فيها نحو

الشك في التكبير و قد دخل في القراءة، و لا مقدمات بينهما، فليس المراد حينئذ إلا عدم الالتفات إلى المشكوك فيه بعد الدخول في الغير المترتب عليه أي غير كان، لا غيرا مخصوصا، فكان الأولى أو الأقوى هو الأول و إن خالف المشهور في بعض المسائل التي ستسمعها المتفرعة على ما ذكرنا.

منها لو شك في قراءة الحمد أو بعضها و هو في السورة، أو شك في السورة أو بعضها و هو في القنوت، أو في الجميع و هو في الهوي إلى الركوع، و نحو ذلك، فإنه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 6.
2- 2 راجع التعليقة «2» على ص 314.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 4.

ج 12، ص: 319

لا يلتفت على الأول، بل لا يلتفت عليه لو شك في بعض الآيات بعد الدخول في الآية الأخرى، بل في الكلمة و الكلمة الأخرى، بخلاف الآخرين فيتلافى الحمد عليهما إذا شك فيه في السورة كما هو المحكي عن المشهور و الشيخ، لكن ظاهر معتبر المصنف و عن سرائر الحلي حاكيا له فيها عن رسالة المفيد إلى ولده و ناسبا له إلى أصول المذهب عدم التلافي كما قلنا، بل مال اليه أو قال به بعض متأخري المتأخرين، و يؤيده أنه من المستبعد جدا بل من الممتنع تذكر المصلي و لو على جهة الظن و هو في آخر سورة طويلة جميع ما تقدم و أنه وقع منه من غير تغيير بإعراب أو تشديد أو نحوهما بحيث متى شك و هو في آخر السورة في حرف من حروف الفاتحة وجب عليه تلافي الحمد و تلك السورة أو غيرها، و كيف و المصلي غالبا يسهو حال الصلاة و يشتغل ذهنه بالأمور الدنيوية، على أن ذلك بعيد من سهولة الملة و سماحتها، بل و عمل العلماء في كل عصر، بل ربما أورد عليه زيادة على ما عرفت أنه إذا شك في قراءة الحمد بعد تمام السورة و قلنا بوجوب التلافي وجب عليه إعادة السورة أيضا مراعاة للترتيب، و فيه احتمال القران إن قرأ سورة أخرى غير تلك السورة، بل و إن قرأ تلك السورة أيضا على وجه، أو قراءة أزيد من سورة المنهي عنه أيضا مطلقا، لكن قد يدفع بأن المشهور في صورة النسيان عدم وجوب تعيين تلك السورة عليه، و ما هو إلا لأن مثله لا يعد من القران كاندفاع ما يستدل به للمشهور من مفهوم تقييد المضي بالركوع في صحيح زرارة المتقدم بأن ذلك إنما وقع في كلام السائل الذي لا يحكم على الجواب، و من ذلك كله يظهر لك أن الوجه عدم الرجوع لو شك في القراءة كلا أو بعضا و هو في الهوي إلى الركوع، كما هو مقتضى الأوليين بخلاف الأخير.

و منها لو شك في القراءة أو بعضها و هو في القنوت، فلا يرجع على الأول كما في المدارك و الرياض و عن مجمع البرهان و الذخيرة و الكفاية، بخلاف الثاني بل و الثالث

ج 12، ص: 320

إن لم يكن القنوت من الأفعال المفردة بالتبويب، فيرجع كما عن الشهيدين.

و منها لو شك في الركوع بعد الهوي إلى السجود ففي الروضة و عن الذكرى الرجوع، و الأقوى عدم الرجوع لما عرفت، و

خبر البصري(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أ ركع أم لم يركع؟ قال: قد ركع»

و منها لو شك في السجود و قد قام، و على الأول بل و الأخيرين ينبغي عدم الرجوع كما هو خيرة الأكثر، بل عن السرائر دعوى الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى

قوله (عليه السلام)(2): «و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض»

فما عن الشيخ و الفاضل في نهايتهما من القول بالرجوع ما لم يركع ضعيف جدا.

و منها الشك في التشهد في حال القيام، و هو كسابقه حتى في دعوى السرائر الإجماع عليه أيضا، فما عن بعضهم من وجوب الرجوع لا يلتفت اليه، و لعله اشتباه فيه و في السابق بين صورة الشك و النسيان.

و منها لو شك في السجود و هو في التشهد، و على الأول و الأخير ينبغي عدم الرجوع أيضا،

بخلاف الثاني فالرجوع كما عن بعضهم، و لعله ل

قوله (عليه السلام) في خبر البصري (3)قلت: «رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أ سجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد»

فإنه شامل لما كان القيام عن تشهد و غيره، لكن فيه أن الظاهر من قوله: «نهض من سجوده» القيام بعد السجود لا بعد التشهد.

و منها لو شك في السجود و هو آخذ بالقيام و لم يستقم قائما، و على الأول و الثاني ينبغي عدم الرجوع، إلا أني لم أعثر على مخالف هنا في وجوب الرجوع، نعم عن


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب السجود- الحديث 6.

ج 12، ص: 321

ظاهر الإشارة عدم الرجوع، و كان الأول أقوى و إن كان مقتضى ما سمعت عدم الالتفات، لأنه قد دخل في غيره، لكن مع احتمال أن يقال: إن هذا ليس غيرا، لكونه ليس من أفعال الصلاة، بل هو مقدمة للقيام قد دل عليه الدليل بخصوصه، و هو الرواية المتقدمة، فلا مانع من تخصيص القاعدة بها، لا يقال: إن العمل بها ينافي ما تقدم في الشك في الركوع و قد هوى للسجود، ضرورة أن المقدمات إن كانت تسمى غيرا اتجه عدم الالتفات في المقامين، و إلا اتجه الرجوع فيهما، لأنه لا مانع من اختيار الأول، و جريان الأولى على القاعدة المتقدمة، و كون الثانية مخصصة لها، و المناقشة في

الأولى بأنها غير ظاهرة في حصول الشك في الركوع قبل الدخول في السجود- فان

قوله: «هوي للسجود فلم يدر أ ركع أم لم يركع؟»

قاض بأن ذلك الشك واقع بعده لا حينه- ضعيفة، لظهور الفاء في الرواية في التعقيب و حصول الشك حينه، هذا، مع أنه يمكن الفرق بين المقامين بأن الهوي للسجود واجب أصلي ليس مقدمة، و لذلك يجب تلافيه مع نسيانه بخلاف الأخذ في القيام، فإنه ليس غيرا بل مقدمة للقيام.

و منها الشك في التشهد كذلك، و فيه وجهان، و لعل التدارك إلحاقا له بالسجود لا يخلو من قوة و إن كان هو كما ترى، نعم قد يفرق بأن الهوي للسجود مستلزم للانتصاب الذي منه أهوى له، و الانتصاب فعل آخر غير الركوع و قد دخل فيه و تجاوز عن محل الركوع، بخلاف النهوض قبل أن يستتم قائما، فإنه بذلك لم يدخل في فعل آخر، و لكن فيه أيضا منع.

و منها لو شك في الانتصاب من الركوع بعد الجلوس للسجود، و قضية ما تقدم منا عدم الالتفات، كما أنه لا يخفى عليك مقتضى تطبيق الوجهين السابقين فيه و فيما لو شك و هو هاو للسجود و لما يسجد، فتأمل جيدا.

ج 12، ص: 322

و منها لو شك في النية و قد كبر فلا يلتفت بناء على ما قلناه، و كذا على الثالث و أما على الثاني فينبغي التدارك، لكونه في محل تصح فيه، و ما يقال: إن الشك في النية خارج عن المسألة، لأن الكلام بعد انعقاد الصلاة، فإذا شك في شي ء منها و قد دخل في غيره لا يلتفت، لا مع عدم معلومية الانعقاد يدفعه أن المفهوم من الأخبار عدم الفرق، ضرورة اشتمالها على التكبير المتوقف انعقادها عليه أيضا، و لذا قال الشيخ في المبسوط: «و من شك في النية فإنه يجدد إن كان في محلها، و إن انتقل إلى حالة أخرى مضى في صلاته» على أنه من المعلوم أنه لو شك في النية و هو في الركعة الثانية مثلا لا يلتفت قطعا.

و ينبغي التنبيه هنا لأمور: منها ما قد عرفت سابقا أنه لا فرق عندنا في الأمور المترتبة بين المستحب و الواجب، فمن شك في واجب بعد الدخول في مستحب لا يلتفت كمن شك في القراءة و هو في القنوت، بل و كذا من شك في التكبير و هو في الأذكار المتقدمة على القراءة، أخذا بظاهر الأخبار، لتحقق الغيرية في الجميع، و إطلاق كثير من الأصحاب وجوب التلافي للتكبير إن لم يكن قد قرأ محمول على عدم الاشتغال بشي ء قبل القراءة، أو يراد بالقراءة ما يشمل ذلك، أو يكون مبنيا على أحد الوجهين السابقين في تفسير الغير، و لو كان المكلف على هيئة المصلي كما لو كان منصتا أو مشغولا بتسبيح حال قراءة الامام و شك في التكبير مثلا فيمكن القول بعدم الالتفات، لأن هذه الأحوال غير بالنسبة للتكبير، و كذلك في المنفرد، نعم لو كان في حال ليس مترتبا بعد التكبير يلتفت.

و منها أن الظاهر من التلافي في المحل و عدمه في خارجه العزيمة لا الرخصة، كما هو ظاهر الأخبار، فمن ترك التلافي في محله أو تلافى في غير المحل بطلت صلاته، و ما عن بعضهم من احتمال كون عدم التلافي رخصة كما في الذكرى فلا يقدح تلافي المشكوك فيه بعد خروجه

ج 12، ص: 323

من المحل ضعيف، لظاهر قوله (عليه السلام): «يمضي» المقتضي للوجوب، و ما يقال:

إنه على تقدير تسليم الوجوب فهو لا يقضي إلا بحرمة التلافي، و هو لا يفسد الصلاة ضعيف لما بين في الأصول من اقتضاء النهي فيها الفساد، نعم بناء على ما ذكرناه من الوجوه في المراد بالمحل هل يمكن الاحتياط، فعلى المختار مثلا فيه يمكن التدارك في الأثناء احتياطا على الوجهين الأخيرين؟ الظاهر العدم في أغلب الأحوال، ضرورة أنه من تعارض الواجب و المحرم، نعم قد يتأتى فيما لو شك في الحمد مثلا و هو في السورة بأن يعود إلى الحمد بنية القربة المطلقة على وجه الاحتياط بناء على اقتضائه شرعية مثل ذلك نحو دفع المال على وجه الصدقة زكاة و إلا فصدقة، و ليس هذا ترديدا في النية كما أوضحناه في محله، لكن لا يقرأ سورة غير الأولى تخلصا من القران، لا فيما لم يكن من هذا القبيل، كمن شك في السجدة و هو في التشهد مثلا، لاستلزامه زيادة سجدة شرعا، فاحتياطه فيه و في أمثاله حينئذ منحصر بتكرير الصلاة مرتين، أما على تقدير الرخصة فوجه الاحتياط فيه واضح، فتأمل جيدا.

و منها أن الظاهر جريان حكم الشك في غير صلاة المختار على نحو صلاته، فمن كان فرضه الصلاة جالسا و قد شك حال الجلوس الذي عزم عليه أنه بدل القيام في أنه هل سجد أم لا أو تشهد أم لا لا يلتفت لخروجه عن المحل بالنسبة اليه، و لعل المسألة مبنية على أن مثل هذه الأشياء في صلاة المضطر أبدال و أعواض عنها في صلاة المختار على وجه يجري عليها الحكم المزبور، كما يجري عليها حكم الكيفية كالطمأنينة في التكبير و القراءة و ركنية الانتصاب للركوع على نحو القيام المتصل به و نحو ذلك، أو أنها ليست كذلك بل هي أمور كانت تجب عند الاختيار و أسقطها الشارع عند الاضطرار من غير بدل لها الظاهر الأول، فتجري عليه جميع الأحكام، و كذلك الحكم بالنسبة للمستلقي و المضطجع و نحو ذلك، بل الظاهر جريان أحكام الأركان على الايماءات التي جعلها الشارع عوضا

ج 12، ص: 324

عن الركوع و السجود، و الانصاف أن المسألة لا تخلو من إشكال، بل للتأمل فيها مجال، إذ لم أعثر على من بحث فيها هنا، نعم نقل عن الموجز الحاوي و كشف الالتباس أنهما قالا: «لو كان يصلي جالسا لعجزه عن القيام ثم شك في سجود الركعة الثانية أو في التشهد سجد أو تشهد ثم استأنف القراءة» و في مفتاح الكرامة «قد احتمل بعضهم في المقام المضي» قلت: قد عرفت أنه الأقرب في النظر سيما في الفرض الذي قد دخل فيه في القراءة التي لا ريب في أنها غير فعلا، إنما الإشكال في الغيرية الاعتبارية كالجلوس المنوي به قياما، ضرورة عدم صدق كونه غيرا فعلا، و أنه لا دليل واضح على جريان الحكم عليه مع هذه النية، إذ ليس إلا

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «من لم يستطع القيام فليصل من جلوس»

و هو لا يقتضي أزيد من الاتحاد في الكيفية التي أشرنا إليها لا ما يشمل ذلك و نحوه مما هو حكم خارجي، و الله العالم.

و منها الظاهر أن المراد بتلافي المشكوك ما دام في المحل هو قبل الخروج عنه إلى غيره و لو سهوا، فمن كان في حال القيام و قد شك في السجود ثم ذكر أنه كان نسي التشهد فرجع اليه لا يسجد حينئذ، للشك في شمول أدلة الشك قبل الدخول في الغير لمثل هذا الفرد، مع ظهور ما دل على عدم الالتفات فيه، فتأمل، و كذا لو طرأ له الشك بعد الجلوس للتشهد، و ربما ظهر من بعضهم القول بالوجوب، و لعله لصدق الشك فيه في المحل، لكن الأقوى خلافه، و قد تقدمت الإشارة إليه سابقا.

و منها أن الشك في الصحة و البطلان هل هو كالشك في أصل الوقوع و عدمه، فيتلافى في المحل، و لا يلتفت إذا خرج، فمن شك قبل القراءة مثلا أنه هل جاء بتكبيرة الإحرام على الوجه الصحيح أولا أعاد، و إن كان بعد القراءة مضى، أو أنه ليس كذلك؟ ربما ظهر من بعضهم الأول، لأنه ينحل إلى الشك فيه في فوات شي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 18.

ج 12، ص: 325

فيجري عليه الحكم، و يحتمل العدم، لظهور الأخبار في الشك في أصل الوقوع، فيقتصر عليه، و يحكم بالصحة في محل المسألة، لأصالتها في كل فعل يقع من المسلم، و لعله الأقوى.

و منها لو شك في النية بعد تمام التكبير لم يلتفت، و قبل الشروع فيه أتى بها، و في أثنائه لم يلتفت على المختار، لكن في الذكرى الأقرب الإعادة، و خصوصا إذا أوجبنا استحضارها إلى آخر التكبير، قلت: أما على هذا القول فظاهر، و أما على غيره فلعله لعدم انعقاد الصلاة قبل إتمامه، و إنما تنعقد بتكبير مقرون بالنية، و الأصل العدم و أما بعد انعقادها فالأصل الصحة، لكنه كما ترى، خصوصا بعد ما ذكرناه سابقا، و الله العالم.

و منها الشك في ذكر الركوع و السجود أو الطمأنينة فيهما أو السجود على بعض الأعضاء السبعة بعد رفع الرأس عنهما، فعن بعض (الروض خ ل) أنه قد وقع الاتفاق على عدم العود في هذه الأشياء مع أنه لم يدخل في فعل آخر، و أجاب بأن رفع الرأس من الركوع و السجود واجب مستقل لا مقدمة، و بأن العود يستلزم زيادة ركن، و التزم أن السجدة الواحدة و عدم البطلان بها استثناء من القاعدة، و الجميع كما ترى، ضرورة أن المفروض من فوات المحل في النسيان فضلا عن الشك، لأن هذه الأمور واجبات فيهما لا أنها واجبات مستقلة، كما هو واضح، و قد سمعت نظيره في الطمأنينة في القراءة مثلا، و الله العالم.

[تفريع]

تفريع إذا تحقق نية الصلاة و انتقل عن محلها و شك في أنه هل نوى ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا استأنف الصلاة احتياطا كما عن المبسوط، علم ما قام إليه في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها، لقاعدة الشغل، إذ لا مفرغ شرعي حتى الأصول لتعارضها، لكن في البيان و المسالك و جامع المقاصد و ظاهر كشف اللثام و المدارك بل و المنتهى و عن الذكرى و المنتهى تقييده بما إذا لم يعلم ما قام اليه، و إلا بنى

ج 12، ص: 326

عليه، بل اليه يرجع ما في القواعد و التذكرة حيث قال في أولهما: «بنى على ما هو فيها» و في ثانيهما «على ما علم عليه فعله» و إن كانا لا يخلو ان من نوع إجمال، للأصل بمعنى الظاهر بل و بمعنى العدم بالنسبة للسهو أو العدول، بل و بمعنى الصحة في بعض الوجوه التي ستعرفها، و

قول الصادق (عليه السلام) لابن أبي يعفور على ما في التذكرة و المنتهى و كشف اللثام: «إذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة، و إنما يحتسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته» بل هو فيما حضرني من نسخة الوسائل (1)أدل من ذلك على المطلوب،

قال: «سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة و هو ينوي أنها نافلة قال: هي التي قمت فيها، و قال: إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له، و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة ثم إنك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة، و إنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته».

بل قد تتجه الصحة حتى إذا لم يعلم ما قام لها إذا كان الشك دائرا بين فعلين:

أحدهما صحيح و الآخر فاسد، كما لو شك مثلا في أنه نوى الظهر أو العصر و كان في وقت الاختصاص بالظهر، لأصالة الصحة في فعل المسلم المشخصة أنه الظهر حينئذ، مضافا إلى وضوح بطلان إطلاق وجوب الاستئناف في خصوص ما في المتن من المثال الأول ضرورة توجه الصحة مع فرض الوقوع في الوقت المشترك، إذ له العدول من العصر إلى الظهر، و دعوى اختصاص ذلك في المعلوم أنه العصر لا المشكوك فيه يدفعها وضوح أولوية المقام منه، كوضوح الصحة أيضا لو كان شكه بعد الفراغ في الفرض، إذ الواقع إما ظهر أو عصر، و كل منهما صحيح، فيبرأ حينئذ قطعا برباعية مرددة بين الظهر و العصر كما احتمله في التذكرة، و حكاه قولا في البيان، و جعله طريق البراءة في المسالك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية- الحديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 12، ص: 327

بل احتمل تعينه في جامع المقاصد، و إن كان لم يستبعد قبل ذلك في الفرض المذكور البناء على الظهر، كما احتمل في التذكرة أيضا، بل اختاره في البيان و المسالك و عن الذكرى عملا بالظاهر، إذ الفرض أنه لم يعلم ما قام اليه كما قيده به في البيان.

إلا أنه قد يناقش في جميع ذلك بمنع ثبوت حجية الأول بالمعنى الأول، و عدم صلاحيته للتشخيص بالمعنى الثاني، بل و الثالث أيضا، و عدم سلامة السند في الخبر المذكور بل و الدلالة، لاحتمال إرادة ما علم افتتاح الصلاة عليه و إن سها في الأثناء و ظن غيره، كما يومي اليه

قوله (عليه السلام): «في أول صلاته»

بل و

قوله (عليه السلام): «قمت في فريضة»

إذ القيام للشي ء غير القيام فيه، بل لعل المراد من قوله (عليه السلام):

«له» فيما نقلناه عن الوسائل ذلك أيضا بقرينة ما قبله و ما بعده، بل هو المتعارف في السؤال عنه و بيان حكمه في غيره من الأخبار بنحو هذه العبارة، ففي

خبر عبد الله بن المغيرة(1)عن كتاب حريز أنه قال: «إني نسيت أني في صلاة فريضة حتى ركعت و أنا أنويها تطوعا فقال: هي التي قمت فيها، إذا كنت قمت و أنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة، و إن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، و إن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك فامض في الفريضة»

و خبر يونس بن معاوية(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه»

فتأمل.

و بمنع صحة العدول هنا اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، بل لعله لا يتصور وقوعه إلا على جهة الترديد، لعدم الجزم بالمعدول عنه، كمنع الاجتزاء برباعية


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية- الحديث 1- 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية- الحديث 1- 2 من كتاب الصلاة لكن روى عن يونس عن معاوية.

ج 12، ص: 328

مرددة في الصورة السابقة، لعدم حصول الجزم بالنية، و إن كان لا يخلو اعتبار مثل ذلك في مثل ما نحن فيه من بحث أو منع، لكن على كل حال المتجه في أكثر ما تقدم مراعاة الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة بالاستئناف، بل و بالإتمام ثم الاستئناف فيما سمعت.

كما أن المتجه الاستئناف لو لم يعلم شيئا و لو على الاجمال، فلم يدر مثلا فرضا أو نفلا، أو قضاء أو أداء، أو ظهرا أو عصرا، أو غير ذلك بلا خلاف أجده فيه في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ، لعدم الترجيح، بل لعله لا يجوز له الإتمام في الأول اعتمادا على النية الأولى، لعدم حصول الاستدامة التي هي التنبه لما هو فيه بخصوصه بعد الالتفات و التنبيه، و لا يكفي إجماله، و إلا لاكتفى به في الأول، ضرورة

عدم تفاوت كيفية اعتبار النية بين الأول و غيره، كما هو مقتضى

«إنما الأعمال بالنيات»(1)

و نحوه، و دعوى أنه أولى بالصحة ممن نوى الفريضة ثم أتمها بنية النفل سهوا أو بالعكس ممنوعة، بل هو من القياس المحرم، نعم قد يظهر بالتأمل مما قدمنا وجه صحة لبعض الصور إذا كان بعد الفراغ تركنا التعرض لتفصيلها خوف الإطالة و اتكالا على ما تقدم، فتأمل جيدا.

[المسألة الثالثة إذا شك في أعداد الرباعية]
اشاره

المسألة الثالثة إذا شك في أعداد الرباعية فإن كان في الأولتين بأن لم يدر ما صلاة ركعة أو ركعتين أعاد على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، بل حكاه عليه في الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر و عن الناصرية و إرشاد الجعفرية و من رواه عن البشرى، بل حكي أيضا عن ظاهر التذكرة و المعتبر، بل لم أعرف أحدا نسب الخلاف فيه إلى أحد منا قبل المنتهى، فحكى الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.

ج 12، ص: 329

عليه ممن عدا أبي جعفر محمد بن بابويه، فخير بين الإعادة و البناء على الأقل، نعم تبعه في نقل ذلك بعض من تأخر عنه، بل ربما مال إليه في الكفاية، بل اختاره في

المفاتيح و إن كان ذلك منه غريبا، لكنه ليس بالغريب، و قبل المختلف فحكى عن علي بن بابويه أنه قال: «إذا شك في الركعة الأولى أو الثانية أعاد، و إن شك ثانيا و توهم الثانية بنى عليها، ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا، و إن توهم الأولى بنى عليها و تشهد في كل ركعة، فإن تيقن بعد التسليم الزيادة لم يضر، لأن التشهد حائل بين الرابعة و الخامسة، فإن تساوى الاحتمالان تخير بين ركعة قائما و ركعتين جالسا» بل حكى عنه أيضا أنه قال: «إن شككت فلم تدر واحدة صليت أو اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام و ركعتين من جلوس».

و هما- مع معلومية نسبهما و مخالفتهما المحكي من الإجماع مستفيضا إن لم يكن متواترا كالمعتبرة المستفيضة(1)حد الاستفاضة الدالة بأنواع الدلالة، و عدم خلاف الثاني فيما نحن فيه خصوصا عبارته الثانية و إن كانت تؤول إليه بالأخرة- لا دليل للمحكي أولا عن ثانيهما بل و ثانيا و إن استدل له بما أرسله ولده في فقيهه، و

صحيح ابن يقطين (2)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن الرجل لا يدري كم صلى أ واحدة أم ثنتين أو ثلاثا قال:

يبني على الجزم، و يسجد سجدتي السهو و يتشهد تشهدا خفيفا»

على معنى إرادة البناء على الأكثر ثم التدارك بصلاة الاحتياط من الجزم فيه، لكن هما- مع إرسال أولهما، و معارضتهما ب

صحيح ابن أبي يعفور(3)عن الصادق (عليه السلام) «إذا شككت فلم تدر أ في ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد و لا تمض على الشك»

و غيره، و تخلف ما ذكره الخصم من الاحتياط الخاص عن إفادة الجرم على المعنى المذكور


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 330

بحصول الصلاة على بعض الفروض، كما إذا فرض كون الواقع أنه صلى ركعة- قد أجيب عن الثاني منهما بأن المراد الإعادة من الأمر فيه بالبناء على الجزم، كإرادة الاستحباب حينئذ من الأمر بسجدتي السهو، و إن كان قد يشكل بأنه لا يجمع بين سجدتي السهو و إعادة الصلاة وجوبا و لا استحبابا، إلا أنه قد يدفع بأنه لا مانع من الاكتفاء به دليلا لذلك.

بل و المحكي عن أولهما أيضا عدا أخبار(1)قاصرة عن المعارضة سندا و عددا و عملا، بل و دلالة حتى منه نفسه من حيث ظهورها في لزوم البناء على الأقل المنافي لما عنده من التخيير بينه و بين الإعادة، و دعوى أن ذلك مقتضى الجمع بين الجميع يدفعها أنه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه عديدة، منها موافقة هذه الأخبار للعامة بعد إعراض سائر

الأصحاب عنها عداه، بل هو على ما اعترف به بعض الأساطين من مشايخنا، حتى أنه نسب الناقل عنه ما عرفت إلى التوهم و الغفلة، و قال: إن محل التوهم لذلك بعض عبارات فقيهه خاصة، و إلا فهو في الأمالي موافق للأصحاب في الإعادة، بل نسبه فيها إلى دين الإمامية، و لم يتعرض لذلك أصلا في الهداية، كما أنه ليس في المقنع إلا روي ابن علي ركعة، ثم إنه أطنب (رحمه الله) في بيان فساد محل الوهم من الكتاب المزبور، و لعل التدبر و التأمل في أطراف كلماته فيه يشهد له، فلاحظ، و لو لا خلو الإطالة في تحقيق ذلك عن الفائدة- ضرورة قطعية الحكم عندنا في حالتي وفاقه و خلافه- لذكرنا ذلك كله مفصلا.

ثم إنه هل يندرج في الرباعية بالنسبة إلى هذا الحكم و غيره من الأحكام التي ستسمعها الرباعية التي هي نفل بالأصل كصلاة الأعرابي، كما لعله يظهر من إطلاق بعضهم بل جزم به العلامة الطباطبائي في مصابيحه حاكيا عن الروض أنه استظهره، أو يقتصر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 22 و 23 و 24.

ج 12، ص: 331

على خصوص الفريضة الرباعية، و إلا فهي يجري عليها أحكام النافلة؟ وجهان لا يخلو الثاني منهما من قوة، مع احتمال مراعاة ما تقتضيه الأصول و القواعد من هذه الأحكام لتبادر غيرها من أدلة كل من الفريضة و النافلة بالنسبة إلى ذلك، فتأمل.

و كذا الحال في وجوب الاستئناف إذا لم يدر كم صلى لما عرفته مما تقدم حتى الأدلة السابقة على البطلان في الصورة الأولى، إذ هي من بعض أفرادها عند التحقيق، لأنه لم يدر أيضا واحدة صلى أو ثنتين، و من هنا كانت الإجماعات السابقة و غيرها الحجة هنا، مضافا إلى ظاهر المنتهى و ما عن ظاهر إرشاد الجعفرية أو صريحه من الإجماع عليه، و إلى الصحيح (1)السابق و غيره من المعتبرة

كخبر صفوان (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «إن كنت لا تدري كم صليت و لم يقع وهمك على شي ء فأعد الصلاة»

و خبر علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) قال:

«سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلى شيئا أم لا؟ قال: يستقبل»

و منه بل و غيره يعلم إرادة ما يشمل الواحدة أيضا على معنى عدم إحرازها، و الله العالم، فالمسألة حينئذ من الواضحات وضوحا لا يقدح فيه ما سمعته سابقا من علي بن بابويه بعد أن عرفت ضعفه في الغاية، كما لا يقدح فيه ما عساه يظهر من بعض الأخبار(4)القاصرة عن المقاومة من وجوه من خلاف ذلك، سيما مع إمكان تنزيله على ما لا ينافيه إن لم يكن ظاهرا في ذلك.

[في وجوب صلاة الاحتياط إذا شك في الزائد عن الأوليين و مسائله أربع]
اشاره

و إن تيقن الأولتين أو ظن بناء على مساواته له فيهما كما ستعرف إن شاء الله و شك في الزائد وجب عليه الاحتياط للأدلة الآتية و مسائله العامة البلوى


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 22 و 23 و 24.

ج 12، ص: 332

بل قيل بوجوب معرفتها عينا على سائر المكلفين، دون غيرها من مسائل الشك و السهو فيجب كفاية، بل ربما قيل باشتراط صحة الصلاة بمعرفتها و إن كان في الأخير منع واضح، و في التفرقة في سابقه نظر و تأمل أربع

[الأولى إذا شك بين الاثنتين و الثلاث]

الأولى إذا شك بين الاثنتين و الثلاث بعد إحراز الاثنتين بما ستعرف تحقيقه إن شاء الله في آخر البحث كانت صلاته صحيحة و لا إعادة عليه إجماعا كما في المعتبر و المنتهى و عن التذكرة و الغرية، بل هو قضية ما تسمعه من الإجماعات و غيرها على البناء على الثلاث، ف ما في بعض الأخبار(1)من الأمر بالإعادة المخالف لما عليه الأصحاب مطرح أو محمول على حصوله قبل إكمال السجدتين أو غير ذلك، و إن كان قد يظهر من المقنع الفتوى به، لأنه رواه فيه مع أنه معارض بالمحكي عنه صريحا في موافقته الأصحاب و بنى على الثلاث و أتم و تشهد و سلم على المشهور نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في الخلاف و الانتصار و الغنية، و عن ظاهر السرائر و مجمع البرهان بل عن الصدوق في الأمالي أنه

من دين الإمامية، كما عن الحسن دعوى تواتر الأخبار به، مضافا إلى خصوص

خبر زرارة(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «قلت له: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا قال: إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى و لا شي ء عليه»

و لعل المراد بدخوله في الثالثة إحراز الثنتين، كما أن المراد بقوله: «مضى في الثالثة» الثالثة المحتملة على معنى تصييرها رابعة، و يراد بقوله (عليه السلام) حينئذ «الأخرى» الركعة الاحتياطية، و لا يقدح عدم فصلها في الرواية، فإن كثيرا من الأخبار على نحو هذا التعبير عن الركعة الاحتياطية، و يحتمل إرادة البناء على أنها ثالثة من المضي فيها على إرادة مضي الشك فيها أي ذهابه و انعدامه، فتكون حينئذ من روايات البناء على الأقل.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 333

و أوضح منه خبر قرب الاسناد(1)الذي تسمعه، بل

و مقطوع محمد بن مسلم (2)«إنما السهو ما بين الثلاث و الأربع، و في الاثنتين و الأربع بتلك المنزلة، و إن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا و اعتدل شكه قال: يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد و يسلم و يصلي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس»

إلى آخره، فإنه و إن كان ظاهر قوله: «صلى» فيما مضى، لكنه لا يوافق ما فيه من الأمر بالقيام لإتمام الركعة مع الأمر بركعتين من جلوس للاحتياط لا على القول بالبناء على الأكثر و لا على القول بالأقل، فلا بد من حمله على إرادة الشك فيما في يده أنها ثالثة أو رابعة، و فرضه حينئذ على المختار البناء على أنها رابعة ثم يحتاط بركعتين من جلوس.

بل قد ينقدح من ذلك استفادة حكم ما هنا من الصورة الثانية، ضرورة عدم تصور للشك بين الاثنتين و الثلاث على وجه يكون صحيحا إلا على كون ما في يده ثالثة أو رابعة، فهو حينئذ أحد فردي الشك بين الثلاث و الأربع، بل من لوازمه على هذا الفرض، و سيأتي إن شاء الله تتمة لذلك في المسألة الثانية، فتأمل جيدا، على أن العمدة في المقام ما سمعت من الإجماعات، بل قاعدة الأخذ بالأكثر عند الشك المستفادة من المعتبرة المستفيضة فعن

الفقيه (3)قال أبو عبد الله (عليه السلام) لعمار ابن موسى: «يا عمار إلا أجمع لك السهو كله في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر و إذا سلمت فأتم ما خلت أنك نقصته»

و عن التهذيب عن الساباطي (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شي ء من السهو في الصلاة فقال: ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟ قلت: بلى، قال: إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 334

سهوت فابنة على الأكثر، فإذا فرغت و سلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت»

بل في

خبره الآخر(1)أيضا «قال أبو عبد الله (عليه السلام): كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر، قال: فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنك نقصت».

و لا ينافيه قاعدة البناء على اليقين المستفادة من أخبار أخر(2)بل في

بعضها(3)«إن هذا أصل فقال: نعم يرجع اليه»

لقصورها عن مقاومتها من وجوه، مع احتمال كون المراد منها ما يوافق الأولى، إذ قد عرفت أن اليقين بصحة الصلاة يحصل بالبناء على الأكثر، بل لا يحصل بالأقل، لما فيه من احتمال زيادة الركعة المبطلة للصلاة سهوا و عمدا بخلاف الأول، إذ ليس فيه سوى كون التسليم في غير محله الذي هو غير قادح، لجريانه مجرى السهو، بل قد يؤيده

المروي عن قرب الاسناد(4)«رجل صلى ركعتين و شك في الثالثة قال: يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهد و قام و صلى ركعة بفاتحة الكتاب»

إذ لو أراد باليقين الأقل لم يكن لصلاة الركعة وجه، بل عن بعض النسخ «يبني على الثلاث».

و من هنا تعرف ما في نسبة الخلاف إلى المرتضى في الناصريات حيث قال فيها على ما حكي عنه بعد قول الناصر في المسألة الثانية: من شك في الأوليين استأنف، و من شك في الأخيرين بنى على اليقين: «ما نصه هذا مذهبنا، و الصحيح عندنا، و باقي الفقهاء يخالفوننا في ذلك- إلى أن قال-: و الدليل على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع»


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2 و 5 و 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 335

إذ قد عرفت أن مراده باليقين ما ذكرناه، بل صرح به في الانتصار ردا على العامة بل قد يرشد إلى ذلك قوله فيها أيضا: «و باقي الفقهاء» إلى آخره، إذ المنقول عنهم البناء على الأقل، فلو كان مراده باليقين ذلك لم يتجه نقل الخلاف عنهم، فظهر حينئذ إرادة البناء على النقصان بعد التسليم من اليقين بمعنى معاملتها معاملة الناقصة تحصيلا لليقين، بل لعل هذا وجه ما في بعض الأخبار(1)أيضا من البناء على النقصان، على أن بعضها(2)مشتمل على ما لا يقول به من البناء عليه أيضا حتى في الشك بين الواحدة و الثنتين، كما أن جميعها موافق للعامة، فان لم تكن قابلة لذلك كان حملها حينئذ على التقية متجها، لمخالفتها تلك الأخبار

المتلقاة بين الأصحاب بالقبول المنقول على مضمونها الإجماعات كما سمعت.

و من جميع ما تقدم تعرف فساد ما عن علي بن الحسين بن بابويه من التخيير بين البناء على الأقل و التشهد بكل ركعة و بين البناء على الأكثر مع الركعة بعد التسليم، إذ هو- مع ما سمعت من نسبة ولده في الأمالي المشهور إلى دين الإمامية، و ما كان ليخفى عليه مذهب والده مع أنه من رؤسائهم سيما عنده- لا أعرف له مستندا في ذلك سوى أنه جمع بين أخبار البناء على الأكثر و أخبار البناء على الأقل، و هو- بعد تسليم أن مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، بل ينتقل اليه من اللفظ، و الغض عن دلالة الثانية، بل هي خالية عن الأمير بالتشهد في كل ركعة، بل فيها الأمر بالسجود الخالي منه كلامه- فرع التكافؤ المفقود من وجوه، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من أن القول به متجه أو أقرب أو أصوب لا ينبغي أن يلتفت اليه.

ثم استأنف وجوبا ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مخيرا بينهما


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 22 و 23.

ج 12، ص: 336

على المشهور نقلا مستفيضا و تحصيلا شهرة كادت تبلغ الإجماع، بل حكى عليه ذلك في الخلاف و عن الانتصار و الغنية، كما عن كشف الرموز هو فتوى الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا، بل في ظاهر النافع و عن صريح السرائر نسبته إلى الرواية، بل في الرياض عن الذكرى و الروض أنهما نقلا عن العماني تواتر الأخبار به، و لكن الظاهر أنه وهم، لأنه نقل في الذكرى أن الجعفي و ابن أبي عقيل لم يذكرا التخيير بل اقتصرا على الركعتين من جلوس، و لعل سبب اشتباهه ما في الذكرى قبل ذلك «و أما الشك بين الثنتين و الثلاث فأجراه معظم الأصحاب مجرى الشك بين الثلاث و الأربع، و لم نقف على رواية صريحة، و نقل فيه ابن أبي عقيل تواتر الأخبار و خالف علي بن إلى آخره.

و الظاهر أن مراده بقرينة ما بعده البناء على الأكثر لا في كيفية ركعة الاحتياط، فتأمل.

و كيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك ما تسمعه من المرسل (1)المنجبر بعمل الأصحاب الدال على التخيير في الصورة الثانية، و لا قائل بالفصل بينها و بين هذه الصورة كما اعترف به في الرياض، بل يمكن الاستدلال عليه حينئذ بأن ظاهر الأخبار المتقدمة الآمرة بإتمام ما نقصت الركعة من قيام احتياطا، و لا ينافيه الحكم فيها بأنها نافلة إذا تبين التمام، فان كونها ركعة لا يمنع من ذلك، فمنه حينئذ و من المعتبرة(2)في الصورة الثانية الآمرة بركعتين من جلوس- لعدم القول بالفصل بينهما- يستفاد التخيير، فما عن العماني و الجعفي من الاقتصار على ذكر الركعتين من جلوس في الصورتين لورود الأخبار في الصورة الثانية مع عدم القول بالفصل ضعيف جدا إن أرادا عدم جواز غيره، كالمحكي عن الكاتب و المفيد و القاضي من تعيين الركعة من قيام فيهما، لظاهر

قوله (عليه السلام): «فأتمم ما نقصت»

و لا ينافي ذلك اعتبار القيام في الفريضة


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 337

بعد أن كان جبرا شرعا، سيما مع الالتفات إلى ما ورد من تنزيل الركعتين من جلوس منزلة الركعة من قيام، و الله العالم.

ثم إن الظاهر تعذر الاحتياط بالنسبة إلى هذه الأقوال حتى في الجمع بين الركعة القيامية و الجلوسية، للزوم الفاصلة المخلة بالاحتياط على كل من المذهبين، فما يظهر من بعضهم من أن الاحتياط هنا في مذهب الكاتب، و في الثانية بمذهب الجعفي و العماني لا يخلو من نظر، نعم هو كذلك بالنظر إلى الأخبار دون الأقوال، هذا.

و لكن ينبغي أن يعلم أنهم اختلفوا فيما يحصل به إكمال الركعتين الأولتين كي يكون الشك الواقع بعد ذلك معتبرا، و المحصل من ملاحظة كلماتهم خصوصا الشهيدين و المحقق الثاني منهم في الذكرى و فوائد الشرائع و الروض و الروضة و المسالك و المقاصد العلية أن في ذلك أربعة وجوه أو أقوال.

الأول تحقق الإكمال برفع الرأس من السجدة الأخيرة، و لعله ظاهر المشهور كما يستفاد من الذكرى و المدارك، بل لعله الظاهر أيضا من عرف المتشرعة، إذ المفهوم من إطلاقاتهم أن الركعة مجموع الأفعال إلى الرفع، و لذا لو دعا أو أطال الذكر في السجدة الثانية من أي ركعة صدق عرفا أنه دعا و أطال في تلك الركعة، كما أنه يمتثل بفعله كذلك لو كان ناذرا مثلا، بل لعله المنساق إلى الذهن من النصوص الواردة في سائر المقامات المشتملة على ذكر أعداد الركعات في النوافل و الفرائض، و هو الذي اختاره العلامة الطباطبائي في مصابيحه حاكيا له عن جماعة من المتأخرين و عن صريح العلامة و غيره ممن تأخر عنه في مسألة إدراك الوقت بإدراك الركعة، ضرورة أن الركعة معنى واحد لا يختلف باختلاف المواضع، و لأن الأصل بقاء الركعة حتى يثبت الانتقال منها و الخروج عنها، و لم يثبت إلا بالرفع، فيكون الشك قبله مبطلا، و لأن حكم الشك قبل الذكر الابطال فكذا بعده قبل الرفع، استصحابا للحكم الثابت مع عدم العلم بالمزيل، و لا

ج 12، ص: 338

يعارضهما أصل صحة الصلاة، فإنهما واردان عليه و مخصصان له، و لأن الركعة من الحقائق الشرعية التي ضابطها و مرجعها إلى عرف المتشرعة، و المتبادر منها فيه ما عرفت من مجموع الأفعال إلى الرفع، فتكون كذلك شرعا، و لعموم الأمر بإعادة الصلاة بالشك بين الثنتين و الثلاث و الثنتين و الأربع، بل بمطلق الشك المتعلق بالثنتين، كما يستفاد من حصر الصحة في بعض المعتبرة(1)في الشك بين الثلاث و الأربع، خرج عنه الشك بعد الرفع، فيبقى غيره.

و أيضا فأجزاء الصلاة تختلف باعتبار الانتهاء و الكمال، فالأقوال منها كالقراءة و الذكر و الدعاء تنتهي بنفسها، و لا يتوقف إكمالها

على الدخول في غيرها بخلاف الأفعال، فإن الإكمال فيها لا يحصل إلا بالانتقال إلى فعل آخر، فالقائم قائم ما لم يركع، و الراكع راكع ما لم يرفع، و كذا الساجد، فان السجود فعل واحد ممتد لا يتحقق الفراغ منه إلا بالرفع، سواء في ذلك السجدة الأولى و الثانية، و القدر الزائد منه على الذكر الواجب و هو المتصل بالرفع جزء من السجود، غاية الأمر عدم اتصافه بالوجوب بناء على جواز اختلاف أجزاء الفعل الواحد المتصل باختلاف ما يقع فيه كالقيام، فإنه إنما يقتضي جواز تركه لا عدم توقفه على الرفع على تقدير وجوده كما هو المفروض، و يمتاز الرفع عن سائر الأفعال بعدم توقف إكماله على الدخول في غيره، لكونه من الأفعال المنقضية الغير الباقية، فجاز من هذا الوجه دخوله في الركعة و انتهائها به، و لا يلزم من توقف إكمال السجود عليه توقفه على شي ء آخر، كما أنه لا ينافي خروج الرفع عن حقيقة السجود و الركوع توقف إكمالهما عليه، بل لا بأس بعده من واجباتهما بهذا الاعتبار، لتوقف الامتثال على الإكمال المتوقف عليه، و لا يلزم من ذلك عد الركوع من واجبات القيام و إن أمكن بالاعتبار المذكور، لأن الأمور الاعتبارية لا يلزم فيها الاطراد، على أن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 339

الركوع لما كان ركنا مستقلا لم يجعل تابعا لغيره، بخلاف الرفع.

و

للصحيح أو الحسن عن زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «قلت له: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال له: إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى و لا شي ء عليه»

فان قضية المفهوم توقف الصحة على الدخول في الثالثة المترددة بينها و بين الرابعة، فتبطل الصلاة بالشك الواقع قبل رفع الرأس من سجود الركعة المترددة بينها و بين الثانية، و قد يناقش بأن الدخول في الثالثة ليس إلا بالخروج عن الثانية، و القائل بعدم توقفه على الرفع يدعى الخروج عنها و إن لم يرفع، فان بني الاستدلال على التوقف لزم الدور، و إلا لم يثبت الابطال، لمكان الاحتمال المانع من الاستدلال، لكن قد تدفع بمنع دعوى القائل المزبور الخروج عنها و إن لم يرفع، بل أقصى دعواه أنها تتم بذلك لا أنه يدخل في الثالثة حينئذ، إذ مبدئها عنده على الظاهر الرفع، فلا يصدق الدخول فيها قبله، و لو قال: إن الرفع أمر خارج عنهما أمكن دعوى عدم صدق الخروج عن الثانية قبله أيضا و إن لم يكن مبدأ الثالثة، فتأمل.

الثاني تحقق الإكمال بالركوع كما حكاه في الذكرى عن بعضهم، و في المصابيح عن السيد بن طاوس في البشرى و المحقق في الفتاوى البغدادية، لإشعار بعض النصوص (2)أو ظهورها فيه، و لأن الركعة واحدة الركوع كما أن السجدة واحدة السجود، و لحصول معظم الأجزاء بالركوع، فيجتزى به تنزيلا للأكثر منزلة

الجميع و ل ما ورد(3)في صلاة الآيات أنها عشر ركعات يقنت في كل ركعتين منها، و لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الركوع من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.

ج 12، ص: 340

هو المخلص في حكم المشهور بصحة الصلاة إذا شك بين الأربع و الخمس بعد الركوع قبل إكمال السجود، فان النصوص تشمل هذه الصورة لو قيل بتحقق الركعة بالركوع و إلا فهي خارجة عنها، لعدم إتمام الركعة، فلا يصدق معه الشك بين الأربع و الخمس لكن الجميع كما ترى حتى الأخير الذي هو بعد تسليمه يتم لو انحصر وجه الصحة في تلك النصوص، و هو ممنوع لإمكان إثباتها بدليل آخر.

الثالث الاكتفاء بوضع الجبهة في السجدة الثانية و إن لم يتشاغل بالذكر، كما مال إليه في ظاهر الذكرى، لكمال الركعة بمسمى هذه السجدة، و فيه أن الذكر من واجباتها فلا تكمل إلا يفعله، و عدم بطلان الصلاة بالإخلال به سهوا لا يقتضي حصول الإكمال بدونه، و إلا لحصل بمسمى السجدة الأولى، لعدم بطلان الصلاة بنسيان السجدة الأولى (1)كما هو المشهور.

الرابع الاكتفاء بإكمال الذكر الواجب في السجدة الثانية و إن لم يرفع رأسه منها كما اختاره الشهيد الثاني في الروض و الروضة و المسالك و المقاصد، و كأنه مال اليه المحقق الثاني في فوائد الشرائع، بل نسب إلى الشهيد الأول أيضا، لكن لا صراحة في كلامه به،

لأن الرفع ليس جزء من السجود، و لا دخل له فيه، و إنما هو واجب مستقل أو مقدمة لواجب آخر كالتشهد و القراءة، و فيه أن الرفع عندهم معدود من واجبات الركوع و السجدة الأولى، فجاز أن يكون من واجبات الثانية، لأن تعلقه بها كتعلقه بهما من غير فرق، و خروجه عن السجود لا ينافي توقف إكماله عليه كما عرفت، فإنه فعل واحد مستمر لا ينتهي إلا به، مع أن الصحة منوطة بإكمال الركعتين، و من الجائز


1- 1 الصواب أن يكتب لفظة« الواحدة» أو« الثانية» مكان لفظة« الأولى» لعدم معقولية نسيان الأولى من حيث أنها أولى مع الإتيان بالثانية كذلك، لأنه إذا سجد واحدة كانت هي الأولى قهرا و اتصف الثانية بالنسيان.

ج 12، ص: 341

دخول الرفع في الركعة و إن خرج عن السجود و لم يتوقف إكماله عليه، لكن قد يدفعه أن مجرد الجواز غير مجد بعد ظهور العدم، إذ الإنصاف صدق تمام مسمى الركعة في عرف المتشرعة بإكمال الذكر الواجب، و لا ينافيه صدقة أيضا بالرفع، لاحتمال كون الرفع من مشخصات الفرد لا المسمى من حيث التسمية، فالركعة للقدر الذي يتحقق بإكمال الذكر، و من أفراد مسماها ما تحقق معه الرفع لا أن الصدق موقوف عليه، و من هنا كان هذا الأخير لا يخلو من قوة، بل بما ذكرنا يتضح لك النظر في أكثر أدلة الأول، نعم لو قلنا: إن المعتبر الشك حال الدخول في الثالثة لا حال الإكمال خاصة أمكن عدم اعتبار الشك حينئذ بعد الذكر قبل الرفع، لعدم صدق الدخول في الثالثة حينئذ، لكن قد يناقش أولا بأنه مشترك الإلزام بناء على أن تمام الرفع من الركعة الأول، إذ لا ريب في اعتبار الشك بعد الرفع كما حكى الإجماع عليه في المصابيح و المقاصد، مع عدم صدق الدخول في الثالثة، اللهم إلا أن يفرق بين ابتدائه و انتهائه، فالأول من تتمة الأولى، و الثاني مبدأ الثالثة، و هو كما ترى، و ثانيا بأنه يمكن إدراجه في النص بالعلاج حينئذ، إذ هو و إن طرأ له الشك بعد الذكر مثلا لكن له رفع رأسه قطعا، لعدم كونه من المبطلات، فإذا رفع اندرج فيها، اللهم إلا أن يقال بظهور الأدلة في البطلان حينئذ، فلا يكون للعلاج محل، و بهذا يفرق بين المقام و بين الصور العلاجية بالهدم و نحوه مما ستسمعه فيما يأتي مما لا يعارض العلاج فيه ظاهر نص، لكن قد يمنع ذلك فيما نحن فيه أيضا، فتأمل جيدا، فإن الذي استقر عليه رأينا القول الأول، و هو اعتبار رفع الرأس في اعتبار الشك، و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه سيما بالنسبة إلى القول الأخير، و الله العالم.

[المسألة الثانية من شك بين الثلاث و الأربع]

و كيف كان فالمسألة الثانية من شك بين الثلاث و الأربع في أي حال كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما إذ هو لا يكون إلا بعد إحراز الركعتين كانت صلاته

ج 12، ص: 342

صحيحة بلا خلاف أجده، بل نقل عليه الإجماع جماعة، كما أنه حكي عن أخرى، بل هو قضية ما تسمعه من أدلة البناء على الأربع من الأخبار و غيرها، بل في بعضها(1)لا يعيد الصلاة فقيه من هذا الشك و بنى على الأربع و تشهد و سلم على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك، إذ لا يقدح فيه ما حكي من الخلاف فيه على تقدير تحققه، و لذا حكاه عليه في الخلاف و الانتصار و الغنية و عن ظاهر الأمالي و السرائر و المعتبر و الروض، و هو و ما تقدم من النصوص الآمرة بالأكثر الحجة، مضافا إلى الأخبار الخاصة المعتبرة سندا و دلالة و لو من جهة الانجبار بما عرفت، منها

خبر عبد الرحمن بن سيابة و البقباق (2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا- إلى أن قال-: و إن اعتدل وهمك فانصرف و صل ركعتين و أنت جالس»

و منها

مرسل جميل (3)عنه (عليه السلام) أيضا فيمن لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا و وهمه في ذلك سواء، فقال: «إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس»

و منها

خبر الحلبي (4)«و إن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلم ثم

صل ركعتين و أنت جالس، تقرأ فيهما أم الكتاب».

فما عن أبي علي و ابن بابويه من التخيير بين الأقل و الأكثر مع عدم ثبوته عن الثاني ضعيف جدا، بل لا مستند له سوى ما تقدم سابقا من الجمع بين روايات الأقل و الأكثر بما قد عرفت ما فيه من أنه بعد تسليم عدم احتياجه إلى الشاهد فرع التكافؤ المفقود لوجوه متعددة، فوجب طرح المقابل أو حمله على التقية أو غير ذلك، كما سمعت سابقا.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 343

نعم ظاهر النصوص و بعض الفتاوى وقوع الشك بعد كمال مسمى الركعة، إذ هو الظاهر من

قوله (عليه السلام): «ثلاثا صليت أم أربعا»

ضرورة إرادة أنه لم يدركون الذي وقع منه ثلاثا أم أربعا، فلا يشملان ما لو وقع الشك في ذلك حال القيام مثلا كما في المقام، إذ مرجعه أنه لم يدركون الذي في يده ثالثة أو رابعة، لا أن ما فعله ثلاث أو أربع.

و كشف الحال أن يقال: إن الشك بين الأقل و الأكثر له صورتان: الأولى أن يشك في أنه أتى بالأقل تاما أو بالأكثر كذلك، كما لو شك في أنه صلى ركعتين أو ثلاثا، فهو حينئذ جازم بالركعتين التامتين شاك في الثالثة، و هكذا في غيره، و كون ذات الأقل مقطوعا به لا ينافيه الشك فيه باعتبار وصف القلة بمعنى الإتيان به وحده، و هذه الصورة هي مورد غالب النصوص و الفتاوى في صور الشك المعروفة.

الثانية أن يشك أنه في الأقل أو الأكثر كأن يشك أنه في الثانية أو الثالثة، أو في الثالثة أو الرابعة، أو في الرابعة أو الخامسة، و الشك في هذه الصورة لا يقتضي القطع بالأقل بمعنى كونه فيه، لاحتمال كونه في الأكثر، و لا بوقوع الأقل منه تاما، لاحتمال كونه فيه، لكنه يقتضي القطع بمتلو الأقل، و هو العدد المتصل به من جهة النزول، فلو قال: لا أدري في ثانية أنا أو في ثالثة كان قاطعا بالركعة الواحدة شاكا بينها و بين الثنتين، و لو قال: لا أدري في ثالثة أو رابعة فهو محرز للثنتين شاك بينهما و بين الثلاث، و لو قال: في رابعة أو خامسة فهو قاطع بالثلاث شاك بينها و بين الأربع، فهذه الصورة ترجع إلى الأولى بعود كل منها إلى المرتبة النازلة عن نظيرها من السابقة، و يستفاد حكمها منها إذا اختص الدليل بها، فتبطل الصلاة في الأولى، لكونه شكا بين الواحدة و الثنتين، و تصح في الثانية، ضرورة أنه يرجع إلى الشك فيما وقع منه قبل هذا القيام الذي هو فيه المتردد بين كونه ثالثة أو رابعة بين الاثنتين و الثلاث،

ج 12، ص: 344

و فرضه البناء على الثلاث، فيتم الذي بيده على أنه رابعة، و كذلك الحال في الصورة الثالثة التي ترجع بنحو هذا التقرير إلى الشك فيما قبل هذا القيام بين الثلاث و الأربع، فيهدم حينئذ إذا كان قبل الركوع و يتشهد و يسلم، أما إذا كان بعد الركوع قبل الإكمال فهو و إن كان شكا أيضا بين الثلاث و الأربع إلا أن البناء على الأربع فيه يقتضي الفساد، و النص فيه مسوق للصحة، فلا يتناوله، فينتقل إلى دليل آخر على الصحة، أو يقال بالبطلان، فعلم من ذلك كله حينئذ أن حكم الشك في الصورة الثانية يستفاد من حكمه في الصورة الأولى لا من النصوص الواردة فيه، إذ هي ظاهرة في وقوع الشك بعد الكمال للركعة لا حال النقصان من القيام و نحوه.

كما أنه يمكن استفادة حكم الصورة الأولى من الثانية لو فرض اختصاصها بالدليل دونها، لكن بالصعود لا بالنزول عكس الأولى، فلو شك في الثنتين و الثلاث كان شاكا في الثالثة و الرابعة، و لو شك في الثلاث و الأربع كان شاكا في الرابعة و الخامسة بناء على أن إكمال الأقل يستلزم الدخول في الأكثر، إلا أنك عرفت ورود النصوص غالبا في الصورة الأولى دون الثانية، فالحاجة اليه نادرة، و لو كان شاكا بين الثلاث و الأربع و هو قائم ثم ذكر نسيان سجدة من الركعة السابقة على القيام المذكور فالظاهر بطلان صلاته، لصيرورته شاكا بين الاثنتين و الثلاث قبل إكمال السجدتين، و البناء على الأربع في حال الشك السابق لا يجعل السابقة ثالثة على وجه يكون النسيان فيها ثالثة، ضرورة ترددها واقعا بين الثانية و الثالثة، نعم لو فرض الحال المزبور بعد الركوع في الرابعة التي بنى عليها أنها رابعة لم يبعد الحكم بصحة صلاته و عدم الالتفات إلى الشك المزبور الظاهر في عدم اندراجه في أدلته، و الله العالم، هذا و لكن قد يطلق الشك في الركعات في عبارات الأصحاب و يراد به المعنى

ج 12، ص: 345

الأعم من الصورتين كما يومي اليه تقسيمهم الشكوك إلى الأقسام المتعددة بحسب وقوعهما في الأحوال المختلفة من كونها قبل الركوع أو بعده قبل إكمال السجدتين أو بعد الإكمال و قولهم: إن الشك بين الثلاث و الأربع تصح معه الصلاة مطلقا، بخلاف الشك بين الثنتين و الثلاث مثلا، فإنه تصح الصلاة فيه بعد إكمال الركعتين لا قبله، إذ المنقسم إلى ذلك يمتنع أن يراد به أحد المعنيين بعينه، بل يتعين فيه الحمل على الأعم المتناول للركعة التامة و الناقصة على سبيل المجاز، كما هو واضح.

و كيف كان بنى على الأربع في مفروض المتن و احتاط كالأولى بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مخيرا بينهما على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في الخلاف و الانتصار و الغنية و عن ظاهر غيرها، مضافا إلى مرسل جميل (1)المتقدم المنجبر بالعمل بين الأصحاب، بل هو و الإجماع قرينة على أن المراد بالأمر بالجلوس في غيره أحد فردي المخير، كما أنهما شاهدا الجمع بين ظاهر أخبار تتميم الناقص (2)و الأخبار الآمرة بالجلوس (3)لو كان مثله محتاجا إلى شاهد، فما عن بعض القدماء من تعيين القيام لا يلتفت اليه، خصوصا بعد تصريح الروايات بالأمر بالجلوس هنا، كما أنه لا يلتفت إلى ما عن العماني و الجعفي من تعيين الجلوس، لما

عرفت من الإجماعات و المرسل و غيره، مع أن خلافهما في ذلك غير متحقق، لأن المنقول عنهما أنهما لم يذكرا الركعة من قيام، و هو أعم من اختيار العدم، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من الميل اليه كما ترى.

[المسألة الثالثة من شك بين الاثنتين و الأربع]

المسألة الثالثة من شك بين الاثنتين و الأربع بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة أو بعد تمام الذكر و إن لم يرفع رأسه أو قبله أو بعد الركوع على اختلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 346

الوجوه بل الأقوال في تحقق مسمى الركعة بنى وجوبا على الأكثر أي الأربع و تشهد و سلم بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في الخلاف و عن الانتصار و ظاهر السرائر الإجماع عليه، بل في الرياض عن أمالي الصدوق أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى الأخبار الآمرة بالبناء على الأكثر عند الشك- خصوص المعتبرة المستفيضة المعمول بها بين الأصحاب قديما و حديثا، منها

صحيح محمد بن مسلم (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أو أربع قال: يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب فيتشهد و ينصرف»

و مثله غيره، ك خبر ابن أبي يعفور(2)الآتي و نحوه، بل و

خبر زرارة(3)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «قلت له: من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين و قد أحرز الثنتين قال: يركع ركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهد و لا شي ء عليه، و إذا لم يدر في ثلاث هو أوفي أربع و قد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى و لا شي ء عليه، و لا ينقض اليقين بالشك، و لا يدخل الشك في اليقين، و لا يخلط أحدهما بالآخر، و لكنه ينقض الشك باليقين، و يتم على اليقين، فيبني عليه، و لا يعتد بالشك في حال من الحالات»

فإنه بقرينة غيره من النصوص يراد منه ركعتا الاحتياط و لذا أمر فيهما بفاتحة الكتاب و القيام و نحو ذلك مما يعلم عدم إرادة تتمة الصلاة فيه، كقوله (عليه السلام): «أضاف» بل و قوله (عليه السلام): «و لا يخلط» و نحوه مما فيه تعريض بالعامة القائلين بالبناء على الأقل مدعين أنه اليقين، مع أنه في الحقيقة نقض ليقين الصلاة المشغول بها الذمة يقينا بالشك، ضرورة احتمال الزائد على الأقل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3 و ذيله في الباب 10 منها- الحديث 3.

ج 12، ص: 347

المساواة و الزيادة، كما أنه خلط لليقين بالشك، أما على الاحتياط فإنه نقض للشك باليقين باعتبار تردده بين الإتمام و النفل،

بل من ذلك يعلم المراد باليقين في النصوص كما أشرنا إليه سابقا.

و على كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور، خلافا للمنقول عن المقنع من الإعادة لكن قال: و روي أنه يسلم فيقوم فيصلي ركعتين، و كان مراده التخيير بين الإعادة و المختار، و لعله للجمع بين ما تقدم و

الصحيح الآخر(1)المنسوب إلى الندرة في المعتبر و المنتهى «سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا قال: يعيد الصلاة»

و هو بعد تسليم عدم احتياج مثله إلى شاهد فيه أنه فرع التكافؤ المفقود من وجوه، خصوصا بعد دعوى الفاضلين في التذكرة و المنتهى و المعتبر الإجماع على بطلان القول بالإعادة عند التعرض للبناء على الأكثر أو الأقل، لكن لعل المراد تعينها، فلا ينافي حينئذ ما تقدم من عبارة المقنع على أحد الاحتمالين، و كيف كان فالمتجه طرح الصحيح المزبور أو حمله على غير الرباعية أو وقوع الشك قبل إحراز الركعتين أو غير ذلك.

و أضعف منه احتمال التخيير بين المختار و البناء على الأقل، جمعا بين ما تقدم و بين أخبار الأقل، إذ عرفت أن أخبار الأقل مطرحة بين الأصحاب موافقة للعامة معارضة بأقوى منها، بل أضعف منهما احتمال التخيير بين المختار و الإعادة و البناء على الأقل الذي منشأه و سابقيه اختلال الطريقة بالإعراض عن كلام الأصحاب و النظر إلى مجرد ما يقتضيه الأخبار، مع أن فيه من المنافاة لمقتضى

قواعد الجمع ما لا يخفى، على أن ظاهر الأمر بالإعادة يقتضي البطلان، و لا وجه للتخيير بينه و بين غيره، اللهم إلا أن يراد الإبطال أو التخيير في الاحتياط بين صلاته و الإعادة، و نحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه من التكلف المستبشع، و من هنا كان المتجه عدم إرادة التخيير من المرسل في المقنع.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.

ج 12، ص: 348

و على كل حال فالمتجه ما عليه الأصحاب من أنه إذا شك بنى على الأكثر و أتى بركعتين من قيام بلا خلاف أجده، للمعتبرة المتقدم بعضها، و الإجماع المنقول، فلا يجوز الجلوس، لعدم الدليل، بل ظهور الدليل في العدم، و لا سجود للسهو لعدم سببه، و ما في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم و اركع ركعتين ثم سلم و اسجد سجدتين و أنت جالس ثم سلم بعدهما»

لم أعثر على عامل به، للأصل، و

قوله عليه السلام في المعتبرة السابقة: «لا شي ء عليه»

بعد فعل الاحتياط، و مفهوم

خبر ابن أبي يعفور(2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا قال: يتشهد و يسلم ثم يقوم فيصلي

ركعتين و أربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد و يسلم، فان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة، و إن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، و إن تكلم فليسجد سجدتي السهو»

فما في خبر أبي بصير(3)عن الصادق (عليه السلام) مع أنه من أخبار البناء على الأقل التي قد عرفت حالها لم أعثر على عامل به، نعم عن جملة من المتأخرين حمله على الاستحباب، و لو لا التسامح لأمكن المناقشة فيه أيضا، و لعله لذا قيده بعضهم بالمفهوم السابق، و لم يذكر الاستحباب، و الأمر سهل.

[المسألة الرابعة من شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع]

المسألة الرابعة من شك بين الاثنتين بعد إحرازهما على حسب ما تقدم و الثلاث و الأربع بنى وجوبا على الأكثر و هو الأربع و تشهد و سلم ثم أتى بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس على المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الانتصار و الغنية الإجماع على ذلك، و هو الحجة، مضافا إلى ما تقدم من الأدلة على البناء على الأكثر، و خصوص

مرسل ابن أبي عمير(4)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.

ج 12، ص: 349

صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا قال: يقوم فيصلي ركعتين من قيام ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين من جلوس و يسلم، فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، و إلا تمت الأربع»

فما عن ابن الجنيد من جواز البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت في غاية الضعف لا دليل له سوى ما سمعت من الجمع بين هذه الأدلة و بين أخبار الأقل الذي قد عرفت الحال فيه.

إنما الكلام في مسائل ثلاث: الأولى أن ظاهر عبارة المصنف بل صريحها كغيرها من عبارات الأصحاب بل قد سمعت من الانتصار و الغنية دعوى الإجماع عليها عدم الاكتفاء بركعة من قيام و ركعتين من جلوس كما عن الصدوقين و أبي علي، بل عن الذكرى و غيرها «أنه قوي من حيث الاعتبار، مدفوع من حيث النقل و الاشتهار» و في اللمعة «أنه قريب» و لعل المراد بالاعتبار المشار إليه أنه إن كانت النقيصة اثنتين كانت الركعة من قيام مع الركعتين من جلوس بدلهما، و إن كانت واحدة كانت الركعة بدلا و الثانية نافلة، و إلا كانا معا كذلك، لكن فيه أنه فاقد لهيئة ما لعله ناقص على تقدير كون الفائت اثنتين، و التلفيق مع الفصل بالتسليم و تكبيرة الإحرام و كون إحداهما من قيام و الأخرى من جلوس غير موافق للاعتبار، على أنه لو كان الفائت اثنتين كانت تكبيرة الإحرام زائدة، و هي مما تقدح زيادتها عمدا و سهوا، و احتمال أن الركعتين من جلوس موصولة بالركعة القيامية ليست مفصولة، فلا يلزم ذلك يدفعه ظاهر المنقول عنهم، على أن الاجتزاء بالركعتين قائما حينئذ أولى.

نعم قد يستدل لهم

بالصحيح عن أبي إبراهيم (ع)(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا فقال: يصلي ركعة من قيام ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين و هو جالس»

و هو- مع أن سؤال الكاظم للصادق (عليهما السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 350

على هذا الوجه غير معهود، و عن بعض النسخ عن أبي إبراهيم (عليه السلام) بدون ذكر أبي عبد الله (عليه السلام)- معارض بما عن بعض النسخ «ركعتين من قيام» بل لعلها الأصح لتأيدها بالرواية السابقة الموافقة للمشهور بين الأصحاب المحكي عليه الإجماع، بل قد يؤيدها أيضا ما عرفت أن الشهيدين قوياه من حيث الاعتبار، و لو كان الخبر كذلك لكان أولى بالذكر، و ما عن الصدوق بعد ذكر هذه الرواية من غير فصل يعتد به أنه قال: و قد روي أنه يصلي ركعة من قيام و ركعتين و هو جالس، و لو كانت الرواية كذلك لم يكن لما ذكر وجه يعتد به، و تأييد النسخة الأولى بكونها هي المشهورة ضبطا كما قيل و بموافقتها للمنقول عن الفقه الرضوي (1)لا يقاوم ما سمعت فالأصح حينئذ ما عرفت.

الثانية هل يتحتم الجلوس في الركعتين، أو يجب الإتيان بركعة من قيام، أو يخير؟ احتمالات بل أقوال، أقواها الأول، للأخبار(2)الآمرة بذلك المعتضدة بظاهر فتوى الأصحاب و الإجماع المنقول، خلافا لما عن ظاهر المفيد في الغرية و الديلمي في المراسم و أبي العباس في الموجز فالثاني، و هو عجيب، لما فيه من المخالفة لما سمعت من غير دليل معتد به، فلعل مرادهم التخيير، و هو الثالث كما اختاره في التذكرة و المختلف و استحسنه في الروضة للجمع بين أوامر الجلوس و ظاهر

قوله (عليه السلام): «أتمم ما ظننت أنك نقصت»(3)

و لأن هذا الشك مركب من البسائط، فلا يزيد على ما وجب لكل واحد لو كان مستقلا، و هو لا يخلو من وجه، و إن كان الأوجه خلافه، و تسمع له تتمة إن شاء الله تعالى في آخر مسائل الشك.


1- 1 المستدرك- الباب- 12- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 351

الثالثة ظاهر عبارة المصنف كظاهر غيرها من عبارات الأصحاب عدم وجوب الترتيب، فيجوز تقديم الركعتين من جلوس على ركعتي القيام، للعطف بالواو التي هي لمطلق الجمع، و عطف المصنف بثم مع أن المنقول عن غيره تركها إنما يقتضي ترتب الاحتياط على التسليم لا الترتيب فيه، نعم ظاهر النافع و اللمعة و البيان وجوب الترتيب لعطف الركعتين من جلوس على ركعتي القيام بثم المقتضية لذلك، و

ربما نقل عن المفيد و ابن إدريس و المرتضى في بعض كتبه، بل هو الذي يقتضيه الخبر المتقدم الذي هو المستند لهم في الحكم، مع أنه لم يعلم ممن عطف بالواو الخلاف، لعدم العلم بمذهبه فيها، و بهذا ينقدح ما لعله يستند اليه من نقل الإجماع على عبارة العطف بالواو، لكن قد يقال: إن ترك الأصحاب العطف بثم مع وجوده في الرواية كاد يكون صريحا في عدم إيجابه، فيستدل حينئذ بالإجماع المنقول عليها المعتضد بالشهرة في التعبير بذلك، فيكون قرينة على أن المراد هنا بثم الترتيب الذكري، بل ربما احتمله بعضهم في سائر عطف الجمل، و طريق الاحتياط غير خفي.

و كذا ظاهر عبارة المصنف في جميع صور الاحتياط وجوب الإتيان بالاحتياط بعد التسليم، كما هو الظاهر من الأصحاب من غير خلاف أجده فيه، للأخبار(1)الآمرة به قبله و به بعده، و ما في بعضها(2)من الأمر به من غير ذكر للتسليم محمول عليها، لكن في الوافي بعد ذكر

خبر زرارة(3)الذي لم يتعرض فيه لوقوع الاحتياط بعد التسليم قال: «و لم يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل الركعتين أو الركعة المضافة للاحتياط و وصلهما كما تعرض في الخبر السابق، و الأخبار في ذلك مختلفة،


1- 1 الوسائل- الباب- 8 و 10 و 11 و 13- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 352

و في بعضها إجمال، و طريق التوفيق بينها التخبير كما ذكره في الفقيه، و يأتي كلامه فيه، و ربما يسمى الفصل بالبناء على الأكثر و الوصل بالبناء على الأقل، و الفصل أولى و أحوط لأنه مع الفصل إذا ذكر بعد ذلك ما فعل كانت صلاته مع الاحتياط مشتملة على زيادة فلا يحتاج إلى إعادة، بخلاف ما إذا وصل، و ما سمعت أحدا تعرض لهذه الدقيقة، فلا تكونن من الغافلين»

انتهى. و هو كما ترى.

و كان على المصنف التعرض لباقي صور الشك، خصوصا الشك بين الأربع و الخمس، لورود النص فيه (1)كما ستعرف، فنقول و بالله التوفيق ينبغي أن يعلم أولا أن الظاهر من بعض الأصحاب في المقام عدم جريان أصالة العدم و العمل على مقتضاها بل يتعين الرجوع في المنصوص إلى النص، و في غيره إلى الفساد أخذا بيقين البراءة، نعم ربما عالجوا بعض الأشياء بما يرجع إلى المنصوص، و هل هو لعدم جريانه في نفسه أو للاستظهار من الأدلة؟ يحتمل الأول، لأن شغل الذمة اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني، و مع الشك لا يعلم المكلف الفراغ، و أصالة العدم و إن كانت حجة شرعية و ليس هو في إثبات معنى لفظ بل الفرض أنه بعد ثبوت معنى اللفظ لكنها معارضة بمثلها، إذ لو شك بين الثالثة و الرابعة أو بينها و بين الخامسة و تمسك بأصالة العدم في نفي

الزائد و أتم الصلاة على مقتضاها عورض بأن الأصل عدم حصول معنى الصلاة المبرئة للذمة، إذ الفرض أن الهيئة الحاصلة من العدد المخصوص و غيرها معتبرة فيها، و الأصل عدم حصولها، نعم يتم جريان أصالة العدم في ذي الجزئيات دون ذي الأجزاء، لانحلال الأول إلى تكاليف مستقلة بعضها عن بعض دون الثاني، هذا.

لكن قد يظهر من بعضهم صحة البناء عليها هنا، و لعله لأنها بعد فرض حجيتها


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 353

من الشارع من قبيل العلم، فينقطع أصالة عدم الإتيان بالمبرئ بها، لأنه بأصالة العدم مع العمل بمقتضاها يدخل تحت مسمى الصلاة شرعا، فيكون مبرئا، بل قد يؤيده تمسك مثل العلامة في المنتهى و غيره في مقام الشك في الأركان مع كونه في المحل بأصالة عدم الفعل، و احتمال أن ذلك منه في مقام التأييد و إلا فالعمدة الدليل بعيد، على أنه قد يفقد الدليل، كما لو شك بعد أن ركع هل كان قد ركع سابقا أولا، فإن الظاهر هنا عندهم الصحة، تمسكا بأصالة عدم وقوعه منه سابقا، و الانصاف أنه مع ذلك كله لا يخلو الأول من قوة، بل قد يقال: إن إثبات أصالة العدم فيما نحن فيه محتاج إلى واسطة، بخلاف أصالة عدم المبرئ، فتقدم عليه، بل قد يظهر من ملاحظة كلمات الأصحاب في الصور العلاجية و في حصرهم صور الشك الصحيحة إلى الخامسة أو السادسة و نحو ذلك أن عدم جريان الأصل من المسلمات، و لعله من هذا و شبهه بالغ الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في بطلان دعوى جريان الأصل حتى ادعى وضوح فسادها، و ربما يشهد له في الجملة ما سمعت من خبر زرارة(1)المشتمل على عدم نقض اليقين بالشك في حال من الحالات بناء على ما سمعته منافي غيره، فلاحظ و تأمل جيدا، فان كلامهم لا يخلو من اضطراب في المقام، إلا أنه لا يخفى عليك ابتناء الفروع الكثيرة على تقدير تمشي هذا الأصل، و ثبوت أحكام لم يذكرها الأصحاب، و لعلنا نشير إلى بعضها فيما يأتي.

لا يقال إنا و إن لم نقل بجريان الأصل لكن قد وردت روايات على مقتضاه، فلم لم يؤخذ بها، و هي روايات الأمر بالأخذ بالأقل، و لا يقدح عدم الاستناد إليها في الشكوك المتقدمة، و ذلك لمكان المعارض هناك دونه في غيرها، إذ لا يخفى على من لاحظها أنها ظاهرة في البناء على الأقل بالنسبة إلى المشكوك فيه من عدد الفريضة لا فيما إذا تجاوز الشك عددها، و إلا لو كانت ظاهرة في ذلك لجرى مثلها في روايات الأكثر


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 354

فتكون حينئذ معارضة لها، و احتمال الفرق بأن روايات الأكثر ظاهرة في غير المتجاوز بقرينة

قوله (عليه السلام): «و أتمم ما ظننت أنك نقصت»

و نحوه دون أخبار الأقل ضعيف كما لا يخفى على من لاحظهما، على أن أخبار الأقل قد عرفت موافقتها للتقية، و إعراض الأصحاب عنها في الشكوك المتداولة المتعارفة التي تضمنها بعض أسئلتها فضلا عن غيرها، كلا أن ذلك مخالف لطبع الفقاهة، إذا تبين ذلك فاعلم أن الذي يظهر من الأصحاب أن أقصى ترقي الشك السادسة، لصحة بعض صورها، و إلا فمتى ترقى إلى الأعلى بطل، نعم عن ظاهر ابن أبي عقيل إجراؤه في الزائد في بعض الصور كما تسمعه إن شاء الله تعالى.

[الشك بين بقية الصور]

و لا ريب أن الصور المتصورة هنا كثيرة إذا لاحظت الضرب بالنسبة إلى الأربعة المتقدمة مع الركعة الخامسة و مع السادسة، و لاحظت محال ما يقع فيه، بل أنهاها بعضهم إلى مائتين و خمسة و عشرين، و آخر إلى مائتين و أربع و ثلاثين، و آخر إلى ثلاثمائة و ثمان و ثلاثين، لكن ليس فيه كثير فائدة، لاشتماله على الصحيح و الفاسد، و ما لا يدور معه الحكم، بل قد يترقى إلى أزيد من ذلك إذا لو حظ محال وقوع الشك في القراءة و أثنائها بالنسبة للفاتحة و السورة و القنوت و نحو ذلك، و هذا مما لا يليق بالفقيه إنما المهم معرفة الصحيح من الفاسد، و قد عرفت في السابق الصور الأربعة بسيطها و مركبها، بل عرفت أيضا الخلاف في الصحة بناء على الخلاف في الركعة.

أما لو وقع الشك بالنسبة إلى الخامسة فهي إما أن يكون مع الأربعة أو غيرها فان كان الأول فلا يخلو إما أن يقع بعد إكمال السجدتين و رفع الرأس منهما أولا، أما الأول فالظاهر فيه الصحة، خلافا للمحكي عن خلاف الشيخ من البطلان، و لا ريب في ضعفه، بل عن المقاصد العلية الإجماع على خلافه، و لعله كذلك، و يدل عليه مضافا

ج 12، ص: 355

إلى ذلك

قول الصادق (عليه السلام) فيما رواه عبد الله بن سنان (1)عنه (عليه السلام) في الصحيح: «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثم سلم بعدهما»

و مثله خبر أبي بصير(2)

و قوله (عليه السلام) أيضا في الصحيح(3): «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد و سلم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، تتشهد فيهما تشهدا خفيفا»

و هي كما ترى صريحة أو كالصريحة في عدم وجوب شي ء غير ذلك، خصوصا بعد اعتضادها بفتاوى الأصحاب بالنسبة إلى ذلك، فما في الدروس عن الصدوق من إيجاب ركعتين جالسا احتياطا ضعيف جدا، و ربما حمل كلامه على الشك في ذلك قبل الركوع، و لا بأس به، نعم ظاهرها الشك بعد الإكمال، إذ قبله لا يصدق

عليه أنه لم يدر أنه صلى أربعا أو خمسا لمكان المضي في قوله (عليه السلام): «صليت» نعم يمكن إلحاق الشك قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة به، بل و قبل الذكر فيها أيضا. لتناول اللفظ لها، إلا على احتمال أنه لا يصدق تمام الركعة إلا بعد رفع الرأس، و فيه إشكال يعرف مما مر، مع أنه يمكن إدراجه بالعلاج حينئذ، إذ له الرفع و الذكر.

و على كل حال فمتى وقع الشك بعد الركوع أو في أثنائه أو بعد رفع الرأس منه أو في أثناء الهوي للسجود أو في السجدة الأولى أو بين السجدتين أو قبل وضع الجبهة في السجدة الثانية و نحو ذلك بطلت الصلاة بناء على القاعدة السابقة، لعدم دخولها تحت المنصوص، و لا علاج بحيث ترجع اليه، فاحتمال الصحة إذا وقع بعد الركوع لحصول معظم مسمى الركعة أو لتحقق مسمى الركعة بمجرد الركوع بل قيل: إنه المشهور ضعيف، لما علمت من عدم تناول النص له بحسب الظاهر و عدم العلاج، و دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 4.

ج 12، ص: 356

حصوله بالهدم- فيرجع إلى الشك بين الثلاث و الأربع و يعمل عمله، إذ ليس فيه إلا احتمال زيادة الركوع، و هو غير مفسد، أو بالإتمام و الاندراج تحت الشك بين الأربع و الخمس، و احتمال الزيادة غير قادح كما عرفت- يدفعها انحصار العلاج كما ستعرف بما يعلم عدم بطلان الصلاة معه على تقدير السهو كالقيام و نحوه، على أنه لا تشمله أدلة ذلك الشك قطعا، كما أنه لا معنى لإيقاع بعض أفعال الصلاة كالسجود و نحوه مع عدم معرفة أنه من الصلاة حال التذكر و التنبه، إذ هو حينئذ خال من النية و استدامتها، فتأمل، و هل يلحق بغير الخامسة(1)السادسة و نحوها في هذا الحكم؟ الظاهر العدم، خلافا للمنقول عن ظاهر ابن أبي عقيل، و هو ضعيف، إذ لا مستند له بعد بطلان القياس، و

قوله (عليه السلام) في الخبر المتقدم (2): «زدت أم نقصت»

يراد منه الزيادة و النقيصة المعلومتان اللتان يسجد للسهو لهما، نحو

قوله (عليه السلام) في الحسن (3): «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين و هو جالس، و سماها رسول الله (صلى الله عليه و آله) المرغمتين»

الظاهر في إرادة معلومية حصول أحدهما لكن لم يعلم الزيادة أو النقيصة لا أن المراد الزيادة أو لا، أو النقيصة أو لا كما تقدم الكلام فيه، و يأتي إن شاء الله.

و أما إذا وقع الشك بين الخامسة و الرابعة قبل الوصول إلى حد الراكع سواء كان قبل القراءة أو بعدها قبل الهوي إلى الركوع أو بعده و لما يصل فلا ريب في عدم دخوله تحت الصور الخمسة المنصوصة، نعم يظهر من جملة من الأصحاب إمكان علاجه بأن يهدم هذا القيام

فيرجع شكه إلى ما بين الثلاث و الأربع، و يعمل عمله و تكون صلاته


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« بالخامسة».
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 357

صحيحة، لكن قد يناقش فيه و في سائر أنواع العلاج الآتية بأن الظاهر من تلك الصور وقوع الشك ابتداء لا بجعل و عمل، على أن الذي يسوغ الهدم له إن كان عدم معلومية كونه للرابعة، فلم لم يمنع من الهدم عدم معلومية كونه للخامسة، و الجلوس من القيام و إن كان ليس عملا كثيرا حتى تفسد الصلاة به، فإذا جلس دخل تحت الصورة المنصوصة لكنه مغير للهيئة، و الفرض أنه لم يأت بالأدلة كيف يعمل، فقد تبطل الصلاة بمجرد هذا الشك بحيث لا ينفعه العلاج، بل قد عرفت أن الأصل الفساد، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حمزة بن حمران (1): «ما أعاد الصلاة فقيه، يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها»

و إن كان مشعرا بصحة هذا العلاج، لكنه ورد في بعض

الأخبار الآمرة بالإعادة(2)فقال له الراوي: «أو ما قلت لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال: إنما ذلك بين الثلاث و الأربع»

و بالجملة لا اطمئنان للنفس بكون الحكم الشرعي لمثله ذلك، و يدفعها ما قدمناه سابقا في المسألة الثانية من صدق كونه شاكا

بين الثلاث و الأربع بالنسبة إلى ما مضى من غير حاجة إلى هدم في تحقق الصدق المزبور، اللهم إلا أن يقال إن المتيقن من المنصوص حال عدم التلبس بحال غير رفع الرأس من السجود، و الأصل الفساد، و من هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه، و بناء على التمسك بأصالة العدم يتجه حينئذ إتمام الركعة و صحة الصلاة، لكني لم أعرف به قائلا من الأصحاب.

و أما إذا وقع الشك بين الخمس و الثلاث فليس في صورة ما نصت عليه الأدلة، نعم تصح بعض الصور منه بالعلاج المتقدم، كما إذا وقع الشك قبل الركوع، فإنه حينئذ يهدم و يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين و الأربع فيعمل على مقتضاه، أما لو وقع بعد الركوع بطلت الصلاة في سائر صوره و لا علاج.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 358

و أما بين الاثنتين و الخمس فلا علاج له في صورة.

و أما بين الثلاث و الأربع و الخمس فله صورة يمكن علاجها، و هو ما إذا وقع في حال القيام، فإنه يهدم و يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيعمل على مقتضاه.

و أما السادسة ففي

مضمر أبي أسامة(1)«سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات قال: إن

استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد، و إن كان لا يدري زاد أم نقص فليكبر و هو جالس ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد»

لكنه ضعيف لم أجد عاملا به، مع منافاته لغيره من النصوص، فالظاهر البطلان فيها متى دخلت مع ركعة من ركعات الفريضة إلا على ما نقل عن ابن أبي عقيل من جريانها مجرى الخامسة، فإنه حينئذ تكون لها بعض الصور صحيحة، كما إذا شك بعد إكمال السجدتين بين الرابعة و السادسة، و عن الكركي «أن مقتضى الإلحاق بالخامسة الصحة في كل موضع تعلق فيه الشك بالرابعة بعد إكمال السجدتين و كل موضع أمكن فيه البناء على أحد طرفي الشك إذا كان للشك طرفان أحدهما الأكثر كالشك بين الأربع و الست، أو على أحد أطرافه إذا كان له أطراف ثلاثة، كما لو شك بين الثلاث و الأربع و الست لم تبطل صلاته، و ما سوى موضع يمكن فيه البناء تبطل صلاته، و هو مذهب ابن أبي عقيل» انتهى.

قلت: المنقول عن ابن أبي عقيل إلحاق السادسة بالخامسة في صورة يقع الشك بعد إكمال السجدتين بينها و بين الرابعة، و أما في مثل المثال الذي ذكره و هو الشك بين الثلاث و الأربع و الست فان كان في حال القيام و هدم فإنه يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين و الثلاث و الخمس، و هو باطل، و أما إذا كان حال الجلوس بعد الإكمال فلا يصح


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 359

فيه الشك في الخامسة على الأقوى فضلا عن السادسة، و كأنه (رحمه الله) فهم من الشك بين الأربعة و الخمسة طرح الخامسة و البناء على الطرف الصحيح، فحيث يكون له طرف واحد يمكن صحة الصلاة فيه بنى عليه، و حيث يكون له طرفان أخذ بالأكثر بعد طرح الطرف الزائد من السادسة و نحوها، و ينبغي أن يلتزم حينئذ بالبناء على الأربع حيث يقع الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس بعد الإكمال، و فيه منع، و أما إذا وقع بين الخامسة و السادسة فلا علاج لصورة من صوره إلا صورة واحدة، و هي ما إذا كان حال القيام، فإنه يهدم و يرجع شكه إلى ما بين الأربع و الخمس، هذا.

لكن قال الشهيد في الألفية بعد ذكره الصور الأربعة المنصوصة: «الخامس الشك بين الاثنتين و الخمس، السادس الشك بين الثلاث و الخمس بعد الركوع أو بعد السجود، السابع الشك بين الاثنتين و الثلاث و الخمس، الثامن الشك بين الاثنتين و الأربع و الخمس، ففي هذه الأربعة وجه بالبناء على الأقل، و وجه بالبطلان في الثلاثة الأول احتياطا، و البناء في الثامن على الأربع و يحتاط بركعتين قائما و سجود السهو، التاسع الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و الخمس بعد السجود، و حكمه حكم الثامن، و يزيد في الاحتياط، العاشر الشك بين الأربع و الخمس بعد السجود موجب للمرغمتين كما مر، و قبل الركوع يكون شكا بين الثلاث و الأربع، و بعد الركوع فيه قول بالبطلان و الأصح إلحاقه بالأول، فيجب الإتمام و المرغمتان، الحادي عشر الشك بين الثلاث و الأربع و الخمس، و فيه وجه بالبناء على الأقل، و آخر بالبناء على الأربع و الاحتياط بركعة قائما و المرغمتين، الثاني عشر أن يتعلق الشك بالسادسة، و فيه وجه بالبطلان، و آخر بالبناء على الأقل، أو يجعل حكمه كالخمس» انتهى.

و فيه نوع من التأييد لبعض ما ذكرنا سابقا، و مواضع للنظر، إذ قد عرفت أن البناء على الأقل في الصور الأربعة الأول منشأه الأصل أو أخبار الأقل، و في كل

ج 12، ص: 360

منهما ما سمعته، على أن ظاهره عدم جريان البطلان في الصورة الرابعة التي جعلها ثامنا، لأنه خصه بالصور الثلاثة، مع أن الظاهر جريانه فيها أيضا، لمكان الاحتياط الذي ذكره، لعدم رجوعها إلى الصور المنصوصة لا ابتداء و لا بعلاج، و ما يقال: إنها مشتملة على شكين كل منهما صحيح يدفعه أن الاجتماع غير الانفراد، و دعوى أن ما دل على حكم الشك مثلا بين الأربع و الخمس مطلق يتناول حتى ما لو دخل معه غيره من الشكوك الصحيحة و كذلك بين الاثنتين و الأربع، ففي المقام ينبغي أن يبني على الأربع، إذ الفرض أنه بين الاثنتين و الأربع و الخمس، و هما شكان صحيحان في كل منهما يبني على الأربع، نعم يأتي بركعتي الاحتياط يدفعها أولا أن ظاهر أخبار الشكوك المنصوصة الانفراد لا مع اجتماع غيرها معها كما لا يخفى على من لاحظها، و ثانيا أنا نمنع رجوعهما إلى شكين صحيحين فقط، بل معهما شك آخر مفسد، و هو بين الاثنتين و الخمس، و ثالثا أنه لو كان المدرك في الصحة في نحو الصورة إطلاق أدلة الشكوك المتقدمة لكان ينبغي القول بها أيضا في الشك بين الاثنتين و الثلاث و الخمس، لإطلاق ما دل على حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث، لكن قد يدفع هذا الأخير بالتأمل، و مثله يجري في التاسع الذي جعل حكمه حكم الثامن مع الزيادة في الاحتياط لمكان دخول الثالثة.

لكن صريح مصابيح العلامة الطباطبائي الإجماع على عدم تأثير الهيئة الاجتماعية في الشكوك بالنسبة للصحة و البطلان، فالشك المركب حينئذ تابع لبسائطه فيهما و في البناء على الأقل و الأكثر و كيفية الاحتياط، فلو بطلت البسائط حينئذ كلا أو بعضا بطل المركب، و لو صح الجميع صح المجموع، فالشك بين الثنتين و الثلاث، و الثنتين و الأربع و الثلاث و الأربع لو خلا عن النص لكان الحكم فيه الصحة، لثبوتها في كل من الشكوك مع البناء على الأكثر الثابت في كل منها أيضا، و الاحتياط بركعتين من قيام و ركعتين

ج 12، ص: 361

من جلوس أو ركعة من قيام من غير ترتيب، و به تتم الصلاة على أي تقدير، و لا تعيين للركعتين من جلوس، لأن الموجب له احتمال الثلاث، و هو موجب لأحد الأمرين، لكن النص (1)ورد بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس، و

به أفتى الأكثر، و مقتضاه تقديم الركعتين من قيام، و تعيين الركعتين من جلوس مخالفا للقاعدة، فيحتمل تنزيله عليها، و إن نص فيه على أحد الفردين كما ذهب اليه بعض الأصحاب و يحتمل تخصيصها به كما لعله الأقوى، فيكون للهيئة الاجتماعية حينئذ تأثير إلا أنه لا ينافي الإجماع السابق الذي هو مختص بما لا نص فيه، و هو جيد جدا إن ثبت الإجماع المزبور على وجه يفيد ما سمعته من الشكوك المركبة في الألفية و غيرها التي منها يعلم عدم إجماع على الحكم فيها، لما سمعته من الوجوه و الاحتمالات، و إلا فيشكل استفادة حكم المركب من البسيط كالعكس لو فرض وجود النص فيه دونه، و إن كان ربما يقال: إن صحة المركب يستلزم صحة أجزائه، و البناء فيه على الأكثر يقتضي البناء فيها على ذلك، إذ لو وجب فيها البناء على الأقل لوجب في المركب، فان الظاهر جريانه على الأصل، إلا أن ابتناء الأحكام الشرعية التوقيفية على مثل ذلك مما لا يرجع إلى دليل معتبر من دلالة لفظية أو أولوية أو مساواة قطعية يسقط معه احتمال المصالح الخفية لا يخلو من نظر و منع، فتأمل، على أن الظاهر عدم تمامية الإجماع المزبور في غير المركب المذكور المستغني بخصوص النصوص عن القاعدة المزبورة، مضافا إلى نصوص العمل بالأكثر، بل الظاهر عدم إرادة السيد العلامة غيره، لأنه ليس مركبا بسائطه صحيحة غيره، بخلاف الاثنتين و الأربع و الخمس، و الثلاث و الأربع و الخمس، فان الاثنتين و الخمس، و الثلاث و الخمس ليسا من البسائط الصحيحة، و الله العالم.

ثم إنه قد عرفت مما تقدم سابقا فساد إلحاق صورة الشك بين الأربع و الخمس


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.

ج 12، ص: 362

بعد الركوع بما كان بعد السجود، فقوله أي الشهيد: «الأصح» إلى آخره فيه ما فيه.

و أما الشك الحادي عشر فقد ذكر فيه الوجهين الذين في الثامن: البناء على الأقل أو الصحة و البناء على الأربع، و فيهما ما عرفت، مع أنه ليس على إطلاقه، لكونه إن كان قبل الركوع يهدم و يرجع إلى ما بين الاثنتين و الأربع، و إن كان بعد الركوع فعندنا البطلان.

و أما الثاني عشر و هو الشك في السادسة فقد أجمله، لأنه لم يذكر أنه هل وقع الشك بينه و بين ما عدا الخمس أو مع الخمس، فان لكل حكما قد تبين سابقا، بل منه أيضا يظهر فساد ما عن الهلالية من أنه إذا تعلق الشك بالسادسة أو بها و بالخامسة معا كان مبطلا، إذ قد عرفت أنه ليس مطلق تعلق الشك بالسادسة مبطلا، هذا، و من أراد الاطلاع على الاضطراب في هذا الباب فليراجع الألفية و الجعفرية و شروحهما، بل و كذا الذخيرة، و التحقيق الذي لا ينبغي الريب فيه ما ذكرنا، و الله أعلم، فتأمل جيدا.

[و هنا مسائل]
اشاره

و هنا مسائل:

[المسألة الأولى لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه]

الأولى لو غلب على ظنه أي ظن أحد طرفي ما شك فيه في الأربعة بل و غيرها مما تقدم حتى الشك في الأولتين و الثنائية و الثلاثية بنى على الظن و كان كالعلم في عدم الاحتياط و السجود للسهو و نحو ذلك على المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه، بل في المصابيح و عن الغنية و الذكرى و غيرها الإجماع عليه، بل في الرياض صرح به أي بالإجماع جماعة، بل لا خلاف معتد به أجده فيه فيما عدا الأولتين و الثنائية و الثلاثية، فمن شك مثلا بين الاثنتين و الأربع و ظن الاثنتين أو الأربع بنى عليه أي يجعل الواقع ما ظنه أقل أو أكثر حتى لو كان زائدا على الأربع بأن غلب على ظنه الخمس، فإنه يجري عليه حكم من زاد خامسة.

ج 12، ص: 363

و يدل عليه حينئذ- مضافا إلى ذلك و ما يأتي- المعتبرة المستفيضة: منها

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن و أبي العباس (1): «إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فسلم و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف و صل ركعتين و أنت جالس»

و منها(2)«إذا لم تدر اثنتين صليت أو أربعا و لم يذهب وهمك إلى شي ء فتشهد و سلم ثم صل ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأم الكتاب»

و منها الصحيح (3)«إن كنت لم تدر كم صليت و لم يقع وهمك على شي ء فأعد الصلاة»

إلى غير ذلك من الأخبار المتممة بعدم القول بالفصل فيما أعلم، و من المعلوم أن المراد بالوهم فيها الظن لا المعروف منه و لا العلم قطعا، و من ذلك يظهر لك أن الاعتبار بمطلق حصول الظن قويا كان أو ضعيفا حاصلا من أول الأمر أو بعد التروي مصححا أو مبطلا، فمراد المصنف و غيره بالغلبة ذلك، و كأنهم عبروا بها لأنه لما كان الشك سابقا و الظن طارئا فهو غالب على أحد طرفي الشك و إن كان الحكم غير مخصوص بالظن بعد سبق الشك، بل لا فرق بينه و بين الظن ابتداء من غير سبق شك إجماعا، فما يظهر من بعض العبارات ك بعض الروايات (4)غير ملتفت اليه.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره عدم الاحتياط بعد البناء على ذلك و السجود للسهو، لكن عن علي بن بابويه أنه قال في الشك بين الاثنتين و الثلاث: «إن ذهب الوهم إلى الثالثة أتمها رابعة ثم احتاط بركعة، و إن ذهب الوهم إلى اثنتين بنى عليه و تشهد في كل


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.

ج 12، ص: 364

ركعة و يسجد للسهو» بل عنه و عن ولده أيضا إيجاب سجدتي السهو على من شك بين الثلاث و الأربع و ظن الأربع، و لم أعرف للأول مستندا، بل و الثاني عدا بعض الأخبار العامة التي ستسمعها، و خصوص

خبر الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلم ثم صل ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة و لا تسجد سجدتي السهو، فان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد و سلم ثم اسجد سجدتي السهو»

لكن حمله على الاستحباب بعد إعراض الأصحاب عن ظاهره من الإيجاب هو المتجه.

و أما

خبر محمد بن مسلم (2)قال: «إنما السهو بين الثلاث و الأربع، و في الاثنتين و الأربع بتلك المنزلة، و من سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا و اعتدل شكه قال: يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد و يسلم و يصلي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فان كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد و سلم ثم قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثم قرأ فسجد سجدتين و تشهد و سلم، و إن كان أكثر وهمه إلى اثنتين نهض فصلى ركعتين فتشهد و سلم»

فمع ما فيه من الاضطراب المنافي لقواعد الأصحاب محتمل للحمل على استحباب صلاة الركعة عند الظن بالأربع، بل لا يبعد الحكم به في

جميع صور الاحتياط مع ظن الأكثر كما لعله يستفاد من بعض الأخبار في بعض الصور، فلاحظ و تأمل.

و أما الظن بالنسبة إلى خصوص أعداد الأولتين، بل في كل فريضة ثنائية أو ثلاثية فالمشهور بين المتأخرين اعتباره أيضا كالعلم، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه إلا من ابن إدريس، و آخر نسبته إلى الأصحاب عداه، بل في الدرة السنية أن شيخنا قال:

العمل على مقتضاه أي الظن في الرباعية و غيرها من الأفعال أو الركعات مما لا خلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.

ج 12، ص: 365

فيه إلا من ابن إدريس، و النصوص مصرحة به، بل في بعض حواشي الألفية أن أصحابنا مجمعون على اعتباره في عدد الصلاة و أفعالها، كما عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى إطلاق بعض الأخبار المتقدمة، و

خبر إسحاق بن عمار(1)قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع، أ فهمت؟ قلت: نعم»

المؤيد

بالنبوي العامي (2)«إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك للصواب»

بل عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر(3)الاكتفاء بالظن في أعداد الركعات و أخذ البناء عليه من المسلمات مع تقرير أخيه الحجة عليه، بل يمكن الاستدلال عليه بالأخبار الدالة على رجوع الإمام للمأموم و بالعكس (4)بناء على أن ذلك لحصول الظن، و ضبطها بالحصى (5)و الخاتم (6)و حفظ الغير(7)و كحفظ الطواف الذي هو صلاة به أيضا و نحو ذلك، فان جميعها مرجعها إلى الظن، مضافا إلى المعروف على ألسنة الأعوام و العلماء «المرء متعبد بظنه» و إلى قيام الظن في الشرعيات مقام العلم عند تعذره حتى حكي عن ابن إدريس الاعتراف به، بل في المصابيح نقل غيره الإجماع عليه مطلقا، و كان مراده العلامة في المختلف في باب القضاء على ما في بالي، فلاحظ، و أن الصلاة عبادة كثيرة الأفعال و التروك فالمناسب لشرعها الاكتفاء بالظن مطلقا، و إلا كانت معرضة للفساد بكل وهم، كل ذلك مع ما في التكليف بالعلم من العسر و الحرج، فإنه لا يكاد يوجد من تصدر عنه صلاة مع القطع و اليقين.

خلافا لما عن ابن إدريس من عدم الاكتفاء بالظن في الركعتين الأولتين، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 2 ص 330 و سنن النسائي ج 3 ص 28« باب التحري».
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 366

في كل فريضة ثنائية أو ثلاثية، بل قد يقال: إنه ظاهر الشيخ في المبسوط و الخلاف و عن النهاية، و الفاضل في المنتهى و التذكرة، و المصنف في المعتبر و النافع و عن المقنعة،

لذكرهم وجوب الإعادة في الشك في عدد الصبح و المغرب و عدد الركعات بحيث لا يدري كم صلى و الأولتين من غير تفصيل بين الشك و الظن، ثم ذكروا أحكام الشك في الأخيرتين مفصلين بين الظن و غيره، لكن لعل اقتصارهم على المفسد(1)فيما تقدم أولا على الشك- مع أن المعروف من الشك و الذي صرح به في الفقه و الأصول و اللغة كما عن الزمخشري و غيره بل هو الموافق للعرف تردد الذهن من غير ترجيح لأحد الطرفين، بل في المصابيح أنه الذي اشتهر بين الفقهاء، و عليه عامة العلماء- كالصريح في قصر الإفساد عليه دون الظن، و تفصيلهم في الأخيرتين حينئذ لا لكون لفظ الشك في كلامهم شاملا للظن، بل هو لمكان تصريح الأخبار به في المقام، و عادتهم ذكر الحكم الموجود في الروايات، و لذا جعله بعضهم كالمسألة المستقلة كالمصنف، بل قال في المبسوط بعد ذكر أحكام الشك: «فان غلب في ظنه أحدهما عمل عليه، لأن غلبة الظن في جميع أحكام السهو تقوم مقام العلم على سواء» أو يكون ذكرهم له في الأخيرتين للرد على بعض العامة القائلين بعدم الاكتفاء به فيها، أو يكون لبيان أن ليس طرد الشك فيها موجبا للاحتياط، بل هو مشروط بالتروي و لم يتعقبه ظن، فاما إذا تعقبه ظن فلا احتياط، و لذا ترى كثيرا منهم يذكرون حكم الظن الطاري بعد الشك من غير تعرض للظن الابتدائي، فان حكمه معلوم عند الجميع، بل يمكن أن يكون ذلك

منهم أيضا بناء على أن ما عدا الأخيرتين بمجرد طرو الشك فيها تبطل و إن حصل بعده ظن، أخذا


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« في المفسد» فان متعلق قوله: « اقتصارهم» قوله:« على الشك» و قوله:« كالصريح» خبر قوله:« لعل».

ج 12، ص: 367

بظواهر الأخبار(1)الآمرة بالإعادة بمجرده، بل ربما يظهر من بعض المتأخرين كصاحب المدارك و غيره الميل اليه، فيكون هذا التفصيل ليس لشمول لفظ الشك، بل هو تفصيل في الشك بين ما يعرض بعده ظن أو لا، و بينهما بون بعيد، فتأمل جيدا فإنه دقيق، هذا.

مع أنه كيف يحتمل كون المراد بلفظ الشك ما يشمل الظن في كلام مثل العلامة و المحقق و كون الظن قسيما له مما لا يكاد يخفى على أحد، بل إرادة ذلك تدليس لا شبهة فيه، و دعوى أنه في اللغة لما يشمله لأنهم فسروه بما هو خلاف اليقين يدفعها مع أنهم لا زالوا يفسرون بالأعم اتكالا على المتعارف، و نحوه ما سمعته عن الزمخشري و غيره و التبادر العرفي و كونه المعروف في عبارات العلماء- سيما المتأخرين كالمصنف و العلامة و من هو قريب من زمانهم و استعمالهم له في بعض المقامات في خلاف اليقين لقرينة كقولهم: «من تيقن الطهارة و شك في الحدث» و نحوه- لا ينافي الحقيقة العرفية، فتأمل جيدا، كل ذلك مع ما عرفت من نسبة الشهيد و غيره الاكتفاء بالظن إلى الأصحاب و إجماع ابن زهرة، بل قد يقال: إن عبارة ابن إدريس المنقولة عنه غير صريحة بالخلاف، لأنه صدر كلامه بنحو ما نقل عن

المرتضى و المفيد من أن كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشي ء فالعمل بما غلب عليه الظن، و إنما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظن و تساويه، ثم قال: «و السهو المعتدل فيه الظن على ضروب ستة: فأولها ما يجب فيه إعادة الصلاة على كل حال، و عد منه السهو في الأوليين و المغرب و الغداة- إلى أن قال-: و ثالثها ما يجب فيه العمل على غالب الظن، و عد منه الشكوك المتعلقة بالأخيرتين» و هو كما ترى غير صريح في الخلاف، لما سمعته من التصريح في أول كلامه، فيحتمل تفصيله حينئذ في الأخيرتين أحد الوجوه المتقدمة،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 368

و أقوى ما يحتمل فيه أن مجرد طرو الشك في القسم الأول مفسد و إن غلبه الظن بخلافه في الأخيرتين، فإنه يعمل بالاحتياط إن لم يغلب الظن، و إن غلب بنى عليه، فتأمل جيدا، فحينئذ ينعدم الخلاف في المسألة على الوجه المذكور في كلام الأصحاب، نعم قد ينقدح خلاف آخر و هو ما أشرنا اليه.

و كيف كان فأقوى ما يستدل به له على تقدير الخلاف الأصل في وجه تقدم سابقا، و الأخبار(1)الكثيرة الظاهرة في وجوب تحصيل اليقين باحرازهما، و الأصل مقطوع بما سمعت، و الأخبار معارضة بما عرفت، على أن في كثير منها تعليق البطلان على الشك القاضي بانتفائه عند انتفائه، و يتحقق الانتفاء حيث

يحصل الظن بناء على ما عرفت من تفسير الشك، فلا بأس حينئذ أن يراد بالحفظ و السلامة و الدراية و نحوها ما يشمل الظن، و دعوى أن ما تقدم سابقا مما دل على اعتبار الظن مطلق أو عام فيتخصص بما دل على اعتبار اليقين في الأولتين يدفعها- مع أن التعارض في بعضها بالعموم من وجه، و الترجيح في جانب ما دل على الظن قطعا، لما عرفت من فتوى المشهور و الإجماع المنقول المعتضد بالنسبة إلى الأصحاب، و نفي الخلاف من غير ابن إدريس كما عرفت، و غير ذلك مما تقدم، بل و غيره من أصالة الصحة و النهي عن إبطال العمل (2)و عن تعود الخبيث (3)و نحو ذلك- أنه لا مقاومة له من وجوه، بل بعض ما تقدم خاص أقوى من هذا الخاص من وجوه، فلا ريب حينئذ أن الأقوى المشهور من العمل على الظن مطلقا فرضا أو نفلا مصححا أو مبطلا في الأولتين و غيرهما.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 سورة محمد ص- الآية 35.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 369

و أما اعتبار الظن بالنسبة إلى الأفعال وجودا و عدما بحيث تبطل الصلاة إن ظن العدم في الركن بعد تجاوز المحل، و لا يلتفت لو ظن الوجود إن كان في المحل فهو ظاهر المصنف و الإرشاد و الألفية و اللمعة و صريح الروضة و الدرة، بل هو المنقول عن الوسيلة و السرائر و جمل العلم و الذكرى و الجعفرية و شرحيها و فوائد الشرائع و المسالك و المقاصد و النجيبية و عن ظاهر الجمل و العقود و الإشارة و الهلالية و الميسية، بل عن المحقق

الثاني أنه لا خلاف فيه، و قد سمعت ما نقلناه عن المبسوط و المرتضى و المفيد و الدرة السنية و بعض حواشي الألفية.

و يدل عليه- مضافا إلى إطلاق بعض ما تقدم من الأدلة- الأولوية المستفادة من الاكتفاء به في الركعات، بل هي ليست إلا مجموع الأجزاء، فإذا كان الظن في المجموع كافيا ففي البعض بطريق أولى، بل قد يقال: إنه لا يجتمع قبول الظن في نفس الركعة و عدم قبوله في نفس الجزء، و من هنا يمكن أن يرد على ابن إدريس بأنه يلزمه الاكتفاء بالظن بالركعة إذا اكتفى بالظن في الأفعال، ضرورة كون ظن جميع الأفعال عين ظن الركعة، اللهم إلا أن يلتزم عدم الاكتفاء بالظن لو اتفق في جميع أفعال الركعة كل ذا مع أنه قد يقال: إن الحكم بالظن في كثير من مواضعه فيها موافق لمقتضى القاعدة.

أما الاعتماد على ظن العدم مع بقاء المحل فلأنه أولى من الشك قطعا، فإذا تدورك مع الشك فمع ظن العدم بطريق أولى.

و أما بطلان الصلاة حيث يظن عدم الإتيان بالركن بعد تجاوز المحل فللأصل، و أما الحكم بقضاء نحو السجدة و التشهد لو ظن عدم الإتيان فلأصالة عدم الإتيان بهما، و كذلك لو ظن زيادة الركن استصحابا لشغل الذمة، و أما الرجوع إلى تدارك مظنون العدم فيما لو خرج عن محل الشك دون محل النسيان كما في الرجوع إلى السجود بعد القيام إن ظن عدم الإتيان به فلعله لأصالة عدم الإتيان، و عدم الالتفات إليه بالنسبة

ج 12، ص: 370

إلى الشك للدليل المختص به دونه، لوروده بلفظه، و هو مما يؤيد ما ذكرنا سابقا، فإنه نقل هنا عن ظاهر الأصحاب عدم شموله للظن، نعم قد يقال: إن أصالة عدم الإتيان بالفعل معارضة باحتمال الفساد لو كان المتدارك مثلا ركنا، فيبقى استصحاب الشغل حينئذ لكن الذي يظهر من الأصحاب جريان أصالة العدم بالنسبة إلى الأفعال من دون الالتفات إلى هذا الاحتمال، و قد تقدم البحث فيه سابقا، فتأمل جيدا.

[المسألة الثانية صلاة الاحتياط]

المسألة الثانية لا بد في صلاة الاحتياط من النية و تكبيرة الإحرام كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن الدرة الإجماع عليه، فلا يكتفي باستدامة نية الصلاة و تكبيرتها، لظهور النصوص (1)و الفتاوى في كونها صلاة مستقلة عن الأولى، واقعة بعد اختتامها بالتسليم، مأمورا بها بأمر على حدة بتشهد و تسليم مختص بها، و إن كانت هي معرضة لإتمام السابقة إن كانت ناقصة، و للنافلة إن كانت تامة كما صرح به في بعض النصوص السابقة، بل قد يظهر ذلك من هذا التعريض نفسه فضلا عن غيره، كما أنه يظهر منه ما صرح به بعضهم، بل نسب إلى الشهيد و من تأخر عنه من أنه يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الصلاة عدا القيام في البعض من الطهارة و الستر و الاستقبال و غيرها، بل و التشهد و التسليم، مضافا إلى الأمر بهما فيما تقدم من الأدلة، بل و ما صرح به في القواعد أيضا من اعتبار اتحاد الجهة إن لم تظهر له القبلة بمعنى مراعاة خصوص جهة المجبورة لو كان المكلف متحيرا فرضه الصلاة إلى أكثر من جهة و اتفق وقوع الشك له في صلاة إحدى الجهات، ضرورة ظهور اقتضاء ذلك التعريض مراعاة المشترك في الصحة على كل من التقديرين مهما أمكن لا إذا لم يمكن، بل يظهر بالتأمل فيما ورد من كيفيتها في النصوص السابقة أن الشارع لاحظ فيها ذلك في أكثر أفعالها، بل لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 371

أمره بالتشهد و التسليم فيها و بإيقاعها بعده منه أيضا، لحصول الصحة معه على كل من التقديرين، أما على النافلة فواضح، و على الجبرية فليس فيه سوى كون التشهد و التسليم الأولين في غير محلهما سهوا، و لا ضير فيه، و لا ينافيه تكبير الافتتاح و إن كان هو ركنا تفسد زيادته لكنه اغتفره الشارع هنا كما اغتفره في غير مقام ترجيحا لجانب النافلية على الجزئية، لمشروعية نظيره بالنسبة للثاني في الجماعة مثلا، بخلاف الأول فإنه لم تشرع نافلة من غير تكبير، على أنه قد يمنع إفساد زيادته هنا لو صادف النقص من حيث القصد به إلى افتتاح صلاة جديدة، فلا يكون زيادة ركن في تلك الصلاة كما أشرنا سابقا إلى نظيره، كما أنه قد يقال: إن المراد كونها صلاة جعلها الشارع معرضا لكل منهما، و لا تكون صلاة إلا بالافتتاح بالتكبير، فتأمل.

نعم قد يقتضي التعريض المذكور عدم وجود التعرض فيها لنية الأدائية و القضائية لو كانت جابرة لمقتضية أو وقعت بعد خروج الوقت إن قلنا بعدم بطلان الصلاة معه و نية النيابة إن كانت جابرة لما هي كذلك، و إن صرح بوجوب جميع ذلك بعضهم فيها، لإطلاق الأمر بها عند عروض الشك من غير تعرض لوجوب شي ء من ذلك، و كونها جابرة للسابق على تقدير النقصان أمر شرعي لا مدخلية لنية المكلف فيه، فليس عليه سوى التعرض للقربة في امتثال هذا الأمر في هذا الحال الذي تشترك فيه الصحة على كل من التقديرين، و لعله لذا عن نهاية الفاضل الإشكال في وجوب نية القضاء و الأداء فيها، بل عن بعضهم التصريح بأن وجهه ما يؤول إلى ما ذكرنا، على أنه لا يجب التعرض لشي ء من ذلك في المجبور عندنا إن لم يتوقف عليه التعيين فضلا عن الجابر، فتأمل جيدا.

بل من التعريض المذكور يظهر لك الحال فيما أشار إليه المصنف بقوله هل يتعين في صلاة الاحتياط الفاتحة أو يكون مخيرا بينها و بين التسبيح؟ قيل: بالأول

ج 12، ص: 372

كما هو المشهور نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا ل ما قد عرفت من التعريض المزبور القاضي بمراعاة الصحيح على كلا التقديرين، و ليس هو إلا بالفاتحة، ضرورة توقف صحتها لو كانت نافلة واقعا عليها، إذ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، و للأمر بها في النصوص السابقة المشعرة بما قلنا أيضا، مضافا إلى ظهور الأدلة إن لم يكن صراحتها في أنها صلاة منفردة و إن كانت معرضة لما سمعت و لا صلاة إلا بها كما عرفت و قيل بالثاني كما عن المفيد و الحلي خاصة مع أنه حكي عنهما الاختلاف في عدد التسبيح ل اعتبار مرغوب عنه، بل لعله اجتهاد في مقابلة نص الأدلة و ظاهرها، و هو أنها قائمة مقام ثالثة أو رابعة فيثبت فيها التخيير كما يثبت في المبدل بل ينبغي القطع بفساده، ضرورة عدم التلازم بين جبرها النقصان لو اتفق و كونها بدلا بالمعنى المذكور، و إلا لاقتضى كونها نافلة على تقدير التمام خلافه، نعم هي صلاة مستقلة معرضة لكل من الأمرين، فينبغي مراعاة الحالتين فيها حينئذ مهما أمكن.

و من ذلك كله ظهر لك أن الأول أشبه و أصح، بل لا شبه و لا صحة في غيره، بل لعله للمراعاة المزبورة صرح في البيان و الدروس و عن غيرهما بوجوب الإخفات فيها، لإحراز الصحة معه على كل من التقديرين بخلاف الجهر، بل و كذا ما حكي عن نهاية الأحكام و إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، و في التذكرة نفي الخلاف فيه من عدم وجوب الزيادة على الفاتحة، لعدم توقف الصحة في كل من التقديرين عليها، بل قد يؤثر فعلها فسادا لأحدهما في بعض الأحوال، مضافا إلى إمكان دعوى ظهور النصوص في عدمها أيضا، بل الظاهر اقتضاء التعريض المزبور صحة الصلاة و إن تذكر المصلي نقصانها بعده كما صرح به جماعة، بل هو ظاهر إطلاق النص و الفتوى و مقتضى قاعدة الاجزاء و الاستصحاب و غيرهما، بل كاد يكون صريح

خبر عمار(1)السابق قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 373

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شي ء من السهو في الصلاة فقال: ألا أعلمك شيئا إذا فعلت ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟ قلت: بلى، قال: إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت»

من غير فرق بين كونه في الوقت أو خارجه، و بين كونه محدثا أو لا، بل و بين المطابقة للمجبورة بأن يكون ناقصة ركعة عن قيام مثلا و قد جاء بها كذلك و عدمها، كما لو جاء بركعتين من جلوس بدلها، و إن حكي عن الموجز البطلان مع المخالفة، لكن لا نعرف له دليلا معتدا به و لا موافقا، و لا بين تخلل المنافي بينه و بين الصلاة بناء على صحة الاحتياط معه و عدم تخلله، و إن استقرب البطلان حينئذ في الدروس، إلا أن إطلاق الأدلة و التعريض المزبور حجة عليه، و لا بين ذي الاحتياطين و كان الجابر الثاني منهما، كما في الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و ذي الاحتياط الواحد، و إن استشكله بعضهم بحصول الفصل

حينئذ بأركان متعددة، و في الدروس و في الاحتياطين يراعى المطابقة للمقدم منهما، لكن إطلاق الأدلة و بناء تعريضه و مشروعيته على ذلك يدفعه، على أنه لو اعتبرت المطابقة لم يسلم احتياط تذكر فاعله الاحتياج اليه كما في الذكرى و الروضة، بل ليس ذلك من زيادة الركن في الصلاة، لما عرفت أنها صلاة مستقلة و إن كانت معرضة للأمرين السابقين، بل لو أثر ذلك على تقدير الحاجة اليه لم يكن له فائدة، إذ مع الغناء عنه لا يجب، و مع الحاجة تبطل الصلاة بما اشتملت عليه من الأركان، و الحصر عقلي، و دعوى أن فائدته حال عدم الذكر خاصة لا شاهد لها، بل الشاهد على خلافها.

نعم كل ذلك لا يقتضي اغتفار الفصل بالركعتين إلا ما ذكرناه من بناء شرعيته على هذا الوجه، أما لو تذكر النقص في أثنائه فإن كان هو المطابق كما و كيفا

ج 12، ص: 374

كما لو ذكر نقصان الاثنتين في الشك بينهما و الثلاث و الأربع مثلا في أثناء ركعتي الاحتياط من قيام، أو ذكر نقصان الواحدة في الشك بين الثلاث و الأربع في أثناء الركعة الاحتياطية من قيام فالأقوى عدم الالتفات و يتم احتياطه و تصح صلاته، وفاقا لجماعة إن لم يكن المشهور، استصحابا لصحة الصلاة المجبورة، و لصحة الصلاة الاحتياطية المؤيد بكون الصلاة على ما افتتحت عليه، بل للأمر المقتضي للإجزاء، مضافا إلى إطلاق الأدلة، و التعريض المذكور، بل قد يستأنس له بخبر عمار السابق، و بما عرفت من الصحة مع الذكر بعده، بل لا مانع يتخيل سوى زيادة التكبير الذي قد عرفت اغتفار الشارع له هنا، بل قد سمعت احتمال أنها ليست من الزيادة المبطلة، للقصد بها افتتاح صلاة أخرى.

نعم قد يقال بعدم تعين الفاتحة هنا، بل يعود التخيير السابق بينها و بين التسبيح لمضي احتمال كونها نافلة المقتضي للإلزام بالجامع، للصحة على التقديرين، و تعين كونها جابرة، مع احتماله لبقاء كونها صلاة مستقلة لا تصح بدون الفاتحة، لا أنها صارت ركعة رابعة جزء من الصلاة الأولى حقيقة و إن حصل الجبر بها، فتأمل جيدا، و خلافا للفاضل و عن غيره فالاستئناف، و هو ضعيف جدا كما اعترف به في الذخيرة بعد أن ذكره احتمالا، و بطلان الاحتياط و الرجوع إلى حكم تذكر النص احتمالا آخر، و المختار ثالثا، و إتمام الاحتياط حتى الركعتين من جلوس في الصورة الأولى مثلا احتمالا رابعا و هي عدا المختار منها كما ترى، بل ينبغي القطع بفساد الأخير منها، ضرورة عدم الوجه للإتيان بها (بهما خ ل) بعد تذكر النقصان المجبور بالركعتين الأولتين، إذ هما لاحتمال كون الصلاة ثلاثا المفروض عدمه هنا، فدعوى احتمال وجوبهما لإطلاق الأدلة به المعلوم عدم تناوله للفرض مما لا ينبغي الالتفات إليها، اللهم إلا أن يقال: إنه احتياط واحد مركب من أربع ركعات: اثنتان منها من قيام، و اثنتان من جلوس و تسليمتين نحو

ج 12، ص: 375

صلاة الأعرابي مثلا، و قد حكمنا بصحته بالشروع فيه، فيبقى إتمامه على حاله، و إن كان حكمه حينئذ الإتمام بالأولتين و نفل الأخيرتين من جلوس، فتأمل، بل و كذا الاحتمال الثاني لعدم الدليل على فساده بهذا الذكر، بل ظاهر الأدلة كما عرفت خلافه، بل قد يتجه على تقدير فساد الاحتياط ما ذكره العلامة لا الرجوع إلى حكم تذكر النقص الممكن دعوى عدم شمول دليله لمثل ذلك، خصوصا لو كان قد تذكر بعد فعل أكثر أركان الاحتياط أو جميعها، بل و كذا يظهر لك بأدنى تأمل فيما ذكرنا أنه لا وجه للتفصيل بين تخلل المنافي بناء على صحة الاحتياط معه و عدمه، فيعيد الأول دون الثاني و لا بين التذكر بعد الإكمال قبل التشهد و عدمه، فيعيد الثاني دون الأول، و لا بين التذكر بعد إكمال التشهد قبل التسليم و عدمه، فيعيد الثاني دون الأول، و إن صرح في البيان بالأول، بل قد يعطيه كلام غيره، كما أنه قد يعطي ما في الموجز الثاني، و بالثالث صرح في محكي الجواهر، لعدم دليل يعتد به على شي ء من هذه التفاصيل، بل لعل القول بالإعادة أولى منها حينئذ و إن كان قد عرفت ضعفه في الغاية، كما عرفت قوة المختار الذي على فرض قصور تناول أدلة الشك لمثل المفروض- باعتبار عروض تذكر النقصان، كقصور تناول أدلة تذكر النقصان له باعتبار ظهورها أو صراحتها فيمن سلم بعنوان إتمام الصلاة ثم تذكر النقصان بخلاف المقام، فيبقى حينئذ ما ذكرناه من الاستصحاب على حاله- غير محتاج إلى الدليل اللفظي، و مقتضاه حصول الجبر بها، لأنها افتتحت على ذلك، بل هو معنى صحتها المستصحبة.

و كذا يقوى في النظر الصحة لو تذكر النقص في أثناء احتياطه المخالف بالكيف دون الكم، كما لو ذكر الثلاث في أثناء ركعتي الجلوس، لإقامة الشارع إياهما مقام ركعة من قيام، فيجري حينئذ هنا ما سمعته، و احتمال البطلان لاختلال النظم هنا مزاحمة للشارع فيما يرجع أمره اليه، و لا فرق بين سبقهما باحتياط سابق كما في الشك بين الاثنتين

ج 12، ص: 376

و الثلاث و الأربع، و عدمه كما في الشك بين الثلاث و الأربع. لما سمعته من عدم قدح مثل هذا الفصل بصلاحيتها للجبر على حسب الذكر بعد الفراغ، بل و لا فرق أيضا بين التذكر بعد الركوع فيهما أو قبله، و إن حكي عن الذكرى هنا أقربية عدم الاعتداد بما فعله من النية و التكبيرة و القراءة و وجوب القيام لإتمام الصلاة، لكنه لا شاهد له، ضرورة اتحاد دلالة الأدلة على ما قبل الركوع و بعده.

أما المخالف بالكم كما لو ذكر الثلاث في أثناء الركعتين من قيام فقد قيل: إن لم يتجاوز القدر المطابق بأن لم يكن قد شرع في الركعة الثانية تشهد و سلم و اجتزى بها، لكن في الذخيرة مع ذلك الاحتمالات الأربعة السابقة فيه، و إن تجاوز فان كان قبل الركوع هدم و كان كالسابق، و إلا بطل احتياطه و وجب عليه حكم تذكر النقص، و عن بعضهم مساواته للسابق بعدم الاعتداد بالزائد و إن كان ركنا فيسلم و يجتزي، و في الذخيرة إن تجاوز القدر المطابق فان كان قد جلس عقيب الركعة ففيه أوجه: الاكتفاء به و ترك التتمة، و إتمام الاحتياط بأسره و إتمام الركعتين، و بطلان الصلاة و الرجوع إلى حكم تذكر النقص، و إن لم يجلس عقيب الركعة ففيه الأوجه السابقة، لكن بعضها في الصورة السابقة أقوى منه هنا، قلت: إلا أن الذي يقوى في النظر القاصر- بعد فساد احتمال كونه احتياطا واحدا قد حكمنا بصحته الذي ذكرناه سابقا- بطلان الاحتياط مطلقا تجاوز أو لم يتجاوز كما عن الأردبيلي، و الرجوع إلى حكم تذكر النقص، أما الأول فلفرض ظهور النقص الذي لم يجعل الشارع هذا الاحتياط معرضا لجبره، إذ عرضه للنافلة أو جبر نقص الاثنتين خاصة، و لذا أمر لاحتمال نقص الواحدة بغيره، فاحتمال الاقتصار حينئذ على جزئه المطابق مطلقا أو إن لم يركع صعب الاقتناص من الأدلة الشرعية إن لم يكن تهجما عليها، فضلا عن باقي الاحتمالات السابقة و الأحوال

ج 12، ص: 377

المتقدمة، بل لعل بعضها من المقطوع بفساده، و أما الثاني فلعدم قدح مثل هذا الفصل و إن كان بأركان كثيرة كما لم يقدح لو اتفق الجبر بما تعقبه من الاحتياط فيما لو ذكر بعده، بل لعل خبر عمار(1)السابق مشعر بذلك كاشعار البناء على الإتمام و التسليم به، ضرورة كون المراد من ذلك الاحتيال في عدم بطلان الصلاة بمثل وقوع هذه الأركان في أثناء الصلاة، فتأمل، لكن الاحتياط هنا باستئناف الصلاة مما لا ينبغي تركه، سيما بعد ما أشرنا إليه سابقا من إمكان منع شمول دليل حكم تذكر النقص لمثل الفرض، و إن كان يقوى في النظر الآن خلافه، بل لعل منع شمول الدليل لا ينافيه، إذ المراد مساواته له في الحكم بعد استظهار عدم قادحية هذا الفاصل لا مشاركته له في دليله.

و من ذلك كله يتضح لك فساد الحكم بالصحة و الاجتزاء لو فرض ذكر الثلاث بعد إتمام الركعتين، بل هي أوضح مما سبق فسادا و إن نسبه في الروضة إلى ظاهر الفتوى معللا له فيها بالامتثال المقتضي للاجزاء، و هو عجيب، إذ الفرض ظهور كون ما امتثل به ليس مما عرضه الشارع جبرا لما ظهر، بل جعل له كيفية أخرى غير هذه الكيفية، بل مقتضاه عدم صلاحية الأولى جابرة لذلك، و لذا لم يجتز بها، فالاجتزاء حينئذ بها على معنى جعل واحدة من الركعتين جابرة و الأخرى ملغاة لا تقدح زيادة في علم الشارع، بل و كذا فساد احتمال إلحاقه بمن زاد في صلاته ركعة سهوا فيها كما عن الموجز، و إن كان هو أولى من سابقه في الجملة.

بل و مما ذكرنا يتضح لك أولوية الفساد أيضا و الرجوع إلى حكم تذكر النقص لو ذكر

الاثنتين في أثناء الركعتين من جلوس بناء على جواز تقديمهما على ركعتي القيام ضرورة ظهور عدم صلاحية ذلك لجبر ما ظهر فواته، إذ الشارع عرضه لجبر الواحدة الفائتة خاصة، فدعوى إضافة ركعة من قيام إليها إن كان قد ذكر بعد إكمال أركانهما


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 378

و إلا أكمل ثم أضاف و تتم صلاته مما لا ينبغي الالتفات إليها، بل هي من القول بغير علم المنهي عنه كتابا و سنة، و منه أشكل الحكم على بعضهم بعد البناء منه على فساد المختار معللا له باقتضائه عدم تأثير زيادة الأركان في الصلاة الذي قد عرفت فساده بما لا مزيد عليه، فقال: «إن إكمالها بركعة أخرى قائما يوجب تغييرا فاحشا، مع أنه لو ذكر بعد ركعة جالسا فان اكتفى منه بأخرى قائما لزم قيام ركعة من جلوس مقام ركعة من قيام اختيارا، و إن أوجب إكمال ركعتين من جلوس ثم ركعة من قيام لزم جواز الجلوس مع القدرة على القيام- ثم قال-: و من هنا يظهر أن الأصح وجوب تقديم الركعتين من قيام، فيرتفع الاشكال» و فيه أن المتجه بناء عليه ما عرفت من إلقاء ما في يده و تدارك النقص، و من العجيب احتمال بعضهم في الفرض إتمام الاحتياط حتى الركعتين من قيام إلا على الاحتمال السابق، أو إتمام ما في يده من ركعتي الجلوس و الاكتفاء به، خصوصا الثاني منهما، إذ هو من الغرائب، نعم ربما احتمل بطلان الاحتياط و الصلاة كما أشرنا إليه سابقا، بل و إلى وجهه أيضا، لكن الأقوى ما سمعت.

أما لو كانت الركعة من قيام بناء على جواز إبدال الجلوس به فكذلك المتجه عندنا البطلان و الرجوع إلى حكم التدارك، إذ التلفيق بزيادة ركعة أخرى عليها مما لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه كما عرفته في نظيره، فلا يسمع من قائله إلا أن يفرض أنه شارع و اليه الأمر كله.

بل و كذا يظهر لك الحال بأدنى ملاحظة لما تقدم منا فيما إذا شك بين الثلاث و الأربع و بنى على الأربع و تشهد و سلم ثم ذكر أنها اثنتان في أثناء احتياطه أو بعده، و إلا فالحكم واضح قبله، ضرورة رجوعه حينئذ إلى حكم تدارك النقصان قطعا، كما في كل صورة من صور الاحتياط و قد ذكر النقصان قبل الشروع فيه بلا خلاف أجده فيه و إن كان الأولان عندنا أيضا كذلك، فيبطل احتياطه و يتم صلاته، لكن ليس بتلك

ج 12، ص: 379

المكانة من الوضوح، و لذا اضطرب في نظائره كلام الأصحاب، بل قيل هنا أيضا:

إنه إن اختار الركعة من قيام أتمها ركعتين و أتم صلاته، و هو كما ترى، بل لعل الفرض أولى بما ذكرنا مما تقدم، لكون الاثنتين المذكورتين مما لم يتعلق بهما شك قبل ذكر نقصانهما كي تصلح ركعة الاحتياط حينئذ التي أضيفت إليها ثانية جابرة لهما، فتأمل جيدا، فان كلام الأصحاب رضوان الله عليهم هنا لا يخلو من تشويش و اضطراب، و الله أعلم بحقيقة الحال، و اليه المرجع و المآل.

هذا كله لو ذكر النقصان، أما لو ذكر التمام فحكمه واضح، إذ هو بعد الفراغ نفل كما صرح به في بعض النصوص (1)السابقة، بل و في الأثناء أيضا على الأصح من غير فرق بين الركعة و الركعتين، نعم له القطع إن قلنا به في النافلة، بل قد يتعين عليه لو كان عليه فرض و قلنا بحرمة التطوع وقته، مع احتمال الاغتفار هنا تخصيصا للحرمة بالمبني على النفل ابتداء، بل يقوى الاغتفار إن قلنا بحرمة قطع النافلة، إذ ليست هي من غير المشروع حتى لا يحرم قطعها، لأن الفرض دخول المكلف فيها بنية الفرض و إن قلبها الشارع في الأثناء نفلا، كما هو واضح.

[المسألة الثالثة لو فعل المكلف ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط]

المسألة الثالثة لو فعل المكلف ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط عمدا كالكلام و نحوه، أو عمدا و سهوا كالحدث و نحوه و إن اقتصر بعضهم على الحدث، إلا أن الظاهر إرادتهم المثال منه، كما يومي اليه ما في المتن، بل عن الذكرى ما يقتضي التصريح به، لاشتراك الجميع فيما تسمع من أدلة الطرفين قيل و القائل الأكثر في المفاتيح، و المشهور عن المصابيح تبطل الصلاة و يسقط الاحتياط و إن كان لم يشهد لهما التتبع، إذ لم أجده إلا للمختلف حاكيا فيه عن غرية المفيد ما لعله يظهر منه ذلك، و المحقق الثاني في شرح

الألفية غير جازم به أيضا، بل قال فيه: لعله الأقرب،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1 و 2.

ج 12، ص: 380

و للذكرى و الدرة على ما حكي عنهما، كما عن حواشي الشهيد أنه أولى، و ليس في كتب القدماء جميعها على ما قيل إلا ما يظهر من وجوب المبادرة، و لعلهما فهماه من ذلك، لكنه كما ترى، إذ هي مما لا خلاف فيها كما في الروضة و عن الروض و المصابيح، بل في المسالك و المحكي عن الأخير الإجماع عليه، و في الكفاية أنه ظاهر كلام الأصحاب كما عن الذكرى أنه ظاهر الفتاوى و الأخبار، إلى غير ذلك، إنما البحث في البطلان و عدمه.

نعم هو الأقوى في النظر لأنها معرضة لأن تكون تماما و الحدث مثلا يمنع من ذلك لما عرفت من اقتضاء التعريض له مراعاة سائر أحكام الجزئية عدا ما عارضه التعريض بها أيضا للنافلة المقتضي مراعاة أحكامها أيضا، فالمشترك حينئذ بينهما الممكن الذي تحصل به الصحة على كلا التقديرين- و منه ما نحن فيه- لا بد منه سوى القيام في بعض الأحوال للدليل، و لعله تغليبا لمراعاة غلبة التعدد في النافلة، مع أنك قد عرفت سابقا القول بمنع الجلوس أصلا في ركعات الاحتياط الذي يمكن تأييده بذلك و لإشعار وجوب المبادرة المجمع عليه كما عرفت بمراعاة حكم الجزئية، ضرورة أنها لو كانت صلاة منفردة ما روعي فيها حكم ذلك لم يكن لوجوب المبادرة وجه، إذ احتمال التعبدية المحضة للإجماع بعيد أو باطل، بل في المحكي عن المصابيح «أنه لم يدع أحد الإجماع على تحريم فعل المنافي بينهما تعبدا من غير مدخلية البطلان أصلا، لأن الفقهاء غير ابن إدريس حكموا بالمنع، لكون الاحتياط معرضة لتماميته كما هو صريح أدلتهم و فتاويهم في غاية الوضوح، فلذا نسب الخلاف إلى ابن إدريس، نعم وافقه العلامة في خصوص الإرشاد» انتهى.

بل ينبغي القطع بلزوم وجوب الفور للمختار بناء على مساواة الواجب فورا للموقت في فواته بفوات وقته كما هو أحد الوجهين فيه إن لم يكن أقواهما، و عدم منافاة الفورية لبعض أفراد المبطل كالكلام عمدا يدفعه عدم القول بالفصل، بل قد يستفاد من

ج 12، ص: 381

بعض أدلة الفورية زيادة على وجوبها صفة شرطيتها أيضا، إذ هي ليس دليلها منحصرا بالإجماع، بل الأخبار(1)كادت تكون صريحة في ذلك، خصوصا المشتمل منها على الفاء(2)المقتضية للتعقيب بلا مهلة، بل و على لفظ «إذا»(3)الظاهر في أن وقت فعلها عند الفراغ، و غير ذلك، و لا ريب في ظهورها باشتراط صحتها بالتعقيب المزبور إذ بدونه لم يأت بالمأمور به على وجهه، على أنه لو سلم عدم ظهورها بذلك فلا إشكال في كون المستفاد منها خصوص هذا الفرد دون غيره، فيكفي في فساده عدم الدليل على صحته حتى

إطلاقات الأوامر بعد فرض إرادة الفورية منها و انسياق التعقيب من مساقها، بل لعل القائل بعدم مساواة الفورية للتوقيت في الفوات إنما هو حيث تكون مستفادة من نفس الأمر لا في مثل ما نحن فيه، ضرورة كون الحاصل هنا من الأدلة أن علاج الشك فعل الاحتياط بدارا، فكيف يتحقق الامتثال بدونه، لا أقل من الشك فيبقى يقين الشغل بالصلاة بحاله، بل قد عرفت سابقا اقتضاء القواعد الفساد بالشك في عدد الفريضة، فيقتصر فيما خالفها على الثابت المتيقن المتعقب لها، بل ينبغي القطع بذلك بناء على شرطية المشكوك في شرطيته، إذ من الواضح حصول الشك في شرطية التعقيب في صحة الاحتياط، كما أنه من الواضح حصول الشك في ثبوت علاج الفريضة بغير المتعقب لها، بل لعله من هذه الحيثية لا يبتني على قاعدة الشك في الشرط حتى تتجه الصحة عند من لم يعتبرها كما هو المختار عندنا، إذ مبنى ذلك التمسك بالإطلاقات المتوقفة على إحراز الركعات، فمع الشك كما في الفرض لا جزم بصدق اسم الصلاة و ثبوت الصحة مع تعقيب العلاج للأدلة الخاصة، بل قد يقال: إن هذه الفورية ليست


1- 1 الوسائل- الباب- 10 و 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4 و 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 382

إلا بمعنى موالاة أفعال الصلاة، و إلا فمن المعلوم أن الأمر لا يقتضي الفور عندنا، فتأمل جيدا.

بل قد يؤيد ذلك كله بعدم عد الاحتياط فريضة على حدة غير اليومية و العيدين و الآية و الملتزم بالنذر، و ما ذاك إلا للتعريض المزبور، و بما في

صحيحة ابن أبي يعفور(1)«و إن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، و إن تكلم فليسجد سجدتي السهو»

إذ ظاهرها إرادة التكلم قبل الركعتين، بل تعرضه لذكر ذلك في المقام من دون مقتض لذكره بالخصوص كالصريح في إرادة بيان كون المصلي قبل الإتيان بالركعتين كمن سلم ظانا خروجه من الصلاة و تكلم، و المناقشة في سندها بأن في طريقها محمد بن عيسى عن يونس، و في دلالتها بعدم الصراحة يدفعها وثاقتهما التي لم يقدح فيها طعن بعض القميين و عدم اشتراط حجية الدليل بالصراحة، بل يكفي الظهور، سيما إذا كان مثل ما نحن فيه، كاندفاع المناقشة فيما ذكرنا سابقا بأنه لا يلزم من الفورية بطلان الصلاة بتخلل الحدث، و بأن معرضيتها لا تقتضي أن تكون جزءا مع انفصالها عنها بالنية و تكبيرة الإحرام و غيرهما، إذ بالتأمل فيما تقدم يتضح لك فساد ذلك كله.

بل و فساد المشار اليه بقول المصنف و قيل: لا تبطل بتخلل الحدث فضلا عن غيره كما هو خيرة الحلي، و تبعه الفاضل في بعض كتبه و الشهيدان و جماعة من متأخري المتأخرين ل لأصل و إطلاق الأخبار و ظهور الأدلة في أنها صلاة منفردة و كونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم إذ في الجميع ما عرفت،

خصوصا الأخير، لعدم منافاة انفرادها مراعاة الجزئية مهما أمكن، بل يشهد لذلك من الأمور ما سمعت، كما أنه قد يشهد للانفراد النية و التكبير و نحوهما، و من هنا حكي عن فخر المحققين- بعد أن نقل القولين بانيا لهما على التمامية و الانفرادية- اختيار قول ثالث حاكيا له


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 383

عن والده أنه ذكره له مذاكرة، و هو التمامية من وجه و الانفراد من آخر جمعا بين الأدلة، و فيه أنه لا محصل له، إذ البحث هنا في أن ما نحن فيه من أي وجه، على أن كونه تماما من وجه يقتضي مراعاة الجزئية مهما تيسر، فالتفصيل حينئذ بذلك لا وجه له كالتفصيل في الدروس بين تبين النقصان و عدمه، فلا يقدح الحدث و نحوه في الثاني دون الأول، إذ هو في الحقيقة اختيار الحلي إلا إذا تبين النقصان، فيعيد الصلاة لو كان قد أوقع احتياطها بعد حدث، و لا شاهد يعتد به على ذلك، و من العجيب دعوى الحلي هنا ما عرفت و ما حكي عنه سابقا من التخيير بين القراءة و التسبيح في الاحتياط معللا له بالبدلية، و ليس هو إلا تناقض، و إن تكلف بعضهم لدفعه بما لا يرجع إلى محصل، بل هو تحكم محض، فتأمل.

و الأجزاء المنسية كالركعات الاحتياطية في بادي النظر بالنسبة إلى بطلان الصلاة بتخلل الحدث و نحوه، بل ربما قيل: إنها أولى بذلك، للقطع بجزئيتها كما هو ظاهر الأخبار(1)إن لم يكن صريحها، و لذا وجب الإتيان بها فورا، كما عن الذكرى الإجماع عليه، بل هو المنساق من الأدلة، و منه يظهر بطلان التمسك بإطلاق الأمر بالقضاء على الصحة و إن تخلل الحدث، كما أنه يظهر مما قدمنا سابقا إمكان جريان الاستدلال بأكثر ما سمعته هناك على ما هنا حتى ما ذكرناه من كون الفورية المزبورة ليست هي إلا موالاة لحوق الأجزاء بعضها ببعض، لا فورية تعبدية نحو سجدتي السهو التي لا ربط لهما بالصلاة بحيث لو تركهما عمدا لم تبطل صلاته و إن أثم، فلاحظ و تأمل، لكن قد يناقش بأنه لا مانع عقلا و لا شرعا من كونها تتمة للصلاة السابقة، و أنها هي الأجزاء الفائتة و إن تخلل الحدث و نحوه، و فيه أنه مسلم بعد مجي ء الدليل، أما بدونه فظاهر الجزئية و كونهما(2)الفائتين يقتضي مراعاة حكمهما السابق لهما قبل السهو، فتبطل


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 أي السجدة و التشهد اللذان عبر قده عنهما بالأجزاء المنسية إذ لا قضاء لغيرهما.

ج 12، ص: 384

حينئذ بالتخلل المزبور، و لا ينافيه ظهور الأدلة بل صراحتها في عدم بطلان الصلاة بنسيان غير الركن، و أنها لا تعاد من سجدة و غير ذلك، إذ البطلان هنا ليس لتركهما و نسيانهما، بل للتخلل المذكور الذي لا مدخلية له في نسيانهما من حيث كونه نسيانا.

نعم قد يقال بإشعار

موثق عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) بخلاف ذلك كله، سأله «عن الرجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع قال: يمضي في صلاته و لا يسجد حتى يسلم، فإذا سلم سجد مثل ما فاته، قلت: فان لم يذكر إلا بعد ذلك قال: يقضي ما فاته إذا ذكره»

إذ هو ظاهر في أنه إن لم يذكرها إلا بعد حين قضاها وقت الذكر و تمت صلاته و إن انمحت صورة الصلاة، ك

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهد حتى ينصرف فقال:

إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، و إلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، و قال:

إنما التشهد سنة في الصلاة»

بل في

صحيح زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) ما يستفاد منه عدم بطلان الصلاة بترك قضاء التشهد المنسي عمدا معللا له بأنه سنة، و لا ينقص السنة الفريضة، قال: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، ثم قال: القراءة سنة، و التشهد سنة، و لا ينقص السنة الفريضة».

بل قد يستفاد من حمل بعض الأصحاب الأخبار المشتملة على الحدث في الصلاة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة قبل التشهد على النسيان كون الحكم من المسلمات، منها

خبر زرارة(4)عن الباقر (عليه السلام) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 12، ص: 385

في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد قال: ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم»

و خبره الآخر(1)قال:

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال: تمت صلاته، و إنما التشهد سنة في الصلاة، فيتوضأ و يجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد»

و صحيحه أيضا(2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت، و بقي التشهد، و إنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد»

و نحوه

خبر ابن مسكان (3)عنه (عليه السلام) أيضا «عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة

الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد تمت، و أما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ و ليعد إلى مجلسه أو إلى مكان نظيف فيتشهد».

إلا أنها نصوص قد ذكرناها غير مرة، و فيها ما ينافي الفورية المجمع عليها، و فيها ما يقتضي قضاء التسليم مع التشهد، و فيها ما يقتضي ندبية التسليم، و فيها ما يقتضي غير ذلك مما هو مناف للمعروف من مذهب الإمامية من بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها و لو سهوا و أن التسليم جزء من أفعالها، و لا يخرج عن الصلاة إلا به، فالذي يقوى خروج هذه النصوص على مذاق العامة، هذا.

و قد يستفاد من المحكي عن فخر المحققين حصر النزاع في خصوص السجدة و التشهد المنسيين المتذكر لهما قبل مضي زمان يخرج به عن كونه مصليا، فإنه- بعد أن ذكر وجه الإشكال في الصحة و عدمها إذا تخلل الحدث و اختار عدم البطلان- قال: «و على القول


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 2 لكن هذا خبر عبيد بن زرارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 4 لكن هذا خبر عبيد بن زرارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 12، ص: 386

باشتراط عدم التخلل المراد به بعد ذكرها قبل مضي زمان يخرج به عن كونه مصليا، فلو لم يذكرها حتى تخلل حدث أو مضى زمان يخرج به عن كونه مصليا أو خرج الوقت فإنها تخرج عن كونها جزءا، و لا تبطل بذلك الصلاة و إن تعمد الحدث، و يصير الجزء قضاء، و يترتب على الفوائت» بل لعل ما عن محرر أبي العباس من التفصيل بأنه «إن أحدث عمدا بطلت صلاته، و إن كان سهوا و بعد خروج الوقت أو بعد أن مضى بعد التسليم زمان يخرج به عن كونه مصليا لم تبطل صلاته» مبني على ما سمعت و إن حكي عن غاية المرام أنه قال: المشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الساهي و العامد، و كلما وجهت للفرق وجها ورد عليه الاعتراض.

و بالجملة قد يقال-: إن لم ينعقد إجماع على خلافه و قلنا باعتبار بعض النصوص السابقة- بعدم بطلان الصلاة لو كان قد ذكر المنسي بعد أن تخلل المنافي، بل قد يشعر به إطلاق ما دل على عدم بطلان الصلاة بنسيانهما، ضرورة كون الفرض من أفراده، بل قد ينتقل منه إلى عدم البطلان مطلقا كما هو خيرة اللمعة و البيان و الدروس و الروضة و الموجز و المدارك و عن الغرية، لظهوره حينئذ في عدم بقاء حكم الجزئية لها (لهما ظ) كظهور عدم بطلان الصلاة بتخلل باقي أركانها بينهما في ذلك أيضا، اللهم إلا أن يفرق بالدليل الذي مع التأمل فيه يقتضي أن هذه الأجزاء لها تدارك للمتذكر قبل أن يدخل في ركن و بعده بعد السلام من غير فرق في جزئيته للصلاة في الحالين، و بذلك و غيره مما تقدم سابقا بان (1)أن له حكم الجزئية حقيقة، بل هو في الصلاة ما لم يأت به بعد السلام الذي هو آخر الصلاة في غير الفرض، أما فيه فآخرها الجزء المنسي، و لذا يكون سجود السهو بعده لا قبله، و المراد بعدم البطلان بنسيانه من حيث كونه نسيانا لا من جهة تخلل الحدث في أثناء الصلاة و نحوه، فتأمل جيدا فإن المسألة لا تخلو من إشكال و إن كان


1- 1 ليس في النسخة الأصلية لفظ« بان» و لكن الصواب ما أثبتناه.

ج 12، ص: 387

الاحتياط طريق السلامة.

و كيف كان فعلى الأول لو صلى عمدا قبلهما أو قبل صلاة الاحتياط بناء على المختار فيها بطل و أبطل، للنهي عن الفصل بالمنافي، بل و سهوا إذ هي كالصلاة الواقعة في أثناء الصلاة سهوا في بطلان كل منهما بزيادة الركن و نحوه بناء على كون ذلك منه، و إلا فحيث يقع منه فعل كثير، و بالوقوع في وقت و حال لا يصلح لها بل لا خطاب بها فيه، بل و كذا يتجه البطلان مع العمد بناء على الثاني من عدم الفساد بتخلل المنافي و إن حرم إن قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضد، أما مع السهو فلا حتى إذا ذكرها في الأثناء و كان مما يحرم إبطالها، نعم قد يحتمل العدول إلى الاحتياط مع إمكانه و فيه بعد، لقصور الدليل عن تناوله، هذا.

لكن في الذكرى «أنه لو صلى عمدا قبل الاحتياط غيره بطل فرضا كان أو نفلا ترتبت على الصلاة السابقة أولا، لأن الفورية تقتضي النهي عن الضد، أما سهوا و كانت نافلة بطلت، و كذا إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها، لاختلاف نوعها كالكسوف، أو لتجاوز محل العدول، و يحتمل الصحة بناء على أن الإتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة، و إن أمكن العدول احتمل قويا صحته كما يعدل في باقي الصلوات» و فيه مواضع للنظر يحتاج دفعها إلى تقييد لإطلاق بعض كلماته تظهر بالتأمل فيما قدمنا، كما أنه يظهر منه وجه عدم إجزاء الإعادة عمن وجب عليه الاحتياط كما في الذكرى و عن الجعفرية و الغرية و عن إرشاد الجعفرية و الدرة السنية التصريح به، بل و كذا من وجب عليه قضاء الأجزاء المنسية، أما على المختار فللتخلل القاضي بوجوب إعادة صلاة ثالثة عليه، و أما على غيره فلعدم الخطاب بها، بل يجب عليه فعل الاحتياط و قضاء المنسي لكن عن الذكرى «أنه ربما احتمل الإجزاء لإتيانه بالواجب و زيادة» و فيه ما عرفت على كل من القولين، نعم تتجه الصحة على المختار لو كان قد أبطل الاحتياط بمناف

ج 12، ص: 388

قبل الإعادة، و الأحوط له في الفرض السابق فعل الاحتياط و قضاء المنسي ثم الإعادة ثالثا و لو لزمه احتياط في الظهر فضاق الوقت إلا عن العصر زاحم به إذا كان يبقى ركعة للعصر، و إن كان لا يبقى صلى العصر، و في بطلان الظهر الوجهان في فعل المنافي قبله، كما في الذكرى و عن الدرة و إرشاد الجعفرية و غاية المرام التصريح به، بل هو واضح، و لو علم الضيق في أثناء الاحتياط ففي الذكرى أن الأقرب العدول إلى العصر لأنه واجب ظاهرا، و فيه نظر أو منع، بل المتجه القطع و ابتداء العصر، و لو لزمه احتياط في العصر مثلا و كان قد خرج الوقت صلاة بعده و تمت صلاته، و نحوه الأجزاء المنسية، إذ ليس خروج الوقت نفسه من دون تخلل مناف مبطلا، لكن قد صرح بعضهم بوجوب نية القضاء معه، و فيه منع حتى لو قلنا بوجوبها في غيره، إذ هو من توابع الأولى، فمع فرض أنها أداء و لو بإدراك الركعة كان الاحتياط كذلك، كما أنه صرح آخر بوجوب ترتب الاحتياط و الأجزاء المنسية على الفائت قبلها أبعاضا كانت أو صلاة مستقلة، و هو أوضح منعا من السابق.

نعم قد يقال بوجوب الترتيب في نفس الفائت من الأجزاء المنسية و الركعات الاحتياطية بأن يقدم السابق فالسابق سببا، كما لو فاته مثلا سجدة من الركعة الأولى و ركعة احتياط قدم السجدة، و لو كان من الركعة الأخيرة قدم الاحتياط، مع أنه احتمل في الذكرى في الأخير تقديم السجدة أيضا، لكثرة الفصل بينها و بين الصلاة، بل قد يقال بوجوب تأخر الأجزاء المنسية عن ركعات الاحتياط مطلقا، للأمر بها بعد الصلاة التي لم يعلم تمامها إلا بعد الاحتياط، كما أنه قد يقال بالبطلان مطلقا بتعذر الامتثال على وجهه و لو للشك في تناول الأدلة للفرض، أو يقال بعدم وجوب مراعاة ذلك مطلقا، لوجوب إتيان الجميع فورا بعد الصلاة و لو شرعا بعد الأمر بالبناء على الأكثر و التسليم، و منه ينقدح احتمال وجوب فعلها قبل الاحتياط عكس السابق و إن

ج 12، ص: 389

كان الأولى الأول، و عليه يحتمل قويا البطلان مع المخالفة للفصل بالمنافي حينئذ، و الإثم خاصة، كما أنه عليه يحتمل قويا استقبال الصلاة من رأس لو اشتبه عليه الحال، فلم يعلم السابق من اللاحق، و سقوط مراعاة الترتيب هنا خاصة، و التكرير بالتقديم و التأخير لكل منهما للمقدمة، و إن كان الوسط هنا هو الأوسط، و الله أعلم، فتأمل جيدا فيه و في غيره مما تركنا التعرض للتفصيل خوف الملل و الإطالة من الأمور التي تعرف بالاحاطة بما قدمنا و التأمل فيه.

[المسألة الرابعة من سها في سهو لم يلتفت و بنى على صلاته]
اشاره

المسألة الرابعة من سها في سهو لم يلتفت و بنى على صلاته بلا خلاف،

للصحيح (1)«ليس على الامام سهو، و لا على من خلف الامام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»

و لكن في العبارة إجمال، لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين الشك، أو معناه المعروف خاصة كذلك، أو الأول في الأول و الثاني في الثاني، أو بالعكس، و على التقادير يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف و حذفه على أن يكون المراد الموجب بالفتح،

فالصور ثمان:
الأولى الشك في موجب الشك بالكسر بمعنى الشك في الشك،

و عن الأصحاب أنه لا يلتفت، و هو متجه إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة في الأعداد و غيرها ، لأصالة عدمه و عدم تحقق سبب الاحتياط، فيبقى على مقتضى البراءة، و لكونه في الحقيقة شكا بعد الفراغ، و لا فرق بين الشك في وقوع أصل الشك و بين الشك في أن ما طرأ عليه مثلا في الركعة الثالثة شك أو ظن، و دعوى أن الأصل في ذلك المتحقق


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3 و ذيله في الباب 25 منها- الحديث 1.

ج 12، ص: 390

أن يكون شكا لزيادة الظن عليه و الأصل عدمها يدفعها عدم جريان الأصل في مثل المقام، إذ الرجحان و عدمه أي التساوي فصلان مقومان لكل منهما لا يصلح الأصل لتحقيق خصوص أحدهما، بل هو متجه أيضا لو وقع الشك في أثنائها في الأفعال بعد الدخول في غيرها، كمن شك حال القيام في أنه هل كان شاكا في السجود سابقا مثلا أولا، إذ العبرة بحاله حال القيام، فان كان شاكا لم يلتفت لدخوله في الغير، و إن كان ظانا تداركه كما لو كان عالما، و لا ينافيه الرواية(1)إذ ليس التفاتا لهذا الشك، بل هو أخذ بحكم الظن و اليقين، بل لو كان قد علم حصول الشك في السابق و لكنه لا يعلم في الحال الثاني أنه عمل على مقتضى الشك الأول بأن تدارك المشكوك فيه مثلا أولا لم يلتفت أيضا، إلا أنه لا دخل له فيما نحن فيه، إذ المراد تعلق الشك بنفس الشك، بل هو داخل في الشك بموجب الشك، و لو علم عدم العمل على مقتضى الشك بطلت إن كان عن عمد، و إلا تدارك إن أمكن التدارك، و إلا فسدت إن كان ركنا، و إلا فهي صحيحة، مع احتمال الصحة حتى لو كان ركنا و لا يتلافى، لعدم كونه

معلوم النسيان في الواقع، فلا تشمله أدلته، لكن الأول الأقوى، فتأمل جيدا.

بل و متجه أيضا بالنسبة للأعداد في الأثناء، كما لو وقع له الشك مثلا في أنه هل شك في حال الجلوس السابق على هذا الجلوس بين الاثنتين و الأربع مثلا حتى يكون ما وقع منه مفسدا مثلا، لكونه كان مخاطبا بالبناء على الأربع، أو لم يقع له الشك في ذلك، لأصالة عدم وقوعه، نعم يرجع أمره إلى اختبار حاله اللاحق، فيعمل على مقتضاه لا حاله السابق المشكوك فيه، بل لو كان مظنونا لم يلتفت، لعدم الدليل على حجيته في مثل المقام، هذا.


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3 و ذيله في الباب 25 منها- الحديث 1.

ج 12، ص: 391

و لكن قد يظهر من بعضهم المناقشة بأنه لا يتجه فيما إذا اتحد زمان الشكين، فإنه حينئذ في الحقيقة شاك في نفس الفعل، فيجب عليه تداركه، و فيه أنه لا يتصور اتحاد زمان الشكين، لكون الشك من الأمور الوجدانية، و لا الظن بالظن، نعم يصح تعلق العلم بالعلم في زمان واحد و بالظن أو الشك لا الظن بالظن أو الشك بالشك أو الظن بالشك أو الشك بالظن أو الظن بالعلم أو الشك به، كما هو واضح، و بأنه لا يتجه فيما إذا اختلف زمان الشكين، لكنه قبل خروجه عن محل التدارك، كما إذا شك في أثناء التشهد أنه شك قبله في السجود أولا، إذ لا معنى حينئذ لعدم الالتفات كما هو ظاهرهم، لكونه في الحقيقة شكا في الفعل مع بقاء محله، فيجب عليه الإتيان به و فيه أولا أنه لا يتجه بناء على أن المحل مطلق الغير، و ثانيا هو ليس التفاتا لهذا الشك نفسه، بل تلحقه أحكامه في الحال الثاني، فإن كان ظانا للفعل فيه فلا يلتفت، و إن كان ظانا للعدم أو شاكا تدارك، إذ من الواضح أن ليس معنى قوله: «لا شك في شك» أنه لا يلتفت لحكم العلم أو الظن في حال الشك في الشك، و ثالثا قد يقال: إن المراد من عدم الالتفات إلى الشك في الشك بعد تجاوز محل الشك، فتأمل، و بأنه لا يتجه أيضا فيما لو شك في أنه هل شك سابقا بين الاثنتين و الثلاث أو بين الثلاث و الأربع، إذ الحكم فيه أنه إن ذهب شكه الآن و انقلب إلى اليقين أو الظن فلا عبرة به و يأتي بما تيقنه أو ظنه، و إن استمر شكه فهو شاك في هذا الوقت بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، و فيه ما قد عرفت من أن المراد عدم الالتفات إلى الشك في الشك، و لا يصير كالشك، فلا مانع حينئذ من جريان كل من الظن و اليقين و الشك على مقتضاه، و لا منافاة، على أن ما ذكره لا يخلو من مناقشة تظهر مما سبق.

بل ربما أجيب عن تمام هذه المناقشة بأن مراد الأصحاب الشك في الشك حال كونه مطلقا لا مقيدا بسجدة أو تشهد أو ركعة حتى يرد، لكنه تقييد من غير مقيد،

ج 12، ص: 392

و التحقيق ما سمعت، و منه يظهر أنه لا مخالفة في تفسير الرواية بهذا المعنى للقواعد، بل هو موافق للأصل كما تقدم، فتأمل جيدا.

الثانية الشك في السهو أي الشك في أنه هل سها أم لا،

و قد نقل عن جمع من الأصحاب أنه لا يلتفت، و هو كذلك لو وقع بعد الفراغ أو في الأثناء بعد تجاوز المحل الذي يتلافى فيه المشكوك به، كما إذا شك حال القيام أنه هل سها عن السجدة أولا فإنه لا يلتفت، لأنه في الحقيقة شك بعد الدخول في الغير، أما لو شك كذلك و كان المحل باقيا كما إذا شك في السجدة و هو في التشهد مثلا فإنه يتدارك، لكونه شكا في الشي ء قبل تجاوز محله، و هدم تلك القاعدة المعلومة المنقول عليها الإجماع ببعض محتملات هذه الفقرة مما لا يجترئ عليه ذو حريجة في الدين، بل لعل ظاهر إطلاق بعض الأصحاب عدم الالتفات غيرها، بل قد يقال: المراد الشك في مطلق السهو أي أنه سها أم لا من دون تعلقه بني ء خاص، و إن كان ضعيفا كما ذكرناه في الصورة الأولى.

نعم قد يقال المراد أنه لا يلتفت إلى نفس الشك بالسهو و إن جرت عليه الأحكام الأخر من الظن و الشك، ففي المفروض لا يلتفت إلى نفس الشك في السهو، نعم يرجع إلى اختبار حاله بالنسبة إلى الفعل، فان كان شاكا فيه جاء به، و إلا فلا، فتأمل.

و كيف كان فهل يجري على تقديره لو كان أصل السهو متيقنا لكن وقع الشك في تعيينه، كما إذا علم أنه سها عن سجدة و لم يعلم أنها من أي ركعة، أو علم أصل السهو و لم يعلم أنه سجدة أو قراءة، أو علم أصل السهو و لكن لا يعلم أنه سجدة أو تشهد، أو علم أصل السهو و لكن لا يعلم أنه سجدة أو ركوع، أو علم أصل السهو و لكن لا يعلم أنه ركوع أو قراءة؟ ربما أطلق بعضهم عدم الالتفات، و تفصيل القول فيها

ج 12، ص: 393

على ما تقتضيه الضوابط.

أما في الأول فإن كان بعد الفراغ فلا ريب في وجوب قضائها عليه، إذ لا دخل للعلم بخصوصية الركعة في وجوب القضاء، و إن كان في الأثناء فإن وقع له الشك و هو في حال يمكن أن يتلافى فيه لو كان مشكوكا به بخصوصه وجب عليه التلافي، كما إذا علم فوات سجدة إما من الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة و كان جالسا في الثالثة لكونه مشكوكا فيه و هو في المحل، و يحتمل عدم الوجوب، للشك في شمول أدلة تلافي المشكوك في المحل لمثله، لظهورها فيما إذا تعلق الشك به ابتداء لا تبعا كما في المثال، نعم يجب عليه القضاء بعد الفراغ، لما ذكرنا سابقا، فيتجه حينئذ لا شك في سهو في مثل ذلك، على أن الظاهر منه أيضا تعلق الشك في السهو عن الشي ء بعد الخروج عن المحل الذي يتدارك فيه المشكوك فيه حتى يقال: إنه سها عنه لا مع بقاء محله، فلا يرد حينئذ نحو ذلك، و إن وقع له الشك في حال لا يتلافى فيه المشكوك فيه كما إذا كان في حال القيام في المثال المفروض لم يلتفت قطعا، و احتمال أنه بعد تحقق النسيان يجب عليه الإتيان بالممكن للمقدمة، فيتدارك السجدة الأخيرة إلا إذا دخل في ركن ضعيف كما لا يخفى.

و أما الثاني فإن كان بعد الفراغ فلا التفات لكل منهما، و احتمال وجوب قضاء السجدة تحصيلا ليقين البراءة ضعيف، تحكيما لأصالتها، و إن كان في الأثناء فإن كان في محل يمكن أن يتدارك فيه أحدهما جرى فيه ما تقدم من الكلام، و إلا فلا التفات.

و أما الثالث فان كان بعد الفراغ جاء بهما معا، تحكيما للمقدمة، مع احتمال وجوب إعادة الصلاة أيضا احتياطا، لاحتمال الفصل بين الجزء المنسي و الصلاة، و إن كان في الأثناء فإن كان في محل يمكن أن يتداركا فيه معا كما إذا وقع في حال الجلوس اتجه وجوب الإتيان بهما معا، و لا يقدح القطع بالزيادة فيها، و مثله إذا لم يدخل في

ج 12، ص: 394

ركن آخر كما إذا وقع ذلك حال القيام قبل الدخول في الركوع، و أما إذا أمكن تدارك أحدهما كما إذا دار بين سجدة من ركعة فائتة و بين التشهد في حال الجلوس احتمل وجوب تدارك التشهد، لكونه في الحقيقة مشكوكا فيه مع بقاء محله، و يحتمل العدم، لما تقدم سابقا، أما لو كان حال القيام فلا، و يجب عليه قضاء السجدة بعد الصلاة.

و أما الرابع فان كان بعد الفراغ اتجه قويا وجوب قضاء السجدة أولا ثم الإعادة للمقدمة، و يحتمل الصحة و لا قضاء للسجدة لأصالة الصحة، و لا يقين بفوات السجدة حتى تقضى، و ربما احتمل وجوب الإتيان بالسجدة من دون إعادة، لأنه مع الإتيان لم يعلم البطلان، لكنه في الحقيقة هدم لباب المقدمة في مثل ذلك، و إن كان في الأثناء فإن كان في محل يمكن تدارك أحدهما فيه لو كان مشكوكا فيه تداركه، و يجي ء فيه ما تقدم، و إن لم يكن في محل كذلك فالظاهر من جماعة البطلان، لعدم يقين البراءة، و يحتمل قويا الصحة لأصالتها، و لا قضاء للسجدة مثلا، و الأحوط إن لم يكن الأقوى إتمام الصلاة ثم قضاء السجدة ثم الإعادة.

و أما الخامس فان كان بعد الفراغ فالأقوى في نظري الصحة لما سمعت، و يجي ء احتمال البطلان على ظاهر كلامهم، لعدم يقين البراءة، و مثله لو كان في الأثناء إذا تجاوز محلهما، أما لو كان في محل يمكن أن يتدارك فيه أحدهما أو هما معا جرى فيه الكلام المتقدم، هذا ما تقتضيه الضوابط في مثل هذه الأشياء، و احتمال تحكم «لا شك في سهو» في بعضها في غاية الضعف، لعدم ظهوره في ذلك.

الثالثة أن يراد بالسهو الشك في كل منهما لكن على تقدير مضاف في الثاني

أي موجب شك بالفتح، و لعل هذه الصورة و التي بعدها أظهر ما يقال في هذه العبارة، بل لعله هو الظاهر من الأصحاب أيضا، قال في المنتهى: «و معنى قول الفقهاء:

«لا سهو في السهو» لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو، كمن شك بين

ج 12، ص: 395

الاثنتين و الأربع، فإنه يصلي ركعتين احتياطا، فلو سها فيهما و لم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك، و قيل معناه أن من سها فلم يدر سها أم لا لا يعتد به، و لا يجب عليه شي ء، و الأول أقرب» انتهى. و في مفتاح الكرامة عن أربعين المجلسي «أن أكثر الأصحاب خصوا قولهم: «لا سهو في سهو» في هذه الصورة و بصورة الشك بموجب السهو».

و كيف كان فعليه لا يلتفت إلى الشك في عدد ركعات الاحتياط بل و لا في أفعالها، بل في الدروس «نسبته إلى ظاهر المذهب زيادة على ما عرفت، و المراد بعدم الالتفات كما صرح به بعضهم البناء على الأكثر بالنسبة إلى الأعداد ما لم يستلزم فسادا كما إذا كان موجب الشك ركعة فإنه يبني على الأقل، و بالأفعال البناء على وقوعها و إن كان في المحل من غير فرق بين الأركان و غيرها، و كذا سجدتا السهو حيث يوجبان بالشك، فلا يلتفت إلى الشك فيهما أعدادا و أفعالا، لكن عن الأردبيلي المناقشة في هذا الحكم، بل يبني على الأقل في الجميع و يأتي بالفعل المشكوك فيه قبل تجاوز المحل، لعدم صراحة النص في سقوطه، و الأصل بقاء شغل الذمة، و لعموم ما ورد في العود إلى المشكوك فيه قبل تجاوز المحل، و هو لا يخلو من وجه بالنسبة للأفعال إلا أنه لم يوافقه على ذلك أحد كما عن المجلسي الاعتراف به، بل ربما نوقش بأن أدلة تلافي المشكوك فيه ظاهرة في الصلاة اليومية، لا أقل من الشك في شمولها لمثل ركعتي الاحتياط و سجدتي السهو، و دعوى أن التلافي على القاعدة، لأصالة بقاء شغل الذمة بالفعل يدفعها أنها تتجه حيث يكون في المحل الأصلي لا إذا تجاوز عنه و لم يتجاوز عن المحل الذي قرره الشارع في أصل الصلاة للعود إلى الفعل المشكوك فيه، إذ لا يصح جريان الأصل فيه، و من ذلك و غيره احتمل بعضهم أن الذي تقتضيه القواعد في ركعات الاحتياط و سجدتي السهو حينئذ من دون نظر إلى قولهم: «لا سهو في سهو»

ج 12، ص: 396

إنما هو البناء على الأقل بالنسبة للعدد و تلافي المشكوك فيه قبل أن يدخل في مطلق غيره لكن فيه نظر ظاهر، و لا ريب أن المتجه العمل في الأعداد بالخبر(1)المنجبر دلالة بالمشهور بين الأصحاب، بل ربما قيل: إنه متفق عليه، بل و الأفعال في وجه و إن كان الأقوى خلافه كما ستعرف.

و هل يدخل الشك في أصل فعل الاحتياط و سجود السهو؟ ربما احتمل بعضهم ذلك، لكن الأقوى خلافه، للأصل و عدم ظهور النص فيه، و لو شك في فعل من أفعال الصلاة كالركوع و نحوه و كان في المحل وجب تلافيه بلا إشكال، لكن لو شك في ذكر أو طمأنينة مثلا في ذلك الركوع ففي تلافيهما وجهان، من تناول العبارة له لكون هذا الركوع موجب شك، فالشك في أفعاله شك في موجب شك، و من أن العود إلى الركوع ليس من الشك حتى يكون موجبا، بل هو من أصالة عدم الإتيان به فالشك في أفعاله ليس شكا في موجب شك، و لعله الأقوى، للشك في دخوله، فتأمل.

و كذا لا يندرج فيه ما لو تيقن حصول شك منه و لكن لم يعلم أنه هل كان يوجب ركعة أو ركعتين، بل يأتي بهما معا للمقدمة، نعم يمكن القول بوجوب الإعادة بعد الاحتياط لاحتمال الفصل بين الصلاة و جبرها، و منه ينقدح قوة احتمال الاقتصار على أول ما يقع من الاحتياط ركعة أو ركعتين مع الإعادة، لأن الثاني إن كان هو الجابر فقد تحقق الفصل بالسابق، و إن كان الجابر الأول فلا فائدة فيه، و أما احتمال وجوب الاقتصار على الإعادة فهو ممكن، لكن فيه أنه يحتمل أن تحصل الصلاة الأولى المخاطب بجبرها بأول ما يقع منه.

و كذا لا يندرج فيه ما لو شك في الإتيان بالفعل المشكوك كأن شك مثلا هل


1- 1 الظاهر الوجه الأول لأن المراد من الشك بعد التجاوز هو الذي ابتدأه حال التجاوز لا استمراره الى حال التجاوز و المقام من الثاني نعم لو سها عن فعل السجود المنسي حتى قام فشك حال القيام في سجوده الذي كان متيقنا فواته أو شك في تداركه فوجهان لا يبعد المضي أما الأول فلأن الأحوال إذا تعاقبت عمل على الأخير و هو هنا الشك متجاوزا بعد اليقين و أما الثاني فظاهر إلا أن يدعى عدم شمول دليل الشك بعد التجاوز لذلك لكنها ضعيفة فتأمل« منه رحمه الله».

ج 12، ص: 397

جاء بالسجدة المشكوك فيها أو لا؟ لما عرفت سابقا من الشك في كون تلافي السجود من موجب الشك، و لأنه لا يندرج فيه الشك في أصل وقوع موجب الشك، بل هو ظاهر في الشك في كيفية موجب الشك، على أنه لا جابر له في مثل المقام، فحينئذ يرجع إلى القاعدة فيه، و هي تقتضي وجوب تلافيه ما دام في المحل الذي يمكن تلافي المشكوك فيه فيه.

الرابعة الشك في موجب السهو بالفتح،

و هو فيما بعد الصلاة منحصر في أمور ثلاثة: الأول سجدتا السهو، الثاني السجدة المنسية، الثالث التشهد المنسي على إشكال في الأخيرين ينشأ من احتمال أنهما ليسا من موجب السهو، بل السهو جوز تأخيرهما، و إلا فهما الواجبان بالأمر الأول للصلاة، فلا يجري حينئذ فيهما هذا الحكم، و لعله لذا لم يصرح الأصحاب بحكم الشك في ذكر السجدة المنسية أو الطمأنينة، و كذلك بالنسبة للتشهد المنسي، بل الذي عثرنا عليه التصريح بأن الشاك في عدد سجدتي السهو أو في أفعالهما لا يلتفت، لكونه شاكا في موجب السهو كما عن البيان و غاية المرام و السهوية و المدارك و الروضة و غيرها، و المراد بعدم الالتفات أنه يبني على الأكثر إلا إذا استلزم فسادا، فإنه يبني على المصحح، فلو شك هل سجد سجدة واحدة أو سجدتين بنى على الثنتين و إن كان قبل التشهد، و لو شك أنهما ثنتان أو ثلاثة يبني على الثنتين، و هل الشك في أصل الفعل من جلمة الشك في موجب السهو؟ وجهان، أقواهما العدم، فمن شك أنه هل سجد للسهو أم لا سجد، لأصالة عدمه، و للشك في شمول هذه الفقرة له.

و مما تقدم لك أولا يظهر أن السهو عنه في أثناء الصلاة ثم ذكره قبل تجاوز المحل فجي ء به ليس من موجب السهو، بل هو الواجب بالأصل، فمن سها عن سجدة فذكر قبل الركوع فتدارك ثم شك في الذكر أو الطمأنينة مثلا قبل رفع الرأس أتى به، و أولى منه لو تيقن السهو عن السجدة مثلا ثم شك في أنه هل جاء بها أم لا، بل إن كان في محل

ج 12، ص: 398

يمكن تدارك المشكوك فيه تداركها، لكونه في الحقيقة شكا في الشي ء قبل تجاوز المحل، و إن كان في محل لا يتدارك فيه المشكوك كما إذا كان في حال القيام لم يلتفت، لكونه شكا في الشي ء بعد الدخول في غيره، و ربما نقل عن الشهيد الثاني و غيره التصريح بأنه إن تيقن السهو عن فعل و شك في أنه هل عمل بموجبه أم لا أتى به ثانيا إن كان في محل يمكن أن يتدارك فيه، و إلا قضاه بعد الصلاة إن كان مما يقضى، و هو ظاهر في إرادة المحل النسياني، و لهذا أوجب القضاء بعد الصلاة إن خرج عنه، و هو مشكل لما عرفت سابقا من الدخول تحت القاعدتين، فتأمل.

الخامسة أن يراد بلفظ السهو الأول النسيان، و كذلك الثاني من دون تقدير مضاف،

و معناه أنه سها عن أنه سها، كما لو سها عن سجدة ثم ذكرها في حال التشهد فنسي العود إليها و قام، و الظاهر أن الحكم فيه أنه إن ذكرها قبل الركوع أتى بها، و إلا قضاها بعد الصلاة، فإن كان المنسي ركنا حينئذ بطلت صلاته، هذا ما تقتضيه القواعد، و احتمال هدمها بمثل هذه الفقرة المجملة المعنى بالنسبة إلى ذلك مشكل، و لذا لم أر من صرح بما يقتضي جريانها هنا، فتأمل.

السادسة أن يراد بالثاني الشك بمعنى أنه سها عن أنه شك،

كما لو شك في السجدة و كان في محل يمكن تداركها لو كانت مشكوكا بها ثم سها عن ذلك، و الحكم فيه أنه إن ذكر قبل تجاوز محل تدارك المشكوك تداركها، لكونه شكا قبل تجاوز المحل، و حصول السهو في الأثناء لا يخرجه عن ذلك، أما لو خرج عن محل تدارك المشكوك لكن لم يخرج عن محل تدارك المنسي كما إذا قام مثلا في محل الفرض فهل يجب عليه الرجوع، لأنه في الحقيقة نسيان للسجدة المخاطب بها و إن كانت مشكوكا بها، أو أنه لا يجب عليه ذلك، لكونه شكا في شي ء بعد تجاوز المحل؟ إشكال (1)و يجري الكلام فيما لو كان


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 399

ذلك ركنا، فإنه يحتمل حينئذ عدم البطلان، لعدم العلم بكونه منسيا و إن دخل في ركن و يحتمل قويا عدم تناول القاعدتين لهذا الفرد، أما قاعدة تدارك المنسي فلظهورها فيما لو كان منسيا يقينا، و أما قاعدة الشك بعد تجاوز المحل فلظهورها في تعلق الشك ابتداء لا المسبوق بشك في المحل، فلا بد من الرجوع إلى قاعدة أخرى غيرهما، و هي تقتضي البطلان، إذ لا يحصل يقين البراءة إلا بذلك، لا يقال: إن السهو عن السجدة يقينا لا يبطل الصلاة، ففي المشكوك بها بطريق أولى، لأنا نقول: ليس البطلان من هذه الجهة، و لذا لا نقول به لو ذكرها بعد الدخول في ركن، بل نوجب إتمام الصلاة ثم الاحتياط بقضاء السجدة، و لكن الحكم بالبطلان هنا من جهة عدم العلم

بكيفية الفعل، فلا نتمكن من الأمر بالتدارك و لا بعدمه، فان قلت: إن الأصل يقتضي وجوب التدارك، لأنه كان يجب عليه سابقا فيجب عليه الآن، قلت: كان يجب عليه لكونه في المحل أي محل المشكوك به، أما بعد خروجه عنه فلا، لاحتمال دخوله تحت قاعدة الشك في شي ء بعد التجاوز عن المحل، و احتمال القول إنه لا يلتفت لكونه من السهو في السهو على التفسير الذي نحن فيه بعيد، لعدم ظهور هذه الفقرة في مثله، بل قد عرفت أن المنقول في تفسيرها خلاف ذلك كما تقدم لك في عبارة المنتهى، و مثله عن الشيخ أيضا، نعم يحتمل أن يقال بوجوب التدارك لأنه من المحكوم عليه شرعا بالنسيان، فيدخل تحت

قوله (عليه السلام)(1): «من نسي سجدة»

كما في غير ذلك من نحو


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 12، ص: 400

هذا التركيب، و لعل القول بإتمام الصلاة ثم الاحتياط بإعادتها لا يخلو من قوة، و القول بالتخيير هنا لمكان التردد للفقيه، فهو مخير بعيد، فتأمل جيدا.

السابعة أن يراد بلفظ السهو النسيان، و لكن على تقدير مضاف

أي السهو في موجب السهو بالفتح، مثلا سها عن إحدى السجدتين في سجدتي السهو، و مثله يجري في السجدة المنسية و التشهد المنسي لو سها عن بعض واجباتهما إن قلنا إنهما من جملة موجب السهو بالفتح، بل كذلك يجري في المتدارك في أثناء الصلاة إن قلنا إنه منه، و المنقول عن جملة من الأصحاب التصريح بأنه لا حكم للسهو في سجود السهو، و الظاهر أن المراد بعدم الحكم له أنه لا يوجب سجودا للسهو أو قضاء بعد الفراغ، بل إن ذكر في المحل جاء به، و إلا فلا، و أما احتمال أن يراد بعدم الحكم له عدم الالتفات بمعنى أنه من سها عن إحدى السجدتين ثم ذكرها و هو في المحل فلا يأتي به بدعوى شمول العبارة له فهو في غاية البعد، و أما الزيادة فيها سهوا كأن يكون قد سجد ثلاث سجدات أو أربعا مثلا فيحتمل شمول العبارة له حينئذ، فلا يبطل، و أما لو تركهما سهوا و جاء بالتشهد فقط فالظاهر البطلان، لما فيه من انمحاء الصورة، و قد يقال: إن المتجه الرجوع في مثل المقام إلى ما تقتضيه الأصول و الضوابط، و هي تقتضي إعادة السجدتين إذا ترك سجدة واحدة منهما مثلا، و احتمال عدم البطلان تمسكا بهذه الفقرة فيه من الاشكال ما لا يخفى على أن الخبر(1)الذي تضمنهما ظاهر في إرادة السهو بمعنى الشك بقرينة

قوله عليه السلام فيه قبلها: «و ليس على الامام و لا على من خلفه سهو»

فان الظاهر إرادة الشك، على أن عبارة المنتهى السابقة قد يدعى ظهورها في ذلك بقرينة تمثيله، فالخروج عن القاعدة بمجرد ذلك مشكل، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 401

الثامنة أن يراد بالسهو الثاني الشك، و لكن على حذف مضاف

أي موجب الشك بالفتح كالركعات للاحتياط، فإنه لا حكم للسهو فيها بالمعنى المتقدم في موجب السهو بالفتح، فمن سها فيها مثلا عما يوجب سجود السهو فإنه لا حكم له حينئذ، فلا يجب سجدتا السهو بعد الفراغ، و نقل عن جماعة من الأصحاب التصريح به، بل عن بعضهم نقل الشهرة عليه، و ربما علل ذلك مضافا إلى قولهم: «لا سهو في السهو» بأن ما دل على وجوب سجود السهو ظاهر في الصلاة اليومية، فيقتصر عليه، نعم عن بعضهم أنه لا يشمل- بناء على هذا التفسير- ما لو نسي السجدة مثلا، فيجب حينئذ قضاؤها بعد الفراغ، و فيه نظر أو منع، بل قد يقال أيضا: إن ما دل على وجوب قضاء السجدة بعد الفراغ ظاهر في اليومية، كما ذكر ذلك في سجدتي السهو.

و لو سها عن بعض الواجبات في الركعات الاحتياطية و ذكر قبل تجاوز المحل فالمنقول عن جماعة من الأصحاب وجوب التدارك، و فيه إشكال أيضا، لكونه سهوا في موجب السهو أي الشك، فينبغي عدم الالتفات، و الحاصل أنه يعامل عندهم معاملة الصلاة الأصلية في النسيان، و كذلك بالنسبة إلى الزيادة و النقيصة في الأركان إلا في وجوب سجود السهو، فلا يوجبونه هنا لمكان «لا سهو في السهو» و أنت خبير بما فيه لصدق العبارة على جميع ذلك، فينبغي تمشية الحكم في الجميع، و من هنا كان الظاهر الاقتصار في تفسير هذه الفقرة على أن يراد بالسهو الأول الشك و السهو الثاني الشك أو السهو على إرادة الموجب، فيكون المعنى لا شك في موجب شك أو سهو بالفتح و على عموم المجاز، و المراد حينئذ عدم الالتفات إلى الشك في أعدادها، أما الشك في أفعالها فهل هو كذلك أو يبقى على القاعدة من التلافي في المحل و عدمه في خارجه؟ الظاهر الثاني، و أما الشك في أصل الإيقاع فالظاهر عدم اندراجه، و عن ظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادة الثمان من هذه الفقرة، و هو مشكل، لمخالفته لمقتضى الأصل

ج 12، ص: 402

في جملة منها، و الخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل، بل قد عرفت ظهور سياق النص و الفتوى في إرادة الشك من السهو الأول كما سمعته من منتهى الفاضل، و أظهر منه ما عن الشيخ، فإنه قال بعد نقل العبارة: و له تفسيران: الأول أن الشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط و سجود السهو، الثاني أن يشك هل شك أم لا، قال: و كلاهما مما لا حكم له، و يبني في الأول على الأكثر، لأنه فرضه، بل في الرياض استظهار إرادة الشك من السهو الثاني أيضا منهما و من غيرهما، بل استظهر عدم الخلاف فيه من عبارة الأول منهما بعد أن ادعى أن نقلهما في مثل ذلك حجة، و عليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقا، و يندفع أكثر وجوه الاجمال، و يبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين و لا ريب في مطابقة الثاني لمقتضى الأصل في كثير من موارده، فلا يحتاج إلى النص و إن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه، و إنما المحتاج اليه الأول لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، و لا يتم إلا مع عدم الشك، مضافا إلى إطلاق ما دل على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلا، و لما كان النص يحتمله، و الثاني لم يمكن التمسك به لإثباته إلا أن يرجح باخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء، مع ظهوره من كلماتهم و استدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له، و ليس إلا على تقدير التفسير الأول مع اعتضاده بما قيل من الاعتبار، و هو أنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا، و لا يتخلص من ورطة السهو، و لأنه حرج فيسقط اعتباره، و لأنه شرع لازالة حكم السهو، فلا يكون سببا لزيادته.

و مما ذكرنا ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين كما هو ظاهر كلام الشيخ المتقدم و هو لازم لكل من اختار التفسير الأول، لموافقة الثاني للأصل في جملة من موارده كما أوضحناه سابقا، فلاحظ، إلا أنه مع ذلك كله يقوى في النظر إرادة الأعم من

ج 12، ص: 403

الشك و السهو المعروف من السهو الثاني لكن على تقدير الموجب بالفتح كما قدمناه سابقا بل لو لا وحشة الانفراد لأمكن القول بأن المراد من النص عدم الحكم لخصوص كل من السهو و الشك في كل من موجبهما، فلا يلتفت للشك في العدد في موجب الشك، و لا للسهو في موجب السهو خاصة، دون الشك في موجب السهو و السهو في موجب الشك، فيكون المراد كل واحد بالنسبة إلى مجانسه، بل قد يؤيده ما في الصحيح (1)المتضمن لذلك، و لا على الإعادة إعادة إذ أظهر التفسيرين له أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب للإعادة ثم حصل أمر موجب لها لا يلتفت اليه، كما يعضده

الصحيح (2)«لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود»

و الاعتياد لغة يحصل بالمرتين كما صرح به في الحيض و إن استشكله بعض مشايخنا بعدم حصول الاعتياد عرفا بالمرتين أولا، و بعدم وضوح القائل به ثانيا، بل ظاهر حصر الفتاوى لمقتضي عدم الالتفات للشك في أمور مخصوصة غير ما في الصحيح عدمه، لكن فيه أنه لا بأس بإثبات ذلك كله بهذا الصحيح لحجيته و ظهور دلالته و اعتضاده بغيره و عدم القطع بشذوذه، و إن لم يظهر قائل صريح به، فان ذلك لا يستلزم الإجماع على خلافه، فلا حاجة حينئذ لحمله على إرادة خروجه مخرج الغالب من كثير الشك، لأنه الذي يحصل له الشك بعد الإعادة أيضا غالبا دون غيره، فنفي الإعادة حينئذ على الإعادة للكثرة، إذ فيه- مع إمكان المناقشة في الغلبة المزبورة- أنه يقضي بإرادة نحوه فيما تضمنه هذا الصحيح من نفي السهو عن السهو، ضرورة سياق الجميع فيه مساقا واحدا، و هو مخرج له عن صلاحية

الاستدلال به على نفي السهو في السهو من حيث هو سهو في سهو و إن لم يكن هناك كثرة كما هو الفرض فيما تقدم، بل هو خلاف طريقة الأصحاب


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 404

المستدلين به لذلك، و كذا لا حاجة لالتزام حصول الكثرة بالشك في الإعادة و لو مرة إذ هو كما ترى، لكن و مع ذلك فالإنصاف عدم ترك الاحتياط بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك من الكثرة و نحوها، فتأمل جيدا.

[حكم شك الإمام و المأموم و سهوهما]

و كذا لا يلتفت إذا سها أي شك المأموم إلى شكه لكن ليس له البناء حينئذ على الأقل أو الأكثر بل عول على صلاة الامام و كذا لا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه بلا خلاف أجده في كل من الحكمين، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

مرسلة يونس (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الامام يصلي بأربعة أنفس أو خمسة فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثة و يسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا، و يقول هؤلاء قوموا، و يقول هؤلاء اقعدوا و الامام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟ قال: ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه

سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام»

و خبر حفص بن البختري (2)عنه عليه السلام أيضا، قال: «ليس على الامام سهو و لا على من خلف الامام سهو»

إلى آخره،

و صحيحة علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن رجل يصلي خلف الامام لا يدري كم صلى هل عليه سهو؟ قال: لا».

و ظاهر إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين كون المأموم متحدا أو متعددا ذكرا أو أنثى عدلا أو فاسقا، بل عن الدرة نسبة الأخير إلى الأصحاب، بل قد يقال بشموله للصبي المميز بناء على شرعية عبادته على إشكال، لكونه من الأفراد الخفية، و عدم قبول خبره، مع إمكان منع الخفاء، على أن الرواية مشتملة على العموم اللغوي


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1.

ج 12، ص: 405

و عدم الاعتماد على خبره في غير ذلك لا يقضي بعدمه هنا كما في الفاسق، و الفرق بين الفاسق و الصبي بالتكليف و عدمه، و بأن الفاسق مصدق بالنسبة إلى فعله فهو في الحقيقة مخبر عن فعله، و الامام يعتمد على فعله لا على إخباره عن فعل الامام يدفعه أن العمدة في المقام النص الذي قد عرفت شموله كإطلاق الفتاوى الجابرة له، فما عن بعض

المتأخرين- من عدم الجواز في الصبي إلا إذا أفاد ظنا فحينئذ يعتمد على ظنه، و ربما نقل عن بعضهم بل عن آخر عدم التعويل عليه و إن أفاد ظنا- ضعيف جدا، خصوصا الأخير، و أضعف منه ما عن ثالث من الإشكال إذا كان المأموم امرأة.

و كذا يستفاد من إطلاق النص و الفتوى أنه لا فرق في ذلك بين حصول الظن و عدمه، بل يؤيده أيضا ذكرهم هذا الحكم بالخصوص، و إلا فلو كان المدار على حصول الظن لم يكن لذلك مزية، فإنه إن حصل من غير المأموم أو غير الامام اكتفي به أيضا كما صرح به بعضهم، لما تقدم سابقا من جواز الاعتماد عليه في أعداد الركعات غير مقيد بسبب خاص، نعم يتجه اعتماد كل منهما على حفظ الآخر إذا لم يحصل له ظن بل كان باقيا على شكه، أما إذا كان ظانا فيشكل اعتماده على غيره مع أنه موهوم عنده، و إن صرح به بعض الأصحاب، بل قد يقال: إن الظاهر من لفظ السهو المنفي نصا و فتوى الشك، على أنه كيف يعتمد على غيره مع أنه يحتمل أن يكون غيره ظانا أيضا، بل قد عرفت التوقف من بعضهم في الاعتماد إذا لم يحصل له ظن بمقتضى حفظ الإمام أو المأموم لظهور المرسلة في الرجوع إلى الآخر و الاستناد اليه و الاعتماد عليه، و لأن ذلك خرج مخرج الغالب من حصول الظن حينئذ، ففي المقام بطريق أولى.

و الحاصل رجوع الظان إلى غيره إن لم يقم عليه إجماع فهو في غاية الإشكال، لعموم ما دل على الاعتماد على الظن كما تقدم سابقا، مع أنه على تقدير تسليم شمول الدليل في المقام فهو من باب التعارض من وجه، و الترجيح لتلك، فتأمل، و ما يقال:

ج 12، ص: 406

إن لفظ السهو المنفي حكمه في الفتاوى و النصوص يشمل الظن لأعميته لغة منه و من الشك مع أن

في الخبر(1)«الامام يحفظ أوهام من خلفه»

و الوهم شامل للظن، لإطلاقه عليه شرعا، بل معنى حفظه للأوهام أن المأموم يترك وهمه و يرجع إلى يقين الإمام، فإذا ثبت ذلك فيه ثبت في الآخر لعدم تعقل الفرق، مع أنه لا قائل به- لا يخلو من تأمل، لمنع شمول لفظ السهو لذلك، بل الظاهر من ملاحظة أسئلة الأخبار إرادة الشك منه هنا، و المراد بالخبر ضمان الامام ما يتوهم به من خلفه، كما ستسمع إن شاء الله في الاستدلال على عدم سجود السهو على المأموم و نحوه، بل ما ذكره في تفسيره لا يكاد يعقله أحد منه.

نعم يمكن التمسك عليه بما في مرسلة يونس السابقة المشتمل سؤالها على كون الإمام مائلا إلى أحدهما أو معتدل الوهم، مع أن الجواب فيها ظاهر في أنه إذا حفظ من خلفه باتفاق

منهم رجع إليهم و إن كان مائلا، فتأمل، لكن فيه من التكلف و البعد ما لا يخفى، و لا جابر لها في خصوص ذلك، لأنه و إن صرح به بعضهم إلا أنه لم يصل إلى حد الشهرة و المقطوع به بين الأصحاب، كما في المدارك أنه لا شك مع حفظ الإمام أو بالعكس.

و مما تقدم لك سابقا يظهر لك الإشكال في رجوع الشاك منهما إلى الظان إذا لم يحصل له ظن، لما عرفت من الإشكال في رجوعه كذلك إلى المتيقن فضلا عن الظان مضافا إلى أن الظاهر من الحفظ الموجود في المرسلة الذي قيدت به باقي الأخبار المشتملة على نفي حكم السهو العلم لا الظن، و دعوى أنه بمنزلته ممنوعة بالنسبة إلى غير الظان، كدعوى أن المراد بالحفظ هنا عدم الشك، فيدخل حينئذ الظان، بل لا يمكن إرادة اليقين منه هنا، إذ كيف يعرف ذلك من الامام أو المأموم و لا يرى الامام من المأموم


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 407

و بالعكس سوى البناء على الفعل المحتمل أن يكون منشأه ظنا أو علما، فالأمر بالرجوع مع غلبة عدم معرفة الحال دليل على ذلك، إذ أقصى ما يقضى به ذلك أنه ليس يجب معرفة العلم باليقين، بل يكفي الظن به أو احتماله أيضا، و هو غير الاكتفاء بالظن بعد العلم به، على أنه يجوز أن تظهر الثمرة بعد الصلاة و اختبار حال من رجع اليه، كما أنه يجوز أن يتمسك الإمام أو المأموم عند إرادة الاعتماد على أصالة عدم عروض الشك أو الظن بل البقاء على اليقين السابق، و لا حاجة حينئذ إلى اختباره بعد الصلاة، فتأمل جيدا.

و الحاصل أن الصور في المقام ثلاثة: الأولى رجوع الشاك إلى المتيقن، و الظاهر أنه كذلك و إن لم يحصل معه الظن، لتناول الأدلة له، مع أنه نقل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه، فما تقدم سابقا من الاشكال فيه من بعض مشايخ مشايخنا ضعيف، الثانية رجوع الظان اليه، و قد عرفت الكلام فيه، الثالثة رجوع الشك إلى الظان، و قد عرفت الاشكال فيه أيضا و إن كان قد يقوى رجوعه، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، و قد ذكر في الحدائق في المقام صورا تبلغ خمس عشرة صورة كلها يظهر حكمها مما تقدم و يأتي، فتأمل.

أما المتيقنان فلا يرجع أحدهما إلى الآخر من غير خلاف أجده، و وجهه واضح نعم عن بعضهم أنه قال: لو قيل بوجوب متابعة المأموم الامام كان له وجه، و كأنه للإطلاق، و هو معارض بالإطلاق الآخر، على أن المرسل قد اشترط في رجوعه إلى الامام عدم سهوه، و الفرض أنه علم سهوه، ثم إنه كيف يجتزي بصلاة يقطع أنها خمس ركعات، و ما دل على المتابعة لا يشمل ذلك قطعا، إذ المراد منها أنها في الصلاة.

و أما الشاكان فان اتحد محل الشك فلا إشكال في لزومهما حكمه، و لا رجوع لأحدهما إلى الآخر، إذ هو ترجيح بلا مرجح، و إن اختلف محل الشك فقد قال الشهيد الثاني في روضته و تبعه عليه بعض من تأخر عنه: إنه إن جمع لشكهما رابطة رجعا إليها،

ج 12، ص: 408

كالثلاث لو شك الامام بين الاثنتين و الثلاث و المأموم بين الثلاث و الأربع أو بالعكس و إلا تعين الانفراد، كما لو شك الامام بين الاثنتين و الثلاث و المأموم بين الأربع و الخمس أو بالعكس، و ربما ظهر من المحكي عن موجز أبي العباس الفرق بين الصورتين في الأول، قال: «لو شك الامام بين الاثنتين و الثلاث و المأموم بين الثلاث و الأربع وجب الانفراد، و لو انعكس فلا سهو و وجب الإتمام بركعة» و فيه ما ستعرف، و لا فرق في الرجوع إلى الرابطة بين ما يكون أحدهما موجبا للبطلان أولا كما عن بعضهم التصريح به، فلو شك أحدهما بين الثلاث و الخمس و الآخر بين الاثنتين و الثلاث رجعا إلى الثلاث، بل و لا بين كون الرابطة شكا أو لا، كما لو شك المأموم بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و الامام بين الثلاث و الأربع أو بالعكس، إذ يسقط حينئذ حكم الاثنتين عن المأموم و يرجع شكهما معا بين الثلاث و الأربع، إذ المراد بالرابطة الطرف الذي اشتركا به في شكيهما، كالثالثة في المثال الأول، و الرابعة لو كان الشك بين الثلاث و الأربع و الأربع و الخمس و نحو ذلك، و كان الوجه في الرجوع إليها رجوع كل منهما إلى يقين الآخر، فإنه يقتضي في المثال الأول البناء على الثالثة، إذ يقين الإمام أنها ليست رابعة ينفي أحد الطرفين من المأموم، و يقين المأموم أنها ليست ثانية ينفي أحد الطرفين من الامام، فإذا زال احتمال الرابعة لمكان يقين الامام و زال احتمال الثانية لمكان يقين المأموم تعين أن يكون ثالثة، و لا فرق في ذلك بين الامام و المأموم، فما يظهر من الموجز كما سمعت عبارته من الفرق لا وجه له.

و أما إذا كان الرابطة شكا فقد تكون التبعية من طرف واحد كما في المثال الذي سمعته، و هو فيه الامام لمكان يقينه أنها ليست ثانية، و قد يكون من الطرفين كما إذا دخلت الخامسة في شك الإمام، فإنه يتحقق الرجوع في كل منهما.

ج 12، ص: 409

و الظاهر جريان حكم الرابطة في الفرائض التي تبطل بنفس الشك فيها كالمغرب مثلا، فإنه إذا شك الامام بين كونها ثانية أو ثالثة و المأموم شك بين كونها ثالثة أو رابعة لم يلتفت كل منهما إلى شكه لمكان يقين الآخر، و بنيا على الثالثة، و كذلك في في الصبح لو شك أحدهما بين كونه واحدة أو ثانية و الآخر بين كونها ثانية أو ثالثة، فتأمل جيدا.

لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله محل للنظر و التأمل، لما فيه من تخصيص أدلة الشك إبطالا و حكما بتخريج غير ظاهر من النصوص و الفتاوى، بل الظاهر من

قولهم (عليهم السلام)(1): «إذا لم يسه الامام»

و «إذا حفظ من خلفه»(2)

حفظ عدد الصلاة غير غافل عنها لا أنه حافظ قدرا مشتركا و إن كان ساهيا بالنسبة إلى شي ء آخر بل بناء الامام على الثالثة في المثال لم يكن ليقين منه و لا ليقين من المأموم، فكونها ثالثة غير محفوظ منهما، و كذلك غيره، فكيف يسوغ له البناء عليها مع عدم الاحتياط، و يجترئ على تخصيص تلك الأدلة المحكمة بها، لا أقل من الشك، و كأنه لذا ربما ظهر من المحكي عن السهوية المنسوبة للمحقق الثاني الميل اليه، قال: «إذا شك المأموم بين الثلاث و الأربع و الامام بين الاثنتين و الثلاث قيل: فيه احتمالات: رجوع الإمام إلى يقين المأموم، و هو الثلاث، الثاني رجوعه إلى شك المأموم و هو الأربع، و الثالث وجوب الانفراد، لضعف الأول بالبناء على الأقل، و ضعف الثاني برجوعه إلى يقين المأموم لا إلى شكه» انتهى. لكن الاحتمال الثاني لا أعرف وجهه.

بل قد يرد عليهم أن المتجه على ما ذكروه عدم لزوم حكم الشك مع عدم الرابطة إذ لا مانع في المثال المفروض من بناء الامام على الثالثة من غير احتياط لمكان قطع المأموم أنها ليست ثانية، و بناء المأموم على الرابعة لمكان قطع الإمام أنها ليست خامسة


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 8.

ج 12، ص: 410

فلا يجب عليه سجود سهو في حال الجلوس، فتأمل، و احتمال أن المراد في ذكر الرابطة

بقاء الإتمام (1)الذي- لا يجري هنا، بل قد يمنع من أصله، لتعين الانفراد في المقام فلا يثمر ضبط أحدهما للآخر- يدفعه ظهور كلماتهم في عدم الاعتداد بحفظهما أصلا في الفرض، و أن الانفراد متأخر فلا يقدح في الضبط المتقدم، فتأمل.

و نحو ذلك أيضا يرد على ما وقع لهم من أنه إن تعدد المأمومون و اختلفوا هم و إمامهم فالحكم ما تقدم من الرابطة و عدمها، نعم يشترط أن يكون ما يرجع إليه الإمام من اليقين متفقا عليه عند جميع المأمومين، كما إذا شك الامام مثلا بين الاثنتين و الثلاث و أحد المأمومين بين الثلاث و الأربع و الآخر بين الثلاث و الخمس فإنهم جميعا يرجعون إلى الثالثة، لحصول اليقين من جميع المأمومين أنها ليست ثانية، و حصوله من الامام أنها ليست رابعة و لا خامسة، أما لو كان ذلك من بعض المأمومين كما لو كان الشك للإمام و بعض من خلفه بين الاثنتين و الثلاث و البعض الآخر بين الثلاث و الأربع فقد يقال حينئذ بوجوب الاحتياط على الامام و البعض الموافق له دون الآخر، لعدم إمكان رجوع الإمام إلى يقين بعض المأمومين أنها ليست ثانية، إذ الفرض موافقة البعض له في الشك، و من شرط جواز رجوعه حفظ من خلفه باتفاق، كما سمعته في المرسل (2)المنجبر بعمل الأصحاب كما قيل، بل هو ظاهر المصنف هنا و في النافع و عن غيره، و كونه في بعض النسخ بإيقان بدل «اتفاق» لا يقدح في الدلالة بعد ظهور لفظ «من» مع السؤال فيه، مع كون المشهورة الأولى، و لا

احتياط على البعض المخالف لمكان يقين الإمام أنها ليست رابعة، و يبقى الائتمام للجميع، و إنما يحصل الخلاف بعد الفراغ.

لكن في الروضة «و لو تعدد المأمون و اختلفوا فالحكم كالأول في رجوع


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« الائتمام».
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 8.

ج 12، ص: 411

الجميع إلى الرابطة، و الانفراد بدونها، و لو اشترك بين الامام و بعض المأمومين رجع الإمام إلى الذاكر منهم و إن اتحد، و باقي المأمومين إلى الامام» و فيه أولا ما عرفت من احتمال اشتراط رجوع الامام بحفظ جميع المأمومين، و إن كان عدمه لا يخلو من قوة لعدم معارضة الشاك للحافظ، و منافاته التخفيف المقصود بمشروعية هذا الحكم، ضرورة عسر علم الامام باتفاق الجميع، سيما مع كثرة المأمومين، و غير ذلك، و ثانيا لا دليل على وجوب رجوع باقي المأمومين إلى الامام في هذه الصورة، لعدم حفظه، و رجوعه التعبدي لمكان حفظ بعض المأمومين ليس يقينا و لا منزلا منزلته، هذا.

و يظهر من صاحب المدارك بل هو المنقول عن جده أيضا بل ربما تبعه عليه بعض من تأخر عنه أنه لا فرق في الحكم بين الأفعال و الركعات، بل نسبه في المدارك إلى الأصحاب، و هو لا يخلو من تأمل للشك في شمول الأدلة له.

أما الظانان فالظاهر أنه لا رجوع لأحدهما إلى الآخر ما لم ينقلب ظنه إلى الأقوى، بل الحكم أنهما إن اتفقا على محل الظن بقي الائتمام (1)أما إذا اختلف فقيل:

إنه يتعين الانفراد، و هو جيد إن كان المراد عند محال الافتراق، و إلا فلا مانع من بقاء الائتمام (2)قبله، و لا يقدح فيه اختلافهما، فتأمل.

هذا كله في السهو بالنسبة إلى كل من الامام و المأموم بمعنى الشك، أما السهو بالمعنى المتعارف فهو إما أن يختص بالإمام أو المأموم أو يشتركا فيه، أما الأول فالظاهر أنه لا إشكال في جريان جميع الأحكام المتقدمة سابقا بالنسبة إلى المنفرد عليه، لعموم الأدلة، فإذا سها عن ركن زيادة أو نقيصة بطلت صلاته، أو سها عن شي ء كان في المحل وجب عليه التدارك، و إن تجاوز و كان مما يقضى قضاه، و إن كان مما يوجب سجود سهو وجب عليه من غير خلاف أجده في جميع ذلك، و ما في بعض العبارات من إطلاق


1- 1 و في النسخة الأصلية« الإتمام» لكن الصواب ما أثبتناه.
2- 2 و في النسخة الأصلية« الإتمام» لكن الصواب ما أثبتناه.

ج 12، ص: 412

أن لا سهو على الإمام كإطلاق بعض الأخبار(1)مراد منه الشك كما هو واضح، نعم ذكر الشيخ في المبسوط و عن الوسيلة و السرائر أنه يجب على المأموم متابعته في سجود السهو و إن لم يفعل موجبه، بل فيه إن سبقه الامام للسجود بنقص صلاته جاء به المأموم بعد ذلك، بل فيه إن ترك ذلك الامام عمدا أو سهوا وجب على المأموم الإتيان بهما، نعم قال (رحمه الله):

«إن دخل المأموم في صلاة الامام و قد كان سبقه بالركعة أو الركعتين فان كان سهو الامام فيما قد مضى من صلاته التي لم يأتم بها المأموم فلا سجود للسهو على المأموم، و إن كان سهوه فيما ائتم به وجب على المأموم السجود».

لكن الأشهر بين المتأخرين كما في الرياض، و المشهور بين الأصحاب كما في الذخيرة اختصاص سجود السهو بالإمام دون المأموم، و هو الأقوى في النظر، للأصل من غير معارض سوى ما قيل من عموم ما دل على وجوب متابعة المأموم الإمام الممنوع في مثل سجود السهو، لخروجه عن الصلاة، مع عدم جريانه في بعض ما ذكره من الصور لعدم وجود المتابعة فيها، و

الموثق (2)«عن الرجل يدخل مع الامام و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الامام كيف يصنع؟ فقال: إذا سلم الامام سجد سجدتي السهو و لا يسجد الرجل الذي دخل معه، و إذا قام و بنى على صلاته و أتمها و سلم سجد الرجل سجدتي السهو»

الذي هو- مع مخالفته المشهور بين أصحابنا، و موافقته للمشهور بين العامة، بل في المنتهى أنه مذهب فقهاء الجمهور كافة- محتمل لاشتراكهما في السهو، و لذا استدل به العلامة في المنتهى عليه، و طريق الاحتياط غير خفي.

ثم على وجوب المتابعة فلا يجب على المأموم بمجرد أنه يراه يسجد للسهو إذا لم يعلم بوقوع السبب الموجب لاحتمال كونهما ليسا

لسبب موجب، أو أنهما للسهو في صلاة سابقه كان قد نسيه أو غير ذلك، لكن عن الشهيد في الذكرى وجوبه، لأن الظاهر منه أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.

ج 12، ص: 413

يؤدي ما وجب عليه مع عدم مشروعية التطوع بهما، و فيه نظر يعرف مما سبق، مع إمكان منع عدم مشروعية التطوع بهما، فإنه قد يحمل بعض الأخبار المشتملة عليهما عليه لمكان المعارض.

و أما إذا اختص السهو بالمأموم فالظاهر أنه لا إشكال في جريان حكمه عليه في غير سجود السهو و قضاء ما يتدارك بعد الصلاة، فلو نقص ركنا أو زاد في غير المستثنى بطلت صلاته، و يجب عليه أن يتدارك المنسي ما دام لم يدخل في ركن آخر، لإطلاق الأدلة، بل قد يقال: إنه إذا دخل في ركن سهوا بزعم دخول الامام فيه فبان عدمه فرجع إلى حال الامام وجب تدارك المنسي، و لا يقدح ذلك الدخول، و ما في بعض العبارات كبعض الأخبار من نفي السهو عن المأموم مراد منه غير ذلك، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها.

و أما قضاء السجدة و نحوها فالمشهور بين الأصحاب على ما حكي أنه يجب عليه القضاء، و به صرح في التذكرة و البيان و السهوية المنسوبة للمحقق الثاني، و هو المنقول عن غيرها، لعموم ما دل على القضاء السالم عن المعارض سوى ما تسمعه في سجود السهو خلافا لما عن المعتبر، فلا قضاء عليه، و الأول هو الأقوى.

و أما سجود السهو فالظاهر لا خلاف في أنه لا يجب على الإمام شي ء حينئذ، كما في المنتهى و عن مجمع البرهان و الغرية الاعتراف به للأصل و غيره، لكن هل يجب مع ذلك على المأموم أولا؟ قولان، و في الرياض «أن الأول هو الأشهر بين المتأخرين» و عن بعضهم أنه المشهور إلا أنه لم أعثر على مفت قبل العلامة (رحمه الله) في المنتهى و التحرير، و عن المختلف و في التذكرة لو قيل به لكان وجها، و من هنا حكي عن كشف الالتباس أن المشهور الثاني، بل في الخلاف الإجماع عليه، بل قيل و تبعه عليه بعض من تأخر عنه كالمصنف و العلامة و أبي العباس و الشهيدين في الذكرى و المقاصد

ج 12، ص: 414

و نقله في المنتهى عن المرتضى في المصباح، و في المفتاح أنه ظاهر الفقيه و المقنع و كذا الكافي، كصريح جمل العلم و العمل، بل عن كشف الالتباس أنه لم يقل بالأول إلا العلامة وحده، و تبعه في موضع من الموجز، و في آخر وافق الأصحاب.

و كيف كان فحجة الأول- مضافا إلى ما دل على وجوب السهو(1)بأسبابها من غير تفصيل و إلى الموثق السابق- خصوص

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم قال: يتم صلاته ثم يسجد سجدتين»

و الظاهر أن الرجل مأموم، و

خبر منهال القصاب (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أسهو في الصلاة و أنا خلف الامام قال: فقال: إذا سلم فاسجد سجدتين و لا تهب»

و ما سمعت من الشهرة المحكية جابرة لما يقال في السند و الدلالة.

حجة الثاني بعد الإجماع المعتضد بالشهرة المحكية خصوص

الموثق (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل سها خلف الامام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا و لم يكبر و لم يسبح و لم يتشهد حتى سلم فقال: قد جازت صلاته و ليس عليه شي ء إذا سها خلف الامام، و لا سجدتا السهو، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه»

و لعله لما أشار إليه ذيل الخبر يمكن الاستدلال أيضا عليه بما عن

الصدوق من خبر محمد ابن سهل (5)عن الرضا (عليه السلام)، قال: «الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الإحرام»

و بتبديل الإحرام بالافتتاح على ما عن الكليني و الشيخ، و ربما


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصواب« سجدة السهو».
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.

ج 12، ص: 415

استدل عليه بما تقدم سابقا من الأخبار المتضمنة أن ليس على الامام سهو إذا حفظ من

خلفه، و أن ليس على المأموم سهو إذا لم يسه الامام.

و هو لا يخلو من قوة و إن كان الأول أقوى، لما عرفت من معارضة الموثق بأصح منه سندا المعتضد بغيره، و العمومات في سجود السهو مع ترجيحه عليه بمخالفته لما أطبق عليه الجمهور إلا مكحولا كما حكاه في المنتهى، و الرشد في خلافهم، و معارضة ما اشتمل عليه من التعليل بما تضمنته الأخبار(1)الأخر من أن الامام لا يضمن صلاة المأموم، و منها مطلق فيما عدا القراءة(2)و في بعضها ما يشير إلى مذهب العامة في ذلك ك

صحيح معاوية بن وهب (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أ يضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن، فقال: لا يضمن، أي شي ء يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو غير متطهر»

و بذلك يعرف الحال في

قوله (عليه السلام): «الامام يحمل أوهام من خلفه»

مع عدم العمل بها في غير سجود السهو، و لعل المراد منه رجوعهم اليه عند الشك، و أما ما دل على نفي السهو فالظاهر إرادة الشك بقرينة

قوله عليه السلام (4): «و ليس على الامام سهو»

على أن إرادة الشك مقطوع بها، فيمتنع إرادة غيره معه، إذ لا وجه له حينئذ إلا المجازية، و لا قرينة، اللهم إلا أن يجعل السهو من المتواطئ بالنسبة إلى الشك و غيره، و هو بعيد، كل ذا مع موافقته للاحتياط المطلوب في العبادة فحينئذ لو سلم المأموم قبل الامام لظنه سلامه فبناء على عدم الاجتزاء به يجب عليه سجود السهو كما عن التذكرة، خلافا لما عن الذكرى من أنه يعيد المأموم التسليم و لا سجود عليه، و هو ضعيف، أما لو اشترك السهو بينهما عملا معا بمقتضاه، و لو تركه أحدهما


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 416

لا يسقط عن الآخر، قيل: و المأموم مخير بين إتيانه به مع الإمام بنية الائتمام و بين الانفراد، و لعل الثاني أولى، لعدم ثبوت مشروعية الائتمام فيه بعد خروجه عن الصلاة فوجوب المتابعة لا يشمله قطعا، و إن كان هو لازم من أوجبه على المأموم تبعا لمجرد عروض السبب للإمام، ضرورة أولوية العروض لهما منه، لكنه ضعيف جدا.

[في حكم كثير الشك و السهو]

و لا حكم للسهو مع كثرته كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الحدائق و الرياض، و مع ذلك فللمعتبرة المستفيضة، منها

حسنة زرارة و أبي بصير(1)أو صحيحتهما، «قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا

يدري كم صلى و لا ما بقي عليه، قال: يعيد، قلنا: يكثر عليه ذلك كلما عاد شك قال: يمضي في شكه، ثم قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود به، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه، قال زرارة: ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»

و منها

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان»

و عن الفقيه «فدعه» مكان «فامض في صلاتك» و منها

خبر ابن سنان (3)عن غير واحد عن الصادق (عليه السلام) «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»

و منها

الموثق (4)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أ ركع أم لا، و يشك في السجود فلا يدري أ سجد أم لا، فقال: لا يسجد و لا يركع، يمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا»

إلى غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 417

و ظاهرها كالفتاوى إرادة البناء على وقوع المشكوك فيه و عدم الالتفات للشك من عدم الحكم للسهو، بل صرح به في الرواية الأخيرة، و هو المراد بالمضي في الصلاة حينئذ الواقع في غيرها، بل اليه يشير التعليل السابق زيادة على ذلك من غير فرق بين الأعداد و الأفعال، و لا بين الشك المفسد و غيره، و لا بين الثنائية و غيرها، نعم ذلك كله حيث لا يؤدي البناء على الوقوع فسادا، أما إذا أدى إلى ذلك كأن يكون الشك كثيرا في الأربع و الخمس مثلا أو زيادة الركوع فإنه حينئذ يبني على الأقل كما صرح به بعضهم، و كأنه للأصل و لما يظهر من إطلاق الفتوى عدم الحكم له، و من الأدلة أن ذلك تخفيفا على المكلف و رغما لأنف الشيطان، فيتعين حينئذ البناء على المصحح هنا، لكن عن الأردبيلي التخيير بين البناء على ما ذكرنا من البناء على الأكثر إلا إذا استلزم فسادا و بين البناء على مقتضى الشك إن فسادا ففسادا و إن احتياطا فاحتياطا، و عن الشهيد في الذكرى احتمال عدم الالتفات لكثير الشك رخصة، فيجوز أن يعمل على مقتضى الشك، فيتلافى إن كان في المحل مثلا، و في السهوية المنسوبة للمحقق الثاني التخيير لكثير السهو بين البناء على وقوع المشكوك فيه و بين البناء على الأقل و يتم صلاته.

إلا أن الجميع مخالف للظاهر من النص و الفتوى من غير مستند، و قوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدم «يعيد»- مما عساه يستدل به للأردبيلي بتقريب أن الجمع بينه و بين

قوله (عليه السلام): «يمضي في شكه»

يقتضي التخيير- فيه- مع عدم شموله لتمام المدعى، و عدم الشاهد عليه في المقام- انه محتمل لإرادة الكثرة في أطراف الشك:

أي لا يدري واحدة أم ثنتين أم ثلاثا أم أربعا بقرينة

قوله عليه السلام: «حتى لا يدري كم صلى و لا ما بقي عليه»

لا الكثرة المبحوث عنها في المقام، و لذا لما ذكر السؤال عنها أجاب (عليه السلام) بأنه يمضي في شكه، فلا يجسر بمجرد ذلك على مخالفة الظاهر من النص و الفتوى و ارتكاب المجاز في مثل

قوله (عليه السلام): «يمضي في صلاته»

و قوله عليه السلام:

ج 12، ص: 418

«لا يعد»

و نحو ذلك مما فيه خروج عن أصول المذهب، هذا، و لم أجد في الأدلة ما يدل على ما ذكره الشهيد و المحقق الثاني إلا مجرد كونه احتمالا في الدليل، فلا يصلح للفقيه البناء عليه، و حينئذ لو تلافى ما شك فيه فالظاهر بطلان صلاته، لكونه زيادة منهيا عنها إلا حيث يكون الفعل المشكوك فيه مما يصح فعله في الصلاة كالقراءة، فله أن يأتي بها لا بنية الجزئية بل بنية القربة، فتأمل.

و هل المراد بلفظ السهو الموجود في العبارة و غيرها من النص و الفتوى مجرد الشك أو هو و السهو بالمعنى المتعارف؟ وجهان بل قولان، أظهرهما الأول، للقطع بعدم إرادة المعنى الحقيقي من لفظ السهو، بل المراد إما الشك أو المعنى الشامل له و للحقيقي على عموم المجاز، فالمتيقن حينئذ إرادة الشك، فيقتصر عليه، و بمجرد احتمال إرادة غيره معه لا يهجم على تخصيص ما دل على حكم السهو الشامل للمقام، و دعوى أن التعميم أقرب المجازين للحقيقة فيتعين الحمل عليه لذلك ممنوعة، و ما عساه يقال- لا داعي إلى ارتكاب المجاز في لفظ السهو، لاشتمال الأدلة على الشك و السهو، فيستدل على الأول بما دل على حكمه فيها، كخبري أبي بصير(1)و عمار(2)المتقدمين، و تبقى أخبار السهو له خاصة فلا تجوز فيه- يدفعه أنه و إن كان محتملا بالنسبة للأخبار، لكنه غير محتمل بالنسبة إلى كلام الأصحاب، لتعبيرهم عن هذا الحكم بلفظ السهو، و هو العمدة في المقام، بل مما يؤيد حمل لفظ السهو على الشك زيادة على ما عرفت نقل الإجماع إن لم يكن محصلا على أن جميع أحكام السهو من تلافي المسهو عنه إن كان في المحل، و عدم تلافيه في خارجه و القضاء خارج الصلاة لو كان سجدة و نحوها، و بطلان الصلاة لو كان ركنا إلى غير ذلك تجري بالنسبة إلى كثير السهو كما اعترف به من عمم لفظ السهو لهما كالشهيد في الروضة و غيره، فلم يبق حينئذ معنى لانتفاء حكم السهو سوى سقوط سجدتي السهو،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 12، ص: 419

و في استفادة ذلك من الأدلة نظر، لاشتمالها على

قوله (عليه السلام): «فامض في صلاتك»

و نحوه، و لا دلالة فيه على سقوطهما، لأن الأمر بالمضي في الصلاة لا ينافي وجوبهما خارجها.

و قال في الرياض في الجواب عن ذلك: «إن المراد من نفي حكم السهو نفي موجبه، و هو ليس إلا سجدتا السهو، لأن تدارك المسهو عنه في الصلاة أو في خارجها لم ينشأ من السهو حتى يكون ذلك من جملة أحكامه، بل نشأ من عموم الأدلة الموجبة له، فلا موجب للسهو حينئذ إلا السجدتان، فيسقطان، فيتجه حينئذ نفي الحكم عن السهو لكثيره، و كذا فساد الصلاة كما إذا سها عن ركن لم ينشأ من نفس السهو، بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته» و فيه أن هذا الكلام بعينه يمكن أن يجري بالنسبة إلى الشك أيضا، فيقال: إن المراد من نفي الحكم عنه نفي موجبه، و ليس إلا الركعات الاحتياطية و السجود، و أما تلافي المشكوك فيه فليس منه، بل هو من جهة أصالة عدم الإتيان، فيبقى مخاطبا به، فينبغي أن يتلافى مع الكثرة، فإنه لا معنى للتفرقة، مع أن المؤدى لهما عبارة واحدة، و هي لا حكم للسهو مع الكثرة، و أيضا دعوى أن تدارك السجدة المنسية و التشهد المنسي خارج الصلاة ليس من موجب السهو في غاية البعد، إذ الدليل الأول غير شامل لمثل ذلك قطعا، بل قد يقال أيضا بالنسبة إلى تدارك المنسي في الصلاة إنه ليس مشمولا للدليل الأول، ضرورة وجوب السجود قبل القيام، فإذا قام سهوا لم يشمله الدليل الأول، و لذا كان مقتضى القاعدة الفساد، نعم لما دل الدليل أنه يجب عليك السجود و قلنا به فهو مما وجب للسهو، و إن كان لا يخلو من نظر، بل لا يخفى (1)على الناظر نحو قوله للأدلة «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك و لا


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الظاهر أن في العبارة تقديم و تأخير و الصواب أن يقال: «بل لا يخفى على الناظر للأدلة نحو قوله ع.».

ج 12، ص: 420

تعد» أن المراد منها عدم الالتفات إلى المسهو عنه، فلو أريد بلفظ السهو ما يشمل الحقيقي لوجب الالتزام بعدم وجوب الالتفات إلى المسهو عنه ركنا كان أو غيره إذا كان كثير السهو، فيقتصر حينئذ على ثلاث للظهر مثلا إذا سها عن الرابعة إن كان كثير السهو و إن ذكر ذلك قبل الخروج من الصلاة، و قد التزم بذلك كله صاحب الحدائق حيث رجح إرادة ما يشمل الشك و المعنى الحقيقي من لفظ السهو، و هو كما ترى منشأه الخلل في الطريقة و الاعراض عن كلمات الأصحاب و إجماعاتهم، فحينئذ يقتصر في الحكم على الشك، و لا يتعدى منه إلى السهو، فيجب السجدتان و غيرهما تحكيما لأدلتهما السالمة عن المعارض، و ما يقال: إن تلك الأدلة ظاهرة فيما إذا كان السهو جاريا على حسب الغالب في الناس لا فيما إذا كان خارجا عن أغلبهم، فيشك في شمول الأدلة لمثل المقام ضعيف، و إلا لجرى بالنسبة إلى تدارك المنسي في الصلاة و خارجها، و هو لا معنى له، فالأدلة بإطلاقها شاملة للمقام قطعا.

و أما سقوط سجود السهو الذي يوجبه الشك فلا إشكال فيه، و ما يقال: إن الأمر بالمضي و نحو ذلك لا يدل عليه ضعيف، و إلا لجرى في مثل ركعات الاحتياط، بل الظاهر من الأخبار أن هذه الكثرة من الشيطان، فلا يعمل بموجبها حتى لا يطاع فلا يعود، كما هو واضح.

و لو كثر شكه في فعل بعينه كالركوع مثلا فهل يعد كثير الشك بذلك، فيجري عليه حكمه بالنسبة إلى غيره من الأفعال و الأعداد أو يقتصر عليه فقط؟ وجهان، قد اختار أولهما في المدارك و الرياض و عن غيرهما، للإطلاق المؤيد بالتعليل بأن ذلك من الشيطان، و الأقوى الثاني لأنه المتبادر من النصوص، لظهورها في عدم الالتفات إلى ما كثر سهوه فيه، و ما ذكر من التعليل فهو للثاني أولى منه للأول، فتبقى الأدلة الأول على حكم الشك محكمة، بل يحتمل اختصاص الحكم بالنسبة إلى الركعات، فمن كان كثير

ج 12، ص: 421

الشك في ركوع الأولى مثلا لا يكون كذلك بالنسبة للثانية، كما هو محتمل أيضا بالنسبة إلى الفرائض، فمن كان كثير الشك في ركوع ركعات الصبح مثلا لا يتعدى منه بالنسبة إلى الظهر.

و مما ذكرنا يظهر الحكم فيما لو كان كثير الشك في الشي ء حيث لا حكم له كأن يشك في الركوع مثلا بعد تجاوز المحل، أو يشك كم صلى بعد الفراغ و نحو ذلك، فإنه لا يكون بذلك كثير الشك لا فيه و لا في غيره، فلو شك في الركوع قبل التجاوز تلافى لما سمعت سابقا، و للأمر بالمضي في الصلاة الظاهر في عدم الالتفات حيث يكون له حكم، بحيث لو لم يكن كثيرا لجاء به، و لو لا فهم الأصحاب التعميم لمطلق الشك لأمكن الاستظهار من بعض الأدلة قصر الحكم أعني عدم الالتفات في الشك المفسد الموجب للإعادة، لا فيما جعل الشارع له علاجا، كالشك بين الثلاث و الأربع مثلا.

و المدار على كثرة السهو في الصلاة لا الكثرة في نفسها، فمن كان كثير السهو في نفسها إلا أنه في الصلاة ليس كذلك جرى عليه حكمه، كما ينبئ عنه الموثق (1)المتقدم و غيره، فتأمل.

ثم الذي يظهر من أدلة المقام أنه لا يجب على كثير السهو ضبط صلاته بنصب قيم أو بالحصى أو بالخاتم و نحو ذلك من التخفيف و غيره و إن كان متمكنا منه، حتى لو علم أنه يعرض له ذلك في صلاة يريد أن يشرع بها لم يجب عليه ذلك، و ما في بعض الأخبار(2)من الأمر بالادراج لكثير السهو أي ثلاث تسبيحات في الركوع و السجود كناية عن التخفيف، و الأمر بالإحصاء بالحصى محمول على إرادة بيان علاج


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3 و الباب 28 منها.

ج 12، ص: 422

السهو، أو ان (1)ذلك مما ينبغي، كما يشعر به

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي(2): «ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو»

و نفي البأس في

خبر المعلى (3)سأل الصادق (عليه السلام) فقال له: «إني رجل كثير السهو فما أحفظ صلاتي إلا بخاتم أحوله من مكان إلى مكان، فقال: لا بأس به».

أما من كان كثير الظن أو القطع فالظاهر البناء على ظنه و قطعه إلا إذا كان ما استفاد منه الظن أو القطع معلوما و كان لا يستفاد منه ذلك عند العقلاء، فإنه حينئذ يشكل البناء عليه.

و يرجع في تحقق مسمى الكثرة إلى ما يسمى في العادة كثيرا كما صرح به جملة من الأصحاب، بل قيل: إنه مذهب الأكثر، كأن يسهو مثلا في كثير من أفعال صلاة واحدة أو يشك فيها شكا مفسدا فيعيدها فيشك ذلك الشك و هكذا، لأنها المحكمة فيما لم يرد فيه بيان من الشارع، و تحديده بالثلاث في

الصحيح (4)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو»

مع ما فيه من الاجمال المسقط للاستدلال قد قيل: إن أظهر ما يراد منه أن لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية، و هو غير مناف للعرف، بل لعله بيان له و ليس حصرا، لكن فيه أن مجرد تحقق السهو في ثلاث لا يتحقق به الكثرة مع اختلاف المحل، فلعل الأولى إرادة السهو في كل شي ء من جزء أو غيره ثلاث مرات:


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب «و أن» و إلا لزم أن يكون ما قبل «أو» على وجه الوجوب.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2 و هو خبر حبيب بن المعلى.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.

ج 12، ص: 423

أي بأن يسهو في الركوع مثلا ثلاث مرات و لو في ضمن ثلاث صلوات مع احتمال الاقتصار على الفريضة الواحدة، لكن الأقوى خلافه خلافا للمنقول عن ابن حمزة من تحقق الكثرة بأن يسهو ثلاث مرات متوالية، و لعل مراده في شي ء واحد كالركوع مثلا من غير تخلل ركوع معلوم الذكر، و لا يريد الحصر بل يكون بيانا لبعض مصداق العرف، و إلا فلا حجة له سوى ما سمعت من الرواية على إجمالها.

و لعله الذي أراده المصنف بقوله و قيل بأن يسهو ثلاثا في فريضة إذ لم أعثر على من نقل هذا غيره، و لابن إدريس (1)فتحقق بأن يسهو في شي ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات أو في أكثر الخمس أعني الثلاث فيها، فيسقط في الفريضة الرابعة، و هو الذي أشار المصنف اليه بقوله و قيل بأن يسهو مرة في ثلاث فرائض و لا مستند له فيما أجد سوى ما سمعت، و لعل مراده بيان تحديد العرف، فيرتفع النزاع و إن كان في انطباقه إشكال و الأول أظهر لما عرفت، و لو شك في تحقق الكثرة بنى على عدمها للأصل، كما لو شك في زوالها بعد تحققها لذلك، إذ كما أن المرجع في تحققها إلى العرف كذلك هو المرجع في زوالها بحيث يصدق عليه أنه ليس كثير الشك في ذلك، نعم على تقدير التحديد بالثلاث يحتمل أن يكون المدار في زوالها على سلامة الثلاث أيضا، فتأمل جيدا.

[المسألة الخامسة من شك في عدد النافلة]

المسألة الخامسة من شك في عدد النافلة بنى على الأكثر أو الأقل مخيرا بينهما كما صرح به جماعة، بل في المصابيح و عن المعتبر الإجماع عليه، بل في الرياض إجماعا على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا، بل في مفتاح الكرامة عن الأمالي عد من دين الإمامية أن لا سهو في النافلة، فمن سها فيها بنى على ما شاء، بل فيه أيضا عن ظاهر التهذيب الإجماع عليه أيضا، حيث قال: «عندنا» بل ربما حكي


1- 1 معطوف على قوله قده: «للمنقول عن ابن حمزة».

ج 12، ص: 424

أيضا عن المنتهى الإجماع عليه مستثنيا ابن بابويه حيث جوز البناء على الأقل و الإعادة إلا أني لم أجد شيئا من الإجماع و الاستثناء فيه، و ظني أنه وهم.

نعم في التذكرة «لا حكم للسهو في النافلة، و لو شك في عددها بنى على الأقل استحبابا، و إن بنى على الأكثر جاز، و لا يجبر سهوه بركعة و لا سجود عند علمائنا أجمع» و قد يستفاد من تفريعه حكم الشك على نفي حكم السهو في النافلة نحو ما سمعته من الأمالي بل و غيرها من عباراتهم أنه المراد أو بعضه من مثل هذه العبارة، فيكون حينئذ معقد إجماع الغنية حيث حكاه على نفي حكمه في النافلة و كثير الشك و جبر السهو و غيرها بل و الخلاف أيضا، حيث قال: «لا سهو في النافلة، و به قال ابن سيرين، و قال باقي الفقهاء: حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو، دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا الأصل براءة الذمة، فمن أوجب حكما فعليه الدليل، و أخبارنا في ذلك أكثر من أن تحصى» انتهى.

بل و منه تظهر دلالة

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) عليه أيضا، قال: «سألته عن السهو في النافلة فقال: ليس عليك شي ء»

أو «سهو» على ما عن نسخة أخرى المعتضد

بالخبر(2)«لا سهو في نافلة»

إذ المراد بالسهو فيه الغفلة الشاملة لحال الشك، كما هو ظاهر غيره من الأخبار التي عبرت به عنه كما تسمع بعضها فنفيه حينئذ على إحدى النسختين الذي يراد به نفي حكمه أو نفي شي ء عليه على النسخة الأخرى ظاهر في إرادة التعريض به لحكم الفريضة التي يكون حكمه فيها الجبر بعد البناء على الأكثر إن كانت رباعية، و البطلان إن كانت ثنائية، فالنفي حينئذ شامل لهما أي


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 425

لا بطلان و لا جبر مع البناء على الأكثر، لكن تنحصر حينئذ دلالته على البناء على الأكثر و لعله الذي فهمه منه الكليني، و لذا قال بعد روايته الصحيح المزبور: و روي أنه إذا سها في النافلة بنى على الأقل، إلا أنه لا بأس به للاكتفاء في جواز البناء على الأقل حينئذ بالأصل و المرسل المزبور بعد صرف ظهور تعيين البناء فيه على الأقل إلى التخيير جمعا أو الأفضلية و نحوها، أو يقال: إن التخيير لازم للنفي المذكور في الصحيح المزبور، ضرورة اندراج ما عداه من البطلان أو تعين الأكثر أو الأقل في المنفي على النسختين، سيما الأولى منهما، لصدق وجوب شي ء حينئذ عليه و كونه حكما للسهو، و لعله لذا استدل بالصحيح المزبور في مصابيح العلامة الطباطبائي على التخيير بعد الإجماع كما أنه أيده به في المنتهى.

و كيف كان فما عساه يلوح من المدارك بل و الذخيرة- من التوقف في جواز البناء على الأكثر، لوضوح ضعف ما ذكره بعضهم دليلا له من جواز قطع النافلة اختيارا الذي من المعلوم صدور مثل ذلك منهم عند وضوح الحكم في المسألة- مما لا يصغى اليه بعد ما عرفت، مضافا إلى إمكان دعوى استفادة جواز البناء على الأكثر هنا من ثبوته في الفريضة، بل ربما كان في أدلته هناك ما يشمل المقام، فلا ينبغي التوقف حينئذ في التخيير.

و لكن إن بنى على الأقل كان أفضل كما صرح به غير واحد، بل في الرياض لا خلاف فيه يظهر، بل قد يظهر من الذخيرة و عن غيرها الإجماع عليه، بل في المدارك لا ريب فيه، بل في المصابيح و عن المعتبر الإجماع عليه صريحا عملا باليقين و أخذا بالأشق، و للمرسل السابق، بل يتعين البناء على الأقل حيث لا يصح الأكثر كما صرح به بعضهم فيما إذا شك في الموظف و الزائد أو الزائد و الناقص حتى لو قلنا بجواز قطع النافلة، فإن القطع غير البناء، و إطلاق الأصحاب التخيير منزل على غير ذلك مما يصح الفعل بكل منهما قطعا، فما عن بعضهم- من احتمال إبقاء الإطلاق على حاله بحيث يشمل

ج 12، ص: 426

الأقل و الأكثر مع الصحة و عدمها، و يتعين عليه حينئذ الإعادة لو اختار الثاني- كما ترى ضعيف جدا، خصوصا لو قلنا بحرمة قطع النافلة، فلو شك في الوتر حينئذ بنى على الركعة و لم تبطل بالإجماع المحكي في المصابيح إن لم يكن محصلا، لكن في المعتبرة(1)الأمر بإعادتها مع الشك، و ينبغي حملها على الوجوب بالعارض أو على إعادتها بالشك بين الاثنتين و الثلاث في الثلاثة المفصولة، فإنه حينئذ شك في وقوع المفردة، فتعاد كما يعاد غيرها من النوافل بالشك في الوقوع، إذ احتمال إرادة التخيير أيضا بالنسبة إليه بحيث لو شك في أنه صلى من نوافل الزوال أو صلاة الليل مثلا أربعا أو ستة كان مخيرا أيضا بعيد جدا، بل كأنه مقطوع بعدمه.

نعم لا فرق في الحكم المزبور بين النوافل كلها ثنائيها كما هو المعظم منها و ثلاثيها كالوتر على القول بأنها ثلاث ركعات يجوز فيها الوصل و رباعيها كما في صلاة الأعرابي بل و صلاة جعفر (عليه السلام) على ما أرسل عن بعض القول به فيهما، بل عن الشيخ أنه روى في المصباح في صلاة ليلة الجمعة صلاة أربع ركعات لا يفرق بينها و إحدى عشر ركعة بتسليمة واحدة و إن كان في ذلك منع ليس ذا محله، بل قيل: إن المشهور المجمع عليه في السرائر المعهود في الشرع تثنية سائر النوافل عدا الوتر و صلاة الأعرابي، للأمر بالفصل بالتسليم في الكل، و النهي عن الوصل بينها في النص، و لتمام البحث فيه محل آخر.

و كيف كان فيندرج هنا في النافلة حيث كان المراد بها ما قابل الفريضة بالنسبة للتخيير المذكور صلاة العيد مع اختلال شرائط الوجوب كما صرح به العلامة الطباطبائي في مصابيحه، بل عن الشهيد الثاني (رحمه الله) التصريح به في الروض معللا له بأنها نافلة في هذا الحال، بل قيل: إنه مقتضى كلام الفاضلين أيضا و غيرهما حيث قيدوا بطلانها بالشك إذا كانت فرضا، بل في المصابيح التصريح باندراج المعادة ندبا بإدراك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7 و 14 و 15.

ج 12، ص: 427

الجماعة أو احتمال الخلل أو وجود المخالف أو غيرها من الأسباب المخصوصة المقتضية لاستحباب الإعادة في مواردها المنصوصة يومية كانت أو غيرها كالكسوف المعادة قبل الانجلاء في حكم النافلة أيضا، بل قال فيها: «و كذلك الصلوات المتبرع بها عن الأموات و الواقعة بالمعاطاة من غير لزوم» و لعله لإطلاق النص و الفتوى، فإنها في جميع ذلك نافلة و ليست بفريضة و إن لم نشترط في صدق المشتق بقاء المبدأ، لاختلاف الموضوع في الصلاتين، فإن المعادة غير الأولى، و الواقعة نفلا غير الواقعة فرضا، مع طريان الوصف المضاد المانع من الصدق على تقدير الاتحاد.

لكن لا يخفى عليك أن ذلك جميعه محل للنظر و التأمل خصوصا اليومية منها، و خصوصا التبرعية و الاحتياطية منها، للشك في تناول الإطلاق لها، بل قد يدعى ظهور سائر أدلة أحكام الشك و نحوها في تعلقها بذوات هذه الصلوات من غير مدخلية للفرض و النفل فيها حتى لو وقعت من الصبي بناء على شرعية عباداته كباقي أحكام السهو و النسيان و الزيادة و النقصان و قراءة السورة و اشتراط القيام و الاستقبال و الاستقرار و حرمة القطع و نحوها، كما لا يخفى على من لاحظها، بل ليس في شي ء منها ظهور في لحوق شي ء من أحكام الشك للفريضة من حيث كونها فريضة، بل إن كان ذكر مثل هذا الوصف في شي ء منها فهو خارج مخرج الغالب، على أن في جملة من نصوص الشك (1)تعليق الحكم على اسم المغرب و الغداة و نحوهما الشامل للفرض و النفل، و دعوى ظهورها في الأول ليس بأولى من دعوى ظهور النافلة في غيرها، لا أقل من ثبوت التعارض المقتضي لمراعاة الاحتياط، إذ ترجيح إطلاق النفل عليه بالأصل و العمومات و ظاهر الأصحاب و ثبوت حكم النافلة لما يستحب من سائر الصلوات كالعيد و الكسوف و الطواف و حكم الفريضة للنافلة الملتزمة بالنذر و غيره الذي يفهم منه دوران حكم الشك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 428

على وجوب المشكوك فيه و ندبه من غير فرق بين اليومية و غيرها كما ترى بين معارض و بين ممنوع، بل لا يبعد دعوى نظير ذلك في النافلة أيضا، فيقال بثبوت جميع أحكامها لها و إن عرض لها الوجوب بنذر أو أمر سيد أو والد أو إجارة أو نحوها، إلا ما علم تبعيته للنفل من حيث كونه نفلا كالتطوع في الوقت و نحوه لا غيره مما علم عدمه، أو لم يعلم كالشك و عدم وجوب قراءة السورة و نحوه، خصوصا الأحكام الموافقة للأصل الذي ينبغي الرجوع اليه عند الشك في شمول كل من دليلي الفريضة و النافلة لها، و دعوى ظهور التعليق على النافلة في العدم عند عدم الوصف- و إن سلم عدم ظهوره في ذلك فلا ريب في عدم استفادة مساواة حكم المفهوم للمنطوق منه- يدفعها عدم حجية مفهوم الوصف أولا و خصوص الخارج مخرج الغالب منه، و خصوصا بالنسبة إلى زائل الوصف من موضوع المنطوق، بل الظاهر في مثله جريان الاستصحاب بعد الشك في مدخلية الوصف في الحكم لاحتمال إرادة ذات الموضوع غير المقيد بدوام الوصف، بل لعل أكثر موارد الاستصحاب من هذا القبيل، و ليس هو من تغير الموضوع بعد فرض عدم معلومية مدخلية الوصف فيه، كما أنه لا يحتاج بعد الاستصحاب في ثبوت الحكم المزبور إلى دعوى صدق المشتق، ضرورة ثبوت الحكم حينئذ و إن صح سلب اسم النافلة عنه، للاستصحاب الذي لا ينافيه انتفاء حكم المشتق من حيث انتفاء الصدق، لعدم توقف حجيته على شي ء من ذلك، و لتحريره زيادة على ما سمعت مقام آخر إن شاء الله.

هذا كله في الشك في العدد، أما الشك في الأفعال فيقوى في النظر مساواة النافلة فيه الفريضة، فيتدارك مع بقاء المحل، و لا يلتفت مع خروجه، وفاقا للمدارك و عن الروض و فوائد الشرائع، بل تشعر عبارة الرياض بكونه إجماعيا، تحكيما للقاعدة المستفادة من الأخبار فيه المؤيدة في الجملة بالاعتبار المحكمة غاية الأحكام الظاهرة في عدم الفرق فيه بين النافلة و الفريضة، بل و غيرهما من العبادات و غيرها إلا ما خرج

ج 12، ص: 429

بالدليل كالوضوء على نفي السهو في الصحيح المتقدم و نحوه لو قلنا بشموله لنحو المقام، و إلا فقد يمنع و يدعى أن التدارك في المحل ليس من أحكام السهو، بل هو لأصالة عدم الإتيان بالفعل، خصوصا إذا لم يتلبس بشي ء بعده، بناء على أن المحل شي ء مخصوص لا مطلق الدخول في شي ء آخر.

و خلافا للرياض و محتمل الذخيرة و عن مجمع البرهان فلم يوجبوا التدارك و لو في المحل ركنا أو غيره، لعموم الصحيح (1)و الخبر(2)و أولويته من العدد، و في الأول ما عرفت، و في الثاني منع واضح، و أولى منه تدارك المنسي في محله، إذ احتمال عدم الالتفات للصحيح المزبور أو البطلان لتوقيفية العبادة في غاية الضعف، بل لعل الثاني مقطوع بعدمه، كما أن الأول مبني على عموم السهو فيه للنسيان أيضا، و لا بأس به، إذ المراد منه الغفلة كما في المصباح المنير، و على أن تدارك المنسي في المحل من أحكام السهو كي يندرج حينئذ في النفي المذكور، و هو في حيز المنع، بل قد يستفاد من

خبر الصيقل (3)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يصلي الركعتين من الوتر فيقوم فينسى التشهد حتى يركع، و يذكر و هو راكع قال: يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم، قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثم يسجد سجدتين بعد ما ينصرف فيتشهد فيهما؟ قال: ليس النافلة كالفريضة»

صحة التدارك بعد الخروج عن المحل، ك

خبر الحلبي (4)«سألته عن رجل سها عن ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة قال: يدع ركعة و يجلس و يتشهد و يسلم ثم يستأنف الصلاة بعد»

على معنى إلقاء ما في يده من الركن مثلا ثم يتدارك المنسي ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التشهد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.

ج 12، ص: 430

يستأنف أفعالا أخر غير الأولى، لكن في الموجز «أنه إذا سها في ركعتي الغفيلة عن قراءة الآي الموظف لها حتى ركع قرأ الآي في ركوعه إن ذكر و هو راكع، و في سجوده إن ذكر و هو ساجد، و لو لم يذكر حتى رفع رأسه من سجدة الثانية صارت مطلقة، و يجوز له الاقتصار على ركعة واحدة و يستأنف الغفيلة، و لو سها عن قنوتها تداركه قبل سجوده، و يقضيه بعد سلامه، و يكبر له مستقبلا، و الأفضل قراءة الآي و القنوت عليها» انتهى، و لم نعرف مدركا لشي ء من هذه الأحكام.

نعم يظهر من الخبرين المزبورين أن زيادة الركن سهوا في النافلة غير قادحة، كما هو صريح الموجز و ظاهر الدروس خلافا للمدارك و عن الروض، بل لعله مندرج في نفي السهو في الصحيح و غيره، بل قد يتسلق منه إلى عدم قادحية نقصان الركن أيضا نسيانا و لم يذكره إلا بعد تمام النافلة بحيث لا يسعه التدارك أبدا و إن لم أجد أحدا صرح به، بل في الدروس و المدارك و عن فوائد الشرائع و

الروض و مجمع البرهان و غيرها ما يقتضي البطلان كما هو صريح الموجز، و لا بأس به، لأنه الموافق للاحتياط المطلوب في العبادة التوقيفية، بل ينبغي مراعاة الاحتياط في سابقه أيضا.

نعم ينبغي الجزم بنفي سجدتي السهو لما يوجبها كما صرح به في المنتهى و المدارك و غيرهما، بل هو بعض معاقد الإجماعات السابقة، بل في الرياض عن ظاهر الأول و صريح الخلاف نفي الخلاف فيه، بل هو مندرج في نفي السهو في الصحيح و غيره بناء على إرادة الأعم من الشك منه على معنى نفي الموجب بالفتح، بل لعله المفهوم من الخبرين السابقين أيضا، كما أنه ينبغي الجزم بنفي مشروعية قضاء ما يقضى في الفريضة فيها من السجدة و التشهد المنسيين، بل يتداركهما مع الإمكان، و لا يلتفت مع عدمه، كما إذا تخلل ما يخرج به عن كونه مصليا و لو لطول الزمان من الفراغ، بناء على اختلاف الفريضة و النافلة في إمكان تدارك المنسي للخبرين السابقين و إن كان العمل بهما لا يخلو من نظر

ج 12، ص: 431

خصوصا مع التعدي لغير موردهما، لكن يستفاد منهما و من غيرهما من الأخبار سهولة الأمر في النافلة و إن لم تقف بتفصيل ذلك، كما أنها ما وفت في تمام ما يتعلق بالتخيير بين الأقل و الأكثر من بيان حاله لو بنى على الأقل ثم ظهر الأكثر أو العكس بعد الفراغ أو قبله، و هل تحتسب له أو ينبغي له الإعادة، و إن كان قد يستفاد حكم بعض ذلك مما ذكرنا، كما أنه يمكن بعد ما سمعت أولوية ثبوت كل ما شرع في الفريضة مما هو مناسب للتخفيف في النافلة، فتأمل جيدا.

خاتمة في سجدتي السهو

و هما واجبتان حيث ذكرناه و زيادة فيمن تكلم في الصلاة ساهيا و لو لظن الخروج منها أو سلم في غير موضعه كذلك على المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا نقلا و تحصيلا، بل في الفقيه و المنتهى و عن ظاهر الشافية و صريح النجيبية بل و آراء التلخيص على ما عن غاية المراد الإجماع عليه فيهما، كما عن الحسن بن عيسى على ما في المختلف نسبة أولهما إلى آل الرسول (عليهم السلام) و هو الحجة بعد

صحيح ابن الحجاج (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول:

أقيموا صفوفكم، فقال: يتم صلاته ثم يسجد سجدتين»

و ابن أبي يعفور(2)الوارد في الشك بين الثنتين و الأربع عن الصادق (عليه السلام)، قال فيه: «و إن تكلم فليسجد سجدتي السهو»

بل و

سعيد الأعرج (3)المشتمل على قصة ذي الشمالين عن الصادق (عليه السلام)، قال فيه: «و سجد سجدتين لمكان الكلام»

و منه حينئذ يظهر دلالة


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 16.

ج 12، ص: 432

غيره من الأخبار المشتملة على ذكر فعل رسول الله (صلى الله عليه و آله) إياهما فقط من دون بيان أنه للكلام أو للسلام أو لهما، بل و

موثق عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثم ذكر من قبل أن يقدم شيئا أو يحدث شيئا قال:

ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشي ء»

و صحيح العيص (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع قال:

يقوم فيركع و يسجد سجدتين»

و موثق عمار(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى ثلاث ركعات و هو يظن أنها أربع فلما سلم ذكر أنها ثلاث قال: يبني على صلاته متى ذكر و يصلي ركعة و يتشهد و يسلم و يسجد سجدتي السهو و قد جازت صلاته»

إلى غير ذلك.

فما عن ظاهر الصدوقين و الجعفي- من عدم الوجوب فيهما، بل ربما مال إليه في الثاني المدارك، بل لعله أيضا ظاهر اقتصار الحسن بن عيسى و المفيد و علم الهدى و ابن حمزة و سلار في المحكي عنهم على الكلام ناسيا من غير

ذكر السلام معه عكس المحكي عن أبي علي في الذكرى- ضعيف جدا، بعد الإغضاء عن ضعف هذا الاستظهار الذي منشأه الاقتصار، بل عن الفقيه و بعض نسخ المقنع النص على الكلام المحتمل إرادته منه ما يشمل السلام نحو كلام أولئك الأعلام، كما نفي عنه الريب في الذكرى، بل لعل ذكر السلام في كلام أبي علي مثالا للكلام، فيرتفع النزاع حينئذ في المقام، و يمكن دعوى الشهادة على أن ذلك الإجماع تام، على أنا لم نعثر لشي ء مما ذكر على دليل قاطع للعذر سوى الأصل المعلوم عدم صلاحيته لمعارضة بعض ما تقدم فضلا عن جميعه، و

قوله عليه السلام (4):


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 5.

ج 12، ص: 433

«لا شي ء عليه»

في بعض المعتبرة الواجب تخصيصه بتلك الأدلة كما هو قضية أصول المذهب، لا حملها على الاستحباب من جهته المستلزم ترجيح الأضعف من وجوه على الأقوى من وجوه، كما هو واضح.

أو شك بين الأربع و الخمس وفاقا لصريح جماعة من الأصحاب، بل في المقاصد و الذخيرة أنه المشهور، و في السرائر نسبته إلى الأكثرين المحققين، بل في المفاتيح نفي الخلاف فيه، كما عن مجمع البرهان نفي الشك فيه، بل في الغنية الإجماع عليه كما عن الحسن بن عيسى

نسبته إلى آل الرسول (عليهم السلام) للمعتبرة، ك

صحيح عبد الله بن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما»

و صحيح الحلبي (2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد و سلم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة تتشهد فيهما تتشهدا خفيفا»

و غيرهما، لكنها كما ترى ظاهرة بمعونة المضي في «صليت» فيها و الاقتصار على ذكر التشهد و التسليم و غيرهما في وقوع الشك في ذلك بعد إكمال الركعة برفع الرأس من سجودها الأخير أو بتمام الذكر أو بوضع الرأس على المسجد لا قبله، و لا بأس به بناء على انحصار الصحة في هذا الشك بذلك كما سمعته سابقا، ضرورة عدم السجود حينئذ للفاسد، أما على القول بالصحة حتى لو كان قبل السجدتين أو بينهما أو حال الركوع أو بعده بأن يكمل الركعة حينئذ و يندرج في النصوص فلا يبعد حينئذ القول بوجوب سجود السهو أيضا إذ هو فرع الاندراج، لصدق عدم علمه بأنه صلى أربعا أو خمسا بعد أن أكمل الركعة إلا أنك قد عرفت فيما مضى أن الأصح الفساد في ذلك كله.

نعم لو كان الشك قبل الركوع صح، لكن بالعلاج في إرجاعه للشك بين


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.

ج 12، ص: 434

الثلاث و الأربع بأن يهدم قيامه، فسجود السهو حينئذ لو كان لزيادة القيام أو احتماله لا للشك بين الأربع و الخمس، كما أنه يصح أيضا لو كان شكه بين الخامسة و السادسة قبل الركوع بأن يهدم و يرجع شكه إلى ما بين الأربع و الخمس، و يجب عليه حينئذ سجودان للسهو، لزيادة القيام حينئذ، و للشك بناء على تعدده بتعدد السبب، كما هو واضح، و قد تقدم الكلام سابقا فيما يصح من صور الشك بين الأربع و الخمس و يفسد، و كيف كان فما عساه يظهر من حصر بعضهم موجبات السجود في غيره أو كالحصر من عدم الوجوب فيما نحن فيه ضعيف جدا، كما هو واضح، فلاحظ و تأمل.

و قيل و القائل بعض أصحابنا كما في الخلاف تجب سجدتا السهو في كل زيادة في الصلاة و نقيصة منها إذا لم يكن مبطلا إلا أنا لم نعرف قائله صريحا قبل المصنف، بل أطلق في الدروس عدم معرفة قائله و مأخذه، كما أنه أطلق في الذخيرة و الرياض أن المشهور عدم الوجوب لذلك من غير تقييد بين المتقدمين أو غيرهم، لكن عن الجواهر المضيئة «أن المشهور وجوبهما لكل زيادة و نقصان» بل عن غاية المرام «أن الذي عليه المتأخرون وجوبهما في كل موضع لو فعله أو تركه عمدا بطلت صلاته» فيخرج حينئذ نسيان القنوت و فعل الذكر و الدعاء بغير قصد و نحوهما مما لا يقدح عمدا و في المقاصد بعد نقل ذلك عن بعضهم «أن النص و الفتوى مطلقان».

و على كل حال فالوجوب خيرة المختلف و التذكرة و التحرير و الإرشاد في احتمال و اللمعة و الموجز و الجعفرية و الذكرى و فوائد الشرائع و الروضة و المقاصد العلية و عن الإيضاح و الهلالية و السهوية و تعليق النافع و التنقيح و إرشاد الجعفرية و الغرية و الدرة السنية و الجواهر المضيئة و ظاهر غاية المراد أو صريحه، و مال اليه على ما قيل في المهذب البارع، و قد سمعت أنه حكاه في الخلاف عن بعض أصحابنا، و كأنه تردد فيه المصنف هنا بل و معتبره، و نسبه بعضهم إلى الصدوق أيضا، و كأنه يقرب إليه في الجملة ما عن

ج 12، ص: 435

المفيد من وجوبهما على من لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعا أو نقص ركوعا و لم يتيقن ذلك و كان شكه فيه حاصلا بعد مضي وقته و هو في الصلاة، و ما عن التقي من إيجابهما للشك في كمال الفرض و زيادة ركعة و اللحن في الصلاة نسيانا، بل ربما يستفاد من المحكي في الذكرى في مسألة محل السجدتين عن أبي علي أيضا إن لم يكن ظاهره أو صريحه، فمن العجيب ما سمعته من الدروس مع أنه خيرة الفاضل قبله و خيرته نفسه فيما سمعته من كتبه، بل قد سمعت أنه حكي عن الصدوق أيضا، و ربما استفيد من المحكي عن أبي علي كما عرفت.

و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى ل

مرسل ابن أبي عمير عن سفيان بن السمط(1)عن الصادق (عليه السلام) «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان»

و هو و إن كان مرسلا إلا أن المرسل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فهو صحيح بناء على إرادة عدم قدح جهالة من بعده من هذه العبارة، و أيضا مراسيل ابن أبي عمير بحكم المسانيد، لأنه ممن لا يروي إلا عن الثقة، فسفيان ابن السمط حينئذ ثقة عنده و عند غيره من العصابة و إن كان مجهولا عندنا الآن، فتأمل و صحيح الحلبي (2)المتقدم بناء على كون المعطوف عليه فيه فعل الشرط لا معمول «درى» بل و إن قلنا بذلك أيضا، و

المرسل في المحكي من عبارة ابن الجنيد عن النبي (صلى الله عليه و آله) «من ترك شيئا من صلاته فليسجد سجدتي السهو بعد سلامه»

إما لأولوية العلم من الشك أو لعدم القول بالفصل صريحا، أو لأن المراد منه بقرينة استقراء أمثاله من التراكيب الشك في خصوصية الزيادة و النقصان بعد القطع بوقوع


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.

ج 12، ص: 436

أحدهما لا الشك في أصل وقوع كل منهما و عدمه، فيكون السجود حينئذ للعلم بوقوع مقتضية، إذ احتمال أنه أحدهما لا قائل به.

و منه حينئذ يظهر وجه نسبة ذلك للصدوق، إذ المحكي عنه في الفقيه و الأمالي إيجابهما

على من لم يدر أ زاد أم نقص، كما أنه تظهر بذلك دلالة

صحيح زرارة(1)أيضا، قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد في صلاته أم نقص فليسجد سجدتين و هو جالس و سماهما رسول الله (صلى الله عليه و آله) المرغمتين»

و الفضيل بن يسار(2)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن السهو فقال: من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، و إنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص»

و غيرهما، بل قد يدل عليه أيضا

موثق عمار(3)سأل الصادق (عليه السلام) «عن السهو ما تجب فيه سجدتا السهو؟

قال: إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت أن تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو، و ليس في شي ء مما تتم به الصلاة سهو»

و لو بمعونة عدم القول بالفصل بين القراءة و التسبيح و غيرهما، مضافا إلى التأييد بما دل عليه في نسيان السجدة و القيام في محل القعود و بالعكس و غيرها، و بتسميتهما في النص بالمرغمتين للشيطان الذي أصل حصول السهو نسيانا و شكا منه، و بغير ذلك.

فيجب الخروج عن الأصل الذي لا يجري في المقام فضلا عن حاجته إلى قاطع بناء على شرطية صحة الصلاة بفعل السجدتين لا أنهما واجبتان تعبدا خاصة، و على وجوب الاحتياط في الصلاة و نحوها مما اشتغلت الذمة فيها بيقين، و عن إشعار خلو


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 437

المعتبرة المستفيضة(1)الواردة في نسيان ذكر الركوع و الجهر و الإخفات و غيرها عن البيان للحاجة بعدم الوجوب، بل قيل: إن في جملة(2)من الصحاح منها التصريح بلا شي ء عليه الشامل للسجود و غيره، كما أن في بعضها(3)أيضا التصريح بنفيه لنسيان السجدة، و لا قائل بالفصل.

ضرورة عدم صلاحية معارضة مثل ذلك لتلك الأدلة بحيث تطرح له أو تحمل على الندب الذي لم أعرف قائلا به هنا، بل قد سمعت فيما تقدم أن الشهيد في الذكرى قال: لم يشرع بهما التطوع، خصوصا الأول، فإنهم (عليهم السلام) بمنزلة متكلم واحد كما أن كلامهم (عليهم السلام) كذلك، فتركه في بعض الأحوال سيما إذا كان بصدد بيان أصل الصحة و الفساد لا ينافي النص عليه في الآخر، بل و الثاني، إذ يجب الخروج عن شمول ذلك العام بما سمعت، و حمله على إرادة نفي الإعادة و الإثم و نحوهما لا ما

يشمل نحو المقام، و قد سمعت فيما تقدم الكلام بالنسبة للسجدة.

نعم قد يناقش في دلالة تلك المعتبرة أولا بظهور إرادة الشك منها بمعنى عدم علم الزيادة و النقيصة و التمام و إن لم ينص على الأخير، إلا أنه صار كالمتعارف إرادة هذا المعنى من مثل هذه العبارة، فيرجع الحاصل حينئذ إلى أنه لم يدر زاد أو لا، و نقص أو لا، كما يشهد له في الجملة خبر السكوني (4)الذي تسمعه، و منع الأولوية، لاحتمال صلاحية السجود لتدارك المشكوك فيه لا المتيقن، و ثانيا بظهوره في إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الركوع و الباب 26 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6 و الباب 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 438

الركعات، كما لعله يومي اليه صحيح الحلبي (1)السابق، بل ربما يومي اليه في الجملة أيضا

خبر السكوني (2)عن الصادق (عليه السلام) «إنه أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول الله أشكو إليك ما ألقى من الوسوسة في صلاتي حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان»

إذ لا ريب في ظهوره في إرادة الركعات من هذه العبارة، كما أنه لا ريب في ظهوره في إرادة الشك لا ما إذا علم أحدهما و شك في الخصوصية، على أن ذلك فرض نادر لا تحمل عليه تلك الأخبار.

و من هنا قال في الرياض: «إنه كما يمكن تخصيص «لا شي ء» السابق بما هنا لأنه أظهر دلالة يمكن العكس بأن يقيد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة، و هذا أرجح للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة و المحكية في كلام جماعة» إلى آخره، لكن قد تدفع بمنع ظهور هذا التركيب في إرادة الشك كما لا يخفى على من له خبرة بكلام أهل اللغة و العربية، بل و العرف بعد التأمل و التروي، على أنه مؤيد بمرسل ابن أبي عمير(3)السابق، و لذا جزم المولى الأكبر في شرح المفاتيح بأن المعنى الحقيقي لهذه العبارة الشك في الخصوصية، و ندرته بعد استفادة حكم غير النادر منه أي معلوم الزيادة و معلوم النقيصة غير قادحة، و بمنع عدم انسياق الأولوية منه بعد تسليم إرادة الشك منه، خصوصا بعد ظهور ضعف الاحتمال المذكور، على أنه يمكن دعوى عدم القول بالفصل بين وجوبهما للشك في الزيادة و النقيصة و بينه للعلم بأحدهما، إذ هو خيرة العلامة و جماعة أيضا ممن تأخر عنه ممن ذهب إلى الوجوب هنا إن لم يكن جميعهم، نعم ربما قيل بالعكس كما هو خيرة المولى الأكبر في الشرح المزبور على الظاهر، و لعله لأن الظاهر أو المعلوم


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 439

عدمه بالنسبة للأجزاء، للمعتبرة(1)الكثيرة الدالة على تلافي المشكوك فيه في محله، و عدمه في غيره الظاهرة في أن «لا شي ء عليه» غير ذلك، و كذلك بالنسبة للركعات إذ هو بين

مبطل كالشك في الثنائية و نحوها و بين ما كان حكمه الاحتياط بالركعات من غير سجود للسهو عند معظم الأصحاب و إن حكي عن الجعفي وجوبهما لخصوص الشك بين الثلاث و الأربع، نعم هو كذلك في خصوص الشك بين الأربع و الخمس، و من المعلوم عدم إرادة خصوص ذلك من هذه الأخبار، بل هو مقطوع بعدمه بالنسبة إلى صحيح الحلبي و نحوه مما ذكر فيه العبارة السابقة بعد ذكر الأربع و الخمس، اللهم إلا أن يقال: إن المراد به من لم يعلم الزيادة و النقيصة و التمام بعد الفراغ أو كان كثير الشك، كما يومي اليه خبر السكوني المتقدم، و تحمل الأخبار حينئذ على الندب الذي لا يقدح فيه عدم تعرضهم له حينئذ، فتأمل.

و من ذلك كله تعلم ما في كلام الرياض المتقدم و ترجيحه الحمل المزبور بالأصل الذي عرفت حاله، و بالشهرة الظاهرة و المحكية اللتين يمكن مناقشته فيهما معا، إذ ليس عدم الوجوب صريح أحد من المتأخرين سوى الخراساني في ظاهر ذخيرته و صريح كفايته و حكي عن مجمع البرهان و الشافية، نعم هو ظاهر كل من حصر موجبات السجود و عددها من القدماء، و المحكية معارضة بحكايتها ممن عرفت، فلا ريب في أن الأحوط الوجوب إن لم يكن الأقوى، بل لعله كذلك أيضا فيما لو شك في النقيصة و الزيادة كما اختاره من عرفت بناء على ظهور العبارة السابقة فيه، و إن استفيد منها حينئذ حكم المعلوم بالأولوية أو بعدم القول بالفصل، و لعل منه حينئذ الشك بين الأربع و الخمس.

لكن الإنصاف أنه أضعف من السابق إن لم يكن عدم الوجوب فيه أظهر، للأصل السالم عن معارض، بل المعتضد بظاهر ما عرفت من النصوص و غيرها، مضافا


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 440

إلى إمكان دعوى العسر فيه، إذ لا أحد إلا و هو لا يعلم النقيصة في صلاته و الزيادة، اللهم إلا أن يخص ذلك بمن تساوى الطرفان لديه، كما هو الظاهر من عبارة المفتي به لا من احتمل ذلك و إن غلب على ظنه السلامة، و إن قيل: إنه ربما تعطيه عبارة الإرشاد لكنه ليس قولا لأحد.

ثم إن الظاهر استثناء المندوبات كالقنوت و نحوه مما عرفت، فلا يجب سجود السهو بنسيانه بعد العزم على فعله كما نص عليه الفاضل و الشهيدان، بل قد سمعت ما حكاه في غاية المرام، اقتصارا فيما خالف الأصل على المنساق المتيقن من النقص، خلافا لظاهر بعضهم، بل و المحكي عن أبي علي من أنه لو نسي القنوت قبل الركوع أو بعده قنت قبل أن يسلم في تشهده و سجد سجدتي السهو، أما لو زاد مندوبا ففي التذكرة سجد للسهو، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان فيه نظر كما في الروضة، لعدم زيادة السهو على العمد، و لا سجود للنقيصة إذا تدوركت و لما يصدر ما يحصل بسببه زيادة في الصلاة و إن كان هو قد سها عنها، لنفي السهو عمن حفظ سهوه فأتمه، و عدم صدق النقيصة، و

خبر الحلبي (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد فقال: يرجع فيتشهد، قلت: أسجد سجدتي السهو؟ فقال: لا، ليس في هذا سجدتا السهو»

و غير ذلك، لكن في الموجز وجوبه لكل سهو و إن تدارك فيها أو بعدها، و فيه منع، نعم ليس التدارك بعد تمام الصلاة يرفع صدق النقيصة فيها في وجه، فيجب حينئذ للتشهد المنسي و أبعاضه و السجدة المنسية و إن لم نقل بوجوبه لهما من حيث أنفسهما كما أنه يجب حينئذ بناء على ذلك في سائر صور الشك الصحيحة إذا تبين بعد الاحتياط نقصها أو قبله بناء على الصحة و عدم وجوب الإعادة و إن تبين، نعم الظاهر إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التشهد- الحديث 4.

ج 12، ص: 441

الزيادة في الصلاة بأن يكرر مثلا أفعالها سهوا لا ما يشمل نحو وقوع فعل خارج عنها فيها و إن لم يكن بعنوان أنه منها، إذ لا يعد نحوه زيادة في الصلاة، كما هو واضح، و الله أعلم.

و يسجد المأموم مع الامام واجبا إذا عرض له السبب على الأصح، و لا يسقط عنه بسبب عروضه للإمام كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في المسألة الرابعة من مسائل الكتاب، و لعل ذا هو المراد بالمعية لا فعله بنية الائتمام، لعدم ثبوت مشروعيته فضلا عن وجوبه كما قدمناه سابقا أيضا بل و تقدم أيضا أن الأصح فيما لو انفرد أحدهما لعروض السبب له كان

له حكم نفسه خلافا لمن أوجبه على المأموم بمجرد عروضه على الامام، فلاحظ و تأمل.

و محلهما أي السجدتين بعد التسليم سواء كانتا للزيادة أو النقصان أو غيرهما مما يجبان له و قيل لكن لم نعرف قائله كما اعترف به غير واحد: محلهما قبله، و قيل بالتفصيل بينهما، فالأول للأول، و الثاني للثاني، و القائل أبو علي في ظاهر المحكي عن كلامه أو صريحه في الدروس و البيان، و إن قال في الذكرى: إنه ليس فيه تصريح بما يرويه عنه بعض الأصحاب من التفصيل، نعم هو مذهب أبي حنيفة و كيف كان ف الأول أظهر (11) و أشهر، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل عليه عامة المتأخرين كما في الرياض، بل هو خيرة المقنع و ما تأخر عنه في مفتاح الكرامة، بل هو مذهب الأصحاب عن كشف الرموز، و علمائنا عن نهاية الأحكام بل عليه الإجماع في الخلاف و عن مصابيح المولى الأكبر و الأمالي و الناصرية و غيرها، للمعتبرة(1)المستفيضة حد الاستفاضة المتفرق كثير منها في المسائل السابقة الصريح بعضها بأنهما بعد التسليم جواب السؤال عن محلهما، و المعتضدة بما سمعت مما ينفي احتمال


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 12، ص: 442

المناقشة في دلالة بعضها، بل و بإمكان أصالة عدم قابلية الصلاة لنخلل ذلك في أثنائها، خصوصا لو قلنا إنهما معا من زيادة الركن المفسدة و إن لم يكن فعلا بنية أنهما منها، بل و بمخالفة المحكي عن أبي حنيفة أو غيره

من العامة التي جعل الله الرشد في خلافها، و بأنهما ليسا أولى من التشهد و السجدة اللذين يقضيان بعد السلام، و من هذا ينقدح مؤيد آخر أيضا، و هو استلزام السجود في الأثناء له تقديم سجود السهو على السجدة و التشهد لو كانا هما السبب له، أو فعلهما في الأثناء قبله أيضا، و هما معا مخالفان لظاهر الأدلة.

فما في

ضعيف أبي الجارود (1)- «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى أسجد سجدتي السهو؟ قال: قبل التسليم، لأنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك»

و صحيح سعد بن سعد الأشعري (2)قال: «قال الرضا (عليه السلام) في سجدتي السهو: إذا نقصت قبل التسليم و إذا زدت فبعده»

كصحيح صفوان بن مهران (3)عن الصادق (عليه السلام)- يجب طرحه أو حمله على التقية كما عن الصدوق و الشيخ، فما في الذخيرة من احتمال التخيير جمعا بين الأخبار ضعيف جدا.

و على كل حال ف صورتهما أن ينوي و يكبر مستحبا ثم يسجد على الأعضاء السبعة واضعا جبهته على ما يصح السجود عليه مطمئنا ثم يرفع رأسه بأن يجلس مطمئنا أيضا ثم يسجد و يرفع رأسه كذلك و يتشهد تشهدا خفيفا ثم يسلم أما النية فقد صرح بوجوبها الفاضل و غيره، بل نسب إلى السرائر و أكثر ما تأخر عنها، بل في المفاتيح أنه المشهور، بل لا

أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض و إن لم يتعرض لذكرها المصنف هنا و النافع كالفاضل في الإرشاد، بل قيل: و الصدوق في


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 6.

ج 12، ص: 443

المقنع و المفيد و السيد و الشيخ و أبي علي (1)و أبي الصلاح فيما نقل عنه، لكن الظاهر أنه لوضوحها و معلوميته، و الاتكال على ذكرهم اعتبار ذلك في أوائل كتبهم بالنسبة إلى سائر العبادات لا لعدم الوجوب عندهم، ضرورة أنهما عبادة كما هو الأصل في كل مأمور به، و مندرجان تحت عموم أدلة النية سواء قلنا إن محلها قبل التسليم أو بعده، و إن قال الشهيد في الحواشي البخارية: إنه ينبغي الاستغناء عن النية بناء على الأول، و كأنه لأنهما عليه يكونان كالجزء من الصلاة، فيستغني بنيتها عن نيتهما، لكنه لا يخلو عن بحث، على أنك عرفت أن المختار كونهما بعده، و احتمال الاستغناء عليه أيضا لكونهما من توابع الصلاة و من أحكام السهو فيها فيكتفى بنيتها عن نيتهما ضعيف جدا، و خروج عن ظاهر الأدلة بتهجم و تهجس.

نعم لا يجب فيهما تعيين السبب وفاقا للذخيرة و الكفاية، لإطلاق الأدلة و صدق الامتثال، و خلافا لنهاية الفاضل على ما حكي عنها و الذكرى و تعليقي الإرشاد للكركي و ولده فيجب، و لعله لتوقف صدق الامتثال على ملاحظة

ذلك، فهي كالظهرية بالنسبة إلى الظهر، و فيه منع واضح، و ربما فرع على هذا الخلاف ما لو ظن سهوه كلاما فسجد له فتبين له أنه كان نسيان سجدة مثلا، فيعيد على الثاني كما في النهاية و الهداية (و الهلالية خ ل) الحكم به و إن احتمل في الأخير العدم دون الأول، و فيه أنه يمكن القول بالإعادة عليه أيضا، للفرق بين عدم النية و بين نية الخلاف، و لعله لذا قال في الموجز: و لا يتعين سببه، و لو عين فأخطأ أعاد و إن كان الأقوى في النظر عدم الفرق بينهما، و أن التعيين في الواقع كاف و إن لغى في نية الخلاف سهوا، إذ الكلام مثلا مسبب (2)للسجدتين لا أنه قيد في المأمور به، نعم قد يقدح في ذلك العمد، لانحلاله


1- 1 و في النسخة الأصلية« و أبى يعلى».
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الأولى أن يقال:« سبب للسجدتين».

ج 12، ص: 444

إلى عدم النية حينئذ و عدم الإتيان بالمأمور به.

كما أن الأقوى عدم وجوب تعيين السبب لو تعدد أيضا، بناء على الأصح من عدم التداخل في أسباب السجود اتحد الجنس أو اختلف الذي هو خيرة التحرير و التذكرة و الذكرى و الدروس و البيان و الموجز و حاشية الألفية للكركي و عن غيرها، للأصل و توقف البراءة اليقينية عليه، و لأن كل واحد سبب تام، فكذا مع الاجتماع لأنه لا يخرج الحقيقة عن مقتضاها، فالتداخل يستلزم خرق الإجماع، أو تخلف المعلول عن علته التامة لغير مانع، أو تعدد العلل التامة مع تشخص المعلول، أو الترجيح بلا مرجح، أو عدم تساوي المتساويات في

اللوازم، و الكل محال، و كون علل الشرع علامات لا مؤثرات حقيقية غير مجد بعد معاملتها معاملة الحقيقية بالنسبة إلى ذلك و غيره، كما هو واضح.

نعم يتعدد السجود بتعدد السبب ما لم يكن بعضا من جملة توالت كالقراءة مثلا إذا تركها نسيانا، فإنه لا يجب عليه بكل حرف سجدتان و إن كان لو انفرد لأوجب لاتحاد السبب هنا و تعدده هناك، بل ما في الذكرى- من أنه لو نسيها في الركعات نسيانا مستمرا لا تذكر فيه فالظاهر أنه سبب واحد، و لو تذكر ثم عاد إلى النسيان فالأقرب تعدد السبب، و كذا لو تكلم بكلمات متوالية أو متفرقة و لم يتذكر فكلام واحد، و لو تذكر تعدد- لا يخلو من وجه و إن كان يمكن المناقشة فيه حيث يصدق التعدد من غير تخلل ذكر، إذ اتحاد السهو الباعث على صدور ذلك لا يقضي باتحاد السهو فيه حتى لو حصل معه فصل مثلا يتحقق به التعدد، فتأمل.

خلافا لما عن ظاهر المبسوط في أول كلامه من التداخل مطلقا، و اختاره في الذخيرة و الكفاية، و ما عن السرائر من التداخل في متحد الجنس لإطلاق الأدلة دون مختلف الجنس لعدم الدليل، بل ظاهر الدليل العدم، و فيه أن ظاهر الدليل العدم في الجميع.

ج 12، ص: 445

و كيف كان فلا يجب تعيين السبب و إن تعدد للأصل و غيره، خلافا للمحكي عن جماعة فيجب، و لعل المراد وجوب نية التعيين بالسبب أو غيره من السبق و نحوه، لتعدد المكلف به و عدم تشخص الفعل لأحدها بغير النية، فلا يصدق الامتثال، لا وجوب نية خصوص السبب، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين، إذ الظاهر وجوب التعيين بهذا المعنى، و احتمال أنه لما حصلت الأسباب الموجبة و تعدد الموجب بها صار كتعدد المأمور به بأمر واحد نحو صوم أيام و ضرب أشخاص، فلا يجب نية التعيين ضعيف مخالف لظاهر الأدلة، نعم الظاهر أنها كذلك بالنسبة للترتيب، فلا ترتيب في سجودات السهو وفاقا للشهيد في المقاصد العلية، للإطلاق، بل لعله ظاهر لفظ «ينبغي» في الذكرى أيضا، بل أوجب فيها تقديم سجود الأجزاء المنسية على غيرها و إن كان سبب الغير متقدما كالكلام في الركعة الأولى و نسيان سجدة في الثانية، لتقدم الجزء على السجود، و ارتباط سجوده به، و إن كان هو لا يخلو عن إشكال كما عن التذكرة، لعدم الدليل على وجوب ارتباطه به بحيث ينافيه نحو ذلك، بل في الروض لو قيل بوجوب تقديم الأسبق سببه كان أولى، بل جزم به المحقق الكركي في حاشية الألفية، كجزمه بالترتيب بين سجودات السهو للأجزاء المنسية فيما حكي عنه في الجعفرية، قيل و تبعه على ذلك شارحاها، و لعله لأن الذمة قد اشتغلت بإيقاع سجود السهو بعد الصلاة فورا بمجرد صدور السبب الأول و الثاني لما صدر على ذمة مشغولة بذلك، فتشتغل الذمة حينئذ بإيقاعه بعد تفريغها من الأول.

بل لعله من ذلك ينقدح وجوب تقديمه على الجزء أيضا بعد فرض تقدم سببه عليه، لاشتغال الذمة به على أن يؤدى بعد الصلاة فورا، و كون الفائت جزءا و سجود السهو أجنبي فيقدم عليه و إن تأخر سببه عنه- بل يقدم أيضا على ركعات الاحتياط مع فرض سبقه عليها، بل يجوز تقديمه عليها و إن تأخر عنها، لعدم كونها أجزاء يقينا،

ج 12، ص: 446

نعم هي تتقدم على سجود السهو و إن تقدم سببه لمعلومية أجنبيته دونها- يدفعه أنه لا تلازم بين جزئيته و هذه الأحكام، إذ لا بأس بتأخره عن سجود السهو المتقدم سببه و إن كان جزءا، لأن الذمة اشتغلت به بعد اشتغالها بفعل سجود سهو فورا بعد الصلاة، فيكون قضاء الجزء حينئذ على هذا الحال، و نحوه الركعات الاحتياطية، فلا ينافيه تخلل سجود السهو.

و ربما يؤيده أيضا ظهور رواية علي بن حمزة(1)في تقديم السجدتين على التشهد المنسي كما اعترف به في الروض و الذخيرة، لكن لم أجد من جزم بذلك، بل ظاهر جميع من تعرض لذلك تقديم الجزء المنسي على سجود السهو و إن تقدم سببه إلا الشهيد الثاني في المقاصد، فإنه قد يظهر منه الجواز لا الوجوب، بل قد يظهر منه في الروض و من الخراساني في الذخيرة جواز تقديم السجود على الجزء و إن تأخر سببه فضلا عن أن يتقدم عليه، و إن كان الذي يقوى في الذهن تقديم الأجزاء المنسية و الركعات الاحتياطية على السجود مطلقا، و الأجزاء على الركعات، و

بعضها على بعض السابق فالسابق، و التخيير بين السجودات و إن تقدمت أسباب بعضها على بعض نظرا إلى أنها جميعها واجبات فورية، يرجع في تقديم بعضها على الآخر إلى الترجيح، و هو بما ذكرنا، و لا دلالة في فوريته و سبق سببه على وجوب تقديمه، كما لا ظهور فيما دل على وجوب سجود السهو بمجرد حصول سببه و شغل الذمة به على تقديمه على الغير، لعدم كونه مساقا لذلك هذا، و يحتمل التخيير بين الجميع عدا الأجزاء بعضها مع بعض لضعف هذه المرجحات عن إفادة الوجوب، بل و بين الأجزاء أيضا و إن كان هو أضعف من سابقه، و قد خرجنا عما نحن فيه، لأن الحديث ذو شجون.

و كيف كان فلا يجب التعرض للأداء و القضاء في سجود السهو كما صرح به في


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2 عن على ابن أبي حمزة.

ج 12، ص: 447

موضع من الألفية، و إن حكي عنه أنه قال: «إنه أحوط» و في المقاصد العلية «أنه أجود» و في الروضة «انه أولى» بل قال في موضع آخر منها كما عن الهلالية: «أن نيتهما أسجد سجدتي السهو في فرض كذا أداء لوجوبه قربة إلى الله تعالى» بل في البيان و حاشية الألفية للكركي و تعليقي الإرشاد له و ولده و عن غيرها وجوب التعرض للأداء و القضاء، فان خرج الوقت أو كانت الفريضة قضاء نوى القضاء كما صرح به في بعضها أيضا، و لا ريب في ضعفه، إذ التحقيق عندنا عدم وجوب ذلك في أصل الصلاة فضلا عن السجدتين اللتين يمكن دعوى عدم صحة ذلك فيهما فضلا عن وجوبه لكونهما من بعض أحكام السهو في الصلاة، بل لو لم يفعلا بعد الصلاة لم ينو فيهما القضاء لأن الفورية ليست توقيتا عندنا، و أضعف من ذلك ما في شرح الألفية للكركي من اعتبار تعيين المنوب عنه فيهما، و محل النية أول السجود بمعنى أنها تقارنه، لكن لا بأس لو نوى حال الهوي أو حال التكبير، لصدق المقارنة عرفا، و لعله لذا قال في البيان و تعليقي الإرشاد للكركي و ولده: يجوز مقارنة النية للتكبيرة و إن استحبت: أما لو نوى بعد الوضع ففي الروضة و المقاصد أن الأقوى الصحة، و لا يخلو من تأمل، كما أنه لا يخلو ما عن العويص للشيخ المفيد من أن آخرها يقارن أول الهوي من ذلك أيضا إن أراد الوجوب.

و أما التكبير فالأقوى عدم وجوبه، للأصل و إطلاق الأدلة و خصوص

الموثق (1)«سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال: لا، إنما هما سجدتان فقط فان كان الذي سها الامام كبر إذا سجد و إذا رفع رأسه، ليعلم من خلفه أنه قد سها، و ليس عليه أن يسبح فيهما، و لا فيهما تشهد بعد السجدتين»

نعم ظاهره استحباب التكبير للإمام للاعلام لا للسجدتين، و من هنا قد يتوقف في استحبابه و إن نص عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 448

الفاضلان و الشهيد و غيرهم، بل في الرياض أنه المشهور لا لضعف الموثق كما في المدارك و الذخيرة، إذ هو حجة عندنا في إثبات الواجب فضلا عن المستحب، بل لعدم الدلالة كما عرفت، على أنها مختصة بالإمام، إلا أنه حيث كان الحكم استحبابيا يتسامح فيه أمكن الاجتزاء في إثباته بمثل فتوى من عرفت، بناء على كفاية الاحتياط العقلي في ذلك مؤيدا هنا ببعض الأخبار(1)الواردة في سهو النبي (صلى الله عليه و آله) في قصة ذي اليدين المشتملة على تكبير النبي (صلى الله عليه و آله) للسجدتين و إن كانت هي مطرحة عندنا.

و كيف كان فما عساه يظهر من المحكي عن المبسوط من الوجوب حيث قال: «إذا أراد أن يسجد سجدتي السهو استفتح و كبر و سجد عقيبه و يرفع رأسه» إلى آخره، ضعيف جدا، كاشكال الفاضل فيه في نهايته على ما حكي عنها، مع احتمال إرادة الشيخ الندب، كما يؤيده نسبة ذلك اليه و إلى جمع في المدارك، فما في المفاتيح من أن المشهور أنه ينوي ثم يكبر ثم يسجد ثم يرفع رأسه ثم يسجد إلى آخره. من الغرائب إن أراد الوجوب، إذ لم نعرف أحدا صرح به أو نسب اليه عدا الشيخ كما عرفت، و لذا حكي عن الشهيد في كنز الفوائد أن أكثر الأصحاب نصوا على الذكر فيهما دون القراءة و التكبير إلا الشيخ، فإنه قال: «إذا أراد أن يسجد استفتح بالتكبير».

و أما السجود على الأعضاء السبعة فقد صرح به في القواعد و غيرها، بل نسب إلى المفيد و

جم غفير ممن تأخر عنه، بل في التذكرة و تعليق الإرشاد للكركي و ظاهر حاشية الألفية له و عن غيرها وجوب الطمأنينة في السجدتين، بل صرح في بعضها بوجوبها بينهما أيضا، بل قال المحقق الثاني و صاحب المدارك و الخراساني و عن غيرهم:


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 9.

ج 12، ص: 449

«يجب وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فيه» بل في الذكرى و الدروس و البيان و اللمعة و الألفية و حاشيتها للكركي و الروضة و عن غيرها أنه يجب فيهما ما يجب في سجود الصلاة عدا الذكر، فتندرج حينئذ الطهارة و غيرها كما نص عليه بعضهم، و ليس في شي ء من الأدلة تعرض لشي ء من ذلك، و دعوى اعتبار جميع هذه الأمور في مسمى السجود واضحة الفساد خصوصا بالنسبة إلى البعض.

نعم قد يقال: إن الذمة لما اشتغلت به بيقين توقف العلم ببراءتها على الفرد المتيقن، بل قد يدعى أنه المنساق من أمر المصلي بالسجود لتدارك سهوه، إذ الظاهر إرادة السجود الصلاتي، لكن الإنصاف أن للتوقف أو المنع فيما زاد على ما يتحقق به مسمى السجود عرفا أو شرعا- لعدم ظهور أو انصراف معتد به في شي ء من الأدلة، فيبقى الإطلاق سليما- مجالا، و لعله لذا قال في إرشاد الجعفرية على ما حكي عنه في ذلك- مشيرا به إلى دعوى أنه يجب فيه ما يجب في سجود الصلاة- نظر ظاهر، و توقف في القواعد و التذكرة في وجوب الطهارة و الاستقبال، بل استقرب العدم في التحرير في الطهارة، بل عن الجواهر ذلك فيهما معا، بل لعله ظاهر المصنف و جميع من ترك التعرض لهما و للستر و نحوه في مقام البيان، خصوصا مع نصه على التشهد و نحوه، لكن في الألفية و المقاصد و عن الهلالية و الدرة التصريح بأن الطهارة و الستر و الاستقبال شرط، و عن نهاية الأحكام «أن الأقرب وجوب الطهارة و الاستقبال» و عن السرائر اشتراط الطهارة.

و المنشأ ما عرفت أيضا من الاحتياط في العبادة المقتضي للاقتصار على المتيقن أو المنساق إلى الذهن، خصوصا و هما مكملتان و جابرتان للصلاة التي يشترط فيها ذلك، مضافا إلى ما ستسمعه عند البحث في الفورية، و إلى الأمر(1)بهما في الخبر قبل الكلام، فالمحدث أولى، أو أن ذلك مشعر باتصالهما بالصلاة اتصال الجزء، بل قد يومي


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 12، ص: 450

في الجملة الأمر(1)بهما في أثناء الصلاة إلى بعض ذلك و إن لم نقل به.

و أما منشأ عدم الوجوب فالأصل و إطلاق الأدلة أو عدم انصراف مفيد للشرطية، خصوصا مع ملاحظة ما ورد(2)من الأمر بفعلهما متى ذكر إذا نسيهما، و ملاحظة أنهما ليستا بصلاة و لا جزءا منها، و إنما هما كالعقوبة أو للرغم لأنف الشيطان و لعل ذلك هو الأقوى في النظر.

و أما الطمأنينة فيهما و بينهما بعد الجلوس فمستنده نحو ما تقدم أيضا مع زيادة توقف الاثنينية- المستفادة من الأدلة و المحكي عليها الإجماع في المعتبر- على الجلوس بينهما، بل عن مجمع البرهان «لعله لا خلاف في وجوب الجلوس بينهما مطمئنا» كما أنه نسبه في مفتاح الكرامة إلى الفاضل و جمهور من تأخر عنه، لكن قد يناقش بما سمعت سابقا، و بعدم توقف تحقق الاثنينية على الجلوس، فضلا عن الطمأنينة كما في سجدتي الشكر و زيادة السجود في الصلاة، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه في البراءة عن الشغل اليقيني.

و أما التشهد فالمشهور نقلا و تحصيلا وجوبه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالذكرى و عن غيرها، بل في المعتبر و عن المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة(3)خلافا للمختلف فلم يوجبه للأصل و خلو بعض الأخبار(4)عنه في مقام البيان، بل كاد يكون صريح بعضها(5)الوارد في


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4 و 5 و 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 6 و الباب 8 منها- الحديث 1 و الباب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 451

نسيان التشهد حيث أمر فيه بالتشهد فيهما التشهد الذي فاتك، و للموثق (1)السابق الصريح في ذلك، بل لصراحة دلالته حمل الأمر في تلك الأخبار على الندب و إن تعددت، و فيه أن الأصل يقطعه ظاهر الدليل، كما أن إشعار

الخلو بذلك لا يصلح لمعارضته، و خبر نسيان التشهد غير معمول بظاهره، و لذا كان المتجه إرادة الأمر بفعل تشهد فيهما كالتشهد الفائت، فيكون حينئذ من أدلة المطلوب، و الموثق- مع اتحاده و إعراض المشهور عنه، بل سمعت حكاية الإجماع على خلافه- لا يقاوم تلك المعتبرة المتعددة المعتضدة بما سمعت، فالأولى الجمع بينها و بينه بإرادة نفي غير الخفيف من التشهد فيه، إذ هو و إن أطلق الأمر به في بعض تلك المعتبرة(2)كبعض عبارات الأصحاب منها عبارة القواعد و التحرير و اللمعة و غيرها، لكنه قيد بالخفيف في آخر منها

كالصحيح (3)«و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا»

و المعتبرين (4)الواردين فيمن لا يدري كم صلى أنه يبني على الجزم و يسجد سجدتي السهو و يتشهد تشهدا خفيفا نحو كثير من الفتاوى، بل في المفاتيح أنه المشهور، بل في الذكرى و غيرها نسبته إلى فتوى الأصحاب.

و المراد بالخفيف كما في الرياض و عن المبسوط و البحار مجرد الشهادتين و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله)، بل في الأول أنه عزاه في الأخير إلى الأصحاب، و ربما احتمل إرادة التشهد المعهود في الصلاة، و الخفة تخفيف الأجزاء المندوبة، و هو عين

الأول بناء على أن التشهد المعهود في الصلاة هو الشهادتان و الصلاة على النبي


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التشهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6 و الباب 13 منها- الحديث 2.

ج 12، ص: 452

(صلى الله عليه و آله)، و إلا كان الأول أولى منه، لكن الأمر سهل بناء على كون التخفيف رخصة كما هو صريح تعليق الإرشاد للكركي و الروض و محتمل أو ظاهر غيرهما لورود الأمر به مورد توهم وجوب غير الخفيف لا عزيمة، و إن كانت هي أحوط في امتثال ظاهر الأمر المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه، إلا أن الأول أقوى، و به يجمع حينئذ بين إطلاق النصوص و بعض الفتاوى و بين المقيد منهما، و على كل حال فاحتمال إرادة الاقتصار على مجرد الشهادتين من الخفيف دون الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله)- لعدم اندراجها في إطلاق التشهد، فضلا عن الخفيف منه كما عساه يوهمه ما حضرني من نسخة الروض- باطل قطعا، خصوصا بعد ما في المعتبر من أن الواجب السجدتان و الشهادتان و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) بإجماع علمائنا، و ربما يستفاد من حصره الواجب في ذلك زيادة تأييد لإرادة ما تقدم أولا من الخفة مقابل الاحتمال الذي سمعته.

و أما التسليم فقد يومي تركه في بعض النصوص (1)في مقام البيان و الحصر في

الموثق (2)السابق إلى عدم وجوبه، كما هو صريح المختلف و ظاهر عدم نصه عليه في القواعد، بل في تعليق الإرشاد أن عبارات جميع الأصحاب خالية من إيجابه و أنه لم يثبت بالإجماع، لكن التتبع شاهد بخلافه، لذكرهم التسليم مع التشهد، بل في الذكرى و عن غيرها نسبته إلى فتوى الأصحاب، بل في المعتبر أن رواية عمار يعني الموثق المشعر بعدم وجوب التسليم متروكة، بل قد حكى في المدارك عنه و عن المنتهى الإجماع عليه و إن كنت لم أجده في الأول منهما، بل في مفتاح الكرامة «أن عبارات القدماء كالمفيد


1- 1 الوسائل- الباب- 20 و 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الباب 7 و 8 و 9 من أبواب التشهد.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 453

و السيد و الشيخ و أبي يعلى و أبي المجد و أبي عبد الله محمد بن إدريس و المتأخرين كالمحقق و غيره ممن تأخر عنه قد طفحت بأنه يتشهد و يسلم، و إنما خلت عنه عبارة المقنع و القواعد» إلى آخره، و مع ذلك كله فقد رواه عبد الله بن سنان (1)و أبو بصير(2)في الصحيح، فالقول بوجوبه حينئذ هو المتعين كما هو واضح.

و الظاهر من النصوص و الفتاوى إرادة التسليم الذي يخرج به عن الصلاة، بل الظاهر خصوص صيغة «السلام عليكم» لكن أرسل عن أبي الصلاح أنه قال: ينصرف عنهما بالتسليم على محمد و آله صلى الله عليهم، و لم أعرف له شاهدا، و لعله يريد التسليم على النبي (صلى

الله عليه و آله) الذي يقال في الذكر، فيكون حينئذ موافقا للقائل بعدم وجوب التشهد و التسليم بعد رفع الرأس منهما، و قد عرفت ضعفه في المقامين، إلا أن المنقول عنه أن ذكرهما عنده الخالي عن التسليم كما تعرفه، و أنه أمر بالتشهد الخفيف بعد رفع الرأس منهما، ثم قال: «و ينصرف عنهما بالتسليم على محمد و آله صلى الله عليه و آله».

و كيف كان ف هل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد ينشأ من الأصل و ظاهر الحصر في الموثق السابق منضما إلى نفي التسبيح عليه فيه الذي يمكن دعوى نفي غيره بالأولوية باعتبار أنه نص فيه على نفيه لدفع توهم وجوبه من إطلاق السجود المنصرف إلى سجود الصلاة، و إطلاق غيره من الأخبار الواردة في مقام البيان، و قصور ما يمكن استفادته منه عنه من وجوه منها الاضطراب في متنه و غير ذلك، و من الاحتياط في البراءة عن الشغل اليقيني، و

صحيح الحلبي (3)المروي في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «تقول في سجدتي السهو: بسم الله و بالله و صلى الله على محمد و آل محمد» و عن بعض النسخ «و على آل محمد» قال: و سمعته مرة أخرى «يقول: بسم الله و بالله السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 454

عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته»

و نحوه في التهذيب، لكن بزيادة الواو قبل السلام بل و الكافي أيضا، لكن أبدل قوله: «و صلى الله» باللهم صل على محمد و آل محمد كما عن بعض نسخ الفقيه، و من هنا وقع الخلاف في ذلك بين الأصحاب، فالمشهور كما في الذكرى على الثاني، و المصنف في المعتبر و النافع و الفاضل في المنتهى و المختلف و الخراساني على الأول، و لعله ظاهر نهاية الشيخ و المهذب البارع، و اختاره الأردبيلي على ما قيل، و نفى عنه البعد في المدارك، و كأنه مال إليه في الرياض، و لعله الأقوى في النظر لما عرفت و لما في الصحيح من الاضطراب، بل قد ضعف أولا بارتفاع منصب الامام عليه السلام عن السهو خصوصا في العبادة، و ثانيا باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم.

و ربما يدفع الأول بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه الإفتاء لا أنه سها كما يومي اليه قوله (عليه السلام) فيه أولا «تقول» و إن كان قد ينافيه قوله (عليه السلام) ثانيا فيهما، و فيه أن مجرد جواز ذلك غير كاف في ثبوت المطلوب، إلا أن يدعى ظهوره بذلك كما في المدارك، و به حينئذ يندفع الثاني، ضرورة ظهوره- و إن كان هو بالجملة الخبرية- في الوجوب، لكن لا يخفى على الفقيه الممارس قصور مثل هذه الدلالة مع هذا الاضطراب عن إثبات الوجوب، فضلا عن أن يعارض تلك الإطلاقات و الموثق (1)المعتضد بالأصل و غيره مع صراحة دلالته أو ظهوره ظهورا قريبا إلى الصراحة، و دعوى الانجبار بالشهرة يدفعها أنه لا صراحة في كلماتهم بالوجوب على وجه تتحقق به شهرة

معتد بها، فلا بأس بالعمل بها على وجه الاستحباب.

و على كل حال ف لو وجب الذكر فهل يتعين بلفظ بالخصوص؟ الأشبه عند المصنف و التحرير و الموجز و الذخيرة لا كما عن المبسوط، فيجزي حينئذ جميع ما سمعته في الصحيح و غيره من الأذكار أيضا و لو على التفريق بين السجدتين، لقصور


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 12، ص: 455

الصحيح (1)عن التعيين، فيبقى السجود حينئذ منصرفا إلى ما هو المتبادر منه أعني سجود الصلاة الذي لا يتعين فيه ذكر خاص عند بعضهم، لكن عن حاشية الإيضاح أنه يجوز كل واحد من الذكرين معا و بالتفريق، و ظاهره الاقتصار على ما في الصحيح على اختلافه، كظاهر الروضة و المقاصد العلية أو صريح الأخيرة، و عن المقنع و المقنعة و السرائر التخيير بين الصورتين مع ذكر «اللهم صل على محمد و آل» بدل «صلى الله على محمد و آل محمد» و عن الجملين للسيد و الشيخ و المراسم و الغنية الاقتصار على ذكر «بسم الله و بالله اللهم صل على محمد و آل محمد» في السجدة الأولى و «بسم الله و بالله السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته» في الثانية، و في مفتاح الكرامة نقلت هذه الصورة عن التقي، و لعل ذلك كله مؤيد للاستحباب عند التأمل و إن كان الأحوط بناء على الوجوب المحافظة على ما في

الصحيح، بل لعل الأولى الاقتصار على الصورة الثانية أعني المشتملة على التسليم، لاتفاق رواة الصحيح عليها إلا بزيادة الواو و عدمها، و قد جزم المولى الأكبر بأن الأصح ترك الواو دون الأولى لاختلافهم فيها كما عرفت و إن كان الأقوى التخيير بين الجميع بناء على أن اختلاف النسخ كاختلاف الأخبار.

و يجبان على الفور عرفا كما صرح به بعضهم، بل قد يشعر ما في شرح المولى الأكبر بالإجماع عليه، كما أنه في الذخيرة و الكفاية نسب وجوب المبادرة إليهما قبل فعل المنافي للأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه، لأنه المنساق و المتيقن من الأدلة بل لعله الظاهر من لفظ «بعد السلام» في بعضها(2)و «أنت جالس» في آخر(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 8.

ج 12، ص: 456

و «بعد السلام و قبل الكلام» في ثالث (1)و نحو ذلك مما هو ظاهر كمال الظهور في ذلك، بل قيل: إنه قضية الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة، و إن كان هو لا يخلو من نظر كاستفادة عدم الفورية من العطف بثم في بعض الأخبار(2)إذ لا ريب في إرادة مجرد الترتيب منها، و على كل حال فما عن ظاهر إرشاد الجعفرية من التأمل في الفورية في غير محله.

نعم لا يقدح فيها التأخر في الجملة مما لا ينافي الفورية عرفا و لا التأخر لتحصيل شرائطهما من الطهارة و الستر و نحوهما، إذ الاشتغال بمقدماته اشتغال به، فلا تنافي الفورية نعم بناء على استحباب مثل ذلك فيهما لا الشرطية يشكل جواز تأخيرهما للاشتغال بتلك المقدمات، لكن قضية حكمهم برجحانها لهما جواز التأخير لها أيضا و إن كانت مستحبة اللهم إلا أن ينزل على إرادة استحباب إيقاعهما باقيا على حال الصلاة بمعنى أنه لا يحدث عمدا أو يرمي الساتر أو نحو ذلك لا أنه يستحب استئناف مثل ذلك لهما لو اتفق ذهاب تلك الحالة أو أنه أذهبها عمدا، و إلا لاتجه القول حينئذ باشتراط السجدتين بهذه الأمور كي لا ينافي الفورية، ضرورة أنه أولى من دعوى كون المراد بالفورية ما لا ينافيها و إن لم تكن هي شرائط لهما، لعدم دليل يرتكب بسببه هذا التصرف في الفورية التي هي ظاهر الأدلة و مقتضى أصالة إرادة الحقيقة فيها، و إن كان قد يخدش ذلك بعدم صلاحية مثل هذا الأصل و الظهور في الفورية لإثبات حكم شرعي هو اشتراطهما بالطهارة مثلا لثبوت جواز فعلها لهما، و لا يمكن مجامعة ذلك للفورية الحقيقية إلا بأن تكون الطهارة مثلا شرطا لها كي لا تنافي الفورية، إذ هو كما ترى لا يحصل منه الظن بالحكم، و لا هو


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.

ج 12، ص: 457

طريق متعارف لإفادته، فالمتجه حينئذ الحكم بالفورية و الحكم بجواز الطهارة لهما لو ثبت بإجماع و نحوه من غير تعرض للشرطية و عدمها، فيحتمل أنه شرط و تبقى الفورية على حالها، و يحتمل أنه غير شرط إلا أنه جاز تقديمه عليه لأنه مكمل، فيراد بالفورية حينئذ ما لا ينافي نحو ذلك، و لما استظهرنا هناك عدم الشرطية كان المتجه عندنا الثاني، إلا أنه لم يثبت عندنا جواز فعل الطهارة لهما، لما عرفته من الاحتمال السابق قريبا، بل لعل ظاهر الأدلة خصوصا الخبر(1)الآمر بفعلهما متى ذكرهما لو نسيهما خلافه، بل و أدلة الفورية أيضا، فتأمل جيدا، هذا.

و لكن من المعلوم أنه لا تلازم بين فورية السجدتين و بين بطلان الصلاة إذا لم يسجد فلو أهملهما عمدا أو نسيهما لم تبطل الصلاة كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في الخلاف، فقال فيه على ما حكي عنه: هما واجبتان و شرط في صحة الصلاة كما عن بعض العامة، و تبعه المولى الأكبر في شرح المفاتيح، بل قيل: إنه قد يظهر من المعتبر موافقته أيضا، و لا ريب في ضعفه، للأصل بناء على التحقيق من جريانه في العبادة، و ظهور الأدلة في تمامية الصلاة أجزاء و شرائط، و عدم توقف صحتها بعد على شي ء آخر و إن وجب السجدتان إرغاما لأنف الشيطان، و إطلاق ما دل على صحة الصلاة مع الكلام نسيانا أو القيام في محل القعود أو غير ذلك من موجبات السجود سجد أو لم يسجد، و لأن الشيخ و إن قال بالشرطية لكنه وافق على وجوب سجود السهو و إن طال الزمان لو نسيهما، لما ستعرف؛ و لذا تعجب منه في المختلف، و لعله لأن قضية الشرطية فساد

الصلاة، فلا يجامع الوجوب المزبور، إلا أنه قد يدفع بالفرق بين العمد و النسيان، فيخص البطلان بالأول دون الثاني، لكنه بعيد بل ممنوع أو يدفع بأن المقتضي للبطلان الترك بالمرة لا التأخير و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 458

عصى به في العمد بناء على الفورية، فتبقى حينئذ صحة الصلاة مراعاة إلى حين الموت، فان جاء بهما صحت، و إلا بطلت و وجب قضاؤها عنه حتى لو كان تركه لهما نسيانا، و هو كما ترى مع بعده في نفسه جدا لا يساعد عليه دليل، بل ظاهر الأدلة خلافه.

فما في شرح المولى الأكبر للمفاتيح- من موافقة الشيخ في البطلان ناسبا له إلى ظاهر غيره من الأصحاب، لقولهم: يجب السجدتان لكذا، و مستدلا عليه بظاهر النصوص التي يستفاد الشرطية غالبا من أمثالها، خصوصا ما جعل فيها تداركا لسهو، إذ المتبادر من إيجاب شي ء عند وقوع خلل كونه تداركا و علاجا، فإذا لم يأت به لم يكن آتيا بالمأمور به على وجهه، و خصوصا بعد زيادة التأكيد فيها في المبادرة إلى فعلها، و أنها بعد السلام و قبل الكلام و أنت جالس و إذا سلمت و نحو ذلك مما هو ظاهر في أن وقتهما هذا لا مدة العمر، و بتوقف البراءة اليقينية عن الشغل اليقيني على فعلهما- لا يخلو من نظر من وجوه، مع أن ظاهره الإبطال في صورتي العمد و النسيان بمجرد التأخير عن وقت الفورية، و كأنه مخالف للمجمع عليه حتى من الشيخ، إذ قد عرفت أنه و إن كان قائلا بالبطلان لكنه وافق المصنف و غيره من الأصحاب في أن عليه الإتيان بهما و لو طالت المدة لعدم ظهور التوقيت من الأخبار المزبورة، بل هي مجرد فورية كما لا يخفى على من لاحظها، خصوصا بعد فهم الأصحاب و بعد التأييد ب

موثق عمار(1)سئل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو، قال: يسجدها متى ذكر، و عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتى يصلي الفجر كيف يصنع؟ قال: لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها»

و احتمال طرحه لاشتماله على غير ما نحن فيه من الأحكام التي لا يقول بها الأصحاب- بعد أن كان حجة في نفسه، و معمولا به بين الأصحاب هنا و لا معارض صريح له،


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 12، ص: 459

بل و لا ظاهر لا ينبغي أن يصغى اليه، كاحتمال قصر ذلك على صورة النسيان خاصة، مع أني لا أعرف قائلا به، بل كأنه خرق للإجماع أيضا، فلا ريب في عدم توقيتهما بما ذكر.

نعم يجبان فورا كما عرفت، فيأثم لو أخرهما عمدا و يأتي بهما في ثاني الأوقات أو ثالثها كما لو نسي، و لا تسقط الفورية أيضا بالتأخير كما هو ظاهر الموثق و الفتاوى إن لم نقل إن الأصل في كل واجب فوري ذلك، و لا ينافيه ما في ذيله من التأخير حتى تطلع الشمس، إذ هو إن لم نطرحه في خصوص ذلك كما

هو ظاهر إطلاق الأصحاب، أو لم نحمله على ما لا ينافي الفورية عرفا بأن كانت صلاة الفجر قريبا من طلوع الشمس وجب الاقتصار عليه خاصة كالتأخير لتحصيل الطهارة و الساتر و نحوهما مما يحصل به كما لهما بناء على عدم شرطيتهما بذلك و على جواز التأخير لها لو كان المكلف فاقدا لها، فتأمل.

و كذا لا ريب في عدم توقف الصحة على فعلهما رأسا، لما عرفت مما لا يصلح معارضة ما ذكره له من تلك الاشعارات المعارضة بمثلها، بل أقوى منها، خصوصا بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب، لا أقل من الشك، و ما شك في شرطيته عندنا ليس بشرط و دعوى أنهما ليسا من الشرائط- لأنهما لتدارك أمر داخل في الصلاة، فيكونان داخلين فيها، إذ ما كان عوض الداخل داخل- لا محصل لها عند التأمل، على أن التحقيق عندنا مساواة الأجزاء للشرائط في الانتفاء عند الشك، و الله أعلم.

ج 12، ص: 460

إلى هنا تم الجزء الثاني عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله، و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف قدس روحه الشريف، و قد خرج بعون الله خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر و حسر عنه النظر، و يتلوه الجزء الثالث عشر في قضاء الصلوات إن شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.