جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام الجلد 11

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج11، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الصلاة]

[خاتمة]
[قواطع الصلاة قسمان]
اشاره

ج11، ص: 2

قواطع الصلاة قسمان

[أحدهما يبطلها عمدا و سهوا]

أحدهما يبطلها عمدا و سهوا، و هو كل ما يبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختيار أو خرج كالبول و الغائط و ما شابههما من موجبات الوضوء، و الجنابة و الحيض و ما شابههما من موجبات الغسل بلا خلاف أجده في حال العمد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعل المنقول منه متواتر، بل قد أجاد من ادعى ضروريته من المذهب، فمن الغريب ما يحكى عن المجلسي (رحمه الله) من قوة ما عساه يظهر من إطلاق الصدوق عدم بطلان الصلاة بالحدث عمدا بعد الجلوس من السجدة الثانية من الركعة الرابعة بل يتوضأ و يرجع، للنصوص (1)التي ستسمعها، مع أن سياق عبارته إنما تقتضي السهو، خصوصا و المحكي عن أماليه أن ذلك من دين الإمامية، على أنه غالبا يعبر بمضمون النصوص، كما أنه من الغريب أيضا ما ظن من إطلاق المحكي عن العماني عدم إبطال الحدث للصلاة بالطهارة الترابية إذا أصاب ماء بعد الحدث، فإنه يتوضأ و يرجع لإتمام الصلاة و إن أحدث عمدا، إذ لا يبعد أن يكون من ظن السوء في المؤمن المنهي عنه في الشريعة، بل لعل السهو أيضا كذلك، بل في التذكرة و عن الأمالي و الناصرية و نهج الحق و نهاية


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد.

ج 11، ص: 3

الإحكام الإجماع عليه، و كذا مجمع البرهان و عن الروض لكن إذا كانت الطهارة مائية و في التهذيب «منعت الشريعة للمتوضئ إذا صلى ثم أحدث أن يبني على ما مضى من صلاته، لأنه لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه» و سياق كلامه يقتضي الأعم من السهو و العمد، بل كاد يكون كالصريح منه، كما أنه يظهر من الأصحاب في غير المقام المفروغية من هذا الحكم، و لذا استدلوا ببعض النصوص (1)المتضمنة للحدث قبل التسليم على استحبابه و ندبيته.

لكن و مع ذلك ففي المتن قيل: لو أحدث ما يوجب الوضوء سهوا تطهر و بنى و ليس بمعتمد و لم أجده لأحد من الأصحاب و إن كان قد حكي عن خلاف الشيخ و مبسوطة و مصباح المرتضى، و

لم يحضرني الثالث منها، أما الأول فالذي فيه «أن من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما و هو الأحوط أنه يبطل صلاته» و مثله حكي عن المرتضى، و هو مع أنه في السبق لا السهو و كما ترى لا يعد مخالفا، خصوصا و قد قال في الخلاف بعد أن حكى خلاف العامة: دليلنا و ذكر نصوص المشهور و الرواية المخالفة، ثم قال: و الذي أعمل عليه و أفتي به الرواية الأولى و خصوصا بعد ما عرفت من نفيه الخلاف في التهذيب كالإجماع من الناصريات. و أما الثاني فقد قال فيه أولا: إن تروك الصلاة على ضربين: مفروض و مسنون، و عد من الأول أن لا يحدث ما ينقض الوضوء، ثم قال: و هذه التروك الواجبة على ضربين:

أحدهما متى حصل عامدا كان أو ناسيا أبطل، و هو جميع ما ينقض الوضوء، فإنه إذا انتقض الوضوء انقطعت الصلاة، و قد روي أنه إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء و بيني، و الأحوط الأول، و ظاهره أو صريحه الموافقة أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 5 و الباب 3- من أبواب التسليم- الحديث 2 و الباب 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.

ج 11، ص: 4

و على كل حال فقد كان هذا الحكم حقيقا بأن يستغنى بضروريته و غرسه في أذهان عوام المذهب و خواصه عن حفظ الأخبار الخاصة به و ذكرها في الكتب كغيره من الأحكام التي هي أقل منه في الضرورة، خصوصا بعد معروفية عدم العمل في الصلاة الذي قد تضمنته النصوص معرضة به للعامة العمياء الذين سوغوا فيها الأعمال من الوضوء و نحوه و عدم قابليتها لوقوع الفعل الكثير فيها، خصوصا إذا استلزم التفاتا و كلاما و نحوهما، و خصوصا إذا كان ماحيا، و شدة التحفظ عن خروج الحدث في المستحاضة و المسلوس و غيرهما، و ظهور نصوص المبطون (1)في اختصاصه بالحكم المذكور فيه من الوضوء أو البناء عند من قال به، و معلومية كون تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم، و ما لوحت اليه النصوص (2)يأمر الإمام المحدث بأن يستنيب أحدا، مع أنه لو جاز الوضوء و البناء فيها لذكر في شي ء من تلك النصوص، ضرورة سبق خطوره في الذهن بعد فرض مشروعيته و ظهور نحو

قوله(3): «لا صلاة إلا بطهور»

و غيره مما دل على اعتباره ك بعض الصحاح (4)التي جعلته كالوقت و الركوع في إرادة الاتصال في هذا الشرط كغيره من الشرائط من الاستقبال و الستر و نحوهما، و لعله هو المتبادر في كل شرط لمركب جعل الاتصال جزءا منه، ضرورة عدم كون المراد من كونه شرطا له عدم وقوع جزء منه بدونه، و لو سلم فالاتصال منها بل هو معظمها، و به استحقت اسم القطع و الانقطاع و نحوهما مما لم يطلق فيما لم يعتبر فيه ذلك كالغسل و نحوه، بل يطلق عليه اسم النقض و نحوه، إلى غير ذلك مما يقف عليه الفقيه المتبحر في نصوصهم


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 3 و 4 و الفقيه اج 1 ص 237- الرقم 1043 من طبعة النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء- الحديث 3 و 8.

ج 11، ص: 5

(عليهم السلام)، خصوصا الوارد منها في الصلاة و الأحداث كبيرها و صغيرها.

لكن و مع ذلك فلم تخلو بحمد الله النصوص الواصلة إلينا عن التعرض للحكم بالخصوص، فمنها

معتبر الحضرمي أو صحيحه (1)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «إنهما كانا يقولان: لا تقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء و البول و الريح و الصوت»

و

موثق عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) الظاهر في السبق اضطرارا فضلا عن غيره، سأله «عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال:

إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوءه و إن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة»

و

قوي ابن الجهم (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة فقال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا (صلى الله عليه و آله) رسول الله فلا يعيد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد»

و

خبر علي بن جعفر(4)المروي عن قرب الاسناد و كتاب المسائل عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن رجل يكون في صلاته فعلم أن ريحا قد خرجت منه و لا يجد ريحا و لا يسمع صوتا قال: يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتد بشي ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا»

و

خبر أبي الصباح الكناني (5)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الرجل يخفق و هو في صلاة فقال: إن كان لا يحفظ حدثا إن كان فعليه الوضوء و إعادة الصلاة، و إن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء.»

و الظاهر إرادته من ذلك التفصيل بين النوم الغالب فيكون حدثا، و عدمه فلا يكون، و

خبر الحسين بن حماد(6)عن الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 5.

ج 11، ص: 6

(عليه السلام) «إذا أحس الرجل أن بثوبه بللا و هو يصلي فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فيمسه بفخذه فان كان بللا فليتوضأ و ليعد الصلاة، و إن لم يكن بللا فذلك من الشيطان»

إلى غير ذلك.

مضافا إلى ما يومي اليه في الجملة من النهي عن الصلاة حال مدافعة الأخبثين (1)خصوصا

خبر البجلي (2)منها «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو مستطيع أن يصبر عليه أ يصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال: إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل و ليصبر»

إلى غير ذلك مما يعلم منه طرح صحيح الفضيلي (3)و خبر القماط(4)أو حملهما على التقية،

قال في أولهما: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال: انصرف ثم توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، فان تكلمت ناسيا فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا، قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة قال: نعم و إن قلب وجهه عن القبلة»

و

قال في الآخر: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول و هو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة قال: فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام، قلت: و إن التفت يمينا و شمالا أو ولى عن القبلة قال: نعم كل ذلك واسع، إنما هو بمنزلة الرجل سها فانصرف في ركعة

أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة، فإنما عليه أن يبني على صلاته، ثم ذكر سهو النبي (صلى الله


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 11.

ج 11، ص: 7

عليه و آله)

ضرورة أن هذا محل امتثال أمرهم (عليهم السلام) بطرح الأخبار الشاذة المخالفة للمعلوم من السنة و للمشهور بين شيعتهم و خاصتهم، و الموافقة لما في أيدي المخالفين الذين جعل الله الرشد في خلافهم، إذ المحكي عن الشافعي في القديم و أبي حنيفة و ابن أبي ليلى و داود الوضوء ثم البناء في صورة السبق، بل المحكي عن الشافعي منهم أن له إخراج الحدث بعد ذلك اختيارا ثم الوضوء و البناء، لأنه حدث طرأ على حدث، و لأنه حدث واحد، و لنحو ذلك من الأمور التي سببها القياس و الاستحسان و بعض الأحاديث المفتراة، و قد لوح الخبران المزبور ان إلى إرادة التقية في ذلك بذكر القياس فيهما مع أن المقيس عليه عندنا باطل كما تسمعه في محله، و بذكر سهو النبي (صلى الله عليه و آله) و بالأمر بالانصراف بنفس وجود الغمز و نحوه مما هو ليس حدثا عندنا فلا يوجب وضوءا، و احتمال إرادة قضاء الحاجة من الانصراف فيه لشيوعه في ذلك و لشهادة الخبر الثاني مستلزم لجواز فعل الحدث عمدا الذي هو باطل بالضرورة عندنا، اللهم إلا أن يحمل على ما سمعته من الشافعي من جواز العمد للحدث بعد فرض السبق منه بناء على إرادة الكناية من قوله فيه: أذى و ضربانا و غمزا عن مفاجاة الحدث لذلك، فأمر حينئذ بالانصراف و إتمام بقية الحدث ثم الوضوء و البناء نحو ما سمعته من الشافعي، على إرادة الكناية من قوله فيه: أذى و ضربانا و غمزا عن مفاجاة الحدث لذلك، فأمر حينئذ بالانصراف و إتمام بقية الحدث ثم الوضوء و البناء نحو ما سمعته من الشافعي، على أن في إطلاقهما نفي البأس عن الالتفات عن القبلة المخالف للنصوص المفتي بها حتى ممن نسب اليه الخلاف هنا كما قيل شذوذا آخر، كحصر هما النقض بالكلام، و الأمر أو الرخصة بالرجوع إلى مصلاه الذي قد يستلزم فعلا كثيرا و محوا للصورة و التفاتا عن القبلة و غير ذلك، مع أن الضرورة تقدر بقدرها، و كأنه لذلك فرقت بين التكلم و الانحراف عن القبلة، لأن التطهير و البناء يستلزمه غالبا دون الكلام، إلى غير ذلك مما لا يليق بعده لمن له أدنى بصيرة في الفقه الركون إليهما، خصوصا و في سند أحدهما محمد ابن سنان و موسى بن عمران، و قد ضعف الأول الأكثر، و الثاني مجهول، كما أنه

ج 11، ص: 8

لا حاجة بعد ذلك إلى تأويلهما بما لا ينافي المختار و إن أتعب نفسه فيه الفاضل الأصبهاني في كشفته، مع أنه يمكن القطع بعدم قبولهما له، و لعله لبعد احتمال التقية في المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) منهما، لأن القول بالبناء من العامة إنما حدث بعده، لكن فيه منع، و على تقديره فالطرح حينئذ لازم.

و كذا الكلام حرفا بحرف في النصوص المتضمنة للحدث قبل التشهد الأخير المشتملة على الأمر بالوضوء ثم الإتمام، ك

صحيح زرارة(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال: تمت صلاته، و إنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ و يجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد»

و

صحيحه الآخر(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد قال: ينصرف فيتوضأ، و إن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته»

و

موثق عبيد ابنه (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت و بقي التشهد، و إنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد»

و

خبر ابن مسكان (4)المروي عن محاسن البرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت، و أما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد»

ضرورة أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 2 لكن روى عن عبيد بن زرارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 11، ص: 9

لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم (عليهم السلام) و كيفية محاوراتهم و إحاطة خبرا بما ذكرناه من اتفاق النصوص (1)و الفتاوى على بطلان الصلاة بالحدث في أثنائها من غير إشارة في شي ء منها إلى التفصيل بين التشهد و غيره- بل في خبر ابن الجهم (2)منها ظهور في العدم بالخصوص، كمفهوم

خبر الخصال (3)بسنده إلى علي (عليه السلام) «إذا قال العبد في التشهد الأخير و هو جالس: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته»

و غيره، و أحاط خبرا أيضا بما سمعته من العامة العمياء، و خصوص ما ذهب إليه أبو حنيفة و مالك و الثوري و الشافعي في أحد قوليه و أحمد في إحدى الروايتين من أن التشهد الأخير سنة و ليس بواجب، و ما ذهب

إليه أيضا من الخروج من الصلاة بالحدث، و تأمل أيضا في هذه النصوص و تعبيرها بالسنة و أن الصلاة قد تمت و قد مضت و نحوهما مع ترك الاستفصال في الحدث أنه عمد أو سهو أو اضطرار، و التخيير له في أي مكان شاء قعد و تشهد حتى المكان البعيد المستلزم لجل منافيات الصلاة و غير ذلك- حصل القطع بأنها خرجت مخرج التقية و لذا أعرض الأصحاب عنها قديما و حديثا عدا ما عساه يظهر من الفقيه في باب أحكام السهو «فان رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة و أحدثت فإن كنت قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك، و إن لم تكن قلت فقد مضت، صلاتك فتوضأ ثم عد إلى مجلسك و تشهد» قيل: و الكليني في الكافي حيث عقد لها فيه بابا و لم يذكر ما يعارضها، و ربما مال إليها بعض متأخري المتأخرين، بل جزم الفاضل الأصبهاني منهم به، و لعله لاعتبار أسانيدها و معارضتها لمعظم الأدلة السابقة بالإطلاق و التقييد،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 5.

ج 11، ص: 10

و قصور خبر ابن الجهم و الخصال عن مقاومتها، لكنك خبير بما في ذلك بعد الإحاطة بما ذكرنا، بل لا بأس بدعوى الإجماع في المقام على نفي التفصيل المزبور كما يستفاد من بعضهم، ضرورة عدم قدح مثل ذلك فيه، كما هو واضح.

و يمكن حمل بعض النصوص المزبورة مضافا إلى ما عرفت على نسيان التشهد و التحليل بالتسليم ثم الحدث بعده، فإنه يتجه حينئذ الأمر بقضاء التشهد، و لا يكون حدثا في أثناء الصلاة، بل ربما كان ذلك متجها في جميعها، و لا ينافيه الأمر بالتسليم مع التشهد بعد الوضوء، إذ قد يلتزم بإعادته لعدم وقوعه بعد التشهد في الأول و إن كان قد حصل التحليل به و خرج عن صدق كونه في أثناء الصلاة، نعم يتوقف هذا التوجيه على القول بعدم قدح تخلل الحدث بين الصلاة و أجزائها المنسية من السجدة و التشهد، و قد قال في الذكرى: «لا فرق بين التشهد الأول و الأخير في التدارك بعد الصلاة عند الجماعة في ظاهر كلامهم سواء تخلل الحدث بينه و بين الصلاة أولا» ثم حكى خلاف ابن إدريس في ذلك، و لتحرير البحث فيه مقام آخر.

و يمكن حملها أيضا على صورة نسيان التشهد و التسليم بمعنى أنه أحدث بتخيل أنه قد أتم الصلاة فبان بعد ذلك عدم التشهد و التسليم بناء على ما ذكرناه سابقا من عدم انحصار التحليل و الخروج بالتسليم حتى في صورة السهو، بل آخر الصلاة حال السهو ما لم يستلزم نقص ركن، لحصر المبطل نصا و فتوى عمدا و سهوا فيه خاصة أو مع زيادته، و التسليم ليس منه قطعا، و دعوى أن البطلان من حيث فعل المنافي في الأثناء لا من حيث ترك التسليم كي ينافي ذلك قد عرفت دفعها فيما تقدم، أو على غير ذلك.

ثم لا يخفى عليك جريان جميع ما ذكرنا في بعض النصوص المتقدمة سابقا في التسليم المتضمنة أيضا لتمام الصلاة مع الحدث قبله، بناء على المختار من وجوب التسليم و جزئيته

ج 11، ص: 11

حتى الحمل على التقية أيضا، لشهرة القول بالخروج عن الصلاة و تمامها بالحدث من أبي حنيفة، نعم لم أعرف أحدا من الأصحاب التزم بالتفصيل هنا بمعنى عدم قدح الحدث و لو سهوا في الصلاة إذا كان قبل التسليم مع القول بوجوبه و جزئيته كما التزمه من عرفت في التشهد و التسليم، اللهم إلا أن يكون ذلك بعض دعواه، فيتوضأ حينئذ و بيني على ما مضى و يسلم، و يرد عليه ما عرفت، بل هنا أولى، ضرورة عدم الأمر بالوضوء و البناء في شي ء من النصوص.

فظهر حينئذ أنه لا صورة تصح بها الصلاة مع الحدث في الأثناء عمدا و سهوا و سبقا في غير المعلوم خروجه من المبطون و المسلوس و المستحاضة مثلا، نعم قال الشيخ و ابن حمزة في الواسطة فيما حكي عنه: «إن المتيمم إذا دخل في صلاته و أحدث سهوا ثم أصاب الماء توضأ و بنى» و عن العماني ذلك أيضا إلا أنه أطلق و لم يشترط النسيان، نعم في الذكرى أن الجميع قد اشترطوا عدم تعمد الكلام و عدم استدبار القبلة، و استحسنه في المعتبر و مال إليه في الذكرى و جزم به في مجمع البرهان، بل هو ظاهر الصدوق أيضا حيث أنه أورد في الفقيه أحد الصحيحين الدالين على ذلك، و قد ضمن العمل بما يورده فيه، و كأنه مال إليه العلامة الطباطبائي في مصابيحه، إلا أنه جزم بعدمه في منظومته، و لعله ل

صحيح زرارة و محمد بن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «قلت له: رجل دخل في الصلاة

و هو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء قال:

يخرج و يتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم»

و

صحيحهما الآخر أيضا(2)قال: قلت: كما في التهذيب، و في الفقيه قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 10.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 4 و ذيله في الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 10.

ج 11، ص: 12

«في رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمم و صلى ركعتين ثم أصاب الماء أ ينتقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثم يصلي؟ قال: لا، و لكنه يمضي في صلاته و لا ينقضها لمكان أنه دخلها و هو على طهور بتيمم، قال زرارة: فقلت له: دخلها و هو متيمم فصلى ركعة واحدة و أحدث فأصاب ماء قال: يخرج و يتوضأ و بيني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم».

قال في التهذيب: و لا يلزم مثل ذلك في المتوضي إذا صلى ثم أحدث أن يبني على ما مضى من صلاته، لأن الشريعة منعت من ذلك، و هو أنه لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه» و قال في المعتبر: «و هذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة، و أصلها محمد بن مسلم، و

فيها إشكال من حيث أن الحدث يبطل الطهارة، و يبطل ببطلانها الصلاة، و اضطر الشيخان بعد تسليمها إلى تنزيلها على المحدث سهوا، و الذي قالاه حسن، لأن الإجماع على أن الحدث عمدا يبطل الصلاة، فيخرج من إطلاق الرواية، و يتعين حمله على غير صورة العمد، لأن الإجماع لا تصادمه الرواية، و لا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان، فإنها رواية مشهورة، و يؤيدها أن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث، فلا يبطل بزوال الاستباحة كصلاة المبطون إذا فاجأه الحدث، و لا يلزم مثل ذلك في المصلي بطهارة مائية، لأن الحدث مرتفع، فالحدث المتجدد رافع لطهارته، فيبطل لزوال الطهارة» و كأنه لم يعتد بإطلاق العماني، المسبوقية بالإجماع و معروفية نسبه، أو نزله على خصوص السهو لقرينة، و قال في الذكرى: «رد الرواية في المختلف باشتراط صحة الصلاة بدوام الطهارة، و بالتسوية بين نواقض الطهارتين عمدا و سهوا كابن إدريس و بأن الطهارة المتخللة فعل كثير، و كل ذلك مصادرة، ثم أول الرواية بحمل الركعة على الصلاة تسمية للكل بالجزء، و بأن المراد بما مضى من صلاته ما سبق من الصلوات

ج 11، ص: 13

السابقة على التيمم، قلت: لفظ الرواية «يبني على ما بقي من صلاته» و ليس فيها «ما مضى» فيضعف التأويل مع أنه خلاف منطوق الرواية صريحا».

قلت: المعروف في النسخ «ما مضى» حتى قال في كشف اللثام: لم أر في نسخ التهذيب و غيرها إلا «ما مضى» فلا ضعف في التأويل حينئذ من هذه الجهة، نعم لا ريب في بعد إرادة تمام الصلاة من الركعة، لكن يمكن على لفظ «مضى» إرادة بطلان ما في يده من الصلاة و البناء على صحة الصلاة الماضية بقرينة قوله (عليه السلام):

«التي صلى بالتيمم» ضرورة عدم صدق ذلك على الركعة حقيقة، فهي لم تمض بل بطلت بالحدث، و لعل السائل لما علم أن وجود الماء كالحدث في نقض التيمم سأل أولا عن أنه إذا وجد الماء في الصلاة أ ينتقض تيممه فأجيب بالعدم، و هذا السؤال و جوابه منصوصان في الخبر الثاني، ثم سأل عما إذا اجتمع الأمر ان في الصلاة فأجيب بالانتقاض فكأنه أكد انتقاضه بأنه في حكم مرفوع الحدث، و لذا يبني على ما صلاة بالتيمم، أو لعله (عليه السلام) كان قد علم أنه يريد السؤال عن إعادة ما صلاة بالتيمم، أو لأنه لا يعلم العدم أو يظن الإعادة فأراد إعلامه، و بالجملة يجوز أن لا يكون قوله (عليه السلام):

«يبني» من جواب السؤال و لا السؤال عن حال صلاته تلك و لا يمكن الحكم بالبعد لمن لم يحضر مجلس السؤال و لا حقيقة السمؤول عنه، و يمكن قراءة الخبرين «أحدث» بالبناء على المفعول على معنى أمطر إي أصابه حادث سماوي كما يومي اليه تفريع الإصابة عليه بالفاء، و يكون ذلك كناية عن انتقاض الصلاة برؤية الماء، فيعارضان حينئذ النصوص (1)الدالة بخلافهما المرجحة عليهما بوجوه مذكورة في

باب التيمم، و بالجملة يخرجان حينئذ عما نحن فيه، و لا ينافي ذلك ما في صدر أحدهما من الحكم بعدم الانتقاض برؤية الماء إذا كان قد صلى ركعتين معللا بالاستصحاب، إذ لعله يفرق بين الركعتين


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم.

ج 11، ص: 14

و الركعة خصوصا إذا كانت ثنائية و قد تمت أركانها بتمام الركعتين، فيكون هذان الخبران حينئذ كأخبار الحدث (1)قبل التشهد، لأن رؤية الماء ناقضة كالحدث، و ترك سؤال زرارة عن الفرق بين الاستصحاب في الركعتين و الركعة لعلمه بحقيقة الحال، خصوصا و هو ممن روى الحديث بعد تمام الركعات قبل التشهد الأخير كما سمعته سابقا.

بل من ذلك قد ينقدح في الظن شي ء آخر هو أن المصلحة قضت بإيداع مثل زرارة و محمد بن مسلم و نحوهما من أكابر الرواة الحكم بعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها الذي قد عرفت موافقته للعامة، للستر على الشيعة و حفظا لدمائهم، بل لعل الفقيه مع التأمل في جميع ما ذكرناه سابقا و معروفية بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها بين أطفال الشيعة حتى عد الحكم بالصحة مع ذلك من منكرات العامة و بدعهم يجزم أن هذه النصوص جميعها خرجت هذا المخرج، و ما أدري ما السبب الذي دعا بعض الناس إلى طرح النصوص السابقة و عدم الالتفات إليها أبدا، خصوصا أخبار الحدث قبل التشهد و الركون إلى هذين الصحيحين، و

كون التعارض بالإطلاق و التقييد مشترك بينهما و بين أخبار التشهد، و الاعتبار المذكور في كلام المحقق في غاية الضعف، و إلا لاقتضى جواز التيمم و البناء إذا لم يصب الماء، بل ربما كان الاعتبار يرجح الأخيرة، ضرورة اجتماع الناقضين المقتضيين لبطلان التيمم المستلزم لبطلان الصلاة كما عرفت، بخلافه في المائية قبل التشهد، فالمتجه الجزم يرفض هذين الصحيحين و الحكم بشذوذهما كما هو واضح لكن من رزقه الله معرفة اللسان، و ميزه بفهم كلام أوليائه من بين أنواع الإنسان، و الله أعلم.

[الثاني لا يبطلها إلا فعله عمدا اختيارا]
اشاره

و القسم الثاني لا يبطلها إلا فعله عمدا اختيارا و هو أمور:


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد.

ج 11، ص: 15

[منها وضع اليمين على الشمال]

أحدها وضع اليمين على الشمال المسمى في النصوص (1)و كتب بعض الأصحاب بالتكتيف و التكفير من تكفير العلج للملك بمعنى وضع يده على صدره و التطأمن له، و الظاهر أنه لا حقيقة له شرعية و إن كان قد يوهمه بعض العبارات، نعم ما تسمعه من الحكم الشرعي له إنما هو على بعض أفراده لا مطلق الخضوع و التطأمن كما سيتضح لك أيضا في أثناء البحث، و على كل حال فالمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل في الخلاف و الغنية و الدروس و عن الانتصار الإجماع عليه عدم جوازه في الصلاة،

بل لا أجد فيه خلافا إلا من الإسكافي فجعل تركه مستحبا، و أبي الصلاح ففعله مكروها، و اختاره المصنف في المعتبر للإجماع المحكي المعتضد بالتتبع، و النهي في

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) قلت له: «الرجل يضع يده في الصلاة و حكى اليمنى على اليسرى فقال: ذلك التكفير لا تفعله»

و في

حسن زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) و مرسل حريز(4)«لا تكفر فإنما يصنع ذلك المجوس»

و

المروي عن قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر(5)قال: قال أخي (ع) قال علي بن الحسين (ع): «وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل و ليس في الصلاة عمل»

و

خبر أبي بصير و محمد بن مسلم (6)المروي عن الخصال عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يجمع المؤمن يديه في صلاته و هو قائم بين يدي الله عز و جل يتشبه بأهل الكفر يعني المجوس»

و عن

كتاب المسائل لعلي بن جعفر(7)«سألته عن الرجل يكون في صلاته أ يضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال: لا يصلح ذلك، فان فعل لا يعودن له، ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 7.
7- 7 البحار ج 10 ص 277 المطبوعة بطهران عام 1377.

ج 11، ص: 16

قال علي: قال موسى (عليه السلام): سألت أبي جعفرا (عليه السلام) عن ذلك فقال:

أخبرني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: ذلك عمل، و ليس في الصلاة عمل»

و في

المروي عن دعائم الإسلام (1)عن جعفر بن محمد «إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى و اليسرى على اليمنى، فان ذلك تكفير أهل الكتاب، و لكن أرسلهما إرسالا، فإنه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة»

و زاد في الخلاف الاستدلال بأن أفعال الصلاة يحتاج ثبوتها إلى الشرع، و ليس في الشرع ما يدل على كون ذلك مشروعا و بطريقة الاحتياط.

لكن و مع ذلك كله قال في المعتبر: «و الوجه عندي الكراهية، أما التحريم فيشكل، لأن الأمر بالصلاة لا يتضمن حال الكفين، فلا يتعلق بهما تحريم، لكن الكراهية من حيث هي مخالفة لما دلت عليه الأحاديث (2)عن أهل البيت (عليهم

السلام) من استحباب وضعهما على الفخذين محاذيتين للركبتين، و احتجاج علم الهدى بالإجماع غير معلوم لنا، خصوصا و قد وجد من أكابر الفضلاء من يخالف في ذلك، و لا نعلم من وراه من الموافق، كما لا نعلم أنه لا موافق له، و قوله: هو فعل كثير في غاية الضعف، لأن وضع اليدين على الركبتين ليس بواجب، و لم يتناول النهي وضعهما في موضع معين، و كان للمكلف وضعهما كيف شاء، و أما احتجاج الطوسي (رحمه الله) بأن أفعال الصلاة متلقاة قلنا: حق لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليمين لم يثبت تحريم وضعها، فصار للمكلف وضعها كيف شاء، و عدم تشريعه لا يدل على تحريمه، لعدم دلالة على التحريم، و قوله: الاحتياط يقتضي طرح ذلك قلنا متى، إذا لم يوجد ما يدل على


1- 1 المستدرك- الباب- 14- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة.

ج 11، ص: 17

الجواز أم إذا وجد، لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع، أو نقول متى يحتاط، إذا علم ضعف مستند المانع أم إذا لم يعلم، و مستند المانع هنا معلوم الضعف، و قوله: عندنا تكون الصلاة باطلة قلنا: لا عبرة بقول من يبطل إلا مع وجود ما يقتضي البطلان، أما الاقتراح فلا عبرة به، و أما الرواية فظاهرها الكراهية لما تضمنته من قوله (عليه السلام): إنه تشبه بالمجوس، و أمر النبي (صلى الله عليه و آله) بمخالفتهم ليس على الوجوب، لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية و أنه فاعل الخير، فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره، فاذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهية أولى» إلى آخر ما ذكره.

و لعله لذلك قال المصنف هنا و فيه تردد و رده العلامة في المنتهى بعد أن حكى عنه أكثره و كذا الشهيد في الذكرى و الفاضل الأصبهاني و غيرهما بما حاصله مع زيادة منا أيضا بأن التحريم للنهي و غيره من الأدلة السابقة لا لمجرد الأمر بالصلاة، و ترك المستحب لا يقتضي الكراهية على الأصح، و الإجماع لا يشترط فيه بناء على حجيته معلوميته، ضرورة كونه حينئذ كسائر الأدلة الظنية، و إلا كان محصلا، و لا يقدح فيه وجود المخالف خصوصا من الإسكافي المطرحة أقواله و أبي الصلاح الذي قد سبقه الإجماع و من المعلوم أنه ليس المراد من الكثير الكثرة الحسية في سائر أفراده، بل المراد أنه كذلك بملاحظة دوامه في بعض أفراده، أو بملاحظة النهي عنه صار كثيرا شرعا أي بحكمه، فلا جهة لقوله: «و لم يتناول» إلى آخره، ضرورة تحقق النهي عنه كما عرفت و الفعل الصلاتي هو المحتاج إلى توقيف قطعا، و لا يكفي فيه عدم ثبوت تحريمه ضرورة و إلا لجاز سائر الأعمال في الصلاة على أنها منها، و هو واضح الفساد، خصوصا بعد شيوع أنه لا عمل في الصلاة في نصوصهم (عليهم السلام) و وجوب الاحتياط في العبادة و عدمه محرر في الأصول، فلعل الشيخ يذهب اليه بمجرد حصول الشك في الفراغ اليقيني

ج 11، ص: 18

استصحابا للشغل، و حاشا أصحابنا رضوان الله عليهم من الاقتراح، بل أقصاه أنه لم يصل إلينا الدليل، و يكفي ذلك في حصول الشك، فيجب الاحتياط لما عرفت، و التشبه بالمجوس لا مانع من حرمته إلا ما خرج بالدليل، أو يقال في خصوص المقام يحرم لأنه وقع علة للنهي الظاهر في الحرمة، إلى غير ذلك مما هو واضح.

نعم قد يقال: إن معظم الإجماعات المحكية في المقام ظاهرة بقرينة السياق- و توجه نظر أصحابها إلى البحث مع العامة الذين يذهبون إلى استحبابه، و أنه فعل صلاتي، و الاستدلال باحتياج أفعال الصلاة إلى توقيف، و غير ذلك- في فعل التكفير كما يفعله الناس لا من حيث كونه تكفيرا، و لعله اليه أومأ (عليه السلام) بقوله: «إنه عمل، و لا عمل في الصلاة» ضرورة إرادة العمل على أنه من الصلاة لا مطلق العمل في أثنائها كما لا يخفى على من لاحظ مورد هذه العبارة في نصوصهم (عليهم السلام) فلم يبق حينئذ إلا النصوص، و قد علم الخبير بلسانها ظهورها في الكراهة من اشتمالها على التعليل الذي غالبا يذكر نظيره للمكروهات، و من توسط النهي في حسن زرارة و مرسل حريز بين المكروهات المتبادر منه إرادة الكراهة منه كغيره مما سبقه و لحقه، فيكون حينئذ قرينة على صرف النهي في صحيح ابن مسلم إلى ذلك و إن لم يكن محفوفا، و من

قوله (عليه السلام): «لا يصلح»

و النهي عن العود دون الأمر بالإعادة، و من التعليل بأنه أحرى، و

قوله (عليه السلام): «لا يجمع المؤمن»

و من جريان عادتهم (عليهم السلام) في شدة التأكيد و تكثر الطرق في بيان البطلان و الحرمة إذا كان معروف العكس عند المخالفين لا الاكتفاء بأمثال هذه العبارات، خصوصا و قد أطلقوا (عليهم السلام) استحباب وضع اليدين على الفخذين المقتضي لجواز غيره من سائر أصناف الوضع، و غير ذلك مما لا يخفى على العارف الممارس، مضافا إلى

المروي عن تفسير العياشي عن إسحاق

ج 11، ص: 19

ابن عمار(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت له: أ يضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال: لا بأس، إن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين و قد أنزل الله على نبيه خذ ما آتيتك بقوة، فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها يجلد و قوة، ثم ذكرها في طلب الرزق فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة»

و إن كان ذيله لا يخلو من إشكال، و لعله كلام مستقل لا ربط له بالأول.

و قال في الحدائق: «يحتمل أن يكون المراد نبيه هنا موسى (عليه السلام)، و يحتمل أن يكون نبينا (صلى الله عليه و آله)، و ما ذكر فيه من تماوت بني إسرائيل يحتمل أن يكون راجعا إلى تكفيرهم في الصلاة، فإن المكفر في هيئة المتماوت، و على هذا فالآية دالة على

النهي و الأمر بالدخول بقوة الذي هو عبارة عن وضع اليدين على الفخذين، و على تقدير كونه خطابا لنبينا (صلى الله عليه و آله) يكون المراد أنه ينبغي لهذه الأمة أن يأتوا بذلك من الإرسال على الفخذين و عدم التكفير» قلت: و على كل حال هو ينفي حينئذ احتمال خروج نفي البأس للتقية، ضرورة منافاة ذلك لها، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلعل جميع ما ذكرنا هو الذي ألجأ المحقق إلى القول بالكراهة، ضرورة أنه لم يرد التكفير الذي يفعل بعنوان أنه من الصلاة و من أفعالها المندوبة، كما هو واضح بأدنى تأمل في كلامه، و الظاهر أن التعليل المزبور في النصوص أريد به التعريض و التنبيه على فساد استحسان فعله في الصلاة، فإنه حكي عن عمر لما جي ء بأسارى العجم كفروا أمامه فسأل عن ذلك فأجابوه بأنا نستعمله خضوعا و تواضعا لملوكنا، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة، و غفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع، و كم له و لا بأس عليه، إذ لا يعرف كيفية خدمة الملك إلا وزراؤه، لا يقال: لا ريب في إرادة الحرمة من النهي في النصوص و لو لظهور إرادة التعريض بها للعامة الذين يفعلون


1- 1 المستدرك- الباب- 14- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 11، ص: 20

ذلك بعنوان الاستحباب الصلاتي، و هو لا ريب في حرمته، لأنه تشريع، فحملها على الكراهة حينئذ خلاف الظاهر، لأنا نقول: المسلم انصراف النصوص و انسياقها إلى ما في يد العامة من الفعل نفسه من دون نظر إلى الاعتقاد فيه الذي هو خارج عن حقيقة الفعل، فلا يتقيد المنهي عنه حينئذ من التكفير بذلك، و لا ينافي إرادة الكراهة حينئذ من النهي المزبور المسوق لبيان حكم الفعل نفسه لا من حيث العوارض له من التشريعية و نحوها، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يشكل البطلان حينئذ مع قصد التشريع به بناء على عدم بطلان الصلاة به و أنه محرم خارجي، و لا يمكن دفعه باختصاصه هنا بالنهي عنه الظاهر في الفساد و إن كان المنهي عنه محرما قبل الصلاة، لما سمعته من فرض إرادة الكراهة من النواهي المزبورة و أنها مسوقة لبيان حكم نفس الفعل لا من حيث التشريع به، اللهم إلا أن يدعى ذلك في بعضها دون بعض، فينصرف النهي في صحيح ابن مسلم إلى التكفير المراد به التشريع، بخلافه في حسن زرارة و مرسل حريز، لكنه كما ترى بعيد و تحكم بلا حاكم، فالأولى حينئذ الاقتصار على الحرمة دون الإبطال، أو القول بهما معا للإجماع المحكي في الخلاف و الدروس و عن موضع من المقاصد العلية، بل لعله المراد من نفي الجواز فتخرج حينئذ الإجماعات المحكية في الغنية و الانتصار و الأمالي على ما حكي عن الأخيرين شاهدا أيضا، أو يقال بالمنع من عدم إبطال التشريع في الصلاة بعد استفاضة النصوص أنه لا عمل فيها الذي قد عرفت ظهوره في إرادة ذلك، مؤيدا بما دل على الأمر بالإعادة مع الزيادة في الصلاة و النقصان و غير ذلك مما قدمناه في الأبحاث السابقة، و لعل من نفى البطلان بالتشريع إنما أراد بالنظر إلى نفس حرمته مع قطع النظر عن هذه النواهي الظاهرة في ذلك، إذ احتمال كونها مؤكدة لحرمته لا يراد منها البطلان في غاية الضعف و العرف أعدل شاهد في رده، و من الغريب ما وقع لسيد المدارك تبعا لأستاذه من القول

ج 11، ص: 21

بالحرمة الأصلية هنا للنهي دون البطلان، إذ هو- مع أنه خرق للإجماع المركب كما اعترف به المحقق الثاني في جامعه بل البسيط- مخالف المنساق إلى الذهن عرفا من إرادة الشرطية في كل ما أمر به أو نهي عنه في الصلاة التي هي من المركبات، بل المقصد الأصلي منهما ذلك إذا صدرا من الشارع المعد لبيانهما في بيان المركبات، و قد استدل الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)على بطلان الصلاة حال ترك الاستقبال بالأمر في قوله تعالى (2)«فَوَلِّ وَجْهَكَ»* و الفرق بينه و بين النهي مقطوع بعدمه، إذ هو شرط الوجود، و النهي شرط العدم، و كأنه اغتر بقول الأصوليين باقتضاء النهي الفساد إذا كان نفس العبادة أو جزءها لا الأمر الخارج عنها، و لم يتنبه لاقتضاء العرف، و أن مرادهم هناك الاقتضاء العقلي لا العرفي.

هذا كله في حكم التكفير، و قد عرفت سابقا أنه لا حقيقة له شرعية و إن توهم ذلك من جريان الحكم شرعا على بعض أفراده، و هو وضع اليد على الأخرى، و الظاهر أنه لا فرق فيه بين وضع اليمنى على اليسرى و العكس كما عن مجمع البحرين النص عليه، و يقتضيه ما عن

القاموس من أنه خضوع الإنسان لغيره، ضرورة تعارف كل منهما في الخضوع بين الفرس المعبر عنهم في النصوص بالمجوس على الظاهر، و به صرح الفاضل في القواعد و الشهيد الثاني و غيرهما في معنى التكفير، و اليه يرجع تصريح الشيخ و الشهيد الأول و بني حمزة و إدريس و سعيد فيما حكي عنهم و غيرهم بتحريم وضع اليمين على الشمال و العكس، بل هو معقد إجماع الأول منهم، ضرورة إرادة التكفير من ذلك، لا أن العكس محرم و إن لم يكن تكفيرا، كإرادة المبسوط و غيره ممن عبر بالكتف ذلك أيضا،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القبلة- الحديث 3.
2- 2 سورة البقرة الآية 145.

ج 11، ص: 22

و قد سمعت ما في خبر قرب الاسناد(1)و الخصال (2)و كتاب المسائل (3)و الدعائم (4)و يؤيده أيضا اجتزاء العامة به كما قيل في أصل الاستحباب، و لا ينافي ذلك ما في صحيح ابن سنان (5)من توهم حصره في وضع اليمنى على اليسرى و إن ظنه بعض الأساطين لوجوب رفع اليد عن مفهومه بما عرفت لو سلم إرادة الحصر منه، مع إمكان المنع بل ظهوره بدعوى إرادة العهد الذهني من اللام فيه نحو ما يذكر فرد بحضرتك فتقول ذلك الأسد أو ذلك الرجل لا الجنسية المقتضية للحصر، كما هو واضح بأدنى تأمل، و في كشف اللثام يجوز عود الإشارة فيه إلى الوضع، فلا يكون نصا في الحصر.

فمن الغريب بعد ذلك ما وقع للفاضل و غيره من التردد في صورة العكس أو الميل إلى العدم، حتى قال في المنتهى بعد أن حكاه عن الشيخ: «نحن نطالبه بالمستند، و القياس عندنا باطل» و لا ريب في ضعفه كظاهر المتن و غيره ممن اقتصر على وضع اليمين على الشمال.

و الظاهر أيضا أنه لا فرق فيه بين الوضع فوق السرة و تحتها كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، لإطلاق الأدلة، كما أنه لا فرق بين وجود الحائل و عدمه بل و لا بين وضع الكف على الكف و الذراع و الساعد أي العضد و إن استشكل فيه في التذكرة، قال: «من إطلاق اسم التكفير، و من أصالة الإباحة» و لا يخفى عليك ما فيه بل الظاهر تحققه بوضع الذراع على الذراع أيضا، و في بعض النصوص (6)السابقة تصريح ببعض ذلك فضلا عن إطلاق وضع اليد على الأخرى، و الظاهر أن المدار على


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 7.
3- 3 البحار- ج 10 ص 277- المطبوعة بطهران عام 1377.
4- 4 المستدرك- الباب- 14- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1 لكن روى عن محمد بن مسلم و هو الصحيح كما تقدم آنفا.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 5.

ج 11، ص: 23

الهيئة المتعارفة في الخضوع عند مستعمليه من الفرس و أتباعهم، و في اعتبار القيام فيه بحيث لا يجري عليه حكم حال غيره تردد، من تعارف الخضوع به حاله، بل في التذكرة و المنتهى في أول كلامه تفسير التكفير بأنه وضع اليمين على الشمال حال القراءة، و إيماء خبري الدعائم و الخصال، و الاقتصار على المتيقن، و من إطلاق الأدلة، و هو الذي جزم به في المنتهى في آخر كلامه على القول بالتحريم فضلا عن الكراهة، فقال: التحريم

يتناول حال القراءة و غيرها، لرواية محمد بن مسلم، و على كل حال فالعبرة بما يسمى تكفيرا و خضوعا لا مطلق الوضع و إن كان لغرض، و نحوه قال في جامع المقاصد:

«و لو دعته حاجة إلى الوضع كرفع داء، فوضع لدفعه يده أمكن عدم التحريم هنا للحاجة و تخيل أنه لا يعد تكفيرا، لكن ظاهر الرواية يتناوله» قلت: لا ريب في إرادة التكفير من الوضع في النصوص، كما أنه لا ريب في صدقه على نحو ذلك بعد أن عرفت أنه لا حقيقة له شرعية، و التشبيه بالمجوس في التكفير لا الوضع.

ثم إن صريح المصنف و غيره بل لا أجد فيه خلافا بل ظاهر إرساله إرسال المسلمات من جماعة من الأصحاب كونه من القطعيات اختصاص الحكم المزبور في صورة العمد دون السهو، فلو كفر ساهيا عن كونه في الصلاة لم تبطل صلاته، و لعل هذا من المؤيدات لما ذكرناه سابقا من أن الحرمة فيه، و الابطال للتشريع المنفي حال السهو، و إلا فلم نقف لهم على ما يدل على خروج صورة السهو، خصوصا على القول بإجمال العبادة و أنها للصحيح الجامع للشرائط الفاقد للمانع، و دعوى أن الدليل اختصاص ما دل على مانعيته بصورة العمد، لما فيه من النهي الذي لا يتصور توجهه إلى الساهي يدفعها ما سمعته منا غير مرة من أن التحقيق عدم تقيد الحكم الوضعي بالتكليفي و إن استفيد منه سواء في ذلك الشرط و المانع، و العرف أعدل شاهد به فالمتجه حينئذ إن لم يكن كما ذكرنا العموم للحالتين إلا أن يثبت إجماع، و دون إثباته مع فرض قطع النظر عن القول

ج 11، ص: 24

بالحرمة التشريعية خرط القتاد، و في الرياض «و هل يختص الحكم بحالة العمد أم يعمها و غيرها؟ وجهان مضيا في نظائر المسألة، و ظاهر الأكثر هنا الأول، و به صرح جماعة» و مقتضاه كون المسألة غير قطعية.

أما إذا اقتضت التقية فعله فلا خلاف في جواز فعله بل وجوبه مع فرض توقف دفعها عليه، و لا بطلان به حينئذ كما صرح به جماعة، بل الظاهر الإجماع عليه، لعموم أدلة التقية و كونه مسنونا عندهم لا ينافي ذلك بل أقصاه تخيير المكلف بين الفردين، إذ التقية دين، فلو فرض عروض عارض يقتضي اختيار الفرد المزبور إما لكونه شعارا أو غير ذلك تعين فعله و لا بطلان، لأنه أحد الفردين المكلف بهما، نعم لو خالف فلم يفعل ففي الذكرى فكترك الغسل و المسح (1)فإن الجزئية محققة فيهما، فيتحقق النهي عن العبادة في الجملة، ثم قال: و الأقرب هنا الجزم بعدم البطلان، و في جامع المقاصد في بطلان الصلاة تردد، نظرا إلى وجوب التقية و الإتيان بالواجب أصالة، و مثله ما لو وجب الغسل في الوضوء و المسح على الخفين و نحو ذلك، قلت: قد يفرق بين التكفير و بين الغسل و المسح بأنه ليس جزءا في العبادة و لا شرطا، فلا يتعدى النهي بسببه إلى العبادة، ضرورة تحقق اسم الصلاة الصحيحة عندنا و عندهم مع تركه، و الوجوب العارضي الخارج عن مقتضى التقية في الواقع لا يدخله في الكيفية، بل هو أشبه شي ء بترك ما ألزم فعله

الموافق مما ليس من الصلاة، و احتمال أن المجرد عن فعله غير مأمور به لكون الفرض وجوب الفرد المشتمل على فعله مقدمة لحفظ النفس، فلا صحة للمجرد حينئذ يدفعه منع عدم الأمر به، بل جميع الأوامر الأولة متعلقة به، و لا ينافيه العصيان بترك حفظ النفس معه، فهو كمن عصى و صلى تحت الجدار الغير المستقيم المظنون الضرر فان صلاته صحيحة و إن عصى بترك التحفظ، و ليس هو من انقلاب التكليف كالتيمم


1- 1 في الذكرى هنا في موضع الوضوء و قد سلف و أولى هنا بالصحة لأنه خارج عن الصلاة بخلاف الغسل و المسح منه رحمه الله.

ج 11، ص: 25

عند خوف الضرر و الصوم كذلك، لعدم الدليل عليه بالخصوص كي يقتضي بظاهره ذلك، و وجوب الترك مقدمة لا ينافي الأمر الذاتي كما حققناه في الأصول، و عليه بنينا عدم الفساد في مسألة الضد و إن قلنا بوجوب المقدمة و إن ترك الأضداد من المقدمات لا المقارنات، فتأمل.

و لا فرق في التكفير للتقية بين وضع اليمنى على اليسرى و العكس، لما عرفت من أنه يتأدى بكل منهما، و إن كانت الكيفية المندوبة عندهم الأولى، لكن في الذكرى احتمل البطلان، قال: لأنه لم يأت بالتقية على وجهها، فيكون المحذور سليما من المعارض، و الصحة إذا تأدت بها التقية، و فيه أنه لا وجه للصحة مع فرض عدم مشروعية العكس عندهم بعد إطلاق الأدلة في المنع منهما معا، ضرورة عدم كون هذا الفرد من الدين حينئذ، كما أنه لا وجه للبطلان بعد فرض مشروعيتهما معا، إلا أن الكيفية الأولى مستحب في مستحب، نعم لو فرض توقف دفع التقية على هذه الكيفية وجبت كأصل التكفير، فلو خالف و لم يفعلها بل فعل العكس لم تبطل صلاته للترك نحو ما سمعته في التكفير نفسه، و في بطلانها بسبب ما فعله وجهان، أقواهما الصحة، لأن الشارع قد جعل حكم التقية في الواقع دينا، و عدم اندفاعها في بعض الأحيان ببعض الموافق لها واقعا لخبث بعض أهلها و نحوه لا يرفع الدينية عنها، و الله أعلم.

[منها الالتفات إلى ما ورائه]

و منها الالتفات إلى ما ورائه كما عبر بذلك جماعة، بل ربما نسب إلى الأكثر، بل في كشف اللثام الإجماع على عبارة القواعد التي هي كهذه العبارة، و في المحكي عن الأمالي «أن من دين الإمامية أن الالتفات حتى يرى من خلفه قاطع للصلاة» لكن لم أجد هذه العبارة في أكثر نصوص المسألة المروية في الكتب الأربع، بل الموجود في

صحيح ابن أذينة(1)منها سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل يرعف


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 11، ص: 26

و هو في الصلاة و قد صلى بعض صلاته فقال: إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت، و ليبن على صلاته، فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة، قال: و القي ء مثل ذلك»

و في

صحيح زرارة(1)«أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله»

و

سأله (عليه السلام) محمد بن مسلم (2)في الصحيح «عن الرجل يلتفت في الصلاة قال: لا، و لا ينقض أصابعه»

و

قال هو (عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة الآخر(3): «استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك»

فان الله عز و جل قال لنبيه (ص) في الفريضة:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ*(4)» و نحوه صحيحه الآخر(5)عنه (عليه السلام) أيضا، و

قال الصادق (عليه السلام): في صحيح الحلبي أو حسنه (6): «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، و إن كنت قد تشهدت فلا تعد»

و يقرب منه

خبر الخصال(7)بسنده عن علي (عليه السلام) «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة، و ينبغي لمن فعل ذلك أن يبدأ الصلاة بالأذان و الإقامة و التكبير»

و في

صحيح الحلبي الآخر أو حسنه (8)«و إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه عن القبلة أو يتكلم فقد قطع صلاته»

و في

خبر أبي بصير(9)عن الصادق (عليه السلام) «ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد»

و في

خبر محمد بن مسلم (10)عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل «عن رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القبلة- الحديث 3.
4- 4 سورة البقرة- الآية 145.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القبلة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 6.
10- 10 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 11، ص: 27

دخل مع الإمام في صلاته و قد سبقه الإمام بركعة فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر أنه فاتته ركعة قال: يعيد ركعة واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه، فإذا حول وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا»

و هي كما ترى خالية عن التعبير المزبور.

نعم في

صحيح علي بن جعفر (عليه السلام)(1)المروي في التهذيب و عن قرب الاسناد و كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شي ء هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتشه؟

قال: إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، و إن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح»

و في

المروي عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر (عليه السلام)(2)و كتاب المسائل له أيضا عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك»

و في

المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي (3)«سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة فلا يقطع ذلك صلاته، و لكن لا يعود».

و تفصيل البحث أن يقال: إن الصور المتصورة في المقام كثيرة جدا، بل ربما كانت بملاحظة بعض القيود تنتهي إلى ستمائة أو أزيد، إلا أن الذي يهم معرفة الحكم فيها ستة عشر، و ذلك لأن الالتفات إما عن عمد أو سهو، و على كل منهما إما أن يقع بالكل أو بالوجه، و على كل منهما فاما إلى الخلف أو اليمين أو اليسار أو ما بينهما بحيث


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 8.

ج 11، ص: 28

يخرج عن الاستقبال، فأما الصورة الأولى و هي الالتفات بكله إلى الخلف عمدا فهي المتيقنة من النصوص و الفتاوى، و يمكن تحصيل الإجماع عليها فضلا عن محكيه، بل لعلها المرادة من المتن و من عبر كعبارته، كما يومي اليه ما في المعتبر و المنتهى و التذكرة، قال فيه: الالتفات يمينا و شمالا ينقص ثواب الصلاة، و الالتفات إلى ما ورائه يبطلها لأن الاستقبال شرط صحة الصلاة، فالالتفات بكله تفويت لشرطها، و يؤيد ذلك

خبر زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا استقبلت القبلة»

إلى آخر الخبر المتقدم، و أما كراهية الالتفات يمينا و شمالا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا فل

رواية الحلبي (2)«إذا التفت»

إلى آخرها و

روى زرارة(3)«الالتفات»

إلى آخره، و نحوه في المنتهى و التذكرة، و عن النهاية بل و الذكرى بعد التأمل بأكثر الألفاظ و تمام المعنى، بل لعلها بالنسبة إلى المراد أتم دلالة و لا ريب في ظهورها في كون المراد بالعبارة الالتفات بالكل إلى ورائه لا ما يشمل الوجه كما عن الإصباح التقييد به إي الكل، و يؤيده ما في جامع المقاصد حيث أنه بعد أن ذكر جملة من الصور قال: «و لو استدبر بوجهه خاصة فلا تصريح للأصحاب فيه، و ظاهر شيخنا في الذكرى في التروك المستحبة إلحاقه بالمستدبر، و كذا في غير الذكرى، و قد يوجد ذلك لبعض المتأخرين، و لا بأس به «إذ هو كما ترى كالصريح في تنزيل العبارة على ما ذكرنا، و إلا كان الإلحاق ظاهر أكثر الأصحاب أو جميعهم، و أوضح منه ما في المحكي عن المقاصد العلية من أن ظاهر الأصحاب عدم البطلان بالالتفات بالوجه خاصة دبر القبلة كالالتفات به يمينا و شمالا، و ربما قيل بإلحاقه بالاستدبار بكله، إذ لو لا فهم ما ذكرنا من العبارة المزبورة ما صح له هذه النسبة قطعا، بل قد يقال بامتناع الاستدبار بالوجه خاصة أو بعده بحيث لا تنزل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القبلة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.

ج 11، ص: 29

عليه العبارات المزبورة، ضرورة كون المتيسر في الجملة النظر إلى ورائه، و هو غير

الالتفات بالوجه إلى ورائه، قال في المسالك في شرح العبارة «إذا كان بكله»: و لو كان بوجهه بحيث يصير الوجه إلى حد الاستدبار فالأولى أنه كذلك و إن كان الفرض بعيدا، أما البصر فلا اعتبار به.

فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض حيث أنه- بعد أن نفى الخلاف في الجملة عن عبارة النافع التي هي كالمتن، و استدل عليها بالصحاح المستفيضة، و أورد على نفسه أنها شاملة بإطلاقها الالتفات بالوجه يمينا و شمالا و أجاب عنه، ثم ذكر صورة السهو- قال: «هذا كله إذا كان الالتفات بالوجه، و أما إذا كان بجميع البدن فله شقوق مضى أحكامها في مباحث القبلة» و كأنه أشار إلى ما ذكروه هناك من صلاة الظان و الناسي إلى غير القبلة، و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا، بل و ما ستعرفه من الفرق بين المقام المبني على حصول المانع الذي تعرض له في النصوص في المقام، و من جهتها ذكره الأصحاب بالخصوص دون تخلف باقي الشرائط من انكشاف العورة و نحوه و بين مسألة من صلى لغير القبلة المبينة على فوات الشرط ابتداء المذكورة في ذلك المقام، لا يقال:

لو أراد الأصحاب من العبارة المزبورة هنا الالتفات بالكل دون الوجه لأشعرت مع التقييد بالعمد كما في كثير من العبارات بجواز الالتفات بالكل يمينا و شمالا عمدا، خصوصا بعد قولهم فيما يأتي: و يكره الالتفات يمينا و شمالا، و هو معلوم الفساد للنصوص السابقة فضلا عن غيرها، بخلاف ما إذا أريد الوجه منها، لأنا نقول في تنزيلها على الوجه خاصة ترك لبيان المتيقن من النصوص، و هو الالتفات بالكل الذي كان أولى بالبيان، لتعرض النصوص له، و لا يكتفى عنه بالأولوية و نحوها، و إرادتهما معا منها لا يدفع الاعتراض المذكور، نعم يمكن أن يراد بالوراء ما يشمل اليمين و الشمال، ضرورة تسمية الجميع عكس القبلة و خلفها و نحوهما، سيما و المشاهد أنه متى التفت إلى جهة اليمين

ج 11، ص: 30

أو الشمال كان جميع الذي خلفه أو معظمه مشاهدا له، و ربما يومي إلى ذلك في الجملة ما في بعض النصوص المتقدمة من المقابلة لما بين المشرق و المغرب بغيره الشامل لجهتي اليمنى و الشمال، مع إطلاق دبر القبلة أو نحوه عليه، فلاحظ و تأمل.

و لقد طال بنا الكلام فيما لا طائل تحته، ضرورة كون المتبع الدليل، و لا ريب في ظهوره بإبطال تعمد الالتفات بالكل مطلقا حتى ما بين اليمين و الشمال بحيث يخرج عما يعتبر من الاستقبال و إن لم يكن فاحشا، لفوات الشرط الذي قد عرفت غير مرة ظهور ما دل على اعتباره و نظائره في الاتصال الذي ينافيه الانقطاع و إن لم يقارنه شي ء من أفعال الصلاة، و لا طلاق صحيح زرارة و غيره من النصوص السابقة، و لا ريب في رجحانه على مفهوم صحيح الحلبي المقتضي عدم البطلان بغير الفاحش من الالتفات و إن كان بالكل على ما هو التحقيق من عموم المفهوم بالاعتضاد بدليل الشرطية و بكونه منطوقا و بغير ذلك مما تعرفه مما مر من النصوص و غيرها، فيقدم عليه، مع أن معارضته له بالعموم من وجه، و كذا مفهوما خبري علي بن جعفر (عليه السلام) و البزنطي، خصوصا و المهم فيهما بيان الفرق بين الفريضة و النافلة(1)لا استيعاب صور الالتفات.

أما الالتفات بالوجه إلى الخلف مع فرض إمكانه و لو بحرف مجموع البدن بحيث يخرج عن حد الاستقبال به فالأقوى البطلان به، وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين إن لم يكن الجميع، لفوات الشرط، و لصدق الفاحش و الالتفات إلى الخلف، و صحيح خرق الثوب (2)و إن كان فيه «لا يصلح» لمنع إشعارها هنا بالكراهة، مضافا إلى الاعتضاد بإطلاق النهي عن الالتفات، و لا ينافي ذلك مفهوم صحيح زرارة المقتضي


1- 1 و في النسخة الأصلية« و الالتفات» بدل« و النافلة» و الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 11، ص: 31

عدم البطلان بالالتفات بغير الكل، أما بناء على فرض عدم إمكانه (1)إلا به فواضح، و أما على فرض الإمكان فيرجح عليه منطوق صحيح الحلبي بما رجح به منطوقه على مفهومه من الاعتضاد بدليل الشرطية، و بكونه منطوقا، و بأخبار علي بن جعفر (عليه السلام) و البزنطي، و بغير ذلك، فيكون الحاصل حينئذ ترجيح منطوق كل منهما على مفهوم الآخر، لأن التعارض بينهما من وجه، و يرجع إلى أن المبطل أحدهما لا مجموعه الذي لا يفهم من تعارض أمثالهما، كما هو واضح بأدنى تأمل.

أما لو التفت بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا يمينا و شمالا فالمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا عدم البطلان به، بل قد يشعر نسبة الخلاف فيه إلى بعض الحنفية في المعتبر و التذكرة بالإجماع عليه، للأصل و مفهوم صحاح زرارة و علي بن جعفر (عليه السلام) و البزنطي و صحيح خرق الثوب و

خبر عبد الملك (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الالتفات في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ قال: لا، و ما أحب أن يفعل»

المنزل على ذلك بمعارضة ما تقدم لا على الالتفات بالعين لبعده، ك

خبر الخضر بن عبد الله (3)المروي عن ثوب الأعمال و محاسن البرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه، و لا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات، فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه»

و

خبر أبي البختري (4)المروي عن قرب الاسناد عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان، فإياكم و الالتفات في الصلاة، فإن الله تبارك و تعالى يقبل على العبد إذا قام في الصلاة، فإذا التفت قال الله تبارك و تعالى عمن تلتفت ثلاثا، فإذا التفت الرابعة أعرض عنه»

قيل:


1- 1 و في النسخة الأصلية« على عدم فرض إمكانه، و الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 11، ص: 32

و رواه

البرقي في المحاسن، قال و في رواية ابن القداح (1)عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال علي (عليه السلام): «للمصلي ثلاث خصال: ملائكة حافين به من قدميه إلى عنان السماء، و البر يتناثر من رأسه إلى قدمه، و ملك قائم عن يمينه، فإذا التفت قال الرب تعالى: إلى خير مني تلتفت يا ابن آدم، لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل»

و إن احتمل الجميع الالتفات بالقلب، لكن لا شاهد له و لا داعي إليه، كاحتمال تنزيلها جميعا على السهو دون العمد كما في كشف اللثام، بل ربما كان في بعضها ما ينافيه.

و من هنا حكم غير واحد من الأصحاب بجوازه إلا أنه مكروه، و هو المراد بقول المصنف و غيره فيما يأتي: «و يكره الالتفات يمينا و شمالا» إي بالوجه كما قيده به جماعة منها المعتبر و التذكرة كما عرفت، ضرورة معلومية حرمة الالتفات بالكل دون اليمين و الشمال فضلا عنهما كما سمعته مفصلا، و كذا احتمال تنزيلها على الالتفات بالعين خاصة، فإنه أيضا لا شاهد له و لا داعي إليه، إذ لا حرمة في الالتفات بالوجه للأدلة المزبورة، و لم نعرف فيه خلافا بين أصحابنا إلا ما حكاه في الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين من أنه يقطع الصلاة كما يقوله بعض الحنفية، قال: لما رووه

عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «لا تلتفتوا في صلاتكم، فإنه لا صلاة للملتفت» رواه عبد الله بن سلام (2)

و أجاب عنه كالفاضل بحمله على الالتفات بالكل، و الظاهر أنه أراد بالبعض فخر المحققين كما حكاه عنه غير واحد، بل لعله مراد المقداد في التنقيح بالسعيد الذي حكى عنه ذلك أيضا ثم قال: و هو أولى، إذ يبعد إرادته الشهيد منه، لأن المعروف


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.
2- 2 عمدة القارئ ج 3 ص 53.

ج 11، ص: 33

اختياره المشهور، لكن ستعرف حكايته في كشف اللثام عن ألفيته، إلا أن الشهيد الثاني قد فهم منها خلاف ذلك.

و كيف كان فقد انحصر الخلاف في الفخر خاصة أو مع الشهيد و المقداد بناء على إرادته الوجوب من الأولوية، نعم مال إليه في المدارك تبعا لشيخه و بعض متأخري المتأخرين، و في كشف اللثام أنه الأقوى للأمر في الآية(1)بتولية الوجوه شطر المسجد الحرام، و احتمال كونه فاحشا، و ظهور ما مر من خبري الفضيل (2)و القماط(3)في غير العمد، و احتماله في المجوز للالتفات من الأخبار، و احتمال الالتفات بالعين أو القلب فيها، و هو مختار الألفية، و في الحدائق- بعد أن اعترف أن الأصحاب ردوا فخر المحققين- قال: «و لكن ذلك منهم عجيب، لأن هذه الأخبار ظاهرة الدلالة عليه كالنور على الطور» مشيرا إلى سائر

النصوص (4)المتضمنة للنهي و نحوه عن قلب الوجه و صرفه و نحوهما تبعا لسيد المدارك، بل زاد فيها أنه حملها الشهيد على الكل ل صحيح زرارة(5)إلى آخره، ثم قال: و قد يقال: إن هذا المفهوم مقيد بمنطوق رواية الحلبي (6)فإن الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه إلى أحد الجانبين، قلت: قد عرفت مقتضى الجواز من النصوص و الفتاوى مما لا يصلح شي ء من ذلك لمعارضته، إذ الوجوه المأمور بتوليتها المكنى بها عن الكل قطعا التي هي منه بل معظمه قد يمنع منافاة الالتفات المزبور لتوليتها، خصوصا بعد قيام الأدلة المذكورة.

و لعل مرجع اعتبار الأصحاب الاستقبال مع حكمهم هنا بالكراهة إلى ذلك، و مثله المراد في مجموع الآية و النصوص، فلا يتفاوت حينئذ بين طول الالتفات و قصره


1- 1 سورة البقرة- الآية 145.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 11، ص: 34

أو مقارنته لبعض أفعال الصلاة مطلقا أو لما لا يمكن تداركه منها كالأركان و عدمها، أو مقارنته لأول انعقاد الصلاة و عدمها، فيبطل الأول دون الثاني في الاحتمالات الثلاث و إن احتمل الأولين منها بعضهم، و كأنه لما ضاق به الخناق و أراد الجمع بين اشتراط الاستقبال و الحكم بعدم قادحية الالتفات بالوجه ارتكب ما سمعت.

و فيه أنه لا ريب في عدم قابلية النصوص و الفتاوى للجمع المزبور، ضرورة عدم الشاهد على مدخلية الطول و القصر في ذلك، إذ ليس هو بناء على اعتبار الاستقبال به بحيث ينافيه الالتفات إلا كالاستقبال بالكل و الالتفات به الذي لا يتفاوت فيه بين الطول و القصر قطعا، اللهم إلا أن يقال: إن الإبطال به مع الطول لا من حيث الالتفات الذي هو المانع بل لفوات الشرط الذي هو الاستقبال، إذ الالتفات كما أنه يعتبر فيه سبق غير الحال الذي التفت عنه يعتبر فيه أيضا الانقطاع بسرعة على الظاهر، فالفرض حينئذ ليس من الالتفات حتى يكون مكروها، بل هو حال آخر فات شرط الاستقبال فيه، لكنه كما ترى، و كذا لا مدخلية لمقارنة الأفعال و عدمها، لأنه على التقدير المزبور شرط للصلاة لا لأفعالها خاصة كالطمأنينة مثلا، بل هو مثل الطهارة و الستر و نحوهما مما يعتبر حصوله ما دام المكلف في الصلاة حال الفعل أولا، و من الواضح أنه لا زمان متخلل بحيث يكون فيه ليس في صلاة و إن تلبس ببعض الأفعال الخارجة عنها، إلا أن وصف كونه في صلاة لاحق له، و إلا لم يكن تحريمها التكبير و تحليلها التسليم و ستسمع إن شاء الله زيادة توضيح له، و الثالث و إن كان هو أولى من السابقين- و مرجعه إلى شرطية الاستقبال به ابتداء لا استدامة بحيث ينافيه الفرض- مساعدة الأدلة عليه و الفتاوى لا تخلو من صعوبة، فالأولى حينئذ ما ذكرنا من عدم منافاة هذا الالتفات للمعتبر من الاستقبال بالوجه و توليته، و الله أعلم.

ج 11، ص: 35

و أما نصوص الوجه (1)و نحوه فلا يخفى على من لاحظها و له أدنى خبرة بالمحاورات أن المراد منها- حتى خبري الفضيل و القماط المطرحين عندنا كما سمعته في الحدث- الاعراض عن القبلة و المضي عنها بالكل المكنى عنه بالوجه كالآية المستدل بها في بعض تلك النصوص (2)فلا شاهد فيها حينئذ على ذلك، و لعله لذا ترك الاستدلال بها في كشف اللثام مع شدة تجسمه لمختاره حتى استدل باحتمال كونه فاحشا الذي لا يجديه بعد تسليمه له في تقييد إطلاق أدلة الجواز، نعم يتجه ذلك بناء على ظهور تناول الفاحش كما سمعته في المدارك، إذ هو ليس من مصداق الموضوع كي يعتبر فيه القطع مثلا، بل هو من الظن بمعنى اللفظ، فيرجع حينئذ إلى استظهار شمول لفظ الفاحش لذلك، و لا ينافيه العلم ببعض أفراده، لكن قد يمنع عليه دعوى الشمول، خصوصا و العمدة في معرفة المراد منه في خصوص الصلاة التي هي توقيفية فهم الأصحاب، و قد عرفت أن المشهور بينهم، بل لعله إجماع عدم البطلان بذلك، فلا يكون من الفاحش، إذ هم العمدة في أمثال ذلك لأسواد المتشرعة و أعوامهم الذين يعتقدون كثيرا مما يواظب عليه العلماء و الأتقياء، لشدة استحبابه أو للاحتياط فيه أو نحو ذلك من الواجبات التي تفسد بتركها العبادات، و ربما يؤيده أن المشاهد حال الالتفات بالوجه خاصة يمينا و شمالا عدم الخروج به عن

القبلة، بل أقصاه توجه النظر إلى الجهتين، و إلا فصفحة الوجه بل صفحتاه معا إلى القبلة و إن لم يكن على الطريق المتعارف في استقبالهما، فتأمل جيدا.

بل لولا بعض النصوص السابقة و أكثر الفتاوى و معاقد بعض الإجماعات لأمكن إرادة الالتفات بالكل من الفاحش، بل ربما احتمل عود الضمير في

قوله (عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القبلة- الحديث 3 و 4 و الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 9 و 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القبلة- الحديث 3.

ج 11، ص: 36

السلام)(1): «بكله»

إلى الالتفات، فيكون المراد الكامل في التفاحش، و الإطلاق في الحسنة منصرف اليه، و إن كان هو كما ترى، كاحتمال عدم تقييد مفهوم الصحيح بمنطوق الحسن، لعدم مقاومته له من هذه الجهة، و ستعرف ما فيه، خصوصا و هذا الحسن بمنزلة الصحيح، بل لعله منه كما هو واضح. و بذلك كله ظهر لك البحث في جميع صور العمد.

أما السهو فظاهر المتن و غيره ممن عبر كعبارته و ربما قيل: إنه الأكثر و إن كنا لم نتحققه تقييد هذا المبطل بالعمد دون السهو و النسيان بل و الاضطرار، و في المحكي عن البيان في مسألة من نقص ركعة فما زاد من باب السهو أن ظاهر أكثر الأصحاب عدم بطلان

الصلاة بالاستدبار سهوا، و لم نتحققه أيضا، كما أنا لم نتحقق ما في الدروس في المقام من أن المشهور عدم البطلان بالاستدبار سهوا، إذ لم أجده لغير المصنف إلا للشيخ في مبسوطة و جمله و عن نهايته، و الفاضل في قواعده و منتهاه و إرشاده و عن تبصرته و نهايته، و ابني حمزة و إدريس و سلار فيما حكي عنهم، مع أنه قيل: إن الأول منهم قد صرح في مسألة من نقص ركعة سهوا من الجمل و النهاية بأنه إن لم يذكر حتى تكلم أو استدبر أعاد، و الثاني في الإرشاد لو نقصها أو ما زاد سهوا أتم إن لم يكن تكلم أو استدبر أو أحدث.

قلت: قد يدفع بعد تسليم اتحاد المسألتين بأن المراد التمثيل لذلك بالمبطل المذكور في مقام كيفية إبطاله عمدا و سهوا أو عمدا خاصة، و لذا ذكر الكلام المعلوم أنه من المبطل عمدا لا سهوا، نعم كلامه في التذكرة صريح في كونه مبطلا مطلقا، بل قد يظهر منه الإجماع عليه، قال: «لو نقص من عدد صلاته ناسيا ثم ذكر بعد فعل المبطل عمدا و سهوا كالحدث إجماعا و الاستدبار خلافا للشافعي بطلت صلاته» إلا أنه لم يصرح


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.

ج 11، ص: 37

في المقام بالتقييد كي يتناقض كلامه في الكتاب الواحد، أما اختلافه في الكتب المتعددة فغير عزيز، لكن في مجمع البرهان عن المنتهى في أحكام الخلل في مسألة من نقص ركعة التمثيل للمبطل عمدا و سهوا بالالتفات إلى ما ورائه، فيتناقض كلامه السابق، و لعله يريد بناءه على أحد القولين كما قيده بنحو ذلك في المحكي عن نهايته، على أن المسامحة بالتمثيل معلومة، فلا يعد نحوها تناقضا و تدافعا، و إن أطنب فيه بعض الناس هنا و جعله من المناقض للمقام، كما أنه قال أيضا: يناقضه تصريح الشيخين و الفاضل و غيرهم في بحث القبلة بأن الناسبي كالظان، إذ قد أجمعوا على أن من صلى ظانا للقبلة ثم بان له الاستدبار أعاد في الوقت، و اختلفوا في خارجه فبعض أوجبه و بعض نفاه، و نقلت الشهرة على كل من القولين، لكن في إرشاد الجعفرية نسبة الأول إلى عمل الأصحاب، بل في جملة من كتب الأصحاب ككشف الرموز و نهاية الأحكام و المختلف و الموجز الحاوي و كشف اللثام أن الناسي ليس كالظان، لاشتراط الصلاة بالقبلة أو ما يعلمه أو يظنه، و رفع النسيان رفع المؤاخذة، و عموم أكثر الأخبار منزل على الخطأ في الاجتهاد لكونه المتبادر، فإذا كان الناسي كالظان أو أسوأ حالا منه قوي القول بالبطلان هنا، و كاد يكون المصر على الخلاف نادرا.

قلت: قد يقال:- بعد إمكان منع المصرح في المقامين بما يقتضي التناقض- أنه لا يخفى وضوح الفرق بين موضوعي المسألتين، ضرورة كون الأول الصلاة لغير القبلة نسيانا، و ما نحن فيه الالتفات نسيانا في أثناء الصلاة عن القبلة، و لا يصدق عليه أنه صلى لغير القبلة، و فرض استمرار الالتفات قد يمتنع معه صدق مسمى الالتفات، فثبوت وجوب الإعادة في الوقت أو فيه و في خارجه في تلك المسألة لا يستلزمه في المقام نعم قد يستلزم النفي فيها النفي هنا، فتأمل جيدا فإنه قد وقع في المقام خبط.

و منه يعلم أنه لا جهة للاستدلال ببعض نصوص تلك المسألة على المقام، بل الأولى

ج 11، ص: 38

تحريره مستقلا عن غيره، فيقال: إن في البطلان و عدمه بالالتفات بالكل حتى يستدبر سهوا قولين، قد عرفت القائل بالثاني منهما، أما الأول فهو خيرة الشيخ في ظاهر التهذيب و الشهيدين و المحقق الثاني و الفاضل الأصبهاني و غيرهم، بل في كشف اللثام أنه نصر التهذيب و الاستبصار و الغنية و ظاهر الصدوق في الفقيه و الهداية و الأمالي، قلت:

فيكون من معقد دين الإمامية فيها حينئذ، و عد ثقة الإسلام في الكافي من السبعة مواضع التي يجب على الساهي فيها إعادة الصلاة الذي ينصرف عن الصلاة بكليته قبل أن يتمها، و أطلق في المقنعة وجوب الإعادة الصلاة الذي ينصرف عن الصلاة بكليته قبل أن يتمها، و أطلق في المقنعة وجوب الإعادة على من التفت حتى رأى من خلفه، و في باب القبلة منها «من أخطأ القبلة أو سها عنها أعاد في الوقت لا في خارجه إلا أن يكون قد استدبر القبلة، فيجب عليه حينئذ الإعادة كان الوقت باقيا أو منقضيا» لكن قد سمعت أن ذلك لا يستلزم وجوب الإعادة، اللهم إلا أن يقال: إنه لا ريب في أنه أسوأ حالا من المجتهد المخطئ، و فيه تأمل، و لعله ظاهر المعتبر و التذكرة و الذكرى و غيرها، بل قد عرفت أن الظاهر من التذكرة الإجماع عليه، و في الغنية الإجماع على وجوب الإعادة على من سها فنقص ركعة أو أكثر و لم يذكر حتى استدبر القبلة أو تكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة، لكن قد عرفت الكلام فيه سابقا، نعم فيها في المقام «و يجب الاستدامة على ما هو شرط في صحة الصلاة كالطهارة و ستر العورة و غيرهما، و قد دخل في ذلك ترك الالتفات إلى دبر القبلة» و في فصل القبلة «من توجه مع الظن ثم تبين له أن توجهه كان إلى غير القبلة أعاد الصلاة إن كان وقتها باقيا، و لم يعد إن كان قد خرج إلا أن يكون استدبر القبلة، فإنه يعيد على كل حال» إلى آخره، و لعل ما نحن فيه أسوأ حالا من المصلي بظن القبلة، و فيه تأمل كما عرفت.

و كيف كان فالبطلان مطلقا هو الأقوى، لقاعدة الشرط الظاهر في إرادة الاتصال منه هنا كما سمعته في الطهارة، و إطلاق ما دل على الانقطاع به من النصوص

ج 11، ص: 39

السابقة، كإطلاق

الصحيح (1)«و لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»

إلى آخره، و تقييد إضافة الركعة في خبر محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) لمن نقص سهوا بما إذا لم يحول وجهه عن القبلة، و إلا كان عليه الإعادة بناء على اتحاد المسألتين، بل لعل اشتراط ذلك بعدم

الانصراف عن مقامه و انه لا يبرح عن مكانه في غيره من ا لنصوص المستفيضة(3)كناية عن عدم تحويل وجهه عن القبلة، فتكثر النصوص الدالة على ذلك حينئذ، و بذلك كله ينقطع الأصل، و يقيد النبوي (4)لو قلنا بإرادة رفع الحكم و الإثم منه، لأنه أقرب مجازا و أليق بإرادة المزية لأمته إكراما له (صلى الله عليه و آله) و إلا فارتفاع الإثم عقلي، و إن كان التعارض بينه حينئذ و بين الأدلة السابقة من وجه، بل يمكن ترجيحه على قاعدة الشرطية التي هي عند عدم الدليل، و على الإطلاقات التي لم تسق للبيان بصراحة الدلالة، إلا أن الرجحان لها عليه من غير وجه، بل لا محيص عنه بناء على شمول الصحيح (5)و أخبار المسبوق (6)للمقام، ضرورة عدم صلاحية النبوي لمعارضتها، لإطلاقه و تقييدها، على أن خروج كثير من الأفراد عنه و احتمال إرادة الإثم خاصة منه موهن آخر له.

و أما إطلاق بعض نصوص المسبوق (7)إضافة الركعة، بل فيها الصريح (8)و غيره في أنه و لو استدبر، فالذي يسهل الخطب فيه أن كثيرا من تلك النصوص مطرحة عندنا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7 و 10 و 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 3 و 6- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 19.

ج 11، ص: 40

لمعارضتها بما هو أقوى منها، و هي المتضمنة(1)للإتمام و لو بلغ الصين و إن كان بعد سنين و لو انمحت صورة الصلاة، و منها ما

هو مطلق يمكن تنزيله على ما إذا لم يصدر منه المبطل كالحدث و تحويل الوجه و نحوهما، كما سمعته في خبر محمد بن مسلم (2)بل و غيره، فيقيد به حينئذ، و من ذلك يعلم ما في خبر القماط(3)المتقدم سابقا في مسألة الحدث الذي قد عرفت خروجه مخرج التقية.

ثم 7 ن الظاهر وجوب الإعادة في الوقت و خارجه، كما صرح به في جامع المقاصد لظهور نصوص المقام و غيرها في بطلان ما فعله و عدم الاعتداد به، فيشمله حينئذ

«من فاتته»(4)

خلافا للمحكي عن النهاية في موضع منها و البيان و المقاصد العلية في موضعين و مجمع البرهان ففي الوقت دون خارجه، و لا ريب في ضعفه حتى لو قاسوه على الناسي للقبلة، لأن الظاهر فيه ذلك أيضا على ما بين في محله.

كما أن الظاهر وفاقا للذكرى عدم الفرق في جميع ما ذكرنا بين الالتفات دبرا و بين الالتفات بكله يمينا و شمالا بحيث يخرج عما بين المشرق و المغرب الذي ذكرنا أنه مبطل مع العمد حتى في الإعادة في الوقت و خارجه، لما عرفت، بل لعل المراد يدبر القبلة في بعض النصوص (5)ما يشمله بقرينة المقابلة بما بين المشرق و المغرب، فضلا عن نصوص التحويل (6)عن القبلة و قلب الوجه و الانصراف و نحو ذلك، خلافا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القبلة- الحديث 4.
6- 6 المتقدمة في ص 26.

ج 11، ص: 41

لظاهر بعض و صريح آخر، لإطلاق

موثق عبد الرحمن (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا صليت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنك صليت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد، و إن فاتك الوقت فلا تعد»

و غيره من النصوص الكثيرة(2)و فيه أن سائر نصوص (3)ذلك المقام ظاهرة و صريحة كما لا يخفى على من لاحظها في المصلي بظن القبلة ثم بان له الخطأ، حتى لو كان فيها مطلق انصرف إلى الذي تظافرت النصوص ببيانه، خصوصا و نسيان القبلة في غاية الندرة، فلا يشمله من صلى لغير القبلة و نحوه، فضلا عما نحن فيه من الملتفت سهوا في أثناء الصلاة، و دعوى أولويته من الظان في غاية المنع، ضرورة كون التكليف في القبلة بالظن، فكان مقتضى قاعدة الاجزاء عدم الإعادة في الوقت فيه، بخلاف نحو المقام الذي لا أمر فيه، بل أقصاه أنه عذر لا أمر به حتى يقتضي الإجزاء، فيبقى على قاعدة- الشرط و على إطلاق نصوص المقام انقطاع الصلاة و بطلانها و عدم الاعتداد بها الموجب للقضاء، و الظان مع فرض عدم تبين الخطأ له حتى خرج الوقت يجزيه ما فعله للقاعدة، فلا تشمله أدلة القضاء، ضرورة عدم مقتض للبطلان فيه، بل مقتضي الصحة فيه موجود، و لا ينافيه وجوب الإعادة في الوقت، إذ مرجعه إلى اشتراط اقتضاء هذا الأمر الاجزاء بأن لا يتبين له الخطأ في الوقت، نعم لو كان في هذه النصوص

تعرض لحكم الناسي للقبلة مثلا بالخصوص و أنه يعيد في الوقت دون خارجه أمكن جريانه في المقام، للقطع بأنه ليس أسوأ حالا منه، لكن قد عرفت خلوها عن ذلك، و من هنا استظهر من عرفت سابقا عدم إلحاق الناسي بالظان، و هو الأقوى خلافا لمن عرفت.

أما الملتفت بكله سهوا بما لا يخرج عن المشرق و المغرب الذي هو مبطل في صورة العمد فقد يقوى عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت فضلا عن خارجه،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القبلة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القبلة.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القبلة.

ج 11، ص: 42

لاطلاق ما دل (1)على أن ما بين المشرق و المغرب قبلة إطلاقا ظاهرا في تناول المخطئ بالاجتهاد و الناسي و غيرهما، بل بعضها(2)ظاهر فيما يشمل العمد و إن وجب الخروج عنه بالأدلة الأخر المعارضة له المتقدمة في محلها، و لولا الإطلاق المزبور لاتجه فيه وجوب الإعادة أيضا وقتا و خارجا، و حينئذ لا يجب عليه استئناف ما فعله من الأجزاء أركانا أو غيرها حال السهو، ضرورة اقتضاء تنزيل تلك الجهة منزلة القبلة حال السهو الاجتزاء بها.

و مما ذكرنا يعلم حال المبطل من الالتفات بالوجه، لعدم ظهور الفرق بينه و بين الكل في جميع ما تقدم، كما أنه منه يعلم كثير خبط في المقام للخبط في الموضوع حتى ما في المدارك فإنه بعد أن مال إلى مساواة الوجه للكل في البطلان بمطلق الالتفات به كفخر

المحققين قال: «هذا كله مع العمد، أما لو وقع سهوا فان كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين و اليسار لم يضر، و إن بلغه و أتى بشي ء من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت، و إلا فلا إعادة» ضرورة خروجه عن مقتضى النصوص و الفتاوى، سواء أراد الوجه خاصة منه أو ما يشمله و الكل، و لم أجد من وافقه عليه أو سبقه اليه إلا الكاشاني فيما حكي من مفاتيحه، و فيه أنه لا مدخلية لإتيان شي ء من الأفعال و عدمه، ضرورة كون الالتفات من القواطع للصلاة و لو باعتبار فوات شرطها الذي هو الاستقبال، و من المعلوم أن شرائط الصلاة ليست كشرائط أجزاء الصلاة من الطمأنينة و نحوها، فمتى انتفى في حال من أحوال الصلاة سواء قارنه فعل شي ء من أفعالها أو لا بطلت، لفوات الشرط بحصول المانع، و ليس في الصلاة زمان يصدق على المكلف فيه أنه ليس في صلاة، و لا ينافيه وقوع بعض الأفعال التي ليست من الصلاة في أثنائها، على أنه لو سلم كون المراد


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القبلة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القبلة- الحديث 2.

ج 11، ص: 43

بهذا الشرط عدم خلو شي ء من أفعال الصلاة منه كان المتجه التفصيل بين ما يمكن تداركه لعدم البطلان بزيادته سهوا أو لا، فيتلافى الأول إن لم يكن قد دخل في ركن، و إلا قضاه إن كان مما يقضى، و إلا سجد للسهو خاصة، و تبطل الصلاة في الثاني، و لو سلم أن جميعها مما لا يتلافى بفواته أصلا كان المتجه أيضا وجوب إعادتها في الوقت و خارجه لا الوقت خاصة، فظهر حينئذ أنه لا وجه لهذا التفصيل حتى في غير الفاحش من الالتفات أيضا: أي ما بين المشرق و المغرب، لما عرفت من الاجتزاء بما يقع معه سهوا تنزيلا لما بين المشرق و المغرب منزلة القبلة، فلا يحتاج إلى تدارك أصلا فضلا عن إعادة ما صلاة في الوقت، فتأمل.

هذا كله في الالتفات مختارا و لو سهوا، أما إذا كان مكرها عليه فلا يخلو إما أن يكون مع ذلك مقصودا له و يعد أنه من أفعاله كما لو جبره شخص على أن يلتفت في الصلاة أولا، و سيجي ء البحث في الأول في الكلام، لأن جماعة من الأصحاب تعرضوا له فيه، و هما من واد واحد، و أما الثاني و هو الذي ألفته ملفت من غير اختياره فقد يشك في شمول النصوص له بإمكان ظهورها خصوصا المعبر فيها بالأفعال لا المصدر، بل هي قرينة على المراد في غيرها في الالتفات الذي هو فعل المكلف لا نحو الفرق الذي هو من الأفراد النادرة، لكن قد يقال: إنه و إن كان كذلك بالنسبة إلى أدلة المانعية إلا أنه قد يتجه البطلان من حيث فوات الشرط الذي يمكن منع ظهور ما دل عليه في غير الفرض، فيستقبل الصلاة من رأس، بل لو فرض ضيق الوقت و أمكن تكليفه بالقضاء، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، خصوصا بعد ما ذكرناه في الناسي إذ أقصى ما يقال: إنه ملحق به، و قد عرفت الإعادة فيه وقتا و خارجا، نعم يخالفه فيما بين المشرق و المغرب، و لعلنا نقول به هنا بناء على شمول تلك الإطلاقات لمثله، فيتحد الحكم فيهما حينئذ من كل وجه، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

ج 11، ص: 44

[منها الكلام]

و منها الكلام بما ليس بدعاء و ذكر و قرآن إجماعا بقسميه، بل المنقول منه كاد يكون متواترا كالنصوص (1)خصوصا مع ملاحظة ما تضمن منها التسبيح و نحوه بقصد الإشارة إلى الحاجة مثلا تحرزا عن الكلام في الصلاة، و

قول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر أبي جرير(2): «إن الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبح، و إذا دعته الوالدة فليقل: لبيك»

محمول على النافلة بناء على جواز قطعها، أو على غير ذلك، كالصحيح (3)عن علي بن النعمان الرازي الذي ستعرفه، و الظاهر تحققه بالتكلم بحرفين فصاعدا بلا خلاف أجده بين الأصحاب بل يمكن تحصيل الاتفاق عليه منهم، و ربما كان من معقد صريحه و ظاهره، بل في الحدائق الإجماع عليه صريحا من غير فرق بين المهمل و المستعمل، و عن نجم الأئمة و شمس العلوم النص عليه، و في مرسل الفقيه (4)و

خبر طلحة بن زيد(5)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «من أن في صلاته فقد تكلم»

و عن الذخيرة نفي الخلاف فيه كما في الحدائق الإجماع عليه، و لعله كذلك بشهادة التتبع، فما في الروضة من أن في اشتراط كون الحرفين موضوعين لمعنى وجهين، و قطع المصنف بعدم اعتباره في غير محله قطعا، قال: و تظهر الفائدة في الحرفين الحادثين من التنحنح و

نحوه، و قطع العلامة بكونهما حينئذ غير مبطلين محتجا بأنهما ليسا من جنس الكلام، و هو حسن، و هو أغرب من الأول، و لعل هذا هو الذي ألجأه إلى ذكر الوجهين في ذلك، و ستعرف أن عدم البطلان بصورة الحرفين الظاهرين من التنحنح و نحوه لا يقتضي عدم البطلان بالتكلم بالحرفين حقيقة إلا أنهما غير موضوعين لمعنى، كما هو واضح بأدنى تأمل، خصوصا بملاحظة ما تسمعه.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 11، ص: 45

بل لولا الإجماع صريحا في المنتهى و الذكرى و المحكي من الروض و المقاصد العلية المعتضد بظاهره في المدارك و عن الكفاية و بنفي الخلاف في التذكرة و ما عن نجم الأئمة من اشتهاره في اللغة بالمركب من حرفين بعد أن كان فيها لمطلق اللفظ مؤيدا بما صرح به في المنتهى و التذكرة من سلب اسم الكلام عنه و بما فيها و في الذكرى أيضا من الحرج بالتكليف في اجتنابه لعدم انفكاك الصوت عنه لأمكن دعوى بطلانها بالحرف الواحد بالتكليف في اجتنابه لعدم انفكاك الصوت عنه لأمكن دعوى بطلانها بالحرف الواحد المهمل فضلا عن الحرفين، لصدق اسم الكلام عرفا، ضرورة إرادة مطلق اللفظ الذي هو الصوت المقطع من جنس الحروف منه، و به يقابل غير الكلام من الأصوات التي لا تقطيع فيها و لا تسمى نطقا و لا لفظا، مؤيدا بما صرح به بعضهم كما في الحدائق من أنه جنس لما يتكلم به حرفا واحدا أو أكثر، مع أصالة عدم النقل، و اليه مال في الحدائق، لكن قال: «إن الأحكام المودعة في الأخبار تبنى على ما هو الغالب المتكرر الذي يتبادر إليه الإطلاق، و هو هنا ما كان من حرفين فصاعدا، و لعل إجماع الأصحاب مبني على ذلك» و فيه أن ظاهره تعليل الخروج بعدم صدق الكلام عليه و إدخالهم المهمل و نحوه مما لا ينصرف إليه الإطلاقات، بل توقفوا في نحو التنحنح و التأوه و الأنين و نحوها مما يكشف أن المدار في المقام على مسمى الكلام، خصوصا و قد عرفت ما في الخبرين (1)من إدخال الأنين في الكلام و غيرهما من النصوص (2)المسؤول فيها عن التنحنح و نحوه المشعر بخطور هذه الأفراد النادرة في أذهان المخاطبين و المخاطبين لا على ما ينصرف إليه الإطلاقات من الأفراد الشائعة قطعا، فالعمدة حينئذ في خروج الحرف الواحد الإجماع المحكي المعتضد بالتتبع و بنفي الخلاف و غيرهما مما عرفت.

أما الحرف الواحد المفهم نحو «ق» و «ل» و «ع» فلا ينبغي التوقف في


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة.

ج 11، ص: 46

إبطاله، لعدم تحقق الإجماع في المقام، بل صريح الشهيد و من تأخر عنه أنه كلام لغة و عرفا و مبطل للصلاة، و في المنتهى أنه الوجه، بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن اللغة و العرف، و كونه لحنا لوجوب إلحاق

هاء بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن اللغة و العرف، و كونه لحنا لوجوب إلحاق هاء السكت حال عدم وصله لا ينافي ذلك، لأن المدار على صدق الاسم الذي لا يعتبر فيه الصحة، مع أنه يمكن وصله بالقول الصلاتي فلا وقف عليه، فما في التذكرة و المحكي عن نهاية الأحكام- من القطع بكونه ليس بكلام و لكن تردد في البطلان و عدمه، كالقواعد و عن التحرير و الدروس من الاعراض به عن الصلاة، و حصول الإفهام فأشبه الكلام لاشتماله على مقصوده، و من دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الابطال به كما في التذكرة، و من أنه لا يعد كلاما إلا ما انتظم من حرفين، و الحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء كما في المحكي عن النهاية- ظاهر الفساد كما عن شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر، و بعد تسليمه لا جهة للوجه الأول من الإشكال، ضرورة أنه لا دليل على الابطال بما أشبه الكلام، و إجماعهم على البطلان بالتكليم بحرفين لا يقضي بعدم البطلان بالمفروض، إذ لعل ذلك جرى مجرى الغالب، أو أرادوا ذكر المعلوم المتيقن أو غير ذلك، على أنه هو كما ترى لا مفهوم له معتبر يشعر بذلك، اللهم إلا أن يدعى أن مفهوم اللقب حتى في مثل المقام حجة في عبارات الأصحاب، و به يثبت الوفاق و الخلاف، و مع تسليمه أقصاه خروجه عن الإجماع على الابطال به لا الإجماع على عدم البطلان به، فيكفي فيه حينئذ صدق الاسم و عدم صحة السلب، فتشمله الإطلاقات التي قد عرفت شمولها للفرد النادر في المقام، على أنه لا ندرة في الفرض، و دعوى التمسك بإطلاق معقد الإجماع على عدم البطلان بالنطق بحرف واحد كما ترى، خصوصا بعد جزم حاكي الإجماع بالبطلان هنا أو تردده، و ليس المدار في الفرض على كون المحذوف كالمقدر و على ما فيه من الإسناد، ضرورة ثبوت البطلان للصدق بالمسمى بق مثلا، بل المدار على كونه مفهما بالوضع.

ج 11، ص: 47

و منه يعلم أنه لا بطلان بق المقتطعة من قام، و لا بز و إن انتقل منها إلى زيد يحسب المقام، بل و لا بطلان بحروف المعاني من ل و ب و دو نحو ذلك، لعدم الفهم منها وضعا، و الظاهر أن من التكلم بحرفين إشباع حركة الحرف بحيث يتولد منه حرف إذ لا ينقص عن الكلمة المركبة وضعا منهما من غير فرق بين ما كان يمده أشبه الكلمة الموضوعة كبا و تا و ثا علما للحروف و بين ما لا يكون كذلك كعا و كا، لما عرفت من عدم الفرق عندنا بين الموضوع منهما و المهمل، فما عن الروض من اعتبار ذلك لا يخلو من نظر.

أما مد حرف المد و اللين نفسه فقد يقوى عدم البطلان به، لأن المد على ما حققوه كما قيل: ليس بحرف و لا حركة و إنما هو زيادة في مط (مد خ ل) الحرف و النفس و ذلك لا يلحقه بالكلام، و قولهم: يمد بمقدار خمس ألفات مثلا يراد منه التقدير لزمان النطق بالالفات المستقلة كما هو ظاهر العبارة المزبورة أو صريحها، لا أنها تكون بذلك ألفات متعددة، و من هنا قال في الروضة: «و العجب أنهم جزموا بالبطلان بالمد(1)مطلقا و توقفوا في الحرف المفهم من حيث كون المبطل الحرفين فصاعدا، مع أنه كلام لغة و اصطلاحا» قلت: لا ظهور في كلامهم بالجزم بالبطلان بالمد بالمعنى المزبور بل لعل مرادهم ما ذكرناه أولا، ففي الذكرى بعد أن حكم بالبطلان بالحرف المفهم قال:

«و كذا لو كان الحرف بعده مدة إما ألف أو واو أو ياء» و في جامع المقاصد في شرح قول الفاضل: و في الحرف الواحد المفهم و الحرف بعده مدة و كلام المكره عليه نظر، قال: «المسألة الثانية أن الحرف بعده مدة، و المراد به إشباع الضم أو الفتح أو الكسر في حرف، و في الإبطال به نظر، منشأه من أنه يعد حرفا واحدا، و من أن المدة إما و أو أو ألف أو ياء، و تسميتها مدا لكون حرف المد و اللين لا يخل بكونها حرفا، و هو


1- 1 الذي في الروضة بالأول يريد به الحرفين فلا إيراد عليه فلاحظ منه رحمه الله.

ج 11، ص: 48

الأصح» و في التذكرة «أما الحرف بعده مدة ففيه نظر أيضا، ينشأ من تولد المد من إشباع الحركة و لا يعد حرفا، و من أنه إما ألف أو واو أو ياء» و نحوه عن نهاية الأحكام، بل قال هو في المسالك بعد أن ذكر البطلان بالحرف المفهم: «و في حكمه الحرف بعده مدة ناشئة من إشباع حركته ضما أو كسرا أو فتحا، فان إشباع أحد هذه الحركات يلحقها بالواو و

الياء و الألف» إلى غير ذلك من عباراتهم التي بعد التأمل فيها يكون العجب منه لا منهم على أن حرف اللين الذي يكون المد فيه مد صوت خاصة لا يمكن النطق به ابتداء لسكونه حتى يكون مع مده من التكليم بحرفين، إنما المتصور إشباع الحروف المتحركة حتى يتولد منها الحروف المجانسة للحركات كما تسمعه من إرشاد الجعفرية، هذا. و لكن في جملة من النسخ المعتبرة للروضة «و العجب أنهم جزموا بالحكم الأول مطلقا» إلى آخره. و لعله لا يريد من الإطلاق ما يشمل المد المزبور، و إلا توجه عليه ما ذكرنا.

و كيف كان فمن الغريب ما في كشف اللثام حيث جعل محل النظر في شرح عبارة القواعد مد الحرف الذي لا يؤدي إلى حرف آخر، و من الواضح أنه لا جهة للبطلان حينئذ، ثم ذكر بعد ذلك أن وجه التردد فيه من أن الحركات المشبعة إنما تكون ألفا أو واوا أو ياء، و من أنه لا يعد حرفا، و هو كما ترى، و الأولى ما عرفت، و منه يرتفع الإشكال المحكي عن إرشاد الجعفرية حيث قال: «المراد بالمدة في قولهم: «الحرف الذي بعده مدة» الألف و الواو و الياء إذا كانت حركة ما قبلها من جنسها» ثم نقل عن المحقق الثاني أن المراد به الحرف الذي فتحته أو ضمته أو كسرته بحيث يتولد الألف أو الواو أو الياء، ثم قال: «و أنت خبير بأن الحرف الذي بعده مدة لا يمكن التلفظ به إلا معها، فيكون الملفوظ فيما نحن فيه حرفين قطعا، فعلى هذا لا ينبغي أنه تكون المسألة

ج 11، ص: 49

محل خلاف و لا توقف» قلت: «كما أنه لا ينبغي أن يكون محل خلاف و توقف ما فرضناه من إشباع الحركات حتى يتولد حروف، بل و كذا لا ينبغي التوقف في البطلان بحكاية صوت التنحنح و النفخ و الأنين و التأوه و نحوها، ضرورة كونها ألفاظا موضوعة للدلالة على الأصوات المزبورة إلا أنها كان النطق بها مناسبا لمسماها.

نعم في المعتبر- بعد أن حكى عن الشيخ البطلان بالنفخ بحرفين و الأنين و التأوه بهما- قال: «و قال أبو حنيفة: إن التأوه للخوف من الله تعالى عند ذكر المخوفات لا يبطلها و لو كان بحرفين، و يبطلها لو كان لغير ذلك كالألم يجده» ثم إنه بعد أن ذكر الاستدلال على البطلان بتعمد الكلام و خبر طلحة(1)قال: «و تفصيل أبي حنيفة حسن، و قد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة، و وصف إبراهيم (عليه السلام) بذلك (2)يؤذن بجوازه» قلت: و لا مكان دعوى انصراف أدلة الكلام لغيره لا أقل من الشك، فيبقى على أصالة عدم المانعية بناء على التحقيق في جريانها، مضافا إلى إطلاق

ما دل (3)على أن «كل ما ناجيت به الله فهو ليس بكلام»

و نحوه مما يمكن ظهوره و لو فحوى في تناول مثل ذلك، بل لعله من المناجاة كما يشعر به وقوعه في مناجاة زين العابدين (عليه السلام) و غيرها، و عدم ذكر المتعلق به كمن ذنوبي و نحوه لا ينافيه، فتأمل.

أما الأصوات نفسها فلا بطلان بها، لعدم عدها حروفا عرفا و إن شابهتها في الصورة كقاش ماش خاق باق و نحوهما، و هذا التفصيل مع أنه الصحيح الموافق للنظر بعد التأمل ينطبق عليه سائر كلمات الأصحاب إلا بعض متأخري المتأخرين ممن لم يفرق بين المقامين، فساوى بين الاسم و المسمى لتقاربهما في الصورة، مع أنه لا ريب في أن الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
2- 2 سورة هود- الآية 75.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القنوت- الحديث 4.

ج 11، ص: 50

من الكلام، و لعل خبري الأنين (1)مبنيان عليه أو على الكراهة لا على أنه مبطل و إن لم يكن كلاما كما في الحدائق، أو على أن مطلق الأنين كلام، بخلاف الثاني، و لذا يقال تنحنح و لا يقال تكلم، و عليه

موثق الساباطي (2)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يسمع صوتا بالباب و هو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته و أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب و هو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته و أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنتظر من هو قال: لا بأس»

و

خبره الآخر(3)عن رجل من بني عجل «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود قال: لا بأس»

و دعوى الفرق بين التأوه و الأنين و بين النفخ و السعال و التنحنح فيبطل الأولان بخلاف الأخيرة واضحة المنع، لتساوي الجميع في البطلان مع صدق النطق و التلفظ و التكلم بحرفين، و العدم مع العدم.

و من ذلك يعلم ما في كلام جملة من الأعلام حتى العلامة الطباطبائي في منظومته و ما في إيراد غير واحد على ما سمعته من المعتبر من أنه إن كان كلاما لم يجز و لو للخوف من الله، و إلا لجاز بدونه، فلاحظ و تأمل جيدا.

هذا كله في كلام الآدميين، أما الذكر و الدعاء و القرآن فلا ريب في جوازها مطلقا للأدلة السابقة غير مرة، حتى لو كان الغرض من فعلها الدلالة على أمر من الأمور كما أومأت اليه نصوص (4)التنبيه بالتسبيح و نحوه على المقاصد، لا أن المراد استعمال لفظ الذكر في المقصد، فإنه يبطل بلا شبهة، بل المراد استعماله في معناه المسوغ لفعله في الصلاة إلا أنه يشير بفعله مثلا في غير محله و علو صوته به و نحو ذلك إلى مقصد من مقاصده، و لعله على هذا ينزل نص غير واحد من الأصحاب على جواز


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب السجود- الحديث 3 و هو عن إسحاق بن عمار.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة.

ج 11، ص: 51

«ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ»(1)و «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ»(2)بقصد القراءة و إن قصد مع ذلك التفهيم، ضرورة إرادة قصد التفهيم بالطريق الذي ذكرناه و إن كان الغرض المراد الآن موافقا لما أريد بالقرآن، و إلا فلا يمكن جمعهما بقصد واحد، إذ من المعلوم تباين قصد الحكاية للإنشاء، و لو فرض أنه قصدهما معا بناء على إمكانه و إن كان خارجا عن الصحيح من الاستعمال إذ ليس المدار هنا عليه أمكن بطلان الصلاة به، لعدم صدق القرآنية، بخلاف مطلق الكلام الذي أنيط به البطلان، و مثله ما لو تكلم بالمشترك من غير تشخيص للقرآنية و غيرها، و احتمال بناء الحكم فيهما معا على قاعدة الشغل، أو على أن المبطل الكلام إلا ما كان قرآنا مثلا، و أن الأصل الصحة ما لم يكن تلفظ بغير القرآن و الفرض خروج محل البحث عنهما، أو صدقهما عليه لعدم قصد المميز لكل منهما أو قصدهما معا واضح البطلان بأدنى تأمل.

كما أنه به أيضا يظهر الحكم فيما لو لم يقصد سوى التفهيم بنحو «ادْخُلُوها» إلى آخرها و «يا يَحْيى» إلى آخرها و غيرهما، و إن قال في القواعد و التذكرة: بطل على إشكال، لأن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم قصده، و في الذكرى فيه وجهان:

البطلان و الصحة بناء على أن القرآن هل يخرج عن اسمه بمجرد القصد أم لا، قلت:

لا ينبغي التأمل في عدم خروج ما فرض كونه قرآنا بأسلوبه و نظمه و نحوهما مما يشخصه و يميزه عن القرآن بمجرد القصد، ضرورة عدم صحة سلب الاسم عن قراءة القرآن و كتابته، بل و غيره من قصائد الشعراء و خطب البلغاء بذلك من غير فرق بين الجميع و البعض المختص، و بذلك و نحوه امتاز المختص عن المشترك، و احتمال أن مدار الفرق بينهما باحتياج قرآنية الثاني إلى القصد دون الأول لا مع قصد العدم فإنهما حينئذ سواء في نفي


1- 1 سورة الحجر- الآية 46.
2- 2 سورة مريم ع- الآية 13.

ج 11، ص: 52

القرآنية ضعيف يشهد العرف بفساده، فظهر حينئذ أنه لا بطلان في مفروض البحث وفاقا لكشف اللثام و غيره، نعم لو كان المقصود به التفهيم خاصة من القرآن مشتركا اتجه البطلان بمجرد عدم القصد فضلا عن قصد العدم، و لا جهة لبناء ما نحن فيه على أن هذا المسموع هل هو عين ما أوجده الله تعالى كما عن أبي علي و أبي الهذيل و إلا لبطلت المعجزة لقدرتنا على مثله أو حكاية عنه كما عن أبي الهذيل، لاستحالة بقاء الكلام، ضرورة أنه على القولين لا تخرج تلاوة هذا عن كونها قرآنا قطعا، و إلا لامتنع الوفاء بنذر القراءة على أحد القولين، بل امتنع فعل الصلاة، فإنها لا تصح بدونه.

[منها القهقهة]

و منها القهقهة فان تعمدها مبطل بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل في المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و عن غيرها الإجماع عليه، و

قال الصادق (عليه السلام) في الحسن أو الصحيح (1): «القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة»

و

سأله (عليه السلام) سماعة(2)في الموثق «عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال:

أما التبسم فلا يقطع الصلاة، و أما القهقهة فهي تقطع الصلاة»

ك

مرسل الفقيه (3)عن الصادق (عليه السلام) «لا يقطع التبسم الصلاة و تقطعها القهقهة، و لا تنقض الوضوء»

و في

المروي عن الخصال عن أبي بصير و محمد بن مسلم (4)عن الصادق (عليه السلام) أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا يقطع الصلاة التبسم و يقطعها القهقهة»

نعم ظاهرها عدم الفرق بين حالتي العمد و غيره، لكن في المعتبر و التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و عن كشف الالتباس و الغرية و إرشاد الجعفرية و الروض و المقاصد العلية و النجيبية و المفاتيح الإجماع على عدم البطلان بالسهو، و لعله لأن المراد من النصوص الإهمال

لا الإطلاق، فيبقى حينئذ على الأصل، أو لأنها إنما تنصرف إلى الفرد الشائع


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 16.

ج 11، ص: 53

دون النادر، و هو ناسي الحكم، أو أنه في الصلاة.

أما القهقهة اضطرارا و لو بتقصير في المقدمات فيقوى البطلان بها بلا خلاف معتد به أجده فيه، لا طلاق النصوص و معاقد الإجماعات، بل لعله هو الفرد الكثير الذي وقع السؤال عنه في النصوص، بل قد يظهر من كل من نسب الخلاف فيه إلى الشافعية الإجماع عليه، بل كأنه يلوح من التذكرة، حيث قال: «القهقهة تبطل الصلاة إجماعا منا، و عليه أكثر العلماء سواء غلب عليه أم لا» فما في ظاهر جمل العلم و العمل من الخلاف في ذلك حيث قال: «و لا يقهقه و لا يبصق إلا أن يغلبه» لا ريب في ضعفه كالذي في مجمع البرهان من أن ظاهر الأخبار يعم الاضطرار، و لا يبعد التخصيص بالخبر(1)مع عدم التصريح بالعموم في الأخبار، فافهم، ضرورة كون التعارض فيه حينئذ بعد تسليم إرادة و ما يشمل البطلان من خبر الرفع و أن ما نحن فيه مما استكرهوا عليه بالعموم من وجه، و لا ريب في كون الترجيح لنصوص المقام من وجوه كما هو واضح.

إنما الكلام في المراد من القهقهة، ظاهر مقابلتها في النصوص بالتبسم جواب السؤال عن الضحك أن ما عدا التبسم قهقهة، إذ احتمال عدم إرادة بيان حكم جميع الأفراد في الجواب

في غاية البعد، و التبسم معلوم، و احتمال اقتضاء مقابلته للقهقهة أنه ما عداها أيضا فلم يعلم تمام المراد بكل منهما يدفعه أن معنى التبسم ظاهر عرفا بخلاف القهقهة، فإنها يمكن دعوى أنها ما عداه قضاء للمقابلة لا العكس المقتضي أن يندرج فيما هو معلوم ظاهر غيره، و لو قلنا: إن التبسم ليس من الضحك في شي ء كما هو مقتضى المحكي عن الجوهري من أنه دون الضحك كان المراد بها مطلق الضحك، و لعله كذا كان ظاهر المنتهى و جامع المقاصد أنه هو المراد منها هنا، لكنه كما ترى خلاف ظاهر النصوص و العرف، بل و كثير من كتب الأصحاب، بل و بعض كتب اللغة


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

ج 11، ص: 54

كالقاموس، قال فيه على ما حكي عنه: «التبسم أقل الضحك و أحسنه» و لعل مرادهما الضحك المشتمل على صوت كما فسرها به في الروضة و المسالك و المنظومة و المحكي عن الميسية و المقاصد العلية و النجيبية، بل في الأول و إن لم يكن فيه ترجيع و لا شدة، و هو الموافق لما حكي عن الزوزني في المفصل و البيهقي في المصادر من أنها الضحك بصوت، فيكون التبسم حينئذ هو الذي لا صوت فيه كما في التذكرة و الذكرى و المدارك و المحكي عن نهاية الأحكام و الروض و إرشاد الجعفرية و الهلالية، و هو غير مبطل للصلاة نصا و إجماعا في الأولين إن لم يكن محصلا، و لعلهم بنوا ما ذكروه في القهقهة على أن العرف يقتضي ذلك، و أنه مقدم على اللغة، أو أنهم رجحوا ذلك لغة كما سمعته من الزوزني و البيهقي، بل يمكن إرجاع الجميع إليه، فإنه و إن حكي أنه قال في الصحاح و الديوان:

«القهقهة في الضحك معروفة، و هي أن يقول: قه قه» و في الأساس «قه الضاحك إذا قال في ضحكه: قه، فإذا كرره قيل: قهقه» و في مجمع البحرين «قه قها من باب ضرب:

ضحك، و قال في ضحكه: قه بالسكون، فإذا كرر قيل: قهقه من باب دحرج» لكن قد يكون ذلك منهم كناية عن الصوت الذي فيه ترجيع، كما تعارف التعبير عن السعال بأح أح لا خصوص قه قه، ضرورة كون المشاهد خلو أكثر أفراد الضحك بل المعلوم أنه من القهقهة من ذلك، و اليه يرجع حينئذ ما قيل من أن في القاموس قهقه رجع في ضحكه أو اشتد ضحكه كقه فيهما» و في العين «قهقه الضاحك إذا مع و رجح» و كذا تهذيب اللغة عن ابن المظفر، بل و ما في الجمل و المقاييس «من أنها الإغراق في الضحك» و شمس العلوم «أنها المبالغة فيه».

و بالجملة بملاحظة ما سمعته في النصوص من المقابلة مع ظهور إرادة تعميم البيان لسائر أفراد الضحك لا خصوص فرد منه و بقاء الباقي مضافا إلى ما سمعته من بعض أهل الفقه و اللغة يظن إرادة ما عدا التبسم من القهقهة، سواء اشتمل على لفظ قه قه

ج 11، ص: 55

أو لا، و لعل الأولى في ضبطه ما عرفته من الاشتمال على الصوت، فالمناقشة حينئذ بأنه مخالف للعرف و اللغة فالواجب حينئذ الاقتصار على الثابت من القهقهة و ينفى الباقي بالأصل بناء على التحقيق في جريانه في غاية الضعف، إذ لا ريب في حصول الظن بما ذكرنا، و هو كاف في موضوع اللفظ و المراد منه، و الظاهر أنه ليس من التبسم الضحك المشتمل على الصوت و الترجيع تقديرا، كما لو منع نفسه عن إظهار كمال الضحك إلا أنه مع ذلك قد امتلأ جوفه ضحكا و أحمر وجهه و ارتعش و نحو ذلك مما يقطع بخروجه معه عن التبسم، فتأمل جيدا.

[منها أن يفعل فعلا كثيرا ليس من الصلاة]
اشارة

و منها أن يفعل فعلا كثيرا ليس من الصلاة فتبطل حينئذ بذلك، بخلاف القليل بلا خلاف في الحكمين كما في التذكرة، بل في المعتبر على الأول منهما العلماء، بل عن نهاية الأحكام و إرشاد الجعفرية و مجمع البرهان و المفاتيح الإجماع عليه بل في المنتهى أنه قول أهل العلم كافة، و على الثاني الإجماع، كما عن كشف الالتباس الإجماع عليهما معا، و في جامع المقاصد و عن الغرية «لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الفعل الكثير في الصلاة و إبطالها به إذا وقع عمدا، بخلاف القليل كلبس العمامة و قتل الحية و العقرب» إلى آخره. على أن ما تواتر في النصوص فعلا و قولا من الأفعال في الصلاة كاف في صحة الثاني، ضرورة ظهور كون كثير من مواردها الأفعال القليلة، بل الظاهر تنزيل الجميع على ذلك، أو على ما ستعرفه من الفعل الكثير غير المنافي.

فمنها

ما في الفقيه (1)«أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين ابن طاب فحكها ثم رجع القهقرى فبنى على صلاته

قال-: و قال الصادق (عليه السلام)(2): هذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة»

و ابن طاب تمر بالمدينة، و عن بعض النسخ «أرطاب» و كأنه تصحيف، و منها

خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 11، ص: 56

الحلبي (1)المروي عن مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يخطو أمامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا قال: نعم لا بأس، و عن الرجل يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة قال: نعم»

و في

خبر عمار الساباطي (2)عنه (عليه السلام) «لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلي، و ترضعه و هي تتشهد»

و

سأل علي ابن جعفر أخاه (عليه السلام) في المروي (3)عن قرب الاسناد «عن المرأة تكون في صلاة الفريضة و ولدها إلى جنبها يبكي هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها و تسكته و ترضعه؟ قال: لا بأس، و عن الرجل يكون في صلاته فيرمي الكلب و غيره بالحجر ما عليه؟ قال: ليس على شي ء، و لا يقطع ذلك صلاته»

و

«رأى محمد بن بجيل الصادق (عليه السلام) يصلي فمر به رجل فرماه بحصاة فأقبل اليه الرجل»(4)

و

قال (عليه السلام) لعمار بن موسى: «المرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها و هي في الصلاة»(5)

و في

صحيح ابن أبي يعفور(6)«المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلي تصفق بيدها»

و في

خبر أبي الوليد(7)«أنه (عليه السلام) رخص لناجية في ضرب الحائط لإيقاظ الغلام».

و عن الخلاف الإجماع على جواز الإيماء باليد و ضرب إحدى يديه على الأخرى و ضرب الحائط و التكبير و التسبيح للتنبيه، و

في المرسل (8)«أن النبي (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 24- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2 و ذيله في الباب 10 منها- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 8.
8- 8 صحيح مسلم ج 2 ص 73.

ج 11، ص: 57

حمل أمامة بنت أبي العاص و كان يضعها إذا سجد و يرفعها إذا قام»

و في المنتهى «لا بأس أن يعد الرجل عدد ركعاته بأصابعه أو شي ء يكون معه من الحصى و شبهه، و عليه علماؤنا أجمع بشرط أن لا يتلفظ بل يعقده في ضميره، و ليس مكروها، و به قال أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة» إلى آخره. و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن المغيرة(1): «لا بأس أن يعد الرجل صلاته بالخاتم أو بحصى يأخذ به فيعد به»

و ل

حبيب الخثعمي (2)«أحص صلاتك بالحصى، أو قال: احفظها بالحصى»

و

قال له (عليه السلام) حبيب ابن المعلى (3): «إنه لا يحفظ صلاته إلا بتحويل خاتمه من مكان إلى مكان فقال:

لا بأس به»

و

في الذكرى أن البزنطي (4)روى عن داود بن سرحان عنه (ع) في عد الآي بعقد اليد فقال: «لا بأس، و هو أحصى للقرآن»

و

رأى يونس بن يعقوب (5)أبا عبد الله (ع) يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين،

و

سأله (ع) الحلبي (6)«عن الرجل يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب فقال: نعم، و كان أبو جعفر (ع) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب»

و «عن الرجل يحتك في الصلاة فقال:

لا بأس»(7)

و

رجل من بني عجل (8)«عن نفخ الغبار على مكان السجود فقال:

لا بأس»

و

حنان بن سدير(9)«عن الرجل يومي في الصلاة فقال: نعم قد أومأ النبي (صلى الله عليه و آله) في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه»

و

رأى


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السجود- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السجود- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 28- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 7- من أبواب السجود- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.

ج 11، ص: 58

زكريا الأعور(1)أبا الحسن (عليه السلام) «يصلي قائما و إلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليه السلام) و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى موضعه من الصلاة»

و في

خبر السكوني (2)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «أنه قال في رجل يصلي و يرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة تدخل البيت فتفسد الشي ء: قال: فلينصرف و ليحرز ما يتخوف و يبني على صلاته ما لم يتكلم»

و في

خبره الآخر(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن

يتقدم قال: يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريده ثم يقرأ»

و نحوه غيره (4)في المشي في أثناء الصلاة للحوق بالصف و نحوه، و

سأل مسمع (5)أبا الحسن (عليه السلام) «أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها إلى قال: لا بأس»

و

عمار(6)في الموثق أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناول نعاله فيقتلها فقال: إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها، و إلا فلا»

و لعله لعدم الخوف منها حينئذ لا لعدم جواز غير الخطوة كي ينافي غيره حتى إطلاق

حسن الحسين بن أبي العلاء(7)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يرى الحية و العقرب و هو يصلي المكتوبة قال: يقتلهما»

و

صحيح زرارة(8)عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: في رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قيام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجماعة و الباب 30 من أبواب قواطع الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 11، ص: 59

يرى العقرب و الأفعى و الحية و هو يصلي أ يقتلها؟ قال: نعم إن شاء فعل»

و في

خبر ابن أبي أذينة(1)المروي عن محاسن البرقي عن أبي جعفر (عليه السلام) «لدغت رسول الله (صلى الله عليه و آله) عقرب و هو يصلي بالناس فأخذ النعل فضربها ثم قال بعد ما انصرف: لعنك الله ما تدعين برا و لا فاجرا إلا آذيته، قال: ثم دعا بملح جريش فذلك موضع اللدغة، ثم قال: لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه إلى ترياق و لا غيره»

إلى غير ذلك من أخبار دفن القمل (2)و قطع الثالول و نزع السن و حك خرء الطير(3)و عد الاستغفار في الوتر بالسبحة(4)و نحوها.

و موهم الكثرة المنافية في بعض النصوص (5)كإطلاق آخر(6)يجب رده إلى القلة أو غير المنافي من الكثرة للإجماع بقسميه كما عرفت على البطلان بها من غير استثناء، فاحتمال التخصيص حينئذ ببعض ما في النصوص السابقة لا محل له، خصوصا و التعارض غالبا في الفرض بالعموم من وجه، و لا ريب في رجحان مقتضي البطلان من وجوه، كما أنه يجب طرح أو تنزيل

بعض ما يقتضي المنع عن القليل على ما لا ينافي ذلك لما عرفت، ك

خبر علي بن جعفر(7)المروي عن كتاب المسائل لأخيه «سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها إلى جنبها هل يصلح أن تتناوله و تحمله و هي قائمة؟

قال: لا تحمل و هي قائمة»

فإنه مع معارضته بما سمعت خصوصا الموثق يجب حمله على


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 5 من كتاب الأطعمة و الأشربة لكن رواه عن ابن أذينة.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب قواطع الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب قواطع الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القنوت- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1 من أبواب قواطع الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب 2- من أبواب قواطع الصلاة.
7- 7 الوسائل- الباب- 24- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.

ج 11، ص: 60

الكراهة أو غيرها، و احتمال المنع فيه باعتبار استلزام زيادة الركوع لعدم اشتراط النية فيه يدفعه أولا عدم صدق زيادة الركوع على مثله، مضافا إلى خبر تناول العصا و غيره و الأمر سهل بعد أن ظهر لك ابتناء هذه النصوص على المجمع عليه بين الأصحاب كما عرفت من عدم البطلان بالقليل و البطلان بالكثير.

فما في الحدائق بعد أن ذكر كثيرا من النصوص المزبورة قال: «و يستفاد منها أن ما كان من الأفعال مثل ما اشتملت عليه نوعا أو شخصا فلا بأس به أي و إن كان كثيرا، و ما زاد على ذلك و خرج عنه فهو محل الاشكال، و إن لم يسم كثيرا عرفا- ثم قال-: هذا هو القدر الذي يمكن القول به في المقام» في غاية الضعف، ضرورة ابتنائه على الاعراض عن كلام الأصحاب و

عدم الملكة المتصرفة في خطابا السنة و الكتاب.

نعم قد يقال: إن هذه النصوص إن لم تدل بمقتضى إطلاق بعضها و ظهور المورد في آخر على عدم البطلان بالكثير كالقليل فلا ريب في عدم دلالتها على البطلان به، و قد اعترف غير واحد من الأساطين بعدم الوقوف على نص علق فيه البطلان على الكثير، فالأصل بناء على التحقيق فيه يقتضي عدم البطلان به كالقليل معتضد بما دل من النصوص على حصر المبطل في غير ذلك، اللهم إلا أن يقال: إنه يكفي فيه بعد الإجماع بقسميه كما عرفت عليه، بل لعله كالضروري بين المتشرعة بحيث استغنى بضروريته عن النصوص بالخصوص، بل من شدة معروفية منافاة الصلاة للفعل الكثير في أثنائها كثر السؤال عن خصوص بعض الأفعال في أثنائها مخافة أنها تكون من المبطل و أغفل ذكر البطلان بالكثير، ففي الحقيقة هذه النصوص عند التأمل دلالتها على البطلان به أبلغ من دلالتها على العدم به.

على أن في بعضها نوع إيماء زيادة على ذلك، ك خبر(1)اشتراط قتل الحية بأن


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 11، ص: 61

يكون بينك و بينها خطوة بناء على إرادة الكناية بذلك عن الكثير، و

صحيح حريز أو مرسله (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما

لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع و اتبع الغلام و اقتل الحية و خذ الغريم»

و

موثق سماعة(2)«عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه قال: يقطع صلاته و يحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنفا فقال: لا بأس أن يقطع صلاته» و عن الفقيه زيادة «و يتحرز و يعود في صلاته»

و في

خبر سلمة بن عطا(3)أنه سأل الصادق (عليه السلام) «أي شي ء يقطع الصلاة؟ فقال: عبث الرجل بلحيته»

و

قال أيضا لأبي هارون المكفوف : «يا أبا هارون الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم و لا تومئ بيدك»

بناء على أن الأمر بالقطع فيهما و لو بالإطلاق من حيث الفعل الكثير لا من حيث خصوص استلزام المفسد من الكلام و الاستدبار و نحوهما، و إلا لأمر بفعل ذلك ثم البناء، على الصلاة.

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على البطلان بصدور الأفعال في الأثناء، منها الأخبار(4)

الدالة على أن من قام من موضعه عليه إعادة الصلاة إذا سها فترك ركعة أو أزيد، و في

صحيحة ابن يقطين (5)عن الكاظم (عليه السلام) «أن الحجامة و الرعاف و القي ء لا تنقض الوضوء بل تنقض الصلاة»

و غير ذلك، و إن كان الإنصاف أن الجميع(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2 مع الاختلاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7 و 10 و 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نواقض الوضوء- الحديث 7.

ج 11، ص: 62

غير صالح لإثبات ذلك سندا أو دلالة مع فرض قطع النظر عن الإجماع المزبور.

و التحقيق أن البطلان بالفعل الكثير إنما هو لفوات الموالاة بين الأفعال به، و لعله المراد بمحو الصورة المذكور في كلام غير واحد من الأصحاب، بل هو مراد الفاضلين و من تبعهما من الشهيدين و غيرهما فيما عللوا البطلان به من أنه يخرج المصلي به عن كونه مصليا، و زاد في المحكي من المقاصد العلية و يخيل للناظر أنه معرض عن الصلاة بل قيل: إنه اقتصر على ذلك في الموجز الحاوي و الميسية، و استجوده في كشف الالتباس، و حكاه في التذكرة عن بعض العامة في تفسير الكثرة، و هو مشعر بعدم رجوعه إلى الخروج عن الصلاة

الذي علل به أولا، و لعله كذلك، ضرورة أعمية تخيل الناظر الاعراض من الخروج عن وصف الصلاة، إذ قد يتخيل الناظر الاعراض لغلبة خلو أحوال الصلاة عن بعض الأفعال في أثنائها من المشي و نحوه و إن كانت قليلة أو لغير ذلك، و المراد بالخروج أن يكون في نفس الأمر خارجا عن وصف الصلاة مع الاطلاع على حاله، لا أن الحكم بأنه غير مصل لاشتباه من الحاكم في ذلك، و وجه البطلان حينئذ معه عدم تحقق الامتثال معه، و اليه يرجع المحكي عن السرائر من أن الكثير ما يسمى في العادة كثيرا مثل الأكل و الشرب و اللبس و غير ذلك مما إذا فعله الإنسان لا يسمى مصليا بل آكلا و شاربا و لا يسمى في العادة مصليا، فهذا تحقيق الفعل الكثير الذي يفسد الصلاة، و يورد في الكتب في التروك و قواطع الصلاة، فليلحظ ذلك.

قلت: يظهر منه أن المراد بالكثرة التي يرجع فيها إلى العادة ما أخرجت المصلي عن كونه مصليا، فلعل مراد جميع من صرح بالرجوع في الكثرة إلى العادة ذلك أيضا و هم الأكثر من أصحابنا، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا في مقابلة الشافعية، قال فيها:

لأن عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلى عرفهم، لكن ربما خدش ذلك بأنه فرع تعليق الحكم في النص على الكثرة حتى يرجع فيها حينئذ إلى العرف و العادة و ليس،

ج 11، ص: 63

كما اعترف به غير واحد، و من هنا جعل المدار في المدارك تبعا لأستاذه في الكثرة على محو صورة الصلاة و عدمه، قال فيها: «لم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير، لكن ينبغي أن يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية كما هو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق».

قلت: لا يخفى عليك أن إرادة مطلق ما يحصل به المحو و إن قل من الكثرة موقوف على اصطلاح جديد، و المعلوم عدمه، و ما في المنتهى- «كلما ثبت أنهم (عليهم السلام) فعلوه أو أمروا به فهو من حيز القليل» و في كشف اللثام «رب كثير في العدد لا يسمى في العرف كثيرا كتحريك الأصابع للعد أو غيره، و احتمل الإبطال في التذكرة و رب فعل واحد يحتمل عده كثيرا في العرف كالوثبة الفاحشة، و لذا استشكل فيه في التذكرة و نهاية الأحكام»- يجب صرفه إلى غير ذلك، و إلا كان محلا للنظر، ضرورة عدم تفاوت صدق الكثرة و القلة في هذه الأمور كلها، نعم قد يبطل و إن كثر من جهة عدم تفويته الموالاة، و قد يبطل مع القلة لثبوت المحو به، و لا يستحق بذلك تغيير الاسمين، إذ ليس المبطل منحصرا بالكثير و لا العكس.

ثم إنه لا يخفى عليك إمكان الاكتفاء في الرجوع في مسمى الكثرة إلى العرف و العادة بوقوعه في معاقد الإجماعات مثلا من غير حاجة إلى نص بالخصوص، على أنه ليس مراد الأصحاب كما أشرنا إليه سابقا في الرجوع في الكثرة إلى العادة من حيث صدق اللفظ و عدمه حتى يتوقف على وجوده في النص و عدمه، بل المراد أن الصلاة المطلوبة للشارع لا ريب في أن لها صورة خاصة و كيفية محدودة، بل من المعلوم بالضرورة أن الصلاة من ذوات الهيئات الملاحظ فيها اتصال الأفعال و غيره من الكيفيات، و ليست هي مجرد أفعال من غير مدخلية لاتصالها و نظمها، و لا ريب أن هذه الصورة إنما يحفظها المكلفون المخاطبون بها المؤدون لها في كل يوم المتشاغلون بها

ج 11، ص: 64

في أكثر الأوقات كما هي عادة الشرع في كل ما طلب له صورة، خاصة و هيئة محدودة و من ذلك الموالاة في القراءة و غيرها من الأقوال، و قد أشرنا هناك إلى اعتبار الموالاة بين الأفعال، و لعل ما نحن فيه من ذاك، إذ الظاهر ابتناء المقام على عدم الفعل الكثير في أثناء أفعال الصلاة بحيث يفوت الموالاة في أدائها.

فحينئذ لو فعل فعلا كثيرا بحيث لا ينافي التشاغل بأفعال الصلاة من حركة أصابع لعد ركعات و استغفار و تسبيح في صلاة التسبيح و غيرها لم يقدح في الصلاة، لعدم فوات الموالاة، و عدم ثبوت مقتضي البطلان، مع أن الأصل الصحة، بل هي ظاهر أكثر النصوص السابقة، و لعل منه حمل أمامة و إرضاع الصبي و لبس الرداء كما تسمعه في خبر علي بن الحسين (عليهما السلام)(1)بل يومي إلى ذلك أيضا ما ستسمعه من إطلاقهم كراهة العبث و الفرقعة، كإطلاق بعض النصوص (2)نفي البأس

عن العبث بالذكر، أما إذا فعل ما ينافي ذلك كالمشي و نحوه مما لا يمكن معه التشاغل في أفعال الصلاة لفوات الطمأنينة و نحوها فالمتجه فيها البطلان إذا وصل إلى حد يحكم المتشرعة فيه بعدم حصول الموالاة المعتبرة، و مع الشك فقد يتجه ذلك أيضا بناء على الأعمية فضلا عن القول بالصحيحة إن كان الشك المفروض قدح مثله شكا في تناول الأمر و الإطلاقات للفرد المزبور.

و لا يخفى عليك أن ما ذكرنا ليس رجوعا إلى العرف في الأحكام الشرعية كي يقال: إنه بمعزل عنها و ليس هو من مداركها، بل المراد أنه يرجع إليه في حفظ الصورة


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح« الحسين بن على عليهما السلام» كما يأتي.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1 و 2.

ج 11، ص: 65

المتلقاة من الشرع التي علق التكليف بها، ففي الحقيقة إنما رجع إليه في متعلق الحكم الشرعي و موضوعه الذي هو وظيفته.

كما أنه لا يخفى عليك عدم منافاة ذلك لكون الصلاة من محدثات الشرع و مخترعاته التي لا مجال للعرف في معرفتها بدون التوقيف و معرفة الفعل الكثير فيها و القليل و المنافي و غير المنافي، ضرورة أنك قد عرفت كون المراد حفظ الصورة عند المتشرعة المأمورين بها المتشاغلين في أدائها الذين وصلت إليهم أيضا بالتوقيف، و لعل كثيرا من المبطلات مستفاد من ذلك كرفع الصوت فيها زائدا على المتعارف، و إطالة الذكر في أثنائها، أو السكوت أو نحو ذلك، و منه أيضا بعض الأفعال القليلة الماحية للصورة بمعنى أن المتشرعة يحكمون بمنافاة مثلها للصلاة كالصفق لعبا أو الوثبة الفاحشة أو نحو ذلك مما أدخلوه تحت الفعل الكثير، لوضوح البطلان به و عدم ذكر عنوان خاص له عند الأصحاب، فالتجأوا إلى ذلك، و قد عرفت ما فيه، و أن كثيرا من الأمور لم يذكروها اعتمادا على معلومية وجوب المحافظة على الصورة المحفوظة عند المتشرعة المعلوم من هذه الجهة ما ينافيها و ما لا ينافيها عندهم، فاكتفوا بذلك عن ذكرها بالخصوص.

فظهر لك حينئذ أن البطلان بالفعل الكثير إنما هو من حيث تفويته للموالاة، فلعل من علله بالخروج عن كونه مصليا كالفاضلين و غيرهما أراد ذلك، كما أن الفاضل الأصبهاني أراد بما ذكره «من أن الفعل الكثير يبطل الصلاة عمدا لا سهوا إن لم يمح صورة الصلاة وفاقا لإطلاق الأكثر» إلى آخره. عدم المحو لصورة الصلاة و إن فاتت الموالاة و تحققت المنافاة عرفا، ضرورة كونها حينئذ كفوات الاستقبال و الطهارة و الطمأنينة و نحوها مما لا يذهب معه الصورة و إن كانت باطلة حتى على القول بالصحيحي لا أن المراد بعدم المحو عدم فوات الموالاة أيضا، فيدخل فيه الفعل الكثير الذي لا ينافي الموالاة، و ثبوت البطلان به محل منع، إذ معقد الإجماع و إن كان مطلقا في

ج 11، ص: 66

بعض المصنفات لكن في المعتبر و المنتهى و غيرهما تعليله بعد دعواه بخروجه عن كونه مصليا، و قد صرح غير واحد بأن المدار على محو الصورة، كما أنه صرح به بعضهم في تفسير الكثرة حتى أنه جعل الوثبة الفاحشة من الكثير لمحوها، بخلاف حركة الأصابع و نحوها، و تصفح كلماتهم أكبر شاهد على ما قلنا من أن المدار عندهم في البطلان بالفعل الكثير على المحو للصورة و لو بالمعنى الذي ذكرناه من تفويت الموالاة، لا أنه مانع لنفسه بالخصوص تعبدا.

و كأن الذي ألجأ الأصبهاني إلى ما ذكره أنه قوي في نظره التفصيل بين العمد و السهو في ذلك، فيبطل الكثير في الأول دون الثاني كما هو ظاهر بعضهم و صريح آخر، بل نسبه في الذكرى كما ستسمع إلى الأصحاب، و غيرها إلى ظاهرهم، بل ظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة الإجماع عليه، للأصل، و حديث الرفع (1)و حصر الصحيح (2)المبطلات في الخمسة غيره، و في خبر أبي بكر الحضرمي (3)في الأربع:

الخلاء و البول و الريح و الصوت كما تقدم سابقا، و

خبر علي بن جعفر(4)المروي عن قرب الاسناد أنه سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته و هو في صلاته، و ما عليه إن فعل ذلك متعمدا؟ قال: إن كان ناسيا فلا بأس، و إن كان متعمدا فلا يصلح له»

و غير ذلك.

و هو أي التفصيل المزبور لا يتأتى في الكثير الماحي، ضرورة حصول البطلان به مطلقا، و من

هنا أنكر هو على الفاضلين تعليلهما البطلان بالمحو و تفصيلهما مع ذلك بين العمد و السهو، و قال: إنه خلاف التحقيق، فان الخروج من الصلاة قطع لها، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 11، ص: 67

مبطل لها مطلقا، ثم قال: و لذا نسبه الشهيد في الذكرى إلى الأصحاب أي مشعرا بالبراءة منه، و استدل له ب عموم رفع النسيان (1)و بأخبار سهو النبي (صلى الله عليه و آله)(2)ثم قال: و هو متروك بين الإمامية يعني سهوه (صلى الله عليه و آله) فليس له حينئذ إلا ما قلناه، إذ لا غرابة في التفصيل بين العمد و السهو في الكثير المفوت للموالاة على ما ذكرنا، خصوصا و العمدة في ثبوت البطلان به هو حصول المنافاة عند المتشرعة، و يمكن دعوى حصر ذلك عندهم في حال العمد دون السهو، كما أنه يمكن الاستدلال بسائر ما عرفت على ذلك، نعم اختصاص البطلان في العمد دون السهو و لو انمحت الصورة بحيث صح سلب اسم الصلاة عنها مطلقا في سائر الأحوال مستغرب مستبشع مقطوع بعدمه يسوغ الفرار منه إلى ما عرفت، لكن قد سمعت أنه لا صراحة في كلام المفصلين بذلك، بل يمكن أن يريدوا ما ذكرنا، و أنه بسبب فوات الموالاة صح إطلاق المحو عليه» إلا أنه مختص بالعمد، لعدم ثبوت المنافاة عند المتشرعة حال السهو، بل لعل

نصوص (3)تدارك الركعة فما زاد المعمول بها عندنا في بعض الأحوال كالصريحة في عدم قدح فوات الموالاة سهوا، فضلا عن نصوص النسيان (4)في سائر أجزاء الصلاة تركا و تقديما و فصلا، فإنها أيضا كالصريحة في أن فوات الموالاة سهوا غير قادحة، و ليس مراد الفاضلين و غيرهما بل هو كالمجمع عليه بينهم عدم البطلان بالكثير سهوا مع محو الصورة التي يسلب الاسم عنها في سائر الأحوال حتى حال السهو، إذ لا يخفى على أصاغر الطلبة أن الامتثال لا يتحقق إلا بفرد من الكلي المأمور به.

و من ذلك يظهر لك وجه الجمع بين كلمات الأصحاب حيث أبطل بعضهم به عمدا


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الخلل للواقع في الصلاة.

ج 11، ص: 68

و سهوا، و آخر عمدا خاصة، و تحير ثالث، كما أنه ظهر لك من التأمل في مجموع ما ذكرنا أنه ليس كل ماح لاسم الصلاة كثيرا، فرب قليل يمحو و يكون البطلان به للمحو و عدم حصول الامتثال لا للكثرة، و أنه ليس كل كثير ماحيا، فرب كثير ليس بماح و لا مفوت للموالاة، و مثله لا يبطل صلاة عمدا فضلا عن السهو، للأصل و إطلاق الأدلة، و لعل منه كثيرا مما اشتملت عليه النصوص السابقة، بل و

خبر أبي بصير(1)أنه سأل الصادق (عليه السلام) «ما يجزي الرجل من الثياب أن يصلي فيه؟ فقال: صلى الحسين ابن علي (عليهما السلام) في ثوب واحد قلص عن نصف ساقه و قارب ركبتيه ليس على منكبيه منه إلا قدر جناحي الخطاف، و كان إذا ركع سقط عن منكبيه، و كلما سجد يناله عنقه فيرده على منكبيه بيده، فلم يزل ذلك د. به مشتغلا به حتى انصرف»

و ربما جعل هو و خبر أمامة من الكثير المتفرق، فيكونان حينئذ دليلين على اعتبار التوالي في الكثير القادح الذي تردد فيه في التذكرة و المحكي عن نهاية الأحكام، و الظاهر أنه لا بأس به وفاقا للمحكي عن جماعة، خصوصا بناء على ما عرفت من عدم فوات التوالي بذلك، نعم قد يثبت المحو به فتبطل الصلاة حينئذ من هذه الجهة لا من حيث الكثرة.

كما أن الظاهر اندراج ما ذكره غير واحد في المقام في عداد مبطلات الصلاة من السكوت الطويل و نحوه فيما قلناه من تفويت الموالاة، لعدم ثبوت مقتضي مانعيته بالخصوص، و بمعناه عدم اتباع الأفعال بعضها ببعض من دون أن يشتغل بفعل خارج عنها، و ربما أدى السكوت الطويل إلى انمحاء صورة الصلاة بحيث لا يصدق عليها الاسم في جميع الأحوال، فحينئذ يبطل سواء، كان عمدا أو سهوا لا لفوات الموالاة التي يمكن اعتبار شرطيتها حال العمد، بل لعدم ما يحصل به الامتثال، و مراد الأصحاب بأنه مبطل عمدا لا سهوا إذا كان البطلان به من حيث فوات الموالاة كالفعل الكثير لا من


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب لباس المصلى- الحديث 10.

ج 11، ص: 69

حيث المحو التام، و من ذلك يظهر ما في الذكرى من أن من المبطلات السكوت الطويل الذي يخرج به عن كونه مصليا، و ظاهر الأصحاب أنه كالفعل الكثير، فحينئذ يشترط فيه التعمد، فلو وقع نسيانا لم تبطل، و يبعد بقاء الصلاة على الصحة فيه و في الفعل الكثير المخرجين عن اسم المصلي بحيث يؤدي إلى انمحاء صورة الصلاة، كمن يمضي عليه الساعة و الساعتان أو معظم اليوم، قلت: بل هو مقطوع بعدمه، و لعله هو مراد جامع المقاصد و كشف اللثام من البطلان به عمدا و سهوا، لكن كان على الثاني منهما التفصيل كما سمعته في الفعل الكثير بناء على أن السكوت منه.

و على كل حال فلا يريد الأصحاب بالسكوت المختص بحال العمد دون السهو الماحي للصلاة مطلقا كي يتوقف فيه، و من ذلك ما لو قرأ كتابا في نفسه من غير نطق و اشتغل به عن الصلاة عمدا، فان طال بحيث حصل المحو أو فاتت الموالاة بطل، و إلا فلا، للأصل و الاضطرار إلى التصور و إطلاق الأدلة، خلافا لأبي حنيفة فأبطلها بذلك و لا ريب في ضعفه، و الله أعلم.

[منها البكاء لشي ء من أمور الدنيا]

و منها البكاء لشي ء من أمور الدنيا من فقد ميت أو تلف مال، فان تعمده مبطل للصلاة على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لم أجد فيه خلافا كما اعترف به بعضهم، بل لا خلاف فيه في المحكي من شرح نجيب الدين العاملي، بل في المدارك ظاهر هم أنه مجمع عليه، بل في الحدائق دعواه صريحا، و في التذكرة «و البكاء خوفا من الله سبحانه و خشية من عقابه غير مبطل للصلاة و إن أنطق بحرفين فصاعدا، و إن كان لأمور الدنيا بطلت صلاته و إن لم ينطق بحرفين عند علمائنا» و بذلك كله ينجبر

خبر النعمان بن عبد السلام (1)عن أبي حنيفة المروي في التهذيب «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ قال: إن بكى لذكر جنة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 11، ص: 70

أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة»

و لعله إلى ذلك أشار

في الفقيه (1)بقوله: «روي أن البكاء على الميت يقطع الصلاة، و البكاء للجنة و النار من أفضل الأعمال في الصلاة»

فيزداد حينئذ قوة إلى القوة السابقة و إن كانت الأولى كافية في جواز العمل به، إذ هو أعظم طرق التبين، فوسوسة المقدس الأردبيلي و بعض أتباعه في هذا الحكم لضعف الخبر المزبور و عدم ثبوت الإجماع في غير محلها.

و لا حاجة حينئذ إلى إلحاقه بغيره من المنافيات كالفعل الكثير و نحوه على ما حكي عن الكاشاني و الماحوزي، بل لعله ظاهر الذكرى أيضا حيث أنه ذكر هذه المسألة من مسائل الفعل الكثير، حتى قال: «الرابعة قد يكون الفعل الكثير مبطلا و غير مبطل باعتبار القصد و عدمه كالبكاء، فإنه إن كان الذكر الجنة أو النار لا يبطل، و إن كان لأمور الدنيا كذكر ميت له أبطل» إلى آخره. ضرورة كونه حينئذ بقسميه منافيا كالضحك و إن قل، و لعل الشهيد منهم يريد بالفعل الكثير ما يشمل كل ما ثبت إبطاله للصلاة من الأفعال و لو قليلا، كما يومي اليه بعض كلماتهم السابقة و ركونه هو فيما بعد إلى النص لا إلى الفعل الكثير بالمعنى السابق المقتضي لعدم البطلان به مع القلة.

ثم المشهور بين الأصحاب ما في المتن من اختصاص ذلك بالعمد، بل لا أجد فيه خلافا صريحا و إن أطلق جماعة، و لعله لأصل و حديث الرفع و ظهور الجواب في النص المزبور(2)في العمد، بل من النادر أو الممتنع البكاء سهوا، فلا جهة حينئذ لتعميم البطلان للحالين، اللهم إلا أن يكون المراد السهو عن كونه في الصلاة و لو لظن إتمامها و الفراغ منها، لكن قد عرفت أن الأصل محكم، و الخبر ظاهر في غير السهو، على أنه لا جابر له بالنسبة إلى ذلك، بل الموهن موجود كما هو واضح.

أما المغلوب عليه قهرا ففي المنتهى و الذكرى و فوائد الشرائع و المحكي من نهاية


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 11، ص: 71

الأحكام و إرشاد الجعفرية و الغرية و كشف الالتباس و الروض و المقاصد العلية البطلان و إن كان لا إثم، بل في الحدائق أنه مما لم يطلع على مخالف فيه، لا طلاق النص و الفتوى و ثبوت الحكم في نظائره من الضحك و غيره كما عرفت، لكن قد يناقش بظهور النص في الاختيار، و به يفرق بينه و بين القهقهة، فيبقى المضطر حينئذ على الأصل، و لعله لذا لم يجزم بالبطلان في الروضة، بل جعله وجها، قيل: و هو محتمل نجيب الدين، بل حكى في التذكرة عن الشافعي عدم البطلان و لم يعقبه بشي ء، فلا ينبغي ترك الاحتياط حينئذ بالإتمام و الإعادة.

ثم لا يخفى عليك أن الموجود في النص المزبور انقطاع الصلاة بالبكاء على الميت، إلا أنه لما كان ذلك في مقابلة ذكر الجنة و النار التي هي منطوق الشرط الأول و كان المنساق إلى الذهن أن المراد من الثاني مفهوم الأول و إن كان قد صرح ببعض أفراده على جهة المثال جعل الأصحاب المدار في البطلان و عدمه البكاء على أمور الدنيا و الآخرة، و الثاني لا إشكال فيه نصا و فتوى، ضرورة تواتر النصوص في فضل البكاء لله الذي يبنى له بكل دمعة ألف بيت في الجنة(1)و

«ما من شي ء إلا و له كيل و وزن إلا الدموع، فإن القطرة تطفئ بحارا من نار، فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهها قتر و

لا ذلة، فإذا فاضت حرمه الله على النار، و لو أن باكيا بكى في أمة لرحموا»(2)

و «ما من عين إلا و هي باكية يوم القيامة إلا عينا بكت من خوف الله، و ما اغرورقت العين بمائها من خشية الله عز و جل إلا حرم الله عز و جل سائر جسده على النار»(3)

و لم يتقرب العبد بشي ء أحب إلى الله عز و جل من ثلاثة، و هي الزهد و الورع عن المعاصي


1- 1 البحار الجزء الثاني من المجلد 19 ص 47 باب فضل البكاء و ذم جمود العين.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب جهاد النفس- الحديث 11 من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب جهاد النفس- الحديث 12 من كتاب الجهاد.

ج 11، ص: 72

و البكاء من خشية الله الذي يكون العبد به في الرفيع الأعلى لا يشاركه أحد(1)

و

سئل الصادق (عليه السلام)(2)«عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي قال: قرة عين و الله، و قال: إذا كان ذلك فاذكرني عنده»

و

قيل له (عليه السلام) أيضا(3)«أ يتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال: بخ بخ و لو مثل رأس الذباب».

و أما الأولى فلا أجد فيه خلافا بينهم من غير فرق بين البكاء للفوات أو للطلب بل عن الميسية يبطلها البكاء على الميت و إن كان لصلاحه، لكن في الحدائق «أن ظاهر كلام الأصحاب من حيث تعليقهم الإبطال بالأمور الدنيوية الذي هو أعم من أن يكون لفوتها أو لطلبها هو حصول الابطال بالبكاء لطلب ولد أو مال أو شفاء مريض أو نحو ذلك، و هو مشكل لأنه مأمور به و مندوب إليه في الأخبار، مع أن ظاهر الخبر الذي هو مستند الحكم إنما هو فواتها لا طلبها، و حينئذ فالظاهر أنه لا تبطل بالبكاء لطلبها، و لا يعارض ذلك بمفهوم صدر الخبر لدلالته على أنه ما لم يكن من الأمور الأخروية يكون مبطلا، لأنا نقول مفهوم صدر الخبر أنه ما لم يكن كذلك ليس أفضل الأعمال، و عدم كونه أفضل الأعمال لا يوجب البطلان» و فيه- مع أنه مخالف لظاهر الفتاوى باعترافه- أنه مخالف للنص أيضا بناء على ما سمعته سابقا من إرادة المثال بذكر الميت لكل ما لم يكن لجنة و نار و نحوهما من الأمور الأخروية، فيشمل سائر الأمثلة السابقة و لا يختص بالفوات كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم الظاهر أنه يقع البكاء لشفاء مريض أو لطلب ولد و نحو ذلك من الأمور الأخروية فيما إذا بكى متقربا إلى الله ببكائه مثلا ثم إنه أراد من ثواب ذلك و جزائه


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب جهاد النفس- الحديث 15 من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 5.

ج 11، ص: 73

شفاء المريض مثلا، أو يكون المقصود استعداده بذلك لأن يجاب إذا دعا و يعطى إذا سأل، و ليس ذلك من البكاء لشي ء من أمور الدنيا، ضرورة ظهوره في كون البكاء على نفس ذلك الأمر الدنيوي، و أنه هو الباعث على البكاء فواته أو طلبه، لا ما يشمل الفرض الذي ينزل عليه

قول الصادق (عليه السلام) لأبي بصير(1): «إذا خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله عز و جل فمجده و اثن عليه كما هو أهله، وصل على النبي (صلى الله عليه و آله) و اسأل حاجتك و تباك و لو مثل رأس الذباب، إن أبي (ع) كان يقول: إن أقرب ما يكون العبد من الرب عز و جل و هو ساجد باك»

أو يراد منه خروج الدموع خاصة بناء على أن المبطل الصوت لا خروج الدموع خاصة كما ستعرف، فتأمل جيدا.

بل قد يمنع أيضا كون البكاء لفقد الميت من الأمور الدنيوية مطلقا، فان البكاء على الحسين (عليه السلام) و غيره من الأئمة الهادين (عليهم السلام) بل و العلماء المرضيين و نحوهم ممن كانت العلقة بينهم و بين الباكي أخروية ليس من الدنيا في شي ء، و ما سمعته من الميسية معرض عنه، أو ينزل على غير ذلك، و احتمال عد البكاء على الحسين (عليه السلام) فضلا عن غيره من البكاء لأمر دنيوي- باعتبار أن ما وقع بسببه البكاء و كان هو الباعث على البكاء أمر في الدنيا دون الآخرة، و ترتب الثواب عليه و كونه عبادة لا ينافي بطلان الصلاة به، و ذكر الجنة و النار في النص المزبور مثال لنعيم الآخرة و أهوالها من البرزخ و غيره- واضح الدفع و إن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك، خصوصا إذا

كان البكاء على الحسين (عليه السلام) من حيث الرحم أو من حيث علقة السيد و العبد و نحوهما من العلائق، فإن الأفعال تختلف بالقصد و بالجهة و الاعتبارات كما هو واضح، و كأنه لذا قال في مجمع البرهان: «الظاهر أن البكاء لفقد الميت لا يطلق


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الدعاء- الحديث 4 من كتاب الصلاة.

ج 11، ص: 74

عليه الأمر الدنيوي إلا أن يضم إليه شي ء، و يبعد كونه مطلقا كذلك، فإنه نقل عنه (صلى الله عليه و آله) البكاء على إبراهيم و كذلك عن الأئمة (عليهم السلام) و يبعد ارتكابهم (عليهم السلام) أمرا يكون محض دنيوي و لا يحصل عليه الثواب، مع أن الأخبار(1)دالة على حصول الثواب على البكاء و الألم بفقد المحبوب، و خصوصا الولد نعم لو ضم إليه أمر دنيوي كما يوجد في كثير من الناس حيث يبكي لفقد المعين له في أموره فلا يبعد ذلك».

قلت: لكن قد يقال: إن النص خال عن التعليق بالدنيا صريحا، بل المراد منه ما سمعته منا مكررا، و حينئذ لا يبعد الالتزام معه ببطلان الصلاة بالبكاء لسائر مصائب الدنيا في النفس و المال و الأهل و غير ذلك، و ترتب الثواب عليه في نفسه و حد ذاته لا ينافي بطلان الصلاة، معه لو وجد فيها، و بكاء النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) مع أنه مقتضى الطبيعة البشرية و ربما كان يقع قهرا عليهم لا ينافي ما ذكرنا إذ ليس ذلك واقعا منهم في الصلاة كي يستدل به، و دعوى

استبعاد وقوعه منهم (عليهم السلام) لو كان أمرا دنيويا محضا يدفعها أنه بعد التسليم لا يستلزم صحة الصلاة معه، إذ ليس المدار على ترتب الثواب عليه، لما عرفت من ظهور النصوص في ترتب الثواب على سائر المصائب للمؤمن في الدنيا، فتأمل جيدا، فالتمسك بترتب الثواب على عدم كونه من أمور الدنيا فلا يكون مبطلا في غير محله، على أن المراد بالدنيوي و الأخروي خصوص ما يبكي عليه لا ما يترتب البكاء من الثواب و نحوه، كما هو واضح بأدنى تأمل.

ثم الموجود فيما حضرني من نسخ المتن مد البكاء، فيعتبر فيه الصوت حينئذ، و لا يكفي خروج الدموع وفاقا لفوائد الشرائع و الروضة و المدارك و المحكي عن الغرية و إرشاد الجعفرية و الروض و المقاصد العلية، بل في الحدائق نسبته إلى الشهرة، و اليه


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب الدفن- من كتاب الطهارة.

ج 11، ص: 75

يرجع ما في كشف اللثام و المحكي عن الموجز و حاشية الإرشاد و الميسية من أن المفسد من البكاء ما اشتمل على النحيب و إن خفي، لا فيض الدمع بلا صوت، قال في الكشف:

«و يرشد اليه كلام ابن زهرة، إذ جعله من الفعل الكثير» قلت: قد سمعت ما في الذكرى أيضا، بل يمكن تحصيل الشهرة عليه أو الإجماع بناء على قراءة عبارات الأصحاب «و البكاء» بالمد كالمتن، للمحكي من تصريح غير واحد من أهل اللغة بالفرق بينه ممدودا و مقصورا، قال في الصحاح و مجمع البحرين: «البكاء يمد و يقصر، فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها» و في المجمل «قال قوم: إذا دمعت العين فهو مقصور، و إذا كان ثم نشيج و صياح فهو ممدود» و في المقاييس «قال النحويون: من قصره أجراه مجرى الأدواء و الأمراض، و من مده أجراه مجرى الأصوات كالثغاء و الدعاء و الرغاء» و قال نشوان بن سعيد في شمس العلوم: «قال الخليل: إذا قصرت البكاء فهو بمعنى الحزن أي ليس معه صوت، و إذا كان معه نشيج و صياح فهو ممدود» و قال الراغب: «بالمد سيلان الدمع على حزن و عويل يقال: إذا كان الصوت أغلب كالرغاء و الثغاء و سائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت، و بالقصر يقال: إذا كان الحزن أعلب» إلى غير ذلك مما هو ظاهر في الفرق بينهما، و ربما يستفاد المراد بالممدود من قول الرضي في مرثية الحسين (عليه السلام):

يا جد لا زالت كتائب حسرةتغشي الفؤاد بكرها و طرادها

أبدا عليك و أدمع مسفوحةإن لم يراوحها البكاء يغادها

لكن قد يقال: أولا نمنع أنه ممدود في النص و الفتوى، إذ من المحتمل أنه مقصور فيهما، و لا نسخ مضبوطة بحيث تقطع النزاع لكل منهما، لمعروفية تسامح النساخ في ذلك، و ثانيا أن لفظ البكاء في النص موجود في السؤال الذي لا يبني عليه الحكم بعد أن كان الفعل في الجواب، و هو مطلق شامل لكل من الحالين بخلاف المصدر،

ج 11، ص: 76

و بذلك أنكر في الحدائق على الأصحاب التوقف و الاضطراب، و ثالثا أنه يمكن منع وجود كل من المادتين فضلا عن الفرق بينهما، لما قيل من أن كلام صاحب القاموس صريح في عدم الممدود، و كذلك كلام الصحاح ظاهر في ذلك، قال في المحكي عن الذخيرة بعد أن حكى الفرق المزبور عن الصحاح: «إن ما ذكره خلاف المعروف عن العرف و من ظاهر الأصحاب، فإن أحدا منهم لم يشر إلى التفرقة أصلا و لا إلى استشكال مطلقا، و لو كان فرق أو إشكال لكان اللازم عليهم التعرض سيما في مقام دعوى الإجماع» و قال في مجمع البرهان: الظاهر صدق البكاء على مجرد الدمع من غير اشتراط الصوت عرفا و لغة و إن كان له لغة معنى آخر أيضا، و الأصل عدم الزيادة في اللفظ و المعنى، و «إن بكى» في الخبر مشتق من القصور و كذا البكاء في كلام الأصحاب، و أيضا لا يعقل معنى في الذي معه صوت إلا مع إرادة الحرفين المبطلين، لكنه حينئذ من باب الكلام بحرفين، و رابعا سلمنا وجودهما و الفرق بينهما لكنه لغوي، أما العرف فلا، و هو مقدم على اللغة، و خامسا أنه مع قيام الاحتمال وجب معرفة يقين البراءة من الاشتغال، و ليس إلا باجتنابهما معا.

و يدفع الأول بعد الأعضاء عما نشاهده من وجدان المد في بعض النسخ أن المتجه بعد تعارض الاحتمالين و تساقطهما الاقتصار في المبطل على الممدود، لأصالة الصحة و معلومية ضعف القول بمانعية ما شك في مانعيته، و منه يعرف ما في الخامس، و أما الثاني فيدفعه أن الفعل مجمل لا مطلق، ضرورة عدم معلومية كونه فعل الممدود أو المقصور خصوصا في المقام الذي ذكر المصدر في السؤال و أريد من الفعل جوابا له، و الثالث لم نتحققه منهما، مع أنك قد سمعت كلام الجوهري منهما مضافا إلى غيره، و الرابع مسلم لو كان هناك عرف محقق، و خطأ العرف و اشتباهاته و تسامحاته و نحو ذلك ليست عرفا قطعا كما هو واضح، و ليس البطلان بالممدود لاشتماله على الحرفين، و إلا لم يعقل اعتبار

ج 11، ص: 77

الصوت في إبطاله، ضرورة معقولية اعتباره كما سمعته في الضحك الذي هو ضده، على أنك قد عرفت كون التحقيق عدم البطلان بمثل هذه الحروف، لأنها ليست حروفا و إن سميت بأسماء خاصة كما أوضحناه سابقا، و لعله ينزل على ذلك ما سمعته من التذكرة أو على ما تقدم من المحقق في التأوه لله، و إلا فلا معنى لعدم البطلان به و إن اشتمل على حرفين فصاعدا، و من الغريب تمسك المقدس الأردبيلي لذلك بإطلاق أدلة البكاء لله مثلا التي لم تسق لبيان ذلك، بل هي مسوقة لأمر آخر كما هو واضح.

[منها تعمد الأكل و الشرب]

و تعمد الأكل و الشرب و إن لم يكثرا على قول ظاهر من إطلاق المبسوط و القواعد و اللمعة و معقد إجماع الخلاف، بل لعل المراد منه القليل خاصة، للاستغناء بذكر الكثير سابقا عن كثيرهما، فعطفهما حينئذ عليه من المصنف و غيره لولا احتمال التخصيص للاستثناء كالصريح في ذلك، خصوصا مع إمكان دعوى أن الغالب في الشرب بل و الأكل القلة، ضرورة خروج المقدمات عن مسماهما، و من ذلك يعلم غرابة ما في التذكرة حيث علل البطلان بمطلق الأكل و الشرب بأنهما فعل كثير، قال:

«لأن تناول المأكول و مضغه و ابتلاعه أفعال متعددة و كذا المشروب» و هو كما ترى إلا أنه موافق لمن عرفت في البطلان بهما مطلقا كما هو المحكي عن الأستاذ الأكبر(1)لكن صرح غير واحد من المتأخرين و متأخريهم بأنه لا دليل يختصان به حتى يكونا قاطعين للصلاة مطلقا، قلت: لأن قبول إجماع الشيخ مشكل كما في المنتهى، إذ لا نعلم أي إجماع أشار اليه، و نحوه في المعتبر، بل في المنتهى أيضا «لو ترك في فيه شيئا


1- 1 و قد سمعت قوته، نعم قد يقال: إن المحو أو الكثرة حاصلة في أغلب أفراد الشرب باعتبار تعاطف المشروب و تعاقب تجرعه و إن كان الشرب قليلا بمعنى أنه في العرف يعد شربة واحدة للمشروب الكثير، فإن كثرة الشرب تحصل بتعدد الشرب مرات لا كثرة المشروب و إن كان الشرب مرة واحدة، و على كل حال فالعمدة ما ذكرناه من المحو بهما على الوجه المذكور منه رحمه الله.

ج 11، ص: 78

يذوب كالسكر فذاب و ابتلعه لم تبطل صلاته عندنا، و عند الجمهور تفسد، لأنه يسمى أكلا، أما لو بقي بين أسنانه من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تبطل صلاته قولا واحدا، لأنه لا يمكن التحرز عنه، و كذا لو كان في

فيه لقمة و لم يبتلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل» و في التذكرة «و لو كان مغلوبا بأن نزلت النخامة و لم يقدر على إمساكها لم تبطل صلاته إجماعا» قال في كشف اللثام: يعني و إن كثر للعذر كالمرتعد، اللهم إلا أن يقال: إن ابتلاع النخامة و ما بين الأسنان و سوغ السكرة مع الربق لا يسميان في العرف أكلا، فلا ينافي حينئذ إجماع الشيخ المزبور، أو أن ذلك خرج بالدليل كما يومي اليه ما في المبسوط حيث أنه بعد أن أطلق الفساد بالأكل و الشرب قال:

«و روي (1)جواز شرب الماء في صلاة النافلة، و ما لا يمكن التحرز عنه مثل ما يخرج من الأسنان فإنه لا يفسد الصلاة ازدراده»

إذ هو كالتقييد لإطلاقه الأول، و عدم علم المصنف بالإجماع المشار اليه كاشكال الفاضل فيه لا يقدح في حجية الإجماع المنقول.

و يؤيده مضافا إلى ذلك فحوى سياق الخبر الآتي (2)في الرخصة في شرب الماء في الوتر المشعر بمعلومية منافاة الشرب للصلاة و محو اسم الصلاة بحصول المتعارف من كل منهما لا ما تقدم و نحوه، أو علم المتشرعة منافاتهما للصلاة المرادة كما أوضحناه في الفعل الكثير، و لعل ذلك و نحوه مأخذ إجماع الشيخ، إذ لا ريب في حصول البطلان بمحو الاسم، و لا ريب في حصوله بهما و إن لم يكثرا كما هو الغالب فيهما، إذ أطفال المتشرعة يعلمون أن الصلاة لا يجتمع معها الأكل و الشرب كما هو

واضح بأدنى التفات، فتوقف كثير من الأصحاب في هذا الحكم- حتى أن المصنف منهم رد على الشيخ إجماعه و تبعه غيره، و جعلوا المدار في البطلان بهما على الكثرة تبعا للمحكي عن السرائر- في غير محله، نعم في الدروس «يبطلان إذا كثرا أو آذنا بالاعراض» و في المحكي عن الموجز


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قواطع الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث

ج 11، ص: 79

و شرحه «إن آذنا بالإعراض أو نافيا الخشوع» بل عن الجعفرية و حاشية الإرشاد و إرشاد الجعفرية «الاقتصار على الإيذان بالاعراض» و عن الجواهر المضيئة «يبطلان لمنافاتهما الخشوع» كالمحكي عن المهذب البارع من «أن الأقوال في ذلك ثلاثة:

الإبطال بالمسمى، و هو ما يبطل الصوم، و الإبطال بالكثرة فلا يبطل باللقمة الصغيرة، و الإبطال بمنافاة الخشوع و لقمة صغيرة- ثم قال-: و هو ما اخترناه».

لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم ثبوت البطلان بالايذان بالإعراض أو بمنافاة الخشوع إن لم يرجعا إلى ما ذكره من المحو أو معلومية المنافاة عند المتشرعة، و لعله لذا قال في جامع المقاصد: «و اختار شيخنا في بعض كتبه الإبطال بالأكل و الشرب المؤذنين بالإعراض عن الصلاة، و هو حسن، إلا أنه لا يكاد يخرج عن التقييد بالكثرة» و إن كان فيه نظر أيضا، و كان القول الأول الذي حكاه في المهذب هو الذي حكاه في جامع المقاصد، حيث قال: «و أغرب بعض المتأخرين فحكم بإبطال مطلق الأكل حتى لو ابتلع ذوب سكرة، و هو بعيد» و ربما بتوهم أيضا من إطلاق بعضهم البطلان بالأكل و الشرب، لكن قد عرفت إجماع المنتهى و غيره الصريح في أن الصلاة ليست كالصوم تبطل بمطلق المسمى بل يمكن تحصيل الإجماع عليه في الجملة فضلا عن الإجماع المنقول كما هو واضح بأدنى التفات إلى سيرة أهل الشرع، و عدم مبالغتهم في زوال ما يبقى في الفم عند الصلاة، فلا ريب في وضوح الفرق بين الأكل المنافي للصوم و المنافي للصلاة، و ليس هذا قول منا بأن القليل من الأكل و الشرب غير مبطل للصلاة، فيكونان حينئذ كسائر الأفعال التي يبطل كثيرها دون قليلها، بل المراد بيان أنه و إن قلنا بأن الأكل و الشرب مطلقا مبطلان للصلاة لحصول اسم المحو أو لثبوت المنافاة في أذهان المتشرعة أو لإجماع الشيخ أو لغير ذلك فليس المراد أنه يقدح في الصلاة ما يقدح منه في الصوم إذ المدار ما عرفت، و هو لا يقضي بذلك قطعا كما هو واضح.

ج 11، ص: 80

هذا كله في العمد، أما السهو فالبحث فيه نحو ما سمعته في الفعل الكثير، و قد صرح غير واحد هنا بأنهما لا يبطلان، بل في المنتهى «لو أكل أو شرب في الفريضة ناسيا لم تبطل صلاته عندنا قولا واحدا» و عن كشف الرموز «الإجماع عليه» و في فوائد الشرائع أطبقوا على ذلك، لكن قال: «إنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يمح الاسم» كما في جامع المقاصد، و يجري فيه ما عرفته هناك، و يزيد بأنه مع تقييده بعدم المحو لا يبطل عمدا عنده و عند غيره ممن عرفت، و الله أعلم.

ثم لا فرق بعد حصول المحو أو المنافاة بين الأكل و الشرب و غيرهما حتى العلك كما صرح به الفاضل في المحكي من نهايته قال: «لو مضغ علكا فكا لأكل». بل في التنقيح «لو مضغ علكا متفتتا فابتلعه مع الريق أبطل اتفاقا لأنه فعل كثير» و إن كان لا يخلو من نظر.

و كيف كان فلا فرق في سائر ما تقدم من الموانع بين الفريضة و النافلة إلا في المقام، فإنه على المختار ينبغي تخصيص ذلك في غير صلاة الوتر عند التشاغل في الدعاء فيه لمن أصابه عطش و هو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة و بينه و بين الماء خطوتان أو ثلاث، ل

خبر سعيد الأعرج (1)المروي في التهذيب «قلت لأبي عبد الله:

إني أبيت و أريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان و أمامي قلة بيني و بينها خطوتان أو ثلاثة قال: تسعى إليها و تشرب منها حاجتك و تعود في الدعاء»

و

في الفقيه (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك إني أكون في الوتر و أكون قد نويت الصوم فأكون في الدعاء فأخاف الفجر فأكره أن أقطع على نفسي الدعاء و أشرب الماء و تكون القلة


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 11، ص: 81

أمامي قال: فقال لي: فاخط إليها الخطوة و الخطوتين و الثلاث فاشرب و ارجع إلى مكانك و لا تقطع على نفسك الدعاء».

لكن ينبغي أن يكون رجوعه القهقرى إن اختاره و لا يستدبر القبلة كما أنه ينبغي أن لا يفعل شيئا من منافيات الصلاة التي لا يدل عليها الخبر المزبور، و لم يسق إطلاقه لبيان عدم منافاتها كنجاسة الإناء بناء على منافاة حمل النجس، اقتصارا على مورد النص، لعدم الدليل على التعدي حتى منه إلى مطلق النافلة، بل و من دعاء الوتر إلى غيره من أحواله فضلا عن غير ذلك، فما عساه يظهر من الخلاف و المبسوط من التعدي إلى مطلق النافلة و من غيرهما كالمصنف و نحوه في مطلق أحوال الوتر لا يخلو من تأمل، اللهم إلا أن يستند في الثاني إلى إطلاق معقد إجماع التنقيح، قال فيه: «استثناء الوتر إجماع بالقيود المذكورة، و يكون عوده قهقرى أو يقف مكان شربه و هو أولى، و لا يتعدى الحكم إلى غيره» و المراد بالقيود ما ذكره سابقا من كون الباعث العطش، و العزم على الصوم الراجح، و كون الماء أمامه، و أن يكون البعد خطوتين أو ثلاثة، و أن يخاف طلوع الفجر، لكن لعل مراده بالوتر الحال المخصوص من الوتر لا مطلقا، ضرورة اقتضاء الاقتصار على الرواية ذلك، و لذا حكي عن المهذب زيادة اشتراط أن يكون في قنوت الوتر كما هو صريح كشف اللثام و ظاهر المحكي عن النهاية و السرائر و غيرهما.

نعم لا بأس بإطلاق عدم منافاة الشرب للفرض و إن طال، تمسكا بإطلاق الرواية، أما لو احتاج إلى فعل كثير من المشي أو غيره فيشكل الاستدلال بالإطلاق المزبور عليه بناء على اشتراك الفريضة و النافلة في البطلان بالفعل الكثير كما هو الأصل في سائر أحكام الفريضة، و ما عساه يظهر من الأردبيلي في المقام من الميل إلى عدم بطلان النافلة بالفعل الكثير واضح الضعف، فيجب حينئذ الاقتصار على مورد الرواية و عدم

ج 11، ص: 82

التعدي مما فيها إلى الرخصة في الفعل الكثير إذا توقف الشرب عليه، خلافا للمحكي عن الموجز و المقتصر فرخصا فيه للإطلاق، و فيه منع واضح، بل ظاهر عد الخطوات في الخبر المزبور القلة بناء على أن مثله من القليل لا الخطوة الواحدة فقط، بل نزله في المنتهى على القلة في الشرط فضلا عنه، فلا يكون حينئذ مخصصا و لا مثبتا لحكم جديد، بناء على أن الممنوع في الصلاة من الأكل و الشرب الكثير منهما لا مطلقا، فلا فرق حينئذ في ذلك بين أحوال الوتر و بينه و بين النافلة و بينها و بين الفريضة، لكنك خبير بما فيه مما تقدم، مع أنه لو سلم المبنى المزبور كان المتجه التخصيص بالخبر المذكور، ضرورة ظهوره في طول زمان الشرب نفسه لمكان العطش، فلا يقدح حينئذ و إن كثر كما نص عليه في التحرير و فوائد الشرائع و المحكي عن المهذب و غيره، لإطلاق و ترك الاستفصال، و منه يعلم أنه لا فرق بين الصوم الواجب و المندوب، بل قيل: و لا بين الوتر الواجبة بالنذر أو غيره و المندوبة و إن كان الأخير لا يخلو من نظر، و الله أعلم.

[و في بطلان الصلاة بمقص الشعر للرجل تردد]

و في بطلان الصلاة بمقص الشعر للرجل تردد من إجماع الشيخ في الخلاف على عدم جوازه، و

خبر مصادف (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل صلى صلاة فريضة و هو معقوص الشعر قال: يعيد صلاته»

فليس هذا من النهي عن الخارج كي يقال: إنه بعد التسليم يقتضي الحرمة دون الإبطال، إذ هو مع ما فيه كما عرفته سابقا مخالف لنص الدليل المزبور، و من الأصل و إطلاق الأدلة و ضعف مصادف و إشعار خبر الدعائم الآتي (2)و استبعاد الحكم المزبور بقلة النظير، و عدم معروفيته بين المتشرعة مع غرابته و شدة الحاجة اليه و عدم ثبوت الإجماع أو ثبوت عدمه، إذ لم نعرف من جزم بما ذكره الشيخ ممن يعتد بقوله، و المحكي عن المفيد «لا ينبغي للرجل


1- 1 المستدرك- الباب- 27- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.

ج 11، ص: 83

إذا كان له شعر أن يصلي و هو معقوص حتى يحله، و قد رخص للنساء في ذلك «و هو كما ترى مشعر بالكراهة، نعم كأنه مال إليه في

الذكرى لحجية الإجماع المنقول، و الحر في وسائله و البحراني في حدائقه.

[في كراهة عقص الشعر في الصلاة للرجل]

و كيف كان ف الأشبه عدم البطلان بذلك و عدم الحرمة و فاما لمن عدا ما عرفت، و لكن مع الكراهة خروجا عن شبهة الخلاف، و لا شعار الأمر بالإعادة المحمول على الندب بطلب ترك الفعل، و ظاهر

خبر الدعائم (1)عن علي (عليه السلام) أنه قال: «نهاني رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن أربع: عن تقليب الحصى في الصلاة، و أن أصلي و أنا عافص رأسي من خلفي، و أن أحتجم و أنا صائم، و أن أخص يوم الجمعة بالصوم»

و لا كراهة و لا تحريم في حق المرأة إجماعا محكيا مستفيضا إن لم يكن متواترا، و به يجب الخروج عن قاعدة الاشتراك، و المقص هو جمع الشعر في وسط الرأس و شده كما في المعتبر و التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و المسالك، و هو المراد بما عن الروض من «أنه جمع الشعر في الرأس و شده بظفره» و ما في المدارك «عقص الشعر هو جمعه في وسط الرأس و ظفره وليه» بل في المحكي عن مجمع البحرين «عقص الشعر جمعه و جعله في وسط الرأس و شده، و منه

الحديث «رجل صلى معقوص الشعر قال: يعيد»

بل في كشف اللثام «أنه يقرب منه قول الفارابي و المطرزي في كتابيه أنه جمعه على

الرأس، قال المطرزي: و قيل: هو ليه و إدخال أطرافه في أصوله- قال في الكشف-: هو قول ابن فارس في المقاييس- قلت: و الفيومي في مصباحه كما قيل، ثم قال-: قال المطرزي: و عن ابن دريد عقصت شعرها شدته في قفاها و لم تجمعه جمعا شديدا» و في العين «العقص أخذك خصلة من شعر فتاويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها


1- 1 المستدرك- الباب- 27- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.

ج 11، ص: 84

التواء ثم ترسلها» و نحوه المجمل و الأساس و المحيط و إن خلا عن الإرسال، و يقرب منه ما في الفائق أنه الفتل، و ما في الصحاح أنه ظفره و ليه على الرأس، و هو المحكي في تهذيب اللغة و الغريبين عن أبي عبيد إلا أنه قال: «ضرب من الظفر و هو ليه على الرأس» و في المنتهى «و قد قيل: إن المراد بذلك ظفر الشعر و جعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة، فعلى هذا يكون ما ذكره الشيخ حقا، لأنه يمنع من السجود» انتهى، و حكى المطرزي قولا أنه وصل الشعر بشعر الغير.

قلت: لكن يرد على ما في المنتهى- مع أنه خلاف المعروف في تفسيره، و لعله يريد بالقيل الصحاح- أنه خروج عن المسألة، و لا يختص بالرجل، و لا إشارة في كلام الشيخ إلى ذلك، و إنما يتعارف مثل هذا العقص في النساء لا الرجال، و يخالف ظاهر خبر الدعائم (1)كما أنه يمكن أن يرد على من فسره بمطلق الظفر و نحوه أنه مخالف للسيرة المعلومة لكثرة

استعمال ذلك من غير إنكار من العلماء و العارفين، بخلاف المحكي عن ابن دريد، فان خبر الدعائم قد يوافقه، بل يمكن إرجاع بعض التفسيرات السابقة إليه لا طلاقها، و الأمر سهل بعد أن عرفت عدم البطلان عندنا بذلك، و المتجه بناء عليه اجتناب الجميع مع فرض عدم الشاهد على أحد المعاني السابقة للمقدمة على القول بقاعدة الشغل مطلقا، أما على الأعم مطلقا أو بالنسبة إلى الشك في المانع فيحتمل الحكم بالصحة تمسكا بالإطلاقات، و ليس من الشبهة المحصورة التي يجب اجتنابها، ضرورة وجوب الاقتصار فيها على المتيقن، و هو الإجمال في مصداق اللفظ مع العلم بتحقق مفهومه، كالإناء النجس المشتبه بالطاهر، أما الإجمال في المراد من اللفظ و الواقع و عدم العلم بتحقق مفهوم المانع لو فعل أحد التفسيرات السابقة فلا، و فيه أن مقتضي وجوب الاجتناب متحقق في الجميع من غير فرق كما هو واضح بأدنى تأمل، و الله أعلم.


1- 1 المستدرك- الباب- 27- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.

ج 11، ص: 85

[في كراهة التثاؤب في الصلاة]

و يكره الالتفات بالوجه يمينا و شمالا كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا و التثاؤب و التمطي و العبث و نفخ موضع السجود و التنخم و أن يبصق أو يفرقع أصابعه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، إذ هو مقتضى الجمع بين النصوص (1)بعضها مع بعض، بل هو المفهوم من بعضها(2)و إن كان بلفظ النهي كما لا يخفى على من

لاحظها، بل تضمنت النصوص (3)الزيادة على ذلك كالامتخاط و تحديث النفس و نحوهما، لكن قيد في كشف اللثام البصاق بعد أن أضاف التنخم أيضا بعدم إخراج الحرفين، و عدم الاضطرار إليهما لقراءة أو ذكر أو رفع صوت فيما يجب فيه للأخبار، و منافاتهما الخشوع و يجري في تقييده الأول ما تقدم سابقا من المناقشة في البطلان بأمثال هذه الحروف التي لم تكن مقصودة و لا تعد حروفا و إنما هي شابهت أسماء أصواتها بالصورة فظن أنها حروف، نعم لو فرض قصد ذلك فلا ريب حينئذ في التقييد المزبور، بل هو خروج عما نحن فيه كما هو واضح، و أما التقييد بعدم الاضطرار فلا بأس به إذا كان المتوقف قراءة واجبة أو ذكرا كذلك، بخلاف المندوبة فإنه حينئذ يفزع إلى الترجيح في اختيار العمل بأحدهما.

ثم من المعلوم إرادة الاختياري من التثاؤب كي تتعلق به الكراهة، و دعوى أنه ليس إلا اضطراريا لا شاهد لها، بل الوجدان يشهد بخلافها، و

قول الرضا (عليه السلام) في صحيح ابن أبي نصر(4): «التثاؤب من الشيطان، و العطسة من الله عز و جل»

و

أبي عبد الله (عليه السلام) في الحسن كالصحيح (5)لما سئل «عن الرجل


1- 1 الوسائل- الباب- 11 و 12 و 14 و 32- من أبواب قواطع الصلاة و الباب 7 من أبواب السجود و صحيح البخاري ج 2 ص 78.
2- 2 الوسائل- الباب- 11 و 12 و 14 و 32- من أبواب قواطع الصلاة و الباب 7 من أبواب السجود و صحيح البخاري ج 2 ص 78.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 9 و 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 11، ص: 86

بتثاءب و يتمطى في الصلاة قال: هو من الشيطان و لن يملكه»

و نحوه غيره محمول على إرادة قسم منه لا جميع أفراده، و لو سلم فمقدماته اختيارية، لأنه إنما يكون من ثقل البدن و امتلائه و استرخائه و ميلة إلى الكسل و النوم، و إضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها، فيرجع حينئذ إلى التحذير من السبب الذي يتولد منه، و هو التوسع في الشبع بحيث يثقل عن الطاعات و يكسل عن الخيرات، و يمكن أن يراد من قوله: «و لن يملكه» أي الشيطان لا الإنسان بمعنى أنه و إن كان منه إلا أنه لا يملكه عليه بحيث يوقعه بلا اختيار، بل يحسن له مقدماته حتى يحصل منه، فتأمل جيدا، فتكون شاهدة للمطلوب، و الله أعلم.

و كذا يكره أن يتأوه أو بأن بحرف واحد لقربه من الكلام كما في الذكرى، و دخوله في يسير العبث كما في الكشف، و خبر(1)قطع الصلاة بالأنين بناء على إرادة مالا يعد كلاما منه، فان القطع حينئذ ليس إلا للكراهة، و منه يعلم ما في مناقشة المدارك بانتفاء ما يدل على كراهة ما ليس بكلام من الأنين، خصوصا مع التسامح في الكراهة، و الأمر سهل، هذا، و قد تقدم البحث سابقا في التأوه خوفا من الله.

[في كراهة مدافعة البول و الغائط في الصلاة]

و كذا يكره عند كل من يحفظ عنه العلم كما في المنتهى أن يدافع البول و الغائط فيكون بذلك الزبين الذي هو أحد الثمانية الذين لا يقبل الله منهم الصلاة، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام(2): «لا صلاة لحاقن و لا حاقنة، و هو بمنزلة من هو في ثيابه»

و في

خبر الحضرمي (3)«أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لا تصل و أنت تجد شيئا من الأخبثين»

و غير ذلك، و ظاهره الفساد


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.

ج 11، ص: 87

إلا أنه للأصل و حصر المبطل في غيره فيما تقدم من النصوص (1)و إطلاق صحيح الفضيل بن يسار(2)في الغمز، و

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه و هو يستطيع أن يصبر عليه أ يصلي على تلك الحال أم لا؟ فقال: إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل و ليصبر»

و غيره، مضافا إلى ما يلوح من بعض نصوص النهي، و الإجماع المحكي في المنتهى على

الصحة إن لم يكن المحصل وجب إرادة الكراهة منه، بل لو فرض حرمة المدافعة المزبورة للضرر و نحوه كان المتجه الصحة على التحقيق من أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده و إن كان مقدمة المأمور به هنا الحدث المنافي للصلاة، حتى أنه بسببه ربما يتخيل كونه كالخطاب بالقي ء في الصوم مثلا، فإنه مبطل له و إن قلنا بعدم اقتضاء النهي عن الضد، إذ الفرق بينهما في كمال الوضوح، لاعتبار الكف عن سائر المفطرات في الصوم، و مع فرض وجوب أحدها لا يتصور الخطاب بالكف عنه، بخلاف الصلاة فإنه لا يعتبر في صحتها التعبد بنية عدم الحدث فيها حتى ينافي الأمر بالحدث، كما هو واضح.

و دعوى أنه و إن لم يكن المنافاة من هذه الحيثية إلا أنه لا ريب في حصولها عرفا بين الأمر بالشي ء و الأمر بمانعه- إذ هو حينئذ كقوله: صل و لا تصل فحينئذ يتجه البطلان متى أمر بالمانع كما أومأنا اليه سابقا في بيان وجه البطلان بقراءة العزيمة و إن لم يسجد من أنه بمجرد القراءة يخاطب بالسجود المستلزم للبطلان الذي لا يجامعه الأمر بالإتمام المتوقف عليه صحة الفعل- يدفعها أن مبناها أيضا عند التأمل على القول بأن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 11، ص: 88

الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن الضد، و فرض المسألة على تقدير عدم القول بذلك، و من الواضح أنه بناء على ذلك لا يرجع حاصل المقام إلى ذلك، ضرورة كونه غير مأمور إلا بحفظ النفس و دفع الضرر عنها، و الفرض أنه توقف الآن على إبطال الصلاة فمع عصيانه بذلك لم يترك من الصلاة شرطا و لا فعل فيها مانعا، فلا جهة حينئذ إلا الصحة كما في سائر ما كان من هذا القبيل، كترك إنفاذ الغريق و إطفاء الحريق و غيرهما مما هو متوقف على فعل ما ينافي الصلاة من فعل كثير أو التفات أو نحوهما، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو كان المأمور به نفس الحدث لا ما كان مستلزما للحدث كالأمثلة السابقة، فتصح صلاته مثلا و إن عصى بترك المأمور به بناء على عدم اقتضاء النهي عن الضد، و لعل من ذلك العاصي بترك و طي زوجته بعد الأربعة أشهر لو صلى حال خطابه به، و الزوجة الناشزة لنحو ذلك أيضا لو صلت كذلك، و ليس في ذلك تناف بين الخطابين و لا قبح في التكليفين، نعم لو أمر بالصلاة و أمر بالمانع فيها اتجه ذلك، و ليس ما هنا من هذا القبيل، ضرورة كون الأمر بوطي الزوجة لا وطئها في أثناء الصلاة و إنما اختار المكلف العصيان في ذلك الأمر و الإتيان بهذا الأمر كإزالة النجاسة عن المسجد و غيرها من الأوامر المضيقة التي يعدل عنها إلى أضدادها من الصلاة و غيرها، فالتحقيق حينئذ بناء المسألة على تلك المسألة من غير فرق بين الأمر بمستلزم المانع و بين المانع نفسه، إذ الأول إنما كان ضدا باعتبار استلزامه المانع، بل لولا الفرق الذي ذكرناه بين الصوم و غيره أمكن دعوى انحصار البطلان فيه على القول بالضد أيضا، بل قد يحتمل ذلك على تقدير الفرق المزبور أيضا، فيقال: إنه لا مانع من نية التقرب بالصوم و إن كان مخاطبا بالقي ء و الجنابة و نحوهما، لكن ليس في الصوم حتى يتنافى الخطابان، بل هو إنما خوطب بهما في حد ذاتهما، فإذا فرضنا العصيان

ج 11، ص: 89

بترك امتثال ذلك الخطاب اتجه الصحة في التقرب بالصوم إلا على مسألة الضد.

ثم إنه قد يستفاد م

ن قوله (عليه السلام): «فإنما هو بمنزلة من هو في ثيابه»

إلحاق باقي الأحداث بهما، و لعله لذا قال المصنف و غيره و مدافعة الريح و ربما يومي اليه صحيح الغمز(1)المزبور و غيره، مضافا إلى ما فيه من سلب الخشوع و الإقبال على الصلاة، بل قال غير واحد أيضا: و مدافعة اليوم لبعض ما عرفت، و النهي عن قرب الصلاة سكارى (2)المفسر بالنوم،

قال (ع) في صحيح زرارة(3): «و لا تقم إلى الصلاة متكاسلا و لا متناعسا و لا متثاقلا فإنهن من خلال النفاق، فان الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة و هم سكارى يعني سكر النوم، و قال للمنافقين وَ إِذا قامُوا إِلَى

الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا»(4)

نعم قد يفرق بين مدافعة النوم و غيره بأنه إذا دافعه بحيث حصل التوجه إلى العبادة كان إتيانا بالعبادة على أفضل وجه باعتبار المشقة في مقدماتها، بخلاف مدافعة الأخبثين المنهي عنهما لنفسهما لا من حيث الصلاة، فالمراد حينئذ بكراهة مدافعة النوم الاشتغال بالصلاة متناعسا كما دل عليه الخبر المزبور(5)فإنه بذلك يكون كالسكران، و ربما دعا على نفسه في أثناء صلاته.

ثم لا يخفى أن المراد بكراهة مدافعة الأخبثين قبل الشروع في الصلاة مع سعة الوقت و التمكن من التطهر بعد النقض كما نص عليه في كشف اللثام و غيره، ضرورة أنه لا معنى للكراهة لو اتفق عروضها في أثناء الصلاة، لحرمة القطع، فلا بدل يعدل المكلف إليه كي يخاطب بالكراهة حينئذ التي معناها مرجوحية هذا الفرد بالنسبة إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 سورة النساء- الآية 46.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 5.
4- 4 سورة النساء- الآية 141.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 5.

ج 11، ص: 90

العاري عنه، و لعل الأمر بالصبر في الصحيح السابق (1)شاهد على ذلك بناء على إرادة العزيمة لا الرخصة، و كذا حال ضيق الوقت و حال عدم التمكن من التطهر بعد النقض، و احتمال الالتزام بالكراهة في الأول- لإطلاق الأدلة و عموم المنزلة، فيجوز له القطع حينئذ، بل هو الأفضل له، و لا ينافيه الأمر

بالصبر المحمول على الإباحة، لأنه في مقام توهم الحظر- يدفعه أنه لا دليل يعتد به يخرج به عما دل على حرمة قطع الصلاة و إبطالها حتى الإطلاق المزبور، ضرورة انصرافه إلى غير ذلك كإطلاق الفتاوى، على أن التعارض بينه و بين دليل الحرمة من وجه، و لا ترجيح له، بل الظاهر رجحان العكس خصوصا مع ملاحظة غيره من المكروهات لو فرض عروضها في أثناء الصلاة، اللهم إلا أن يقال: إن العمدة في دليل الحرمة الإجماع كما ستعرفه، و المتيقن منه غير هذا الفرد، و لذلك كانت المسألة لا تخلو من إشكال و إن كان الأحوط ما قلناه.

ثم من المكروهات المذكورة في بعض النصوص (2)و كتب الأصحاب التكاسل و التشاغل و الغفلة و اللهو و الاحتفاز أي الاستعجال مستوفزا كان أولا، و الاكتمام و الامتخاط و التنخم و الصلب أي وضع اليد على الخاصرة أو مجافاة، و الصفد في القيام كما في مختصر النهاية، و الصفد أي الأقران بين القدمين معا كأنهما في قيد كما في المختصر المزبور أيضا، لكن في البيان أن المكروه جمع القدمين و شد اليدين، و حينئذ حمل الصفد عليه أولى، و منه المقرنين بالأصفاد، و الصفن أي الجمع بين القدمين كما في المختصر أيضا، و عليه يتحد مع سابقه، لكن قال: و قيل: هو ثني القدمين إلى ورائه كما يفعل الفرس إذا ثني حافره، و عليه يكون غيره، و لعل منه الصافنات، و في المنظومة:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3 و 5 و 9 و الباب 2 منها- الحديث 6 و الباب 3 منها- الحديث 1 و صحيح البخاري ج 2 ص 78.

ج 11، ص: 91

أو حازقا أو حاقبا أو حاقناأو صالبا أو صافدا أو صافنا

و هو صريح في المغايرة، و التخصر قال في المختصر: المذكور قيل أن يأخذ بيده عصا يتكئ عليها، و قيل أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين، و قيل أن يضع يده على خصره، و منه الاختصار راحة أهل النار أي أنه فعل اليهود في صلاتهم، و هم أهل النار، و في المنظومة:

و لا تخصر فهو كبر و سم قد عذب الله به بعض الأمم

و أنه التورك الذي منع نوع من الصلب و منعه سمع

و مقتضاه أنه وضع اليد على الخاصر معتمدا على أحد وركيه، و نحوه ما عن المنتهى من أن التورك المكروه في الصلاة أن يعتمد بيديه على وركيه، و هو التخصر، لكن في البيان «و التخصير و هو الاعتماد على الخصر، و التورك و هو الاعتماد على الورك و في المحكي عن النفلية «أن التورك الاعتماد على إحدى الرجلين تارة و على الأخرى أخرى، و التخصير يقبض خصره بيده».

قلت: لعل الأولى اجتناب الجميع و إن كنا لم نعثر في أخبارنا إلا على النهي عن التورك، و

قال البزنطي (1)في المحكي عن جامعه بعد أن روى النهي عنه: فإنه بلغني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن قوما عذبوا لأنهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة»

و قال الصدوق في المحكي من فقيهه: «و لا تتورك فان الله عز و جل قد عذب قوما على التورك، كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة» و عن الأزهري «أن التورك المكروه هو أن يضع يديه على وركيه في الصلاة و هو قائم» و عن الجزري يكره أن يسجد الرجل متوركا، و هو أن يرفع وركيه إذا سجد حتى يفحش في ذلك، و قيل أن يلصق إليتيه بعقبيه في السجود، إلى غير ذلك.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 5.

ج 11، ص: 92

و منها تشبيك الأصابع و تغميض البصر و إطلاقه، بل ينبغي أن يخشع بها كهيئة المغمض، فلا يحدد بصره نحو شي ء، و لا يرفعه للسماء، و التصفيق باليد للحاجة، إلا أن الظاهر اختصاصه بالرجال دون النساء، و حديث النفس بما تهم به من أمور الدنيا، و نعم ما قال العلامة الطباطبائي:

إياك فيها من حديث النفس و هم ما تغدو له و تمسي

و إنه أعظم شي ء و أشدو قل ما يسلم من ذاك أحد

أما التفكر في معاني كلام الله ففي البيان أنه لا يكره خلافا للراوندي ما لم يسلب الخشوع، و منها التحشي و التنحنح و غيرهما من كل ما هو من خلال النفاق أو سي ء الآداب و الأخلاق و كل منافر للعبادة و معاب فيها و منافي الخشوع المطلوب فيها، و كل مشعر بالتكبر أو الغفلة فضلا عنهما نفسهما، بل لعله الحكمة في كثير مما ورد النهي عنه فيها شي ء من ذلك، نعم بعضه لا يعلم سره إلا الله، و كان عدم تعرض المصنف و غيره لبعضها هنا لعدم تعلق الكراهة بها في جميع أحوال الصلاة، بل هي في بعض أحوال الصلاة كالقيام و غيره، و المراد هنا ذكر المكروه في جميع أحوال الصلاة، و إلا فقد ذكر بعض مكروهات تلك الأحوال عند البحث عنها، و الأمر سهل.

و كيف كان فمنها كما ذكره غير واحد لبس الخف الضيق، لما في

خبر إسحاق ابن عمار(1)المروي عن معاني الأخبار و المجالس عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا صلاة لحاقن و لا لحاقب و لا لحازق فان الحاقن الذي به البول، و الحاقب الذي به الغائط، و الحازق الذي ضغطة الخف»

مضافا إلى ما في المدارك من أن في لبسه سلبا للخشوع و منعا للتمكن من السجود، فقول المصنف حينئذ و إن كان خفه ضيقا استحب له نزعه لصلاته مشعرا بعدم كونه من المكروهات و

لذا عدل عن ذكره في سلكها إلى ما سمعت في غير محله.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 5.

ج 11، ص: 93

و على كل حال فمن أشد ما يراد فيها أيضا ترك الوسوسة التي هي من مصائد الشيطان و خدعه، و متى أطيع في شي ء منها تعود على ذلك، فينبغي للعاقل عدم الالتفات إلى شي ء منها، و أن يبني على الصحة في جميعها كي لا يبلغ عدوه مراده منه، كما أنه لا بد فيها من ترك العجب و الا دلال المانعين من قبولها، بل أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:

و الذنب خير من صلاة المعجب إذ لم يسئه ما به كالمذنب

و كذا لا بد من اجتناب سائر حوابس الصلاة كمنع الزكاة و الحقوق الواجبة و النشوز و الإباق و الحسد و الكبر و الغيبة و أكل الحرام و شرب المسكر، بل جميع المعاصي لحصر القبول من المتقي الذي لا يصدق إلا مع اجتناب جميع ذلك، و في

مرفوع البرقي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة، و تارك الوضوء، و الجارية

المدركة تصلي بغير خمار، و إمام قوم يصلي بهم و هم له كارهون، و الزبين، قالوا: يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ما الزبين؟ قال: الذي يدافع البول و الغائط، و السكران، فهؤلاء ثمانية لا تقبل منهم صلاة».

[مسائل أربع]
اشاره

مسائل أربع

[المسألة الأولى إذا عطس الرجل في الصلاة استحب له أن يحمد الله]

الأولى إذا عطس الرجل في الصلاة استحب له أن يحمد الله عند علمائنا و أكثر العامة، و هو المراد بالجواز في المنتهى و غيره يجوز للمصلي أن يحمد الله تعالى إذا عطس و يصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) و أن يفعل ذلك إذا عطس غيره، و هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) و هو الحجة في العطاس و سماعه، مضافا إلى أنه ذكر


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.

ج 11، ص: 94

و دعاء لا تمنع عنهما الصلاة، فيبقى ما دل على الأمر بهما من النصوص (1)على إطلاقه و إلى خصوص

صحيح الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد الله»

و

خبر أبي بصير(3)«قلت له: أسمع العطسة فأحمد الله و أصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) و أنا في الصلاة قال: نعم، و إذا عطس أخوك و أنت في الصلاة فقل: الحمد لله و صل على النبي و آله و إن كان بينك و بين صاحبك اليم»

بل لا بأس أن يزيد حمدا كثيرا كما هو أهله واضعا يده على قصبة أنفه و إن كان في الصلاة أيضا، عملا بإطلاق

خبر الحسن بن راشد(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله و صلى الله على محمد و آله و سلم خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد و أكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة».

كما أنه لا بأس أيضا بزيادة رب العالمين مع ذلك، أو يدونه و زيادة لا شريك له أيضا كذلك، ل

مرسل ابن أبي عمير(5)قال: «عطس رجل عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: الحمد لله فلم يسمته أبو جعفر (عليه السلام) و قال: نقصتنا حقنا، ثم قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و أهل بيته، قال: فقال الرجل، فسمته أبو جعفر (عليه السلام)»

و

قال (عليه السلام) أيضا في خبر محمد بن مسلم (6)«إذا عطس الرجل فليقل: الحمد لله لا شريك له، و إذا سمت الرجل فليقل: يرحمك الله، و إذا رددت فلتقل: يغفر الله لك و لنا، فإن


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 63- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4 من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 63- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
6- 6 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 95

رسول الله (صلى الله عليه و آله) سئل عن آية أو شي ء فيه ذكر الله فقال: كلما ذكر الله فيه فهو حسن»

و في

خبر مسمع (1)قال: «عطس أبو عبد الله (عليه السلام) فقال:

الحمد لله رب العالمين، ثم جعل إصبعه على أنفه فقال: رغم الله أنفي رغما داخرا».

فجمع ما في جميع هذه النصوص إن لم يخل بموالاة القراءة مثلا حسن، كالاقتصار على ما في بعضها، و لا يتعين كيفية خاصة منها، و

قوله (عليه السلام): «نقصتا حقنا»

محمول على التأديب أو التعريض بالعامة كما يكشف عنه

خبر جابر(2)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «قال: نعم الشي ء العطسة تنفع في الجسد و تذكر الله تعالى، قلت: إن عندنا قوما يقولون:

ليس لرسول الله (صلى الله عليه و آله) في العطسة نصيب فقال:

إن كانوا كاذبين فلا أنا لهم الله شفاعة محمد (صلى الله عليه و آله)»

أو غير ذلك لا أنه شرط في ذلك، و لعل ترك المصنف و من ماثله تنبيها على ذلك، بل لا يبعد عدم اختصاص التحميد بذلك، بل يكفي مطلق الذكر بناء على أنه المراد من ذيل الخبر المتقدم بمعنى أنه سئل (عليه السلام) عن آية مخصوصة أو شي ء فيه ذكر الله يقال العطسة فقال: «كلما» إلى آخره، و يؤيده أن

المحكي عن نسخة المازندراني روايته «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سئل عن آية تقال عند العطسة أو شي ء فيه ذكر الله»

إلى آخره. و لعل هذا أولى مما فهمه منه في الحدائق من أن المسؤول عنه آية معينة أو ذكر معين يقال عند التسميت أورده، ضرورة إرادة الدعاء من تسميت العاطس و رده كما ستعرف لا أنه يكفي فيه ذكر الله و إن لم يكن بلفظ الدعاء كما هو مقتضى الخبر المزبور، و الله أعلم.

و كذا إذا عطس غيره يستحب له تسميته إذا كان مؤمنا بلا خلاف أجده


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 96

فيه، فان المصنف و إن تردد فيه في المعتبر لكن قال: إن الجواز أشبه بالمذهب، و هو كذلك للأصل، و لأن التسميت الدعاء للعاطس، و هو غير ممنوع في الصلاة، فيبقى إطلاق الأمر به حينئذ على حاله من غير تقييد، و

خبر غياث (1)المروي عن مستطرفات السرائر عن جعفر (عليه السلام) «في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال:

فسدت صلاة ذلك الرجل»

مع ضعفه و ظهوره في فساد صلاة العاطس الذي هو غير معقول معرض عنه بين الأصحاب، فلا يصلح للتقييد، خصوصا مع موافقته لمذهب الشافعي و بعض العامة، و احتمال أنه باعتبار كاف الخطاب من كلام الآدميين- أو لأنه تحيته كما تسمعه من خبر الخصال (2)و يشهد له

ما رواه العلامة في التذكرة عن معاوية ابن الحكم الشامي (3)قال: «صليت خلف النبي (صلى الله عليه و آله) فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: و ما شأنكم تنظرون إلى، قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتوني، فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شي ء، من كلام الآدميين»

- يدفعه- مع ضعف الخبرين، بل الثاني من طرق العامة، لأنه قد ذكر مستندا للشافعي مع احتمال أو ظهور الإنكار عليه، و قول النبي (صلى الله عليه و آله) لكلامه الثاني لا الأول- أنه دعاء لغة و عرفا و شرعا و ليس من التحية قطعا، على أنها لا تنافي الدعاء إلا إذا خرج عن قصد الدعائية و لم يكن ملاحظا إلا

التحية و هو ممنوع في المقام كمال المنع فتردد المصنف به حينئذ من ذلك أو من جهة خلو النصوص عنه بالخصوص في غير محله، إذ قد عرفت كفاية


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
3- 3 سنن أبي داود ج 1 ص 336- الرقم 930« باب تسميت العاطس في الصلاة» لكن رواه عن معاوية بن حكم السلمي.

ج 11، ص: 97

الأصل و الإطلاقات فيه، لأنه من الدعاء، قال في الصحاح: «تسميت العاطس أن يقول له: يرحمك الله بالسين و الشين جميعا» قال تغلب: «الاختيار بالسين، لأن مأخوذ من السمت، و هو القصد و المحجة» و قال أبو عبيد: «الشين أعلى في كلامهم و أكثر» و قال أيضا: «تسميت العاطس دعاء، و كل داع لأحد فهو مشمت و مسمت» و عن النهاية «التسميت بالسين و الشين الدعاء بالخبر و البركة، و المعجمة أعلاهما» و في المحكي عن المصباح المنير و في مختصر النهاية «التسميت الدعاء، و منه تسميت العاطس» و عن المصباح «تسميت العاطس الدعاء له، و الشين المعجمة مثله» و عن التهذيب «سمته بالسين و الشين دعا له» و قال أبو عبيدة: «الشين أعلى و أفشى» و قال تغلب: «السين المهملة هي الأصل أخذا من السمت، و هو القصد و الهدى و الاستقامة، و كل داع بخير فهو مسمت أي داع بالعفو و البقاء إلى سمته» و عن تعليق النافع «التسميت بالمهملة الدعاء لأمور الدنيا، و بالمعجمة لأمور الآخرة» و لم أجده فيما وصلنا من كلام أهل اللغة، بل قد سمعت ما ظاهره خلافه، و في

خبر جراح المدائني (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «للمسلم على أخيه من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه- إلى أن قال-: و يسمته إذا عطس يقول: الحمد لله رب العالمين لا شريك له، و يقول له: يرحمك الله فيجيبه يهديكم الله و يصلح بالكم»

و

في المروي (2)عن الخصال عن أبي جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا: يرحمك الله، و هو يقول: يغفر الله لكم و يرحمكم، قال الله عز و جل (3)وَ إِذا حُيِّيتُمْ»

إلى آخره. و

في الصحيح أو الحسن (4)«كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا عطس فقيل له: يرحمك الله قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
4- 4 سورة النساء- الآية 88.

ج 11، ص: 98

يغفر الله لكم و يرحمكم، و إذا عطس عنده إنسان قال: يرحمك الله».

مضافا إلى ما سمعته سابقا من النصوص السابقة المتضمنة للتسميت.

نعم قيده في المنتهى و كشف اللثام بما إذا كان مؤمنا، و مقتضاه عدم الجواز أو

الاستحباب إذا لم يكن كذلك، و لعله لظهور النصوص في ذلك، خصوصا التي (1)جعلته من حقوق الأخوة، و لفظ المسلم في بعضها(2)مراد منه المؤمن كما في كثير من المقامات لا ما يشمل غير المؤمن، على أن الدعاء بالرحمة لغير المؤمن غير جائز، لكن عن الأردبيلي و الخراساني احتمال الجواز، و لعله للإطلاق الذي لا ينافيه غيره، و جواز الدعاء بالهداية و نحوها للمخالف، و به يكون تسميتا، إذ لا يختص هو بذلك كما سمعت بل لا بأس بالدعاء بالرحمة إذا أريد منها ذلك، و ل

مرسل عبد الرحمن بن أبي نجران (3)قال: «عطس رجل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له القوم: هداك الله فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): يرحمك الله فقالوا له: إنه نصراني فقال: لا يهديه الله حتى يرحمه»

و احتمال أن مراده (عليه السلام) المنع من تسميته بالهداية أيضا و أنه ليس أهلا لذلك لأن الهداية مستلزمة للرحمة كما في الحدائق كما ترى، على أنه لا داعي له، إذ ما تضمن من النصوص عده من الحقوق و نحوه ليس فيها دلالة على منع غيره و إن لم يكن من الحقوق، كما هو واضح.

و الظاهر عدم اشتراط التسميت بتحميد العاطس و صلاته على النبي (صلى الله عليه و آله) لإطلاق كثير من النصوص، و خبر النقصان (4)محمول على تأكد الندب كغيره مما يوهم التقييد، حتى

العامي (5)«أنه عطس عند النبي (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 65- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 63- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
5- 5 صحيح البخاري ج 8 ص 61.

ج 11، ص: 99

رجلان فسمت أحدهما و لم يسمت الآخر، فقال الذي لم يسمته عطس فلان فسمته و عطست أنا فلم تسمتني قال: إن هذا حمد الله و أنت لم تحمد الله».

ثم إن ظاهر النصوص و الفتاوى أن استحبابه عيني لا كفائي و إن كان ربما حكي عن التذكرة ذلك، إلا أني لم أجده فيها، و لعل وجهه أنه من التحية التي من المعلوم كفائية وجوبها، و عليه بنى وجوب الرد في الحدائق و تردد فيه في المحكي عن الروض و الذخيرة، لكن فيه أن العرف و اللغة على خلافه بل و الشرع، و الخبر المزبور محمول على ضرب من التجوز و التشبيه، نحو قوله (عليه السلام) في المروي (1)عن المناقب لابن شهرآشوب «جاءت جارية للحسن (ع) بطاق ريحان فقال لها: أنت حرة لوجه الله فقيل له في ذلك فقال: أدبنا الله تعالى إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ (2)- إلى آخره- و كان أحسن منها عتقها» و غيره مما هو مراد من التحية فيه مقابلة الإحسان بالإحسان، و منه يعلم حينئذ عدم وجوب الراد وفاقا لجامع المقاصد و غيره، للأصل السالم عن المعارض، نعم هو جائز و مستحب كالتسميت و إن كان في الصلاة، و الظاهر عدم تعيين كيفية خاصة

لهما، و إن كان الأحوط الاقتصار على ما سمعته في النصوص.

و في استحباب التسميت للصبي المميز إشكال، من انسياق البالغ، و من

خبر السكوني (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: الحمد لله، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): بارك الله فيك»

و قد يقال: إنه لم يرد به التسميت بل الدعاء للغلام حيث أنه حمد الله بعد العطاس.

و لو سمعته جماعة على الاقتران أو التعاقب كان الأولى الرد على كل واحد، و في


1- 1 البحار- ج 18 ص 204 من طبعة الكمباني.
2- 2 سورة النساء- الآية 88.
3- 3 الوسائل- الباب- 62- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 100

الاجتزاء برد واحد للجميع وجه تشهد له السيرة و الصدق العرفي، فيخرج عن مقتضى قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، مع إمكان دعوى أن المسبب هنا ما يصدق على الفرض ضرورة صدق الرد على الجميع، و كيف كان فالمراد باستحباب التسميت و الحمد مثلا هو الثابت في غير حال الصلاة، و خص بالذكر فيها لاحتمال منعها عنه، و يمكن أن يكون لحال الصلاة مدخلية في شدة استحبابه كما هو مقتضى عبارات الأصحاب، بل لا يخلو من قوة في التحميد لما سمعته من النصوص الخاصة فيه بخلاف التسميت، فتأمل، و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا سلم عليه و هو في الصلاة]

المسألة الثانية إذا سلم عليه و هو في الصلاة من يرد سلامه يجوز أن يرد عليه مثل قوله: سلام عليكم، و لا يقول و عليكم السلام على رواية(1)بلا خلاف أجده في عدم مانعية الصلاة نافلة كانت أو فريضة من رد السلام، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (2)مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة، بحيث لا يصلح لمعارضتها ما في

خبر مسعدة بن صدقة(3)المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) قال: «لا تسلموا على اليهود و النصارى- إلى أن قال-: و لا على المصلي لأنه لا يستطيع أن يرد السلام، لأن التسليم من المسلم تطوع و الرد فريضة، و لا على آكل الربا، و لا على رجل جالس على غائط، و لا على الذين في الحمام»

من وجوه عديدة، و بها و الإجماع المزبور يقيد النهي (4)عن كلام الآدميين في الصلاة، بناء على أن ذلك منه، على أن التعارض بينه و بين ما دل على وجوب رد التحية تعارض العموم من وجه، و لا ريب في رجحان الثاني بالنصوص المخصوصة المعمول بها بين الأصحاب المعتضدة بالإجماعات


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1 و في الوسائل مصدق بن صدقة و الصحيح ما أثبتناه كما في الخصال ج 2 ص 82 من طبع القديم.
4- 4 سنن أبى داود ج 1 ص 336- الرقم 930« باب تشميت العاطس في الصلاة».

ج 11، ص: 101

المحكية، و منه مع ظهور جميع نصوص المقام يعلم وجوب الرد لا جوازه بالمعنى الأخص و إن عبر به المصنف و غيره حتى قال في التنقيح: «الأكثر على أنه إي الرد جائز، و ليس في عباراتهم ما يشعر بالوجوب» و في كشف اللثام «لم يتعرض غير المصنف للوجوب» و في الذكرى «ظاهر الأصحاب مجرد الجواز» بل الظاهر أنهم أرادوا بيان شرعيته في مقابلة من أنكرها من العامة، و يبقى الوجوب معلوما من القواعد كما اعترف به غير واحد، و لقد أجاد في المسالك في قوله: «إن كل من قال بالجواز قال بالوجوب» و في مجمع البرهان «كأنه على تقدير الجواز يجب كما يفهم من عباراتهم و أدلتهم كالآية الشريفة(1)و نحوها» إلى آخره، على أن الوجوب في معقد إجماع الانتصار و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و المحكي من شرح المفاتيح و معقد نفي الخلاف في الحدائق و المحكي من الذخيرة، و عن كشف الالتباس «يجب عليه الرد لفظا عند علمائنا و إن كان المسلم صبيا أو أجنبية يحل نكاحها» و هو أيضا ظاهر عبارة المبسوط و الخلاف و صريح الفاضل و أكثر من تأخر عنه أو جميعهم.

إنما البحث في كيفية الرد، و المشهور نقلا و تحصيلا أنه بالمثل، بل في المدارك و عن غيرها أنه قطع بذلك الأصحاب، بل في الانتصار و الخلاف الإجماع عليه، بل لا أجد في ذلك خلافا إلا من الحلي، فجوزه بعليكم السلام فضلا عن غيرها كما ستعرف و مال اليه الفاضل في

المختلف كما قيل، و الأردبيلي في مجمعه، و لا ريب في ضعفه لما عرفت و ل

صحيح ابن مسلم (2)قال: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و هو في الصلاة فقلت: السلام عليك فقال: السلام عليك، فقلت: كيف أصبحت فسكت، فلما انصرف قلت: أ يرد السلام و هو في الصلاة؟ فقال: نعم مثل ما قيل له»

و

صحيح


1- 1 سورة النساء- الآية 88.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 11، ص: 102

منصور بن حازم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا سلم عليك الرجل و أنت تصلي قال: تردد عليه خفيا كما قال»

بل

موثق سماعة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يسلم عليه و هو في الصلاة قال: يرد بقوله: سلام عليكم و لا يقول: و عليكم السلام، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان قائما يصلي فمر به عمار ابن ياسر فسلم عليه فرد عليه هكذا».

و المناقشة في سنده ضعيفة كما حررناه في الأصول كالمناقشة في متنه بأن مقتضاه تعين الصيغة المزبورة و إن كانت التحية بغيرها،

و هو مناف لاعتبار المثل، ضرورة عدم مدخلية ذلك فيما نحن فيه من عدم جواز الرد بعليكم السلام، مع أنه يمكن تنزيل الموثق على إرادة بيان ذلك، فيكون ذكره لخصوص سلام عليكم مبنيا على الغالب المتعارف من كون التحية سلام عليكم، فيكون ذلك حينئذ مثلها، و معارضة ذلك باحتمال تنزيل خبري المثل على خصوص هذه الصيغة للتعارف المزبور مؤيدا بأنها صيغة قرآنية فترجح على غيرها باحتمال عدم منافاتها الصلاة لأنها قرآن لا ينافيه إرادة الرد منه يدفعه- مع وضوح أولوية الأول منه من وجوه- ما تضمنه صدر الصحيح الأول من الفعل، و ما تسمعه من الصحيح الآخر(3).

و منه يعلم ما في المحكي عن المعتبر من أنه لو سلم عليه بغير «سلام عليكم» لم يجز الرد، و لو دعا له و كان مستحقا و قصد الدعاء لا الرد لم أمنع منه، و المنتهى و التحرير من التردد فيه، ضرورة ظهوره أو صراحته في وجوب الرد فضلا عن جوازه و إن لم يكن بالصيغة المزبورة كما هو مقتضى إطلاق غيره من النصوص و معقد الإجماع، فلا محيص حينئذ عن تنزيل الموثق المزبور على ذلك كجملة من عبارات الأصحاب خصوصا نحو


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 5.

ج 11، ص: 103

عبارة المتن المذكور فيها الصيغة المزبورة مثالا للمثل، و ك

صحيح ابن مسلم الآخر(1)أيضا المروي في الفقيه، قال: «سأل محمد بن مسلم أبا جعفر

(عليه السلام) عن الرجل يسلم على القول في الصلاة فقال: إذا سلم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلم عليه، تقول:

السلام عليك و أشر بأصابعك»

فإنه يجب أيضا أن يراد منه تعيين القول المزبور إذا كانت التحية كذلك، فيخرج بذلك عن إطلاق ما دل (2)على جواز الجواب بغير المثل في غير الصلاة حتى الأحسن فضلا عن غيره، و احتمال تنزيل الخبرين المزبورين على إرادة وجوب المثل بالنسبة إلى الأدنى لا الأحسن تهجس بلا شاهد، بل هو اجتهاد في مقابلة النص.

فما وقع من المدارك تبعا لأستاذه من جواز الجواب بالأحسن في غير محله، كالمحكي عن الحلي من جواز الجواب بكل من سلام عليكم أو السلام عليكم أو عليكم السلام بأي صيغة كانت التحية منها، إذ فيه طرح الأدلة السابقة بلا مستند صالح لذلك، مع أنه قد يمنع عليه أيضا كون الأخيرة من صيغ ابتداء التحية، بل هي ردها، و المعروف في ابتدائها السلام و سلام عليك و السلام و سلام عليكم، و الأولى هي التي سلم بها محمد ابن مسلم على أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح السابق و أجابه هو بها، فمن الغريب تركها و إثبات عليكم السلام، و إن كان ربما تبعه على الثاني بعض الناس، بل ربما نسب إلى ظاهر الأصحاب إلا أنا لم نتحققه كما اعترف به في المحكي من الذخيرة، بل في التذكرة «لو قال: عليك السلام لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب» و نحوه ما عن الموجز و

كشفه، و به جزم في الحدائق، و هو الموافق للوارد في النصوص، و

في النبوي


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

ج 11، ص: 104

العامي (1)«أنه قال لمن قال له: عليك السلام يا رسول الله: لا تقل: عليك السلام تحية الموتى إذا سلمت، فقل: سلام عليك يقول الراد: عليك السلام»

و إطلاق التحية و السلام منزل على المتعارف، فقل: سلام عليك يقول الراد: عليك السلام» و إطلاق التحية و السلام منزل على المتعارف منه، و هو الصيغ الأربع المذكورة عندنا دون غيرها، لأصالة براءة الذمة من وجوب الرد و نحوه من أحكام التحية، هذا.

و لكن الإنصاف أن المسألة لا تخلو من إشكال، لا طلاق أدلة التحية و السلام من غير تقييد في النصوص و إن كان الذي وقع غير الصيغة المزبورة، فإن ذلك لا يصلح مقيدا للمطلق، قال في المحكي عن القاموس: «التحية السلام» و في المغرب «حياه بمعنى أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية، هذا أصلها ثم سمي ما حيي به من سلام و نحوه تحية، قال الله تعالى (2)«تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» و حقيقة حييت فلانا أي قلت:

حياك الله أي عمرك الله» و عن الطبرسي التحية السلام، قال: حيي يحيي تحية إذا سلم، إلى غير ذلك مما هو ظاهر في كون التحية مطلق السلام، على أن النصوص ظاهرة في وجوب رد السلام، و هذا منه لصدق السلام عليه قطعا، و دعوى التعارف المزبور على وجه تنصرف هذه الإطلاقات جميعها إلى الصيغ المزبورة يمكن منعها، و حينئذ لو سلم بها وجب الرد بمثلها للنصوص السابقة التي لا ينافيها الموثق المزبور بعد تنزيله على ما عرفت فاحتمال عدم جوابها و إن كانت تحية لظهور النصوص في المقام في جواب غيرها من التحية أو وجوب جوابها بالعكس لا طلاق الأدلة السابقة لا يخلو من ضعف كما عرفت.

و من ذلك يعلم حينئذ وجه تردد الخراساني في وجوب رد سلاما و سلام و سلامي


1- 1 سنن أبى داود- ج 2 ص 644 المطبوعة عام 1371 كتاب الأدب باب« كراهية أن يقول: و عليك السلام» مع زيادة في الجواهر.
2- 2 سورة الأحزاب- الآية 43.

ج 11، ص: 105

و السلام و نحوها، بل عن ابن إدريس الجزم بعدم وجوب الرد بغير ما سمعته منه، و تبعه في ذلك في الحدائق، إلا أنه حصر وجوب الرد في الأربعة التي ذكرناها، قال: لأنه القدر المعلوم من الأخبار، و الحكم باشتغال الذمة يحتاج إلى دليل قاطع، و ليس فليس، و صدق التحية عرفا مقيد بالأخبار، إذ الحكم شرعي لا عرفي ليكون مناطه العرف، قلت: لم أجد في النصوص ما يقتضي التقييد، و الحكم الشرعي معلق على التحية و السلام الصادقين على ذلك عرفا كما عرفت.

نعم لو كانت التحية بلفظ الصباح و المساء و نحوهما مما ليس بسلام اتجه عدم وجوب الرد، للأصل و عدم صدق التحية و السلام، و لو رد عليه بلفظ السلام و نحوه مع قصد الدعاء جاز، بل و إن ضم اليه مع ذلك قصد الرد، لعدم خروجه به عن القصد الأول، أما لو قصد الرد خاصة بطلت صلاته، خلافا لمحتمل البيان و ظاهر المسالك، قال فيها: «و لو قال: سلام عليك جاز الرد بمثله و المعهود أي سلام عليكم، و لو سلم بغير ذلك كما لو عكس أو عرف السلام أو غير ذلك لم يتعين الرد بلفظ السلام، و هل يجوز إجابته؟ قيل: لا إلا أن يقصد الدعاء و يكون مستحقا، و الأجود الرد عليه بالدعاء أو بالسلام المعهود، لكونه تحية عرفا كتحية الصباح و المساء» و فيه نظر من وجوه، أحدها ما عرفته من عدم وجوب رد التحية بالصباح و المساء و فيه نظر من وجوه، أحدها ما عرفته من عدم وجوب رد التحية بالصباح و المساء الذي لا دليل عليه بعد أن عرفت أن المراد من التحية السلام، ثانيها حصره وجوب الرد بلفظ السلام في الصيغتين المزبورتين، إذ هو مناف لإطلاق النصوص و الفتاوى، بل و صريح صحيح محمد بن مسلم (1)السابق المشتمل على التسليم بالمعرف، ثالثها ما سمعته من البحث في التحية بعليكم السلام التي أشار إليها بالعكس، رابعها قد يمنع عليه التخيير في رد سلام عليك بين المثل و السلام المعهود، لظهور المثل بخلافه، و ما عن الروض- من أنه لا يقدح


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 11، ص: 106

فيه زيادة الميم في عليكم في الجواب لمن حذفه، لأنه أزيد دون العكس- يدفعه ما سمعته من أن الواجب المثل دون الأدنى و الأحسن، و الجواز في غير الصلاة لا يستلزم الجواز فيها بعد حرمة القياس عندنا، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالمثل في النص و الفتوى الكناية عن عدم جواز خصوص عليكم السلام، و إلا فكل الصيغ يجوز إبدال بعضها ببعض، إذ الكل متماثلة في تقديم المبتدأ، بل لعل ذلك هو ظاهر عبارة الفاضل في القواعد لا طلاقه الرد بغير عليكم السلام، بل لعله هو مقتضى التأمل في عبارات الأصحاب، ضرورة ظهورها في أن محط النظر عدم جواز عليكم السلام، فيكون ذكر بعضهم لخصوص سلام عليكم مثالا لنحوه من الصيغ و تأكيدا في عدم جواز العكس.

ثم المعلوم بلا خلاف أجده كما اعترف به في الحدائق نصا و فتوى بل في التذكرة الإجماع عليه كفائية وجوب الرد لا عينيته، و عليه السيرة القاطعة بمعنى أنه يجزي الرد من واحد ممن هو داخل في السلام لا أنه يجزي غيره، بل في الحدائق «و كذا استحباب الابتداء به كفاية لا عينا» و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن بكير(1): «إذا مرت الجماعة بقوم أجزأ عنهم أن يسلم واحد منهم، و إذا سلم على القوم و هم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم»

و قد يشكل بأن مقتضاه حينئذ سقوط الاستحباب حينئذ للثاني و الثالث،

و هو مناف لما دل على الحث على السلام، فيمكن أن يراد من الاجزاء في الخبر المزبور سقوط شدة التأكد لا أصل الاستحباب، فتأمل جيدا.

و على كل حال فالظاهر وجوب الرد لعدم التلازم بين سقوط استحبابه و بين عدم (2)كونه تحية يجب ردها و إن لم يكن ذلك مستحبا، و منه يعلم وجوب رده لو اقترن


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- 2 ليس في النسخة الأصلية لفظة« عدم» و الصحيح ما أثبتناه أو تبديل لفظة« التلازم» بكلمة« التنافي» كما لا يخفى على المتأمل.

ج 11، ص: 107

بما يفسد استحبابه من رياء و نحوه، بل يمكن دعوى وجوب رده و إن كان ملحونا بما لا ينافي صدق اسم السلام عليه لصدق التحية، نعم لا تعتبر المثلية هنا، بل لا تجوز بل يرده عليه صحيحا، لكن قال في المحكي من شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر: «لو سلم عليه سلاما ملحونا فالأحوط الرد بصورة الآية أي قاصدا مع ذلك القرآنية» و فيه إشعار بالتردد في الحكم، و وجه واضح.

و كيف كان فهل يسقط وجوب الرد برد الصبي المميز؟ الظاهر العدم و إن قلنا بشرعية عبادته، وفاقا للمدارك و خلافا لغيره، للأصل السالم عن معارض دليل الكفائية الذي يجب فيه الاقتصار على المتيقن، و هو قيام فعل المكلف عن غيره، مضافا إلى قاعدة عدم الاجتزاء بالمستحب عن الواجب، و إلى ظاهر الأمر بالرد في الآية و الرواية الذي لم يمتثل أبدا، ضرورة ظهوره في الوجوب الذي لا يشمل الصبي، و شرعية عباداته على القول بها

لا يقتضي اندراجه في هذه الأوامر كما هو واضح، فما عساه يظهر من جماعة منهم الشهيد من بناء المسألة على الشرعية و التمرينية في غير محله، إلا أن الجميع متفقون على عدم السقوط على القول بتمرينية فعله، مع أنه ينبغي القطع بذلك، فما عساه يظهر من مجمع البرهان من السقوط على التقدير المزبور غريب، نعم قد يقال بوجوب رده لو سلم و إن قلنا بالتمرينية، لصدق اسم التحية الذي لا يتوقف على ترتب الثواب كما عرفت، فتشمله حينئذ أدلتها آية و رواية، اللهم إلا أن يدعى انسياق الذهن منها إلى غير ذلك بناء على التمرينية التي لا تقصر عن أفعال البهائم (1)و المجانين و الحيوانات المعلمة، بخلاف ما لو قلنا بشرعيتها فإنها حينئذ تكون معتبرة في النظر تستأهل الرد، و لعله لما ذكرناه أولا أو للبناء على شرعية أفعاله لم أجد مخالفا هنا في وجوب الرد إلا ما يحكى عن فوائد الشرائع، و لا ريب أن الأحوط حال الصلاة ضم قصد الدعائية أو القرآنية للرد.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« عنها أفعال البهائم».

ج 11، ص: 108

و لو سقط وجوب الرد على المسلم بقيام الغير فالأحوط إن لم يكن الأقوى عدم الرد من المصلي، اقتصارا فيما كان الأصل عدم جوازه في الصلاة كما أومأنا إليه سابقا على المتيقن، خصوصا إذا كان بصيغة التسليم المحلل، و استحباب الرد بغير الصلاة لا يستلزم ذلك فيها، و إلا لجاز ابتداء التحية فيها، و دعوى شمول الأدلة في حيز المنع،

ضرورة ظهور الأدلة في وجوب الرد المقتضي لكون مفروضها غير ذلك كالمنع لدعوى شمول ما دل على استحباب الرد بعد السقوط لحال الصلاة، بل هي أوضح منعا، إذ هي على فرض تسليمها ليست بأزيد من إطلاقات استحباب التحية التي لم تسق إلا لبيان ذلك في حد ذاته لا من حيث مانع الصلاة و نحوه، فما في الذكرى من الجواز بل و الاستحباب في أحد الوجهين بل استجود الجواز و الاستحباب في المحكي من الروض لا يخلو من نظر، فتأمل.

و الظاهر وجوب إسماع الرد في الصلاة كغير الصلاة الذي لا أجد فيه خلافا إلا من المقدس الأردبيلي، و لا ريب في ضعفه، لأصالة عدم البراءة بدونه، لاحتمال أو ظهور توقف صدق الرد عليه، خصوصا بعد

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن القداح(1): «إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه و لا يقول سلمت و لم يردوا علي، و لعله يكون قد سلم و لم يسمعهم، و إذا رد أحدكم فليجهر برده و لا يقول المسلم: سلمت فلم يردوا علي- ثم قال-: كان علي (عليه السلام) يقول: لا تغضبوا و لا تغضبوا، أفشوا السلام و أطيبوا الكلام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، ثم تلا عليهم قوله تعالى (2)السَّلامُ الْمُؤْمِنُ»

إلى آخره. و بعد

قوله (عليه السلام) أيضا


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 38 من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 و ذيله في الباب 34 منها- الحديث 3.
2- 2 سورة الحشر- الآية 23.

ج 11، ص: 109

في خبر عبد الله بن المفضل (1): «كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شرّه و كانوا إذا ردوا عليه أمن من شرّهم، و إذا لم يسلم لم يأمنوا، و إن لم يردوا على المسلم لم يأمن من شرّهم، و ذلك خلق في العرب»

و بعد ظهور الحكمة في إسماع الرد و غير ذلك مما لا يحتاج إلى تقرير.

أما في الصلاة فلا ريب في انسياق رد غير الصلاة من الأمر بالرد فيها، و قد أسمع أبو جعفر (عليه السلام) الرد فيها محمد بن مسلم (2)لكن في صحيح منصور بن حازم (3)السابق الأمر بالرد عليه خفيا، و أصرح منه

موثق عمار(4)«إذا سلم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك و بين نفسك و لا ترفع صوتك»

و لم أجد من عمل بهما من أصحابنا إلا المصنف في المعتبر حيث حملهما على الجواز، و فيه مع أنه ليس عملا بهما أنه مخالف للمنساق إلى الذهن من غيرهما من النصوص و للفتاوى، و الأولى حملهما على الجهر المنهي عنه في الصلاة، و هو المبالغة في رفع الصوت، ضرورة الاكتفاء بالإسماع تحقيقا أو تقديرا إذا فرض

المانع، أو على التقية، لأن المشهور بين العامة عدم الرد نطقا بل بالإشارة، و عليه يحمل

خبر علي بن جعفر(5)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يرد؟ قال: نعم فيشير إليه بإصبعه»

أو على خبر محمد بن مسلم السابق المشتمل على القول مع الإشارة للتفهيم إذا فرض بعده بحيث يحتاج إلى زيادة العلو في الصوت، أو على غير ذلك مما يحمل عليه الخبران المزبوران،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 13 و في الوسائل عن عبد الله بن الفضل الهاشمي.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 7.

ج 11، ص: 110

على أن المحكي عن أبي حنيفة عدم الرد نطقا و إشارة، فلعل الأمر فيهما بالإخفات تقية منه و حفظا لأصحابهم (عليهم السلام) من أصحابه، فلا ريب في اقتضاء صناعة الفقه طرح الخبرين المزبورين، أو حملهما على ما عرفت في مقابلة ما سمعت، خصوصا و لم يعمل بظاهر هما أحد حتى المصنف، لأنه قال بالجواز لا الوجوب كما هو ظاهر هما، فهما شاذان معارضان بصحيح ابن مسلم و غيره من النصوص المعتضدة بفتاوى الأصحاب، و بأصالة الشغل و غيره مما عرفت، فوسوسة الأردبيلي (رحمه الله) في ذلك حتى في غير الصلاة قائلا: إنه لم يعثر لهم على دليل من إجماع أو غيره في غير محلها.

و لا فرق في وجوب الاسماع بين كون المسلم من وراء ستر و حائط و عدمه، لإطلاق الأدلة المزبورة، قال في التذكرة: «لو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال:

السلام عليك أو كتب و سلم فيه أو أرسل رسولا فقال: سلم على فلان فبلغه الكتاب و الرسالة قال بعض الشافعية: يجب عليه الجواب، و الوجه أنه إن سمع النداء وجب الجواب و إلا فلا» و هو جيد، ضرورة عدم صدق التحية على الكتابة التي هي النقوش بل و لا على الرسالة التي هي نقل السلام لا الاستنابة من الرسول في التحية، إذ الثانية لا ريب في أنها تحية بخلاف الأولى، و

خبر أبي كهمس (1)- «قلت للصادق (عليه السلام):

عبد الله بن يعفور يقرؤك السلام فقال: عليك و عليه السلام إذا أتيت عبد الله فأقرأه السلام و قل له»

- لا دلالة فيه على وجوب قول ذلك عند تبليغ الرسالة فضلا عن وجوب إرسال رد سلام له عوض سلامه، نعم

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(2): «رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام، و البادي بالسلام


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 و في الوسائل « عبد الله بن أبى يعفور يقرؤك» إلخ و هو الصحيح.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 111

أولى بالله و رسوله (ص)»

«و ربما مال اليه بعض المحدثين، خصوصا مع إمكان تأييده بما عن الشافعي من أن مثله تحية الغالب عرفا، فتشمله الآية، لكنك خبير أنه بمثله لا يخرج عن السيرة القطعية، و ظهور عدم صدق التحية و الأصول العقلية، فلا بد حينئذ من حمله على إرادة شدة التأكد مراعاة لمكارم الأخلاق و جزاء الإحسان بالإحسان.

ثم الظاهر من الأدلة و الفتاوى- بل عن مصابيح الظاهر اتفاق الأصحاب عليه- فورية الراد و تعجيله لكن على الوجه المتعارف في رد التحية لا المقارنة الحكمية من غير فرق بين الصلاة و غيرها، نعم لو تركه فيها و اشتغل بالقراءة و نحوها من الأذكار الواجبة أو المندوبة في وجه اتجه البطلان بناء على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن مثله من الأضداد على وجه يقتضي الفساد إن قلنا بأن التعمد لا فساد الجزء في الصلاة يستلزم بطلان الكل بحيث لا يجزي بعد إعادته على الوجه الصحيح، لثبوت التشريع المقتضي للبطلان، أو لأنه في مثل الفرض نحو كلام الآدميين في البطلان، أما لو ترك الرد و لم يشتغل حال الخطاب به بشي ء من أضداده حتى مضى زمانه فلا بطلان، لعدم المقتضي كما هو واضح، إذ الظاهر أن الرد ليس من الواجبات التي تبقى في ذمة المكلف بعد تقصيره في الأداء في تلك الحال و إن كان ذلك هو المختار في الواجبات الفورية، لكن التي يستفاد فوريتها من الأوامر مثلا و لو بالقرينة بخلاف ما نحن فيه، فان فوريته من كيفية رد التحية عرفا، فهي من أوصاف المأمور به و قيوده لا الأمر، فعدم الوجوب حينئذ في ثاني الأزمنة و ثالثها لانتفاء كيفية الرد عرفا، و للأصل و السيرة القطعية.

فما في مجمع البرهان- من أنه لو كان المسلم حاضرا وجب عليه الرد دائما، و لو غاب و ذهب يجب عليه الذهاب حتى يرد عليه عندهم على الظاهر، فلا يجوز فعل الصلاة المنافي له بناء على مسألة الضد- غريب، و مقتضاه كما صرح به هو أيضا بطلان الصلوات الأخر و غيرها من العبادات المنافية لذهابه للرد، بل قال: إنه يمكن بطلانها أيضا مع

ج 11، ص: 112

ترك الرد لو فرض عدم إمكان الوصول إلى المسلم أيضا، لاحتمال وجوبه حينئذ في نفسه و إن لم يسمع، إذ ذاك يجب مع إمكانه، فلا يسقط حينئذ أصل الرد، و هو كما ترى لا يستأهل ردا، خصوصا في مثل الصلاة المشتغل فيها، لا مكان القول بترجيح حرمة إبطالها على وجوب الرد المستلزم له، ضرورة ظهور الأدلة في وجوبه مع إمكان الجمع، أما لو فرض عصيان المكلف حتى احتاج الرد إلى الإبطال بالمشي و نحوه من المنافيات بناء على بقاء وجوبه فلا، و ليس هو من مسألة الضد بل هو من ترجيح مراعاة الحرمة على الوجوب، و كذا لا يستأهل ردا احتمال البطلان مطلقا أي سواء اشتغل بضد أولا، و لعله مقتضى إطلاق البطلان في التحرير، إذ لا وجه له إلا دعوى ظهور النصوص في وجوب الرد في الصلاة، فيكون كسائر ما يجب فيها من الستر و الاستقبال و نحوهما، و لا ينافيه وجوبه قبلها، إذ هو فهم عرفي من اللفظ كالمحرم قبل الصلاة لو فرض مجي ء نهي به، نحو لا تنظر إلى الأجنبية في الصلاة، و فيه أنه لا شك في ظهور الأدلة في إرادة أن الصلاة لا تمنع وجوب الرد لا أنه من واجبات الصلاة، فلاحظ و تأمل.

ثم إنه لا يبعد أولوية ترك السلام على المصلي خصوصا مع حصول الاضطراب له باستحضار كيفية الجواب، و ربما يقع في شك في أنه سلم بحيث يجب الجواب أو لا و غير ذلك، و للنهي في خبر الخصال المتقدم (1)و

المروي (2)عن قرب الاسناد عن الصادق (عليه السلام) «كنت أسمع أبي (عليه السلام) يقول: إذا دخلت المسجد و القوم يصلون فلا تسلم عليهم و سلم على النبي (صلى الله عليه و آله) ثم أقبل على صلاتك، و إذا دخلت على قوم جلوس فسلم عليهم»

و لا داعي إلى حملهما على التقية، لمنع جمهور العامة من الرد نطقا، بل عن أبي حنيفة المنع من الإشارة بالإصبع أيضا، إذ لا معارض لهما إلا إطلاق


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 11، ص: 113

ما دل على استحباب الابتداء بالسلام، و يجب الخروج عنها بهما، مع أن أقصى ذلك التأخر إلى الفراغ من الصلاة لا سقوط السلام أصلا، و

ما أرسله في الذكرى (1)عن الباقر (عليه السلام) «إذا دخلت المسجد و الناس يصلون فسلم عليهم، و إذا سلم عليك فاردد فإني أفعله، و إن عمار بن ياسر مر على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو يصلي فقال: السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته، فرد عليه السلام»

و يمكن حمله على الاستحباب الذي لا ينافي الكراهة، و كيف كان فالأمر في الكراهة خصوصا مثل هذه الكراهة سهل، هذا.

و قد ظهر لك مما قدمنا سابقا أن رد السلام في الصلاة مستثنى من حرمة كلام الآدميين للأدلة السابقة، فلا حاجة حينئذ إلى ضم قصد القرآنية معه، و لا يتعين بالصيغة المذكورة فيه، بل لا يجوز بناء على مراعاة المثلية لو فرض وقوع السلام بصيغة غيرها، و ما عساه يظهر من بعض أدلة الأصحاب على تعين «سَلامٌ عَلَيْكُمْ»* في الرد لو فرض كون السلام- بها- من أنها قرآن، بل عن المنتهى و المعتبر «لا يقال: السلام من كلام الناس فلا ينطق به في الصلاة، لأنا نقول: لا نسلم أنه من كلام الناس، لأن القرآن يتضمن مثل هذا اللفظ، و لو قيل: إذا قصد به رد السلام خرج عن القرآن قلنا: لا نسلم لأنه باعتبار نظمه قرآن و باعتبار قصد رد السلام يكون ردا» و نحوه عن المرتضى في الانتصار- إنما وقع في مقابلة العامة الذين يحرمون الرد نطفا لذلك، و لا زالوا يذكرون في مقابلة العامة ما لا يلتزمون به على المختار كما لا يخفى على الخبير الممارس، على أنه يمكن إرادتهما إثبات صورة ما من الرد خارجة عن كلام الآدميين كي يتوجه الرد

على الشافعي و أبي حنيفة المانعين من ذلك لذلك، نعم قد يقال: لا مانع من ضم قصد الرد مع القرآنية لعدم التنافي بينهما كما أشرنا إليه سابقا، لا أن ذلك واجب بحيث يتعين


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.

ج 11، ص: 114

الرد بها على كل حال.

ثم لا يخفى أن المستفاد من قوله تعالى (1)«قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» و غيره و النصوص و الفتاوى تحقق الرد في الصلاة بنحو سلام عليكم و غيرها من الصيغ، و الظاهر مشاركة حال غير الصلاة لها في ذلك، خلافا للمحدث البحراني في حدائقه فأوجب تقديم الظرف في غير الصلاة في الجواب مدعيا أن ذلك هو صريح الأخبار الكثيرة، و فيه أن وقوع ذلك فيها لا يقتضي الحصر، بل لعله أحد الأفراد، و ليس في النصوص ما يقتضي ذلك كما لا يخفى على من لاحظها، بل في

حسنة زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: إذا سلم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، فإذا سلم عليكم كافر فقولوا: عليك»

و ما في الحدائق- من أن الغرض من هذه الرواية إنما هو بيان الفرق بين الرد على المسلم و الكافر بأن الكافر يقتصر عليه بقوله: عليك من غير زيادة إردافه بالتسليم عليه، بخلاف المسلم فإنه يردفها بالتسليم- لا

داعي له، و دعوى أن سياقه يشهد بذلك إذ هو(3)

«دخل رجل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و عائشة عنده فقال: السام عليك فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): عليك، فدخل آخر فقال: مثل ذلك فرد عليه كما رد على صاحبه، ثم دخل آخر فقال: مثل ذلك فرد عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) كما رد على صاحبيه، فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام و الغضب و اللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة و الخنازير، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء، إن الرفق لم يوضع على شي ء قط إلا زانه و لم يرفع عنه قط إلا شانه، فقالت: يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم: السام عليك فقال: أ ما سمعت


1- 1 سورة هود ع- الآية 72.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 115

ما رددت عليهم فقلت: عليكم»

إلى آخر ما تقدم يمكن منعها بالنسبة إلى ذلك.

نعم الغالب في الجواب الصيغة المزبورة لا أنه لا يصح الجواب إلا بها، و عليه ينزل ما في التذكرة «و صيغة الجواب و عليكم السلام، و لو قال: و عليك السلام جاز، و لو ترك حرف العطف و قال: عليكم السلام فهو جواب خلافا للشافعية، فلو تلاقى اثنان فسلم كل واحد

منهما على الآخر وجب على كل واحد منهما جواب الآخر، و لا يحصل الجواب بالسلام و إن ترتب السلامان» و كذا ما عن السيد علي خان في رياض السالكين قال: و الغالب في كلامهم أن يقولوا للميت و الغائب: عليه السلام و للحاضر السلام عليك، و وجهه أن المسلم على القوم يتوقع الجواب بأن يقال له: عليك السلام، فلما كان الميت و الغالب لا يتوقع منهما جواب جعلوا السلام عليهما كالجواب».

و من ذلك كله بان لك أنه لا وجه لطرح الخبر المزبور أو تأويله، خصوصا مع موافقة ما اشتمل عليه من غير ما نحن فيه لغيره من النصوص، ففي

خبر غياث بن إبراهيم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم، و إذا سلموا عليكم فقولوا: و عليكم»

و في

موثق سماعة(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اليهودي و النصراني و المشرك إذا سلموا على الرجل و هو جالس كيف ينبغي أن يرد عليهم؟ قال: يقول: عليكم»

و في

الآخر(3)عن الصادق (عليه السلام) «إذا سلم عليك اليهودي و النصراني و المشرك فقل: عليك»

و به صرح العلامة في التذكرة قال: «و لا يسلم على أهل الذمة ابتداء و لو سلم عليه ذمي رد بغير السلام بأن يقول: هداك الله أو أنعم صباحك أو أطال الله بقاءك، و لو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله: و عليك» قلت: لكن لم أجد


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 6 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 116

ما ذكره من التخيير فيما حضرني من النصوص، نعم في

خبر محمد بن عرفة(1)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أدعو لليهودي و النصراني؟ قال: تقول: بارك الله لك في دنياك»

و هو ليس في رد السلام، على أن ما ذكر فيه من قوله: «و عليك» بإثبات الواو لم أجده إلا في خبر غياث، و الموجود في غيره بدونها، و المعنى حينئذ متجه على تقدير قولهم ما في حسن زرارة(2)المتقدم، لأن الحاصل حينئذ السام أي الموت و الهلاك عليكم، أما مع الواو فيشكل بأن مقتضاه المشاركة و التقرير على ما قالوا، فيكون المعنى علينا و عليكم، اللهم إلا أن تحمل على الاستئناف لا العطف، أو يقال: إنها له، و نمنع الاقتضاء المزبور بل أقصاها العطف على كلام و نحن نجاب في دعائنا و هم لا يجابون في دعائهم، أو يحمل خبر غياث

بقرينة أنه عامي بتري على الموافق لرواياتهم، و قد قيل: إن الأصح و الأكثر فيها إثبات الواو بخلاف نصوصنا.

و كيف كان فظاهر الأمر في النصوص السابقة وجوب الرد بذلك كما نقل عن ابن عباس و الشعبي و قتادة من العامة مستدلين عليه بالآية قائلين: أن الأحسن فيها للمسلمين و ردها لأهل الكتاب، و فيه أنه لا شاهد على ذلك، بل ظاهر الآية اتحاد الموضوع فيها، و حينئذ تختص بالمسلمين للإجماع كما قيل على عدم جواز الجواب بالأحسن لغيرهم، فتحمل النصوص المزبورة حينئذ على الرخصة، أو يقال: إن ذلك ليس ردا حقيقة بل هو شي ء موهم للرد شرع لتأليف القلوب، كما أنه يجب حمل ما في

خبر زرارة(3)عن الصادق (عليه السلام) «تقول في الرد على اليهودي و النصراني سلام»


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 2 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 117

على أنه ليس ردا، بل هو من قبيل قوله عز و جل (1)«سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» و قوله (2)«وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» أي لم يقصد به التحية، بل المراد منه المباعدة و المتاركة، قال الطبرسي فيما حكي عنه في تفسير الآية: الأخيرة: «أمرنا و أمركم سلام أي متاركة- و في تفسير الآية الأولى- توديع و حجز على ألطف الوجوه، و هو سلام متاركة و

مباعدة عن الجعابي و مسلم، و قيل: هذا سلام إكرام و بر مقابل جفوة أبيه بأيسر تأدية لحق الأبوة، أي هجرتك على وجه جليل من غير عقوق» إلى آخره.

و حينئذ لو سلم عليه أحد منهم في الصلاة لم يجز جوابهم بقصد الرد بمثل ما سلموا و إن ذكر مثل قوله: سلام بقصد القرآنية أمكن جوازه.

كما أنه لا يجوز الجواب أيضا لو سلمت عليه و هو في الصلاة امرأة أجنبية بناء على حرمة سماع صوتها كما هو المشهور على ما في الحدائق، فتكون تحيتها حينئذ محرمة لا تستأهل الجواب، اللهم إلا أن يقال: يجب جوابها لا طلاق أدلة التحية و إن حرمت و فيه نظر ظاهر، و نحوه العكس بمعنى لو سلم عليها أجنبي و هي في الصلاة لحرمة الرد حينئذ عليها بحيث تسمعه، و يؤيده في الجملة

قول الصادق (عليه السلام) في خبر غياث (3): «لا تسلم على المرأة»

و احتمال وجوبه عليها خفيا لا دليل عليه، و قال في التذكرة:

«و لو سلم رجل على امرأة و بالعكس فان كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزا خارجة عن مظنة الفتنة ثبت استحقاق الجواب، و إلا فلا» و مقتضاه وجوب الرد على المحرم، و لعله لإطلاق بعض الأدلة و أصالة الاشتراك، كما أن مقتضاه اختصاص الحرمة في الأجنبية بذات الفتنة، و لعله

للصحيح (4)عن الصادق (عليه السلام) «كان رسول الله


1- 1 سورة مريم ع- الآية 48.
2- 2 سورة الزخرف- الآية 89.
3- 3 الوسائل- الباب- 131- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2 من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل- الباب- 48- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 118

(صلى الله عليه و آله) يسلم على النساء و يرددن عليه، و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يسلم على النساء و كان يكره أن يسلم على الشابة منهن، و يقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر»

بل هو بناء على حمل الكراهة فيه على غير الحرمة ظاهر في الأعم من ذلك، كما هو مقتضى صدره، و منه و غيره مع الأصل و السيرة جزم جماعة من متأخري المتأخرين بعدم حرمة سماع صوتها، و لتحقيق ذلك محل آخر و عليه فتحيتها ردا و ابتداء كالرجل، لا صلاة الاشتراك، لكن في

خبر الساباطي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال:

المرأة تقول: عليكم السلام، و الرجل يقول: السلام عليكم»

و هو من المؤيدات في الجملة لما سبق من صدق التحية بذلك، إلا أن الظاهر حمله على الوظيفة لا التعين.

و من آداب السلام أن القليل يبدأون الكثير، و الراكب يبدأ الماشي، و أصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير، و أصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال، ل خبر عنبسة بن مصعب (2)و في

مرسل ابن بكير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: يسلم الراكب على الماشي، و الماشي على القاعد، و إذا لقيت جماعة جماعة سلم الأقل على الأكثر، و إذا لقي واحد جماعة سلم الواحد على الجماعة»

و لا بأس بالجميع، و ربما ذكر لذلك علل مناسبة و نكت حسنة لا بأس بها بعد ورد النص بها، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة لا خلاف في أنه يجوز أن يدعو المصلي بكل دعاء]

المسألة الثالثة لا خلاف في أنه يجوز أن يدعو المصلي بكل دعاء يتضمن تسبيحا أو تحميدا أو طلب شي ء مباح من أمور الدنيا و الآخرة قائما و قاعدا و راكعا


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4 من كتاب الحج.

ج 11، ص: 119

و ساجدا بل الإجماع بقسميه عليه كما تقدم في مطاوي المباحث السابقة كالقنوت بالفارسية و غيره شطر من أدلته بالخصوص، و إن كان مطلق ما دل على الدعاء من الكتاب و السنة كافيا في ثبوته، ضرورة شموله لجميع الأحوال التي

منها حال الصلاة التي هي ذكر و دعاء و تسبيح و تهليل و قرآن، و دعوى أن الأصل عدم جواز تخلل غير الصلاة في أثناء الصلاة باعتبار أنها أفعال قد اعتبر فيها الهيئة اللازمة للاتصال الذي ينافيه تخلل غير الصلاة ممنوعة، بل الأصل جواز كل ما لم يثبت منعه من الشارع فيها و لا يكون سببا لمحو اسمها كما بيناه في محله، على أن النصوص بالخصوص و الإجماع بقسميه قد كفانا مؤنة ذلك، ففي

صحيح ابن مهزيار(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلم بالفريضة بكل شي ء يناجي ربه قال: نعم»

و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(2): «كلما ذكرت الله عز و جل به و النبي (صلى الله عليه و آله) فهو من الصلاة»

و

قال (عليه السلام) أيضا في مرسل حماد بن عيسى(3): «كلما كلمت به الله في صلاة الفريضة فلا بأس به»

و

قال أبو جعفر (عليه السلام) للشحام (4): «ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد»

و في

الصحيح عن ابن مسلم (5)قال: «صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال و هو ساجد و قد كانت ضلت ناقة لهم: اللهم رد على فلان ناقته، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته فقال: و فعل قلت: نعم، فسكت قلت: أ فيعيد الصلاة؟ قال: لا»

و المراد الاستفهام عن فعل الله بعد الدعاء لا التعجب من أبي بصير، أو ذلك لمكان أنه لم يخش من الإنكار عليه الذي يكون بسببه الدعاء بنحو ذلك مرجوحا، كما عساه يومي اليه ما في

خبر علي ابن جعفر(6)المروي عن قرب الاسناد أنه سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السجود- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السجود- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السجود- الحديث 5.

ج 11، ص: 120

يقول في صلاته: اللهم رد علي ما لي و ولدي هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: لا يفعل ذلك أحب إلى»

مع احتماله الأمر بالفعل و «لا» نفي للقطع، و هو على الأول فضلا عن الثاني دال على المطلوب أي جواز الدعاء فيها، و في المنتهى أنه ثبت عن النبي (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) إنهما دعيا على أقوام و لأقوام قائمين، و في الذكرى أن النبي (صلى الله عليه و آله) دعا في قنوته لقوم بأعيانهم و على آخرين بأعيانهم، كما

روي أنه (صلى الله عليه و آله) قال: «اللهم أنج الوليد بن الوليد و سلمة بن هشام و عباس بن ربيعة و المستضعفين من المؤمنين (1)واشدد وطأتك على مضر»(2)و رعل و زكوان»

و

«قنت أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى و عمرو بن العاص و معاوية و أبي الأعور و أشياعهم (3)» قاله ابن أبي عقيل

، و في

خبر عبد الرحمن ابن سيابة(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدعو و أنا ساجد فقال: نعم ادع للدنيا و الآخرة فإنه رب الدنيا و الآخرة».

إلى غير ذلك من النصوص، خصوصا المتضمنة للصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و غيرها من الدعوات، ك

صحيح ابن سنان (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يذكر النبي (صلى الله عليه و آله) و هو في الصلاة المكتوبة إما راكعا و إما ساجدا فيصلي عليه و هو على تلك الحال فقال: نعم إن الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير و التسبيح


1- 1 كنز العمال ج 7 ص 82 الرقم 695 و فيه« عياش بن أبي ربيعة».
2- 2 البحار ج 17 ص 23 المطبوعة بطهران عام 1379.
3- 3 المستدرك- الباب- 10- من أبواب القنوت- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السجود- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 11، ص: 121

و هي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه»

و غيره (1)من النصوص و قد مر سابقا جواز قراءة القرآن أيضا في الصلاة في بحث القراءة، و ذكر النصوص الدالة عليها(2)كما أنه مر في المباحث السابقة كثير من فروع هذه المسألة كالدعاء بغير العربية و بالملحون و غيرهما، و مر أيضا أنه لا يختص الجواز بالدعاء خاصة أي الطلب، بل يجوز أيضا كل ذكر أفاد تسبيحا أو تحميدا أو غيرهما كما أومأ اليه المصنف و دلت عليه الصحاح السابقة، بل هو مقتضى الأصل المتقدم أيضا.

نعم لا يجوز أن يطلب شيئا محرما في الصلاة و غيرها و لو فعل بطلت صلاته كما نص عليه غير واحد، لصيرورته بالنهي عنه من كلام الآدميين، أو لما في التذكرة «الدعاء المحرم مبطل للصلاة إجماعا، لأنه ليس بقرآن و لا دعاء مأمور به، بل هو منهي عنه، و النهي عنه يدل على الفساد» و إن كان آخر كلامه لا يخلو من نظر، ضرورة اقتضائه الفساد إذا تعلق بالصلاة و إن كان المنهي عنه قبلها، أما إذا كان كالنظر إلى الأجنبية المحرم قبلها و بعدها و فيها لا نهي عنه بالخصوص فلا كما هو واضح و منه يعلم أن مقتضى الأصل السابق عدم بطلان الصلاة بذلك إن لم يثبت أنه من كلام الآدميين، و لم يثبت إجماع على ذلك، لأصالة الصحة كما عرفت، لا البطلان، فعدم شمول نصوص أدلة

الجواز لمثله لا يقتضي البطلان حينئذ، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بجواز الدعاء في الصلاة هو كونه جزءا صلاتيا مندوبا كالقنوت، فالنهي عن المحرم منه نهي عن جزء الصلاة، فتبطل للتشريع بفعل ما لا يصلح جزءا، و فيه أولا أنه لا يتأتى في الذي لم يقصد به الجزئية، و ثانيا يمكن دعوى عدم إرادة الجزئية من ذلك، و لذا عبروا عنه بالجواز الظاهر في إرادة عدم مانعية الصلاة منه لا أنه جزء منها، و

قوله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الركوع و الباب 17 من أبواب السجود.
2- 2 المتقدمة في ج 10 ص 417.

ج 11، ص: 122

في النصوص السابقة: «كل ما ناجيت فهو من الصلاة»

محمول على إرادة التشبيه و نحوه.

نعم قد يسلم ذلك فيما ذكروا استحباب الدعاء فيه بالخصوص كالسجود و القنوت و نحوهما لا مطلق أحوال الصلاة، كما يومي اليه عدم عد أحد من الأصحاب ذلك من أجزائها المندوبة، بل ذكروا أن ذلك مما يجوز فيها كالأفعال القليلة مثلا في الصلاة، و قد يشعر بعدم الجزئية أيضا تقييدهم الجواز أي جواز الدعاء في الصلاة بما إذا لم يمح صورتها بطوله، أو فوات الموالاة كما لو كان في أثناء القراءة، إذ لو كان ذلك جزءا صلاتيا لم يحصل محو بشي ء من ذلك، بل هو كما إذا طول القنوت أو قرأ السور الطوال، إذ المحو إنما يحصل بفعل غير الصلاة فيها، فتأمل جيدا.

ثم على البطلان لا فرق على الظاهر بين العالم و الجاهل كما في سائر المبطلات، بل و كذا لو جهل التحريم في أصل ما دعا به كما نص عليه في المسالك، قال فيها بعد أن نص على البطلان: و جهل التحريم أو كون المحرم مبطلا للصلاة ليس عذرا، نعم لو كان جهله بما لا يرجع إلى الحكم كما لو ظن الكفر في شخص فدعا عليه و كان مؤمنا لم تبطل صلاته.

[المسألة الرابعة يجوز قطع الصلاة اضطرارا]

المسألة الرابعة يجوز ندبا أو كراهة أو إباحة كما قيل، بل يجب في بعض الأحوال للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فوات غريم أو تردي طفل أو ما شابه ذلك بلا خلاف أجده فيه و إن كان قد علق الجواز في المنتهى على الضرورة ممثلا لها بمن رأى دابة له انفلتت، و الغريم الذي يخاف فواته، و المال الذي يخاف ضياعه، و الغريق الذي يخاف هلاكه، و الحريق الذي يلحقه، و الطفل الذي يخاف سقوطه، و نحوه في تعداد الأمثلة المبسوط، و عن المعتبر بعد نقله عنه «هذا صواب إن كان في البقاء على حاله ضرر» و في التحرير «يحرم إلا لضرورة دينية أو دنيوية» و في المحكي عن الموجز «إلا لعذر» و في الدروس «إلا لضرورة كفوات مال و تردي

ج 11، ص: 123

طفل» و في المحكي عن الوسيلة «ما يجوز له القطع ثلاثة أشياء: دفع الضرر عن النفس و عن الغير و عن المال» و في الذكرى «قد يجب القطع كما في حفظ الصبي، و المال المحترم عن أتلف، و إنقاذ الغريق و المحترق و حيث يتعين عليه، فلو استمر بطلت صلاته للنهي المفسد للعبادة، و قد لا يجب بل يباح كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها، و إحراز المال الذي لا يضر فوته، و قد يستحب القطع لاستدراك الأذان و الإقامة و الجمعة و المنافقين في الظهر و الجمعة، و الائتمام بإمام الأصل أو غيره، و قد يكره كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته مع احتمال التحريم» و تبعه عليه في فوائد الشرائع و المسالك و عن غيرها.

و تفصيل الحال في المسألة أنه لا يجوز قطع الصلاة الواجبة اختيارا بلا خلاف أجده كما اعترف به في المدارك و غيرها، بل في مجمع البرهان «كأنه إجماعي» و في كشف اللثام «الظاهر الاتفاق» و في الرياض «لا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر» معربين عن دعوى الإجماع عليه كما صرح به جملة منهم في جملة من المنافيات المتقدمة كالشهيد في الذكرى في الكلام و الحديث و القهقهة، بل في المحكي عن شرح المفاتيح أنه من بديهيات الدين، و استدل عليه غير واحد من الأصحاب بقوله تعالى (1)«وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» و فيه كما في كشف اللثام أنه إنما ينهى عن إبطال جميع الأعمال، قلت: بل سياقه يشهد بإرادة النهي عن الابطال بالارتداد و

نحوه، مع أنه بناء على إرادة ذلك يكون الخارج منه أضعاف الداخل، و استدل عليه في الحدائق بنصوص التحريم و التحليل (2)الظاهرة في حرمة سائر المنافيات عليه إلى حصول المحلل، و هو التسليم، و قد يناقش- بعد الأعضاء عما فيه من احتمال إرادة الافتتاح


1- 1 سورة محمد ص- الآية 35.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم.

ج 11، ص: 124

و الاختتام، أو إرادة ذلك من حيث الصحة و عدمها، و حل الاجتزاء بها مع فعل شي ء من المنافيات و عدمها، أو نحو ذلك- بأن حاصله حينئذ توقف الحل على فعل التسليم، و هو لا ينافي جواز القطع اختيارا بأن يسلم مثلا فيفعل المنافي، إذ وصف التحليلية للتسليم حاصل و إن جي ء به في الأثناء، اللهم إلا أن يقال: إن المراد التسليم في محله، و ثبوت التحليلية بالتسليم في الأثناء من دليل آخر فيكون محرما محللا، و إلا فالمحلل الحلال التسليم في محله، فتأمل.

و استدل في المحكي عن شرح المفاتيح ب

قوله (ع)(1): «لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه»

و فيه أنه إنما يدل على عدم إطماع الشيطان في الطاعة و الانقياد لإرادته من نقض الصلاة الذي لا يتفاوت فيه بين كونه محرما أو جائزا، فإن مراده عدم إتمام المصلي ما

اشتغل فيه من الصلاة، و بخبري ابني أذينة(2)و وهب (3)الواردين في الرعاف، و بخبر الثالول (4)و موثق عمار(5)الوارد في الحية، و خبر عبد الرحمن بن الحجاج (6)الوارد فيمن يصيبه الغمز في بطنه، و بكل ما ورد من المنع من فعل المنافيات، خصوصا مثل

قوله (عليه السلام)(7): «لا تقلب وجهك فتفسد صلاتك»

حيث علل به تحريم الالتفات، و بمفهوم مرسل القطع (8)الذي ستسمعه إن شاء الله، و فيه أن الأمر بغسل الرعاف و البناء على صلاته إن كان متمكنا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القبلة- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 11، ص: 125

من ذلك للإرشاد و التعليم، إذ هو في مقام توهم انقطاع الصلاة بذلك، و ليس المراد منه الوجوب، لحرمة القطع، و كذلك

قوله (عليه السلام) في خبر الثالول: «إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله»

فإن النهي أيضا للإرشاد و بيان الانقطاع لو فعله، بل جميع النواهي عن المنافيات كالكلام و نحوه لا يراد منها إلا بيان المانعية و بطلان الصلاة بها و حرمة الاجتزاء بالصلاة المشتملة على شي ء منها، لا أن المراد منها

حرمة القطع للفريضة، و استوضح ذلك في سائر الأوامر و النواهي الواردة فيما علم جواز قطعه من الوضوء و الغسل و غيرهما من العبادات و المعاملات، و منه يعلم الوجه في خبري عمار و عبد الرحمن بل و غيرهما الواردة في أمثال ذلك، بل لعل خبر ابن الحجاج ظاهر في إرادة الرخصة في البقاء على الصلاة من الأمر فيه، لتوهم الانقطاع بالمدافعة المزبورة، فلاحظ و تأمل على أن

خبر الثالول قد اشتمل صدره على ما يشعر بجواز القطع، قال فيه: «سألته عن الرجل يحرك بعض أسنانه و هو في الصلاة هل ينزعه؟ قال: إن كان لا يدميه فلينزعه، و إن كان يدميه فلينصرف».

بل لا يخفى على من سبر النصوص إشعار جملة منها بذلك حتى النصوص (1)الدالة على القطع لتدارك الإقامة و غيرها من الأمور المندوبة، فحينئذ لا دليل بتمسك بإطلاقه على حرمة قطع الصلاة حتى يحتاج كل صورة تخرج من ذلك إلى دليل خاص، إذ العمدة الإجماع، و ما عساه يظهر من فحاوي كثير من النصوص المتفرقة في أبواب الصلاة كأخبار الصفق للحاجة(2)و أخبار التيمم (3)و أنه له إتمام الصلاة مع وجدان الماء في الأثناء أولا و غيرها، بل لعله ضروري، لكن لا إطلاق في شي ء من ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب قواطع الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم.

ج 11، ص: 126

و المعلوم منه الحرمة في الجملة، فالمتجه حينئذ الاقتصار على المتيقن، ضرورة اقتضاء

الأصول جواز القطع، و ليس منه النافلة و لو بالعارض، فتبقى على مقتضاه من الجواز، كما عساه يشعر به كل من قيد الصلاة بالواجبة بالنسبة إلى حرمة القطع كالقواعد و الذكرى و جامع المقاصد و عن الموجز و الكفاية و غيرها، بل قيل: إنه صرح جماعة كثيرون فيما إذا تذكر في أثناء الاحتياط أن صلاته تامة بالتخيير بين القطع و الإتمام نافلة، و لم يستبعده في الرياض، قال: «لمفهوم بعض الصحاح المتقدمة و خصوص ما مر من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة مما يصلح لتقييد إطلاقات المنع» إلى آخره.

خلافا لإطلاق المتن و غيره، بل لعله الأكثر كما اعترف به في الرياض، و يمكن إرادة الفريضة منه و أنه المنساق هنا، كما أنه يمكن دعوى انسياق اليومية فلا يحرم قطع غيرها حتى النافلة المنذورة مثلا، و ليس منه أيضا قطعا ما إذا خاف على نفسه أو نفس محترمة يجب عليه حفظها أو عرض أو مال أو غيرهما مما سمعته من أمثلة الأصحاب، خصوصا بعد

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل حريز(1): «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة و اتبع غلامك أو غريمك و اقتل الحية»

و

خبر سماعة(2)«سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعه يتخوف ضيعته أو هلاكه قال: يقطع صلاته و يحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة، قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا فقال: لا بأس بأن يقطع صلاته و يتحرز و يعود إلى صلاته»

و

في الذكرى «أن السكوني روى عن علي (عليه السلام) قطعها لرد الصبي يحبو إلى النار و الشاة تدخل البيت» و مراده الخبر(3)«رجل يصلي و يرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة تدخل البيت فتفسد الشي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 3.

ج 11، ص: 127

قال: فلينصرف و ليحرز ما يتخوف منه و يبني على صلاته ما لم يتكلم»

و هو كما ترى ظاهر في غير ما نحن فيه.

بل ربما نوقش في الخبرين الأولين أيضا باحتمال إرادة القطع و البناء إذا لم يحصل مبطل، لا الاستئناف بقرينة قوله (عليه السلام) في ذيل ثانيهما: «يعود» إلا أنها في غاية

الضعف لا تستأهل دفعا سيما بعد ممارسة النصوص و معرفة التعبير بالقطع الذي به سميت المنافيات قواطع، بل لعل إطلاق الغلام و الغريم في الأول يقضي بعدم الفرق بين ظن فواتهما بالإتمام و عدمه، فيكفي الاحتمال، و بين الضرر بذلك و عدمه، كإطلاق الكيس و المتاع في الثاني، بل لا يكاد ينكر ظهور السياق في عدم كون القطع من المحرمات التي يحتاج ارتكابها إلى عروض ما هو أرجح منه في نظر الشارع، و لعله من هنا سمعت إطلاق العذر و الضرورة الدينية و الدنيوية و نحوهما، بل ذكر جماعة الأمثلة التي يعلم عدم إرادة الاقتصار منه عليها، بل قد سمعت ما ذكره في الذكرى من المال اليسير و إن ناقشه فيه و في صورة إباحة القطع جماعة، و هو ظاهر نسبته إلى القيل في المنظومة قائلين (قائلا خ ل) إنه لم يعلم جواز القطع لذلك، و فيه ما عرفت، و لا ينافيه الأمر في النصوص السابقة بعد معلومية إرادة الجواز بالمعنى الأعم منه، ضرورة عدم وجوب حفظ المال اليسير الذي لا يضر بالحال أولا يبالي يفوته، و ليس هو من الإسراف قطعا، بل قد يتردد في أصل وجوب حفظ المال و إن عظم ما لم يدخل تحت الإسراف و السفه و التبذير و نحوها، فتأمل.

كما أنه اعترض في الحدائق ما فيها و في غيرها أيضا من بطلان الصلاة مع وجوب القطع معللا له بالنهي المفسد للعبادة بأنه مبني على استلزام الأمر بالشي ء النهي عن ضده الخاص، و الظاهر منه في غير موضع من كتابه المذكور عدم القول به، و بالجملة فالحكم بالبطلان ضعيف، بل غايته حصول الإثم، و فيه أنه لعل البطلان هنا للأمر

ج 11، ص: 128

بالقطع في مرسل حريز السابق الذي لا يجامعه الأمر بالإتمام ضرورة لا للنهي عن الضد، فان فرض تلك المسألة الانتقال اليه من الأمر بالشي ء لا مع التصريح بالنهي مثلا عن الضد بالخصوص، و ليس هو مبنى المسألة قطعا و لذا تعدى الأصحاب فجوزوا قطعها لما لا يجب من حفظ المال و غيره.

و من ذلك ينقدح البطلان في جميع موارد مسألة الضد أو أكثرها و إن لم نقل باقتضاء الأمر بالشي ء، بل من حيث هذه الأدلة بخصوصها، ضرورة كون المذكور فيها مثالا لما يشمل الواجب المضيق، إذ هو من العذر قطعا، فالشروع في الصلاة و تركه مناف لما دل على الأمر بقطعها للعذر الذي منه الواجب، إذ متى أمر بقطعها لم يتصور صحة إتمامها فضلا عن الابتداء بها، اللهم إلا أن يقال: إن الأمر بالقطع إنما وقع بالنسبة إلى بعض الأشياء، فيبقى الباقي على قاعدة الضد، و فيه أنك قد عرفت كون الواقع في النصوص على جهة المثال، و يدفع بأنه مثال لكل ضرر على النفس و المال و الغير مثلا، لا أنه مثال لكل واجب، أو يقال: إن الأمر بالقطع لا يفهم منه إلا التأكيد لأمر المقدمة الذي لا يقتضي الفساد على ما هو التحقيق في مسألة الضد و فيه أن الفهم العرفي خير حاكم بين الأوامر الصريحة و الضمنية، و كذا النواهي كما لا يخفى على من لا حظ ذلك بأدنى تأمل، أو يقال: إن الأمر بالقطع في مرسل حريز في مقام توهم الحظر، فلا يفهم منه إلا الإباحة، و الوجوب في بعض الأمثلة المذكورة فيه مبني على قاعدة الضد، فيتوجه حينئذ الاعتراض على الشهيد، بل قد يؤيد عدم كونه للوجوب معلومية عدم وجوب مطالبة الغريم و طلب الآبق، فلا محيص عن إرادة غير الوجوب من الأمر، و فيه أنه قد يمنع قاعدة الحظر في نحو المقام المعلوم وجوبه، إذ بقاء الأمر على حقيقته خير من حمله على الإباحة و استفادة الوجوب من

ج 11، ص: 129

خارج، و أما اشتمال مرسل حريز على المطالبة و الطلب فيمكن حملهما على الصورة الواجبة منهما، كما إذا أضرا بالحال أو استلزاما الإسراف، أو يقال: إنه لو أريد من الأمر بالقطع القدر المشترك إلا أنه أيضا هو ليس كالأمر المقدمي، بل الظاهر منه البطلان و لو بعد دلالة القرينة من خارج، فتأمل جيدا فإنه دقيق، على أنه لو سلم عدم ذلك كله فلعل الشهيد بناه على خروج المضيقين عن مسألة الضد كما هو ظاهر كلامهم في تحرير محل النزاع فيها، و قالوا في المضيقين: إن المختار مراعاة الترجيح، فحينئذ يتعين الأمر بالراجح و يبقى المرجوح بلا أمر، فلا يتصور له صحة أصلا، نعم المختار عندنا مع عصيان المكلف في فعل الراجح و اختيار المرجوح الصحة، تحكيما لإطلاق الأوامر السابقة به التي لم يقيدها تقديم الراجح بل هو واجب آخر، و لعل الشهيد لا يقول به، فتأمل.

ثم إنه قال في الذكرى: و إذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم، لعموم «و تحليلها التسليم» و لو ضاق الحال عنه سقط، و لو لم يأت به و فعل منافيا آخر فالأقرب عدم الإثم، لأن القطع سائغ، و التسليم إنما يجب التحليل به في الصلاة التامة، و من الغريب أنه حكى عنه في الحدائق أول كلامه ثم قال: و ظاهر ضعفه، إذ المتبادر من الخبر إنما هو بالنسبة إلى الصلاة التامة، و هو بعينه ما ذكره أخيرا في كلامه، و منه يعلم أن مراده الرجحان في الجملة، لاحتمال شمول الخبر لذلك، و هو لا ريب فيه، و عليه نص المحقق الثاني في فوائده مغيرا للأجود بالأحسن، و الأمر سهل.

¬¬

بسم الله الرحمن الرحيم و به أستعين

[الركن الثالث من أركان الصلاة في بقية الصلوات]

اشاره

الركن الثالث من أركان الصلاة في بقية الصلوات، و فيه فصول:

[الفصل الأول في صلاة ظهر يوم الجمعة]
اشاره

الفصل الأول في صلاة ظهر يوم الجمعة الذي هو خيرة الله من الأيام (1)و سيدها و يوم المزيد(2)و يوم الشاهد(3)و لم تطلع الشمس على أفضل منه (4)و لا أكثر معافى من النار(5)تنزل فيه

الرحمة و يغفر فيه للعباد(6)و تضاعف فيه الحسنات، و يمحى فيه السيئات، و ترفع فيه الدرجات، و يستجاب فيه الدعوات، و تكشف فيه الكربات، و نقضي فيه الحوائج العظام، لله فيه عتقاء و طلقاء من النار، ما دعا الله فيه أحد من الناس و عرف حقه و حرمته إلا كان حقا على الله عز و جل أن يجعله من عتقائه و طلقائه من النار، و من مات فيه أو في ليلته مات شهيدا و بعث آمنا(7)بل يكتب لمن مات فيه عارفا بحق أهل البيت (عليهم السلام) براءة من النار و براءة من العذاب و من مات في ليلته أعتق من النار(8)و هو اليوم الذي حملت فيه مريم، و هبط فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.

ج 11، ص: 131

الروح الأمين (1)و ليس للمسلمين عيد بعد يوم غدير خم أولى منه (2)بل هو أعظم عند الله من يومي الفطر و الأضحى، و فيه خمس خصال: خلق الله فيه آدم، و أهبط الله فيه آدم إلى الأرض، و فيه توفي الله آدم، و فيه ساعة لا يسأل الله فيها أحد شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل محرما، و ما من ملك مقرب و لا سماء و لا أرض و لا جبال و لا شجر إلا و هو يشفق من يوم الجمعة أن تقوم القيامة فيه (3)عظمه الله تبارك و تعالى و عظمه محمد (صلى الله عليه و آله)

9622(4)و كلام الطير فيه إذا لقي بعضها بعضا سلام سلام يوم صالح (5)و هو الذي جمع الله فيه الخلق لولاية محمد (صلى الله عليه و آله) و وصيه في الميثاق، و لذا و غيره سماه الجمعة(6)و لا تركد فيه الشمس كما تركد في غيره لعذاب أرواح المشركين، فيرفع الله عنهم العذاب فيه لفضله (7)و هو اليوم الأزهر و ليلته الغراء 9630(8)بل هما أربع و عشرون ساعة لله عز و جل في كل ساعة منها ستمائة ألف عتيق من النار(9)و فيه يخرج قائم آل محمد (صلى الله عليه و آله) كما أن فيه تقوم القيامة(10)و يؤذن للحور العين فيشرفن على الدنيا فيقلن أين الذين يخطبوننا إلى ربنا(11)و فيه تفتح أبواب السماء لصعود أعمال العباد، و فيه تزخرف الجنان و تزين لمن أتاها(12)و إذا كان حيث يبعث الله العباد أتي بالأيام يعرفها الخلائق باسمها و حليتها يقدمها يوم الجمعة له نور ساطع بتبعه سائر الأيام كأنه عروس كريمة ذات دثار تهدي إلى ذي حلم و يسار، ثم يكون شاهدا و حافظا لمن يسارع إلى الجمعة(13)و إذا كانت عشية الخميس و ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب و صحف الفضة لا يكتبون عشية


1- 1 الوسائل- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 18.
3- 3 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 22.
4- 4 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7.
7- 7 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.
8- 8 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 13.
9- 9 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 17.
10- 10 الوسائل الباب- 40- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 18.
11- 11 الوسائل- 41- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
12- 12 الوسائل- الباب- 42- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
13- 13 الوسائل- الباب- 42- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 132

الخميس و ليلة الجمعة و يوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله)(1)و فيه ساعات يستجاب فيها الدعاء و المسألة ما لم يدعى بقطيعة و معصية أو عقوق (2)خصوصا الساعة التي تدلى فيها نصف عين الشمس للغروب التي

روت فاطمة (عليها السلام) عن أبيها (صلى الله عليه و آله) فيها أنه سمعته يقول (3): «إن في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز و جل فيها خيرا إلا أعطاه إياه، قالت: فقلت: يا رسول الله أية ساعة هي؟ فقال: إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب، فكانت فاطمة (عليها السلام) تقول لغلامها: اصعد على الظرب فإذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو»

و في ليلته ينادي الله من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره أ لا عبد مؤمن يدعوني لآخرته و دنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه، أ لا عبد مؤمن يتوب إلى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه، أ لا عبد مؤمن قد فترت عليه رزقه فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده و أوسع عليه أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه، ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني أن أطلقه من حبسه قبل طلوع الفجر فأطلقه من حبسه فأخلى سربه، ألا عبد

مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فأنتصر له و آخذ له بظلامته، فما يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر(4)و إلى سحرها أخر يعقوب الاستغفار لولده (5)و لله فيها ملك من أول الليل إلى آخره ينادي يا طالب الخير أقبل و يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر(6)كما أن له ملكا آخر ينادي أيضا هل من تائب فيتاب عليه، هل من مستغفر فيغفر له، هل من


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 133

سائل فيعطى سؤله، اللهم أعط كل منفق خلفا، و كل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر(1)إلى غير ذلك مما ورد في هذا اليوم و ليلته في فضله و شرفه، و ما ورد(2)في الصلاة فيهما 9667 و الدعاء و المسألةو فعل الخير و تجنب الشر(3)و من فضل هذا اليوم أن أوجب الله فيه صلاة الجمعة.

[النظر في ماهية صلاة الجمعة، و من تجب عليه و آدابها]
اشاره

و من هنا وقع النظر في ماهية صلاة الجمعة، و من تجب عليه و آدابها،

[النظر الأول في ماهية صلاة الجمعة]
اشاره

الأول الجمعة ركعتان كالصبح فيما عدا القنوت و نحوه على ما ستعرف يسقط معهما الظهر بلا خلاف فيه بين علماء الإسلام، بل هو عندهم من الضروريات المستغنية بذلك عن ذكر ما يدل عليه من النصوص و الإجماعات و يستحب فيهما الجهر إجماعا في القواعد و الذكرى و البيان و المدارك و المحكي عن التذكرة و نهاية الأحكام و جامع المقاصد و الروضة في بحث الكسوف و الغربة و إرشاد الجعفرية و المقاصد العلية و الفوائد الملية و المفاتيح و الحدائق، فهو كالمتواتر، بل في المعتبر لا يختلف فيه أهل العلم، لكن ظني أن المراد منه مطلق الرجحان مقابل وجوب الإخفات في الظهر في غير يوم الجمعة، لعدم التصريح بالندب قبل المصنف على وجه يكون به إجماعا، نعم حكي عن مصباح الشيخ و إشارة السبق و السرائر و الإصباح، بل عن المنتهى أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه، بل في كشف اللثام أكثر الأصحاب ذكروا الجهر فيها على وجه يحتمل الوجوب، بل عن جمل العلم و العمل «على الامام أن يقرأ في الأولى الجمعة و في الثانية المنافقين يجهر بهما» كما أنه ربما كان ذلك ظاهر الفقيه و المبسوط و النهاية و جامع الشرائع أيضا، بل هو ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجمعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 134

أمر الصادق (عليه السلام) به في صحيح عمر بن يزيد(1)ك

قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن العزرمي (2): «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى و أجهر فيها»

بل لعله هو مقتضى التدبر في

صحيحي جميل و ابن مسلم (3)سألا أبا عبد الله (عليه السلام) «عن صلاة الجمعة في السفر فقال: تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الامام فيها بالقراءة، إنما يجهر إذا كانت خطبة»

ضرورة أنه لا معنى لإرادة نفي الرجحان من النفي فيه، لأن التحقيق ثبوته في ظهر يوم الجمعة كما بيناه في القراءة، فليس إلا إرادة نفي الوجوب، فيتعين إرادته في الجمعة، اللهم إلا أن يقال:

المراد نفي التأكد، كما أن المراد من الأمر الأول رفع وجوب الإخفات، لأنه في مقام توهم وجوبه لا وجوب الجهر، خصوصا بعد الأصل و شهرة الندب بين المتأخرين شهرة عظيمة، بل هي إجماع منهم، مضافا إلى ما في المدارك من الاستدلال على رفع الوجوب ب

صحيح علي بن جعفر(4)سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر»

لكن فيه بعد إرادة معنى اللام من قوله: «عليه» أنه لا مصداق له حينئذ إلا الجمعة من

اليومية المنساقة من لفظ الفرائض، و مثل هذا التخصيص فيه ما فيه، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان ف تجب بزوال الشمس الذي هو أول الوقت نصا(5)و إجماعا كما في كشف اللثام، لكن اختلف في وقت الخطبة كما سيأتي، فمن قدمها على


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8 و 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 11، ص: 135

الزوال أراد بهذا القول وقت الركعتين، و من أخرها كالمصنف أراد وقتها لكونها كجزء منها، و على كل حال فلا تصح الركعتان قبل الزوال على المشهور شهرة عظيمة، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته من معقد إجماع كشف اللثام و المحكي من إجماع المنتهى وقت الجمعة زوال الشمس، فضلا عن دعوى الإجماع مما عدا المرتضى على ذلك من غير واحد، و إلى مستفيض النص (1)أو متواتره أن وقتها حين تزول، بل قيل: إن الثابت من النص و فعل النبي (صلى الله عليه و آله)(2)و الصحابة و التابعين فعلهما بعد الزوال، فيقتصر عليه، لعدم الدليل على شرعية غيره، و الإطلاق بعد معلومية تقييده لا يستند إليه في إثبات ذلك، و

خبر سلمة بن الأكوع (3)قال: «كنا نصلي مع النبي (صلى الله عليه و آله) صلاة الجمعة ثم ننصرف و ليس للحيطان في ء»

غير ثابت من طرقنا، بل الثابت من النصوص (4)عندنا التي ستسمع بعضها خلافه، و أما

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (5): «لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة»

فقد يريد منه النافلة أو الزوال و لو بقرينة باقي النصوص، فما في الخلاف في أصحابنا من قال: إنه يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة و هو اختيار المرتضى في غاية الضعف، و إن حكى في كشف اللثام عن أبي علي بن الشيخ موافقته، على أن في السرائر لم أجد للمرتضى تصنيفا و لا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه، و لعله سمعه منه في الدرس و عرفه مشافهة.

و أما أنه يخرج وقتها إذا صار ظل كل شي ء مثله فهو خيرة الأكثر، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 صحيح مسلم ج 3 ص 9 و فيه« سلمة بن الأكوع عن أبيه».
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.

ج 11، ص: 136

حكى غير واحد عليه الشهرة، بل في المعتبر أنه مذهب أكثر أهل العلم، بل في المحكي عن المنتهى الإجماع عليه، لكن لم أجد في النصوص ما هو صريح فيه، بل و لا ظاهر يعتمد عليه كما اعترف به غير واحد، نعم قيل: إنه يحتمله

قول أبي جعفر (عليه السلام) فيما أرسله الصدوق عنه و أرسله الشيخ في المصباح عن حريز عن زرارة(1)عنه (عليه السلام) فقال: «أول وقت صلاة الجمعة ساعة تزول إلى أن تمضي ساعة، فحافظ عليها فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لا يسأل الله عبد فيها خيرا إلا أعطاه»

و فيه أن الظاهر إرادة النجومية منها بشهادة ما دل من النصوص (2)على أن الليل و النهار أربعة و عشرون ساعة، و هي لا توافق ذلك، بل لعلها كذلك لو أريد العرفية منها أيضا، بل قد يشعر تعليل الأمر بالمحافظة بإرادة الندب، و أولى منه الاستدلال ب

خبر إسماعيل بن عبد الخالق (3)المروي عن المصباح، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت الصلاة فجعل لكل صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر و الحضر، فإنه قال: وقتها إذا زالت الشمس، و فيما سوى الجمعة لكل صلاة وقتان، و قال: و إياك و أن تصلي قبل الزوال، فو الله ما أبالي بعد العصر صليتها أو قبل الزوال»

إذا أريد من العصر أول وقته، و هو المثل، إلا أنه مع ذلك فيه ما فيه.

بل قد يناقش في الإجماع و النسبة إلى أكثر أهل العلم المزبورين بأنا لم نجد أحدا صرح به قبل المصنف عدا ما يحكى من عبارة المبسوط «إن بقي من وقت الظهر ما يأتي فيه بخطبتين خفيفتين و ركعتين خفيفتين أتى بها

و صحت الجمعة، و إن بقي من الوقت ما لا يسع للخطبتين و ركعتين فينبغي أن يصلي الظهر، و لا تصح له الجمعة» بناء على


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 19.
2- 2 البحار- ج 14 ص 186 من طبعة الكمباني« باب الأيام و الساعات و الليل و النهار».
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 18.

ج 11، ص: 137

أن المراد وقت الاختيار الذي هو المثل، و إلا ففي المقنعة و عن جمل العلم و العمل «أن وقت صلاة الظهر في يوم الجمعة حين تزول الشمس، و وقت صلاة العصر منه وقت الظهر في سائر الأيام» و قال في الأول: و ذلك لما

جاء عن الصادقين (عليهما السلام)(1)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يخطب أصحابه في الفي ء الأول، فإذا زالت الشمس نزل جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد قد زالت الشمس فصل»

إلى آخره. و قال في الوسيلة: «يجب ثلاثة أشياء: صعود المنبر قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت، و أن يخطب قبل الزوال، و يصلي بعده ركعتين» و أراد ركعتي الفرض و نحوه عن فقه القرآن الراوندي، و عن المهذب و الإصباح «أن الإمام يأخذ بالخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت، فإذا زالت صلى» و في كشف اللثام «نص الحلبيان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان و الخطبتين و الركعتين» قلت:

بل في الغنية الإجماع على ذلك، بل لعل صاحب الفقيه عمله على ما سمعته مما أرسله، كما أنه يمكن تنزيل ما عن الجعفي على ذلك أيضا

و إن قال كما في الذكرى: وقتها ساعة من النهار، لما

روى (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «وقت الجمعة إذا زالت الشمس و بعده بساعة»

و لاجماع المسلمين على المبادرة بها كما تزول الشمس، و هو دليل التضييق و

روى زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) «ان صلاة الجمعة من الأمر المضيق، إنما لها وقت واحد حين تزول الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام»

لكن قد يريد بالساعة مالا ينافي ما ذكروه: أي ساعة إيقاع الفعل بقرينة استدلاله بخبر زرارة، أو يريدونهم بالتضييق المذكور مالا ينافي الساعة المزبورة، و على


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 و المستدرك الباب 13 منها الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 19.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 138

كل حال فما في المعتبر- من أن ذلك لو صح لما جاز التأخير عن الزوال بالنفس الواحد و أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يخطب في الفي ء الأول فيقول جبرئيل: يا محمد قد زالت الشمس فانزل و صل، و هو دليل على تأخير الصلاة عن الزوال بقدر قول جبرائيل و نزوله و دعائه أمام الصلاة، و لو كان مضيقا لما جاز ذلك- في غير محله قطعا لعدم إرادة المضايقة الحكمية في هذا التضييق.

و كيف كان فالإجماع المزبور بل الشهرة قبل المصنف غير محققة، بل قيل: إن النصوص مضافا إلى ما سبق متظافرة أو متواترة بخلافه، ففي

صحيح الفضيل و ربعي (1)عن الباقر (عليه السلام) «أن من الأشياء أشياء موسعة و أشياء مضيقة، فالصلاة مما وسع فيه، تقدم مرة و تؤخر أخرى، و الجمعة مما ضيق فيها، فان وقتها يوم الجمعة ساعة تزول الشمس، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها»

و مثله صحيح زرارة(2)عنه (عليه السلام) أيضا، و

المرسل في الفقيه (3)عنه (عليه السلام) «وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس، و وقتها في السفر و الحضر واحد، و هو من المضيق، و صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر الأيام»

و في

خبر عبد الأعلى بن أعين (4)عن الصادق (عليه السلام) «أن من الأشياء أشياء مضيقة، ليس تجري إلا على وجه واحد، منها وقت الجمعة ليس لوقتها إلا وقت واحد حين تزول الشمس»

و

قال (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن مسكان (5): «وقت صلاة الجمعة عند الزوال و وقت

العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة و يستحب التكبير بها»

و قال (عليه السلام) أيضا في

صحيح الحلبي (6): «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة نحوا من وقت الظهر في


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 21.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 11.

ج 11، ص: 139

غير يوم الجمعة»

و

سأله (عليه السلام) ابن أبي عمير(1)«عن الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرائيل مضيقة إذا زالت الشمس فصلها، قال: قلت: إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما أنا فإذا زالت الشمس لم أبدأ بشي ء قبل المكتوبة»

و

سأله (عليه السلام) محمد بن مسلم (2)أيضا في المروي عن مصباح الشيخ «عن صلاة الجمعة فقال: وقتها إذا زالت الشمس، فصل ركعتين قبل الفريضة، و إن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة و دع الركعتين قبل الفريضة، و إن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة

فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى تصليهما بعد الفريضة»

و

سأله (عليه السلام) ابن أبي عمير(3)أيضا (عن الصلاة يوم الجمعة فقال: «نزل بها جبرائيل مضيقة، إذا زالت الشمس فصلها، قال: قلت:

إذا زالت الشمس صليت الركعتين ثم صليتها فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما أنا فإذا زالت لم أبدأ بشي ء قبل المكتوبة»

إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة جدا، و لعله لذا قال في المنظومة:

و وقتها الزوال للمثل على مشتهر فتوى عن النص خلا

و مقتضى النصوص ضيق الوقت و أنه حزم كمثل البت

قلت: لا ريب في أنه أحوط في الفراغ من الشغل اليقيني، لكن قد يناقش في بعض النصوص المزبورة باحتمال إرادة الظهر من الجمعة، بل لعله الظاهر من بعضها بقرينة معلومية عدم صلاة الإمام، بل و الرواة غالبا للجمعة يومئذ، و مساواة السفر للحضر في الوقت، و معلوم أنها ظهر في الأول، و استفاضة النصوص في توقيت الظهر بذلك في يوم الجمعة،

قال إسماعيل بن عبد الخالق (4)

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 17.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 16 و ذكر الخبر تكرار منه« قده» لأنه ذكره آنفا. قال إسماعيل بن عبد الخالق «سألت أبا عبد الله عليه السلام
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7.

ج 11، ص: 140

عن وقت الظهر فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا يوم الجمعة أو في السفر، فان وقتها حين تزول الشمس»

و في

مضمر سماعة(1)«وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس»

و في

خبر عبد الرحمن بن عجلان (2)عن الباقر (عليه السلام) «إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين، فإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة»

و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (3): «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في إرادة بيان مغايرة وقت الفضل للظهر و العصر يوم الجمعة لوقتهما في غير ها باعتبار تقدم النوافل فيها على الزوال و تأخرها عنه في

غيرها و لا ينافيه التضييق المحمول على بيان شدة التأكد، و لو سلم بعد إرادته من الجمعة في بعضها أمكن حمله فيها على بيان الفضل كوقت العصر المذكور في كثير منها معها نحو ذكر الظهر في السفر، بل يحتمل في جملة منها إرادة بيان ابتداء الوقت بالزوال ردا على المحكي من فعل أبي بكر لها قبله بل رووه (4)عن النبي (صلى الله عليه و آله) أيضا، فلا تعارض حينئذ إطلاق الأوامر، و استصحاب بقاء الوقت، و ما دل (5)على أن صلاة النهار أو صلاتي الظهر و العصر لا تفوت إلى مغيب الشمس.

و من هنا كان المحكي عن ابن إدريس توقيت الجمعة بوقت الظهر فضلا و إجزاء و اختاره الشهيد في الدروس و البيان ناسبا له في الثاني إلى ظاهر الأدلة، بل هو ظاهر الروضة حيث نسبه إلى ظاهر النصوص و نفى الشاهد على المثل، بل عن جامع الشرائع «أنه يستحب تقصيرا لخطبتين خوفا من فوات وقت الفضل» بل عن المسالك أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 15.
4- 4 صحيح مسلم ج 3 ص 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المواقيت- الحديث 3 و 5 من كتاب الصلاة.

ج 11، ص: 141

يناسب أصولنا، و ربما يؤيده بما يظهر من النصوص (1)أن الجمعة ظهر عوض الركعتان فيها بالخطبتين، و إلا فهي هي، و كأنه أومأ إلى ذلك في الروضة بالنسبة المزبورة، بل قد يظهر من الدروس و البيان و كذا الروضة أن التحديد بالمثل مبني على خروج وقت الظهر اختيارا به، و بأنها لو فاتت قبل ذلك فاما

أن يتضيق كما يقوله ابن حمزة و الحلبيان و فيه من العسر مالا يخفى مع أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، و إما أن يمتد إلى وقت كالمثل و لا دليل عليه، فلم يبق إلا حمل المضيقات على التأكيد في المبادرة، و بغير ذلك مما لا يخفى، لكن و مع ذلك فمراعاة التضييق أحوط و أولى، و الله أعلم.

و لو خرج الوقت و هو متلبس فيها أتمها جمعة كما صرح به جماعة، بل نسبه في البيان إلى كثير، و المحكي عن الذخيرة إلى الشيخ و جماعة، بل في المحكي عن نهاية الأحكام صحت الجمعة عندنا، بل قيل: إن الإجماع ظاهر كشف الحق، و ظاهر الجميع ما هو صريح القواعد و المحكي عن نهاية الأحكام و الألفية و موضع من التذكرة من عدم الفرق في ذلك بين الركعة و غيرها، فيكفي حينئذ في إتمامها جمعة التلبس فيها في الوقت و لو بتكبيرة، و لعله كما في كشف اللثام لأنها استجمعت الشرائط و انعقدت جمعة بلا خلاف، فوجب إتمامها للنهي عن إبطال العمل، و صحت جمعة كما إذا انفضت الجماعة في الأثناء، و فيه أن التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه، لامتناع التكليف بالمحال، و لا يشرع فعله في خارجه إلا أن يثبت من الشارع شرعية فعله خارج الوقت و من ثم ذهب جماعة إلى اشتراط ذلك بإدراك الركعة، بل في جامع المقاصد نسبته إلى المعظم، كما عن الجعفرية و إرشادها نسبته إلى المشهور، و في الذكرى و غيرها أنه المناسب لأصول مذهبنا، قلت: أول من صرح بذلك الفاضل في بعض كتبه، و تبعه من تأخر


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة

ج 11، ص: 142

عنه،

لعموم (1)«من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله»

و

خصوص (2)«من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة»

في وجه، فالجمعة حينئذ كغيرها من الفرائض في ذلك، لعدم دليل يخصها من بينها، فالقول بالإدراك و لو بالتلبس بالتكبير- كالقول بإبطالها مطلقا و إن أدرك ركعة كما حكاه في الذكرى عن بعضهم- لا شاهد له بل هو خلاف ذلك العموم، نعم قد يقال بعدم إجزاء الركعة لو كان ذلك ابتداء الوجوب، بناء على اشتراط التمكن من تمام الواجب أجزاء شروطا في ابتداء الوجوب كما تقدم البحث في ذلك في الصغر و الحيض و غيرهما من موانع التكليف إذا ارتفعت و لم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة، فلاحظ و تأمل، و لا فرق في الحكم المزبور في المتن و غيره أي إماما كان أو مأموما انفرد بانفضاض المأمومين أو سبق الإمام أولا، و سيأتي التعرض لذلك في الجملة فيما يأتي.

و تفوت الجمعة بفوات الوقت ثم لا تقضى جمعة إجماعا بقسميه، و به يخص (3)عموم من «فاتته»

بل في المدارك أنه إجماع أهل العلم، قال: و يدل عليه

قوله (عليه السلام) في حسنة الحلبي (4): «فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا»

و في

صحيحة عبد الرحمن العزرمي (5)«إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى و أجهر بها، فإن أدركته و هو يتشهد فصل أربعا»

و فيه أن الفوات هنا من حيث الجماعة لا من حيث الوقت.

و كيف كان فيصلي الظهر حينئذ أداء إن كان قد بقي وقتها، و قضاء إن خرج و ما في بعض العبارات إنما تقضى ظهرا فالمراد به أنه تفعل وظيفة الوقت ظهرا


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.

ج 11، ص: 143

و لعل هذا هو مراد من أجاب عن ذلك بإرادة القضاء بالمعنى اللغوي، و هو الإتيان بالفعل، أو بإرادة المجاز لأنها لما أجزأت عنها أشبهت القضاء، و الأمر في ذلك سهل بعد وضوح المراد، و الله أعلم.

و لو وجبت الجمعة عليه عينا فصلى الظهر كانت صلاته باطلة لعدم الأمر بها، و لم تسقط عنه الجمعة بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في المحكي عن التذكرة و المنتهى و جامع

المقاصد و ظاهر المعتبر الإجماع عليه، للأصل بلا معارض، فما عن أبي حنيفة و صاحبيه من السقوط غلط قطعا، بل وجب عليه السعي حينئذ فإن أدركها و إلا أعاد الظهر و لم يجتز بالأولى لما عرفت، من غير فرق بين العمد و النسيان، و لا بين أن يظهر في نفس الأمر عدم الوجوب أو لم يظهر بل بقي الحال مجملا، نعم لو صلى الظهر ناسيا و ظهر بعد الفراغ أو في الأثناء عدم التمكن من الجمعة قبل الشروع في العمل أو حال التلبس به أمكن القول بالإجزاء، لموافقة الأمر واقعا و عدم التشريع، و لو لم يكن شرائط الجمعة مجتمعة لكن يرجو اجتماعها قبل خروج الوقت فهل يجوز له تعجيل الظهر بعد ذلك أم يجب الصبر إلى أن يظهر الحال؟ وجهان كما في جامع المقاصد و المدارك لكن في الأخير أن أجودهما الثاني، لأن الواجب بالأصل الجمعة، و إنما يشرع فعل الظهر إذا علم عدم التمكن من الجمعة في الوقت، قلت: لعل وجه الأول الاكتفاء بأصالة عدم الاجتماع، و عليه حينئذ يتجه الاجتزاء بها إذا لم تتم، أما إذا اجتمعت ففي الاجتزاء بها حينئذ وجهان، أقواهما العدم، و الظاهر عدم الفرق في الرجاء المزبور بين ظن الإدراك و احتماله، لعدم ما يدل هنا على اعتبار الظن، و حديث تعبد المرء بظنه لا جابر له هنا، لكن في جامع المقاصد قبل الفرع المزبور أنه لو ظن إدراكها فصلى الظهر ثم تبين أنه في وقت فعل الظهر لم يكن بحيث يدرك الجمعة وجب إعادة الظهر أيضا لكونه حينئذ متعبدا بظنه، فكان المتعين عليه فعل الجمعة على حسب ظنه، و لو ظن عدم الإدراك ففي جواز

ج 11، ص: 144

المبادرة إلى الظهر بمجرد الظن تردد ينشأ من التعبد بالظن، و أصالة البقاء، و هو كما ترى، و الأمر سهل.

و كيف كان ف لو تيقن المكلف بالجمعة أن الوقت يتسع لأقل الواجب من الخطبة و ركعتين خفيفتين وجبت الجمعة بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة عدم اعتبار المسنون و نحوه، بل في جامع المقاصد «ينبغي الوجوب فيما لو شك في الإدراك و عدمه، لأصالة بقاء الوقت و استصحاب وجوب الفعل» و أشكله في المدارك بأن الواجب الموقت يعتبر وقوعه في الوقت، فمع الشك فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل و الاستصحاب هنا إنما يفيد ظن البقاء، و هو غير كاف في ذلك، قلت: لا إشكال في الاكتفاء به بناء على حجيته، نعم قد يشكل جريانه فيما لو شك في سعة المقدار المعلوم من الوقت للفعل و عدمه، و إن كان يقوى أن له الدخول في العمل مع احتمال السعة، لا طلاق الأدلة و استصحاب بقاء الخطاب الذي لا يقطعه إلا العلم بالقصور، و السعة لو سلم أنها شرط فهي شرط للصحة واقعا لا العلم بها سابقا على العمل، فيدخل حينئذ في العمل، فان طابق امتثل، و إن قصر انتقل إلى الظهر مثلا، و إن شك فالأقوى عدم الامتثال، بل قد يقال بذلك أيضا في ابتداء التكليف لصغر أو جنون أو نحوهما، لكن لا لاستصحاب الخطاب بل لا طلاق الأمر بالفعل الذي لا يقيده ما دل على التوقيت بعد تنزيله على إرادة بيان صحة الفعل فيه لا بيان شرطية التكليف به حتى يكون الشك فيه شكا في الخطاب، فتأمل جيدا، أما لو شك في بقاء سعة الوقت فالأقوى جريان الاستصحاب، و الاجتزاء بما يقع منه إذا لم يظهر وقوعه في خارج الوقت، و ربما يشير الى بعض ما ذكرنا ما في الدروس و عن الموجز «أنه يجب الدخول فيها إذا علم أو ظن أو شك في سعة الوقت» و عن الميسية «أنه يجب الشروع متى احتمل ذلك،

ج 11، ص: 145

فان طابق صحت، و إلا فلا» فتأمل جيدا.

لكن في المتن و إن تيقن أو غلب على ظنه أن الوقت لا يتسع لذلك فقد فاتت الجمعة و يصلي ظهرا و فيه ما عرفت من أنه لا جابر هنا لتعبدية المرء بظنه، فإلحاقه باليقين حينئذ محل للنظر، بل المنع كما سمعته مفصلا، كما أنه قد يناقش في ذلك من أصله أولا بأنه مناف لما سبق من أن من تلبس بالجمعة في الوقت يجب عليه إتمامها، فإنه يقتضي بإطلاقه جواز الشروع فيها مع ضيق الوقت، و ثانيا بأن إطلاق ما دل على تنزيل الركعة منزلة الجميع شامل للمقام، فيكفي حينئذ سعة الوقت للخطبتين و ركعة كما جزم به الشهيدان و أبو العباس و الميسي، و استحسنه في المنتهى على ما حكي عن بعضهم، بل عن نهاية الأحكام عدم الفرق بين المسألة السابقة و المقام فاكتفى هنا أيضا بإدراك التكبير مع الخطبتين، و قال: صحت الجمعة عندنا، و إن كان فيه منع واضح لعدم الدليل الصالح لإخراج الجمعة عن غيرها من الموقتات في الحكم المزبور، بل ظاهر الأصحاب هنا خلافه بل في التذكرة «لا يجزي في المقام الركعة خلافا لأحمد» و ظاهره الاتفاق فيه بيننا، و كأنه في محله، لأني لم أعرف من اجتزى بإدراكها مع الخطبتين قبل الشهيد و من عرفت و لعله لما دل على عدم قضاء الجمعة المقتضي بظاهره عدم الفرق بين الكل و البعض، كغيره مما دل على أن من لم يدرك الجمعة صلى ظهرا الصادق بعدم الإدراك كملا، إذ هو و إن كان يعارضه عموم قوله (ع): «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله» إلا أنه يرجح عليه بما عرفت من الشهرة العظيمة، بل ربما ظهر من التذكرة الإجماع عليه و احتمال عدم المعارضة بناء على أن مثله ليس قضاء يدفعه أنه لا ريب في كونه منه حقيقة ضرورة وقوعه خارج الوقت، و هو القضاء حقيقة، إلا أن الشارع نزله منزلة الوقت فالبحث حينئذ في شمول هذا التنزيل للمقام الذي نهي عن القضاء فيه، و به يفرق بينه و بين غيره من الموقتات، و دعوى الاستناد إلى خصوص ما ورد من أن «من أدرك

ج 11، ص: 146

ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة» يدفعها ظهور هذه النصوص في إرادة إدراك جماعة الجمعة لا ما يشملها و الوقت كما هو واضح بأدنى تأمل.

فظهر حينئذ من ذلك كله أنه لا بد من اتساع الوقت لكل ما يجب في الجمعة من الخطبة و الركعتين في وجوبها، و لا يكفي الركعة فضلا عن غيرها، خصوصا إذا كان ذلك ابتداء تكليف كالبلوغ و زوال الجنون و نحوهما الذي قد عرفت البحث فيه فيما تقدم من المباحث السابقة في الموقتات فضلا عن المقام، نعم كان مقتضى ذلك كله عدم الصحة في المسألة السابقة و إن أدرك ركعة فضلا عن التلبس بها و لو بتكبيرة الإحرام، و يمكن استنادهم فيها إلى دليل خاص لم نعثر عليه، لا ما ذكر لهم من أن المراد بها من دخل في الجمعة بتخيل سعة الوقت فبان له الضيق عن الجميع أو عن الأكثر من ركعة على القولين السابقين، فيتمها حينئذ جمعة، لأنه نواها كذلك، و قد نهي عن إبطال العمل، إذ هو كما ترى، ضرورة أنه عليه يكون بطلانا للعمل لا إبطالا له، كما يظهر لك في باقي الموقتات، فلا بد أن يكون المستند لهم أمر آخر غير حديث «من أدرك» إلى آخره. كما يومي اليه (1)عدم اعتبار الأكثر الركعة في الإدراك، بل اكتفوا فيه بالتلبس، فان تم الدليل عليه من إجماع أو ظواهر نصوص كان هو المتبع، و إلا كان للنظر فيه مجال، إلا أنه قد ظهر لك من ذلك كله عدم التناقض بين المسألتين، لأن موضوع الأولى من دخل بتخيل السعة بخلاف المقام، فالبحث في الدليل شي ء و التناقض شي ء آخر، و الذي ذكرناه في الأول دون الثاني، فتأمل جيدا و لاحظ ما أطنب به في جامع المقاصد، فان رجع إلى ما قلناه كان جيدا، و إلا كان النظر فيه من وجوه لا تخفى.

هذا كله في غير المأموم، أما هو فلا إشكال في عدم اعتبار سعة الوقت للخطبة فيه، كما يومي اليه قوله فأما لو لم يحضر الخطبة في أول الصلاة و أدرك مع الامام


1- 1 و في النسخة الأصلية« يومي إليهم» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 11، ص: 147

ركعة قبل الشروع في ركوعها بأن دخل في الصلاة قبل تكبير الامام لركوعه صلى جمعة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص به، منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضل بن عبد الملك(1): «من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة»

و في

صحيح العزرمي (2)«إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى و أجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهد فصل أربعا»

و

سأله (عليه السلام) الحلبي (3)أيضا «عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة فقال: يصلي ركعتين، فان فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا، و قال: إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع»

بل ذيله دال على المطلوب، ضرورة ظهوره في إدراك الصلاة التي هي الجمعة بإدراك الركعة لا الصلاة جماعة و إن لم تكن جمعة.

و منه يتضح حينئذ دلالة جملة من النصوص في المسألة الآتية المشتملة على إدراك الصلاة بإدراك الركعة، إذ احتمال إرادة إدراك الصلاة جماعة و إن لم تكن جمعة مخالف

لظاهرها بلا داع، بل الداعي إلى خلافه حاصل، إذ يصدق على من كان مخاطبا بالجمعة أنه متمكن منها إذا كان بحيث يدرك ركعة منها للنصوص المزبورة الدالة على إدراك الصلاة بإدراك الركعة، فهي حينئذ دالة على المطلوب من غير حاجة إلى نصوص إدراك الجمعة بإدراك الركعة، كما احتاج إلى ذلك جملة من النصوص في المسألة الآتية المتضمنة إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعا، كما هو واضح بأدنى تأمل، و على كل حال ف

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(4): «لا يكون الجمعة إلا لمن أدرك الخطبتين»

قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، خصوصا بعد موافقته لمذهب عمر


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7.

ج 11، ص: 148

ابن الخطاب و عطا و طاوس و مجاهد، فلا بأس بحمله على نفي الكمال أو على إرادة نفي حقيقتها التي هي الركعتان مع ما ناب عن الأخيرتين، فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة و إن أجزأه ما أدركه، بل لعل هذا معنى سائر الأخبار، فلا إشكال حينئذ في إدراك الجمعة بذلك.

و كذا لو أدرك الإمام راكعا في الثانية على قول مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة نقلا و تحصيلا، بل في الخلاف الإجماع عليه، بل فيه و المحكي عن المنتهى الإجماع أيضا على أنه

يستحب للإمام إذا أحس بداخل أن يطيل ركوعه حتى يلحق به، مضافا إلى النصوص (1)المستفيضة في ذلك منضمة إلى النصوص (2)المستفيضة جدا في إدراك الركعة و الصلاة بإدراك الإمام راكعا: أي يشاركه في الركوع، فهي حينئذ منضمة إلى ما تقدم م ما دل (3)على إدراك الجمعة بإدراك الركعة كافية في إثبات المطلوب بل لا بأس حينئذ على الحلي في دعوى تواتر الأخبار بذلك في المحكي عن سرائره، كما أنه لا بأس على مدعي الإجماع في المقام، إذ لم يحك الخلاف فيه إلا عن المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار و القاضي، مع أني لم أجده فيما حضرني من نسخة المقنعة، بل في مفتاح الكرامة أنه ليس له فيما حضرني من نسخها عين و لا أثر، و كأنهم توهموه من عبارة التهذيب، و من لحظه عرف أن ما توهموه منه من كلام الشيخ لا من كلام المفيد، و إلا لقال الشيخ: «قال الشيخ» قلت: بل يؤيده حصر الخلاف في ذلك في الشيخ في المحكي عن السرائر و غيره، بل عن مجمع البرهان أن الشيخ في بحث تطويل الإمام في الركوع ليلحق المأموم قد عدل عن ذلك، فلا مخالف في المسألة، قلت: قال في المحكي عن تهذيبه بعد ذكر الأخبار الدالة على الجواز و المنع:


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجمعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 149

«إن الامام إذا صلى بقوم فركع و دخل أقوام فليطل الركوع حتى يلحق الناس الصلاة و مقدار ذلك أن يكون ضعفي ركوعه» و استدل عليه ب

رواية جابر(1)مضافا إلى ما سمعته منه في الخلاف المتأخر تصنيفه عن التهذيب، بل عن الراوندي في الرائع أنه قال:

كلام الشيخ في النهاية «من أدرك تكبيرة الركوع فقد أدرك الركعة» لا يدل على الخلاف على ما ظنه بعض الناس، فإنه دليل الخطاب، و هو فاسد، و إن كان فيه ما فيه كما أوضحناه في بحث الجماعة.

و كيف كان فلا ريب في ضعفه و إن كان تشهد له جملة من النصوص حتى أنه لها نفى بعده عن الصواب في المحكي عن التذكرة و النهاية و تردد فيه في المحكي عن كشف الرموز، بل لعله ظاهر تنكير القول في المتن، لكن قد أوضحنا في الجماعة قصورها عن المقاومة، كما أوضحنا هناك جملة من المباحث المذكورة في المقام التي منها قول المصنف و غيره هنا بل في المحكي عن المنتهى الإجماع عليه و لو كبر و ركع ثم شك هل كان الامام راكعا أو رافعا لم يكن له جمعة و صلى الظهر فلاحظ و تأمل.

نعم ينبغي أن يعلم أن ما احتمله في المدارك و الذخيرة- من الفرق بين الجمعة و غيرها فلا تدرك الأولى بإدراك الإمام راكعا بخلاف غيرها ل حسن الحلبي (2)المتقدم سابقا- من متفرداتهما، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، و ما عن كشف الرموز- من أن الشيخ فرق بين الجمعة و الجماعة فذهب في الخلاف و المبسوط إلى أنه يدرك الجماعة بإدراكه راكعا، و في النهاية و الاستبصار و المبسوط في الجمعة إلى أنه لا يدرك- يرده ملاحظة كلام

الشيخ، فلاحظ و تأمل، كما أنه ينبغي أن يعلم أن المحكي عن غاية المرام تقييد إدراك الجمعة بإدراك الركعة بما إذا كان الوقت باقيا، أما مع خروج الوقت مثل أن


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 150

يتلبس الامام و لم يبق من الوقت غير قدر ركعة و يصلي الثانية في غير الوقت فإنه لا يدرك المأموم الجمعة ما لم يلحقه في الأولى و لو في قوس الركوع، و هو جيد، إذ احتمال الإدراك فيه أيضا عملا بعموم

«من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة»

مناف لدليل التوقيت، و دعوى أن التعارض بينهما من وجه ينفيها ظهور سوق الخبر المزبور لبيان الإدراك من حيث الجماعة، فلا ينافي ما دل على البطلان حينئذ من فقدان شرط آخر، بل قد يشكل بذلك أيضا الصحة فيما فرضه أخيرا، بناء على ما تقدم سابقا من اشتراط سعة الوقت لتمام الفعل، و اختصاص من أدرك ركعة من الوقت بغير الجمعة، و أن ما ورد فيها بالخصوص من حيث إدراك الجماعة بالركوع خاصة لا الوقت المتوقف على إدراك الركعة تامة برفع الرأس من السجدة الأخيرة، و دعوى أن ما ذكروه من اعتبار سعة الوقت سابقا خاص في غير المأموم بقرينة اعتبار سعته للخطبتين التي من المعلوم عدمها في المأموم، فتصح صلاته جمعة بإدراك الركعة الأولى قطعا و إن تقدمت الخطبتان و ضاق الوقت إلا عن الركعتين يدفعها أن العبرة بما يقتضيه الدليل، و إن كان ما ذكروه سابقا خاصا في غير المأموم الذي لا يلزم من عدم اعتبار إدراكه الخطبتين عدم اعتبار سعة الوقت لتمام الركعتين بالنسبة إليه، كما هو واضح، بل هو كالإمام الذي لم يدرك الخطبتين بناء على عدم اشتراط الخطيب و الامام، فيعتبر فيه سعة الوقت لتمام الركعتين كما عرفت و إن وقع الخطبتان قبله.

و على كل حال فيجوز استخلاف المسبوق و إن لم يحضر الخطبة، للأصل و إطلاق الأخبار في الجماعة، و عن ظاهر الذكرى الاتفاق عليه، كما أنه لا يجوز له الانفراد اختيارا قبل فراغ الامام لاشتراط الجماعة، و إن استشكله في المحكي عن نهاية الأحكام، نعم ما حكي عنها أيضا من الجواز لعذر لا يخلو من وجه، لما ستسمعه في انفراد المزاحم في سجود الأولى.

ج 11، ص: 151

[في شرائط صلاة الجمعة]
اشاره

ثم الجمعة لا تجب أو لا تصح إلا بشروط

[الشرط الأول السلطان العادل أو من نصبه]
اشاره

الأول السلطان العادل أو من نصبه بالخصوص لها خاصة أو مع غيرها من مناصبه، فبدونهما تسقط عينا أو مشروعية على اختلاف القولين المشتركين في عدم وجوب عقدها حينئذ عينا بلا خلاف أجده بين الأساطين من علماء المؤمنين بل المسلمين عدا الشافعي فلم يعتبرهما، بل هو من ضروريات فقه الإمامية إن لم يكن مذهبهم، بل يعرفه المخالف لهم منهم كما نسبه جماعة منهم إليهم على ما قيل فضلا عن المؤالف، قال في الخلاف: «من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من يأمره الإمام بذلك من قاض أو أمير و نحو ذلك، و متى أقيمت بغير أمره لم تصح- إلى أن قال-: فان قيل: أ ليس قد رويتم فيما مضى من كتبكم أنه يجوز لأهل القرايا و السواد و المؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذين تنعقد بهم أن يصلوا الجمعة قلنا: ذلك مأذون فيه مرغب فيه، فجرى ذلك مجرى أن ينصب الامام من يصلي بهم، و أيضا عليه إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون أن من شرط الجمعة الإمام أو من أمره، و

روى محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يجب الجمعة على سبعة»

- إلى آخر الخبر الآتي- و أيضا فإنه إجماع، فإنه من عهد النبي (صلى الله عليه و آله) إلى وقتنا هذا ما أقام الجمعة إلا الخلفاء و الأمراء و من ولي الصلاة، فعلم أن ذلك من إجماع أهل الأعصار، و لو انعقدت بالرعية لصلوها كذلك» و هي كما ترى صريحة في نفي العينية بدونهما، فلا يضر احتمالها الوجوب التخييري أو توقف المشروعية على ذلك، و إن كان الظاهر إرادته الأول، لأن مثله يعبر عنه بالجواز، و لأنه الظاهر من باقي كتبه، ففي المحكي عن مبسوطة أنه اشترط في أول الباب السلطان العادل أو من يأمره، ثم قال بعد ذلك: «و لا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان الغيبة بحيث لا ضرر عليهم فيصلون بخطبتين، فان لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة ظهرا أربع ركعات»


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.

ج 11، ص: 152

و في نهايته باب الجمعة و أحكامها «الاجتماع في صلاة الجماعة فريضة إذا حصلت شرائطه، و من شرائطه أن يكون هناك إمام عادل أو من نصبه الإمام للصلاة بالناس- إلى أن قال في آخر الباب-: و لا بأس أن يجتمع المؤمنون في زمان الغيبة بحيث لا ضرر عليهم فيصلوا جماعة بخطبتين، فان لم يتمكن من الخطبة جاز لهم أن يصلوا جماعة لكنهم يصلون أربع ركعات» و قال في باب الأمر بالمعروف منها أيضا: «و يجوز لفقهاء الحق أن يجمعوا بالناس الصلوات كلها و صلاة الجمعة و العيدين و يخطبون الخطبتين، و يصلون بهم صلاة الكسوف ما لم يخافوا في ذلك ضررا، فان خافوا في ذلك الضرر لم يجز لهم التعرض لذلك على حال» و لا يخفى صراحة كلامه في نفي الوجوب العيني عقدا و ظهوره في نفيه اجتماعا بانتفاء الشرط المزبور، و أن جوازه في زمن الغيبة رخصة لا عزيمة لا في العقد و لا في الاجتماع بعد العقد، فان وجوبها عينا بالشرط المزبور له معنيان: الأول وجوب الحضور على كل مكلف إذا عقدها أحدهما أو علم أنه اجتمعت الشرائط عنده و أنه يعقدها كما دل عليه الكتاب (1)و السنة(2)و الإجماع إلا على من سقطت عنه بالنص (3)و الإجماع، و الثاني وجوب عقدها عليهما عينا إذا اجتمعت سائر الشرائط، و في

كشف اللثام «أن ظاهر الشيخ و من بعده الاتفاق عليه، و يؤيده وجوب الحضور على من كان على رأس فرسخين كما ستعرف، و للعامة قول بالعدم» قلت: يدل عليه أيضا تواتر النصوص (4)بإطلاق وجوبها و أنها فريضة لا يعذر فيها أحد إلا من ستعرف، بل لعل وجوبها من الضروريات، بل ادعاه بعضهم، و لا بأس به.

[في وجوب الجمعة أو حرمتها في زمن الغيبة]

و كيف كان فمن الغريب دعوى بعض المتفقهة أن الشيخ ممن يقول بوجوبها عينا


1- 1 سورة الجمعة- الآية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 153

مدعيا عليه الإجماع، و في الغنية و كذا المحكي عن القاضي «يجب الاجتماع في صلاة الجمعة بشرط الامام العادل أو من نصبه و جرى مجراه بالإجماع» و ذكر الواو فيه بدل «أو» دليل على أنه ليس قسما ثالثا، و عليه فالمراد به المجتهد، أما احتمال إرادة سائر الناس من جهة إذنهم (ع) لهم كما سمعته من عبارة الخلاف فمقطوع بفساده عند التأمل، فلا ريب في دلالته حينئذ على نفي العينية، و عن السرائر نفي الخلاف عن اشتراط انعقادها بذلك و أن إجماع أهل الأعصار عليه، و في المعتبر السلطان العادل أو نائبه شرط وجوب الجمعة، و هو قول علمائنا، و قال أبو حنيفة: يشترط وجود إمام و إن كان جائرا و قال الشافعي: لا

يشترط، و رده بأن معتمدنا فعل النبي (صلى الله عليه و آله) فإنه كان يعين الإمامة الجمعة و كذا الخلفاء بعده كما يعين للقضاء، و كما لا يصح للإنسان أن ينصب نفسه قاضيا من دون إذن الامام كذا إمامة الجمعة، و ليس هذا قياسا بل استدلال بالعمل المستمر في الأعصار، فمخالفته خرق للإجماع، ثم قال في اللواحق: «المسألة الخامسة لو لم يكن إمام الأصل ظاهرا سقط الوجوب، و لم يسقط الاستحباب و صليت جمعة إذا أمكن الاجتماع و الخطبتان، و به قال الشيخ في الخلاف و المبسوط و أنكره سلار» إلى آخره و قال فيه في موضع آخر: «لو كان السلطان جائرا و نصب عدلا استحب الاجتماع و انعقدت جمعة، و أطبق الجمهور على الوجوب، لنا أنا بينا أن الامام العادل أو من نصبه شرط الوجوب، و التقدير عدم ذلك الشرط، أما الاستحباب فلما بيناه من الاذن مع عدمه» و في التذكرة يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع، للإجماع على أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان إلى قوله في المعتبر كذا إمامة الجمعة، و قال أيضا فيها بعد ذلك بمسافة: «و هل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة و التمكن من الاجتماع و الخطبتين صلاة الجمعة؟ أطبق علماؤنا على عدم الوجوب، و اختلفوا في استحباب إقامتها فالمشهور ذلك، و قال ابن إدريس و سلار: لا يجوز» إلى آخره. و قال فيها أيضا بعد

ج 11، ص: 154

ذلك: «و لو كان السلطان جائرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع و انعقدت جمعة على الأقوى، و لا تجب لفوات الشرط و هو الامام و من نصبه، و أطبق الجمهور على الوجوب» و في التحرير «أن من شرائط الجمعة الإمام العادل أو من نصبه، فلو لم يكن الامام ظاهرا و لا نائب له سقط الوجوب إجماعا، و هل يجوز الاجتماع مع إمكان الخطبة؟ قولان» و عن نهاية الأحكام و مجمع البرهان، و في الذكرى «و شروطها سبعة: الشرط الأول السلطان العادل، و هو الإمام أو نائبه إجماعا لما مر، و لأن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يعين لإمامة الجمعة، و يشترط في النائب أمور تسعة- إلى أن قال-: التاسع إذن الامام له كما كان النبي (صلى الله عليه و آله) يأذن لأئمة الجمعات و أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده، و عليه إطباق الإمامية، هذا مع حضور الامام (عليه السلام) و أما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان- ثم قال-: إن عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار و الأمصار» و في المحكي عن التنقيح «مبنى الخلاف أن حضور الامام (عليه السلام) هل هو شرط في ماهية الجمعة و مشروعيتها أم في وجوبها، فابن إدريس على الأول، و باقي الأصحاب على الثاني» و هو كما ترى كالصريح في دعوى الإجماع على نفي العينية، و في كنز العرفان له أيضا «السلطان أو نائبه شرط في وجوبها و هو إجماع علمائنا- إلى أن قال-: و معتمد أصحابنا فعل النبي (صلى الله عليه و آله) فإنه كان يعين لإقامة الجمعة و كذا الخلفاء كما يعينون القضاة، و رواياتنا عن أهل البيت (عليهم السلام) متظافرة بذلك».

و عن رسالة الكركي «أجمع علماؤنا الإمامية طبقة بعد طبقة من عصر أئمتنا إلى عصرنا هذا على انتفاء الوجوب العيني في زمان الغيبة» و قال في جامعه: يشترط لوجوب الجمعة السلطان العادل، و هو الامام (عليه السلام) أو نائبه عموما أو في الجمعة بإجماعنا، فإن النبي (صلى الله عليه و آله) إلى قوله في المعتبر كذا إمامة الجمعة، و قال

ج 11، ص: 155

فيه أيضا: «الوجوب الحتمي في حال الغيبة منتف بالإجماع» و قال ولده في حاشية الإرشاد: «لا خلاف بين علمائنا في اشتراط وجوبها بالإمام أو نائبه عموما أو في صلاة الجمعة، و قد نقل ذلك أجلاء فقهائنا، و يدل عليه عمل الإمامية في جميع الأعصار، و ربما توهم بعض أهل هذا الزمان أن من الأصحاب من ذهب إلى وجوب الجمعة عينا مع غيبة الإمام (عليه السلام)، و كذا إلى عدم اشتراطها بنائب الغيبة عند عدم ظهوره (عليه السلام) مستندا في ذلك إلى عبارات مطلقة، و هو خطأ فاحش، لتكرر نقل الإجماع على انتفائه و الإطلاق في مثل ذلك للاعتماد على ما عرف في المذهب و اشتهر حتى صار التقييد به في كل عبارة مما يعد مستدركا» و في الروضة «و الحاصل أنه مع حضور الامام (عليه السلام) لا تنعقد الجمعة إلا به أو بنائية الخاص، و هو المنصوب للجمعة أو لما هو أعم منها، و بدونه تسقط، و هو موضع وفاق» و نحوه عن الروض، و فيها أيضا «ربما عبروا عن حكمها حال الغيبة بالجواز تارة، و بالاستحباب أخرى نظرا إلى إجماعهم على عدم وجوبها حينئذ عينا، و إنما تجب على تقديره تخييرا» و فيها أيضا «لولا دعواهم الإجماع على عدم الوجوب العيني حينئذ لكان القول به في غاية القوة» و فيها أيضا «أنه ربما قيل بالوجوب حال الغيبة و إن لم يجمعها فقيه» و ظاهره عدم تحقق قائل بذلك عنده، و عن المقاصد العلية «الإجماع على أن ذلك شرط الوجوب العيني أو مع حضور الامام (عليه السلام)» و في آيات أحكام الجواد «الإجماع على عدم الوجوب عينا في زمن الغيبة» و في كشف اللثام «لا تجب عينا إجماعا كما هو ظاهر الأصحاب» و فيه أيضا «لم يقل أحد منا بتعين الجمعة في الغيبة» و عن الداماد «أجمع علماؤنا على أن النداء المشروط به وجوب السعي لا بد أن يكون من قبل النبي (صلى الله عليه و آله) أو الإمام أو من يأذن له و ينصبه لها، و على ذلك إطباق الإمامية» و عن رسالته في المسألة «أطبق الأصحاب على نقل الإجماع على عدم الوجوب عينا».

ج 11، ص: 156

بل ربما يظهر من غير واحد الاستدلال على بطلان بعض ما يلزم الوجوب العيني بأنه مستلزم للباطل فيكون باطلا، و هو صريح في معلومية بطلانه، كصراحة حصرهم الخلاف في الجواز و الحرمة في ذلك أيضا، خصوصا مع جعلهم الاحتياط في الترك، ضرورة أنه لا يتم مع قيام احتمال الوجوب، و في شرح المفاتيح و كشف الأستاذ و عن غيرهما «الإجماع متواترا على نفي العينية» بل في الأول «أن الناقلين قد يزيدون عن عدد الأربعين» كما أن في الثاني «كونه فوق التواتر» و لعله كذلك، و هي كما ترى لا فرق فيها بين زمن الحضور و الغيبة، بل صريح بعضها الثاني، و ذكرهم الخلاف في زمن الغيبة في الجواز و الحرمة لا ينافيه الإجماع على اشتراط العينية كما صرح به فيما سمعته من التذكرة و غيرها، بل لا ينافيه أيضا على تقدير إرادة اشتراط الصحة به أيضا بعد تنزيله على حال الظهور بقرينة ما ذكروه حال الغيبة.

و كيف كان فلا ريب في الإجماع المزبور، بل يمكن تحصيله من تتبع نقلته فضلا عن الفتاوى المجردة عنه، كما أنه يمكن تحصيل نتيجته: أي القطع باشتراط ذلك في الغيبة مع قطع النظر عنه من عدة أمور:

منها السيرة التي أشار إليها أساطين المذهب و وافقتها فتاواهم و إجماعاتهم، و اعترف بها المخالف في المقام، و لم يسعه إنكارها مع شدة حرصه على إنكار أدلة الشرطية و يشهد لها أيضا ما في أيدي المخالفين الآن الذي لم يعده أحد أنه من بدعهم و مخترعاتهم مع أنهم حصروا مبتدعاتهم في الفروع و الأصول و لم يتركوا لهم شيئا إلا ذكروه حتى الأذان الثاني لعثمان في الجمعة، و أنه لو كانت تصلى في ذلك الوقت مع غير النائب في رأس كل فرسخ لشاع و ذاع و صار معلوما عند الأطفال فضلا عن العلماء الماهرين أمناء الله في أرضه، فلا ريب حينئذ في أنها مأخوذة لهم يدا عن يد إلى النبي (صلى الله عليه و آله) كما أنه لا ريب في دلالتها على الشرطية مع عدم صدور ما يدل منهم (عليهم السلام) على

ج 11، ص: 157

نفيها، كما صدر منهم نفيها بالنسبة إلى تعيين أئمة الجماعة و المؤذنين بحيث علم عدم اعتبار التعيين، و صار كالضروري بل ضروري، فاستدامة الفعل مع الخلو عن ذلك كالنص في الشرطية، و إلا كان إغراء بالجهل و قصورا في التبليغ بل مخالفة لما يوحى إليهم، و الاعتماد على إطلاق وجوبها مع صدور ذلك منهم الذي هو كأقوالهم في الحجية كما ترى على أن من المعلوم عدم استغراق النواب الخلق كافة، كمعلومية كثرة عوارض النواب من الموت و الجنون و الفسق و نحوها، فمع فرض كون الجمعة ما صليت في ذلك الزمان إلا مع المعصوم أو نائبه كما سمعته من الشيخ و غيره ممن حكى هذه السيرة لا بد أن تكون غير واجبة على الأعيان، لعدم التمكن من ذلك في سائر الأطراف و في سائر الأحوال كما هو معلوم بأدنى تأمل، نعم هو متوجه على اشتراط الوجوب بذلك، فمع فقده انتقل إلى الظهر حينئذ، على أن ظاهر المصنف و غيره ممن حكى هذه السيرة إرادة كون التعيين منهم (عليهم السلام) على وجه عدم الجواز بدونه كتعيين القضاة(1)و لا إشكال حينئذ في دلالته على ذلك، و ربما يؤيده تنزيل الشهيد في رسالته الإجماع على الاشتراط حال الحضور، فمن الغريب بعد ذلك كله مناقشة الشهيد و أتباعه في دلالة الفعل المزبور بعد تسليمه على الشرطية، و كأنه فر من قبح إنكار كون فعلهم يوجب (2)التعيين إلى ما هو أقبح منه، و أقبح منهما دعوى شرطيته في حال الظهور بحيث يسقط الفرض عمن لم يتمكن منه، و عدمها في حال الغيبة فتجب و إن لم يتمكن من الشرط، كما هو واضح، و أقبح من الجميع ما وقع منهم من أن هذا التعيين منهم (عليهم السلام) إنما كان لرفع التنازع و التنافس و التخاصم، خصوصا مع التوظيف لأهلها و لنحو ذلك من المفاسد


1- 1 في النسخة الأصلية« القضاء» و لعل الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 حرر كلمة« يوجب» في هامش النسخة الأصلية بعنوان التصحيح و هناك عبارة مرقومة بقلم المصنف« قده» و هي قوله:« الظاهر أن هذا التصحيح غير صحيح- حسن-».

ج 11، ص: 158

المترتبة على عدم التعيين، و لو تأملوا لوجدوا أن ذلك دليل الشرطية، ضرورة أن هذا و شبهه من أعظم ما يحتاج الناس فيه إلى الامام، بل قد يخشى من الشك فيه الشك في الامام و العياذ بالله.

و منها ما دل على أن الجمعة من مناصب الإمامة كالقضاء و الحدود، ك

قوله في دعائم الإسلام (1): «روينا عن علي (عليه السلام) أنه قال: لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلا للإمام أو من يقيمه الامام»

و

المروي عن كتاب الأشعثيات «أن الجمعة و الحكومة الامام المسلمين»

و في

رسالة الفاضل بن عصفور روي مرسلا عنهم (عليهم السلام) «أن الجمعة لنا، و الجماعة لشيعتنا»

و كذا

روي عنهم (عليهم السلام) «لنا الخمس و لنا الأنفال و لنا الجمعة و لنا صفو المال»

و

النبوي المشهور «أربع للولاة: الفي ء و الحدود و الصدقات و الجمعة»

و في

الصحيفة(2)المعلوم أنها من السجاد (عليه السلام) في دعاء يوم الجمعة و ثاني العيدين «اللهم إن هذا المقام مقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة

التي اختصصتم بها قد ابتزوها(3)و أنت المقدر لذلك- إلى أن قال-: حتى عاد صفوتك و خلفائك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا- إلى أن قال-: اللهم العن أعداءهم من الأولين و الآخرين و من رضي بفعالهم و أشياعهم لعنا وبيلا»

و فيه مواضع للدلالة على المطلوب، و من مضحكات المقام تجشم إرادة الأعم منهم (عليهم السلام) و من أئمة الجماعة من الدعاء المزبور، كتجشم إرادة خصوصا العيد من الفقرة المزبورة، مع أنه بعد تسليمه يتجه الاستدلال بالإجماع بقسميه و النصوص على اتحادهما في اعتبار عينيتهما بذلك، و

قال الباقر


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
2- 2 ص 281- رقم الدعاء 48.
3- 3 الأصل« ابتزوهموها» متعد إلى مفعولين في حاشية سيد على خان منه رحمه الله.

ج 11، ص: 159

(عليه السلام) في خبر عبد الله بن دينار(1)الذي رواه الكليني و الشيخ و الصدوق مرسلا و مسندا في العلل و غيرها: «يا عبد الله ما من يوم عيد للمسلمين أضحى و لا فطر إلا و يجدد الله لآل محمد عليه و عليهم السلام فيه حزنا، قال: قلت: و لم؟ قال: إنهم يرون حقهم في أيدي غيرهم»

و الجمعة إن لم تكن عيدا موضوعا فهي كذلك حكما، و قد

سأل الحلبي (2)أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الفطر و الأضحى إذا اجتمعا في يوم الجمعة فقال: اجتمعا في زمان علي (عليه السلام) فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، و من قعد فلا يضره، و خطب (عليه السلام) خطبتين جمع فيهما خطبة العيد و خطبة الجمعة»

و

قال (ع) أيضا في خبر سلمة(3): «اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فخطب الناس فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان، فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل، فمن لم يفعل فان له رخصة يعني من كان متنحيا»

و في

خبر إسحاق بن عمار(4)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا، فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف فقد أذنت له»

مضافا إلى ظهور إسناد الاذن له في كون الاجتماع من حقوقه، و في علل الفضل بن شاذان (5)عن الرضا (عليه السلام) تعليل الركعتين لصلاة الجمعة بأنها عيد، و صلاة العيد ركعتان، إلى غير ذلك مما يدل على مساواة الجمعة للعيد في ذلك، و حينئذ تتكثر الأدلة على الشرط المزبور بملاحظة ما دل عليه

في العيد من الإجماع و النصوص، و لعله بذا تبلغ سبعين إجماعا أو أزيد، كما أن به تزيد النصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 160

الدالة على ذلك حينئذ على التواتر، فلاحظ و تأمل.

و منها

موثق سماعة(1)فيما حضرني من نسخة الكافي «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة يوم الجمعة فقال: أما مع الامام فركعتان، و أما من يصلي وحده فهي أربع ركعات و إن صلوا جماعة»

لكن

رواه في الوافي و غيره عنه (عليه السلام) بعد قوله: ركعات «بمنزلة الظهر»

يعني إذا كان إمام يخطب، فأما إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلوا جماعة، و رواه في الفقيه إلى قوله: «ركعات» إلا أنه

أرسل فيه (2)عن الباقر (عليه السلام) «إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى الله عليه و آله) يوم الجمعة لمكان الخطبتين مع الامام، فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيام»

و على كل حال فهو كالصريح في مغايرة إمام الجمعة لإمام الجماعة، و لا فارق إلا النصب المزبور، إذا احتمال كونه لا يحسن الخطبة التي هي التحميد و الصلاة على النبي و آله (عليهم الصلاة و السلام) و يا أيها الناس اتقوا الله و قراءة سورة إن قلنا به في غاية البعد، خصوصا في ذلك الزمان الذي لا يحتاج فيه إلى تعلم العربية و نحوها، مع أنه إمام جماعة و أكثر ذلك يقوله في الصلاة الواجبة، بل كان الواجب عليه تعلم ذلك، بل قد يقال بناء على الوجوب العيني بوجوب تعلم الناس الواجب من الخطبة، و من كشف الله له الغطاء و نور بصيرته و علم أن المتعارف في ذلك الزمان النصب لإمامة الجمعة بل لا تصلى بدونه يفهم أن المنساق هنا من لفظ الامام ما هو الأعم من إمام الأصل (عليه السلام) و منصوبه، لا إمام الجماعة الذي هو غير معين، و لم يعلم من يختارونه للتقدم منهم، بل لعل التعريف فيه في جملة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث- 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث- 1.

ج 11، ص: 161

من النصوص (1)للمعهودية في الذهن نحو جاء القاضي، بل لا يخفى على من اعتبر لسان المخالفين المعتبر عندهم النصب الآن انسياق الامام معرفا و منكرا إلى ذلك، بل

موثق سماعة(2)في العيد كالصريح في ذلك، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

متى يذبح؟ قال: إذا انصرف الامام، قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة

فقال: إذا استقبلت الشمس، و قال: لا بأس أن تصلي وحدك، و لا صلاة إلا مع إمام»

إذ قوله: «ليس فيها إمام» مع قوله: «إني أصلي بهم جماعة» واضح الدلالة على ما قلنا، و الظاهر أن ذكر الإمام في النصوص الواردة عنهم (ع) في زمن خفائهم مع تعارف نصب المخالفين في ذلك الوقت و عدم إمام منصوب منهم (ع) في زمن خفائهم مع تعارف نصب المخالفين في ذلك الوقت و عدم إمام منصوب منهم (ع) جمعا بين ما تتأدى به التقية و الواقع اعتمادا على ما يذكرونه في صفات الامام (عليه السلام) المفقود غالبا في نصب المخالفين، أو المراد بيان حكم الجمعة في الواقع المنوط بالإمام المعتبر، فلا يقدح حينئذ التعبير بهذا اللفظ الموهم دفعا للتقية، و على كل حال فانسياق لفظ الامام المنكر منه فضلا عن المعرف إلى ما ذكرنا بعد ملاحظة تعارف النصب في تلك الأزمنة مما لا ينكر، و سبر نصوص المقام و العيدين المشتملة على لفظ الامام مع ملاحظة ما فيها مما يقتضي إرادة الإشارة به إلى شخص معين لا ما اتفق صيرورته إماما المختلف باختلاف الأوقات و الأحوال و الأمكنة أعدل شاهد على المقام.

و لعل من ذلك

صحيح زرارة(3)المروي في الفقيه و الأمالي و عقاب الأعمال و غيرها بطريقين عن أبي جعفر (عليه السلام) «صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها مع الإمام فريضة، فمن ترك ثلاث جمع ترك ثلاث فرائض، و لا يترك ثلاث فرائض


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8.

ج 11، ص: 162

من غير عذر و لا علة إلا منافق»

إذ لا يخفى ظهوره فيما قلناه، و أظهر منه فيه و في الدلالة على المطلوب

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم يصلون أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب بهم»

و في

خبر الفضل بن عبد الملك (2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، و إنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»

إذ الظاهر إرادة المنصوب لذلك، لما عرفت من استبعاد عدم معرفتها، و أنه يجب تعلمها على تقدير الوجوب العيني، فتركه فسق لا يصلح معه لإمامة الجماعة أيضا، و ربما يومي لذلك أيضا إطلاق الأمر(3)بالتجميع بوجود من يخطب، مع أنه يعتبر فيه صفات أخر من العدالة و نحوها، فما تركها إلا للإشارة بمن يخطب إلى المنصوب المتصف بذلك، و عدم التمكن من النصب الشرعي عند صدور الخطاب المزبور لا ينافي بيان الحكم في نفسه بمثل هذه العبارة

الجامعة بين الواقع و تأدية التقية، و مثله كثير في النصوص، و إن كان المراد من الخبرين أنهم يصلون أربعا إذا لم يكن لهم منصوب من قبل الجائرين يخطب بهم كان وجه الدلالة فيه واضحا، كوضوح الجمع بينه و بين

موثق ابن بكير(4)و غيره بالتخيير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم في قرية ليس لهم من يجمع بهم الصلاة أ يصلون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال: نعم إذا لم يخافوا»

إذ لا ينكر ظهوره في الرخصة دون العزيمة، و أن المراد بالجماعة الجمعة كما في غيره من نصوص المقام، و حاصل المراد حينئذ أنه إذا لم يكن لهم منصوب من الجائرين يجمع بهم الصلاة جاز لهم التجميع بدونه إذا لم يخافوا، و لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 163

السؤال عن خصوص القرى من جهة عدم وجود المنصوب فيها غالبا، بل المحكي عن أبي حنيفة أنه كان لا يرى إقامة الجمعة إلا في الأمصار.

و منها النصوص (1)المستفيضة الدالة على سقوط الجمعة على من بعد عنها بفرسخين أو من إن صلى الغداة عند أهله لم يدركها، ضرورة ظهورها في أن للجمعة محلا مخصوصا معينا يجب السعي اليه على من كان دون هذه المسافة، و يسقط عمن لم يكن كذلك، كالسقوط عن الأعمى و الامرأة و نحوهم سواء تمكنوا من عقد جمعة

لهم أولا، فإطلاق السقوط المزبور مناف للعينية قطعا، و من كان عنده نائب في هذه المسافة لم يصدق عليه البعد عنها بذلك، إذ المراد البعد عن الجمعة في سائر الأطراف و من جميع الجهات، فلا تخصيص حينئذ على المختار، بخلافه على تقدير العينية، بل لا ينبغي بناء عليها هذا التكليف الشاق على جملة من الناس، بل هو مفوت للفرض، و حامل لهم على العقوق، مع أنهم غير مكلفين به، لا مكان إقامة الجمعة عندهم، نعم ينبغي مراعاة البعد عنها بفرسخ لعدم انعقاد جمعتين في الأقل منه، بل إذا لم تكن هي منصب شخص مخصوص مكلف بإقامتها لم يعقل وجوب السعي المزبور، إذ لم يعلم حصولها جامعة للشرائط فيما بين فرسخين اللهم إلا أن يرسل الشخص الصالح للإمامة إلى جميع من كان دون الفرسخين من جميع جهاته أني أريد أن أصلي الجمعة فاسعوا إليها، و هو كما ترى.

و نحوه حمل النصوص المزبورة على إرادة بيان سقوط فرض الجمعة عمن علم بها و كان بينها و بينه فرسخان و لم يمكنه إقامة الجمعة عنده لاختلال بعض شرائطها، إذ لا يخفى على من له أدنى معرفة و إنصاف أن المنساق من هذه النصوص خصوصا بعد ما سمعت من تعارف النصب للجمعة في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) و من بعده سقوط وجوب السعي عمن بعد عن هذه الجمعة المعقودة من الامام أو نائبه بمقدار المسافة المزبورة،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 164

و أنه ينتقل فرضه إلى الأربع ركعات و لو كان فيهم الصالح للإمامة، كما هو واضح بأدنى تأمل وضوح

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1): «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا تجب على أقل من خمسة، منهم الامام و قاضيه و المدعي حقا و المدعى عليه و الشاهدان و الذي يضرب الحدود بين يدي الإمام»

في إرادة إمام الأصل (عليه السلام) أو الأعم منه و نائبه لا إمام الجماعة، و القطع بعدم خصوصية المذكورين في الوجوب و إن حكي عن ظاهر الصدوق الفتوى به لا ينافي اعتبارها في الإمام الذي قد عرفت الدليل عليه، فيكون المراد الوجوب على سبعة أحدهم الامام على جهة الشرطية، لأنه في مساق بيانها فلا يرد أنه لا ينافي الوجوب على غيرهم أيضا، كما أن التخيير من جهة السبعة و الخمسة جمعا بين النصوص لا ينافي اعتبار الامام مع كل منهما، بل لعل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر طلحة بن زيد(2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود»

مشعر أيضا باشتراط الجمعة بظهور السلطنة المقتضي لإقامة الحدود، و أن المراد منه الكناية بذلك عن ذلك، و تخصيص المصر لأن الغالب تنصيب الامام فيه.

و أوضح منه إشعار

المروي في العيون عن الرضا (عليه السلام) في خبر العلل(3): «فان قال: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الامام ركعتين، و إذا كان بغير إمام ركعتين ركعتين قيل لعلل شتى: منها أن الإنسان يتخطى إلى الجمعة من بعد، فأحب الله عز و جل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا اليه، و منها أن الامام يحبسهم للخطبة و هم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9 و ليس في الوسائل و التهذيب و الاستبصار و الفقيه لفظة« من خمسة» بل فيها« على أقل منهم» إلى آخره.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3 و ذيله في الباب 25 منها- الحديث 6.

ج 11، ص: 165

منتظرون للصلاة، و من انتظر الصلاة فهو في صلاته في حكم التمام، و منها أن الصلاة مع الإمام أتم و أكمل لعلمه و فقهه و عدله و فضله، و منها أن الجمعة، عيد، و صلاة العيد ركعتان و لم تقصر لمكان الخطبتين، فان قال: فلم جعل الخطبة؟ قيل: لأن الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للإمام سبب إلى موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة، و ترهيبهم من المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليه من الآفاق من الأهوال التي لهم فيها المضرة و المنفعة، فإن قال: فلم جعل الخطبتين؟ قيل: لأن يكون واحدة للثناء و التمجيد و التقديس لله تعالى، و الأخرى للحوائج و الأعذار و الإنذار و

الدعاء و ما يريد أن يعلمهم من أمره و نهيه و ما فيه الصلاح و الفساد»

و ذيله كالصريح في أنه غير إمام الجماعة، بل رواه في الوسائل عن العلل بعد قوله (عليه السلام):

«و المنفعة» بزيادة «و لا يكون الصائر في الصلاة منفصلا، و ليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة» و هو نص في المطلوب.

هذا كله مضافا إلى ترك الشيعة الرواة و غيرهم لها لما خفي السلطان، و احتمال أن ذلك للتقية يدفعه أن الشيعة قد تجاهروا بما ينافي التقية في أمور كثيرة حتى أنهم (عليهم السلام) تأذوا منهم بذلك، و

قالوا (ع): «إنه ما قتلتنا إلا شيعتنا»(1)

و لو أن هذه الفريضة مما تجب عينا كانت أولى بذلك من غيرها، على أن الظاهر إن لم يكن المتيقن حصول الترك منهم حال عدم التقية، كما يومي اليه

صحيح زرارة(2)قال: «حثنا أبو عبد الله (عليه السلام) على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نغدوا عليه، فقلت: نغدوا عليك فقال: لا، إنما عنيت عندكم»

إذ لا يخفى ظهوره في استمرار زرارة على الترك، بل ظاهر لفظ الحث أنه لم يكن ذلك من أبي عبد الله (عليه السلام) بعنوان الوجوب، كما


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 166

أن انتقال زرارة من المبالغة في الحث إلى إرادة الغدو عليه ظاهر في معروفية اعتبار الامام فيها قبل أن يقول (ع) له: «إنما أردت عندكم» فحينئذ دلالة الصحيح المزبور على المطلوب واضحة حتى لو كان المراد منه و إن كان بعيدا الحث على حضور جماعة المخالفين بقرينة أن من عادته (عليه السلام) الحث على أمثال ذلك لا الحث على ما لا ينافي التقية خصوصا في مثل الجمعة التي هي من مناصب السلطان، إلا أن زرارة و غيره من الشيعة ربما كانوا يتجنبونها معهم لأنها ليست صلاة في الحقيقة فظن من حثه على صلاة الجمعة إرادة فعلها معه، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأنه «إنما أردت عندكم» و

موثق ابن بكير(1)قال: «حدثني زرارة عن عبد الملك عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال له: مثلك يهلك و لم يصل فريضة فرضها الله تعالى، قال: فقلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة»

إذ هو واضح الدلالة على استمرار تركها سواء كان ذلك منه تشكيا له و تأسفا حيث أنه لم يتمكن من صلاتها لعدم تمكن إمامه (عليه السلام) و لذا قال له (عليه السلام): «كيف أصنع؟» متحيرا مما علم أنه لا تفعل بدونه (عليه السلام) و مما صدر منه من هذا الكلام، فأذن له لذلك في صلاتها جماعة منهم و لو

مرة، و لما لم يعنه إماما علم إرادة الرخصة مطلقا، أو يكون المراد كما هو الظاهر توبيخا له على عدم فعلها، فقال له (عليه السلام) السائل: «كيف أصنع؟» مبدئا عذره بأنه ما أدري كيف أصنع لاشتراطها بالسلطان، و الوقت وقت تقية فأجابه (عليه السلام) بالأمر بصلاتها جماعة معهم، فيكون إذنا منه بذلك، و لذا اكتفى به في رفع حيرته، أو يكون المراد بفعلها في جماعة العامة على نحو ما سمعته من صحيح زرارة(2).

و على كل حال فدلالته على المطلوب واضحة، بل قد ينقدح منهما على الأخير أنه مما يلزم القائل بالعينية وجوب حضورها مع العامة، لأن الفرض المعين إذا لم يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 167

فعله إلا على وجه التقية تعين فعله، لأنها دين و لا يجوز تركه، و احتمال دفعه بأنه لم يشرع الائتمام بتقية- و لذا أمر بالقراءة معهم و إنما يوهمهم أنه مؤتم بهم، و المفروض أن من شروطها الائتمام، و يؤيده ما ورد(1)من كيفية صلاة الجمعة معهم بإضافة ركعتين إلى الركعتين حتى تكون ظهرا، و حينئذ من صلى معهم جمعة و لم يمكنه فعلها ظهرا لم يجتز بها عن الظهر- يدفعه منع عدم مشروعية الائتمام تقية الذي هو المتابعة في الأفعال و إن كان يجب عليه القراءة مع التمكن، إذ هو أعم من عدمه، و لعل استفاضة

النصوص (2)بعدم الائتمام بهم يراد به عدم تحمل القراءة، بل فيها أمارات لذلك، بل هو مقتضى الجمع بينها و بين ما دل (3)على الصلاة خلفهم، بل و هذه النصوص بناء على إرادة جماعة المنافقين، إذ الأمر مقتض للاجزاء مؤيدا بإطلاق ما دل على أنها دين من غير فرق بين الجمعة و غيرها، و ما في النصوص من إضافة الركعتين مبني على إمكان الفعل لا على وجه التقية، بل لا يبعد حمله على الندب مع التمكن منه أيضا، فحينئذ يقرأ معهم في الجمعة و تسقط عنه الظهر بذلك، لكن الانصاف عدم خلوه من الاشكال.

و كيف كان فترك الرواة لها أوضح شي ء فيما قلناه، كوضوح ما رواه

الصدوق في أماليه بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) و الشيخ في مصباحه عن هشام (4)عنه (عليه السلام) على ما قيل: إنه قال: «أحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا إلا و يتمتع و لو مرة واحدة، و أن يصلي الجمعة و لو مرة»

في عدم الوجوب العيني أيضا، خصوصا مع جعله كالمتعة، بل قيل يشعر به أيضا

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر حماد


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الجماعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجماعة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المتعة- الحديث 7 من كتاب النكاح.

ج 11، ص: 168

ابن عيسى (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ليس لأحد ذلك غيره»

و إن كان فيه ما فيه.

نعم قد يقال بإشعار الآية(2)به ضرورة كون النداء إلى صلاة الجمعة لا يكون ظاهرا في سائر الأطراف إلا مع ظهور أمر السلطان، لا أن المراد وجوب السعي إليها مع التخفي في عقدها و التخافت في فعلها، فليس المراد حينئذ إلا ما ذكرنا، و دعوى إرادة مطلق النداء كائنا ما كان خرج منه ما خرج و بقي الباقي يدفعها القطع بعدم إرادة الإطلاق على هذا الوجه، و من ذلك ما في الاستدلال بها على الوجوب العيني، مع أنه قد يقال بعد الأعضاء عما ذكرنا أنها إنما تدل على وجوب السعي إليها مع العقد لا إيجاب العقد أيضا الذي يدعيه القائل بالوجوب العيني، بل قد يقال لا يتم الاستدلال بها بناء على إجمال العبادة و شرطية ما شك فيه، إذ لم يثبت صلاة للجمعة إلا مع المعصوم (ع) و نائبه بل قد يقال إنه خطاب للمشافهين و نداء لهم، و لفظ الماضي فيهم، و حكم غيرهم إنما يثبت بالإجماع و نحوه، و لا إجماع هنا على المشاركة، بل قد عرفته على خلافها، و إطلاق الخطاب بالنسبة إليهم يمكن لأنهم محروزون للشرط لا لعدم شرطيته، و كذا لا يتم بناء على إرادة الرسول من الذكر فيها كما هو مذكور في

أخبار(3)كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) «إن الذكر رسول الله (صلى الله عليه و آله) و نحن أهل الذكر معاشر أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

بل في كشف اللثام أنه أظهر من احتمال إرادة الخطبة أو الصلاة، بل فيه أنك لا تضع إلى ما يدعى من إجماع المفسرين على


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 سورة الجمعة- الآية 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

ج 11، ص: 169

إرادة أحدهما، خصوصا إذا كنت إماميا تعلم أنه لا إجماع إلا قول المعصوم، ثم قال:

«مع أن الصلاة في يوم الجمعة بإطلاقها تعم الثنائية و الرباعية بل الظهر و غيرها، و السعي يعم الاجتماع و غيره» و إن كان فيه ما فيه.

و مع الإغضاء عن ذلك كله قد يقال: إن المراد من الآية أصل وجوب السعي إلى الجمعة من غير تعرض لذكر الشرائط أو أنه منصرف إطلاقها إلى الفرد الشائع في ذلك الزمان، و قد عرفت أنه الامام و منصوبه، بل في كشف اللثام ما حاصله «أن الآية تجدي لو عمل بها أحد من الإمامية على إطلاقها، و ليس كذلك ضرورة من المذهب فلا قائل منا بأن منادي «يزيد» و أضرا به إذا نادى إلى صلاة الجمعة وجب علينا السعي و إن لم نتقه، و لا منادي أحد من فساق المؤمنين، فليس معنى الآية إلا أنه إذا نادى لها مناد بحق فاسعوا إليها و كون المنادي أذن (باذن خ ل) الامام له بخصوصه مناديا بحق ممنوع فلا يعلم الوجوب فضلا عن العيني، و بعبارة أخرى

إنما تدل الآية على وجوب السعي إذا نودي للصلاة لا على وجوب النداء، و من المعلوم ضرورة من العقل و الدين أنه إنما يجب السعي إذا جاز النداء، و في أنه هل يجوز النداء لغير المعصوم و من نصبه؟ كلام».

قلت: كأنه يرجع إلى الدور، لتوقف وجوب السعي على مشروعية النداء، و مشروعيته موقوف على مشروعية الجمعة، و إن أبيت عن ذلك كله فهي مقيدة بما عرفت من الإجماع و غيره كإطلاق النصوص (1)في وجوبها، و أنه يجب على كل أحد أن يشهدها إلا الخمسة أو التسعة، بل قد عرفت إيماء ما اشتمل منها على استثناء من كان على فرسخين إلى المطلوب، بل هو الظاهر أيضا من وجوب مشاهدتها، بل قد يقال ليس المراد من هذه النصوص ما يحتاج إلى التقييد، بل المراد منها مطلق الوجوب الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 170

هو من الضروريات التي يكفر منكرها، نحو قولهم الزكاة واجبة و الحج واجب و غيرهما مما يراد منه بعد إحراز شرائطه، كما يومي اليه أنه لم يتعرض فيها لذكر ما هو شرط عند الخصم أيضا، و دعوى الخروج بالدليل و إلا فالمراد الإطلاق كما ترى خارج عن الاعتدال في الفهم، و لقد تجشم في كشف اللثام هنا في الجواب عن إطلاق النصوص و الآية بما هو إن تم غير محتاج اليه، فلاحظ و تأمل.

و قد ظهر لك من ذلك كله بطلان العمدة في شبهة العينية، إذ هي بعد الآية إطلاق

صحيح محمد بن مسلم و زرارة(1)«إن الله عز و جل فرض في كل سبعة أيام خمسة و ثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة».

و

زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) «فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة، و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة»

إلى آخره و

صحيحه الآخر(3)قال للباقر (عليه السلام): على من تجب الجمعة؟

قال: «تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمهم بعضهم و خطبهم»

و

صحيحه الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول

الله (صلى الله عليه و آله) رجعوا إلى رحالهم قبل الليل، و ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 14 لكن رواه عن أبى بصير و محمد بن مسلم.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 171

سنة إلى يوم القيامة»

و

صحيح منصور(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة»

و

صحيح أبي بصير و محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات بغير علة طبع الله على قلبه»

و صحيح زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) و

حسني زرارة(4)و محمد بن مسلم (5)عن الصادق و الباقر (عليهما السلام) «إنها تجب على من كان منها على فرسخين»

و صحيحي زرارة(6)و موثق ابن بكير(7)و مفهوم صحيح ابن مسلم (8)و خبر الفضل بن عبد الملك (9)المتقدمة آنفا، و

صحيح عمر بن يزيد(10)«إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة و يتوكأ على قوس أو عصا، و ليقعد قعدة بين الخطبتين»

إلى آخره. و

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته (11)«و الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي»

إلى آخره و

النبوي (12)«الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة»

و

آخر(13)«من ترك ثلاث جمع متهاونا بها


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 2 من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7 و ذيله في الباب 1 منها- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8 و الباب 5 منها- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
10- 10 ذكر صدره في الوسائل في الباب 24 من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2 و ذيله في الباب 16 منها- الحديث 2.
11- 11 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6.
12- 12 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 24.
13- 13 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 25.

ج 11، ص: 172

طبع الله على قلبه»

و

قال (صلى الله عليه و آله)(1)أيضا: «من ترك ثلاث جمع متعمدا من غير علة طبع الله على قلبه»

و

قال (ص)(2): «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين»

و

قال (صلى الله عليه و آله) أيضا(3)«إن الله فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله و لا بارك له في أمره، ألا و لا صلاة له، ألا و لا زكاة له، ألا و لا حج له، ألا و لا صوم له، ألا و لا بر له، حتى يتوب»

و

حسن ابن مسلم أو صحيحه (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله (صلى الله عليه و آله) بشارة لهم و توبيخا للمنافقين، و لا ينبغي تركها، فمن تركها متعمدا فلا صلاة له».

و نحو ذلك من النصوص المسطورة في محالها التي هي بين ضعيف لا جابر له و بين مطلق قد عرفت الحال فيه و أنه غير مراد منه طلب الفعل من المخاطب الذي من المعلوم عدم تمكنه من الفعل حال صدور تلك الإطلاقات، و ربما كان المراد منها التعريض بالمانعين من إقامتها مع تمكنهم من الشرط، لأن الإمام بين أظهرهم و قد أعرضوا عنه و قصروا يده، و زرارة الذي هو العمدة في رواية هذه المطلقات هو الذي حثه أبو عبد الله (عليه

السلام) على فعلها المشعر بأنه كان مستمرا على الترك، كما عرفته سابقا، مضافا إلى ما فيها من استثناء من كان منها على فرسخين، و قد عرفت دلالته على المطلوب، بل يمكن إرادة الجماعة الخاصة من قوله (عليه السلام) فيها: «في جماعة» أبهمها للتقية أو لعلم السامع، بل ربما كان تنكيره مشعرا بذلك، بل ليس معناه سوى أنه فرضها الله في الجملة في جماعة أي الاجتماع فيها في الجملة مفروض، و هو حق مجمع عليه، كما أن جملة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 26.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 27.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 28.
4- 4 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3 مع الاختلاف.

ج 11، ص: 173

منها يمكن إرادة وجوب الاجتماع منها بعد عقدها كما يشعر به لفظ الشهادة و الإتيان و الحضور و نحو ذلك، بل هو المراد من وجوب الجمعة في كثير من النصوص، و هو الذي توعد عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ورد النهي المؤكد عنه، بل هو المراد عند التأمل من

قوله (ع): «صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها مع الإمام فريضة»

و المراد من وجوبها على السبعة المخصوصين، لأنهم حاضرون و غيرهم يجب عليه السعي لحضورها.

و بين ما هو مراد منه الرخصة في الفعل، لأنه في مقام توهم الحظر، ك صحيح الحث (1)و صحيح إمامة البعض (2)و صحيح عبد الملك (3)و موثق

ابن بكير(4)الظاهر سؤاله في الرخصة، كظهور المفهوم في صحيح ابن مسلم (5)الذي هو في الحقيقة رفع الوجوب مع وجود من يخطب، و صحيح منصور(6)الذي قد اعترف الخصم بإرادة التخيير منه باعتبار معارضته بأخبار السبع (7)بل ظاهر مساواته بين الخمس فما زاد إرادة التخيير في الجميع، لظهور اتحاد الطلب في الجميع، نحو المروي عن

الكشي في كتاب الرجال عن ابن مسلم (8)عن محمد بن علي عن جده (عليهما السلام) «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا»

و خبر هشام (9)المروي عن مصباح الشيخ المتقدم سابقا و صحيح عمر بن يزيد(10)لا تصريح فيه بالإمام، و على تقدير إرادة الصالح منه للجماعة أمكن حمله على الرخصة كغيره مما عرفت فيه ذلك باعتبار توهم الحظر، و التوعد على ترك


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 11.
9- 9 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المتعة- الحديث 7 من كتاب النكاح.
10- 10 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 174

الجمعة بغير علة لا شاهد فيه، إذ ليس أعظم من قصور يد السلطان علة، و لعله المراد بالعمد في حسن ابن مسلم (1)كما أن

النبوي (2)المزبور قد زيد فيه «و له إمام عادل» بعد قوله (صلى الله عليه و آله): «موتي»

في المروي عن الأمالي و عقاب الأعمال، و لعله حينئذ دال على المطلوب بناء على ما عرفت، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و من مضحكات المقام دعوى بعض المحدثين تواتر النصوص بالوجوب العيني و أنها تبلغ مأتي رواية، و قد تصدى والد المجلسي إلى جمعها في رسالة مستقلة قد أجاد في ترتيبها، لكن العمدة من نصوصها ما أشرنا إليها، و كثير منها لا دلالة فيها على ذلك بوجه من الوجوه، نعم قد اشتملت على لفظ الجمعة و على بيان كيفيتها كما لا يخفى على من لاحظها، و أغرب من ذلك دعوى بعض مصنفي الرسائل في المسألة كالكاشاني و غيره الإجماع على الوجوب العيني، مع أن متعمدهم في هذا الخلاف ثاني الشهيدين في رسالته في المسألة التي قد يظن صدورها منه في حال صغره، لما فيها من الجرأة التي ليست من عادته على أساطين المذهب و كفلاء أيتام آل محمد (عليهم السلام) و حفاظ الشريعة، و لما فيها من الاضطراب و الحشو الكثير، و لمخالفتها لما في باقي كتبه من الوجوب التخييري و نسأل الله أن يتجاوز له عما وقع فيها و عما ترتب عليها من ضلال جماعة من الناس، فإنه قد بذل جهده في تصفح عبارات الأصحاب، فما وجد إلا ظاهر مقنعة المفيد و كتاب الاشراف له و أبي الفتح الكراجكي و أبي الصلاح، و ربما نسب أيضا إلى الشيخ في الخلاف و النهاية و التهذيب، و إلى الصدوق في المقنع و الأمالي، و إلى الشيخ عماد الدين الطبرسي، و بذلك نسبوه إلى أكثر

المتقدمين و إلى إجماع الأصحاب، و قد سمعت عبارة


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 لم تجده فيما أشار إليه- قده- و انما رواه في المستدرك في الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 19 عن تفسير أبى الفتوح.

ج 11، ص: 175

الخلاف و النهاية، و أما المفيد فإنه و إن أوهمت عبارته ذلك لكن من المحتمل قويا إرادة صفات النائب مما ذكره، و أنه ترك اشتراط النيابة لمعلوميته، كما أنه ترك ذكر العدالة في أوصافه لذلك أيضا، بل قيل: انه كاد يكون ذكره كالمستدرك، خصوصا بعد نقل الإجماع من تلامذته كالسيد و الشيخ و عدم إشارتهم إلى خلافه.

بل قال هو في إرشاده في باب ذكر طرف من الدلائل على إمامة القائم (عليه السلام): «من ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام و العلوم في كل زمان، لاستحالة خلو المكلفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح و أبعد عن الفساد، و حاجة الكل من ذوي النقصان إلى مؤدب للجناة مقوم للعصاة- إلى أن قال-: مقيم للحمود حام عن بيضة الإسلام جامع للناس في الجمعات و الأعياد» و ظاهره أن ذلك من خواصه كالعصمة و الكمال، و قال فيها في باب صلاة العيدين: «و هذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام، سنة على الانفراد عند عدم حضور الامام» و في باب الأمر بالمعروف- بعد أن ذكر أن إقامة الحدود إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى، و هم أئمة الهداة من آل محمد (عليهم السلام) و من نصبوه لذلك من الأمراء و الحكام، و قد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان و أكثر في ذلك- قال:

«و للفقهاء من شيعة آل محمد (صلى الله عليه و آله) أن يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس و صلاة الأعياد و الاستسقاء و الخسوف و الكسوف إذا تمكنوا من ذلك» و ظاهره أن ذلك كله من مناصب الأئمة، و أنهم (عليهم السلام) أذنوا فيه، بل قال في المقام:

«فرضنا وفقك الله الاجتماع على ما قدمناه إلا أنه بشريطة حضور إمام على صفات يتقدم الجماعة» و يمكن أن يريد بالإمام المنصوب إماما و لو بالنصب العام، فيوافق القائل بانعقادها مع المجتهد.

ج 11، ص: 176

و أما أبو الصلاح فقد قيل: إن المنقول عنه في الإيضاح و غاية المراد و المهذب البارع و الروض و المقاصد العلية و المقتصر و الجواهر المضيئة استحباب الاجتماع في زمن الغيبة، بل نقل عنه الفاضل العميدي في تخليص التلخيص و الشهيد في البيان و الفاضل المقداد المنع من جوازها كابن إدريس، على أن التأمل في العبارة التي نقلها عنه الخصم يقضي بأن أقصاها الانعقاد الذي يجامع القول بالتخيير، نعم ظاهره وجوب السعي بعد انعقادها، فالتخيير حينئذ في العقد خاصة كما هو أحد القولين بين أهل التخيير، بل قيل: انه أشهرهما.

و أما أبو الفتح فقد يريد بالإمام في كلامه المنصوب و لو بالعموم، و الصدوق (رحمه الله) و ان قال في الأمالي: «و الجماعة يوم الجمعة فريضة واجبة، و في سائر الأيام سنة» و في المقنع «أن صليت الظهر مع الامام يوم الجمعة بخطبة صليت ركعتين، و ان صليت بغير خطبة صليتها أربعا» و لم يذكر شيئا من الشرائط لكن قال في الهداية:

«إذا اجتمع يوم الجمعة سبعة و لم يخافوا أمهم بعضهم و خطبهم- ثم قال-: و السبعة الذين ذكرناهم هم الامام و المؤذن و القاضي و المدعي حقا و المدعى عليه و الشاهدان» و هو ظاهر في المشهور، بل لعل كلامه في الأولين كذلك، و الشيخ عماد الدين الطبرسي في كتابه المسمى بنهج العرفان إلى هداية الايمان بعد نقل الخلاف بين المسلمين في شرط وجوب الجمعة إنما قال: «ان الإمامية أكثر إيجابا للجمعة من الجمهور، و مع ذلك يشنعون عليهم بتركها حيث أنهم لم يجوز و الائتمام بالفاسق و مرتكب الكبائر و المخالف في العقيدة الصحيحة» و هي كما ترى لا صراحة فيها بل و لا ظهور، و كفى بهذا المذهب شناعة احتياج أصحابه في تصحيحه الى دعوى التواتر، و أخرى إلى الإجماع نسأل الله العفو عن أئمتها، و قد بان لك بحمد الله فسادهما معا.

ج 11، ص: 177

و أوضح منهما فسادا الاستدلال بالاستصحاب: أي وجوب الجمعة حال حضور الإمام أو نائبه ثابت بإجماع المسلمين فيستصحب إلى زمن الغيبة و إن فقد الشرط المدعى إلى أن يحصل الدليل الناقل عن ذلك الحكم، و هو منتف، و فيه مضافا إلى ما عرفت من الإجماع على اشتراط الوجوب به حال الحضور، حتى أن الشهيد الثاني الذي هو عمدة الخصوم سلم ذلك فيه، فالاستصحاب و قاعدة المشاركة تقتضي السقوط حينئذ، لانتفاء الشرط أولا، و أنه لا يصلح لنفي الشرطية في الصحة بناء على إجمال العبادة إن كان المراد به ذلك، كأصالة عدم الشرطية، و ثانيا أن الحكم قد تعلق بالحاضرين الواجدين للشرط، فاستصحابه بحيث يثبت الحكم على غيرهم غير معقول، و إن أريد به أن مقتضى الاستصحاب ثبوته في حق الحاضرين على تقدير فقدهم الشرط ففيه أنه لا معنى لاستصحاب الحكم المتعلق بهم المحتمل لكونه مشروطا عندهم، و نفي الشرطية بالنسبة إليهم بإطلاق الأدلة خروج عن التمسك بالاستصحاب، و مع الإغضاء عن ذلك فقد عرفت ما لا يصلح الاستصحاب لمعارضة بعضه فضلا عن جميعه.

و أوضح من ذلك فسادا ما في رسالة ثاني الشهيدين من الاستدلال له بأصالة الجواز، قال: «فانا لم نجد على التحريم دليلا صالحا كما سنبينه، و الأصل جواز هذا الفعل بالمعنى الأعم المقابل للتحريم الشامل لما عدا الحرام من الأقسام الخمسة، ثم الإباحة من الأمور الأربعة منتفية بالإجماع، على أن العبادة لا تكون متساوية الطرفين، و كذا الكراهة بمعنى مرجوحية أحد الطرفين مطلقا من غير منع من النقيض، فبقي من مدلول هذا الأصل الوجوب و الاستحباب، فالثابت منهما أحدهما، لأن الاستحباب أيضا منتف بالإجماع، على أنها لا تقع مستحبة بالمعني المتعارف، بل متى شرعت وجبت، فانحصر أمر الجواز في الوجوب، و هو المطلوب» و هو من غرائب الكلام يقبح بالإنسان التصدي لبيان بطلانه، لبيان بطلانه، بل هذا منه مما يؤيد ما ذكرنا من وقوع هذه الرسالة منه في

ج 11، ص: 178

صغر سنه، و أوضح منه تأييدا ما ذكره فيها أيضا من الاستدلال بأن القول بالوجوب على هذا الوجه قول أكثر المسلمين لا يخرج منه إلا الشاذ النادر من أصحابنا على وجه لا يقدح في تحقق دعوى كونه إجماعا أو يكاد، فإن جملة مذاهب المسلمين ممن يخالفنا يقول بذلك، أما غير الحنفية فظاهر، لأنهم لا يعتبرون في وجوبها إذن الامام، و أما الحنيفة فإنهم و إن شرطوا إذنه لكنهم يقولون: إنه مع تعذرها يسقط اعتبارها، و هذا أغرب من سابقه، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، و إنا لله و إنا إليه راجعون من هذه المصيبة العظيمة.

و لقد وقفت على جملة من الرسائل المصنفة في المسألة نسجوا فيها على منوان هذه الرسالة، و قد أكثروا فيها من السب و الشتم خصوصا رسالة الكاشاني التي سماها بالشهاب الثاقب و رجوم الشياطين، و لو لا أنه آية(1)في كتاب الله لقابلناه بمثله، لكن لا يبعد أن تكون هذه الرسالة و ما شابهها من كتب الضلال التي يجب إتلافها، اللهم إلا أن يرجح بقاءها أنها أشنع شي ء على مصنفيها لما فيها من مخالفة الواقع

في النقل و غيره، بل فيها ما يدل على أنهم ليسوا من أهل العلم كي يعتد بكلامهم و يعتني بشأنهم، و لو أن الشهيد يعلم وقوع هذه البلوى ما احتمل الوجوب في الذكرى معترفا بأن عمل الطائفة على خلافه و من ذلك ينبغي أن يترك الإنسان ذكر بعض الاحتمالات في المسائل القطعية و لو معلقا له على فقد القاطع، فإنه ربما كان ضلالا لغيره، و نسأل الله تعالى أن يكون ما صدر من هؤلاء من شدة المبالغة في الوجوب، حتى حكي عن بعضهم أنه لا يحتاط في فعل الظهر معها ناشئا من حب الرئاسة و السلطنة و الوظائف التي تجعل له في بلاد العجم، و إن كان قد يومي اليه أن أكثر الذاهبين إلى ذلك من أهل هذه النواحي، و لقد قيل: إن بعضهم كان يبالغ في حرمتها حال قصور يده و لما ظهرت له كلمة بالغ في وجوبها، بل يحكى عنهم


1- 1 سورة النحل- الآية 127.

ج 11، ص: 179

أشياء كثيرة في أمثال ذلك، منها أنه قد ورد علينا في أيام كتابة المسألة من هو في غاية الوثاقة من أصحابنا ممن تشرف بزيارة سيدنا و مولانا الرضا (عليه السلام) فأخبرنا بوقوع فتنة عظيمة في أصبهان على مسجد خاص لفعل صلاة الجمعة، و كل محلة انتصرت لإمامها، و كان ما كان، و الله العالم، نسأل الله العفو و العافية و الستر في الدنيا و الآخرة و ما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، و لولا خوف الملل و كون المسألة من الواضحات لنقلنا أكثر كلماتهم في هذه الرسائل، و أوقفناك على ما فيها من الفضائح و المعايب، و لكن الله ستار يحب الستر، على أنه كفانا مؤنة ذلك كله الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك و شرح المفاتيح و رسالته في المسألة، فإنه أكثر و أجاد جزاه الله عن الإسلام و أهله خير الجزاء.

نعم الإنصاف أنه كما أفرط هؤلاء في الدعوى المزبورة أفرط آخرون في الحرمة و أنه لا يجوز لأحد عقدها في زمن الغيبة كما هو المحكي عن ابن إدريس و سلار و الطبرسي و التوني و ظاهر المرتضى، بل قيل: إنه يلوح من جمل الشيخ و الوسيلة و الغنية، بل نسبه جماعة إلى الشيخ في الخلاف و الشهيد في الذكرى و إن كان العيان لا يطابق بعض النقل المزبور، نعم اختاره بعض متأخري المتأخرين منهم الفاضل الأصبهاني في كشفه، و قد أطنب في الاستدلال عليه و إن كان حاصله يرجع إلى ما ذكروه من انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و بأن الظهر ثابتة بيقين فلا تسقط بفعل غيرها، و بأنه على تقدير عدمه يلزم الوجوب العيني، لأنه ظاهر الأدلة السابقة، و هو باطل بالإجماع، و مرجع الأول و الثاني إلى معلومية اشتراط كل عبادة بإذن الشارع ضرورة من الدين و من العقل، و كون الإمامة من مناصب الامام (عليه السلام) فلا يتصرف فيه أحد، و لا ينوب منابه فيه إلا بإذنه ضرورة من الدين و من العقل، و الإجماع فعلا و قولا مع ذلك على توقف الإمامة هنا بخصوصه عند ظهوره على الاذن فيها خصوصا أو عموما، بل خصوصا و لا إذن

ج 11، ص: 180

الآن كما عرفت، و لا دليل على الفرق بين الظهور و الغيبة حتى يشترط الاذن عند الظهور دون الغيبة، و ما يتوهم من أن الفقهاء مأذونون لاذنهم في القضاء و الفتيا و هما أعظم فظاهر الفساد، للزوم تعطل الأحكام و تحير الناس في أمور معاشهم و معادهم و ظهور الفساد فيهم و استمراره إن لم يقضوا أو يفتوا، و لا كذا الجمعة إذا تركت، و أيضا إن لم يقضوا و يفتوا لم يحكموا بما أنزل الله و كتموا العلم و تركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و حرمة الجميع مقطوعة ضرورة من الدين، و إن صلوا الجمعة قاموا مقام الامام و أخذوا منصبه من غير إذنه، و إن سلمنا الاذن في بعض الأخبار فهو مظنون كما حصل في سائر الجماعات، و جواز الأخذ به هنا ممنوع لأنه أخذ لمنصب الامام و ائتمام بمن أخذه، فما لم يحصل القطع بالاذن كما حصل في سائر الإجماعات لم يجز شي ء منهما كسائر مناصبه، و لأنه لا ضرورة تدعو اليه كما تدعو الضرورة إلى اتباع الظن في أكثر المسائل، للاتفاق على وجوب الظهر إذا لم يحصل الإذن لأحد في إمامة الجمعة، فما لم يقطع به يصلي الظهر تحرزا عن غصب منصب الامام و الاقتداء بغاصبه و فعل عبادة غير مشروعة، خصوصا و ظاهر الأصحاب و صريح الفاضل الإجماع على أن الجمعة إنما تجب في الغيبة تخييرا، ففعلها مردد بين الجواز و الحرمة، و كل أمر تردد بينهما وجب الاجتناب عنه حتى يعلم الجواز، و هو ضروري عقلا و دينا، و غاية الأمر أن يتردد فعلها بين الوجوب عينا و الحرمة، و الواجب في كل أمر كذلك أيضا الاجتناب، لأن الأصل عدم الوجوب، و الناس في سعة مما لا يعلمون، فالتارك لاحتمال الحرمة و الجهل بالموجوب معذور، بخلاف الفاعل لاحتمال الوجوب أو ظنه مع احتمال الحرمة.

لا يقال: الأربع ركعات أيضا مترددة بين الوجوب و الحرمة إن قلنا بتعين الجمعة ركعتين لا التخيير بينهما، لأنا نقول: نعم و لكنا مضطرون إلى فعل أحدهما متحيرون إذن في الترجيح، فاما أن يتأمل حتى نرجح إحداهما أو نأتي بهما جميعا، و إذا تأملنا

ج 11، ص: 181

وجدنا الأربع أرجح، إذ ليس فيها غصب لمنصب الامام و الاقتداء بغاصبه، و فيها تأسي بالأئمة (عليهم السلام) فإنهم منذ قبضت أيديهم لم يكونوا يصلون و لا أصحابهم إلا الأربع، فنحن نصليها حتى تنبسط يد إمامنا (عليه السلام) إن شاء الله.

و من ذلك ظهر لك أنه لا معنى للجواب عن هذا الدليل بمنع الإجماع على الاشتراط في زمن الغيبة، ضرورة أنه مقتضى الأصل كما عرفت من غير حاجة الى الإجماع، كما أنه لا معنى لتوهم أن الأمر بالسعي إلى الجمعة أو شهودها أمر بعقدها حتى يظن الاذن في عقدها حينئذ بالكتاب و السنة المستفيضة بل المتواترة من غير شرط لإطلاقها، نعم الذي يتوهم منه الاذن مطلقا أخبار ثلاثة صحيح الحث (1)و خبر الهلاك (2)و المتعة(3)و هي محتملة الحث على حضور جمعات العامة كما يعطيه كلام المفيد في المقنعة، و لأن زرارة و عبد الملك كانا يتركانها خوفا، فآمنهما الإمامان و أذنا لهما بالخصوص في فعلها، و لغير ذلك، على أن الاذن في كل زمان لا بد من صدوره عن إمام ذلك الزمان فلا يجدي زمن الغيبة إلا إذن الغائب (عليه السلام) و لم يوجد قطعا، أو نص إمام من الأئمة (عليهم السلام) على عموم جواز فعلها في كل زمان، و هو أيضا مفقود، و ما يقال من أن حكمهم (عليهم السلام) كحكم النبي (صلى الله عليه و آله) على الواحد حكمهم على الجماعة إلا إذا دل دليل على الخصوص فهو صواب في غير حقوقهم، فإذا أحل أحدهم حقه من الخمس مثلا لرجل لم يعم غيره، و لشيعته لم يعم شيعة غيره من الأئمة (عليهم السلام) فكذا الاذن في الإمامة، خصوصا إمامة الجمعة التي لا خلاف لأحد من المسلمين في أنه إذا حضر إمام الأصل (عليه السلام) لم يجز لأحد غيره الإمامة فيها إلا باذنه، و لو لم يقم وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لم يحرم كتمان العلم و ترك الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المتعة- الحديث 7 من كتاب النكاح.

ج 11، ص: 182

بما أنزل الله لم يجز للفقهاء الحكم و الإفتاء في زمن الغيبة إلا بإذن الغائب روحي له الفداء و لم يكف لهم إذن من قبله و جعله قاضيا.

و قد ظهر لك مما ذكرنا توجيه ما في السرائر- من أن الأربع ركعات في الذمة بيقين، فمن قال صلاة ركعتين تجزي عن الأربع محتاج إلى دليل، فلا يرجع عن المعلوم بالمظنون و أخبار الآحاد التي لا توجب علما و لا عملا- بحيث لا يرد عليه ما قيل من أن اشتغال الذمة يوم الجمعة بالأربع غير معلوم، و الأصل عدمه، إذ قد عرفت أن الاتفاق حاصل على الأربع ما لم يحصل الاذن في الاقتصار على الركعتين، فلا يجوز الاقتصار عليهما ما لم يعلم الاذن و إن قيل به، بل ندعي أن الذمة مشغولة بالركعتين المقرونتين بخطبتين المنفردتين عن ركعتين أخر بين، فما لم يعلم الإذن بالأربع لم تبرأ الذمة بيقين، قلنا: أما على التخيير فالجواب ظاهر، لحصول اليقين بالبراءة بالأربع قطعا، و أما الركعتان فإنما يحصل اليقين بالبراءة بهما إذا حصل اليقين بالتخيير، و أما على ما يحتمل من الوجوب عينا فنقول: من المعلوم اشتراط صحة الركعتين و حصول البراءة بهما بإمام مأذون في إمامته، بخلاف الأربع فلا شرط لها، فما دام الشك في وجود إمام كذلك يحصل اليقين بالبراءة بالأربع دون الركعتين، و يؤكد الأمرين استمرار الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم على الأربع من زمن زين العابدين (عليه السلام)، و الاكتفاء في البراءة بالظن الشرعي و إلا لزم التكليف بما لا يطاق متجه إذا انتفى الطريق إلى العلم، و قد عرفت العلم بالبراءة بالأربع خصوصا على التخيير، فلا يترك بالظن، و إن تنزلنا قلنا: الأمر مردد بين تعين الأربع و تعين الركعتين، ثم تأملنا فلم نر دليلا على الثاني إلا ما يتوهم من ظاهر الأخبار، و قد عرفت أنها لا تدل على الاذن فضلا عن التعيين، و إذا لم تدل على الاذن تعينت الأربع ضرورة و لو احتياطا.

و لو قلب الأمر فقال: إنا تأملنا فلم نجد دليلا على تعين الأربع إلا عدم الاذن

ج 11، ص: 183

في سقوط ركعتين و في الإمامة و الائتمام و في الخطبة و يدفعها ظواهر الأخبار مع أنه لا دليل على ثبوت الركعتين ليفتقر إلى الدليل على سقوطهما، قلنا: لا خلاف في ثبوت الركعتين مع الركعتين إذا انتفت الجماعة أو الخطبتان، و لا خلاف في أنها إنما تثبت باذن الشارع، و الأخبار كما عرفت إنما تدل على أن في الوجود جمعة ثنائية، و هو لا يجدي إلا أخبار ثلاثة تحتمل الأمر بها أو إباحتها، لكنها إنما تفيد إن أمكن العمل بها على إطلاقها، و قد عرفت الإجماع على خلافه، و أن العمل بها مشروط بشرط أو شروط لم تذكر فيها، أو بارتفاع مانع أو موانع لم يذكر فيها، و أن التردد بين هذين الاحتمالين يكفي في التردد في الاذن، بل قد عرفت الإجماع قولا و فعلا على اشتراطها زمن ظهور الامام (عليه السلام) باذنه لخصوص إمام في إقامتها، فما الذي أذن فيه مطلقا في زمن الغيبة مع ورود الأخبار زمن الظهور، على أنك عرفت أنه لا بد من إذن كل إمام (عليه السلام) لرعيته أو عموم الاذن من أحدهم (عليهم السلام) لجميع الأزمان، و لا يوجد شي ء منهما زمن الغيبة، و سمعت خبري سماعة(1)و ابن مسلم (2)الظاهرين في عدم عموم الامام لكل من يصلح إماما في الجماعة، هذا أقصى ما يقال لهم.

و فيه منع شرطية الصحة بذلك في زمن الغيبة خصوصا مع البناء، على أن العمدة في إثباتها زمن الحضور الإجماع، و المعلوم منه على اشتراط العينية بها لا الصحة، أو على خصوص زمن الحضور، فيقتصر عليه حينئذ في تقييد الإطلاقات، و من هنا استوجه بعضهم العينية على تقدير انتفاء التحريم معللا له بأنه مقتضى الإطلاقات المقتصر على تقييدها بالحضور، و إن كان فيه أنه و إن كان هو مقتضي الإطلاقات إلا أنه ينبغي رفع اليد عن اقتضائها العينية بالإجماع على عدمها أيضا فيه كما عرفت، و النصوص المستفيضة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.

ج 11، ص: 184

التي تقدم شطر منها، و لو رفعنا يدا عن الإطلاقات التي لم تسق لبيان ذلك كما عرفته سابقا أمكن حينئذ الاستناد إليها في قطع قاعدة توقف العبادة على إذن الشارع، و قاعدة التصرف في حق الغير بغير إذنه بعد تسليم عدم اندراج إمامة خصوص الجمعة في باقي الصلوات التي رخصوا في الإمامة بها، و تسليم أن مطلق إمامة الجمعة من مناصبه لا أن منصبه وجوب عقد الجمعة و الاجتماع إليها من رأس فرسخين من كل ناحية كما عساه يظهر من النصوص، بخلاف جمعة الغيبة فإنه يخير في

عقدها و السعي إليها كما حكاه في كشف اللثام عن ظاهر شرح الإرشاد لفخر الإسلام، بل استوجه هو أيضا، قال:

«لأنه إذا كان في العقد الخيار لم يمكن التعين على من بعد فرسخين، لأنه إنما يتعين عليه إذا علم الانعقاد و لا يمكنه العلم به غالبا إلا بعده» قلت: و لظهور النصوص (1)في وجوب السعي إلى تلك الجمعة، لكن عن شرح الإرشاد للشهيد أن من أوجبها في الغيبة تخييرا كالمصنف إنما خير في العقد لا في السعي إليها إذا انعقدت، فيوجبه عينا، و ذلك للأخبار و الآية(2)على المشهور في تفسيرها.

و كيف كان فلا ريب في صلاحية النصوص المزبورة للخروج بها عن القاعدتين و للفرق بين زماني الحضور و الغيبة، و القضاء و غيره من مناصبهم (عليهم السلام) أعظم من إمامة الجمعة قطعا، و قد ثبت مشروعيته لغيرهم بأقل من هذه النصوص عددا بمراتب و أضعف سندا، فهي أولى بذلك، و دعوى أن مثل هذا الظن لا يجوز العمل به في مثل ذلك من غرائب الكلام، إذ هو إما من الأحكام الشرعية المعلوم ثبوتها بنحو ذلك، أو كالأحكام، و إن كان الإمامة من مناصبهم (عليهم السلام) إلا أن الاذن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 سورة الجمعة- الآية 9.

ج 11، ص: 185

فيها منهم من قبل الله تعالى قطعا، فيكون حكما شرعيا يصلح الدليل الشرعي لإثباته قطعا و

عدم الضرورة في المقام إلى الدليل الظني لا ترفع جواز العمل به، و إلا لوجب الاحتياط في سائر الأحكام الشرعية، على أنه يمكن هنا دعوى القطع بالإذن بملاحظة النصوص التي تقدم بعضها، كصحيح الحث (1)و صحيح السبعة(2)و صحيح منصور(3)و صحيح عمر بن يزيد(4)و موثق ابن بكير(5)و صحيح محمد بن مسلم (6)و خبر الفضل بن عبد الملك (7)و خبر هشام (8)و خبر الكشي (9)و غيرها من النصوص المعتبرة التي فيها الصحاح و الحسان و غيرهما الواردة عنهم (عليهم السلام) حال قصور أيديهم في كيفية الخطبة و القنوت و الصلاة و العدد و القراءة و المزاحمة و إدراك الركعة و إدراك التشهد و كيفية القنوت، خصوصا

خبر عمر بن حنظلة(10)منها، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): القنوت يوم الجمعة فقال: أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الأولى، و إذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية»

و غير ذلك على وجه يعلم إرادة بيان ذلك للرواة و تعليمهم حال التمكن من فعلها مع عدم التقية، و مع فرض الحرمة في زمن الغيبة الذي منه زمن قصور اليد تكون النصوص خالية عن الثمرة المعتد بها، بل ربما كان تركها

حينئذ أولى من وجودها، خصوصا المشتمل منها على ما ينافي التقية كخبر الخطبة و القنوت و غيرهما، و لولا خوف الملل بالاطناب لذكرناها مفصلة، و سيمر عليك


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المتعة- الحديث 7 من كتاب النكاح.
9- 9 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 11.
10- 10 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 5.

ج 11، ص: 186

في أثناء مباحث الباب جملة وافرة، و ذكر بعض الاحتمالات في بعضها لا ينافي الظهور، كما أنه لا ينافي القطع الحاصل بملاحظتها تماما، و هي أكثر مما جمعها القائل بالوجوب العيني في ضمن المأتي رواية زاعما دلالتها على مطلوبه، و ليست كذلك.

نعم لا ينبغي إنكار ظهورها في مطلق المشروعية، فتصلح ردا للقائل بالحرمة، بل لا بأس في دعوى تواترها في ذلك أو القطع بالحكم من جهتها لكثرتها و اقترانها بأمور كثيرة تشعر بذلك، خصوصا بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة نقلا و تحصيلا، بل حصر غير واحد الخلاف في ابن إدريس و سلار، بل ربما حكي الإجماع على خلافهما، بل ربما استظهر من المقاصد العلية ذلك أيضا، بل يمكن تحصيله مع التأمل في كلمات الأصحاب و التتبع، فلاحظ و تأمل، بل من النصوص المزبورة يعلم ما في دعوى أن أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ما صلوا الجمعة منذ قبضت أيدي أئمتهم، ضرورة حصول القطع منها بوقوع ذلك منهم أحيانا حيث لا تقية كما لا يخفى على من لاحظها مع التأمل، و مع الأعضاء عن ذلك كله فدعوى القطع بالبراءة بفعل الظهر مع التحير و التردد لتصادم الأدلة و تعارضها حتى على القول بوجوب الجمعة عينا في غاية الغرابة، ضرورة أنه ليس في الأدلة ما يقضي بوجوب الظهر على سائر المكلفين حتى يعلموا الاذن في الجمعة، و كون الواجب سابقا الظهر ثم بعد مدة وجبت الجمعة لا يقضي بذلك قطعا، فلا طريق في الفرض المزبور إلا فعلهما معا احتياطا يرتفع من جهته الحرمة التشريعية كما في غيره، إذ لا حرمة ذاتية في المقام قطعا كي يحتاج إلى الترجيح بينهما بما ذكره المستدل مما يمكن معارضته بورود الحث الشديد و التوعد على ترك الجمعة، و أنها مشتملة على الدعاء لآل محمد (صلى الله عليه و آله) و الوعظ و الزجر، و بأن فيها تأسيا بفعلهم (ع) لها زمن الظهور، و حفظ آثار سلطنتهم (عليهم السلام) و التفؤل بها و غير ذلك من المصالح، و فعلها لاحتمال الوجوب لا غصب فيه قطعا.

ج 11، ص: 187

ثم إن النصوص الدالة على المشروعية المقتضية بإطلاقها عدم المنصوب الخاص ظاهرة في أن ذلك حكم الجمعة في نفسه زمن صدور الأخبار، فلا حاجة حينئذ إلى إذن إمام الوقت (عليه السلام) كباقي الأحكام الشرعية، و أظرف شي ء دعوى احتمال خبري زرارة(1)و عبد الملك (2)الاذن لهما بالخصوص في إمامة الجمعة مع عدم الاشعار فيهما بشي ء من ذلك، بل ظاهرهما خلاف ذلك، كدعوى أن الأخبار قد صدرت زمن الظهور المعلوم تقييده بالنائب الخاص، إذ فيها أن أكثر أخبار الإذن بل جميعها زمن قصور اليد، و هو من زمن الغيبة، إذ المراد

بزمن الظهور ظهور السلطنة لا ظهور الأجسام كما هو واضح، و أظرف منهما دعوى أن الذي يوهم الاذن أخبار ثلاثة، إذ قد عرفت أنها يمكن كونها متواترة بل فوق التواتر، و أظرف من الجميع دعوى توجه القول بالتحريم و إلا لزم القول بالوجوب عينا الذي قد علمت ما يقتضي نفيه من النص و الإجماع و غيرهما كما أنك علمت ما يقتضي التخبير من غير إطلاق الكتاب و السنة المقتضي بظاهره التعيين فلا تلازم بينهما قطعا، و قد ظهر من ذلك سقوط القول بالتحريم على وجه يقرب من القول بالعينية أو يساويه.

كما ظهر أن العمدة في ثبوت التخيير المزبور تواتر النصوص في مشروعيتها زمن قصور السلطنة من غير تعرض لاعتبار الشرط المزبور، بل ظاهرها أو صريحها خلافه منضما إلى الإجماع و غيره مما عرفت على نفي الوجوب عينا، و إلى أنه مقتضى الجمع بين ما دل على الأربع مع عدم المنصوب مما عرفت سابقا و بين ما دل على مشروعية فعلها بدونه، و الشاهد منها و من غيرها قائم إذا كنت قد أحطت بما ذكرناه، لا أن الدليل فيه أصل الجواز و عدم الاشتراط إلا بما يشترط به الظهر إلا ما خرج، و أصل جواز الإمامة و الائتمام، و أصل عدم وجوب أربع ركعات في الظهر عينا إلا ما أجمع عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 188

و استصحاب جواز فعلها إلى أن يظهر المانع، و التأسي خصوصا بعد

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

و الآية(2)و ما شابهها من الإطلاقات حتى يستظهر الخصم بالتطويل في ردها و إفسادها كما وقع من الفاضل الأصبهاني في كشفه، مع أنه يمكن تصحيح بعضها و إبطال ما أبطله به لو كنا في حاجة إليه كما لا يخفى على من لاحظه، و لعمري لقد أتعب نفسه في المقام و أكثر من النقض و الإبرام و أطنب في الجواب على تقدير السؤال و ظن أنه بلغ المقام و أكثر من النقض و الإبرام و أطنب في الجواب على تقدير السؤال و ظن أنه بلغ الغاية فيما قيل أو يقال و كل ما يحتمل أنه قد يقع في الآراء و لم يعلم أنه حفظ شيئا و غابت عنه أشياء، و كأنه احتاط في الفرار من الوجوب العيني، فوقع من الجانب الآخر، و لو أنصف المتأمل وجدهما معا خارجين عن الانصاف و الاعتدال.

و يقرب منهما في السقوط القول باختصاص التخيير المزبور في المجتهد، إذ ليس في شي ء مما يقتضيه إشعار بذلك فضلا عن الظهور، و إن جزم به المحقق الثاني محتجا على أصل الجواز بالاية، و خبري زرارة(3)و عبد الملك (4)و صحيحي عمر بن يزيد(5)و منصور(6)و الاستصحاب، و على نفي العينية في زمن الغيبة بالإجماع، و على اعتبار المجتهد بأنه لا نعلم خلافا بين أصحابنا في أن اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الامام و

غيبته، قال: «و عبارات الأصحاب ناطقة بذلك- ثم حكى عبارتي التذكرة و الذكرى في الاشتراط إلى أن قال-: و غير ذلك من كلامهم، فلا نطول بحكايته، فلا يشرع فعل الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط، و قد نبه


1- 1 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.
2- 2 سورة الجمعة- الآية 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7.

ج 11، ص: 189

المصنف على ذلك في المختلف و شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد، و ما يوجد من إطلاق بعض العبارات فعل الجمعة من غير تقييد كما في عبارة هذا الكتاب فالاعتماد فيه على ما تقرر في المذهب و صار معلوما بحيث صار التقييد به في كل عبارة مما يكاد يعد مستدركا- ثم قال-: و ربما بني القولان في المسألة على أن إذن الامام شرط الصحة أو شرط الوجوب، فعلى الأول لا يشرع في الغيبة لفقد الشرط، و على الثاني تشرع» و ينبغي أن يراد بالإذن الإذن الخاص لشخص معين لا مطلق الاذن لاشتراط الفقيه حال الغيبة و يراد بالوجوب الحتمي لينتفي على انتفائه أصل الوجوب، و يراد بقوله: «و على الثاني تشرع» عدم الامتناع إذا دل الدليل لعدم المنافي، و قال في رد ما استند اليه ابن إدريس على الحرمة بأن من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة، و هو منتف، فتنتفي الصلاة ببطلان انتفاء الشرط: «فان الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى منصوب من قبل الامام، و لهذا يمضى أحكامه، و تجب مساعدته على إقامة الحدود و القضاء بين الناس، لا يقال: الفقيه منصوب للحكم و الإفتاء، و الصلاة أمر خارج عنهما، لأنا نقول: هذا في غاية السقوط، لأن الفقيه منصوب من قبلهم (عليهم السلام) حاكما كما نطقت به الأخبار(1)و قريبا من هذا أجاب المصنف و غيره».

قلت: و كأنه منه و مما دل على اشتراط الإمام أو نائبه ممن عرفته سابقا مفصلا من الإجماع و غيره، وقع فيما وقع من دعوى اختصاص التخيير عند القائل به بالفقيه، لكن قد عرفت فيما مضى أن العمدة في إثبات التخيير في زمن الغيبة النصوص المستفيضة أو المتواترة على اختلاف كيفية دلالتها، و لا إشارة في شي ء منها إلى اشتراط الفقيه، بل ظاهرها خلافه ظهورا كاد يكون كالصريح، بل منها ما هو دال على ذلك كخبر


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

ج 11، ص: 190

عبد الملك (1)و غيره قبل نصب الفقيه الذي علمناه من مقبولة ابن حنظلة(2)بل لم يعلم تأخر أخبار التخير عن الصادق (عليه السلام) أيضا، و دعوى تقدم النصب و أنه كان ثابتا زمن النبي (صلى الله عليه و آله) أيضا في حيز المنع، بل ظاهر

قوله (عليه السلام): «فاني قد جعلته»

كون النصب منه (عليه السلام)، نعم الظاهر إرادته عموم النصب في سائر أزمنة قصور اليد، فلا يحتاج إلى نصب آخر ممن تأخر عنه، على أن النصب من إمام الزمان روحي له الفداء متحقق، كما رواه

إسحاق بن يعقوب (3)عنه (عليه السلام) في جواب كتاب له سأله فيه عن أشياء أشكلت عليه، فقال له: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله عليكم»

و الإجماع قولا و فعلا على مضمونه، و كأنه لم يعثر على هذا الخبر في كشف اللثام فأنكر ورود النصب من صاحب الزمان (عليه السلام).

و على كل حال فالتخيير الثابت في النصوص حاصل قبل النصب المزبور قطعا، ضرورة ظهورها في أن ذلك حكم شرعي زمن قصور اليد، و قد عرفت منع قدم النصب من

النبي (صلى الله عليه و آله) و إن أرسل في الفقيه (4)عنه (صلى الله عليه و آله) «اللهم ارحم خلفائي فقيل له من خلفاؤك؟ فقال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي و سنتي»

إذ هو- مع إرساله و احتماله الإشارة إلى خصوص الأئمة (عليهم السلام) أو إلى من نصبوه- لا دلالة فيه على النصب كما هو واضح.

و أما ما دل على الاشتراط المزبور الذي عمدته الإجماع المعتضد بالشواهد التي ذكرناها فهو منزل بقرينة كلامهم في حكمها

زمن الغيبة على اشتراطه في العينية، كما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي- الحديث 1 من كتاب القضاء.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي- الحديث 10 من كتاب القضاء.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي- الحديث 8 من كتاب القضاء.

ج 11، ص: 191

الأقوى على ما عرفت سابقا، أو الصحة زمن الظهور خاصة، فنصبه (عليه السلام) نائبا في زمن الغيبة- بعد تسليم أنه غير مختص في التسجيل بالحلال و الحرام كما هو الظاهر من المقبولة(1)خصوصا مع التعبير بقاضيا في خبر أبي خديجة(2)المتحد معها موردا على وجه يظن أو يقطع باتحاد المراد منهما- لا ينافي ثبوت التخيير لغيره أيضا بإطلاق الإذن، بل لعله هو المستند له في التخيير أيضا بناء، على أعمية النيابة من الاذن، كما عساه يظهر من الذكرى حيث أنه بعد أن حكى الإجماع على اشتراط الجمعة بالسلطان العادل أو نائبه قال: «و يشترط في النائب أمور تسعة- إلى أن قال-: التاسع إذن الامام (عليه السلام) له كما كان (صلى الله عليه و آله) يأذن لأئمة الجمعات و أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده» و إن كان للنظر فيه مجال، إلا أنه على كل حال لا دلالة في النيابة زمن الغيبة على

تقييد ما دل بإطلاقه على التخيير لغيره أيضا.

و دعوى إلغاء ثمرة النيابة حينئذ لأن الفرض أنه تخييري بالنسبة إليه أيضا للإجماع على عدم الوجوب العيني عليه يدفعها أولا أنه ليس الغرض من النيابة خصوص الجمعة حتى تلحظ لها ثمرة خاصة، و ثانيا بإمكان جعل الثمرة وجوب السعي إلى ما يعقده من الجمعة من رأس فرسخين بخلاف غيره لو عقد بناء على ما قلناه سابقا، و من الغريب دعواه عدم العلم بالخلاف في اشتراط السلطان أو نائبه بين زمن الحضور و الغيبة إلا أن الإجماع على عدم العينية على نائب الغيبة، مع أنا لم نعرف أحدا قبله صرح بذلك، بل في كشف اللثام «هل يشترط فعلها بامامة الفقيه المستجمع لشرائط الإفتاء أم لا يشترط في إمامها إلا شروط إمام الجماعة؟ صريح المفيد و الحلي العدم، و قد سمعت كلامهما، و أطلق الشيخ و ابنا سعيد، و ليس في التذكرة و اللمعة و الدروس إلا فعل الفقهاء، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي- الحديث 1 من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي- الحديث 7 من كتاب القضاء.

ج 11، ص: 192

ظاهر المختلف، قال: لأن الفقيه المأمون منصوب من قبل الامام (ع) و لهذا يمضى أحكامه و يجب مساعدته على إقامة الحدود و القضاء بين الناس، و في الخلاف» ثم حكى عبارته المتقدمة سابقا، قلت: يمكن إرادة المتفقهة من الفقهاء نحو ما سمعته من عبارة المقنعة و إحدى عبارتي النهاية، بل ينبغي الجزم به في نحو عبارة التذكرة التي قد سمعت الاستدلال فيها في العبارة الثانية على عدم الوجوب بانتفاء الشرط الذي هو السلطان أو نائبه نحو ما سمعته من المعتبر، بل لعل عبارتي الدروس و اللمعة كذلك أيضا بقرينة ما في الذكرى من الاعتماد في الجواز زمن الغيبة على أن ذلك: أي السلطان أو نائبه شرط مع الإمكان لا مطلقا، بمعنى أن الاذن العام حينئذ موجود فلا حاجة إلى إذن خاص لشخص أو أشخاص بأعيانهم، بل لعل مراد المختلف الرد على ابن إدريس حيث ادعى الحرمة لانتفاء الشرط الذي هو السلطان أو نائبه و لو بالإيجاب الجزئي، خصوصا مع ملاحظة كلامه في باقي كتبه و عدم تعرضه لاشتراط الفقيه في الجواز، بل جعل المدار كغيره من الأصحاب على إمكان الاجتماع و الخطبتين، بل عنونوا المسألة بذلك، بل قد سمعت عبارة الخلاف المصرحة بالاذن لأهل السواد، و ما في الغنية قد عرفت الحال فيه سابقا، فما أدري أين الإجماع الذي ذكره، و لقد أجاد ثاني الشهيدين في رسالته المصنوعة في المسألة في شدة الإنكار عليه في هذه الدعوى، بل ربما وقع منه سوء أدب معه، بل ظاهره أو صريحه الإجماع على خلاف الدعوى المزبورة، و هو في محله، كما أنه يمكن منع ما ادعاه من الإجماع على نفي العينية عليه بعد فرض أنه من النواب فيها، ضرورة أن الأصحاب نفوها لعدم النائب فيها لا أنه مع وجوده لا تجب، فرقا بين زمن الظهور و الغيبة، و من هنا كان خيرة المحدث المتبحر الشيخ حسين بن عصفور في رسالته وجوبها عينا عليه، و ظاهرها الحرمة على غيره، قال: «و القول بالتخيير له كما وقع لمتأخري

ج 11، ص: 193

أصحابنا دون زمن حضورهم من التحكمات الباردة» و هو كذلك إلا أن ما ذهب إليه أيضا مثله في البرودة، لما عرفت فيما تقدم سابقا مما يدل على نفيها عينا و ثبوتها تخييرا من غير فرق بين الفقيه و غيره في ذلك، بل يمكن دعوى إجماع من لم يحرم عدا من عرفت عليه فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[في حكم ما لو مات الإمام في أثناء الصلاة]

و كيف كان فلو مات الإمام في أثناء الصلاة لم تبطل إجماعا بقسميه و جاز أن يتقدم الجماعة بنفسه أو بتقديمهم له من يتم بهم الصلاة منهم كما في غير الجمعة، لكن إذا كان جامعا للشرائط التي منها هنا كونه مأذونا حيث تكون الأذن معتبرة، و في وجوب تجديد نية الاقتداء به تردد كما عن النهاية من أنه خليفة الأول فينزل منزلته و من وجوب تعيين الامام، و قال في التذكرة: «لو استناب لم يجب على المأمومين استئناف نية القدوة لأنه خليفة، و الغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول و إدامة الجمعة، و هو أحد وجهي الشافعي، و فيه إشكال ينشأ من وجوب تعيين الامام فيجب استئناف نية القدوة، و في الآخر يشترط لأنهم انفردوا بخروج الامام من الصلاة و كذا لو لم يستنب الامام و قدم المأمومون إماما» و قد يحتمل كلامه الفرق بين استخلاف الامام و تقدمه أو تقديم المأمومين له، و الأقوى التجديد في الجميع، و على كل حال فالجواز لا ريب فيه، بل الظاهر وجوب تقدمه و تقديمه للتمكن من تحصيل الشرط مع النهي عن إبطال العمل.

و دعوى أن الجماعة شرط فيها في الابتداء دون الاستدامة كما جزم به في المدارك لا شاهد لها إلا القياس على بعض الصور على تقدير تسليمها لإجماع و نحوه، بل ظاهر ما دل (1)على الشرطية عدم الفرق فيها بين الابتداء و الاستدامة، لأنها اسم للمجموع، قال في المحكي عن المنتهى: «إن لم يستخلفوا و نووا الانفراد فهل يتمون الجمعة أو ظهرا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 194

أو تبطل؟ لم أجد لأصحابنا نصا فيه(1) ، و الوجه وجوب الاستخلاف، فمع عدمه تبطل الجمعة» و في التحرير «و لو مات الإمام أو أغمي عليه أو أحدث و لم يستخلف استخلف المأمومون غيره ليتم بهم، و لو لم يستخلفوا و نوى الجميع الانفراد ففي بطلان الجمعة نظر» و المراد من ذلك عدم القطع عند الأصحاب بأن الجماعة شرط في الابتداء دون الاستدامة، و أنه فرق واضح بين الجمعة و غيرها من الفرائض في ذلك، ضرورة صحة فعلها فرادى، فمع عروض العارض للإمام في الأثناء تصح حينئذ فرادى بخلاف الجمعة كما تسمع التصريح، به من الذكرى في بحث العدد، بل حكي عنها و عن الجعفرية و

شرحها و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و الميسية و المسالك التصريح بوجوب التقديم أو التقدم في الفرض، بل لعله المراد من

خبر علي بن جعفر(2)سأل أخاه (عليه السلام) «عن إمام أحدث فانصرف و لم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها، و قد تم صلاتهم»

إذ الظاهر الاتفاق على عدم البطلان في غير الجمعة إذا لم يتموا صلاتهم بإمام.

نعم قد يقال بعدم اشتراط الاذن هنا، فيكفي صلاحية الإمامة، لا طلاق ما دل عليه مع عدم ما يقتضي اشتراطها في مثل الفرض، و لأنها جمعة انعقدت صحيحة فيجب إكمالها، و الاذن شرط في الابتداء دون الأثناء، و على الشرطية فالمتجه بطلانها جمعة، كما إذا لم يوجد صالح للإمامة أصلا، لما عرفت من قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه و عدم الشاهد على الدعوى المزبورة، لكن في بطلانها و إتمامها ظهرا وجهان ينشئان من احتمال التنويع و عدم الدليل على الانقلاب أو جواز القلب، فما قصد لم يحصل، و ما حصل لم يكن مقصودا من أول الأمر، و احتمال الفردية و أن المنوي صلاة الظهر، فهو أشبه


1- 1 و في النسخة الأصلية «نصا فيه نصا».
2- 2 الوسائل- الباب- 72- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 195

شي ء بالقصر و الإتمام.

و لا فرق فيما ذكرنا بين وقوع ذلك في الركعة الأولى أو الثانية، لأن إدراك الركعة بمنزلة إدراك الكل إنما هو بالنسبة إلى الوقت، و من ذلك كله ظهر لك ما في التذكرة، قال: «لو لم يستنب الإمام أو مات أو أغمي عليه فان كان بعد ركعة استناب المأمون و قدموا من يتم بهم الصلاة، و للواجد منهم أن يتقدم، بل هو أولى، لأن الإمام قد خرج و المأمومون في الصلاة، و به قال الشافعي، و فيه إشكال ينشأ من اشتراط الإمام أو إذنه عندنا، و من كونها جمعة انعقدت صحيحة فيجب إكمالها، و الاذن شرط في الابتداء لا في الإكمال، فإن قلنا بالأول احتمل أن يتموها جمعة فرادى كما لو لم يبق إلا واحد، و أن يتموها ظهرا لعدم الشرط، و هو الجماعة مع العدد، و إن كان في الأولى قبل الركوع احتمل إتمامها ظهرا، إذ لم يدرك أحد منهم ركعة فلم يدركوا الصلاة، و جمعة لانعقادها صحيحة، فيكمل كما لو بقي الامام، و كلا الوجهين للشافعي» إذ هو كما ترى فيه نظر من وجوه.

[في حكم ما لو أحدث الإمام في أثناء الصلاة]

و كذا لا تبطل الصلاة قطعا لو عرض للمنصوب ما يبطل الصلاة من إغماء أو حدث للأصل و غيره، لكن في التذكرة «لو أحدث الإمام في صلاة الجمعة أو غيرها أو خرج بسبب آخر جاز أن يستخلف غيره ليتم بهم الصلاة عند علمائنا» و في كشف اللثام «و لو أحدث جاز أن يستخلف من يتم بهم إجماعا كما في التذكرة و المنتهى، و قال أبو حنيفة: إن تعمد الحدث بطلت صلاتهم» قلت: قد يظهر منه الفرق بين الموت و نحوه و الحدث و نحوه بالاستخلاف في الثاني دون الأول، و لعله لخروجه عن قابلية التكليف، فلا يصح استخلافه الذي هو بمنزلة التوكيل بخلافه في الحدث و نحوه، و فيه أنه اعتبار لا يصلح لأن يكون مدركا لمثله، و المتجه أنه إن كان للمنصوب إذن في النصب جاز و إلا فلا، كما أن المتجه بناء على ما عرفت وجوب تحصيل الجماعة الجامعة

ج 11، ص: 196

للشرائط التي منها الاذن حيث يعتبر في إتمام الصلاة، فان لم يمكن ففي بطلان الصلاة أو إتمامها ظهرا ما عرفته سابقا، إذ لا فرق بين الحدث و غيره، و إطلاق ما دل على الصحة مع عروض ذلك للإمام مقيد بما دل على اعتبار ما ذكرنا في الجمعة، أو أن أقصاه التعارض من وجه، و لا ريب في أن الترجيح لما ذكرنا ما لم يحصل إجماع بخلافه، و الظاهر عدمه كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في المقام، و عرف ما فيها من التشويش.

نعم لا يشترط في إمام الإتمام أن يكون قد سمع الخطبتين بعد فرض تلبسه للإطلاق، و ليس هو كغير المتلبس أصلا الذي لو جوزنا إمامته في الإتمام كما عن المنتهى استلزم جواز عقد جمعة بعد جمعة، بل قد يستلزم في بعض صوره حصول الجمعة له بلا عدد، بخلاف المتلبس الذي أقصاه حصول ركعة من الجمعة بلا عدد، و لا بأس به كالمأموم المسبوق بركعة، و به صرح في التذكرة، لكن

سأل سليمان بن خالد(1)الصادق (عليه السلام) في الصحيح «عن الرجل يؤم القوم فيحدث و يقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ قال: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة و لكن يأخذ بيد غيره فيقدمه»

و

قال (عليه السلام) أيضا في خبر معاوية بن شريح (2): «إذ أحدث الامام و هو في الصلاة فلا ينبغي أن يتقدم إلا من شهد الإقامة»

نحو

قوله (عليه السلام) في خبر معاوية بن ميسرة(3): «لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة»

إلا أن الظاهر إرادة الكراهة من ذلك بقرينة باقي النصوص (4)المستفيضة المعتبرة المفتي بمضمونها في صحة استنابة المسبوق كما تسمعها في محلها إن شاء الله.

نعم ظاهر القواعد و التذكرة هنا عدم جواز دخول غير المتلبس في الائتمام بالإمام الثاني فضلا عن الإمامة، و أنه يتعين عليه الظهر إذا لم يتمكن من جمعة صحيحة، لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 11، ص: 197

هو لا يخلو من إشكال، لأنها جمعة مشروعة، و لذا صرح غير واحد بالدخول فيها، و لو كان

المأموم في الجمعة ممن يصلي الظهر معهم، ففي جواز استخلافه لإتمام الجمعة و إن كان هو يصلي ظهرا إشكال أقر به العدم، و قال في كشف اللثام: «الإمام الثاني يجوز أن يكون مسبوقا إذا أدرك الجمعة بإدراك الإمام الأول قبل الركوع أو فيه، أما إذا لم يدرك الجمعة ففيه تردد كما في التذكرة، و استقرب الجواز في المنتهى و التحرير، و لا يجوز أن يكون ممن لم يدخل معهم في الصلاة، لأنه عقد جمعة بعد جمعة أو اتباع للإمام المأمومين، و جوزه في المنتهى» قلت: قال في التذكرة: «لا يشترط في المستخلف أن يكون قد سمع الخطبة أو أحرم مع الامام، سواء أحدث الإمام في الركعة الأولى أو الثانية قبل الركوع- إلى أن قال-: و قال الشافعي: إن استخلف بعد الخطبة قبل أن يحرم في الصلاة جاز أن يستخلف من حضرها و سمعها، و لا يجوز أن يستخلف من لم يسمعها، و إن أحدث بعد التحريمة فإن كان في الركعة الأولى جاز أن يستخلف من أحرم معه قبل حدثه سواء كان دخل معه قبل الركوع أو بعده و إن لم يكن سمع الخطبة، لأنه بدخوله معه في الصلاة ثبت له حكمها، و لا يجوز أن يستخلف من لم يدخل معه، لأنه يكون مبتدئا للجمعة، و لا يجوز عقد جمعة بعد جمعة، بخلاف المسبوق، لأنه متبع لا مبتدء، و إن أحدث في الثانية جاز له أن يستخلف من دخل معه قبل الركوع أو فيه، و يتمون بعد الجمعة، و هل يتم هو الجمعة أو الظهر؟ قال أكثر أصحابه: بالأول، و هو جيد عندنا، لأنه أدرك الجمعة بإدراكه راكعا، و إن استخلف من دخل معه قبل الركوع قال أكثر أصحابه: لا يجوز، لأن فرضه الظهر، فلا يجوز أن يكون إماما في الجمعة، و قال بعضهم: يجوز كالمسبوق و المسافر يأتم بالمقيم، و عندي في ذلك تردد، و كذا التردد لو استناب من يبتدئ بالظهر» و في التحرير «الأقرب جواز استخلاف من فاتته الجمعة و يصلي هو الظهر» و لم تحضرني عبارة المنتهى، و في الجميع ما لا يخفى، ضرورة اشتراط

ج 11، ص: 198

صحة صلاة الجمعة بإمام يصلي جمعة من غير فرق بين الابتداء و الاستدامة، و جواز كون المأموم يصلي ظهرا و الامام جمعة لا يقتضي بجواز العكس قطعا، و إلا لجاز ابتداء، و هو مقطوع بفساده، هذا، و طريق الاحتياط في أكثر صور المسألة لا ينبغي تركه، و الله أعلم.

[الشرط الثاني العدد]

الشرط الثاني العدد إجماعا بقسميه و نصوصا(1)نعم لا يعتبر فيه أزيد من سبعة أحدهم الامام، و لا يكفي فيه الأقل من خمسة إجماعا في المقامين بقسميه و نصوصا(2)بل الظاهر اتفاق الأصحاب عدا الحلبي في المحكي عن إشارته على عدم توقف صحة العقد على الأزيد من الخمسة، و إن اختلفوا في وجوبه عينا بها و عدمه كما أشار إليه المصنف بقوله و هو خمسة، الامام أحدهم، و قيل سبعة

إذ المراد شرط التعيين، فالأشهر نقلا و تحصيلا الأول، بل في جامع المقاصد و عن غيره أنه المشهور، و الشيخ و بنو حمزة و زهرة و البراج و الكيدري على ما حكي عن الأخيرين على الثاني، بل نقل عن الصدوق و الكاتب و الرائع و في الجواهر عن شيخه على ما قيل، و استحسنه في الذكرى و مال إليه في المدارك و حكى عن ظاهر رسالة صاحب المعالم، و في كشف اللثام أنه أقرب، و اختاره في شرح المفاتيح و منظومة الطباطبائي و لعله هو لا الأول أشبه لأنه هو الذي تجتمع به نصوص المقام مفهوما و منطوقا، ففي

صحيح عمر بن يزيد(3)«إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة»

و في

خبر محمد بن مسلم (4)عن الباقر (عليه السلام) «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا تجب على أقل، منهم الامام و قاضية»

إلى آخره.

و

صحيح زرارة(5)عنه (عليه السلام) أيضا «على من تجب الجمعة؟ فقال: تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقل من خمسة أحدهم الإمام»

إلى آخره. بل الأخير


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 199

عند التأمل كالصريح في ذلك، و في

صحيح منصور(1)«يجمع القوم إذا كانوا خمسة فما زاد، فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم»

بل لعل المراد بالأمر فيه بناء على أن مثله يفيد الوجوب ما ذكره أخيرا لا التعيين، ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(2): «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة»

بل و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في حسن زرارة(3): «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الامام و أربعة»

ضرورة كون المراد من منطوق نفي الانعقاد للأقل من خمسة، فيكون مفهومه ثبوته لهم، و احتمال إرادة نفي الوجوب منه، و عدم الصحة يستفاد من الأصل، فيكون مفهومه ثبوته في الخمسة، و الأصل فيه التعيين يدفعه أن المراد بعد تسليمه نفيه تعيينا و تخييرا، فيكفي في الثاني، اللهم إلا أن يدعى ظهور المنطوق في الأول، فيكون هو الثابت في المفهوم، لكنه كما ترى لا يصلح معارضا للظهور الحاصل من غيره.

و صحيح البقباق (4)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فان كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر»

و

الخبر(5)في صلاة العيدين «إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»

إذ لا وجه للترديد المزبور إلا بالجمع المذكور، لانتفاء الحمل على الندب هنا كما في غيره مما ظاهره التخيير بين الأقل و الأكثر، ك

قوله (عليه السلام) في خبر أبي العباس (6): «أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه»

أي أدنى المجزي في العينية الأول، و في التخيير الثاني، إذ احتمال إرادة أن المجزي في العينية سبعة أو خمسة يدفعه أنه لا وجه للترديد حينئذ إلا ما يقال من أن ذلك لندرة مصر لا يكون فيها (فيه خ ل) سبعة، فذكرها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1.

ج 11، ص: 200

لذلك و الخمسة لئلا يتوهم الانحصار فيها، و هو كما ترى لا يحمل عليه كلام السواد فضلا عن أرباب الفصاحة و البلاغة.

فظهر من ذلك أنه بناء على التعيين بالخمس تخلو نصوص السبعة جميعها عن الثمرة بل فيها إيهام خلاف الواقع، و قد عرفت أن فيها الصحيح و غيره، مضافا إلى انسياق ذلك من نفي الوجوب عن الأقل من السبعة في خبر محمد بن مسلم (1)الظاهر في إرادة العيني و مفهوم غيره، و من الأمر بالتجميع للخمسة مؤيدا بأنه وارد في مقام توهم الحظر و بإمكان منع ظهور الأمر في العيني، بل هو لمطلق الوجوب، و العينية تستفاد من اتحاد المأمور به و أصالة عدم البدلية، و من الغريب ما عن مختلف الفاضل من الاقتصار على خبر ابن مسلم من أخبار السبعة، و قال: إن في الطريق الحكم بن مسكين و لا يحضرني الآن حاله، فنحن نمنع صحة السند، و نعارضه بما تقدم من الأخبار، و يبقى عموم الأخبار سالما عن المعارض، و فيه أن معظم أخبار الخمسة بل جميعها إنما تدل على السقوط عما دون الخمسة، و هو لا يقتضي الوجوب العيني، مع أن أخبار السبعة كثيرة كما عرفت.

و مثله المصنف في المعتبر في الاقتصار على الخبر المزبور، و قال: «نحن نرى العمل على الوجوب مع الخمسة لأنها أكثر ورودا و نقلة و مطابقة لدلالة القرآن- إلى أن قال-: و لو قال: الأخبار بالخمسة لا تتضمن الوجوب و ليس البحث في الجواز بل في الوجوب، و رواية محمد بن مسلم تتضمن سقوط الوجوب عمن قل عددهم عن السبعة فكانت أدل على موضع النزاع قلنا: ما ذكرته و إن كان ترجيحا لكن روايتنا دالة على الجواز، و مع الجواز يجب

لقوله تعالى (2)«فَاسْعَوْا» فلو عمل برواية محمد بن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.
2- 2 سورة الجمعة- الآية 9.

ج 11، ص: 201

مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد، و لا كذا مع العمل بالأخبار التي تلونا على أنه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم، لأنه أحصى السبعة بمن ليس حضورهم شرطا، فسقط اعتبارها» و فيه مضافا إلى ما عرفت أن الجواز إنما يستلزم أحد الوجوبين و لا يعين العيني، و إن أراد تعين الحضور إذا انعقدت فليس مما نحن فيه، و إطلاق الأمر مسلم لكن لا خلاف في تقييده بعدد، و لا يقين بعد تناقض القولين، ضرورة أن القائل بالسبعة يقول بالخمسة تخييرا لا عينا، و إحصاء السبعة بهؤلاء للتنبيه على الاختصاص بالإمام كما عرفته سابقا.

و نحوهما ما في المحكي عن المنتهى من أن الأمر بالسبعة لا ينفي الوجوب عن الأقل إلا من حيث دليل الخطاب أو مفهوم الشرط، و كلاهما لا يعارضان النص، و النص في خبر ابن مسلم على أنها لا تجب على الأقل مبني على الغالب، إذ من المستبعد انفكاك المصر من العدد الذي ذكره من الحاكم و غيره، و إذ كان الحكم إنما هو على الغالب، إلى أن قال: و هذا التأويل و إن كان بعيدا إلا أنه أولى من الاسقاط، قلت: قد عرفت أنه لا مقتضي للإسقاط كي يحتاج إلى هذا التأويل أو إلى ما في التذكرة من أن أقل من السبعة قد يكون أقل

من الخمسة، فيحمل عليه جمعا بين الأدلة، إذ هو كما ترى لا يخفى مرجوحيته بالنسبة إلى ما ذكرناه من الجمع من وجوه.

نعم قد يقال: إن جميع النصوص المزبورة صادرة منهم (عليهم السلام) زمن قصور اليد الذي قد عرفت كون التحقيق فيه التخيير حتى مع السبعة فما زاد، فحينئذ لا يتجه ما ذكرناه من الجمع بينها إلا إذا لم يكن المراد مما فيها طلب الوقوع، بل هو أشبه شي ء بالحكم الوضعي أو الاخبار: أي الحكم كذا حال وجود الإمام أو المنصوب، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن البعد، فلا يبعد حملها جميعا على إرادة التخيير مع اختلاف أفراده في الفضل، و حينئذ يكون حكم العدد حال ظهور السلطنة متروكا أو مستفادا

ج 11، ص: 202

من ذلك بتجشم، فتأمل جيدا، و الله أعلم بحقيقة الحال.

و كيف كان ف لو انفضوا جميعهم و ليس غيرهم في أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب إذا لم يعودوا و كان الانفضاض لعذر بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في كشف اللثام لفوات الشرط، نعم لو عادوا صلوا إن كان تفرقهم بعد الخطبة و لم يطل الفصل، بل في التذكرة و غيرها و إن طال، للإطلاق و أصالة عدم اشتراط الموالاة، و المراد من كونهما عوض الركعتين مجرد وجوبهما، لكن عنه في موضع من النهاية استشكاله، و لعله لأصالة الشغل و معهودية غيره الذي ينصرف إليه الإطلاق، و هو لا يخلو من قوة، خصوصا في بعض الأفراد، و خصوصا على قاعدة شرطية المشكوك، و الاحتياط لا ينبغي تركه.

أما لو عاد غيرهم مع الإمام أعاد الخطبة كما صرح به في المدارك و غيرها، لظهور النصوص في الصلاة في المخطوبين، و لا إطلاق يعتد به في الصحة، فلا مقتضي لها حينئذ لكن عن الموجز و كشف الالتباس أنه بناء على عدم اشتراط الموالاة لا فرق بين عود السامعين و غيرهم، و لعله لا طلاق الأدلة، لكن قد يمنع وجوده على وجه يصلح لتناول هذا الفرد، بل قد يظهر من الأدلة خلافه، بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان(1): «الجمعة لا تكون إلا لمن أدرك الخطبتين»

و سقوطهما عن المسبوق بعقد الجمعة بالعدد السامعين لا يقضي به قطعا كما هو واضح، و نحوه لو تلفق العائدون من الأولين و غيرهم، و لو كان الانفضاض في الأثناء أعاد من رأس إن فات صدق مسمى الخطبة، لعدم حصول الامتثال، و إلا بنى لحصوله، إذ ليس في الأدلة ما يقضي بأزيد من اعتبار مسمى الخطبة، و كون الواقع منها ما فيه التوالي فلا يجدي غيره و إن حصل به مسماها لا يقيد الإطلاق، فيتمها حينئذ و يجتزي، و المرجع في بقاء الاسم العرف، بل في


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7.

ج 11، ص: 203

التذكرة لو انفضوا قبل الإتيان بأركان الخطبة و سكت ثم عادوا أتم الخطبة سواء طال

الفصل أولا، لحصول مسمى الخطبة، و ليس لها حرمة الصلاة، و لأنه لا يؤمن الانفضاض بعد إعادتها، و هو قول أبي إسحاق، و تمنع اشتراط الموالاة، و قال الشافعي: إن طال الفصل استأنف الخطبة، و إلا فلا، و عنه أنه مع طول الفصل يصلي أربعا إن لم يعد الخطبة لبطلانها، و لا يأمن الانفضاض في الإعادة و الصلاة، فيصلي ظهرا، و الظاهر أن مراده قبل الإتيان بتمام أركان الخطبة، لقوله في المحكي عن نهايته: و لو انفضوا في الأثناء فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب، فان عادوا قبل طول الفصل جاز البناء، و كذا إن طال، لكن عن موضع آخر منها الإشكال في الأخير.

و على كل حال ينبغي تقييد الطول بما إذا لم يمض معه مسمى الخطبة عرفا كما عرفت و في القواعد و موضع آخر من التذكرة «لو انفضوا في خلال الخطبة أعادها بعد عودهم إن لم يسمعوا أولا الواجب منها» و في الذكرى «لو انفضوا في أثناء الخطبة سقطت، فلو عادوا أعادها من رأس إن كانوا لم يسمعوا أركانها، و لو سمعوا بنى سواء طال الفصل أم لا، لحصول مسمى الخطبة، و لم يثبت اشتراط الموالاة إلا أن نقول: هي كالصلاة، فيعيدها، و يشكل بأنه لا يؤمن انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة، فيصير ذلك عذرا، في ترك الجمعة» و قد فهم منها في كشف اللثام و جامع المقاصد البناء على ما سمعوه من البعض، و منه ينقدح إمكان إرادته في عبارتي القواعد و التذكرة على معنى أنهم إن لم يسمعوا تمام الواجب أعاد ما لم يسمعوه، و كذا المحكي عن الجعفرية و شرحها، و لو عادوا بعد انفضاضهم أعاد الخطيب الخطبة بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها قبل الانفضاض و إن سمعوا الواجب منها أجزأ ذلك سواء طال الفصل أم لا، إذ الأصل عدم اشتراط الموالاة بين الخطبة ليسمعوا، و المحكي عن الروض و لو عادوا أعادها من رأس إن لم يكونوا سمعوا أركانها، و إلا بنى و إن طال الفصل، فيتفق الجميع حينئذ على عدم اشتراط الموالاة.

ج 11، ص: 204

لكن الانصاف عدم خلو هذه العبارات عن الاجمال، و التحقيق ما قدمناه من كون المدار على بقاء الاسم، و لو كان العائد غير الأولين استأنف الخطبة من رأس بلا خلاف و لا إشكال، لكن عن النهاية أنه أقرب، و يحتمل بل الظاهر أن غير الأقرب الاجتزاء بسماع الأولين ما مضى منها كما سمعته من الموجز و كشفه في جميع الخطبة، و لا ريب في ضعفه فيهما و إن حكي عنهما الموافقة في المقام، هذا.

و لا يخفى أن المستفاد من كلامهم في المقام أن العدد شرط في الواجب من الخطبة كالصلاة، بل في الذكرى لم أقف فيه على مخالف منا، و عليه عمل الناس في الأعصار و الأمصار، و خلاف أبي حنيفة ملحق بالإجماع و مسبوق به أعني الإجماع الفعلي من المسلمين، و به صرح الشيخ و الفاضل و الشهيد في البيان، لكن الشيخ في الخلاف بعد أن جعله شرطا فيها استدل عليه بالاحتياط، ففهم منه الشهيد في البيان أنه جعله احتياطا، بل ظهر مما ذكرنا اعتبار العدد المخصوص فيهما جميعا على وجه لا يجزي قيام الغير مع انفضاض بعضهم في الأثناء، نعم ذلك معتبر في الواجب منها دون المستحب إجماعا في التذكرة، كما أن فيها و في الذكرى الإجماع على عدم قدح انفضاض الزائد على العدد كما هو واضح من غير فرق بين أثناء الخطبة و كمالها.

و أما لو كان انفضاض العدد المعتبر بعد أن دخلوا في الصلاة و لو بالتكبير وجب الإتمام و لو لم يبق إلا واحد لأنه شرط في الابتداء عندنا دون الاستدامة كما في كشف اللثام، بل نسبه فيه إلى الشيخ و من بعده، كما عن بعضهم نفي الخلاف فيه، و لعله كذلك فيما أجده، لكن عن الأستاذ الأكبر أن الظاهر من الأخبار اشتراط الاستدامة و عدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة، بل هو معتبر في الصلاة التي هي اسم للمجموع، فان كان إجماع و إلا أشكل الأمر، قلت: تحصيل الإجماع في المقام في غاية الصعوبة، لأن أول من صرح به الشيخ في الخلاف معترفا

ج 11، ص: 205

بأنه لا نص فيه لأصحابنا، لكن قال: إن الذي يقتضيه مذهبهم عدم بطلان الجمعة سواء انفض بعضهم أو جميعهم حتى لا يبقى إلا الإمام، نعم يمكن دعوى ظهور نصوص العدد و لو بمعونة هذه الشهرة العظيمة في اعتبار ذلك في عقد الجمعة، بل لا ينكر قابليتها لإرادة ذلك، فتحمل حينئذ عليه، و يبقى استصحاب حكم الجمعة للمتلبس بحاله، مؤيدا بالنهي (1)عن إبطال العمل.

لكن ظاهر الأصحاب في المقام بل صريح الشيخ و جماعة ذلك و إن بقي الإمام وحده، بل صرح آخرون به فيما لو بقي مأموم وحده، و قد يشكل بأن عدم اعتبار العدد في الاستدامة لا يقضي بعدم اعتبار الجماعة فيها أيضا، فالمتجه وجوب اعتبارها مع الإمكان و لو باستخلاف إمام جديد منهم إذا كان المنفض الامام، و البطلان مع عدمه، إلا بناء على أن فوات الجماعة اضطرارا غير قادح، و أن المسبوق و نحوه مما هو مستفاد من الأدلة لا خصوصية له، و فيه بحث، و حينئذ يمكن حمل المتن و ما شابهه على إرادة بقاء واحد مع الامام لتحصيل مسمى الجماعة كما احتمله المحقق الثاني في فوائده على الكتاب و إن استضعفه بل يمكن أن يكون هو مقتضى التدبر في عبارة البيان، لأنه قال فيه: «و بعد التلبس بالصلاة يجب الإتمام و لو كان واحدا- ثم قال في شرط الجماعة-: و لو عرض للإمام مخرج من الصلاة قدموا من يتم بهم، فان لم يكن فيهم صالح للإمامة فالأقرب السقوط، و في الخلاف لا، و قضية المذهب الإتمام» و ظاهره بقرينة نقل ما في الخلاف إرادة سقوط الجمعة، و ما يقال- من أنه لا منافاة لعدم دلالة وجوب الإتمام مع الواحد على عدم اعتبار الصلاحية للإمامة مع التعدد- غريب الحكم إلا أن يشترط الصلاحية في الواحد أيضا، و هو أغرب، فلا ريب أن المتجه فيها ما ذكرنا، و لعل كلمات الأصحاب في المقام مساقة لعدم اعتبار استمرار العدد، و هو مسألة أخرى غير الجماعة، فتأمل جيدا، إلا أنه يسهل


1- 1 سورة محمد ص- الآية 35.

ج 11، ص: 206

الخطب قوة عدم اعتبار الجماعة فيها عندنا مع الاضطرار، هذا.

و ظاهر المصنف و غيره بل صرح به بعضهم اشتراط الصحة مع الانفضاض بتلبس العدد المعتبر و لو بالتكبير، أما إذا انفضوا قبله بعد تلبس الامام فلا جمعة لعدم الشرط في الابتداء فضلا عن الاستدامة، لكن قد يظهر من معتبر المصنف الصحة فيه أيضا، بل هو صريح الشافية، و استوجهه في المدارك كما أنه استظهره في كشف اللثام، بل لعل ذلك مقتضى دليلهم على الصحة بعد التلبس، لكن لا يخفى عليك ضعف ذلك بملاحظة نصوص العدد، ك

قوله (عليه السلام): «لا جمعة لأقل من خمسة»

و نحوه، و أوضح منه فسادا لو لم يدخل أحد منهم معه، لفوات الجماعة حينئذ التي فرضها الله فيها، فالتحقيق أن الجمعة للإمام تستقر بدخول العدد معه كما هو واضح، و افتتاحه لها على ذلك بتخيل لحوق الشرط لا يصيرها كذلك و إن فات، و ما أبعد ما بين ذلك و بين ما في التذكرة و المحكي عن النهاية من اشتراط الصحة باتمامهم ركعة، فإن انفضوا قبلها فلا جمعة، لكن احتمل في الأخير تحقق الركعة بإدراك الركوع.

و على كل حال فلا دليل عليه سوى مفهوم

قوله (عليه السلام)(1): «من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة»

بل و

قوله (عليه السلام)(2): «من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى»

إذ عدم الإضافة مستلزم للبطلان، و

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها»

و هو كما ترى أجنبي عن المقام، بل هو نقله حجة للشافعي و مالك في المحكي من منتهاه، و أجاب عنه بأن الباقي بعد الانفضاض مدرك ركعة بل الكل، و إنما لا يكون مدركا لو اشترط في الإدراك بقاء العدد، و هو أول المسألة.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب المواقيت- الحديث 4 من كتاب الصلاة.

ج 11، ص: 207

ثم إن الظاهر البطلان حيث تبطل الجمعة، لعدم النية، لكن احتمل الفاضل العدول إلى الظهر، لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة، و ضعفه واضح، و ربما تسمع له تتمة فيما يأتي إن شاء الله، و الله أعلم.

[الشرط الثالث الخطبتان]

الشرط الثالث الخطبتان عوض الركعتين إجماعا بقسميه، و نصوصا(1)قولا و فعلا، و ما عن

الكافي- حيث قال: «و خطبته في أول الوقت مقصورة على حمد الله و الثناء عليه بما هو أهله و الصلاة على محمد (صلى الله عليه و آله) و المصطفين من آله (عليهم السلام) و الوعظ»- يمكن إرادته ما يشمل الخطبتين ك بعض النصوص (2)قال في المحكي عن المنتهى: «الخطبة شرط في الجمعة، و هو قول عامة أهل العلم لا نعرف فيه مخالفا إلا الحسن البصري- و استدل عليه بأخبار الخطبتين، ثم قال-: و لا يكفي الخطبة الواحدة بل لا بد من الخطبتين، فلو أخل بواحدة منهما فلا جمعة له ذهب إليه علماؤنا أجمع» كما أنه في التذكرة حكى الاجتزاء بخطبة عن مالك و الأوزاعي و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر و أحمد في رواية و أصحاب الرأي، لكن في البيان «و لا تجزي الجمعة بغير خطبة، و الحسن البصري محجوج بالإجماع، و لا تكفي الواحدة، و قول النعمان مدفوع بالشهرة» و يمكن أن يريد بها بين العامة و الخاصة على وجه يجامع إجماع الخاصة.

و على كل حال فالخطبة بالضم من القول و الكلام كما في مختصر النهاية، و الخطبة خطبة المنبر و النكاح لا غير في الغريبين، و في المجمل «الخطاب كل كلام بينك و بين الآخر، و لذلك سميت الخطبة» و في الصحاح «خاطبه بالكلام مخاطبة و خطابا و خطبت على الأمر خطبة بالضم- إلى أن قال-: و خطب بالضم خطابة بالفتح صار خطيبا» و كيف كان فالظاهر عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها و إن كان الأقوى أنها في اللغة و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 6 و 15- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 208

على جهة النقل فيها اسم لكلام مخصوص، و اعتبار النية فيها كما في جامع المقاصد و الروضة و عن حاشية الإرشاد و نهاية الأحكام و الغرية و الروض أعم من ثبوت الحقيقة الشرعية فيها، ضرورة ابتنائه على أصالتها في كل مأمور به من غير مدخلية لها، على أنه يمكن منعه باحتمال كون الأمر من حيث أنها شرط صحة الجمعة، و مثله يمنع أصالة العبادة فيه، على أن المحكي عن الروض التوقف في كون النية فيها شرطا أو واجبا، و لعل غيره كذلك، فينتفي كونها عبادة، لمعلومية اشتراطها بها، بل لعل ظاهر ترك الأكثر التعرض لها فيها عدم اعتبارها مطلقا، فتأمل جيدا.

و على كل حال ف يجب شرعا هنا في كل واحدة منهما الحمد لله أي التحميد بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف و الغنية و ظاهر كشف الحق و غيره الإجماع عليه، كما أنه اتفقت عليه النصوص (1)القولية و الفعلية عدا

خبر العيون (2)«و إنما جعلت خطبتين لأنه تكون واحدة للثناء على الله و التمجيد و التقديس لله عز و جل و الأخرى للحوائج و الأعذار و الإنذار و الدعاء و لما يريد»

إلى آخره و يمكن كون المراد المقصد الأصلي فيها ذلك و إن ذكر التحميد و نحوه في ابتدائها، بل الأولى الاقتصار على لفظ «الحمد لله» كما في صحيح ابن مسلم (3)و خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)بل في التذكرة و يجب في كل خطبة منهما حمد الله تعالى، و يتعين «الحمد لله» عند علمائنا أجمع، و استدل بالتأسي لأن النبي (صلى الله عليه و آله) داوم عليه، و بالاحتياط، و ب

قول الصادق (عليه السلام)(5): «يحمد الله»

ثم قال: «إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
3- 3 فروع الكافي- ج 1 ص 422 من الطبع الحديث« باب تهيئة الإمام للجمعة و خطبته و الإنصات، الحديث 6.
4- 4 الفقيه ج 1 ص 275- الرقم 1262 من طبعة النجف.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 209

عرفت هذا فهل يجزيه لو قال: الحمد للرحمن أو لرب العالمين؟ إشكال ينشأ من التنصيص على لفظ الله تعالى، و من المساواة في الاختصاص به» بل عنه في نهاية الأحكام أن الأقرب إجزاء «الحمد للرحمن» و لعله لاختصاصه بنفسه كلفظ الجلالة، بخلاف «رب العالمين» و كان مراده بمعقد الإجماع لفظ التحميد، لكن قد عرفت أن الأولى الاقتصار على لفظ الجلالة، و لا ينافيه ما في

موثق سماعة(1)«يحمد الله»

بعد انصرافه إلى اللفظ المزبور كالتسبيح، بل يمكن حمل خبر العيون (2)عليه أيضا.

نعم لا يبعد اعتبار الثناء عليه زيادة على ذلك كما في موثق سماعة بل و صحيح ابن مسلم و خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) و معقد إجماع الخلاف و الغنية و ظاهر كشف الحق، بل هو في عبارة جماعة من الأصحاب، إلا أنها تحتمل كمعقد الإجماعات و موثق سماعة إرادة تفسير الحمد به، لكنه لا تخلو من بعد.

و منه ينقدح حينئذ قوة المحافظة على لفظ الحمد و لا يجزي عنه الثناء، و في كشف اللثام أن المراد بهما واحد، أو الثناء هو الوصف بما هو أهله، و الحمد هو الإتيان بلفظه أو الشكر، أما التمجيد المذكور في خبر العيون و المحكي عن المصباح و السرائر مع الثناء فالظاهر اتحاده معه، اللهم إلا أن يراد منه خصوص التعظيم بخلاف الثناء، لكنه كما ترى.

و أما الصلاة على النبي محمد و آله عليهم السلام فخيرة الأكثر نقلا و تحصيلا وجوبها، بل هو من معقد إجماع الخلاف و الغنية و التذكرة و غيرها، بل لا خلاف فيه فيما أجد في الثانية، فتركه فيها في

إحدى (3)الخطبتين المرويتين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يمكن كونه من الراوي، مع أن فيها «اللهم اغفر لنا و للمؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات الذين توفيتهم على دينك و ملة نبيك (صلى الله عليه و آله)»


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
3- 3 روضة الكافي ص 175- الرقم 194 المطبوعة عام 1377.

ج 11، ص: 210

فيمكن اكتفاؤه بهذه الصلاة عن الخطبة و الذكر، فتأمل، نعم خيرة المصنف في النافع و المعتبر و المحكي عن السيد و موضع من السرائر عدم وجوبها في الأولى ل موثق سماعة الآني (1)لكن قد يقيد بصحيح ابن مسلم و خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) و معقد الإجماع السابق، بل الأولى الإتيان بخصوص لفظ الصلاة لذلك أيضا كما عن الشهيدين و الكركي و غيرهم التصريح به.

و أما الوعظ فوجوبه خيرة الأكثر نقلا و تحصيلا، بل هو من معقد إجماع الخلاف و الغنية و ظاهر كشف الحق، و به مع صحيح ابن مسلم (2)و إحدى (3)خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) يقيد ما يظهر من موثق سماعة من عدم الوعظ في الثانية كإحدى (4)خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل اعتمد عليه في النافع و المعتبر، بل في كشف اللثام أن السيد لم يذكره في شي ء منهما، لكن هو حكى

عن مصباح السيد مرسلا «أنه يحمد الله و يمجده و يثني عليه و يشهد لمحمد (صلى الله عليه و آله) بالرسالة و يوشحها بالقرآن و يعظ، و في الثانية الحمد و الاستغفار و الصلاة على النبي و عليهم (صلوات الله عليهم أجمعين) و يدعو لأئمة المسلمين و لنفسه و للمؤمنين».

الحمد و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و الوعظ موضع وفاق بين علمائنا و أكثر العامة، و ذلك لعدم تحقق الخطبة بدونه عرفا- لا يخلو من خلل كما عرفت، فلاحظ و تأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 فروع الكافي- ج 1 ص 422 من الطبع الحديث« باب تهيئة الإمام للجمعة و خطته و الإنصات» 6.
3- 3 الفقيه ج 1 ص 275- الرقم 1262 من طبعة النجف.
4- 4 روضة الكافي ص 175- الرقم 194 المطبوعة عام 1377.

ج 11، ص: 211

و الظاهر عدم تعيين لفظ حتى الوصية بتقوى الله، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه، للأصل و اختلاف الخطب المأثورة، و ما في

خبر سماعة «يوصي بتقوى الله»

و في

صحيح ابن مسلم في الخطبتين و في خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) في الأولى منهما «أوصيكم عباد الله بتقوى الله»

لا يقضي بالتعيين، و لذا لم يأت به في الخطبة الثانية من خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام)، نعم عن نهاية الأحكام «أنه لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا و زخارفها» لأنه قد يتناهى به المنكرون للمعاد، بل لا بد من الحمل على طاعة الله و المنع عن المعاصي» و لا ريب في أنه أحوط و إن كان لا يخلو من منع، و لعله اليه أومأ في المدارك بقوله: «يجزي كل ما اشتمل على الوصية بتقوى الله و الحث على الطاعات و التحذير عن المعاصي و الاغترار بالدنيا و ما شاكل ذلك» لكن قد يؤيده ما في موثق سماعة من الأمر بالوصية بتقوى الله، نعم يكفي «أَطِيعُوا اللَّهَ»* كما عنه فيها و في التذكرة التصريح به، هذا، و في المدارك «و في الاجتزاء بالآية المشتملة على الوعظ عنهما وجهان، أقربهما ذلك- قال-: و كذا الكلام في الآية المشتملة على التحميد و نحوه من أجزاء الخطبة» و فيه إمكان الفرق بظهور بعض نصوص المقام (1)في أن المراد بذكر القرآن في الخطبة الوعظ بخلاف التحميد، بل الأقوى عدم الاجتزاء مطلقا، لأصالة عدم التداخل، فتأمل.

و أما وجوب قراءة سورة خفيفة فيهما فهو المشهور بين الأصحاب، لكن في كشف اللثام «لم أظفر له بدليل إلا ما في التذكرة و نهاية الأحكام من أنهما بدل من الركعتين، فتجب فيهما كما تجب فيهما، و ضعفه ظاهر» قلت: و موثق سماعة و صحيح ابن مسلم و خطبتا أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما يظهر منها قراءتها في الأولى و تتميمه بعدم القول بالفصل يمكن منعه أولا بما ذهب اليه المصنف في النافع و المعتبر من العمل


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 212

بموثق سماعة، و عكسه ثانيا بظهور الجميع عدا الموثق في عدم وجوب آية في الثانية، و لا قائل بوجوب سورة معها في الأولى، و إن كان هو الذي يقتضيه الجمع بين النصوص الفعلية و القولية.

و على كل حال فالقول بعدم القراءة أصلا- كما عن الكافي و خطبته في أول الوقت مقصورة على حمد الله و الثناء عليه بما هو أهله، و الصلاة على محمد (صلى الله عليه و آله) و المصطفين من

آله (عليهم السلام) و وعظ و زجر، و الإشارة على ما حضرني من نسخة كشف اللثام، و قصرهما على حمد الله و الثناء عليه بما هو أهله و الصلاة على نبيه و آله (عليهم السلام) و المواعظ المرغبة في ثوابه المرهبة من عقابه، و خلوها مما سوى ذلك- لا ريب في ضعفه، بل في كشف اللثام بعد عبارة الكافي «أن لفظ «مقصورة» صريح في عدم دخول القرآن فيها لا في عدم وجوبها، فقد تجب بينهما كما سمعت و بعدهما» قلت: قد حكى غيره عن الإشارة زيادة على ما سمعته منها و الفصل بينهما بجلسة و قراءة سورة خفيفة و في الغنية «صعد المنبر فخطب خطبتين مقصورتين على حمد الله سبحانه و الثناء عليه و الصلاة على محمد و آله (صلوات الله عليهم) و الوعظ و الزجر يفصل بينهما بجلسة و يقرأ سورة خفيفة من القرآن- إلى أن قال-: كل ذلك بدليل الإجماع» و في النهاية «ينبغي أن يخطب الخطبتين و يفصل بينهما بجلسة و يقرأ سورة خفيفة و يحمد الله في خطبته و يصلي على النبي و آله (صلوات الله عليهم) و يدعو لأئمة المسلمين و يدعو أيضا للمؤمنين و يعظ و يزجر و ينذر و يخوف» و عن الاقتصاد «أقل ما يخطب به أربعة أشياء: الحمد لله و الصلاة على النبي و آله (عليهم السلام) و الوعظ و قراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين» و نحو ذلك في البينية المحكي عن الإصباح أيضا، و صحيح محمد بن مسلم و خطبتا أمير المؤمنين (عليه السلام) صريحة في فعلها قبل الجلوس، و أنها من جملة الخطبة، بل عقبها أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى خطبتيه بالصلاة على محمد و آله (عليهم السلام)

ج 11، ص: 213

و الدعاء للمؤمنين و نحو ذلك و أطال فيه، و يمكن إرادة توشيح الخطبة بالسورة من البينية فلا مخالفة حينئذ، كما أن ما عن ابن سعيد «و أن يخطب خطبتين قائما إلا من عذر متطهرا فاصلا بينهما يجلسه و سورة خفيفتين تشتملان على حمد الله و الثناء و الصلاة على محمد و آله (عليهم السلام) و الوعظ و قراءة سورة خفيفة من القرآن» لم أعرف له شاهدا إن أراد سورة للفصل غير السورتين.

نعم في الفقيه «خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الجمعة فقال: الحمد لله- إلى أن قال-: إن أحسن الحديث و أبلغ الموعظة كتاب الله عز و جل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو الفتاح العليم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يبدأ بعد الحمد بقل هو الله أحد أو بقل يا أيها الكافرون أو بإذا زلزلت الأرض زلزالها أو بألهاكم التكاثر أو بالعصر، و كان مما يداوم عليه قل هو الله أحد» و في كشف اللثام بعد الحمد يعني فاتحة الكتاب، و ليس في مصباح الشيخ بعد الحمد، قلت: و مقتضاه حينئذ قراءة سورتين في الخطبة الأولى، إلا أن الظاهر كونهما من الخطبة لا إحداهما للفصل الذي له الجلوس، فما ذكره ابن سعيد لا مستند له، اللهم إلا أن يكون فهمه من

حسن ابن مسلم (1)«يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلي الناس ما دام

الامام على المنبر، ثم يقعد على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد، ثم يقوم فيفتتح خطبة»

و يمكن إرادته الفصل بسورة الخطبة بمعنى الإتيان بها في آخرها، فيوافق حينئذ غيره ممن عرفت كما أن ما في الخلاف «أقل ما تكون الخطبة أن يحمد الله و يثني عليه و يصلي على النبي و آله (عليهم السلام) و يقرأ شيئا و يعظ الناس، فهذه أربعة أشياء لا بد منها، و إن أخل بشي ء لم يجزه، و ما زاد عليه مستحب، دليلنا إجماع الفرقة» يمكن إرادته السورة من الشي ء، فيوافق ما في مبسوطة و جمله، و كذا ما في كشف الحق «ذهبت الإمامية إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 214

وجوب أربعة أشياء في الخطبة: حمد الله تعالى و الثناء عليه و الصلاة على النبي و آله (عليهم السلام) و الوعظ و قراءة شي ء من القرآن» و إلا لم نعرف له موافقا عليه فضلا عن كونه مجمعا عليه عدا ما سمعته من مصباح السيد، مع أن التوشيح قد يقضي بالآية الكاملة.

نعم في الذكرى و المقاصد العلية و المفاتيح و الماحوزية قراءة ما تيسر على ما حكي عن بعضها، كما أنه لا شاهد له سوى

خبر صفوان بن معلى (1)«أنه سمع النبي (صلى الله عليه و آله) يقرأ على المنبر وَ نادَوْا يا مالِكُ (2)»

و لا دلالة فيه على ذلك بوجه، إذ يمكن أنه سمعه يقرأ في أثناء الموعظة، لكن في جامع المقاصد و عن غيره أن الشيخ في الخلاف و أكثر المتأخرين اختاروا الاجتزاء بالآية التامة، و اختاره هو في جملة من كتبه و الشهيدان في البيان و الروضة و العلامة الطباطبائي في منظومته:

و كأنه هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل يجزي و لو آية واحدة مما يتم بها فائدتها و هو لا يخلو من وجه، لا مكان حمل السورة في النصوص السابقة على أحد الأفراد، للاكتفاء بها في الخطبة الثانية، و لا قائل بالفرق المزبور، و هو و إن كان يمكن معارضته بالعكس كما أومأنا اليه سابقا في الجملة إلا أنه قد يترجح بإمكان حمل السورة في الأولى على أحد الأفراد بخلاف الاجتزاء بالآية في الثانية في صحيح ابن مسلم و خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام)، خصوصا الأخيرتين اللتين هما نقل قوله (عليه السلام)، و احتمال ترك الراوي له بعيد إن لم يكن مقطوعا بعدمه، مضافا إلى إجماعي الخلاف و كشف الحق بناء على إرادة ذلك منهما، هذا، و لكن في جامع المقاصد أن المراد بالآية التامة الفائدة ما يستقل بإفادة معنى يعتد به بالنسبة إلى مقصود الخطبة، سواء تضمنت وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصصا، فلا يجزي نحو قوله تعالى(3)«مُدْهامَّتانِ»


1- 1 صحيح مسلم ج 3 ص 13 و فيه« صفوان بن يعلى عن أبيه» إلخ.
2- 2 سورة الزخرف- الآية 77.
3- 3 سورة الرحمن- الآية 64.

ج 11، ص: 215

و لا نحو(1)«فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ» و لا بأس به.

و قد ظهر لك من ذلك كله تفصيل الحال في الأمور الأربعة و لكن في رواية سماعة

الموثقة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء و الصيف و يتردى ببرد يمنية أو عدني و يخطب و هو قائم

ثم يحمد الله و يثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثم يقرأ سورة خفيفة من القرآن ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله و يثني عليه و يصلي على النبي و آله (صلوات الله عليهم أجمعين) و على أئمة المسلمين و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات فإذا فرغ من هذا قام المؤذن فأقام الصلاة و صلى بالناس» إلى آخرها. و عليها اعتمد في النافع و المعتبر، و قد عرفت ما يقتضي ثبوت بعض ما زاد عليها، لكن ظاهره و ظاهر صحيح ابن مسلم إيجاب الصلاة على الأئمة (عليهم السلام) في الثانية، بل في الثاني منهما ذكرهم (عليهم السلام) تفصيلا، كما أن ظاهر الموثق المزبور، و خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) إيجاب الاستغفار للمسلمين و المسلمات في الثانية، و صحيح ابن مسلم في الأولى، فمقتضى الجمع بين النصوص ذلك فيهما معا، إلا أن ندرة الفتوى بها و ما سمعته من إجماع الشيخ و غيره على الاجتزاء بدونه و سوق النصوص للأعم من الواجب و المندوب و نحو ذلك مما لا يخفى يمنع من الجرأة على الوجوب، و إن كان الوجوب في الجملة ظاهر ما سمعته

من مصباح السيد و نهاية الشيخ و النافع و المعتبر و غيرها، بل ربما استظهر من موضع من السرائر أيضا، لقوله: «قام الإمام متوكئا على ما في يده، فابتدأ بالخطبة الأولى معلنا بالتحميد لله تعالى و التمجيد و الثناء بآلائه و شاهدا لمحمد (صلى الله عليه و آله)


1- 1 سورة الشعراء- الآية 45.
2- 2 ذكر صدرها في الوسائل- في الباب- 24- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 و ذيلها في الباب 25 منها- الحديث 2.

ج 11، ص: 216

بالرسالة و حسن الإبلاغ و الإنذار، و يوشح خطبته بالقرآن و مواعظه و آدابه، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم فيفتتح الخطبة الثانية بالحمد لله و الاستغفار و الصلاة على النبي و آله (عليهم السلام) و يثني عليهم بما هم أهله و يدعو لأئمة المسلمين، و يسأل الله تعالى أن يعلى كلمة المؤمنين و يسأل الله لنفسه و للمؤمنين حوائج الدنيا و الآخرة، و يكون آخر كلامه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(1)إلا أن الظاهر إرادته الندب من ذلك لقوله فيها قبل ذلك:

«أقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف: حمد الله و الصلاة على النبي و آله (عليهم السلام) و الوعظ و الزجر و قراءة سورة خفيفة» و ذكره الزجر مع عدها أربعة لا يريد به وجوبه بالخصوص زيادة على الوعظ كغيره، من العبارات السابقة، خصوصا عبارة الإشارة، و إن كان الأحوط الجمع بين الترغيب و الترهيب.

بل الأحوط المحافظة على جميع ما يستفاد من نصوص المقام صحيح ابن مسلم و موثق سماعة و خطبتي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا ما علم كونه ندبا، و لعل منه الشهادة بالتوحيد التي يمكن تحصيل الإجماع على عدم وجوبها فضلا عن المنقول، بل و الشهادة بالرسالة و إن ظهر من المرتضى وجوبها كما سمعت.

و المشهور كما عن الذخيرة اعتبار عربيتهما، و في المدارك «منع أكثر الأصحاب من إجزاء الخطبة بغير العربية للتأسي، و هو حسن» قلت: قد يفرق فيهما بين الحمد و الصلاة و بين الوعظ، فيجوز بغيرها اختيارا مع فهم العدد، بخلافهما لظهور الأدلة في إرادة اللفظ فيهما و المعنى فيه، و إن كان الواقع منه (عليه السلام) العربية فيه أيضا، لكن لعله لأنه (عليه السلام) عربي يتكلم بلسانه لا لوجوبه، و على الاشتراط لو لم يفهم


1- 1 سورة النحل- الآية 92.

ج 11، ص: 217

العدد العربية و لا أمكن تعلمها فالأقوى كما عن الفاضل و الشهيدين و الكركي الاجتزاء بالعجمية، لأن مقصود الخطبة لا يتم بدون فهم معانيها، فما عن الروض بل هو ظاهر المنظومة أيضا من وجوب العربية مطلقا كما ترى، و إن أيده في الحدائق بمنع كون العلة في الخطبة التفهيم بل هو حكمة، و بأن البلدان التي فتحت من العجم و الروم و عين فيها الأئمة لم ينقل الترجمة لهم، و لو وقع لنقل، إذ فيه أن الأصل فيما ظاهره العلة الأول، و يمكن حضور العدد الذي يفهم في البلدان المزبورة، نعم قد يحتمل كما في المدارك سقوط الجمعة حينئذ، لعدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه، مع أن فيه أنه يكفي فيها الإطلاقات مع عدم صلاحية دليل الاشتراط لشمول الفرض، و التحقيق ما عرفت.

و أما ترتيب أجزاء الخطبة بتقديم الحمد ثم الصلاة ثم الوعظ ثم القرآن ففي الذكرى و غيرها وجوبه، بل عن بعضهم نسبته إلى المشهور، فلو خالف أعاد على ما يحصل معه الترتيب، و لا ريب في أنه أحوط، بل قد يستفاد بعضه من موثق سماعة و غيره، لكن في المدارك و عن الروض أن في تعيينه نظرا، و عن المنتهى عده من المستحبات و أنه قال:

فلو عكس ففي الإجزاء نظر، أقربه الثبوت، قلت: هو لا يخلو من قوة في البعض، بل من وجه في الجميع و إن كان الأولى المحافظة على ما في النصوص ضاما إليها ما يقتضيه المقام مما ينبغي إعلام الناس به، و قد سمعت موثق سماعة، أما

صحيح ابن مسلم (1)فهو «الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، انتجبه لولايته و اختصه برسالته و أكرمه بالنبوة أمينا على غيبه، و رحمة للعالمين، و صلى الله على محمد و آله و عليهم


1- 1 فروع الكافي- ج 1 ص 422 من الطبع الحديث« باب تهيئة الإمام للجمعة و خطبته و الإنصات، الحديث 6.

ج 11، ص: 218

السلام، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، و أخوفكم من عقابه، فان الله ينجي من اتقاه بمفازتهم، لا يمسهم السوء و لا هم يحزنون، و يكرم من خافه، يقيهم شر ما خافوا، و يلقيهم نضرة و سرورا، و أرغبكم في كرامة الله الدائمة، و أخوفكم عقابه الذي لا انقطاع له و لا نجاة لمن استوجبه، فلا تغرنكم الدنيا و لا تركنوا إليها، فإنها دار غرور كتب الله عليها و على أهلها الفناء، فتزودوا منها الذي أكرمكم الله به من التقوى و العمل الصالح، فإنه لا يصل إلى الله من أعمال العباد إلا ما خلص منها، و لا يتقبل الله إلا من المتقين، و قد أخبركم الله عن منازل من آمن و عمل صالحا، و عن منازل من كفر و عمل في غير سبيله، و قال «ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ، وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ، يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ، إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ، وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(1)نسأل الله الذي جمعنا لهذا الجمع أن يبارك لنا في يومنا هذا، و أن يرحمنا جميعا، إنه على كل شي ء قدير، إن كتاب الله

أصدق الحديث، و أحسن القصص، قال الله تعالى «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(2)فاسمعوا طاعة الله و أنصتوا ابتغاء رحمته، ثم اقرأ سورة من القرآن، و ادع ربك، و صل على النبي و سلم، و ادع للمؤمنين و المؤمنات ثم تجلس قدر ما تمكن هنيئة، ثم تقوم و تقول: الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نؤمن به و نتوكل عليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، و من يضلل الله فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده


1- 1 سورة هود عليه السلام- الآية 105 إلى 110.
2- 2 سورة الأعراف- الآية 203.

ج 11، ص: 219

لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدي و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون، و جعله رحمة للعالمين بشيرا و نذيرا و داعيا إلى الله باذنه و سراجا منيرا، من يطع الله و رسوله فقد رشد، و من يعصهما فقد غوى، أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ينفع بطاعته من أطاعه، و الذي يضر بمعصيته من عصاه، الذي إليه معادكم و عليه حسابكم، فان التقوى وصية الله فيكم و في الذين من قبلكم، قال الله تعالى:

«وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ» وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ غَنِيًّا(1)

حَمِيداً » انتفعوا بموعظة الله و ألزموا كتابه، فإنه أبلغ الموعظة و خير الأمور في المعاد عاقبة، و لقد اتخذ الله الحجة، فلا يهلك من هلك إلا عن بينة، و لا يحيى من حي إلا عن بينة، و قد بلغ رسول الله (صلى الله عليه و آله) الذي أرسل به، فألزموا وصيته و ما ترك فيكم من بعده من الثقلين كتاب الله و أهل بيته (عليهم السلام) الذين لا يضل من تمسك بهما، و لا يهتدي من تركهما، اللهم صل على محمد عبدك و رسولك سيد المرسلين و إمام المتقين و رسول رب العالمين، ثم تقول: اللهم صل على علي أمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين، ثم تسمي الأئمة (عليهم السلام) حتى تنتهي إلى صاحبك، ثم تقول: اللهم افتح له فتحا يسيرا و انصره نصرا عزيزا، اللهم أظهر به دينك و سنة نبيك (صلى الله عليه و آله) حتى لا يستخفي بشي ء من الحق مخافة أحد من الخلق، اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام و أهله، و تذل بها النفاق و أهله، و تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك و القادة إلى سبيلك، و ترزقنا فيها كرامة الدنيا و الآخرة، اللهم ما حملتنا من الحق فعرفناه، و ما قصرنا عنه فعلمناه، ثم يدعو الله على عدوه، و يسأل لنفسه و أصحابه، ثم يرفعون أيديهم فيسألون الله حوائجهم كلها حتى إذا فرغ من ذلك قال: اللهم استجب لنا، و يكون آخر


1- 1 سورة النساء- الآية 130.

ج 11، ص: 220

كلامه أن يقول إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)ثم تقول: اللهم اجعلنا ممن تذكر فتنفعه الذكرى، ثم ينزل».

و أما

خطبتا أمير المؤمنين (عليه السلام) فالأولى (2)«الحمد لله أهل الحمد و وليه و منتهى الحمد و محله البدي ء البديع الأجل الأعظم الأعز الأكرم المتوحد بالكبرياء، و المتفرد بالآلاء القاهر بعزة، و المتسلط بقهره الممتنع بقوته، و المتعالي فوق كل شي ء بجبروته، المحمود بامتنانه و بإحسانه، المتفضل بعطائه و جزيل فوائده، المتوسع برزقه المسبغ بنعمته، نحمده على آلائه و تظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله و يملأ قدر آلائه و كبريائه، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي كان في أوليته متقادما، و في ديموميته مسيطرا، خضع الخلائق بوحدانيته و ربوبيته و قديم أزليته، و دانوا الدوام أبديته، و أشهد أن محمدا (صلى الله عليه و آله) عبده و رسوله و خيرته من خلقه، اختاره بعلمه، و اصطفاه لوحيه، و ائتمنه على سره، و ارتضاه لخلقه، و انتدبه لعظيم أمره و لضياء معالم دينه و مناهج سبيله و مفتاح وحيه، و سببا لباب رحمته، ابتعثه على حين فترة من الرسل، و هدأة من العلم، و اختلاف من الملل، و ضلال عن الحق، و جهالة بالرب، و كفر بالبعث و الوعد، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم قد فضله و فصله و بينه

و أوضحه و أعزه و حفظه من أن يأتيه الباطل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ضرب للناس فيه الأمثال، و صرف فيه الآيات لعلهم يعقلون، أحل فيه الحلال، و حرم فيه الحرام، و شرع فيه الدين لعباده عذرا و نذرا لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، و يكون بلاغا لقوم عابدين، فبلغ رسالته و جاهد في


1- 1 سورة النحل- الآية 92.
2- 2 روضة الكافي ص 173- الرقم 194 المطبوعة عام 1377.

ج 11، ص: 221

سبيله و عبده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه و آله و سلم تسليما كثيرا، أوصيكم عباد الله و أوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه، و اليه يصير غدا معادها، و بيده فناؤها و فناؤكم، و تصرم أيامكم و فناء آجالكم و انقطاع مدتكم، فكأن قد زالت عن قليل عنا و عنكم كما زالت عن من كان قبلكم، فاجعلوا عباد الله اجتهاد كم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل، فإنها داره عمل، و الآخرة دار القرار و الجزاء، فتجافوا عنها، فان المغتر من اغتر بها، لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها أن تكونوا كما قال الله تعالى «كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ» الآية(1)مع أنه لم يصب امرئ منكم في هذه الدنيا خيره

إلا أورثته غيره، و لا يصبح فيها في جناح أمن إلا و هو يخاف فيها نزول جائحة أو تغير نعمة أو زوال عافية، مع أن الموت من وراء ذلك و هو المطلع و الوقوف بين يدي الحكم العدل، تجزى كل نفس بما عملت، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فاتقوا الله تعالى و سارعوا إلى رضوان الله، و العمل بطاعته، و التقرب اليه بكل ما فيه الرضا، فإنه قريب مجيب، جعلنا الله و إياكم ممن يعمل بمحابه و يجتنب سخطه، و إن أحسن القصص و أبلغ الموعظة و أنفع التذكر كتاب الله تعالى، قال الله تعالى «إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(2)أستعيذه بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ- «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً»(3)اللهم صل على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و تحنن على


1- 1 سورة يونس عليه السلام- الآية 25.
2- 2 سورة الأعراف- الآية 203.
3- 3 سورة الأحزاب- الآية 56.

ج 11، ص: 222

محمد و آل محمد، و سلم على محمد و آل محمد كأفضل ما صليت و باركت و ترحمت و تحننت و

سلمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم أعط محمدا الوسيلة و الشرف و الفضيلة و المنزلة الكريمة، اللهم اجعل محمدا و آل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفا يوم القيامة، و أقربهم منك مقعدا، و أوجههم عندك يوم القيامة جاها، و أفضلهم عندك منزلة و نصيبا، اللهم أعط محمدا (صلى الله عليه و آله) أشرف المقام و حباء السلام و شفاعة الإسلام، اللهم و ألحقنا به غير خزايا و لا ناكثين و لا نادمين و لا مبدلين إله الحق آمين ثم جلس قليلا، ثم قام فقال: الحمد لله أحق من خشي و حمد، و أفضل من اتقي و عبد، و أولى من عظم و مجد، نحمده لعظيم غنائه و جزيل عطائه و تظاهر نعمائه و حسن بلائه، و نؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه، و لا يهمد سناؤه، و لا يوهن عراؤه، و نعوذ بالله من سوء كل الريب و ظلم الفتن، و نستغفره من مكاسب الذنوب، و نستعصمه من مساوي الأعمال و مكاره الآمال و الهجوم في الأهوال و مشاركة أهل الريب و الرضا بما يعمل الفجار في الأرض بغير الحق، اللهم اغفر لنا و للمؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات الذين توفيتهم على دينك و ملة نبيك صلى الله عليه و آله اللهم تقبل حسناتهم و تجاوز عن سيئاتهم و أدخل عليهم الرحمة و المغفرة و الرضوان، و اغفر للأحياء من المؤمنين و المؤمنات الذين وحدوك و صدقوا رسلك، و تمسكوا بدينك و عملوا بفرائضك و اقتدوا بنبيك، و سنوا سنتك، و أحلوا حلالك، و حرموا حرامك، و خافوا عقابك و رجوا ثوابك، و والوا أوليائك، و عادوا أعدائك، اللهم اقبل حسناتهم و تجاوز عن سيئاتهم، و أدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين إله الحق آمين».

و الثانية(1)«الحمد لله الولي الحميد الحكيم المجيد الفعال لما يريد علام الغيوب، و خالق الخلق، و منزل القطر، و مدبر أمر الدنيا و الآخرة، و وارث السماوات و الأرض


1- 1 الفقيه ج 1 ص 275- الرقم 1262 من طبعة النجف.

ج 11، ص: 223

الذي عظم شأنه، فلا شي ء مثله، تواضع كل شي ء لعظمته، و ذل كل شي ء لعزته، و استسلم كل شي ء لقدرته، و قر كل شي ء قراره لهيبته، و خضع كل شي ء لملكته (1)و ربوبيته الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه، و أن تقوم الساعة إلا بأمره و أن يحدث في السماوات و الأرض شي ء إلا بعلمه، نحمده على ما كان، و نستعينه من أمرنا على ما يكون، و نستغفره و نستهديه، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ملك الملوك، و سيد السادات، و جبار الأرض و السماوات، القهار الكبير المتعال، ذو الجلال و الإكرام، ديان يوم الدين، رب آبائنا الأولين، و نشهد أن محمدا (صلى الله عليه و آله) عبده و رسوله، أرسله بالحق داعيا إلى الحق، و شاهدا على الخلق،

فبلغ رسالات ربه كما أمره لا متعديا و لا مقصرا، و جاهد في الله أعداءه لا وانيا و لا ناكلا و نصح له في عباده صابرا محتسبا، فقبضه الله اليه و قد رضي عمله، و تقبل سعيه، و غفر ذنبه صلى الله عليه و آله و سلم، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، و اغتنام ما استطعتم عملا به من طاعته في هذه الأيام الخالية، و بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم و إن لم تكونوا تحبون تركها، و المبلية لكم و إن كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم و مثلها كركب سلكوا سبيلا فكأن قد قطعوه، و أفضوا إلى علم فكأن قد بلغوه، و كم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها، و كم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، و طالب حثيث في الدنيا يحدوه حتى يفارقها، فلا تتنافسوا في عز الدنيا و فخرها، و لا تعجبوا بزينتها و نعيمها، و لا تجزعوا من ضرائها و بؤسها، فان عز الدنيا و فخرها إلى انقطاع، و إن زينتها و نعيمها إلى زوال، و إن ضرها و بؤسها إلى نفاد، و كل مدة منها إلى منتهى و كل حي منها إلى فناء و بلاء، أو ليس لكم في آثار الأولين و في آبائكم الماضين معتبر


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و في هامشها« لملكوته» و في الفقيه« لمملكته» و الجميع بمعنى العز و السلطنة.

ج 11، ص: 224

و تبصرة إن كنتم تعقلون، أ لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، و إلى الخلف الباقين منكم لا يقفون قال الله تبارك و تعالى «وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ»(1)و قال «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ، وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ»(2)أ و لستم ترون إلى أهل الدنيا و هم يصبحون و يمسون على أحوال شتى، فميت يبكي، و آخر يعزى، و صريع يتلوى، و عائد و معود، و آخر بنفسه يجود، و طالب الدنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه، و على أثر الماضين يمضي الباقي، و الحمد لله رب العالمين رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع، و رب العرش العظيم الذي يبقى و يفنى ما سواه، و اليه يؤول الخلق و يرجع الأمر، ألا أن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا، و هو سيد أيامكم، و أفضل أعيادكم، و قد أمركم الله في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره، فلتعظم رغبتكم فيه، و لتخلص نيتكم فيه، و أكثروا فيه التضرع و الدعاء و مسألة الرحمة و الغفران، فان الله عز و جل يستجيب لكل مؤمن دعاه، و يورد النار من عصاه و كل مستكبر عن عبادته، قال الله عز و جل «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ»(3)و فيه ساعة مباركة لا يسأل الله عبد مؤمن فيها شيئا إلا أعطاه، و الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي و المريض و المجنون و الشيخ الكبير و الأعمى و المسافر و المرأة و العبد

المملوك و من كان على رأس فرسخين، غفر الله لي و لكم سالف ذنوبنا فيما خلا من أعمارنا، و عصمنا و إياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا، إن


1- 1 سورة الأنبياء ع- الآية 95.
2- 2 سورة آل عمران- الآية 182.
3- 3 سورة المؤمن- الآية 62.

ج 11، ص: 225

أحسن الحديث و أبلغ المواعظ كتاب الله عز و جل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو الفتاح العليم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يبدأ بعد الحمد بقل هو الله أحد أو بقل يا أيها الكافرون أو بإذا زلزلت الأرض زلزالها أو بألهاكم التكاثر أو بالعصر، و كان مما يدوم عليه قل هو الله أحد، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم فيقول: الحمد لله نحمده و نستعينه و نؤمن به و نتوكل عليه، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلوات الله عليه و آله و سلامه و مغفرته و رضوانه، اللهم صل على محمد عبدك و رسولك و نبيك صلاة نامية تامة زاكية ترفع بها درجته، و تبين بها فضله، و صل على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، و يجحدون آياتك، و يكذبون رسلك، اللهم خالف بين كلمتهم، و ألق الرعب في قلوبهم، و أنزل عليهم رجزك و نقمتك و بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، اللهم انصر جيوش المسلمين و سراياهم و مرابطيهم في مشارق الأرض و مغاربها إنك على كل شي ء قدير، اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات، اللهم اجعل التقوى زادهم، و الايمان و الحكمة في قلوبهم، و أوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم، و أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم اليه، إله الحق و خالق الخلق، اللهم اغفر لمن توفي من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات، و لمن هو لا حق بهم من بعدهم منهم، إنك أنت العزيز الحكيم «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(1)اذكروا الله يذكركم فإنه ذاكر لمن ذكره، و اسألوا الله من رحمته و فضله فإنه لا يخيب عليه داع دعاه، رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ».


1- 1 سورة النحل- الآية 90.

ج 11، ص: 226

و كيف كان ففي المبسوط و النهاية و الخلاف و المعتبر و الذخيرة و الكفاية و الشافية و المنظومة على ما عن بعضها أنه يجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت بل ربما حكي عن الناهلي، بل قيل: إنه يلوح أو يظهر من الآبي و الشهيدين، قلت: في ذكري أولهما بل في الخلاف الإجماع عليه، بل في

الأولين أنه ينبغي، بل في الوسيلة يجب، بل في كشف اللثام أنه يحتمله الإصباح و المهذب و المقنعة و فقه القرآن للراوندي، قلت: لعل احتمالها إرادة الجواز أظهر خصوصا في مثل المقنعة التي هي نصب عين الشيخ، مع أنه ادعى الإجماع كما عرفت، و قيل و القائل المعظم في الذكرى، و الأشهر في التذكرة، و المشهور فيما عن الروض لا يصح إلا بعد الزوال بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه، و في المحكي عن السرائر هو الذي تقتضيه أصول المذهب، و يعضده الاعتبار و العمل في جميع الأعصار، و حاشية المدارك للأستاذ الأكبر أنه الموافق لطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار، لأنهما بعد الأذان للصلاة كتابا(1)بل و سنة ك

خبر حريز عن ابن مسلم (2)أنه سأله عن الجمعة فقال: «أذان و إقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب»

و موثق سماعة(3)المتقدم، و لا أذان للصلاة قبل وقتها، و قد عرفت أن وقت هذه الصلاة الزوال، كما عرفت سابقا أنه لا أذان قبل الوقت و إن جاز قبل الفجر أذان، و لبدليتهما عن الركعتين، و لتظافر النصوص (4)باستحباب ركعتين عند الزوال أو الشك فيه قبل الفريضة، و لا يكونان بين الخطبتين و الصلاة اتفاقا فهما قبلهما، و للاحتياط و للتأسي.

لكن قد يمنع وجوب إيقاعهما بعد الأذان، و الآية غير دالة عليه قطعا، بل


1- 1 سورة الجمعة- الآية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 227

الظاهر الاتفاق على عدم الوجوب، و به يخرج عن ظاهر الخبرين المضمر أولهما، بل جزم في الذخيرة بمنع عدم مشروعية الأذان هنا قبل الزوال و إن أطنب في الحدائق في رده، كما أنه يمنع ظهور أدلة البدلية فيما يشمل ما نحن فيه، و الحكم بأنه في صلاة حالهما لعله لأنه لانتظار الصلاة، و من انتظرها كان بحكم المصلي كما صرح به في خبر العيون (1)و استحباب الركعتين بعد فرض تسليم الاتفاق المزبور يمكن تقييده بما إذا لم يخطب قبل الزوال، بل ربما احتمل كونه ليس تقييدا، و أنه بتقديم الخطبتين اختار الترك، و على كل حال إنما يصلح ردا للقائل بوجوبه أو استحبابه في وجه لا جوازه، فتأمل، و الاحتياط ليس بواجب عندنا، و المروي في

صحيح ابن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) الذي قد يظهر من المقنعة شهرته أو معلوميته عكس ذلك، قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظل الأول فيقول جبرائيل: يا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل».

بل قد يظهر منه دلالة النصوص (3)الموقتة لصلاة الجمعة أو الظهر يوم الجمعة بالزوال، ضرورة كون المراد منها نفس الركعتين، و لعله هذا قال المصنف: إنه أشهر في الروايات، و تأويل الصلاة بها و ما في معناها أعني الخطبة لكونها بدلا عن الركعتين خلاف الظاهر، كتأويل ما في الصحيح (4)بالتأهب لها كما في التذكرة، و تأويل الظل الأول بأول الفي ء كما عن المنتهى، و تأويله بما قبل المثل من الفي ء و الزوال بالزوال عن المثل كما عن المختلف مع أن الأخير كما في الذكرى و كشف اللثام و غيرهما يستلزم إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها عنده، قلت: إلا أن يأول الزوال بالقرب منه، أو يريد مثل


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 228

الباقي من الظل الأول لا ذي الظل، لكن على كل حال هو خلاف ظاهر الخبر المزبور إن لم يكن صريحه، خصوصا ما فيه من إخبار جبرئيل (عليه السلام)، و لا ينافيه ما في صدره من قدر الشرك، إذ لعل زوال الشمس الذي هو ميلها عن دائرة نصف النهار لا يتحقق إلا بذلك، و الظاهر إرادة عرض الشراك، إذ هو المناسب حينئذ لاخبار مثل جبرئيل بالزوال، فتأمل.

و كيف كان فقد ظهر أن الأول أظهر و إن كان خلاف الأشهر، خصوصا بعد اعتضاده بالإجماع المزبور، اللهم إلا أن يقال: المراد من الصحيح أنه كان (عليه السلام) إذا أراد تطويل الخطبة للإنذار و الإبشار و التبليغ و التذكير كان يشرع فيها قبل الزوال و لم ينوها خطبة الصلاة، حتى إذا زالت الشمس كان بالواجب منها للصلاة ثم ينزل فيصلي و قد زا

لت بقدر شراك، و لا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال مع وجوب تأخر مقدماتها عنه، بل هو من الشيوع بمكان، و خصوصا الخطبة التي هي الجزء منها، لكن لا داعي إلى شي ء من ذلك، نعم لا ريب في عدم وجوب ذلك لمعارضة التأسي بما سمعت من الأدلة السابقة التي سيقت لنفي الجواز، و قد عرفت ما فيه إلا أنه لا ينكر ظهورها في نفي الوجوب، مضافا إلى إطلاق الأدلة، و الله أعلم.

و المشهور نقلا و تحصيلا أنه يجب أن تكون الخطبة مقدمة على الصلاة شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الإجماع معها، بل في كشف اللثام استظهار دعواه، كما في المحكي عن المنتهى نفي العلم بالمخالف فيه، بل عن مجمع البرهان نفي الخلاف للسيرة القطعية و التأسي بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) المعلوم بالنصوص (1)و السيرة القطعية على وجه يقتضي الوجوب، مضافا إلى مضمر ابن مسلم و موثق سماعة المتقدمين و غيرهما من النصوص المشتملة على بيان الكيفية التي هي إن لم تدل على الشرطية فلا ريب في استفادة


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجمعة و المستدرك الباب 13 منها.

ج 11، ص: 229

كون المعروف منها ذلك بحيث تنصرف إليه الإطلاقات، فلا مقتضي حينئذ لصحة غيره.

و من العجيب اعتبار الصدوق في الفقيه و المقنع و الهداية و العيون و العلل تأخيرهما في الصحة

مرسلا(1)عن الصادق (عليه السلام) «إن أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان»

و عليه نزل نصوص التقديم، و هو من العجائب، و يمكن كون أصل الخبر قدم الصلاة على الخطبة أو العيد بدل الجمعة كما هو المعروف بدعته فيه، أو كان العيد يوم الجمعة فعبر به عنه أو غير ذلك مما لا ينكر ارتكابه في مثل الخبر المزبور، لشذوذه و مخالفته المعلوم من المذهب بل الضروري منه بل من الدين.

بل قد عرفت أن الواجب التقديم فضلا عن الجواز و أنه شرط مع ذلك فلو بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة لما سمعته، و ما عن بعض متأخري المتأخرين من التوقف في الشرطية أو فيها و في الوجوب إن لم يكن إجماعا في غير محله قطعا، بل لا فرق كما في جامع المقاصد بين العامد و الناسي، نعم قد يقال بالاجتزاء خصوصا في الناسي بإعادة الصلاة فقط بعد الخطبتين مع بقاء الوقت، ضرورة حصول الترتيب به، مع أنه يمكن منعه في العامد المشرع في ابتداء النية، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و يجب أن يكون الخطيب قائما وقت إيراده مع القدرة إجماعا في الخلاف و التذكرة و جامع المقاصد و الغرية و إرشاد الجعفرية و الروض و ظاهر كشف الحق و المدارك على ما عن بعضها إن لم يكن محصلا، و استدل عليه جماعة ي

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «إن أول من خطب و هو جالس معاوية- إلى أن قال-:

الخطبة و هو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل بين الخطبتين»

و فيه نظر، و الأولى الاستدلال عليه بالبدلية عن الركعتين، و بإطلاق الأمر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 230

بالقيام في موثق سماعة و مضمر ابن مسلم السابقين و غيرهما، و بإطلاق الأمر بالجلوس بين الخطبتين في صحيح عمر بن يزيد(1)و غيره من النصوص، إذ الأصل في الواجب كونه مطلقا، و لا يتم حينئذ إلا بالقيام، فيجب فيها جميعها، لعدم القول بالفصل، على أنه المنساق من الجلوس بينهما، و ب

خبر أبي بصير(2)أنه سأل «عن الجمعة كيف يخطب الامام؟ قال: يخطب قائما، إن الله يقول وَ تَرَكُوكَ قائِماً»(3)

بل قد يستفاد منه حينئذ هنا صحة الاستدلال على الوجوب بالتأسي، و من المعلوم أن فعله (عليه السلام) و فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) و الحسن و الصحابة القيام فيهما.

نعم قد يتوقف في وجوب الطمأنينة فيه و إن صرح جماعة به، بل في الحدائق قالوا، لكن دليلها منحصر في البدلية المزبورة، و شمولها لنحو ذلك محل نظر، و لم يثبت استدامة النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) عليها بل ربما كان الظن بخلافها إذا طالت الخطبة بالوعظ و نحوه.

أما مع العجز و لو بمستند فقد صرح جماعة بجواز الجلوس حينئذ، بل هو المشهور على الظاهر بل قيل: إن ظاهر هم الإجماع عليه، بل ربما ظهر ذلك أيضا من المدارك فيما تسمعه، بل عن الشيخ نجيب الدين أن شيخه المدقق صاحب المعالم ادعى الإجماع على ذلك، و كأنه كذلك مع تعذر الاستخلاف، كما أنه الأقوى مطلقا، لظهور ما دل على الشرطية في حال الاختيار، فيبقى الإطلاق حينئذ سالما، و لأنه قد يشعر به صحيح عمر بن يزيد(4)السابق باعتبار عدم الإنكار فيه على معاوية، و ذكره حكم الخطبة في حال القيام الذي قد يشعر بأن لها حالا آخر غيره، و هو ما حكاه عن معاوية، و لأولوية الصلاة منهما في اعتبار القيام و قد قام الجلوس مقامه مع العجز، بل مقتضى بدليتهما عن الركعتين


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
3- 3 سورة الجمعة- الآية 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 و هو صحيح معاوية.

ج 11، ص: 231

الأخيرتين جريان ذلك فيهما، بل يجري جميع ما عرفته في الصلاة من التجدد في الأثناء و من قيام الاضطجاع و نحو ذلك فيهما، اللهم إلا أن يفرق بأن اللازم هنا مراعاة بدليتهما عن ركعتي الإمام، فلا يجوز حينئذ الجلوس فيهما،

بل يتعين حينئذ الاستخلاف، و لعله لذا جعل الاستنابة أولى في المحكي عن نهاية الأحكام و الموجز و كشفه و إن جوز فيها الجلوس، و جامع المقاصد و الغرية و إرشاد الجعفرية أحوط، بل في التذكرة هل يجب الاستنابة حينئذ؟ إشكال، لكن لا ريب أن الأقوى الأول لما عرفت، مع عدم ثبوت البدلية على الوجه المزبور، نعم لا ريب أن الاستخلاف أحوط لكن فيهما و في الصلاة، و إن كان الأقوى جوازه فيهما فقط مع الاضطرار، لعدم ما يصلح للشرطية المقتضية لسقوط الجمعة و تقييد الإطلاقات، أما مع الاختيار فيشك في حصول البراءة بعد ظهور موارد النصوص في الاتحاد، فلا وثوق و لا اطمئنان بإرادة مثله من الإطلاق، و ليس ذا من التقييد كي ينافي ما سمعته حال الاضطرار، كما أن ظهور المورد في النصوص في الاتحاد ليس تقييدا ليحمل عليه إطلاق غيرهما كما توهمه في الحدائق، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع في مقامات عديدة تقع من الأصحاب، و ربما شدد النكير عليهم غفلة عن حقيقة الحال في الإطلاقات و كيفية إفادتها.

و قد اعترف الفاضل في المحكي عن منتهاه هنا بظهور عبارات الأصحاب في اتحاد المتولي للخطبة و الإمامة، قال: «الذي يظهر من عبارات الأصحاب أن المتولي للخطبة هو الامام، فلا يجوز أن يخطب واحد و يصلي آخر، و لم أقف فيه على نص صريح لهم، لكن الأقرب ذلك إلا لضرورة» و قال في الذكرى: «لو غاير الامام الخطيب ففي الجواز نظر، من مخالفته لما عليه السلف، و من انفصال كل عن الأخرى، و لأن غاية الخطبتين أن يكونا كركعتين، و يجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة، و ذهب الراوندي في أحكام القرآن إلى الأول، و لعله الأقرب إلا لضرورة» و كأنه أشار

ج 11، ص: 232

بالوجه الثاني من النظر إلى ما عن نهاية الفاضل من جواز التعدد، و عن الجعفرية و إرشادها موافقته عليه، و في جامع المقاصد أن فيه قوة للأمرين المزبورين، و فيه أن الانفصال أعم من جواز الاستخلاف، كما أن عدمه أعم من عدم جوازه، ضرورة إمكان القول به حتى على عدم الانفصال، لعدم توجه الخطاب بالجمعة إلى واحد بخصوصه بل إلى مجموع العدد، فالعمدة حينئذ في نفي الشرطية الإطلاقات التي عرفت ضعف التعويل عليها في الفرض، خصوصا بعد ما سمعته من المنتهى، و عن المصابيح أن المشهور المنع، و جواز الاقتداء بإمامين في صلاة الجمعة يمكن منعه في الاختيار أيضا، و لو سلم فهو الدليل بخصوصه لا لمثل هذه الإطلاقات التي لا يجسر في البراءة عن الشغل بها، و أولى منه منعا التعدد في نفس الخطبة و إن كان مقتضى ما ذكروه من التعليل جوازه أيضا، فتأمل جيدا، هذا.

و في المدارك أنه «لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاة من علم به من المأمومين، أما من لم يعلم بحاله فقد قطع الأصحاب بصحة صلاته و إن رأوه جالسا، بناء على الظاهر من أن قعوده للعجز و إن تجدد العلم بعد الصلاة كما لو بان أن الامام محدث، و هو مشكل لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و خروج المحدث بنص خاص لا يقتضي إلحاق غيره به» و نحوه عن مصابيح الظلام، قلت: يمكن أن يستفاد مما ورد في المحدث و غيره أن المعتبر في صحة صلاة المأموم صحة صلاة الإمام ظاهرا، فلا يقدح حينئذ تبين فسادها بعد ذلك، لاقتضاء الأمر الاجزاء، و هو الأقوى، و احتمال أن البطلان هنا لفوات الشرط بالنسبة إلى المأمومين لاعتبار صحة الخطبة في صلاتهم لا في صلاة الإمام خاصة يدفعه أن الظاهر عدم زيادة مدخليتها في صلاتهم عن مدخلية صلاته فيها، فإذا اجتزي بالظاهر فيها ففي الخطبة بطريق أولى، على أن اقتضاء الأمر الإجزاء هنا لا ينكر،

ج 11، ص: 233

لظهور الأدلة في البناء على الظاهر هنا في كل ما يتعلق بالغير، فمن الغريب عدم تمسك سيد المدارك به في المقام، مع أن مذهبه في الاجزاء معلوم في تخيل الأمر، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان في جب الفصل بين الخطبتين بجلسة على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه، كما أن في المحكي عن المنتهى «هو الظاهر من عبارات الأصحاب و الأخبار» و كشف الرموز «أن كلام الأصحاب يدل على الوجوب» و الرياض «الأشهر بل عليه عامة من تأخر مع عدم ظهور قائل بالاستحباب صريحا بين الطائفة» قلت: و لعله كذلك إذ لم أجد إلا ما في النهاية و عن المهذب من أنه ينبغي، و في النافع و عن التنقيح التردد، و أن الوجوب أحوط، و في المعتبر احتمال الاستحباب، لأن فعل النبي (صلى الله عليه و آله) كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أنه للاستراحة، و نحوه عن المنتهى، لكن قد يريد الأولان الوجوب من اللفظ المزبور، بل هو مراد الأول قطعا، لأنه عطفه على معلوم الوجوب، و عطف عليه ما هو كذلك فقال: و ينبغي أن يخطب الخطبتين و يفصل بينهما بجلسة و يقرأ سورة خفيفة، و الدليل غير منحصر بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) كي يناقش فيه بما عرفت، و بأنه أعم من الوجوب، و اشتراط التأسي بمعرفة الوجه و إدخاله في الكيفية و نحو ذلك مما يمكن دفعه، بل هو الأمر به في النصوص المستفيضة التي تقدم شطر منها، و احتمال إرادة مطلق الفصل من الجلوس فيها كما عساه يومي اليه صحيح معاوية(1)لا ينافي ظهور كونه بالجلوس من غيره، فلا إشكال حينئذ في شرطيته فضلا عن وجوبه.

بل الظاهر المصنف و غيره وجوب أن تكون الجلسة خفيفة و هو كذلك إذا فات بالطول التوالي المعتبر الذي يمكن استفادته من النص و الفتوى، فتبطل الخطبة الماضية


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 234

حينئذ قطعا، و التردد فيه من ثاني الشهيدين في المحكي عن روضة في غير محله، بل قد يقال بوجوب الخفة و إن لم يفت الموالاة لظاهر

صحيح معاوية في المقام و خبره في العيد(1)و صحيح محمد بن مسلم (2)المشتمل على الخطبة و غيرها و إن اختلفت في التعبير بالقليل و الهنيئة و الخفيفة و قدر الفصل و نحو ذلك، و في حسن ابن مسلم (3)تقديرها بمقدار قراءة قل هو الله أحد، و ظاهر جماعة حمله على الندب، و هو كذلك، لا جزاء الأقل و صدق الخفة بالأزيد، و على كل حال فوجوب الخفة متجه، لكن في الروض أنه لو أطالها بما لا يخل بالموالاة لم يضر، و هو لا يخلو من وجه، و في وجوب الطمأنينة في هذا الجلوس ما سمعته في القيام و إن صرح به في المدارك أيضا، كما أنه عن جماعة أنه لا يتكلم حاله، للنهي عنه في الصحيح المزبور، لكن المحتمل كما في المدارك و غيرها إرادة النهي عن التكلم بشي ء من الخطبة حاله، و طريق الاحتياط غير خفي.

و لو عجز عن القعود فعن جماعة أنه يفصل بسكتة، و في التذكرة فإن قدر على الاضطجاع فإشكال، أقربه الفصل بالسكتة أيضا مع احتمال الفضل بالضجعة، قلت:

كان منشأه بدلية الاضطجاع عن الجلوس في الصلاة، و هو كما ترى تخريج، كما أنه قد يناقش في تعيين السكتة بأنه لا دليل عليه، فالمتجه وجوب ما يحصل به الفصل به أو بغيره كما أومأ اليه صحيح معاوية المتقدم سابقا، و منه يعلم ما في المحكي عن المنتهى و

نهاية الأحكام و الموجز و كشفه و الروض و غيرها من أنه لو خطب جالسا تعين الفصل بالسكتة، و في التذكرة احتمال الضجعة، و ضعفه في المدارك، و نفاها في المحكي عن النهاية، و قد


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العبد- الحديث 1.
2- 2 فروع الكافي- ج 1 ص 422 من الطبع الحديث« باب تهيئة الإمام للجمعة و خطبته و الإنصات» 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 235

عرفت قوة كون المدار على ما يتحقق به الفصل، و الله أعلم.

و هل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد ينشأ من التأسي المعتضد بالعمل في سائر الأعصار كما عن نهاية الأحكام، و الاحتياط في البراءة عن الشغل اليقيني، و وجوب الموالاة بينهما و بين الصلاة، و كونهما ذكرا هو شرط في الصلاة، و بدليتهما من الركعتين فيكونان بحكمهما، و لوجوب الطهارة عند فعلهما بقدرهما فكذا في بدلهما، و

مرسل الفقيه (1)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا كلام و الامام يخطب، و لا التفات إلا كما يحل في الصلاة، و إنما جعلت الجمعة ركعتين لأجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة حتى ينزل الامام»

و رواه في كشف اللثام عن الصدوق «فهما» لكن لم نتحققه (2)و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (3)«إنما جعلت الجمعة ركعتين لأجل الخطبتين، فهي صلاة حتى ينزل الامام»

لعود الضمير عليهما و إن أفرد للمطابقة للخبر، و تعذر الحقيقة يوجب إرادة المماثلة في الأحكام أو الظاهرة إلا ما أخرجه الدليل، و من الأصل بناء على جريانه في نحو ذلك، و الإطلاق، و كونهما ذكرا، و ذكر الله حسن على كل حال، مع ضعف ما تقدم كما ستعرف.

و من هنا قال المصنف هنا و في النافع و المعتبر الأشبه أنها غير شرط وفاقا للسرائر و كشف الرموز و القواعد و المختلف و التبصرة و الذخيرة و الشافية و ظاهر تركه في النهاية و الجملين و الغنية و الإشارة و المراسم على ما حكي عن بعضها لما عرفت، و عدم وجوب التأسي فيما لم يعلم وجهه و وجود الإطلاقات، و الأمر بالصلاة كصلاته


1- 1 الفقيه ج 1 ص 269- الرقم 228: من طبعة النجف.
2- 2 روى في الوسائل في الباب 14 من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2 عن الفقيه و المقنع بلفظ« فهما صلاة» و لكن الموجود في الفقيه و المقنع« فهي صلاة».
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 236

(صلى الله عليه و آله) منزل على كيفية نفس الصلاة، و العمل بعد تسليمه أعم من الوجوب فضلا عن الشرطية، و الاحتياط معارض بأصالة البراءة حتى على القول بالوضع للصحيح في وجه، على أن الإطلاق كاف، مع أن التحقيق الوضع للأعم خصوصا في الفساد من جهة الشرط، على أن الخطبة ليست عبادة في وجه، و ليست مجملة بل لا حقيقة شرعية فيها، فيصح التمسك حينئذ بإطلاقها و إن كانت هي شرطا للصلاة الصحيحة المجملة لو قلنا به كما حقق ذلك كله في محله، و وجوب الموالاة بعد تسليمه لا يدل على الشرطية ضرورة إمكان فرضها مع عدم الخلل بها فيما لو بقي من غسله مثلا جزء من

جانبه الأيسر أو كان فرضه التيمم أو نحو ذلك مما لا تفوت به الموالاة، و اشتراط شرط الصلاة و المقدم عليها بالطهارة ممنوع و إن كان ذكرا، كمنع اقتضاء البدلية ذلك، و الطهارة إنما تجب بقدر الركعتين عند فعلهما، و المرسل غير حجة عندنا، مع أنه يحتمل كالصحيح إرادة تنزيلهما منزلة الصلاة لنزولهما (لتنزلهما خ ل) منزلة الركعتين و حكم الصلاة في الثواب بالنسبة إلى الحاضرين، كما كشفه

الرضا (عليه السلام) في المروي عنه (1)في العلل و العيون بسند معتبر قال: «إنما صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الامام ركعتين و إذا كانت بغير إمام ركعتين و ركعتين لأن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد، فأحب الله عز و جل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا اليه، و لأن الإمام يحبسهم للخطبة و هم منتظرون للصلاة، و من انتظر الصلاة فهو في الصلاة».

و إرادة معاملة الحاضرين لهما معاملة الصلاة في التوجه و عدم الكلام كما أومأ إليه

أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما أرسله عنه في الدعائم (2)قال: «يستقبل الناس الامام عند الخطبة بوجوههم، و يصغون اليه و لا يتكلمون بل يستمعون فهم في الصلاة»


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
2- 2 دعائم الإسلام ج 1 ص 220 المطبوعة بمصر عام 1370.

ج 11، ص: 237

و ربما كان في مرسل الفقيه (1)إيماء إلى ذلك أيضا، بل يقوى الظن بقرينة ما سمعته من الخبرين (2)أن الخبر(3)و

الصحيح (4)«فهم في صلاة حتى ينزل الامام»

و التحريف من النساخ.

و حينئذ لا بد من إرادة ذلك و نحوه، لأنه لا قائل باشتراط الطهارة بالنسبة إليهم كما اعترف به ثاني الشهيدين، قال في المحكي من مسالكه: «ظاهر الأصحاب أنها:

أي الطهارة مختصة بالخطيب دون المأمومين» و الروض «لم أقف على قائل بوجوبها على المأموم» بل عن جماعة نقل ذلك عنه ساكتين عليه، بل قد يناقش فيه على النسخة المزبورة أيضا بنحو ذلك، ضرورة ظهور كون المراد بقرينة قوله: «حتى ينزل الامام» الحكم بكونها صلاة بالنسبة للمأمومين، و قد عرفت عدم الاشتراط بالنسبة إليهم، بل في كشف اللثام تبعا للمختلف احتمال كون الفاء تعليلية: أي قامت الخطبتان مقام الركعتين لأنهما صلاة: أي دعاء كما أنهما دعاه، قال: «و حمل الصلاة على الدعاء الذي هو معناه الحقيقي لغة أولى من حملها على المجاز الشرعي الذي هو التشبيه بالصلاة» و إن كان قد يناقش فيه بأن الدعاء في لسان المتشرعة مجاز شرعي أيضا.

نعم قد يحتمل فيهما التشبيه في اقتضائهما وجوب الركعتين خاصة بقرينة التفريع فان

قيامهما مقام ركعتين لا يستلزم أزيد من ذلك، بل في المختلف «كما يحتمل عود الضمير إلى الخطبتين لمكان القرب كذا يحتمل عوده إلى الجمعة لأجل الوحدة، و تكون الفائدة في التقييد بنزول الامام أن الجمعة إنما تكون صلاة معتدا بها مع الخطبة، و إنما تحصل الخطبة بنزول الامام، فالحكم بكونها صلاة إنما يتم مع نزول الامام» و أشكله


1- 1 الفقيه ج 1 ص 269- الرقم 1228 المطبوع في النجف.
2- 2 المتقدمين في ص 236.
3- 3 الفقيه ج 1 ص 269- الرقم 1228 المطبوع في النجف.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 238

الشهيد في المحكي عن غاية المراد بأن «حتى» للغاية، و لا معنى للغاية هنا، و لو قيل بأن «حتى» تعليلية مثل أسلمت حتى أدخل الجنة كان وجها، و بأن الحكم على الجمعة بالصلاة تأكيد و على الخطبتين تأسيس، و الحمل عليه أولى، و بأن صدر الحديث ظاهر في الحكم على الخطبتين لأنه تعليل لقصر الجمعة على الركعتين مع أنها بدل.

و في كشف اللثام «قد توجه الغاية بكون المعنى فهي صلاة حتى ينزل، ثم هي صلاة حتى يسلم، أي صلاة الجمعة صلاة الظهر انقسمت قسمين، فأحدهما الخطبتان و الآخر الركعتان، فإنما يدل على نزول الخطبتين منزلة الركعتين، و هو لا يقتضي اشتراطهما بما يشترطان به، و حينئذ يكون الأول تأسيسا أيضا، و لا يخالف الظاهر» قلت: لكن لا ينطبق على ما ذكره المختلف من فائدة التقييد، ضرورة ظهوره في كون القيد للجمعة على معنى أن فريضة الجمعة إلى نزول الامام تكون صلاة و قبله خطبتين، إلا أن هذا لما كان من قبيل بيان الواضحات ذكر الفائدة المزبورة للتقييد المذكور التي مرجعها إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي العباس(1): «لا جمعة إلا بخطبة، و إنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»

و به يندفع التأكيد و مخالفتة الظاهر، و من الغريب قوله:

«و لو قيل» إلى آخره، ضرورة عدم انطباق ما نحن فيه على ما ذكره من المثال.

و كيف كان فلا ريب في ضعف الظن بإرادة المساواة في الأحكام، و يؤيده عدم تعرضهم لباقي ما يعتبر في الصلاة من الأحكام الكثيرة فيها، بل في المعتبر- بعد منع البدلية و احتمال أن التخفيف لمكان التطويل- قال: «ثم من المعلوم أنه ليس حكمهما حكم الركعتين بدلالة سقوط اعتبار القبلة، و عدم اشتراط طهارة الثوب، و عدم البطلان بكلام المتخاطب في أثنائها، و عدم افتقار إلى التسليم» و ظاهره أن ذلك كله من المسلمات، لكن في كشف اللثام «أن ما جعلها من المسلمات لا نعرفها كذلك إلا الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.

ج 11، ص: 239

و الأخير» قلت: لم نعرف أحدا ممن تقدم على المصنف اشترط شيئا منها، و إطلاق اشتراط الطهارة في الخلاف و المحكي عن المبسوط و الإصباح و وجوبها في الوسيلة منصرف إلى الطهارة الحدثية، لأنها هي الحقيقة

المتشرعية أو الشرعية كما نص على وجوبها في الذكرى و الدروس، لكن في التذكرة عن الشيخ اشتراط الطهارة من الحدث و الخبث، و عن النهاية شرط بعض علمائنا طهارة الحدث و البدن و الثوب و المكان من الخبث اتباعا لما جرت السنة عليه في الأعصار، إلا أنه لم نتحققه، نعم في المنتهى و البيان و الميسية و المسالك و الروضة على ما عن بعضها وجوب الطهارة من الخبث، و هو صريح المنظومة و شرح المفاتيح أو كصريحهما، و في المفاتيح عن جامع الشرائع و الإيضاح و حواشي الشهيد و الموجز و كشفه و رسالة صاحب المعالم و شرحها و الماحوذية و وجوب الطهارة من دون تنصيص على الشرطية و لا على الخبث، و قد عرفت انصراف إطلاقها إلى الحدث.

و قد بان لك كله ندرة القائل باشتراط الطهارة من الخبث و إن كان هو مقتضى دليلهم، بل مقتضاه إثبات أحكام كثيرة، خصوصا إذا جعلوا حكمها حكم الصلاة بالنسبة إلى المأمومين أيضا، كما أنه بأن القائل باعتبارها مع ضعف دليله.

أما الكلام فلم أجد من أبطل الخطبة به في الأثناء، بل ربما كان في خبر العلل و العيون (1)شهادة على عدمه باعتبار اشتماله على بيان الحكمة في الجمعة من أن الامام يخبرهم بما ورد عليه من الآفاق و بما يريده منهم و نحو ذلك، هذا.

و في التذكرة فإن خطب في المسجد شرطت الطهارة من الخبث و الحدث الأكبر إجماعا» و كذا ما عن إرشاد الجعفرية، و مرادهما المتعدي أو مطلقا بناء على ما عرفته في كتاب الطهارة، و على كل حال فالشرط إما للكون في المسجد كما في المعتبر، أو للخطبة


1- 1 ذكر صدره في الوسائل- في- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3 و ذيله في الباب 25 منها- الحديث 6.

ج 11، ص: 240

لأنه مأمور بالخروج، و الخطبة ضده، لكون اللبث شرطها، لكونها صلاة كما في الخبر(1)و لكنه لا يكون إجماعيا للخلاف في كونها صلاة بمعنى شبهها من كل وجه، و للخلاف في النهي عن ضد المأمور به، على أن حرمة شرطها الذي هو ليس عبادة لا يقضي بفسادها، إلا أن يدعى أن الشرط المحلل منه، و فيه منع، فتأمل جيدا، و لو أحدث بعد الفراغ منهما قبل الصلاة استخلف كما عن المبسوط و المنتهى، بل عن الأخير و كذا لو أحدث في أثنائها كما هو الشأن لو أحدث في الصلاة، و لا يخلو الإطلاق من نظر، و الله أعلم.

و يجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا كما صرح به الفاضل و الشهيدان و العليان على ما حكي عن الميسي منهما و غيرهم، لأنه المتيقن في براءة الذمة من الشغل اليقيني بعد الشك في تناول الإطلاقات لغيره، لمعهودية الاستماع في سائر الأعصار و الأمصار فضلا عن خصوص النبي و آله (صلوات الله عليهم أجمعين) و قد

روي (2)«أنه (صلى الله عليه و آله) كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر جيش»

بل يمكن منع صدق الخطبة بدونه، بل هو كذلك في الوعظ منها الذي هو أحد واجباتها، بل لا ينكر ظهور «خطبهم» و «يخطب بهم» في النصوص السابقة فيه، و لإمكان دعوى دلالة وجوب الاستماع على القول به عليه، و لغير ذلك.

لكن مع هذا كله قال المصنف و تبعه غيره و فيه تردد لضعف هذه الأدلة عن قطع الأصل و الإطلاقات، إلا أنه كما ترى، نعم قد يقال بعدم الظهور فيها بحيث تسقط الجمعة بتعذره لصمم في العدد أو لمانع من ريح و نحوه، و لم يمكن تحصيل مكان لا مانع فيه، فيبقى إطلاق الوجوب بحاله نحو ما سمعته فيما لو سمعوا و لم يفهموا، قال في


1- 1 صحيح مسلم ج 3 ص 11.
2- 2 صحيح مسلم ج 3 ص 11.

ج 11، ص: 241

التذكرة: «لو رفع الصوت بقدر ما يبلغ و لكن كانوا كلهم أو بعضهم صما فالأقرب الاجزاء كما لو سمعوا و لم يفهموا» قال: «و لا تسقط الجمعة و لا الخطبة و إن كانوا كلهم صما» و تبعه عليه جماعة، و في كشف اللثام «لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، و لأن الوجوب إن سلم فالشرطية ممنوعة، و إن سلمت فعمومها للضرورة ممنوع» لكن في المدارك «احتمال سقوط الجمعة إذا كان المانع حاصلا للعدد المعتبر، لعدم ثبوت التعبد بالصلاة على هذا الوجه».

قلت: و لأن قاعدة الميسور معارضة بما دل على الانتقال إلى الظهر بتعذر الجمعة الصادق بتعذر بعض ما يعتبر فيها، و التعارض و إن كان من وجه لكن لا ترجيح أو هو لها، خصوصا مع الاعتضاد بقاعدة الشرطية، فلا أقل حينئذ من الاحتياط بالجمع بين الفرضين و ربما يأتي في الإصغاء ماله نفع في المقام، خصوصا بعد ما عرفت من الاستدلال بوجوب الاستماع على وجوب الاسماع، بل قد ينقدح منه وجوب إسماع الزائد على العدد ممن حضر و لا مشقة في إسماعه، بل هو مقتضى الاستدلال ب

قوله (عليه السلام)(1): «إذا لم يكن من يخطب بهم»

بل و بالتأسي و نحو ذلك، و الاكتفاء بخطبة العدد لو لم يحضر غيرهم لا ينافي الوجوب مع الحضور و عدم تعذر الاسماع أو تعسره، و لو قيل:

إن المراد من نحو «يخطب بهم» المجموع لا الجميع أمكن حينئذ المناقشة في اعتبار إسماع خصوص السبع بحيث لا يجزي الأقل، و

قوله (عليه السلام)(2): «متى اجتمع سبعة أمهم بعضهم و خطبهم»

إنما المراد منه بيان الوجوب إذا لم يكن إلا السبعة، اللهم إلا أن يدعى أن المراد وجود السبعة مقتض للوجوب و لو كانوا في ضمن المائة، فيدل حينئذ على إجزاء خطبهم و لو حضر معهم غيرهم، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 242

و كيف كان فلا ريب أن الأحوط إسماع الحاضرين مع عدم المشقة، كما أن الأحوط الجمع بين الفرضين لو كان المانع من الاسماع من جهة الإمام كبحة الصوت و نحوها بل هو أشد احتياطا من تعذر السماع بالصمم و نحوه لحصول المنشأية فيه دونه، خصوصا إذا كانت بحة الصوت خلقة له، و الله أعلم.

[الشرط الرابع الجماعة]

الشرط الرابع الجماعة فلا تصح ابتداء فرادى إجماعا بين المسلمين فضلا عن المؤمنين كما اعترف به في المعتبر و التذكرة و المنتهى و الذكرى على ما حكي عن بعضها و نصوصا ك

قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)منها: «صلاة واحدة فرضها الله في جماعة»

و غيره (2)لكن سمعت فيما تقدم أن ظاهر الخلاف الاكتفاء بتكبير الامام و إن انفضوا بعده و لم يكبروا، كما أنك سمعت أيضا أنها شرط في الابتداء لا الاستدامة و به صرح بعضهم هنا، لكن في الذكرى «لو بان أن الامام محدث فان كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب أنه لا جمعة لهم، لانتفاء الشرط، و إن كان العدد حاصلا من غيره صحت صلاتهم عندنا، لما سيأتي إن شاء الله في باب الجماعة، و ربما افترق الحكم هنا، لأن الجماعة شرط في الجمعة و لم يحصل في نفس الأمر بخلاف باقي الصلوات، فإن القدوة إذا

فاتت فيها يكون قد صلى منفردا، و صلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة، أما لو ظهر فسق الامام فهو أسهل، لأن صلاته صحيحة في نفسها بخلاف المحدث، و وجه المساواة ارتباط صلاة كل منهم بالإمام، و إذا لم يكن أهلا فلا ارتباط، و لا نسلم أن صلاته صحيحة لفقد الشرط» و في المدارك بعد أن حكى ذلك عنها إلى قوله: «أما» قال:

«لا يخفى ضعف هذا الفرق، لمنع صحة الصلاة هنا على تقدير الانفراد، لعدم إتيان المأموم بالقراءة التي هي من وظائف المنفرد، و بالجملة فالصلاتان مشتركتان في الصحة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 243

ظاهرا و عدم استجماعهما الشرائط المعتبرة في نفس الأمر، فما ذهب إليه أولا من الصحة غير بعيد، بل لو قيل بالصحة مطلقا و إن لم يكن العدد حاصلا من غيره أمكن، لصدق الامتثال و إطلاق

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)و قد سأله عن قوم صلى بهم إمامهم و هو غير طاهر أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟: «لا إعادة عليهم، تمت صلاتهم، و عليه هو الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع».

قلت: قد يعتذر الشهيد عن القراءة لو فات محلها بأن تركها كان لعذر فهي كالمنسية، فلا تقدح في الصحة على تقدير الانفراد، نعم تظهر الثمرة لو بان ذلك في محل القراءة و إن كان

بعد أن فعلها، كما أنه يتجه على كلام الشهيد البطلان لو كان المأموم قد زاد ركوعا للمتابعة فظهر حدث الامام و نحو ذلك من الأحكام التي يبعد على الشهيد التزامها، خصوصا مع ما قيل من ظهور أدلة الجماعة في الائتمام بذي الصلاة الصحيحة ظاهرا، و أنه هو المنساق في كل ما كان المتعارف في طريقه الظاهر من الصلاة و العدالة و نحوهما، و لا تنافي بين واقعية الائتمام و ظاهرية صحة الصلاة، بل قد عرفت فيما سبق أنه لا إشكال عندهم حتى عند الشهيد في عدم بطلان الجمعة بموت الإمام في الأثناء، مع أنه قد انكشف عدم خطابه بالصلاة من أول الأمر، و أنه إنما كان أمرا ظاهريا، فلا فرق عند التأمل بينه و بين من ظهر حدثه في تبين عدم الصلاة من أول الأمر، و لا إشكال في حصول ما مضى من الصلاة جماعة، بل قد يقال به فيما لو ظهر إقدام الامام على الصلاة بغير وضوء، لكفاية الظاهر عند المأمومين، بل إن لم ينعقد الإجماع أمكن القول بالصحة على هذا التقدير فيما لو صلى بظن الطهارة و كان عالما بعدمها، لكفاية الظاهر عندهم، كل ذلك لظهور الأمر في الاجزاء هنا، خصوصا إذا خرج ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 5.

ج 11، ص: 244

النصوص (1)من الحكم بالصحة فيما لو بان حدثه أو فسقه أو كفره أو مات في الأثناء أو أحدث فيه مؤيدا لذلك، فتأمل فإن ذلك كله لا يخلو من بحث كما تسمعه في الجماعة إن شاء الله.

و لكن عليه فالإشكال في اعتبار إتمام ما بقي من صلاتهم جماعة، فيقدمون من يأتمون به فيه و عدمه، و قد عرفت فيما مضى البحث فيه المبني على اشتراطها في الابتداء و الاستدامة أو في الأول خاصة، كما أنه تقدم ما يظهر منه اعتبار العدد فيهما و عدمه من غير فرق بين تبين فساد صلاتهم من أول الأمر و بين الخلل في الأثناء، لكفاية التلبس ظاهرا أيضا فيه، فالحكم بالبطلان في عبارة الذكرى إن لم يتم العدد إلا به لا يخلو من منافاة لما سبق، اللهم إلا أن يخص ذلك بما إذا لم يظهر الفساد من أول الأمر، فلا حظ و تأمل.

و على كل حال فالجماعة شرط في صحتها، و لا ريب في توقفها من المأمومين على نية الاقتداء، و احتمال الاكتفاء بوجوبه في الجمعة عن نيته في غاية الضعف بل البطلان، ضرورة كون الاقتداء من العبادات المتوقفة على النية، أما وجوب نية الإمامة فتردد فيها في الذكرى و المحكي عن موضع من نهاية الأحكام، و لعله من وجوب نية كل واجب و من حصول الإمامة إذا اقتدي به، ثم استقرب الأول في الذكرى و الدروس و البيان و حاشية الإرشاد و شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر و غيرها، كالمحكي عن نهاية الأحكام و الجعفرية و شرحيها، لكن لا يخلو من نظر، إذ هو واجب شرطي، فيكفي فيه حصوله و إن لم ينوه، كما أن وجوبه من باب المقدمة لا يقتضي أزيد من ذلك، و لعله لذا كان خيرة جماعة من متأخري الأصحاب العدم، و هو في غاية القوة، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.


1- 1 الوسائل- الباب- 36 و 37 و 41 و 43- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 11، ص: 245

و كيف كان ف ان حضر إمام الأصل (عليه السلام) كان أعرف بما قيل هنا من أنه وجب عليه الحضور لوجوب الجمعة عليه، و على الناس التقديم و وجب عليه التقدم لعدم جواز ائتمامه بغيره،

و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر حماد(1): «إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس، ليس ذلك لأحد غيره»

بل الظاهر بطلان جمعة الغير لو سبق بناء على عدم اشتراط الاذن نعم إن منعه مانع من الحضور جاز أن يستنيب لعقد الجمعة، و في وجوبه عليه نظر، نعم يجب عليه الاستخلاف لو كان في الأثناء و قلنا باشتراط الجماعة استدامة فيها و إنها متوقفة على إذنه أيضا، مع أنه يمكن القول بعدم الوجوب أيضا، لأن أقصاه بطلان صلاتهم جمعة و يتعين عليهم الظهر، و ليس في الأدلة ما يدل على وجوب حفظ صحتها لهم عليه، و الأمر سهل بعد الاستغناء عن تحقيق ذلك بغيبته أو حضوره، نسأل الله تعجيل فرجه و أن يوفقنا للزوم طاعته، و الله أعلم.

[الشرط الخامس أن لا يكون هناك جمعة أخرى و بينهما دون ثلاثة أميال]

الشرط الخامس أن لا يكون هناك جمعة أخرى و بينهما دون ثلاثة أميال إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا أو متواترا و نصوصا ك

قول أبي جعفر (عليه السلام) في حسن ابن مسلم (2): «يكون بين الجمعتين ثلاثة أمثال لا

يكون جمعة إلا فيما بينه و بين ثلاثة أميال، و ليس يكون جمعة إلا بخطبة، و إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء، و يجمع هؤلاء»

و

في موثقه (3)«إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء و يجمع هؤلاء، و لا يكون بين الجماعتين أقل من ثلاثة أميال»

و لا فرق عندنا بين المصر و المصرين، و فصل النهر العظيم كدجلة و عدمه، و الجسر و عدمه، و كبر البلد و عدمه، بل و لا فرق بين جمعة الحضور و الغيبة، بل لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 246

الثانية أظهر اندراجا في معاقد الإجماعات، بل و النصوص الصادرة في الزمن المساوي لها، لكن في المحكي عن الموجز و لا تتعدد جمعة في دون الفرسخ إلا بندبها حال الغيبة، و هو غريب، و كأنه توهمه من عبارة الدروس في صلاة العيد، قال: «و يشترط فيها الاتحاد كالجمعة إذا كانتا واجبتين، فتنعقد في الفرسخ الواجبة مع المندوبة و المندوبتان فصاعدا» و من المعلوم أن مرجع الضمير فيها العيدان لا الجمعة و العيد، و في كشف اللثام «لعل المراد من عبارة الموجز أن العامة إذا صلوها و أراد المؤمنون إقامتها عندهم زمن الغيبة جازت لهم و إن لم يبعدوا عن جمعتهم

فرسخا لبطلانها، لا أنه يجوز للمؤمنين إقامة جمعتين في فرسخ أو أقل، إذ لم يقل بذلك أحد، و لا دل عليه دليل».

ثم إن الظاهر من النص و الفتوى اعتبار ذلك بين تمام الجماعتين، بل هو كصريح الأول منهما، بل منه يعلم أن المراد بالجمعة الجماعة، بل هو المنساق منه نفسه من غير فرق بين المسجد و غيره، إذ دعوى انصراف محل الجمعة من المسجد أو الموضع المعد لها من لفظ الجمعة واضحة المنع، خصوصا بعد التعبير بالجماعة، و خصوصا إذا كان المصلي في المسجد مقدار العدد المعتبر مع فرض طول مسافته، فما في جامع المقاصد «يعتبر الفرسخ من المسجد إن صليت فيه، و إلا فمن نهاية المصلي» لا يخلو من نظر، ثم قال: «فلو خرج بعض المصلين عن المسجد أو كان بعضهم في الصحراء بحيث لا يبلغ بعده عن موضع الآخر النصاب دون من سواه و لا يتم به العدد فيحتمل صحة جمعة إمامه، لانعقادها بشرائطها من العدد و الوحدة بالإضافة إلى ما هو معتبر في صحتها، و يجي ء في جمعته مع الجمعة الأخرى اعتبار السبق و عدمه، و يحتمل اعتبار ذلك في الجمعتين، لانتفاء البعد المعتبر بينهما، و لا أعرف في ذلك تصريحا للأصحاب، و للنظر فيه مجال» قلت:

لعل المتجه على كلامه صحة الجمعتين، ضرورة فرض تحقق المسافة بين المسجد و بين الجمعة الأخرى.

ج 11، ص: 247

نعم تأتي الاحتمالات الثلاثة فيما لو صليت في غيره و كانت المسافة متحققة بين الامام و العدد و بين الجمعة الأخرى و غير متحققة بالنسبة إلى باقي المأمومين أو بعضهم، و إن اقتصر في كشف اللثام على اختصاص البطلان بالقريبين و احتمال صحة الجمعتين، و في المدارك على الأول و بطلان الجمعتين، ثم قال: و الأقرب الأول عكس المحكي عن الذخيرة و مجمع البرهان من البطلان فيهما معا، و هو المتجه بناء على ما ذكرنا، و لعله اليه يرجع ما عن مصابيح الظلام للأستاذ الأكبر من أن المعتبر الصدق العرفي، و الظاهر أن يكون بين مجموع هؤلاء و مجموع هؤلاء ثلاثة أميال.

ثم إنه بناء على ما ذكرنا يمكن جعل المدار على الجماعتين و إن كان حصولها تدريجيا فلو عقدوا جمعتين مقترنتين مثلا و كان بينهما المسافة حال العقد ثم تكاملت إحداهما بحيث ارتفع المسافة بينها و بين الأخرى بطلا معا، لعدم المسافة بين الجماعتين الصادق على ذلك و إن كان حصوله في الأثناء، و سبق الصحة المراعى ببقاء الشرط غير مجد، مع احتمال اختصاص البطلان بالمتكاملين القريبين، فتأمل جيدا.

و كيف كان فان اتفقتا أي اقترن الجمعتان بطلتا قطعا كما عن جماعة، بل لا خلاف معتد به أجده فيه، لامتناع الحكم بصحتهما معا لما عرفت سابقا من اشتراط الوحدة نصا و إجماعا، و لا أولوية لإحداهما، فلم يبق إلا الحكم ببطلانهما معا من غير فرق بين علم كل فريق بالآخر و عدمه، لكن ربما أشكله بعض متأخري المتأخرين بعد الاعتراف أنه مقتضى إطلاق الأصحاب بأن الإتيان بالمأمور به ثابت لكل من الفريقين في الثاني، لاستحالة تكليف الغافل، و عدم ثبوت شرطية الوحدة على هذا الوجه، و ليس للروايات التي هي مستند الحكم دلالة واضحة على انسحاب الحكم في الصورة المذكورة إلا بتكلف، و فيه أنه لا تكلف فيه بناء على ما سلف من أن الأحكام الوضعية المستفادة من الأوامر و النواهي لا تتقيد بما يقيد به الحكم التكليفي كما حقق في محله، مضافا إلى

ج 11، ص: 248

إطلاق الفتاوى و معاقد الإجماعات، على أن الظاهر من الخبر المزبورر(1)النفي لا النهي هنا، فلا إشكال حينئذ أصلا، بل ربما قيل: إن مقتضى النص بطلان الجمعتين مطلقا إلا ما خرج بالدليل، و إن كان قد يناقش فيه بظهور النص في إرادة نفي الصحة عن مجموعهما الجامع لصحة إحداهما، إلا أنه لما لم يكن في صورة الاقتران إمارة على صحة خصوص إحداهما اتجه الحكم ببطلانهما، أي عدم إجزاء كل منهما في الفراغ عن يقين الشغل، بخلاف ما لو سبق إحداهما، فإن استصحاب الصحة إمارة على صحتها، لا أن الحكم بصحتها للإجماع، و إلا كان مقتضى إطلاق الخبر بطلانها أيضا، و لعل التأمل في كلام الأصحاب و فيما ذكروه من دليل البطلان في صورة الاقتران و الصحة للسابقة يرشد إلى ما ذكرناه، فتأمل جيدا، و يتحقق الاقتران عند علمائنا و أكثر العامة كما في

المدارك و شرح المفاتيح باستوائهما في التكبير، و اعتبر بعضهم الشروع في الخطبة التي هي ليست من الصلاة حقيقة عندنا، و آخر الفراغ المقتضي جواز عقد جمعة بعد أخرى إذا علم السبق بالإسراع في القراءة و الاقتصار على أقل الواجب، و هو غير جائز اتفاقا منا.

و حينئذ ف ان سبقت إحداهما و لو بتكبيرة الإحرام عندنا كما في كشف اللثام بطلت المتأخرة لأن الأولى قد انعقدت صحيحة جامعة للشرائط، و لم يثبت إبطال المتأخرة لها، إذ الخبران (2)كما عرفت إنما يدلان على نفي الصحة عنهما معا لا كل منهما، فترجيح السابقة حينئذ باستصحاب صحتها و موافقتها لظاهر الأوامر في محله، مضافا إلى ما في التذكرة من الإجماع ظاهرا أو صريحا على صحتها و بطلان اللاحقة الذي يشهد لصحته تتبع كلام الأصحاب، بل لا فرق فيه بين علم المصلين عند عقدها أن اللاحقة ستوقع و عدمه، أو أن جمعة تعقد هناك إما لاحقة أو غيرها و عدمه، و لا بين


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 249

علم مصلي اللاحقة أن جمعة سبقتها أو تعقد هناك و عدمه، و لا بين تعذر الاجتماع و التباعد عليهما أو على أحدهما علم به الآخرون أولا و عدمه، كما اعترف به في كشف اللثام إلا أنه قال: «و قد يحتمل البطلان إذا علموا بأن جمعة تعقد هناك إما لاحقة أو غيرها مع جهل مصليها بالحال أو تعذر

الاجتماع و التباعد عليهم مع إمكان إعلام الأولين لهم أو الاجتماع إليهم أو تباعدهم بناء على وجوب أحد الأمور عليهم و النهي عن صلاتهم كما صلوها و قد يمنعان للأصل، أو على وجوب عقد صلاة عليهم يخرجون بها عن العهدة، و لما علموا أن هناك جمعة تنعقد هناك مع احتمال سبقها فهم شاكون في صحة صلاتهم و استجماعها الشرائط عند عقدها، فلا يصح منهم نيتها و التقرب مع التمكن من الاجتماع أو التباعد، و احتملت صحة اللاحقة إذا لم يعلموا عند العقد أن جمعة أخرى تعقد هناك أو لم يتمكنوا من الاجتماع أو التباعد و استعلام الحال، لامتناع تكليف الغافل و المعذور بما غفل عنه أو تعذر عليه، و وجوب الجمعة ما لم يعلموا المانع».

قلت: قد عرفت ما يظهر منه ضعف الاحتمال الأخير، و أن الحكم الوضعي الذي هو البطلان غير مقيد بشي ء من ذلك على تقديري النفي و النهي، و أما الاحتمال الأول فأصله لثاني الشهيدين في المحكي عن روضه و مقاصده، فإنه اعتبر في صحة السابقة عدم علم كل من الفريقين بصلاة الأخرى، و إلا لم تصح صلاة كل منهم، للنهي عن الانفراد بالصلاة عن الأخرى المقتضي للفساد، و قد سبقه اليه المحقق الثاني لكن بطريق السؤال قال: فان قيل: كيف يحكم بصحة صلاة السابقة مع أن كل واحد من الفريقين منهي عن الانفراد بالصلاة عن الفريق الآخر، و النهي يدل على الفساد قلنا: لا إشكال مع جهل كل منهما بالآخر، أما مع العلم فيمكن أن يقال: النهي عن أمر خارج عن الصلاة لا نفسها و لا جزئها، و الوحدة و إن كانت شرطا إلا أنه مع تحقق السبق يتحقق الشرط و يشكل بأن المقارنة مبطلة قطعا، فإذا شرع في الصلاة معرضا بها للإبطال كانت باطلة،

ج 11، ص: 250

إما للنهي عنها حينئذ، أو لعدم الجزم بنيتها، فعلى هذا لو شرع في وقت يقطع بالسبق فلا إشكال، و منه اعترض في المدارك على جده بأن للمانع أن يمنع تعلق النهي بالسابقة مع العلم بالسبق، أما مع احتمال السبق و عدمه فيتجه ما ذكره، لعدم جزم كل منهما بالنية لكون صلاته في معرض البطلان، و نحوه عن الذخيرة حيث نفى تعلق النهي بالسابقة، قال: لأن النهي إنما وقع عن التعدد، و هو غير حاصل من السابقة، نعم يمكن أن يعتبر في صحة السابقة العلم بالسبق أو الظن عند تعذر العلم بأن يعلم أو يظن انتفاء جمعة أخرى مقارنة لها أو سابقه عليها، إذ مع احتمال السبق و عدمه لا يحصل العلم بامتثال التكليف، لا يقال: هذا مبني على أن النهي عن الشي ء هل يقتضي الاجتناب عما يشك في كونه فردا له أم لا، و على الأول صح اعتبار العلم و الظن المذكور، لأن النهي إنما وقع عن الصلاة اللاحقة و المقارنة، فيجب التحرز عما جاز فيه أحد الأمرين، و على الثاني يكفي في صحة الصلاة عدم العلم بكونها لاحقة أو مقارنة مع أن الراجح الأخير، لأنا نقول:

المستند في اعتبار العلم أو الظن حصول الأمر بجمعة لا تكون مقارنة و لا لاحقة، و امتثال هذا التكليف يستدعي العلم أو الظن بانتفاء الوصفين، و ليس المستند مجرد النهي عن الجمعة المقارنة و اللاحقة حتى ينسحب فيه التفصيل.

و الظاهر أن المستفاد من الأخبار الدالة على وجوب وحدة الجمعة أنه متى تحقق جمعتان يجب أن يكون بينهما المسافة المذكورة، فالتكليف بوجوب اعتبار المسافة بين الجمعتين أو اعتبار السبق إنما يتحقق إذا حصل العلم بوجود جمعة أخرى كما هو شأن الأمر المعلق بالشرط، فالمأمور به صلاة جمعة يراعى فيها هذه الشرطية، و على هذا لا يلزم في امتثال التكليف العلم أو الظن بانتفاء جمعة أخرى سابقه أو مقارنة، نعم يعتبر العلم أو الظن بعدم السبق أو المقارنة، أو حصول المسافة عند العلم بحصول جمعة أخرى لا مطلقا، و بالجملة لا يتضح دلالة الأخبار على أكثر من ذلك، فتدبر.

ج 11، ص: 251

ثم قال: و يبقى الإشكال أيضا في صورة يظن الفريق الأول حصول جمعة متأخرة مع عدم علم أصحابها بالجمعة المتقدمة، و حينئذ فالحكم بصحة السابقة لا يصفو عن كدر الاشكال، و قد أطنب الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح و المحكي من حاشيته على المدارك في الانتصار لما سمعته عن الروض، و المناقشة للذخيرة و المدارك مدعيا أنه مراد الأصحاب فقال: ما حاصله أن البعد بثلاثة أميال شرط في الواقع. فإذا صلى الفريقان في الأدون على التعاقب مع علم كل من الفريقين بصلاة الآخر فلا بد في صحة السابقة من علم أصحابها بالسبق، و لا يكفي الظن، لعدم الدليل على حجيته، بل الأصل و العمومات قاضيان بعدمها، و العلم بالسبق مع البعد في الجملة من المحالات العادية، و لا يمكن تحققه إلا في صورة صدور كل واحد من الفريقين بمحضر من الآخر، و حينئذ فدخول السابقين في الصلاة حرام، لكونه مفوتا للواجب الذي هو تحصيل الوحدة في الجمعة فيما دون ثلاثة أميال، لأن السابقين و اللاحقين مخاطبون بتحصيل الوحدة التي هي شرط، و هي واجبة، كما هم مخاطبون بإتيان الجمعة، و ليس الخطاب مختصا بفريق دون آخر، فإذا بادر فريق فربما لم يتيسر للآخر الدخول معهم، فتصير المبادرة منشأ لترك الفريضة، فتجب على السابقين ترك السبق حتى يتفق أولئك معهم، و تحصل الوحدة التي قد خوطبوا بها جميعا، قولكم: إن إمام الفريق اللاحق يصير فاسقا جوابه أن إمام السابقين كذلك لعدم امتثاله الأمر بالوحدة، فإن قلت: لعل كل فريق لا يعتقد بإمام الفريق الآخر، لأنا نقول: إن كان كل فريق منهم يحكم ببطلان صلاة الآخر خرجت المسألة عن فرضها، لأن ما نحن فيه إنما هو وقوع جمعتين صحيحتين عند الجميع لولا السبق و اللحوق و لذا لم يتعين صحة صلاة فريق منهم إلا بالسبق، نعم لو كان إمام الأصل موجودا تعين على الجميع الحضور عنده، و هو أيضا خلاف الفرض، و كذا يخرج عن الفرض ما إذا أراد السابقون تحصيل الوحدة و الإطاعة إلا أن الفريق الآخر يمنعونهم من ذلك

ج 11، ص: 252

فإن الصحة على هذا الفرض ليست من جهة السبق، بل لو كانوا هم اللاحقين لصحت صلاتهم أيضا.

فظهر أن نظر الفقهاء ليس إلى هذه الصورة، بل مرادهم من سبق إحداهما تحقق السبق بعد الدخول في الصلاة، و أنه يشترط حينئذ عدم العلم بجمعة أخرى، و لا يجب تحصيل العلم بعدم جمعة أخرى، بل يكفي العلم الشرعي بالعدم، و هو الاستصحاب، فعلى هذا يتعين ما في الروض، و يعلم يقينا أنه هو مراد الفقهاء، و ليس مرادهم أنهم حين الدخول علموا سبقهم، لأن الدخول حرام كما عرفت، و لا يكفي عند الفقهاء عدم العلم بالسبق كما في المدارك كما كفى عندهم عدم العلم بجمعة أخرى، لأنه يلزم على ذلك أن حصول العلم بجمعة أخرى غير مضر ما لم يحصل العلم بالسبق، و يلزمه صحة الجمعات المتعددة الكثيرة في مكان واحد، إذ بعد العلم بالسبق يحصل جمعة صحيحة، فلا يصلون أخرى، فتأمل، مع أن الشروط معتبرة عندهم في أول الصلاة، و أنه لا تبرأ الذمة إذا وقع الاشتباه في السبق، و أيضا لو كان عدم العلم كافيا في الصحة تكون الجمعتان صحيحتين قطعا، و إلا فكيف يكفي عدم العلم بالسبق مع أنهم حكموا بفساد الجمعتين من جهة عدم العلم بالسابقة، و اختلفوا فيما يلزمهم إعادته هل هو الظهر أو الجمعة أو الجميع.

قلت: يمكن أن يكون إطلاق الأصحاب صحة السابقة مبنيا على ما إذا لم يحصل ما ينافي نية القربة، بل المراد من حيث السبق و اللحوق مع اجتماع باقي الشرائط، فما كان فاسدا حينئذ من جهة أخرى خارج عن محل النزاع، فلا جهة حينئذ للتقييد بما سمعت و لا للإيراد بأن اجتماع أهل الفرسخ لجمعة واحدة واجب على الجميع، و لا لغير ذلك مما سمعت، أو يكون مبنيا على عدم شرطية السبق في صحتها و إن كانت هي التي يحكم بصحتها باعتبار حصول الامارة الشرعية على صحتها ظاهرا، ضرورة انعقادها صحيحة بوقوعها امتثالا للأوامر المطلقة بها جامعة للشرائط فاقدة للموانع، فيكون حينئذ مقتضي

ج 11، ص: 253

الصحة فيها محققا و المانع غير معلوم، فلا يصح حينئذ انعقاد الثانية، لعدم اجتماع جمعتين صحيحتين في المكان المفروض، فليس اشتراط السبق فيها حينئذ على حسب الشرائط الثابتة بنص خاص حتى يحتاج إلى إحرازها في نية التقرب التي يكفي فيها ظاهر الأمر و عدم العلم بسبق جمعة أخرى، و لا منافاة بين توقف الحكم بصحة الجمعة المخصوصة على العلم بسبقها و بين صحة الإقدام على التلبس بها لظاهر الأمر و عدم العلم بسبق أخرى، و كأنه لا مفر للخصم مما ذكرنا فيما لو فرض مانع من حضور كل من الجماعتين مع الأخرى و من تباعدها، و احتمال التزامه بسقوط الجمعة حينئذ يدفعه أنه إسقاط للفرض بلا مقتض، بل ظاهر الإطلاقات و غيرها خلافه، فلا مناص حينئذ في هذا الحال عن صلاة الجمعة و جمع الظهر معها إذا لم يتبين له الحال، و ندرة الاقتران تدفعه، مع أصالة عدمه أيضا، فتأمل جيدا.

و أولى من ذلك في الصحة ما لو علم بسبق جمعته، إذ دعوى نهيه عن التلبس و وجوب اجتماعه مع الأخرى، و تواطئهم على الجمعة، سواء كانوا عالمين بالجمعة أولا، معذورين في عدم المجي ء أو التباعد أولا لا دليل عليها من نص أو إجماع، و نفي الصحة عن مجموع الجمعتين في الخبرين المزبورين (1)أعم من ذلك قطعا، بل لو أريد منه النهي كان مختصا بالمتأخر، لأنه به يحصل تعدد الجمعتين، فيجب حينئذ عليهم السعي إليها، و مع فرض المانع تعين الظهر، و مع عدم علم كل منهم بالسبق فالأصل براءة الذمة من تعين حضور أحدهم مع الآخر، لأن الفرض التساوي، و يقين البراءة يحصل بجمع الظهر مع الجمعة، و وجوب تحصيل الجمعة الصحيحة أولا يحصل بالمبادرة إلى فعلها، لأصالة عدم جمعة في وقت الفعل، فهي صحيحة بحسب الظاهر حتى يعلم وقوع جمعة أخرى، فيحتاج حينئذ إلى معرفة السبق، فان لم يعرف صلى الظهر كما ستعرف الحال مفصلا، فظهر أن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 254

إطلاق الأصحاب في محله، و أن له التلبس بالجمعة مع العلم بأن هناك جمعة تقع فضلا عما لو لم يعلم.

ثم إن تعين السابقة منهما اختصت بالحكم بالصحة، و إلا فلا، و ليس لكل منهم التمسك بالأصل في صحة صلاته بالخصوص حيث لم يعلم السابقة بعينها و إن كان لا يقدح العلم ببطلان إحداهما في إجراء الأصل بالنسبة إلى تكليف كل منهما، كالصلاة في الثوب المشترك، إلا أن من الواضح عدم صلاحية الأصل لتعيين السابقة، ضرورة اقتضاء أصالة تأخر كل منهما عن الأخرى الاقتران، إلا أنه لما كان هو حادثا أيضا فالأصل عدمه، و لذا لم يحكم به أحد من الأصحاب عند الاشتباه، على أن الفرض هنا سبق إحداهما، كما أنهم لم يلتفتوا أيضا هنا إلى العلم بالتاريخ و الجهل، و أن مجهول التاريخ يحكم بتأخره عن معلوم التاريخ، لما أوضحناه في محله من أن الأصل لا يصلح لإثبات صفة التقدم على آخر و التأخر عنه، إذ هو يقضي بتأخر الشي ء في نفسه لا عن آخر بالخصوص ففي المقام الذي فرض فيه معلومية سبق إحداهما لا على التعيين لا يصلح الأصل لاستخراجه، و يبقى مجملا و لا يحكم ببراءة ذمة أحد منهما بالخصوص.

نعم لا يسقط الحكم الذي لا يعتبر فيه التعيين، كعدم صحة عقد جمعة أخرى في هذا المكان، ضرورة ابتنائه على حصول جمعة صحيحة، و الفرض حصولها، فالواجب حينئذ عليهم إعادة الجمعة مع بقاء الوقت و إمكان التباعد عن ذلك المكان بمقدار المسافة و مع عدم التمكن يعيدون ظهرا، و اليه أشار المصنف بقوله و لو لم يتحقق السابقة و لو لاشتباهها بعد المعلومية أعادا معا ظهرا بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل عن غاية المرام نفي الخلاف عنه، و لعله كذلك بين من تأخر عن الشيخ و يحيى بن سعيد، إلا أنه ينبغي تقييده بما عرفت من عدم إمكان التباعد، كما أنه ينبغي تقييد إطلاق الشيخ و يحيى بن سعيد إعادة الجمعة فيه بما عرفت، إذ دعوى وجوبها

ج 11، ص: 255

عليهما و لو في ذلك المكان المخصوص باعتبار أنه لما لم تتشخص السابقة و لم تجز عن أحدهما على التعيين كانت كالباطلة- و لأن الأمر بصلاة الجمعة عام، و سقوطها بهذه الصلاة غير معلوم، و لأن المانع من فعل كل منهم إعادة الجمعة معلومية المسبوقية، و لم يتحقق عند أحد منهما- واضحة البطلان بل اجتهاد في مقابلة النص، و أوضح منها بطلانا وجوب إعادة الظهر و الجمعة عليهما كما عن مجمع البرهان و شرح الأستاذ، بل لم أجد من احتمله هنا، نعم هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه و الكركي و المحكي عن فخر الإسلام و أبي العباس و غيرهم فيما إذا لم يعلم السبق و الاقتران، لأن الواقع في نفس الأمر إن كان هو السبق فالفرض هو الظهر، و إن كان الاقتران فالفرض هو الجمعة، فلو أتوا بإحداهما دون الأخرى لم تتحقق البراءة بذلك، و فيه أنه لا يجب مثل هذا الاحتياط، ضرورة استصحاب الشغل بالجمعة، و إطلاق الأمر بها، فيعيدون حينئذ جمعة و يجتزون بها، لصدق الامتثال، كما هو خيرة المبسوط و جامع الشرائع و المنتهى و التحرير و الإرشاد و الدروس و الذكرى و البيان و الذخيرة و المسالك و الروضة و المقاصد العلية و الميسية و غيرها على ما حكي عن بعضها محتجين بما يرجع حاصله إلى ما ذكرنا من أن ما فعلاه لتردده بين الصحة و البطلان كان كالباطل، و الأصل البراءة من الفريضتين و ما في كشف اللثام- من أنه كما يتردد ما فعلاه فكذا ما يفعلانه، فكما أن ما فعلاه كالباطل فهو كالمبطل- يدفعه أن الجمعة الثانية لا يحكم ببطلانها إلا مع العلم بصلاة جمعة صحيحة، و لم يعلم هنا، فهي صحيحة بمقتضى ظاهر الشرع، فتكون مجزية، و لا يجب الاحتياط للاحتمال، و إلا لم يكن لأصل البراءة مورد.

نعم بناء على ندرة احتمال الاقتران بحيث لا يعبأ به أو فرض كونه كذلك كانت من المسألة السابقة، و عليه بنى احتمال الاجتزاء بالظهر في التذكرة، و مثله لا يعد قولا في المسألة، و لذا أنكر وجود قائل به في المدارك و إن كان ربما استظهر من عبارة المتن،

ج 11، ص: 256

لعدم اشتراط صدق السالبة بوجود الموضوع، بل عن المنتهى حكايته بلفظ القيل، إلا أنه علله بالندرة المزبورة، بل حكي عن المختلف و إن كنت لم أتحققه، كما أنه لا يخفى ضعف ما يحتج به له مضافا إلى الندرة المزبورة التي مرجعها إلى النزاع في الموضوع، من حصول الشك في شرط إقامة الجمعة، و هو عدم سبق أخرى، فلا يجزي حينئذ إعادتها، ضرورة أن ذلك مانع لا شرط، فيكفي أصالة عدمه في تحقيقه كما هو واضح فلا ريب حينئذ في الاجتزاء بإعادة الجمعة مجتمعين أو متباعدين بالفرسخ، و لا يحتاج إلى تغيير الامام بناء على ما ذكرنا استصحابا لشغل ذمة الجميع، بل الظاهر كونه كذلك لو قلنا بوجوب الفرضين عليهما، ضرورة الاكتفاء بالوجوب المقدمي في صحة الائتمام، لكن في التذكرة «و يتولى إمامة الجمعة من غير القبيلين أو يفترقان بفرسخ» و في كشف اللثام «قلت: لأن كلا منهم يحتمل كون صلاته لغوا، لصحة جمعته، فلا تصح صلاة المؤتمين به، و لذا لا يجتمعان على ظهر بإمام منهما، بل إما أن يجتمعا على ظهر بإمام من غيرهما، أو على ظهرين بإماميهما، و لا يأتم أحد منهما بإمام الآخر أو ينفردوا، و لا يكفي إذا اجتمعا على جمعتين افتراقهما بفرسخ بينهما كما يوهمه ظاهر العبارة، بل لا بد من افتراق كل منهما عما أقيمت فيه الأوليان بفرسخ» و فيه ما عرفت من أن احتمال لغو الصلاة بعد الوجوب المقدمي المشترك بين الامام و المأموم غير قادح، نعم ما ذكره أخيرا جيد إذا كان المراد الاحتياط في رفع مطلق الاحتمال، إلا أن إعادة الظهر مع هذا الفرض من التباعد في غاية الغرابة، للقطع حينئذ بحصول جمعة صحيحة معه، فتأمل جيدا.

و يتحقق السبق بالتكبير قطعا، لأنه العاقد للصلاة، و كل جمعة انعقدت بعد أخرى في فرسخ باطلة، لكن عن نهاية الأحكام «أن الاعتبار إنما هو بتمام التكبير حتى لو سبقت إحداهما بهمزة التكبير و الأخرى بالراء فالصحيحة هي التي سبقت بالراء،

ج 11، ص: 257

لأنها التي تقدم تكبيرها» و في كشف اللثام «لأن انعقاد الصلاة بتمام التكبير كما يفيده الأخبار» قلت: قد عرفت أنه ليس في شي ء من النصوص تعليق الصحة على سبق الانعقاد كي يكون المدار عليه، بل مبناها حصول وصف الصحة للأولى، و هو يتحقق بالشروع بها متقدمة على الأخرى و إن كانت صحة إجزاء التكبير مراعاة بإتمامه على وجه الكشف، فلا يبعد أن يكون المدار عليه كما احتمله جماعة، و كذا لا يبعد أن يكون المدار على سبق الامام من غير حاجة إلى سبق العدد، أما بناء على ما سمعته من الخلاف في الانعقاد جمعة و إن انفضوا بعد تكبيره فواضح، و أما على غيره فتكبير العدد إنما هو كاشف عن الانعقاد، و احتمال عدم الانعقاد قبله ضعيف، و منه يظهر ضعف احتمال اعتبار سبقهم أيضا كما وقع من غير واحد على وجه لم يظهر منهم ترجيح الأول عليه، فتأمل.

و قد ظهر لك من ذلك كله حال جميع صور الاجتماع الذي ذكر في جامع المقاصد تصور موضوعه باجتماع نائب الإمام في بلد واحد أو بلدين، بل باجتماع الامام و نائبه كذلك، و لا محذور في ذلك، لإمكان عدم علم أحدهما بصاحبه أو اعتقادهما بلوغ المسافة الخد المعتبر ثم يظهر خلافه، و لو علم النائبان عدم البلوغ ثم أقدما على الصلاة كذلك لم يقدح في عدالتهما بوجه ما لم يظهر إقدامهما على معصية تخل بها، قلت: لا حاجة إلى مراعاة النيابة في هذا الزمان بناء على العينية بل و على التخيير، و لا يتوهم تعين فعل الظهر على الثاني مع العلم بقيام جمعة أخرى فيما دون الفرسخ، للأصل و إطلاق دليل التخيير، نعم لا يجتزى بالجمعة التي بادر إليها إذا لم يتبين له سبقها، استصحابا للشغل، فيفعل الظهر حينئذ تحصيلا لليقين، و الله أعلم.

[النظر الثاني فيمن تجب عليه]
اشاره

النظر الثاني فيمن تجب عليه الجمعة بحيث يجب عليه السعي إليها و يراعى فيه سبعة شروط: التكليف و الذكورية و الحرية و الحضر و السلامة من العمى و المرض و العرج

ج 11، ص: 258

و أن لا يكون هما و في

صحيح زرارة(1)«منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة، و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين»

و في

خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)«الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا الصبي و المريض و المجنون و الشيخ الكبير و الأعمى و المسافر و المرأة و العبد المملوك و من كان على رأس فرسخين»

و في

صحيح ابن مسلم (3)«منها صلاة واجبة، على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي»

و

خبر منصور بن يعقوب (4)«الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبي»

و

النبوي (5)«الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا ضرر في النقيصة فيها و الزيادة في المستثنى بعد تحكيم منطوق بعضها على مفهوم الآخر، أو تكلف تداخل بعضها في بعض، على أنه لا خلاف في أكثرها أو جميعها بل عن المنتهى و غيره الإجماع على اشتراط البلوغ، بل لعله من ضروريات المذهب أو الدين كالعقل، فلا تجب على غير البالغ و المجنون المستمر جنونه إلى فواتها، نعم تصح من المميز بناء على

الصحيح من شرعية عباداته، و ستعرف كيفية صحتها منه و حكمه لو بلغ في الأثناء.

و في المعتبر و المنتهى و التذكرة و إرشاد الجعفرية و الذخيرة على ما حكي عن بعضها الإجماع على اشتراط الذكورة، بل في الأول منها إجماع العلماء، كما عن الثاني «لا تجب على المرأة، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم» نعم قد يقال بأن الظاهر من النصوص سقوطها عن المرأة، و لعله المراد من الفتاوى و معاقد الإجماعات، قال في التذكرة:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 16.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 24.

ج 11، ص: 259

«الذكورة شرط فلا تجب على المرأة إجماعا» و لعله مراد غيره أيضا، فيتجه حينئذ وجوبها على الخنثى المشكل سواء قلنا بالواسطة في الواقع أو لا، للعموم الذي يدخل فيه المشتبه صدق الخاص عليه، بناء على عدم كونه مقسما للعام، و أنه لم يؤخذ في مفهومه عدم الخاص كي يكون مجملا بالنسبة إلى الفرض، فيتمسك فيه بأصالة البراءة، على أنه لو سلم أمكن الوجوب مع الظهر هنا أيضا، لتوقف يقين البراءة على الجمع، و دعوى أصالة الظهر غير مسموعة كما أوضحناه سابقا، لكن عن شرح الأستاذ الأكبر «أن المعروف بين الأصحاب عدم وجوبها على الخنثى، لاحتمال كونه امرأة، و الأصل براءة الذمة و عدم التكليف حتى يثبت، و لا ثبوت مع الاحتمال، و شمول كل مسلم للخنثى محل تأمل، لعدم تبادره من إطلاق لفظ مسلم و إن قلنا بأن العام اللغوي يشمل الأفراد النادرة لأنه يشمل ما علم أنه فرد لا ما يحتمل، و هذا و إن كان يقتضي عدم وجوب الظهر أيضا، لاحتمال كونه رجلا إلا أن الظهر هو الأصل، لأن الجمعة مشروطة بالذكورة و غيرها، و الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط، و الظهر واجب على المكلفين إلا من اجتمع فيه شرائط الجمعة، و لأن الواجب أولا كان الظهر ثم تغير إلى الجمعة بالنسبة إلى من اجتمع فيه شرائطها، و الظاهر أن الممسوح مثل الخنثى» و فيه ما لا يخفى خصوصا بعد ما سمعت من لفظ الناس و نحوه في النصوص، و شرطية الذكورة لا مدرك لها إلا معقد الإجماع المنقول الذي لا ظن بإرادة الزائد على ما في النصوص من السقوط عن المرأة فيه، فتأمل جيدا.

و أما الحرية فعليها إجماع العلماء في المعتبر و التذكرة، و الإجماع في المحكي عن المنتهى، و لعل المراد أنها لا تجب على العبد كما في النصوص السابقة، و هو معقد الإجماع أيضا في الثلاثة المزبورة و الذكرى و كشف الالتباس و الروض على ما حكي عن بعضها، قال في التذكرة: «الحرية شرط في الوجوب، فلا تجب على العبد عند علمائنا أجمع،

ج 11، ص: 260

و به قال عامة العلماء» و قال في الذكرى: الأمر الخامس الحرية، فلا تجب على العبد بإجماعنا، و لعل غيرهم كذلك، فلا تسقط عن المبعض حينئذ، لعدم صدق العبد حينئذ عليه، فيبقى مندرجا تحت الأدلة السابقة، نعم لو قلنا باشتراط الحرية في الوجوب أمكن حينئذ السقوط عنه، لعدم صدق الحر عليه، لكن قد عرفت أنه لا مقتضي لذلك إلا معقد الإجماع المزبور الذي يقوى في الظن إرادة عدم الوجوب على العبد منه، كما هو المراد من معقد الإجماع المتقدم، و يومي اليه زيادة على ذلك ذكر المبعض مسألة أخرى غير ما حكوا الإجماع عليه، و تسمع إن شاء الله تمام الكلام في ذلك.

و أما الحضر فعليه الإجماع في المعتبر و نهاية الأحكام و الذكرى و مصابيح الظلام على ما حكي عن بعضها، بل عن الأخير أنه ضروري، و في التذكرة «الإقامة أو حكمها شرط في الجمعة، فلا تجب على المسافر عند عامة العلماء» و قد سمعت أن الموجود في النصوص المسافر، و المنساق إلى الذهن منه السفر الشرعي و إن لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية له، و لا يتوقف صدقه على وجوب التقصير عليه قطعا، فتسقط عنه في مواضع التخيير و إن تعين عليه التمام فيها بنذر و نحوه، و احتمال أن سقوط الجمعة عن المسافر لأن فرضه التقصير، و لا تقصير في الجمعة التي أقيم فيها الخطبتان بدل الركعتين، فتتعين الجمعة حينئذ لا طلاق الأدلة كما ترى لا يصلح مستندا شرعيا، فما في التذكرة- من وجوب الجمعة في المواضع الأربعة كما هو محتمل المحكي عن النهاية- لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يريد وجوبها من حيث صدق حضورها عليه، إذ الفرض أن تخييره في القصر و الإتمام إنما يكون إذا كان فيها، فمع فرض انعقاد جمعة فيها حال تخييره صدق عليه حضور الجمعة، فتجب من هذه الجهة لا أنها تجب عليه من حيث مشروعية التمام له، إذ قد عرفت أنه لا ينافي صدق السفر عليه مع ذلك، و أنه ليس من القواطع كالإقامة و ما في حكمها، على أن احتمال التخيير بين الجمعة و عدمها كما في الدروس أولى بناء على

ج 11، ص: 261

الملاحظة المزبورة، فلا ريب أن الأقوى ما ذكرنا بالنسبة إلى الحيثية المزبورة.

نعم الظاهر خروج المقيم و من في حكمه و كثير السفر و العاصي بسفره و نحوهم عن المسافر شرعا لا عرفا، فتجب الجمعة عليهم، و في المتردد ثلاثين وجهان، لكن عن صريح جماعة أن المراد بالحضر ما قابل السفر الشرعي فيدخل فيه ناوي الإقامة عشرا و المقيم ثلاثين يوما، و عن المنتهى الإجماع عليه، و عنه أيضا لم أقف على قول لعلمائنا على اشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة، إلا أنه قرب الاشتراط، كما عن نهاية الأحكام و الذكرى و جامع المقاصد و كشف الالتباس و الميسية و الروض و غيرها أن في حكم الحضر سفر العاصي و كثير السفر، و في التذكرة لو نوى الإقامة عشرا تنعقد به عندنا قولا واحدا، و لا يخفى عليك أن المدار في السقوط السفر الشرعي، و في الوجوب ما يقطع حكمه من حضر و نحوه كما يعرف ذلك مفصلا في بحث المسافر.

و في التذكرة و عن المنتهى نسبة السلامة من العمى إلى علمائنا، و المعتبر و الذكرى إلى الأصحاب، و عن مصابيح الظلام الإجماع عليه، و لا يقدح فيه عدم ذكره في المراسم كما قيل، كما أنه لا فرق في إطلاق النص و الفتوى بين ما يشق معه الحضور و عدمه كما صرح به بعضهم، و في المعتبر و عن المنتهى و مصابيح الظلام الإجماع على السلامة من المرض، و لا ينافيه عدم ذكره في المحكي عن المراسم و الألفية و اللمعة و الموجز الحاوي و كشف الالتباس، كما أن مقتضى الإطلاق ما صرح به في التذكرة و غيرها من عدم الفرق فيه بين ما يشق الحضور معه مشقة لا تتحمل عادة و عدمه، و زيادة المرض بالحضور أم لا، لكن عن إشارة السبق «المرض المانع من الحركة» نحو ما عن فوائد الشرائع و إرشاد الجعفرية و المقاصد العلية و شرح نجيب الدين «المرض الذي يتعذر معه الحضور» و عن المسالك و الروض و الميسية «المشقة التي لا يحتمل مثلها عادة أو خوف زيادة مرض أو بطء برء» و الجميع كما ترى تقييدا للنص و غيره بلا دليل، اللهم إلا أن يدعى أنه

ج 11، ص: 262

المتبادر من المريض.

و أما العرج فعن المنتهى و ظاهر الغنية الإجماع عليه، لكن في التذكرة تقييد معقد الإجماع بما إذا بلغ حد الإقعاد، بل عن صريح جماعة و ظاهر آخرين أنه إذا لم يكن مقعدا يجب عليه الحضور، لكن في التذكرة و عن نهاية الأحكام «أن الوجه السقوط مع المشقة، و العدم بدونها» و عن فوائد الشرائع و الروضة و عن غيرها «العرج البالغ حد الإقعاد، أو مشقة السعي إليها بحيث لا يتحمل مثله عادة» و في المعتبر نسبة اشتراطه إلى الشيخ، ثم قال: «إن كان يريد به المقعد فهو أعذر من المريض، لأنه ممنوع من السعي فلا يتناوله الأمر بالسعي، و إن لم يرد ذلك فهو في موضع المنع» و استحسنه في المحكي عن التنقيح، لكن قال في مفتاح الكرامة: إن اقتصاره على نسبته للشيخ لا وجه له، لأنه قد ذكره المفيد فيما عندنا من نسخ المقنعة، و قد ذكر ذلك أيضا عن نسخها في كشف اللثام، فقول المحقق و الفاضل و الشهيد و غيرهم أنه لم يذكره المفيد يجوز أن يكون توهما من التهذيب، و قد ذكره صاحب الوسيلة و الغنية و السرائر و إشارة السبق و جامع الشرائع و ظاهر الغنية الإجماع عليه، نعم لم يذكره الصدوق في الهداية و السيد في الجمل و الديلمي في المراسم و صاحب المعالم في رسالته و تلميذه، و لعله أدرج في المفاتيح و الماحوزية تحت قولهما، كل ما يؤدى معه التكليف إلى الحرج، و

عن مصباح السيد أنه قال: «و قد روي (1)أن العرج عذر».

قلت: خلاصة الكلام فيما لا إطلاق نص فيه أنه إن حصل ما يصلح لسقوط التكليف من ضرر أو مشقة لا تتحمل و نحوها مما يندرج به تحت العسر و الحرج أو أهمية واجب آخر مع التعارض و نحوها توجه السقوط، و إلا فلا، و أما احتمال كون المدار على مطلق صدق العذر و إن لم يصل إلى ذلك بدعوى ظهور فحوى إطلاق الأعذار


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 263

المنصوبة في ذلك ففيه ما لا يخفى، خصوصا بعد تأكيد وجوب صلاة الجمعة بما سمعت في الكتاب

و السنة، و من ذلك ظهر لك ما عن المبسوط يجوز ترك الجمعة لعذر في نفسه أو أهله أو قرابته أو أخيه في الدين، مثله أن يكون مريضا يهتم بمراعاته أو ميتا يقوم على دفنه و تجهيزه، أو ما يقوم مقامه و إن قيل إن نحوه ما في المختلف و التذكرة و نهاية الأحكام و الموجز و الدروس و الذكرى و كشف الالتباس و المسالك و الروض و غيرها، بل عن المنتهى و نهاية الأحكام و كشف الالتباس «لو مرض له قريب و خاف موته جاز له الاعتناء و ترك الجمعة، و لو لم يكن قريبا و كان معتنيا به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه» بل في الأخيرتين «لا فرق في المريض بين قريبه أو ضيفه أو زوجته أو عبده مع الحاجة إليه» نعم عن المنتهى «لو كان عليه دين يمنعه الحضور و هو غير متمكن سقطت عنه، و لو تمكن لم يكن عذرا، و لو كان عليه حد قذف أو شراب أو غيرهما لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله و ترك الجمعة» لكن عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس و الروض و المسالك «لو كان عليه حد قصاص يرجو بالاستتار الصلح جاز الاستتار و ترك الجمعة» و عنها أيضا «إذا اشتغل بجهاز ميت أو مريض، أو حبس بباطل أو حق عجز عنه، أو خاف على نفسه أو ماله أو بعض اخوانه لو حضر ظالما أو لصا أو مطرا أو وحلا شديدا أو حرا أو بردا شديدين أو ضربا أو شتما» قيل:

و نحو ذلك و إن لم يذكر فيها الجميع التذكرة و كشف الالتباس و إرشاد الجعفرية و الروض و المسالك و الموجز و مجمع البرهان، و عن إرشاد الجعفرية «لا فرق في المال بين الجليل و الحقير» و في الذكرى «أن من له خبزا يخاف احتراقه كذلك» و

عن السرائر روي (1)«أن من يخاف ظلما يجري على نفسه أو ماله هو أيضا معذور في الإخلال بها و كذلك من كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل الوالد و من يجري مجراه من ذوي


1- 1 سنن البيهقي ج 3 ص 185.

ج 11، ص: 264

الحرمات الأكيدة يسعه أن يتأخر عنها»

و نحوه عن السيد، و عن ابن الجنيد «من كان في حق لزمه القيام بها كجهاز الميت أو تعليل الوالد أو من يجب حقه و لا يسعه التأخر عنه» إلى غير ذلك، و قد عرفت الضابطة.

نعم قد يخرج من ذلك المطر، لما في

صحيح عبد الرحمن (1)«لا بأس أن تدع الجمعة في المطر»

و في التذكرة «لا خلاف فيه» و به صرح الشهيد و غيره، قيل: و ألحق به الفاضل و من تأخر عنه الوحل، و عن المنتهى «أن السقوط مع المطر المانع و الوحل الذي يشق معه المشي قول أكثر أهل العلم» و أما سقوطها عن الكبير الذي يتعذر عليه حضورها أو يتعسر أو

يشق مشقة لا تتحمل عادة فهو من الواضحات المستغنية عن صريح إجماع التذكرة على سقوطها عن الذي لا حراك به، كظاهر المحكي عن الغنية، بل و إجماع مصابيح الظلام على اللهم الذي فسره في المحكي عن الكركي بالشيخ الفاني، و في المقاصد العلية بالشيخ الكبير العاجز عن الحضور، أو الذي يمكنه ذلك بمشقة شديدة لا يتحمل مثلها عادة، إنما الكلام في الكبير الذي لم يبلغ ذلك، فان مقتضى إطلاق النص و معقد ظاهر إجماع المحكي عن المعتبر و المنتهى السقوط، لكن قيل: إن في الجمل و العقود و المبسوط و الوسيلة و الغنية و السرائر و إشارة السبق و نهاية الأحكام التقييد بالذي لا حراك به، و في المراسم و جامع الشرائع و التبصرة و كفاية الطالبين لابن المتوج و البيان و الألفية و اللمعة نحو ما في الكتاب، و في التحرير و القواعد و الموجز و كشف الالتباس و شرح نجيب الدين «البالغ حد العجز» و في الإرشاد «المزمن» و في الذكرى و الميسية و الروض و الشافية و غيرها «البالغ حد العجز أو المشقة الشديدة بواسطة الكبر» و لم أعرف الوجه في التقييد بذلك في خصوص هذا العذر مع أن النصوص أطلقت فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 265

كغيره من الأعذار، فالمتجه التقييد فيها جميعها أو الإطلاق، و أن المعتبر وجودها لما فيه من الحرج على الصنف، فلا يجدي قدرة بعض الأشخاص، و لعله لذا حكي عن الصدوق في الهداية و السيد في الجمل و المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية الإطلاق من دون تقييد بما سمعت، و وجهه ما عرفت، و في كشف اللثام «أنه لم يذكره ابن سعيد و لا الحلبي صريحا، و إنما ذكرا السليم و قد يبعد شموله للسلامة منها» قلت: قد حكى غيره عن الجامع أنه ذكره كما سمعت، على أنه لا بعد فيه مع إرادة المقعد و نحوه من الشيخ، إذ لا ريب في عدم صدق السليم عليه، و الله أعلم.

و كذا يعتبر أن لا يكون بينه و بين الجمعة أزيد من فرسخين فان كان سقطت إجماعا بقسميه و نصوصا، و هي الحجة على ما عن الحسن من وجوب الحضور على من إذا غدا من أهله بعد صلاة الغداة أدرك الجمعة الذي يرجع اليه أو يقرب منه ما عن ابن الجنيد من وجوب السعي على من يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج نهاره إن لم يرجعها إليهما بإرادة مقدار الفرسخين فما دون من ذلك، ك

قول أبي جعفر (عليه السلام)(1): «الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) رجعوا إلى رحالهم قبل الليل، و ذلك سنة إلى يوم القيامة»

المراد منه ذلك بشهادة

قوله (عليه السلام) في حسن ابن مسلم (2)مع زرارة، و أرسله عنه (ع) في دعائم الإسلام (3): «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين إذا كان الامام عدلا»

الظاهر في سقوطها عمن زاد على ذلك كما صرح به

الرضا (عليه السلام) في المروي (4)عن العلل و العيون «إنما تجب الجمعة على من كان منها


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 266

على فرسخين لا أكثر من ذلك، لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا و بريد جائيا، و البريد أربعة فراسخ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير، و ذلك أنه يجي ء فرسخين و يذهب فرسخين»

و

الصادق (عليه السلام) في حسن ابن مسلم (1)«تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين، فإذا زاد على ذلك فليس عليه شي ء»

و رواه في المعتبر و الذكرى عنه، و عن حريز عن الصادق (عليه السلام)، و ربما كان النهار تسع ساعات و المشي على تؤدة، إذ من المعلوم عدم الدواب عند جميعهم، و إن أبيت عن ذلك كله فحمله على الندب متعين، لقوة المعارض الذي منه ما سمعت من الصحيح و الحسن مضافا إلى غيرهما مما ستعرف.

إنما البحث في الوجوب على من كان على رأس فرسخين، فالمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا

شهرة عظيمة بل لا أجد فيها خلافا بين المتأخرين الوجوب، بل في الخلاف و الغنية و شرح نجيب الدين و ظاهر المنتهى و كشف الحق الإجماع عليه، و هو مع الصحيحين و المرسل و خبر العلل و العيون و الإطلاقات الحجة على ما عن الصدوق و ابن حمزة من العدم و اختصاص الوجوب على من كان دونهما، بل عن أمالي الأول منهما أنه من دين الإمامية، لما مضى من

قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة و حسنه (2)«وضعها عن تسعة- إلى قوله (عليه السلام) و من كان على رأس فرسخين»

و قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة(3)مثل ذلك، و لا يخفى ضعفه عن المقاومة من وجوه، فيمكن حمله- كفتوى الصدوق سيما مع وصفه بدين الإمامية و لم نجد له موافقا إلا ابن حمزة، و أما ابن إدريس فالمحكي عن سرائره مضطرب، بل هو إلى المشهور أقرب منه إلى غيره- على إرادة الزائد من الفرسخين، سيما و الكون عليهما من غير زيادة و نقيصة من الأفراد


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.

ج 11، ص: 267

النادرة التي لا يحمل عليها الإطلاق، لا أقل من الشك فيشمله إطلاق ما دل على وجوب الجمعة، و الأمر سهل، هذا.

و في الروضة في شرح قوله في اللمعة: «و تسقط عمن بعد بأزيد من فرسخين» قال: «و الحال أنه يتعذر عليه إقامتها عنده أو فيما

دون فرسخ، قيل: و قضية ذلك أنه لا يجب عليه السعي في تحصيل الجمعة أزيد من فرسخ، أما لو كانت متعددة قائمة لزمه الحضور إلى فرسخين، و هذا التفصيل ليس له أثر في كتب الأصحاب، و الموافق له أن يقول أو فيما دون أزيد من فرسخين» قلت: يمكن أن يريد التعذر عنده أو فيما دون فرسخ من مكانه الذي هو فيه بالنسبة إلى الجمعة المعقودة، ضرورة أن تمكنه من عقده في الأزيد من ذلك موجب لعقد الجمعتين في الأقل من فرسخ، و هو غير جائز، فسقوط السعي عنه حينئذ إلى الجمعة المعقودة لكون المفروض بعده عنها بأزيد من فرسخين، و سقوط غيرها عنه لتعذره عليه بحيث لا ينعقد جمعتان في أقل من فرسخ، بل ينبغي الجزم بإرادته ذلك و إن قصرت عبارته، إذ احتمال عدم وجوب العقد في الزائد عن فرسخ مع أنه مما لا نص و لا فتوى به و عدم انعقاد الجمعتين في الأقل من فرسخ لا يقتضيه قطعا، فتأمل جيدا.

و كيف كان ففي التذكرة و عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس و ظاهر إشارة السبق تحديد البعد المزبور من منزله و الجامع لا بين البلدين، بل عن الأولين فلو كان بين البلدين أقل من فرسخين و بين منزله و الجامع أزيد من فرسخين فالأقرب السقوط لأنه المفهوم من كلام الباقر و الصادق (عليهما السلام)، قلت: يمكن أن يكون المدار على مكان البدن و مكان المصلين فعلا لا البلدين و لا المنزل و لا الجامع و نحوه، و انسياق الوطن من النصوص إنما هو لغلبة كونه فيه، و لعل ذلك هو الظاهر من المتن و غيره ممن عبر كعبارته، بل هو الظاهر من النصوص، قال في كشف اللثام: و إنما تعتبر المسافة

ج 11، ص: 268

بين الموضع الذي هو فيه و موضع الصلاة، لا البلدين و لا مكانه و الجامع كما في التذكرة و نهاية الأحكام، فلو كان بينه و بين بعض الجماعة أقل من فرسخين و بينه و بين الآخرين أزيد وجب عليه الحضور، فإنه المفهوم من كونه منها على رأس فرسخين أو أكثر، و هو جيد جدا، بل قد يؤيده ما ستعرف من الإجماع على وجوبها عينا على البعيد بالقدر المزبور لو كان حاضرا، و ما هو إلا لعدم صدق البعد المزبور، و لو كان المعتبر الوطن كان كغيره من ذوي الأعذار الذين ستسمع الخلاف فيهم لو كانوا حاضرين، بل كان المتجه وجوب الجمعة على من كان موطنه غير بعيد عنها بالبعد المزبور لكن كان هو بعيدا بأزيد من فرسخين و إن كثر ما لم يكن مسافرا، و هو معلوم البطلان، و الله أعلم و كل هؤلاء عدا المجنون و من لم تكن عبادته من الصبيان شرعية إذا اتفق منهم أو تكلفوا الحضور للجمعة المنعقدة بغيرهم صحت منهم و أجزأتهم عن الظهر بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل في المحكي عن المنتهى «لا خلاف في إجزائها للمسافر و العبد» و في كشف اللثام «لا خلاف في جواز صلاة النساء الجمعة إذا أمن الافتتان و الافتضاح و أذن لهن من عليهن استئذانه و إذا صلينها كانت أحد الواجبين تخييرا» بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى ما تسمعه من الإجماعات و غيرها مما يدل على الوجوب و الانعقاد المستلزمين للاجزاء ضرورة، و

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر سماعة(1)المروي عن الأمالي و ثواب الأعمال و المجالس «أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها و حبا لها أعطاه الله عز و جل أجر مائة جمعة للمقيم»

و قد حكي الإجماع على عدم وقوع الجمعة مندوبة، بل متى جازت أجزأت و كانت أحد الفردين، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما أنه يمكن القطع به


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 269

من ملاحظة النصوص، و

قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر أبي همام(1): «إذا صلت المرأة في المسجد مع الامام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، و إن صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها، لتصل في بيتها أربعا أفضل»

و النقصان بالصاد كالصريح في الاجزاء، و في المحكي عن نهاية الأحكام أن صلاة الجمعة أكمل في المعنى و إن كانت أقصر في الصورة، فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر لهم فلأن يجزي أصحاب العذر أولى، و أخبار السقوط(2)عن هؤلاء المتقدمة سابقا إن قلنا إن ظاهرها الرخصة في الترك على وجه يجوز لهم الفعل كانت حينئذ دالة على المطلوب لا منافية له، و إن قلنا إنها مع ضم بعضها إلى بعض و خبر

حفص (3)و اتفاق الأصحاب و غير ذلك ظاهرة في إرادة سقوط السعي إليها لا الجمعة نفسها فالاطلاقات حينئذ دالة على وجوبها عينا فضلا عن إجزائها، على أنه لو سلم ظهورها في سقوط نفس الجمعة عنهم على وجه لا يندرجون في إطلاقات الوجوب في هذا الحال كان الإجماع المزبور كافيا في إثبات المشروعية، على أن الإطلاقات غير منحصرة فيما يدل على الوجوب المنافي للسقوط المزبور، بل فيها ما لا ينافيه كما لا يخفى على من لاحظها.

و من ذلك كله يظهر لك ضعف ما في كشف اللثام من احتمال العزيمة في السقوط المذكور فيما عدا البعيد منهم، و ما في المدارك من أن ظاهر المصنف في المعتبر عدم جواز الجمعة للمرأة، و هو متجه لولا رواية أبي همام المتقدمة، على أن ما نسبه إلى ظاهر المعتبر لم نتحققه، بل لعل الظاهر خلافه، و إنما فيه نفي الوجوب عليها كما لا يخفى على من لاحظه، نعم قد يحتمل ذلك في خصوص المسافر، ل

قول الصادق (عليه السلام) في


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجمعة.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 270

صحيح ربعي و الفضيل(1): «ليس في السفر جمعة و لا فطر و لا أضحى»

و

في صحيح ابن مسلم (2)«صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة»

و

في صحيحه (3)أيضا «سألته عن صلاة الجمعة في السفر فقال: يصنعون كما يصنعون في الظهر في غير يوم الجمعة و لا يجهر الامام فيها بالقراءة، و إنما يجهر إذا كانت خطبة»

و نحوه صحيح جميل (4)لكن يمكن إرادة الرخصة من الأمر الوارد في مقام توهم الحظر و نفي التعيين من الصحيح الأول، و إرادة عقد جمعة للمسافرين بناء على عدم جوازه كما ستسمع لا دخولهم تبعا، و الحمل على التقية بقرينة النهي عن الجهر و غير ذلك.

و على كل حال فلا ينبغي التأمل في أصل المشروعية، بل الأقوى الوجوب عينا على المكلفين منهم لو حضروها مطلقا وفاقا لصريح التهذيب و النهاية و الكافي و الغنية و السرائر و نهاية الأحكام و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل هو كالصريح ممن علق الوجوب على حضورهم، ضرورة إرادة الوجوب عينا، إذ احتمال التخييري كما في كشف اللثام دفعا لاحتمال العزيمة و عدم الانعقاد في غاية الضعف، بل واضح الفساد، ضرورة ثبوت ذلك لهم قبل الحضور، فلا ريب حينئذ في أن ذلك هو المشهور، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه، و في التذكرة «و لا يشترط أي في العدد الصحة و لا زوال الموانع من المطر و الخوف، فلو حضر المريض أو المحبوس لعذر المطر أو الخوف وجبت عليهم و انعقدت

إجماعا» و في المدارك «لا خلاف في وجوبها على البعيد مع الحضور» و في المحكي عن المنتهى «أنه تجب على المريض و تنعقد به إذا حضر عند أكثر أهل العلم» و فيه أيضا «أنه لا خلاف فيه في الأعرج، و كذا من بعد بأزيد من فرسخين» و في جامع المقاصد «لو حضر أحد هؤلاء في موضع إقامة الجمعة وجبت عليه و انعقدت به


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 73- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8.

ج 11، ص: 271

بحيث يعتبر في العدد بغير خلاف في غير المسافر» لكن قال: «و ينبغي أن يستثنى المريض إذا شق عليه الانتظار مشقة شديدة، و لو لزم زيادة المرض فبطريق أولى، و كذا الهم» ثم حكى الخلاف في الانعقاد في العبد، كما أنه بعد بأوراق جزم بعدم الوجوب على المرأة أيضا، و في المفاتيح «الذين وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها كما ورد النص في بعضهم معللا، و الظاهر أنه لا خلاف في ذلك فيما سوى المرأة» و في الرياض «أما وجوبها على من عدا الصبي و المجنون و المرأة فهو المشهور على الظاهر المصرح به في كلام بعض» و عن ظاهر الغنية الإجماع عليه مطلقا كما هو ظاهر الإيضاح و شرح القواعد للمحقق الثاني لكن فيمن عدا العبد و المسافر، و المنتهى في المريض خاصة، و صريحه في الأعرج، و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعت، بل لا أجد فيه خلافا محققا معتدا به فيما عدا المرأة و المسافر و العبد، و ما عن مهذب القاضي «و يجب صلاتها على العقلاء من هؤلاء إذا دخلوا فيها و تجزيهم إذا دخلوا فيها و صلوها عن صلاة الظهر» و في شرح جمل العلم و العمل له أيضا «و جميع من ذكرنا سقوطها عنهم فأولوا العقد إذا دخلوا فيها وجبت عليهم بالدخول فيها و أجزأتهم صلاتها عن صلاة الظهر» يمكن إرادته الحضور من الدخول فيها لا نفس الفعل و إن احتمله في كشف اللثام.

و أما ما عن المبسوط و الإصباح من أنهم إن حضروا الجمعة و تم بهم العدد وجبت عليهم فظاهر الدلالة على المطلوب، ضرورة أولوية الوجوب عليهم مع الانعقاد بغيرهم منه، و من هنا يعلم أن مراده بما حكي عنه أيضا فيه من أن أقسام الناس في الجمعة خمسة:

من تجب عليه و تنعقد به، و هو الذكر الحر البالغ العاقل الصحيح السليم من العمى و العرج و الشيخوخة التي لا حراك معها الحاضر و من هو بحكمه، و من لا تجب عليه و لا تنعقد به و هو الصبي و المجنون و العبد و المسافر و المرأة لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون، و من

ج 11، ص: 272

تنعقد به و لا تجب عليه، و هو المريض و الأعمى و الأعرج و من كان على أكثر من فرسخين، و من تجب عليه و لا تنعقد به، و هو الكافر لأنه مخاطب بالفروع عندنا، و من اختلف فيه عدم وجوب السعي إليها لا عدم وجوبها عينا لو حضروها، خصوصا بقرينة ذكره من كان على أكثر من فرسخين الذي لا تأمل في الوجوب عليه مع الحضور بل لعله خارج عن موضوع المستثنى بناء على ما سمعت من إرادة مكانه لا رحله، بل لا خلاف معتد به محقق أجده في المرأة من غير المصنف و أول الشهيدين و ثاني المحققين و بعض من تأخر عنهم، بل المصرح به أو كالمصرح به في التهذيب و النهاية و الكافي و الغنية و الإشارة و السرائر و التحرير و المنتهى الوجوب عليها لو حضرت على ما حكي عن بعضها، بل هو ظاهر غيرها أيضا، بل هو من معقد إجماع الغنية أيضا، بل في كشف اللثام عن معتبر المصنف و تذكرة الفاضل التردد فيه لا الخلاف، لكن الذي وجدته في الأول بعد أن حكى عن الشيخ الاحتجاج على الوجوب الشامل للمرأة ب خبر حفص (1)الذي ستسمعه، قال: و ما تضمنه من الوجوب على المرأة مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار، فلا عبرة بالرواية، إلا أنه من الغرائب، ضرورة أن العكس مظنة اتفاق فقهاء الأمصار لا عدم الوجوب، و يقرب منه ما في المدارك من أن الحق انتفاء الوجوب العيني قطعا بالنسبة إلى كل من سقط عنه الحضور، و أما الوجوب التخييري فهو تابع لجواز الفعل، فمتى ثبت الجواز ثبت الوجوب، و متى انتفى انتفى، و نحوهما ما عن مبسوط الشيخ من نفي الخلاف عن عدم الوجوب على المسافر و العبد مع أنا لم نجد موافقا له على ذلك سوى ما عن الوسيلة و الإصباح مع احتمالهما عدم وجوب الحضور، و

لعله مراده بقرينة نفي الخلاف، خصوصا و هو ممن قد صرح بالوجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 273

عليهما في التهذيب و النهاية على ما حكي عن أولهما كالكافي و السرائر و الغنية و الإرشاد و التلخيص و النافع و شرحه و الجامع و غيرها على ما حكي عن بعضها.

و من ذلك كله بان لك ضعف الخلاف في الجميع، فما في فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد- من أن أكثر الأصحاب على عدم وجوبها على المسافر و الإجماع على عدمه في العبد- من الغرائب، بل مما ذكرنا يظهر لك الخلل في جملة من المصنفات، بل منه بان لك أنه لا وجه للقدح في الاستدلال بخبر حفص على المطلوب بالجهالة في سنده بعد انجباره بما عرفت، مع أن حفصا و إن كان عامي المذهب لكن له كتاب معتمد «ست» و عن الشيخ في العدة «أنه عملت الطائفة بما رواه حفص عن أئمتنا و لم ينكروه، و لم يكن عندهم خلافه، بل أمارات متعددة تشهد بصحة الخبر المزبور»

قال فيه: «سمعت بعض مواليهم يسأل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة و العبد و المسافر؟ فقال ابن أبي ليلى:

لا تجب الجمعة على واحد منهم و لا الخائف، فقال الرجل: فما تقول إن حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها معه هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال: نعم، فقال له الرجل: فكيف يجزي ما لم يفرضه الله عليه عما فرضه الله عليه؟ و قد قلت: إن الجمعة لا تجب عليه و من لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه أن يصلي أربعا، و يلزمك فيه معنى أن الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه ركعتان، مع ما يلزمك أن من دخل فيما لم يفرضه الله عليه لم يجز عنه مما فرضه الله عليه، فما كان عند ابن أبي ليلى فيها جواب و طلب اليه أن يفسرها له فأبى، ثم سألته أنا عن ذلك ففسرها لي، فقال: الجواب عن ذلك أن الله عز و جل فرض على جميع المؤمنين و المؤمنات و رخص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها، فلما حضروها سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأول، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم، فقلت: عمن هذا؟ فقال: عن مولانا أبي عبد الله (عليه السلام)».

بل منه يعلم أن المراد سقوط السعي من نصوص الرخصة و إن عبر في بعضها

ج 11، ص: 274

بسقوط الجمعة إلا أن المراد منه عدم الوجوب عينا في هذا الحال، فلا يجب عليهم السعي بل هو مقتضى ضم بعضها إلى بعض و اشتمالها على من كان على رأس فرسخين، و احتمال أن المراد الرخصة مطلقا المقتضية للتخيير و لو حال الحضور يدفعه اشتمال أكثرها على المجنون الذي لا يصلح فيه ذلك، نعم يجامع غيره في صدق عدم وجوب السعي، و حينئذ فإطلاق ما دل على وجوب الجمعة صالح لتناول هذه الأفراد في حال الحضور، على أنه لو كان المراد سقوطها مطلقا أمكن الإشكال في أصل الاجزاء إلا بدعوى ظهور نصوص السقوط في ذلك، أو دعوى الاستناد إلى إطلاقات لا تقتضي الوجوب، و لا داعي إلى هذا التكلف، و في

قرب الاسناد للحميري عن عبد الله بن الحسن عن جده عن علي ابن جعفر(1)أنه سأل أخاه (عليه السلام) «عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين و الجمعة ما على الرجال؟ فقال: نعم»

و خبر أبي همام (2)المتقدم يراد منه أفضلية اختيار الصلاة في البيت، فلا ينافي الوجوب العيني لو حضرت، و نصوص المسافر السابقة لا بد من حملها على ما إذا لم يكن قد حضر الجمعة أيضا، فاتضح بحمد الله وجه الوجوب عينا على الجميع عدا الصبي و المجنون.

بل قد يقال بالوجوب الشرطي في الأول بمعنى أنه لا يشرع منه صلاة الظهر، لأن الثابت في حقه ما يصح من البالغ في ذلك الحال، و الفرض عدم صحة غير الجمعة، نعم سقط عنه السعي إليها بالنصوص، فيشرع منه الظهر كغيره من البالغين ممن تسقط عنهم مع عدم الحضور، أما معه فليس من البالغ من تسقط عنه، كما أنه ليس في الأدلة ما يقضي بمشروعية الظهر له في هذا الحال، و أخبار السقوط أعم من ذلك كما عرفت، أما الانعقاد بهم ففي كشف اللثام «كأنه لا خلاف فيه فيمن عدا المسافر و العبد و المرأة


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 275

و غير المكلف إلا الهرم الذي لا حراك به، فلم يعد في شي ء من المبسوط و الوسيلة و الإصباح

ممن تنعقد بهم مع تعرضهم لعدم الوجوب عليه- إلى أن قال-: و لعلهم أدرجوه في المريض أو جعلوا صلاته لأنه لا حراك به مما لا عبرة بها لعدم الركوع و السجود فيها إلا إيماء» و في المدارك «اتفق الأصحاب على الانعقاد بالعبد (بالبعيد خ ل) و المريض و الأعمى و المحبوس بعذر المطر و نحوه مع الحضور كما نقله جماعة» و في التذكرة و عن المنتهى ما سمعته، و في الخلاف «تنعقد بالمريض بلا خلاف» و في الرياض «لا خلاف ظاهرا في انعقادها فيمن عدا العبد و المسافر» و في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع على الانعقاد بالمسافر و العبد، و في الذكرى «الظاهر أن الاتفاق واقع على صحتها بجماعة المسافرين و إجزائها عن الظهر» و لعله الظاهر من كشف اللثام أيضا.

قلت: قد صرح بانعقادها بالمسافر و العبد، مضافا إلى ما عرفت في الخلاف و السرائر و المعتبر و المنتهى و الإرشاد و التلخيص و غيرها على ما حكي عن بعضها، و هو الأقوى، خصوصا بناء على أن الساقط عنهم السعي إليها لا الجمعة مطلقا، فيشملهم حينئذ نصوص الانعقاد بالسبعة و نحوهم، بل مقتضاها حينئذ تعين العقد عليهم، إلا أنه قد يقوى في النظر تخييرهم في ذلك للأصل، و ظهور خبر حفص في حضور الجمعة المنعقدة بغيرهم، و ظهور نص السبعة مثلا في إرادته من حيث العدد لا أي عدد كان، بل قد ينقدح من ذلك الإشكال في أصل العقد بهم، لعدم دليل صالح عليه، و الوجوب حال الحضور أعم من العقد.

و كيف كان فأصل العقد بهم على التخيير أو التعيين جائز، خلافا للمبسوط و الوسيلة و الإصباح و المختلف كما حكي عنها، بل عن الأول نفي الخلاف عنه و لعله للأصل المقطوع بالإطلاق، و لأن الاعتداد بالعبد يوجب التصرف في ملك الغير بغير إذنه، و هو قبيح، و لا فارق من الأصحاب بينه و بين المسافر لتساويهما في العلة، مع أنها لو

ج 11، ص: 276

انعقدت بالمسافر لزم تعينها عليه، لأن العدد إن اجتمعوا مسافرين انعقدت بهم، و إذا انعقدت وجبت، و الإجماع على خلافه، كما أنها لو انعقدت بالعبد لانعقدت بهم منفردين، و لأنهما ليسا من أهل فرضها كالصبي: فلا تنعقد به، و الأول مع أنه لا يتم مع الاذن يمكن منع اعتبارها في الفرائض، فللعبد صلاة الفريضة أول وقتها أينما أدركته إذا لم تخل بحق للمولى، و لم ينهه، و الانعقاد أعم من الوجوب عينا الذي يمكن تسليم الإجماع على نفيه فيهما، أما عدم الجواز منفردين فمنعه واضح، بل قد عرفت ظهور الاتفاق من الذكرى و كشف اللثام عليه مؤيدا بما عساه يظهر من الأصحاب، إذ لا فرق بين إتمام العدد بهم و بين كونهم تمام العدد، فما أطنب به الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح من عدم الجواز للمسافرين منفردين لا يخلو من نظر.

و على كل حال فلا تلازم بين الانعقاد بهم و الوجوب عينا، نعم ربما ادعي لزوم الوجوب عينا للانعقاد مع أنه لا يخلو من نظر أيضا، ضرورة إمكان اختصاصه بحضور الجمعة المعقودة بغيرهم، لصدق حضور الجمعة حينئذ كالامرأة، فإنه يجب عليها عينا لو حضرت و لا تنعقد بها، و الفرق بينهما و بين الصبي واضح، إذ هما من أهل وجوبها إذا حضرا، بخلافه لعدم التكليف، و خلاصة البحث أنه منصوص الوضع عن هؤلاء المتقدمين، منها ما تضمن نفى السعي و نحوه، و منها ما تضمن سقوط الجمعة، و لا تنافي بينهما، بل الأول منهما لازم للثاني، نعم كان المتجه السقوط عنهم مطلقا و إن حضروا عملا بالإطلاق، إلا أن خبر حفص و ما سمعته سابقا ظهر منه بقاء هذا الحال مندرجا تحت إطلاق الأدلة، أما غيره من الأحوال فعلى إطلاق السقوط، و منه حينئذ عقدهم الجمعة بأنفسهم، فلا دليل حينئذ على وجوبه عليهم، ضرورة تقييد إطلاق الوجوب بما دل على السقوط، بل لولا ظهور الاتفاق المتقدم المتمم بعدم القول (القائل خ ل) بالفصل و بعض الإطلاقات الدالة على المشروعية كقوله: «إني لأحب» و نحوه،

ج 11، ص: 277

و احتمال استفادة الرخصة من أخبار السقوط و غير ذلك مما سمعته سابقا لأشكل الحكم بالجواز فضلا عن الوجوب عينا كما في المدارك، بل جزم بعدمه الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في جماعة المسافرين مؤيدا له بالنصوص السابقة المتضمنة أن صلاة السفر الظهر التي قد عرفت المراد منها، إلا أنه لا يخفى ضعفه.

كما أنه لا يخفى عدم الفرق بين إتمام العدد بهم و بين كونهم بعض العدد إلا في الوجوب عينا على الحاضر معهم من غير ذوي الأعذار مع الاتفاق على العقد، و لكن و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، بل هو كاللازم، إذ من المحتمل عكس الاستدلال السابق بدعوى تحكيم إطلاق ما دل على وجوب الجمعة خرج منه ما احتاج إلى السعي، فيبقى غيره تحت الإطلاق المزبور، فيجب مع حضور المعقودة أو مع التمكن من العقد، فتأمل جيدا.

و لو حضر ذووا الأعذار ثم تباعدوا ففي صحة الظهر منهم قبل فوات الجمعة كما إذا لم يحضروا إشكال، أقواه السقوط و إن أثموا، ثم لا ريب في صدق حضور الجمعة إذا وجدوا بعد العقد بل و في حال الشروع بالإقامة بل و في حال الشروع بالخطبتين بل و عند التهيؤ، بل قد يقوى ذلك و إن كان قبل الزوال بيسير، و المدار فيه على العرف و مع الشك فإطلاق السقوط محكم كما عرفت، فتأمل جيدا.

هذا كله في غير المرأة و الصبي للإجماع على عدم الانعقاد بالأولى في التذكرة و غيرها، بل يمكن تحصيله مع اختصاص الرهط و النفر و القوم بل و الخمسة و السبعة لتذكير المميز في نصوص العقد بغيرها، لكن في كشف اللثام «في نسخة للغنية عندنا و قد قرأها المحقق الطوسي على الشيخ معين الدين المصري و تنعقد بحضور من لم يلزمه من المكلفين كالنساء، و كتب المصري على الحاشية الصواب إلا النساء» قلت: كما هو الموجود فيما حضرني من نسختها، و أما الصبي ففي كشف اللثام كأنه لا خلاف في عدم

ج 11، ص: 278

انعقاد جمعة البالغين به و بالمجنون عندنا، و عن الشافعي قول بالانعقاد بالصبي المميز، و في المبسوط نفي الخلاف عن العدم منا و من العامة، قلت: و إن قلنا بشرعية عيادة الصبي و انعقاد الجماعة في غيرها به، إلا أنه لا يخفى انسياق نصوص من تنعقد به إلى غيره، كما هو واضح، نعم قد يقال على إشكال بانعقاد جمعة لغير البالغين في مثل أزمنة التخيير، لعموم ما دل على مشروعية سائر عبادات البالغين، و منها الجمعة، و الإجماع إنما هو على عدم انعقاد جمعة البالغين، به بأن يكون مكملا للعدد، فتأمل جيدا، اللهم إلا أن يكون الأطفال يشاركون البالغين في عباداتهم ما لم تشترط بشرط لا يمكن حصوله لغير البالغين كالعدالة التي هي شرط في الإمامة، و وقوعها في غير الجمعة إن ثبت بإجماع و نحوه و إلا كان ممنوعا، و الاستناد فيه إلى بعض النصوص الظاهرة(1)في جواز إمامة غير البالغ استناد إلى المؤل الذي هو غير حجة، ضرورة ظهورها في إمامته للبالغين و على كل حال بناء على الجواز اعتبار ما يشبه العدالة في إمامة الطفل بأن يكون متجنبا كبائر البالغين و الإصرار على صغائرهم و كل ما يجب على الولي منعه منه مما فيه فساد النظام وجه قوي، و الله أعلم.

و من ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف جوابا للشرط السابق وجبت عليهم الجمعة و انعقدت بهم سوى من خرج عن التكليف و المرأة، و في العبد تردد و ما له و عليه و وجه تردده سواء كان في العقد أو الوجوب أو فيهما.

كما أنه بان لك منه من تجب عليه و تنعقد به، و من تجب عليه و لا تنعقد به، و بالعكس لكن بمعنى عدم وجوب الحضور، و من لا تجب عليه و لا تنعقد به و أما من تجب عليه و لا تنعقد به إذا حضر ف الكافر و الملحق به، فإنها لم تصح منه و لم تنعقد به و إن كانت واجبة عليه عندنا كما هو واضح، و أوضح منه عندنا ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3 و 8.

ج 11، ص: 279

المتن و غيره من أنها تجب أي الجمعة على أهل السواد أي القرى كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشرائط إذ لا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أن النصوص دالة عليه عموما و خصوصا، ك خبر الفضل بن عبد الملك (1)عن الصادق (عليه السلام)، و مفهوم قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر ابن مسلم (2)و غيرهما من النصوص المتقدمة في الأبحاث السابقة، و كأن ذكر المصنف و غيره له لخلاف أبي حنيفة فيه الذي اتقى منه

الصادق (عليه السلام) في ضعيف حفص بن غياث (3)«ليس على أهل القرى جمعة، و لا خروج في العيدين»

كضعيف طلحة بن زيد(4)عنه عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «لا جمعة إلا في مصر تقام فيه الحدود»

و في كشف اللثام «احتمال الأول أنه ليس عليهم ذلك، لأن العامة يرون السقوط عنهم فالعامة من أهل القرى لا يفعلون، و ليس على المؤمنين منهم تقية» قلت: و أولى منه احتمال كون ذلك لفقد اجتماع الشرائط التي منها وجود النائب الذي لم يتعارف وجوده في كل قرية قرية «و احتمال الثاني أن الجمعة لا تقبل أولا تكمل إذا أخل بإقامة الحدود» قلت: و أولى منه إرادة الكناية بذلك عن ظهور اليد و السلطنة، و الأمر سهل بعد ما عرفت.

و كذا تجب على ساكني الخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين مستكملين الشرائط للعموم المعتضد بظاهر الفتاوى التي يمكن تحصيل الإجماع منها سوى ما عن المبسوط «لا تجب على البادية لأنه لا دليل عليه، و لو قلنا إنها تجب عليهم إذا حضر العدد لكان قويا» و ما استظهره الفاضل و الشهيد من ابن أبي عقيل كما قيل «إن الجمعة فرض على المؤمنين حضورها مع الإمام في المطر الذي هو فيه، و حضورها مع أمرائه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 280

في الأمصار و القرى النائية عنه» مع أنه لا ظهور معتد به في عبارة الثاني منهما في شرطية المصر و القرية، و الأول بعد تسليم الظهور متردد كما حكاه عنه في كشف اللثام، قال:

من عدم الدليل و من عموم الأخبار، و هو كما ترى، ضرورة أن العموم أحد الأدلة.

و الخيم جمع خيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر كما عن الصحاح و المصباح، و عن ابن الأعرابي «الخيمة عند العرب لا تكون من ثياب، بل من أربعة أعواد ثم تسقف بالثمام ، و الجمع خيمات و خيم» و عن القاموس «الخيمة كل بيت مستدير أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام و يستظل بها في الحر، و كل بيت بني من عيدان الشجر» و كيف كان فالظاهر إرادة الأعم، كما أن الظاهر إرادة عدم السفر و نحوه من القطن في المتن الذي عبر عنه غيره بالاستيطان، بل نسب إلى قطع الأكثر، لكن في التذكرة «لا يشترط استيطانهم شتاء و صيفا في منزل واحد» و لعله ليس خلافا، فالأولى إناطة وجوب الجمعة عليهم بصلاتهم تماما، فتأمل، و في التذكرة «و لو استوطنوا منزلا ثم سافروا عنه إلى مسافة بعد عشرة أيام فصاعدا لم تجب عليهم الجمعة في المسافة و المقصد معا، و لو أقاموا دون عشرة أيام ثم سافروا عنه إلى المسافة فالوجه وجوبها عليهم في المسافة و المقصد لوجوب الإتمام عليهم» و إن كان فيه إشكال ينشأ من مفهوم

كل بيت مستدير أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام و يستظل بها في الحر، و كل بيت بني من عيدان الشجر» و كيف كان فالظاهر إرادة الأعم، كما أن الظاهر إرادة عدم السفر و نحوه من القطن في المتن الذي عبر عنه غيره بالاستيطان، بل نسب إلى قطع الأكثر، لكن في التذكرة «لا يشترط استيطانهم شتاء و صيفا في منزل واحد» و لعله ليس خلافا، فالأولى إناطة وجوب الجمعة عليهم بصلاتهم تماما، فتأمل، و في التذكرة «و لو استوطنوا منزلا ثم سافروا عنه إلى مسافة بعد عشرة أيام فصاعدا لم تجب عليهم الجمعة في المسافة و المقصد معا، و لو أقاموا دون عشرة أيام ثم سافروا عنه إلى المسافة فالوجه وجوبها عليهم في المسافة و المقصد لوجوب الإتمام عليهم» و إن كان فيه إشكال ينشأ من مفهوم(1)

الاستيطان هل المراد منه المقام أو ما يجب فيه التمام، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[فهنا مسائل]
اشاره

و كيف كان ف هنا مسائل،

[المسألة الأولى من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة]

الأولى من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة للأصل، و لاشتراط الحرية، و استصحاب السقوط و التكليف بالظهر بل لو هاياه مولاه لم تجب عليه الجمعة و لو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر الأشهر بل المشهور كما عن الجواهر المضيئة، و قول أكثر أهل العلم كما عن المنتهى، بل اقتصر غير واحد على


1- 1 بالثاء المثلثة هو ورق الشجر.

ج 11، ص: 281

نسبة الخلاف إلى المبسوط، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين، نعم عن المبسوط الوجوب، لأنه ملك نفسه في ذلك اليوم، و وافقه الجزائري في شافيته، و استحسنه في موضع من المدارك، قال الشهيد: و يلزمه مثله في المكاتب و خصوصا المطلق، و هو بعيد لأن مثله في شغل شاغل، إذ هو مدفوع في يوم نفسه إلى الجد في

الكسب لنصفه الحر فإلزامه بالجمع حرج عليه، قلت: مضى عن المبسوط و غيره السقوط بمثل التجهيز و المطر، و قد لا يقصر عنهما ما ذكر، فلا نلزمه بها، و في موضع آخر من المدارك بعد أن حكى عن المبسوط ما سمعت قال: و هو توجيه ضعيف، و الحق أنه إن ثبت اشتراط الحرية انتفى الوجوب على المبعض مطلقا، و إن قلنا باستثناء العبد خاصة ممن تجب عليه الجمعة كما هو مقتضي الأخبار اتجه القول بوجوبها عليه مطلقا.

قلت: يمكن استفادة اشتراطها من معاقد بعض الإجماعات المعتضدة بالفتاوي و إن كان فيه ما عرفت، كما أنه يمكن القول بالسقوط للاستصحاب و إن لم يثبت اشتراط الحرية، و الاستصحاب الخاص مقدم على العام بعد تسليم اندراجه فيه، و أنه لم يرجع العام بالتخصيص إلى ما لا يندرج فيه ذلك كما لم يندرج في الخاص، و عدم صدق اسم العبد عليه لا ينافي ثبوت الحكم عليه من حيث الاستصحاب بعد عدم الظهور من لفظه في اشتراط رقية الجملة في السقوط، و ليس ذا من تغير الموضوع، بل هو أشبه شي ء بتغير الأحوال، و لعله من هنا اتفق الأصحاب على الظاهر على السقوط في غير يومه، بل عدا من عرفت عليه مطلقا، إذ احتمال أنه من جهة بقائه تحت أمر السيد مع أنه مندفع في فرض المهاياة و في فرض الاذن و في غير ذلك يدفعه أنه لا يحتاج إلى الاذن مع اندراجه في العمومات، بل لا أثر للنهي كغيرها من الواجبات العينية، و على كل حال فالقول بالسقوط لا يخلو من قوة، إلا أن الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه، و قد ظهر لك من ذلك الحال في الانعقاد و عدمه على تقدير الوجوب و إن لم نقل بانعقادها بالعبد،

ج 11، ص: 282

لكن في الذكرى أن فيه الوجهين السابقين.

و كذا لا تجب على المكاتب و المدبر قطعا. لصدق اسم العبد و المملوك من غير فرق بين المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئا، و إلا كان من المبعض، و الله أعلم.

[المسألة الثانية من سقطت عنه الجمعة و لم يحضرها يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها]

المسألة الثانية من سقطت عنه الجمعة و لم يحضرها يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها و لا يجب عليه تأخيرها حتى تفوت الجمعة، بل لا يستحب بل يستحب التقديم كغيره من الأيام بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، كما لا إشكال فيه و لو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه لصدق الامتثال حتى لو صلح للخطاب بها، كما لو أعتق العبد أو برئ المريض أو زال العرج و نحو ذلك، لقاعدة الأجزاء التي لا وجه معتد به لدفعها باحتمال انكشاف كونه من أهل الجمعة و أن ذلك كان حكما ظاهريا، نعم استثني من ذلك الصبي إذا صلى الظهر ثم بلغ في وقت الجمعة، فإنها تجب عليه، كما يجب عليه على ما في الذكرى إعادة الظهر في غير يوم الجمعة لو كان قد صلاها أولا، لتعلق الخطاب به بعد البلوغ بناء على ذلك، و قد تقدم البحث فيه في المواقيت، فلاحظ و تأمل.

و كذا الخنثى المشكل لو وضحت ذكوريته بعد ما صلى الظهر أعادها جمعة، لأنه قد تبين أنها فرضه لا الظهر، و قاعدة الاجزاء غير جارية فيه على ما هو التحقيق فيها.

[المسألة الثالثة إذا زالت الشمس لم يجز السفر]

المسألة الثالثة إذا زالت الشمس لم يجز السفر و نحوه قبل أدائها لتعين الجمعة عليه بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن القطب الراوندي من الكراهة، و لا ريب في ضعفه، بل يمكن إرادة الحرمة منها كما يومي اليه عدم تعارف نقل خلافه، بل حكى الإجماع عليه غير واحد، بل يمكن تحصيله، و هو الحجة بعد ظهور الآية(1)و ما شابهها من النصوص (2)في الأمر بترك سائر المنافيات لفعلها، ضرورة عدم الخصوصية للسعي


1- 1 سورة الجمعة- الآية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 283

و البيع و نحوهما في الترك، و خصوصا مع ملاحظة مجموع الآية و الاتفاق المزبور معها و ما تسمعه، فليس الحرمة حينئذ مبنية على مسألة الضد التي على القول بها تكون دليلا آخر بناء على إرادة مطلق المفوت من الضد لا خصوص المنافي عقلا و لو من الشرع كالصلاة بالنسبة إلى إزالة النجاسة إن قلنا بحرمة إبطالها في هذا الحال أيضا، و حرمة السفر بأول وقتها و إن لم نقل بتضيقها فيه، لأنه مانع من إقامتها في دوامه، ففيه إسقاط

للواجب بعد حصول سببه و في الذكرى و لأن التضيق غير معلوم، فان الناس تابعون للإمام، و وقت فعله غير معلوم.

كما أن

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة(1): «لا تسافر يوم جمعة حتى تشهد الصلاة إلا ناضلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به»

و

النبوي (2)«من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره و لا يعان على حاجته»

و

قول الصادق (عليه السلام)(3): «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح و أنت في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد»

بناء على أولوية حرمة السفر بعد الزوال يوم الجمعة منها بعد الفجر في العيد، و غيرها من النصوص التي سمعتها في الكراهة قبل الزوال دليل آخر و لو بالانجبار سندا و دلالة بما سمعت، و إن كان مع ذلك لا يخلو من نظر إلا أنا في غنية عنه بما عرفت، كما أن به يستغنى عن إثبات الحرمة بالنهي عن الضد كي يرد عليه منع الاقتضاء أولا، و أنه يلزم من تحريمه عدمه ثانيا، إذ لا مقتضي لتحريم السفر إلا استلزامه لفوات الجمعة كما هو

المفروض، و متى حرم السفر لم تسقط الجمعة، لأنه سفر معصية، فلا يحرم السفر، لانتفاء المقتضي، فيؤدى


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 44- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2 مع الاختلاف في اللفظ.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 284

وجوده إلى عدمه فيبطل، و إن كان قد يدفع الأخير بأن هذا السفر و إن لم يكن مفوتا لخطاب الجمعة لكنه مفوت لفعلها كما هو مبنى الاستدلال على الظاهر فيحرم لذلك، و من هنا كان المتجه الجواز فيما إذا أمكنه فعلها في السفر، كما لو سافر على جهة الجمعة أو عن جمعة إلى جمعة أخرى بين يديه يعلم إدراكها، للأصل، و عدم فوات الغرض، إذ المكلف به صلاة الجمعة لا جمعة خاصة، و ظهور الأدلة في حرمة المفوت المندرج فيه السفر غالبا الذي ينصرف إليه إطلاق النبوي و غيره بناء على الاستدلال به، نعم الظاهر عدم الرخصة في الترك لهذا السفر، استصحابا للوجوب الحاكم على إطلاق الرخصة للمسافر، بل ظاهر تلك النصوص سبق السفر على تعلق الجمعة لا العكس.

و منه ينقدح عدم السقوط بتجدد سائر الأعذار من العرج و نحوه بعد تعلق الوجوب، فدعوى أن تجويز السفر في الفرض مما يقتضي وجوده عدمه- لأنه على تقدير الجواز مقتض لحرمان الجمعة فيكون محرما، و إذا حرم لا يكون مفوتا، لأنه سفر معصية فيجوز حينئذ، فيفوت فيحرم- واضحة الدفع حينئذ لما عرفت من وجوب الجمعة عليه عينا، و أنه غير مندرج في أدلة الوضع عن المسافر، قال بعض المحققين: و إلا لكان السفر جائزا له، و كانت الجمعة موضوعة عنه، و لا إثم عليه في شي ء منهما، و هو مخالف للإجماع، و فيه أنه يمكن القول بالحرمة عليه لا طلاق النهي و نحوه و إن كان لو أثم فسافر يندرج في الوضع كمن أراق الماء، و ليس ذا من سفر المعصية الذي يثبت معه وجوب الجمعة، بل المراد به المحرم من غير جهة الجمعة، نحو ما لو نذر أن لا يفعل ما ينافي الصوم فأراد السفر، بل لو قلنا بوجوب الجمعة و الصوم و أن سفر المعصية شامل لهما أمكن أن يقال إن المراد أنه لو لم يكن التحريم لزم الفوات، فثبوت الجمعة من حيث التحريم بسبب الفوات لا ينافي تعليل عدم الجواز بأن جوازه يستلزم فوات الجمعة، إذ هو ثابت على تقدير الحرمة أيضا كما في كل علة و معلول، و من هنا حكي عن بعض المحققين تقرير

ج 11، ص: 285

الدعوى المزبورة بأنه يلزم تحريم السفر من فرض جوازه، و عدم إمكان الصلاة من فرض إمكانها.

و من ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام من الجواب عن الدعوى المزبورة بالنقض، و أن الحرمة على تقديرها أيضا مما يستلزم وجودها عدمها، إذ لو حرم لم يمنع فلا يكون محرما، لأن المحرم المفوت، و فيه ما عرفت إلا أنا في غنية عن ذلك كله بما سمعت، نعم قد يمنع اقتضاء الجواز الحرمان، إذ أقصاه جواز الترك لا حرمة الفعل، فمع فرض الصلاة جمعة في الطريق لم يكن عليه إثم بوجه من الوجوه، لعدم الدليل على حرمة ما يقتضي نقل الوجوب من العيني إلى التخييري مع عدم اختيار الترك بعد الانتقال، و نية الوجوب على جهة التعيين لم يثبت وجوبها، نعم لو اختار الترك أثم بعدم امتثال التكليف حال الحضور و لو بالفعل حال السفر الذي كان يقوم مقامه و يجزي عنه و الحاصل أن جواز الترك من حيث السفر لا ينافي الوجوب من حيث العارض، و هو امتثال التكليف الأول، و مثله لا يعد تقييدا لأدلة الوضع في حال السفر، فتأمل جيدا فإنه ربما دق. و كيف كان فالأقوى جواز السفر المزبور و وجوب الجمعة خلافا لثاني الشهيدين و سبطه و بعض من تأخر عنهما.

ثم الظاهر أن اعتبار الزوال في المتن و غيره في الحرمة إنما هو بالنسبة إلى من يجب عليه السعي قبله كالحاضر في محلها، أما من كان بعيدا عنها بفرسخين فما دون بحيث لا يمكنه الوصول إليها إلا قبل الزوال فإنه يجب عليه السعي مثله إليها قطعا، و حينئذ فالظاهر حرمة السفر و غيره مما يمنع فعلها عليه أيضا قبله، إلا أن الظاهر اختصاص ذلك في وقت الضيق، لعدم الوجوب قبله، فلا بأس بالسفر و غيره فيه، لكن في المدارك «أنه لو قيل باختصاص تحريم السفر بما بعد الزوال و أن وجوب السعي إلى الجمعة قبله للبعيد إنما يثبت مع عدم إنشاء المكلف سفرا مسقطا للوجوب لم يكن بعيدا من الصواب»

ج 11، ص: 286

و فيه أن ما دل على وجوب السعي عام و مقدم على إنشاء السفر، فيستصحب حتى يثبت خلافه، و هو السقوط، و لم يعلم، إذ على تقدير تسليم عموم يشمل الفرد النادر يمكن أن يقال إن الخاص مقدم عليه، كما أن تعليق الأمر بالسعي على النداء في الآية لا يراد منه نفي الوجوب عن محل الفرض قطعا.

و من ذلك كله يظهر لك ما في الذكرى قال: «لو كان بين يدي المسافر جمعة أخرى يعلم إدراكها ففي جواز السفر بعد الزوال و انتفاء كراهته قبله نظر، من إطلاق النهي و أنه مخاطب بهذه الجمعة، و من حصول الغرض، و يحتمل أن يقال إن كانت الجمعة في محل الترخص لم يجز، لأن فيه إسقاطا لوجوب الجمعة، و حضورها فيما بعد تجديد للوجوب، إلا أن يقال يتعين عليه الحضور و إن كان مسافرا، لأن إباحة سفره مشروطة بفعل الجمعة، و مثله لو كان بعيدا بفرسخين فما دون عن الجمعة فخرج مسافرا في صوب الجمعة فإنه يمكن أن يقال يجب عليه الحضور عينا و إن صار في محل الترخص، لأنه لولاه لحرم عليه السفر، و يلزم من هذين تخصيص قاعدة عدم الوجوب العيني على المسافر، و يحتمل عدم كون هذا القدر محسوبا من المسافة، لوجوب قطعه على كل تقدير إما عينا كما في هذه الصورة، أو تخييرا كما في الصورة الأولى، و يجري مجرى الملك في أثناء المسافة، و يلزم من هذا خروج قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور، و إن كانت قبل محل الترخص كموضع يرى الجدار أو يسمع الأذان إن أمكن هذا الفرض جاز» قلت: إمكانه واضح فيما إذا كان السفر على جهة الجمعة، و لا ينبغي الشك في الجواز في مثله، لعدم صدق السفر و لو شرعا قبل قطعه، نعم يصعب فرضه فيما إذا كان السفر من جمعة إلى أخرى.

و على كل حال فلا ريب في الجواز، أما إذا كانت خارجة عنه فالبحث السابق آت في المقام، إذ لا فرق بين كون السفر إلى جهة جمعة أو من جمعة إلى أخرى، إذ

ج 11، ص: 287

المراد إمكان تحصيل الجمعة في سفره كما هو واضح، و قد عرفت إمكان كونه ليس من التخصيص على تقدير الوجوب، أو أنه لا بأس به، و أما احتمال عدم عده من المسافة فلا ريب في ضعفه، ضرورة أن الوجوب عليه لا ينافي ذلك و إن تكلف له الأستاذ الأكبر في شرحه، هذا كله في غير الواجب المضيق من السفر و المضطر اليه على وجه تسقط له الجمعة كما أومأ اليه خبر النهج (1)أما المندوب فكالمباح.

نعم قد يقال بزوال الكراهة عنه التي أشار إليها المصنف بقوله و يكره بعد طلوع الفجر و نحوه غيره، بل لا خلاف أجده فيه، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا و أكثر أهل العلم، بل عن الخلاف و الغنية و غيرهما الإجماع عليه، و

قال الهادي (عليه السلام)(2)في خبر السري: «يكره السفر و السعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به»

و

عن الرضا (عليه السلام) في المحكي عن الكفعمي (3)«ما يؤمن من يسافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله و لا يخلفه في أهله و لا يرزقه من فضله»

و

النبوي (4)المروي عن رسالة ثاني الشهيدين «من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكان أن لا يصاحب في سفره و لا يقضى له حاجته»

قال: «و جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يوم الجمعة يودعه فقال: لا تعجل حتى تصلي فقال: يفوتني أصحابي ثم عجل فكان سعيد يسأل عنه حتى قدم قوم فأخبروه أن رجله انكسرت، فقال سعيد: إني كنت لأظن أنه يصيبه ذلك» و روي «أن جبارا كان يخرج في يوم الجمعة لا يمنعه مكان الجمعة من الخروج فخسف به و ببغلته، فخرج الناس و قد دحيت بغلته فلم يبق منها إلا أذناها و ذنبها» و روي «أن قوما خرجوا في


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 44- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 288

سفر حتى حضرت الجمعة فاضطرم عليهم خباؤهم نارا من غير نار يرونها» فلا بأس حينئذ بإرادة الأعم منها و من الحرمة من إطلاق المنع في بعض الأخبار السابقة، فما عن بعض العامة من التحريم ضعيف و إن احتمله في المفاتيح، أما قبل الفجر فلا ريب في عدم

الكراهة للأصل، بل في التذكرة الإجماع عليه، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردد]

المسألة الرابعة الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردد كما عن التحرير و الإيضاح و ظاهر غاية المراد و الخراساني و الكاشاني و الماحوزي ينشأ من انتفاء فائدة الخطبة بدونه خصوصا الوعظ منها الذي لا قائل بالفصل بينه و بين غيره، و لو سلم فيجب مقدمة بناء على عدم الترتيب في أجزاء الخطبة، و الأمر بالإنصات للقرآن، و لا قائل بالفصل، بل عن الفاضل ذكروا في التفسير أن الآية وردت في الخطبة و سميت قرآنا لاشتمالها عليه، و

قوله (عليه السلام): «يخطب بهم»

بل و

قوله (عليه السلام): «فهي صلاة»

قال في كشف اللثام لدلالتهما على أن الحاضرين كالمقتدين في الصلاة، فيجب عليهم الاستماع للآية، و

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) المروي (1)في الدعائم: «يستقبل الناس الامام عند الخطبة بوجوهم، و يصغون اليه»

و فحوى النصوص الآتية الآمرة بالصمت حال الخطبة و الناهية عن الكلام، و كونه مقدمة للسماع الذي يمكن دعوى عدم الشك في وجوبه، خصوصا مع احتمال توقف صدق اسم الخطبة التي

لم يضمحل إرادة معنى التخاطب منها عليه، و استبعاد وجوب الاسماع دون الاستماع.

و من الأصل و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (2): «إذا خطب الامام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ من الخطبة»

بناء على


1- 1 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 289

استلزام كراهة الكلام المستفادة من لفظ «لا ينبغي» حتى ادعى الشهيد أنه نص فيها لعدم وجوب الإصغاء، لعدم حصوله معه غالبا، أو لعدم (1)اعتبار عدم الكلام في مفهومه، و الإطلاقات، ضرورة عدم مدخلية الإصغاء في صدق الخطبة حتى الوعظ منها إذ هو أمر زائد على السماع الذي يمكن حصوله بدونه، كما أنه من الواضح عدم انحصار فائدة الخطبة في الإصغاء، خصوصا غير الوعظ. قيل: و لذا لا تسقط الجمعة و لا الخطبة لو كانوا كلهم صما، قلت: فضلا عن غير المصغين الذين يمكن سماعهم سماعا يفهمون به و إن لم يكونوا مصغين، و نمنع وجوب الإنصات في حال الخطبة بالسيرة التي هي فوق الإجماع، و عن تفسير ابن عباس «أنها في الصلاة المكتوبة» و

في تفسير علي ابن إبراهيم «أنها في صلاة الإمام الذي يؤتم به»

و التبيان «أن فيها أقوالا: الأول أنها في صلاة الإمام، فعلى المقتدين به الإنصات، و الثاني أنها في الصلاة، فإنهم كانوا يتكلمون فيها فنسخ، و الثالث أنها في خطبة الامام، و الرابع أنها في الصلاة و الخطبة- قال-: و أقوى الأقوال الأول، لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلا حال قراءة الإمام في الصلاة، فان على المأموم الإنصات لذلك و الاستماع له، فأما خارج الصلاة فلا خلاف أنه لا يجب الإنصات و الاستماع، و عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2)أنه في حال الصلاة و غيرها، و ذلك على وجه الاستحباب» قيل: و نحوه أي في نفي الخلاف فقه القرآن للراوندي.

قلت: بل الظاهر عدم وجوبه في الصلاة أيضا، للسيرة و إطلاق الأدلة و الخطبة بهم، و كونهما صلاة أعم من الإصغاء قطعا، بل قد يقضي الثاني منهما بعدم وجوب الإصغاء كالصلاة، على أن مقتضاه كغيره عدم الفرق في ذلك بين الواجب منها و المندوب


1- 1 الظاهر أن لفظة« لعدم» زائدة بل مخلة بالمقصود.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.

ج 11، ص: 290

و بين العدد المعتبر و غيرهم، بل ظاهره البطلان بدونه، لأنه الأصل في كل ما أمر به في العبادة المركبة، مع أنك ستعرف الحال في جميع ذلك، مضافا إلى ما سمعته سابقا في بيان المراد من كونهما صلاة، و خبر الدعائم لا جابر له، و محتمل للندب، و الأمر بالصمت و النهي عن الكلام أعم من الإصغاء قطعا، و دعوى التلازم بينهما حتى أن كل من قال بالحرمة

قال بالوجوب و من قال بالندب قال بالكراهة في حين المنع.

فبان لك من ذلك كله وجها التردد و منشأ القولين، إذ الأول خيرة الأكثر على ما قيل، بل في الذكرى أنه المشهور، و اختاره بنو حمزة و إدريس و سعيد و الراوندي في موضع من فقه القرآن، و الكيدري في ظاهر الإصباح، و الفاضل في جملة من كتبه كأول الشهيدين، و ابن فهد و المقداد و الكركي و الميسي و الأستاذ الأكبر في الشرح على ما نقل عن بعضهم، و في المنظومة أنه الحزم، بل حكي عن البزنطي و المفيد و المرتضى و إن كنا لم نتحققه، و الثاني خيرة المبسوط و التبيان و موضع من فقه القرآن و النافع و المعتبر و المنتهى و التبصرة و مجمع البرهان و ظاهر الغنية و كشف الالتباس و الذخيرة على ما حكي عن بعضها، و لا ريب أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى، خصوصا في الوعظ إلا أن الظاهر كون وجوبه مقدمة للسماع لا تعبدا لنفسه، فلو فرض حصوله له بلا إصغاء لم يكن عليه إثم.

كما أن الظاهر وجوب ذلك للواجب من الخطبة خاصة للأصل، و عدم زيادة السماع على القول و إن كان لا مانع منه، إلا أنه لا مقتضي له إلا ظواهر من النصوص و الفتاوى لا وثوق بإرادة الوجوب منها، و لا جابر لها بالنسبة إلى ذلك سندا و دلالة، فما في مصابيح الظلام- من أن الظاهر وجوب الإصغاء و حرمة الكلام من أول الخطبة إلى آخرها لا في أقل الواجب من الخطبة خاصة كما هو ظاهر الروايات- لا يخلو من نظر و إن قيل: إنه مع ذلك ظاهر الأصحاب، و به صرح في المبسوط فقال: و موضع

ج 11، ص: 291

الإنصات من وقت أخذ الإمام في الخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة، إذ يمكن منع ظهور كلام الأصحاب في ذلك، خصوصا مع قولهم بعدم وجوب إسماع غير الواجب من الخطبة، و الشيخ في المبسوط ممن يقول بندب الإصغاء، و لا بأس به حينئذ، و كذا الظاهر اختصاص الوجوب بالقريب السامع، أما البعيد و الأصم فإن شاء اسكتا، و إن شاء اقرءا، و إن شاءا ذكرا، نعم عن المنتهى «هل الإنصات يعني إنصات البعيد أفضل أم الذكر؟ فيه نظر» بل عن نهاية الأحكام احتمال وجوب الأنصاب عليهما، لئلا يرتفع اللفظ فيمنع غيرهما السماع، لكنه كما ترى بعد تسليم وجوب ذلك عليهما لذلك خروج عن محل النزاع، فلا ريب في عدم الوجوب المبحوث فيه عليهما، بل في التذكرة «أن الأقرب وجوب الإصغاء على العدد خاصة- ثم قال-: و الأقرب حرمة الكلام إن لم يسمع العدد، و إلا فالكراهية» لكن قال أيضا: «التحريم إن قلنا به على السامعين يتعلق بالعدد، و أما الزائد فلا، و للشافعي قولان، و الأقرب عموم التحريم إن قلنا به، إذ لو حضر فوق العدد بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بعدد معين منهم حتى يحرم الكلام عليهم خاصة» نحو ما عن المختلف و إرشاد الجعفرية و مصابيح الظلام «لا تخصيص لأحد بكونه من الخمسة دون غيره» إلا أنه ناقشه في كشف اللثام بأنه لا ينفي كفائية الوجوب، و هو كذلك لو كان ظاهر الأدلة الوجوب على العدد خاصة، و في جامع المقاصد «فان قيل وجوب الإصغاء و تحريم الكلام إما بالنسبة إلى جميع المصلين فلا وجه له، لأن استماع الخطبة يكفي فيه العدد، و لهذا لو انفردوا أجزأوا أو البعض و هو باطل، إذ لا ترجيح، قلنا الوجوب على الجميع لعدم الأولوية، و يكفي العدد في الصحة، فلا محذور» و ظاهره اختصاص الشرطي خاصة بالعدد، و تبعه عليه ثاني الشهيدين في المحكي عن روضة و مسالكه، و فيه أولا أن الإجماع في التحرير و المحكي عن النهاية على عدم البطلان بالكلام، بل ظاهر الأول أن الإصغاء كذلك

ج 11، ص: 292

أيضا، قال: قيل: الإصغاء واجب و الكلام حرام، و عندي فيه إشكال لكن لا تبطل الجمعة معه إجماعا، و ثانيا أنه ليس في الأدلة ما يشهد للتفصيل المزبور، و مجرد إمكانه لا يصلح مدركا للقول به، فالمتجه حينئذ التعميم، و لكنه غير مبطل للإجماع المزبور و غيره، هذا.

و المراد بالإصغاء التوجه لاستماع الكلام، قال في الصحاح: «أصغيت إلى فلان إذا ملت بسمعك نحوه» قيل: و به فسره المحقق الثاني و جماعة، و عن القاموس «الإصغاء الاستماع مع ترك الكلام» و به فسره الفاضل في نهايته و الشهيد الثاني و غيره فهو حينئذ أخص من الاستماع، و على الأول مرادف له، و عن الطبرسي «الإنصات السكوت» و عن ابن الأعرابي «أنصت و نصت و انتصت استمع الحديث و سكت» و عن الغريبين «الإنصات سكوت المستمع» و في المحكي عن كنز العرفان «استدل أصحابنا و الحنفية على سقوط القراءة عن المأموم بقوله جل شأنه (1)«فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا» فإن الإنصات لا يتم إلا بالسكوت- و قال قبل ذلك-: إن استمع بمعنى سمع، و الإنصات توطين النفس على السماع مع السكوت» و ظاهره الفرق بين الاستماع و الإنصات، و الظاهر أنهما بمعنى، و ليس ترك الكلام داخلا في حقيقة أحدهما كالاصغاء.

نعم لا تحصل غالبا إلا بترك الكلام المشغل للبال المنافي للتوجه، و ربما يومي اليه ذكر المصنف التردد في الكلام بعد الإصغاء، فقال و كذا التردد في تحريم الكلام في أثنائها أي الخطبة لكن ليس بمبطل للجمعة إجماعا في التحرير و جامع المقاصد و المحكي عن النهاية، بل في الأخير «أن الخلاف في الإثم و عدمه» قلت: المشهور كما في الذكرى و كشف الالتباس «حرمة الكلام على السامع» بل عن الخلاف «الإجماع على تحريمه على المستمعين» و عن الكافي «على المؤتمين» و في الوسيلة «تحريمه على


1- 1 سورة الأعراف- الآية 203.

ج 11، ص: 293

الخطيب و من حضر» كالمحكي عن موضع من فقه القرآن، بل ربما حكي عن المفيد أيضا و ظاهر الذكرى بل صريحها تحريمه على الخطيب و المستمعين، قيل: و ذلك صريح المقتصر و المهذب، و عن الميسية على الخطيب و غيره، و

ثاني المحققين و الشهيدين على المؤتمين و الخطيب، بل في الروضة «يحرم الكلام مطلقا سواء سمعوا الخطبة أولا» و عن الإصباح «ليس لأحد أن يتكلم» و جامع الشرائع «يحرم عندها» و الدروس «في أثنائها».

و كيف كان فيدل على التحريم- مضافا إلى ما سمعته في وجوب الإصغاء بناء على تلازمهما و أن من قال بالوجوب هناك قال بالتحريم هنا، و من قال بالاستحباب فيه قال بالكراهة هنا كما ادعاه في الرياض، بل قد عرفت ما يقضي باعتبار عدم الكلام في مفهوم الإصغاء، و إلى ما دل (1)على أن الخطبة صلاة، خصوصا

المرسل (2)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا كلام و الامام يخطب، و لا التفات إلا كما يحل في الصلاة»

إلى آخره-

ما عن جامع البزنطي صاحب الرضا (عليه السلام) المعلوم أن كلامه منه و من آبائه (عليه السلام) «إذا قام الامام يخطب فقد وجب على الناس الصمت»

و

المرسل (3)«إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة فقد لغوت»

و

الآخر(4)«من تكلم يوم الجمعة و الامام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا»

و

الآخر(5)«إن أبا الدرداء سأل أبيا عن سورة تبارك متى أنزلت و النبي (صلى الله عليه و آله) يخطب فلم يجبه، ثم قال


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
2- 2 الفقيه ج 1 ص 269- الرقم 1228 من طبعة النجف.
3- 3 صحيح مسلم ج 3 ص 4.
4- 4 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
5- 5 سنن البيهقي ج 3 ص 220 و فيها« سورة البراءة» بدل« سورة تبارك».

ج 11، ص: 294

له: ليس لك من صلاتك إلا ما لغوت فأخبر النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: صدق أبي»

و مفهوم

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا بأس أن يتكلم الرجل إذا فرغ الامام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن تقام الصلاة»

و فحوى

صحيحه الآخر(2)«سألته عن الجمعة فقال: أذان و إقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب و لا يصلي الناس ما دام الامام على المنبر»

و

ما رواه الصدوق (3)في مناهي النبي (صلى الله عليه و آله) «أنه نهى عن الكلام يوم الجمعة و الامام يخطب فمن فعل ذلك فقد لغى، و من لغى فلا جمعة له»

و المروي عن

قرب الاسناد عن أبي البختري (4)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «أن عليا (عليه السلام) كان يكره رد السلام و الامام يخطب»

و عن

علي (عليه السلام)(5)«يكره الكلام يوم الجمعة و الامام يخطب، و في الفطر و الأضحى و الاستسقاء»

بناء على إرادة الحرمة من الكراهة، و

في الدعائم (6)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «إذا قام الامام يخطب فقد وجب على الناس الصمت»

و عن

علي (عليه السلام)(7)«لا كلام و الامام يخطب و لا التفات إلا بما يحل في الصلاة»

و عن

جعفر بن محمد (عليهما السلام)(8)«لا كلام حتى يفرغ الامام من الخطبة، فإذا فرغ منها فتكلم ما بينك و بين افتتاح الصلاة إن شئت».

إلى غير ذلك من النصوص إلا أنها جميعها ظاهرة أو صريحة في السامعين حتى نصوص الحكم بأنها صلاة بقرينة قوله (عليه السلام) فيها: «حتى ينزل الامام» فالقول بحرمة الكلام عليه حينئذ كما ترى، خصوصا بعد ما

روي «أنه (صلى الله عليه و آله) سأل قتلة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
6- 6 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
7- 7 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
8- 8 المستدرك- الباب- 12- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 295

ابن أبي الحقيق و هو يخطب(1)»

و «ان رجلا سأله (صلى الله عليه و آله) خاطبا يوم الجمعة متى الساعة؟ فقال (صلى الله عليه و آله): ما أعددت لها؟ فقال: حب الله و رسوله (صلى الله عليه و آله)، فقال:

إنك مع من أحببت (2)»

و لعله لذا صرح جماعة كما هو ظاهر قصر الحرمة على غيره من آخرين بعدم الحرمة عليه إلا إذا فاتت به هيئة الخطبة، بل عن كشف الالتباس أنه المشهور، بل قد يظهر منهما جواز الكلام لغيره كإقراره (صلى الله عليه و آله) و عدم إنكاره على رجل استسقاه في جمعة و هو يخطب و سأله الرفع في جمعة أخرى و هو يخطب (3)و لفظ «لا ينبغي» في الصحيح المزبور كلفظ الكراهة، بل لا يخفى على سالم حاسة الشم أنه تفوح روائح الكراهة من الأخبار

المزبورة، بل كراهة رد السلام الذي هو واجب في الصلاة لا بد من حملها على عدم الرد الواجب أو غير ذلك، على أن الإجماع في المحكي عن التذكرة على جواز تحذير الأعمى من الوقوع في بئر أو نهي شخص عن منكر، بل فيه و المحكي عن النهاية و غاية المراد أن محل الخلاف في كلام لا يتعلق به غرض مهم، بل عدم الفرق في النصوص بين الواجب من أجزاء الخطبة و المندوب و بين الكلام المفوت لاستماع المقصود و غيره و نحو ذلك أوضح شي ء على ما ذكرنا، كما أن النهي في المرسل و غيره عن الالتفات الذي لم أعرف أحدا ذكره شاهد آخر.

نعم عن المرتضى (رحمه الله) في المصباح أنه حرم من الأفعال فيها ما لا يجوز مثله في الصلاة، و حكي عن الإشارة موافقته على ذلك، لكن ظاهر الأصحاب خلافه، بل كاد يكون صريح اقتصارهم على ترك الكلام و نحوه، و هو مضعف آخر للحكم بأنها صلاة، و التزام التقييد كما ترى، بل قد يضعف ما عن البزنطي و الدعائم من وجوب


1- 1 سنن البيهقي ج 3 ص 222.
2- 2 ذكر صدره في سنن البيهقي ج 3 ص 221 و تمامه في صحيح البخاري ج 8 ص 49 و صحيح مسلم ج 8 ص 42 و لكن لم يذكر فيهما أنه سأله ص في حال الخطبة.
3- 3 صحيح البخاري ج 2 ص 12.

ج 11، ص: 296

الصمت باستلزامه زيادة الخطبة على الصلاة، ضرورة جواز الذكر و القرآن و نحوهما فيها بخلافها فيجب فيها الصمت، بل التزام حرمة ذلك و إن لم يكن مفوتا للاستماع أو لاستماع المقصود من الخطبة من الغرائب، على أنه ليس في شي ء من النصوص الفرق بين العدد و السامعين و الحاضرين نحو ما سمعته في الإصغاء، بل قد ظهر من بعضها البطلان بذلك، و قد عرفت أنه خلاف الإجماع، و في التذكرة «الأقرب الأول أي الحرمة إن لم يسمع العدد، و إلا الثاني- ثم قال-: التحريم إن قلنا به، على السامعين يتعلق بالعدد، أما الزائد فلا، و للشافعي قولان، و الأقرب التحريم و إن قلنا به، إذ لو حضر فوق العدد بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بمعين منهم حتى يحرم عليهم خاصة» و عن النهاية «يجوز المداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا» و عنها أيضا «هل يحرم الكلام على من عدا العدد؟ إشكال» إلى غير ذلك مما لا يخفى، و من هنا تردد في الحرمة جماعة، بل خيرة المبسوط و المعتبر و التبيان و موضع من الخلاف و فقه القرآن و المنتهى و ظاهر الغنية على ما قيل عدمها، بل ربما كان ظاهر الأخير الإجماع عليه، كما أن في الخلاف «لا خلاف في أنه مكروه» و كيف كان فالأقوى دوران الحرمة فيه على تقويت ما يجب سماعه من الخطبة، هذا كله في أثناء الخطبة، أما حال الجلوس بين الخطبتين فالأقوى عدم الحرمة أيضا كما تقدم سابقا، و الله أعلم.

[المسألة الخامسة يعتبر في إمام الجمعة كمال العقل و الايمان و العدالة و طهارة المولد و الذكورة]

المسألة الخامسة يعتبر في إمام الجمعة كمال العقل و الايمان و العدالة و طهارة المولد و الذكورة كما تسمع الكلام فيه مفصلا في الجماعة، إذ الظاهر عدم الفرق بين الجمعة و غيرها في ذلك، نعم ستعرف جواز إمامة النساء بعضهن لبعض لا للرجال و لا للمختلطين إلا أنك قد عرفت فيما سبق عدم انعقاد الجمعة، بهن، فلا يجوز إمامتهن فيها حينئذ بحال كما هو واضح و يجوز أن يكون عبدا بناء على انعقادها به، لجواز

ج 11، ص: 297

إمامته فيها حينئذ و في غيرها كما تعرف ذلك مفصلا في بحث الجماعة، بل و تعرف ما ذكره المصنف هنا في قوله و هل يجوز أن يكون أبرص أو أجذم؟ فيه تردد و أن الأشبه الجواز فيها و في غيرها، نعم قال و كذا الأعمى أي في التردد في إمامته و أن الأشبه الجواز و لم يذكره في الجماعة، و على كل حال فلا ريب أن الأشبه ما ذكره فيها فضلا عن غيرها من الفرائض، وفاقا للمبسوط و التحرير و المنتهى و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و الروض و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل عن المنتهى نسبته إلى أكثر أهل العلم، و غاية المرام و الذخيرة أنه المشهور، و عن جماعة المنتهى لا بأس بإمامة الأعمى إذا كان من ورائه من يسدده و يوجهه إلى القبلة، و هو مذهب أهل العلم لا نعرف فيه خلافا إلا ما نقل عن أنس أنه قال ما حاجتهم اليه و في جماعة المعتبر نسبته إلى علمائنا، و الدروس أنه المعروف من المذهب، و التذكرة «يجوز أن يكون الأعمى إماما لمثله و للبصراء بلا خلاف بين العلماء» و لكن في بحث إمام الجمعة منها «اشترط أكثر علمائنا كون الامام سليما من الجذام و البرص و العمى، ل

قول الصادق (عليه السلام)(1): «خمسة لا يؤمن الناس على كل حال: المجذوم و الأبرص و المجنون و ولد الزنا و الأعرابي»

و الأعمى لا يتمكن من الاحتراز عن النجاسات غالبا، و لأنه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل، و قال بعض أصحابنا المتأخرين: يجوز، و اختلفت الشافعية في أن البصير أولى أو يتساويان» و عن نهاية الأحكام «أنه اشترط في إمام الجمعة السلامة من العمى لتعذر احترازه عن النجاسات غالبا» و قال في إمام الجماعة: «في كراهة إمامة الأعمى إشكال أقربه المنع، ل

قول الصادق (عليه السلام)(2): «لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم و إن كانوا هم الذين


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 298

يوجهونه»

و

قول علي (عليه السلام)(1): «لا يؤم الأعمى في الصحراء إلا أن يوجه إلى القبلة»

و لأنه فاقد حاسة لا يختل بها شي ء من شرائط الصلاة فأشبه الأصم، نعم البصير أولى لتوقيه

من النجاسات» و في التذكرة «هل البصير أولى؟ يحتمل ذلك، لأنه يتوقى النجاسات، و الأعمى لا يتمكن من ذلك، و يحتمل العكس لأنه أخشع في صلاته من البصير، لأنه لا يشغله بصره عن الصلاة، و كلاهما للشافعية، و نص الشافعي على التساوي، و هو أولى، لأن النبي (صلى الله عليه و آله) قدم الأعمى كما قدم البصير» و استدل فيها و في المحكي عن المنتهى على جواز إمامته مع ما ذكره في النهاية بأنه استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس و كان أعمى (2)

قال: قال السبعي: غزا النبي (صلى الله عليه و آله) ثلاث عشر غزوة كل ذلك يقدم ابن أم مكتوم يصلي بالناس،

و

بعموم «يؤمكم أقرؤكم»(3).

و قد ظهر من ذلك كله دليل الجواز، مضافا إلى ما

في الحسن (4)أن زرارة سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الصلاة خلف الأعمى فقال: «نعم إذا كان له من يسدده و كان أفضلهم»

و

المرسل(5)في الفقيه عن الصادقين (عليهما السلام) «لا بأس أن يؤم الأعمى إذا رضوا به و كان أكثرهم قراءة و أفقههم»

و

حسن الحلبي (6)عن الصادق (عليه السلام) «في الأعمى يؤم القوم و هو على غير القبلة قال: يعيد و لا يعيدون فإنهم قد تجروا»

و قد ائتم ابن مسلم بأبي بصير(7)و

قول علي (عليه السلام) في خبر الشعبي(8): «لا يؤم الأعمى في البرية»

مطلق يقيده ما سمعت.

ثم إن الجميع كما ترى لا فرق فيها بين الجمعة و الجماعة، فما عن الخلاف و نهاية


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 88.
3- 3 سنن البيهقي ج 3 ص 25.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السجود- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2.

ج 11، ص: 299

الأحكام و الموجز- من اشتراط السلامة من العمى هنا، و عن ظاهر غاية المرام نسبته إلى النهاية و ابن إدريس، بل قد سمعت نسبته في التذكرة كالمحكي عن التلخيص إلى الأكثر، بل نسب الجواز في الأول إلى بعض المتأخرين- في غاية الضعف، بل في كشف اللثام و المحكي عن غاية المراد أني لم أجده في الخلاف، و في مفتاح الكرامة «أني قد تتبعت الخلاف في الجمعة و الجماعة و القضاء و الشهادات و نحو ذلك مما يحتمل فيه ذكر ذلك و لو بالعرض فلم أجد ذلك» بل عن الروض «أن القائل بعدم الجواز غير معلوم فضلا عن الأكثرية» قيل و نحوه ما في الذكري و مجمع البرهان، و مع

ذلك كله فليس في الأدلة ما يصلح معارضا للإطلاقات فضلا عما سمعت، إذ خبر السكوني (1)ظاهر في الجواز من غير فرق بين الجمعة و غيرها، و إن كان هو مقتضى الجمع بين عبارتي التذكرة و النهاية، و عدم وجوب الحضور عليه لا ينافي صحة الانعقاد به و كونه إماما فيها لو حضر، و عدم التحرز عن النجاسات و كونه ناقصا عن هذا المنصب الجليل لا يصلح مثله لا ثبات حكم شرعي.

نعم قد يقال بالكراهة كما عن النفلية و الفوائد الملية، بل ربما حكي عن المبسوط و إن كان لم نتحققه، مع أن ظاهر المحكي عن جماعة نهاية الأحكام منع الكراهة التي قد عرفت التسامح فيها، قال: «إن في كراهة إمامته إشكال أقربه المنع- إلى أن قال-:

نعم البصير أولى» و قد سمعت ما في التذكرة من أولوية العكس في أحد وجهي الشافعية و بالجملة لا ينبغي التأمل في الجواز، و الله أعلم.

[المسألة السادسة في وجوب الجمعة على المسافر الذي نوى الإقامة]

المسألة السادسة قد عرفت فيما تقدم أن المسافر إذا نوى الإقامة في بلد عشرة أيام فصاعدا وجبت عليه الجمعة لأنه بحكم الحاضر حينئذ و كذا إذا لم ينو الإقامة و مضى عليه ثلاثون يوما في مصر واحد بناء على أنه من القواطع للسفر لا أن


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 7.

ج 11، ص: 300

الحكم فيه التمام و إن كان مسافرا كالمكاري و نحوه كما تعرفه إن شاء الله في محله، و الله أعلم.

[المسألة السابعة الأذان الثالث المسمى بالثاني يوم الجمعة]

المسألة السابعة الأذان الثالث المسمى ب الثاني يوم الجمعة في جملة من عبارات الأصحاب، بل هو في معقد ما يحكى من ظاهر إجماع التذكرة بدعة كما في النص و الفتوى، ففي

خبر حفص بن غياث (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»

و المتبادر إرادة الحرمة منها كما نسبه إلى الأكثر في المحكي عن إرشاد الجعفرية، و إلى عامة المتأخرين في المدارك، خصوصا بعد ما

روى زرارة و محمد بن مسلم و الفضيل في الصحيح (2)عن الصادقين (عليهما السلام) «أنهما قالا: ألا و إن كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة سبيلها إلى النار»

و خصوصا بعد ظهور ارادة التعريض لما أبدعه عثمان أو معاوية من أذان ثان للجمعة كما سمعته سابقا في الأذان بل منه مضافا إلى الفتاوى يعلم عدم إرادة الأذان للعصر من

الثالث في الخبر المزبور كما أوضحناه سابقا في بحث الأذان.

و على كل حال فما في المعتبر و المحكي عن المبسوط و الإصباح و الخلاف، لما تسمعه من عبارته- و اليه أشار المصنف بقوله و قيل إنه مكروه للأصل، و ضعف الخبر، و عموم البدعة للحرام و غيره، و حسن الذكر و الدعاء إلى المعروف و تكريرهما، قال المحقق إلا أنه من حيث لم يفعله النبي (صلى الله عليه و آله) و لم يأمر به كان أحق بوصف الكراهة- في غاية الضعف، لانقطاع الأصل، و عدم قدح الضعف بعد الانجبار، و منع عموم البدعة خصوصا في المقام، و الأخير اجتهاد في مقابلة النص، و عدم فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و أمره أعم من الكراهة و من ذلك علم أن الأول أشبه لكن قد يظهر من جماعة لفظية النزاع، و أن مراد من حرم ما إذا جاء به بقصد


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 ذكره في الوسائل في الباب 40 من أبواب الأمر و النهي- الحديث 5 عن محمد بن مسلم.

ج 11، ص: 301

الوظيفة و الشرعية، ضرورة كونه حينئذ تشريعا محرما، و أن مراد من نفاها إذا فعله بقصد الذكر و التنبيه و الدعاء إلى الصلاة، و قد يناقش فيه بأنه لا وجه للكراهة حينئذ، و أنه من الممكن دعوى الحرمة هنا و إن لم يكن بقصد الوظيفة، لأنها صورة البدعة، فلا يبعد تحريمها لذلك، و لعل هذا هو المراد من النص و الفتوى لا التشريع الذي لا يخص الأذان فضلا عن الثالث منه، و قد تقدم نظائر للمسألة و يأتي.

و المراد بكونه ثالثا بالنسبة للأذان و الإقامة لها، و إطلاق الأذان على الإقامة معروف، أو يراد به بالنسبة إلى أذان الصبح في يوم الجمعة أي الأذان الثالث فيه بدعة بل المشروع أذان للصبح و أذان لها خاصة، فإذا جي ء بثالث لها كان بدعة، و على كل حال فالمراد به التعريض بما في أيدي القوم، و أما تسميته ثانيا في جملة من العبارات فعن السرائر و المهذب البارع و المقتصر و التنقيح و ظاهر المختلف باعتبار أنه يفعل بعد نزول الامام عن المنبر، قال في الأول: «ثم ينزل الامام عن المنبر بعد فراغه من إكمال الخطبتين و يبتدئ المؤذن الذي بين يديه بالإقامة، و ينادي باقي المؤذنين و المكبرين الصلاة الصلاة، و لا يجوز الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان الأول، الذي عند الزوال، فهذا هو الأذان المنهي عنه، و يسميه بعض أصحابنا الأذان الثالث، و سماه ثالثا لانضمام الإقامة إليهما، فكأنها أذان آخر» و استغربه في البيان و بعض من تأخر عنه، فقال: اختلفوا في وقت الأذان فالمشهور أنه حال جلوس الامام على المنبر، و قال أبو الصلاح: قبل الصعود، و كلاهما مرويان، فلو جمع بينهما أمكن نسبة البدعة إلى الثاني زمانا و إلى غير الشرعي فينزل على القولين، قال: و زعم ابن إدريس أن المنهي عنه هو الأذان بعد نزول الخطيب مضافا إلى الإقامة، و هو غريب، قال: و ليقم المؤذن الذي بين يدي الامام، و باقي المؤذنين ينادون الصلاة، و هو أغرب، و في الذكرى ينبغي أن يكون أذان المؤذن بعد صعود الامام على المنبر و الامام جالس، ل

قول الباقر

ج 11، ص: 302

(عليه السلام) فيما رواه عبد الله بن ميمون (1): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون»

و به أفتى ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و الأكثر، و قال أبو الصلاح: إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان، و إذا فرغوا منه صعد المنبر فخطب، و رواه

محمد بن مسلم (2)قال: «سألته عن الجمعة فقال: أذان و إقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد على المنبر»

و يتفرع على الخلاف أن الأذان الثاني الموصوف بالبدعة أو الكراهة ما هو، و ابن إدريس يقول: الأذان المنهي عنه هو الأذان بعد نزوله مضافا إلى الأذان عند الزوال، و في كشف اللثام يعني أن الأذان المشروع للجمعة إما قبل صعود الامام المنبر أو بعده عند جلوسه عليه، فالجمع بينهما بدعة أو مكروه، و على الأول فالبدعة أو المكروه الثاني، و على الثاني الأول و يسمى ثانيا لحدوثه بعد الثاني.

قلت: لا ريب أن التوقيت المزبور للأذان بما سمعت إنما هو مستحب في مستحب، و مقتضى الجمع بين الخبرين حصول الوظيفة بكل من الحالين و إن كان قد يرجح ما رواه عبد الله بن ميمون بقرب اتصاله بالصلاة، و بأنه المشهور

نقلا إن لم يكن تحصيلا، بخلاف قول أبي الصلاح، و إن قيل إنه ظاهر الغنية، بل ظاهرها الإجماع عليه، و على كل حال فلو حصل في غيرهما كان مشروعا أيضا و إن كان هو خلاف الأفضل، و حينئذ فدعوى أن المراد بالثاني باعتبار الأحداث و إلا فهو ما لم يكن بين يدي الخطيب سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان واضحة الضعف، لما عرفت من أن كيفية الأذان الواقع في عهده (صلى الله عليه و آله) غير شرط في شرعيته قطعا، بل إجماعا حكاه ثاني المحققين، قال: «إذ لو وقع بعد صعود الخطيب أو لم يصعد منبرا بل خطب


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 303

على الأرض لم يخرج بذلك عن الشرعية، فإذا فعل ثانيا كان هو المحدث» و قال أيضا:

«و يعرف أنه المحدث من ظاهر الحال، و انضمام القرائن المستفادة من تتالي الأعصار التي شهدت بأن هذا هو المحدث في زمن عثمان أو معاوية حتى أنه لو حاول أحد تركه قابلوه بالإنكار و المنع، و الاعتبار بتخصيص يوم الجمعة بأذان آخر من دون سائر الأيام على تطاول المدة من الأمور الدالة على ذلك، و ما هذا شأنه لا يكون إلا بدعة».

قلت: قد يقال: إنه مع قصد البدعي يتعين بقصده سواء كان أولا أو ثانيا، و مع عدم العلم بقصده قيل يمكن اختصاصه بالثاني، لأصالة الصحة في فعل المسلم معها أمكن فيكون محكوما بصحته، و يتوجه التحريم إلى الثاني، و فيه أنه جار في كل منهما، و السبق لا يشخص، أما مع عدم القصد في الواقع فقد يقال باختصاص الثاني بالبدعية خصوصا إذا صادف الأول التوظيف الشرعي، و يمكن عدم سلامة كل من أذانيه إذا كان قصده من أول الأمر التثنية و أنه جاء بالأول بعنوان الجزء أو كالجزء، و قد يظهر من المنتهى تشخص البدعي بمخالفته للموظف و إن كان أولا قال فيما حكي عنه: «لا نعرف خلافا بين أهل العلم في مشروعية الأذان عقيب صعود الامام المنبر و لو سئل عن المحدث لقالوا: إنه الأول، و الثاني هو الذي فعله النبي (صلى الله عليه و آله) و إن لم يكن الوقت و المكان شرطا إلا أنه بذلك علما لما فعله و ممتازا عن غيره، و لو تغير المكان لقيل بتغير ذلك أيضا» و مما ذكرنا يعرف ما فيه، بل قد يمنع اعتبار هذه النسبة العرفية المبنية على الظاهر، و في الخلاف «لا بأس أن يؤذن اثنان واحد بعد الآخر، و إن أتيا بذلك موضعا واحدا كان أفضل، و لا ينبغي أن يزاد على ذلك، و قال الشافعي: المستحب أن يؤذن واحد بعد واحد، و يجوز أن يكونوا أكثر من اثنين، فان كرر و خيف فوات أول الوقت قطع الامام بينهم الأذان و صلى، دليلنا إجماع الفرقة على ما رووه أن الأذان الثالث بدعة» فدل ذلك على جواز الاثنين و المنع عما زاد على ذلك، و هو صريح في

ج 11، ص: 304

مغايرة الثاني للثالث، فيكون مخالفا لظاهر إجماع الفرقة كما أومأ إليه في المنظومة:

و لا أذان ثالثا في الجمعةفإنه نصا و فتوى بدعة

و قد يسمى بالأذان الثاني و اختلفوا فيه على معاني

ضرورة ظهوره في أن ذلك خلاف في التسمية، و قد سمعت ما في السرائر، و قال في المعتبر: «الأذان الثاني بدعة، و بعض أصحابنا يسميه الثالث، لأن النبي (صلى الله عليه و آله) شرع للصلاة أذانا و إقامة، فالزيادة ثالث، و سميناه ثانيا لأنه يقع عقيب الأذان الأول، و ما بعده يكون إقامة. و التفاوت لفظي» إلى غير ذلك، و قد تقدم تمام الكلام في ذلك و في مشروعية الأذان للعصر، و احتمال كونه المراد من الخبر في مباحث الأذان، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[المسألة الثامنة يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان]

المسألة الثامنة يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المحكي عن جامع المقاصد، بل هو معقد إجماع التذكرة و الغرية و المفاتيح و مصابيح الظلام على ما حكي عن بعضها، و اليه يرجع ما عبر به جماعة من الحرمة وقت النداء، بل هو معقد ما يحكى من إجماع غاية المرام و الجواهر، بل لعل مراد الجميع الحرمة بعد الشروع فيه كما صرح به في الشافعية ناسبا له إلى الأصحاب، بل لعله المراد من معقد إجماع الخلاف على تحريمه بعده حين يقعد الامام على المنبر، و المنتهى «أنه مذهب علماء الأمصار» و التذكرة «لا خلاف فيه بين العلماء» إلا أن الظاهر إرادة الأذان من ذلك بعد الزوال و إن جوزنا الخطبة قبل الزوال، ضرورة أنه لا تلازم بين الجوازين نعم لو قلنا به حرم أيضا، قال في التذكرة: «لو جوزنا الخطبة قبل الزوال كما ذهب اليه بعض أصحابنا لم نسوغ الأذان قبله مع احتماله، و متى يحرم البيع حينئذ إن قلنا بتقديم الأذان حرم البيع معه، لأن المقتضي و هو سماع الذكر موجود، و إلا فإشكال ينشأ من

ج 11، ص: 305

تعليق التحريم بالنداء و من حصول الغاية» قلت: لعل الأقوى الثاني بناء على إرادة الخطبتين من الذكر، كما أنه قد يقوى عدم توقف التحريم على فعل الأذان، بل المراد ترتب التحريم على الزوال كما عن الإرشاد و الموجز و الميسية و الروض و المسالك و مجمع البرهان، لأنه السبب الموجب للصلاة، و النداء إعلام بدخول الوقت، فالعبرة به، فلو تأخر الأذان عن أول الوقت لم يؤثر في التحريم السابق، لوجود العلة و وجوب السعي المترتب على دخول الوقت و إن كان في الآية مترتبا على الأذان، إذ لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب السعي، فإن المندوب لا يكون شرطا للواجب، و يمكن تنزيل الشهرة و الإجماعات على ذلك، لكن إذا كانت الصلاة حين الزوال فيراد حينئذ حرمة المفوت من البيع للسعي سواء حصل النداء أو لا، و التعليق عليه في الآية جار مجرى الغالب باعتبار احتياجه للمساومة و نحوها مما يقتضي عدم السعي، فالمراد حينئذ عدم التشاغل بالتكسب و الاعراض عن السعي كما يومي اليه قوله تعالى (1)«ذلِكُمْ خَيْرٌ» و الآية الثانية(2)فلا يحرم حينئذ من البيع ما لم يكن مفوتا و إن كان بعد الزوال.

و لعل مراد من علقه عليه ذلك، إذ بدونه لا أعرف قائلا به من أصحابنا، و إنما حكي عن أحمد و مالك، فما في جامع المقاصد تبعا للتذكرة و محتمل النهاية و ظاهر المعتبر- من التحريم تعبدا بالأذان و إن لم يكن مفوتا، بل هو مقتضى إطلاق باقي الفتاوى و معاقد الإجماعات، بل ربما كان كصريح بعضها- لا يخلو من نظر، إذ لا مستند له إلا إطلاق الآية و معقد الإجماع المنساق إلى ذلك بالتبادر، فيكون الحاصل حينئذ بناء على ذلك أنه لا فرق بين البيع و غيره مما ينافي السعي يحرم حيث يكون مفوتا و لو قبل الزوال كما إذا كان بعيدا عن الجمعة، و يجوز إذا لم يكن كذلك من غير فرق بين وقوع الأذان و عدمه، فما صرح به جماعة بل قيل إنه المشهور بل عن المنتهى


1- 1 سورة الجمعة- الآية 9.
2- 2 سورة الجمعة- الآية 10.

ج 11، ص: 306

و ظاهر التذكرة الإجماع من عدم الحرمة قبل النداء بعد الزوال ضعيف إن لم ينزل على ما إذا لم يكن مفوتا، كما يومي اليه تعليل من ذكر كراهته منهم التي نسبها في المحكي عن المنتهى إلى أكثر أهل العلم، و في التذكرة عندنا من أنه مناف للتشاغل عن التأهب للجمعة، و أن وقت الصلاة الزوال، و الخطبة

الفي ء الأول، فإذا زالت نزل و صلى، فإذا أخر فقد ترك الأفضل، و نحو ذلك، كما أنه ينزل ما ظاهره تعبدية التحريم و إن لم يكن مفوتا على المفوت بقرينة كلامهم في وجه إلحاق غير البيع به، و كلامهم في وجوب السعي و حرمة السفر و نحو ذلك، بل قد يوهن إجماع الفاضل أنه ذكر التحريم في المحكي عن النهاية احتمالا، فقال: «لو لم يمنع البيع من سماع الخطبة و لا من التشاغل بالجمعة أو منع و لم نوجب السماع و لا حرمنا الكلام احتمل التحريم للعموم» و بالجملة فالمدار على ما ذكرناه، فإن أمكن تنزيل الكلام عليه فمرحبا بالوفاق، و إلا كان محلا للنظر، لعدم دليل صالح عليه كما هو واضح.

و منه ينقدح أنه إن باع أثم و كان البيع صحيحا على الأظهر الأشهر، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن إرشاد الجعفرية أن النهي عن أمر خارج، و هو ترك السعي، فلا مانع من الصحة حينئذ إجماعا، بل لا خلاف فيه أجده إلا ما يحكى عن الكاتب و الشيخ، قيل و تبعهما المقدس الأردبيلي و الأستاذ الأكبر، و في كشف الرموز «أنه حسن إن قلنا إن النهي يدل على الفساد في المعاملات» قلت: قد ذكرنا في الأصول أن التحقيق عدم اقتضائه الفساد عقلا كالعبادة، بل و لا عرفا إلا إذا كان متعلقا بنفس المعاملة أو أحد أركانها أو وصفها اللازم، أما مثل المقام الذي لا ريب بناء على ما ذكرنا في كون النهي عنه من جهة كونه مفوتا للواجب و مضادا له و مثله لا يفهم منه الفساد عرفا قطعا فلا، فما أطنبوا فيه في المقام- من اقتضاء النهي الفساد و لو بعدم

ج 11، ص: 307

اندراج المنهي عنه في دليل الصحة المنحصر في آية «أَحَلَّ»(1)و نحوه- في غير محله كما لا يخفى على من كان على بصيرة في المسألة.

و مما ذكرنا يعلم أنه لا فرق بين البيع و غيره من العقود و سائر المنافيات، بل لو لم يكن المدار على التنافي أمكن فهم المثالية من البيع لغيره من عقود المعاوضات و القطع بعدم الخصوصية كما اختاره جماعة و إن كان لا يخلو من نوع إشكال، اللهم إلا أن يدعى إرادة مطلق النقل من لفظ البيع لا خصوص عقده، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه، و الانصاف أن دعوى القطع بإلغاء الخصوصية ممكنة سواء قلنا بالتعبدية أو بالمنع من حيث المنافاة.

و لو كان المتعاقدان ممن لا يجب عليه السعي جاز إجماعا بقسميه على وفق ما تقتضيه القواعد، نعم لو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي و الآخر يجب عليه كان البيع سائغا بالنظر اليه و حراما بالنظر إلى الآخر بلا إشكال في الأخير و احتمال عدم حرمته باعتبار أن التحقيق عدم صدق البيع على الإيجاب أو القبول كما ترى أما الأول فقد اختاره في المحكي عن الخلاف و المبسوط و المعتبر و التحرير للأصل، و حرمة أو مال إليه أكثر المتأخرين معللين له بالإعادة على الإثم، و أطال الأردبيلي في المناقشة باندراج مثل الفرض تحت الإعانة، و لعله الأقوى، اللهم إلا أن يفرض كون قصده ذلك، و حينئذ فالمحرم هو، لا نفس الإيجاب أو القبول، و في كشف

اللثام قد لا تكون حرمة و لا كراهية بأن لا تكون الجمعة على الطرف المتأخر بناء على أن الإتيان بلفظ الإيجاب مثلا حرام و إن لم يتم العقد، و هو جيد، و الله أعلم.

[المسألة التاسعة في تفصيل البحث عن المتحير في حكم الجمعة]

المسألة التاسعة التي أشبعنا الكلام فيها، و هي إذا لم يكن الامام موجودا و لا من نصبه للصلاة و أمكن الاجتماع و الخطبتان قيل يجوز أو يستحب أن يصلي


1- 1 سورة البقرة- الآية 276.

ج 11، ص: 308

جمعة، و قيل لا يجوز، و قد قلنا إن الأول أظهر و من ذلك زمن الغيبة، بل ظاهر جملة من العبارات فرض المسألة فيه، و إن كان قد يقال إنه لا فرق بينه و بين زمن الحضور الذي يفرض فيه حصول الفرض من غير فرق بين زمن السلطنة و غيره كما أومأنا إلى ذلك سابقا، نعم بقي الكلام في فرض المتحير الذي استفرغ وسعه فلم يظهر من الأدلة ما يصح العمل به، و تفصيل البحث فيه أنه إما أن يكون تردده في الوجوب العيني و الحرمة لا غير بمعنى أنه قاطع بانتفاء ما سواهما، و التحقيق فيه الجمع بين الجمعة و الظهر، للعلم بأنه مشغول بأحدهما، فيتوقف يقين البراءة على ذلك، و المعارضة بتوقف يقين ترك الحرام على تركهما يدفعها أن الحرمة المدعاة إنما هي تشريعية لا ذاتية، و هي منتفية مع الفعل احتياطا، نعم لو كانت ذاتية أمكن حينئذ التعارض المزبور، و احتج إلى الترجيح بين مراعاة الواجب و المحرم كما هو محرر في محله، و لو أن الحرمة التشريعية تعارض الواجب الأصلي تعذر الاحتياط في العبادة إذا دار أمرها بين الوجوب و عدمه و هو معلوم الفساد نصا و فتوى و عقلا، كما أن دعوى ذاتية الحرمة هنا كذلك، ضرورة كونها ناشئة من احتمال عدم الأمر بها.

و أوضح من ذلك فسادا دعوى تعين الظهر في الفرض، للاكتفاء في ثبوته بعدم ثبوت وجوب الجمعة، فهو في الحقيقة الأصل حتى يثبت وجوب الجمعة، و لذا وقع البحث في وجوبها لا وجوبه، إذ ليس في الأدلة ما يقتضيها، و البحث المزبور فيها خاصة لاستلزامه البحث فيه، فاستغنوا به عنه، و كون الواجب بالأصل الظهر ثم طرأ وجوب الجمعة لو سلم لا يجدي بعد أن تحقق الوجوب على الحاضرين المشاركين في التكليف.

و يقرب من ذلك فسادا دعوى سقوط الفرضين في الفرض، لاستحالة التكليف بالمبهم، و لاستفاضة النصوص في عدم وجوب غير المعلوم، إذ هو كأنه مخالف للضرورة و المسلم استحالة التكليف بالمبهم من حيث إبهامه، أو المعين بعينه مع إبهامه من أحد

ج 11، ص: 309

الفردين لا في مثل الفرض، خصوصا مع كون الإبهام عارضيا ناشئا من العوارض، فالأصل و إطلاق أدلة الوجوب كاف في ثبوته في هذا الحال، و في كونه تبليغا يصح معه التكليف، كما يكشف ذلك عدم تقبيح العقل فرض وقوعه من الشارع مع المصلحة الداعية إلى عدم بيان الخصوصية للمكلف.

و لا يذهب عليك أن المقام ليس مما دار بين الوجوب و عدمه كي يتمسك فيه بأصل البراءة و إن كان هو كذلك بالنسبة إلى كل من الفردين، بل هو من الشبهة المحصورة التي لا يشملها أدلة أصل البراءة كما حرر في محله، و لا ينافي ذلك معلومية تعين الظهر عليه لو أخر حتى فات وقت الجمعة، إذ أقصاه دوران الأمر بين فردين أحدهما مضيق و الآخر موسع، فلا يقين بالبراءة إلا بفعل المضيق في وقته و الموسع على توسعته فلو أخر حتى فات وقت الجمعة و تعين عليه الظهر لم يحصل له اليقين بالبراءة من الشغل الحاصل بأول الزوال و إن كان يبرأ من الشغل بعد فوات وقت الجمعة بفعل الظهر.

و إن كان تردده بين الوجوب التخييري و الحرمة قاطعا بنفي غيرهما فلا ريب في أن الأحوط له الترك، لأنه طريق السلامة في الفرض، بل لا يجوز له الاقتصار على الجمعة قطعا، لعدم تيقن الفراغ بفعلها في الفرض، بل قد يشكل أصل جواز الجمع بينها و بين الظهر بعدم ما يقتضي رفع حرمة التشريع التي يكفي فيها عدم ثبوت المقتضي حتى الاحتياط، فإنه بالترك كما عرفت لا بالفعل، ففعلها حينئذ لا يمكن أن يكون له وجه تقرب ينوى، و احتمال الأمر بها تخييرا غير كاف كما هو واضح.

و إن كان تردده بين العيني و التخييري على الوجه السابق فلا إشكال في أن الاحتياط بفعلها، لأن به يقين البراءة في الفرض، بل لا يجوز له الاقتصار على الظهر لعدم حصول يقين البراءة به، بل قد يشكل جواز فعل الظهر بما سمعته في سابقه.

و إن كان تردده بين العيني و التخييري و الحرمة فالظاهر أنه كالأول يجب فيه

ج 11، ص: 310

الجمع بينهما لنحو ما عرفته سابقا، و هذا هو الذي صنف فيه الفاضل «ملا رفيعا» رسالة حاصلها وجوب الجمع المزبور للمقدمة المذكورة، و قد كتب بعض فضلاء عصره رسالة في رده، و قد أطال فيها إلا أنه ما أجاد، و حاصلها منع التكليف هنا بمعين يجب فعل الفرضين مقدمة له، و أنه ليس كناسي خصوص الفائتة باعتبار أن الإبهام فيه عارضي من قبل المكلف بخلاف الأول، فإن الإبهام فيه من الشارع حينئذ، و مثله غير جائز عقلا و نقلا، و خصوص الصلاة إلى أربع جهات للدليل، فالمتجه حينئذ سقوطهما معا إلا أن يثبت أصالة الظهر، أو أنها هي الواجبة ما لم يثبت الجمعة، فيتعين فعل الظهر، و لا يجوز فعل الجمعة فضلا عن الوجوب، لعدم ثبوت مقتضي جوازها، و معلوم أن العبادة يحرم فعلها إذا كانت كذلك، و قد أكثر فيها من الكلام بما لا يرجع إلى محصل غير ذلك، و هو كما ترى كلام خال عن التحصيل ناش من عدم الفرق بين الحرمة التشريعية و الذاتية، و من عدم فهم المراد من أدلة أصل البراءة، و أنه لا يشمل الشبهة المحصورة، و أن هذا الإبهام ليس من الشارع أولا، و غير قادح ثانيا كما أومأنا اليه سابقا، و من غريب ما وقع فيها ما ذكره في آخرها فقال: «خاتمة يلزم على ما يراه من وجوب الجمع أن يجوز لهذا الفقيه أن يصلي الجمعة بالناس ثم يصلي بهم الظهر جماعة على أعين الناس، و هذا غريب لم يره عين و لم تسمعه أذن إلى الآن، و سيؤول الأمر إلى ذلك على ما أرى من حالهم، فتصير الخمس الضرورية يوم الجمعة ستا مؤداة بالجماعة، بل هكذا يتطرق التغيير إلى الأديان على مرور الأزمان، و العياذ بالله و هو المستعان» و هو كما ترى لا ينبغي صدوره من متعلم فضلا عن عالم، و قد حكيناه لتقيس باقي كلامه في رسالته عليه، بل الأقوى أن للمتحير الصلاة جماعة مع من يرى حرمتها، و اختلاف وجهي الوجوب بالاحتياط و غيره غير مانع من الائتمام كما هو محرر في محله.

و إن كان تردده لعدم استفراغ الوسع فان قلنا إن مثله تكليفه الاحتياط اتجه حينئذ

ج 11، ص: 311

وجوب ما عرفت عليه على التفصيل المتقدم، و إن قلنا إن تكليف مثله الرجوع إلى غيره كان من المقلدين حينئذ، و لعل التفصيل بين تارك الاستفراغ للتقصير و بينه لمانع شرعي فيحتاط الأول و يرجع إلى غيره الثاني لا يخلو من وجه، و لتحرير المسألة محل آخر، إذ هي لا تخص المقام، و المجتهد اجتهادا فاسدا للتقصير في النظر و غيره كغير المجتهد، و لعل منه من ذهب إلى وجوبها عينا في زمن الغيبة، فلا يجزيه صلاتها عن الظهر، و من أداه اجتهاده إلى التحريم لا يشرع له الاحتياط بالجمع، مع احتماله لكون الحرمة تشريعية ترتفع بالفعل بعنوان الاحتياط و إن كان مستحبا، نعم لا يجوز للمجتهد العمل على خلاف مقتضى ظنه في نحو الفرض لو كانت الحرمة المظنونة ذاتية، كما أنه لا يجوز لمن كان رأيه الحرمة من المجتهدين الفعل بعنوان الاحتياط، ضرورة أن الواجب عليه العمل برأيه، فمع فرض كونه الحرمة لا سبيل له إلى امتثال أوامر الاحتياط، فلا يسعه الجمع بينهما، إذ الاحتياط المندوب للمجتهد إنما هو إذا لم يكن منافيا، كما إذا كان رأيه الوجوب التخييري قاطعا بعدم العينية أو الحرمة فإن له الاحتياط بالترك مثلا تخلصا من احتمال الحرمة، أو بالفعل تخلصا من الوجوب العيني، و مع احتمالهما مع ذلك ينبغي ترجيح أحد طريقي الاحتياط بما يصلح مرجحا له، لا يقال: من كان رأيه عدم وجوب السورة في الصلاة مثلا يصح له الاحتياط بالفعل، مع أن مرجع ظنية عدم الوجوب إلى الحرمة التشريعية لو فعل أيضا فالمقام مثله، إذ أقصى ظنية الحرمة عدم ثبوت المشروعية، فيصح له الفعل بعنوان الاحتياط الذي لا يعارض التشريع، لأنا نقول: يمكن الفرق بين المقامين بأن ما نحن فيه من العبادات المستقلة التي لا يجوز فعلها بمجرد احتمال المشروعية إذا كان المجتهد ظانا خلافها، و هو مأمور بالعمل بظنه بخلاف نحو السورة التي من المعلوم عدم البأس في قراءتها بأثناء الصلاة و إن لم تكن واجبة فيها، فمن ظن عدم توقف الصحة عليها مثلا لا يمتنع فعلها احتياطا لاحتمال الجزئية، ضرورة دوران الأمر

ج 11، ص: 312

بين توقف الصحة عليها و بين جوازها و إن لم تكن الصحة موقوفة عليها، فلا ريب أن الاحتياط بالفعل متجه، بخلاف أصل العبادة التي فرضنا الظن بحرمتها، و مع ذلك يمتنع نية التقرب بالفعل كما هو واضح بأدنى تأمل، و لا أظنك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا تحتاج بعد إلى كلام آخر، و لا إلى ما أطنب به الأستاذ الأكبر باستقصاء الأصناف، و أنهم أربعة عشر صنفا أو أزيد باعتبار التقصير في الاجتهاد و عدمه و نحو ذلك، و أن منهم من يجب عليه الجمع بين الفرضين بخلاف الآخر فلاحظ و تأمل، و الله هو العالم بحقيقة الحال.

[المسألة العاشرة إذا لم يتمكن المأموم من السجود بتمامه مع الإمام في الأولى]

المسألة العاشرة إذا لم يتمكن المأموم من السجود بتمامه مع الإمام في الأولى التي أدرك ركوعها معه انتظر و لم يسجد على الظهر كما عن قوم من العامة فإن أمكنه السجود بعد قيام الامام و إلحاق به قبل الركوع فعل و صح جمعته بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل عن كشف اللثام دعوى الاتفاق عليه، و لا يقدح ذلك في صلاته للحاجة و الضرورة مع أن مثله وقع في صلاة عسفان حيث سجد النبي (صلى الله عليه و آله) و بقي صف لم يسجد و السبب في الجميع الحاجة، فلا بأس عليه حينئذ في فوات المتابعة للعذر الذي هو كالنسيان أو أعظم منه و إلا يمكنه ذلك حتى سجد الإمام للثانية اقتصر على متابعته في السجدتين من دون ركوع إجماعا كما عن نهاية الأحكام، فلو تابعه بالركوع بطلت صلاته للزيادة، خلافا لمالك و الشافعي و على كل حال فمقتضاه أنه ليس له السجود قبله، لكن في المحكي عن النهاية أيضا هل يجوز له أن يسجد قبل سجود الإمام؟ إشكال أقربه المنع، قال: لأنه إنما جعل الإمام ليؤتم به، فأشبه المسبوق أي في عدم جواز سبق إمامه في سجوده مثلا و إن كان هو لأولى المأموم و ثانية الامام، و وجه غير الأقرب في الفرض أن السجود من المأموم إنما

ج 11، ص: 313

هو للأولى، فلا تجب عليه المتابعة في سجود الإمام للثانية، و على هذا يكون مراده بمعقد الإجماع المزبور على المتابعة عدم الركوع معه، فلا ينافيه حينئذ الإشكال المزبور، و قد يحتمل إرادة النهاية الإشكال في جواز سبق المأموم الإمام في سجود الأولى إذا علم المزاحمة و عدم التمكن من السجود معه، لكنه كما ترى.

و كيف كان يسجد معه السجدتين و ينوي بهما للأولى ثم يأتي بركعة ثانية لنفسه و صحت جمعته عندنا بلا خلاف فيه بيننا، بل في الذكرى و المحكي عن المنتهى و المعتبر و التنقيح الإجماع عليه فان نوى بهما الثانية قيل و القائل الشيخ في النهاية و القاضي في المهذب على ما حكي عنهما و المصنف في باقي كتبه على ما حكي عن بعضها و الفاضل في القواعد و غيرهم: تبطل الصلاة لأنه إن اكتفى بهما للأولى و أتى بالركعة الثانية تامة خالف نيته، و إنما الأعمال بالنيات، و إن ألغاهما و أتى بسجدتين غيرهما للأولى و أتى بركعة أخرى تامة زاد في الصلاة ركنا، و إن اكتفى بهما و لم يأت بعدهما إلا بالتشهد و التسليم نقص من الركعة الأولى السجدتين و من الثانية ما قبلهما و قيل و القائل المرتضى في المصباح و الشيخ في المبسوط و الخلاف و يحيى بن سعيد في الجامع و غيرهم على ما حكي عنهم: لا تبطل بل يحذفهما و يسجد للأولى و يتم الثانية بل في الخلاف الإجماع عليه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حفص(1): «و إن كان لم ينو السجدتين في الركعة الأولى لم تجز عنه الأولى و الثانية، و عليه أن يسجد سجدتين و ينوي أنهما للركعة الأولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها»

و لا ريب أن الأول أظهر لما عرفت، و لقصور الخبر بالضعف و عدم الصراحة، إذ يجوز أن

يكون قوله (عليه السلام): «و عليه أن يسجد» إلى آخره مستأنفا بمعنى أنه كان عليه أن ينويها للأولى، فإذا لم ينوهما لها بطلت صلاته.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 314

لكن في الذكرى ليس ببعيد العمل بهذه الرواية، لاشتهارها بين الأصحاب، و عدم وجود ما ينافيها، و زيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه، و هذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن الدلالة، و أما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار، على أن الشيخ قال في الفهرست: إن كتاب حفص يعتمد عليه، و فيه أنه لا شهرة محققة تصلح جابرة على وجه يكون هذا الخبر مخصصا لما دل على البطلان بالزيادة التي هي غير مغتفرة في المأموم أيضا، بل في الرياض تارة أن القائل به نادر، و أخرى أن الشهرة على خلافه ظاهرة، و منه يعلم و هن الإجماع المزبور، و في المحكي عن المبسوط أن في البطلان رواية، فهي حينئذ منافية للخبر المزبور، بل لعلها أرجح منه باعتضادها بالأخبار الدالة على الإبطال بالزيادة في الفريضة المعتضدة بعد العمل بالقاعدة الاعتبارية في وجه، فالمتجه حينئذ البطلان كما عرفت، بل عن الجماعة أنه كذلك لو أهمل فلم ينو أنهما للثانية أو الأولى، لأن متابعة الإمام تصرفهما للثانية، فيأتي المحذور المزبور، لكن عن ابن إدريس و جماعة الصحة، لأن أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية، بل هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية مخالفة، و هو قوي، و ما عن المنتهى- من أنه ليس بجيد، لأنه تابع لغيره، فلا بد من نية تخرجه عن المتابعة في كونها للثانية، و عدم افتقار الأبعاض إلى نية إنما هو إذا لم يقم الموجب، أما مع قيامه فلا- يدفعه أن وجوب المتابعة لا يصير المنوي له منويا للمأموم و إن كان فرضه غيره، مع أن الأصل صحة صلاته، نعم لو كان الخبر المزبور معتبرا اتجه القول بالصحة مع إعادة السجدتين، ضرورة شموله لهذا الفرض إن لم يكن ظاهرا فيه.

و لو سجد المأموم و لحق الامام رافعا رأسه من الركوع ففي القواعد «الأقرب أن له جلوسه حتى يسجد الامام و يسلم ثم ينهض إلى الثانية، و له أن يعدل إلى الانفراد و على التقديرين يلحق الجمعة» و في كشف اللثام «أن له استمراره على القيام أيضا حتى

ج 11، ص: 315

يسلم الامام» و عن الإيضاح «أن فيه قولين آخرين: أحدهما المبادرة إلى الانفراد لئلا يلزم مخالفة الإمام في الأفعال، لتعذر المتابعة، و الثاني المتابعة ثم حذف ما فعل كمن تقدم الإمام في ركوع أو سجود سهوا» و عن عميد الإسلام «أنه يحتمل ضعيفا فوات الجمعة، لأنه لم يحصل له مع الامام سجدتان في الأولى، و لا شي ء من أفعال الثانية، و الركعة إنما تتحقق بالسجدتين» و عن الفاضل احتماله في النهاية، كما أن مقرب المحكي عن التحرير «الصبر إلى تسليم الامام» و عن المنتهى «أنه الذي يقتضيه المذهب و لم يحتمل فيهما العدول إلى الانفراد عاجلا» قلت: لعل وجهه عدم جواز الانفراد اختيارا مطلقا أو في الجمعة، إلا أنه كما ترى ضعيف كضعف احتمال فوات الجمعة التي قد أدركت الركعة الأول منها بإدراك الركوع، فالأقوى التخيير المزبور له، و قد يحتمل وجوب الركوع عليه منفردا ثم يلحق الامام بالسجود، بل لعله لا مناص عنه مع تمكنه من القراءة، بل قد يقال به و إن لم يتمكن منها، لسقوطها للمتابعة أيضا، و لعل أخبار عبد الرحمن (1)الآتية تشهد لذلك أو بعضه كالفتاوى.

و لو لم يتمكن من السجود في ثانية الإمام أيضا حتى قعد الامام للتشهد ففي القواعد «أن الأقوى فوات الجمعة» و لعله لأن الإمام أتم ركعتيه و لم يتم هو ركعة، فإن تمام الركعة بتمام السجدتين، و عن المنتهى أنه فارق هذا الفرض ما تقدم، يعني إذا قضى السجدتين و أدرك الإمام رافعا رأسه من الركوع، إذ هو في الأول مأمور بالقضاء و اللحق به، فأمكن أن يقال إنه أدرك الجمعة بخلاف هذا، و فيه أن الأمر بالقضاء و اللحق به لا يصيره مدركا لتمام الركعة معه قطعا، فليس حينئذ إلا حكم ذلك باعتبار ما دل على إدراك الركعة بإدراك الركوع، و هو مشترك في الفرضين، و لعله لذا نسبه في الذكرى إلى قول مشعرا بنوع تردد فيه، بل عن نهاية الأحكام اختياره، لكن قال


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 و 3 و 4.

ج 11، ص: 316

فيها: «و إن لم يدركه حتى سلم فإشكال» و لعل وجه الفرق إدراك السجود في الأول حال صفة المأمومية بخلاف الثاني، و لذا حكي عن المنتهى أنه قال بعد ما سمعت: «أما لو لم يتمكن من السجود إلا بعد تسليم الامام فالوجه هاهنا فوات الجمعة قولا واحدا، لأن ما يفعله بعد السلام لم يكن في حكم صلاة الامام» و فيه ما عرفت إن لم ينعقد إجماع عليه و على تقدير الفوات هل يقلب نيته الى الظهر أو يستأنف؟ الأقرب كما في القواعد الثاني لتباين الصلاتين، و أصالة عدم العدول فيما لا نص فيه، خلافا للذكرى، فالأقوى الأول لاتحاد الصلاتين، و فيه منع، و لجواز العدول من اللاحقة إذا تبين أن عليه سابقه مع التباين من كل وجه، فهنا أولى، و هو قياس بل مع الفارق، و لأن الأصل البراءة من الاستئناف، و هو معارض بقاعدة الشغل.

و لو زوحم في ركوع الأولى بعد أن أدرك الجماعة قبله ثم زال الزحام و الامام راكع في الثانية أو قبل ركوعه فيها لحقه فركع معه بنية ركوع الأولى، و سجد معه بنية سجود الأولى، و تمت جمعته، و يأتي بالثانية بعد تسليم الإمام، إذ هو يدرك الجمعة بإدراك ركوع الثانية، و ما زاد من الأولى ليس مانعا من الإدراك، و في كشف اللثام أن له المبادرة إلى الانفراد على ما مر، و له أن يركع و يسجد قبل ركوع الامام ان أمكنه بل يجب ان أمكنه إدراك السجود أو ركوع الثانية، ل

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)«في الرجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ثم يقوم في الصف و لا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم، أ يركع ثم يسجد و يلحق بالصف و قد قام القوم أم كيف يصنع؟ قال: يركع و يسجد لا بأس بذلك»(2)

و خبره أيضا سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يكون في المسجد إما في يوم الجمعة و إما في غير ذلك فيزحمه الناس إما الى حائط و إما الى أسطوانة فلا يقدر


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 11، ص: 317

على أن يركع و لا يسجد حتى رفع الناس رؤوسهم، فهل يجوز أن يركع و يسجد وحده ثم يستوي مع الناس في الصف؟ قال: لا بأس بذلك»

مؤيدين بأن وجوب المتابعة مع الاختيار لا مع الاضطرار، و من ذلك ينقدح قوة ما ذكرناه سابقا من الاحتمال.

و على كل حال فما عن المنتهى و التحرير- من التردد فيه من الخبرين، و من أنه لم يدرك الركعة مع الامام، و أن الامام انما جعل إماما ليؤتم به، مع ضعف الخبر الثاني لاشتراك محمد بن سليمان في طريقه، و عدم نصوصية الأول في المقصود- في غير محله لما عرفت، و حينئذ فإن لحقه قبل الركوع أو

راكعا تبعه في الركوع و تمت له الركعتان كما صرح به في كشف اللثام، و ان لحقه و قد رفع رأسه من ركوع الثانية فمن التذكرة و النهاية أن في إدراكه الجمعة اشكالا، من أنه لم يدرك مع الامام ركوعا، و من إدراكه ركعة تامة مع الامام حكما، و يؤيده الخبران كما عن المنتهى و الذكرى، قلت: فيقوى حينئذ أنه يركع ثم يلحق الإمام في السجود، و لو لم يزل الزحام حتى رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فعن التذكرة و نهاية الأحكام أتمها ظهرا، و عن المعتبر أنه الأشبه بالمذهب، لكن في الثلاثة عدم التمكن حتى سجد الامام، قلت: يمكن القول بالركوع و السجود وحده و هو مأموم، و لعل الخبرين ظاهران في ذلك كما اعترف به في كشف اللثام.

هذا كله في الزحام عن الركوع الأولى و سجودها، و أما الزحام عن ركوع الثانية أو سجودها فلا تفوت الجمعة به قطعا و ان لم يأت بهما إلا بعد التسليم، و ما أجود ما عن نهاية الأحكام من أن الزحام عذر كالنسيان، و به

صحيح عبد الرحمن (1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن الرجل يصلي مع امام يقتدى به فركع الامام و سها الرجل و هو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه و انحط للسجود، أ يركع ثم يلحق بالإمام


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4.

ج 11، ص: 318

و القوم في سجود هم أو كيف يصنع؟ قال: يركع ثم ينحط و يتم صلاته معهم و لا شي ء عليه»

بل عنها أيضا «و كذا لو تأخر لمرض» ثم قال: «و لو بقي ذاهلا عن السجود حتى ركع الإمام في الثانية ثم تنبه فإنه كالمزحوم يركع مع الامام، و لو تخلف عن السجود عمدا حتى قام الامام و ركع في الثانية أو لم يركع ففي إلحاقه في المزحوم اشكال» و في كشف اللثام «من ترك الائتمام به عمدا مع أنه انما جعل إماما ليؤتم به، و من إرشاد الأخبار و الفتاوى في المزحوم و الناسي إلى مثل حكمهما في العامد» قلت: قد يقوى في خصوص الجمعة الأول باعتبار ظهور الأدلة في اشتراط صحتها بالجماعة التي لا ريب في فواتها بترك المتابعة، و عدم البطلان في غيرها لعدم الاشتراط لا يقضى به فيها، و المعذور ليس كغيره قطعا كما هو واضح بأدنى تأمل، بل قد يقال في المعذور: ان جمعته صحيحة بعد انعقاد الائتمام و ان فاتت المتابعة في جميع الركوعات و السجودات، و لعل الخبرين المزبورين يوميان الى ذلك، و الله أعلم.

[النظر الثالث في آداب الجمعة]

و أما آداب الجمعة ف منها الغسل و قد تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الطهارة و منها التنفل بعشرين ركعة زائدا على غيره من الأيام بأربع على المشهور نصا و فتوى، خلافا للمحكي عن الإسكافي فزاد ركعتين أخريين أيضا، فيكون المجموع اثنين و عشرين ركعة، قال: الذي يستحب عند أهل البيت (عليهم السلام) من نوافل الجمعة ست ضحوة، و ست ما بينها و بين انتصاف النهار، و ركعتا الزوال، و ثمان بين الفرضين، منها ركعتان نافلة العصر،

للصحيح (1)«عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال؟ قال: ست ركعات بكرة، و ست بعد ذلك اثنتي عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك ثمان عشر ركعة، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر، فهذه ثنتان و عشرون ركعة»

و هو كما ترى


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.

ج 11، ص: 319

لا يوافق المحكي عنه في الركعتين بعد العصر، و للصدوقين فلم يفرقا بينه و بين باقي الأيام إذا قدمت على الزوال أو أخرت عن المكتوبة،

للصحيح (1)«عن صلاة النافلة يوم الجمعة فقال: ست عشر ركعة قبل العصر، ثم قال: و كان علي (عليه السلام) يقول:

ما زاد فهو خير، و قال: إن شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار و ست ركعات في نصف النهار و يصلي الظهر و يصلي معها أربعة ثم يصلي العصر»

و

سأله (عليه السلام) سليمان بن خالد(2)أيضا عنها فقال: «ست ركعات قبل زوال الشمس، و

ركعتان عند زوالها، و القراءة في الأولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين، و بعد الفريضة ثمان ركعات»

و هما معا لا ينافيان دليل الزيادة، و لو سلم فهو أرجح منهما قطعا من وجوه، على أن المحكي عنهما من تفصيلها ينافي ذلك، قالا: «ست عند طلوع الشمس، و ست عند انبساطها، و قبل المكتوبة ركعتان، و بعدها ست، و إن قدمت كلها قبل الزوال أو أخرت إلى بعد المكتوبة فهي ست عشرة» و ظاهر هما الفرق بين التفريق و الجمع، قال في الذكرى: يلوح من كلام ابني بابويه ان النافلة ست عشرة لا غير كسائر الأيام و تفصيلهما السالف ينافيه و (إذ خ ل) هو عشرون، و يمكن حمله على أن العشرين وظيفة من فرق ذلك التفريق، و الست عشرة لمن قدم الجميع قبل الزوال أو أخر الجميع إلى ما بعده، فتأمل جيدا.

و كيف كان فيجوز فعل الجميع قبل الزوال بل يستحب وفاقا للأكثر نقلا في كشف اللثام إن لم يكن تحصيلا، لتظافر الأخبار(3)بإيقاع فرض الظهر فيه أول الزوال، و الجمع فيه بين الفرضين، و نفي التنفل بعد العصر على وجه لا يرجح عليها غيرها مما يقتضي خلاف ذلك، بل الرحمن في جنبها قطعا، و

قول الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 320

في خبر زريق (1): «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة»

و

صحيح علي بن يقطين (2)أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها قال: قبل الصلاة»

و غيرها من النصوص التي سيمر عليك بعضها إن شاء الله، و ما عن المنتهى من أن وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا، إذ يجوز فعلها فيه و في غيره، و تقديم الطاعة أولى من تأخيرها، خلافا لوالد الصدوق فجعل تأخيرها عن الفريضة أفضل، ل

خبر عقبة بن مصعب (3)سأل الصادق (عليه السلام) «أيهما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد الفريضة؟ فقال: بل تصليها بعد الفريضة»

و

خبر سليمان (4)سأله عن ذلك أيضا فقال: «تصليها بعد الفريضة أفضل»

و يمكن حملهما على ما إذا زالت الشمس و لم يتنفل، أو على أن التأخر لهما بالخصوص كان أفضل لعارض، و ظاهر المحكي عن المقنع التردد في ذلك، قال: «تأخيرها أفضل من تقديمها في رواية زرارة بن أعين (5)و في

رواية أبي بصير(6)تقديمها أفضل من تأخيرها».

و قد عرفت أن الأرجح فتوى و نصا الأول، و لكن يستحب تفريقها فيه ست عند انبساط الشمس، و ست عند ارتفاعها، و ست قبل الزوال، و ركعتان عند الزوال قبل تحققه وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام، ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر أبي بصير(7)المروي عن كتاب حريز: «ست بعد طلوع الشمس، و ست قبل الزوال إذا تعالت الشمس، و ركعتان قبل الزوال

» و

قول الكاظم (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 18.

ج 11، ص: 321

في الصحيح ليعقوب بن يقطين (1): «إذا أردت أن تتطوع يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار، و ستا قبل نصف النهار، و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة»

بناء على إرادة الانبساط من الارتفاع فيه، و ل

صحيح سعد بن سعد(2)سأل الرضا (عليه السلام) «عن الصلاة يوم الجمعة كم هي من ركعة قبل الزوال؟ قال:

ست ركعات بكرة، و ست بعد ذلك اثنتي عشرة ركعة، و ست ركعات بعد ذلك ثمان عشر ركعة، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة»

فإن البكرة و إن كانت أول اليوم من الفجر إلى طلوع الشمس أو تعم لكن كراهية التنفل بينهما و عند طلوع الشمس دعتهم إلى تفسيرها بالانبساط، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر مراد بن خارجة(3): «أما أنا فإذا كان يوم الجمعة و كانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صليت ست ركعات»

و

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر أبي بصير(4)الذي حكاه في السرائر نقلا من كتاب حريز: «إن قدرت أن تصلي يوم الجمعة عشرين ركعة فافعل ست ركعات بعد طلوع الشمس»

و لما كره التنفل بعد العصر و تظافرت الأخبار(5)بأن وقت صلاة العصر يوم الجمعة وقت الظهر في غيره، و روي (6)أن الأذان الثالث فيه بدعة، و كان التنفل قبلها يؤدي إلى انفضاض الجماعة رجحوا هذا الخبر على ما تضمن التنفل بين الصلاتين أو بعدهما، و لما تظافرت الأخبار(7)بأن وقت الفريضة يوم

الجمعة أول الزوال، و أنه لا نافلة قبلها بعد الزوال لزمنا أن نحمل «بعد الزوال» في الخبر على احتمال نسبه في الذكرى إلى الأصحاب، قال: «المشهور


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 18.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة.
6- 6 الوسائل- الباب- 49- من أبواب صلاة الجمعة.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الجمعة.

ج 11، ص: 322

صلاة ركعتين عند الزوال يستظهر بهما تحقق الزوال قاله الأصحاب» إلى آخره.

و

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن عجلان(1): «إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين، فإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة»

و

سأل الكاظم (عليه السلام) أخوه علي بن جعفر(2)في الصحيح «عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده فقال: قبل الأذان»

و

قال الرضا (عليه السلام) للبزنطي (3)كما في السرائر عن كتابه: «إذا قامت الشمس فصل ركعتين، و إذا زالت فصل الفريضة ساعة تزول»

فما في الرياض- بعد أن حكى الاستدلال المزبور بالصحيح المذكور قال: و في بعض هذه المقدمات لتصحيح الاستدلال به إشكال كدعوى الأكثرية على تقديم الركعتين على الزوال،

فإنه خيرة العماني خاصة كما يظهر من جماعة مدعين على استحباب تأخيرها عنه الشهرة، و الصحيحة المتقدمة بذلك صريحة- لا يخفى ما فيه خصوصا بعد قوة ما عرفت بالنسبة إلى الصحيحة، و الصحيحة المتقدمة بذلك صريحة- لا يخفى ما فيه خصوصا بعد قوة ما عرفت بالنسبة إلى الصحيحة، و أما ما في

خبر سليمان بن خالد(4)المحكي في السرائر عن كتاب البزنطي سأل الصادق (عليه السلام) «أيما أفضل أقدم الركعتين يوم الجمعة أو أصليهما بعد الفريضة؟ قال: صلهما بعد الفريضة»

فيترجح ما سمعت عليه من وجوه، على أنه يجوز أن يكون سأله و قد زالت الشمس أو سأله عن فعلهما إذا تحقق الزوال و كان التأخير له أولى به أو متعينا لتقية أو غيرها.

و على كل حال فما عن الحسن بن أبي عقيل- من الصلاة إذا تعالت الشمس ما بينها و بين الزوال أربع عشرة ركعة و بين الفريضتين ستا كذلك فعله رسول الله (صلى الله عليه و آله) فإذا خاف الامام بالتنفل تأخير العصر عن وقت الظهر في


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 14.

ج 11، ص: 323

سائر الأيام صلى العصر بعد الفراغ من الجمعة و تنفل بعدها ست ركعات، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان ربما يجمع بين صلاة الجمعة و العصر- لا مستند لجميع ما

ذكره بحيث يكون صالحا لمعارضة ما سمعت، إذ هو

صحيح ابن يقطين (1)المتقدم الذي فيه مضافا إلى ما سمعت «و ست بعد الجمعة»

و

خبر البزنطي (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «ست في صدر النهار، و ست قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت، و ست بعد الجمعة»

و خبر أبي بصير في الجملة(3)، و الجميع كما ترى لا يوافق جميع ما ذكره، على أنه يمكن إرادة الانبساط من الارتفاع في الأول كما عرفته سابقا، كما أنه يمكن إرادة ابن أبي عقيل الانبساط من التعالي، فلا يكون مخالفا للأصحاب في ذلك، بل ينحصر خلافه في وظيفة فعل الست بين الفرضين، و الأمر سهل بعد كون الحكم ندبيا.

و إلا فلو أخر النافلة أجمع إلى بعد الزوال جاز، و لكن أفضل من ذلك تقديمها موزعا لها على حسب ما عرفت، و يجوز غيره،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن حنظلة(4): «صلاة التطوع يوم الجمعة إن شئت من أول النهار و ما تريد أن تصليه يوم الجمعة فإن شئت عجلته فصليته من أول النهار، أي النهار شئت قبل أن تزول الشمس»

كما عرفت و حينئذ ف ان صلى بين الفرضين ست ركعات من النافلة جاز كما سمعته من ابن أبي

عقيل و الأخبار السابقة، و عن ابن طاوس في جمال الأسبوع لعل ذلك لمن لا يقدر على تقديمها لعذر، و أيده بأن الأدعية الواردة بينها على التأخير و ردت الرواية انه يقولها مترسلا كعادة المستعجل بضرورات الأزمان،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 18.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة الحديث 8.

ج 11، ص: 324

و ألفاظها مختصرة كأنها على قاعدة من ضاق الوقت عليه، بل لا بأس بجعل ثمان بينهما كما تقدم في خبر سليمان بن خالد، بل ظاهر ابن الجنيد أن ذلك هو الوظيفة كما سمعته سابقا، و أن خلافه مع الأصحاب في ذلك و في زيادة ركعتين، إذ الضحوة في كلامه يمكن إرادة الانبساط منها.

قال في كشف اللثام: «الضحوة ما بعد طلوع الشمس قبل الضحى كما في العين و الصحاح و الديوان و المحيط و شمس العلوم و غيرها، فلا يخالف المشهور إلا في زيادة ركعتين على العشرين، و هي موجودة في خبر سعد بن سعد المتقدم، و فيه أنهما بعد العصر، و لا يأباه كلام أبي علي، و أرسل الشيخ في المصباح (1)عن الرضا (عليه السلام) نحو ما رواه سعد، و ليس فيه هاتان الركعتان، و في تأخر ست عن الفريضة، و ستسمع جوازه، و لكن

روى الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد ابن أبي نصر(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «النوافل يوم

الجمعة ست ركعات بكرة، و ست ركعات ضحوة، و ركعتين إذا زالت الشمس، و ست ركعات بعد الجمعة»

و هو يعطي إما كون الضحوة بمعنى الضحى كما في المهذب، أو بعده كما في المفصل و السامي، أو فعل الست الأول قبل طلوع الشمس» انتهى لا يخلو بعضه من نظر.

و كيف كان فهل الجميع نافلة الظهرين، أو الجميع نافلة اليوم، أو الأربع نافلة اليوم: و الباقية نافلة الظهرين؟ أوجه، قطع ابن فهد في المحكي عنه بالثالث، قال: «فلا يسقطها يعني الأربع السفر، و لا يقضى» و عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد «التخيير بين أن ينوي بالجميع نافلة الجمعة و أن ينويها بالأربع و ينوي نافلة الظهر بثمان و نافلة العصر بثمان» قلت: الأولى الاقتصار على نية القربة من غير تعرض لشي ء من ذلك.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى عموم استحباب فعل النافلة المزبورة لمن يصلي الجمعة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 19.

ج 11، ص: 325

أو الظهر، و

قال الرضا (عليه السلام) في خبر الفضل(1) : «إنما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم و تفرقة بينه و بين سائر الأيام»

لكن عن نهاية الأحكام «أن السر في العشرين أن الساقطة ركعتان، فيستحب الإتيان ببدلهما،

و النافلة الراتبة ضعف الفرائض» و مقتضاه اختصاص ذلك بمن يصلي الجمعة، اللهم إلا أن يريد به بيان أصل الحكمة فيه، و الله أعلم.

و منها أن يباكر المصلي إلى المسجد الأعظم الذي تصلى فيه الجمعة: أي يكون فيه بكرة بلا خلاف أجده فيه، لأنه مسارعة إلى الخير، و

قول أبي جعفر (عليه السلام)(2): «إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة و أقلام من ذهب، فيجلسون على أبواب المساجد على كراس من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول و الثاني حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الامام طووا صحفهم و لا يهبطون في شي ء من الأيام إلا يوم الجمعة»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (3): «إن الجنان لتزخرف و تزين يوم الجمعة لمن أتاها، و إنكم لتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة»

و في

خبر جابر(4)«إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك، و كان يقول: إن لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل رمضان على سائر الشهور»

و

عن النبي (صلى الله عليه و آله)(5)«من غسل و اغتسل و بكر و ابتكر و استمع و لم بلغ كفر ذلك ما بين الجمعتين»

و

عنه (صلى الله عليه و آله)(6)أيضا «من


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
5- 5 تيسير الوصول ج 2 ص 277 مع الاختلاف.
6- 6 المستدرك- الباب- 21- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.

ج 11، ص: 326

اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، و من راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، و من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة»

و ظاهره توزيع الزمان من الفجر أو طلوع الشمس إلى الزوال خمس حصص، عبر عن كل حصة منها بساعة من غير فرق بين يوم الشتاء و الصيف و الخريف و الربيع، و لعل ذكر غسل الجنابة مما يؤيد إرادة طلوع الفجر الثاني، لأنه هو الذي يغتسل من الجنابة في تلك الليلة عنده.

و في المحكي عن التذكرة «المراد بالساعة الأولى هنا بعد الفجر، لما فيه من المبادرة إلى الجامع المرغب فيه و إيقاع صلاة الصبح فيه، و لأنه أول النهار» بل قد يظهر من نهاية الأحكام أنه لا خلاف فيه عندنا، قال

فيما حكي عنها: «الأقرب أنها يعني الساعات من طلوع الفجر الثاني، لأنه أول اليوم شرعا، و قال بعض الجمهور: من طلوع الشمس لأن أهل الحساب منه يحسبون اليوم و يقدرون الساعات، و قال بعضهم: من وقت الزوال، لأن الأمر بالحضور حينئذ يتوجه عليه، و بعيد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الأمر فيه أعظم، و لأن الرواح اسم للخروج بعد الزوال، و ليس بجيد، لاشتمال الحضور قبل الزوال على الحضور حال الزوال و زيادة، فزاد الثواب باعتباره، و ذكر الرواح لأنه خروج لأمر يؤتى به بعد الزوال- قال- و ليس المراد من الساعات الأربع و العشرون التي ينقسم اليوم و الليلة عليها، و إنما المراد ترتيب الدرجات و فضل السابق على الذي يليه، إذ لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى السابق و المسبوق إذا جاءا في ساعة واحدة على التساوي، و لاختلف الأمر باليوم الشاتي و الصائف، و لفاتت الجمعة إن جاء في الساعة الخامسة» و ناقشه في كشف اللثام بأن الاختلاف و الفوت على الساعة المستقيمة، و الأخبار منزلة على المعوجة، و قد يستوي السابق

ج 11، ص: 327

و المسبوق في إدراك فضل من قرب بدنة مثلا و إن كان بدنة السابق أفضل و استحباب تأخير غسل الجمعة و إتيان الأهل في الجمعة، و خبر جابر(1)قد يؤيد أن اعتبار الساعات من طلوع الشمس.

قلت: كأن مراده تنزيل أخبار الأربعة و العشرين على المعوجة، فلا تنافي حينئذ حمل الساعات هنا عليها كما تخلية الفاضل، لكن فيه أولا أنه لا دليل على أفضلية بدنة السابق في تلك الساعة، و ثانيا أنه لا يتم عليه ما هو ظاهر الخبر من حصر قسمة الزمان في الخمس، فلعل ما ذكرناه من إرادة الحصص المزبورة أولى، كما أن ما ذكره من التأييد للاعتبار من طلوع الشمس فيه ما لا يخفى، ضرورة أن استحباب تأخير الغسل إلى ما قبل الزوال كما عرفته في محله ينافي بظاهره أصل استحباب التبكير كما سمعت الكلام فيه مفصلا في الأبحاث السالفة، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

و على كل حال فيستحب له التبكير أو إتيان المسجد بعد أن يحلق رأسه و يقص أظفاره أو حكها إن قصت يوم الخميس و يأخذ من شاربه لكن ليس شي ء منهما شرطا في استحبابه قطعا، و قيد الأول في الرياض تبعا لكشف اللثام بالاعتياد حاكيا له عن التذكرة و النهاية، قال في الثاني: و إلا غسل رأسه بالخطمي كذا في التذكرة و نهاية الأحكام، و بالجملة يستحب تنظيف الرأس بالحلق أو بالغسل أو بهما، و الغسل بالخطمي كل جمعة أمان من البرص و الجنون على ما في خبر ابن بكير(2)عن الصادق (عليه السلام)، و ينفي الفقر و يزيد في الرزق إذا جامع قص الأظفار و الشارب على ما في خبر محمد بن طلحة(3)عنه (عليه السلام)، و في

خبر ابن سنان (4)عنه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 328

«إن من فعل الثلاثة يوم الجمعة كان كمن أعتق نسمة»

و فيه أولا أنه لم نقف على ما يدل على أصل استحباب الحلق فضلا عن أن يكون مقيدا بالاعتياد سوى ما قيل من دخوله تحت التزيين الذي هو مطلق كالفتاوى، و نحوه إطلاق غسل الرأس بالخطمي من دون تقييد بعدم اعتياد الحلق، نعم لا بأس بتقييده بالاحتياج اليه كقص الأظفار و أخذ الشارب المطهرين له المؤمنين له من الجذام، و يزيدان في الرزق، و الشارب على ما في فقه اللغة للثعالبي «شعر الشفقة العليا» و عن مصباح الفيومي «الشعر الذي يسيل على الفم» و الديوان «شاربا الرجل ناحيتا سبلته» و عن العين «الشاربان ما طال من ناحيتي السبلة، و منه سمي شارب السيف، و بعض يسمي السبلة كلها شاربا واحدا، و ليس بصواب» و نحوه عن تهذيب اللغة، و عن المحيط «الشاربان ما طال من ناحيتي السبلة» و الأمر سهل بعد أن كفى العرف مئونة ذلك كله.

و منها أن يكون على سكينة و وقار كما في النص (1)و الفتوى، و المراد بهما إما واحد هو التأني في الحركة إلى المسجد كما

روي (2)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، و أتوها تمشون و عليكم السكينة»

أو في الحركات ذلك اليوم كما احتمله في كشف اللثام، و إن كان هو كما ترى، أو المراد بأحدهما الاطمئنان ظاهرا و بالآخر قلبا، أو التذلل و الاستكانة ظاهرا و باطنا، كل ذلك إما عند إتيان المسجد أو في اليوم كما

قال الصادق (عليه السلام) في خبر هشام بن الحكم (3)«و ليكن عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار»


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 و الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة.
2- 2 صحيح البخاري ج 2 ص 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.

ج 11، ص: 329

و أن يكون متطيبا لابسا أفضل ثيابه و أفخرها و أنظفها و أن يدعو أمام توجهه إلى المسجد بالمأثور في

خبر أبي حمزة الثمالي (1)«اللهم من تهيأ و تعبأ» إلى آخره

و غيره و أن يكون الخطيب بليغا مراعيا لما يقتضيه الحال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد و عن الابتذال لتكون موعظته جالبة للقلوب مؤثرة فيها، و يتوجه الناس إلى الإصغاء إليها، و في الذكرى «يستحب كونه بليغا بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد و بين البلاغة، و هي بلوغه بعبارته كنه ما في نفسه مع الاحتراز عن الإيجاز المخل و التطويل الممل» و عن دلائل

الإعجاز «أنه لا معنى لها إلا وصف الكلام بحسن الدلالة و تمامها، فما كانت دلالته أتم يترجمها في صورة هي أبهى و أزين و آنق و أعجب و أحق بأن يستولي على هوى النفوس، و ينال الحظ الأوفر من ميل القلوب، و أولى بأن يطلق لسان الحامد و يطيل رغم الحاسد- قال-: و لا جهة لاستكمال هذه الخصال غير أن يأتي المعنى من الجهة التي هي أصلح لتأديته، و يختار له اللفظ الذي هو أخص به و أكشف عنه و أتم له و أخرى بأن يكسبه نيلا، و يظهر به مزية» و عن نهاية الأحكام «بحيث لا يكون مؤلفة من الكلمات المتبدلة، لأنها لا تؤثر في القلوب، و لا من الكلمات الغريبة الوحشية، لعدم انتفاع أكثر الناس بها، بل تكون قريبة من الأفهام ناصة على التخويف و الإنذار».

و أن يكون مواظبا على الصلوات في أول أوقاتها و على الائتمار بما أمر به و الانزجار عما نهي عنه ليكون له وقع في النفوس، فتكون موعظته أوقع في القلوب.

و يكره له أي الخطيب الكلام في أثناء الخطبة بغيرها إذا لم يكن مفوتا لهيئتها و سالبا لصدق المراد شرعا منها، و إلا حرم الاجتزاء بها و وجب استئناف غيرها و كأن وجه الكراهة- مضافا إلى انفصام نظام الخطبة الموجب للوهن في الإبلاغ


1- 1 التهذيب ج 3 ص 142- الرقم 316 من طبعة النجف.

ج 11، ص: 330

و الإنذار و الحمد و الثناء- ضيق الوقت و انتظار المأمومين الذين يسأمون و لا يخلون غالبا عن حاجات ربما تفوت لطول المكث، بل ربما قيل بالحرمة، بل في الذكرى «الظاهر أن تحريم الكلام مشترك بين الخطيب و السامعين، أو الكراهية إلا لضرورة» و نحو منه غيره، بل كأنه مال إليه في الرياض، و لعله للتنزيل منزلة الصلاة في الخبرين (1)السابقين و إن كان فيه ما عرفت كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا، فلاحظ و تأمل، و لا تغفل عما ذكرناه هناك من النصوص المشتملة على وقوع الكلام منه (صلى الله عليه و آله) في الأثناء، و الله أعلم.

و يستحب أن يتعمم شاتيا كان أو قاضيا، و يرتدي ببردة يمنية للخبر(2)و لأن المعتم و المرتدي أو قر في النفوس، و اليمينية كبردة ضرب من برود اليمن، و الإضافة كما في شجر أراك، و بخصوصها

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة(3): «و يرتدي ببردة يمنية أو عدني»

و أن يسلم على الناس أولا قبل الشروع في الخطبة ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مرفوع عمر بن جميع (4): «من السنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس»

و إرسال الرواية غير قادح بعد العمل بها و كون الحكم استحبابيا، و خصوصا بعد مشروعية مطلقه و شهادة الاعتبار هنا بحسنه، فما عن الخلاف من عدم الاستحباب للأصل المقطوع بما

عرفت في غير محله، بل عن التذكرة و نهاية الأحكام «التسليم مرتين: مرة إذا دنا من المنبر سلم على من عنده، لاستحباب التسليم لكل وارد، و أخرى إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود و استقبل الناس


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4 و الفقيه ج 1 ص 269- الرقم 1228 المطبوع في النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1 و هو مرفوع عمرو بن جميع.

ج 11، ص: 331

فسلم عليهم بأجمعهم» قال: و لا يسقط بالتسليم الأول، لأنه مختص بالقريب من المنبر و الثاني عام، و على كل شق يجب رده، لأنه تحية كما هو واضح.

و أن يكون معتمدا على شي ء من قوس أو عصا أو سيف أو نحو ذلك، للنصوص (1)و الاعتبار و أن يسلم أولا و أن يجلس أمام الخطبة على المستراح و هو الدرجة من المنبر فوق التي يقوم عليها للخطبة، و ذلك ليستريح من تعب المسير و الصعود و لأنه لا فائدة لقيامه حال الأذان، و للتأسي،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر عبد الله بن ميمون(2): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذن»

و لا ينافيه

حسن حريز عن محمد بن مسلم (3)«يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب»

هذا.

و قد تقدم الكلام مفصلا في بحث القراءة فيما يتعلق بقوله هنا و إذا سبق لسان الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى الجمعة، و كذا في الثانية يعدل إلى سورة المنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة الجحد و التوحيد و كذا في قوله:

و يستحب الجهر بالظهر في يوم الجمعة فلاحظ و تأمل.

و من يصلي ظهرا منفردا و لا تجب عليه الجمعة فالأفضل إيقاعها في المسجد الأعظم للعمومات، و خصوص تبكير جعفر (عليه السلام)(4)و إذا لم يكن إمام الجمعة ممن يقتدى به جاز أن يقدم المأموم صلاته على الإمام لأن

أبا جعفر (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2 و سنن البيهقي ج 3 ص 206.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 2 و فيه« كان أبو جعفر ع يبكر. إلخ» كما تقدم في ص 325.

ج 11، ص: 332

سأل أبا بكر الحضرمي (1)عما يصنعه يوم الجمعة؟ فقال: «أصلي في منزلي ثم أخرج فأصلي معهم، فقال (عليه السلام): كذلك أصنع أنا»

و لو صلى معه ركعتين بنية الظهر الرباعية و أتمهما بعد تسليم الامام ظهرا كان أفضل كما كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يفعله على ما في صحيح حمران (2)و فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما في حسن زرارة(3)و في

صحيح حمران (4)أيضا عن الصادق (عليه السلام) «إن في كتاب علي (عليه السلام) إذا صلوا الجمعة فصلوا معهم، و لا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين أخريين، قال: فأكون قد صليت أربعا لنفسي لم أقتد بهم فقال: نعم»

لكن قد يناقش في ثبوت الأفضلية من ذلك كله، إلا أن الأمر سهل بعد التسامح، و قد تقدم الكلام سابقا عند البحث في وجوب الجمعة في جواز الاقتداء بهم فيها تقية و الاعتداد بها، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم بأحكامه، و له الشكر على توفيقه و إنعامه.

[الفصل الثاني في صلاة العيدين]
اشاره

الفصل الثاني في صلاة العيدين الفطر و الأضحى من العود و إن كان الجمع أعياد على غير قياس ردا لجمع الأشياء إلى أصولها، للزوم الياء في مفردة، و للفرق بين جمعه و جمع عود الخشب

[النظر يقع فيها و في سننها]
اشاره

و على كل حال ف النظر يقع فيها و في سننها،

[النظر الأول في شروط صلاة العيدين]

و هي واجبة على الأعيان إجماعا منا بقسميه، بل لعل المحكي منه متواتر كالنصوص (5)بل فيها ما يظهر(6)منه أنه المراد من قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 4 و لكنه لا يطابق لما ذكره في الجواهر.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة العيد.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4 و تفسير ابن كثير ج 4 ص 559 و تفسير ابن جزي ج 4 ص 220.

ج 11، ص: 333

تعالى (1)«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» و قوله تعالى (2)«فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» و يؤيده إطلاق اسم الفريضة عليها في جملة(3)منها، إلا أنه قد ينافيه

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(4): «صلاة العيدين مع الإمام سنة»

الذي حمله الشيخ على إرادة ما علم وجوبه من السنة لا من القرآن، اللهم إلا أن يقال ذلك من السنة أيضا باعتبار عدم صراحة القرآن فيه بحيث لا يحتاج إلى السنة، فان ذلك المسمى بالفريضة في مقابل السنة، و الأمر سهل.

و كيف كان فلا ريب في أصل الوجوب، نعم هو مع وجود الامام (عليه السلام) بالشرائط المعتبرة في الجمعة بلا خلاف أجده فيه فيما عدا الخطبة، بل في جامع المقاصد «أنه اتفاقي للأصحاب» و في الانتصار «الإجماع على وجوبهما على كل من وجبت عليه صلاة الجمعة و بتلك الشروط» و نحوه عن الناصرية، و في الخلاف «الإجماع على أنها فرض على الأعيان، و لا تسقط

إلا عمن تسقط عنه الجمعة» و فيه أيضا «العدد شرط في وجوب صلاة العيد، و كذلك جميع شرائط الجمعة، دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا فإذا ثبت أنه فرض وجب اعتبار العدد فيها، لأن كل من قال بذلك اعتبر العدد، و ليس في الأمة من فرق بينهما» و في المعتبر «صلاة العيدين فريضة على الأعيان مع شرائط الجمعة، و هو مذهب علمائنا أجمع» و فيه أيضا «و يشترط في وجوبها شروط الجمعة، لأن النبي (صلى الله عليه و آله) صلاها مع شرائط الجمعة، فيقف الوجوب على صورة فعله، و لأن كل من قال بوجوبها على الأعيان اشترط ذلك» إلى آخره.

قيل: و نحوه التذكرة و نهاية الأحكام، و عن المنتهى «لا خلاف فيه بين علمائنا».


1- 1 سورة الأعلى- الآية 14 و 15.
2- 2 سورة الكوثر- الآية 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة العيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.

ج 11، ص: 334

مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1)في العيدين: «إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»

و إلى المعتبرة(2)المستفيضة القريبة من التواتر بل المتواترة في اعتبار الامام و الجماعة فيها، و جملة(3)منها و إن نكرت الامام و قابلت الجماعة بالواحدة بحيث يستشعر منها كون المراد من الامام فيها مطلق إمام الجماعة لكن جملة أخرى (4)منها عرفته باللام، فيظهر أن المقصود فيها من التنكير

ليس ما ذكر، و إلا لما عرف، و حينئذ فيحمل على ما هو عند الإطلاق و التجرد عن القرينة متبادر، و مقابلة الوحدة بالجماعة ليس فيها ذلك الاشعار المعتد به، سيما على القول بمنع اعتبار الجماعة فيها مع فقد الشرائط، مع أنه على تقدير تسليمه معارض بظاهر

الموثق (5)عن الصادق (عليه السلام) بل صريحه «قلت له: متى تذبح؟

قال: إذا انصرف الامام، قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال: إذا استقلت الشمس، و قال: لا بأس أن تصلي وحدك، و لا صلاة إلا مع إمام»

على أنك قد عرفت في الجمعة ما يظهر منه أن المراد بالإمام في أمثال هذه المقامات المعصوم (عليه السلام) أو نائبه، فلاحظ و تأمل.

كما أنك عرفت ما يقضي باشتراطه في الجمعة و العيد من دعاء الصحيفة السجادية(6)و غيره، بل قد عرفت ما يقضي باتحاد الجمعة و العيد، و انه اعتبر ما اعتبر في الأولى لأنها عيد، و أنه لاتحادهما استغنى بحضور العيد عنها عند اجتماعهما كما ستعرف أيضا، بل لا يخفي

ظهور الصحيح-(7)«قال الناس لأمير المؤمنين (عليه السلام): لو أمرت من يصلي


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
6- 6 ص 277- رقم الدعاء 48.
7- 7 المستدرك- الباب- 14- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2 لكن رواه عن الدعائم.

ج 11، ص: 335

بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد قال: أكره أن استن سنة لم يستنها رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و في الرياض و نحوه المروي في البحار عن كتاب عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام)، و عن كتاب المجالس عن رفاعة(2)عنه (عليه السلام)، و خبر محمد بن مسلم (3)عن الباقر (عليه السلام)- في أن صلاة العيد بنصب الامام و إذنه، و إلا لما استأذنوه، كما أنه لا يخفي ظهورها في اعتبار الوحدة فيها على حسب ما سمعته في الجمعة، مضافا إلى الإجماع المزبور على ذلك، فما عن تذكرة الفاضل و نهايته من التوقف فيه بل كأنه مال إليه في المدارك لا يخلو من نظر.

نعم قد يتجه ما ذكره الشهيد و من تأخر عنه كما قيل من أن هذا الشرط إنما يعتبر مع وجوب الصلاتين، فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمتنع التعدد اقتصارا في تقييد الإطلاق المقتضي للصحة على المتيقن، و استظهارا م ما دل (4)على جوازها فرادى من النصوص مع انتفاء الجماعة أنه لا يعتبر في المندوب منها ما يعتبر في الواجب، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و قد تلخص من ذلك كله اعتبار ما عدا الخطبتين في العيد كالجمعة من السلطان أو نائبه و العدد و الجماعة و الاتحاد، إلا أنه

قد يفرق بينهما في الأول بأن المختار في الجمعة كما عرفت اشتراط ذلك في العينية، أما التخيير فلا، إلا أنه لما كان غير متصور في العيد باعتبار عدم فرد آخر لم يكن له وجه سوى جواز الترك، بل عن روض الجنان أنه لا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب، و إن كان ما في الجمعة من


1- 1 المستدرك- الباب- 14- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
2- 2 البحار ج 18 ص 859 من طبعة الكمباني لكن رواه عن المحاسن.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد.

ج 11، ص: 336

الدليل يتمشى هنا، إلا أنه يحتاج إلى القائل، و لعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا بخلاف الجمعة أن الواجب الثابت في الجمعة إنما هو التخيير كما مر، أما العيني فهو منتف بالإجماع، و التخييري في العيد غير متصور، إذ ليس معها فرد آخر يخير بينها و بينه، فلو وجبت لوجبت عينا، و هو خلاف الإجماع، لكن و مع ذلك كله وسوس سبطه في المدارك في ذلك و تبعه عليه غيره، و ناقش فيما دل على اشتراط الإمام في الوجوب إلى أن قال: «لا منافاة بين كون الوجوب في الجمعة تخييريا و في العيد عينيا إذا اقتضته الأدلة، و بالجملة فتخصيص الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه التمحلات لا يخلو من إشكال، و ما ادعوه من الإجماع فغير صالح للتخصيص، لما بيناه غير مرة من أن الإجماع إنما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الامام (عليه السلام) في أقوال المجمعين، و هو غير متحقق هنا، و مع ذلك فالخروج عن كلام الأصحاب مشكل، و اتباعهم بغير دليل أشكل» و هو كما ترى.

و أما الثاني فقد سمعت صحيح الحلبي (1)المكتفي فيه بالخمسة، لكن عن ابن أبي عقيل ذهب إلى اشتراط السبعة هنا مع أنه اكتفي في الجمعة بالخمسة، و الظاهر أنه رواه، لأنه قال في المحكي عنه: لو كان إلى القياس لمكانا جميعا سواء، لكنه تعبد من الخالق سبحانه، و لم نقف على روايته، و الاعتماد على المشهور للصحيح المزبور المعتضد بإطلاق أدلة الوجوب و غيره.

و أما الثالث فستعرف الكلام فيه، كما أنك عرفت الكلام في الرابع، و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في الخطبتين، و ظاهر المتن و غيره ممن اعتبر فيها شرائط الجمعة


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 337

وجوبهما لها أيضا، بل قد سمعت معقد إجماع الخلاف و غيره مما لم يستثن فيه الخطبتان كما هو ظاهر عبارة الأكثر، قال في كشف اللثام: إنه نص الشيخ في المبسوط و الجمل و الاقتصاد و الحلبيان و الكيدري و بنو حمزة و إدريس و سعيد و المحقق في كتبه مع استحبابه لهما في المعتبر على اشتراط وجوب صلاة العيد بشروط صلاة الجمعة مع نصهم على كون الخطبتين من شروطها، و في المبسوط و الجامع النص على الاشتراط بهما هنا أيضا و نص ابن زهرة و القاضي في المهذب على اشتراطها بالممكن فيها، و في الكشف أيضا قبل ذلك و يجب

الخطبتان بعدها إن وجبت كما في المراسم و الوسيلة و السرائر و جمل العلم و العمل و شرحه للقاضي، و فيه أنهما واجبتان عندنا، و في التذكرة واجبتان كما قلنا للأمر و هو للوجوب، و قال الجمهور بالاستحباب، و في الرياض لم نقف على مصرح بالندب سوى ما في المعتبر و النزهة، و عن مصابيح الظلام لم أجد قائلا بالاستحباب غير ما نقل عن المعتبر، و في

خبر ابن يقطين (1)عن العبد الصالح (عليه السلام) «تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة»

و في

خبر سليمان بن خالد(2)عن الصادق (عليه السلام) «كبر ست تكبيرات و اركع بالسابعة، ثم قم في الثانية فاقرأ ثم كبر أربعا و اركع بالخامسة، و الخطبة بعد الصلاة»

و في

مضمر معاوية(3)«سألته عن صلاة العيدين فقال: ركعتان- إلى أن قال-: و الخطبة بعد الصلاة، و إنما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان، و إذا خطب الامام فليقعد بين الخطبتين قليلا»

و في

صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) في صلاة العيدين «الصلاة قبل الخطبتين بعد القراءة سبع في الأولى و خمس في الأخيرة، و

كان أول من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا فلما رأى ذلك قدم الخطبتين و احتبس الناس


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.

ج 11، ص: 338

للصلاة»

و في

خبر أبي الصباح الكناني (1)عن الصادق (عليه السلام) «و الخطبة في العيدين بعد الصلاة»

و في

خبر العلل و العيون (2)عن الرضا (عليه السلام) «إنما جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أول الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم تكون في الشهور و السنة كثيرا، و إذا كثر على الناس ملوا و تركوا و لم يقيموا عليها و تفرقوا عنه، و أما العيد إنما هو في السنة مرتين، و الناس فيه أرغب، فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم»

و في

خبر محمد بن قيس (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «المواعظ و التذكر يوم الأضحى و الفطر بعد الصلاة»

و

قال زرارة(4)لأبي عبد الله (عليه السلام): «أدركت الامام على الخطبة فقال له: تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم تقوم فتصلي، قلت: القضاء أول صلاتي أو آخرها؟ قال: لا بل أولها، و ليس ذلك إلا في هذه الصلاة، قلت: فما أدركت مع الامام و ما قضيت؟ فقال: أما ما أدركت من الفريضة فهو أول صلاتك، و ما قضيت فآخرها»

إلى غير ذلك مما لا أمر فيه صريح بالخطبتين، و لذا قال في كشف اللثام: لم أظفر بالأمر في خبر، و لكن رأيت

فيما قد ينسب إلى الرضا (عليه السلام)(5)«لا تكون إلا بإمام و خطبة»

و فيه أن ظهور الأمر في النصوص المزبورة و لو بعد الانجبار بما سمعت كاف.

لكن في الدروس «أن المشهور الاستحباب» و في الذكرى «أنه المشهور في ظاهر الأصحاب» و في البيان «أكثر الأصحاب لم يصرحوا بوجوب الخطبتين» و في المعتبر «أن على استحبابهما الإجماع و فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و الصحابة و التابعين» إلا أنه يمكن- بل لعله الظاهر بقرينة عدم التصريح بالاستحباب ممن تقدمه عدا النزهة،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
5- 5 المستدرك- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 339

بل قد عرفت التصريح و الظهور بخلافه، و عدم دلالة الفعل على الندب، لأن المحكي عنهم

الخطبة لا تركها- إرادة شرعيتهما و الرجحان من معقد الإجماع لا الاستحباب بالمعنى الأخص كما اعترف به في كشف اللثام، لكن دعوى الشهيد الشهرة المزبورة لا تخلو من غرابة، اللهم إلا أن يكون قد نزل عبارة الأصحاب اشتراط ما يشترط في الجمعة في العيد على ما عدا الخطبة كما هو مقتضى التدبر في عبارة المعتبر منهم، بل ما حكوه من الإجماع على عدم وجوب حضورها و استماعها يومي إلى ذلك، قال في المحكي عن المنتهى:

«لا يجب على المأمومين استماعهما و لا حضورهما بغير خلاف» و التذكرة «إجماعا» و التحرير «الإجماع على عدم وجوب الاستماع» إلى غير ذلك.

مضافا إلى

صحيح الحلبي (1)«ان الجمعة و العيد اجتمعا في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) فخطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد و الجمعة»

و إلى استبعاد توقف صحة السابق عليها، ضرورة أن الغالب في الشرائط السبق أو الاقتران، و لعله لذا كان خيرة العلامة في القواعد وجوبهما تعبدا لا شرطا، إلا أنه لا يخفي عليك ما في الجميع، و أنه لا صلاحية له لمعارضة ما سمعت مما يدل على الوجوب و الشرطية من النصوص التي ذكرتهما في الكيفية و غيرها، و أومأت إلى أنهما في العيد كالخطبتين في الجمعة، بل ربما تقدم في بحث الجمعة ما يومي إلى أن الخطبتين في الجمعة

لأنها عيد، فلاحظ و تأمل، و عدم وجوب الاستماع لا ينافي الوجوب كما هو مذهب البعض في الجمعة، على أنه يمكن منعه كالحضور بالنسبة إلى البعض، نعم عدم الوجوب مسلم بالنسبة إلى الجميع، أما البعض فلا فيكون الوجوب حينئذ كفائيا و إن كان شرطيا،

و قول النبي (صلى الله عليه و آله)(2): «إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، و من أحب أن يذهب فليذهب»


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 كنز العمال- ج 4 ص 315- الرقم 6413 و 6430.

ج 11، ص: 340

غير ثابت من طرقنا المعتبرة، نعم

عن ولد الشيخ أنه رواه في مجالسه بسنده إلى ابن جريح عن عطا عن عبد الله بن السائب (1)قال: «حضرت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم عيد فلما قضى صلاته قال»

إلى آخره. مع إمكان إرادة عدم حبس الجميع كما أومى إليه في خبر العلل (2).

كما أن عدم وجوبهما مسلم لو صليت فرادى، لعدم تعقل الخطبة حينئذ، بل يمكن أن يكون كالفرادى لو صليت جماعة بواحد و نحوه، بل و بالعدد في مثل هذا الزمان أو غيره مما لا تكون واجبة فيه، فان احتمال وجوب الخطبتين حينئذ شرطا بعيد، فينحصر البحث حينئذ في وجوبهما حال وجوب الصلاة، و قد عرفت قوة القول به، و أن عدم وجوب الاستماع لا يدل على عدم وجوبهما، بل عن الأستاذ الأكبر «ليس

دلالته إلا من انحصار الغرض منها فيه، و هو كما ينافي الوجوب ينافي الاستحباب، و كما لم يقل أحد بالوجوب الشرطي: أي إن استمعوا وجب لم يقل أحد بالاستحباب كذلك و دفع ذلك بجريان العادة في استماع الخطبة و لو من العدد في أمثال هذه المقامات و أن مثله كاف في الندب يجري نحوه على الوجوب، بل لعل ذلك هو السبب في عدم تعرض النصوص له و الأمر به- إلى أن قال-: الظاهر من الفقهاء و الأخبار اتحاد الجمعة و العيدين، و معهما كيف يقال بعدم وجوب الاستماع بمجرد دعوى العلامة الإجماع عليه و يرد بذلك على سائر الفقهاء» إلى آخره. و هو ظاهر أو صريح فيما ذكرناه، و نحوه عن غيره ممن تأخر، بل عن التقي أنه قال: «و ليصغوا إلى خطبته» و ظاهره الوجوب.

و كيف كان فكيفية الخطبة كما في الجمعة، و في المعتبر عليه العلماء لا أعرف فيه خلافا، إلا أن الأولى المحافظة مع ذلك على المأثور، ف

في الفقيه (3)«خطب أمير المؤمنين


1- 1 البحار- ج 18- ص 860 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 12.
3- 3 الفقيه ج 1 ص 325- الرقم 1486 المطبوع في النجف.

ج 11، ص: 341

(عليه السلام) يوم الفطر فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، لا نشرك بالله شيئا، و لا نتخذ من دونه وليا و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي

الْأَرْضِ، و له الحمد في الدنيا و الآخرة، و هو الحكيم الخبير، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها، وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها، وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ، كذلك الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، و الحمد لله الذي يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ، اللهم ارحمنا برحمتك و أعممنا بمغفرتك، إنك أنت العلي الكبير، و الحمد لله الذي لا مقنوط من رحمته، و لا مخلو من نعمته، و لا مؤيس من روحه، و لا مستنكف من عبادته الذي بكلمته قامت السماوات السبع، و استقرت الأرض المهاد، و ثبتت الجبال الرواسي، و جرت الرياح اللواقح، و سار في جو السماء السحاب، و قامت على حدودها البحار، و هو إله لها، و قاهر يذل له المتعززون، و يتضاءل له المتكبرون، و يدين له طوعا و كرها العالمون، نحمده كما حمد نفسه و كما هو أهله، و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما تخفى النفوس، و ما تجن البحار، و ما توارى منه ظلمة، و لا تغيب عنه غائبة، و ما تسقط ورقة من شجرة و لا حبة في ظلمة إلا يعلمها، لا إله إلا هو، وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ، و يعلم ما يعمل العاملون، و أي مجرى يجرون، و إلى أي منقلب ينقلبون، و نستهدي الله بالهدي، و نشهد أن محمدا عبده و نبيه و رسوله إلى خلقه و أمينه على وحيه، و أنه قد بلغ رسالات ربه، و جاهد في الله الحائدين عنه العادلين به، و عبد الله حتى أتاه اليقين صلى الله على محمد و آله، أوصيكم بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة، و لا تنفد منه رحمة، و لا يستغني العباد عنه، و لا يجزي أنعمه الأعمال، الذي رغب في التقوى، و زهد في الدنيا، و حذر المعاصي، و تعزز بالبقاء، و ذلل خلقه بالموت و الفناء، و الموت غاية المخلوقين، و سبيل العالمين، و معقود بنواصي

ج 11، ص: 342

الباقين، و لا يعجزه إباق الهاربين، و عند حلوله يأسر أهل الهوى، يهدم كل لذة، و يزيل كل نعمة، و يقطع كل بهجة، و الدنيا دار كتب الله لها الفناء و لأهلها منها الجلاء فأكثرهم ينوي بقاءها، و يعظم بناءها، و هي حلوة خضرة قد عجلت للطالب، و التبست بقلب الناظر، و تضني ذو الثروة الضعيف، و يحتويها الخائف الوجل، فارتحلوا منها يرحمكم الله بأحسن ما بحضرتكم، و لا تطلبوا منها أكثر من القليل، و لا تسألوا منها فوق الكفاف، و ارضوا منها باليسير، و لا تمدن أعينكم منها إلى ما متع المترفون به، و استهينوا بها و لا توطنوها، و أضروا بأنفسكم منها، و إياكم و التنعم و التلهي و الفاكهات، فان في ذلك غفلة و اغترار، ألا إن الدنيا قد تنكرت و أدبرت و احلولت و آذنت بوداع، ألا و إن الآخرة قد رحلت فأقبلت و أشرفت و آذنت باطلاع، ألا و إن المضمار اليوم و السباق غدا، ألا و إن السبقة الجنة و الغاية النار، ألا فلا تائب من خطيئة قبل يوم منيته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه و فقره، جعلنا الله و إياكم ممن يخافه و يرجو ثوابه ألا إن هذا اليوم يوم جعله الله لكم عيدا، و جعلكم له أهلا، فاذكروا الله يذكركم، و ادعوه يستجب لكم، و أدوا فطرتكم فإنها سنة نبيكم، و فريضة واجبة من ربكم، فليؤدها كل امرئ منكم عن نفسه و عن عياله كلهم ذكرهم و أنثاهم و صغيرهم و كبيرهم و حرهم و مملوكهم عن كل إنسان منهم صاعا من بر، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، و أطيعوا الله فيما فرض عليكم و أمركم به من إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صوم شهر رمضان و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الإحسان إلى نسائكم و ما ملكت أيمانكم و أطيعوا الله فيما نهاكم عنه من قذف المحصنة و إيتاء الفاحشة و شرب الخمر و بخس المكيال و نقص الميزان و شهادة الزور و الفرار من الزحف، عصمنا الله و إياكم بالتقوى، و جعل الآخرة خيرا لنا و لكم من الأولى، إن أحسن الحديث و أبلغ موعظة المتقين كتاب الله العزيز الحكيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ

ج 11، ص: 343

أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، ثم يجلس جلسة كجلسة العجلان، ثم يقوم بالخطبة التي كتبناها في آخر خطبة يوم الجمعة بعد جلوسه و قيامه».

و خطب (عليه السلام) في عيد الأضحى (1)فقال: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر زنة عرشه، و رضى نفسه، و عدد قطر سمائه و بحاره، له الأسماء الحسنى، و الحمد لله حتى يرضى، و هو العزيز الغفور، الله أكبر الله أكبر كبيرا متكبرا، و إلها متفززا، و رحيما متحننا، يعفو بعد القدرة، و لا يقنط من رحمته إلا الضالون، الله أكبر كبيرا، و لا إله إلا الله كثيرا، و سبحان الله حنانا قديرا، و الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نشهد أن لا إله إلا هو و أن محمدا عبده و رسوله، من يطع الله و رسوله لقد اهتدى و فاز فوزا عظيما، وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بعيدا و خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، و كثرة ذكر الموت، و الزهد في الدنيا التي لم يمنع بها من كان فيها قبلكم، و لن تبقى لأحد من بعدكم، و سبيلكم فيها سبيل الماضين، أ لا ترون أنها قد تصرمت و آذنت بانقضاء، و تنكر معروفها و أدبرت جذا، فهي تخبر بالفناء، و ساكنها يحدا بالموت، فقد أمر منها ما كان حلوا، و كدر منها ما كان صفوا، فلم يبق منها إلا سملة كسملة الإداوة، و جرعة كجرعة الإناء، و لو يتمززها الصديان لم تنقع غلته، فأزمعوا عباد الله بالرحيل من هذه الدار المقدور على أهلها الزوال الممنوع أهلها من

الحياة، المذللة أنفسهم بالموت، فما حي يطمع في البقاء، و لا نفس إلا مذعنة بالمنون، فلا يغلبنكم الأمل، و لا يطل عليكم الأمد، و لا تغتروا فيها بالآمال، و تعبدوا الله أيام الحياة، فو الله لو حننتم حنين الواله العجلان، و دعوتم بمثل دعاء الأنام و جأرتم جؤار متبتلي الرهبان، و خرجتم إلى الله عز و جل عن الأموال و الأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيئة أحصتها كتبته، و حفظتها رسله لكان


1- 1 الفقيه ج 1 ص 328- الرقم 1487 المطبوع في النجف.

ج 11، ص: 344

قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، و أتخوف عليكم من أليم عقابه، و بالله لو انماثت قلوبكم انمياثا، و سالت عيونكم من رغبة اليه و رهبة منه دما، ثم عمرتم في الدنيا ما كانت الدنيا باقية ما جزت أعمالكم لو لم تبقوا شيئا من جهدكم لنعمه العظام عليكم، و هداه إياكم إلى الايمان ما كنتم لتستحقوا أبد الدهر ما الدهر قائم بأعمالكم جنته و لا رحمته، و لكن برحمته ترحمون، و بهداه تهتدون، و بهما إلى جنته تصيرون، جعلنا الله و إياكم برحمته من التائبين العابدين، و إن هذا يوم حرمته عظيمة، و بركته مأمولة، و المغفرة فيه مرجوة، فأكثروا ذكر الله تعالى، و استغفروه و توبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم، و من ضحى منكم بجذع من المعز فإنه لا يجزي عنه، و الجذع من الضأن يجزي، و من تمام الأضحية استشراف عينها و أذنها، و إذا سلمت العين و الأذن تمت الأضحية، و إن كانت عضباء القرن أو تجر برجلها إلى المنسك فلا تجزي، و إذا ضحيتم فكلوا و أطعموا و أهدوا و احمدوا الله على ما رزقكم مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ*، و أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ* و أحسنوا العبادة و أقيموا الشهادة، و ارغبوا فيما كتب عليكم و فرض من الجهاد و الحج و الصيام، فان ثواب ذلك عظيم لا ينفد، و تركه و بال لا يبيد، و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و أخيفوا الظالم و انصروا المظلوم، و خذوا على يد المريب، و أحسنوا إلى النساء و ما ملكت أيمانكم، و أصدقوا الحديث و أدوا الأمانة، و كونوا قوامين بالحق، و لا تغرنكم الحياة الدنيا، و لا يغرنكم بالله الغرور، إن أحسن الحديث ذكر الله، و أبلغ موعظة المتقين كتاب الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، و يقرأ قل أَيُّهَا الْكافِرُونَ، أو أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ، أو وَ الْعَصْرِ، و كان مما يدوم عليه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، و كان إذا قرأ إحدى هذه السور جلس جلسة كجلسة العجلان ثم ينهض، و هو (عليه السلام) كان

ج 11، ص: 345

أول من حفظ عليه الجلسة بين الخطبتين، ثم يخطب بالخطبة التي كتبناها بعد يوم الجمعة».

و الجلوس بين الخطبتين مستحب عند أكثر أهل العلم كما في المعتبر، قال:

روى ذلك محمد بن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «الصلاة قبل الخطبتين يخطب قائما و يجلس بينهما»

و هو كما ترى غير دال على الندب، نعم ما سمعته في مرسل الفقيه من قوله: «و هو أول» إلى آخره يشعر بعدم معروفية الجلسة بينهما قبله.

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله مساواة العيدين للجمعة في جميع هذه الأمور و الظاهر أن منها أنهما لا تجبان على من لم تجب عليه الجمعة بلا خلاف معتد به أجده فيه، كما اعترف به في الرياض حاكيا له عن الذخيرة، بل فيه أيضا أنه حكى فيها كغيره التصريح بالإجماع عليه عن الخلاف و التذكرة، و في المحكي عن المنتهى الذكورة و العقل و الحرية و الحضور شروط فيها، و لا نعرف فيه خلافا، و قد سمعت معقد إجماع الخلاف على أن النصوص مستفيضة في سقوطها عن المسافر و المرأة و المريض، و لا قائل بالفصل، و في المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(2)«ان صلاة العيد مثل صلاة الجمعة واجبة إلا على خمسة: المريض و المملوك و الصبي و المسافر و المرأة»

قيل: و هو ظاهر بل نص في المطلوب بتمامه و إن أوهم في بادئ النظر من حيث مفهوم العدد خلافه، كبعض الصحاح المتقدمة في الجمعة، لكن يجري فيه التوجيه لإدراج من عدا الخمسة فيهم بنحو ما مرت فيه الإشارة، و هو جيد على تقدير حجيته.

لكن في

صحيح سعد بن سعد(3)أنه سأل الرضا (عليه السلام) «عن المسافر إلى مكة و غيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر و الأضحى؟ قال: نعم إلا بمنى يوم النحر»


1- 1 المعتبر- ص 214.
2- 2 المستدرك- الباب- 5- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.

ج 11، ص: 346

و يمكن إرادة الندب منه، كالمروي عن

قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر(1)أنه سأل أخاه (عليه السلام) «عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين و الجمعة ما على الرجال؟ قال: نعم»

و في الذكرى

روى أبو إسحاق إبراهيم الثقفي (2)في كتابه بإسناده عن علي (عليه السلام) أنه قال: «لا تحبسوا النساء عن الخروج إلى العيدين فهو عليهن واجب»

بعد إرادة العجائز و من لا هيئة لهن من النساء فيه، قال في المحكي عن المبسوط و السرائر: «لا بأس بخروج العجائز و من لا هيئة

لهن من النساء في صلاة الأعياد ليشهدن الصلاة، و لا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن و الجمال» قيل: و نحو منهما الإصباح، و هو ظاهر المهذب، و لا ينافيه

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(3): «إنما رخص رسول الله (صلى الله عليه و آله) للنساء العواتق في الخروج للعيدين للتعرض للرزق»

إذ هو ظاهر أو نص في أن الرخصة لم تكن للخروج للصلاة، لكن عن أبي علي «يخرج إليها النساء العواتق و العجائز» بل في الذكرى «أنه نقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدمائنا» و على كل حال فالظاهر استحباب صلاة العيدين لمن سقط عنه حضورها، و في المدارك نسبته إلى الأصحاب، و قد عرفت حمل الصحيح (4)و خبر قرب الاسناد(5)عليه، كما أنك ستسمع خبر منصور(6)و لا قائل بالفرق، و الله أعلم.

و كيف كان ف تجب جماعة مع الإمام أو منصوبه بلا خلاف أجده فيه، بل بالإجماع صرح بعضهم، مضافا إلى ما سمعت سابقا مما دل على اشتراطها بما اشترط


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.

ج 11، ص: 347

في الجمعة، و إلى

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1): «و لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلا مع إمام عادل»

و غيره من المعتبرة(2)المستفيضة النافية للصلاة إلا مع إمام فلا يجوز التخلف إلا مع العذر المسوغ لذلك فيجوز حينئذ أن يصلي منفردا ندبا و كذا لو اختلت باقي الشرائط سقط الوجوب و استحب الإتيان بها جماعة و مرادي و بذلك افترقت عن الجمعة،

قال الصادق (عليه السلام) في موثق ابن سنان (3): «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيب بما وجد، و ليصل في بيته وحده كما يصلي في جماعة»

و في

خبر منصور(4)«مرض أبي (عليه السلام) يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى»

إلى غير ذلك مما دل على مشروعية الصلاة له إذا فاتت الجماعة.

نعم يسقط عنه الوجوب بذلك قطعا لاشتراطه كما عرفت بالجماعة المخصوصة فينتفي بانتفائه، و به يحمل الأمر بها على الندب، ك

صحيح الحلبي (5)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل لا يخرج في يوم الفطر و الأضحى عليه صلاة وحده فقال: نعم»

و لا يتعين عليه صلاة أربع ركعات و إن رواه

أبو البختري (6)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا»

و قد حمله الشيخ فيما حكي عنه على الجواز و التخيير بين ركعتين كصلاة العيد و بين أربع كيف شاء، و إن الأول أفضل.

و على كل حال فما عن العماني و المقنع- من المنع عن فعلها حينئذ مطلقا أو خصوص الانفراد على اختلاف النقل كاختلافه في خصوص فوت الجماعة أو عدم شي ء من الشرائط- في غاية الضعف و إن كان قد يشهد لهما

صحيح ابن مسلم (7)سأل أحدهما


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.

ج 11، ص: 348

(عليهما السلام) «عن الصلاة يوم الفطر و الأضحى قال: ليس صلاة إلا مع إمام»

و ما شابهه من النصوص المستفيضة الدالة على نفي الصلاة بدون الامام بناء على إرادة المعصوم أو نائبه منه، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر هارون بن حمزة الغنوي (1): «الخروج يوم الفطر و يوم الأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها، قال:

أ رأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أ يصلي في بيته؟ قال: لا»

لكن يمكن إرادة نفي الوجوب من ذلك كله لا المشروعية، بل هو متعين للجمع بينهما و بين ما سمعت من النصوص السابقة.

ثم إنه قد يتوهم من ظاهر المتن تعين الانفراد عليه، و أنه لا يجوز لمن فاتته جماعة الوجوب الصلاة جماعة ندبا، لكن الظاهر الجواز كمختل الشرائط على الأصح، بل هو المشهور بين المتأخرين، بل في الرياض أن عليه عامتهم، بل قد يظهر من الحلي و الراوندي الإجماع عليه كما ستعرف، مضافا إلى

المروي في الإقبال (2)عن محمد بن أبي قرة بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) أنه سئل «عن صلاة الأضحى و الفطر فقال: صلهما ركعتين في جماعة و غير جماعة»

و

مرسل ابن المغيرة(3)عن بعض أصحابنا قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الفطر و الأضحى فقال: صلهما ركعتين في جماعة و غير جماعة»

خلافا لظاهر المحكي عن المقنعة و التهذيب و المبسوط و الناصرية و جمل العلم و العمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الجمل و العقود، فلا يجوز إلا فرادى و عن الحلبي «أنه إن اختل شرط من شرائطها سقط فرض الصلاة، و قبح الجمع فيها مع الاختلال، و كان كل مكلف

مندوبا إلى هذه الصلاة في منزله، و الإصحار بها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 349

أفضل» و ظاهره المنع أيضا، و في الرياض «أنه قواه من فضلاء المعاصرين جماعة» قلت: و لعله ل

موثق عمار(1)سأل الصادق (عليه السلام) «هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو البيت؟ فقال: لا يؤم بهن و لا يخرجن»

و موثق سماعة(2)المتقدم سابقا الذي أعرض فيه عما سأله عنه من الصلاة بهم جماعة حيث لا إمام و أجاب ببيان وقت الذبح، و أردفه ب

قوله (عليه السلام): «و إن صليت وحدك فلا بأس»

و للأمر بالوحدة فيما تقدم من

المعتبرة(3)«إذا فاتت الجماعة»

و لأنها حينئذ نافلة فلا تشرع الجماعة فيها، و لأنه مقتضى الجمع بين ما دل على نفي الصلاة بلا إمام و بين ما دل على جوازها بدونه مما سمعت بحمل الأولى على إرادة نفيها جماعة من دون إمام الأصل أو منصوبه، و الثانية على الجواز فرادى، و فيه أن الأول محتمل لإرادة بيان عدم تأكد صلاة العيد للأهل كما يومي اليه

قوله (عليه السلام)(4): «و لا يخرجن»

أو محمول على وجوب خروج الرجل للصلاة لا من حيث عدم مشروعية الجماعة فيها، و الثاني ظاهر في الجواز، فهو شاهد للمشروعية لا للعدم، و الأمر بالوحدة يراد منه ما يشمل جماعة غير إمام الأصل و منصوبه كما هو المنساق في المقام، بل مر نظيره في أخبار الجمعة، لا أن المراد منه المنفرد المقابل لمطلق الجماعة، بل لعل ذلك مراد من نسب إلى ظاهره المنع ممن تقدم من الأصحاب عدا الحلبي، كما يومي اليه ما في المقنعة التي هي من جملة من نسب إليها المنع، قال في كتاب الصلاة منها باب صلاة العيدين: «و هذه الصلاة فرض لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام، سنة على الانفراد عند عدم حضور الإمام، فإذا كان يوم العيد بعد طلوع الفجر اغتسلت و لبست أطهر ثيابك


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.

ج 11، ص: 350

و تطيبت و مضيت إلى مجمع الناس من البلدة لصلاة العيد- إلى أن قال-: و من فاتته صلاة العيدين في جماعة صلاها وحده كما يصلي في الجماعة ندبا مستحبا- ثم قال-: و لا بأس أن تصلي العيدين في بيتك عند عدم أمامها أو لعارض مع وجوده» إلى غير ذلك من العبارات التي يتوهم منها ما نسب إليها، لكنه قال في باب الأمر بالمعروف منها:

«و للفقهاء من شيعة آل محمد (صلى الله عليه و آله) أن يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس

و صلوات الأعياد و الاستسقاء و الخسوف و الكسوف إذا تمكنوا من ذلك و أمنوا فيه من معرة أهل الفساد» إلى آخره، و لعل غيره أيضا كذلك، و كون صلاة العيد نافلة مع فقد الشرائط لا يمنع مشروعية الجماعة فيها بعد أن كانت فريضة بالأصل، على أن ذلك لا يعارض الدليل، قال ابن إدريس فيما حكي عنه في الجواب عن هذا الأخير:

بأن ذلك فيما لا يجب في وقت، و هذه أصلها الوجوب، و قال: و أيضا إجماع أصحابنا يدمر ما تعلق به، و هو قولهم بأجمعهم يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا صلاة الأعياد، و ذكر أن مراد الأصحاب بفعلها على الانفراد انفرادها عن الشرائط لا يعدم الاجتماع، و أنه اشتبه ذلك على الحلبي من قلة تأمله، و هو حاصل ما ذكرناه، لكن عن المختلف أن تأويل ابن إدريس بعيد، و في كشف اللثام الأولى أن يقال:

إنهم إنما أرادوا الفرق بينها و بين صلاة الجمعة باستحباب صلاتها منفردة بخلاف صلاة الجمعة كما هو نص المراسم، و احتاجوا إلى ذلك إذ شبهوها بها في الوجوب إذا اجتمعت الشرائط، قال: قال القطب الراوندي: من أصحابنا من يذكر الجماعة في صلاة العيد سنة بلا خطبتين، ثم قال: قال القطب الراوندي: الإمامية يصلون هاتين الصلاتين جماعة و عملهم حجة، قلت: يدل على أنه لا يراهم يصلونها إلا مستحبين لها، و في المحكي عن المختلف بعد أن قوى القول بالمنع قال: إلا أن فعل الأصحاب في زماننا الجميع فيها.

قلت: مضافا إلى ما عرفت من عدم تحقق الخلاف إلا من الحلبي، و هو نادر،

ج 11، ص: 351

فلا وجه حينئذ بعد ذلك كله للمناقشة في المشهور بانحصار دليله في الخبرين (1)السابقين الذين هما بعد الإغماض عن سندهما غير واضحي الدلالة، لقرب احتمال كون المراد بهما بيان أن صلاة العيدين ركعتان مطلقا صليت وجوبا في جماعة أو ندبا في غيرها ردا على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الامام، مع أن التخيير المستفاد من إطلاقهما لو لم نقل بأن المراد بهما هذا مخالف للإجماع، لانعقاده على اختصاصه على تقديره بصورة فقد الشرائط، و إلا فمع اجتماعها تجب جماعة إجماعا، فلا بد فيه من مخالفة للظاهر و هي كما يحتمل أن تكون ما ذكر كذا يحتمل أن تكون ما ذكرنا، بل لعله أولى، للنصوص المتقدمة الظاهرة في اعتبار الانفراد، و على تقدير التساوي فهو موجب للتساقط فتجويز الجماعة في هذه الصلاة المندوبة في مفروض المسألة يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة، بل إطلاق الأدلة على المنع عن الجماعة في النافلة أقوى حجة، و دعوى الاختصاص بغير هذه ممنوعة، إذ قد عرفت عدم انحصار الدليل فيهما، كما أنه لا مجال للاحتمال المزبور بعد اعتضادهما بما سمعت، و أن احتمال إرادة عدم الجماعة المخصوصة من الوحدة و الانفراد لا مطلق الجماعة أولى من ذلك الاحتمال فيهما من وجوه، و أن النفل

العارضي لا يمنع الجماعة المشروعية بالأصل فيها كالفريضة المعادة احتياطا، و الله هو العالم بحقائق أحكامه.

و كيف كان ف وقتها أي صلاة العيدين ما بين طلوع الشمس إلى الزوال على المشهور بين الأصحاب، بل عن النهاية و التذكرة و جامع المقاصد الإجماع عليه، كما عن المنتهى الإجماع على الفوات بالزوال، و هو الحجة في الأخير، مضافا إلى

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس(2): «إذا شهد عند الامام شاهدان


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4 و الباب 5 منها الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 352

أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فان شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخر الصلاة إلى الغد، فصلى بهم»

ضرورة ظهور الجزء الأول من الشرطية بقرينة الثاني في الصلاة قبل الزوال، و إلا للغى التفصيل كما هو واضح، و عليه يحمل

مرفوع محمد بن أحمد(1)«إذا أصبح الناس صياما و لم يروا الهلال و جاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا و ليخرجوا من الغد أول النهار إلى عيدهم»

لا طلاقه و تقييد الأول، و أما

المروي عن دعائم الإسلام (2)عن علي (عليه السلام) «في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى مضى وقت صلاة العيدين أول النهار فيشهد شهود عدول أنهم رأوا من ليلتهم الماضية قال: يفطرون و يخرجون من غد، فيصلون صلاة العيد أول النهار»

فبعد الإغماض عن سنده مطرح، لما تعرفه من عدم القضاء لهذه الصلاة، و دعوى أن الاستدلال به من حيث التوقيت فيه بالأول و إن لم نقل بالقضاء يدفعها بعد الإغضاء عما فيها أنه يمكن حمل أول النهار فيه على ما قبل الزوال بقرينة ما مر من النص و الإجماع، فتوهم بعض الناس اختصاصه بالصدر غلط واضح قطعا، خصوصا بعد ملاحظة الاستصحاب و الإطلاق الذي فيه إضافة الصلاة إلى هذا اليوم المقتصر في تقييدهما على المتيقن بالإجماع و نحوه، و أما أوله فهو و إن كان مقتضى الإضافة المزبورة المشروعية من طلوع الفجر بناء على أنه مبدأ اليوم، إلا أن الإجماع السابق في الكتب السابقة أخرج عن ذلك، مضافا إلى معلومية استحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس الذي قد يومي إلى عدم المشروعية فيه، و إلى

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(3): «ليس في


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.

ج 11، ص: 353

يوم الفطر و لا يوم الأضحى أذان و لا إقامة، أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا»

ضرورة ظهور تنزيل الطلوع منزلة الأذان في مشروعية الفعل منه، لأنه إعلام بدخول الوقت، و قد يكون الخروج مستحبا، فما في كشف اللثام من أن الشرطية قرينة على أن الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها ضعيف جدا، سيما مع اختلاف زمان الخروج باختلاف المكان الذي يخرج اليه قربا و بعدا، فلا يراد التوقيت له بذلك قطعا، و إلا لجهل بسبب اختلاف زمانه أول وقت الصلاة، بل لعل هذا الإجمال في وقت الخروج أكمل شاهد على إرادة دخول الوقت من ذلك، و أن الأمر بالخروج لمعروفية الاجتماع لذلك في ذلك الزمان في الأمكنة المخصوصة.

و منه يظهر دلالة

خبر زرارة(1)المروي عن الإقبال «لا تخرج من بيتك إلا بعد طلوع الشمس»

على المطلوب، و

قول الصادق (عليه السلام) فيما أسنده فيه عن أبي بصير المرادي (2)«كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يخرج بعد طلوع الشمس»

و قول ياسر الخادم (3)في حديث صلاة الرضا (عليه السلام) بمرو: «فلما طلعت الشمس قام فاغتسل و تعمم»

فما عن النهاية و الاقتصاد و المبسوط و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح و موضع من السرائر من أن وقتها انبساط الشمس لهذه النصوص لا ريب في ضعفه، نعم في

موثق سماعة(4)أنه سأل الصادق (عليه السلام) «متى يذبح؟ فقال:

إذا انصرف الامام، قال: إذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال:

إذا استقلت الشمس»

و هو- مع احتماله لإرادة توقيت الذبح، و ظهوره على هذا التقدير في الفرق بين صلاة الامام و غيره مما لم يقل به أحد- قاصر عن معارضة ما عرفت من


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.

ج 11، ص: 354

وجوه، على أنه يمكن أن يكون ذلك وقتا للفضل، بل هو محتمل في كلام من عرفت، قال القاضي في المحكي عنه من شرح فضل الأوقات من جمل العلم و العمل: إن وقتها ارتفاع الشمس، ثم ذكر هنا و أما وقت هذه الصلاة فقدمناه فيما تقدم ذكره، و الذي ذكره أنه من طلوع الشمس إلى الزوال جائز، و لعل غيره كذلك أيضا، أو يكون مرادهم بيان الغالب فيما لو أريد الخروج إلى الجبانة و نحوها، لا أن ذلك وقت مطلقا، أو أن المراد من الانبساط ما يتحقق به طلوع الشمس، و لذا قال في الذكرى بعد نقل القولين: و هما متقاربان.

و على كل حال فالخلاف من أصله غير متحقق، كما أن المحكي عن الحسن من أن الوقت بعد طلوع الشمس ليس خلافا قطعا، بل لعل ما في المقنعة أيضا كذلك أيضا، قال: «فإذا كان بعد طلوع الفجر اغتسلت و لبست أطهر ثيابك و تطيبت و مضيت إلى مجمع الناس من البلد لصلاة العيد، فإذا طلعت الشمس فاصبر هنيئة ثم قم إلى صلاتك» و في كشف اللثام أنه قد يعطي المبادرة إليها قبل الانبساط، لكن ما ذكره من الخروج قبل طلوعها و إن كان مما وافقه عليه الشيخ الطبرسي في المحكي عن ظاهر جوامع الجامع إذ قال: كان الطرقات في أيام السلف وقت السحر، و بعد الفجر مغتصة (معتضة خ ل) بالمبكرين يوم الجمعة يمشون بالسرج، و قيل أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة، لكن يخالفه ما سمعته من الأخبار و استحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، بل في الخلاف الإجماع على أن وقت الخروج بعد طلوع الشمس، و نسبة التكبير إلى الشافعي، هذا.

و في المدارك أنه يستحب تأخير صلاة العيد في الفطر شيئا على الأضحى بإجماع العلماء، لاستحباب الإفطار في الفطر قبل خروجه بخلاف الأضحى، فإن الأفضل أن يكون إفطاره على شي ء مما يضحى به بعد الصلاة، و لأن الأفضل إخراج الفطرة قبل

ج 11، ص: 355

الصلاة، فاستحب تأخير الصلاة ليتسع الوقت لذلك، و في الأضحى تقديمها ليضحي بعدها، فان وقتها بعد الصلاة، و الله أعلم.

و على كل حال لو فاتت لم تقض على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا سواء كانت واجبة أو مندوبة، و فواتها عمدا كان أو نسيانا، للأصل المعتضد ب

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة و حسنه (1): «من لم يصل مع الإمام في جماعة فلا صلاة له، و لا قضاء عليه»

السالم عن معارضة (2)

«عموم من فاتته»

بعد تنزيله بالإجماع و غيره على اليومية أو على غيرها، و صحيح محمد بن قيس(3)و مرفوع محمد بن أحمد(4)و خبر الدعائم (5)المتقدمة سابقا التي اغتر بها جماعة من متأخري المتأخرين فمالوا إلى القول بمضمونها- مع أنها موافقة ل

ما روته العامة(6)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «من أن ركبا شهدوا عنده (صلى الله عليه و آله) أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن يفطروا، و إذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم»

بل للمحكي عن الأوزاعي و الثوري و إسحاق و أحمد، و لذا حكي عن بعضهم حملها على التقية، و في كشف اللثام في الخبر الأول و كأنه حكاية لما يفعله العامة، و في الثاني أن الأمر بالخروج به للتقية، على أن ظاهرها الأداء كما هو المحكي عن الشافعي لا القضاء- قد أعرض عنها الأصحاب و لم نعرف عاملا بها

سوى ما يحكى عن ابن الجنيد، و هو نادر يمكن دعوى الإجماع على خلافه، بل قد حكي دعواه، بل في الخلاف دعواه صريحا.

نعم في المقنعة «من أدرك الامام و هو يخطب فيجلس حتى يفرغ من خطبته ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
5- 5 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
6- 6 سنن البيهقي ج 3 ص 316.

ج 11، ص: 356

يقوم فيصلي القضاء» و في الوسيلة «إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل إلى الخطبة و جلس مستمعا لها» و يمكن إرادة الأداء من القضاء فيهما، كما أنه يمكن إرادة ما قبل الزوال من

خبر زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) الموافق للمحكي عن الشافعي «قلت له: أدركت الامام على الخطبة قال: تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم يقوم فيصلي»

بل هو محتمل في المحكي عن ابن إدريس «ليس على من فاتته صلاة العيدين قضاء و إن استجب له أن يأتي بها منفردا» و أبي علي «من فاتته و لحق الخطبتين صلاها أربعا كالجمعة مفصولات» نحو المحكي عن علي بن بابويه إلا أنه قال: «يصليها بتسليمة» و في المحكي عن التهذيب «من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء و يجوز له أن يصلي إن شاء ركعتين و إن شاء أربعا من غير أن يقصد بهما القضاء» لكن لم أقف على مستند لأصل القضاء فضلا عن الأربع سوى

المرسل (2)«من فاتته صلاة العيدين فليصل أربعا»

و هي غير منطبقة على ما سمعته من ابن إدريس و لا على الأخيرين، لعدم التقييد بلحوق الخطبتين و عدم دلالتها على التسليمة أو التسليمتين و إن كان الظاهر الأول، و لا على ما عن التهذيب، لعدم التخيير فيها، اللهم إلا أن يكون وجه جمع بينه و بين غيره، مع احتمال هذه الأربع نافلة يستحب فعلها لمن فاتته، فعن

ثواب الأعمال مسندا عن سليمان (3)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من صلى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن سبح اسم ربك الأعلى فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله، و في الركعة الثانية و الشمس و ضحاها فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس، و في الثالثة و الضحى فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين و دهنهم و نظفهم، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2 و هو خبر أبي البختري.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1 و هو عن سلمان الفارسي.

ج 11، ص: 357

الرابعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة و خمسين سنة مستدبرة».

لكن عن الصدوق «هذا لمن كان إمامه مخالفا فيصلي معه تقية ثم يصلي أربع ركعات للعيد، فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه و إن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي حتى تزول الشمس» و في كشف اللثام «يمكن عند التقية أن يكون نافلة، و عند عدمها أن تصلى بعد الزوال» و فيه أيضا عن الهداية «و إن صليت بغير خطبة صليت أربعا بتسليمة واحدة» و نحوه عبارة أبيه، و استدل لهما في المختلف على وحدة التسليم بأصل البراءة من التسليم و تكبير الافتتاح، و لأبي علي بما

روي (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «من أن صلاة النهار مثنى مثنى»

خرجت الفرائض اليومية بالإجماع و بقي الباقي، و الجميع كما ترى.

و قد ظهر من ذلك كله أن استحباب القضاء الذي يتسامح فيه غير ثابت فضلا عن وجوبه، كما هو صريح جماعة و ظاهر أخرى، نعم قد يقال بالندب في خصوص الثبوت بعد الزوال للأخبار المزبورة المعتضدة بقاعدة التسامح، بل قبل: إن ظاهر الكليني العمل بها، و الأمر سهل.

و أما كيفيتها فقد عرفت أنها عند المشهور ركعتان على كل حال صليت جماعة أو فرادى، فما في كشف اللثام، عن علي بن بابويه من أنها عند اختلال الشرائط أربع بتسليمة، و أبي علي بتسليمتين، و الشيخ التخيير للمنفرد بين الأربع و الثنتين في غاية الضعف لا دليل عليه سوى ما سمعته سابقا على الحكاية السابقة عنهم من المرسل و نحوه، و

صورتهما أن يكبر للإحرام ثم يقرأ الحمد بلا خلاف أجده فيهما نصا و فتوى هنا، مضافا إلى ما دل على نفي الصلاة بدون الفاتحة و أما السورة ففي


1- 1 سنن أبي داود ج 1 ص 296.

ج 11، ص: 358

كشف اللثام أنه يأتي فيها الخلاف السابق، قلت: لكن لم أجد هنا في شي ء من نصوص المقام و فتاواه ما يشهد للعدم، بل ظاهر هما معا الوجوب، بل في المدارك عن التذكرة إجماع الأصحاب على وجوب قراءة السورة مع الحمد و أنه لا يتعين سورة مخصوصة قلت و لكن اختلفوا في الأفضل ففي المتن أن يقرأ الأعلى في الأولى و الغاشية في الثانية، و في كشف اللثام لا أعرف ما استند اليه، قلت: و لا من وافقه عليه سوى ما حكاه هو في المعتبر عن ابن أبي عقيل، إذ المحكي عن النهاية و المبسوط و الإصباح و مختصره و الفقيه و الهداية و المراسم و السرائر و الجامع الأعلى في الأولى و الشمس في الثانية، و اختاره في النافع و القواعد و غيرهما، ل خبري إسماعيل الجعفي (1)و أبي الصباح الكناني (2)عن الصادقين (عليهما السلام)، و عن جمل العلم و العمل و شرحه و المقنعة و المهذب و الكافي و الغنية و المختلف و المنتهى و غيرها أنه يقرأ في الأولى الشمس و في الثانية الغاشية، بل في الخلاف أنه المستحب للإجماع و خبر معاوية بن

عمار(3)عن الصادق (عليه السلام)، لكن هو في الكافي و التهذيب مضمر، و قد يريد الإجماع على خلاف ما قاله الشافعي من قراءة «ق» في الأولى و «لقمان» في الثانية، و إلا فمن المستبعد دعوى الإجماع في مقابلة من عرفت الذين من جملتهم هو في مبسوطة و نهايته، و عن علي بن بابويه عكس ما في المتن، و عن الحسن في الأولى الغاشية و في الثانية الشمس و في كشف اللثام أنه روي (4)الوجهان عن الرضا (عليه السلام) في بعض الكتب، قلت: و في

صحيح جميل (5)أنه سأله (عليه السلام) ما يقرأ فيها؟ فقال: «و الشمس و ضحاها و هل أتاك حديث الغاشية و أشباههما»

و لعل ذلك وجه جمع بين النصوص،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.

ج 11، ص: 359

و على كل حال فالخلاف في الأفضلية لا في أصل السورة، و الأمر سهل.

ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر الأشهر، بل المشهور رواية و فتوى، بل في الانتصار و ظاهر الخلاف الإجماع عليه، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن ابن الجنيد و ظاهر الهداية من تقديم التكبيرات على القراءة، نحو المحكي عن أبي حنيفة بل و الشافعي و أحمد و

إن زاد عليه بنحو ذلك في الركعة الثانية أيضا الذي من جهته حمل ما في

مضمر سماعة(1)«و التكبير، في الركعة الأولى يكبر ستا ثم يقرأ ثم يكبر السابعة ثم يركع بها، فتلك سبع تكبيرات، ثم يقوم في الثانية فيقرأ، فإذا فرغ من القراءة كبر أربعا ثم يكبر الخامسة و يركع بها»

و

خبر إسماعيل بن سعد الأشعري (2)عن الرضا (عليه السلام) «التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، و في الأخيرة خمس تكبيرات بعد القراءة»

و

صحيح عبد الله بن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) «التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة، و في الأخيرة خمس بعد القراءة»

صحيح هشام (4)عنه (عليه السلام) أيضا في صلاة العيدين، قال: «تصل القراءة بالقراءة، و قال: تبدأ بالتكبير في الأولى ثم تقرأ ثم تركع بالسابعة»

على التقية لإعراض الأصحاب عنها، فلا تقاوم المشهور و المجمع عليه الذي رواه معاوية بن عمار(5)و محمد ابن مسلم (6)و أبو بصير(7)و يعقوب بن يقطين (8)و إسماعيل الجعفي (9)و

غيرهم و ما في المعتبر- من أن الحمل على التقية ليس بحسن، فان ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه بعد أن ذكر في خطبته أنه لا يودعه إلا ما هو حجة له، و اختياره ابن الجنيد منا، لكن الأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما بين الأصحاب بعد القراءة- كما ترى، إذ ذكر ابن بابويه ذلك في كتابه بعد تسليم عدم عدوله عنه لا ينافي الحمل عليها و إن كان هو


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 20.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 18.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 16.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 8.
9- 9 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 10.

ج 11، ص: 360

حجة عنده، إذ قد يشتبه عليه الحال، بل هو كثير كما لا يخفي على الخبير الممارس، فالحمل على التقية لا ريب أنه متجه و أولى مما حكي عن المختلف من أنه لا خلاف في أن السابعة بعد القراءة، لأنها للركوع، و إذا احتمل الواحدة احتمل غيرها، و هو أن يقضيها قبل القراءة، فيحمل على تكبيرة الإحرام، إذ هو مع أنه لا يتم في بعضها كما ترى، ضرورة إمكان تغليب الأكثر على الأقل، فيقال السبع قبل القراءة و يراد منه الست، و أما إرادة الواحدة أي تكبيرة الإحرام منه فلا مجال لصحتها أصلا، و الله أعلم و من الغرائب ما عن نسخة صحيحة من النفلية من أنه نقل عن ابن أبي عمير و المونسي الإجماع على تقديمه على القراءة في الأولى، و عن نسخة أخرى مشروحة نقل ابن أبي عمير و المونسي الإجماع على تقديمه على القراءة في الأولى.

و على كل حال ثم يقنت بالمرسوم حتى يتم خمسا على المشهور في وجوب القنوت، بل عن الانتصار الإجماع على وجوبه، و هو الحجة بعد الأمر به و لو بالجملة الخبرية في بيان الكيفية في خبر علي بن أبي حمزة(1)و يعقوب بن يقطين (2)و صحيح إسماعيل الجعفي (3)و غيرها، خلافا للخلاف و المصنف في المعتبر و الكتاب فيما يأتي و ابن سعيد و الفاضل في التحرير، للأصل المؤيد يخلو بعض نصوص الكيفية(4)عنه، و عدم نصوصية ما تعرض له فيها، بل لم يعلم منها إرادة بيان الواجب من الصلاة من المندوب، و خصوص

قوله (عليه السلام) في مضمر سماعة(5): «و ينبغي أن يقنت بين كل تكبيرتين، و يدعو الله» و في بعض النسخ «و ينبغي أن يتضرع»


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 19.

ج 11، ص: 361

و لاستلزام استحباب التكبير استحبابه، و الجميع كما ترى، ضرورة انقطاع الأصل بما عرفت، و خلو البعض بعد اشتمال جملة منها عليه غير قادح كعدم النصوصية، للاجتزاء بالظهور، و ظاهر الأخبار بيان أصل الكيفية من غير فرق بين الواجبة و المندوبة، و لا يبعد دعوى استفادة الوجوب الشرطي منها في المندوب منها كما صرح به في الروضة، بل هو ظاهر غيرها، و التوسع في غيرها من النافلة بالذات لا يستلزمه في مثلها، كما هو واضح

بأدنى تأمل، بل الظاهر ذلك في غير القنوت أيضا من التكبير و قراءة السورة و نحوها من أحكام الفريضة، و إشعار «ينبغي» غير صالح للمعارضة، بل المتجه صرفه إلى ما لا ينافي الوجوب، للأدلة السابقة المعلوم قوتها بالنسبة اليه، و لا تلازم بين استحباب التكبير و استحبابه، و لو سلم تلازم حكميهما من الجانبين كان المتجه وجوب التكبير لاستلزام وجوب القنوت وجوبه.

و قد عرفت أنه ظاهر الأدلة، على أنه هو الأقوى في نفسه وفاقا لصريح الفاضل و المحكي عن أبي علي و ظاهر الأكثر، للأمر به في النصوص الكثيرة المتضمنة بيان الكيفية، و خلافا للمعتبر و الكتاب فيما يأتي و المحكي عن ابن سعيد و التهذيب و الخلاف للأصل،

و خبر هارون بن حمزة(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن التكبير في الأضحى و الفطر فقال: خمس و أربع، و لا يضرك إذا انصرفت على وتر»

و هو بعد الإغضاء عن سنده و قصوره عن المقاومة غير صريح في إجزاء كل وتر، ك

خبر عيسى ابن عبد الله (2)عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال: «ما كان يكبر النبي (صلى الله عليه و آله) في العيدين إلا تكبيرة واحدة حتى أبطأ عليه لسان الحسين (عليه السلام)، فلما كان ذات يوم عيد ألبسته أمه و أرسلته مع جده فكبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فكبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر النبي (صلى الله عليه و آله) سبعا،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 15.

ج 11، ص: 362

ثم قام في الثانية فكبر النبي (صلى الله عليه و آله) و كبر الحسين (عليه السلام) حتى كبر خمسا، فجعلها رسول الله (صلى الله عليه و آله) سنة و ثبتت السنة إلى يوم القيامة»

بل هو دال على الوجوب و إن كان بالعارض، و

صحيح زرارة(1)«ان عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الصلاة في العيدين فقال: الصلاة فيهما سواء، يكبر الامام تكبير الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة، ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات، و في الأخرى ثلاثا سوى تكبير الصلاة و الركوع و السجود، و إن شاء ثلاثا و خمسا و إن شاء خمسا و سبعا بعد أن يلحق ذلك إلى الوتر»

و هو محتمل لبيان صلاة العامة، على أنه لا ينفي وجوب الثلاث، و لا قائل به بالخصوص، و عن الاستبصار الجواب عنه و عما في معناه بالحمل على التقية من كثير من العامة، قال: و لسنا نعمل به، و إجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه.

و قد ظهر من ذلك كله أن الأقوى وجوب التكبيرات التسع الزائدة و وجوب القنوت أيضا كذلك، نعم لا يتعين في الأخير لفظ مخصوص، للأصل و الإطلاق و

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرات في العيدين فقال: ما شئت من الكلام الحسن»

فما عن الحلبي- من أنه يلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول: اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل العزة و الجبروت، و أهل القدرة و الملكوت، و أهل الجود و الرحمة، و أهل العفو و العافية أسألك بهذا اليوم الذي عظمته و شرفته و جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخرا و مزيدا أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تغفر لنا و للمؤمنين و المؤمنات، و تجعل لنا من كل خير قسمت فيه حظا و نصيبا» و قال ابن زهرة: و يقنت


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 363

بين كل تكبيرتين بما نذكره بدليل الإجماع الماضي ذكره يعني إجماع الطائفة، ثم ذكر هذا الدعاء و زاد في آخره «برحمتك يا أرحم الراحمين»- واضح الضعف، إذ لم أظفر بخبر يتضمن هذا القنوت كما اعترف به في كشف اللثام.

نعم

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي منصور(1)«تقول بين كل تكبيرتين: اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوى و

المغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخرا و مزيدا أن تصلي على محمد و آل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك، و صل على ملائكتك و رسلك، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون و أعوذ بك من شر ما عاذ بك منه عبادك المرسلون»

و قال الباقر (عليه السلام) في خبر جابر(2): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا كبر في العيدين قال: بين كل تكبيرتين: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا (صلى الله عليه و آله) عبده و رسوله، اللهم أهل الكبرياء»

و ذكر الدعاء إلى آخره، و هو الذي ذكره المفيد و القاضي فيما حكي من مهذبه و شرح الجمل، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر بشير بن سعيد(3): «تقول بين كل تكبيرتين: الله ربي أبدا، و الإسلام ديني أبدا، و محمد نبيي أبدا، و القرآن كتابي أبدا، و الكعبة قبلتي أبدا، و علي وليي أبدا، و الأوصياء أئمتي أبدا، و تسميهم إلى آخرهم، و لا أحد إلا الله»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبي الصباح (4)الذي قدم فيه التكبير على القراءة: «كبر واحدة و تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد إن محمدا عبده و رسوله،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.

ج 11، ص: 364

اللهم أنت أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل القدرة و السلطان و العزة، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخرا و مزيدا، أسألك أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تصلي على ملائكتك المقربين و أنبيائك المرسلين، و أن تغفر لنا و لجميع المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبادك المرسلون، و أعوذ بك من شر ما عاذ به عبادك المخلصون، الله أكبر أول كل شي ء و آخره، و بديع كل شي ء و منتهاه، و عالم كل شي ء و معاده، و مصير كل شي ء و اليه مرده، مدبر الأمور و باعث من في القبور، قابل الأعمال و مبدئ الخفيات معلن السرائر، الله أكبر عظيم الملكوت شديد الجبروت، حي لا يموت، دائم لا يزول، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون الله أكبر خشعت لك الأصوات، و عنت لك الوجوه، و حارت دونك الأبصار، و كلت الألسن عن عظمتك، و النواصي كلها بيدك، و مقادير الأمور كلها إليك، لا يقضي فيها غيرك، و لا يتم منها شي ء دونك، الله أكبر أحاط بكل شي ء حفظك، و قهر كل شي ء عزك، و نفذ كل شي ء أمرك، و قام كل شي ء بك، و تواضع كل شي ء لعظمتك، و ذل كل شي ء لعزتك، و استسلم كل شي ء لقدرتك و خضع كل شي ء لملك الله أكبر، و تقرأ الحمد و الأعلى و تكبر السابعة، و تركع و تسجد، و تقوم و تقرأ الحمد و الشمس و ضحاها و تقول: الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم أنت أهل الكبرياء و العظمة تتمه كله كما قلته أول التكبير، يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات» و في المحكي عن المصباح «فإذا كبر قال: اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوى و المغفرة، أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد (صلى الله عليه و آله) ذخرا و مزيدا أن تصلي على محمد و آل محمد

ج 11، ص: 365

و أن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا و آل محمد، و أن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا و آل محمد، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون، و أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون»

و ذكر أنه يفصل بين كل تكبيرتين بهذا الدعاء، و لم أظفر بخبر يتضمنه، و لا بأس بالجميع و غيره، إلا أن الأولى ذكر المرسوم عنهم (عليهم السلام) لأنهم (عليهم السلام) أعرف من غيرهم بالخطاب و مقتضى الحال و من هنا كان الأولى مراعاة المعاني إذا لم يتيسر خصوص الألفاظ، كما أن الظاهر ما صرح به بعض الأفاضل من عدم لزوم الحفظ على الغيب هنا في حصول الفضل، بل يكفي القراءة بالمكتوب أو بالاتباع أو نحو ذلك، و الله هو العالم.

ثم إذا أتم ذلك يكبر للركوع من غير قنوت و يركع، فإذا سجد السجدتين قام بغير تكبير للقيام قبل القراءة زائدا على تكبير الرفع من السجود الأخير وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، بل في الانتصار الإجماع على أن التكبيرات في الركعتين بعد القراءة، مضافا إلى النصوص التي تقدم جملة منها الدالة على أن التكبير في الركعة الأخيرة خمس بعد القراءة، بل لا يبعد دعوى تواترها في ذلك، و من الغريب ما في كشف اللثام من احتمال إرادة الرابعة بعد القراءة من الخامسة في

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1): «ثم تقوم في الثانية فتقرأ ثم تكبر أربعا و الخامسة تركع بها»

و كذا في نحو

خبر ابن مسلم (2)«ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة»

قال: فان «ثم» إنما تفيد تأخير الركوع عن الأربع، على أنها إنما تحتمل التأخر الذكري إذ هو كما ترى، على أنه لو سلم احتماله هنا ففي النصوص ما لا يقبل ذلك، لتصريحه يكون الخمس بعد القراءة، فما عن الصدوق و المفيد و السيد في الجمل و الناصريات و القاضي و الحلبيين و سلار من القيام بتكبير في غير محله إن أرادوا غير تكبير الرفع كما صرح به


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 11.

ج 11، ص: 366

الحلبيان على ما في كشف اللثام، قال: «و صرح الحلبيان بأنه يكبر بعد القيام قبل القراءة، و القاضي بأنه يرفع رأسه من سجود الركعة الأولى و يقوم بغير تكبيرة ثم يكبر ثم يقرأ، و هو أيضا نص في كون التكبير بعد القيام، و كلام الباقين يحتمل كون التكبير المتقدم تكبير الرفع من السجود، و يؤيده أن السيد في الانتصار حكى الإجماع إلى آخر ما سمعته، و في الخلاف أن التكبير في صلاة العيدين اثنتي عشر تكبيرة، سبعة منها تكبيرة الافتتاح و تكبيرة الركوع، و في الثانية خمس، منها تكبير الركوع، و في أصحابنا من قال: منها تكبيرة القيام، و في المنتهى و المفيد جعل التكبير في الثانية ثلاثا، و زاد تكبيرة أخرى للقيام إليها، و في المختلف و الظاهر أن مرادهم يعني المفيد و القاضي و الحلبيين بالتكبير السابق على القراءة في الركعة الثانية هو تكبيرة القيام إليها، ثم صريح المبسوط أن المصلي يقوم إلى الثانية بتكبير الرفع من السجود، و في النهاية فإذا قام إلى الثانية بغير تكبير، و هو يحتمل نفي تكبير الرفع، كما يحتمله قول ابن سعيد فإذا سجد قام قائلا:

بحول الله و قوته أقوم و أقعد، و في التلخيص ثم يقوم بعد تكبيره على رأي، فيقرأ مع الحمد و الشمس على رأي، و يكبر أربعا و يركع بخامسة على رأي، و هو ظاهر في تحقق الخلاف، قلت: لا ريب في ضعفه على التقديرين، لصراحة النصوص في كون التكبير الزائد في الثانية أربع تكبيرات بعد القراءة بعد كل تكبير قنوت، فمن ادعى نقصانها عن ذلك أو كون تكبير منها بعد القيام أوله قبل القراءة بلا قنوت، أو بقنوت كان مخالفا للنصوص المزبورة المعمول عليها بين الأصحاب، بل لم نجد ما يشهد بخلافه سوى الإجماع في المحكي عن الناصريات، بل قال فيه: لا خلاف في أن من صلى على الترتيب الذي رتبناه حسبما أداه إليه اجتهاده يكون ذلك مجزيا عنه، و إنما الخلاف فيمن خالف هذا الترتيب، فلا إجماع على إجزائه، و لا دليل أيضا عليه غير الإجماع، فوجب أن يكون الترتيب الذي ذكره أولى و أحوط، للإجماع على إجزائه، و هو كما ترى مخالف

ج 11، ص: 367

لا جماعه السابق إن زاد للقيام تكبيرا، و للمعلوم من النصوص و الإجماع من كون التكبير الزائد في الثانية أربعا إن لم يزد للقيام تكبير، و سوى ما في كشف اللثام من الاستدلال ب

مضمر يونس (1)قال: «تكبر فيهما اثنتي عشر تكبيرة، تبدأ فتكبر و تفتتح الصلاة، ثم تقرأ فاتحة الكتاب، ثم تقرأ و الشمس و ضحاها، ثم تكبر خمس تكبيرات، ثم تكبر و تركع فتكون تركع بالسابعة و تسجد سجدتين، ثم تقوم فتقرأ فاتحة الكتاب و هل أتاك حديث

الغاشية، ثم تكبر أربع تكبيرات و تسجد سجدتين و تتشهد و تسلم»

قال:

لحصره التكبير المتأخر عن القراءة في أربع، و يبعد كون المراد حصر التكبيرات الزائدة حيث ذكر الست في الأولى، فإن منها تكبير الركوع، فالمراد ثم يقوم بتكبيرة، و يدفع البعد ذكر الركوع في الأولى و تركه في الثانية، و فيه أولا أنه إنما يتجه هذا إن لم يزيدوا للقيام تكبيرة، و إلا فتركها مع ذكر تكبير الركوع في غاية البعد، و ثانيا أن ذلك ليس بأولى من إرادة الزوائد من الأربع، و عدم ذكره الخامسة استغناء بما ذكره في الأولى، بل هذا أولى من وجوه، خصوصا مع عدم ما يشعر بإرادة القيام بالتكبير، و على كل حال فلا ريب في ضعفه كما عرفته مفصلا.

و حينئذ ف يقرأ الحمد و سورة، و الأفضل أن يقرأ الغاشية عند المصنف و قد عرفت البحث في ذلك كله مفصلا ثم يكبر أربعا و يقنت بينها أربعا بما شاء، و الأفضل بما سمعته سابقا، و قد تحصل من ذلك كله عدد التكبيرات الزائدة و القنوتات و إن كلا منها تسع، و ان ما يحتمله كتب الصدوق و المفيد و سلار من كون التكبيرات ثمانا و القنوتات سبعا أو ثمانا و التكبيرات تسعا في غاية الضعف، بل عن المختلف لا خلاف في عدد التكبيرات الزائدة و أنه تسع تكبيرات، خمس في الأولى و أربع في الثانية،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2 و فيه« عن يونس عن معاوية قال: سألته» إلخ.

ج 11، ص: 368

لكن الخلاف في وضعه، فالشيخ على أنه في الأولى بعد القراءة يكبر خمس تكبيرات و يقنت خمس مرات عقيب كل تكبيرة قنتة، ثم يكبر تكبيرة الركوع و يركع، و في الثانية بعد القراءة يكبر أربع مرات يقنت عقيب كل تكبيرة قنتة، ثم يكبر الخامسة للركوع، و ذهب اليه ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و ابن حمزة و ابن إدريس، و قال المفيد:

في الأولى سبع تكبيرات مع تكبيرة الافتتاح و الركوع، و يقنت خمس مرات، فإذا نهض إلى الثانية كبر و قرأ ثم كبر أربع تكبيرات يركع بالرابعة و يقنت ثلاث مرات، و هو اختيار السيد المرتضى و ابن بابويه و أبي الصلاح و سلار، و هو مع مخالفته لما تقدم عن المنتهى من الحكاية عن الحسن و ابن بابويه قال في كشف اللثام: يخالف ما قدمناه عنه من أن الظاهر أن مرادهم بالتكبير السابق في الركعة الثانية تكبيرة القيام إليها، و هو لا يخلو من نظر، نعم ما حكاه في الكشف عن السرائر لا يخلو من خلل، قال: قال ابن إدريس: و عدد صلاة كل واحد من العيدين ركعتان باثنتي عشر تكبيرة بغير خلاف، و القراءة فيها عندنا قبل التكبيرات في الركعتين معا، و إنما الخلاف بين أصحابنا في القنوتات، منهم من يقنت ثمان قنوتات، و منهم من يقنت سبع قنوتات، و الأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي، و الثاني مذهب شيخنا المفيد، إذ الظاهر أن الصواب تسع بالتاء المثناة، بل قيل: إنه الموجود فيها، إلا أن نسبة ذلك للمفيد مخالفة لصريح كلامه في المقنعة من الثمان قنوتات.

و كيف كان ففي قول المصنف: يكبر أربعا يقنت بينها أربعا تسامح، ضرورة اقتضاء البينونة كون القنوتات ثلاثة، فالأولى أن يقول عقيب كل تكبيرة من التكبير الزائد قنوت، و كأن الذي دعاه إلى هذا التعبير الإيماء إلى المراد مما في النصوص التي عبر فيها بنحو ذلك، ك

صحيح يعقوب (1)«و يكبر خمسا- أي في الأولى- و يدعو


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 8.

ج 11، ص: 369

بينها، ثم يكبر أخرى يركع بها»

و

خبر الجعفي (1)«ثم يكبر خمسا يقنت بينهن ثم يكبر واحدة و يركع بها- إلى أن قال-: و في الثانية و الشمس و ضحاها ثم يكبر أربعا و يقنت بينهن ثم يركع بالخامسة»

و غيرها، فما في المدارك- من أن الظاهر منها سقوط القنوت بعد الخامس و الرابع- إلى أن قال-: و هو الظاهر من كلام ابن بابويه ثم يكبر خمسا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع بالسابعة مما هو ظاهر في الميل إلى ذلك- في غير محله قطعا، إذ لا ريب في أن المراد بقرينة الفتاوى و معاقد الإجماعات و النصوص الأخر التثليث في البينية، أو يراد منها معنى فيها كما في بعض النصوص أيضا أو غير

ذلك مما لا بأس به بعد المعلومية، كما هو واضح، و الله أعلم.

ثم يكبر تكبيرة خامسة للركوع و يركع بها بلا قنوت بلا خلاف نصا و فتوى ف تحصل من ذلك كله أنه على المختار يكون الزائد عن المعتاد من التكبير تسعا و من القنوت ثمانا، فالتكبير حينئذ خمس في الأولى، و أربع في الثانية غير تكبيرة الإحرام و تكبيرتي الركوع و معهما يكون المجموع اثنتا عشر تكبيرة، سبع في الأولى على عدد تكبيرات الافتتاح، و خمس في الثانية على عدد تكبيرات الإحرام في اليوم و الليلة، و ليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا كما أومأ إلى ذلك الرضا (عليه السلام) فيما رواه عنه الفضل بن شاذان (2).

و على كل حال ينبغي أن يرفع يديه مع كل تكبير، ل

خبر يونس (3)«سألته عن تكبير العيدين أ يرفع يده مع كل تكبير أم يجزيه أن يرفع يده في أول التكبير؟ فقال:

مع كل تكبير»

مضافا إلى ما عرفته سابقا في أوائل مباحث كيفية الصلاة من احتمال كون الرفع من هيئات أمثال هذا التكبير في كل صلاة.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 370

ثم إن الظاهر عدم ركنية شي ء من التكبير و القنوت على تقدير الوجوب، لعموم ما دل

(1)على اغتفار السهو، 7427 و على عدم إعادة الصلاة إلا من خمسة، و لتساوي أركانها مع باقي الفرائض و إن وجب ذلك فيها زائدا عليها، و قد يقال بالركنية بناء على أصالتها لا جمال العبادة، إلا أن المصرح به هنا خلافه من دون خلاف بينهم فيه، و هو مما يؤيد ما ذكرناه في المباحث السابقة من المناقشة في هذا الأصل، و حينئذ فلو نسي التكبيرات أو القنوتات أو بعضها حتى ركع مضى في صلاته و لا شي ء عليه، إذ ليست أركانا، بل في الذكرى و غيرها و هل يقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ، و لعله لما سبق من الرواية:

أي

قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(2): «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا»

و نفاه في المعتبر، و تبعه الفاضل، لأنه ذكر و قد تجاوز محله، فيسقط بالأصل السليم عن المعارض، و للشيخ أن يبدي وجود المعارض، و هو الرواية المشار إليها، قلت: قد يحتمل خصوصا فيما إذا كان المنسي القنوت الإتيان به بعد الركوع كما في الفريضة، لكن في الذكرى و لا يقضى في الركوع عندنا، لما فيه من تغيير الهيئة، و لعله المانع من الاحتمال المزبور أيضا، إلا أنه بناء على استفادته مما في الفريضة يرتفع المانع المزبور.

و لو تذكر و هو آخذ في الركوع و لما ينته إلى حده رجع اليه قطعا، و لو قلنا بتقديم التكبير على القراءة في الأولى فنسيه حتى قرأ لم يعد اليه كما في المعتبر، لفوات المحل، و فيه منع، كمنع توقف الفاضل في تذكرته في إعادة القراءة مع استدراكه من حيث عدم وقوعها في محلها، و من صدق القراءة، ضرورة رجحان الأول كما في الفريضة، نعم على المختار لو قدم التكبير على القراءة سهوا اقتصر على إعادة التكبير خاصة، لحصول الامتثال به كما في نظائره.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 7.

ج 11، ص: 371

و لو شك في عدد التكبير أو القنوت بنى على الأقل كما في الذكرى و غيرها، لأنه المتيقن، قال: و في انسحاب الخلاف في الشك في الأوليين المبطل للصلاة احتمال إن قيل بوجوبه، و لو تذكر بعد فعله أنه كان قد كبر لم يضر، لعدم ركنيته، و هو جيد، إلا أنه لا ريب في ضعف الاحتمال المزبور، كما أنه لا ريب في تقييد تدارك الشك بما إذا لم يدخل في محل آخر كالقراءة في الأولى بناء على تقديم التكبير و القنوت عليها، بل لو شك في عدد التكبير و هو في القنوت يقوى عدم الالتفات، لأنه محل آخر و دعوى أن التكبير للقنوت ممنوعة، و لو سلمت لا تنافي، فتأمل.

و لو قدم التكبير و القنوت على القراءة عمدا في الأخيرة أو في الأولى بناء على المختار ففي الذكرى «في بطلان صلاته مع استدراكه في محله عندي الوجهان، البطلان لتغير نظم الصلاة، و عدم إيقاعها على الوجه المأمور به، و لأنه ارتكب منهيا عنه في الصلاة، إذ الأمر بالشي ء نهي عن ضده، و النهي في العبادة مفسد، و الصحة لما تقدم

في الرواية(1)إن «كل ما ذكر الله عز و جل به و رسوله (ص) فهو من الصلاة»

و يحتمل ثالثا و هو البطلان إن اعتقد شرعيته، لأنه يكون مبدعا، فيتحقق النهي، و إن لم يعتقد شرعيته هنا لك كان ذكرا مجردا في الصلاة فلا ينافيها» و فيه- بعد الإغضاء عما في ثاني وجهي البطلان، و عما يشعر به التفصيل من كون احتمال البطلان على تقدير عدم التشريع و هو كما ترى- أن هذا الحكم غير خاص في المقام، بل حاله كحال من قدم السورة على الحمد مثلا عمدا، بل قد يقوى الصحة في المقام بناء على اختصاص دليل إبطال التشريع من

قوله (عليه السلام)(2): «من زاد»

و نحوه في الفريضة اليومية، و قد تقدم تحرير المسألة في المباحث السابقة.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.

ج 11، ص: 372

و على كل حال فلا سجود للسهو فيما نفعله الآن من الصلاة لأنها نافلة، بل و لا في الواجبة للأصل السالم عن معارضة ما دل على وجوبهما بعد انصرافه للفرائض اليومية، خلافا للمحكي عن الكاتب و أول الشهيدين و غيرهما.

و لو أدرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه، فإذا ركع ركع معه قطعا بناء على الندب لوجوبها مع إرادة الجماعة فلا يعارضها، بل لا يبعد ذلك على الوجوب أيضا إذا لم يتمكن من الفعل و لو مخففا، لأنهما حينئذ كالقراءة، بل جزم الفاضل به من دون قضاء بعد التسليم، و بأنه لو أدرك الإمام راكعا كبر و دخل معه و اجتزأ بالركعة و لا قضاء عليه، و تبعه العلامة الطباطبائي في ذلك كله، بل لا خلاف أجده فيه إذا لم يتمكن حتى من التكبير ولاء، نعم احتمل في الذكرى منعه عن الاقتداء إن علم التخلف، و وجوب الانفراد إن لم يعلم، لوجوبهما عليه، و لا دليل على تحمل الإمام كالقراءة، و الاقتداء و إن وجب لكنه ليس جزءا من الصلاة، و اعترضه في كشف اللثام بأن هذه الصلاة لا تجب على المنفرد، قلت: يكفي في الجواز من غير فرق بين الجماعة الواجبة و المندوبة إطلاق أدلة الائتمام المؤيدة بخصوص ما دل على اغتفار بعض الزيادة و النقصان له، أما إذا تمكن من إتمام التكبير ولاء بلا قنوت ففي القواعد و المنظومة عدم الوجوب عليه، بل في الثاني التصريح بأن الواجب الممكن منهما معا مرتبان فيه إلى أن يخشى الفوات، فيقطعهما معا، لكن عن المبسوط و السرائر و جملة من كتب الفاضل و الدروس و غيرها أنه يكبر ولاء، من غير قنوت، و احتمله في القواعد، و لعله لأن كلا من التكبير و القنوت واجب مغاير للآخر، فلا يسقط الميسور منهما بالمعسور، و فيه- بعد تسليم استقلال وجوب التكبير و أنه ليس للقنوت- أنه مناف للترتيب المعتبر فيهما كما هو واضح.

و أما عدم القضاء بعد التسليم فللأصل السالم عن المعارض، و لأنه كذكر الركوع

ج 11، ص: 373

الذي فات محله، خلافا للمحكي عن المبسوط و غيره، و لعله كما قيل بناء على أصله من أنه لو نسيه المصلي قضاه بعد الصلاة، و فيه مع أنه في القنوت خاصة ليس المقام من النسيان، بل هو من الترك عمدا للمتابعة، كما أنه لا دليل على تحمل الامام غير القراءة، بل عدم تحمله القنوت في الفريضة يدل بطريق الأولى على العدم في المقام، لكن احتمل في الذكرى تحمله الدعاء، و لا ريب في ضعفه، و عليه فلا بأس بدعاء المأموم سواء كان بدعاء الإمام أو غيره كما صرح به في الذكرى، لعدم اقتضاء التحمل عدم المشروعية، و القياس على القراءة بناء عليه فيها لا يجوز التعويل عليه، و الله أعلم.

[النظر الثاني في سنن صلاة العيدين]
اشاره

و سنن هذه الصلاة

[منها الإصحار بها]

أمور منها الإصحار بها حتى ينظر إلى آفاق السماء إجماعا بقسميه، بل المحكي منهما إن لم يكن متواترا فهو مستفيض كالنصوص (1)المتضمنة للفعل و القول، بل قد يشم من بعضها و لو من حيث مخالفة السنة الكراهة في غيرها، و لعله المراد من نفى الجواز في غيرها المحكي عن النهاية، و على كل حال فهو مسنون إلا بمكة إجماعا بقسميه أيضا، و

رفع محمد بن يحيى (2)إلى الصادق (عليه السلام) أنه قال: «السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلى الصحراء إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام»

و إلحاق مسجد المدينة به اجتهاد في مقابلة النص المتضمن لفعله (عليه السلام) و غيره، بل في المحكي عن السرائر أن الصلاة فيه أي المسجد الحرام تكون في الصحن دون موضع الصلاة منه، و لا بأس به إذا كان الصحن هو الخالي من الظل كما أومأ إليه في كشف اللثام، بل ينبغي له حيث يصلي في البلد في غير مكة أو يحصل له عذر من مطر أو وحل أو خوف أو نحوها من الأعذار التي يسقط معها مثل ذلك أن يطلب مكانا بارزا أي يكون ظله حال الصلاة فيه السماء لا سقف و نحوه كما أومأت اليه النصوص، ك

قول الرجل (عليه السلام) في خبر سلمان بن حفص(3): «الصلاة يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد- الحديث 11.

ج 11، ص: 374

الفطر بحيث لا يكون على المصلي سقف إلا السماء»

و غيره، و نص عليه في الجملة العلامة الطباطبائي.

[منها تأكد السجود فيها على الأرض]

و منها تأكد السجود فيها على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه بلا خلاف أجده فيه، بل

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضيل(1): «أتى أبي بخمرة يوم الفطر فأمر بردها، و قال: هذا يوم كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يحب أن ينظر فيه إلى آفاق السماء و يضع جبهته على الأرض»

بل قد يومي ذلك باعتبار شرف الجبهة إلى استحباب مباشرتها بجميعه أي بحيث لا يصلي على بساط و نحوه، بل

قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «لا تصلين يومئذ على بساط و لا بارية»

ظاهر في الكراهة كما أومأ إليه في المنظومة.

[منها أن يقول المؤذن أو غيره الصلاة ثلاثا]

و منها أن يقول المؤذن أو غيره الصلاة ثلاثا فإنه لا أذان و لا إقامة لغير الخمس بلا خلاف فيه بين العلماء كما في المدارك، و في

صحيح إسماعيل بن جابر(3)«قلت أي لأبي عبد الله (عليه السلام): أ رأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟ قال: ليس فيهما أذان و لا إقامة و لكن ينادى الصلاة ثلاث مرات»

و ظاهره استحبابه لهما على نحو الأذان لليومية، بل قد يستفاد من ذلك و من قول أبي

جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(4)الذي اقتصر عليه الصدوق كما قيل أذانهما طلوع الشمس في أحد الوجهين استحبابه للوقت و لخصوص الصلاة، لكن في المدارك عن الذكرى ظاهر الأصحاب أن هذا النداء ليعلم الناس الخروج إلى المصلى، لأنه أجري مجرى الأذان المعلم بالوقت، ثم قال: و مقتضى ذلك أن محله قبل القيام إلى الصلاة، و قال أبو الصلاح محل هذا النداء بعد القيام إلى الصلاة، فإذا قال المؤذنون ذلك كبر الإمام


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة العيد- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.

ج 11، ص: 375

تكبيرة الإحرام و دخل بهم في الصلاة، و الظاهر تأدي السنة بكلا الأمرين، و على كل حال فالأمر سهل، و قد تقدم في بحث الأذان بعض الكلام الذي له تعلق في المقام، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[منها أن يخرج الامام حافيا ماشيا]

و منها أن يخرج الامام حافيا ماشيا كما فعله

الرضا (عليه السلام) بمرو(1)بعد أن قال: «إني أخرج كما خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام)»

و لأنه أبلغ في التذلل و الاستكانة، لكن مقتضى ذلك عدم الفرق بين الامام و المأموم خلافا لظاهر المتن و من عبر كعبارته، بل قيل: إنه صريح المبسوط و ظاهر الأكثر، لكن

أطلق في المحكي عن التذكرة و النهاية و غيرها و إن كنت لم أتحققه في الأول منهما و مقتضاه العموم كصريح المحكي عن جامع المقاصد، بل في الأولين الإجماع على إطلاقهما بل في الأول منهما إجماع العلماء، بل في كشف اللثام لا أعرف وجها للتخصيص سوى أنهم لم يجدوا به نصا عاما، و لكن في المعتبر و التذكرة أن بعض الصحابة كان يمشي إلى الجمعة حافيا

و قال (2): «سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار»

و لعل التعميم أوفق بقاعدة التسامح، كالمشي الظاهر في الخشوع و الذل و المسكنة المطلوبة للجميع من غير فرق بين الامام و المأموم، على أن

المروي (3)«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يركب في عيد و لا جنازة»

و هو الذي فعله

الرضا (عليه السلام) لما أراد الخروج كخروج رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) «فإنه لما طلعت الشمس قام فاغتسل و تعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه و تشمر، ثم قال لجميع مواليه: افعلوا


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 229.
3- 3 المستدرك- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 376

مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج و هو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة، فلما مشى و مشينا بين يديه و كبر أربع تكبيرات فخيل لنا أن السماء و الحيطان تجاوبه، و القواد و الناس على الباب قد تهيأوا و لبسوا السلاح و تزينوا بأحسن الزينة، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة و طلع الرضا (عليه السلام) وقف على الباب وقفة ثم قال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، و الحمد لله على ما أبلانا نرفع بها أصواتنا قال ياسر:

فترغرغت مرو بالبكاء و الضجيج و الصياح لما نظروا إلى أبي الحسن (عليه السلام)، و سقط القواد عن دوابهم و رموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (عليه السلام) حافيا و كان يمشي و يقف في كل عشر خطوات و يكبر ثلاث مرات»

إلى آخره.

و على كل حال فالأولى ولى تعميم المشي للإمام و غيره كما هو صريح بعض و ظاهر إطلاق آخر الذي هو معقد إجماع العلماء في التذكرة، و عن المعتبر و المنتهى و التذكرة من السنة أن يأتي العبد ماشيا و يرجع ماشيا، لكن ظاهر جماعة بل لعله الأكثر اختصاص ذلك بالإمام، بل

في المقنعة روي (1)«أن الامام يمشي يوم العيد و لا يقصد المصلى راكبا و لا يصلي على بساط و يسجد على الأرض و إذا مشى رمى ببصره إلى السماء و يكبر بين خطواته أربع تكبيرات ثم يمشي»

و الأول أولى.

و على كل حال ينبغي أن يكون على سكينة و وقار ذاكرا لله سبحانه إجماعا فيما حكي عن التذكرة و النهاية، على أن فيه من الخضوع و الخشوع ما لا ينكر، و قد سمعت حكاية ما فعله الرضا (عليه السلام)، بل منه يستفاد استحباب أمور أخر كالغسل و نحوه و لعله لذا و مرسل المقنعة و غيرهما من اتحاد الجمعة و العيد و نحوه قال في المنظومة:


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.

ج 11، ص: 377

و ليكن الخروج بعد كل ماقد سن في الجمعة أن يقدما

كالغسل و التطبيب و التزين و الاعتمام و الرداء اليمني

و المشي بالوقار و السكينةو الذكر فيه و الحفا مسنونة

كذلك التطميح و التشميرو الجهر بالتكبير و التكرير

و الأمر سهل.

[منها أن يطعم قبل خروجه في الفطر، و بعد عوده في الأضحى مما يضحى به]

و منها أن يطعم أي يأكل بنفسه قبل خروجه في الفطر، و بعد عوده في الأضحى مما يضحى به إن كان إجماعا منا بقسميه و نصوصا، بل في

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا، و لا تأكل يوم الأضحى شيئا إلا من هديك و أضحيتك، و إن لم تقو فمعذور»

مما هو ظاهر في كراهة الترك كغيره من النصوص، و ينبغي أن يكون المأكول في الفطر تمرا تأسيا بالنبي (صلى الله عليه و آله) لما

روي (2)عنه أنه (صلى الله عليه و آله) «كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر»

و عن الإقبال ان ابن أبي قرة(3)روى بإسناده إلى الرجل (عليه السلام) قال: «كل تمرات يوم الفطر، فان حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك»

و

قال النوفلي (4)لأبي الحسن (عليه السلام): «إني أفطرت يوم الفطر على طين و تمر فقال لي: جمعت بركة و سنة»

لكن في المحكي عن السرائر أنه روي الإفطار فيه على التربة الحسينية(5)و أن هذه الرواية شاذة من أضعف أخبار الآحاد، لأن أكل الطين على اختلاف ضروبه حرام بالإجماع إلا ما خرج بالدليل من أكل التربة الحسينية على متضمنها أفضل الصلاة و السلام للاستشفاء فحسب القليل منها دون الكثير


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 283.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
5- 5 المستدرك- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.

ج 11، ص: 378

للأمراض، و ما عدا ذلك فهو باق على أصل التحريم و الإجماع، و تبعه على ذلك جماعة ممن تأخر عنه، فشرطوا في جواز تناولها العلة كغيره من الأيام، بل في كشف اللثام لعل النوفلي استشفى بها من علة كانت به، قلت: أو مزجه بالتمر مزجا استهلكه فيه و إن بقيت بركته، فلا ريب أن الأحوط تركها مع عدم العلة، و الجمع بينها و بين التمر معها و أحوط من ذلك الجمع بينهما و بين السكر، لما في الذكرى من أن الأفضل الحلاوة، و أفضلها السكر و إن كنت لم أقف على أثر له هنا بالخصوص إلا ما يحكى من فقه الرضا (عليه السلام)(1)و الأمر سهل، إذ- مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه- ما نحن فيه من المستحب في المستحب، للأمر بأكل شي ء في النصوص التي لا يحكم عليها غيرها، كما هو واضح.

هذا كله في الفطر، و أما الأضحى فقد عرفت أصل الحكم فيه، لكن قد يوهم عبارة المتن و ما ضاهاها اختصاص الاستحباب بمن يضحي كما يحكى عن أحمد بن حنبل الذي قد أجمع علماء الفريقين على خلافه في ذلك، و من هنا كان حمل العبارة على إرادة التعريض به لا موافقته متعينا، و كيف كان فان لم يقو على الصبر إلى العود أو التضحية فمعذور كما يشهد له الاعتبار و الأخبار، و الله أعلم.

[منها أن يكبر في عيد الفطر و الضحى]

و منها أن يكبر في عيد الفطر على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل عليه عامة المتأخرين، بل يمكن ادعاه الإجماع عليه كما عن جامع المقاصد و الغرية، و لعله لشذوذ قول السيد كما عن المفاتيح نحو ما عن المنتهى من الإجماع على نفى الوجوب في الفطر، و أن خلاف السيد و أبي علي لا يؤثر في انعقاده، و عن المعتبر «استحبابه في الفطر قول فضلائنا و أكثر الجمهور» بل عن الخلاف و الغنية «الإجماع عليه» و عن الأمالي «انه من دين الإمامية» بل عن مصابيح الظلام «قد اتفقت الشيعة


1- 1 المستدرك- الباب- 10- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.

ج 11، ص: 379

في الأعصار و الأمصار على عدم الالتزام به أي في العيدين العلماء و الأعوام» بل فيه أيضا أن مراد السيد من الوجوب ما على تركه اللوم و العتاب لا الذم و العقاب، لأن الشيخ قال: الوجوب عندنا على ضربين: ضرب على تركه اللوم و العتاب، و كيف يراد به المعنى المصطلح و الرواة ما كانوا يعرفونه مع عموم البلوى به.

و كيف كان فلا ريب أن الأقوى استحبابه، لما عرفت و للأصل سيما مع عموم البلوى به، و اشتراك جميع المكلفين فيه من رجل أو امرأة صغير أو كبير، في جماعة أو فرادى، في بلد أو في قرية، في سفر أو حضر كما يقتضيه الإطلاق، و ادعى في الخلاف الإجماع عليه، و في

خبر حفص بن غياث (1)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «على الرجال و النساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات، و على من صلى وحده و من صلى تطوعا»

فلا ريب في استبعاد خفاء مثل هذا الحكم الذي هو عام مثل هذا العموم، هذا مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سعيد النقاش (2)«اما أن في الفطر تكبيرا و لكنه مسنون، قال قلت: أين هو؟ قال: في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة و صلاة الفجر و العيد ثم يقطع»

، و الاستدراك و استناد القائل بوجوبه إلى الكتاب يوهن احتمال إرادة الواجب بالسنة منه، مع أنه خلاف الظاهر، و

خبر محمد بن مسلم أو صحيحه المروي عن المستطرفات عن نوادر البزنطي (3)أنه سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن التكبير بعد كل صلاة فقال: كم شئت انه ليس بمفروض»

و الإطلاق إلى المشيئة معللا بأنه ليس بمفروض كالصريح في إرادة نفى الوجوب بالمعنى المصطلح منه، مضافا إلى اعتضاده و سابقه بما سمعت و بما تسمع مما يدل على عدم وجوبه


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 380

في أيام التشريق من النصوص (1)و غيرها بناء على عدم القول المعتد به بالفضل بينهما فثبوت الندب فيها يلزمه في المقام كالعكس، فيصح الاستدلال بأدلة كل من الطرفين على الآخر بعد تتميمه بالإجماع المركب، كل ذلك مع عدم المعارض المقاوم، إذ آية التكبير(2)على الهداية ليست صريحة في الوجوب بل و لا ظاهرة، خصوصا إذا عطف و ما قبله على اليسر(3)في «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ» و

كتابة الرضا (عليه السلام) إلى المأمون فيما رواه عنه الصدوق في العلل عن الفضل بن شاذان (4)«و التكبير في العيدين واجب»

كقول الصادق (عليه السلام) في خبر الأعمش (5)المروي عن الخصال الآتي يمكن إرادة الثبوت أو التأكد منهما، بل لعل الثاني منهما المنساق إلى الذهن من التأمل في مجموع الدليلين.

و منه يعلم أولوية إرادة ذلك من غيره من

النصوص الواردة(6)بلفظ «عليهم التكبير»

و نحوه إذا صرحها اللفظ المزبور و عرفت قوة الاحتمال المذكور فيه، سيما بعد ما تسمعه في تكبير الأضحى و سمعته من الأدلة السابقة التي لا يقاومها ذلك من وجوه، بل هذا الاختلاف نفسه منضما إلى ما تسمعه من الاختلاف في الأضحى أيضا و إلى الاختلاف في الكيفية أمارة أخرى على الندب كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بكلامهم (عليهم السلام)، و من ذلك كله ظهر لك ضعف ما ذهب اليه المرتضى و أبو علي و ابن شهرآشوب فيما حكي عنهم من الوجوب، بل قيل: قد يظهر ذلك من الوسيلة و المراسم في المقام إلا أنك قد سمعت احتمال إرادة ما يرتفع به الاختلاف من أصله، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 181.
3- 3 سورة البقرة- الآية 181.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة العيد.

ج 11، ص: 381

و أما محل التكبير ف عقيب أربع صلوات أولها المغرب من ليلة الفطر و آخرها صلاة العيد بلا خلاف فيه نصا و فتوى بمعنى مشروعية التكبير بعد ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، إنما الكلام في مشروعيته في غير ذلك، فالمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا عدمه، لكن عن البزنطي يكبر الناس في الفطر إذا خرجوا إلى العيد، و اختاره في المعتبر محتاجا عليه بفعل علي (عليه السلام)(1)و جماعة من الصحابة، و

قال المفيد: «روي (2)أن الامام يمشي يوم العيد و لا يقصد المصلى راكبا، و إذا مشى رمى ببصره إلى السماء و يكبر بين خطواته أربع تكبيرات»

و قد سمعت ما فعله الرضا (عليه السلام) حال خروجه لكن في عيد الأضحى على الظاهر، و تسمع أيضا فيما يأتي نحوه، و عن الكاتب مشروعيته عقيب النوافل و الفرائض، و عن رسالة علي بن بابويه أنه يكبر عقيب ست بزيادة الظهر و العصر، و هو ظاهر ولده في الفقيه، حيث قال بعد رواية سعيد النقاش السابقة: و في غير(3)رواية سعيد «و في الظهر و العصر» و لعله لذا استحبه في

المحكي عن الأمالي و المقنع عقيب الست، و فيما كتبه المأمون (4)إلى الرضا (عليه السلام) «التكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات، و يبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر»

و عن

الخصال بإسناده عن الأعمش (5)عن جعفر بن محمد (ع) في حديث شرائع الدين قال: «و التكبير في العيدين واجب، أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر»

و لعل المراد خمس فرائض مع صلاة العيد، فتكون ستا كما نص عليه في المحكي (6)عن فقه

الرضا (عليه السلام) و الأمر سهل بعد التسامح نعم لم أقف على ما يشهد لما سمعته


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
6- 6 المستدرك- الباب- 16- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.

ج 11، ص: 382

عن أبي علي هنا، و كونه ذكرا مستحبا على كل حال لا يقضي باستحباب الخصوصية نعم يمكن استفادته مما تسمعه من نصوص التكبير(1)بعد النوافل أيام التشريق و الله أعلم بحقيقة الحال.

و كذا يستحب أن يكبر في الأضحى أيضا على المشهور شهرة عظيمة بل هي من المتأخرين إجماع، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية، و الغنية الإجماع عليه، و سمعت ما عن مصابيح الظلام المؤيد بما نجده الآن في أعصارنا من العلماء و غيرهم و بما تقدم سابقا في عيد الفطر مما لا يخفى عليك جريانه في المقام، مضافا إلى الأصل، سيما فيما نعم به البلوى، و

صحيح علي بن جعفر(2)سأل أخاه (عليه السلام) «عن التكبير أيام التشريق أو أحب هو؟ قال: يستحب»

خلافا للمرتضى فأوجبه مدعيا في ظاهر انتصاره الإجماع عليه، و هو عجيب، ضرورة كون العكس مظنة ذلك، و من هنا قال في المحكي عن المختلف أن الإجماع على الفعل دون الوجوب، و في الذكرى أنه حجة على من عرفه و على كل حال فلم نتحقق ما ذكره من الإجماع، بل المتحقق خلافه، نعم عن الشيخ في التبيان و

الاستبصار و الجمل و العقود و أبي الفتوح في روض الجنان و ابن حمزة و الراوندي في فقه القرآن وجوبه على من كان بمنى دون غيره، و في كشف اللثام أنه احتمله و العكس في حل المعقود من الجمل و العقود ثم رجح الأول، و إن كان الإنصاف أن مقتضى الدليل عدم الفرق بين منى و غيره، إذ هو الخبران (3)السابقان المطلقان اللذان قد عرفت قصورهما عن المعارضة، و أن المراد بهما الثبوت أو التأكد، كما يشهد له هنا

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(4): «التكبير واجب في دبر كل


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة العيد و الباب 22 منها- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5 و 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 12.

ج 11، ص: 383

صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق»

المعلوم إرادة التأكيد أو الثبوت من لفظ الوجوب فيه، لعدم القائل به بالنسبة إلى النافلة، و كذا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر حفص بن غياث (1)المتقدم آنفا.

و منه يعلم الحال في غيرها، فتدبره، و قوله تعالى (2)«وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ» أي أيام التشريق بلا خلاف كما في الخلاف، و الذكر فيها التكبير كما

في حسن ابن مسلم (3)سأل الصادق (عليه السلام) عن الآية قال: «التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث، و في الأمصار عشر صلوات»

و في كشف اللثام أنه ليس نصا في التفسير، و لا لفظ الآية متعينا بهذا المعنى قلت: على أنه محمول على الندب حينئذ، ك

صحيح علي بن جعفر(4)سأل أخاه (عليه السلام) «عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟ قال: نعم و لا يجهرن»

و ما في المحكي عن

قرب الاسناد له عن عبد الله بن الحسن العلوي (5)عنه (عليه السلام) أنه سأله «عن الرجل يصلي وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟ قال: نعم، فإن نسي فلا شي ء»

و غيرهما، و الكل كما ترى لا اختصاص فيه بمن كان بمنى، لكن في كشف اللثام أن دليله اختصاص الآية مع الأصل، و

قول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن عمار(6): «تكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من أيام التشريق إن أنت أقمت بمنى، و إن أنت خرجت فليس عليك تكبير بعد الخروج»

و فيه أنه لا دلالة في الآية على الاختصاص، بل حسن ابن مسلم السابق كالصريح في خلافه، و الأصل مقتضاه العدم في الجميع، و المراد من

حسن ابن عمار أنه إن أقام إلى النفر الثاني كبر إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 سورة البقرة- الآية 199.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.

ج 11، ص: 384

فجر آخر أيام التشريق، و إن خرج في النفر الأول فليس عليه تكبير بعد الخروج، كما هو واضح.

و كيف كان فمحله في منى، و ألحق بها المفيد مكة، بل في كشف اللثام و هو مراد غيره أيضا، فإن الناسك يصلي الظهرين أو إحداهما غالبا بمكة.

و على كل حال فليكبر عقيب خمس عشرة صلاة أولها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى و آخرها الفجر من اليوم الثالث و في باقي الأمصار عقيب عشرة أولها الظهر المزبور، و آخرها الغداة أيضا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى، بل في الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و ظاهر المعتبر على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه، نعم في

صحيح معاوية(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التكبير في أيام التشريق لأهل الأمصار فقال: يوم النحر صلاة الظهر إلى انقضاء عشر صلوات و لأهل منى في خمس عشرة صلاة فإن أقام إلى الظهر و العصر كبر»

و سأل غيلان (2)أبا الحسن (عليه السلام) «عن التكبير في أيام الحج من أي يوم يبتدى به و في أي يوم يقطعه و هو بمنى، و سائر الأمصار

سواء أو بمنى أكثر فقال: التكبير بمنى يوم النحر عقيب صلاة الظهر إلى صلاة الغداة من يوم النفر، فإن أقام الظهر كبر و إن أقام العصر كبر، و إن أقام المغرب لم يكبر، و التكبير بالأمصار يوم عرفة صلاة الغداة إلى النفر الأول صلاة الظهر، و هو وسط أيام التشريق»

و سأل علي بن جعفر(3)أخاه (عليه السلام) «عن التكبير في أيام التشريق فقال: يوم النحر صلاة الأولى إلى آخر أيام التشريق من صلاة العصر تكبر و تقول»

إلى آخره.

و مقتضى الجميع زيادة التكبير على خمس عشر، بل في خبر غيلان أن التكبير في


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 15.

ج 11، ص: 385

الأمصار في يوم عرفة إلا أنه- مع عدم موافقته لباقي النصوص بل و ل

قوله (عليه السلام) فيه:

«و هو وسط أيام»

إلى آخره- محمول على ما عند العامة بمعنى أن العامة في الأمصار كذا تفعل و أما تلك الزيادة فلا بأس بها بعد التسامح و إن كنت لم أجد مصرحا بها، إلا أنها ليست كذلك بذلك التأكد.

كما أن الأقوى استحبابه بعد النوافل أيضا كما عن أبي علي و الشيخ التصريح به بل مال إليه في الرياض، فما عن المشهور- من عدم الاستحباب، بل قيل: إنه كاد يكون إجماعا، و انه قد يظهر من الخلاف و الانتصار انعقاد الإجماع عليه- لا يخلو من نظر، لخبر حفص بن غياث (1)و موثق عمار(2)المتقدمين سابقا، و

خبر علي بن جعفر(3)سأل أخاه (عليه السلام) «عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير؟ قال:

نعم، فإن نسي فلا بأس»

و أما استحبابه في غير أعقاب الصلاة فقد سمعت ما ذكرناه سابقا في تكبير عيد الفطر، و في المحكي عن المنتهى قال بعض أصحابنا: يستحب للمصلي أن يخرج بالتكبير إلى المصلى، و هو حسن لما

روي (4)عن علي (عليه السلام) «أنه خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الجبانة»

و

في الفقيه (5)«أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب في الأضحى فقال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر، و لله الحمد الله أكبر على ما هدانا، و له الشكر فيما أبلانا، و الحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»

و لكنه يمكن أن يكون التكبير الذي بعد الصلاة،

و فيه (6)أيضا «أنه كان إذا فرغ من الصلاة- يعني صلاة عيد الأضحى- صعد المنبر، ثم بدأ


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
4- 4 كنز العمال- ج 4 ص 339- الرقم 6859.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
6- 6 الفقيه ج 1 ص 328- الرقم 1487 المطبوع في النجف.

ج 11، ص: 386

فقال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر زنة عرشه، و رضا نفسه، و عدد قطر سمائه و بحاره له الأسماء الحسنى، و الحمد لله»

إلى آخر الخطبة، و في المحكي عن البيان عن أبي علي أنه قال: يكبر الامام على الباب أربع تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، و لله الحمد الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، الحمد لله على ما أبلانا يرفع بها صوته، و كلما مشى نحو عشر خطى وقف و كبر و قال: و يرفع به يديه إن شاء و يحركهما تحريكا يسيرا.

و أما كيفية التكبير في الفطر و الأضحى ف يقول: الله أكبر الله أكبر و في التكبيرة الثالثة تردد ينشأ من الأصل و خلو أكثر النصوص عنها، و من بعض نسخ خبر النقاش في التهذيب مع التسامح، و المشهور الأول، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و خيرة بعض الثاني، بل نسب إلى النهاية لكن لم نتحققه، و الأولى ذكر الثالثة بعنوان الاحتياط، و أحوط منه تكرير

تمام الدعاء بالتثنية و التثليث، و على كل حال ثم يقول:

لا إله إلا الله و الله أكبر و الحمد لله على ما هدانا، و له الشكر على ما أولانا، و يزيد في الأضحى و رزقنا من بهيمة الأنعام كما في القواعد و المحكي عن النهاية لكن في القواعد الحمد لله بلا واو و الذي عثرنا عليه في النصوص التي ينبغي التعويل عليها و لو بالتخيير بين ما فيها

خبر سعيد النقاش (1)في تكبير الفطر، و هو على ما في الكافي و الفقيه و أكثر نسخ التهذيب «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا» مع زيادة «و الحمد لله على ما أبلانا» في الفقيه خاصة،

قيل: و كذا الهداية و الأمالي للصدوق، و

خبر الأعمش المروي (2)في الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في الفطر أيضا «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، و الحمد لله على ما أبلانا- إلى أن قال-:


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.

ج 11، ص: 387

و يزاد أي في تكبير الأضحى و الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»

و كأنه إلى هذه الرواية أشار

الصدوق (رحمه الله) بقوله: روي أنه لا يقال في عيد الفطر: «و رزقنا من بهيمة الأنعام»

فإن ذلك في أيام التشريق.

و على كل حال فالخبران مخالفان للكيفية التي في المتن، و لم أجد غيرهما في تكبير الفطر، بل في المدارك أن خبر النقاش هو الأصل في الحكم، و في المعتبر «و يحسن عندي ما رواه النقاش» إلخ إلا أنه ثلث التكبير، و لا بأس به، و إن كان في الكافي و الفقيه و أكثر نسخ التهذيب التثنية كما عرفت، و كأنه هو الذي اعتمده غيره حتى المنظومة، فقال:

صورته التهليل بين أربع ما بينها الحمد و بين المقطع

و بعدها زيد في الأضحى واحدةتبلغ ستا مع تلك الزائدة

لكن كثير من عبارات الأصحاب لا توافق تمام ما في الخبرين، إذ في المقنعة في تكبير الفطر نحو ما في الكتاب، و في المحكي عن مصباح الشيخ و مبسوطة و الجامع في عيد الفطر نحو ما في الكتاب لكن بزيادة «و لله الحمد» قبل قوله «الحمد لله» مع ترك الواو في التحميد الثاني، و في الخلاف «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد» و إن عليه الإجماع، لكن في كشف اللثام يحتمل الإجماع على خلاف ما حكاه عن الشافعي و مالك و ابن عباس و عمر من أنه أن يكبر ثلاثا نسقا، فان زاد على ذلك كان حسنا، و يؤيده أنه لم نجد من وافقه عليه ممن تقدمه فضلا عن أن يكون مجمعا عليه، و عن السرائر و التلخيص في تكبير الفطر أيضا «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، و الحمد لله على ما أولانا» و في النافع «الله أكبر ثلاثا، لا إله إلا الله، و الله أكبر و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا» و عن المهذب و روض الجنان لأبي الفتوح من أنه «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر و لله الحمد على ما هدانا، و له الشكر على ما أولانا» قيل: و نحوه عن أبي علي

ج 11، ص: 388

لكن ليس فيه «و له الشكر على ما أولانا» و عن نهاية الأحكام أن الأشهر «الله أكبر مرتين لا إله إلا الله، و الله أكبر الله أكبر على ما هدانا، و له الحمد على ما أولانا» بل عن الروض أنه المشهور لكن مع إبدال الحمد بالشكر، إلى غير ذلك.

و أما الأضحى فالذي في النصوص منه ما سمعته، كخبر الأعمش الذي عبر به الصدوق في المحكي من المقنع و حج الفقيه، و منه

صحيح زرارة(1)«الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر» و في غير التهذيب «الله أكبر و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»

و هو الذي أشار إليه فيما سمعته من المنظومة، و رواه منصور بن حازم (2)في الصحيح و الحميري (3)في قرب إسناده عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر على ما في كشف اللثام، بل رواه أيضا

معاوية ابن عمار(4)في الصحيح لكن مع زيادة «و الحمد لله على ما أبلانا»

في آخره،] كموثق عمار و عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر(5)كصحيح زرارة إلا أنه ترك فيه «الله أكبر» قبل «و لله الحمد» كما أن مرسل الفقيه (6)عن أمير المؤمنين مثل الصحيح المزبور أيضا إلا أنه حذف فيه ما بعد «و لله الحمد» إلى الآخر، و قد سمعت ما قاله الرضا (عليه السلام) في خروجه (7)و أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته(8).

و أما عبارات الأصحاب فتثليث التكبير في أوله محكي عن البزنطي و الدروس و الجعفرية و في الذكرى عن أبي علي، لكن في المعتبر عنه التربيع، و سمعته في حكاية(9)فعل الرضا (عليه السلام) بمرو، و المشهور التثنية، بل المصنف في النافع و أبو العباس في


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 15.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
8- 8 الفقيه ج 1 ص 328- الرقم 1487 المطبوع في النجف.
9- 9 الوسائل- الباب- 19- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 389

الموجز ممن قال بالتثليث في الفطر قالا بالتثنية هنا، مع أن

الصادق (عليه السلام) قال في خبر ابن عمار(1): «تكبر ليلة الفطر و صبيحة الفطر كما تكبر في العشر»

بل هو الظاهر من باقي النصوص إلا خصوص زيادة الحمد على رزق البهيمة التي قد أرسل الصدوق (2)النهي عن قولها في الفطر و أنها في الأضحى خاصة، و كأن الذي ألجأهم إلى التثنية هنا اتفاق نصوص المقام عليها كما عرفت، و لعله هو الأقوى، إلا أنه لا ريب في كون الاحتياط ذكرها بعنوانه، و الأحوط منه تكرير الدعاء مرتين محافظة على الهيئة و إن كان ضعيفا.

و أما باقي الفصول ففي المقنعة و القواعد نحو ما هنا إلا أن «الحمد لله» بلا «واو» كما عن بعض نسخ الكتاب، و عن المصباح و مختصره و المبسوط و الوسيلة و الجامع نحو المتن لكن بزيادة «و لله الحمد» قبل قوله: «الحمد لله» و كذا عن روض الجنان لأبي الفتوح لكن بإبدال «الحمد لله» بقوله «و لله الحمد» بل و كذا عن المهذب هنا، لكن عنه في الحج

«الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر على ما هدانا، و الحمد لله على ما أولانا و رزقنا من بهيمة الأنعام»

و في حج الكتاب و عن السرائر و التلخيص و حج النهاية و المبسوط و الإرشاد كما هنا لكن بإبدال «الحمد لله على ما هدانا و له الشكر على ما أولانا» بقوله: «الله أكبر على ما هدانا و الحمد لله على ما أولانا» نحو ما عن حج التحرير، لكن ليس فيه «الحمد لله على ما

أولانا» و في المقنعة «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر، و الحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام» و في النافع نحو ما سمعته من صحيحي زرارة و منصور إلا أن فيهما زيادة «الله أكبر و لله الحمد» قبل «الله أكبر على ما هدانا» و لعل ما في النافع مبني على ما في التهذيب من سقوط هذه الزيادة، و في كشف اللثام و كذا المنتهى و التذكرة و

في فقه القرآن


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.

ج 11، ص: 390

للراوندي «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد، و الحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»

و عن الحسن «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، و الله أكبر و لله الحمد على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام» و عن أبي علي «يكبر أربعا و يقول: لا إله إلا الله، و الله أكبر الله أكبر و لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، و الحمد لله على ما أبلانا» و به حسن ابن عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) إلا أن التكبير في أوله مرتين، و في السرائر و التلخيص ما مر عنهما بزيادة «و رزقنا من بهيمة الأنعام» و في نهاية الأحكام ما مر عنهما بهذه الزيادة، و قال في المنتهى: «و هذا شي ء مستحب فتارة يزاد، و تارة ينقص» إلى غير ذلك من الاختلاف الذي يمل السمع بالتعرض لتمامه، خصوصا مع

مخالفته لما في النصوص، بل قد وقع من الشخص الواحد في الكتاب الواحد في المقام و في الحج كالمصنف في الكتاب و غيره، و هذا كله أوضح شي ء دلالة على الندب، و من هنا قال جماعة بعد أن حكوا جملة من عبارات الأصحاب في الفطر و الأضحى: «و الكل حسن إن شاء الله» قلت: لا ريب في أن مراعاة ما في النصوص بعد إضافة ما في بعضها من الزيادة إلى الآخر أولى، و الله أعلم، هذا كله فيما ذكره المصنف من السنن، و إلا فالمستفاد من النصوص و باقي كتب الأصحاب أزيد من ذلك كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة.

[أما ما يكره]

و أما ما يكره ف الخروج إلى الصحراء للصلاة بالسلاح من غير عذر كخوف و نحوه بلا خلاف أجده فيه، لمنافاته الخضوع و الاستكانة، و ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر السكوني (2)«نهى النبي (صلى الله عليه و آله) أن يخرج السلاح


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 391

في العيدين إلا أن يكون عدو حاضر» و في كشف اللثام كذا في الكافي، و في التهذيب «إلا أن يكون عذر ظاهر».

و كذا يكره أن يتنفل أداء أو قضاء مبتدأة أو ذات سبب إماما كان أو مأموما في يومي

العيدين قبل الصلاة و بعدها إلى الزوال إلا بمسجد النبي (صلى الله عليه و آله) بالمدينة فإنه يستحب له أن يصلي فيه ركعتين قبل خروجه إلى صلاة العيد تأسيا بالنبي (صلى الله عليه و آله) بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى، بل في الخلاف و عن المنتهى و جامع المقاصد الإجماع على الكراهة في يوم العيد قبل الصلاة و بعدها إلى الزوال للإمام و المأموم، و منه يعلم إرادة الكراهة من النصوص (1)المستفيضة المتضمنة لنفي الصلاة قبل صلاة العيدين و بعدها المعلوم إرادة النهي منه كما في النصوص الأخر، مضافا إلى الشهرة العظيمة، بل يمكن أن يراد مما ذكره الحلبيان و القاضي و ابن حمزة و غيرهم ممن حكي عنهم مما ظاهره الحرمة للتعبير بعدم الجواز و نحوه الكراهة، لغلبة تعبيرهم بما في النصوص و إناطة إرادتهم بالمراد منها كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بكلامهم.

فدغدغة بعض الناس في الحكم هنا باعتبار اتفاق النصوص هنا على النفي و النهي من غير معارض مما يقتضي الجواز- سوى

خبر سلمان الفارسي (2)المروي مسندا إليه في المحكي عن ثواب الأعمال، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من صلى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن سبح اسم ربك الأعلى فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله، و في الركعة الثانية و الشمس و ضحاها فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس، و في الثالثة و الضحى فله من الثواب كمن أشبع جميع


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 392

المساكين و دهنهم و نظفهم، و في الرابعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة و خمسين سنة مستدبرة»

و هو مع القدح في سنده و احتماله بعد الزوال غير مكافئ لها من وجوه، خصوصا مع ظهوره في الاستحباب الذي لم يظهر به قائل من الأصحاب، بل قال الصدوق بعد نقله هذا: «لمن كان إمامه مخالفا فيصلي معه تقية ثم يصلي هذه الأربع ركعات للعيد، فأما من كان إمامه موافقا لمذهبه و إن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي بعد ذلك حتى تزول الشمس» و في الرياض «أنه بهذا التوجيه يخرج الخبر عن محل الفرض، لكون الأربع ركعات حينئذ صلاة العيد كما عليه جماعة تقدم إلى ذكرهم مع دليلهم الإشارة» و إن كان فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم إشعار الخبر المزبور بشي ء من ذلك، بل ظاهره أو صريحه أنها ليست صلاة عيد- في غير محلها، إذ قد عرفت أنا في غنية عن هذا الخبر في ثبوت أصل الجواز بالإجماعات و غيرها، فيحمل النفي و النهي حينئذ على الكراهة كما عليه الأصحاب عدا من عرفت المحتمل كلامه ما يوافقهم أيضا، و إلا كان ضعيفا.

و أضعف منه ما يستفاد من المحكي عن أبي علي هنا من عدم الكراهة في مثل صلاة التحية، قال: و لا يستحب التنفل قبل الصلاة و لا بعدها للمصلي في موضع التعبد فان كان الاجتياز بمكان شريف كالمسجد الحرام أو مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) فلا أحب إخلاءه من ركعتين قبل الصلاة و بعدها، و قد

روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يفعل ذلك بالبدأة و الرجعة في مسجده»

و فيه أولا أنا لم نقف على الخبر المزبور، نعم

قال الصادق (عليه السلام) في خبر الهاشمي (1): «ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا في المدينة، قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 10..

ج 11، ص: 393

تصلى في مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى، ليس ذلك إلا بالمدينة، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) فعله»

و هو- مع اعتضاده بالشهرة العظيمة على الاستثناء، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، بل عن المنتهى دعواه صريحا عليه- الحجة على إطلاق الصدوق و الشيخ في الخلاف الكراهة من غير استثناء مسجد المدينة، و ثانيا بعد تسليم ما ذكره من الخبر المزبور قال في الذكرى: و هذا أي إلحاق كل مكان شريف بمسجد النبي (صلى الله عليه و آله) كأنه قياس، و هو مردود و كأنه أومأ إلى ما عن المختلف من الاستدلال له بتساوي المسجدين في

أكثر الأحكام و بتساوي الابتداء و الرجوع، ضرورة وضوح منع التساوي هنا نصا و فتوى، نعم في كشف اللثام دليله عموم أدلة استحباب صلاة التحية، و لا يصلح ما ورد هنا لتخصيصها فإن الأخبار هنا إنما دلت على أنه لم يرتب في ذلك اليوم نافلة إلى الزوال، و أن الراتبة لا تقضى فيه قبل الزوال، و ذلك لا ينافي التحية إذا اجتاز المسجد بدء و عودا، و خبر الهاشمي أفاد استحباب إتيان مسجده (ص) و الصلاة فيه و عدم استحباب مثله في غير المدينة، و هو أمر وراء صلاة التحية إن اجتاز بمسجد، و إن فهم منه ابن إدريس استحباب الصلاة إن اجتاز به، و استحب المصنف في النهاية و التذكرة صلاة التحية إن صليت صلاة العيد في المسجد كالمحقق في المعتبر، لعموم استحبابها، و اختار في المنتهى العدم، لعموم النهي عن التطوع إلا في مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) و فيه أن الإجماع المحكي المعتضد بالتتبع مع

صحيحي زرارة(1)عن الباقر و الصادق (ع) «لا تقض وتر ليلك إن كان فاتك حتى تصلي الزوال في يوم العيدين»

يكشف أن المراد مما في صحيح زرارة(2)و صحيح الحلبي (3)و صحيح عبد الله بن سنان (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2 و 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 7.

ج 11، ص: 394

و غيرها من أنه ليس قبل صلاة العيد و لا بعدها صلاة عدم فعل نافلة أصلا، لا أن المراد

عدم توظيف نافلة قبل صلاة العيد أو بعدها، و إلا لم يكن وجه للنهي عن خصوص القضاء.

كما أنه لم يقل أحد بالفرق بينه و بين غيره من النوافل ذوات الأسباب و غيرها فلا ينبغي التأمل حينئذ في تخصيص ما دل على التحية أو غيرها بما هنا، سواء قلنا بينهما عموم و خصوص مطلق كما في الذكرى أو من وجه، ضرورة رجحان المقام من وجوه، و إلا لم يكن فرق بين التحية و غيرها، و لا بين وقوع صلاة العيد في المسجد و غيره كما سمعته من الفاضلين.

فظهر من ذلك كله قوة ما عليه الأصحاب و أنه لا يلحق بمسجد النبي (صلى الله عليه و آله) غيره حتى الحرام، خلافا للمحكي عن الكيدري فألحقه به، و لم نقف له على شاهد، و قوة ما يستفاد من خبر الهاشمي من كون استحباب الركعتين في مسجد المدينة من الموظف في ذلك اليوم، فيستحب حينئذ له القصد و الصلاة لا إذا اتفق اجتيازه، بل هو ظاهر عبارات الأصحاب، خصوصا المحكي من معقد إجماع المنتهى الذي هو عين ما عن المبسوط و غيره.

ثم إن الظاهر من صحيحي قضاء الوتر(1)و

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد، سأل أخاه (عليه السلام) «عن الصلاة في العيدين هل من صلاة قبل الإمام أو بعده؟ قال: لا صلاة إلا ركعتين مع الامام»

الصدوق في ثواب الأعمال، و كأنه توهمه من قولهم بعد تسليم اتفاقهم على نحو هذا التعبير: قبل صلاة العيد و بعدها الظاهر في وقوعها، لكن يمكن أن يكون


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2 و 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة العيد- الحديث 12.

ج 11، ص: 395

ذلك تبعا للنصوص التي من المعروف عدم تركها في ذلك الزمان لا أنه تقييد للكراهة، فالأقوى حينئذ ما عرفت، وفاقا لظاهر المنظومة أو صريحها و الرياض و المحكي عن الكاشاني، و ترتفع الكراهة بالزوال على الظاهر لتقييد صحيحي قضاء الوتر بذلك، فيحمل إطلاق غيره عليه و لو بعدم القول بالفصل، لكن فيهما «حتى تصلي الزوال» و ظاهر الفتاوى أو صريحها ارتفاعها بالوقت لا بالفعل، و لعله المراد من الصحيحين إلا أنه وقع ذلك موقع الغالب، و على كل حال فالكراهة هنا من حيث الخصوصية و إن كانت دائرة بين ما عرفت، لا أنها من حيث مقارنة النافلة لطلوع الشمس مثلا، و إلا لم تعم ذات السبب و غيره، كما هو واضح، و الله أعلم.

مسائل خمس
[المسألة الأولى التكبير الزائد هل هو واجب أو لا؟]

قد تقدم الكلام في الأولى منها، و هي أن التكبير الزائد على تكبير الإحرام و الركوع هل هو واجب أو لا؟ و قد ذكرنا هناك ما يظهر منه الوجه فيمن قال فيه تردد و أن الأشبه الوجوب لا الاستحباب و أنه بتقدير الوجوب هل القنوت واجب أولا؟ و ما ينشأ منه كل من الوجهين أو القولين و ذكرنا هناك أيضا أن الأظهر نعم لا لا (11) كما لا يخفى على من لاحظ تمام ما تقدم له و (12) منه يعلم أنه بتقدير وجوبه هل يتعين فيه لفظ (13) مخصوص أو لا؟

و أن الأظهر أنه لا يتعين وجوبا (14) فراجع و تأمل.

[المسألة الثانية إذا اتفق عيد و جمعة]

المسألة الثانية (15) المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل في الخلاف الإجماع عليه أنه إذا اتفق عيد و جمعة فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة (16) و قد

قال الصادق (عليه السلام) لما سأله الحلبي في الصحيح (1)عن اجتماعهما فقال: «اجتمعا في زمان علي (عليه السلام)، فقال: من شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأت، و من قعد فلا يضره و ليصل الظهر»

و هو كما في المدارك مع صحة سنده و صراحته في المطلوب


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 396

مؤيد بالأصل و عمل الأصحاب و على الامام و ينبغي له أن يعلمهم ذلك في خطبته كما في

خبر إسحاق بن عمار(1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى: أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا، فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له»

و قيل كما عن ظاهر أبي علي و بعض متأخري المتأخرين الترخص مختص بمن كان نائيا عن البلد كأهل السواد دفعا لمشقة العود و الانتظار و هو الأشبه عند المصنف لخبر إسحاق المزبور و

خبر سلمة(2)عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال: «اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فخطب الناس فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل، و من لم يفعل فان له رخصة يعني من كان متنحيا»

إلا أنه ليس فيه كون المنزل نائيا، و لعله لذا لم يعتبره في اللمعة، فخصها بأهل القرى، بل في الروضة التصريح بكونها قريبة أو بعيدة، و يمكن إرادة ذلك من نحو عبارة المتن، فيتفق الجميع حينئذ على كون الرخصة لمن لم يكن في البلد، أو يراد بما في

اللمعة ما في المعتبر من قصرها على من لم يكن من أهل البلد، و يلحقه مشقة بالعود أو الإقامة، و يتفق الجميع حينئذ أيضا.

و قال القاضي و الحلبيان فيما حكي عنهم: لا تخيير بل يجب الحضور على كل من اجتمعت فيه شرائط التكليف، لقصور النصوص عن تخصيص أدلة الوجوب، و فيه منع القصور خصوصا بعد الانجبار بالإجماع المزبور الذي يشهد له التتبع و إن كان من أدلة الوجوب الكتاب، إذ هو على التحقيق يخص بخبر الواحد، كما أن خبر إسحاق بعد الإغضاء عن سنده قال محمد بن أحمد بن يحيى: أخذته من كتاب محمد بن حمزة بن اليسع رواه عن محمد بن الفضيل و لم أسمع أنا منه، بل قال بعضهم أيضا: لا دلالة فيه على عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.

ج 11، ص: 397

الرخصة لغير القاضي، و خبر سلمة مع الطعن في سنده أيضا لا حجة في قوله فيه:

«يعني» إلى آخره. لعدم العلم بكونه من الامام، بل لعل الظاهر خلافه، فلا تكافئا الصحيح المزبور المعتضد بالإجماع المحكي و بالشهرة العظيمة و بغير ذلك مما لا يخفى، فالقول حينئذ بإطلاق الرخصة هو الأقوى، نعم ينبغي قصرها على غير الامام، لعدم ظهور النصوص فيما يشمله، بل ظاهر بعضها خلافه فحينئذ يجب عليه أن يحضر كما عن السيد و غيره للأصل و العموم، فان حصل معه العدد صلى جمعة، و إلا صلى ظهرا، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة الخطبتان في العيدين بعد الصلاة]

المسألة الثالثة الخطبتان في العيدين بعد الصلاة إجماعا بقسميه، بل من المسلمين فضلا عن المؤمنين، و لا ينبغي استثناء عثمان بني أمية و إن حكي عن المنتهى نفي معرفة الخلاف إلا منهم، لعدم اندراجهم فيمن ذكرنا كي يحتاج إلى الاستثناء، و نصوصا(1)مستفيضة أو متواترة و في صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) و مضمر معاوية بن عمار(3)منها أن تقديمهما عليها كان بدعة من عثمان، و

في الأول منهما زيادة «أنه لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ قام الناس ليرجعوا، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين و احتبس الناس للصلاة»

و قد يظهر منه أنه لا يجب استماعهما و إلا لاحتبسهم له و لم يحتج إلى التقديم، مضافا إلى الأصل و النبوي السابق (4)بل يظهر منه أنه يستحب كما عن البيان و الروض و المقاصد العلية و المفاتيح الإجماع و عن كنز العرفان نفي الخلاف فيه، و هو حجة أخرى على عدم الوجوب، مضافا إلى ما قيل من الإجماع في التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و الغرية على عدم وجوب حضورها و استماعها على المأمومين، و المنتهى نفي الخلاف عنه، و التحرير الإجماع على عدم وجوب الاستماع، لكن تقدم سابقا التأمل في ذلك في الجملة، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.
4- 4 كنز العمال- ج 4 ص 315- الرقم 6413 و 6430.

ج 11، ص: 398

[المسألة الرابعة لا ينقل المنبر من الجامع]

المسألة الرابعة

روى إسماعيل بن جابر(1)عن الصادق (عليه السلام) في صلاة العيدين «ليس فيها منبر و لا يحرك

و لا ينقل المنبر من موضعه أي الجامع إلى الصحراء بل يعمل و يصنع شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب» و المراد أنه يفعل ذلك استحبابا بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك الإجماع عليه، فالأمر حينئذ في الخبر المزبور مراد منه ذلك، كما أن النهي فيه مراد منه الكراهة بلا خلاف أجده فيه، بل في المعتبر أنه فتوى العلماء و عمل الصحابة، و عن تعليق النافع و فوائد الشرائع الإجماع عليه، فلا ينبغي حينئذ التأمل في ذلك و إن ظن بعض الناس أن ما عن التلخيص من نسبة ما في المتن إلى رأي إشارة إلى ما يظهر من أكثر العبارات من حرمة النقل، و فيه أنه في التلخيص عبر كعبارتهم، فقال على ما حكي عنه: لا ينقل المنبر بل يعمل منبر من طين على رأي، اللهم إلا أن يكون أراد الحرمة و الوجوب على رأي، و هو كما ترى، و نحوه ما قيل أيضا من أنه أشار به إلى الخلاف في نقل المنبر في صلاة الاستسقاء بناء على مساواة هذه الصلاة لها، و الأمر سهل بعد ما عرفت، نعم قد يحرم النقل بالعارض كمنافاته لغرض

الواقف و نحوه، و لعل منه ما لو أثبته في المسجد على وجه ظاهر في عدم إرادة نقله، ثم إن تخصيص المنبر بالطين في المتن و غيره تبعا للنص، بل في مفتاح الكرامة أني تتبعت ما حضرني من كتب الأصحاب فوجدتها ناطقة بأن المنبر يعمل من طين غير أن في البيان و الميسية و الروض و المسالك من طين أو غيره، و نحو ذلك الدروس حيث قال: و يعمل منبر في الصحراء، قلت: و هو الأقوى، و الله أعلم.

[المسألة الخامسة إذا طلعت الشمس حرم السفر المفوت للصلاة الواجبة عليه]

المسألة الخامسة إذا طلعت الشمس حرم السفر المفوت للصلاة الواجبة عليه حتى يصلي صلاة العيد للمقدمة إن كان ممن تجب عليه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، و لكن في المدارك في المقام أن الكلام المتقدم في


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 399

السفر يوم الجمعة بعد الزوال آت هنا، قلت: قد سمعته و سمعت ما فيه هناك، فلاحظ و لا تغفل، كما أن إطلاق المحكي عن المبسوط و جامع الشرائع الكراهة بعد الفجر يجب تنزيله على ما قبل طلوع الشمس لما عرفت، و لو كان قبل طلوع الفجر جاز قطعا، و عن النهاية و التذكرة إجماعا للأصل بلا معارض إلا إذا كان ممن يجب عليه السعي قبل الفجر و سافر في وقت تضيق الخطاب به، فان القول بالمنع لا يخلو من وجه، بل في المحكي عن نهاية الأحكام أن من كان بينه و بين العيد ما يحتاج معه إلى السعي قبل طلوع الشمس ففي تسويغ السفر له نظر، أقربه المنع، بل عن الموجز و كشفه الجزم بالمنع من غير تردد و مثله آت فيما قلناه، إذ لا فرق في ذلك بين طلوع الفجر و طلوع الشمس بعد اشتراكهما في الجواز لمن لا يجب عليه السعي، و على كل حال ف في جواز خروجه أي المكلف بالصلاة بعد الفجر و قبل طلوعها أي الشمس تردد ينشأ من الأصل، لعدم تعلق الوجوب بعدم حصول سببه، و من

صحيح أبي بصير المرادي (1)«إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح و أنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك للعيد»

و عدم دخول الوقت لا ينفي الوجوب بسبب آخر كالصحيح و نحوه و الأشبه الجواز لرجحان الأصل هنا على ظاهر النهي المزبور الذي يمكن إرادة الكراهة منه هنا، خصوصا بعد اشتهاره فيها، و بعد معلومية مشاركة الجمعة و العيد الثابتة من الأخبار و الإجماع التي تصير قرينة على ذلك هنا بعد ما ثبت في الجمعة أن السفر قبل النداء مكروه، فلاحظ و تأمل، مضافا إلى ما في الرياض من أن الظاهر إطباق الأصحاب على عدم الحرمة، و لعله حمل ما عن النهاية و القاضي من أنه لا يخرج منه بعد طلوع الفجر إلا أن يشهد الصلاة على إرادة الكراهة، كما أنه حمل ما يحكى عن الغنية و التقي من أنه لا يجوز السفر يوم العيد قبل صلاته الواجبة، بل في الأولى الإجماع على إرادة بعد طلوع الشمس، إذ لا وجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة العيد- الحديث 1.

ج 11، ص: 400

للصلاة قبله، و قد مر في الجمعة ما يجب ملاحظته في المقام حتى في البيع وقت النداء الذي صرح بحرمته هنا في المحكي عن الدروس و الموجز و كشفه إذا قال المؤذن الصلاة، و الله أعلم بحقيقة الحال، و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا على ما أنعم و وفق و سهل و يسر لإتمام هذه المباحث، و الشكر له، و صلى الله على محمد و آله أهل بيت الوحي و معدن التنزيل.

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين

[الفصل الثالث في صلاة الكسوف]
اشاره

الفصل الثالث من الركن الثالث في صلاة الكسوف

[و الكلام في سببها و كيفيتها و حكمها]
اشاره

للشمس أولها، و للقمر التي تجب له و لغيره من الآيات، و لذا قال و يقع الكلام في سببها و كيفيتها و حكمها، أما

[الأول في سببها]
اشاره

الأول فتجب عند كسوف الشمس و خسوف القمر بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض إن لم يكن متواترا(1)كالنصوص ، و الكسوف و الخسوف معروفان هما انطماس نور النيرين أي

احتجابهما، ففي المحكي عن القاموس يقال: كسفت الشمس و القمر كسوفا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات.

ج 11، ص: 401

احتجبا، و الله إياهما حجبهما، و الأحسن في القمر خسف و في الشمس كسفت، و نحوه قال الجوهري إلا أنه جعل انكسفت الشمس من كلام العامة، و فيه مع أن المحكي عن الهروي جوازه ما في الذكرى و المدارك من أن نصوص أئمة اللسان و الإنسان مملوءة من هذا اللفظ، كما أن الغالب فيها التعبير بلفظ الكسوف عن كسوفي القمر و الشمس، و على كل حال فالمدار في الوجوب تحقق المصداق المزبور من غير مدخلية لسببه من حيلولة الأرض أو بعض الكواكب و غيرها، لا طلاق النصوص و الفتاوى، و عدم مدخلية شي ء من ذلك في المفهوم لغة و عرفا و شرعا، نعم قد يتوقف في غير المنساق منه عرفا كانكساف الشمس ببعض الكواكب الذي لم يظهر إلا لبعض الناس، لضعف الانطماس فيه، فالأصول حينئذ بحالها، فما في كشف اللثام- من أنه لا إشكال في وجوب الصلاة لهما و إن كان لحيلولة بعض الكواكب- جيد إن كان الحاصل و المتعارف مما يتحقق به صدق اسم الانكساف عرفا، لكن قال: فان مناط وجوبها الإحساس بالانطماس، فمن أحسن به كلا أو بعضا وجبت عليه الصلاة أحس به غيره أولا، كان الانطماس على قول أهل الهيئة لحيلولة كوكب أو الأرض أو لغير ذلك، و إذا حكم المنجمون بالانطماس بكوكب أو غيره و لم يحس به لم تجب الصلاة لعدم الوثوق بقولهم شرعا، و إن أحس به بعض دون بعض فإنما تجب الصلاة على من أحس به و من يثبت عنده بالبينة دون غيره من غير فرق في جميع ذلك بين أسباب الانطماس، فلا وجه لما في التذكرة و نهاية الأحكام من الاستشكال في الكسف بشي ء من الكواكب، من عدم التنصيص، و أصالة البراءة و خفائه لعدم دلالة الحس عليه، و إنما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به كالمنجم، و من كونه آية مخوفة، و ذلك لأن النصوص كلها تشمله، و الكلام في الوجوب لما يحس به لا ما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به، و لا لما في الذكرى من منع كونه مخوفا، فان المراد بالخوف ما خافه العامة غالبا و هم لا يشعرون بذلك، و ذلك لأن على صلاة

ج 11، ص: 402

الكسوفين الإجماع و النصوص من غير اشتراط بالخوف، نعم قد يتجه ما فيهما من الاستشكال في انكساف بعض الكواكب من عين ما ذكر، و الأقرب الوجوب فيه أيضا لكونه من الأخاويف لمن يحس به، و المخوف ما يخافه معظم من يحس به لا معظم الناس مطلقا.

قلت: قال في التذكرة: «هل تجب هذه الصلاة في كسف الكواكب بعضها لبعض أو كسف أحد النيرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم: إنه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ من عدم التنصيص و خفائه، و الحس لا يدل عليه، و إنما يستفاد من المنجمين الذين لا يوثق بهم، و من كونه آية مخوفة فيشارك النيرين في الحكم، و الأول أقوى» و قال في الذكرى: «لو كسف بعض الكواكب أو كسف الشمس ببعض الكواكب كما نقل أن الزهرة رئيت في جرم الشمس كاسفة لها فظاهر الخبر السابق في الآيات يقتضي الوجوب، لأنها من الآيات» و قوى الفاضل عدمه، لعدم النص و أصالة البراءة، و منع كون ذلك مخوفا، فان المراد بالمخوف ما خافه العامة غالبا و هم لا يشعرون بذلك، و في المدارك بعد نقل ذلك عنهما قال: «و الأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما تضمنته الرواية(1)» و لا يخفى عليك محال النظر من ذلك كله، خصوصا ما في كشف اللثام، لما عرفت من انصراف إطلاق أدلة الكسوف إلى ما هو المتعارف منه كائنا ما كان سببه، أما غيره فلا يدخل تحت الإطلاق المزبور، بل ربما شك في صدق الاسم على بعض أفراده فضلا عن انصراف الإطلاق إليه، نعم قد يتجه وجوب الصلاة له إذا كان يدخل تحت أخاويف السماء كما أشار إليه في الذكرى، أو مسمى الآية بناء على الوجوب لهما كما ستعرف، و كان الحاصل مما يتحقق به مسماهما، فاطلاع بعض الناس حينئذ على انكساف النيرين ببعض الكواكب مثلا لا عبرة به من حيث الكسوف إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.

ج 11، ص: 403

كان من غير الأفراد المتعارفة، أما من حيث كونه مخوفا أو آية فمبني على تحققهما، و الظاهر أن المعتبر في الأول منهما غالب الناس لا خصوص الجبان أو المنجم الذي غالبا يخاف من أكثر الاقترانات باعتبار ما خمنه و

حدسه من أحكامها، و لعله إليه أشار العلامة الطباطبائي بقوله:

و الشرط في المخوف خوف انتشرفليس للنادر فيه من أثر

إذ أمارات الخوف منها ما هو مجبول عليه طبائع الحيوانات فضلا عن الإنسان، و منها ما يعرفه خصوص الإنسان باعتبار وقوع الهلاك بأمثاله في سالف الأزمنة، و منها ما دلت عليه النصوص كالكسوف، ففي المقنعة أنه

روي (1)عن الصادقين (عليهما السلام) «أن الله إذا أراد تخويف عباده و تجديد الزجر لخلقه كسف الشمس و خسف القمر، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله بالصلاة»

و في

خبر عمارة(2)عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) «ان الزلازل و الكسوفين و الرياح الهائلة من علامات الساعة فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة، و افزعوا إلى مساجدكم»

و في

المروي (3)عن العلل و العيون عن علي بن الحسين (عليهما السلام) «أما أنه لا يفزع للآيتين و لا يرهب بهما إلا من كان من شيعتنا،فإذا كان ذلك منهما فافزعوا إلى الله عز و جل و راجعوه»

و في

خبر العيون الآخر بسنده إلى الفضل بن شاذان (4)عن الرضا (عليه السلام) «إنما جعل للكسوف صلاة لأنه من آيات الله، لا يدرى الرحمة ظهرت أم لعذاب، فأحب النبي (صلى الله عليه و آله) أن تفزع أمته إلى خالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها و يقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى الله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 3.

ج 11، ص: 404

عز و جل»

و احتمال الأمر الرحمة و العذاب لا ينافي الخوف بل يحققه، و في

خبر ابن أبي يعفور(1)عن الصادق (عليه السلام) «كسوف الشمس أشد على الناس و البهائم»

إلى غير ذلك مما هو دال على هذا المعنى، و لعل عدم خوف غالب سواد الناس من ذلك جهلا منهم أو لاعتياده، نعم قد يقال: إنه ليس في شي ء من هذه النصوص ما يقضي باشتراط كون الصلاة له بالخوف منه بحيث لو علم كونه لرحمة لم تشرع الصلاة له حتى يعارض إطلاق ما دل على وجوب الصلاة، به مع احتماله خصوصا

بعد انصراف الإطلاق إلى ما لا يشمل النادر فضلا عن الإفراد الفرضية.

و على كل حال فما سمعته من كشف اللثام من وجوب الصلاة بالكسوف المزبور في غير محله، لعدم انصراف الإطلاق إليه، كما أن ما اعترض به على الشهيد أيضا كذلك ضرورة كون مراد الشهيد كما سمعت أن وجه العدم عدم انصراف إطلاق الكسوف إلى ما يشمله، و عدم كونه من الآيات المخوفة حتى يندرج في غيره، لا أن مراده اشتراط وجوب صلاة الكسوف بالخوف، على أنك قد عرفت احتماله بل قوته، أما انكساف النجوم على وجه يكون من الآيات المخوفة فلا إشكال في وجوب الصلاة لذلك لا لصدق الكسوف، ضرورة اختصاص ذلك بالشمس و القمر، و اما إذا لم يكن كذلك بل كان كسوفها بقلة نورها بحيث لا يعرفه و لا يلتفت اليه إلا العارف المراقب لذلك فلا وجوب قطعا، للأصل السالم عن المعارض بعد انصراف الكسوف و الآيات و الأخاويف إلى غيرها، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر من كشف اللثام عدم الوثوق بقول المنجمين مطلقا، و لعله لعدم ثبوته أو ثبوت عارف به غير الأئمة (عليهم السلام)، لكن في الذكرى «أنه لو أخبر رصديان عدلان بمدة المكث أمكن العود إليهما أي دون الاستصحاب، لأنه فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.

ج 11، ص: 405

موضوع المسألة فيما لو ستر الكسوف غيم مثلا، فإنه يصلي أداء- ثم قال-: و لو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب فالأقرب أنهما و من أخبراه بمثابة العالم» قلت: و يؤيده- مضافا إلى معلومية الرجوع إلى أهل الخبرة في كل ما لهم خبرة فيه بناء على أن المقام منه- جريان العادة بصدقهم، حتى أن المرتضى و من تابعه مع شدة مبالغته في إنكار النجوم قال فيما حكي عنه: «إن الكسوفات و اقترانات الكواكب و انفصالها من باب الحساب و تسيير الكواكب، و له أصول صحيحة و قواعد سديدة، و ليس كذلك ما يدعونه من تأثير الكواكب في الخير و الشر و النفع و الضر، و لو لم يكن في الفرق إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجري مجراها فلا يكاد يبين فيها خطأ البتة، و أن الخطأ الدائم المعهود في الأحكام الباقية حتى أن الصواب فيها عزيز، و ما يتفق فيها من الإصابة قد يتفق من المخمن أكثر منه، فحمل أحد الأمرين على الآخر بهت و قلة دين» قلت: و هو كذلك، فانا لم نعثر في زماننا على خطأ لهم في أصل الكسوف في الجملة، بل و لا حكي لنا، نعم قد يتوقف في مقدار المكث، كما أنه قد يتوقف في تعيين الساعة التي يقع فيها الكسوف، لما نجده من الاختلاف فيه بينهم، و حينئذ تقل ثمرة الاعتماد عليهم إلا فيما اتفقوا عليه، و الله أعلم.

هذا كله في الكسوفين و أما الزلزلة فظاهر الذكرى كالمنظومة الإجماع عليه فيها، بل في الخلاف و التذكرة الإجماع عليه صريحا، بل ظاهر المتن عدم الخلاف فيه، و لعله كذلك، إذ اقتصار أبي الصلاح على الكسوفين و ابني الجنيد و زهرة على المخوف السماوي و المبسوط على الكسوفين و الرياح المخوفة و الظلمة الشديدة لا صراحة فيه بالخلاف، بل في الذكرى استظهار اندراجها في المخوف السماوي، إذ لعل النسبة إلى السماء باعتبار كون البعض فيها، أو المراد خالق السماء، لا طلاق نسبته إلى الله تعالى كثيرا أو غير ذلك، كما أن من المحتمل إرادة المثال مما في المبسوط، و إلا كان محجوجا

ج 11، ص: 406

بالإجماعين المعتضدين بما عرفت، و ب

خبر الديلمي (1)المجبور بما سمعت عن الصادق (عليه السلام) «إذا أراد الله أن يزلزل الأرض أمر الملك أن يحرك عروقها فتحرك بأهلها قلت: فإذا كان كذلك فما أصنع؟ قال: صل صلاة الكسوف»

و

صحيح محمد ابن مسلم و بريد بن معاوية عن الباقرين (عليهما السلام)(2)قالا: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تخف أن يذهب وقت الفريضة»

و الظاهر إرادة ما يشمل الزلزلة من الآيات المشار إليها، ضرورة إرادة المتعارف منها، بل قد يدعى كون المراد منه الآيات المشار إليها، ضرورة إرادة المتعارف منها، بل قد يدعى كون المراد منه الآيات المخوفة التي هي كالكسوف كما هو صريح الروضة و غيرها، فيوافق حينئذ التعليل الذي عن علل الفضل

(3)بل و خبر عمارة(4)الذي لا ريب في إرادة الصلاة من الفزع فيه إلى المساجد و لو بقرينة و رود مثله في الكسوف، بل و ما يستفاد من كثير من النصوص منها ما فرع فيها الصلاة للكسوفين على كونهما آيتين من آيات الله من أن مدار الصلاة على حدوث الآية التي لا إشكال في شمولها لها، و إن كان الظاهر إرادة آيات الخوف و الرعب لا مطلق الآيات، ضرورة عدم وجوب الصلاة لحدوث كل آية و إن لم تكن منها، فان آيات الله لا تتناهى، فما عساه يظهر من المنظومة من التعميم حيث قال:

و مقتضى العموم في الروايةفرض الصلاة عند كل آية

لا يخلو من إشكال، مع احتمال إرادته آية الخوف كما هو المنساق من النصوص و ما فيها من التعليل و الترتيب بحيث لا يخفى على من له أدنى مسكة.


1- 1 الفقيه ج 1 ص 343- الرقم 1517 المطبوع في النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.

ج 11، ص: 407

و من ذلك كله ظهر أن الأول في قول المصنف و هل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة أو ظلمة و غيرها من أخاويف السماء؟ قيل: نعم، و هو المروي، و قيل:

لا، بل يستحب، و قيل: تجب للريح المخوفة و الظلمة الشديدة حسب هو الأقوى، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الخلاف الإجماع

عليه، بل مقتضى كثير من الفتاوى و ما سمعته من الأدلة عدم الفرق بين أخاويف السماء و غيرها كالخسف و نحوه، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في تعميمه الصلاة بالكسوف و الخسوف و رجفة الأرض و العاصف من الرياح و الظلمة الشديدة و الصاعقة و الصيحة و الهدة و النار التي تظهر في السماء أو غيرها، إلى أن قال:

و نحو ذاك من أخاويف السماءكما من النص الصحيح علما

و ما يعد آية في العرف منها و لو في الأرض مثل الخسف

بل لم أعرف القائل بالثاني و إن حكاه في المفاتيح أيضا، أما الثالث فهو ظاهر المحكي عن المبسوط «صلاة كسوف الشمس و خسوف القمر فرض واجب، و الرياح المخوفة و الظلمة الشديدة تجب مثل ذلك» و النهاية «صلاة الكسوف و الزلازل و الرياح المخوفة و الظلمة الشديدة فرض واجب» قيل: و نحوهما الجامع، و لعل مراد الجميع المثال لا الاقتصار كالوسيلة و المحكي عن الجمل و العقود و المصباح و مختصره من أن الموجب أحد أربع: الكسوفين و الزلزلة و الريح المظلمة، و في الأول و الثاني «الرياح السود المظلمة» و عن الاقتصاد «صلاة الكسوف واجبة عند كسوف الشمس و خسوف القمر و الزلازل المتواترة و الظلمة الشديدة» و نحوه الإصباح كما قيل، لكن زيد فيه الرياح المخوفة، و عن الهداية «إذا انكسف القمر أو الشمس أو زلزلت الأرض أو هبت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلوا» و نحوه المقنع كما قيل لكن زيد فيه حدوث ظلمة، و في النافع

ج 11، ص: 408

أن الموجب الكسوفان و الزلزلة، و

في رواية(1)«تجب لأخاويف السماء»

إلى غير ذلك من العبارات التي قد يظهر الخلاف فيها باقتصارها، خصوصا إذا كانت مثل عبارة النافع، إلا أنه لا ريب في قوة التعميم، و أنه أشهر بل المشهور، لما عرفت، و ل

صحيح محمد بن مسلم و زرارة(2)قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): أ رأيت هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال: كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن»

الذي لا ينافي ما دل على عموم الصلاة للآية المخوفة و إن كانت في الأرض كما عرفت، و

صحيح عبد الرحمن (3)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الريح و الظلمة تكون في السماء و الكسوف فقال (عليه السلام): صلاتهما سواء»

«كان النبي (صلى الله عليه و آله) إذا هبت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغير وجهه و اصفر، و كان كالخائف الوجل حتى ينزل من السماء

قطرة من مطر فيرجع اليه لونه، و يقول: قد جاءتكم بالرحمة»(4)

فإن المراد التسوية في الوجوب منه لا الكيفية، لعدم ملائمة ما هو كالتعليل له من قوله: «كان» إلى آخره. بناء على أنه من تتمة الخبر لا أنه مرسل آخر للصدوق كما هو الظاهر و إن أوهمت بعض العبارات خلافه، فيسقط الاشعار من جهته حينئذ، و لأنه الموافق لظاهر

المروي (5)عن دعائم الإسلام أيضا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «يصلى في الرجفة و الزلزلة و الريح العظيمة و الظلمة و الآية تحدث و ما كان مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس و القمر سواء»

على أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 2.
4- 4 الفقيه ج 1 ص 345- الرقم 1528 المطبوع في النجف.
5- 5 المستدرك- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 409

لو أريد منه الكيفية خاصة لم يخل عن إشعار في الجملة، ك

صحيح الرهط(1)الذين هم الفضيل و زرارة و العجلي و محمد بن مسلم عنهما أو أحدهما (عليهما السلام) «ان صلاة كسوف الشمس و القمر و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات»

كل ذلك مضافا إلى ما سمعت في الزلزلة من التعليل و غيره، و الله أعلم.

[في وقت صلاة الكسوف]

و كيف كان ف وقتها في الكسوف من حين ابتدائه بلا خلاف فيه بين العامة فضلا عن الخاصة إلى حين انتهاء انجلائه وفاقا لأكثر المتأخرين و متأخريهم بل هو ظاهر المحكي عن التقي، بل عن المنتهى أنه اللائح من كلام علم الهدى و الحسن، بل في البيان أنه ظاهر المرتضى، بل نقله في الرياض عن الديلمي و إن كنا لم نتحققه، و خلافا لجل السلف كما في المنظومة، بل الأكثر من غير تقييد عن غيرها، بل المعظم في الذكرى، بل المشهور في جامع المقاصد و كثير ممن تأخر عنه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، إلا أنه و مع ذلك فالأقوى الأول للأصل و إطلاق نصوص الوجوب بالكسوف و الفعل حينه، ضرورة صدقه إلى تمام الانجلاء منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (2)و خبر محمد بن حمران (3): «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها»

و في

المروي (4)عن الدعائم سئل أي جعفر بن محمد (عليهما السلام) «عن الكسوف يكون و الرجل نائم- إلى أن قال-: هل عليه أن يقضيها؟ فقال: لا قضاء في ذلك، و إنما الصلاة في وقته، فإذا انجلى لم يكن له صلاة»

و موثق عمار(5)«إن صليت الكسوف


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 410

إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فان ذلك أفضل، و إن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز»

كصحيح الرهط(1)«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) صلى صلاة كسوف الشمس و الناس خلفه ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها»

إذ من الواضح إرادة ذهاب تمام الكسوف، و لولا أنه وقت لم يجز إيقاع بعض الفعل فيه، كما أن موثقه الآخر(2)و غيره الآمر بالإعادة قبل الانجلاء الظاهر في التمام دال عليه، إذ لو لا أنه وقت لم تشرع الإعادة فيه التي هي عبارة عن الفعل فيه زائدا على المرة، و صحيح محمد بن مسلم و زرارة(3)المتقدم سابقا في كل مخوف سماوي المراد منه على الظاهر بيان مشروعية الصلاة من ابتداء حصول الآية حتى تسكن، نحو قوله تعالى (4)«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» للقطع بعدم وجوب التطويل و التكرار، فليس الغاية إلا بالنسبة إلى ذلك، و لو أريد من «حتى» فيه التعليل كان وجه الدلالة فيه أنه إذا كان العلة فيه السكون فقبل حصوله تشرع الصلاة لوجود علتها، بل منه ينقدح الاستدلال بالتعليل في النصوص السابقة، ضرورة بقاء العلة التي هي كونه آية خوف إلى تمام

الانجلاء، إلى غير ذلك مما لا يخفى على من له أدنى دراية بلسان النصوص.

مضافا إلى ضعف ما يذكر للقول الآخر من الاحتياط المعارض بمثله، و من أن الصلاة لرد النور، و هو حاصل بالأخذ في الانجلاء، و فيه أنه لعلها لرده تماما، و من


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1 و هو خبر معاوية بن عمار.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
4- 4 سورة الإسراء- الآية 80.

ج 11، ص: 411

صحيح حماد بن عثمان (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ذكرنا انكساف القمر و ما يلقى الناس من شدته، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى»

الذي لا صراحة فيه بل و لا ظهور في إرادة تنزيل انجلاء البعض منزلة انجلاء الكل في سقوط الصلاة و عدم مشروعيتها، خصوصا و الذي كان يتذاكرون فيه غير الصلاة من الشدة لا السقوط الذي لم يعرف في النصوص ترتبه على الانجلاء و أنه من أحكامه كي ينساق من إطلاق المنزلة شموله.

فمن الغريب ارتكاب التأويل في أدلة القول الأول بأن المراد من الذهاب و الانجلاء فيها الشروع فيه المنزل منزلته في الصحيح المزبور(2)كما أن المطلق منها يقيد به، أو أن التطويل و الإعادة يجوزان فيما بعد الانجلاء الظاهر النصوص المزبورة، بخلاف الابتداء، كما لعله يقضي به إطلاق جوازهما من الجميع، بل ظاهر الذكرى و البيان شرعية الإعادة عند الجميع، كما تسمعه في مسألة

الإعادة إن شاء الله، أو الحمل على التقية لأنه كما قيل مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أحمد، إذ ذلك كله يمكن التزامه و ارتكابه بعد قوة الدليل بحيث لا يصلح الأول لمعارضته، و مخالفة العامة و الشهرة القديمة- بل ربما ادعي الإجماع عليه قبل المحقق، و إن كان فيه ما فيه بعد معارضتها بالشهرة المتأخرة، و اشتمال النصوص المزبورة على ما يقضي بالوجوب المخالف للعامة- لا تصلح سببا للمكافأة فضلا عن الترجيح.

و على كل حال فثمرة الخلاف في نية القضاء و الأداء بناء على وجوب التعرض لهما في النية، و في سقوط التكليف و عدمه لو فرض علمه به حال الأخذ في الانجلاء و لم يكن قد احترق القرص بناء على عدم القضاء على الجاهل حتى خرج الوقت، و في سقوطه و عدمه أيضا بسعة الوقت للفعل و عدمه، إذ من المعلوم عند العقلاء امتناع تكليف الحكيم


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.

ج 11، ص: 412

بفعل في وقت يقصر عنه، ضرورة كونه من التكليف بالمحال، و من الغريب إنكار صاحب الحدائق هذه القاعدة على الأصحاب و أنه لا ينبغي معارضتها للسنة و الكتاب، و ليتنا فهمنا ما يقول فضلا عن صحته، و لعله يريد أن مقتضى إطلاق النصوص الوجوب مع قصور الوقت، فيكشف ذلك عن عدم إرادة الشارع الفعل في الوقت المزبور إما مطلقا، أو في الحال المخصوص، و فيه أن ذلك خروج عن الموضوع، فلا ينافي القاعدة بل يؤول البحث إلى أن ما نحن فيه من الموقت مطلقا بحيث يسقط التكليف مع قصور الوقت للقاعدة السابقة، أو من الأسباب لا مدخلية للوقت فيه، أو من الأول في حال السعة، و الثاني في حال القصور، و ظاهر من تعرض لهذا الفرع كالمصنف و من تبعه الأول حتى أن الشهيد منهم في الذكرى جعل احتمال السببية في الكسوف كالزلزلة مرفوضا بين الأصحاب.

و من هنا قال المصنف جازما به فان لم يتسع الوقت للصلاة المقتصر فيها على أقل الواجب لم تجب بلا خلاف أجده فيه بين من تأخر عنه إلا ممن ستسمع للقاعدة السابقة، بل مقتضاها عدم الفرق في ذلك بين التلبس بالفعل و عدمه، لاشتراكهما معا في مقتضى القاعدة السابقة كما صرح به في المدارك، بل لا أجد فيه خلافا بينهم إذا لم يكن قد أكمل ركعة، و النهي عن إبطال العمل بعد انكشاف عدم كونه عملا بقصور الوقت لا محل له، و

قول الباقر (عليه السلام) في حسن زرارة و محمد بن مسلم(1): «و تطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و الركوع و السجود، فان فرغت قبل أن ينجلي فاقعد و ادع الله حتى ينجلي، و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي»

قد لا يتناول محل الفرض الذي حصل فيه الانجلاء أو الأخذ فيه على القولين قبل حصول مسمى الركعة مع الاقتصار على أقل المجزي، لا مورد الخبر المزبور المشتمل على جملة من


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.

ج 11، ص: 413

المندوبات كالقنوت و تطويله و نحوهما المنبئ عن سعة الوقت واقعا لتمام الفعل واقعا فضلا عن الركعة، فالمراد حينئذ أنه لو فعل ذلك معتمدا على الاستصحاب مثلا فانجلى قبل الفراغ أتم ما بقي، لحصول التكليف الجامع للشرائط التي منها سعة الوقت واقعا.

لأقل الواجب.

فما في الحدائق- من الاستدلال بالحسن المزبور و الرضوي الذي لم تثبت صحة نسبته «إذا انجلى و أنت في الصلاة فخفف» على الفرق بين التلبس بالفعل بتخيل السعة و قبله، فان الأول يتم و إن بان له القصور بخلاف الثاني- في غير محله، و لعل ما في المحكي عن المنتهى- من أنه لو خرج الوقت في الكسوفين و لم يفرغ منها أتمها مستندا للخبر المزبور- مبني على أن محل فرضه نحو ما سمعته من مورد الخبر لا فيما نحن فيه، سيما بعد انسياق غيره من مثل هذه العبارة و عدم إيمائه للفرق بين الابتداء و الاستدامة بعد، بل ربما قيل: إن مقتضى الجمع بين هذا الكلام منه و بين ما تسمعه منه من الإشكال في الوجوب مع قصور الوقت عن فعل أخف صلاة و جزمه بالوجوب مع إدراك ركعة يعين المصير إلى ذلك، فيحمل حينئذ وجوب الإتمام على ما إذا كان الوقت واسعا و قد أدرك منه ركعة، و العدم على غيره و إن كان في الأثناء، فلاحظ و تأمل.

بل لعل ما عن المعتبر أيضا كذلك، قال: «لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب، و في وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد» و إن أبيت أو أبي كلامه الحمل على ذلك كان محلا للنظر، لما عرفت من أن مقتضى القاعدة المزبورة عدم الفرق، بل مقتضاها البطلان أيضا حتى لو وسع ركعة وفاقا للمشهور بين القائلين بالتوقيت المزبور، إذ هو أيضا قاصر من تمام الفعل، و هو الشرط في التكليف، و تنزيل إدراك الركعة من الوقت منزلة إدراك الوقت كله بعد تسليم شموله لغير اليومية إنما هو مع فرض سعة الوقت إلا أن المكلف بسوء اختياره أو لعذر لم يدرك منه إلا ركعة،

ج 11، ص: 414

لا ما إذا لم يسع في نفسه إلا ركعة كما هو المفروض، بل قوله (عليه السلام) فيه: «من الوقت» فضلا عن لفظ الإدراك كالصريح فيما ذكرنا، فاحتمال تنزيل سعتها منزلة سعة الصلاة كما أن إدراكها كذلك في غير محله بعد حرمة القياس عندنا، و دعوى إرادة الحصول من الإدراك لا اللحوق خاصة نحو أدرك حاجته أي حصلها، و قوله و عاش حتى أدرك زمانه فيصدق حينئذ على الفرض كما ترى، إذ لا ينكر ظهور الخبر المزبور في إرادة اللحوق، بل

قوله (عليه السلام): «فقد أدرك الوقت كله»

كالصريح في سبق الوقت الذي أدركه بالركعة، فلا يصدق على ما إذا كان الوقت كله ركعة، كما هو واضح.

و من ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن المعتبر و المنتهى و التحرير، قال في الأول: «لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب، و في وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد» قال في المدارك: «و كأن منشأ التردد من قصور الوقت و من عدم صراحة الروايات بالتوقيت، لكن فرقه بين ما إذا ضاق الوقت عن إدراك ركعة و بين ما إذا وسع الوقت و قصر عن أخف الصلاة غير واضح» و استوجه العلامة في المنتهى وجوب الصلاة مع إدراك الركعة نظرا إلى أن إدراكها بمنزلة إدراك الصلاة و هو ضعيف جدا، فان ذلك إنما يثبت في اليومية إذا أدرك ركعة من الوقت، و مع قصور الوقت عن أخف الصلاة لا يتحقق التوقيت، و العجب أنه (رحمه الله) قال بعد ذلك بغير فصل: السادس لو قصر الوقت عن أقل صلاة تمكن لم تجب على إشكال، و هو رجوع من الجزم إلى التردد، قلت: و مثله عن التحرير، و قد تبعه على هذه المناقشة بعض من تأخر عنه كصاحب الحدائق، و يمكن دفعها بجعل منشأ تردد المصنف التردد في شمول خبر إدراك الركعة للمفروض الذي هو على الظاهر سعة مقدار الركعة إلا أنه قاصر عن أخف الصلاة كما فهمه هو منه بقوله: «لكن فرقة» إلى آخره، بل صرح به العلامة في التذكرة، فإنه بعد نفيه الوجوب بالضيق عن الركعة كالمصنف قال: «و لو اتسع

ج 11، ص: 415

لركعة و قصر عن أخف صلاة لم تجب» إلى آخره. لا أن منشأه التسبيب و التوقيت، فحينئذ يتجه له الفرق بين ضيق الوقت عنها و بين ما وسعها و قصر عن أخف صلاة معها، فلا وجوب في الأول سواء كان تضيقا أو قصورا بخلاف الثاني، أما لو تضيق إلا عن ركعة لا أنه كان قاصرا فلا إشكال في الوجوب، إذ احتمال اختصاص الخبر باليومية ضعيف جدا، و أما العلامة فيمكن أن يكون كلامه الأول في التضيق الذي عرفت الوجوب بإدراك الركعة فيه لا القصور عما عداها من أخف باقي الصلاة الذي هو موضوع الكلام الثاني، فتردده حينئذ كتردد المصنف، و يمكن فرض كلامه الأول في الاستدامة لقوله: «أتم ما بقي» و الثاني في الابتداء و إن كان قد عرفت ما فيه سابقا.

نعم في البيان و الذكرى التردد من جهة احتمال السببية و إن اعترف في الأخير بكونه مرفوضا بين الأصحاب، قال في الأول بعد أن ذكر التوقيت في الكسوف و ما عدا الزلزلة: و يحتمل الوجوب بمجرد السبب و إن لم يسع الزمان في الكسوف و غيره و قد أومأ إليه في المعتبر: و قال في الثاني: هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع الوقت لجميعها أم يكفي ركعة بسجدتيها أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسمى ركعة لغة و شرعا في هذه الصلاة؟ احتمالات، من تغليب السبب فلا يشترط شي ء من ذلك، فيكون كالزلزلة إلا أن هذا الاحتمال مرفوض بين الأصحاب، و من إجرائها مجرى اليومية، فتعتبر الركعة، و من خروج اليومية بالنص، فلا يتعدى إلى غيرها، و فيه أن إجراءها مجرى اليومية لا يقضي بالوجوب مع القصور إلا عن ركعة، لما عرفت من معنى الخبر المزبور من غير فرق بين اليومية و غيرها، و كيف كان فلا إشكال بناء على التوقيت في التفريع المزبور.

[وقت صلاة غير الكسوف من الآيات]

و كذا الرياح و الأخاويف عدا الزلزلة إن قلنا بالوجوب فيها أو الاستحباب موقتة، فتجب مع سعة الوقت لا مع قصوره و أما في الزلزلة ف تجب

ج 11، ص: 416

و إن لم يطل المكث و تصلى بنية الأداء و إن سكنت كما صرح بذلك كله غير واحد من الأصحاب، بل عن المقاصد العلية و النجيبية الإجماع عليه، كما أن في الذكرى نسبته إليهم مشعرا به أيضا، قال فيها: وقت الأصحاب الزلزلة بطول العمر، و صرحوا أنه لا يشترط فيها السعة، فكان مجرد الوجود سببا في الوجوب، و شك فيه الفاضل لمنافاته للقواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه، و باقي الأخاويف عند الأصحاب يشترط فيه السعة، و لا نرى وجها للتخصيص إلا قصر زمان الزلزلة غالبا، قلت: لكن ينبغي حينئذ إلحاق غيرها من الآيات مما هو قصير الزمان غالبا كالصيحة و نحوها بها حينئذ، فيكون المدار في التوقيت على ذلك و عدمه، كما هو ظاهر التذكرة و المحكي عن نهاية الأحكام، قال: إن كل آية يقصر زمانها عن الصلاة غالبا كالزلزلة فوقت صلاتها العمر، و هي أسباب لها لا أوقات، لثبوت الوجوب لما مر، و انتفاء التوقيت بالقصور لأن توقيت الفعل بما يقصر عنه من الوقت تكليف بالمحال، و كل آية تمتد غالبا مقدار الصلاة فهي وقت لها، فان اتفق القصور لم تجب الصلاة للأصل، كما إذا قصر الكسوف عنها، و يمكن أن يكون المدار في توقيتها و عدمه على السعة و عدمها من غير نظر للغلبة و عدمها، فان اتسع و لو نادرا كانت موقتة، و إلا كانت سببا كما عن المنتهى و التحرير التصريح به، بل و الدروس، قال: و وقتها في الكسوف من الاحتراق إلى تمام الانجلاء، و في غيرها عند حصول السبب، فان قصر الوقت سقطت في الكسوف و وجبت أداء في غيره، و في المحكي عن نهاية الأحكام احتمال التوقيت في الزلزلة لكن للابتداء، فتجب المبادرة حينئذ إليها و يمتد الوقت مقدار الصلاة ثم تصير قضاء، و في كشف اللثام و هو قوي و إن استضعفه أي الفاضل، لأن شرع الصلاة لاستدفاع العذاب، و لعله يرجع اليه ما في الوسيلة في الزلزلة و غيرها، قال: أول وقت

ج 11، ص: 417

الرياح السود و الزلازل أول ظهورها، و ليس لآخرها وقت معين، بل ظاهر المحكي عن إشارة السبق التوقيت الذي يسقط الفعل بقصوره في الزلزلة فضلا عن غيرها، قال:

إن الصلاة لا تجب بشي ء من الزلزلة و هذه الآيات إذا لم تتسع لها.

قلت: ستسمع ما يدل على جميع ذلك أو بعضه في أثناء البحث، و الذي يقوى في النظر عدم الفرق بين الكسوف و غيرها من الآيات التي يتسع زمانها غالبا أولا، و بين السعة للركعة و عدمه، و بين الابتداء و الأثناء في الوجوب بحصولها، لا طلاق النصوص و ظهورها منطوقا و مفهوما و تعليلا في ذلك من غير إشعار في شي ء منها على كثرتها بالسقوط في حال من الأحوال، بل هي ظاهرة بخلافه كما لا يخفى على من تأمل فيها و في جمعها الكسوف و غيره بجزاء واحد، و فيما تضمنته من التسوية بينها جميعا في الصلاة، بل ستعرف إيماء إطلاق نصوص التزاحم (1)مع اليومية، و نصوص التطويل (2)بقدر الكسوف، و التطويل (3)بالقراءة و الركوع و السجود إلى ذلك، فلاحظ و تأمل و دعوى الاجتزاء عن ذلك بذكر التوقيت فيها الذي من المعلوم عند كافة العقلاء، سقوط الفعل معه إذا كان الوقت قاصرا لقاعدة امتناع التكليف بالمحال يدفعها أنه ليس في النصوص صراحة بل و لا ظهور يعتد به في التوقيت لها في جميع الأحوال بحيث يسقط الفعل بقصوره كي يلتزم تقييد تلك الإطلاقات به.

و صحيح جميل (4)إنما هو مساق لبيان وقوع صلاة الكسوف في سائر الأوقات


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2 و الباب 9 منها.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2 و 6 الباب 9 منها.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 418

و أنه لا كراهة أو منع في شي ء منها سواء في ذلك طلوع الشمس و غروبها، فهو نحو

قوله (عليه السلام)(1): «خمس صلوات يصلين على كل حال»

إلى آخره. و نحوه

خبر الدعائم (2)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «سئل عن الكسوف يحدث بعد العصر أو في وقت تكره فيه الصلاة قال: يصلى بأي وقت كان الكسوف»

لا أن المراد منه تحديد زمان الصحة لصلاة الكسوف، على أنه يصدق عرفا الصلاة في الساعة التي تنكسف فيها الشمس إذا بادر في الفعل حال الكسوف و إن ذهب الكسوف كما هو واضح بأدنى تأمل، و المراد ب خبر الدعائم السابق (3)نفي القضاء عمن لم يعلم بالكسوف مثلا إلا بعد انجلائه لا ما إذا كان وقته قاصرا عن تمام الفعل، و نفي القضاء فيه و في غيره من النصوص (4)في مثل هذا الحال كاثباته في بعض النصوص (5)الآتية في حالة الاحتراق لا يستلزم التوقيت المزبور، إذ هو- مع أن كون القضاء حقيقة في الفعل خارج الوقت اصطلاح حادث لا تحمل عليه النصوص- يكفي في صدقه اعتبارنا وجوب الابتداء بالفعل حين حصول الكسوف و إن لم يكن زمانه واسعا للفعل، و لا نريد بنفي التوقيت المزبور أنه يجوز له الفعل في تمام العمر كي ينافي صدق القضاء، بل المراد نفيه على وجه يستلزم سقوط الفعل

بالقصور، و يكفي فيه حينئذ وجوب الشروع حال الكسوف و إن انجلى قبل الفراغ، ضرورة ظهور النصوص التي تقدم شطر منها في وجوب المبادرة المزبورة، خصوصا ما اشتمل منها على الأمر بتذكر قيام الساعة، و الفزع إلى الصلاة و المبادرة إلى المساجد لها عند رؤية الكسوف الذي هو من آيات الله، و لا يدرى الرحمة


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 5 من كتاب الصلاة.
2- 2 المستدرك- الباب- 3- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات.

ج 11، ص: 419

ظهرت أم لعذاب، و لذا كانت سببا للتخويف و تجديدا للزجر، فأمر الناس بأن يفزعوا إلى خالقهم عند حصولها ليصرف عنهم شرها و يقيهم مكروهها كقوم يونس، بل خبر(1)الزلزلة كالصريح في الفورية المزبورة، و كذا صحيح محمد بن مسلم و بريد بن معاوية(2)عن الباقر (عليه السلام) المشتمل على الأمر بالصلاة للكسوف أو بعض الآيات ما لم تخف ذهاب وقت الفريضة، ضرورة ابتناء ذلك على تضيق صلاة الكسوف، و إلا لم تعارض واجبا مضيقا صلاة أو غيرها، كما أنها لا ينبغي صلاتها على الراحلة و نحوها مما يفوت بعض الواجبات فيها، مع أن

علي بن الفضل الواسطي (3)كتب إلى الرضا (عليه السلام) «إذا انكسف الشمس أو القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول فكتب اليه صل على مركبك الذي أنت عليه»

و لولا تضيقها ما جاز صلاتها عليه، إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في ذلك، بل لعلها

ظاهرة في التوقيت بمعنى وجوب الشروع في الفعل حال حصول الآية لا الفورية بمعنى إن لم يفعل المكلف في أول الأزمنة وجب الفعل في ثانيها إذ ذاك إن قلنا به فهو في الفور الحاصل من مجرد الأمر و لو من القرينة بخلاف ما نحن فيه المستفاد من الأدلة كما عرفت وجوب الشروع في الفعل عند حصول السبب، و لو لا ما تسمعه من الأدلة على وجوب الفعل في ثاني الأزمان على من علم و أهمل أو نسي كان المتجه السقوط كالجاهل بحصول السبب حتى خرج بحيث لم يصدق الفعل عنده، لأصالة البراءة بعد ظهور الأدلة في وجوب الفعل حاله، فأشبه الموقت من هذه الجهة حتى استحق اسم القضاء، و احتاج في ثبوت الوجوب عليه في الأزمنة المتأخرة إلى فرض جديد.

و مما يومي إلى ذلك اتفاقهم ظاهرا في الزلزلة على كونها من باب الأسباب


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.

ج 11، ص: 420

و أنها ليست من الموقت المحدد بداية و نهاية مع حكمهم بالسقوط في الجاهل، و احتياجهم إلى الدليل كعمومات القضاء و نحوها في إثبات الوجوب على المهمل و الناسي، فعلم من ذلك كله أن نفي التوقيت المزبور أي المقتضي سقوط الفعل بالقصور لا يستلزم نفي صدق القضاء، و لا يستلزم عدم الاحتياج في إثبات الوجوب في غير وقت السبب إلى أمر جديد، و أما

قوله (عليه السلام): «حتى يسكن»

في الصحيح السابق الذي قد استدل به بعد أصلي الامتداد إلى ذهاب الآية و البراءة عما بعده على التوقيت في باقي الآيات الممتد منها غالبا أو حال امتدادها و لو نادرا بجعل ذي الغاية فيه بقرينة الغاية ما كان ممتدا غالبا، لأنه المنساق، فحاله (فمآله خ ل) النادر كغير الغالب من الآيات على مقتضى إطلاق التسبيب، لعدم المعارض، أو جعله حال الامتداد و لو نادرا، فغيره على مقتضى إطلاق التسبيب حينئذ.

و ربما قبل بالسقوط في القاصر زمانه عن الصلاة على التقديرين بدعوى ظهور الصحيح المزبور في التوقيت في الجميع، فيسقط القاصر حينئذ بالقاعدة المزبورة لا أنه يبقى على مقتضى الإطلاقات السابقة المقيدة بالصحيح المذكور، و فيه أن الصحيح إنما هو ظاهر بقرينة الغاية في توقيت الممكن بسبب طول امتداده لا غيره، فلا معارض للإطلاقات في غيره.

و على كل حال فقد قيل في توجيه الاستدلال على التوقيت: إن «حتى» إما أن تكون لانتهاء الغاية، أو التعليل، و على الأول يثبت التوقيت صريحا، و كذا على الثاني لأن انتفاء العلة يقتضي انتفاء المعلول، فيدفعه أن المنساق منه إرادة التطويل أو التكرار و لو بقرينة ما تضمن من الروايات (1)فعلا و قولا لذلك، فيكون الأمر فيه للندب


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1 و 2 و 6 و الباب 9 منها.

ج 11، ص: 421

لا أن المراد منه التوقيت على حسب «لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» بل لعل التأمل في حكمة الشرع و طريقته في الموقتات يورث القطع هنا بعدم إرادة التوقيت الذي يسقط الفعل بقصوره عنه، ضرورة منافاة ذلك لغرض الوجوب و حكمته بضرب مثل هذه الأوقات القصيرة التي لا تسع الفعل المحتاج إلى مقدمات بالنسبة إلى غالب المكلفين في غالب الأوقات، و لو أراده الشارع لم يكن ليكتفي بهذه التعبيرات عنه، بل ظاهر الإطلاقات و التعليلات يقضي بخلافه، بل و كذا

قوله (عليه السلام) في الحسن السابق (1): «و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي»

إذ هو و إن ذكرنا فيه ما سمعته لكن الإنصاف أن المتجه على التوقيت استئناف الصلاة من رأس، و سعة الوقت في الواقع لا تجدي في صحة الفعل المعتبر فيه وقوعه فيه، و إدراك الركعة إنما يثمر لو أدركها فعلا لا سعتها، و الخبر في الإتمام مطلق، بل لا يخفى ما فيه من الإغراء بفساد الفعل بالأمر بالتطويل فيه لو كان الوقت معتبرا فيه، و الاعتماد على الاستصحاب في نحو المقام الذي ينبغي شدة المحافظة فيه على الوقت تحصيلا للبراءة من الشغل مناف للجزم، بل يظهر من جماعة عدم الالتفات إليه في رفع الإشكال الذي أورده بعض متأخري المتأخرين على قولهم: «لو قصر زمانها عن أقل الواجب سقطت، و تجب مع اتساع الزمان بعلم أو ظن غالب من رصدي أو غيره» بأنه بعد تسليم اعتبار الرصدي و نحوه يشكل

الأمر لو فرض عدم الرصدي كما هو الغالب، فلم يعلم حينئذ تحقق شرط الوجوب من أصله، مع أنه حكي الإجماع على أن أول الكسوف أول الصلاة، بل هو معلوم قطعا، ضرورة أنه على تقدير الالتفات إلى الاستصحاب المزبور يرتفع الاشكال من أصله، و لا يحتاج إلى تكلف إنكار الفرض المزبور لغلبة حصول الظن بالسعة من العادة و نحوها، مع أنه كما ترى، و ربما يقال: إن الاستصحاب لا يصلح لتحقيق شرط


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.

ج 11، ص: 422

الوجوب الذي هو السعة، فإن استصحاب بقاء الكسوف لا يقضي بصدق وقوع الفعل فيه، بل هو في الحقيقة كاستصحاب ركوع الإمام إلى حال ركوع المأموم، فيشرع له الائتمام مع الشك، بل إن لم يظهر له الخلاف ينبغي له الحكم بانعقاد جماعته، و هو معلوم البطلان في محله، فكذلك المقام، لكن الإنصاف أنه من الواضح جريان الاستصحاب في صحة الاقدام، نعم يعارضه أصالة عدم التحمل لو شك بعد ذلك في أنه أدركه أولا على أنا في غنية عن ذلك كله بظهور النصوص في الأمر بالفعل بمجرد ظهور الكسوف من غير اشتراط بشي ء آخر، ثم لو ظهر بعد ذلك القصور انكشف عدم التكليف بناء على التوقيت، لعدم جواز الأمر عندنا مع علم الآمر بانتفاء الشرط، و تقدم في الجمعة ماله نفع في المقام.

نعم قد يستفاد من إطلاق النصوص المزبورة و عدم تعرضها لانكشاف عدم التكليف في حال من الأحوال بل قد عرفت الأمر بالإتمام فيها لو انجلى قبل الفراغ عدم التوقيت المزبور، و قد اعترف غير واحد من الأساطين بما ذكرنا، و أن النصوص ظاهرة في التسبيب، بل عن العلامة المجلسي (رحمه الله) و غيره الجزم به، و قد أطال في بطلان استدلال صاحب المدارك على التوقيت ب

قوله (عليه السلام): «حتى يسكن»

في الصحيح المزبور، كما أن الأستاذ الأكبر أطال في الذب عنه و في إثبات التوقيت المزبور، إلا أن التحقيق و الانصاف عدم ظهور الصحيح المزبور في ذلك، فلا معارض حينئذ لا طلاق الأدلة كما سمعته في غير الكسوفين من الآيات، و لو سلم فينبغي الاقتصار في توقيته على ما لو امتد لا أنه مطلقا بحيث يسقط التكليف به مع القصور، إذ هو جرأة عظيمة في تقييد تلك الإطلاقات بلا مقتض و لا شاهد، خصوصا في غير الكسوفين من الآيات و من العجيب دعوى بعض متفقهة العصر القطع بالتوقيت المزبور و الإجماع على ذلك، و قد عرفت عدم كون المسألة من القطعيات عندهم حتى من المصنف الذي هو أول من

ج 11، ص: 423

ذكر السقوط بالقصور تفريعا على التوقيت، فقد سمعت ما حكاه عن إيماء معتبرة في البيان و لولا مخافة المخالفة لأمكن دعوى القطع من النصوص بخلاف التوقيت بالمعنى الذي ذكروه، كما أنه لولا خوف الإطالة لأكثرنا من الشواهد على ذلك.

و على كل حال فنفيه في الزلزلة و نحوها مما لا ينبغي الشك فيه، و قد سمعت من الذكرى ما ظاهره الإجماع، بل عن المقاصد العلية و النجيبية الإجماع على أن وقت الصلاة فيها طول العمر، و أنها لا تسقط بقصر الوقت عن قدر الصلاة، لكن ينبغي أن يعلم أن المراد من التوقيت طول العمر بيان مخالفتها لما ذكروه في الخسوفين من التوقيت بمقداره بحيث يكون قضاء فيما بعده لا أن المراد التوسعة فيها بمعنى أن للمكلف التأخير عمدا طول العمر كالأوامر المطلقة، ضرورة أنه لو سلم التحديد بذلك في الأوامر المطلقة لا بالوصول إلى حد التهاون كان في المقام ممنوعا، لمنافاته لما سمعته من الفورية التي كادت تكون صريح الأدلة، خصوصا في الزلزلة، و خصوصا خبر الديلمي (1)منها، بل لا نعرف فيه خلافا بينهم، بل ظاهر الذكرى و غيرها اتفاق الأصحاب عليه، قال في الذكرى:

«إن حكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا يريدون به التوسعة، فإن الظاهر وجوب الأمر على الفور، بل على معنى نية الأداء و إن أخل بالفور لعذر و غيره» و نحوه في المحكي عن غيرها، فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في ذلك تبعا لظاهر المحكي عن المسالك حيث بنى الفورية فيها على القول باقتضاء الأمر إياها، و إلا فلا، و فيه ما لا يخفى.

نعم ربما أشكل قولهم: «تصلى بنية الأداء مطلقا» بأن ذلك من توابع التوقيت الذي يتصور فيه القضاء لا فيما لم يكن كذلك كالزلزلة الموقتة بطول العمر و لو بالمعنى

الذي لا ينافي الفورية، و قد يدفع بأن المراد من الأداء هنا بيان عدم القضاء فيها أي


1- 1 الفقيه ج 1 ص 343- الرقم 1517 المطبوع في النجف.

ج 11، ص: 424

أن الأوقات كلها على حد سواء في الفعل، و كون ذلك في سائر الأوامر المطلقة لا في خصوصها لا ينافي ذكرهم هنا بالخصوص في مقابل التوقيت في الكسوفين، أو في مقابل ما سمعته من نهاية الفاضل من أن لها أداء و قضاء، أو لدفع تخيل التوقيت من الفورية المستفادة من النصوص، أو لغير ذلك، بل في فوائد الشرائع و المحكي عن الغريبة و إرشاد الجعفرية إنما كانت هذه الصلاة أداء لأن الإجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة و التأقيت يوجب نية الأداء، ثم قال في الأول: «و لما كان وقتها لا يسعها و امتنع فعلها فيه وجب المصير إلى كون ما بعده صالحا لا لإيقاعها فيه حذرا من التكليف بالمحال، و بقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل، و روعي فيها الفورية من حيث أن فعلها خارج وقت السبب إنما كان بحسب الضرورة، فاقتصر في التأخير على قدرها، و في ذلك جمع بين القواعد المتضادة، و هي تأقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها، و اعتبار سعة الوقت لفعل العبادة» و نحوه المحكي عن تلميذه في الغرية، قال: «حكم الأصحاب بالفورية محافظة على الوقت المعين و ما يقرب منه بحسب الإمكان، و حكموا بوجوب نية الأداء وفاء لحق التوقيت، و حيث عرفت عدم أولوية زمان على زمان آخر ثبت الأداء في تمام المدة المذكورة، فأثبتوا من كل واحدة من القواعد حكما لا ينافي بقية الأحكام» و إن كان لا يخفى عليك ما في ذلك كله، بل ما فيه من التوقيت المزبور الذي اعتبر فيه من الخارج قدر ما يكمل فيه الصلاة اقتصارا على موضع الضرورة، بل و ما فيه من الإجماع على التوقيت أيضا إنما يناسب ما ذكرناه من التوقيت بحال حصول السبب لا أنه ممتد بامتداد طول العمر، فالوجوب حينئذ في بعض الأحوال في غيره من القضاء أو كالقضاء في الاحتياج إلى أمر جديد، و بدونه يسقط، و لعله هو المتجه في النصوص التي لا يستريب من تأملها في إرادة حصول الفعل عند حصول الزلزلة و لو قيدا لا توقيتا

ج 11، ص: 425

و ربما يؤيده التسوية في النصوص بين صلوات الآيات كلها تصريحا و تلويحا بجمعها في جزاء واحد و نحوه. فيجري فيها حينئذ ما سمعته سابقا، كما أنه منه يقوى احتمال الفورية في صلاة الكسوفين و غيرهما من الآيات بأول حصول الآية لا أنه موسع ما دام السبب فتأمل جيدا، فان المقام حقيق به، و لذا طال بنا الكلام حتى أنه ربما كان من الاطناب الممل، و ربما يأتي في مطاوي الأبحاث الآتية ما له تعلق في المقام، و الله أعلم.

[في حكم من لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت]

و كيف كان ف من لم يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت الذي هو تمام الانجلاء أو الأخذ فيه على القولين و لم يكن القرص محترقا لم يجب الفضاء على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل كادت تكون إجماعا خصوصا بين المتأخرين منهم، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا عدا المفيد، بل عن شرح جمل العلم و العمل للقاضي الإجماع عليه، للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة بعد ظهوره في العالم، كظهور غيره في التقييد بحال السبب، خصوصا على القول بالتوقيت الذي لا ريب في احتياج القضاء معه إلى أمر جديد، و المعتضد بما سمعت من الإجماع المؤيد بما عرفت من الشهرة العظيمة، و ب

صحيح ابني مسلم و يسار(1)قالا: «قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟ قال: إن كان القرصان احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه»

و

صحيح زرارة و محمد بن مسلم (2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كسفت الشمس كلها و احترقت و لم تعلم و علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و إن لم تحترق كلها فليس عليك قضاء»

و

خبر حريز(3)«إذا انكسف القمر و لم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك فان كان احترق كله فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كله فلا قضاء عليك»

بل و بإطلاق أخبار نفي القضاء، ك

خبر عبيد الله الحلبي (4)سأل الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 9.

ج 11، ص: 426

«عن صلاة الكسوف تقتضي إذا فاتتنا قال: ليس فيها قضاء، و قد كان في أيدينا أنها تقضى»

و صحيح علي بن جعفر(1)سأل أخاه (عليه السلام) «عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال: إذا فاتتك فليس عليك قضاء»

و خبر البزنطي المروي (2)عن مستطرفات السرائر سأل الرضا (عليه السلام) «عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال: إذا فاتتك فليس عليك قضاء»

إلى غير ذلك من النصوص المقيد إطلاقها بما إذا لم يحترق و إذا لم يكن عالما بالكسوف، لما عرفت و تعرف، كإطلاق بعض النصوص الآمرة بالقضاء، ك

مرسل حريز(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل»

و خبر أبي بصير(4)«سألته عن صلاة الكسوف قال: عشر ركعات- إلى أن قال-: فإذا غفلها أو كان نائما فليقضها».

و لعله إليهما أشار في المحكي عن الجمل و المصباح، و روي وجوب القضاء على كل حال، أو إلى

عموم (5)«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»

و

حسن زرارة و صحيحه (6)عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل «عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال: يقضيها إذا ذكرها».

لكن لا يخفى عليك أن مثله لا يعارض تلك النصوص المعتبرة المصرحة بالتفصيل المعمول بها بين الأصحاب، بل قد يدعى عدم شمول لفظ الفوات له بدعوى ظهوره في


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.

ج 11، ص: 427

تحقق سبب الوجوب، و ليس، إذ الثابت من مجموع الأدلة أن من تتمة السبب فيه في صورة عدم الاحتراق العلم به، فيكون النصوص المتضمنة عدم القضاء على الجاهل كاشفة عن عدم تحقق سبب الوجوب لا أنها مخصصة لعموم قضاء الفائتة، بل في كشف اللثام «أن فوت الصلاة قد يستظهر منه فوت صلاة وجبت عليه، و لا وجوب لها إذا جهل الكسوف» و إن كان فيه ما لا يخفى إن لم يرد ما ذكرنا، كما أن ما في غيره من منع تناول لفظ الفريضة و نحوه لصلاة الكسوف بل هو مختص باليومية كذلك أيضا، فالأوجه في الرد ما قلناه، و المناقشة فيه بمنع ظهور النصوص في دخول العلم في السبب- بل هو كغيره من الموقتات التي يتوقف إرادة الامتثال من المكلف بها على العلم، لقبح تكليف الغافل، لا أن السبب مركب منه لينتفي بانتفائه لإطلاق الأدلة كباقي الموقتات- يدفعها أنه لا يخفى على من لاحظ تلك الإطلاقات انسياق دخول العلم به في التسبيب، خصوصا نحو خبر عمارة(1)و مرسل المقنعة(2)المعلق فيهما وجوب الصلاة على رؤية الكسوف التي هي كناية عن العلم به، فمنها مع هذه النصوص النافية للقضاء على الجاهل يقوى في الذهن دخوله في السبب، فيخرج حينئذ عن موضوع قضاء الفائتة المأمور بقضائها، مع أنه أولى من ارتكاب التخصيص الذي هو مجاز أيضا، لا أقل من الشك في السببية بدونه، و الأصل عدمها.

و من ذلك كله يظهر أنه لا فرق في سقوط القضاء بين عدم العلم به أصلا و بين العلم به في وقت يقصر عن فعل الصلاة بناء على التوقيت فيها، لعدم تحقق السبب فيهما معا، فلا يشمله عموم «من فاتته» ضرورة اعتبار سعة الوقت فيه أيضا بعد العلم، لأنه هو مبدأ سبب الخطاب، فيبقى على أصالة عدم القضاء المحتاج إلى أمر جديد، إذ دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 5.

ج 11، ص: 428

اندراجه فيما دل على وجوبه على العالم به و إن كان الوقت قاصرا ليس بأولى من اندراجه فيما دل على سقوطه عن غير العالم به بسبب قصور الوقت، كما هو واضح.

و كيف كان فمن ذلك كله يظهر لك ضعف المحكي عن الصدوقين و أبي علي و المفيد و المرتضى في الانتصار و الجمل و أجوبة المسائل المصرية و الشيخ في الخلاف و القاضي و الحلبي و ابن إدريس و غيرهم من القول بالقضاء مطلقا، بل في الانتصار و الخلاف و السرائر الإجماع عليه، و لعله الحجة بعد عموم «من فاتته» و إطلاق مرسل حريز(1)و خبر أبي بصير(2)و مرسل (3)الجمل، فما صدر من بعضهم من أنه لم نعثر له على دليل في غير محله، لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت، بل لم نتحقق شيئا من هذه الإجماعات، إذ ليس في الانتصار سوى «مما انفردت به الإمامية القول بوجوب صلاة الكسوف و الخسوف، و يذهبون إلى أن من فاتته هذه الصلاة وجب عليه قضاؤها و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك، و الحجة الإجماع» و هو- مع أنه في صدد بيان متفرد الإمامية من القول بالوجوب أداء و قضاء و لو في الجملة في مقابل العامة- قد عرفت عدم صدق الفوات على محل الفرض، و في مفتاح الكرامة «أن الموجود في جمل السيد و المحكي عن أجوبة مسائله خلاف الحكاية المزبورة، و ليس في الخلاف سوى من ترك صلاة الكسوف كان عليه قضاؤها، و إن احترق القرص كله و تركها متعمدا كان عليه الغسل و قضاء الصلاة، و لم يوافق على ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة، و مرسل حريز(4)إلى آخره. و ظاهر فعل الترك فيه غير محل الفرض أيضا، و ليس فيما حكي لنا من عبارة السرائر سوى الاستدلال على وجوب القضاء في احتراق بعض القرص


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 6.
3- 3 المتقدم في ص 426.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 5.

ج 11، ص: 429

على الناسي بالإجماع على أن من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها، و لا ظهور فيه فضلا عن الصراحة في الإجماع فيما نحن فيه، و كذا المحكي من عبارة ابن الجنيد لا صراحة فيه قال: «إن قضاءه إذا احترق القرص كله ألزم منه إذا احترق بعضه» بل قيل: إن ظاهره عدم الوجوب على التقديرين، و في المحكي عن الهداية «أن من فاتته فعليه أن يقتضيها» و قد عرفت المراد بالفوات، و في مفتاح الكرامة أني لم أجد في المقنع الذي عندي لا في المقام و لا في باب الغسل ما حكي عنه «إذا انكسفت الشمس و القمر و لم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت، و إن احترق القرص كله فصلها بغسل، و إن احترق بعضه فصلها بغيره».

و قد أطنب في الحدائق في بيان عدم مخالفة عبارة رسالة علي بن بابويه للمشهور، لأنها كعبارة الفقه الرضوي (1)التي لا بد من حملها على إرادة التفصيل بالاحتراق و عدمه في التارك عمدا، و إلا لزم التدافع بين عباراته، فقل الخلاف حينئذ، على أن المفيد منهم قد انفرد بتفصيل آخر لم نر له أثرا في النصوص و الفتاوى، قال: إذا احترق القرص كله و لم يكن علمت به حتى أصبحت صليت الكسوف جماعة، و إذا احترق بعضه و تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى» نعم يحكى عن ابن بابويه ذلك في الأداء ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(2): «إذا انكسف الشمس و القمر فانكسف كلهما فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم، و أيهما كسف بعضه فإنه يجزي الرجل يصلي وحده»

لكن لعله بناء على كون القضاء كالأداء، و فيه مع ضعفه من وجوه أنه لا دلالة في الخبر المزبور على الوجوب، بل ظاهره خلافه كما هو واضح إلا أنه و مع ذلك كله فالقضاء أحوط، بل عن النفلية و القواعد الملية استحبابه، بل ربما


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 430

كان ظاهر ما سمعته من عبارة أبي علي.

و لعله لحمل بعض ما عرفت من أدلة الوجوب على الندب، و إلا فليس في النصوص ما يدل عليه بالخصوص، ضرورة ظهورها في نفي القضاء مع الجهل إلا أن يكون القرص قد احترق كله فإنه لا إشكال حينئذ في القضاء، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه، بل عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه، لكن قد يشعر نسبته في غير واحد من كتب الأساطين إلى الأكثر و نحوه بوجوده فيه، و لعلهم فهموه من إغفال جماعة من الأصحاب ذكره، و من عبارة ابن الجنيد، و الحجة له حينئذ إطلاق ما سمعته و غيره من النصوص في نفي القضاء مع أصالة البراءة، و إن كان يدفعها النصوص المفصلة المعتضدة بمحكي الإجماع أو محصله، و بغير ذلك مما لا يخفى، و الله أعلم.

[الكلام في غير الكسوف من الآيات مما هو موقت عندهم]

و أما الكلام في غير الكسوف من الآيات مما هو موقت عندهم فالظاهر أنه لا يجب القضاء وفاقا للفاضل و الشهيد و الكركي و غيرهم، بل في بيان الثاني منهم القطع به الذي يجري مجرى الإجماع، بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، بل لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك و المحكي عن الروض، نعم عن نهاية الأحكام و غيرها احتمال الوجوب، بل قواه بعضهم و نفى البعد عنه آخر، و لعله لعموم قضاء الفوائت أو إطلاق دليل وجوبها، لكن فيه أنه بعد تسليم الشمول يجب الخروج عنهما بفحوى سقوطه في الكسوف الذي هو أقوى في الوجوب قطعا، و بما يظهر من النصوص التي سمعت بعضها من كون الكسوف و غيره من الآيات على حد سواء في الوجوب و الكيفية و غيرهما، بل قد عرفت التصريح بالتسوية في بعضها، على أنه يكفي فيها نظمها في النصوص معها بعبارة واحدة، و اشتراكها معها في علقة وجوب الصلاة لها، و نحو ذلك مما لا يخفى على من رزقه الله معرفة اللسان، و ليس في دليل وجوبها إطلاق يتناول المقام على فرض التوقيت، بل و على فرض التسبيب أيضا، لما عرفت سابقا من اختصاص تلك الأخبار

ج 11، ص: 431

بالتسبيبية بالنسبة إلى من علم بها حينها كما اعترف به هنا في كشف اللثام.

و على كل حال فلا فوات حينئذ مع فرض الجهل، لعدم حصول السبب الذي يتوقف عليه صدق الفوات، و من ذلك يعلم أنه لا فرق بين الزلزلة و غيرها، ضرورة اختصاص السبب فيها بالعلم بها حينه، و لا يقدح في ذلك قول الأصحاب أن وقتها العمر إذ ليس المراد منه التوسعة مطلقا، بل المراد الصحة فيه لا على جهة القضاء و لو في بعض الأحوال، كما لو علم بالسبب فأهمل عصيانا مثلا في مقابلة الكسوف التي لها حالتا أداء و قضاء، و يومي إلى ذلك عدم الخلاف هنا كما عرفت في السقوط بين الأصحاب الذين هم أهل العبارة الأولى مع شدة القرب بينهما، بل ربما كانتا متصلتين، فمن الغريب ميل الأستاذ الأكبر إلى الوجوب مستندا إلى الاتفاق المزبور، و إلى إطلاق أخبار الوجوب التي قد عرفت أنه لا إشكال في ظهورها في السببية الخاصة للفعل حال حصول السبب، ضرورة كون المنساق من تلك النصوص اتحاد جميع هذه الأسباب في كيفية تسبيبها و كيفية سببها، بل قد سمعت التصريح بالتسوية في بعضها، مضافا إلى جمع جملة منها بجزاء واحد، إلى غير ذلك، فما عن نهاية الأحكام- من احتمال الوجوب قويا في خصوص الزلزلة، بل ربما مال اليه بعض من تأخر عنه، و احتياط فيه آخر، بل جزم به الأستاذ الأكبر- لا يخلو من نظر، و أولى منه بذلك ما عن حاشيته على هامش البيان أنه إذا جاءت الزلزلة في بلد و قامت البينة بها في بلد آخر وجب قضاؤها، ضرورة اختصاص السبب فيها و في غيرها من الآيات في مكان حصول الآية التي أريد بها التخويف لمن أصابتهم لا مطلقا، نعم لا يبعد إلحاق المتصل بذلك المكان مما يعد معه كالمكان الواحد باعتبار شدة اتصاله و كونه من توابعه و لواحقه، كما هو واضح لا يحتاج إلى زيادة كلام.

[في وجوب القضاء مع العلم و التفريط أو النسيان]

هذا كله مع الجهل بحصول السبب و أما مع العلم و التفريط أو النسيان ف يجب القضاء في الجميع بلا خلاف أجده في الكسوفين مع الاحتراق و الترك عمدا

ج 11، ص: 432

بل في المحكي عن المنتهى الإجماع عليه، كما أنه مندرج في معقد إجماع الانتصار و الخلاف و الغنية، و هو الحجة بعد فحوى النصوص المتقدمة في الجاهل، و مرسل الجمل و المصباح (1)و مرسل حريز(2)و خبر أبي بصير(3)السابقة، و عمومات القضاء للفوائت، و فحوى ما تسمعه في الناسي، بل لعل موثق عمار(4)منه شامل لما نحن فيه بناء على إرادة التكاسل من غلبة العينين فيه كما تسمعه من الشيخ، و بذلك كله يخرج عن إطلاق نفي القضاء في النصوص التي تقدم بعضها، كما أنه يخرج عنها و عن الأصل أيضا بالمرسلين و خبر أبي بصير المعتضدة بعموم قضاء الفوائت و فحوى ما دل عليه في الناسي و التارك عمدا و إن لم يحترق القرص، و لا يقدح في ذلك كون التعارض بينها من وجه، بل قد يدعى ظهور نصوص النفي باعتبار اشتمالها على لفظ الفوات و نحوه فيه، مع أنها صحيحة السند معتضدة بالأصل، لموهونية ذلك كله بالشهرة العظيمة، بل في المحكي عن السرائر نفي الخلاف، بل يشمله إطلاق معقد إجماع الخلاف، بل قيل و الانتصار و الغنية، بل لم أجد فيه خلافا سوى إطلاق نفي القضاء باحتراق البعض في المحكي من المصريات الثالثة و المصباح و جمل العلم و العمل و التهذيب و الاستبصار، مع أن ما وصل إلينا من عبارة الأخيرين ينافي هذه الحكاية، قال: إذا احترق القرص كله يجب القضاء على من فاتته صلاة الكسوف، و إن لم يحترق كله و فاتته لم يكن عليه قضاء، و لا ينافي هذا

ما رواه عمار(5)من قوله (عليه السلام): «إنما يلزم القضاء على من أعلم فلم يصل حتى فاتته»

لأن الوجه في هذه الرواية أن نحملها على أنه إذا احترق بعض القرص و توانى عن الصلاة


1- 1 المتقدم في ص 426.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 10.

ج 11، ص: 433

فحينئذ لزمه قضاؤها، و نحن إنما أسقطنا القضاء عمن لم يعلم باحتراق بعض القرص أصلا بل، ربما يكشف ذلك منه المراد بغيره من العبارات، لاتحاد لسان القدماء غالبا، فما في المدارك من الميل إلى عدم القضاء في غير محله.

و كذا يجب الخروج عنها و عن الأصل في الناسي مع الاحتراق بفحوى نصوص الجاهل (1)و خبر أبي بصير السابق (2)و مرسل الجمل و المصباح (3)و عمومات قضاء الفوائت المدعى في المحكي عن السرائر هنا الإجماع عليها، و

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(4): «و إن أعلمك أحد و أنت قائم فعلمت ثم غلبتك عيناك فلم تصل فعليك قضاؤها»

بناء على أن المراد من الناسي في الفتوى الكناية عمن تعقبه العذر بعد العلم من نسيان أو نوم، و المفهوم من (في خ ل) ذيل

المرسل (5)في الكافي أو فحواه قال بعد أن روى صحيح زرارة: و في رواية أخرى «إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلي فعليه القضاء، و إن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كله»

ضرورة رجحانها عليهما بالشهرة العظيمة، بل لا أجد فيه خلافا، بل ربما ادعي اندراجه في معقد إجماع الانتصار و الخلاف و الغنية و إن كان فيه ما فيه، بل لا يبعد رجحانها عليهما في احتراق البعض أيضا، و إن خالف فيه المبسوط و النهاية و المهذب و الوسيلة و الجامع و الاقتصاد و الكندري و إن مال إليه في المدارك، و لعله لترجيح الإطلاق المزبور بكثرة العدد و صحة السند و الأصل و مساواة الناسي للجاهل في الغفلة، إلا أن ذلك كله في جنب الشهرة العظيمة- بل ربما ادعي اندراجه أيضا في معقد الإجماعات الثلاثة، و إن كان في ما فيه، مضافا إلى دعوى ظهور الإطلاق المزبور في العمد الذي قد عرفت الحال فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
3- 3 المتقدم في ص 426.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.

ج 11، ص: 434

و إلى أولوية حمله على غير الجاهل بأن فيه إبقاء لأخبار قضاء ناسي الصلاة على عمومها، و أخبار قضاء تارك هذه الصلاة على عمومها فيما لا يعارضها نص، و عدم طرح مرسل الكافي المزبور- كما ترى، خصوصا مع مخالفته للاحتياط.

و الظاهر أن يحكم الناسي من تبين له بطلان صلاته بعد خروج الوقت بفقد شرط أو جزاء أو وجود مانع، لعموم قضاء الفوائت، كما أنه له لم أجد خلافا بين الأصحاب في القضاء على التارك عمدا أو نسيانا في غير الكسوفين من الآيات، بل و لا ذكره أحد ممن تعرض للحكم هنا كالفاضلين و الشهيدين و الكركي و غيرهم، نعم نسبة بعضهم الحكم هنا إلى الأكثر، و الآخر إلى المشهور قد تقضي بوجوده، و على تقديره فلعله للشك في شمول عموم قضاء الفوائت له بدعوى ظهوره في اليومية، و لذا لم يحكموا بالوجوب على الجاهل، له، لكن قد عرفت ما في ذلك من المنع، فتأمل بعض متأخري المتأخرين فيه حينئذ في غير محله، خصوصا بعد ما قدمناه سابقا في مسألة الجهل من استفادة التسوية بين الكسوف و باقي الآيات في كيفية التسبيب و المسبب من النصوص و الفتاوى، فتأمل جيدا.

و أما الثاني أي الماهية فهي ركعتان كما في بعض النصوص، كخبري ابن سنان (1)و القداح (2)و كثير من كتب الأصحاب لما ستعرف في أحكام الخلل إن شاء الله من أن الركعة شرعا تنتهي برفع الرأس من السجدة الأخيرة و إن تخلل بين ذلك ما تخلل، و لذا اجتزي فيها بالفاتحة مرة واحدة و التسميع في الخامس و العاشر كغيرها من الركعات، بل في جامع المقاصد القطع بكون كل منهما ركعة واحدة، إلا أنها خرجت عن الغالب من حكم الوحدة في أمور كتعدد الركوع و الفاتحة إذا تعددت السورة


1- 1 الذكرى- الأمر الثامن من النظر الثاني من الفصل الثالث من الركن الثالث من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.

ج 11، ص: 435

و نحوهما مما ستعرفه للدليل، و تعدد القنوتات مع أنك ستسمع الاجتزاء بقنوت واحد في العاشرة لا يقضي بكونها ركعات، فإنه قد يتعدد في ركعة كما في صلاة العيد و غيرها و حينئذ فالركوعات كسائر الأفعال في أن الشك فيها كالشك فيها لأصل الصحة و البراءة من الإعادة و تعارف ما سمعت من لفظ الركعة، فلا يدخل في حكم الشك فيها بل يبقى داخلا في حكم الشك في الأفعال الشاملة لذلك قطعا، و لعله لا خلاف في ذلك و إن اشتهر التعبير عنها بأنها عشر ركعات في النصوص و كتب القدماء، بل في كشف اللثام أنها عبارة الأكثر من الأخبار و الأصحاب، إذ هو و إن كان خلاف الغالب من التعبير بالشرعي دون اللغوي إلا أنه يمكن أن يكون وجه ترجيح الثاني على الأول هنا التعريض به لرد العامة، كما أومأ إليه في الانتصار و المحكي عن الناصريات، و إن كان قد اعترض في الثانية على تعبير الناصر بالركعتين، و قال: «العبارة الصحيحة أن يقال هذه الصلاة عشر ركعات و أربع سجدات» فلاحظ و تأمل.

[الثاني في كيفية صلاة الآيات]

و كيف كان ف كيفيتها المقطوع باجزائها نصا و فتوى هي أن يحرم مقارنا للنية ثم يقرأ الحمد و سورة ثم يركع ثم يرفع رأسه، فإن كان لم يتم السورة قرأ من حيث قطع، و إن كان أتم قرأ الحمد ثانيا ثم قرأ سورة حتى يتم خمسا على هذا الترتيب، ثم يركع و يسجد سجدتين، ثم يقوم و يقرأ الحمد و سورة معتمدا بترتيبه الأول و يتشهد و يسلم بل الإجماع بقسميه عليها إذا كان قد أتم سورة في كل من الركعتين محافظا في الأفعال و الأقوال على جميع ما عرفته في الفريضة، بل المحكي منهما خصوصا على العشر ركوعات فيها مستفيض أو متواتر كالنصوص، فما في

خبر أبي البختري (1)عن الصادق (عليه السلام) «أن عليا (عليه السلام) صلى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات و أربع ركعات قام فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم قرأ ثم ركع ثم قام فدعا مثل ركعتين


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.

ج 11، ص: 436

ثم سجد سجدتين، ثم قام ففعل مثل ما فعل في الأولى في قراءته و قيامه و ركوعه و سجوده سواء»

و خبر يونس بن يعقوب (1)عنه (عليه السلام) أنه قال: «انكسف القمر و خرج أبي و خرجت معه إلى المسجد الحرام فصلى ثمان ركعات كما يصلي ركعة و سجدتين»

يجب طرحه لمخالفته المقطوع به، أو حمله كما في كشف اللثام على غير صلاة الكسوف أو التقية كما في غيره أيضا، و إن كنت لم أعثر على من حكي عنه ما في الخبر الثاني منهم، إذ المحكي عن أبي حنيفة و النخعي و الثوري ركعتان كالصبح، و الشافعي و مالك و أحمد و إسحاق ما في الخبر الأول، و ابن المنذر ست ركعات و أربع سجدات، فلعل الأولى حمله على إرادة بيان الزائد من الركوعات، و هو ثمان، فالمراد أنه قد زاد في كل منهما أربع ركوعات و صلاها كما يصلى ركعة و سجدتين أي لم يجعل سجودا بعد كل من الأربع، بل قد يحتمل ذلك أيضا في الأول على إرادة زيادة الأربع في كل من الركعتين، و لا ينافيه التفصيل المحتمل فيه أنه لم يتعرضه تماما اتكالا على الاجمال، و يكون الغرض منه بيان إرادة الركوع خاصة من الركعات لا المتعارفة.

و على كل حال فالأمر سهل بعد ما عرفت من الإجماع أو الضرورة من المذهب على الكيفية المزبورة، بل لا أجد خلافا في تعيينها إلا من الحلي، فلم يوجب إعادة الحمد بعد إكمال السورة، و يمكن أن يكون قد سبقه الإجماع و لحقه، فهو من الشذوذ و الندرة بمكان، خصوصا و قد استفاضت النصوص بخلافه إن لم تكن قد تواترت، ف في

صحيح الرهط(2)عنهما أو عن أحدهما (عليهما السلام) إلى أن قال: «قلت: و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرقها بينها قال: أجزأه أم القرآن في أول مرة، فإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب».

و صحيح زرارة و محمد بن مسلم(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 6.

ج 11، ص: 437

عن أبي جعفر (عليه السلام) إلى أن قال: «قلت: كيف القراءة فيها فقال: إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، فان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت و لا تقرأ فاتحة الكتاب».

و صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) إلى أن قال: «و إن شئت قرأت سورة في كل ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى».

و في المروي (2)عن جامع البزنطي «سألت الرضا (عليه السلام) عن القراءة في صلاة الكسوف و هل يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب؟ فقال: إذا ختمت سورة و بدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختم السورة»

و مثله خبر علي بن جعفر(3)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن كتابه و قرب الاسناد للحميري.

فمن الغريب إعراضه عن ذلك كله، خصوصا مع عدم حجة له تعارض شيئا منه إذ هي معلومية وحدة الفاتحة للركعة التي بعد تسليمها يجب الخروج عنها بما سمعت كالأصول و

خبر عبد الله بن سنان (4)عن الصادق (عليه السلام) الذي لم يعرف إلا من الذكرى، بل لم يروه عنها من عادته النقل عنها كالبحار و الوسائل و الوافي كما قيل، قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فصلى ركعتين قام في الأولى فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة فركع، فعل ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 13.
4- 4 قد تقدمت الإشارة إلى موضعه في ص 434.

ج 11، ص: 438

خمس مرات قبل أن يسجد سجدتين»

إلى آخره. مع أنه لم يذكر فيه الفاتحة أصلا، فيعلم أن المراد منه بيان الكيفية لا من حيث قراءة الفاتحة، كما هو واضح، و إطلاق

خبر أبي بصير(1)«قلت: فمن لم يحسن يس و أشباهها؟ قال: فليقرأ ستين آية في كل ركعة، فإذا رفع رأسه من الركوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب»

الذي يجب تنزيله على غيره مما سمعت.

فظهر حينئذ أنه لا إشكال في وجوب إعادة الفاتحة إذا أكمل سورة و بدأ بأخرى أما إذا قرأ من حيث نقص فلا وجوب قطعا للأصل و النصوص السابقة، بل صريح كشف اللثام و الحدائق عدم الجواز، و ربما كان ظاهر المقنع و الهداية و النهاية و الوسيلة و الإرشاد و التحرير و الدروس، بل لعله الأقوى للنهي عنه في أكثر النصوص السابقة و أصالة عدم المشروعية، و معلومية وحدة الفاتحة في الركعة، و احتمال إرادة نفي الوجوب من النهي- لأنه في مقام توهمه باعتبار كون كل قيام ركعة فيقرأ فيها الفاتحة- لا داعي له و لفظ الاجزاء في صحيح الحلبي (2)لا يكفي في صرف تلك الأدلة، بل لعل الأولى إرادة ما لا ينافي النهي منه، فما عن صريح السرائر- من الجواز كظاهر «لا يلزمه» في المحكي عن المبسوط و جامع الشرائع و المنتهى «و لا يحتاج» في غيرها- لا يخلو من نظر، بل يمكن إرجاع ما عدا السرائر إلى المختار، فينحصر الخلاف فيها كالمسألة السابقة.

ثم إن ظاهر المصنف و جماعة تعين القراءة عليه في القيام المتعقب من حيث قطع كما صرح به غير واحد من متأخري المتأخرين، و لعله كذلك للصحيح (3)السابق الذي لا يعارضه إطلاق غيره كصحيح الحلبي (4)و نحوه، خصوصا مع تأيده بإشعار


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.

ج 11، ص: 439

خبري البزنطي (1)و علي بن جعفر(2)و

خبر الدعائم (3)«روينا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه رخص في تبعيض السورة في صلاة الكسوف، و ذلك أن يقرأ ببعض السورة ثم يركع و يرجع إلى الموضع الذي وقف عليه فيقرأ منه، قال (عليه السلام):

فإن قرأ بعض السورة لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا في أولها، و إذا قرأ السورة في كل ركعة كان أفضل»

فلا داعي و لا شاهد للجمع بين النصوص بالتخيير بين ذلك و بين القراءة من أي موضع شاء منها متقدما أو متأخرا و رفضها و قراءة غيرها كما وقع من الشهيدين، بل ربما زاد بعضهم إعادة المقر و أو بعضه، إذ مرجع ذلك إلى إرادة الرخصة من الأمر المذكور لدفع توهم الحظر الناشئ من احتمال الركعة، فلا يجزي البعض الباقي، و هو كما ترى مجرد احتمال لا يترك الظهور له، إذ المثمر العلم بسوقه لذلك لا احتماله خصوصا بعد أن فهم خروجها عن حكم الركعة بتبعيض السورة في سابقتها، فلا توهم يحتاج إلى دفعه، و لعله لذلك لا تنساق الرخصة هنا من الأمر المزبور كغيره من الأوامر في مقام توهم الحظر، نحو «إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا»(4)بل المنساق هنا خلافه من التفصيل بين قراءة السورة كملا و بعضها فيتعين الفاتحة في الأول لوجوب استئناف قراءة السورة عليه، بخلاف الثاني لأنه يتعين عليه القراءة من حيث نقص، فيسقط إعادة الفاتحة حينئذ المشروطة في غير الأول من ركوعات الركعة باستئناف سورة، فاتجه حينئذ عطف النهي عن قراءة الفاتحة على جواب الشرط، بخلافه على القول بالتخيير بناء على وجوب قراءة الفاتحة عند استئناف سورة و إن لم يكمل الأولى، إذ لا ترتب لعدم قراءة الفاتحة حينئذ على النقصان.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 13.
3- 3 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.
4- 4 سورة المائدة- الآية 3.

ج 11، ص: 440

و بذلك ظهر لك ضعف المحكي عن المبسوط و غيره من التخيير بين الأول و الأخير و إن كان هو أقرب من السابق باعتبار إرادة الوجوب من الأمر، إلا أن فيه أيضا خروجا عن ظاهره من التعيين إلى التخيير بلا مقتض، إذ لا أمر في هذا الحال بقراءة السورة كي يجمع بينهما بالتخيير، كما أنه لا دليل على تقييد الأمر بالقراءة من حيث قطع بما إذا اختار التبعيض.

كما أنه ظهر لك حينئذ سقوط البحث عن عدم إعادة الفاتحة و إعادتها إن لم يختر القراءة من حيث قطع حتى لو ابتدأ بسورة و لو أخرى غير المقروة أولا الذي منشأه التردد في كون الموجب لها ختم الأولى كما هو مقتضى صحيحي البزنطي (1)و علي بن جعفر(2)أو قراءة سورة أخرى كما هو مقتضى إطلاق صحيح الحلبي (3)أو القراءة من غير موضع القطع لظهور صحيح زرارة و محمد بن مسلم (4)في اشتراط سقوط الفاتحة بالقراءة من حيث قطع، مع احتمال إرادة ذلك أيضا من الأخرى في صحيح الحلبي (5)على معنى قراءة أخرى، فتجب حينئذ باختيار غيره مطلقا، ضرورة أن لا موضوع للبحث من أصله على المختار، و إن كان الأقوى بناء على غيره عدم الإعادة أيضا مطلقا حتى لو ابتدأ بسورة أخرى، فضلا عن قراءة البعض من غير موضع القطع، أو إعادة ما قرأ من السورة، لوجوب تقييد إطلاق صحيح الحلبي (6)بالصحيحين الآخرين (7)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 13 و هما صحيحا البزنطي و على بن جعفر ع.

ج 11، ص: 441

و منع ظهور صحيح زرارة(1)في اشتراط السقوط بذلك، كمنع إرادة مطلق القراءة الأخرى من صحيح الحلبي (2)ضرورة انسياق سورة أخرى منه.

نعم لا يعتبر المغايرة في إعادة الفاتحة، و التعبير بالأخرى في النصوص مبني على الغالب، أو يراد منه ما يشمل تكرار السورة بعد ختمها، و ربما يرشد إلى ذلك ما في ذيل صحيحي البزنطي و علي بن جعفر من جعل الغاية لعدم قراءة الفاتحة مجرد ختم السورة الصادق في الفرض و في القراءة و إن لم يكن من أول السورة، بناء على جوازه لإطلاق و لا يجب في مثله القراءة من حيث ابتدأ، حملا لقوله: «من حيث قطع» على الغالب و إلا فالمراد القراءة مما بعضه، إذ هو إن لم يكن من القياس فمن نظائره مما يحرم العمل به في الحكم الشرعي، لكن بناء عليه هل يكفي ختمها في إعادة الفاتحة لصدق ختم السورة أو لا لانسياق إرادة الكاملة؟ وجهان، أقواهما الثاني، كما أنه قد يقوى مراعاة الترتيب في قراءة السورة، لأنه المنساق المتيقن من الإطلاق حتى خبر أبي بصير(3)الذي يفرح منه رائحة الموافقة للشافعي في أصل عدد الآيات، إذ المحكي عنه قراءة سورة البقرة أو يقدر آيها في القيام الأول و الثاني، و مائة و خمسين آية منها في الثالث، و مائة آية منها أيضا في الرابع، إذ لا اعتبار بعدد أصلا عندنا، بل يجزي البعض و إن كان آية، لإطلاق النصوص، و صحيح النصف (4)لا دلالة فيه على الوجوب حتى يعارض إطلاق غيره الشامل لما قلنا، بل ظاهر المنظومة الاجتزاء بالأقل من الآية، و لعله كذلك لإطلاق الرواية.

نعم الظاهر وجوب إتمام سورة في الخمس كما صرح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم بل عن جماعة حكاية أنه المشهور، بل في الحدائق أنه ظاهر الأخبار و الأصحاب،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.

ج 11، ص: 442

لإطلاق ما دل (1)على وجوبها في كل ركعة كما قد عرفت البحث فيه سابقا، فما في كشف اللثام- من التوقف فيه، قال: لأن في وجوب سورة في ركعة كل صلاة واجبة نظرا- في غير محله، و إطلاق خبر أبي بصير و غيره يمكن تنزيله على ذلك، فلا يجوز التبعيض حينئذ فيها كغيرها من الركعات بخلاف القران، فان مبناها نصا و فتوى على جوازه، إذ قد عرفت أنه لا إشكال في صحة الصلاة بالخمس سور، فما في الشافية- من أنه هل يجوز أن يقرن بين سورتين أو أكثر؟ احتمالان، أقربهما العدم- يجب حمله على إرادة القران في القيام الواحد الذي يمكن أن يكون محلا للبحث، لا مجموع الخمس فإنه لا إشكال في جوازه فيه في الجملة.

نعم ربما توقف بعضهم في جواز ما زاد على السورة و كان أقل من الخمس سور لا من حيث القران، بل لتردد الأمر بين الركعة الواحدة فتجب السورة الواحدة موزعة أو الخمس فتجب خمس سور، و فيه أنه اجتهاد في مقابلة النص، لأن صحيح الحلبي و البزنطي و علي بن جعفر صريحة في جوازه، مضافا إلى إطلاق غيرها، فلا وجه للإشكال فيه أيضا من هذه الجهة، بل و لا للاحتياط، و حينئذ يجوز له أن يقرأ في الخمس سورة و بعض أخرى مثلا، إذ القول بوجوب الإكمال في الخامس و العاشر لا شاهد له، بل في النصوص (2)ما هو كالصريح بخلافه، على أنه لم نتحقق القائل المعتد به، فإنه و إن نسب إلى ظاهر الألفية حيث قال: «و في الخامس و العاشر يتمها» لكن عن المقاصد العلية «أن في بعض نسخها بعد قوله يتمها إن لم يكن أتم سورة» و هو قيد حسن، و حينئذ فإذا قام إلى الركعة الثانية ففي التذكرة ابتدأ بالحمد وجوبا، لأنه قيام عن سجود فوجب فيه الفاتحة، ثم يبتدئ بسورة من أولها، ثم إما أن يكملها أو يقرأ بعضها، و يحتمل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 7.

ج 11، ص: 443

أن يقرأ من الموضع الذي انتهى اليه أولا من غير أن يقرأ الحمد لكن يجب عليه أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين معا، قلت:

و سورة أخرى بناء على ما تقدم، و عن نهاية الأحكام أنه ضعف الاحتمال المزبور، قلت: يمكن قوته كما في المنظومة لا طلاق الرواية، لكن لا

بد من قراءة سورة كاملة معه في تمام الخمس لما عرفت، فيجب حينئذ إعادة الفاتحة لذلك، لإطلاق ما دل على وجوبها أي في النصوص السابقة، لكن قد يقال: إن ذلك متجه لو انحصر جهة وجوبها أي الفاتحة في ذلك، و هو ممنوع، بل يمكن أن يكون وجوبها لما دل عليه في الركعتين من الفريضة، و حينئذ ينبغي أن يكون في أول قيامها كالركعة الأولى، و ربما يومي اليه صحيحها الحلبي (1)و الرهط(2)بل ظاهرهما معلومية ذلك، نعم لا يجب حينئذ الابتداء بسورة، بل مقتضى إطلاق صحيح زرارة(3)وجوب القراءة من حيث قطع، و لا تنافي بينه و بين وجوب الفاتحة من الجهة المزبورة، فيكملها ثم يقرأ الحمد حينئذ لتحقق الختم و يستأنف سورة أخرى، لما عرفت من وجوبها في الركعة، فتأمل جيدا فإنه دقيق، و إذا أحطت بجميع ما ذكرناه لم يخف عليك ما يجوز من صور الكيفية الذي يقتضيه إطلاق الأدلة و ما يمتنع، بل لم يخف عليك محال النظر في كلام الأصحاب خصوصا الكركي منهم في جامعة الذي ذكر بعد جملة من الكلام خمسة عشر صورة للكيفية نافيا الخلاف عن جواز خمسة منها، و لقلة الجدوى في التعرض لذلك تركناه، و إلا فالصور المتصورة هنا بالنسبة إلى كل من الركعتين مع المساواة بينهما و المخالفة كثيرة تزيد على ذلك أضعافا، و لكن الحكم فيها جميعها سهل بعد التدبر فيما قلناه.

و كيف كان فالظاهر وجوب جميع ما يعتبر في اليومية فيها من الشرائط و غيرها


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 6.

ج 11، ص: 444

كما صرح به غير واحد، ضرورة اندراجها في اسم الصلاة، فيعتبر فيها حينئذ ما يعتبر فيها، بل الظاهر كونها كذلك في المندوبات أيضا، و في أحكام السهو في الركوعات و الركعات، فتبطل بنسيان ركن أو زيادته حتى دخل في ركن آخر على البحث السابق في الفريضة، بل الأركان فيها تلك الأركان، إذ احتمال كون ما عدا الخامس و العاشر من الركوعات من الأفعال لا من الأركان كما ترى و إن كان يوهمه بعض ما عرفت، و يتدارك لو نسي إذا لم يكن قد دخل، و إلا قضى ما يقضى في الفريضة بعد الفراغ كالمنسي من أفعالها غير الأركان، أما المشكوك فيه منها فيتدارك إذا لم يكن قد دخل في فعل آخر، و تبطل بالشك في الركعات، لأنها من الثنائية، فظهر الفرق حينئذ بين الركوعات و الركعات، و لعل من عبر عن الأول باسم الثاني لا يريد جريان حكم الشك فيها، نعم إذا رجع الشك في الركوعات إلى الشك في الركعات كما لو شك في الخامس و السادس بطلت كما نص عليه الشهيد في الذكرى و غيره، و أشبعنا الكلام في ذلك في بحث الخلل، فلاحظ و تأمل، و قد أشار إلى جميع ما ذكرنا هنا العلامة الطباطبائي في منظومته، بل ظاهره فيها اتفاق الفتاوى على الحكم الأول منها، نعم تنفرد عن الفريضة وجوبا و ندبا ببعض الأمور التي قد سمعت بعضها كزيادة الركوع و التبعيض في السورة و تكرار الحمد و نحوها، و تسمع الباقي إن شاء الله.

و حينئذ فلا إشكال في أنه يستحب فيها الجماعة كاليومية على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في كشف اللثام عندنا، و نفاها أبو حنيفة في الخسوف بل في التذكرة إجماعا، كما أن في الخلاف الإجماع على صلاتهما جماعة و فرادى، و على خلاف قول أبي حنيفة، لا طلاق أدلة الجماعة المقتضي بظاهره عدم الفرق بين القضاء و الأداء و بين احتراق القرص و بعضه و إن كان قد يفهم من

قول الصادق (عليه السلام)

ج 11، ص: 445

في خبر ابن أبي يعفور(1): «إذا انكسف الشمس و القمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم، و أيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلي وحده»

شدة التأكد في الإيعاب، بل في كشف اللثام أنه نص في ذلك، و في الذكرى «ليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا و عند أكثر العامة» بل في التذكرة «هذه الصلاة مشروعة مع الامام و عدمه إجماعا منا» مضافا إلى ما سمعته سابقا، فما عن الصدوقين- «إذا احترق القرص كله فصلها جماعة و إن احترق بعضه فصلها فرادى» و كذا المفيد لكن في القضاء- لا يخفى ما فيه إن أرادوا نفي مشروعية الفرادى في

الأول و الجماعة في الثاني، ضرورة منافاته لا طلاق الأدلة في كل منهما بلا مقتض، و قد

سأل روح بن عبد الرحيم (2)أبا عبد الله (عليه السلام) «عن صلاة الكسوف تصلى جماعة فقال: جماعة و غير جماعة»

و محمد بن يحيى الساباطي (3)الرضا (عليه السلام) «عن صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى قال: أي ذلك شئت».

بل لعل من إطلاقهما و غيره يستفاد ما صرح به الشهيد في البيان من جواز اقتداء المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة و بالعكس فضلا عن المنتفل بالمتنفل، ترجيحا لمثل الإطلاق المزبور على إطلاق منع الجماعة في النافلة المنساق منها غير ذلك كما تسمعه إن شاء الله في اليومية.

و كيف كان فالمعلوم من كيفيتها جماعة أنه إذا أدرك المأموم الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه على المشهور كما ستعرفه في اليومية أدرك الركعة، أو إذا أدركه كذلك في أول ركوع الركعة الثانية فيتم حينئذ ركعة و ينفرد بعد السلام أو قبله مع النية بالثانية كاليومية، أما إذا أدرك الإمام في غير الأول من ركوعات الركعة الأولى


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 3.

ج 11، ص: 446

فالمشهور وجوب الصبر إلى الركعة الثانية، و اختاره شيخنا في كشفه، و شيخه في منظومته، لأصالة عدم التحمل، فيقتصر منه على المتيقن،

و إطلاق الجماعة لا يستفاد منه الكيفية، و لأنه لا يخلو من محذور أبدا كما صرح به جماعة منهم الأصبهاني في كشفه، قال: «فإنه إذا سجد الامام بعد الخامس لم يخل إما أن لا يسجد معه فيبطل الاقتداء بالإخلال بالمتابعة في الفعل مع

قوله (عليه السلام)(1): «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به»

أو يسجد معه فاما أن يكتفي بما أدرك قبله من الركوعات و هذا السجود و خمس ركوعات أخر و سجود ثان يتابع الإمام في الكل فيلزم نقصان ركعته الأولى عن خمس ركوعات، أو تحمل الامام ما فاته من الركوع، و لم يعهد شي ء من ذلك، أو لا يكتفي بل يسجد أخريين بعد الركوع الخامس فيزيد سجدتين و ينفرد عن الاقتداء إن أتم الركوعات وحده، و إن جعل المتمم لركوعاته من ركوعات ثانية الإمام زاد أربع سجدات».

قلت: لكن قد يستفاد من إطلاق النصوص هنا صحتها جماعة من غير تعرض لكيفيتها أنه يكفي فيها ما ثبت من هيئتها في اليومية، بل لعل المتعارف في سائر العبادات بيان كيفيتها في محل مخصوص ثم يؤكل غيره عليه، فالمتجه حينئذ ثبوت ما يثبت في اليومية هنا، و الظاهر جواز نية الائتمام بالبعض فيها من أول الأمر بأن يعزم على مفارقة الإمام في الأثناء، أو كان عالما بعروض ما يمنع من الاقتداء به قبل الفراغ، إذ الجماعة كما أنها مستحبة في الكل مستحبة في البعض، و لذا كان الأقوى جواز الانفراد اختيارا،

فحينئذ جاز له الائتمام بما بقي من الركوعات ثم ينفرد عنه عند إرادة السجود كما صرح به في جامع المقاصد، بل بناء على جواز تجديد نية الائتمام للذي انفراد في الأثناء كان له بعد الفراغ مما بقي عليه من الركوعات و اللحوق في السجود أو فيما بعده تجديدها حينئذ


1- 1 المستدرك- الباب- 39- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1.

ج 11، ص: 447

كما هو واضح، بل قد يقال بالصحة بدون ذلك و إن لم يسجد معه كما احتمله العلامة و غيره، و دعوى بطلان الافتداء حينئذ ل

قوله (عليه السلام): «إنما جعل الإمام»

إلى آخره ممنوعة أولا بأن الأصح التعبد خاصة في وجوب المتابعة، و أنه لا بطلان في الصلاة و لا في الجماعة بتركها عمدا، و ثانيا بعدم وجوبها هنا، ضرورة كون الثابت منها فيما اشتركا فيه من أفعال الصلاة لا فيما استقل فيه الإمام خاصة بالتكليف كما في عدة مواضع، منها ما لو كان قد نسي سجودا مثلا و قد ذكره قيل الركوع فإنه لا يجب على المأمومين المتابعة له فيه، فحينئذ ينتظر المأموم في الفرض حتى يقوم الإمام للركعة الثانية و ليس ذا من ايتمام القائم بالقاعد، على أن له الجلوس معه بلا سجود إلى أن يقوم، فيتم ما بقي له من الركوعات معه، فإذا تم له الخامس سجد، و لا يقدح انفراده عن الإمام في ذلك بعد اختصاصه بالتكليف به كالمزاحم في صلاة الجمعة و الجالس للتشهد إذا كان مسبوقا، و بعد الفراغ من السجود يلحقه و يركع معه، بل ليس فيه فوات متابعة، إذ ليس المراد منها إلا المشاركة معه في الفعل لا المقارنة، فلحوقه بعد السجود حال القيام قبل الركوع كاف فيها، كلحوق المتخلف للتشهد مثلا، فإذا أراد الإمام السجود أتم هو ركوعاته على الانفراد لجوازه كما عرفت، أو يلحق الإمام في السجود أو بعده فيسلم معه، لعدم البأس في التخلف لعذر كما سمعت، مع أنه على فرض مشاركته له في السجود بانتظار من الامام أو بتخفيف من المأموم لم يكن فيه فوات متابعة أيضا.

نعم المتجه بناء على ذلك ما عن حل المقعود من الجمل و العقود من فعل الركوعات الناقصة في الركعة الأولى مخففة ثم لحوقه في السجود، و لا يتعين عليه الانتظار إلى إتمامها بركوعات الركعة للثانية كما سمعته من العلامة، و احتمال الفرق بين الأولى و الثانية بإمكان المتابعة للإمام فيها في الركوع و لو بالركعة الثانية بخلاف الأخيرة يوجب تعيين تأخير سجود الأولى إلى سجود الإمام للثانية، فينتظره حينئذ إلى أن يفرغ مما عليه من ركوعات الثانية و يسجد

ج 11، ص: 448

معه كما انتظره حال سجود الأولى، اللهم إلا أن يلتزم جواز ذلك له، إلا أنه لا يحصل له الائتمام حينئذ إلا بركعة، و تذهب ثمرة مبادرته، و لذا رجحت الصورة الأولى عليها، و إلا فالجميع جائز، بل قد ينقدح من ذلك كله- و مما تسمعه في صلاة الخوف، و أن انتظار الامام فيها على القواعد لا لخصوصية فيها، و في ائتمام المسافر بالحاضر و العكس، و انتظار كل منهما الآخر إلى أن يؤدي ما عليه، و يشتركان في التسليم- صور أخر لا يخفى جريانها في المقام، كما أنه كذلك أيضا لو قلنا بأن زيادة الركن للمتابعة غير قادحة، كما تسمعه فيمن أدرك الإمام في السجود في الركعة الأخيرة، و أن له الائتمام به متابعا له في السجدتين لإدراك فضيلة الجماعة ثم يقوم بعد تسليم الإمام للصلاة من غير احتياج إلى استئناف نية و تكبيرة.

هذا كله بناء على وجوب العشر ركوعات على المأموم كالإمام، أما إذا قلنا بسقوط ما لا يدركه منها من الركعة بعد إدراك الركوع الأخير منها أو أزيد إما لتحمل الامام كما عن ظاهر حل المعقود من الجمل و العقود أو لغير ذلك لم يكن إشكال حينئذ في الكيفية، و كان وجهه ما دل (1)على إدراك الركعة بإدراك الركوع، و من المعلوم أنهما ركعتان و إن اشتملا على عشر ركوعات، و لذا لم يعتبر قراءة الفاتحة لكل ركوع بل ذكر السمعلة بعد الخامس مما يعين أنه هو ركوع الركعة، و أن ما قبله أفعال وجبت هنا، فتدرك الركعة حينئذ بإدراكه، و لعله بذلك ترتفع الغرابة في كشف اللثام عنه، و لكن الإنصاف مراعاة الاحتياط و الاقتصار في الجماعة على المعلوم من الكيفية، نعم لو أراد تحصيل فضيلة الجماعة و كان الوقت متسعا كان له الائتمام ببعض السور السابقة ثم الاستئناف، و في كشف اللثام و غيره أنه يمكن استحباب المتابعة في الركوع و سجود


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 11، ص: 449

الأولى و استئناف الاقتداء في ابتداء الثانية، كما يستحب في اليومية المتابعة إذا أدرك سجود الأولى، قلت: لكن فيه منافاة الاحتياط لاحتمال الصحة كما عرفت، فيحرم عليه إبطال العمل، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و يستحب فيها أيضا إطالة الصلاة بمقدار زمان الكسوف بلا خلاف نعرفه فيه كما عن المنتهى الاعتراف به، بل في المفاتيح و المحكي عن المعتبر و التذكرة و النجيبية و ظاهر الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إطلاق

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة و محمد(1): «كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن»

إن لم يكن ظاهرا في التطويل، و

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(2): «إن صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فان ذلك أفضل، و إن أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» و رواه في المدارك و غيرها «فإلى أن يذهب»

إلى آخره. و على كل حال فالمراد منه ظاهر، قيل: و

صحيح الرهط(3)«إن صلاة كسوف الشمس و القمر و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات و أربع سجدات

صلاها رسول الله (صلى الله عليه و آله) و الناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها»

و خبر القداح (4)«ان الشمس انكسفت في زمان رسول الله (صلى الله عليه و آله) فصلى بالناس ركعتين و طول حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام»

و في الفقيه (5)«انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 450

إلى الرجل قد ابتلت قدمه من عرقه»

بل في

المروي (1)عن المقنعة «أنه (عليه السلام) قرأ فيها بالكهف و الأنبياء و رددها خمس مرات و أطال في ركوعها حتى سال العرق على أقدام من كان معه و غشي على كثير من القوم»

لكن يحتمل الأول الاتفاق، و ليس في الأخيرين التطويل إلى القدر، نعم قد يستفاد منهما استحباب التطويل كفحوى الأمر(2)بقراءة السور الطوال فيها مساواة كل من القنوت و الركوع و السجود لها.

و ظاهر المتن و غيره و النصوص السابقة تساوي الكسوفين في التطويل المزبور، و عدم الفرق بين الامام و غيره، لكن في

صحيح الرهط(3)«ان الصلاة في هذه الآيات كلها سواء، و أشدها و أطولها كسوف الشمس»

إلى آخره. و

في آخر(4)«صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر، و هما سواء في القراءة و الركوع و السجود»

و في

صحيح محمد و زرارة(5)عن الباقر (عليه السلام) «انه كان يستحب أن يقرأ في صلاة الكسوف الكهف و الحجر إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه»

و لعل المراد بالأولين أن كسوف الشمس أطول مكثا من غيره، فتكون أطول صلاة، و لعله اليه أومأ في المنظومة.

أطل بها و أكد التطويل في الشمس فالأمر بها مهول

و بالأخير أنه لا يتأكد التطويل بقراءتهما للإمام الذي يشق على من خلفه، و ربما جمع بين النصوص برغبة المأمومين في الإطالة و عدمها، و لعل الأولى منه إطلاق استحباب

الإطالة إلا أن يعلم المشقة بخلاف غيرها من الصلاة، فإن عدم العلم بالرغبة كاف في استحباب التخفيف، بل يمكن دعوى استحبابه مطلقا، و كان وجه الفرق عدم تكررها


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.

ج 11، ص: 451

في كل يوم، و كون الصلاة لاستدفاع البلاء و الفزع إلى الله، فينبغي التشاغل ما دامت موجودة.

و كيف كان فالأمر سهل، لكن في الذكرى تبعا للتذكرة و المحكي عن المعتبر أنه يستحب إطالة صلاة كسوف الشمس على صلاة خسوف القمر، و رواه الأصحاب عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: «و هل ينسحب إلى باقي الآيات حتى يكون الكسوفان أطول منها؟ لم نقف على نص، و في المحكي عن النفلية و الفوائد الملية أن الظاهر عدم الانسحاب، و ظاهر خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)يرشد اليه» و فيه أولا ما عرفت من أطولية صلاة الكسوف على جميع الآيات، فان كان المراد به ما ذكره لا ما قلناه فهو دال على ذلك، و ثانيا أنه لا يتصور استحباب الأطولية بعد تقدير استحباب الطول بذهاب الكسوف، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك مستحب في مستحب فيتصور حينئذ بأنه لو فرض تقدم صلاة الخسوف مثلا و لم يكن قد طولها إلى ذهابه ثم تعقبتها صلاة الكسوف استحب له زيادة الطول على صلاة الخسوف و إن لم يكن إلى ذهاب الكسوف أيضا، لكنه كما ترى، و كذا لو أريد تأكد استحباب الطول فيها على صلاة غيرها من الأطولية إلا على المعنى الذي

ذكرناه، و لعله لذا ترك التعرض لاستحباب الأطولية أكثر الأصحاب، ضرورة أنه على ما قلناه يرجع إلى استحباب التطويل قدر الذهاب، فاستغنوا به عنه، و غيره لا يخفى ما فيه، فتأمل جيدا، هذا.

و قد ذكر غير واحد أنه إنما يتم استحباب التطويل إلى الذهاب مع العلم بذلك أو الظن الحاصل من إخبار رصدي أو غيره، و أما بدونه فربما كان التخفيف ثم الإعادة مع عدم الانجلاء أولى، لما في التطويل من التعرض لخروج الوقت قبل الإتمام، و زاد في المحكي عن الفوائد الملية خصوصا على القول بأن آخره الأخذ في الانجلاء، فإنه محتمل في


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 10.

ج 11، ص: 452

كل آن من آنات الكسوف، و أصالة عدم الانجلاء لا تدفع هذه الفريضة، لكن عنه في المسالك أنه يمكن عموم استحباب الإطالة و إن لم يتفق موافقة القدر، لأصالة البقاء، و كيف كان فتخيل (فتخفيف خ ل) الصلاة مع الجهل بالحال ثم الإعادة تحصيلا للفضيلة أحوط، قلت: هذا كله منهم مبني على التوقيت للأول و الآخر، و لعل وجه (1)إطلاق استحباب التطويل إلى القدر المعلوم ندرة العلم و الظن المعتبر به، بل مقتضى اعتبار تحصيل الغاية العلم بوقوع جزء من الصلاة خارج القدر للمقدمة، و هو شاهد على عدم اعتبار التوقيت بالمعنى المزبور، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كذا يستحب أن يعيد الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء وفاقا للأكثر بل في الذكرى «المعظم» بل لا أجد فيه خلافا إلا من الديلمي و أبي الصلاح في المحكي عن مراسم الأول و كافي الثاني حيث قالا: «عليه الإعادة» و ظاهرهما الوجوب، قبل:

و يحتمله المقنعة و جمل العلم و العمل، بل نسبه الشهيد إلى ظاهر الثاني، كما عن كشف الرموز نسبته إلى ظاهر الأول، إلا أن الانصاف أنه يحتمل الجميع إرادة الاستحباب كما اعترف به في الذكرى، فتصير المسألة اتفاقية مما عدا الحلي فنفى الوجوب و الاستحباب كالمحكي عن الجمهور، و لقد أجاد في الذكرى بقوله: «إن الأصحاب قبله مطبقون على شرعية الإعادة» و أجود منه ما عن كشف الرموز «من أنه إقدام مع وجود النص و فتوى الأصحاب» و المختلف «انه مخالف لعملهم» قلت: و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(2): «إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»

الذي يجب حمله


1- 1 ليس في المسودة شي ء من لفظ« وجه» بعد كلمة« لعل» و لا لفظ« و هو» قبل قوله قده:« شاهد» و حينئذ يكون قوله:« إطلاق استحباب التطويل» اسم« لعل» و قوله:« شاهد» خبرها.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.

ج 11، ص: 453

على إرادة الندب للأصل و موثق عمار(1)السابق، و

قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة و محمد(2): «إذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد و ادع الله حتى ينجلي»

و في

الدعائم (3)«روينا عن علي (عليه السلام) أنه صلى صلاة الكسوف فانصرف قبل أن تنجلي و جلس في مصلاه يدعو و يذكر الله و جلس الناس معه كذلك يدعون حتى انجلت»

و احتمال الجمع بالتخيير بين الدعاء و الإعادة يدفعه بعد الإجماع المركب على خلافه أن الأول أرجح منه من وجوه، منها شهرة الأصحاب، على أن فيما حضرني من نسخة الوسائل «فأغد» في الصحيح بدل «فاقعد» نسخة.

و على كل حال فالحجة به على الحلي واضحة، خصوصا و لم نعرف له مستندا بعد الأصل المقطوع بما عرفت سوى دعوى ظهور موثق عمار(4)في حصر القسمة بين التطويل و عدمه من غير تعرض لذكر الإعادة، فلو كانت مستحبة لم تكن القسمة حاصرة و هي واضحة المنع، مع أنها لا تعارض الصحيح السابق المعتضد بالفتاوى كما هو واضح.

و كيف كان فلا تعرض للأصحاب هنا للأخذ في الانجلاء و تمامه، بمعنى أن القائلين بالتوقيت بالأول يخصون الإعادة به بخلاف الثاني، بل ظاهرهم الاتفاق هنا على مشروعية الإعادة قبل الانجلاء الظاهر في التمام، و قد سمعت الاعتراف به من الذكرى سابقا، و لعل وقت المستحب عندهم غير وقت الواجب لا طلاق الدليل السابق، بل قد يستفاد هنا من إطلاق النص و الفتوى عدم اعتبار سعة الباقي للإعادة، و هو مؤيد لما قلناه من التسبيب، فتأمل.

ثم إن الظاهر استحباب الإعادة مطلقا كما عن نهاية الأحكام لا لأن الأمر


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
3- 3 المستدرك- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 454

للتكرار بل لخصوص المقام الظاهر في إرادة التشاغل بالصلاة ما دامت الآية، بل هو مقتضى إطلاق

قوله (عليه السلام): «حتى يسكن»

بناء على عدم ظهوره في التطويل بل قد يستفاد ذلك من فحوى الإطالة فضلا عن غيره، فما عن بعضهم من تقييد استحباب الإعادة بالثلث لا أعرف له شاهدا، و الله أعلم.

و كذا يستحب أن يكون مقدار ركوعه بمقدار زمان قراءته بلا خلاف أجده فيه سوى ما في المحكي عن المقنعة، فقال: بقدر السورة، و لعله يريد ما يشمل الفاتحة فيتفق الجميع حينئذ، و لذا نسبه في المحكي عن التذكرة إلى علمائنا، بل عن الخلاف و الغنية و الغربة الإجماع عليه، و في

خبر أبي بصير(1)«يقرأ في كل ركعة مثل يس و النور، و يكون ركوعك مثل قراءتك، و سجودك مثل ركوعك»

و في المروي من

صحيح زرارة و محمد بن مسلم (2)عن الباقر (عليه السلام) في جملة من كتب الفروع «و

تطيل القنوت على قدر القراءة و الركوع و السجود»

إذا قرئ الركوع بالنصب لا الجر ليوافق الخبر الأول و الفتاوى، بل بهما يرتفع احتمال إرادة تطويل المجموع منهما لا كليهما، مضافا إلى

مرفوع الدعائم (3)عن الصادق (عليه السلام) المصرح بذلك، لكن رواه في الكافي و التهذيب «فتطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و الركوع و السجود»

و حمله على تكرار الركوع من النساخ أو غيرهم متعين، و إلا كانا من المتشابهات و كيف كان فالظاهر من النص و الفتوى الكناية بذلك عن استحباب تطويل الركوع بقدر القراءة المندوب إليها و إن لم يكن قد فعلها، بل في المحكي عن المنتهى الإجماع على استحباب التطويل في الركوع من أهل العلم، و الإجماع منا في السجود، إلا أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
3- 3 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 455

استدل عليه بما يقضي بالتقدير المزبور، و قد سمعت مرسل المقنعة(1)المحتمل لكون التطويل في ركوعه (عليه السلام) للتطويل في قراءته، و على كل حال فكان على المصنف ذكر السجود كذلك أيضا كما ذكره غير واحد للخبر المزبور، و للإجماع الذي سمعته، مضافا إلى نسبته إلى علمائنا في المحكي عن التذكرة،

بل عن الغرية الإجماع عليه، بل كان عليه ذكر القنوت كذلك أيضا كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن الغرية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الخبر المزبور، و من المعلوم إرادة التقريب من ذلك كله، و الله أعلم.

و كذا يستحب أن يقرأ السور الطوال بلا خلاف، بل عن الخلاف و المعتبر و ظاهر الغنية و غيرها أنه متفق عليه، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل العلم، و قد سمعت ما في صحيح زرارة و محمد و خبر أبي بصير و مرسل حريز، و في

الدعائم (2)«روينا عن علي (عليه السلام) أنه قرأ في الكسوف سورة من المثاني و سورة الكهف و سورة الروم و يس و الشمس و ضحاها، و ليس في هذا شي ء موقت»

و قد قال فيها قبيل ذلك: إن المثاني أولها البقرة، و آخرها براءة، و كان قراءته (عليه السلام) للشمس و ضحاها مع قصرها للمناسبة، كما أنه ينبغي قراءة سورة الزلزلة لآيتها لولا قصرها، و اليه أومأ العلامة الطباطبائي:

و ناسب الخطب بها لولا القصرزلزلة و الشمس يتلوها القمر

و قد رأينا أثرا في الشمس عند الكسوف ما به من بأس

و كيف كان فقد قيده المصنف و غيره بقوله مع سعة الوقت و مبناه التوقيت


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 456

المزبور، و قد عرفت ما فيه، و لعل إطلاق النصوص هنا، بل في بعضها(1)كما عرفت سابقا أنه «إن فرغ قبل أن ينجلي» أتم شاهد على نفي التوقيت بالمعنى الذي ذكروه.

و كذا يستحب أن يكبر عند كل رفع من كل ركوع إلا في الخامس و العاشر، فإنه يقول: سمع الله لمن حمده بلا خلاف كما اعترف به غير واحد، بل في المحكي عن المعتبر و التذكرة و المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل عن الخلاف و الغرية الإجماع عليه، و الاقتصار في معقد الإجماع المحكي عن الغنية على العاشر غير ثابت، و في

صحيح محمد بن مسلم (2)«و تركع بتكبيرة و ترفع رأسك بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد فيها تقول: سمع الله لمن حمده»

و في

صحيح الرهط(3)«ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت: سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى»

و في الدعائم (4)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) التكبير للهوي و الرفع، و التسميع

في الرفع خاصة في الخامس و العاشر، إلا أنه ترك فيه فيما حضرني من النسخة ذكر التكبير لأول ركوع، و كأنه إن صحت للوضوح، بل له ترك المصنف ذكر التكبير للهوي جميعه و ذكر رفع اليدين الذي قد عرفت في محله عموم استحبابه في كل تكبير، هذا، و عن النفلية و الفوائد الملية أنه روى إسحاق بن عمار نادرا مخالفا للمشهور فتوى و رواية عموم التسميع إذا ركع و فرغ من السورة و إن لم يكن الخامس و العاشر، قلت:

بل لم أجد الخبر المزبور.

و كذا يستحب أن يقنت خمس قنوتات عند كل ركوع ثان بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 457

الفراغ من القراءة بلا خلاف فيه عندنا، بل عن صريح الغرية و ظاهر غيرها الإجماع عليه و ما عن الصدوقين من أنه إن لم يقنت إلا في الخامس و العاشر جاز لورود الخبر به (1)ليس خلافا، بل أقصاه الجواز، و لا بأس به بعد المرسل الذي ذكراه خصوصا بعد العمل به من الفاضل و الشهيد و أبي العباس و الكركي و الجزائري و غيرهم، بل عن الشيخ و ابني حمزة و سعيد و الشهيد و الكركي و غيرهم جواز الاقتصار على العاشر، و في المنظومة

و في جواز خامس و عاشروجه كذاك الاجتزاء بالآخر.

و الأمر سهل، نعم ما عن الهداية بعد أن ذكر الخمس من أنه و روي أن القنوت في الخامسة و العاشرة إن لم يحمل على إرادة الجواز يجب طرحه و الاعراض عنه، لأمرهم (عليهم السلام) بطرح أمثاله من الشواذ المخالفة للمشهور كما هو واضح.

ثم لا يخفى استفادة غير ذلك من المستحبات من النصوص، منها كونها في المساجد للأمر(2)بالفزع إليها عند حدوث الآية و احتمال الكناية بها عن أماكن الصلاة بعيد و لأن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)صلاها في مسجده، لكن في

الدعائم (4)«سئل- أي الصادق (عليه السلام)- عن صلاة الكسوف أين تكون؟ قال: ما أحب إلا أن تصلى في البراز، و ليطيل المصلي الصلاة على قدر طول الكسوف، و حد السنة أن يصلي في المسجد إذا صلى معه جماعة»

قلت: إلا أن العمل على الأول، نعم ينبغي صلاتها في رحبة المسجد، ل

قول الباقر (عليه السلام) في الصحيح(5): «و إن استطعت أن يكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل»

و منها إكمال السورة، و منها الجهر بها ليلا أو نهارا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات.
3- 3 سنن البيهقي ج 3 ص 341.
4- 4 المستدرك- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 6.

ج 11، ص: 458

كما في الذكرى و الدروس بل في المنظومة:

و الجهر في الآيات يستحب حتى كسوف الشمس و هو دأب

و القول في الكسوف بالاسراريضعف بالإجماع و الأخبار

و الله أعلم.

[الثالث في أحكام صلاة الآيات]
اشاره

و أما أحكامها فمسائل منها ثلاث ذكرها المصنف

[المسألة الأولى إذا حصل الكسوف مثلا في وقت فريضة يومية حاضرة]

الأولى إذا حصل الكسوف مثلا في وقت فريضة يومية حاضرة و اتسع وقتهما معا كان مخيرا في الإتيان بأيهما شاء ما لم تتضيق الحاضرة أو الكسوف فتكون أولى من الموسعة و قيل: الحاضرة أولى في السعة فضلا عن الضيق، و قيل بالعكس و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده و أشهر، بل هو المشهور بين المتأخرين نقلا و تحصيلا، بل في التذكرة «لا يجب مع اتساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة بلا خلاف» لكن قد يريد نفيه عن عدم تعين فعلها لفرض اتساع وقتها، لا ما يشمل جواز فعل الكسوف قبلها الذي لا ينافي عدمه القول المزبور، لا مكان كونهما كالظهر و العصر في عدم جواز فعل الثانية قبل الأولى و إن كان لا يتعين مع ذلك الاشتغال بها، بل هذا هو المختار عند كثير من القدماء كالصدوقين و السيد في المصباح و الشيخ في النهاية و ابني حمزة و البراج على ما حكي عن البعض، بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر، فمن البعيد نفي الخلاف بالمعنى المزبور، كما أن القول الثالث محكي عن المرتضى، و لعله في غير المصباح و ابن أبي عقيل و الآبي و الحلي في السرائر بل ادعى الإجماع عليه فيها، ثم قال: و شيخنا أبو جعفر وافق في جمله و عقوده و رجع، و كذلك في أول كلامه في المبسوط، قلت: و لعله لذا حكى في الذكرى عن الجمل موافقة النهاية، و المحكي لنا من عبارته «خمس صلوات يصلين في كل وقت ما لم تتضيق وقت حاضرة» و عن منها صلاة الكسوف، و لا صراحة بل و لا ظهور فيه في الوجوب، بل لعل ظاهره إرادة بيان الجواز دفعا لتوهم الحرمة، فيكون كما حكاه

ج 11، ص: 459

في الذكرى عنه، بل ما يحكى عن المرتضى كذلك لا ظهور فيه و لا صراحة، قال:

«و وقتها ابتداء ظهور الكسوف إلا أن تخشى فوت فريضة حاضر وقتها فيبدأ بتلك ثم يعود إلى صلاة الكسوف» بل و كذا المحكي من أول عبارة المبسوط، قال: «متى كان وقت صلاة الكسوف وقت فريضة فإن كان أول الوقت صلى صلاة الكسوف، و روي أنه يبدأ بالفرض على كل حال، و هو أحوط» بل لا يتم ما فيه من الاحتياط إلا على عدم إرادة الوجوب من الأول، ثم قال: «فان دخل في صلاة الكسوف ثم دخل عليه الوقت قطع صلاة الكسوف ثم صلى الفرض ثم استأنف صلاة الكسوف».

و كيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول للأصل، و لأنه مقتضى الأمر بكل منهما مع السعة، بل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1): «خمس صلوات تصليهن في كل وقت: صلاة الكسوف و الصلاة على الميت و صلاة الإحرام و الصلاة التي تفوت و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس و بعد العصر إلى الليل»

كالصريح في تناول محل الفرض، ك

قول أبيه (عليه السلام) في خبر زرارة(2): «أربع صلوات يصليها الرجل في أي ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت»

و الأمر فيهما كالأمر في

صحيح ابن مسلم و بريد بن معاوية(3)عنهما (عليهما السلام) «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة، فإن تخوفت فابدأ بالفريضة و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت و احتسب بما مضى»

مراد منه الرخصة، لأنه في مقام توهم الحظر أو المرجوحية في مثل الأوقات


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 5 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.

ج 11، ص: 460

المكروهة، فلا يدل على وجوب تقديم الكسوف، كما أن

قول أحدهما (عليهما السلام)(1): «ابدأ بالفريضة»

جواب سؤال محمد بن مسلم في الصحيح له عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة يجب تقييده بما في الصحيح السابق أي «إن تخوفت فابدأ» أو الندب

كالمروي في الدعائم (2)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «إذا انكسف الشمس أو القمر في وقت صلاة فريضة بدأ بصلاة الفريضة قبل صلاة الكسوف»

فلا حجة فيهما حينئذ للقول الثاني.

و أما الاستدلال له بالأمر بالقطع في

صحيح الخزاز(3)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس و تخشى فوات الفريضة فقال:

اقطعوا و صلوا الفريضة و عودوا إلى صلاتكم»

و صحيح محمد(4)قال لأبي عبد الله (عليه السلام): «ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صليت الكسوف خشيت أن تفوت

الفريضة فقال: إن خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك ثم عد فيها»

بتقريب أنه حقيقة في الوجوب، و لولا وجوب تقديم الفريضة لم يتجه وجوب القطع لها مع سعة وقتها، ضرورة ظهور الخبرين في غير وقت التضييق، إذ المراد بالفريضة في الأول المغرب قطعا لا العصر، و في الثاني العشاء و خوف فوات وقت إجزائهما الممتد عندنا إلى النصف لو صلي الكسوف الذي فرض وقوعه قبل مغيب الشمس و بعد المغرب مقطوع بعدمه، فليس المراد حينئذ إلا وقت الفضيلة، و وجوب القطع له حينئذ يوجب تقديم مراعاته لو لم يكن متلبسا، ففيه أولا أنه لا تلازم بين الأمرين كما عن الجامع من القول بالتخيير ابتداء و وجوب القطع لو تلبس و دخل عليه وقت الفريضة، بل لعله ظاهر ما سمعته سابقا، من المبسوط، بل اقتصر على إطلاق الأمر بالقطع لو دخل في المحكي عن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات الحديث 2.

ج 11، ص: 461

المقنع، و لعله ممن يقول بالتخيير ابتداء، و كان الوجه في ذلك الجمع بين ما دل على التخيير مما سمعت و بين الأمر بالقطع بحمل الثاني على من تلبس فدخل عليه الوقت، و الأول على الابتداء، لكن فيه أن ظاهر الخبرين

اشتراط القطع بخوف فوات الوقت، فكان المتجه إن كانت هي المستند اعتبار ضيق الوقت و لو الفضيلي على ما ذكره الخصم كما هو ظاهر المروي عن

دعائم الإسلام (1)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) فيمن وقت في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاته قال: «يؤخرها و يمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت فان خاف فوت الوقت قطعها و صلى الفريضة و كذلك إذا انكسفت الشمس»

إلى آخر ما سمعته سابقا بناء على إرادة الفضيلي بقرينة الدخول من الوقت فيه، بل هو مقتضى كلام ابن حمزة في الوسيلة، قال: «و إن كان وقتها أي الآيات وقت فريضة موظفة ابتدأ بالموظفة، و إن كان وقتها قريبا من وقت الموظفة و دخل فيها ثم دخل وقت الموظفة أتمها ما لم يخف فوات الموظفة، فإن خاف فوتها قطعها و صلى الموظفة أو خففها إن أمكن» و لعله يفرق بين الابتداء و الإتمام، فلم يجوز في الأول بخلاف الثاني بأن التلبس يمكن أن يزاحم به الفريضة كما فيمن أدرك ركعة، خصوصا مع إمكان الجمع بينها و بين ذات الوقت كما هو الفرض.

نعم قد يناقش بظهور الخبرين خصوصا الأخير منهما في الفعل في وقت الفريضة و القطع إذا خشي فواته لا أنه دخل عليه الوقت و هو متلبس بها، و منه يعلم بطلان الاستدلال بهما للقول بوجوب البدأة باليومية خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من أدلة التخيير، و صحيح ابن مسلم و

بريد السابق (2)الدال على الفعل في الوقت إلا إذا تخوف فوات وقت الفريضة سواء أريد وقت الفضيلي أو الاجزائي منه، و من الغريب ما في


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.

ج 11، ص: 462

الحدائق من دعوى انطباق جميع النصوص على القول بالبدأة باليومية إذا أريد الوقت الفضيلي من الوقت فيها كما هو الظاهر مما عدا صحيح ابن مسلم و بريد، أما هو فلا ظهور فيه بذلك إلا أنه يمكن إرادته منه لشيوع إطلاق الوقت عليه، إذ قد عرفت أنه بناء على ذلك هي ظاهرة أو صريحة فيما ينافي القول المزبور من ابتداء الصلاة في الوقت و لو الفضيلي إذا لم يخش فواته كما لو كان متسعا و اقتصر على أقل المجزي في الكسوف، نعم خبر الدعائم منها ظاهر في التلبس قبله، إلا أنه صريح في عدم القطع بالدخول، بل يؤخر حتى يخشى الفوات، و هو خلاف ما هم عليه، كل ذلك مضافا إلى انسياق عدم الوجوب من الأمر بالقطع، لأنه في مقام توهم الحظر، و لأنه لتدارك أمر مندوب أي الصلاة في الوقت الفضيلي، فضلا عن معارضة ما يدل على التخيير مما سمعت الذي بمراعاته يجب حمل هذا الأمر على ذلك لا الوجوب الذي هو مع القول بالتخيير واضح الغرابة و الفساد.

فالمتجه الذي يجامع القول المزبور بل هو الموافق لجميع النصوص بل هي كالصريحة فيه

جواز القطع و رجحانه لتدارك فضيلة الوقت إذا خشي فواته بالإتمام، بل من تأمل كيفية مطابقة جوابه (عليه السلام) للسؤال- الذي ظاهره عن ابتداء صلاة الكسوف فينبغي أن يكون جوابه افعل أو لا تفعل لا اقطع و نحوه الملائم للسؤال عمن تلبس و خاف الفوات بالإتمام- علم أن المراد منه و لو بقرينة المخالفة المزبورة الرخصة بالتلبس مع القطع إذا بلغ الحد الذي يخاف من أفعله فوات الوقت، لا أن السؤال فيها عمن تلبس فبان له ضيق الاجزاء في الأثناء، إذ هي كالصريحة في خلافه، و ليس المراد البطلان من القطع المزبور حتى يكون الأمر بذلك عبثا لا يليق وقوعه من الحكيم، بل المراد به ترك الاتصال و فعل الفريضة في أثناء صلاة الكسوف ثم البناء على ما مضى من صلاته، فهو في الحقيقة مستثنى مما دل على اقتضاء البطلان بمثله، كالمبطون و نحوه ممن عرفت في محله و ضوءه و بناءه على صلاة الفريضة بل و غيره مما جاز فعل الكثير فيه في الأثناء للدليل، فاستبعاد

ج 11، ص: 463

ذلك حتى تردد فيه بعض بل قيل بوجوب الاستثناف من رأس في ضيق وقت الاجزاء فضلا عن محل الفرض اجتهاد في مقابلة النص، أو خطأ واضح في فهم المراد من القطع فيه، خصوصا في مثل صحيح محمد بن مسلم و يريد المصرح فيه بالاحتساب بما مضى، و خصوصا بعد الاعتضاد بفهم الأكثر بل المعظم كما في البيان، بل المشهور نقلا و تحصيلا بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، و عن السرائر أنه يلوح منها الإجماع، بل لا خلاف أجده فيه قبل الشهيد في الذكرى إلا ما يحكى عن المبسوط نعم يحكى عن الغرية و الروض و الشافية ذلك أيضا، قال في الذكرى: لأن البناء بعد تخلل صلاة واجبة لم يعهد من الشارع تجويزه في غير هذا الموضع، و الاعتذار بأن الفعل الكثير يغتفر هنا لعدم منافاته الصلاة بعيد، فانا لم نبطلها بالفعل الكثير بل يحكم الشرع بالإبطال و الشروع في الحاضرة فإن فرغ منها فقد أتى بما يخل بنظم الكسوف، فيجب إعادتها من رأس تحصيلا ليقين البراءة، و هو منه عجيب، ضرورة أن الشرع حكم بالصحة في النصوص السابقة لا البطلان، لكن ينبغي الاقتصار على الفصل بالصلاة خاصة، لعدم ثبوت اغتفار غيره.

و كيف كان فقد بان لك من ذلك كله أنه لا محيص عن إرادة الفصل بالصلاة ثم البناء من القطع المزبور، إلا أن المعروف بين القائلين بالتخيير على الظاهر اختصاص ذلك بمن نلبس فبان له ضيق وقت الاجزاء لا وقت الفضيلي، و لا من علم الفوات قبل التلبس، فيبقى الأول على فعله، لأن الفرض تخييره، و لا يجوز للثاني أن يشرع، و كأنهم حملوا الخبرين المزبورين بقرينة قوله (عليه السلام) فيهما: «اقطع» على المتلبس و على أن المراد وقت الإجزاء بقرينة صحيح محمد بن مسلم و بريد الذي أطلق فيه خوف فوات الوقت من غير إشعار بالفضيلي فيه، فيظهر منه حينئذ وقت الاجزاء، إذ هو الذي يخاف خروج الوقت بفواته، و يكون المراد منه حينئذ إن تخوفت فابدأ بالفريضة إن لم تكن متلبسا، و إلا فاقطع، مضافا إلى موافقة ذلك الاقتصار فيما خالف بطلان الصلاة بمثل

ج 11، ص: 464

هذا الفصل على المتيقن، و على محل الضرورة المفقودة في وقت الفضيلي، إذ الفرض التخيير، و فيه مع أن إرادة وقت الاجزاء من الصحيح المزبور لا يقتضي إرادته من غيره، بل أقصاه اقتضاء إطلاق المفهوم عدم وجوب القطع، و هو مسلم، و لو أريد عدم الجواز منه كان مقيدا بغيره، و هو ليس بأولى من حمل الوقت فيه على وقت الفضيلي بقرينة الخبرين المزبورين الظاهرين في إرادة الفضيلي كما عرفت، خصوصا بعد اعتضادهما بظاهر خبر الدعائم، و لا استبعاد في المحافظة على فضيلة الوقت الذي هو رضوان الله، و للمؤمن خير من ماله و ولده، خصوصا بعد أن لم يكن إبطالا للعمل، بل هو جمع بين حق العملين، على أن عمدة ما في هذه النصوص من المخالفة هو عدم قدح مثل هذا الفصل و الفرض التزامه في حال الضيق، فمع التزامه لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من ثبوت ذلك للفضيلي، كما أنه لا داعي إلى مخالفة ظاهرها من جواز تلبسه بالفعل إلى حصول ما كان يخاف أولا من فعله فوات الوقت، فيقطع حينئذ، إذ الفرض خوفه الفوات بالإتمام لا التلبس كما هو واضح، بل من تأمل حق التأمل علم أن النصوص هنا لوحت بجواب أسئلتها إلى أنه لا ينبغي الخوف على الفريضة بفعل صلاة الكسوف، لعدم تعين الاتصال عليه بالتلبس، بل له الفصل بالفريضة إذا خشي الفوات، فحينئذ يتلبس إلى أن يصل إلى ما يخاف من فعله الفوات فيقطع، فلا يكون قد أخل بالمبادرة إلى صلاة الكسوف الذي لم يعلم غالبا مقدار مكثه، و لا فاتته فضيلة الوقت، بل جمع بين الأمرين.

نعم لو لم يخش فوات الفضيلة كما لو شرع بعدها أو كان وقتها متسعا لم يكن له الفصل المزبور، لظهور النصوص بل صراحتها في الشرط المزبور، و دعوى أن الإجماع المركب على خلاف ذلك كله يدفعها التتبع لكلام الأصحاب، فإنه به يعلم أن لا إجماع لهم مستقر، لأن من ظاهره البدأة باليومية بين قائل بالقطع بدخول الوقت لو كان متلبسا

ج 11، ص: 465

و بين قائل بانتظار وقت الموظف كما في الوسيلة و المحكي في الذكرى عن أبي الصلاح، و من ظاهره التخيير بين مطلق للقطع أيضا بمجرد الدخول كما سمعته عن الجامع، بل و المبسوط، بل في البيان «لو دخل وقت الفريضة متلبسا بالكسوف فالمروي في الصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) قطعها و فعل الحاضرة ثم البناء في الكسوف، و عليه المعظم» و ظاهره بل هو كالصريح من ذيل كلامه فلاحظ و تأمل ذلك مع السعة، و لعل جماعة منهم مخيرون، إذ احتمال إرادة خصوص القائلين بابتداء اليومية يدفعه أنهم ليسوا المعظم

خصوصا و قد عرفت أن أبا الصلاح و ابن حمزة منهم غير قائلين بالقطع بمجرد الدخول، و في كشف اللثام «أن ظاهر الفقيه و المقنع و النهاية و المبسوط و المهذب و الجامع القطع مع اتساع وقت الحاضرة» إلى غير ذلك، مع أن كثيرا من عباراتهم خصوصا القدماء الذين يعبرون كعبارة النصوص غير واضح المراد، فربما عبروا بلفظ قطع و نحوه و يريدون الندب منه أو غير ذلك. و كيف كان فلا إجماع محقق على نفي ما ذكرناه كما هو واضح.

هذا كله مع السعة، أما مع تضيق أحدهما و اتساع الآخر فلا إشكال في تقديم المضيق، بل في التنقيح و المدارك و الحدائق و المحكي عن المنتهى و إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد معلومية ذلك من أصول المذهب و قواعده، و بها يخرج عن دعوى إطلاق ما دل على فعل اليومية أو الكسوف بعد تسليمها، خصوصا بعد عدم معلومية قائل بمقتضاه، بل صرح في الذكرى بأن الظاهر من القائلين بوجوب البدأة باليومية تقديم الكسوف عند خوف فوات وقته و العلم باتساع الحاضرة، لكن في كشف اللثام «أن ظاهر الصدوقين و من تلاهما أي ممن قال بوجوب البدأة باليومية تقديم الفريضة و إن اتسع وقتها و ضاق وقت الكسوف» قلت: إلا أن ما تقدم من الأصول و الإجماعات


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.

ج 11، ص: 466

السابقة و غيرها فضلا عن إجماع السرائر المتقدم آنفا على تقديم صلاة الكسوف مع السعة فضلا عن ضيقها حجة عليهم، نعم قد يقال بناء على ما قدمناه من التسبيب في الكسوف و عدم اعتبار وقوع الفعل حال وجود السبب: و إنما يجب المبادرة إلى الفعل حال حصول السبب بجواز القطع في الأثناء إذا خشي فوت الفضيلة، لا طلاق الأدلة السابقة و ترك الاستفصال فيها، و لا يلزمه جواز الابتداء كذلك، إذ قد يمنع باعتبار منافاته للمبادرة المزبورة، بخلاف الفرض فإنه في الفعل و متلبس به و إن فعل في أثنائه ما فعل، و لا دليل على وجوب المبادرة في إتمام الفعل في مثله، بل لعل إطلاق القطع هنا للفضيلة في النصوص السابقة من غير استفصال بين بقاء الكسوف و عدمه دليل على خلافه، كما أنه يشهد للتسبيب الذي قلناه سابقا، فتأمل جيدا.

و على كل حال فالمراد حينئذ بضيق وقت الفريضة المانع من صلاة الكسوف عدم سعة فيه للتلبس بها لا أنه غير واسع لتمامها، إذ قد عرفت أنه لا يتعين عليه الإتمام بالتلبس فحينئذ له التلبس بها إلى بلوغ ما به الفوات فيقطعها ثم يفعل الفريضة في أثنائها ثم يبني على ما مضى من صلاته، بل قد ينقدح من ذلك ندرة مزاحمة الكسوف للفريضة، ضرورة إمكان تكبيرة الإحرام ثم فعل الفريضة في أثنائه، فإذا أريد المحافظة على المبادرة اللازمة للكسوف فعلها ثم صلى الفريضة في الأثناء وجوبا إن ضاق وقتها الاجزائي، و ندبا لإدراك وقتها الفضيلي، فيكون قد جمع بذلك بين الأمرين، و لعل إطلاق النصوص المزبورة و ما فيها من تعليم القطع ثم البناء عند خوف الفوات و عدم الإشارة في شي ء منها إلى ضيق وقت الكسوف و أنه به تتقدم على الفريضة مع السعة فيه كمال الإيماء إلى ذلك.

و من ذلك كله يعلم الحال فيما لو ضاقا معا الذي هو كأنه لا خلاف عندهم في تقديم اليومية معه كما في كشف اللثام، بل في الذكرى نفيه على البت، بل في التنقيح الإجماع عليه، لمعلومية أهمية اليومية من نصوص المقام و غيرها، بل المتجه وجوب القطع

ج 11، ص: 467

لو بان في الأثناء كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، بل في كشف اللثام على القطع حين خوف الفوات الإجماع على ما في المعتبر و المنتهى و التذكرة و نهاية الأحكام و كلامهم يعم ضيقهما و إن كنا لم نتحقق التعميم المزبور في بعض ذلك، إلا أنا في غنية عنه بمعلومية الأهمية، و النصوص و إن كان قد نزلناها على جواز القطع لخوف فوت الفضيلة إلا أنه لا ريب في أولوية المقام منه بذلك، و متى جاز القطع وجب الفعل، إذ لا مانع إلا التلبس المزبور، فمع فرض عدم وجوب الاتصال لم يصلح للمانعية، فما في التذكرة و المحكي عن النهاية من التردد في ذلك من أولوية الحاضرة بالأصل و أولوية صلاة الكسوف بالشروع في غير محله، خصوصا بناء على ما سمعته منا من عدم التوقيت لتمام صلاة الكسوف، نعم ما احتمله فيهما من وجوب الإتمام إن كان يدرك مع ذلك من الفريضة ركعة لا يخلو من وجه، بل مال إليه الطباطبائي في المنظومة و إن كان الأقوى خلافه أيضا لما عرفت من احتمال القطع مع ضيق وقت الكسوف لإدراك الفضيلي فضلا عن الوقت الاختياري للصحة، هذا كله مضافا إلى ما عرفت من ندرة فرض التضيق على وجه تزاحم به صلاة الكسوف الفريضة بناء على أن المعتبر في الأولى التلبس حال السبب مع الإمكان لا الإتمام، لعدم التوقيت فيها، إذ يكفي فيها حينئذ الدخول و لو بالتكبير ثم القطع و فعل الفريضة، فتأمل جيدا في المقام فإنك لم تجد ما ذكرناه في كتب أحد من الأعلام، و لذا طال بنا الحال في وضوح ما فيه من الاجمال، و الله الهادي للحق من الضلال.

ثم إن الظاهر جريان جميع ذلك في باقي الآيات للتسوية بين تسبيبها و مسبباتها في النصوص السابقة، مضافا إلى ما في صحيح ابن مسلم و بريد(1)هنا من ذكر الكسوف و غيره من الآيات، لكن في الذكرى «لا يتصور في الزلزلة التضيق عند من قال بوجوبها طول العمر فتقدم عليها الحاضرة مع تضيقها و يتخير مع السعة، و كذا باقي الآيات إن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 4.

ج 11، ص: 468

قلنا بمساواتها الزلزلة، و في انسحاب خلاف الجماعة فيها نظر، من عدم دلالة الرواية عليه و من أن اهتمام الشارع بالحاضرة أشد و وجوبها ألزم» و فيه أنك قد عرفت المراد بقولهم وقتها العمر من أنه تصلى أداء فيه فيما لو أهمل أو نسي لا أن المراد التوسعة طوله، لظهور النصوص في الفورية المنافية لذلك، كما اعترف هو به سابقا، فحينئذ يتصور التضيق فيها بل قد عرفت أن التحقيق عدم الفرق بينها و بين غيرها من الكسوف و نحوه من الآيات في كون الجميع من باب الأسباب.

نعم قد يقال في مثل الكسوف و نحوه مما امتد فيه السبب: إنه يعتبر فيه التلبس بالفعل حال وجوده، لا أنه يجب عليه الفور بمجرد حصوله، و من هنا صح فرض التوسعة فيه و في اليومية، أما في مثل الزلزلة و نحوها مما يجب فيه الفور و لا امتداد للسبب فيه غالبا فلا يتصور التوسعة فيهما معا حتى يتخير فيهما، بل المتجه حينئذ التلبس بصلاة الآيات، و إذا خاف من الإتمام فوات فضل الفريضة أو إجزاءها وجب القطع أو رجح و فعل الفريضة في الأثناء ثم البناء بعد ذلك كما تضمنه الصحيح المزبور، فتأمل جيدا.

و من ذلك يعلم الحال فيما ذكره فيها أيضا من أنه «لو ضاق وقت الوقوف بعرفة أو المشعر و لم يبق للمكلف إلا قدر يسع الوصول إليهما و أقل المكث فيهما ففتحت صلاة الآيات فالأقرب فعلها ما شيئا تحصيلا للواجبين إذا خاف سبق وقتها، نعم لو كان في زلزلة أخرها لعدم التوقيت» إذ فيه ما عرفت من أن الزلزلة كغيرها في ذلك باعتبار الفورية كما هو واضح.

هذا كله في الفريضة اليومية، أما لو كان التعارض بين الآيات و غيرها مما وجب بالأصل كالعيد أو بالعارض كالنافلة المنذورة فقد يقال: إن المرجع فيه ما تقتضيه القواعد من التخيير في السعة و التضيق فيهما و فعل خصوص المضيق منهما، لكن في الذكرى «لو كانت صلاة الليل منذورة فكالفريضة الحاضرة في التفصيل السابق، و هل ينسحب

ج 11، ص: 469

فيها قول البناء و كذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة الكسوف؟ الظاهر لا، اقتصارا على مورد النص مع المخالفة للأصل- و قال-: إذا اجتمع الكسوف و العيد فان كانت صلاة العيد نافلة قدم الكسوف، و إن كانت فريضة فكما مر من التفصيل في الفرائض، نعم تقدم على خطبة العيد إن قلنا باستحبابها كما هو المشهور» و فيه ما لا يخفى مع فرض اختصاص النصوص في اليومية، لعدم ثبوت الأهمية من غيرها، و لو قلنا بشمولها كان الظاهر جريان القطع ثم البناء لا عدمه، و تمثيله بالكسوف مع العيد نظرا إلى قدرة الله و إن لم يكن معتادا، قال هو فيها: «قد اشتهر أن الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين (عليه السلام) كسفة بدت الكواكب نصف النهار فيها رواه البيهقي (1)و غيره، و قد قدمنا أن الشمس كسفت يوم وفاة إبراهيم بن النبي (صلى الله عليه و آله) و روى الزبير ابن بكار في كتاب الأنساب (2)أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول، و

روى الأصحاب (3)أن من علامات المهدي (عليه السلام) كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان»

قلت: خصوصا و المروي في الكافي (4)و الفقيه (5)و تفسير ابن إبراهيم (6)عن علي بن الحسين (عليهما السلام) من كيفية الكسوفين خلاف ما يقوله المنجمون من الحيلولة و نحوها، بل هو انطماس الشمس و القمر في البحر الذي خلقه الله بين السماء و الأرض إذا أراد الله أن يستعتب عباده على كثرة ذنوبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك الذي فيه مجاري الشمس و القمر أن يزيله عن مجاريه، فتصير الشمس


1- 1 سنن البيهقي ج 3 ص 337.
2- 2 سنن البيهقي ج 3 ص 337.
3- 3 بحار الأنوار ج 55 ص 152.
4- 4 روضة الكافي- ص 83 الرقم 41 المطبوعة بطهران عام 1377 «حديث البحر مع الشمس».
5- 5 الفقيه ج 1 ص 340- الرقم 1509 المطبوع في النجف.
6- 6 المستدرك- الباب- 1- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 470

في ذلك البحر فيطمس ضوؤها و يتغير لونها و كذلك القمر، بل قال الصدوق بعد رواية ذلك إن الذي تخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق كما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شي ء، و إنما يجب الفزع إلى المساجد للصلاة عند رؤيته لأنه مثله في النظر و شبيه له في المشاهدة، كما أن الكسوف الذي ذكره علي بن الحسين (عليهما السلام) إنما وجب الفزع فيه لأنه آية تشبه آيات الساعة، و كذلك الزلازل و الرياح و الظلم، بل عن البحار أن ذلك قوي متين، إذ رأى وقوع الكسوفين في غير الوقت الذي يمكن وقوعهما فيه عند المنجمين

كالكسوف و الخسوف في يوم شهادة الحسين (عليه السلام) و ليلته، و ما روي من وقوعهما عند ظهور القائم (عليه السلام) في غير أو انهما، و عن والده يحتمل أن يكون ما في الخبر غير ما عند المنجمين كما يقع في بعض الأوقات على خلاف قولهم، و شاهدناه مرارا، قلت: لكن وقوعه بقدرة الله تعالى كذلك لا ينافي ما عند المنجمين نعم الخبر المزبور ظاهر المنافاة له و إن أمكن على بعد تطبيقه عليه.

و كيف كان فليعلم أن الظاهر حيث تجب البدأة باليومية مطلقا أو في حال تضيق وقتها بعد أن استقر وجوب صلاة الكسوف عدم البطلان لو خالف بناء على عدم اقتضاء النهي عن الضد، و اختصاص الوقت في الشريكة لا مطلق الفريضة، و احتمال ظهور النصوص هنا في البطلان يدفعه أولا أنه لا يتم بناء على ما ذكرناه فيها من إرادة الوقت الفضيلي فيها، فلا يكون الأمر بالبدأة و القطع فيها للوجوب، و ثانيا أنه بعد تسليمه لا ظهور في شي ء منهما بالشرطية المقتضية للبطلان حتى الأمر بالقطع المكنى به عن فعل الفريضة في الأثناء لا الابطال، فتأمل جيدا.

و لو اشتغل بالحاضرة في حال الضيق فانجلى الكسوف فان كان قد فرط في تأخير الكسوف فلا إشكال في القضاء، كما أنه لا خلاف و لا فرق بين الاستيعاب و عدمه كما عرفته سابقا مفصلا، و إن لم يكن مفرطا فالمشهور عدم القضاء سواء فرط في تأخير الحاضرة

ج 11، ص: 471

أولا، و سواء كان عالما بحصول الكسوف أولا، للأصل و إطلاق نفي القضاء في النصوص السابقة بعد مضي السبب، و لعدم حصول سبب القضاء الذي به يتحقق الفوات، ضرورة عدم التكليف بها مع الفريضة بعد فرض قصور الوقت عنهما، فينحصر الخطاب حينئذ بالحاضرة، و يسقط التكليف بها، فلا فوات حينئذ، و تأخير الحاضرة كان مباحا إلى ذلك الوقت المقتضي عدم التكليف بها، و العلم بوقوع الكسوف لو حصل لا يوجب عليه المبادرة، ضرورة عدم وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها، لكن في الذكرى و البيان أن الأقرب القضاء إن كان قد فرط في فعل الحاضرة أول الوقت، لاستناد إهمالها إلى ما تقدم من تقصيره، قيل: و تبعه عليه العليان و ثاني الشهيدين، بل عن الأخير ذلك أيضا إذا كانت الحاضرة واجبة و إن كان التأخير بغير اختياره، قال: «أما إذا كان معذورا فيه عذرا يرفع التكليف كالصغر و الجنون و الإغماء و الحيض فوجهان، و العدم أوجه» و في الذكرى أن عدم القضاء أظهر لعدم التفريط، قال: «و في إجراء الناسي و الكافر يسلم عند الضيق مجرى المعذور عندي تردد، لأن التحفظ من النسيان ممكن غالبا، و الكافر مأخوذ بالإسلام و مخاطب بالصلاة، و من عموم «رفع» و «الإسلام يجب ما قبله» و لو قيل بقضاء الكسوف مطلقا كان وجها، لوجود سبب الوجوب فلا ينافيه العارض» قلت: كأنه أشار بذلك إلى احتمال التسبيب الذي يشهد له مضافا إلى ما عرفت إطلاق النصوص في المقام وجوب فعل صلاة الكسوف، بل خلوها عن التعرض للسقوط فيما لو ضاق وقت الحاضرة و كان الاشتغال بها يخرج معه الكسوف الذي هذا المقام مقام بيانه باعتبار كون السؤال عن مثل ذلك، فتأمل جيدا.

و على كل حال فوجوب القضاء متجه بناء على كونه سببا في الوجوب مطلقا كتسبيب الجنابة الغسل، بل هو ليس من القضاء في شي ء، فمقتضاه حينئذ الوجوب حتى على الفاقد شرائط التكليف بعد وجدانها كالجنابة، لكنه في غاية البعد، بل مقطوع

ج 11، ص: 472

بعدمه في مثل الحائض كما اعترف هو به، قال: أما الحائض فلا تقضي الكسوف الحاصل في أيام الحيض، لأن الحيض مانع للسبب بخلاف بقية الأعذار، فإنه يمكن كونها مانعة الحكم لا السبب، اللهم إلا أن يفرق بينها و بين غيرها بما ورد فيها من أنها تقضي الصوم دون الصلاة، فيكون الحيض حينئذ مانعا للسبب بخلاف باقي الأعذار مما لم يرد فيها ذلك فيبقى إطلاق السبب بحاله، و فيه أنه ليس في الأدلة ما يقضي بالتسبيب المزبور، بل ظاهرها باعتبار ظهورها في المبادرة للفعل حال السبب أو في إيجاد تمام الفعل في وقت السبب على اختلاف الرأيين اعتبار جميع شرائط التكليف في التسبيب، بل و شرائط المكلف به التي منها عدم الموانع، فحينئذ يتجه عدم القضاء فيما نحن فيه مما منع منه الاشتغال بالفريضة فضلا عن فقد شرائط التكليف كالعقل و البلوغ و نحوهما بناء على التسبيب فضلا عن التوقيت، و إطلاق نصوص المقام و خلوها عن التعرض للسقوط يمكن أن يكون مبناه ما أشرنا إليه سابقا من ندرة ضيق وقت الكسوف عن التلبس بصلاته، و هو كاف في الامتثال و إن قطع و فعل الفريضة في الأثناء إذا خاف فواتها، فتأمل.

و من ذلك كله يظهر ما في منظومة العلامة الطباطبائي، فإنه و إن أجاد فيها ببيان عموم وجوب فريضة الآيات لسائر المكلفين حر أو عبد حاضر أو مسافر أعمى أو مبصر رجل أو امرأة عدا الحائض و النفساء، فإنهما لا أداء عليهما في الموقتة و لا قضاء، لكن قال: أما التي تمتد طول العمر فإنها تلزم بعد الطهر مشيرا بذلك إلى ما كان من الآيات من الأسباب كالزلزلة، و فيه مضافا إلى ما عرفت سابقا من المراد بالتوقيت طول العمر أنه يمكن منع التسبيب في مثلهما أيضا بعد أن جعل الشارع الحيض و النفاس مانعا من التكليف بالصلاة، فهما حينئذ كالجنون و عدم البلوغ و نحوهما في ذلك، و الفرق بينهما بقابلية الحائض للخطاب بالفعل و لو فيما بعد الحيض بخلاف الجنون و نحوه- بل

ج 11، ص: 473

ليس الحيض و نحوه إلا من موانع صحة الفعل في ذلك الحال لا أصل التكليف- غير مجد بعد أن استظهرنا من الأدلة كون التسبيب على الكيفية المزبورة، فتأمل.

و كذا يظهر مما ذكرنا أيضا البطلان لو خالف بأن ترك الحاضرة و اشتغل بالكسوف حينئذ لا للنهي عن الضد و لا لغيره مما عرفت سابقا، بل لعدم التكليف به حينئذ لقصور الوقت بخلاف ما تقدم مما استقر فيه وجوب الكسوف فلم يفعله حتى ضاق وقت الفريضة، فإن الأظهر فيه الصحة لو خالف، إذ احتمال تمحض الوقت للفريضة على وجه الاختصاص بحيث لا يقع صلاة الكسوف فيه لا دليل عليه، بل أقصاه وجوب التقديم للأهمية، فهو كالمضيق الذي يجب فعله لضيقه فتركه و اشتغل بالموسع، فإن الأقوى فيه الصحة كما بيناه في الأصول، بل قد يقال بالصحة في الفرض أيضا لو خالف و إن كان الوقت قاصرا، لا طلاق دليل الوجوب الذي قيد في حال عدم المعصية بدليل اليومية أما لو عصى فتركها و صلى غيرها فيبقى تحت الإطلاق، لعدم المعارض له في هذا الحال، و حينئذ لا فرق في المطلقين بين الموقتين و غيرهما، و بين تضيقهما بالعارض من سوء اختيار نحوه، و الضيق من أول الأمر و الممتنع عقلا امتناعا يوجب رفع الخطاب أصلا في الموقتين بوقت مشخص يقصر عنهما، فلو جاء في الأدلة الظاهرية مثله وجب العمل بما يرجح منهما و طرح الآخر بخلاف المطلقين، فتأمل جيدا، و لتفصيل المقام محل آخر هذا.

و في الذكرى لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد كالكسوف و الزلزلة و الريح المظلمة فإن اتسع الوقت للجميع تخير في التقديم، و يمكن تقديم الكسوف على الآيات لشك بعض الأصحاب في وجوبها، و تقديم الزلزلة على الباقي، لأن دليل وجوبها أقوى و لو اتسع لصلاتين فصاعدا و كانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل قويا هنا تقديم الكسوف ثم الزلزلة ثم يتخير في باقي الآيات، و لا يقضى ما لا يتسع له إلا على احتمال

ج 11، ص: 474

عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة في الآيات، و لو وسع واحدة لا غير فالأقرب تقديم الكسوف للإجماع عليه، و في وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء أو قضاء وجهان، و على قول الأصحاب بأن اتساع الوقت ليس بشرط يصليها من بعد قطعا، و كذا الكلام في باقي الآيات، و هو جيد على التوقيت، لكن لا يخفى عليك ما في احتمال ترجيحه الكسوف و الزلزلة في الموسع إن أراد به الوجوب بل و الندب، نعم يمكن الترجيح بنحو ذلك عند التضيق على إشكال، على أنا لم نعرف من شك في وجوب ما عدا الكسوفين من الآيات مطلقا، و ما في ذيل كلامه مما حكاه عن الأصحاب في الزلزلة و في الوجهين في خصوصها على تقدير غيره، فتأمل، و أما على القول بالتسبيب كالجنابة فلا إشكال في وجوب الجميع، و الأقوى التخيير، و على ما ذكرناه فيه فهو كالموقت يجري فيه ما قاله في الموقت إلا ما سمعته فيه، و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا اتفق صلاة الكسوف في وقت نافلة الليل]

المسألة الثانية إذا اتفق صلاة الكسوف في وقت نافلة الليل فالكسوف أولى إجماعا بقسميه و نصا، بل في معقد إجماع التذكرة و المحكي منهما عن المعتبر و المنتهى مطلق النافلة، و في الأخير موقتة أولا، راتبة أولا، و في الأولين و إن خرج وقت النافلة

قال محمد بن مسلم (1)لأبي عبد الله (عليه السلام): «إذا كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل فبأيهما نبدأ؟ فقال: صل صلاة الكسوف و اقض صلاة الليل حين تصبح»

و له و غيره من أدلة القضاء قال المصنف كغيره من الأصحاب ثم يقضي النافلة لكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كان الوقت و استعمالهما و لم يكن قد صلى النافلة حتى ضاق الوقت، أما إذا لم يكن كذلك بل كان لا يسع إلا أحدهما فاشتغل بالكسوف ففات الوقت ففي القضاء و عدمه وجهان من إطلاق الأمر به، و من عدم حصول سبب الأداء، لقصور الوقت بناء على أن موضوع القضاء


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 2.

ج 11، ص: 475

فيه الفوات أو تحقق الخطاب، و على كل حال فلو عصى و اشتغل بالنافلة بطلت لما عرفت سابقا، مع احتمال الصحة لا طلاق الأمر بها، أما لو كان الوقت واسعا فالجواز و عدمه مبنيان على التطوع وقت الفريضة بناء على شمولها للكسوف، و في جامع المقاصد أن الأولوية هنا بمعنى الأحقية، فلو قدم صلاة

الليل مع القطع بسعة الكسوف فالظاهر الجواز، و كذا غير نافلة الليل من النوافل، لكن قال: و ظاهر المصنف في كتبه العدم و هو مستفاد من إطلاق قولهم: تصلى النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة، بل في مفتاح الكرامة ليس ذلك ظاهر المصنف وحده، بل ظاهر إطلاق الفتاوى و الإجماعات أنه لا فرق بين ما إذا اتسع وقت صلاة الفريضة بحيث ما لو أتى بالنافلة أدركها بعدها أولا، بل بذلك صرح الشهيد و غيره، قلت: كأنه يريد المنع هنا و إن قلنا بالجواز هناك كما هو كالصريح من بعضهم، و هو و إن كان قد يشهد له مضافا إلى ما ذكره إطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم(1): «صل صلاة الكسوف قبل صلاة الليل»

لكن حمله على مطلق الرجحان كالاطلاقات السابقة ممن لم يقل بحرمة التطوع قبل الفريضة ليس بذلك البعيد بناء على جواز التطوع وقت الفريضة، بل يمكن القول بالجواز هنا و إن قلنا بالمنع هناك بناء على انسياق اليومية من أدلته، فلا معارض لإطلاق أدلة فعل النافلة إلا الخبر المزبور المعارض من وجه، و لا ترجيح، فالأصل الجواز، أو يحمل على إرادة الرجحان، خصوصا بعد معلومية أولوية الفريضة منها، و الفرض جواز التطوع في وقتها، فهي بطريق أولى، و معاقد الإجماعات كإطلاق كثير من الفتاوى غير مساقة لبيان ذلك، بل المراد منها أولوية الكسوف من النافلة و لو على جهة الرجحان لا مقابل

رجحان الفريضة عليها، فمن الغريب دعوى عدم الجواز هنا و إن قلنا بالجواز هناك


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1 عن أحدهما عليهما السلام.

ج 11، ص: 476

استنادا إلى هذه الإطلاقات، خصوصا بعد ما سمعته من الكركي، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة جواز صلاة الآيات على ظهر الدابة و عدمه]

المسألة الثالثة ظاهر المحكي عن ابن الجنيد خاصة أنه يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة المفوت للاستقرار و غيره اختيارا تبعا للمحكي عن الجمهور مع زيادة و ماشيا، و قيل و القائل غيره من الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم فيه بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا لا يجوز ذلك إلا مع العذر كالفرائض اليومية و هو الأشبه بل أصح، بل لا وجه صحة في غيره، بل من الغريب من المصنف تقديم الأول عليه، و التعبير عنه بلفظ القيل و الأشبه، و أغرب منه ما في التنقيح من دعوى أن المصنف في المعتبر حكى الجواز اختيارا كالنوافل، و الذي فيه «و لا تصلى على الراحلة مع الإمكان، و تجوز مع الضرورة» و قال ابن الجنيد: استحب أن يصلى بها على الأرض، و إلا فبحسب حاله، و قال الباقون: تصلى على الراحلة كغيرها من الفرائض، و مراده كغيرها من الصلاة في حال الضرورة بقرينة قوله بعد ذلك: و يؤيده خبر عبد الله بن سنان (1)إلى آخره. بل المحكي عن ابن الجنيد ليس بذلك الظهور، لأنه قال: «هي واجبة على

كل مخاطب سواء كان على وجه الأرض أو راكب سفينة أو دابة عند تعينه به، و يستحب أن يصليها على الأرض، و إلا فبحسب حاله» و من هنا قال في المحكي عن المختلف: و هو مشعر بذلك.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه، لما عرفت سابقا من مشاركة هذه الفريضة لغيرها من الفرائض في جميع ما يعتبر فيها من شرائط و موانع و كيفية و غيرها، و إنما تزيد ببعض الأمور التي عرفتها، ف

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن(2): «لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض»

لا إشكال في شموله لها، و أوضح منه

خبر عبد الله بن سنان (3)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «أ يصلي الرجل شيئا من المفروض


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القبلة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القبلة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب القبلة- الحديث 4.

ج 11، ص: 477

راكبا؟ فقال: لا إلا من ضرورة»

بل قد يظهر من

مكاتبة علي بن الفضل الواسطي (1)للرضا (عليه السلام) معلومية ذلك، و أن الاشكال في حال الضرورة، قال: «كتبت اليه (عليه السلام) إذا انكسفت الشمس أو القمر و أنا راكب لا أقدر

على النزول فكتب إلى صل على مركبك الذي أنت عليه»

بل لو كان الجواب فيه مبنيا على السؤال كان دالا بالمفهوم على المطلوب، و الله أعلم.

إلى هنا تم الجزء الحادي عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المصححة المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه و قد خرج خاليا عن الأغلاط إلا ما ندر و زاغ عنه البصر و يتلوه الجزء الثاني عشر في صلاة الأموات و بقية الصلوات إن شاء الله تعالى عباس القوچاني


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صلاة الكسوف و الآيات- الحديث 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.