جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد10

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج10، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الصلاة]

[تتمة الواجبات]
[تتمة الفعل الرابع من أفعال الصلاة القراءة]
[مسائل سبع]
[المسألة الأولى لا يجوز قول آمين في آخر الحمد]

ج10، ص: 2

بل تسع كما ستعرف، الأولى لا يجوز قول آمين في آخر الحمد عند المشهور بين الأصحاب القدماء و المتأخرين شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كما اعترف به في جامع المقاصد، بل في المنتهى و عن كشف الالتباس نسبته إلى علمائنا مشعرين بدعوى الإجماع عليه، بل في الغنية و التحرير و المحكي عن الانتصار و الخلاف و نهاية الأحكام و التذكرة الإجماع عليه، بل في المعتبر عن المفيد دعواه أيضا، بل عن الأمالي أن من دين الإمامية الإقرار به، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، إذ لم نجد فيه مخالفا، و لا حكي إلا عن الإسكافي و أبي الصلاح، و هما مع كونهما غير قادحين فيه قد حكى عن ثانيهما في الذكرى أنه لم يتعرض لذلك بنفي و لا إثبات كابن أبي عقيل و الجعفي و صاحب الفاخر و لا صراحة في كلام أولهما، بل ظاهر بعض كلامه المحكي عنه الموافقة، قال: و لا يصل الامام و لا غيره قراءته «وَ لَا الضَّالِّينَ» بآمين، لأن ذلك يجري مجرى الزيادة في القرآن مما ليس منه، و ربما سمعها الجاهل فرآها من التنزيل، و قد روى سمرة و أبي بن كعب السكتتين و لم يذكروا فيها آمين، نعم قال بعد ذلك: و لو قال المأموم في نفسه: «اللهم اهدنا إلى صراطك» كان أحب إلى، لأن ذلك ابتداء دعاء منه، و إذا قال: «آمين» تأمينا على ما تلاه الامام صرف القراءة إلى الدعاء الذي يؤمن عليه سامعه، و يمكن

ج 10، ص: 3

أن لا يريد المحبة المقتضية لجواز قول آمين ليخالف نهيه الأول، و أما قوله في حدود الصلاة: و يستحب أن يجهر به الإمام يعني القنوت في جميع الصلوات ليؤمن من خلفه على دعائه فلعله أراد فيه الدعاء بالإجابة بغير لفظ آمين، أو ذلك و الاجتماع في الدعاء لشي ء واحد لا يجابه الإجابة، بل ينبغي القطع بذلك أو نحوه، و إلا كان قائلا بالندب المعلوم خلافه بين الشيعة، على أنه انما يتم بناء على تعميم المنع لسائر أحوال الصلاة لا خصوص الآخر كما هو ظاهر الكتاب، بل هو الأقوى كما ستعرف البحث فيه، و يؤيد ذلك كله أنه لم يحكه عنه في المعتبر مع شدة حاجته اليه، لميله فيه إلى عدم الحرمة فتعجب الشهيد في الذكرى من عدم استشهاده به يمكن رفعه بما سمعت.

و من ذلك تعرف ما في قول المصنف هنا و قيل: إنه مكروه إذ لا قائل محقق معلوم و إن كان تلميذه الآبي فيما حكي عنه بعد أن نسب الأول إلى الثلاثة و أتباعهم قال: «و لا أعرف فيه مخالفا إلا ما حكى شيخنا دام ظله في الدرس عن أبي الصلاح» إلى آخره. لكن قد عرفت أنه لم يثبت أيضا، نعم هو ذلك في المعتبر احتمالا، و صار سببا لجرأة بعض متأخري المتأخرين على الخلاف، فمنهم من جزم به، و منهم من فصل بين الحرمة و الابطال، و بذلك كانت المسألة ثلاثية الأقوال كما أن دغدغته في بعض المسائل الأصول و الفروع من غير المقام صار سببا لجرأتهم على هدمها حتى حصل به خلل في الطريقة المعروفة المألوفة كما لا يخفي على الخبير الممارس.

و كيف كان فلا ريب أن التحقيق الأول حرمة و إبطالا، بل لا أعرف أحدا من معتمدي الأصحاب فصل بينهما هنا و إن عبر بعضهم بلا يجوز و نحوه، إلا أن من المعلوم إرادة البطلان من مثل ذلك مما يتعلق بالصلاة مثلا، بل الحرمة فيه من جهة التشريع و تسبيبه لقطع العمل لا الذاتية، و إلا فالذي هو الملحوظ في النظر و يراد بيانه فيها ما يتعلق بالصحة و البطلان، و لذا عبر ابن زهرة و غيره بما يقتضي الحرمة، و استدل

ج 10، ص: 4

بما يقتضي البطلان، على أن جملة من معاقد الإجماعات السابقة كالانتصار و الخلاف و نهاية الأحكام و المفيد و غيرها البطلان.

بل هو المراد من الحرمة في الغنية و عن التذكرة بعد التدبر، بل هو مقتضى النهي أيضا في

حسن جميل (1)بإبراهيم، قال الصادق (عليه السلام): «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد لله رب العالمين و لا تقل آمين»

و

خبر محمد بن سنان عن محمد الحلبي (2)سأله (عليه السلام) أيضا «أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين قال: لا»

قال المصنف في المعتبر: و رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم عن محمد الحلبي، و في

حسن زرارة(3)أيضا بإبراهيم أيضا المروي عن العلل عن أبي جعفر (عليه السلام) «و لا تقولن إذا فرغت من قراءتك آمين، فإن شئت قلت: الحمد لله رب العالمين».

بل و من التحريم في

المروي (4)عن دعائم الإسلام مرسلا عنهم (عليهم السلام) «انهم حرموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب آمين كما يقول العامة، قال جعفر بن محمد (عليه السلام): انما كانت النصارى تقولها»

بل مما أرسله أخيرا و ما حكي عن الفقيه من نسبته ذلك إلى اليهود و النصارى يظهر وجه دلالة

صحيح معاوية بن وهب (5)سأل الصادق (عليه السلام) «أقول آمين إذا قال الامام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ فقال: هم اليهود و النصارى»

و أن المراد به التشنيع على المخالفين بأن القائلين ذلك هم اليهود و النصارى، بل لعل المراد المخالفون من اليهود و النصارى كما يومي اليه عدم القراءة عند اليهود و النصارى، و فهم السائل بقرينة ما زاده في الوسائل في الخبر


1- 1 الوسائل- الباب 17- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 17- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 6.
4- 4 المستدرك- الباب- 13- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب 17- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 5

«و لم يجب عن هذا» ان هذا جواب للمراد بالضالين لا لسؤاله ليس حجة، فلا حاجة حينئذ لحمله على ترك الجواب للتقية، بل يمكن إرادة الإمام في الجواب الجمع بين التقية و سؤال السائل بالايهام في العبارة المزبورة، لكن السائل لم يفهمه، على أنه لو سلم أمكن استفادة المطلوب منه أيضا، إذ لو كان الحكم مكروها لتخلص حينئذ عنها بالجواب بالجواز لا بترك الجواب الموهم ما ينافيها كما هو واضح.

و المناقشة في ذلك كله بأن النهي إنما يقتضي الحرمة دون البطلان المنحصر في المتعلق بها أو جزئها أو شرطها بخلاف الأمر الخارج كما في المقام يدفعها منع حصر اقتضاء الفساد في ذلك، بل العرف أكمل شاهد على اقتضائه مع تعلقه و لو بالأمر الخارج خصوصا من مثل الشارع المعد لبيان الصحة و الفساد الذين هما المقصد الأهم في العبادة، و خصوصا مع ملاحظة حاله في الاتكال على بيانهما في مثل هذه المركبات بالأمر و النهي بل لعله المتعارف في بيان كل مركب حسي و عقلي كما لا يخفي على من اختبر العرف، و أنه متى قال: لا تفعل هذا في هذا عند إرادة البيان انتقل منه إلى إرادة الفساد، و لذا أسلفنا في غير المقام أنه يمكن دعوى ظهور الأوامر و النواهي في بيان المركبات في التحتم الشرطي خاصة دون الشرعي.

فظهر حينئذ أن هذه النواهي تنحل إلى النهي عن الصلاة أو جزئها مثلا مقارنة لهذا المنهي عنه و من خالطه شك في ذلك رفعه باختبار الوجدان بعد فرض استقامة ذهنه و مساواته لغالب الأذهان، على أنه لو سلمنا إرادة الحرمة خاصة من النهي هنا أمكن القول بالبطلان أيضا من حيث اندراجه بسببها في كلام الآدميين لو قلنا إنها من الدعاء، ضرورة ظهور أدلة رخصته المستفادة من الأمر به في المحلل منه، مع إمكان إنكار أصل الدعائية فيها، قال في كشف اللثام- بعد أن حكى عن الخلاف تعليل البطلان بأنها من كلام الآدميين الذي لا يصلح في الصلاة-: «و هو مبني على أنه ليس

ج 10، ص: 6

دعاء كما هو المشهور المروي

عن النبي (صلى الله عليه و آله) و مرفوعا في معاني الأخبار عن الصادق (عليه السلام)(1)و انما هو كلمة تقال أو تكتب للختم كما روي «أنها خاتم رب العالمين، و قيل: إنها تختم بها براءة أهل الجنة و براءة أهل النار و إن كان من أسماء الله تعالى

كما

أرسل في معاني الأخبار(2)عن الصادق (عليه السلام)»

إلى آخره.

بل لعل ذلك هو الظاهر من أخبار المنع، إذ من المستبعد جدا استفاضة النهي عنها مع أنها دعاء، و الفرض أن جوازه في الصلاة إجماعي، و النصوص (3)مستفيضة فيه.

و في التحرير و جامع المقاصد و عن نهاية الأحكام و كشف الرموز و المهذب البارع و الروض «أنه ليس قرآنا و لا دعاء بل اسم للدعاء، و الاسم غير المسمى» بل في التنقيح «اتفق الكل على أنها ليست قرآنا و انما هي اسم للدعاء، و الاسم غير المسمى» و عن الغنية «أن العامة متفقون على أنها ليست قرآنا و لا دعاء و لا تسبيحا» و إن كان لم أجده فيها، و عن الانتصار «لا خلاف في أنها ليست قرآنا و لا دعاء مستقلا» و عن الكشاف «أنها صوت سمي به الفعل الذي هو «استجب» كما أن رويد و حيهل و هلم أصوات سميت بها الأفعال التي هي أمهل و أسرع و أقبل» و عن حاشية الأستاذ تارة «ان «آمين» عند فقهائنا من كلام الآدميين» و أخرى «أنها اسم للفظ الفعل بإجماع أهل العربية، بل هو بديهي عندهم» و في كشف اللثام «و بناه أي البطلان ابن شهرآشوب على أنه ليس قرآنا و لا دعاء أو تسبيحا مستقلا» قال: «و لو ادعوا أنه من أسماء الله تعالى لوجدناه في أسمائه، و لقلنا يا آمين» و كأنه أراد بذلك الرد على ما يحكى عن الواحدي في البسيط و الحسن البصري من أنه اسم من أسماء الله تعالى على أنه لو سلم كونه اسما من أسمائه تعالى فإتيانه مفردا غير مركب مع شي ء آخر لم يعلم


1- 1 معاني الأخبار- باب تفسير آمين- ص 349 المطبوعة بطهران عام 1379.
2- 2 معاني الأخبار- باب تفسير آمين- ص 349 المطبوعة بطهران عام 1379.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القنوت و الباب 13 من أبواب قواطع الصلاة.

ج 10، ص: 7

جوازه في الصلاة أيضا، بل الظاهر خلافه، و دعوى أنه من الذكر يمكن منعها بظهور غير ذلك منه عرفا، كما أنه لو سلم أن معناه معنى استجب أو اللهم استجب لا لفظه- كما في سائر أسماء الأفعال على ما ادعاه بعض المحققين من أهل العربية، لعدم استحضار المتكلم بها الألفاظ في بعض الأحيان، فيكون أسماء الأفعال مرادفة لها، و الإضافة بأدنى ملابسة- فقد يقال بالبطلان أيضا من حيث اعتبار ورودها عرفا بعد الدعاء لا بعد القرآن، فلا تكون حينئذ دعاء، و اليه لمح من استدل على البطلان بأنه لو قال: اللهم استجب لم يجز، فكذا ما بمعناه كما حكي عن الفاضلين و أبي العباس، أما لو قيل: إن معناها كذلك مثله أو كذلك فافعل على ما يستفاد من مجموع ما عن القاموس و النهاية من الأقوال فلا محيص عن اعتبار تعقبها حينئذ للدعاء، و عدم صحتها منفردة بل تكون لغوا.

و دعوى الاكتفاء بتعقبها لما يصلح للدعاء و إن لم يكن قصد به المتكلم ذلك، أو منع اعتبار وقوعها بعده فيها على التفسير الأول لها، و هو المعنى المعروف، إذ لا مانع من إرادة طلب الاستجابة لكل ما دعي به في الزمن السابق و يدعى به في الزمن اللاحق أو يلتزم قصد الدعائية مع القرآنية، و لا تنافي بينهما و إن حكي عن تبيان الشيخ المنع من جمعهما بالقصد، للزوم استعمال المشترك في معنييه، إذ التحقيق ضعفه لما في الذكرى من أن المعنى هنا متجه، و هو الدعاء المنزل قرآنا، و من المعلوم أن الله انما كلف بهذه الصيغة لإرادته الدعاء، فكيف يبطل الصلاة بقصده، فإذا صح وقوعها حينئذ بعد المقصود به الدعاء من القرآن صح بعد غيره لعدم القول بالفصل.

يدفع الأول منها شهادة تتبع استعمالها، و معلومية قبح وقوعها بعد غير المقصود به الدعاء من اللغو و الهذر و إن كان صالحا لأن يقصد به الدعاء، على أن معنى طلب الاستجابة يستلزم فعلية السؤال بالأول قطعا، بل و الثاني أيضا، و صحته مستقلا في

ج 10، ص: 8

«اللهم استجب» مثلا لا يقتضي صحته في «آمين» و العرف أعدل شاهد على ذلك و قد سمعت نفي الخلاف في الانتصار على عدم كونها دعاء مستقلا، و الثالث منع جواز القصد بهما أولا بناء على ما عندهم من وجوب تعيين المشترك بالقصد و النية كما ذكروه في البسملة و إن كنا قد ناقشناهم فيه، فلاحظ و تأمل. اللهم إلا أن يفرق بينهما بأنه لا ينافي القرآن بقصد الدعاء بالمنزل منه، و لا يوجب الاشتراك، لاتحاد المعنى بخلاف غيره من المشترك بين القرآن و غيره، فتأمل. و ثانيا القلب على معنى عدم الصحة إذا لم يقصد كما هو الغالب في القارين من عرب و عجم، و لا قائل بالفصل، إلى غير ذلك مما يمكن استفادة المطلوب منه مما لا يخفي بعد الإحاطة بما ذكرنا.

و من العجيب مع ذلك كله ما في المعتبر، فإنه بعد أن اقتصر على خبر الحلبي (1)الذي رواه البزنطي من بين أخبار المنع قال: «و يمكن أن يقال بالكراهة، و يحتج بما رواه

الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين قال:

ما أحسنها و اخفض الصوت بها»

و يطعن في الروايتين بأن إحداهما رواية محمد بن سنان، و هو مطعون فيه، و ليس عبد الكريم في النقل و الثقة كابن أبي عمير، فيكون رواية الإذن أولى لسلامة سندها من الطعن و رجحانها، ثم لو تساوت الروايتان في الصحة جمع بينهما بالاذن و الكراهة توفيقا، و لأن رواية المنع تحتمل منع المنفرد، و المبيحة تتضمن الجماعة، فلا يكون المنع في إحداهما منعا في الأخرى، و المشايخ الثلاثة منا يدعون الإجماع على تحريمها و إبطال الصلاة بها، و لست أتحقق ما ادعوه، و الأولى


1- 1 المعتبر ص 177.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 10، ص: 9

أن يقال لم يثبت شرعيتها، فالأولى الامتناع من النطق بها».

و لا يخفي عليك ما فيه من وجوه، خصوصا بالنسبة إلى اقتصاره على الخبر المذكور من بين أخبار المنع، و خصوصا بالنسبة إلى ترجيحه هذا الخبر الذي إذا قرئ بالتعجب كان مخالفا لإجماع الإمامية إن لم يكن ضروريهم، و موافقا للعامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، إذ لم يقل أحد من الأصحاب بالاستحباب، و لذا حملوه على التقية، خصوصا و قد أمر بخفض الصوت بها، و قد حكي استحبابه عندهم أيضا، و لعل المصنف قرأه بصيغة نفي التحسين، و استفاد التجويز من الأمر بخفض الصوت بها، على أن المتبادر من الاقتصار على نفي الحسن انتفاء القبح أيضا، لكنه- مع اقتضاء الثاني نفي الكراهة أيضا و احتمال قراءته و اخفض بالماضي و إن كان لحنا بناء على عدم وروده منه كذلك لكنه من الراوي، فيكون حينئذ مشعرا بالتقية، و لا دلالة فيه على الجواز- كما ترى خلاف الظاهر، لا أقل من تعارض الاحتمالين فيه، بل يمكن قراءته «ما أحسنها» من الإحسان بمعنى العلم على صيغة التكلم، ك

قوله (عليه السلام)(1)في التثويب: «ما نعرفه»

فلا تنافي حينئذ بين خبري جميل (2)و أظرف شي ء قوله:

اني لم أتحققه، إذ هو إن لم ينكر عليه ذلك مع ظهوره أنكر عليه اعتبار التحقق في حجية مثله، و كذا قوله أيضا بالتفصيل بين المنفرد و المأموم، مع أن صحيح جميل السابق الذي هو راوي الخبر المذكور صريح في المأموم، بل لعله هو المراد من إطلاق غيره، ضرورة ظهور إرادة التعريض به لما في أيدي الناس على ما أومأت إليه باقي النصوص، بل في

المرسل (3)عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي


1- 1 الوسائل- الباب- 22 من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17 من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 و 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 13 من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 10، ص: 10

(صلى الله عليه و آله) «لا تزال أمتي بخير و على شريعة من دينها حسنة جميلة ما لم يتخطوا القبلة بأقدامهم، و لم ينصرفوا قياما كأهل الكتاب و لم تكن ضجة آمين»

و لا ريب أن المراد التعريض بهم كباقي النصوص.

و من هنا أمكن اختصاص المنع بناء على أنها دعاء يجوز فعله في الصلاة لو لا الدليل بقولها كقولهم آخر الحمد كما يومي اليه المتن و ما شابهه في التقييد المزبور، قال العلامة الطباطبائي في مبطلات الصلاة:

و يبطل الكتف بها عن عمدو هكذا التأمين بعد الحمد

بل لعل ذلك هو مراد من أطلق، ضرورة انصرافه كإطلاق النصوص إلى ذلك، لكن في المحكي عن الخلاف بعد دعوى الإجماع قال: «سواء كان ذلك سرا أو جهرا في آخر الحمد أو قبلها للإمام و المأموم و على كل حال» و نحوه المبسوط، و في التحرير «قول «آمين» حرام يبطل به الصلاة سواء جهر بها أو أسر في آخر الحمد أو قبلها إماما كان أو مأموما و على كل حال، و إجماع الإمامية عليه للنقل عن أهل البيت (عليهم السلام)» إلى آخره إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة و الصريحة في التعميم المزبور، و للنظر فيه و في دعوى الإجماع عليه مجال واسع، بل يمكن قصر المنع على الإتيان بها كما يأتون بعنوان الاستحباب بدعوى انصراف الإطلاقات إلى ذلك و إن كان الأقوى خلافه، لعدم صلاحية مثله مقيدا، ضرورة عدم تقييد السبب و المورد المسبب و الوارد، نعم ينبغي تقييد ذلك بغير التقية، أما معها فلا بأس بها، و احتمال عدم مشروعيتها هنا باعتبار أولوية الخفاء عندهم فلا ينكر حينئذ على الساكت لاحتمال الفعل يدفعه أنه قد تقتضي التقية الإجهار بها لدفع تهمة و نحوها، أو كانوا قريبين منه مصغين اليه بحيث لا يسعه السكوت، على أن في هذا الزمان صار الإجهار بها عندهم هو الشعار، فلا مخلص بالسكوت كما في كثير من الأمور، اللهم إلا أن يدعى عدم تناول

ج 10، ص: 11

أدلة التقية لأمثال ذلك، إذ المراد بها الفعل على مذهبهم، و اتفاق صيرورة بعض الأفراد شعارا و إن لم يكن مذهبهم ذلك خصوصا إذا كان شعار الجاهلين منهم لا يكفي في التقية المنزلة منزلة الدين و إن كان يجب الفعل مع فرض التضرر كالتقية من الموافق في الدين، نعم لا تجزي في الفراغ من التكليف، و فيه بحث لا يخفى.

ثم على تقدير وجوب الفعل للتقية لو تركها أثم بلا إشكال، و الأقوى صحة صلاته لعدم كون ذلك من الكيفية اللازمة في صحة الصلاة عندهم، و تخيل الجهلاء منهم اعتبارها فيها لا يترتب عليه الحكم، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في قوله بعد البيت السابق مشيرا إلى بعض ما ذكرنا:

و يلزمان حالة التقيةو لا يعدان من الكيفية

فلو أخل بهما لم تفسدو إن عصى بالترك عن تعمد

و الله أعلم بحقيقة الحال.

[المسألة الثانية الموالاة و المتابعة في القراءة]

المسألة الثانية الموالاة و المتابعة في القراءة شرط في صحتها كما صرح به الشيخ و الفاضلان و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، بل لا أجد فيه خلافا بين أساطين المتأخرين منهم، للتأسي بالنبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام)، و اقتصارا في العبادة التوقيفية التي اشتغلت بها الذمة بيقين على المتيقن المستعمل بين المتشرعة من الصحابة و التابعين و تابعي التابعين المتلقى يدا عن يد و خلفا عن سلف، و لانصراف إطلاق الأمر بالقراءة إلى الفرد الشائع المعهود المتعارف لو سلم صدق القراءة على غيره، و لخروج القرآن عن كونه قرآنا أو القراءة كذلك ببعض صور فوات الموالاة كالفصل بين المضاف و المضاف اليه و الشرط و جزائه و نحوهما مما يفوت بفوات الموالاة بينها نظم القرآن و أسلوبه الذي به إعجازه، لكن تبعا في المدارك للمحكي عن جده أن ذلك لا يتم على إطلاقه، إذ القدر اليسير في خلال القراءة لا تفوت به الموالاة قطعا، و الأصح الرجوع

ج 10، ص: 12

إلى العرف، و فيه أنه لم نعثر على نص اشتمل على اللفظ المزبور كي يرجع في مسماه إلى العرف، بل العمدة في الحكم المذكور التأسي، و لم يحك أنه فصل باليسير، فهو حينئذ و الكثير على حد سواء، اللهم إلا أن يكون مراده الرجوع إلى العرف في صدق القراءة الذي يقدح فيه الكثير دون اليسير، و فيه منع، أو يكون المستند له في استثناء اليسير ما نص عليه غير واحد من الأصحاب و نطقت ببعضه النصوص من أنه لا بأس بالدعاء بالمباح (1)و سؤال الرحمة و الاستعاذة من النقمة عند آيتهما(2)و ردّ السلام (3)و الحمد عند العطسة(4)و تسميت العاطس (5)و نحو ذلك و إن كان قد يناقش فيما لم يكن مورد دليله منها القراءة كالدعاء بالمباح و تسميت العاطس بأن المراد من نفي البأس عنها في الصلاة رفع الحرج عنها من حيث نفسها لا من حيث اتفاق تفويت بعض أفرادها الموالاة كنفي البأس عن قراءة القرآن في الصلاة أيضا، و التمسك بإطلاق تلك الأدلة مع أن المنساق منه ما ذكرنا قطعا يوجب عدم الفرق بين اليسير و الكثير منه، و التزامه كما يومي اليه ذكر بعضهم هذه الأشياء بعنوان الاستثناء من حرمة ما يقدح في الموالاة فيه ما لا يخفى، مع أنه لا ينبغي الاستشهاد به حينئذ على استثناء اليسير الذي ادعي عدم قدحه في الموالاة لا استثناؤه، فتأمل. و أما ما كان مورد دليله خصوص القراءة كسؤال الرحمة و التعوذ من النقمة فالمتجه الاقتصار عليه خاصة لا التعدي منه إلى مطلق اليسير، إذ هو مع أنه قياس ليس بأولى من التعدي حينئذ إلى مطلق الدعاء، ضرورة اشتراكهما معا في وجود الجامع، و على خصوص ما لا تفوت به الموالاة منهما أومى إليه سابقا عند البحث عنهما في المحكي عن المعتبر، فلاحظ ذلك. و ليست السيد المزبور أبدل


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قواطع الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القراءة في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب قواطع الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب قواطع الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب قواطع الصلاة.

ج 10، ص: 13

الاستثناء المذكور بالمناقشة في أصل اعتبار الموالاة إن لم يقم إجماع عليه بعدم الاطمئنان بدعوى التأسي في مثل المقام، إذ هو- بعد الإغضاء عن ثبوت هذا النقل عنه، و عن الرواية المذكورة تتمة للاستدلال به، و هي

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

- قد يناقش بأن هذا الترك منه (صلى الله عليه و آله) لجريان العادة بالتتابع في القراءة، خصوصا إذا كان غرضه (صلى الله عليه و آله) تعليم أصل الصلاة و بيانها، ضرورة أن كل من تلبس في تعليم أمر من الأمور الدنيوية أو الأخروية لا يمزج غالبا في أثنائه أمرا آخر غيره، كما هو واضح لكل من لاحظ و تأمل، فلعل موالاته (صلى الله عليه و آله) كانت لذلك، كموالاته بين الأفعال و بين الأقوال غير القراءة من التشهد و الأذكار، بل و بين الأفعال و الأقوال كأذكار الركوع و السجود و نحوهما لا لوجوب التوالي المزبور، و الاقتصار على المتيقن لا يتم على المختار من الأعمية و على التمسك بالإطلاقات الكتابية و السنية، و منع الشيوع الإطلاقي كمنع فوات النظم بمطلق فوات الموالاة، و ثبوته في البعض لا يصلح دليلا للكل، بل ينبغي جعل المدار على الماحي لصورة الصلاة أو القراءة أو القرآن من فوات الموالاة من غير فرق بين القراءة و غيرها من أفعال الصلاة، خصوصا مع ملاحظة إطلاق نفي البأس عن الدعاء و قراءة القرآن في الصلاة، حتى أنه ورد في

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد انه سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يصلي له أن يقرأ في الفريضة فتمر الآية فيها التخويف فيبكي و يردد الآية قال: يردد القرآن ما شاء»

كما أنه قد مر سابقا عند قول المصنف: «و لو قدم السورة على الحمد» ما يشهد له في الجملة أيضا، و قد يأتي أيضا في تضاعيف المباحث ذلك أيضا، و لعله لذلك كله تأمل في وجوب الموالاة


1- 1 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.
2- 2 الوسائل- الباب- 68- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 14

الأردبيلي فيما حكي عنه، و ربما تبعه بعض من تأخر عنه، لكن و مع ذلك فالخروج عما عليه الأصحاب و أرسلوه إرسال المسلمات بل ربما كان عند بعضهم من الواضحات ليس بمستحسن، و الله أعلم.

و حينئذ فلو قرأ مثلا خلالها أي القراءة الواجبة من سورة أخرى غيرها مثلا استأنف القراءة من رأس إن كان سهوا و فرض عدم صدق القراءة أو القرآن على ما وقع منه و لو أوصله بما بقي له منها، لعدم صدق الامتثال، فيبقى حينئذ في العهدة، أما إذا لم يكن كذلك فالمتجه القراءة مما انتهى اليه، للأصل، و صدق الامتثال، و وجوب تدارك المنسي مع بقاء المحل الذي هو عدم الدخول في ركن انما هو إذا أمكن تداركه بنفسه من غير حاجة إلى إعادة شي ء آخر غيره، أما نحو المقام و الجهر و الإخفات و غيرهما من الصفات فقد يمنع وجوب تداركه بمنع شمول ما دل عليه لمثله، و قد يفرق بينه و بين تدارك الترتيب في نفس الحمد أو السورة بتوقف صدق اسم كل منهما عليه، بخلاف الموالاة التي هي محل البحث، نعم قد يشبه ما نحن فيه الترتيب بين الحمد و السورة، و لعل الفارق بينهما الإجماع أو غيره، فتأمل جيدا.

فإطلاق المصنف و غيره- بل قيل: إنه المشهور، بل ربما نسب إلى ما عدا الشيخ من الأصحاب استئناف القراءة لتحصيل الموالاة المتوقفة على الاستئناف كإطلاق المبسوط و المحكي عن نهاية الأحكام و التذكرة و الموجز و كشف الالتباس القراءة من حيث انتهى لحصول الامتثال بما وقع- لا يخلو من نظر، لما عرفت من أن المتجه التفصيل المزبور، و ربما أومأ إلى بعضه كشف اللثام حيث أنه بعد أن حكى عن المبسوط و بعض ما بعده ذلك قال: و هو الوجه إذا لم ينفصم نظام الكلام، ضرورة إشارته بالاشتراط المذكور إلى بعض ما ذكرنا، و الظاهر أنه مع الانفصام يستأنف خصوص ما انفصم من الكلام لا القراءة من رأس، فلو فرض وقوع الإخلال بين «إياك» و «نعبد» مثلا استأنف

ج 10، ص: 15

هذه الآية خاصة لا هي و ما تقدمها، بل قد تتخيل تحصيل أصل الموالاة أيضا إذا فاتت بالفصل بين الآيات مثلا باستئناف ما انتهى اليه موصولا بما بعده، و إن كان قد يناقش فيه بأنه لا موالاة بين ما وقع منه من اللفظ الأول، ضرورة تعقبه بما أخل به، و أما اللفظ الجديد فلا موالاة بينه و بين ما تقدمه، للفصل بينهما بما سبق مما فات به الموالاة و غيره، كما هو واضح.

و إن كان قد قرأ مخلا بالموالاة عمدا استأنف الصلاة كما في الذكرى و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و عن نهاية الأحكام و البيان و الألفية و الجعفرية و شرحيها و الميسية و الروض و فوائد القواعد و المقاصد العلية، لأنه نقص لجزء الصلاة الواجب، و مخالفة للصلاة البيانية عمدا، و اليه أشار الشهيد في الذكرى بقوله: لتحقق المخالفة المنهي عنها، و كأنه يريد المخالفة بترك الموالاة الواجب فعلها المنهي عن تركها بسبب الأمر بها، و ظني أن مرجع ذلك كله- بعد عدم النهي عنه في الصلاة في شي ء من النصوص كي يكون ظاهره مقتضيا للفساد- إلى ما ذكروه غير مرة فيما تقدم سابقا من اقتضاء نحو ذلك الزيادة في الصلاة مع فرض التدارك و النقصان مع عدمه، ضرورة عدم حصول الامتثال بما وقع منه، و فيه من البحث ما سمعته سابقا، و لعله له أو لغيره حكم هنا باستئناف القراءة خاصة في ظاهر المتن و التحرير و الإرشاد و صريح المبسوط و المدارك و المحكي عن التذكرة و الدروس و الموجز الحاوي و كشف الالتباس، و هو لا يخلو من قوة كما أوضحناه فيما تقدم، بل المقام أولى، بناء على المختار الذي أومأنا إليه سابقا من أن المدار في الموالاة على محو الاسم من غير فرق بين الصلاة و جزئها قراءة و غيرها فحينئذ لا فرق بين العمد و السهو، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:

و كل فصل بين أجزاء العمل إن زاد في العادة مثله أخل

و يستوي العمد هنا و السهوإن حد بالماحي و بان المحو

ج 10، ص: 16

و المحو للجزء كمحو الكل فاعتبر القاري كالمصلي

و هكذا الذاكر و المسبحافيبطل الفصل بما لاسم محا

إلى آخره، و هو و إن كان مختلفا لكنه في العرف مضبوط، فالتكبير مثلا يمحوه اليسير بخلاف الفصل بين الحمد و السورة و الحمد و التكبيرة، و كذلك البحث في نحو الكلمة و الكلام، و المدار ما سمعت من محو الصورة و النظام، و أما دعوى أن البطلان في مفروض المتن بسبب حرمة ما وقع به الإخلال من القرآن أو الذكر مثلا فيكون ككلام الآدميين حكما لا المحو واضحة المنع من وجوه، خصوصا مع ابتنائها على مسألة الضد، فتأمل.

و كذلك يستأنف القراءة خاصة فيما لو نوى قطع القراءة و سكت حتى لو أخل بالموالاة، ضرورة عدم الفرق بينه و بين الإخلال بها بالقراءة، إذ احتمال وجوب الاستئناف لنية القطع لا لفوات الموالاة- و لذا لم يقيد السكوت بما يقضي بفواتها- في غاية الضعف، فما في المبسوط من القول بالإعادة و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و في قول يعيد الصلاة مع قوله هناك بإعادة القراءة خاصة لا وجه له، اللهم إلا أن يريد بنية القطع عدم العود إليها أصلا، فإنها تبطل حينئذ بنية المنافي و بترك واجب في الصلاة عمدا، و بفوات الاستدامة على بعض الوجوه، مع أنه قد قيل أيضا: إنه لا يوافق ما ذهب اليه من عدم البطلان بنية المنافي مع عدم فعله، إلا أن يفرض حصول السكوت الطويل المخرج عن الصلاة أو دخوله في الركوع حتى يكون قد أخل بواجب، و إلا فنية قطع القراءة غير منافية كالسكوت غير الطويل، و ما في كشف اللثام من أن نيته القطع تتضمن نية زيادة ما لا يشرع في الصلاة أو النقصان فيكون قد عدل عن نية الصلاة إلى صلاة غير مشروعة يدفعه- مع أنه قد يخلو نية مطلق القطع

ج 10، ص: 17

عن ذلك- ما في الذكرى من أن نية المنافي إما أن تبطل بدون فعله أو لا كما سبق منه أي المبسوط النص عليه في فصل النية، فإن كان الأول بطلت الصلاة بنية القطع و إن لم يسكت، مع أنه نص على الصحة فيه، و إن كان الثاني لم تبطل ما لم يسكت طويلا بحيث يخرج عن مسمى الصلاة أو يركع، لكن قد يقال: إن ما نحن فيه عند التأمل من نية قطع الصلاة و إنشائها و التلبس ببعض آثارها لا من نية فعل المنافي، فينبغي حينئذ بناء الصحة و البطلان على ذلك لا على نية فعل المنافي كما أومأ إليه في جامع المقاصد، و كذا لا وجه لما وقع من غير واحد من الأصحاب من الحكم في الإخلال بالموالاة بالسكوت المخرج عنها دون الصلاة باستئناف القراءة، و في السابق باستئناف الصلاة، مع أن في كل منهما تفويت الموالاة عمدا، و لعله لذا حكم بإعادة الصلاة فيهما معا في المحكي عن البيان، كما أن غيره ساوى بينهما في استئناف القراءة، اللهم إلا أن يجعل مدرك الفساد هناك ما تخلل من القراءة أو الذكر مما حصل به فوات الموالاة من حيث اندراجه بسبب حرمته في كلام الآدميين أو نحوه مما يخص ذلك المقام بخلافه هنا، لكنه كما ترى لا يخفى عليك ما فيه.

و أوضح من ذلك إشكالا ما في إطلاق المتن و غيره أما لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع أو نوى القطع و لم يقطع مضى في صلاته ضرورة اتحاد السكوت المخرج عن الموالاة خاصة مع غيره مما تفوت به في استئناف القراءة أو الصلاة، على أن نية القطع مع السكوت التي حكم فيها باستئناف القراءة سابقا لا أجد لها أثرا سواء استصحبت نية العود أولا، بناء على عدم بطلان الصلاة بنية القطع أو نية فعل المنافي كما هو مختار المصنف في فصل النية، و إلا اتجه بطلان الصلاة لا استئناف القراءة خاصة ففرقه حينئذ بين السكوت مصاحبا لنية القطع و غير مصاحب غير واضح، إذ نية قطع القراءة لا ترفع قابلية ما وقع منه إذا أكمل بما بقي، لامتثال الأمر بها مع قطع النظر عن

ج 10، ص: 18

اعتبار الموالاة، و مع ملاحظتها لا فرق بعد فواتها بين نية القطع و عدمها، اللهم إلا أن يدعى اعتبار استدامة نية القراءة في صحة القراءة بدعوى عدم صدق الامتثال بالمركب العقلي إلا باستدامة النية التي هي من مقومات الامتثال به بخلاف المركب الحسي، فيتجه حينئذ الاستئناف مع نية القطع، لكن يبقى عليه سؤال الفرق بين فوات الموالاة بقراءة الغير و بين فواتها بالسكوت المجرد عن نية القطع الذي قد صرح معه باستئناف القراءة في المحكي عن التذكرة و الموجز و شرحه و جامع المقاصد و الجعفرية و شرحيها و غيرها.

و قد يجاب بإرادة ما لا يذهب الموالاة من السكوت، و لذا احتاج في الأمر بالاستيناف معه إلى استصحاب نية القطع، أقصى ما هناك يكون حكم السكوت المذهب للموالاة متروكا في كلامه، كما أن الظاهر حينئذ كون قوله: «و كذا» إلى آخره ليس من بيان الموالاة في شي ء، بل ذكره لمشاركته لها في إيجاب استئناف القراءة، إلا أنه مع هذا كله و الانصاف عدم خلو جميع ذلك عن التجشم، و التحقيق أنه لا فرق بين فوات الموالاة بالقراءة مثلا و بين فواتها بالسكوت، مستصحبا لنية قطع القراءة أو لا، ناويا لقراءة أخرى غيرها أو لا، بناء على عدم بطلان الصلاة بنية فعل المنافي أو القطع، و أما ما ذكره من المضي فيما لو نوى القطع و لم يقطع و تبعه عليه غيره كالفاضل بل و عن ابن فهد و الصيمري و غيرهم فقد أشكله في جامع المقاصد بأنه إن أريد به عدم العود إليها كان في الحقيقة كنية قطع الصلاة، و إن لم يرد ذلك بأن قصد القطع في الجملة كان المأتي به حينئذ غير محسوب من قراءة الصلاة، فإن أفعال الصلاة و إن لم تحتج إلى نية تخصها لكن يشترط عدم وجود نية تنافيها، فيكون كما لو قرأ بينها غيرها، و فيه- مع احتمال إرادة نية القطع ثم العدول عنها قبل وقوع شي ء من القراءة- انه قد يقال يكفي في صحة القراءة و احتسابها من قراءة الصلاة ما هو متلبس به من نية الاستدامة التي لا ينافيها نية قطع القراءة مع عدم وقوع المنوي، لانحلالها في الحقيقة إلى العزم،

ج 10، ص: 19

كما هو واضح بأدنى تأمل، هذا.

و قد صرح في الذكرى و غيرها «أنه لا بأس بقطع الموالاة بالسكوت مثلا لعذر، كما لو ارتج عليه الكلام فسكت للتذكر» و في كشف اللثام «ان قطع القراءة لسعال و نحوه ليس من الإخلال بالموالاة الواجبة» قلت: قد يشكل في بعض الأعذار إن لم يكن جميعها بأنه لا تزيد في العذرية على النسيان الذي قد عرفت استئناف القراءة معه، كما أن أصل العذرية لا ينافي إيجاب استئناف القراءة بفوات الموالاة التي هي شرط عندهم في صحة القراءة في حالي العمد و النسيان، فتأمل. و كذا صرح في الذكرى و غيرها أن الموالاة لا تبطل بتكرير الآية، بل فيها الآيتين فصاعدا لغير الإصلاح فضلا عنه و إن لم يأت بالآية التي قبلها، و بعض العامة قال: يأتي بالتي قبلها ثم يكررها و لعله هو الذي أومأ إليه في التذكرة بقوله: سواء وصلها بما انتهى اليه أو ابتدأ من المنتهى خلافا لبعض الشافعية في الأول، كما أن الظاهر كون المستند لهم في ذلك بعد إمكان دعوى عدم قدح خصوص ذلك في الموالاة باعتبار نفس المكرر ما سمعته سابقا مما دل على جواز قراءة القرآن في الصلاة، خصوصا ما في

خبر علي بن جعفر(1)السابق «كرر من القرآن ما شئت»

و إن كان الأخذ بإطلاقه لا يخلو من نظر و تأمل، و لذا استشكل في المحكي عن التذكرة في تكرار الفاتحة عمدا، و إن قال في الذكرى: «إن الأقوى الجواز، لأن الكل قرآن، و لأن تكرار الآية جائز فكذا السورة، ثم و لو كرر السورة فالخطب فيه أسهل، لأن القران بين السورتين قيل بجوازه، و هو في قوة القران» قلت: و قد يقال: إنه أصعب من جهة منع بعضهم للقران، فلو جاز للتكرار أمكن منعه لذلك، لكن ينبغي أن يعلم أن جواز ذلك كله مشروط بما إذا لم يأت به المكلف بعنوان الجزئية أو الاستحباب، لثبوت التشريع حينئذ، فتبطل الصلاة بناء


1- 1 الوسائل- الباب- 68- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 20

على بطلانها بمثله كما اعترف به في الذكرى.

و لو شك في كلمة أتى بها، و في الذكرى و الأجود إعادة ما يسمى قرآنا، و أولى منه عدم جواز الإتيان بمجرد الحرف الذي شك فيه أو تيقن فساده، لأنه لا يعد بعض الكلمة كلمة فضلا عن كونه قرآنا، فلا تبرأ ذمته حينئذ إلا بإعادة الكلمة، مع احتمال الاجتزاء بإعادة الحرف، لأنه هو المتعارف في تدارك الكلمة، و لأن ما تكلم به منها قد امتثل به، فلا يكلف به بعد، بل قد يدعى البطلان بإعادته، و منه يعرف الإشكال حينئذ في السابق من إعادة ما يسمى قرآنا مع الكلمة المشكوك بها، و فيه أنه لا يتصور الاجتزاء بالمركب مع فساد بعض أجزائه التي جي ء بها مقدمة، و إلا فلا خطاب بها مستقلا و لا صالحة للاستقلال بحيث تقبل الانضمام لما يأتي، بخلاف مثل الفاتحة، و لعل الأولى جعل المدار على صدق اسم ذلك المركب، أو على تعارف كيفية تدارك مثل هذا المركب في النطق، و ربما ظهر بالتأمل فيما ذكرنا ما في بعض إطلاق الذكرى، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إن الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة و كذا الفيل و القريش]

المسألة الثالثة عن التبيان و مجمع البيان أنه روى أصحابنا(1)أن «الضحى» و «أ لم نشرح» سورة واحدة، و كذا «الفيل» و «لإيلاف»، و لا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كل ركعة بل هو المشهور عملا أيضا بين المتقدمين كما في الحدائق، و عن البحار بل في الذكرى و جامع المقاصد نسبته إلى الأكثر من غير تقييد، بل في التحرير و عن السرائر و نهاية الأحكام و التذكرة و المهذب البارع «أنه قول علمائنا» بل عن الانتصار «أنه الذي تذهب إليه الإمامية» بل عن الأمالي «انه من دين الإمامية الإقرار بذلك» بل عن الاستبصار «أن الأولين سورة واحدة عند آل محمد (صلى الله عليه و آله) بل في المنظومة:


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 10، ص: 21

و الضحى و الانشراح واحدةبالاتفاق و المعاني شاهدة

كذلك الفيل مع الإيلاف و فصل بسم الله لا ينافي

و عن الانتصار «أن وجوب الجمع بين أ لم تر و لإيلاف في ركعة واحدة إجماعي و أنه من منفردات الإمامية» بل عن الأمالي «أن من دينها الإقرار بأنه لا يجوز التفرقة بينهما في ركعة» و عن التهذيب «و عندنا لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلا في ركعة واحدة يقرأهما موضعا واحدا» و عن التذكرة نسبة ذلك إلى علمائنا، و في الذكرى نسبة الجمع إلى الأصحاب، إلى غير ذلك مما هو صريح أو ظاهر في اتفاق الأصحاب على الاتحاد، أو على وجوب الجمع، أو على الأمرين مؤيدا بشهادة التتبع لكلام من تقدم على المصنف.

و هو الحجة الكاشفة للمراد من

صحيح الشحام (1)«صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة»

و

خبر المفضل (2)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تجمع بين السورتين في ركعة واحدة إلا الضحى و أ لم نشرح، و الفيل و لإيلاف»

خصوصا مع حرمة القران أو كراهته، و مع اعتضاده بنحو المرسل في المتن، و ما

عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار روى البرقي عن القاسم بن عروة عن أبي العباس (3)عن الصادق (عليه السلام) «الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة»

و

المرسل أيضا في المحكي (4)عن فقه الرضا (عليه السلام) قال: «و لا تقرأ في الفريضة الضحى و أ لم نشرح و لا تفصل بينهما، لأنه روي أنهما سورة واحدة و كذلك أ لم تر و لإيلاف سورة واحدة- إلى أن قال- و إذا أردت قراءة بعض هذه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 7- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 فقه الرضا عليه السلام ص 9 و فيه اختلاف كثير فراجعه.

ج 10، ص: 22

السور فاقرأ و الضحى و أ لم نشرح و لا تفصل بينهما، و كذلك أ لم تر و لإيلاف»

و

المرسل (1)عن الصادق (عليه السلام) في المحكي من هداية الصدوق «و موسع عليك أي سورة في فرائضك إلا أربع، و هي و الضحى و أ لم نشرح في ركعة، لأنهما جميعا سورة واحدة، و لإيلاف و أ لم تر في ركعة، لأنهما جميعا سورة واحدة، و لا ينفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة»

مؤيدا بفتواه به أيضا في المحكي من فقيهه الذي يفتي فيه غالبا بمضامين الأخبار المعتبرة، و بما عن مجمع البيان أيضا من أنه

روى العياشي عن أبي العباس (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «أ لم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة»

قال: و روي عن أبي بن كعب «لم يفصل بينهما في مصحفه» و ما

عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار عن البرقي عن القاسم بن عروة عن شجرة بن أخي بشير النبال (3)عن الصادق (عليه السلام) «إن أ لم تر و لإيلاف سورة واحدة»

و عن محمد بن علي بن محبوب عن أبي جميلة مثله.

فلا جهة حينئذ للمناقشة باحتمال إرادة الاتحاد في حكم الصلاة من كل ما وقع فيه الحكم باتحادهما، و في صحيح الشحام (4)بأن التأسي بما لا يعلم وجهه غير واجب، و بعدم الدلالة فيه على الاتحاد و باحتماله، و خبر المفضل استثناء ذلك من حرمة القران أو كراهته، بل لعل في إطلاق السورتين عليهما في خبر المفضل و أصالة الاتصال في الاستثناء إيماء إلى ذلك، كما أن إثباتهما كذلك في المصاحف المتواترة يشهد لذلك، مع أنه لا دلالة في شي ء من الخبرين على وجوب الجمع بينهما فضلا عن كونهما سورة واحدة،


1- 1 الهداية ص 31 باب 45 مع اختلاف كثير فراجعه.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
3- 3 المستدرك- الباب- 7- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 23

بل في 7328

صحيح الشحام الآخر(1)«أنه صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) فقرأ في الأولى الضحى و في الثانية أ لم نشرح»

شهادة بخلافه، ك

خبر داود الرقي (2)المنقول عن الخرائج و الجرائح قال: «فلما طلع الفجر قام- يعني الصادق (عليه السلام)- فأذن و أقام و أقامني عن يمينه و قرأ في أول ركعة الحمد و الضحى، و في الثانية بالحمد و قل هو الله أحد ثم قنت»

بل لعله يشهد على أن المراد ب

صحيحه الآخر(3)أيضا «أنه صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) فقرأ بنا الضحى و أ لم نشرح»

قراءة كل واحدة منهما في ركعة، بل يمكن إرادة ذلك في الصحيح (4)السابق المذكور في شواهد الاتحاد.

و مع الإغضاء عن ذلك كله فأقصاهما لزوم الجمع بينهما الذي هو أعم من الاتحاد كما هو واضح لما عرفت مما يمنع من صحة الاحتمال المزبور، و من عدم انحصار الدليل فيهما، و من وجوب حملهما بقرينة ما سمعت على لزوم الإتيان بهما معا لأنهما سورة واحدة، و صحيحا الشحام و خبر الرقي- مع قصورها عن معارضة ذلك من وجوه- هي كباقي أخبار التبعيض المحمولة على التقية أو غيرها، مع أن ترك الرقي «أ لم نشرح» لا يدل على تركه (عليه السلام) أيضا، و الفصل بالبسملة في المصاحف لو سلم اعتبار هذا الجمع الواقع من غير الامام و قلنا بتواتره لا ينافي الاتحاد كما أومأ إليه في المنظومة، و إطلاق اسم السورتين في الخبر المزبور و غيره جريا على الرسم الممنوع تواتره و الشهرة اللسانية و غيرهما غير قادح مع احتمال انقطاع الاستثناء، فما وقع من المصنف في المحكي عن معتبره- من الميل إلى عدم الاتحاد خاصة، أو مع عدم وجوب الجمع حتى صار سببا للجزم بالعدم من بعض من تأخر عنه- ضعيف جدا، خصوصا بالنسبة إلى الأخير و لذا قال بوجوب الجمع بينهما بعض من تردد في اتحادهما، أو مال إلى عدمه كالمحقق


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1.

ج 10، ص: 24

الثاني و الشهيد الثاني و إن كان في بعض ما ذكره أولهما دليلا على ذلك نظر و تأمل، إلا أنه عليه تسقط الثمرة المهمة في البحث هنا، و هي الاجتزاء بإحداهما على تقدير التعدد، و الجمع بينهما على تقدير الاتحاد، نعم تبقى بعض الثمرات في المقام و غيره.

و كيف كان ف لا يفتقر إلى البسملة بينهما على تقدير الاتحاد على الأظهر عند المصنف في الكتاب و النافع، و الشيخ في المحكي عن تهذيبه و استبصاره، و يحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه، بل عن البحار «نسبته إلى الأكثر» بل عن التهذيب «عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة» بل عن التبيان و مجمع البيان «أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها» بل عن أولهما زيادة أنهم أوجبوا ذلك لما في المرسل (1)السابق من النهي عن الفصل بينهما، كعدم الفصل بينهما في المحكي عن مصحف أبي، و للاتفاق كما عن معتبر المصنف على أنها ليست آيتين من سورة إلا في النمل، و لذا جعل هو و غيره مدار البحث فيها على الاتحاد و التعدد، و لايماء ارتباط المعاني فيها الذي قيل: إنه يشهد للاتحاد إلى أولوية عدم الفصل بينهما، و لغير ذلك، و هو لا يخلو من قوة، خلافا لجماعة بل عن المقتصر «نسبته إلى الأكثر» بل عن بعضهم «الظاهر إجماعهم على أن البسملة جزء من كل منهما» و لعله لعدم منافاة الوحدة ما هو الثابت متواترا مما هو مكتوب في المصاحف المجردة عن غير القرآن حتى النقط و الاعراب، و لما عن السرائر من أنه لا خلاف في عدد آياتهما، فإذا لم يبسمل بينهما نقصتا من عددهما و لم يكن قد قرأهما جميعا ثم قال أيضا: و طريق الاحتياط يقتضي ذلك، لأنه بقراءة البسملة تصح الصلاة بغير خلاف، و في ترك قراءتها خلاف، لكن لا يخفى عليك أن للبحث في جميع ذلك مجالا.

[المسألة الرابعة إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا]

المسألة الرابعة إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا أو ساهيا


1- 1 الهداية ص 31 المطبوعة بطهران باب 45.

ج 10، ص: 25

لم يعد إجماعا محكيا في الرياض و عن التذكرة إن لم يكن محصلا، لأنه لا خلاف فيه كما عن المنتهى للصحيحين (1)الذين قد مرا سابقا، و ظاهرهما كالفتاوى عدم الفرق بين القراءة و بدلها من الذكر في الأولتين و الأخيرتين، و المنساق إلى الذهن من الناسي هنا كغيره من المقامات التي ذكر فيها الذاهل عن كون الصلاة جهرية فخافت، أو بالعكس أو الصادر منه عن غفلة من غير استحضار و قصد، لكن في جامع المقاصد «أنه يحتمل إلحاق ناسي الحكم به: أي من نسي وجوب الجهر في بعض الصلوات و الإخفات في آخر» و فيه أنه خلاف المعروف منه في سائر المواضع التي ذكر فيها معذورية الناسي مثلا، نعم يمكن إدراج الفرض في الجاهل، ضرورة عدم منافاة العلم السابق للجهل الفعلي، و أغرب من ذلك احتماله إلحاق معنيي الجهر و الإخفات به مع فرض إمكانه، و فيه ما لا يخفى، و إدراجه في الجاهل بنحو الاعتبار السابق ليس بتلك المكانة، كما هو واضح.

أما الجاهل فلا ريب في تناوله للساذج الصرف الذي لم يسبق بعلم أصلا و لا تنبه للسؤال، بل يقوى في الذهن اندراج المتنبه فيه مع فرض تصور نية القربة منه و إن قلنا بكونه إثما بسبب تقصيره في السؤال، مع احتمال عدم الإثم لرفع القلم عنه في خصوص ذلك، لكن من البعيد خطاب الحكيم بشي ء و إرادته من المكلفين و عدم إيجاب السؤال عليهم و العلم به لهم، و أنه انما يجب عليهم إذا اتفق علمهم به، بل ظاهر المنظومة وجوب الإعادة في الفرض، قال:

و ليعد العاكس عمدا إن علم بالحكم لا الناسي و من علما عدم

و عالم بالحكم جاهل المحل كذي تردد يعيد ما فعل

ضرورة اندراج الفرض في ذي التردد، اللهم إلا أن يريد به خصوص التردد


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 10، ص: 26

في المحل بعد العلم بوجوب الجهر و الإخفات في الجملة، و فيه أنه حينئذ يكون عين الأول لكن في جامع المقاصد تفسير الجاهل هنا بجاهل وجوب كل منهما في موضعه بحيث لا يعلم التي يجب فيها الجهر من التي يجب فيها الإخفات، سواء علم أن هناك جهرية أو إخفاتية في الجملة أو لم يعلم شيئا، و فيه أن شمول الدليل لمثل ذلك محل نظر أو منع، فيبقى تحت القاعدة، و أغرب منه قوله بعد هذا بلا فصل: و يمكن أن يراد به مع ذلك الجهل بمعنيي الجهر و الإخفات و إن علم أن في الصلاة ما يجهر فيه و ما يخافت إن أمكن هذا الفرض، ضرورة وجوب تعرفه لذلك، كضرورة عدم سوق الدليل لبيان حكم ذلك بل قد يتوقف في شموله لما وجب الإخفات فيه لعارض المأمومية مثلا و إن كان ظاهر الخبر العموم، كما أن ظاهره و الفتاوى عدم الفرق في هذا الحكم بين الرجل و الامرأة إلا أنه من حيث الجهر و الإخفات، أما لو جهرت فسمعها الأجنبي و قلنا ببطلان صلاتها بذلك فيقوى البطلان، و إن قال في جامع المقاصد: فيه وجهان.

و لو تذكر أو علم في الأثناء مضى و لا يتدارك كما صرح به غير واحد، لترك الاستفصال، و للإطلاق، اللهم إلا أن يدعى سوقهما لغير ذلك، فيبقى ما دل (1)على وجوب التدارك قبل تجاوز المحل بحاله لو قلنا بشموله لمثل هذا الوصف المستلزم تداركه تدارك غيره معه كما أشرنا إليه سابقا، و لا يشترط في معذورية الجاهل هنا سبق التقليد بذلك على إشكال، هذا، و قد ذكرنا بعض الكلام في المقام في أحكام الخلل، فلاحظ، و الله أعلم.

[المسألة الخامسة في كمية التسبيح في الأخيرتين]

المسألة الخامسة يجزيه عوضا عن قراءة الحمد في الثالثة و الرابعة من الفرائض اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاثا بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أنه كاد يكون مقطوعا به من


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

ج 10، ص: 27

النصوص (1)انما البحث في تعيين ذلك، فلعل ظاهر المتن و الذكرى وجوب القدر المزبور، كما عن صريح النهاية و الاقتصاد و مختصر المصباح و التلخيص و البيان ذلك أيضا بل هو الذي استظهره في المدارك من ابن أبي عقيل، بل عن المهذب البارع نسبته اليه قاطعا به، لكن المحكي من عبارته و إن كان فيها أن الأدنى الثلاث في كل ركعة إلا أنه يحتمل إرادة الأدنى في الفضل بقرينة قوله سابقا: «السنة في الأواخر التسبيح سبعا أو خمسا» نعم هو صريح المحكي عن نسخة لرسالة علي بن بابويه قديمة مصححة عليها خطوط العلماء بقراءتها عليهم، و نسختين لكتاب المقنع في باب الجماعة، و بعض نسخ الفقيه مؤيدا ذلك كله بما ستسمعه عن الفقه الرضوي (2)الذي من الغالب موافقة الصدوقين له حتى أنه بذلك ظن أنه من كتب أولهما، و صريح المحكي أيضا عن بعض نسخ المهذب مؤيدا بموافقته للنهاية غالبا.

و كيف كان فقد اعترف في المدارك بأنه لم يقف له على مستند، قلت: لعله- بعد توقف يقين البراءة من يقين الشغل عليه، و أصالة تقارب البدل و المبدل عنه الحاصل في الفرض دون المرة مثلا، و فتوى من عرفت به ممن علم من حالهم عدم ذكر ذلك منهم إلا بنص، و وجوده في مثل الرسالة التي كانت إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها، و النهاية التي هي متون أخبار، و الفقيه و المقنع و نحوهما-

ما رواه ابن إدريس (3)فيما حكي من سرائره نقلا من أصل حريز، قال: قال زرارة: «لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قلت: فما.


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5 و 8 و الباب 51 منها- الحديث 1 و 2 و 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 31- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 و فيه « إذا كنت إماما أو وحدك».

ج 10، ص: 28

أقول فيهما؟ قال: إن كنت إماما فقل: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاث مرات، ثم تكبر و تركع».

و هو صحيح، قيل: و التكبير فيه ثابت في جميع نسخ السرائر في هذا الموضع، لكنه أورد هذا الحديث بعينه في المستطرفات بإسقاط التكبير، قلت: في مفتاح الكرامة «أن في نسخة قديمة عتيقة من خط علي بن محمد بن أبي الفضل الآبي أي صاحب كشف الرموز في سنة سبع و ستين و ستمائة إسقاط التكبير في الموضعين، كما أن في نسخة أخرى كثيرة الغلط ذكره في الموضعين» إلى آخره. لكن في المحكي عن البحار أن النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ذلك: أي على الإثبات في كتاب الصلاة، و الإسقاط في المستطرفات، و احتمل أن يكون زرارة رواها على الوجهين، و رواهما حريز عنه في كتابه و استظهر زيادة التكبير من قلمه (رحمه الله) أو من النساخ، لأن سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير و زاد في الفقيه و غيره بعد التسبيحات تكمله تسع تسبيحات، قال: و يؤيده أنه نسب في المعتبر و التذكرة القول بتسع تسبيحات إلى حريز و ذكر هذه الرواية.

قلت: فتخرج الرواية حينئذ عن الحجية، بل هي كذلك أيضا مع فرض اتحادهما و اختلاف النسخ فيها، ضرورة عدم ثبوت كون ما يفيد المطلوب من النسختين رواية، فلا يشمله حجية خبر الواحد، بل يمكن دعوى كونها كذلك و إن لم يفرض اختلاف النسخ إلا أنه قامت قرائن خارجية بحيث حصل الظن بأن الراوي لم يرو ذلك، أو تساوى الاحتمالان، لما عرفت من عدم ثبوت كونه خبرا و رواية و لو بطريق الظن الصالح لذلك، و دعوى ثبوت جميع ما في السرائر بطريق التواتر و الآحاد المعتبر بحيث يخرج ما فيها عن قسم الوجادة، فلا مجال لهذا الاحتمال فيه أو لا يقدح يمكن منعها، بل يمكن منع وصول هذه الأصول التي روى عنها في السرائر و استطرف منها ما استطرف بأحد الطريقين المزبورين، بل المظنون أنها وجادة بالنسبة اليه، و لا ينافيه وصفه لها

ج 10، ص: 29

بأنها أصول معتبرة، ضرورة كون المراد أنها كذلك في الجملة أو كلي أصل حريز مثلا لا خصوص ما روى عنه من الكتاب، و النسبة بعد تعارف وقوعها من العلماء بدون الطريقين المزبورين لا يعتد بها كما هو واضح لمن أنصف و تأمل و لم يقصد الترويج.

و قد ظهر لك من ذلك كله أنه لا فائدة في ترجيح نسخة الإثبات على نسخة السقوط بموافقتها لصحيحة هذا الراوي بعينه و لغيرها من النصوص التي أثبتت التكبير مما ستعرفه، أو نسخة السقوط على نسخة الثبوت بما سمعته من المجلسي، ضرورة عدم صلاحية شي ء من ذلك لصيرورتها حجة شرعية، نعم لا بأس بذكره حينئذ مؤيدا لخبر الاثنى عشر مثلا أو غيره بناء على الترجيحين، و من العجيب اعتماده في الرياض على هذا الترجيح حتى جعلها نفسها دليلا للاثنى عشر و مال اليه، فلاحظ و تأمل.

و ما رواه

الصدوق في المحكي عن عيونه (1)عن رجاء بن أبي الضحاك «أنه صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين، يقول:

سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاث مرات»

قال بعض المتبحرين:

هكذا وجدناه في أكثر النسخ، و نقله المحدث التقي المجلسي في روضة المتقين، لكن عن نسخة صحيحة التسبيحات الثلاث من دون تكبير، و عن البحار أنه أوردها كذلك ثم ذكر في البيان زيادة التكبير عن بعض النسخ، قال: و الموجود في النسخ القديمة المصححة كما نقلنا من دون تكبير، و استظهر كون الزيادة من النساخ تبعا للمشهور، و على هذا فيسقط التمسك بهذه الرواية كالتي قبلها، و تزيد هذه بضعف السند بجميع رجاله، كجهالة أحمد بن علي الأنصاري، و تضعيف العلامة كما قيل تميم بن عبد الله الذي يروي عنه الصدوق، و أما رجاء بن أبي الضحاك فعن روضة المتقين أنه شر خلق الله و الساعي في قتل الامام و إن كان قيل يظهر من الصدوق الاعتماد عليه بل و على الذين


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 8.

ج 10، ص: 30

قبله، لكن قد يمنع، إذ عمله ببعض خبره كالسور و نحوها لعله لتبين صحته من مقام آخر و نحوه لا لاعتماده عليه.

و ما عن

الفقه الرضوي (1)في أول أبواب الصلاة قال: «تقرأ فاتحة الكتاب و سورة في الركعتين الأوليين، و في الركعتين الأخراوين الحمد، و إلا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا، تقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرات»

لكن بعد الإغضاء عن حجيته ذكر فيه أيضا ما يدل (2)على الاجتزاء بالمرة، فيكون هذا محمولا على الندب و إن كان يحتمل أن يكون هذا قرينة على إرادة التكرار هناك، أو سقوط الثلاث من النساخ، و عن موضع آخر(3)من هذا الكتاب «و اقرأ في الركعتين الأخيرتين إن شئت الحمد وحده، و إن شئت سبحت ثلاث مرات» و هو محتمل أيضا إرادة سبحان الله، و تكرير التسبيحة الكبرى ثلاث مرات بقرينة العبارة السابقة و إن كان الثاني أقرب.

فبان لك حينئذ ضعف التمسك بهذه الأخبار، اللهم إلا أن يقال: إن جميع ذلك إن لم يصلح للاستدلال يصلح للشهادة على الجمع بين ما يستفاد منه الأربع و لو مرة واحدة، ك صحيح زرارة(4)الآتي و بين ما دل (5)على التثليث في الثلاثة، لما عرفته و تعرفه من شواهد القول بالتسع، فيحصل حينئذ منهما مع ضم الفصل الرابع من الأول و التكرار ثلاث مرات من الثاني الدلالة على المطلوب، لكن شهادة هذه الأمور موقوفة على تأخر قيد التكرار ثلاثا عن الكلمة الرابعة المستفادة من الخبر الأول، و هو كما ترى


1- 1 المستدرك- الباب- 31- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 14.
3- 3 المستدرك- الباب- 31- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 31

أو يقال بانجبار ذلك كله بالشهرة، لأن رواية الاثنى عشر بين قائل بمضمونها بعنوان الوجوب، و قائل به بالوجوب التخييري، و قائل به بالاستحباب، و قائل بأنه أحوط و قائل بأنه أحد أفراد الوجوب المطلق، فليس لها راد حينئذ، و هو أضعف من سابقه نعم لا يبعد أن يكون ذلك كله مضافا إلى ما أرسله في الروضة من النص (1)الصحيح به مستندا للاستحباب، لما ستعرفه من قوة القول بالاجتزاء بالأربع، و عدم دليل صالح لإثبات غيرها معها و لو على جهة الوجوب التخييري، و لعله لذا اختار بعضهم منهم الأستاذ في كشفه استحباب الزيادة عليها لا أنها من الواجب التخييري، نعم الظاهر أن ذلك نهاية الفضل، لعدم الدليل على الزيادة إلا على بعض الوجوه في الجمع بين الأخبار ربما تسمع بعضها فيما يأتي، لكن قد سمعت ما عن ابن أبي عقيل أن الأدنى التكرير ثلاثا، و إلا فالأفضل سبعا أو خمسا، و في الذكرى لا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب ذكر الله، و هو مبني على تناول دليل التسامح لمثل ذلك.

و أما الأصل فهو مع أنه غير أصيل عندنا ستعرف ما يوجب الخروج عنه، و لا يلزم من بدلية التسبيح عن القراءة تطابقهما كما و لا تقاربهما لفظا، على أن البدلية ممنوعة بل الحق العكس، أو المبادلة و التخيير، و لا يعتبر فيهما التوافق قطعا كما في خصال الكفارة، نعم الظاهر أن العمل به أحوط بل و أفضل كما صرح به بعضهم لما عرفت، خلافا للمحكي عن آخر من ترجيح القراءة عليه، للخروج بها عن الاختلاف الواقع في التسبيح رواية و فتوى، فيكون العمل بها أسلم و أحوط، و فيه- مضافا إلى ما سمعته سابقا م ما دل (2)من النصوص على أفضلية التسبيح حتى ادعي تواترها- عدم سلامتها عن الخلاف الذي يصعب الاحتياط معه من وجوب الجهر بالبسملة و حرمته، بخلاف ما نحن فيه، فإنه لا خلاف في إجزاء الاثنى عشر، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة.

ج 10، ص: 32

و قيل: يجزيه عشر بإثبات التكبير في التسبيحة الأخيرة و إسقاطها في الأولين، و القائل الشيخ في مبسوطة و عن جمله و مصباحه و عمل يوم و ليلة، و أبو المكارم في غنيته، و الصدوق في المحكي من هدايته، و المرتضى في المحكي من جمله و مصباحه، و عن سلار و الكيدري (و الكندري خ ل) أيضا و إن كان ربما حكي عنه التخيير بين ذلك و الاثنى عشر، إلا أن مقتضاه عدم الاجتزاء بالأقل، فرجع إلى هذا القول، بل نسبه الفاضلان إلى ابني البراج و أبي عقيل، لكن ما وقفنا عليه مما حكي من عبارتيهما لا يساعد على ذلك، بل ظاهرهما القول السابق كما عرفت، بل ينبغي عدم احتمال ذلك فيهما، لأن التكبير إن ثبت فيهما فالاثنى عشر، و إلا فالتسع، فلا وجه لنسبة ذلك إليهما، كما أنه لا ينبغي نسبته إلى الحلي كما وقع من بعضهم على ما ستعرف.

و كيف كان فلم أقف له على مستند معتد به و إن كان ظاهر الروضة و المحكي عن غيرها وجود النص به، بل ظاهر الأول أنه صحيح، لكن قال بعض الفضلاء المتبحرين الورعين: إن الكتب الأربعة و غيرها من أصول الأصحاب خالية عن النص على ذلك فضلا عن كونه صحيحا، نعم قد يعلل أصل الحكم و دعوى ورود النص به بوجهين:

أحدهما أخذه من

قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة(1)الآتية: «فقل: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم تكبر و تركع»

على أن يكون المراد ضم التكبير إلى سابقه ليكمل به العشر، و لا يخفى وهنه، فان المراد به تكبير الركوع كما هو ظاهر من أسلوب الكلام، و لا أقل من الاحتمال المانع من الاستدلال، و ثانيهما التخريج من روايتي الأربع و التسع جمعا بينهما بالعشرة الجامعة لهما بجعل قيد الثلاث مرات لما عدا التكبير مع ضم التكبير من رواية الأربع، و إن أمكن الجمع بينهما بالجمع


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 33

بين العددين حتى يبلغ ثلاثة عشر، لحصول الامتثال بالأول، و للإجماع على عدم وجوب ذلك، بل و لظهور النصوص عند التأمل فيه، بل لعله مقطوع به منها، و لغير ذلك، قيل: و هو جيد لو لا تصريحهم بتأخير التكبير، و فيه أنه لعلهم أخذوه من ظهور رجوع التكرار ثلاثا ولاء لما عدا التكبير من التسبيح، فيتعين حينئذ ذكر التكبير أخيرا، فتأمل. و لو لا أن الظاهر من حال القدماء الاستناد إلى النص الصريح لا التخريج كما هو المعلوم من عادتهم، خصوصا الصدوق و من ماثله، و فيه أن المهم أصل الدليل على الدعوى لا كونه مستندا لهم، و الله أعلم.

و قيل و القائل حريز و الصدوقان و ابن أبي عقيل و أبو الصلاح فيما حكي عنهم تسع بإسقاط التكبير، لكن المصنف قال و في رواية تسع و هو بعد نسبته سابقه إلى القيل قد يظهر منه أنه ليس قولا لأحد كالمحكي عن ابن إدريس من اقتصاره على نقل القول بالأربع و العشر و الاثنى عشر، و لعل الأمر فيه كذلك، إذ الظاهر أن الأصل في نسبته إلى حريز روايته ذلك، و هي- مع أنها لا دلالة فيها على مذهب الراوي ضرورة صدور الأمور المتعددة من الراوي الواحد- قد عرفت الاختلاف في متنها في إثبات التكبير و إسقاطه، فهو متردد حينئذ بين الاثنى عشر و التسع كالصدوقين، بل المحكي عن أكثر نسخ الفقيه و المقنع ثبوته، و روايته في الفقيه للتسع مع أنه روى فيه غيرها لا تصلح مستندا لنسبته إليه، و قد عرفت أن المحكي عن النسخة الصحيحة القديمة من الرسالة ثبوته، و لذا لم ينقل عنه التسع قبل المختلف، بل قيل: إن أكثر كتب لخلاف خالية عنه، و أما ابن أبي عقيل فقد تقدم أن الموجود في عبارته إثبات التكبير، ستسمع ما وصل إلينا عن أبي الصلاح، فلم يثبت حينئذ لأحد ممن نسب اليه.

و كيف كان فمستنده مضافا إلى بعض ما تقدم

قول أبي جعفر (عليه السلام)

ج 10، ص: 34

في صحيحة زرارة(1): «لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قال: قلت: فما أقول؟ قال: إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر و تركع»

و هي مع أن المحكي عن بعض نسخ الفقيه تسع مرات من دون تكمله، و ما قيل-: من أن ابن إدريس رواها في المستطرفات باختلاف في المتن أيضا و في باب الصلاة بإثبات التكبير كما سمعته سابقا، و مع مخالفتها لباقي الروايات المتضمنة للتكبير، بل و لما رواه هذا الراوي بعينه عن الباقر (عليه السلام) أيضا- لا تصلح سندا لذلك، خصوصا و قد عرفت عدم القائل بذلك، فضلا عن شهرة تجبر هذا الاضطراب، مع أن الاختلاف في متن الرواية يقتضي الأخذ بالأكثر الذي يحصل به يقين البراءة، و هو هنا الاثنا عشر، بل و لا وجه لحملها على الندب مع فرض إسقاط التكبير كما يحكى عن أكثر القائلين بالأربع، بل و لا للتخيير بينها و بين العشر و الاثنى عشر، و عن الروض بعد نقل القول بالأربع و الاثنى عشر و العشر و التسع قال:

«و الأول أجود، و الثاني أحوط، و الثالث جائز، أما الرابع فلا، لعدم التكبير» و هو جيد لكن عن بعضهم الاقتصار على التخيير بين الأربع و التسع خاصة، لعدم ثبوت النقل في غيرهما، و لا ريب في ضعفه، و الله أعلم.

و قيل و القائل جماعة من القدماء كالكليني و الصدوق و الشيخين فيما حكي عنهم و كثير من المتأخرين و متأخريهم يجزي أربع، بل في المحكي عن المقاصد العلية أنه أشهر الأقوال، بل عن الأنوار القمرية هو قول المفيد و أكثر المتأخرين، بل عن الجوادية و شرح الجعفرية أنه المشهور فيما بينهم، بل في المصابيح الطباطبائية أن شهرة القول به من عصر الفاضلين إلى زماننا ظاهرة لا تدفع، بل الظاهر الإجماع عليه في بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 35

الطبقات، و هو كذلك على الظاهر بل قد صرح به فيما يقرب من خمسين كتابا على ما حكي عن جملة منها، فمن العجيب بعد ذلك قول المصنف هنا و في أخرى أربع مشعرا بعدم القائل به، مع أنه هو منهم في النافع، نعم خير بعض هؤلاء بينه و بين الاثنى عشر، أو مع العشر و التسع، أو غير ذلك مما ستعرفه فيما يأتي إن شاء الله، لكن الكل اشتركوا في إجزاء الأربع، سواء قلنا باستحباب الزائد صرفا كما في كثير من مقامات التخيير بين الأقل و الأكثر، أو قلنا بأنه أحد أفراد الواجب المخير كالقصر و الإتمام و نحوهما مما لم يكن فيه القليل الذي في ضمن الكثير مجزيا كي يتحقق الاشكال، بل كان القليل فيه مقابلا للكثير كما أوضحناه سابقا، و أومأ إليه هنا المحقق الثاني في جامعه، بل قد يضم إليهم من يوافقهم على عدم وجوب الأكثر و إن قال بالأنقص كالمحكي عن الإسكافي و أبي الصلاح من القول بوجوب الثلاث بإسقاط التهليل أو التكبير، بل و من اكتفى بمطلق التسبيح و الوارد منه بالخصوص كما عن ابن سعيد و غيره، أو مطلق الذكر كما عن آخر، فتزداد الكثرة حينئذ، و من هنا حكي عن المعتبر القطع بجواز الأربع و احتمال الاكتفاء بما دونه.

و أغرب من ذلك تنكيره روايته مع أنه رواها الكليني مقتصرا عليها في كيفية التسبيح، و الشيخ صدر بها الأخبار التي أوردها في كتابيه، بل وصفها جماعة من الأساطين منهم العلامة و الشهيد و المحقق الثاني بالصحة، بل عن مختلف أولهم أنها هي و صحيحة الحلبي الآتية أصح ما بلغنا في هذا الباب، و الظاهر أنه كذلك، لأنه ليس في طريقها من يتوقف فيه إلا محمد بن إسماعيل، و الأصح الأشهر كما قيل عد حديثه صحيحا، إما لأنه ثقة كما بين في محله مفصلا على وجه يرفع الاشتراك بينه و بين غيره أو لكونه من مشايخ الإجازة للحديث المنقول من كتب الفضل، فلا يكون واسطة في النقل، و قد يشير اليه ما عن كشف الرموز «أن الاكتفاء بالأربع في رواية الفضل

ج 10، ص: 36

ابن شاذان عن حماد» إلى آخره. و لا يبعد أن يكون وجدها في كتاب الفضل، و أما متنها(1)و هو

قال أي زرارة: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن تقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و تكبر و تركع»

فقد قيل: إنه تطابقت عليه النسخ كلها في الكتب الثلاثة و كتب الحديث المأخوذة منها كالوافي و الوسائل و البحار و المنتقى و الحبل المتين، و كتب الاستدلال كالمعتبر و المنتهى و الذكرى و غيرها، و هذه مزية ظاهرة لهذه الرواية بالنسبة إلى روايات الباب. لما عرفت، مضافا إلى ظهور دلالتها في المطلوب، بل في المنتهى أنها نص فيه و إن كان قد يناقش فيه بأنه لا صراحة فيه بعدم إجزاء غيره مما هو أنقص منه، ضرورة كون إجزائه لا يقتضي نفي غيره، و بأنه يحتمل إرادة أجزاء ذلك بالنظر إلى الفصول لا العدد، فلا ينفي القول بالاثني عشر مثلا.

اللهم إلا أن يقال في دفع الأول بظهور لفظ الاجزاء خصوصا في المقام في عدم إجزاء الأنقص منه، أو يدعى كون التقدير فيه بقرينة السؤال المجزي أن تقول و نحوه مما يفيد الحصر، بل ربما قيل: إنه الظاهر، و لعله لأصالة مطابقة الجواب للسؤال في الاسمية و الفعلية، لكن قد يقال- بعد تسليم الأصل المزبور على وجه يحمل عليه الخطاب، و يكون مدركا لحكم شرعي خصوصا في نحو الخطابات التي لم تذكر في مقام الفصاحة و البلاغة-: إنه لا ملازمة بين تقديرها اسمية و بين استفادة الحصر، ضرورة أنه لو كان التقدير مثلا قولك سبحان إلى آخره يجزي لم يكن فيه حصر مع كون الجواب جملة اسمية، فتأمل جيدا.

و في دفع الثاني بأن الامتثال يحصل بالمرة، و أن الرواية مسلطة على فهمها، و قوله (عليه السلام): «أن تقول» إلى آخره في مقام البيان من غير إشعار بالتكرار بل


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 10، ص: 37

قال بعده: «ثم تكبر و تركع» ظاهر في عدمه، خصوصا و السائل إنما سأل عن الفصول المجزية، فالجواب بالقول المشتمل على تلك الفصول يقتضي إجزاءه من كل وجه لا باعتبار الفصول الخاصة، لكن و مع ذلك فالإنصاف أن جميع ما قلناه لا يجعله في مرتبة النص كما هو واضح، نعم هي ظاهرة تمام الظهور في ذلك، و يؤيدها زيادة على ما سمعت وقوع التصريح بهذه الفصول في جملة من الأخبار من دون إشعار بالتكرار، ك صحيح أبي خديجة(1)و سالم بن مكرم الذي أفتى الصدوق بمضمونه في المحكي عن مقنعه، و خبري محمد بن حمران أو عمران (2)و محمد بن حمزة أو ابن أبي حمزة(3)المرويين عن الفقيه و العلل المذكورين سابقا عند البحث في أفضلية التسبيح على القراءة على ما عن أكثر النسخ من إثبات التكبير، و المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(4)«فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد، و سبح في الأخيرتين، تقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر»

و أوضح من ذلك تأييدا بل قيل: إنه يمكن الاستدلال به على المطلوب الصحيح الواضح عن

الحلبي (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل: الحمد لله و سبحان الله و الله أكبر»

و عن

زرارة(6)عن أبي جعفر (عليه السلام) فيمن أدرك الإمام في الأخيرتين قال: «فإذا


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 13 لكن رواه عن سالم بن أبي خديجة و هو سهو و الصحيح سالم أبى خديجة كما نقله عنه في الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 6 و في التهذيب ج 3 ص 275- الرقم 800 من طبعة النجف و حرف الواو بين أبى خديجة و سالم بن مكرم زائد في الجواهر لأن سالم هو أبي خديجة.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 فقه الرضا عليه السلام ص 14.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 4.

ج 10، ص: 38

سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأوليين بأم الكتاب و سورة، و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما، انما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء ليس فيهما قراءة»

و عن

عبيد بن زرارة(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال: تسبح و تحمد الله و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد و دعاء»

و خبر علي بن حنظلة(2)المتقدم سابقا في البحث في مسألة التخيير، و ستسمعه أيضا فيما يأتي، لظهور الجميع باعتبار الأمر فيها بالطبيعة و غيره في الاجتزاء بذلك و لو مرة، و لا ينافيه عدم اشتمالها على الفصول الأربعة، لوجوب الجمع بينها بحمل المطلق فيها على المقيد و يثبت المطلوب، أو لأنه من الإشارة بالبعض إلى الكل كما هو متعارف في نحو ذلك مما لا يحسن تكراره في كل خطاب و كانت له صورة معروفة، أو لأن كل من أوجب التسبيح و التحميد مكتفيا فيهما بالمرة فقد أوجب التهليل أو التكبير، و كل من أوجب الثلاثة مرة بضم أحدهما فقد أوجب الأربع عدا ابن الجنيد و أبي الصلاح و نحوهما ممن خلافه شاذ منقرض، كما أنه لا ينافيه أيضا اشتمالها على الدعاء و الاستغفار، لأنه إن وجب كما ذهب اليه بعض المتأخرين فلا إشكال، و إلا تعين حمله على الندب و لا ضير، نعم قد يناقش في صحيح أبي خديجة و ما ماثله بأنها لم تسق لبيان إجزاء ذلك كي يتمسك بالطبيعة فيه، بل وقعت هذه الفصول فيه في مقام بيان أمر آخر غير ذلك، فلاحظ و تأمل.

و قد بان لك مما سمعته من المتن و ما ذكرناه في شرحه أن الأقوال في المسألة أربعة و أن العمل بالأول منها أحوط بل و أفضل.

الخامس التفصيل بين المستعجل و المضطر و نحوهما فأربع، و غيرهم فعشر، و نسب إلى ابن إدريس، و عبارته المحكية عنه ظاهرة في ذلك و محتملة للعشر، كما عن العلامة


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 39

نسبته اليه و إن كان قد ذكر أن حكم المضطر ما يتيسر من ذلك و لو دون الأربعة، و ربما كان في المحكي من عبارته في كيفية صلاة المضطرين إيماء إلى ذلك، كما أنه ربما احتمل أن يكون فتواه بالأربع، و أن العشرة طريق احتياط للمختار، بل ربما كان في بعض كلامه إيماء إليه أيضا، و كيف كان فلم نقف له على نص في تفصيله المتقدم بل و لا من تقدم فيه سوى ما عساه يحتمل من مجموع ما حكي عن المقنعة في باب كيفية الصلاة و في باب تفصيل أحكام الصلاة، مع أن المعروف عنه و كاد يكون صريح كلامه في الباب الأول الاجتزاء بالأربع و استحباب العشر، و لعله يريد بما ذكره في الباب الثاني عدم تأكد الزيادة على الأربع للمستعجل و العليل، فلاحظ و تأمل.

السادس الاكتفاء بالتسبيحات الثلاثة مرة واحدة بإسقاط التكبير و التكرير كما هو ظاهر المحكي عن أبي الصلاح أو صريحه و إن اشتهر عنه القول بالتسع، و لعل مستنده روايتا محمد بن عمران (1)و محمد بن حمزة(2)المتقدمتان على ما عن بعض النسخ من سقوط التكبير، و قد تقدم لك ما يظهر منه ضعفه.

السابع الاجتزاء بالثلاث أيضا لكن بإسقاط التهليل كما عن ابن الجنيد، ل صحيح الحلبي (3)المتقدم سابقا الذي قد عرفت أن مقتضى الجمع بينه و بين غيره ضم التهليل اليه.

الثامن الاجتزاء بالتسع و الأربع و الثلاث بإسقاط التهليل، و بالتسبيح و التحميد مع الاستغفار، ل صحيح عبيد بن زرارة(4)كما في المدارك و عن الأنوار القمرية و الذخيرة جمعا بين الأخبار المعتبرة بالتخيير، و فيه بعد تسليم اعتبار الجميع عدم تعين الجمع بذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 40

التاسع إجزاء التسع و الأربع و الثلاث بإسقاط التهليل، و التسبيحات أي تقول سبحان الله ثلاثا كما عن يحيى بن سعيد في الجامع، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1): «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات، تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله»

و فيه أن الخبر المزبور- مع ضعفه و عدم الجابر له، بل ربما كان من أضعف أخبار هذا الباب بناء على أن محمد بن علي الهمداني الذي في طريقه هو ابن سمينة الضعيف جدا- لا يعادل به الأخبار الصحيحة المشهورة نقلا و عملا.

العاشر الاجتزاء بمطلق الذكر كما عن السيد جمال الدين بن طاوس و المصنف في المعتبر، و ربما ظهر من كتابي الأخبار للشيخ، لأنه روى فيهما ما عساه يصلح مستندا لذلك من

خبر عبيد بن زرارة(2)عن الصادق (عليه السلام) المتضمن للأمر بالتسبيح و الحمد لله و الاستغفار للذنب، قال: «و إن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد و دعاء»

و

خبر علي بن حنظلة(3)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر الله فيهما، فهما سواء، قال: قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما و الله سواء إن شئت سبحت و إن شئت قرأت»

و فيه أنه لا دلالة في الخبر الأول على ذلك، و أما الخبر الثاني فلعل المراد بالذكر فيه التسبيح بقرينة آخر كلامه، بل لعل المراد به و بالتسبيح الإشارة إلى التسبيحات الأربع المعهود، أو إلى ما ورد في النصوص من التسبيح، فلا يكون حينئذ فيه دلالة على الاجتزاء بمطلق الذكر حتى ينسب إلى الشيخ من جهة ذكره لهما، بل لعل نسبته إلى المصنف و ابن طاوس أيضا على غير وجهها، إذ لم يذكر


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 41

فيما حكي عن معتبره سوى أنه نقل القول بالأربع و التسع و العشر و الاثنى عشر، و أورد صحيحتي زرارة في الأولين و صحيحتي الحلبي في التسبيحات الثلاث، و روايتي علي و عبيد المتقدمتين، ثم قال: «و الوجه عندي هو القول بالجواز في الكل، إذ لا ترجيح و إن كانت رواية الأربع أولى و ما ذكره في النهاية من الاثنى عشر أحوط لكنه ليس بلازم» و في الذكرى عن البشرى الميل إلى ذلك، و هو مع حكمه بأولوية رواية الأربع ليس في كلامه تعرض لمطلق الذكر بل و لا مطلق التسبيح، على أن المنقول عن البشرى الميل و هو غير القول، و لعله لذلك مع تخيل ظهور الخبرين في إجزاء مطلق الذكر و التسبيح قال في المحكي عن المهذب البارع: إن هاتين الروايتين لم يقل بمضمونهما أحد من الأصحاب، و عن عيون المسائل نحو ذلك مع زيادة احتمال إرادة التسبيحات الأربع منهما جمعا بينهما و بين غيرهما، فلم يتحقق حينئذ قول على البت بذلك، نعم قال المجلسي فيما حكي من بحاره: و الذي يظهر لي من مجموع الأخبار جواز الاكتفاء بمطلق الذكر، و لم يحضرني مصرح بذلك سواه و إن احتمله جماعة من المتأخرين كما اعترف به بعض المتبحرين، هذا ما وقفنا عليه من أقوال الأصحاب، نعم لو ضم مع ذلك القول بالتخيير بين الأربع و العشر و الاثنى عشر و التسع كما هو ظاهر الشهيدين في اللمعة و الروضة، أو بين الأول و الثاني كما عن المفيد، أو بين الثلاثة الأول كما سمعته عن ظاهر الروض، أو بين الأول و الرابع خاصة كما سمعته عن المجمع، أو بين الأول و الثاني (1)كانت خمسة عشر، و وجه الجميع يعلم مما قدمناه.

كما أنه عرف مما تقدم من صحيح عبيد(2)الوجه في المحكي عن البهائي و صاحب


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« الثالث» لأنه ذكر التخيير بين الأول و الثاني عن المفيد فلا بد أن يكون هذا تخييرا بين الأول و الثالث.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 42

المعالم و ولده من ضم الاستغفار إلى التسبيحات الأربع، بل لعله هو المراد من الدعاء في صحيحة زرارة(1)لا التحميد، لعدم كونه منه، مع احتماله لما في

خبر الفضل (2)، قلت للصادق (عليه السلام): «جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي: احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك»

لكن الإنصاف أن الأولى إرادة الاستغفار الذي قد جاء فيه أنه أفضل الدعاء منه، فيحمل حينئذ إطلاقه في الصحيحة المزبورة على التقييد بالاستغفار في الصحيح السابق، بل لعل تعليل إجزاء الفاتحة بأنها تحميد و دعاء مشعر بأن الدعاء هو المطلوب، و أن الفاتحة إنما تجزي لاشتمالها عليه و إن كان فيه إشعار بعدم تخصيص الاستغفار بذلك، لكن على كل حال فالقول بالوجوب- بعد خلو الفتاوى و النصوص الواردة في مقام البيان عنه عدا ما عرفت، بل ادعي الإجماع على إجزاء تكرير الأربع ثلاثا، و لذا ذكر المصنف و غيره الاحتياط فيه، للقطع بالبراءة معه- لا يخلو من إشكال بل منع، و لعل ما في المنتهى من أن الأقرب عدم وجوبه ليس لوجود قائل بالوجوب بل للصحيح المزبور.

نعم لا بأس بالقول باستحبابه كما عن المجلسي التصريح به، بل عن الحديقة أفضلية تكريره مع تكرير التسبيح بعد أن احتاط بضمه مرة، و عن الماجدية «لو ضم الاستغفار كان حسنا، و تكرير الجميع ثلاثا أحسن» و الظاهر إرادة ضمه مع الأربع تسبيحات لا إذا جعل بدلا عن الساقط كما هو ظاهر الرواية(3)و سمعت عن بعض متأخري المتأخرين الميل إلى الاجتزاء به.

و كيف كان فالظاهر إرادة الوجوب التخييري من القول به بين الأربع فما زاد كما صرح به بعضهم، بل نسبه في الروضة إلى ظاهر النص و الفتوى، لأن الواجب


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الركوع- الحديث 2 لكن رواه عن المفضل.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 43

الأربع و الزائد مستحب كما ينسب إلى الفاضل في سائر كتبه الأصولية و الفقهية و إن كان هو صريح البعض و ظاهر الآخر، بل عن كشف الرموز موافقته أيضا، للأصل المقطوع بظاهر الأمر و غيره، و لدعوى انسياقه من مجموع خطابات المقام الممنوعة على مدعيها، خصوصا مع التعبير في بعضها عن الواحدة بلفظ الاجزاء المشعر بأنه أقل الافراد، و أنه هناك فرد آخر أعلى منه، بل هو صريح بعض الأخبار السابقة، و خصوصا مع مزج الواحدة و الثلاث بأمر واحد، لا أنه أمر بها مستقلة و بالزائد عليها مستقلا كي يتجه دعوى ذلك فيه، و لعدم معقولية التخيير بين الأقل و الأكثر عقلا و لأن الواجب ما لا يجوز تركه لا إلى بدل، فيجب حمل جميع ما أوهمه على وجوب الأقل و استحباب الأكثر كما في المنزوحات و غيرها.

إذ فيه أن الممنوع من التخيير بين الأقل و الأكثر إذا فرض حصول الامتثال بالأقل و لو في ضمن الأكثر، أما إذا لم يحصل الامتثال به إلا حال عدم كونه جزء الأكثر فلا امتناع، ضرورة صيرورة الأقل حينئذ بوصف الأقلية مقابلا للأكثر بل لا يتحقق في ضمنه أبدا، إذ الذي هو جزؤه ذات الأقل لا هو مع وصفه، لعدم معقولية اجتماع الضدين و المتقابلين، فلا داعي حينئذ إلى ارتكاب التجوز بحمل الأمر بالأكثر كالتكرار ثلاثا و نحوه على القدر المشترك بين الواجب و المستحب، و ليس هو تركا لا إلى بدل، إذ الأقل ملاحظا فيه وصف الأقلية بدل عن الأكثر الملاحظ فيه وصف الأكثرية، فكل منهما حينئذ فرد لحصول ماهية التسبيح على التبادل و منع الجمع بل يقوى في النظر عدم مدخلية القصد في ذلك، لأن تشخصهما بما ذكرناه أمر خارجي لا يحتاج معه إلى القصد، بل و لا يؤثر معه، فلو جاء بالأقل مثلا بقصد أنه جزء من الأكثر فعدل و أراد الاقتصار عليه أجزأ، كما أنه لو جاء به بقصد الامتثال به ثم عدل عنه إلى الأكثر و جاء به أجزأ أيضا، لصدق امتثال الأمر بالأربع مثلا، أو بالاثني

ج 10، ص: 44

عشر في كل من الفرضين، و عدم تشخص المقصود بالقصد المزبور بحيث يخرج عن قابلية الجزئية أو الاستقلال، ضرورة صدق الاثنى عشر على العدد المزبور و إن كان قد قصد بالأربعة الأول منه الاقتصار عليها فعدل عنه، كصدق الأربعة على التي قصد بها أنه جزء الاثنى عشر فعدل عنه، و لا تكون بذلك جزء له و إن لم يأت به كما هو واضح، خصوصا لو لوحظ في المركبات الحسية من السرير و الباب و نحوهما، و ليس هو من الأمرين الذين قصد امتثال أحدهما و وقع فلا يعدل منه إلى غيره، بل هو أمر واحد و هما فردان له، فلا يقاس على الأفعال المشتركة المأمور بكل واحد منها التي لا تتشخص إلا بالنية، لوضوح الفرق بينهما من وجوه، كوجود المشخص الخارجي و اتحاد الأمر و غير ذلك.

بل لا فرق في النظر الدقيق فيما ذكرنا بين قصد العدول و عدمه، و لا بين الشروع في الزيادة على الواحدة مثلا ثم عدل و عدمه، و لا بين إكمالها ستة ثم عدل و عدمه لاشتراك الجميع في الوجه الذي ذكرناه من صدق الامتثال و حصول المشخص الخارجي القهري، فلو فرض قصده الاثنى عشر و ركع على الأربع مثلا سهوا كان امتثاله بها أو قصد الأربع فسها و جاء بالاثني عشر، و هذا القصد لا ينافي النية الإجمالية المصححة لما وقع منه، نعم لو نوى العدم بأن قصد الذكر المطلق الخارج عن الصلاة أو نحو ذلك اتجه عدم تحقق الامتثال به، و كذا لو عدل بعد الستة مثلا، و لا يرد خروجه عن صدق الأربعة و الاثنى عشر حينئذ، لأن المراد بتخيره بين الأربع و الاثنى عشر أنه يمتثل بالفرد الأدنى ما لم يندرج في الفرد العالي كما هو ظاهر المقابلة بينهما، لا أن المراد أربعة معتبر فيها نيتها لا غير كي ينافيها الفرض المزبور، و الزائد حينئذ الذي جي ء به بقصد الإدراج تحت الفرد الآخر ثم عدل عنه وقع لغوا بالنسبة إلى الامتثال، لعدم ثبوته في الشرع فردا للمأمور به، بل ظاهر التخيير في الأدلة بين الفردين مثلا عدمه، و حينئذ

ج 10، ص: 45

فالامتثال بالأربع ما لم يأت بالاثني عشر، و لا تقدح الزيادة المزبورة بعد فرض كونها ذكرا و وقعت بقصد المقدمية للفرد الآخر و لم يحصل.

و قد بان من جميع ذلك أنه إذا جاء المكلف بالأربع مثلا لا يحكم عليه بالامتثال بها و إن قصده بها إلى أن يركع و لم يأت بالاثني عشر، لاحتمال عدوله مثلا، و بالجملة امتثاله بما يعلم الله وقوعه منه من الأربع أو الاثنى عشر و إن كان هو لا ينكشف لنا و لا له إلا بعد ركوعه، و دعوى أن المتخير بين القصر و الإتمام لو قصد الإتمام فسلم ساهيا على الركعتين و جاء بما ينافي الصلاة من حدث و نحوه لم يمتثل و وجب عليه استئناف الصلاة يمكن منعها، إلا أن تستند إلى دليل خاص أو نحوه، إذ الظاهر اتحاد المقامين فيما ذكرنا، كما أنه لا معنى بعد ما سمعت للاعتراض بأنه لا وجه للامتثال بالزائد بعد حصوله منه بالأربعة الأولى، لما عرفت أن حصوله بها مطلقا غير معلوم، بل هو كذلك إن اتفق أنه اقتصر عليها، و لقد أطنب صاحب الحدائق في المقام حتى قال: إن كلام الأصحاب في المقام غير محرر بعد أن نقل جملة منه، و جعل التحقيق عنده دوران الأمر مدار القصد و عدمه في تشخيص الفردين، و أنه إن أراد من تعرض للمسألة من الأصحاب ذلك فمرحبا بالوفاق، و إلا كان خارجا عن الصواب، و ظني و الله أعلم أن المراد ما سمعت، و أنه لا مدخلية للقصد فيه كما هو مقتضى إطلاق الأدلة، و ليس الخروج عن شبهة التخيير بين الأقل و الأكثر موقوفا على ذلك كما أوضحناه، فلاحظ و تأمل.

و لو لا مخالفة الاطناب لذكرنا جميع ذلك، و دللنا على مواضع النظر من كلامه، خصوصا ما ذكره في السؤال الأول بل و الثالث الذي هو وجوب المضي و الإيقاع على الوجه المأمور به من الطمأنينة و نحوها فيما شرع فيه من الزائد على الأربع و عدمه، و تحقيق القول فيه بناء على المختار عدم وجوب المضي فيه عليه، إذ له الاقتصار و الركوع

ج 10، ص: 46

فيكون امتثاله بالفرد الأول، و أما مراعاة الطمأنينة و نحوها فلا مدخلية لها فيما نحن فيه إذ إن كان لم يجز فللتشريع بناء على النهي عنه في الصلاة، ضرورة قصده بما يذكره من الزائد الجزئية للصلاة، و الفرض وجوب الطمأنينة مثلا فيه، فايقاعه بدون ذلك تشريع محرم كسائر الأجزاء التي اعتبر فيها بعض الأحوال، و لو قلنا باقتضاء ذلك فساد خصوص الجزء لا الصلاة اتجه الصحة و الاجتزاء بالأربعة الأول الجامعة للشرائط فالقول بوجوبه مطلقا أو التفصيل بين قصده الامتثال به فيجب، أو الأقل فلا يجب مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، مع احتمال المناقشة في الأول بأن له العدول، و دعوى قصر جوازه فيما إذا لم يشرع بالزيادة على الفرد الأول ممنوعة على مدعيها، لعدم الشاهد لها إلا احتمال أن الفرد الأول قد صار جزء بالقصد و النية، فلا يصلح لإرادة الامتثال به، و هو- مع أن المتجه بناء عليه عدم الفرق بين الشروع في الزيادة و عدمه أولا، و لا يمنع أصل العدول و إن استأنف الفرد الأدنى بقصد الامتثال به ثانيا- في غاية الضعف، ضرورة عدم صيرورة مثله جزءا بمجرد النية مع فرض حصول مشخص خارجي له أخرجه عن الجزئية إلى الاستقلال، و هو الاقتصار عليه، و مجرد صلوحه للجزئية بتمام الاثنى عشر لا يحقق فيه وصف الجزئية فعلا قبل حصول مسمى الكل الذي هو جزؤه، بل هو أشبه شي ء بالجزء من المركب الحسي، كالخل بالنسبة إلى الاسكنجبين و بعض أجزاء السرير و نحوهما مما يقطع فيها بعدم تحقق معنى الجزئية فيها بمجرد النية حتى لو عدل إلى مركب آخر، و إطلاق لفظ الجزء عليه منفردا على ضرب من المجاز كما هو محرر في محله، و دعوى الفرق بين ما نحن فيه و بين المركبات الحسية الخارجية بأن تلك لها صورة خارجية تميز بينها من غير حاجة إلى القصد بل لا مدخلية للقصد فيها بخلاف الأفعال التي لا تتشخص إلا بالنية يدفعها وضوح أن المقام من قبيلها، ضرورة حصول وصف الأربعة و الاثنى عشر في الخارج

ج 10، ص: 47

بحيث لا يحتاج إلى القصد فيه، بل لا مدخلية للقصد فيهما، بخلاف الأفعال المشتركة بين صنفين، و لا مخصص لما يقع منهما بأحدهما إلا النية كالأربع ركعات بالنسبة إلى الظهر أو العصر، فتأمل جيدا.

و في الثاني انه مع فرض قصد الامتثال بالأقل و حصوله به كما هو مختار المفصل قد يمنع جواز الزيادة للتشريع، إذ لا دليل على الاستحباب بالخصوص، و الإتيان بها بعنوان الذكر المطلق غير مفروض البحث، و لا أظنك بعد ذلك كله تحتاج إلى ما يفيد المقام وضوحا حتى بالنسبة إلى الفرق بينه و بين المسح بالرأس في الوضوء الذي ذكرنا فيه هناك أيضا البحث بنحو المقام، و إن تعرض بعضهم له هنا بأن التخيير في المقام المزبور ينشأ من جهة تعدد أفراد المسح، و في المقام من جهة الجمع بين الأدلة، فقد يقال هناك حينئذ بعدمه، و أن الزائد على مسمى المسح مستحب صرف، بخلاف المقام الذي قد عرفت أن الجمع بين الأدلة يقتضي ذلك فيه، و لعله لذا حكي عن بعضهم الاستحباب هناك و الوجوب التخييري هنا، و لا ينافيه إطلاق اسم المستحب عليه أو الأفضل أو نحوهما، ضرورة إرادة أفضلية الأفراد منه كما في سائر الواجبات التخييرية، على أنه قد يقال بحصول معنى الاستحباب المتعارف فيه أيضا، لجواز تركه لا إلى بدل يقوم مقامه من حيث الفضل و الاستحباب و إن كان له بدل من حيث الوجوب، أقصاه اجتماع الوجوب و الاستحباب للجهتين، و لا ضرر فيه، انما الممنوع مع اتحاد الجهة أو ما هو بمنزلة اتحادها.

و الظاهر وجوب الترتيب في التسبيحات الأربع وفاقا للمشهور بل الجميع إلا الشاذ، للاحتياط، و لظهور الأمر بقوله فيه، ضرورة جزئية الصورة من المركب، و الواو فيه لعطف أجزاء المقول بعضها على بعض لا للعطف على الأول بتقدير الأمر بالقول فيه كالأول كي يقال إن الواو فيه لمطلق الجمع، فما عن الإسكافي و المصنف في

ج 10، ص: 48

المعتبر من القول بعدم وجوبه للأصل في غاية الضعف، نعم قد يقال بناء على التخيير بين ما تضمنته النصوص التي منها صحيح الحلبي (1)الظاهر في فوات الترتيب في بعض الفصول يتجه عدمه في خصوص ذلك، و ربما أراد ذلك القائل بعدم وجوب الترتيب لا نفيه أصلا، مع أنه قد يقوى عدمه أيضا ترجيحا لغيرها عليه بالنسبة إلى ذلك، فيحمل على بيان الإشارة في الجملة إلى التسبيح المعروف التأليف لا أن المراد منه بيان كيفية أخرى للتسبيح، فتأمل جيدا.

و كذا الظاهر بقاء التخيير بين التسبيح و القراءة و إن شرع في أحدهما و لم يتمه لا للإطلاق، لإمكان دعوى ظهوره في الابتداء، بل للاستصحاب الذي لا يعارضه إطلاق النهي عن الزيادة في الصلاة لخصوصه، فيحكم عليه، إذ الخاص و إن كان استصحابا يحكم على العام و إن كان كتابا، مع أنه قد يقال بعدم شمول النهي المزبور لمثل المقام أو يشك فيه، ضرورة ظهوره في القصد إلى الزيادة و العمد إليها حتى يكون تشريعا محرما، أما إذا جي ء به مقدمة لتحصيل مسمى الجزء المأمور به فعدل عنه قبل تحقق الامتثال به فليس زيادة منهيا عنها و لا تشريع، لوقوعه منه بقصد المقدمية، و ليس ما أوقعه قبل الإتمام كان مأمورا به بالخصوص كي يقال: إنه تحقق الامتثال فلا معنى للعدول عنه، لأن من الواضح عدم أمر أصلي بكل حرف من حروف الفاتحة مثلا، بل يفعلها المكلف تحصيلا لمسمى الفاتحة، و بعد تمامها تكون جزءا من المأمور به لا قبله، و لا ما إذا عدل عنه بحيث انتفى اسم ذلك المركب، إذ أجزاء المركب من حيث التركيب لا تقوم بنفسها مع انتفاء التركيب، و إطلاق الأجزاء في مثل الحال المزبور على ضرب من التجوز، و حينئذ لا يختص جواز العدول و إبطال ما شرع فيه من الجزء بالمقام،


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 49

بل له ذلك أيضا في التشهد و في قراءة الفاتحة في الأولتين و غير هما، و لعله عليه بنى من قال ببطلان القراءة خاصة إذا فوت الموالاة عمدا بقراءة شي ء بينها أو بسكوت كما أشرنا إليه سابقا في المباحث المتقدمة.

نعم قد يقال باعتبار بطلان ما شرع فيه من الجزء و خروجه عن صلاحية المقدمية و القابلية للامتثال بالإتمام في جواز الاستئناف، لسقوط الأمر المقدمي به، و نية استقبال غيره لا تكفي في إبطاله، ضرورة عدم خروجه بذلك عن القابلية، و لذا لو أراد العدول اليه بعد النية المزبورة صح، اللهم إلا أن يقال إن الصلاحية المزبورة لا تنافي استئناف مقدمة أخرى بها تصدق أيضا قراءة الفاتحة و إن كان بحيث لو أتممت الأولى لصدق ذلك أيضا، فحينئذ له الاستئناف و إن لم يخرج ما وقع منه عن القابلية، لكن الإنصاف أن ذلك كله لا يخلو من بحث و إن كان له شواهد كثيرة فيما سبق من المباحث، فبناء ما نحن فيه على ما ذكرناه أولا أولى، و لا ينافيه ما في الذكرى من حرمة إبطال العمل لإمكان منع عمومها خصوصا لنحو المقام.

و لو قصد التسبيح مثلا فغلط و سبق لسانه إلى الفاتحة فالظاهر عدم الاجتزاء به لفقد النية الإجمالية و التفصيلية، ضرورة كون الواقع منه مقصودا عدمه، نعم لو كان قد فعل ذلك سهوا صح بالنية الإجمالية و إن كان من عادته خلاف ما وقع منه، بل و إن كان عازما قبل على غيره، لعدم منافاة العزم المزبور لذلك، بل الظاهر الصحة حتى لو كان قد لاحظ أحدهما في أصل نية الصلاة عند التكبيرة فسها و وقع منه غيره، إذ الظاهر أن نية ذلك لا تشخص خطاب الصلاة به، فبمجرد نيتها على ما شرعت عليه يتوجه إليه الأمر بأحدهما، و فيه بحث أومأنا إليه في الأبحاث السابقة، فالاحتياط لا ينبغي تركه.

و على كل حال فالظاهر عدم اعتبار اتفاق الركعتين فيما يختاره من الفردين

ج 10، ص: 50

للإطلاق، بل لعل في بعض الأخبار(1)إشعارا به بالخصوص كما اعترف به في الذكرى فله حينئذ القراءة في ركعة و التسبيح في أخرى، و الله أعلم.

[المسألة السادسة من قرأ سورة من سور العزائم في النوافل]

المسألة السادسة من قرأ سورة من سور العزائم في النوافل جاز بلا خلاف بل النصوص (2)بالخصوص منطوقا و مفهوما دالة عليه كالإجماع بقسميه، نعم يجب أن يسجد في موضع السجود كما صرح به بعضهم، بل لعل هو مراد من صرح به من غير ذكر للوجوب، إذ الظاهر أنه متى جاز وجب، لإطلاق أدلة فوريته السالم عن المعارض بعد عدم ثبوت منافاته للنافلة أو ثبوت عدمها، و من هنا أمكن تعميم المقام السجدة الشكر و نحوها كما يومي اليه ما في جامع المقاصد و غيره، و ل خبر علي بن جعفر(3)المروي عن كتاب مسائله لأخيه المتقدم سابقا في قراءة العزائم، فإنه صريح في النافلة، و ل صحيح الحلبي (4)و موثق سماعة(5)المضمر المحمولين على النافلة بالقرينة،

قال في أولهما: سئل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع و يسجد»

و

قال في ثانيهما: «من قرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع»

خلافا للمحكي عن الخلاف فجوز له السجود و عدمه، و لا ريب في ضعفه كضعف المحكي عنه أيضا في غيره من الاجتزاء بالركوع عنه، ل

قول علي (عليه السلام) في خبر وهب بن وهب(6): «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها»

إذ هو مع أن الراوي في غاية الضعف ظاهر في إرادة الاجتزاء عن استئناف قراءة أخرى بعد السجدة كما ستسمع


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 37 و 39 و 40- من أبواب القراءة في الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 51

استحبابه لا فيما ذكره، إذ المحكي عن جميع النسخ الباء لا اللام، لا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال و كذا الحكم إن قرأ غيره و هو يستمع بل و إن سمع بناء على وجوبها به كالاستماع، لما عرفت و للإجماع على الظاهر على عدم الفرق بينه و بين القراءة، بل لعل ظاهر النصوص (1)ذلك و أن حكمه في غير النافلة كحكمه فيها.

و على كل حال إن لم تكن السجدة في آخر السورة يسجد ثم ينهض و يقرأ ما تخلف منها و يركع لأصالة عدم شي ء آخر غير ذلك و إن كان السجود في آخرها استحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة و للخبرين السابقين (2)و في المبسوط أو سورة أخرى أو آية و لعله لعموم التعليل الوارد في النافلة التي جي ء بقراءتها جالسا و الأولى الأول، و لو نسي السجدة فعلها إذا ذكر، لأن

محمد بن مسلم (3)سأل أحدهما في الصحيح «عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع و يسجد قال: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم».

[المسألة السابعة المعوذتان من القرآن، و يجوز أن تقرأهما في الصلاة]

المسألة السابعة المعوذتان من القرآن، و يجوز أن تقرأهما في الصلاة فرضها و نفلها نصا و إجماعا لا يقدح فيه خلاف ابن مسعود بعد انقراضه و تصريح الصادق (عليه السلام)(4)بخطئه أو كذبه، و أنه فعل ذلك من رأيه الذي لا ينبغي اتباعه فيه.

[المسألة الثامنة وجوب تعيين السورة قبل الشروع في البسملة]

المسألة الثامنة الأكثر كما عن البحار بل في الحدائق أنه المشهور بين الأصحاب على وجوب تعيين السورة بعد الحمد قبل الشروع في البسملة المشتركة بين السور المتعددة فلا تتعين جزء من السورة الخاصة إلا بنيتها على حسب غيرها من المشتركات بين القرآن


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 و هما صحيح الحلبي و موثق سماعة المتقدمان ص 50.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.

ج 10، ص: 52

و غيره، و بين القصيدة المخصوصة و غيرها، و إلا لزم الترجيح بلا مرجح، أولا تكون بعضا من سورة أصلا، و تبطل الصلاة حينئذ بناء على وجوب السورة الكاملة، و على ذلك بنوا حرمة مس كتابة المشترك بين القرآن و غيره مع فرض قصد الكاتب الأول و حرمة قراءة البسملة بقصد العزيمة في الصلاة، و على الجنب و غير ذلك من الفروع المبتنية على هذا الأصل.

و ناقشهم الأردبيلي فيه هنا و تبعه جماعة ممن تأخر عنه بأن نية الصلاة يكفي لأجزائها اتفاقا و لو فعلت مع الغفلة و الذهول، و يكفيه قصد فعلها في الجملة، و اتباع البسملة بالسورة تعيين كونها جزءا لها، و ذلك كاف مع عدم تسليم اشتراط ذلك التعين قبل القراءة، إلى أن قال: على أنه منقوض بالمشتركات الكثيرة مثل التخيير بين التسبيحات و الفاتحة، بل قراءة الفاتحة فإنها تحتمل وجوها غير قراءة الصلاة، و كذا السورة و التسبيحات بل جميع الأفعال، و يؤيده عدم وجوب تعيين القصر و الإتمام في مواضع التخيير، و عدم تعيين الواجب من الذكر مع التعدد و احتمال كل واحدة الواجبة لا الأولى فقط كما قيل.

و فيه أن من الواضح عدم مدخلية النية الإجمالية للصلاة في ذلك، ضرورة أنها تؤثر الاستغناء عن التعرض لنية القربة و الجزئية في كل جزء جزء إما للعسر و الحرج أو لأن المدار في نية المركبات على ذلك، حتى أنه يعد بسبب النية في الأول أن كل جزء منه منوي، أو لغير ذلك مما هو مذكور في محله، و هذا لا يؤثر في المقام، لأن المقصود تعيين السورة التي يراد البسملة لها حتى تكون بعضها و تتم السورة، و لا مدخلية لنية الصلاة فيه قطعا، و ما ذكره من النقض خارج عن البحث، للفرق الواضح بينهما بتأثير النية الإجمالية فيه دونه، و القصر و الإتمام ليسا من مقومات العمل، بل أي فرد جاء به المكلف أجزأ، و ستسمع البحث إن شاء الله في أذكار الركوع، كما أنه تقدمت

ج 10، ص: 53

الإشارة إلى شي ء منه في تكبيرة الإحرام، و اتباع البسملة بالسورة المتعينة في نفسها لا يقضي بتشخيص كون البسملة منها، إذ المتشخص يجدي في إثبات نفسه لا المشترك السابق عليه، و الحكم ظاهرا بكونه قاصدا بسملة هذه السورة تبعا لظاهر فعله غير مجد، لأن البحث عن الواقع بعد العلم به، اللهم إلا أن يريد بما ذكره من الاتباع المزبور أولا الإشارة إلى منع تشخيص نحو هذا الاشتراك بالنية، بل هي انما تعين المشترك في الدلالة، إذ بدونها يمتنع عقلا إرادة خصوص المعنى من اللفظ، أما مثل هذا الاشتراك فتعيينه انما يحصل باتباعه بما يقضي أنه منه، و إلا فبدون ذلك يصدق عليه أنه بعض من جميع ما اشترك فيه حتى لو قصد بعضيته من خاص، ضرورة الصدق العرفي على البسملة التي لم يقصد بها سورة خاصة، أو قصد أنها بعض و جزء من كل سورة كالبيت المشترك بين قصائد متعددة، لأن المراد بصدق الجزء قبل حصول تمام المركب قابلية تأليف المركب منه مع باقي أجزائه، و إلا فليس هو جزء فعلا كما في سائر المركبات الحسية و غيرها، على أنه لا فرق بحسب الظاهر بين المقام و بين الكتابة بقصد سورة خاصة ثم عدل عنها إلى سورة أخرى، فإنه لا ريب في صدق اسم كتابة السورة الخاصة عليه، و منع الصدق كمنع عدم الفرق مكابرة واضحة، بل الظاهر عدم الفرق أيضا بينه و بين المركبات الحسية التي من المعلوم فيها صدق أسمائها على المؤلف و إن كان قد قصد ببعض أجزائها المشتركة بينها و بين غيرها غير المركب المفروض، و الصورة الخارجية لا تصلح فارقا بعد أن كان ما نحن فيه أيضا له صورة ذهنية كما يظهر بأدنى تأمل بعد قطع النظر عما شاع على الألسنة من أن المشترك يتعين بالنية، مع أنه لم يعلم كون المراد بالمشترك ما يشمل نحو هذا الاشتراك، و لعله لذلك كله تردد في كشف اللثام في المقصود بها سورة خاصة فضلا عن غيرها، بل عن ظاهر المحكي عن البحار الجزم بعدم صيرورتها جزءا بذلك بحيث لا تصلح لصيرورتها جزء من غيرها، محتجا بالكتابة

ج 10، ص: 54

و ب خبر قرب الاسناد(1)الذي ستسمعه، و بأنه يلزمهم اعتبار النية في باقي الألفاظ المشتركة غيرها، كقول: الحمد لله و غيره، مع أنهم لا يقولون به، و يؤيده أن المراد بقصد كونها من هذه السورة مثل العزم على جعلها جزءا من سورة يشخصها بمشخصها من بين السور، فهو من قبيل التشخيص بالغايات التي من المعلوم عدم صيرورتها به من المشخص كما هو واضح بأدنى تأمل، و ثانيا منع توقف التشخيص عليها، بل قد يحصل بغيرها، و هو الاتباع المزبور للصدق العرفي.

و لعله بذلك ينكشف لك الفرق بين هذا الاشتراك و الاشتراك الدلالي بأن البحث في المقام يرجع إلى تنقيح موضوع سورة، و أنه لا يعتبر فيه قصد البسملة بخلافه هناك، فإن الأمر فيه عقلي، و يزيده وضوحا أنه لو صرح الواضع بأن السورة عبارة عن القطعة من الكلام المفتتح بالبسملة مثلا و إن لم يقصد أنها منه ما كنا لنمنعه عليه، و ليس هكذا المشترك الدلالي، و ربما يومي إلى ذلك كله أو بعضه تصفح بعض كلمات المنكرين، خصوصا ما حكي من شرح الوافية للسيد الصدر حيث جعل سند المنع ذلك محتجا عليه بصدق اسم السورة على الواقعة ممن لا قصد له أصلا، ثم قال: و لو سلم مدخليته أي القصد فلا مانع من قيام غيره مقامه في التشخيص، و هو الاتباع بالمتعين و يؤيد ذلك كله خلو كتب الأساطين من قدماء الأصحاب عنه، و جهل أكثر المتشرعة به، و غلبة عدم خطوره في البال للمتنبهين منهم مع عدم الإعادة للسورة و إن كان قبل الركوع، مضافا إلى ظهور بعض نصوص المعراج كالمروي عن العلل منها في ذلك، و ظهور النصوص الواردة في العدول بسبب ترك الاستفصال فيها و غيره فيه أيضا كما ستسمعها في المسألة التاسعة، بل ربما ادعي ظهور بعضها في المقصود خلافه فضلا عن غيره كالذاهل و الغافل بحيث جرى على لسانه بسملة و سورة من غير قصد، إذ هو كالمقطوع به منها.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 55

و من هنا صرح بعض القائلين باعتبار التعيين بالاجتزاء بذلك، قال في الذكرى:

«متى انتقل أي من سورة إلى أخرى وجب إعادة البسملة تحقيقا للجزئية، و لو بسمل بقصد الإطلاق أو لا بقصد سورة لم يجز بل يجب البسملة عند القصد، أما لو جرى لسانه على بسملة و سورة فالأقرب الإجزاء، ل رواية أبي بصير(1)السالفة، و لصدق الامتثال» و تبعه عليه غيره ممن تأخر عنه كالمحقق الثاني في تعليقه على الإرشاد و غيره فإنه- بعد أن حكى الاتفاق من القائلين بوجوب السورة على وجوب إعادة البسملة لمن قرأها بعد الحمد من غير قصد سورة بعد القصد- قال: و لو جرى على لسانه بسملة و سورة بحيث وجد نفسه في خلال السورة أجزأ على الأقرب للرواية، و ظاهر التعليل الثاني في الذكرى يقضي بثبوت البعضية من غير احتياج إلى نية لا أنه اجتزأ به للرواية و إن لم تحصل البعضية بحيث يحتاج حينئذ إلى تخصيص ما دل على وجوب السورة الكاملة في الصلاة، و من ذلك يعلم حينئذ أن المقام ليس من الاشتراك الذي يحتاج إلى النية، و إلا لم يحصل في الفرض، كما أن الظاهر عدم المنافاة بين ما ذكراه من الاجتزاء في الفرض المزبور و بين الأول الذي صرحا فيه بعدم الاجتزاء، و هو قراءة البسملة لا بقصد سورة، للفرق بينهما بنية الخلاف و عدمها كما أومأ إليه في كشف اللثام، ضرورة أن الخلاف قصد غير السورة المقروة بقصد سورة أخرى مخصوصة غيرها، أو بقصد الإطلاق المنافي للتعيين، أو بتعمد عدم القصد إلى سورة مخصوصة من غير التفات إلى قصد الإطلاق، و حينئذ يمكن تنزيل نحو ما وقع من الفاضل في القواعد و الإرشاد و غيره من الحكم بإعادة البسملة على من لم يقصد سورة على نية الخلاف لا عدم النية، فتكون الصحة حينئذ في صورة جريان اللسان اتفاقية بين الجميع أو غير معروفة الخلاف و إن كان الاستدلال بتوقف تعيين الاشتراك على النية قاضيا بشمول الجميع،


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 10، ص: 56

إلا أنك قد عرفت ما فيه، بل ذلك كله مماشاة، و إلا فقد عرفت قوة الاجتزاء حال قصد الإطلاق أو عدم قصد سورة مخصوصة، بل قد سمعت احتمال الاجتزاء مع قصد السورة المخصوصة ثم عدل فضلا عن غيره.

كما أنه يمكن القول بناء على اعتبار القصد في التعيين بأنه يكفي التعيين الإجمالي المقتضي تعينا في الواقع و إن لم يعلمه المكلف بخصوصه، كما لو قصد بالبسملة أنها جزء من السورة التي يوقعها الله في خلده للصلاة، و ينكشف ذلك حينئذ بما يقع منه بعد البسملة، إذ لا ريب في ارتفاع الاشتراك بذلك، و صيرورته من المتشخص في نفسه، و لذا صرح غير واحد بعدم وجوب قصد البسملة للحمد و للسورة المتعينة بنذر و شبهه، أو بعدم معرفته غيرها، أو بضيق الوقت إلا عنها، أو بغير ذلك من المعينات، إذ الظاهر أن وجه السقوط في ذلك عدم الاشتراك في التكليف، فتكفي حينئذ نية الصلاة الإجمالية الأولية في تعيين البسملة جزءا من الفاتحة أو السورة، ضرورة تشاغله بالمكلف به منها المفروض انحصاره في ذلك، فلا يقدح ذهوله و غفلته، فينحل في الحقيقة إلى نية التعيين، و إلا فنفس تشخص المكلف به في نفسه لا يرفع أصل الاشتراك، و هذا بعينه يمكن تقريره في الفرض المزبور أيضا، بل يمكن دعوى عدم انفكاك المكلف عن هذا القصد الإجمالي المتضمن لقصد كون البسملة جزءا مما يقع منه من السورة و إن كان لا يعلم هو خصوص ما يقع منه، إلا أنه متعين في نفسه و معلوم عند الله، فهو حينئذ كما لو قصد جزئية البسملة من السورة الموصوفة بكذا و فرض عدم انطباق الوصف إلا على سورة مخصوصة، و عدم استحضاره ما ينطبق عليه الوصف من السور كعدم استحضاره أصل القصد في حال الغفلة و الذهول غير قادحين، إذ الاستحضار أمر زائد على القصد المشخص، فتأمل جيدا.

ج 10، ص: 57

و قد يعلم من التأمل في ذلك الحكم فيما فرعوه هنا بناء على اعتبار التعيين من الاكتفاء بالعادة، و بالعزم السابق على الشروع في الصلاة أو بعده قبل القراءة أو بعدها قبل الفراغ من الفاتحة، أو يعتبر خصوص القصد المقارن، حتى أن المحقق الثاني (رحمه الله) توقف في ذلك، و قال: إني لا أعلم شيئا يقتضي الاكتفاء أو عدمه بأن يقال: إن كانت العادة أو العزم أورثا داعيا في النفس ينبعث عنه الفعل اتجهت الصحة و إلا فلا، ضرورة حصول القصد في الأول و إن لم يعلم بحضوره، بخلافه في الثاني لمساواته من لم تكن له عادة أو عزم أصلا، نعم يندرجان في صورة جريان اللسان مع فرض عدم تجدد قصد آخر لهما، و قد عرفت الحال فيها، و الله أعلم.

المسألة التاسعة [جواز العدول من سورة إلى أخرى]

لا خلاف أجده بين الأصحاب في جواز العدول من سورة إلى أخرى في الجملة، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص معنى فيه أيضا، فقد

قال عمرو بن أبي نصر(1)للصادق (عليه السلام) في الصحيح: «الرجل يقوم في الصلاة يريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون فقال: يرجع من كل سورة إلا قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون»

و

قال له (عليه السلام) الحلبي أيضا في الصحيح (2)أيضا: «رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد قال: لا بأس، و من افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قل هو الله أحد لا يرجع منها إلى غيرها، و كذلك قل يا أيها الكافرون»

و

سأله (ع) أيضا عبيد بن زرارة(3)في الموثق «عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى فقال: فليرجع إلى السورة الأولى إلا أن يقرأ بقل هو الله أحد- و قال له (ع) أيضا-: رجل صلى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 التهذيب ج 3- ص 242 من طبعة النجف.

ج 10، ص: 58

يعود إلى سورة الجمعة»

و

قال له (ع) أيضا في الموثق (1)«في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها فقال: له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها»

و

قال هو (ع) أيضا للحلبي في الصحيح (2)من غير سبق سؤال: «إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد و أنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها و لا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة و المنافقين»

و

قال محمد بن مسلم لأحدهما (عليهما السلام) في الصحيح (3)أيضا: «في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد قال: يرجع إلى سورة الجمعة»

و

سأل علي بن جعفر أخاه (عليه السلام) في قرب الاسناد(4)و عن كتاب المسائل له أيضا «عن الرجل إذا أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها- و عن كتاب المسائل بعد أن يقرأ نصفها أن رجع إلى آخره- ثم يرجع إلى السورة التي أراد قال: نعم ما لم يكن قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون»

ثم قال (5): «و سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال: سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و إن أخذت في غيرها و إن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها و ارجع إليها»

و

قال عبيد الله بن علي الحلبي و أبو الصباح الكناني و أبو بصير كلهم (6)للصادق (عليه السلام) أيضا في الصحيح: «في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف سورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع قال: يركع و لا يضره»

و فيما حضرني من نسخة الذكرى عن

نوادر البزنطي عن أبي العباس (7)«في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى قال: يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف»

لكن عن

البحار روايتها عن الذكرى مسندة إلى أبي عبد الله (عليه السلام) و عن فقه


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 69- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 69- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 69- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 59

الرضا (عليه السلام)(1)قال العالم (عليه السلام): «لا يجمع بين السورتين في الفريضة»

و

سئل (2)«عن الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثم ينسى فيأخذ في الأخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع قال: لا بأس به»

(3)«و تقرأ في صلاتك كلها يوم الجمعة و ليلة الجمعة سورة الجمعة و المنافقين و سبح اسم ربك الأعلى، و إن نسيتها أو واحدة فلا إعادة عليك، فان ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، و إن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك»

و عن كتاب

دعائم الإسلام (4)روينا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى إلا أن يكون بدأ بقل هو الله أحد فإنه لا يقطعها، و كذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما، و إن بدأ بقل هو الله قطعها و رجع إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في صلاة الجمعة تجزيه خاصة».

كل ذلك مضافا إلى صدق اسم الصلاة مع العدول، فجميع الإطلاقات حينئذ تقضي بالصحة، و إلى استصحاب بقاء التخيير بين السور التي قد عرفت سابقا عدم صلاحية معارضة النهي عن الزيادة له لخصوصه، أو لقصوره عن تناول مثل ذلك مما يفعل بعنوان امتثال الأمر، كما أوضحناه سابقا، و عليه حينئذ لا يختص جواز العدول في المقام، بل هو في كل كلي مخير في أفراده قبل حصول تمام الامتثال، نعم ظاهر النصوص هنا عدم اعتبار خروج ما وقع عن قابلية الامتثال مع الإتمام بفوات الموالاة


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 مع نقصان.
4- 4 المستدرك- الباب- 27- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1 مع نقصان.

ج 10، ص: 60

و نحوها في الشروع بالسورة المعدول إليها، و كأنه لعدم حصول الامتثال بعد، و عدم التنافي بين قابليته و بين وقوع الامتثال بفرد آخر للكلي، و قد يحتمل الاشتراك بدعوى عدم الخطاب فعلا بالسورة، بل يحضر الخطاب بالإتمام أو الإبطال، فيتحقق حينئذ خطاب السورة، و بأنه و إن قلنا: إن خطاب الجزء مقدمي لكن له امتثال أيضا بحسب حاله، فمع فرض صحته لا خطاب بآخر مثله، فهو كالوضوء إذا أراد إبطاله و استئناف فرد آخر أكمل من الأول أو أحوط، و الفرق بينهما بأن الفرض في المقام فرد آخر و في الوضوء تكرير الفرد يدفعه- مع إمكان تغاير الفردين في الوضوء بالكمال أو الاحتياط أو غيرهما- أنه لا فرق بينهما عند التأمل، و بأنه لم يعرض له ما يبطله و يذهب صحته المترتبة عليه بحسب حاله، و نية الإعراض عنه و إبطاله لا تؤثر، و لذا لو عدل و فرض عدم فوات الموالاة أجزأه الإكمال، و بغير ذلك مما لا يخفى بعد ما ذكرنا.

و على كل حال فلا إشكال في جواز العدول في الجملة، إنما البحث في تحديده و محله، و الإجماع بقسميه على جوازه قبل بلوغ النصف، مضافا إلى الأدلة السابقة، كما أن الظاهر تحقق الإجماع أيضا على عدم جوازه بعد تجاوز النصف كما اعترف به في مجمع البرهان، بل في الحدائق أنه حكاه جماعة منهم الشهيد الثاني في الروض أيضا، و بذلك يخرج عن إطلاق النصوص، و من العجيب ما في كشف الأستاذ من جوازه بعد ذلك إلى الثلثين ل موثق عبيد بن زرارة(1)السابق، إذ هو و إن كان متجها بالنظر إلى النصوص لعدم معارض معتد به منها له، مع تأيده بالأصل و غيره مما عرفت، لكن الإجماع الذي سمعت شاهد بخلافه، و كفى به شاهدا.

أما النصف ففي الذكرى عن الأكثر اعتبار عدم بلوغه في جواز العدول، و قد يشهد التتبع بخلافه، و أن الأكثر على اعتبار عدم مجاوزة النصف في جواز العدول،


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 61

و مقتضاه الجواز معه، و الانصاف أنهما معتبران مشهوران، و قد اعترف غير واحد بعدم العثور لهما على نص، قلت: فالمتجه حينئذ الثاني، للأصل و الاستصحاب السابقين و إطلاق الأدلة و غير ذلك مما لا ينبغي الخروج عنه إلا في موضع الدليل، مضافا إلى خبر(1)قرب الاسناد و كتاب المسائل و خبر الدعائم (2)و خبر الذكرى (3)في أقوى الوجهين، بل يمكن استفادته من صحيح الثلاثة(4)و المرسل عن فقه الرضا (عليه السلام)(5)بناء على اعتبار الشرط المزبور في حالي العمد و النسيان بمعنى تعين الخطاب بالسورة في إتمامها مع فرض بلوغ النصف، فلا يجزي قراءة غيرها عمدا أو نسيانا إذا ذكر قبل الركوع، لظهور النهي في المقام و نحوه في إفادة حكمين تكليفي و وضعي غير مقيد بالتكليفي، فحينئذ نفي الضرر في الصحيح المزبور و إن ذكر قبل الركوع دليل على جواز العدول مع بلوغ النصف، و إلا لم يجتز به و إن كان لا إثم من جهة النسيان، و احتمال قصر الحكم عليه خاصة دون العمد كما ترى إن لم نقل إنه خرق للإجماع المركب، و لعله إلى ذلك أومأ الشيخ في استدلاله به للمفيد الذي اعتبر عدم مجاوزة النصف لا بلوغه، فتأمل هذا.

مع أنا لم نعثر على ما يدل على الأول سوى ما عساه يظهر من قوله: «بعد ما قرأت نصف سورة» في الرضوي المتقدم الذي هو ليس بحجة عندنا، و احتمال أن قوله فيه: «و تقرأ» إلى آخره من مقول العالم فتكون رواية مرسلة خلاف الظاهر بل المقطوع به عند التأمل، و سوى إشعار «إن» الوصلية في خبر الذكرى على أحد الوجهين بمعلومية


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 27- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
5- 5 المستدرك- الباب- 28- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 62

التحديد بالنصف في غير مفروض السؤال، و أنه هو يزيد بالرجوع و إن بلغ النصف، لكن مقتضى ذلك التفصيل بين السورة التي أريد غيرها و التي لم يرد غيرها، و لم يعهد من الخصم القول بذلك، نعم قال في الذكرى بعد الخبر المزبور: و هذا حسن، و يحمل كلام الأصحاب و الروايات على من لم يكن مريدا غير هذه السورة، لأنه إذا قرأ غير ما أراده لم يعتد به، و لهذا قال: يرجع، و ظاهره تعين الرجوع، و فيه أنه لا وجه حينئذ للترقي ببلوغ النصف الظاهر في عدم جواز غيره و إن لم تكن السورة مرادة، على أن مورد غيره من النصوص كمورده، و قد اشتمل على النهي عن الرجوع عن السورتين الجحد و الإخلاص، و هو يقضي باعتبار الدخول و إن فرض سبق الإرادة، بل هو نفسه قبل هذا بيسير قد استدل على إجزاء جريان اللسان ببسملة و سورة من غير قصد ب خبر أبي بصير(1)المشتمل على إرادة الغير، بل المستفاد من التأمل في النصوص و العمل بإطلاقها أنه لا فرق في جواز العدول بين أن يكون الدخول في السورة المعدول عنها بقصد أو غيره، و لا بين أن يكون عدوله عنها إلى غيرها مقصودا لذاته بأن يبدو له العدول فيعدل أو لنسيانها فتمادى به إلى أن دخل في غيرها من دون قصد، و لا بين أن يكون السورة المعدول إليها مما سبق قصدها أم لا، و من هنا قلنا سابقا إن هذه النصوص ظاهرة في عدم اشتراط التعيين بالبسملة، بل ربما استظهر من إطلاق بعضها عدم اعتبار قصد الخلاف أيضا، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فقد بان لك أن الأقوى اعتبار مجاوزة النصف في امتناع العدول و من الغريب أنه في الذكرى مال إلى اعتبار النصف بعد أن حكاه عن الأكثر و احتمل إرجاع التعبير بالمجاوزة التي حكاها عن الشيخ خاصة إلى النصف، إذ فيه ما لا يخفى من وجوه، مع أن احتمال العكس أولى كما اعترف به في كشف اللثام.


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.

ج 10، ص: 63

ثم الظاهر إرادة النصف بالنسبة إلى الحروف لا الآيات و الكلمات، نعم لا يبعد اعتبار التخمين في ذلك، لتعذر العلم و اليقين في هذا الحال أو تعسرها مع ظهور التحديد به في النصوص في تفسيره (تيسيره خ ل) بل لا يبعد أيضا عدم تحقق التجاوز بمثل الحرف و الحرفين و نحوهما، و لعل تعبير بعض الأصحاب بالنصف و آخر بتجاوزه مبني على التسامح لا أنه خلاف في المسألة.

و كذا لا يخفى أيضا ظهور النصوص في حرمة الرجوع عن سورتي الجحد و الإخلاص و وجوب المضي فيهما لغير الجمعة و المنافقين في المحل الذي يأتي بمجرد الشروع فيهما و إن كانت بسملة مع قصدها بناء على التعين بالقصد، بل إن لم يمكن تحصيل الإجماع على الحرمة فقد حكاه المرتضى فيما حكي من انتصاره لكن بالنسبة إلى الثانية، بل الظاهر بمقتضى إطلاق النصوص و الفتاوى عدم الفرق بين الصلاة التي يستحبان فيها و بين غيرها، و بين الركعة الأولى و الثانية لكل منهما، و إن كان لولا ذلك لأمكن المناقشة فيه في الجملة.

و على كل حال فخلاف المصنف حينئذ فيه و أنه مكروه لا محرم و ربما تبعه بعض متأخري المتأخرين في غاية الضعف، و استدلاله على ذلك بإطلاق قوله تعالى(1):

«فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ» أضعف من دعواه، كاستدلال من وافقه بعدم حمل الأمر و النهي في النصوص على الوجوب و الحرمة، و نحوه خلافه أيضا في الكتاب فيما يأتي بالنسبة إلى جواز الرجوع منهما إلى الجمعة و المنافقين الذي هو متفق عليه بحسب الظاهر و إن أطلق المنع بعض القدماء، و النصوص صريحة فيه في الثانية التي يستفاد بسبب أولويتها الظاهرة من (ان) الوصلية و غيرها حكمه في الأولى، مضافا إلى دعوى الإجماع المركب، بل


1- 1 سورة المزمل- الآية 20.

ج 10، ص: 64

قد يستفاد أيضا من التشبيه في

قوله (عليه السلام)(1): «و كذا قل يا أيها»

إلى آخره خصوصا و قد علم أن المراد بالغير المذكور في حكم المشبه به و لو من خارج ما عدا الجمعة و المنافقين، فيثبت حينئذ في المشبه بشهادة فهم العرف، لكن قد يمنع بل يدعى إرادة الظاهر في المشبه، فيكون كالعام الذي خص في البعض، و لئن تنزلنا فلا أقل من ثبوت حكم ما بقي من المشبه به في المشبه خاصة، فتختص التخصيصية بالمشبه به و الخصوصية بالمشبه، و على كل حال فتمسك المصنف حينئذ في المنع عن الرجوع منهما بالإطلاق كما ترى، و إن حكي عن المرتضى و ابن الجنيد ما يوافقه أيضا حيث أطلقا المنع كالنصوص بل هو معقد إجماع أولهما، لكن الأقوى الأول لما عرفت، نعم قد يستفاد من الأمر بقطعهما لهذين السورتين دون غيرهما حرمة العدول من السورتين إلى غيرهما، ضرورة أولويتهما من سورتي الجحد و الإخلاص اللتين حرم العدول منهما إلى ما عداهما أو مساواتهما لهما في المصلحة، مضافا إلى التصريح به في خبر الدعائم (2)بل لعل الأمر بالعدول منهما إليهما يعين الأول، و مقتضاه عدم العدول منهما إليهما فضلا عن غيرهما، و إن كان هو بحيث يصل إلى حد الحرمة بالنسبة إلى خصوص سورتي الجحد و الإخلاص لا يخلو من نظر، إذ الأولوية أعم من ذلك، كما أنه لا يخلو منه أيضا بالنسبة إلى غيرهما لإمكان منع الأولوية التي لا تندرج في القياس المحرم، و لخلو النصوص و الفتاوى عن ذلك، بل ربما كان ظاهر الاقتصار في الاستثناء على السورتين خلافه، و احتمال الاتكال في بيان ذلك على الأمر بالعدول من السورتين اللتين قد حرم العدول منهما إلى غيرهما إليهما للأولوية أو للتشبيه يمكن المناقشة فيه، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 27- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 65

و كيف كان فقد أطلق الشيخ و الفاضل الرجوع من السورتين إلى السورتين من غير تقييد ببلوغ النصف أو تجاوزه، بل هو صريح بعض متأخري المتأخرين، لإطلاق الأمر به في النصوص السالم عن المعارض، و لذا قال في مجمع البرهان: «لا أرى دليلا على عدم جواز الرجوع مع تجاوز النصف» قلت: و حينئذ يجوز الرجوع من غيرهما أيضا إليهما، ضرورة أولويته منهما بذلك، مضافا إلى إطلاق بعض النصوص أيضا، إلا أنه أطلق الأصحاب هناك حتى حكموا الإجماع على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف كما عرفت، و تقييده بما إذا لم يكن إلى سورتي الجمعة و المنافقين تمسكا بثبوته في التوحيد و الجحد فيثبت في غيرهما بطريق أولى ليس بأولى من أن يبقى ذلك الإطلاق على حاله، و يقيد جوازه في التوحيد و الجحد بما إذا لم يبلغ النصف أو يتجاوزه، تمسكا بأن ثبوت المنع في الأضعف يقتضي أولويته في الأقوى، و لعله بذلك يرجح كونه وجها للجمع بين

قول الصادق (عليه السلام)(1)حين سئل عن رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ قل هو الله أحد: «يتمها ركعتين ثم يستأنف»

و بين إطلاق ما دل على جواز العدول بحمل الأولى على ما إذا بلغ النصف أو تجاوزه، و الثانية على ما ليس كذلك على غيره من الوجوه كالتخيير و نحوه، خصوصا مع ملاحظة الرضوي بناء على اعتباره و مع معلومية عدم جواز العدول من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة، فيجعل حينئذ ذلك منها، خصوصا إذا كان قراءته للتوحيد مثلا ناسيا، فان الفاضل في المحكي عن مختلفة نقل عن أكثر العلماء جواز الرجوع بالنية، كما أنه نقل عن الفقيه و المقنع و الإصباح و جامع الشرائع ذلك أيضا إذا قرأ نصف سورة، فما عن العجلي من المنع للنهي عن إبطال العمل ضعيف كدليله، بل قد يدعى أن المعلوم من جميع النصوص و الفتاوى أن التحديد بالنصف مثلا للرجوع حيث يجوز و لو في مقام خاص من غير تخصيص بسورة


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 66

و كأنه لذلك كله قيد بعضهم العدول منهما بالنصف، بل في الحدائق أنه المشهور، و آخر بما إذا تجاوز النصف، بل عن البحار نسبته إلى الأكثر على حسب ما تقدم في الانتقال من غيرهما، و الانصاف بعد ذلك كله ان المقام مقام تأمل كما أنه كذلك بالنسبة إلى اشتراط جواز العدول من السورتين بما إذا دخل فيهما ناسيا و عدمه، من إطلاق خبر قرب الاسناد و كتاب المسائل (1)بل و غيره من النصوص و إن كان هو أسبق إلى الذهن من العامد فيها، لكن ليس سبق تقييد و اختصاص، مضافا إلى إطلاق الفتاوى و أصالة جواز العدول و غيرها، و من إطلاق دليل المنع عن العدول الذي يجب الاقتصار فيه على المتيقن، و ليس إلا الناسي الذي هو مورد النصوص، و لذا خصه به المحقق الثاني و بعض من تأخر عنه.

كما أنه يجب الاقتصار في العدول من السورتين إلى الجمعة و المنافقين على المتيقن و هو سورة الجمعة في أولى صلاة الجمعة، و المنافقين في ثانيتها، لإطلاق المنع عن العدول منهما، و من هنا اختاره في الحدائق منكرا على ما عند الأصحاب لكن لم أجد من وافقه عليه، إذ المحكي عن الصدوق و الشيخ و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و الفاضل و غيرهم أن محل ذلك ظهر يوم الجمعة، و احتمال إرادتهم صلاة الجمعة خاصة في غاية البعد نعم يستفاد الحكم فيها بالأولوية أو يراد منه ما يشملها، فيكون المحل حينئذ الظهر و صلاة الجمعة كما اختاره المحقق الثاني و غيره، بل عن البحار الظاهر اشتراك الحكم عندهم بين الظهر و الجمعة بلا خلاف في عدم الفرق بينهما، ثم قال: «و الأخبار انما وردت بلفظ الجمعة، و الظاهر انها تطلق على ظهر يوم الجمعة مجازا، أو هي مشتركة بين الجمعة و الظهر اشتراكا معنويا» قلت: قد سمعت ما في صحيح الحلبي (2)من التعبير بيوم الجمعة


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 69- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 67

الشامل لهما، و من العجيب ما في الحدائق من وجوب حمله على صلاة الجمعة تحكيما للمقيد على المطلق، إذ ذاك يجب مع التعارض لا مع عدمه كما في المقام، بل لو لا انسياق إرادة خصوص الصلاتين من إطلاقه إلى الذهن لاتجه تعميم الحكم للعصر أيضا كما في جامع المقاصد و عن التذكرة و ظاهر الموجز و الروض أو صريحهما، بل و للصبح أيضا و إن لم أجد به قائلا، نعم عن الجعفي أنه جعل المحل فيه و في صلاة الجمعة و العشاء ليلتها، و لم أقف له على ما يدل على خصوص الجمع مع نفي غيره، اللهم إلا أن يجعل المدار في العدول على استحباب هاتين السورتين، و لعله يرى استحبابهما في ذلك خاصة، لكنه كما ترى ضرورة كون المتبع الدليل في تقييد إطلاق المنع عن العدول، و ليس استحبابهما صالحا بعد إمكان دعوى ظهوره في الابتداء، أو ما لم يحصل مانع كتجاوز نصف السورة مثلا في غير السورتين و الشروع فيهما، و إلا لجاز العدول أيضا إلى غيرهما من السور المستحبة بالخصوص في بعض الصلوات و إن تجاوز النصف مثلا، مع أنه معلوم العدم، و لو سلم تعارضهما فلا ريب في رجحان ذلك، ضرورة تسلطه على المنع من العدول، بخلاف دليل الاستحباب فإنه غير مسلط على حكم العدول كما هو واضح بأدنى تأمل، فلا ريب في أن الأحوط عدم العدول في غير الصلاتين إن لم يكن الأقوى.

و كيف كان فقد ذكر غير واحد من الأصحاب في مسألة العدول منهم العلامة في الإرشاد أنه يعيد البسملة إذا عدل، كما أنه يعيدها إذا لم يقصد سورة بعد القصد، و هو مبني على المسألة السابقة من عدم تعينها بغير النية سيما إذا قصد العدم، و قد تقدم تحقيق الحال فيها، لكن قال في الروض هنا بعد أن ذكر جملة من الكلام: بقي في المسألة إشكال، و هو أن حكمه بإعادة البسملة لو قرأ من غير قصد بعد القصد إن كان مع قراءتها أولا عمدا لم يتجه القول بالإعادة، بل ينبغي القول ببطلان الصلاة للنهي عن قراءتها من غير قصد، و هو يقتضي الفساد، و إن كان قرأها ناسيا فقد تقدم القول بأن

ج 10، ص: 68

القراءة خلالها نسيانا موجب لإعادة القراءة من رأس، فالقول بإعادة البسملة و ما بعدها لا غير لا يتم على تقديري العمد و النسيان، و الذي ينبغي القطع بفساد القراءة على تقدير العمد، للنهي، و هو الذي اختاره الشهيد في البيان، و حمل الإعادة هنا على قراءتها ناسيا، و قد تكلف لدفعه بأن المصلي لما كان من نيته أن ذلك من قراءة الصلاة لم يكن من غيرها فلم يقدح في الموالاة، و يؤيده رواية البزنطي عن أبي العباس (1)لكنها مقطوعة، و مادة الإشكال غير منحسمة، و قد أنكر عليه الأردبيلي حتى قال: إني لا أفهم هذا الاشكال، و على تقديره لا أفهم رفعه، و تبعه في الحدائق و غيره حتى حملوا كلامه في الشق الثاني من الترديد على الغفلة، لعدم المدخلية لما نحن فيه في مسألة الموالاة قلت: لعله يعتبر الموالاة في تمام القراءة لا خصوص قراءة الحمد و السورة، فيتجه حينئذ جميع ما ذكره، نعم ينبغي إبدال الصلاة عوضا عن القراءة في قوله: «و الذي ينبغي القطع» إلى آخره، و وجه البطلان حينئذ ما ذكروه غير مرة من التشريع في الجزء، و المناقشة تلحقهم في كل ما كان من هذا القبيل لا خصوص ذلك، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى أن تحديد العدول بالنصف أو الشروع بالسورتين إنما هو إذا لم يعرض ما يوجبه من نسيان بعض السورة أو ضيق الوقت أو نزول ضرر معتد به أو غير ذلك، فإنه يجب العدول حينئذ و إن تجاوز النصف أو كانت السورتين، و صحيح زرارة(2)الدال على أن له أن يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته و أنه إن قرأ آية و شاء أن يركع ركع لا تعلق له بما نحن فيه، لأنه في النوافل أو التقية أو غير ذلك، ضرورة ابتناء الكلام على وجوب سورة كاملة، نعم إن تمكن من القراءة في المصحف أو اتباع قار أو نحوهما مما هو غير جائز مع الاختيار فقد يقال بالوجوب، مع أن الأقوى أيضا خلافه، بل الظاهر عدم الاجزاء فضلا عن الوجوب، لانسياق


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 69

غير الفرض من المنع عن العدول إلى الذهن، فلا ضرورة حينئذ يسوغ لأجلها ذلك بناء على حرمته مع الاختيار، فتأمل جيدا، و يتخير في السورة المعدول إليها بين التوحيد و غيرها، للأصل و غيره، و الأمر بها في بعض النصوص (1)محمول على الندب كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته، لكن الأحوط قراءتها تخلصا من احتمال الوجوب، و الله أعلم.

[الخامس من أفعال الصلاة الركوع]
اشاره

الخامس من أفعال الصلاة الركوع و هو واجب فيها في الجملة بالضرورة من الدين كما اعترف به بعض الأساطين فضلا عن السنة المتواترة و الكتاب المبين، و المراد وجوبه في كل ركعة منها لتوقف صدق الركعة عليه، فوجوب الأعداد يغني حينئذ عن بيان وجوبه، نعم انما يجب مرة واحدة لحصول الامتثال إلا في الكسوف و الآيات فإنه يجب في كل ركعة خمس ركوعات كما ستعرفه مفصلا إن شاء الله و هو ركن في الصلاة بمعنى أنه تبطل بالإخلال به عمدا و سهوا لكن على تفصيل هو الدخول في ركن و عدمه سيأتي ذكره في أحكام الخلل، كما أنه يأتي أيضا خلاف الشيخ و غيره في ذلك، و قد أشبعنا الكلام فيه هناك، لأنه كان مقدما على المقام في التصنيف

[في واجبات الركوع]
اشاره

و الواجب فيه إما لتوقف حصول مسماه عليه أو للأمر به شرعا فيه خمسة أشياء:

[الأول أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه]

الأول أن ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه (11) إجماعا كما في جامع المقاصد و المفاتيح، و في المنتهى بحيث تبلغ يداه ركبتيه، و هو قول أهل العلم كافة إلا


1- 1 التهذيب ج 2 ص 295 من طبعة النجف.

ج 10، ص: 70

أبا حنيفة، فإنه أوجب مطلق الانحناء نحو ما عن المعتبر و إن أبدل اليد فيه بالكف، ضرورة كونه المراد منها، بل و التذكرة و إن أبدلها بالراحة، إذ لعل المراد بها الكف كما عن ديوان اللغة، أو المراد ما ستعرفه من وضع بعض الكف و لو الأصابع بحيث يبلغ أول جزء من الراحة أول جزء من الركبة، و في الذكرى لا يتحقق مسمى الركوع شرعا إلا بانحناء الظهر إلى أن تبلغ اليدان عيني الركبتين إجماعا.

و لعل مراد الجميع عدا الذكرى عند التأمل بشهادة القرائن الكثيرة واحد هو الانحناء بحيث تصل اليد إلى الركبة وصولا لو أراد وضع شي ء منها عليها لوضعه و لو مجموع أطراف الأصابع حتى الإبهام، و كأنه هو المراد من

قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة(1): «و بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحب إلى أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة»

و من

المروي في المنتهى و عن المعتبر عن معاوية بن عمار و ابن مسلم و الحلبي (2)قالوا: «و بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحب أن تمكن كفيك من ركبتيك»

ضرورة لزوم وصول أطراف مجموع الأصابع حتى الإبهام مثلا، لإمكان الوضع على الركبة، نعم لا يكون الكف متمكنا منها حينئذ، لبقاء الراحة خارجة عن الركبة، و لذا ندبه إلى التمكن بأن يضع الراحة على الركبة، و يبلغ بأطراف أصابعه العين حتى يكون قد ملأ كفيه من ركبتيه كما عن السيد التعبير به في جملة «و ألقمهما كفيه» كما عن الشيخ التعبير به في مصباحه، و ليس المراد من وصول أطراف الأصابع مساواة الخط الأخير من رؤوسها الخط الأول من الركبة


1- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الركوع- الحديث 2.
2- 1 التهذيب ج 2- ص 83 من طبعة النجف.

ج 10، ص: 71

بحيث لا يتمكن من وضع شي ء منها عليهما لو أراد، نعم قد ينافي ذلك عبارة الذكرى حيث اعتبر بلوغ اليد إلى العين الذي قد عرفت ظهور الرواية في استحبابه، بل في المنتهى أنه «يستحب وضع الكفين على عيني الركبتين مفرجات الأصابع، و هو مذهب جميع العلماء إلا ما روي عن ابن مسعود» و قد يريد بالعين في الذكرى وسط الركبة لا الزاوية السفلى، فيجتمع حينئذ مع غيره لا أن مراده عدم الاجتزاء بوصول الأصابع فقط التي هي بعض الكف، و لعله إلى ذلك كله أشار في الروضة بقوله: «و المعتبر وصول جزء من باطن الكف لا جميعه و لا رؤوس الأصابع» بل و في المسالك أيضا قال: و الظاهر الاكتفاء ببلوغ الأصابع، و في

حديث زرارة(1)المعتبر «فان وصلت»

إلى آخره. و كأنه فهم من الخبر المزبور ما ذكرناه بقرينة ذكره دليلا على دعواه، بل و في جامع المقاصد أيضا حيث قال: «و في أكثر الأخبار اعتبار وصول الراحتين و الكفين إلى الركبتين، و في بعضها الاكتفاء بوصول أطراف الأصابع، و إن حمل على الأطراف التي تلي الكف لم يكن بينها اختلاف، و لم أقف في كلام لأحد يعتد به على الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع في حصول الركوع» و هو كالصريح في الاجتزاء بوضع بعض الكف الذي هو الأصابع، كما أنه ظاهر في أنه لم يفهم من نحو عبارة المنتهى الاجتزاء بنحو ذلك، مع أنه ذكر بلوغ اليد، و استدل بخبر الأطراف كالمعتبر و ظاهر كشف اللثام، و لقد أجاد في إرادة الوضع من البلوغ فيهما لا الاكتفاء بالوصول، و لعل ذلك أيضا هو مراد العلامة الطباطبائي بقوله:

و الحد فيه الانحناء الموصل لليد بالركبة أو ما ينزل

بل و الأستاذ في كشفه و إن بعد حيث عرفه بتقويس الظهر على البطن و الصدر بحيث تناول أطراف أصابعه مع استواء خلقته أعلى ركبتيه، كما ينبئ عنه ظاهر العرف


1- 1 التهذيب ج 2 ص 83 من طبعة النجف.

ج 10، ص: 72

و آداب المرأة أو ما قام مقامه، و الأحوط اعتبار راحتيه، إذ الظاهر بقرينة جعله الراحة خاصة الاحتياط إرادته من التناول التمكن من الوضع لو أراده، و هو بعينه ما ذكرناه، بل و المحكي عن البيان أيضا من أن الأقرب وجوب انحناء تبلغ معه الكفان الركبتين، و لا يكفيه بلوغ أطراف الأصابع، و في رواية يكفي، إذ الظاهر إرادته و لو بعض الكف لا تمامه.

و من ذلك كله بان لك ما في الذي أطنب به في الحدائق تبعا للمحكي عن المجلسي من الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع و إن لم يتمكن من الوضع لو أراده ناسبين ذلك إلى الأكثر، بل في الحدائق إلى المشهور و أن في عبارتي المعتبر و التذكرة مسامحة، كما أن ما في الجامع و الروض و الروضة و البيان من التصريح بعدم الاجتزاء واضح البطلان، كوضوح بطلان ما في الذخيرة من الميل إلى أن التجوز و التسامح في عبارتي المنتهى و الذكرى، فيجب إرجاعهما إلى عبارتي المعتبر و التذكرة، لأن الذي يقع في الخاطر من وضع اليد وصول شي ء من الراحة، قال: و يشعر بذلك الأدلة التي في الكتابين، سيما الذكرى، فإنه قال فيه بعد نقل

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة : «و تمكن راحتيك»

و هو دليل على الانحناء هذا القدر، لأن الإجماع على عدم وجوب وضع الراحتين، فاذن لا معدل عما ذكره المدققان، لتوقف يقين البراءة عليه، و لا تعويل على ظاهر الخبر إذا خالف فتاوى الفرقة، و كأنه يريد خبر الأطراف، و قد أطال في مناقشته حتى ذكر عليه وجوها خمسة، مع أنه يمكن إرجاع كلامه إلى ما ذكرنا بنوع من التأمل و التأويل و إن كان لم يذكر التأويل في الخبر كالشهيد في البيان على ما قيل و تبع المحدث المزبور المولى في الرياض حيث قال بعد ذكره صحيح الأطراف: «و يستفاد

ج 10، ص: 73

منه و من غيره كفاية الانحناء بمقدار إمكان بلوغ رؤوس الأصابع إلى الركبتين، و أن الزائد مستحب، و به صرح بعض، بل عن خالي العلامة المجلسي في البحار أنه مذهب الأكثر، خلافا لجماعة فأوجبوا الزيادة، و هو أحوط، لظهور عبائر الأكثر فيه، و منهم جملة من نقلة الإجماع كالفاضلين في المعتبر و التذكرة، و لكن في تعيينه نظر، لظهور النص المعتبر في خلافه مع سلامته عن المعارض عدا شبهة دعوى الإجماع، و يحتمل تعلقها بالتحديد المشترك بين الحدين، و هو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع، فأما خصوصه فلعله من اجتهاد الناقل، مع أن ظاهر جملة آخرين من نقلة الإجماع هو ما ذكرناه و إن كان يأباه سياق عباراتهم في الاستدلال عليه، كما يأتي في سياق عباراتهم في الاستدلال ما يستفاد من ظاهر عبارتهم، و هذا من أوضح الشواهد على ما ذكرنا من أن المقصود من دعوى الإجماع انما هو إثبات القدر المشترك ردا على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقل ما يقع عليه اسم الانحناء» و لا يخفى عليك مواضع النظر من كلامه بعد الإحاطة بما قدمناه.

فتلخص من ذلك كله أن الوجوه المحتملة بل الأقوال ثلاثة أو أربعة أحدها الاجتزاء بوصول رؤوس الأصابع و إن لم يصل إلى إمكان الوضع، الثاني الوضع و لو لبعض الكف، الثالث وضع تمام الكف، الرابع وضع بعض الراحة، و الأول خيرة الحدائق، و الثاني صريح الشهيد الثاني، و الثالث ظاهر المعتبر و الذكرى و التذكرة، و الرابع ظاهر المحكي عن الخراساني، و قد عرفت الحال في الجميع و إمكان إرجاع البعض إلى البعض.

نعم يبقى إشكال فيما ذكرناه من التحديد بأنه لا يوافق ما دل عليه

مقطوع زرارة(1)الذي قد نسبه في الذكرى و جامع المقاصد إلى عمل الأصحاب، إذ فيه «ان المرأة إذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها ليس تتطأطأ كثيرا فترتفع


1- 1 التهذيب ج 2 ص 83 من طبعة النجف.

ج 10، ص: 74

عجيزتها»

و قد ذكر مضمونه في المحكي عن كثير من كتب المتقدمين و أكثر كتب المتأخرين، و مقتضاه كما اعترف به في الذكرى و الجامع أن ركوعها أقل انحناء من ركوع الرجال، و أنه يتحقق مسمى الركوع بأقل من ذلك، و يوافق التحديد برؤوس الأصابع.

و قد يدفع أولا بأنه لا منافاة بين استحباب وضع اليدين فوق الركبتين و كون الانحناء فيها مساويا لانحناء الرجل، إلا أنها لا تتطأطأ كثيرا كما يستحب للرجل، بأن تضع يديها على ركبتيها و تردهما إلى خلف لئلا ترتفع عجيزتها، فيكون إطلاق الأصحاب حينئذ بحاله، بل صرح في جامع المقاصد هنا أنه لا فرق في التحديد المزبور بين الرجل و المرأة، و ثانيا بأنه لا يتم بناء على الوضع الشرعي للركوع، إذ لا منافاة في وضعه للانحناءين الخاصين بالنسبة إلى المكلفين، بل و إن لم نقل بالوضع الشرعي و قلنا بالمراد الشرعي- إذ لا مانع من تكليف الرجال بهذا الفرد من الركوع و النساء بالفرد الآخر منه بعد أن كان في اللغة لمطلق الانحناء- انما يتجه الاشكال و ينحصر الجواب حينئذ بالأول إذا قلنا ببقاء الركوع على معناه اللغوي، و أن هذا التحديد كاشف عنه، و أنه عبارة عن حالة خاصة من التقوس لا يختلف مسماها بالنسبة إلى المكلفين، و لعله هو الأقوى في النظر، خلافا لظاهر بعض و صريح آخر من ثبوت المعنى الشرعي له، لأصالة عدم النقل، و لسلب اسم الركوع عرفا عن غيره من أفراد الانحناء، أو عدم الحكم بكونه ركوعا أو غير ركوع، لكن لما كان هو غير منضبط و معرفة أول أفراده في غاية الصعوبة على المكلفين كالاقتصار على الفرد الأعلى، بل ربما كان مثارة الوسواس من جهة الشك و الالتباس تلطف الشارع بحد له مبناه في الأصل على التقريب في حصول أول مسمى الركوع، لا أنه صار بالأخرة على التحقيق بحيث لا يجوز النقص حتى لو فرض انكشاف صدق الاسم عليه، فكان تحقيقا في تقريب كتقدير الكر و المسافة و الوجه و نحوها من التقديرات الشرعية، و لعل من نسبه إلى الشرع أراد ذلك لا المعنى

ج 10، ص: 75

الشرعي و لا المراء الشرعي على معنى معروفية غير هذا الفرد من الركوع، إلا أن الشارع أوجب هذا الفرد بالخصوص منه، و ربما كان في عبارة الأردبيلي إشعار ببعض ما ذكرنا في الجملة، حيث قال في شرح عبارة الإرشاد «و يجب فيه الانحناء» إلى آخره: الظاهر أنه به يتحقق لا أنه واجب من واجباته مثل الذكر، قال المصنف في المنتهى: و يجب فيه الانحناء بلا خلاف لأنه حقيقته، و قدر أن يكون بحيث يبلغ يداه إلى ركبتيه، و هو قول أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة فإنه أوجب مطلق الانحناء، و ربما ظهر من مطاوي كلمات غيره أيضا كالتذكرة و غيرها، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فظاهر المتن و غيره كصريح البعض بل المحكي عن الأكثر أنه لا يجب الوضع المزبور فعلا، بل في الذكرى الإجماع كما عن غيرها نفي الخلاف فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل ربما يدعى أن التأمل في النصوص يقتضيه أيضا، فمن الغريب ما في الحدائق و كم له من الميل إلى وجوبه تمسكا بظاهر النصوص السابقة المساقة في بيان أكثر المندوبات.

و لا إشكال في أن التحديد المذكور في النص و الفتوى و معاقد الإجماعات بالنسبة إلى مستوي الخلقة، إذ هو المنساق إلى الذهن من أمثال ذلك في سائر المقامات ف ان كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء أو في القصر بحيث لا تبلغهما إلا بغاية الانحناء أو مقطوعتين أو كانت ركبتاه مرتفعتين أو منخفضتين أو نحو ذلك انحنى كما ينحني مستوي الخلقة على حسب النسبة و لو بفرضه مستوي الخلقة بأن يقدر تناسب أعضائه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك سوى ما في مجمع البرهان من أنه لا دليل واضح على انحناء قصير اليدين و طويلهما كالمستوي، و لا يبعد القول بالانحناء حتى يصل إلى الركبتين مطلقا لظاهر الخبر مع عدم المنافي و عدم التعذر، نعم لو وصل بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك مع إمكان الاكتفاء بما يصدق الانحناء عليه

ج 10، ص: 76

و هو من الغرائب و إن كان يوافقه المحكي عن ابن الجنيد من أنه لو كان أقطع الزند أوصل مكان القطع إلى الركبة و وضعه عليها، و لو كانت مشدودة فعل بها كذلك، و كذا لو كان له يد من ذراع، ضرورة استلزامه الاكتفاء بما لا يسمى ركوعا، أو وجوب الأقصى من أفراده بحيث لا يجتزى بغيره و إن سمي ركوعا، و لا ريب في وضوح بطلانه في كل منهما، لانصراف الإطلاق إلى الفرد الشائع المتعارف المعهود، و لأنه هو المناسب للتحديد المقصود به الانضباط و عدم الاختلاف، و لا يقدح تفاوت أفراد مستوي الخلقة للتسامح في مثله، لكن يقوى دوران حكم كل مكلف منهم على يديه و ركبتيه، لأنه هو المنساق إلى الذهن، و الموافق لغرض التحديد، و لكاف الخطاب في النص، فلا يجب على ذي الطول منهم انحناء ذي القصر، كما أنه لا يجتزي ذو القصر بانحناء ذي الطول مع احتماله، و احتمال تعين أقصى الأفراد منهم لتيقنه في البراءة، و الاجتزاء بأولها لأصالة البراءة عن الزائد، و تقريب حد منتزع من الأواسط لا يجوز مخالفته، و الأقوى الأول، و على كل حال فالمراد وصول اليدين إلى الركبتين بالانحناء المتعارف، و إلا فلو انخنس بأن قوس بطنه و صدره على ظهره، أو قوس أحد جانبيه على الآخر، أو خفض كفيه، أو رفع ركبتيه فأمكن وصول كفيه إلى غير ذلك اختيارا مما يخرجه عن الاسم لم يصح و لم يعد راكعا، نعم إذا لم يتمكن من تمام الانحناء لعارض أتى بما تمكن منه بلا خلاف فيه، بل في المعتبر إجماع العلماء عليه، و هو إن تم الدليل بعد أولويته من الإيماء الثابت في النصوص، و بعد فحوى ما سمعته فيمن تعذر عليه تمام القيام، بل ربما كانت بعض أدلته شاملة للمقام، فلاحظ و تأمل، لا عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه، إذ هو لا يتم إلا على تقدير كون الركوع مجموع الانحناء، أو أن الانحناء واجب في الصلاة و وصوله إلى حد الركوع واجب آخر، و الكل يمكن منعه، إذ الذي يقوى في النظر أنه مقدمة لتحصيل الركوع

ج 10، ص: 77

كهوي السجود، لحصر واجبات الصلاة نصا و فتوى في غيرها، و لانسياق ذلك إلى الذهن لو فرض الأمر به للركوع و السجود، فالأصل براءة الذمة من وجوبهما لأنفسهما في الصلاة و من وجوب القصد بهما للركوع و السجود، فليس هما إلا مقدمة خارجية، و عليه لو هوى غافلا لا بقصد ركوع أو غيره أو بقصد غيره من قتل حية أو عقرب ثم بدا له الركوع أو السجود صح، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:

و لو هوى لغيره ثم نوى صح كذا السجود بعد ما هوى

إذ الهوي فيهما مقدمةخارجة لغيرها ملتزمة

بل لا يبعد الاجتزاء بالاستدامة بعد تجدد قصد الركوع مثلا كالقيام في الصلاة لصدق الامتثال و عدم تشخص جميع زمان الفعل بالنية الأولى، بل لا يبعد القول بالصحة في الفرضين الأولين و إن قلنا بوجوبه أصالة في الصلاة سيما الأول اعتمادا على النية الأولى للصلاة، ضرورة تأثيرها في كل ما لم يقصد به الخلاف و إن كان قابلا لأن يقع على وجوه كالقراءة و غيرها من أفعال الصلاة، فما في كشف الأستاذ- من أنه لو انحط بقصد عدم الركوع أو خاليا عن القصد أو أتم الانحطاط بعدم القصد أو قصد العدم و بلغ محل الركوع أو تجاوزه لم يجر عليه حكمه و إن قلنا بعدم اشتراط النية استقلالا في الأجزاء، لأن ذلك لا يكون إلا حيث لا يقع إلا على وجه واحد، بخلاف ما إذا كان ذا وجهين أو وجوه، فإذا وقع منه ذلك عاد اليه بعد القيام تجاوز حد الراكع أولا و ركع، فلو هوى بالغا حد الركوع و لم يركع أعاد الاعتدال و الهوي، و إن ركع فسد و فسدت الصلاة، إلى أن قال: و مثل ذلك يجري في هوي السجود حيث لا يبلغ وضع الجبهة على الأقوى فيهما- لا يخلو من نظر يعرف مما قدمناه، و إن كان قد يوجه بأن نية الصلاة انما تؤثر في الصالح لها و لغيرها من غير واسطة، لا نحو المقام الذي لا يكون من الصلاة إلا إذا صار الركوع، فإنه لا يكون حينئذ له إلا بنية

ج 10، ص: 78

أو خطور الداعي لا النية الأولى و إن عزب الداعي، و فيه أن الظاهر تأثير نية الصلاة مطلقا، و لذا لم نوجب تعيين البسملة في الفاتحة و إن قلنا به في غيرها.

و على كل حال فقد وافقه عليه في الجملة في الذكرى و المحكي عن نهاية الأحكام و التذكرة و الدروس و البيان و الموجز الحاوي و كشف الالتباس و الجعفرية و شرحيها قالوا: لا بد أن لا ينوي بالانحناء غير الركوع، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد أو أراد قتل حية أو نحو ذلك فلما بلغ حد الراكع بدا له أن يجعله ركوعا لم يجز، بل يجب أن ينتصب ثم يركع، لأن الركوع الانحناء و لم يقصده، و انما يتميز الانحناء للركوع منه عن غيره بالنية، و ل

قوله(1): «إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى»

بل في كشف اللثام عن نهاية الأحكام أنه لا فرق في ذلك بين العامد و الساهي على إشكال، قال في الكشف: من حصول هيئة الركوع و عدم اعتبار النية لكل جزء كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة و غيرها، غايته أن لا ينوي غيره عمدا، و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه وجه النظر في جميع ذلك، و إن كان المتجه بناء على ما ذكروه عدم الفرق مع نية الخلاف بين العمد و السهو، ضرورة عدم تأثير النية الأولى بعد العدول عنها و لو سهوا و لعله إليه أشار في الرياض بقوله بعد نقله ذلك: و فيه نظر، لكنك خبير أن ذلك كله مع قصد الخلاف لا مع عدم القصد، فلا دلالة فيه حينئذ على اعتبار قصد الركوع بالانحناء بحيث لو انحنى سهوا لم يجز، فما في الرياض- من عنوان المسألة بذلك و أنه هل يشترط القصد أو لا و حكي عن ظاهر جماعة الأول، و قال: بل قيل: إنه لا خلاف فيه- في غير محله قطعا، بل يمكن دعوى القطع بالصحة مع عدم قصد الخلاف، قال في المنتهى: لو أراد السجود فسقط من غير قصد أجزأته الإرادة السابقة، و لو لم تسبق له الإرادة فالأقرب الإجزاء أيضا، بل يومي اليه ما سمعته من الحكم بالصحة مع قصد


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.

ج 10، ص: 79

الخلاف سهوا فضلا عن حال عدم القصد، و أغرب من ذلك الاستدلال فيه لهم

بالخبر(1)«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يصلي قائما و إلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط (عليه السلام) و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى صلاته»

إذ من الواضح عدم شهادته لذلك، إذ لعله قد انحط من غير تقوس على أن البحث لو قصد الركوع بعد الهوي و إلا فبدون قصده لا يجتزى، و لا تقدح زيادته في الصلاة، إذ المعلوم من قدحها الثابت بالإجماع غير ذلك و إن قلنا بصدق اسم الركوعية على التقوس لقتل الحية و نحوها، و لا نص يتمسك بإطلاقه بحيث يتناول نحو ذلك، بل لا يصدق عليها أنها زيادة في الصلاة بناء على إرادة ما يفعل بعنوان الصلاة منها، و لو أن هذه الصورة مبطلة لوجب التحفظ حال القيام و حال الهوي للسجود و نحو ذلك عن حصولها بأن ينسل للقيام انسلالا، كما أنه ينحط للسجود انحطاطا، و كذا البحث أيضا في استدلاله له

بالخبر الآخر(2)«لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلي أو ترضعه و هي تتشهد»

هذا.

و ظاهر المصنف و غيره بل يمكن تحصيل الإجماع عليه الاجتزاء بهذا الممكن من الانحناء عن الإيماء للركوع، لجعلهم إياه مرتبة ثانية، مع أن المتجه بناء على وجوب الانحناء لنفسه و أن التكليف به لم يسقط بسقوط التكليف بالركوع وجوب الإيماء للركوع، لإطلاق أدلة وجوبه بتعذر الركوع الصادق في المقام، نعم قد يتم سقوطه بناء على مقدميته و أن وجوبه الآن بدلا عن الركوع، لأولويته من الإيماء مثلا، و ربما كان هذا مؤيدا آخر للمختار، فتأمل.

و على كل حال فان عجز عن الانحناء أصلا و لو باعتماد و نحوه اقتصر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القيام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 80

على الإيماء بلا خلاف، بل في المعتبر أن عليه إجماع العلماء كافة، و قد

قال الكرخي (1)للصادق (عليه السلام): «رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود فقال له: ليؤم برأسه إيماء».

فان لم يتمكن من الإيماء بالرأس فبالعينين تغميضا للركوع، و فتحا للرفع كما نص عليه العلامة الطباطبائي، بل في كشف الأستاذ أن الأحوط عدم الاكتفاء بالعين الواحدة إلا مع طمس أختها، بل قال: و مع ذلك الأحوط قصدها، و قد مر الكلام في أكثر ذلك مفصلا في بحث القيام، فلاحظ.

و قد يظهر من العبارة وجوب الانحناء على أحد الشقين مع إمكانه مقدما على الإيماء كما عن المبسوط و التذكرة، لكن قد يشعر الاقتصار على نسبته للشيخ في الذكرى و الدروس و عن المقاصد العلية بنوع تردد فيه، و لعله لأنه ليس بعض الانحناء الواجب الجنس غير مجد، فتأمل، بل ظاهر المتن و غيره بل هو صريح العلامة الطباطبائي تقديم الركوع الناقص لعدم التمكن من تمام الانحناء على الركوع التام عن جلوس، للإطلاق، و لأنه أقرب إلى الواجب، و لتحصيل القيام المتصل بالركوع، بل لعل ظاهر العبارة و غيرها تقديم الإيماء عليه أيضا لبعض ما مر، لكن في المنظومة:

و في انحناء من جلوس مطلقادار مع الإيماء وجه ذو ارتقا

و لعله لأولوية إبدال القيام بالجلوس من الركوع بالإيماء، و قد تقدم لنا في ذلك بعض الكلام في بحث القيام، كما أنه قد ذكرنا أيضا الكلام في كيفية ركوع الجالس، فلاحظ و تأمل.

و لو كان كالراكع خلقة أو لعارض كبر أو مرض وجب كما في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 11.

ج 10، ص: 81

بعض كتب الفاضل و الشهيدين و العليين و غيرها على ما حكي عن بعضها أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقا من القيام اللازم للركوع، بل في جامع المقاصد أنه لو كان انحناؤه على أقصى مراتب الركوع ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردد، و إن كان هو في غاية الضعف، ضرورة لزوم المحافظة على هيئة الركوع، و لذا قيده بعضهم بما إذا لم يخرج به عن مسمى الراكع، و لعله مراد من أطلق، بل قد يمنع أصل وجوب الفرق بالأصل، و بأنه قد تحقق فيه حقيقة الركوع، و انما المنتفي هيئة القيام، و ما في جامع المقاصد- من أنه لا يلزم من كونه على حد الركوع أن يكون ركوعا، لأن الركوع من فعل الانحناء الخاص و لم يتحقق، و لأن المعهود من صاحب الشرع الفرق بينهما، و لا دليل على السقوط، و لظاهر

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «فأتوا منه ما استطعتم»

و ما دل (2)على وجوب كون الإيماء للسجود أخفض ينبه على ذلك- يدفعه أن المراد بالركوع هنا هيئة الركوع لا فعله، إذ هو على كل حال لم يتحقق و إن زاد الانحناء اليسير، ضرورة عدم كونه ركوعا، فيتوجه التكليف حينئذ إلى خطابه بكونه على هذا الحال بعد القراءة مثلا بمعنى لا يجلس أو ينام أو يسجد أو نحو ذلك مما ينافيها، فلا تحصيل للحاصل حينئذ، و الفرق بينهما واقعي لا شرعي، و النبوي لا دلالة فيه على ما نحن فيه، و القياس على إيماء السجود مع أنه مع الفارق لا يجوز الأخذ به، و من هنا كان خيرة المبسوط و المعتبر و الفاضل في بعض آخر من كتبه و كشف اللثام و المدارك و منظومة الطباطبائي عدم وجوب الزيادة عليه، نعم قال في الكشف تبعا


1- 1 سنن البيهقي ج 1 ص 215 و لكن نصه« ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم» و رواه في غوالي اللئالي عن النبي ص بعين ما ذكر في الجواهر و في تفسير الصافي سورة المائدة- الآية 101.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القيام- الحديث 15 و 16.

ج 10، ص: 82

للشهيدين و المحقق الثاني: إنه إن أمكنه أن ينقص من انحنائه أو الانتصاب و لو بالاعتماد و نحوه وجب، قالوا: و لا تجب الزيادة حينئذ لحصول الفرق، و هو متجه لو كان النقص المستطاع مخرجا له عن أول حد الركوع، فيحصل الفرق حينئذ، و إلا كان من المسألة السابقة، و لا ملازمة بين القول بوجوبه مع فرض عدم الخروج به عن حد الركوع لقربه إلى القيام و بين القول بوجوب الزيادة عليه يسيرا للفرق بين القيام و الركوع، و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، كما أنه لا ينبغي تركه مع فرض عدم التمكن من الفرق بيسير الانحناء بأن يقتصر على نية الركوع و القيام، بل يضيف إليها الإشارة بالرأس ثم العينين كما نص عليه الأستاذ في كشفه، و هل يسير الانحناء بناء على اعتباره فارقا هو القائم مقام الركوع كالايماء فيجري حكم الزيادة و النقصان سهوا و عمدا؟

الظاهر ذلك، نعم يمكن عدمه في نحو الإشارة المزبورة، لكون المراد على الظاهر منها الإشارة إلى إرادة الركوع مثلا بالتقويس المزبور لا أنها بدل عن الركوع كالايماء حتى يجري فيه ذلك، بل قد يحتمل نحو ذلك أيضا في الانحناء اليسير كما يومي اليه جعلهم الغرض منه الفرق، لكنه بعيد، لظهور إرادة الفرق به نفسه لا أنه إمارة على غيره.

[الثاني الطمأنينة]

الواجب الثاني في الركوع الطمأنينة بلا خلاف أجده فيه بل في الغنية و المنتهى و جامع المقاصد و عن الناصريات و المعتبر و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الاقتصار على المتيقن وقوعه من أرباب الشرع و أتباعهم، كما يومي اليه النصوص (1)البيانية المشتملة على كيفية الركوع بتمكن الكفين و الراحتين، و أنه كان إذا ركع أمكن استقرار الماء على ظهره، بل في كشف اللثام أنه هو معنى

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر بكير بن محمد الأزدي عن الصادق (عليه السلام) المروي في قرب الاسناد للحميري: «إذا ركع فليتمكن»

بل

روى في الذكرى و غيرها «أن


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 18 و 28- من أبواب الركوع.

ج 10، ص: 83

رجلا دخل المسجد و رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه قال (صلى الله عليه و آله): و عليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى ثم جاء فقال (صلى الله عليه و آله) له: مثل ذلك فقال الرجل في الثالثة:

علمني يا رسول الله فقال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»

و لعل هذا الرجل هو الذي حكى عنه

الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه و لا سجوده فقال (صلى الله عليه و آله): نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتن على غير ديني»

فيكون المراد بعدم إتمامهما عدم الطمأنينة فيهما، و يؤيده أنه المتعارف من المتسامحين في الصلاة، بل لعل

قوله (صلى الله عليه و آله): «نقر كنقر الغراب»

ظاهر في ذلك، و

النبوي (2)المروي في الذكرى «لا تجزي صلاة الرجل حتى تقيم ظهره في الركوع و السجود»

و

خبر زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) «و أقم صلبك و مد عنقك»

و

عن محاسن البرقي أن في رواية عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أبصر علي ابن أبي طالب (عليه السلام) رجلا ينقر صلاته فقال: منذ كم صليت بهذه الصلاة قال له الرجل: منذ كذا و كذا، فقال: مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر، لو مت


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الركوع- الحديث 1.
2- 2 روى في الوسائل عن الصادق عليه السلام في باب 18 من أبواب الركوع الحديث 6 « لا صلاة لمن لم يقم صلبه في ركوعه و سجوده».
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 84

مت على غير ملة أبي القاسم محمد (صلى الله عليه و آله) ثم قال (عليه السلام): أسرق الناس من سرق صلاته».

بل يمكن دعوى عدم تحقق مسمى الركوع بدونها، إذ بها يحصل الفرق بينه و بين الهوي للسقوط إلى الأرض مثلا، و لعله لذا ادعى الكاتب كما قيل و الشيخ في المحكي من خلافه ركنيتها فيه حاكيا الإجماع عليه، إذ الظاهر إرادته مسماها لا الممتدة بقدر ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة و ربما مال اليه الشهيد في الذكرى قال: و كان الشيخ يقصر الركن منها على استقرار الأعضاء و سكونها، و الحديث دال عليه، و لأن مسمى الركوع لا يتحقق يقينا إلا به، أما الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في عدم ركنيتها، و قال الأستاذ في كشفه: «و لا يبعد القول بركنية الاستقرار من جهة نقصه، لفوات الركوع الشرعي بفواته و إن كان الأقوى خلافه» و كأنه إشارة إلى أمر آخر غير الذي ذكرناه أولا، و هو أن الاستقرار الذي نوجبه في الركوع يكون شرطا في الركوع الشرعي أو جزءا منه، و القول بركنيته بناء على الأخير واضح، لانتفاء الركن حينئذ بانتفائه، و من العجيب ما في المنتهى من تسليمه الجزئية و إنكاره الركنية، قال فيه: إن عنى الشيخ بالركن ما بيناه فهو في موضع المنع على ما يأتي من عدم إفساد الصلاة بتركه سهوا، و إن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم، و أغرب منه استحسانه في الرياض بعد حكاية ذلك عنه، اللهم إلا أن يريد بالجزء العقلي المركب منه الركن، ضرورة أنه واجب و زيادة، و هو كما ترى، فلاحظ و تأمل، بل و كذا الكلام بناء على الأول أي الشرطية، ضرورة كون الركن منه الركوع الصحيح شرعا، فوجوده بدونه كعدمه، اللهم إلا أن يدعى عدم تناول ما دل على بطلان الصلاة بنسيان الركوع لمثل ذلك، ضرورة ظهوره في نسيانه أصلا لا جزءا أو شرطا نحو ما ذكره في عدم الالتفات إلى الشك في حصول تمام

ج 10، ص: 85

مسماه مع القطع بحصول انحناء منه في الجملة، لأصالة الصحة، و لظهور الأدلة في التلافي لما شك في أصل الركوع، لكن لا يخفى عليك أنه يمكن المناقشة في كون المقام من ذلك.

و على كل حال فالركنية يمكن القول بها بناء على ذلك، نعم يتجه عدم القول بركنيته لو كان واجبا مستقلا في الصلاة لا مدخلية له في الركن، و قد يلتزم ذلك و يدعى أن وجوبه حال الركوع كالذكر من غير مدخلية له فيه بالجزئية و الشرطية و إن كان قد ينافيه ظاهر بعض النصوص السابقة بل و المتن و غيره مما ذكر فيه كونه من واجبات الركوع، لكن لعل الإضافة بأدنى ملابسة كالذكر، نعم لا محيص عن القول بالركنية بناء على وجوب الاحتياط في العبادة و أن الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني خصوصا لو قلنا بالوضع الشرعي في الركوع، إذ يكفي الشك في حصول مسماه حينئذ أو الصحيح منه، لأنه يكون حينئذ كباقي ألفاظ العبادة موضوعا للصحيح أيضا، فلا يحصل يقين البراءة حينئذ إلا بالركوع المشتمل على الطمأنينة، بل بهذا التقرير يتجه ركنيتها إلى الفراغ من الذكر الواجب كما استظهره في الذكرى من المحكي عن الإسكافي، بل ظاهره أن الشيخ كذلك، و هو مناف لكلامه السابق بناء على حصول الشك في مسماه أو الصحيح منه بدون ذلك، إلا أن المشهور بين الأصحاب بل الظاهر الاتفاق عليه كما يومي اليه ما سمعته من الذكرى عدم الركنية بالنسبة إلى ذلك، بل لو لا ظهور الاتفاق على الوجوب مقدار الذكر- بل هو من معقد إجماع المنتهى و المعتبر و عن غيرهما، بل ادعاه صريحا في المحكي من المفاتيح عليه، فما عن بعض الأفاضل من نسبته إلى السرائر و كتب الماتن مشعرا باختصاص التحديد بها في غير محله قطعا- لأمكن المناقشة فيه بعدم الدليل، إذ الاستدلال عليه بتوقف الواجب و هو الذكر راكعا عليها انما يتم إذا لم يزد في الانحناء على القدر الواجب، و إلا فيمكن الجمع بين مسمى الطمأنينة و الذكر حين الركوع مع عدم الطمأنينة بقدره، بل لا يتم أيضا و إن لم يزد، ضرورة عدم التلازم بين

ج 10، ص: 86

بقائه راكعا و الاطمئنان، فقد يصدق عليه راكعا بأول مسمى الركوع و هو مضطرب يمينا و شمالا، إذ الطمأنينة كما عن الأكثر- بل في ظاهر المنتهى أو صريحه الإجماع عليه- السكون حتى يرجع كل عضو إلى مستقره، و هو الذي أراده الباقر (عليه السلام) بقوله في

صحيح زرارة: «ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه»

و لعله يرجع اليه ما عن التذكرة من أن معناها السكون بحيث تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع و ينفصل هو عن ارتفاعه منه عند علمائنا أجمع، هذا.

و قد أشار المصنف بقوله: «مع القدرة» إلى سقوطها عند العجز كما صرح به بقوله و لو كان مريضا لا يتمكن سقطت عنه كما لو كان العذر في أصل الركوع إذ لا تكليف بالممتنع، و لا دليل على البدل أو الجلوس، بل هو كذلك حتى مع المشقة التي لا تتحمل، لكن هل يجب عليه زيادة الهوي كي يبتدئ بالذكر في أول حد الراكع و ينتهي بانتهاء الهوي؟ قال في الذكرى لا للأصل، فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه، و فيه نظر، ضرورة استقلال وجوب كل منهما، فلا يسقط أحدهما بتعذر الآخر، و لعله يريد عدم وجوب الكيفية المزبورة و إن كان يجب عليه الإتمام قبل الخروج عن مسمى الركوع برفع الرأس، و لذا عدل عن التعبير المزبور في المدارك فاعتبر الإكمال قبل الخروج عن الركوع من غير فرق بين الإتمام حال الرفع أو الهوي.

و كيف كان فلو أتى القادر بالذكر قبل الوصول إلى حد الراكع أو أتمه حال الرفع لم يجتزئ بالذكر قطعا، بل في جامع المقاصد و تبعه غيره بطلان صلاته مع العمد، و لعله للتشريع الذي قد سمعت البحث فيه غير مرة، و هو المراد بالنهي الذي علل به الفساد في الجامع و غيره، لكن أجاد في كشف اللثام حيث رده بأن المنهي عنه إما تقديم الذكر أو النهوض، و لا يؤثر شي ء منهما في فساد الصلاة، فالمتجه الصحة إذا كان التدارك ممكنا بأن يجدد الذكر مطمئنا كالناسي الذي يجب عليه التدارك لبقاء المحل، و يحتمل هنا

ج 10، ص: 87

كما في جامع المقاصد الاجتزاء لمعذوريته، و قد يفهم ذلك من الفاضل في القواعد بل و غيره ممن قيد بالعمد، نعم يبطل في صورة العمد لو فرض خروجه عن مسمى الركوع لعدم إمكان التدارك حينئذ، و الفرض الترك عمدا، و الله أعلم.

[الثالث فيه رفع الرأس منه]

الواجب الثالث فيه رفع الرأس منه إجماعا صريحا محكيا في الغنية و الذكرى و جامع المقاصد و المدارك و كشف اللثام و عن الوسيلة و التذكرة و المفاتيح، و ظاهرا في المعتبر، و نصوصا مستفيضة(1)بل في

خبر أبي بصير(2)منها «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه»

فلا يجوز حينئذ أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه إلا لعذر و هو المراد من الرفع في المتن و غيره، بل عن خلاف الشيخ الإجماع على ركنيته، و لعله لنفي الصلاة بدونه كما عرفت، و لقاعدة الركنية بناء على وجوب الاحتياط في العبادة، بل ينبغي الجزم به بناء على اعتباره في مفهومه كما يقضي به ملاحظة كلام بعضهم في أحكام الخلل، و نفي الإعادة إلا من خمسة في صحيح زرارة(3)مع معلومية تخصيصه بالقيام و نحوه معارض بما عرفت إلا أنه من وجه، و قد يرجح المشهور بالشهرة العظيمة الموهنة لإجماعه، و بإطلاق أدلة السهو و بغير ذلك.

و المراد بالعذر ما يشمل المرض و غيره، و لا كلام في السقوط معه، انما البحث فيما لو ارتفع قبل التلبس بالسجود، فعن المبسوط و الخلاف و البيان لا يتدارك، و هو لا يخلو من إشكال كما في المنتهى و عن المعتبر، بل لعل ذلك ظاهر الاقتصار على نسبته إلى الشيخ في التحرير و الدروس، بل عن التذكرة و نهاية الأحكام و الموجز الحاوي و كشف الالتباس أنه يعود، و لعله لأنه الأصل، و الفرض عدم الدخول في مسمى


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الركوع.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الركوع- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 10، ص: 88

الركن حينئذ، و منه يعلم الحال في النسيان و إن جعله في المحكي عن البيان مثله في عدم التدارك أيضا، بل و يعلم الحال أيضا فيما لو سقط بعد تمام الركوع إلى الأرض لعارض بل الظاهر أولويته بالتدارك مما سبق، و لو سقط قبل كمال الركوع رجع له لما عرفت، و من العجيب ما عن المعتبر من المنع لئلا يزيد ركنا إلا أن يريد بالكمال عدم الطمأنينة مثلا كما هو الموجود فيما حضرني من المعتبر لا ما يشمل عدم الوصول إلى حد الركوع بل صرح فيما حضرني من نسخته بوجوب التدارك إذا سقط قبل الركوع، فيتجه حينئذ ما ذكره إلا أن يفرض إمكان التلاقي بما لا يزيد ركنا كما لو قام منحنيا و قلنا بعدم عد مثله زيادة ركوع، بل هو العود إلى حاله الأول، و لا فرق على الظاهر في هذا البحث بين القول بركنية الطمأنينة و عدمها، فما في الذكرى- من أن ما في المعتبر متجه على مذهبه، إذ الطمأنينة ليست ركنا عنده، و يجي ء على قول الشيخ وجوب العود- لا يخلو من تأمل، كما أن ما في المحكي عن البيان- من أن الأقرب جوازه منحنيا إلى حد الراكع لا وجوبه- كذلك أيضا، و الله أعلم.

و كيف كان ف لو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب تحصيله و لو بالأجرة التي لا تضر بالحال للمقدمة كما في سائر أحوال الصلاة، ثم لا فرق في جميع ذلك بين الفرض و النفل لإطلاق النص و الفتوى، فما عن نهاية الأحكام- من أنه لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود في صلاة النفل لم تبطل صلاته- في غاية الضعف كدليله من أنه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل.

[الرابع الطمأنينة في الانتصاب]

الواجب الرابع الطمأنينة في الانتصاب بلا خلاف بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل في الغنية و جامع المقاصد و كشف اللثام و عن التذكرة و غيرها الإجماع عليه و هو أن يعتدل قائما و يسكن و لو يسيرا و مقتضاه جواز التطويل و هو كذلك

ج 10، ص: 89

إذا لم يخرج به عن كونه مصليا، أو يحصل مانع آخر للصلاة كالسكوت الطويل و نحوه، فما في الذكرى عن بعض متأخري الأصحاب- من أنه لو طولها عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته، لأنها واجب قصير، بل لعله يلوح من المبسوط كما اعترف به في جامع المقاصد- في غير محله قطعا، و لقد أجاد في رده له في الذكرى بالأخبار(1)الحاثة على الذكر و الدعاء في الصلاة من دون تقييد بمحل مخصوص، نعم كان عليه تقييده بما ذكرناه من عدم الخروج بسبب ذلك عن كونه مصليا، و القول بركنية هذه الطمأنينة أيضا للشيخ في المحكي عن خلافه مدعيا الإجماع عليه، و ربما يشهد له بعض ما قدمناه، إلا أن الأقوى خلافه لموهونية(2)إجماعه بمصير غيره إلى خلافه، فهو أقرب مظنة للإجماع منه، و عدم دليل صالح غيره عندنا، فأدلة السهو و إطلاقات الصلاة و غيرها بحالها، و الله أعلم.

[الخامس الذكر]

الواجب الخامس الذكر في الجملة إجماعا محصلا و محكيا في المنتهى و الذكرى و جامع المقاصد و المدارك و عن الخلاف و المعتبر، و المعظم في الذكرى، و الأكثر في جامع المقاصد، و المشهور في كشف اللثام على تعين التسبيح فيه بل في الغنية و عن الانتصار و الخلاف و الوسيلة الإجماع عليه و إن اختلفوا، فبين مجتز بمطلقه مطلقا كما هو ظاهر الغنية و عن الانتصار، و موجب تسبيحة كبرى كما عن نهاية الشيخ، و مخير بينها و بين ثلاث صغريات كما عن ظاهر ابني بابويه و التهذيب بل و أبي الصلاح و إن زاد بالتصريح في اجتزاء المضطر بواحدة، و موجب ثلاث كبريات كما عن الفاضل في التذكرة نسبته إلى بعض علمائنا و قيل و القائل الشيخ في المبسوط و أكثر المتأخرين إن لم يكن جميعهم و متأخريهم، بل عن سرائر الحلي منهم نفي الخلاف عنه يكفي الذكر و لو كان


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التعقيب و الباب 3 و 7 من أبواب الدعاء.
2- 2 و في النسخة الأصلية« لموهنية».

ج 10، ص: 90

تكبيرا أو تهليلا و نحوهما و فيه تردد ينشأ من تعارض الأدلة، لاقتضاء الإجماعات السابقة و جملة من النصوص الأول فقد

سأل زرارة(1)في الصحيح أبا جعفر (عليه السلام) «عما يجزي من القول في الركوع و السجود فقال: ثلاث تسبيحات في ترسل، و واحدة تامة تجزي»

و

علي بن يقطين (2)في الصحيح أيضا أو الخبر أبا الحسن الأول (عليه السلام) «عن الركوع و السجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال: ثلاث، و يجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك في الأرض»

و

الحسين بن علي بن يقطين (3)في الصحيح أيضا كما في الحدائق- و فيما حضرني من نسخة الوسائل روايته عنه أيضا، فيكون الصحيحان لعلي- أبا الحسن الأول (عليه السلام) «عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه و سجوده؟ فقال: ثلاث، و تجزيه واحدة»

و

قال معاوية بن عمار(4)في الصحيح لأبي عبد الله (عليه السلام): «أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال:

ثلاث تسبيحات مترسلا يقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله»

و في

خبره الآخر(5)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع و السجود قال: تسبيحة واحدة»

و

سأله (ع) أيضا هشام بن سالم (6)في الخبر أو الحسن «عن التسبيح في الركوع و السجود فقال: تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، و في السجود سبحان ربي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنة ثلاث، و الفضل في سبع»

و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر داود الأبزاري (7): «أدنى التسبيح ثلاث و أنت ساجد لا تعجل فيهن»

و في

موثق سماعة(8)«سألته كيف حد الركوع و السجود؟ فقال: أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان الله


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الركوع- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الركوع- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الركوع- الحديث 3.

ج 10، ص: 91

سبحان الله سبحان الله»

و

قال عقبة بن عمار الجهني(1): «نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ*(2)فقال لنا رسول الله (صلى الله عليه و آله): اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (3)قال لنا رسول الله (صلى الله عليه و آله): اجعلوها في سجودكم»

و

عن الهداية، إرساله عن الصادق (عليه السلام) مع زيادة(4)«فإن قلت: سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك، و تسبيحة واحدة تجزي للمعتل و المريض و المستعجل»

و

قال الباقر (عليه السلام) للحضرمي في الخبر(5): «أ تدري أي شي ء حد الركوع و السجود؟ قلت: لا، قال: تسبح في الركوع ثلاث مرات سبحان ربي العظيم و بحمده، و في السجود سبحان ربي الأعلى و بحمده، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و من نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبح فلا صلاة له»

و في

خبر أبي بصير(6)«سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع و السجود فقال:

ثلاث تسبيحات»

و في

خبر هشام بن الحكم (7)المروي عن العلل عن أبي الحسن (عليه السلام) «لأي علة يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم و بحمده، و يقال في السجود: سبحان ربي الأعلى و بحمده؟ فقال: يا هشام، إن الله لما أسرى بالنبي (صلى الله عليه و آله) و كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) سبعا حتى رفع له سبع حجب، فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه و أخذ يقول: سبحان ربي العظيم


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الركوع- الحديث 1.
2- 2 سورة الواقعة- الآية 73 و 96.
3- 3 سورة الأعلى- الآية 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الركوع- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 10، ص: 92

و بحمده، فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه و جعل يقول: سبحان ربي الأعلى و بحمده، فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة».

و جملة أخرى من النصوص المعتضدة بما عرفت تقتضي الثاني، ك

صحيح هشام ابن سالم (1)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «يجزي عني أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلا الله و الحمد لله و الله أكبر قال: نعم، كل هذا ذكر الله»

و

عن الكافي روايته بإسقاط التحميد، و هشام بن الحكم (2)قال له (عليه السلام) أيضا: «يجزي في الركوع أن أقول مكان التسبيح: لا إله إلا الله و الحمد لله و الله أكبر قال: نعم، كل ذا ذكر الله» و عن ابن إدريس روايته في المستطرفات من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمر عن هشام بن الحكم،

و

خبر مسمع أو حسنه (3)قال الصادق (عليه السلام): «يجزي من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا، و لا كرامة أن يقول سبح سبح سبح»

ك

حسنه الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «لا يجزي الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن».

لكن لا يخفى عليك قوة القول الثاني لصحة مستنده و صراحته و ضعف المعارض أو عدمه، ضرورة إمكان تقدير الجواب في الصحيح الأول بما لا يفيد الحصر، بل لعله متعين بقرينة هذه النصوص، كما أن من المحتمل قويا بقرينة النصوص التي بعده إرادة العدد من السؤال فيه، و نحن نقول به، إذ الظاهر أنا و إن قلنا بعدم تعين التسبيح و الاجتزاء بغيره من الذكر لكن المتجه في الجمع بين النصوص التزام كونه ثلاثا بقدر


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الركوع- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الركوع- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الركوع- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الركوع- الحديث 4.

ج 10، ص: 93

التسبيح وفاقا لصريح الرياض و ظاهر المحكي عن أمالي الصدوق، قال: «من دين الإمامية الإقرار بأن القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات- إلى أن قال-:

و من لم يسبح فلا صلاة له إلا أن يهلل أو يكبر أو يصلي على النبي (صلى الله عليه و آله) بعدد التسبيح، فان ذلك» إلى آخره. إذ هو الذي يقتضيه الجمع بين النصوص بحمل مطلقها على مقيدها، مع أن حذف التحميد من بعضها لعله من النساخ، أو للإشارة بالبعض إلى الكل، أو لأن المقصود من السؤال إجزاء غير التسبيح، و إلا فالعدد مفروغ منه، إذ مع اعتباره في التسبيح الذي هو الأصل يعلم اعتباره في غيره بطريق أولى، و من هنا كان المراد بالجواب بيان أصل الاجزاء من غير التفات إلى العدد لا أن المراد به بيان إجزاء مطلق الذكر و إن لم يكن بالعدد المزبور، خصوصا مع ملاحظة حسني مسمع و ذكر السائل التثليث على ما رواه الشيخ، بل الظاهر أن الأصل في إجزاء التسبيحة الكبرى عن التسبيحات الثلاث انحلالها إلى الثلاث.

و من هنا كان المتعين فيها ضم «و بحمده» وفاقا للذكرى و جامع المقاصد و غيرهما بل عن غاية المراد حكايته عمن تقدمه، و خلافا لجماعة فجعلوها مستحبة، بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر، بل في كنز العرفان و عن المعتبر أنها مستحبة عندنا و إن كنت لم أتحققه، بل في المنتهى «و يستحب أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم و بحمده، و في سجوده سبحان ربي الأعلى و بحمده، ذهب إليه علماؤنا أجمع» و إن كان يحتمل إرادة العدد كما في المحكي عن التذكرة «يستحب أن يقول ثلاث مرات سبحان» إلى آخره. إلا أنه بعيد بقرينة ما بعده، نعم قد يناقش في إجماعه كما يناقش فيما ذكره الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم من خلو أكثر الأخبار عنه بأن المحكي عن ظاهر أعاظم الأصحاب أو صريحهم تعينه كالمفيد و السيد و الشيخ في جملة من كتبه و الديلمي و القاضي الفاضل و غيرهم، بل في كشف اللثام أنه المشهور فتوى و رواية، و منه يظهر المناقشة

ج 10، ص: 94

في الثاني، و يؤيده ما عن الأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك من أنه قد ذكر «و بحمده» في تسعة أخبار، و هي صحيحة زرارة(1)و صحيحة حماد(2)و صحيحة عمر بن أذينة(3)المروية في الكافي في علل الأذان، و هي طويلة، و رواها الصدوق في العلل بطرق متعددة، و رواية إسحاق بن عمار(4)المروي في العلل عن الكاظم (عليه السلام) في باب علة كون الصلاة ركعتين، و رواية هشام بن الحكم (5)عن الصادق (عليه السلام) في ذلك الباب، و رواية هشام (6)عن الكاظم (عليه السلام) في باب علة كون التكبيرات الافتتاحية سبعة، و رواية أبي بكر الحضرمي (7)المروية في التهذيب و غيره، و صحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر (عليه السلام) و رواية حمزة ابن حمران و الحسن بن زياد(8)قلت: بل و رواية إبراهيم بن محمد الثقفي (9)المروية عن كتاب الغارات التي حكى فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الرسول (صلى الله عليه و آله)، و

رواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (10)المروية عن العلل أيضا، قال: «سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قوله: سبحان ربي العظيم و بحمده»

و ما في المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(11)عند من قال بحجيته، فتكون الأخبار حينئذ اثنى عشر خبرا، بل لعل القليل التي ترك فيها مبني على المسامحة و التخفيف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 12.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الركوع- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 5 و 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الركوع- الحديث 2.
9- 9 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الركوع- الحديث 1.
10- 10 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الركوع- الحديث 6.
11- 11 المستدرك- الباب- 20- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 10، ص: 95

و الاتكال على الظهور كما وقع و يقع مثله كثيرا، بل يومي اليه إطلاق التامة عليها من غير بيان اعتمادا على معروفيتها الحاصلة بسبب القطع باستعمال النبي (صلى الله عليه و آله) لها في ركوعه و سجوده و تابعه المسلمون (تابعية المسلمين خ ل) حتى شاع و ذاع إلى أن ادعى الإجماع عليه، و كذلك الأئمة (عليهم السلام) يأمرون به و يداومون عليه، و لذا جرت به سيرة أتباعهم و سواد شيعتهم فضلا عن العلماء منهم، بل شدة الأمر بقول: «سمع الله لمن حمده» عند رفع الرأس تشهد على ذكر «و بحمده» في الركوع على سبيل التعاقب، بل روته العامة في أخبارهم فضلا عن الخاصة،

فعن ابن مسعود(1)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم و بحمده»

و مثله عن حذيفة(2)فلا ينبغي التأمل بعد ذلك في ضمها حينئذ إليها، و أنها هي المراد من التامة في صحيح زرارة(3)و لا ينافيه ما قلناه من الاجتزاء بمطلق الذكر بعد أن كان المراد به عدم تعين التسبيح، لا أنه يجزي مطلقا و إن لم يبلغ العدد، و إن كان هو ظاهر كثير ممن أفتى به، حتى أن صاحب الحدائق منهم أشكل عليه الحال في ذلك من حيث أن مقتضاه الاجتزاء بقول: «سبحان الله» مرة واحدة و بعض النصوص السابقة صريحة في نفيه، بل قد يظهر من المحكي عن القاضي في شرح الجمل الإجماع على ذلك، قال: «و أما الاقتصار على «سبحان الله» فلا يجوز عندنا مع الاختيار» و حكي عن ثاني الشهيدين أنه تنبه للإشكال و رفعه بالتزام الاجزاء مع حمل ما ظاهره النفي على الفضل و الاستحباب، و استبعده و أجاب هو بما حاصله أنه لا مانع من إجزاء مطلق الذكر، و التزام الثلاث في خصوص التسبيح منه و لو في ضمن الكبرى


1- 1 سنن أبى داود ج 1 ص 136 و ليس فيه لفظ« و بحمده».
2- 2 سنن أبى داود ج 1 ص 134 و ليس فيه لفظ« و بحمده».
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 10، ص: 96

و هو مع منافاته لإطلاق الأمر بالعدد في حسني مسمع قول غريب لم يسبق اليه و لا أظن أحدا يلحقه عليه، و لم أعلم ما الذي صده عما ذكرناه، مع أنه هو المتجه في الجمع بين الأدلة كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما مر.

و لا أظنك تحتاج بعد إلى الجواب عن باقي النصوص المدعى دلالتها على التسبيح مع أن الذي في كثير منها انما هو السؤال عما يجزي من التسبيح، و هو إن لم يكن فيه إشعار بعدم التعيين فلا دلالة فيه عليه قطعا، كما أن ما فيها أيضا من أنه يجزئك ثلاث تسبيحات مثلا كذلك، نعم ربما كان في بعضها نوع دلالة إما من جهة الأمر أو غيره لكن يجب الخروج عنه بملاحظة النصوص الأخر، بل يمكن دعوى إمكان الخروج عنه بالتأمل فيها، ك خبر الحضرمي (1)المشتمل على بيان حد الركوع، ضرورة القطع بإرادة بيان الحد في الفضل و الاستحباب، و كذا غيره من الأخبار، بل ربما قيل:

إن المراد بالتسبيح فيها المعنى المصدري الشامل لكل ما يفيد التنزيه لا خصوص «سبحان الله» مثلا و إن كان هو خلاف المنساق من أمثال هذه المصادر كالتهليل و التكبير و الاستغفار و غيرها، لكنك خبير أنا في غنية عن ذلك كله، إذ لو فرض اشتمال النصوص على الأمر بالتسبيح صريحا لوجب حمله على التخييري، للجمع بينه و بين غيره، خصوصا مع ظهور الأدلة في أنه الأصل في ذكر الركوع و السجود، و أنه الأفضل من غيره، فلا بأس بتعلق الأمر به، بل يمكن حمل فتاوى قدماء الأصحاب المقتصرة عليه على ذلك، فتخرج المسألة عن الخلاف حينئذ حتى من قال منهم: إن من لم يسبح فلا صلاة له، لاحتمال إرادته المعنى المصدري أو المبالغة أو غير ذلك كما يومي اليه في الجملة ما سمعته من عبارة الأمالي.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 5 و 7.

ج 10، ص: 97

لكن الانصاف عدم ترك الاحتياط في ملازمة التسبيح خروجا عن شبهة الخلاف في النص و الفتوى، و لا يخفى عليك طريقه بعد أن ذكرنا لك الأقوال و الأدلة، بل لا يخفى عليك بعد ملاحظتها صحة كل منها و فساده و أن المتجه من بينها بناء على تعين التسبيح ما اختاره جماعة من كون أقل ما يجزي المختار تسبيحة تامة، و هي سبحان ربي العظيم و بحمده، أو يقول: سبحان الله ثلاثا و أن في الضرورة تجزي واحدة صغرى بل في المنتهى اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على أن الواجب من ذلك تسبيحة واحدة كبرى، صورتها سبحان ربي العظيم أو ثلاث صغريات مع الاختيار، و مع الضرورة تجزي الواحدة، و لعله لأنه هو الذي تجتمع عليه النصوص السابقة بعد حمل المطلق منها على المقيد، بخلاف القول بكفاية مطلقه المستلزم لطرح جملة منها أو تأويله، كالقول بتعيين الكبرى مرة أو ثلاثا أو غير ذلك من الأقوال، نعم قد تشعر العبارة كبعض النصوص بحصول الإجزاء أيضا بما زاد على ذلك و أن هذا أقله، فيكون حينئذ كالتخيير بين الواحدة و الثلاث في تسبيح الأخيرتين، و قد عرفت التحقيق في ذلك المقام، و أنه ليس من التخيير بين الأقل و الأكثر، فلا بأس حينئذ بالتزامه هنا تمسكا بالاشعار المزبور، لكن لم أجد أحدا صرح به في المقام عدا ما يحكى عن أبي الصلاح من ظهور التزامه في خصوص تكرار الكبرى ثلاثا، و كأنه لعده جميعها تسبيحة واحدة، و الفرض وجوب الثلاث عنده، على أن المتجه بناء على ذلك عدم الفرق بين الكبرى و غيرها، و لا بين التكرار ثلاثا و غيره من التسبيح و التخميس و غيرهما، و هو جيد لو لا ظهور اتفاق الأصحاب في خصوص المقام على عدمه كما يومي اليه ذكرهم ذلك في قسم المسنونات في الركوع، و احتمال إرادة أفضل أفراد الواجب التخييري بعيد جدا، خصوصا و النصوص ليس بتلك المكانة من الظهور في ذلك، بل ربما كان التأمل فيها يرشد إلى خلافه، لكن ستسمع عند قول المصنف: «و يستحب

ج 10، ص: 98

الثلاث» أن الشهيد الثاني جعل البحث في وجوبها أو الواحدة كالتسبيح في الأخيرتين و إن كان التأمل في النصوص و الفتاوى هنا يشهد بخلافه، كما أن التأمل فيها و في الفتاوى أيضا ينفي احتمال كون المراد للشارع طبيعة الذكر أو التسبيح، و أنه لا فرق عرفا في تأديها بالتسبيحة الواحدة و الأزيد، لعدم تعدد الطبيعة في الخارج و إن تعددت أفرادها فالجميع و إن كان تدريجيا يعد امتثالا واحدا، و قد التزمه في كل ما كان من قبيل المقام إلا أنه قد بينا بطلانه غير مرة في نفسه فضلا عن خصوص المقام المصرح فيه بوجوب الواحدة و استحباب الزائد، و ارتكاب التجوز فيه لا داعي له.

لكن على كل حال بناء عليه أو سابقه يتجه حينئذ عدم وجوب التعيين على المكلف لواجب التسبيح عن غيره، كما أن المتجه ذلك أيضا إن لم نقل بهما بل قلنا بأن الواجب التسبيح الأول و أن المستحب الثاني و الثالث، ضرورة الاكتفاء حينئذ بالنية الأولى للصلاة المستلزمة لنية أجزائها على ما شرعت عليه، لكن الانصاف بعده في المقام كبعد القول بظهور حال المكلف في إرادة فراغ ذمته بما يفعله أولا و أن المستحب بعد ذلك كما عساه يظهر من الذكرى، قال: «و الأقوى أن الواجبة هي الأولى لأنه مخاطب بذلك حال الركوع و لا يفتقر إلى قصد، نعم لو نوى وجوب غيرها فالأقرب الجواز لعدم تيقن التضييق» و فيه ما لا يخفى، لعدم ما يصلح دليلا على شي ء من ذلك بل ظاهر الأدلة وجوب الواحدة من الثلاث مثلا لا الأولى، فقد يتخيل حينئذ وجوب نية التعيين على المكلف كما في كل فعل مشترك بين الواجب و الندب، لتوقف صدق الامتثال عليها، ضرورة عدم تشخص الأفعال إلا بالنية، لكن دقيق النظر في المقام يقتضي خلافه، كما يرشد اليه خلو النصوص و الفتاوى عن وجوب التعيين، بل ظاهرهما عدمه، و كأنه إما لتعيين الأولى للواجب باعتبار تحقق وصف الواحدية التي هي عنوان الواجبة بها، فتتعين حينئذ لذلك قهرا، و ربما يحمل تعليل الشهيد المزبور عليه لا على

ج 10، ص: 99

ما سمعت، و إما لأن المفهوم من أوامر الشرع في المقام عدم إرادة الخصوصية التي يتوقف حصولها على النية، و احتياج المشترك في الامتثال انما هو بعد العلم بأن الشارع أراد الخصوصية بحيث جعلهما صنفين، كصلاة الصبح و نافلته، أما إذا لم يترتب للشارع غرض بذلك بل كان المقصود إيجاد هذا العدد في الخارج فلا يحتاج إلى التعيين كما في مثل المقام الذي كان الطلب الحتمي فيه متوجها إلى مصداق واحد منه من غير تشخيص لواحد بالخصوص و لا تعلق غرض له بخصوصية حتى يعلق الأمر بها، و حتمية الطلب لا تستلزم إرادة تشخيصه قطعا، و اقتضائها التنويع في الطلب لا يستلزم اقتضائها ذلك في المطلوب، كما أن التنويع في المطلوب لا يستلزم التنويع في الطلب كما في جملة من الواجبات و جملة من المندوبات، ضرورة اتحاد نوع الطلب في كل منهما و إن تعدد نوع المطلوب الذي هو عبارة عن تعلق غرض مخصوص للشارع في خصوصية كل من الأفراد حتى جعلها صنفين قبل تعلق الأمر بها، لا أنه جعلها صنفين به، و ما صفة الوجوب في المقام إلا كصفة شدة الاستحباب إذا فرض تعلقها بواحد مما تعلق به الأمر الندبي خاصة و التزام التعيين فيه أيضا كالوجوب و الندب تعسف واضح، و هو أي التنويع في المطلوب المتوقف صدق امتثاله عرفا على النية، بخلاف نوعية الطلب كما لا يخفى على من اختبر العرف في المقامين، فحينئذ لا بعد في الامتثال بالواحد المردد إذا لم نأخذ صفة الترديد فيه، و إن منع ذلك في المعاملة باعتبار اشتراط عدم الغرر فيها، بخلاف الامتثالات فإن أهل العرف لا يتوقفون في صدق امتثال العبد المأمور بإحضار ثلاثة دراهم مثلا أحدها على سبيل الوجوب و الباقي على جهة الندب و إن لم يشخص درهم الوجوب عن غيره، بل أحضر الثلاثة دفعة، و كان كلا منها صالحا لتحقق كلي الواجب فيه.

و على كل حال فلو جاء المكلف مثلا بالثلاث من غير تعيين ثم تبين له فساد واحدة أو ثنتين كان له الاجتزاء عن الواجب بالصحيحة الباقية، لأنها مصداق الأمر

ج 10، ص: 100

الوجوبي و لم يحصل ما يصرفها عنه و إن كان قد نوى أولا الإتيان بالواجب و المندوب، نعم قد يقال بعدم الاكتفاء مع فرض صحة خصوص ما نوى الندب بها مثلا، لأنا و إن قلنا: إنه لا يجب عليه نية التعيين لكن لا ريب في أن له ذلك، فمع فرض تعيينه يشكل الاكتفاء به عن الواجب، لمعلومية عدم سقوطه بالمندوب، اللهم إلا أن يقال بعدم اعتبار هذا التعيين من المكلف، و أنه يكون لغوا لعدم طلب الشارع له و عدم تعلق غرض مخصوص به، فهو لا يشخص أصلا، و لا يرفع صدق الأحدية التي علق بها الوجوب، و أنه بعد أن لم يعتبر الشارع خصوصية في المطلوب تمحضت إرادته مجرد العدد، و إن كان الأمر متعددا فهو في الحقيقة كالأمر الواحد المتعلق بمتعدد، فإنه لو أراد المكلف تشخيص بعض الأفراد باعتبار انحلال ذلك الأمر إلى أوامر متعددة لتعدد متعلقة لم يكن تشخيصه معتبرا، بل هو لغو صرف، و كذلك المقام بعد الفرض المزبور، فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو من دقة، و لم أر من تعرض لتنقيحه على ما ينبغي.

ثم المراد من التسبيحة الكبرى على الظاهر و الله أعلم أني أنزه الله ربي العظيم بحمده تنزيها بمعنى أن تنزيهي له بالحمد الذي هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري لا تنزيها مدحيا الذي يقع على غير الاختيار كمدح الجوهرة بالصفاء و البياض و نحوهما، فالواو حينئذ إما زائدة أو حالية، و الباء على حالها، و الظاهر أن هذا المعنى هو المراد من قوله تعالى حكاية عن الملائكة(1)«وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ» لا ما حكاه البهائي كما قيل عن جماعة من المفسرين في حبله، قال: و معنى سبحان ربي العظيم و بحمده أنزه ربي عن كل ما لا يليق بعز جلاله تنزيها و أنا متلبس بحمده على ما وفقني له من تنزيهه و عبادته، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف أن يكون هذا الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل تدارك ذلك بقوله: و أنا متلبس بحمدك، فسبحان مصدر بمعنى التنزيه


1- 1 سورة البقرة- الآية 28.

ج 10، ص: 101

كغفران، و لا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله، و هو هنا مضاف إلى المفعول، و ربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل، و الواو حالية، و ربما جعلت عاطفة، و لعله أشار بذلك إلى ما حكاه في المدارك عن أبي البقاء من أنه يجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل، لأن المعنى تنزيه الله، ثم في المدارك بعد أن ذكر أن سبحان مصدر أو اسم مصدر و أن عامله محذوف كنظائره قال: «قال: و الواو قيل: زائدة، و الباء للمصاحبة و الحمد مضاف إلى المفعول، و متعلق الجار عامل المصدر: أي سبحت الله حامدا، و المعنى نزهت الله عما لا يليق به، و أثبت له ما يليق به، و يحتمل كونها للاستعانة و الحمد مضاف إلى الفاعل: أي سبحته بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تنزيه محمودا، و قيل:

إن الواو عاطفة و متعلق الجار محذوف: أي و بحمده سبحته لا بحولي و قوتي، فيكون مما أقيم فيه السبب مقام المسبب، و يحتمل تعلق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا و يكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به العظيم، و حاصله أنزه تنزيها ربي العظيم بصفات عظمته و بحمده، و العظيم في صفته من يقصر عنه كل شي ء سواه، أو من اجتمعت له جميع صفات الكمال، أو من انتفت عنه صفات النقص» و لا يخفى عليك مع التأمل تطرق النظر إلى جملة من ذلك، و الله أعلم.

و كيف كان ف هل يجب التكبير للركوع كما عن العماني و الديلمي و ظاهر المرتضى، بل قيل: المفيد، أو لا يجب كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في الذكرى كظاهر نسبته إلى علمائنا في المحكي عن التذكرة فيه تردد ينشأ من ظاهر الأمر به في صحيح زرارة(1)و غيره، و من الأصل و ظهور

خبر أبي بصير(2)و غيره في عدم وجوب شي ء من التكبير في الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 5.

ج 10، ص: 102

إلا مرة واحدة، سأل الصادق (عليه السلام) في الموثق «أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة قال: تكبيرة واحدة»

كالمروي في الرياض عن علل الفضل من أن التكبير المفروض في الصلاة ليس إلا واحدة، فضلا عن

خبر محمد بن قيس (1)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «ان أول صلاة أحدكم الركوع»

و

خبر زرارة(2)سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن الفرض في الصلاة فقال: الوقت و الطهور و القبلة و التوجه و الركوع و السجود و الدعاء، قال: و ما سوى ذلك؟ فقال: سنة في فريضة»

و غيرهما من الأخبار الظاهرة في عدم وجوبها، بل ربما كان في

خبر علل الفضل بن شاذان (3)عن الرضا (عليه السلام) إشعار بذلك «انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان، و استفتاحهما بسبع تكبيرات: تكبيرة الافتتاح و تكبيرة الركوع و تكبيرتي السجدتين و تكبيرة الركوع في الثانية و تكبيرتي السجدتين، فإذا كبر الإنسان في أول صلاته سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الاستفتاح من بعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته»

بل

صحيح زرارة(4)المروي في الفقيه أظهر منه، قال:

قال أبو جعفر (عليه السلام): «إذا كنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى و عشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله أو لم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها»

لظهور العطف بأو فيما يشمل العمد، و هو لا يتم إلا على القول بالندب، ضرورة عدم التزام مدعي الوجوب بذلك، بل أصرح منهما معا

المروي (5)عن العلل عن الفضل عن الرضا (عليه السلام) قال: «انما رفع اليدان بالتكبير لأن رفع


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الركوع- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الركوع- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 11.

ج 10، ص: 103

اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع، فأحب الله عز و جل أن يكون العبد في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا، و لأن في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال و قصد، و لأن الغرض من الذكر انما هو الاستفتاح، و كل سنة فإنما تؤدى على جهة الفرض، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب الله أن يؤدى السنة على جهة ما يؤدى الفرض»

بل قد يشعر به النصوص السابقة الدالة على الاجتزاء بتكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام إلا أن تحمل على التداخل أو على وجوب استئناف تكبير آخر له.

و بالجملة لا ينبغي التأمل بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب البالغة حد الإجماع كما عرفته و مجموع النصوص للممارس الخبير الذي صار ببركة أهل العصمة و تتبع آثارهم كالمشافهين لخطاباتهم العارفين باراداتهم في أن الأظهر الندب و أنه هو المراد من الأمر به في النصوص المزبورة سيما بعد شيوع استعماله فيه حتى قيل بمساواته للحقيقة، و سيما في خصوص النصوص المزبورة التي سيقت لبيان المندوبات بهذه الأوامر، فمن العجيب تردد المصنف فيه أولا و أعجب منه توقفه و استشكاله في الحدائق، خصوصا و قد اعترف في الأخير باتفاق الأصحاب قديما و حديثا على استحبابه عدا الحسن، لكنه معذور بعد الخلل في الطريقة، و الله أعلم.

[في مستحبات الركوع]
اشاره

و أما المسنون في هذا القسم أي الركوع فمنه

[في استحباب أن يكبر للركوع قائما]

أن يكبر للركوع قائما منتصبا على المشهور بين الأصحاب، بل في المدارك و المعتبر نسبته إليهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه، و هو الحجة في مثله بعد تعليم الصادق (عليه السلام) لحماد(1)و

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «إذا أردت أن تركع فقل و أنت


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 104

منتصب: الله أكبر ثم اركع»

فما عن الشيخ من أنه يجوز أن يهوي بالتكبير ضعيف إن أراد المساواة، و مبني على مسألة حمل المطلق على المقيد في المندوبات التي ذكرنا البحث فيها سابقا إن أراد ثبوت الاستحباب و لو مفضولا، فما في الذكرى و غيرها بعد حكاية ذلك عن الشيخ لا ريب في الجواز إلا أن ذلك أفضل ليس إطلاقه على ما ينبغي، كالذي وقع في المحكي من تعليق الإرشاد و جامع المقاصد من أنه لو كبر هاويا و قصد استحبابه باعتبار الكيفية أثم و بطلت صلاته إلا أن يراد فضل الانتصاب من قوله: «استحبابه» كما هو ظاهر ما حضرني من نسخة تعليق الإرشاد، و يبقى عليه البحث حينئذ في البطلان بالتشريع بمثله الذي قد تكرر ذكره منا، بل لعل المقام أولى بذلك عند التأمل، كما أنه تقدم تمام الكلام في استحباب الرفع فيه الذي أشار إليه المصنف بقوله رافعا يديه بالتكبير محاذيا أذنيه و يرسلهما ثم يركع عند البحث في تكبيرة الإحرام، ضرورة عدم اختصاصها بذلك، و قد ذكرنا هناك احتمال استحباب كل منهما مستقلين، و أن الاجتماع مستحب في مستحب لا أنه شرط في استحباب التكبير كالعكس بل لعل هيئة الرفع كذلك أيضا خصوصا إن لم نقل بحمل المطلق على المقيد في المندوبات و قد ذكرنا هناك خلاف المرتضى و دعواه الإجماع على الوجوب، فلاحظ و تأمل.

و منه أن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع بإجماع العلماء كافة إلا ابن مسعود كما في المنتهى و المعتبر، و بإجماع العلماء إلا ابن مسعود و صاحبيه الأسود ابن زيد و عبد الرحمن بن الأسود في المحكي عن التذكرة، و ستسمع إن شاء الله أن ابن مسعود و صاحبيه أوجبوا التطبيق أو استحبوه على اختلاف النقل، و قد انقرض و الحمد لله.

و لو كان بأحدهما عذر يمنع من الوضع أو التفريج وضع و فرج الأخرى

ج 10، ص: 105

كما نص عليه الفاضل و الشهيد و الكركي، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، بل يمكن دعوى جواز ذلك اختيارا و إن كان أقل ثوابا على إشكال، و لا بدل له لو عم العذر لهما لعدم الدليل.

[في استحباب تسوية الظهر في الركوع]

و منه أن يرد ركبتيه إلى خلفه و يسوي ظهره و يمد عنقه موازيا ظهره بإجماع العلماء في المنتهى و ظاهر المعتبر، كما أنه في المحكي عن التذكرة الإجماع على الأول منها، بل في جامع المقاصد الإجماع على استحباب التجافي فيه، و في المنتهى لا خلاف فيه، و المراد به أن لا يضع شيئا من أعضائه على شي ء إلا اليدين أي لا يلصق يديه ببدنه بل يخرجهما عنه بالتجنيح، و هو أن يخرج العضدين و المرفقين عن بدنه (1)كالجناحين، و قد يتحقق التجافي أيضا، بفتح الإبطين أو إخراج الذراعين عن الإبطين بل ربما أطلق عليه التجنيح أيضا، و في

خبر ابن بزيع (2)قال: «رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يركع ركوعا أخفض من ركوع كل من رأيته، و كان إذا ركع جنح بيديه»

كما أن غيره من النصوص المعتبرة وافية بجميع ذلك، بل قد تضمنت زيادة عليه، منها صحيحة حماد(3)المشهورة المشتملة على تعليم الصادق (عليه السلام) له، و منها

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(4): «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب، الله أكبر ثم اركع، و قل: رب لك ركعت و لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت، و أنت ربي خشع لك سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخي و عصبي و عظامي و ما أفلته قدماي غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر سبحان ربي


1- 1 و في النسخة الأصلية« عن يديه» و لكن الصواب ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الركوع- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 106

العظيم و بحمده ثلاث مرات في ترسل و تصف في ركوعك بين قدميك، تجعل بينهما قدر شبر و تمكن راحتيك من ركبتيك و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى و تلقم بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك و أقم صلبك و مد عنقك، و ليكن نظرك بين قدميك ثم قل: سمع الله لمن حمده و أنت منتصب قائم الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة الحمد لله رب العالمين تجهر بها صوتك ثم ترفع يديك بالتكبير و تخر ساجدا»

و في

صحيح حماد المشهور «ثم قال: الله أكبر و هو قائم ثم ركع و ملأ كفيه من ركبتيه مفرجات، و رد بركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تنزل لاستواء ظهره، و رد ركبتيه إلى خلفه و مد عنقه و غمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل، و قال: سبحان ربي العظيم و بحمده ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال: سمع الله لمن حمده ثم كبر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه و سجد».

و في

صحيح زرارة(1)الآخر عن الباقر (عليه السلام) أيضا «فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، و تمكن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلغ أطراف أصابعك عين الركبة، و فرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك- إلى أن قال-: و أحب إلى أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة، و تفرج بينهما، و أقم صلبك و مد عنقك، و ليكن نظرك إلى بين قدميك، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير».

إلى غير ذلك من النصوص، بل الظاهر أنها في المقام أوفى من كلمات الأصحاب و أحسن تأدية.

و لا تعارض بينهما إلا في تغميض العينين و عدمه، و لعل حماد ظن أنه قد غمض من جهة توجيه نظره إلى ما بين قدميه، فالرائي يراه كأنه قد غمض عينيه، أو يراد هذا


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 107

المعنى من التغميض في عبارة حماد، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:

و شغل فصل القدمين بالنظرما بين تحديد و تغميض البصر

لكن عن نهاية الشيخ «و غمض عينيك، فان لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك» و ظاهره التغميض الحقيقي مع أن مسمعا(1)

روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن النبي (صلى الله عليه و آله) نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة»

و ما عن المعتبر من أن خبر حماد خاص فيقدم يمكن دفعه بما عرفت، و سوى ما عساه يفهم من

المروي (2)عن قرب الاسناد سأل علي بن جعفر أخاه (عليه السلام) «عن تفريج الأصابع في الركوع أ سنة هو؟ قال: من شاء فعل و من شاء ترك»

من عدم الاستحباب و لعله يريد عدم الوجوب، فلا منافاة حينئذ، فظهر حينئذ أن النصوص زادت على ما ذكره المصنف، بل في بعضها كصحيحي ابني عمار(3)و مسكان (4)الأمر برفع اليدين لرفع الرأس من الركوع، و حكاه في الذكرى عن ابني بابويه و صاحب الفاخر و قربه هو، كما أنه مال اليه غيره ممن تأخر عنه، و هو لا يخلو من قوة، لصحة الخبرين و اعتضادهما بإطلاق الأمر به (5)في الصلاة و أنه زينة و استكانة و تبتل و ابتهال و أنه العبودية، و خلو كثير من الفتاوى عنه كالنصوص سيما صحاح حماد و زرارة غير قادح في مثل هذا الحكم الاستحبابي و لقد أجاد الطباطبائي (رحمه الله) في قوله:

و ليس للرفع هنا تكبيرو لا به رفع يد مشهور

و الرفع في نص الصحيحين ذكرفندبه أولى و إن لم يشتهر


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الركوع- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.

ج 10، ص: 108

فنفي المصنف له في معتبرة كما عن ابن أبي عقيل، بل ظاهر الأول الإجماع عليه لا يخلو من نظر كاجماعه، لخلو أكثر كتب الأصحاب كما قيل عن التعرض له نفيا و إثباتا، و احتمال تنزيل الخبرين على التقية كما في الحدائق تبعا للمجلسي (رحمه الله) لاشتهار الحكم عندهم لا داعي له، بل ظاهر الأصحاب في غير المقام أولوية الحمل على الاستحباب من ذلك، كما يشهد له ذكرهم الاستحباب في نواقض الوضوء و غيرها، على أنه

روى ولد الشيخ في المحكي عن مجالسه عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن أبي عمر عن أحمد بن زياد السمسار عن أبي نعيم عن قيس بن سليم عن علقمة بن وائل عن أبيه (1)قال: «صليت خلف النبي (صلى الله عليه و آله) فكبر حين افتتح الصلاة و رفع يديه حين أراد الركوع»

و في

المروي عن مجمع البيان عن مقاتل بن حنان عن الأصبغ بن نباتة(2)عن علي (عليه السلام) «أنه لما نزلت «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ»(3)قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربي قال: يا محمد ليست بنحيرة و لكنه يأمرك إذا تحرمت الصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت و إذا ركعت و إذا رفعت رأسك من الركوع و إذا سجدت، فإنه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع»

إلى آخره.

و هما مما يؤيدان عدم التقية، على أن من المستبعد أمرهم (عليهم السلام) خاصة أصحابهم بها في مثل هذا الأمر الذي ليس بواجب عند العامة أيضا، فظهر حينئذ أن الأقوى استحبابه.

نعم الظاهر الاقتصار عليه بلا تكبير خلافا للمحكي عن تحفة السيد الجزائري و بعض مشايخ البحرين، بل ربما كان ظاهر المحكي عن ابن الجنيد، و كأنه لمعروفية التلازم بينهما في سائر المواضع، فذكر أحدهما يدل على الآخر، و فيه منع، بل ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 14.
3- 3 سورة الكوثر- الآية 2.

ج 10، ص: 109

هذين الصحيحين فضلا عن غيرهما نفيه، بل كاد ذلك يكون صريح الأخبار(1)المشتملة على أعداد التكبير في الصلاة التي تقدم بعضها بما لا يدخل هو فيها، و بها يخرج عن إطلاق

المروي عن قرب الاسناد(2)عن المهدي (عليه السلام) في حديث «إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير»

مع احتمال كون الحالة الأخرى بعد الركوع السجود لا ما يشمل الرفع منه، و الله أعلم.

و كذا ظهر لك أيضا مما في صحيح زرارة السابق أن من المسنون في الركوع أيضا أن يدعو بما سمعت أمام التسبيح الواجب و لعل الأولى ذكر ما في الصحيح المزبور(3)لا ما حكي عن الفقيه و فلاح السائل و المصباح، فإنه و إن كان موافقا له في الأكثر أيضا إلا أن فيه نقصانا عنه و تغييرا يسيرا، و لذا كان هو المذكور في أكثر الكتب التي تعرض لهذا الدعاء فيها كما قيل، و الأمر سهل.

[في استحباب أن يسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا فما زاد]

و منه أيضا أن يسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا كما في القواعد إلا أنه لم أجد نصا على التخميس، بل الموجود في النصوص السابقة أن السنة في ثلاث و الفضل في سبع، و لعله لذا حذفه غير واحد، و جعل المستحب الثلاث أو السبع، نعم في معقد ما حكي من إجماع الخلاف الثلاث أفضل إلى السبع، و هو لا يخص الخمس أيضا، كما أنه لم أجد ما يدل على خصوص مرتبة أخرى أيضا إلا

ما يحكى عن الفقه الرضوي (4)«أو تسعا»

، و لذا كان ظاهر كثير من العبارات كالصحيح السابق أن السبع نهاية الكمال لكن قال المصنف هنا و في النافع تبعا للمحكي عن الوسيلة: أو سبعا فما زاد و تبعه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب تكبيرة الإحرام و الباب 2 من أبواب الركوع.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 10، ص: 110

عليه الفاضل و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم إلا أنه ربما ظهر من بعضهم أن منتهى ذلك الأربع و ثلاثون أو الستون، كما أن ظاهر آخر تقييد استحباب الزيادة على السبع لغير الامام، و في معتبر المصنف أن الوجه استحباب ما يتسع له العزم و لا يحصل به السأم إلا أن يكون إماما فإن التخفيف له أليق إلا أن يعلم منهم الانشراح، و تبعه عليه غيره.

و السبب في ذلك اختلاف النصوص، فمنها صحيح السبع (1)و منها

خبر أبان ابن تغلب (2)«دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) و هو يصلي فعددت له في الركوع و السجود ستين تسبيحة»

و منها

خبر حمزة بن حمران و الحسن بن زياد(3)

و منها

مضمرة سماعة(4)إلى أن قال فيه: «و من كان يقوى على أن يطول الركوع و السجود فليطول ما استطاع، يكون ذلك في تسبيح الله و تحميده و تمجيده و الدعاء و التضرع، فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه و هو ساجد، فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطول بهم، فان في الناس الضعيف و من له الحاجة، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان إذا صلى بالناس خف لهم»

و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة(5): «ثلاثة ان يعملهن المؤمن كانت له زيادة في عمره و بقاء النعمة عليه، فقلت: و ما هن؟ فقال: تطويله في ركوعه و سجوده في صلاته، و تطويله لجلوسه على طعامه إذا أطعم على مائدته، و اصطناعه المعروف إلى أهله»

و

قال أيضا لأبي أسامة(6)في حديث: «و عليكم بطول الركوع و السجود، فإن أحدكم


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الركوع الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الركوع الحديث 2.قالا: «دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) و عنده قوم فصلى بهم العصر و قد كنا صلينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم أربعا أو ثلاثا و ثلاثين مرة، و قال أحدهما في حديثه: «و بحمده»
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الركوع الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الركوع الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الركوع الحديث 7.

ج 10، ص: 111

إذا أطال الركوع و السجود هتف إبليس من خلفه و قال: يا ويلتا أطاعوا و عصيت و سجدوا و أبيت»

إلى غير ذلك، فجمع المصنف بين الجمع بما عرفت، و هو جيد لكنه لم يتضمن وجه حصر الفضل في سبع في الصحيح الأول، و لعله لذا قال في الحدائق:

إن الجمع بين هذه النصوص مشكل، قلت: قد يقال: إن المراد من صحيح السبع بيان نهاية الفضل لهيئة العدد لا لذاته، فيستحب الزائد حينئذ من حيث الذات لا الهيئة عملا بالنصوص المزبورة، و منها يستفاد عدم إذهاب الزائد ثواب الهيئة بخلاف النقص، إذ احتمال أن اختياره (عليه السلام) للزيادة تقديما لرجحانها على رجحان الهيئة بعيد مناف لظاهر حصر الفضل في السبع، و لا ملازمة بين ذهابها بالنقصان و ذهابها بالزيادة، بل الفرق بينهما في كمال الوضوح، فينحصر حينئذ الفضل بالنسبة إلى الهيئات في الثلاثة و السبعة، و احتمال إثبات هيئة الأربع أو الثلاث و الثلاثين أو الستين من فعله (عليه السلام) مع احتمال خبر الأخير التوزيع على الركوع و السجود لا لكل منهما لا شاهد له و فعله (عليه السلام) أعم من ذلك و من إرادة تحصيل فضل ذات العدد دون الهيئة، فلا يخرج عن الحصر في الصحيح المزبور، كما أن الظاهر بناء على ذلك حصول فضل هيئة الثلاث مع ذات العدد لا الأربع و الخمس و الست، لما عرفت من عدم الدليل على هيئة الخمس، بل يمكن دعوى حصول فضيلة ذات العدد خاصة بالاثنتين أيضا، و ربما كان في خبر الحضرمي (1)السابق إيماء إليه، كما أن تقييد المصنف فضل الذات بما إذا لم يحصل السأم لعله من جهة مطلوبية الإقبال في العبادة، و ربما أدي فعلها مع ذلك إلى عدم الرغبة فيها، و إلا فليس في النصوص السابقة ما يدل عليه بالخصوص، نعم قد يستفاد من فعل الصادق (عليه السلام) في الصلاة بأصحابه، و مما ورد من التخفيف للإمام تفصيله الآخر بالانشراح و عدمه، و لعل ذلك كله يندرج في مسألة ترجيح


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 5 و 7.

ج 10، ص: 112

المستحب على مستحب آخر مع التعارض لا تقييد أصل الاستحباب، هذا.

و ليعلم أن المراد باستحباب الثلاث مثلا وصف الثلاثية لا كل واحدة منها، ضرورة وجوب الواحدة المنافي لثبوت الاستحباب، نعم هو لا ينافي كونها جزءا من الكل المجموع المستحب، ضرورة تغاير محل الوجوب و الاستحباب، فلا يتوهم حينئذ من قولهم يستحب الثلاث مثلا البناء على أنها أفضل أفراد الواجب التخييري، فيكون كتسبيح الأخيرتين، إذ قد عرفت أنها تجامع القول بوجوب الواحدة، و لذا عينها في الذكرى بالأولى و إن لم تقصد مع تعبيره هنا بالعبارة المزبورة، و من المعلوم أنه على تقدير الوجوب التخييري لا معنى لجعل الواجبة الأولى، بل الواجب حينئذ الثلاث، نعم هو محتمل في نفسه لا أنه لازم للتعبير المزبور، بل ظاهر الشهيد الثاني في الروضة أن التسبيح في المقام كالتسبيح في الأخيرتين، و أن الكلام في الوجوب التخييري و عدمه متحد بالنسبة إليهما، بل ربما يوهمه بعض أخبار المقام أيضا لكن دقيق النظر في النصوص هنا يعين الثاني، بل هو صريح الصحيح المزبور و حمله على إرادة بيان أن الواحدة أقل الواجب لا داعي له، بخلاف النصوص في تسبيح الأخيرتين، فإنه يظهر من بعضها أن الواجب الثلاث و من آخر الواحدة، فيتجه القول بالتخيير حينئذ، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فالظاهر كما اعترف به في كشف اللثام أن مورد التثليث مثلا التسبيحة الكبرى دون غيرها لعدم الدليل، لكن يمكن بمعونة معلومية إرادة القدر من الكبرى تعميم البحث للجميع، و حينئذ يكون تثليث الصغريات بتكرارها تسعا و هكذا، لأن الثلاث بمنزلة الكبرى الواحدة، و كذلك باقي الذكر، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و من المسنون أيضا أن يرفع الامام صوته بالذكر فيه بلا خلاف أجده

ج 10، ص: 113

فيه كما في المنتهى، لعموم أمره (1)بالإسماع لكل ما يقوله، و لعل ذكرهم له هنا لتأكد استحبابه في خصوص المقام.

[في استحباب أن يقول بعد الانتصاب سمع الله لمن حمده]

و منه أن يقول بعد انتصابه سمع الله لمن حمده وفاقا للأكثر، بل المشهور بل في ظاهر المنتهى و المعتبر و المسالك الإجماع عليه، بل لعله المراد أيضا من المحكي عن النهاية و معقد إجماع الخلاف «فإذا رفع رأسه من الركوع قال» كالمحكي عن المراسم «ثم يرفع رأسه و يقول» بل و ما في اللمعة «في حالة رفعه منه» و ما في القواعد «و قول سمع الله لمن حمده ناهضا» ليوافق ما في باقي كتبه كما في كشف اللثام فضلا عن غيرها من العبارات المعبر فيها بعند و نحوها، نعم في الغنية «يقول عند الرفع، فإذا استوى قائما قال: الحمد لله» إلى آخره. بل هو المنقول عن التقي و ظاهر الاقتصاد، بل حكاه في الذكرى عن ظاهر الحسن و السرائر و إن كان الذي وصل إلينا من عبارة الثانية يمكن إنكار ظهورها فيه، بل لعلها ظاهرة في المشهور، و لذا حكاه في كشف اللثام عنها، كما أن فيما حضرني من الغنية عند استوائه، لكن على كل حال هو مخالف لما عرفت، و لما في

صحيح زرارة(2)[8008] «ثم قل: سمع الله لمن حمده و أنت منتصب قائم الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة الحمد لله رب العالمين تجهر بها صوتك»

و غيره، و لقد أجاد في الذكرى في قوله: و هو مردود بالأخبار(3)المصرحة بأن الجميع بعد انتصابه، و مقتضى إطلاق بعضها ككثير من الفتاوى عدم الفرق في ذلك بين الامام و المأموم و المنفرد، بل هو من معقد إجماع المنتهى و المعتبر و المسالك السابق


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الركوع- الحديث 1 و الباب 17 منها الحديث 3 و المستدرك- الباب 13 منها.

ج 10، ص: 114

بل عن البحار التصريح بالإجماع عليه، لكن في المدارك لو قيل باستحباب التحميد خاصة للمأموم كان حسنا، ل

صحيح جميل بن دراج (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده؟ قال: يقول: الحمد لله رب العالمين و يخفض من الصوت»

و فيه- مع منافاته لما عرفت و لمتابعة المأموم الامام- أنه يمكن عود ضمير الفعل بعد «إذا» إلى الرجل، فلا ينافي الأخبار الأخر حينئذ، بل يقوى في الذهن أن المراد به التعريض فيما تقوله العامة: «ربنا و لك الحمد» على معنى أن المستحب بعد السمعلة هذا، و هو الذي أراده المصنف بقوله: «و يدعو بعده» و دل عليه الصحيح السابق و إن كان ليس دعاء حقيقة، لا ذاك الذي يقوله المخالفون، قال في المعتبر: يستحب الدعاء بعد السمعلة بأن يقول: الحمد لله أهل الكبرياء و العظمة إماما كان أو مأموما ذكر ذلك الشيخ، و هو مذهب علمائنا، ثم نقل عن الشافعي أنه يقول: «ربنا و لك الحمد» و عن أحمد روايتان: أحدهما كما يقوله الشافعي، و الثانية لا يقولها المنفرد، و في وجوبها عنه روايتان، و عن أبي حنيفة أنه يقولها المأموم دون الامام، ثم رجح قولنا بأنه المروي عن أهل البيت (عليهم الصلاة و السلام)، و أنه أفصح لفظا و أبلغ في الحمد، فيكون أولى، ثم أيده بما رواه أحمد في مسنده، ثم قال: و من الجمهور من أسقط الواو لأنها زيادة لا معنى لها، و قال بعض أهل اللغة: الواو قد تزاد في كلام العرب، و ظاهره إنكار ثبوت رجحانها لعدم نص بها عندنا كالشيخ في المبسوط و إن قال بعدم فساد الصلاة بقولها، قال: و لو قال: ربنا و لك الحمد لم تفسد صلاته، لأنه نوع تحميد، لكن المنقول عن أهل البيت (عليهم السلام) أولى، قلت: قد يقال بالفساد مع نية الاستحباب الخصوصي بناء على بطلانها بنحو هذا التشريع، نعم لو تم ما رواه في الذكرى أمكن القول بثبوت استحبابه، قال فيها:

روى الحسين بن


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 115

سعيد بإسناد إلى أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم بحول الله و قوته أقوم و أقعد أهل الكبرياء و العظمة و الجبروت»

و

بإسناده إلى محمد بن مسلم (2)عنه (عليه السلام) «إذا قال الامام سمع الله لمن حمده قال من خلفه: ربنا لك الحمد، و إن كان وحده إماما أو غيره قال: سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين»

بل صريح الشهيد (رحمه الله) في الذكرى العمل به حيث دفع ما في المعتبر به، قال: و يدفعه قضية الأصل، و الخبر حجة عليه، و طريقه صحيح، و اليه ذهب صاحب الفاخر، و اختاره ابن الجنيد و لم يقيده بالمأموم، و فيه مع أنه لا وجه صحيح لتمسكه بالأصل في إثبات الاستحباب الخصوصي احتمال ذكر الخبر المزبور على مذاق العامة كما استقر به في الحدائق، و يؤيده عدم اعتناء مثل الشيخ به، بل ظني أنه من جملة أخبار الكتاب المزبور التي تركها نقدة الآثار و لم يذكروها في جوامع العظام، و منه يعلم رجحان الذكر بعد السمعلة بما سمعته في النصوص السابقة لا بما في خبر أبي بصير لأرجحيتها عليه، خصوصا مع عدم حسن التأليف فيه، و لو أن الزيادة فيه بعد تمام الذكر في غيره لأمكن القول به للتسامح.

لكن ظاهر الشهيد العمل به، حيث قال: و يستحب أيضا في الذكر هنا «بالله أقوم و أقعد» و لم أجده لغيره و لا في غير الخبر المزبور، كما أني لم أجد

ما حكي عن ابن أبي عقيل من أنه روي «اللهم لك الحمد مل ء السماوات و مل ء الأرض و مل ء ما شئت من شي ء يعد»

فيما حضرني من كتب الأصول و الفروع إلا ما في الحدائق عن

كتاب الغارات (3)«كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر- إلى أن قال-: و كان أي رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا رفع صلبه قال: سمع الله


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الركوع- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الركوع- الحديث 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 13- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 116

لمن حمده اللهم لك الحمد مل ء سماواتك و مل ء أرضيك و مل ء ما شئت من شي ء»

إلى آخره لكن لا بأس بذكره للتسامح، و كذا لا بأس بالعمل بما في الصحيح الأول من استحباب الجهر بالسمعلة و ما بعدها من الذكر السابق إلا أنه قد يشكل في المأموم إذا فرض سماع الامام، لبعد احتمال التخصيص خصوصا و التعارض من وجه، و المراد بالسمعلة الدعاء لا الثناء كما كشف عن ذلك ما في

خبر الفضيل (1)قلت للصادق (عليه السلام): «جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي: احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك يقول: سمع الله لمن حمده»

و تعديته باللام لتضمنه معنى الاستجابة، كما أن قوله تعالى (2)«لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى» ضمن معنى الإصغاء، إلى غير ذلك من المندوبات التي لا تخفى بعد التأمل في النصوص و الإحاطة بها.

[في مكروهات الركوع]
اشاره

و أما ما يكره في الركوع فأمور:

أحدها التبازخ

بالزاء و الخاء المعجمتين و هو كما في الذكرى تسريح الظهر و إخراج الصدر، و لعله اليه يرجع ما في كشف الأستاذ من أنه يحصل بجعل الظهر كالسرج و طي البطن، و لم أعثر على نص فيه تفسيرا و حكما، لكن ذكره في الذكرى و تبعه عليه الأستاذ، و لا بأس به.

ثانيها التدبيخ

بالدال المهملة و الخاء المعجمة، و في الذكرى روي بالذال المعجمة، أيضا، و الأول أعرف، و هو إن يقبب الظهر و يطأطئ الرأس، و لعل الكراهة فيه] للمرسل (3)من نهي النبي (صلى الله عليه و آله) بل لعله عامي، نعم في

خبر إسحاق ابن عمار(4)المروي في الذكرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ان عليا (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الركوع- الحديث 2 رواه عن المفضل.
2- 2 سورة الصافات- الآية 8.
3- 3 المستدرك- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الركوع- الحديث 3.

ج 10، ص: 117

كان يكره أن يحدر رأسه و منكبيه في الركوع و لكن يعتدل»

و في كشف الأستاذ و يكره التدبيخ بالدال المهملة و الخاء المعجمة عكس التبازخ، و التدبيح بالدال و الحاء المهملتين بسط الظهر و طأطأة الرأس، و التصويب هو التدبيح، و الإقناع جعل الرأس أرفع من الجسد، و ربما كان في

خبر علي بن عقبة(1)شهادة على بعض ذلك، قال: «رآني أبو الحسن (عليه السلام) بالمدينة و أنا أصلي و أنكس رأسي و أتمدد في ركوعي فأرسل إلى لا تفعل»

و إن كان غير منطبق على تمام ما سمعت، نعم يستفاد منه كراهة تنكيس الرأس و التمدد كما نص عليهما بعد ذلك في الكشف أيضا، مع أنه يمكن إرادة تنكيس الرأس في الخبر المزبور في القيام لا الركوع، لكن يسهل الخطب أن الحكم مما يتسامح فيه، على أن ما حضرني من نسخة الكشف غير نقية من الغلط.

ثالثها الانخناس

الذي تحصل معه الانحناء الواجب، و إلا بطل، و هو تقويس الركبتين و الرجوع إلى وراء، و لم أقف على نص فيه أيضا بالخصوص إلا أنه نص عليه في الذكرى و الكشف، و لعلهما أخذاه مما عرفت، و من دعوى ظهور النصوص في مرجوحية غير الصفة المأمور بها في الركوع، خصوصا مثل هذه الأحوال، بل لعل معنى الأمر بتسوية العنق للظهر و موازاته أنه لا يكون منكسا و لا مرتفعا، فيستفاد منه حينئذ بعض هذه الأحوال، كما أن من الأمر بغيره يستفاد آخر و لو بالقرائن لا من جهة أن ترك المستحب مكروه، إذ هو مع أنا لا نقول به لا يقتضي كراهة الأضداد الخاصة، و لا يخص هذه الأحوال دون غيرها، فتأمل.

و رابعها التطبيق،

و هو جعل إحدى الكفين على الأخرى ثم إدخالهما بين ركبتيه للمروي عن

قرب الاسناد(2)عن علي بن الحسين (عليهما السلام) «ان وضع


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الركوع- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.

ج 10، ص: 118

الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، و ليس في الصلاة عمل»

و يحتمل إرادة التكفير منه، لكن قد يكفي في الكراهة تصريح نحو الشهيد و الفاضل فيما حكي من مختلفه حاكيا فيه ذلك عن أبي الصلاح ككشف اللثام، مع أن ابن مسعود و صاحبيه الأسود بن يزيد و عبد الرحمن بن الأسود قالوا باستحبابه، و لعل الرشد في خلافهم، بل عن خلاف الشيخ عن ابن مسعود القول بوجوبه، و كأنه لم يقف على ما روي عن سعد بن أبي وقاص قال: «كنا نفعل ذلك فأمرنا بضرب الأكف على الركب» و على كل حال لا يقدح خلافهم بعد انقراضهم في إجماع المسلمين على مرجوحية ذلك الآن بل لعل هذا هو المراد من الإجماع المحكي عن الخلاف على عدم الجواز، كما أومأ إليه في كشف اللثام لا الحرمة الذاتية، لعدم الدليل الذي يخرج به عن الأصل و الإطلاقات، و إجماع الخلاف مع حصول الظن بغيره لو فرض إرادة الفرض منه يحتمل ما سمعت مما لا يقدح فيما قلناه، و ما عن أبي علي من تعليله بالنهي عنه لم يثبت عندنا، فما عن أبي الصلاح و الفاضل و ظاهر الخلاف و ابن الجنيد من التحريم لا ريب في ضعفه، على أنك قد سمعت حكاية الكراهة عن أبي الصلاح، كما أنك سمعت احتمال إرادة الخلاف عدم الرجحان الذي هو مظنة الإجماع لا الحرمة، و أما الفاضل فهو و إن كان ظاهر قواعده أو محتملها عدم الجواز لكن مع ما قيل من أنه لم يصرح به في باقي كتبه قد سمعت تصريحه بالكراهة في المختلف، و المصنف لم يحضرني تصريح له بذلك، فقل الخلاف حينئذ إن لم ينعدم باحتمال إرادة الكراهة من الجميع، و يؤيده خلو النصوص و الفتاوى عن الأمر به أو اشتراط عدمه في الصلاة، إذ قد عرفت أن التحقيق عدم وجوب الوضع على الركبتين، نعم لا إشكال في الحرمة مع قصد المشروعية للتشريع، كما أنه يحتمل البطلان حينئذ معه بناء على بطلانها بمطلق التشريع فيها، بل قطع به في كشف اللثام هنا، و فيه ما عرفته غير مرة، كما أن جزمه بالحرمة من دون إبطال لو قلنا

ج 10، ص: 119

بوجوب وضع الكفين على الركبتين لا يخلو من إشكال من وجهين، لابتنائه على النهي عن الضد أولا، أو لأن المتجه حينئذ البطلان أيضا بسبب ترك الوضع لا التطبيق، ضرورة إرادة الشرطية من وجوب الوضع على الركبتين، و لعله يريد من جهة التطبيق نعم يتعين البطلان لو فعله عمدا بناء على أنه فعل كثير كالتكفير، بل الظاهر ذلك أيضا بناء على ثبوت النهي عنه كما عن أبي علي، و يحتمله الخبر المزبور لظهور النهي المفروض عرفا فيه، بل ظاهره حينئذ النهي عن الركوع بهذه الهيئة، و في الذكرى يمكن الصحة، لأن النهي عن وصف خارج، و هو كما ترى، و الأمر سهل بعد أن عرفت أن الأقوى عدم الحرمة.

[خامسها أن يركع و يداه تحت جميع ثيابه]

خامسها أن يركع و يداه تحت جميع ثيابه كما صرح به جماعة، بل في الذكرى و تعليق الإرشاد و عن المسالك نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه كظاهر المحكي عن الغنية، و كفى به حجة لمثله، مضافا إلى

خبر عمار(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يصلي فيدخل يديه تحت ثوبه قال: إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس، و إن لم يكن فلا يجوز ذلك، و إن أدخل يدا و أخرج أخرى فلا بأس»

و هو ظاهر في المطلوب بعد إرادة الكراهة من نفي الجواز، لقصوره عن إفادته خصوصا مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على الجواز، و مع ما تسمعه من صحيح ابن مسلم (2)و نفي البأس فيه أولا لا ينافي المطلوب، ضرورة عدم صدق تحت جميع الثياب المستفاد من إضافة الجمع مع فرض وجود الثوب، و منه يعلم عدم مخالفة الإسكافي لنا فيما حكي عنه من أنه لو ركع و يداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزر و سراويل، فتأمل. كما أن نفي البأس فيه أخيرا كذلك، لظهور العبارة و غيرها في اعتبار إدخال


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب لباس المصلى- الحديث 4 مع اختلاف في الألفاظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.

ج 10، ص: 120

اليدين معا، بل لعله مراد الفاضل في الإرشاد و إن عبر باليدين على ما قيل كالمحكي عن الوسيلة، مع أن فيما حضرني من نسخة الأول «يداه» نعم ظاهره عدم الفرق في ذلك بين حال الركوع و غيرها من أحوال الصلاة، و لذا عممه في الكشف، و كأنهم خصوه بالركوع لأنه عنده ربما تسبب لانكشاف العورة، فيمكن جعل ذلك فيه أشد، هذا.

و قد ظهر مما عرفت أنه لا كراهة في وضع اليدين حينئذ في الكمين، و لا تحت بعض الثياب خصوصا الرداء و العباءة في هذا الزمان، فما عن أبي الصلاح من كراهة إدخالهما في الكمين و تحت الثياب لعموم إخراج اليدين لا يخلو من نظر، و في المدارك و يدفعه صريحا

صحيح ابن مسلم (1)سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن الرجل يصلي و لا يخرج يديه من ثوبه فقال: إن أخرج يديه فحسن، و إن لم يخرج فلا بأس»

و قد يناقش في دعوى الصراحة في رده، بل أقصاه الدلالة على الجواز الذي يجامع الكراهة نعم هو ظاهر في استحباب الخروج، و لعله ظاهر في البروز لا ما يشمل الدخول تحت الكمين، و لذا حكي عن النفلية أنه يستحب بروز اليدين، و دونه أن يكونا في الكمين، و لا أن يكونا تحت ثيابه، بل في شرحها أن هذا هو المشهور، لكن الانصاف انسياق ما لا يشمل الدخول في الكمين من الخروج، و لذا كان ظاهر المبسوط و غيره (2)المساواة بين البروز و الأكمام، بل هو من معقد ظاهر إجماع الذكرى و عن غيرها، فتأمل، و المراد باليد المستحب بروزها الراحة و الأصابع و ما جاوزها إلى الزند، لأنه هو المتعارف في البروز كما اعترف به في المحكي عن الفوائد الملية.


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب لباس المصلى- الحديث 1.
2- 2 و في المبيضة« عدم المساواة» و الصواب« المساواة» طبقا للمسودة لأنهم سووا بين كون اليد في الكم و بين كونها خارجة عن الثياب.

ج 10، ص: 121

سادسها قراءة القرآن فيه و في السجود كما صرح به بعضهم، بل لعله هو مراد الفاضل في المنتهى حيث قال: لا يستحب القراءة في الركوع و السجود، و هو وفاق لما رواه

علي (عليه السلام)(1)«ان النبي (صلى الله عليه و آله) نهى عن قراءة القرآن في الركوع و السجود»

رواه الجمهور، ضرورة ظهور دليله في الكراهة، لكن مقتضى استدلاله بالخبر المزبور أنه لم يقف في نصوصنا على ما يفيد ذلك، بل كاد يكون ذلك صريح الشهيد في الذكرى، و لعلهما لم يقفا على

المروي عن قرب الاسناد عن أبي البختري (2)عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: «لا قراءة في ركوع و لا سجود، انما فيهما المدحة لله عز و جل ثم المسألة، فابتدئوا قبل المسألة بالمدحة لله عز و جل ثم اسألوا بعد»

و

المروي عن الخصال عن السكوني (3)عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «سبعة لا يقرءون القرآن: الراكع و الساجد و في الكنيف و في الحمام و الجنب و النفساء و الحائض»

و

مرفوع القاسم (القسم خ ل) بن سلام المروي عن معاني الأخبار(4)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «إني قد نهيت عن القراءة في الركوع و السجود، فأما الركوع فعظموا الله فيه، و أما السجود فأكثروا فيه الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم»

و في

صحيح الحلبي المروي عن الخصال (5)عن الصادق (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام): «نهاني رسول الله (صلى الله عليه و آله) و لا أقول نهاكم عن التختم بالذهب- إلى أن قال-: و عن القراءة و أنا راكع»

و في خبري عمار(6)عن الصادق (عليه السلام) و

علي بن جعفر(7)عن


1- 1 صحيح الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص 65.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الركوع الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الركوع الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الركوع الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الركوع الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الركوع الحديث 3.

ج 10، ص: 122

أخيه «في الرجل ينسى حرفا من القرآن فيذكره و هو راكع هل يجوز أن يقرأه في الركوع؟ قال: لا، و لكن إذا سجد فليقرأه»

و لعل المراد به بعد السجود، على أنه في خصوص المنسي، و يمكن حمله على إرادة أشدية الكراهة في الركوع، ك

خبر علي ابن جعفر الآخر المروي عن قرب الاسناد(1)«سألته عن الرجل هل يصلح له و هو في ركوعه أو سجوده يبقى عليه الشي ء من السورة يكون يقرأها ثم يأخذ في غيرها؟

قال: أما الركوع فلا يصلح، و أما السجود فلا بأس»

و نحوه خبره الثالث (2)أيضا.

و كيف كان فهي نصة في المطلوب بالنسبة إلى الركوع عليها أمارات الصحة موافقة للعمل، و ما سمعت من فتاوى الأصحاب معتضدة جملة من مضامينها بغيرها من النصوص المعتبرة، فمن العجيب ما في الحدائق من أن الذي يقرب في الخاطر الفاتر أن أصل هذا الحكم انما هو من العامة، و أن هذه الأخبار انما خرجت مخرج التقية، و يعضدها أن رواتها رجال العامة، و أن هذا الحكم انما ذكره المتأخرون و اشتهر بينهم و لا وجود له في كلام المتقدمين فيما أظن، إذ فيه من الغرابة ما لا يخفى من وجوه، و كأنه لم يعلم أن الشيخ (رحمه الله) هو الأصل في هذا الحكم المزبور، و كفى به ناصا من بين المتقدمين، نعم قد يحتمل تعلق الكراهة في المقام بقراءة القرآن لا أن الكراهة متعلقة بالركوع، و هل المراد بها حينئذ حقيقتها أو أقلية الثواب؟ يحتمل الأول لعدم اعتبار العبادية في القراءة، و الثاني لظهور الأدلة في عدم انفكاك إعطاء الثواب عن القراءة كيفما كانت، و على كل حال فلا إشكال في صحة الصلاة بسبب احتمال اختصاص الرخصة في القراءة فيها في غير المقام، لمنع التخصيص بالنسبة إلى الصحة أولا، و منع توقف الصحة على الرخصة ثانيا بناء على المختار من التمسك بالإطلاقات، و ظهور هذه النصوص بعد حملها على الكراهة في الصحة فضلا عن غيرها ثالثا، ثم إن ظاهر الخبر


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الركوع- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الركوع- الحديث 6.

ج 10، ص: 123

الأول منها استحباب المسألة في الركوع لدنيا أو دين، و المعروف أن ذلك في السجود و لذا لم يذكر الكثير في مستحباته إلا ما يحكى عن ابن الجنيد، و لا بأس به خصوصا بعد شهادة الخبر المزبور له.

[السادس السجود]
اشاره

الواجب السادس السجود و هو لغة الخضوع و الانحناء و تطأطؤ الرأس، و لعل من اقتصر على الأول في تفسيره أو مع الثاني أراد التفسير بالأعم متكلا في تمام المعنى على العرف كما هو الشأن في معظم التعاريف اللفظية من أهل اللغة، بل لعل من اعتبر تطأطؤ الرأس فيه أيضا كذلك، إذ الظاهر عدم كفاية مطلقه، بل المراد قسم خاص منه، و منه يعلم ما في قول البعض، و شرعا وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل و لا يلبس، إذ الظاهر عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه، بل يمكن عدم اعتبار ذلك في صحته، و انما هو واجب في الصلاة حاله كالذكر، و أضعف منه ما في كشف الأستاذ من أنه في الشرع فضلا عن اصطلاح المتشرعة وضع المساجد السبعة أو أحدها أو خصوص وضع الجبهة و هو أظهرها، أو ما قام مقامه من إشارة برأس أو عين بوجه يصح أو مطلقا على اختلاف الوجهين، بل من الغريب جعله الإشارة منه، ضرورة عدم تسميتها بذلك في الشرع و لا عند المتشرعة، و الاجتزاء عنها في بعض الأحوال لا يستلزم الدخول في المسمى قطعا، و حينئذ يشكل اعتبار شي ء من المساجد السبعة حتى الجبهة فيما أوجبه الشارع من السجود لتلاوة مثلا، أو ندبه لشكر و نحوه مع فرض عدم الدليل بالخصوص، نعم قد يقال باعتبار وصول الجبهة في الانحناء و التقويس إلى حد تستقر و لو بوسائط من غير علو مفرط لا مباشرة خصوص بشرة الجبهة للأرض، و لعله كذلك في الشرع و اللغة و ربما يومي إلى ذلك في الجملة ما تسمعه إن شاء الله من بعضهم من إيجاب الجر لو وضع

ج 10، ص: 124

جبهته على ما لا يصح السجود عليه تخلصا عن الزيادة لو رفع، إذ على تقدير اعتبار مباشرة الأرض مثلا لم تتحقق زيادة، كما أنه يومي اليه أيضا ظهور البطلان لو فرض زيادة سجدتين منه سهوا و إن لم يكن باشر الأرض فيهما، إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالسجود في غير المقام، كالنهي عن السجود لغير الله، فإنه يكفي حينئذ فيه ذلك و إن لم يباشر الأرض و لم يضع شيئا من مساجده، و دعوى إرادة المعنى اللغوي فيه بخلاف نحو سجود التلاوة و الشكر فالشرعي واضحة المنع، إذ الظاهر اتحادهما و إن اعتبر في الصلاة حال السجود الأمور الآتية، و لعل قول المصنف كغيره من الأصحاب:

و واجباته من الإضافة بأدنى ملابسة، و إلا فلا ريب في عدم اعتبار وضع ما عدا الجبهة فيه كما اعترف به المحقق الثاني و الشهيد الثاني، بل و خصوص مباشرة الجبهة للأرض مثلا فيه عند التأمل، فإن المنحني حتى يضع وجهه على الأرض أو وضع جبهته على طنفسة و نحوها لا ريب في صدق اسم الساجد عليه في عرف المتشرعة فضلا عن غيرهم.

و يحرم فعله لغير الله للنهي عنه في النصوص،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن كثير(1)المروي عن بصائر الدرجات للصفار: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قاعدا في أصحابه إذ مر به بعير فجاء حتى ضرب بجرانه الأرض و رغا فقال رجل: يا رسول الله أسجد لك هذا البعير فنحن أحق أن نفعل فقال: لا بل اسجدوا لله، ثم قال: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»

و

في الوسائل انه رواه سعد بن عبد الله (2)في بصائر الدرجات مثله إلى قوله فقال: لا بل اسجدوا لله ان هذا الجمل يشكو أربابه، ثم ذكر قصة الجمل، ثم قال:

و ذكر أبو بصير أن عمر قال: أنت تقول ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

لو أمرت

إلى آخر الحديث، و

قال العسكري (عليه السلام) في المروي عن احتجاج


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 125

الطبرسي (1)في احتجاج النبي (صلى الله عليه و آله) على مشركي العرب انه قال لهم: «لم عبدتم الأصنام من دون الله؟ قالوا: نتقرب بذلك إلى الله، و قال بعضهم: إن الله لما خلق آدم و أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا له تقربا لله كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله تعالى كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله، و كما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم بأيديكم في غير ذلك البلد محاريب فسجدتم إليها فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أخطأتم الطريق و ضللتم- إلى أن قال-: أخبروني عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله عز و جل فسجدتم إليها و صليتم و وضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب العالمين، أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه و عبادته أن لا يساوي عبيده، أ رأيتم ملكا عظيما إذا سويتموه بعبيده في التعظيم و الخشوع و الخضوع أ يكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير فقالوا: نعم، قال:

أ فلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله كتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين- إلى أن قال-: و الله عز و جل حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون، إذ لم يأمركم به- ثم قال-: أ رأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوما بعينه أ لكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره أو لكم أن تدخلوا له دارا أخرى مثلها بغير أمره؟ قالوا: لا، قال: فإنه أولى أن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه، فلم فعلتم و متى أمركم بالسجود لهذه الصورة».

و المتأمل في هذه الرواية خصوصا بعد ملاحظتها بتمامها يستفيد منها بعض ما لا يتعلق بالمقام أيضا.

و

قال الصادق (عليه السلام) في المروي عن الاحتجاج أيضا مرسلا في حديث


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب السجود- الحديث 3.

ج 10، ص: 126

طويل (1): «إن زنديقا قال له: أ فيصلح السجود لغير الله؟ قال: لا، قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال: إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله، فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله»

و عن مجمع البيان في قوله تعالى (2)«وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً» قيل: إن السجود كان لله شكرا له كما يفعل الصالحون عند تجدد النعم، و الهاء في قوله تعالى «لَهُ» عائدة إلى الله، فيكونون سجدوا لله و توجهوا في السجود اليه كما يقال صلى للقبلة، و هو المروي (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام)

و في المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم (4)«ان موسى بن محمد سئل عن مسائل فعرضت على أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) فكان منها أن قال له: أخبرني عن يعقوب و ولده أ سجدوا ليوسف و هم أنبياء؟ فأجاب أبو الحسن (عليه السلام) سجود يعقوب و ولده لم يكن ليوسف، انما كان ذلك منهم طاعة لله و تحية ليوسف، كما أن السجود من الملائكة لآدم كان طاعة لله و تحية لآدم، فسجود يعقوب و ولده شكرا لله لاجتماع شملهم، أ لا ترى أنه يقول في شكر ذلك الوقت رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ» الآية(5)

و في المحكي عن تفسير العسكري (6)عن آبائه عن النبي (عليهم الصلاة و السلام) قال: «لم يكن سجودهم يعني الملائكة لآدم، انما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز و جل، و كان بذلك معظما مبجلا، و لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله يخضع له كخضوعه لله، و يعظمه بالسجود له كتعظيم الله، و لو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا و سائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله (عليهما الصلاة و السلام) و محض


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب السجود الحديث 4.
2- 2 سورة يوسف- الآية 101.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب السجود الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب السجود الحديث 6.
5- 5 سورة يوسف- الآية 102.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب السجود الحديث 7.

ج 10، ص: 127

وداد خير خلق الله علي (عليه السلام) بعد محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

إلى غير ذلك من النصوص، فاللائق حينئذ لزائري أحد المعصومين (عليهم السلام) أن يتركوا هذه الصورة التي يفعلها السواد إلا إذا قرنت بأحد الوجوه التي سمعتها في النصوص مما ينفي كونها لغير الله، و يشبه ما يقع من الاستحسان من بعض الناس بجعل السجود لأمير المؤمنين (عليه السلام) زيادة في تعظيم الله باعتبار أن وقوعه له من جهة مرتبته عند الله و عظمته و عبوديته- فالسجود له حينئذ زيادة في تعظيم الله- ما وقع في أذهان المشركين الذين حاجهم النبي (صلى الله عليه و آله) بما سمعت، و الله أعلم.

و كيف كان ف هو واجب في الصلاة إجماعا إن لم يكن ضرورة، بل يجب في كل ركعة سجدتان كذلك أيضا و هما معا ركن في الصلاة إجماعا كما عن المختلف، و حينئذ تبطل بالإخلال بهما في كل ركعة عمدا و سهوا إجماعا أيضا في الغنية و عن تعليق الإرشاد و مجمع البرهان و نهاية الأحكام و إن لم أتحققه في الأولين بل في المعتبر و عن التذكرة نسبته إلى إجماع العلماء كافة، كما أن في المحكي عن السرائر نفي الخلاف فيه، و كأنه لضعف الخلاف، و لذا قال في المحكي عن آخر منها: «و لا يلتفت إلى ما يوجد في بعض الكتب» بل في بحث السهو من التذكرة «أنه لا فرق في بطلانها بالإخلال بهما عمدا أو سهوا بين أن يكون ذلك في الأولتين أو الأخيرتين عند علمائنا» بل عن موضع ثالث من السرائر «ان على ذلك إطباق الطائفة».

و هو كذلك إذا لم يذكر كذلك إلا بعد الفراغ من الصلاة، أما لو ذكر بعد الركوع فالمشهور البطلان أيضا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل قد يشمله الإجماعات السابقة خلافا للمبسوط، و ما عن التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود و الوسيلة و جامع الشرائع و الاقتصاد من التفصيل بين الأولتين و الأخيرتين، فيلقي الركوع و يتلافاهما في الأخيرتين ثم يقوم للركعة، بل في موضع من المبسوط «من ترك

ج 10، ص: 128

سجدتين من الركعتين الأولتين حتى يركع فيما بعدهما أعاد على المذهب الأول، و على الثاني يجعل السجدتين في الثانية للأولى و يبني على صلاته» و أشار بالمذهب الأول إلى ما ذكره في الركوع من أنه «إذا ترك الركوع حتى سجد أعاد» و على كل حال فهذا هو القول المعروف بالتلفيق في الركوع و السجود الذي لم نعرف له هنا دليلا بالخصوص إلا قياس السجدتين على الركوع الذي قد ورد في بعض النصوص (1)الأمر بالقائهما لتداركه، و قد ذكرنا ذلك كله مفصلا في أحكام الخلل، و قلنا هناك إن مقتضى هذا القول عدم بطلان الصلاة بزيادة السجدتين مطلقا أو في الأخيرتين أو فيما عدا الأولى بإلحاق الثانية بالأخيرتين كما عن علي بن بابويه، قال: «و إن نسيت الركوع بعد ما سجدت في الركعة الأولى فأعد صلاتك، لأنه إذا لم تثبت لك الأولى لم تثبت لك صلاتك، و إن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين و اجعل الثالثة ثانية و الرابعة ثالثة» و كذا أبو علي لكن بالتخيير، قال فيما حكي عنه: «لو صحت الأولى و سها في الثانية سهوا لم يمكنه استدراكه كأن أيقن و هو ساجد أنه لم يكن ركع، فأراد البناء على الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزيه ذلك، و لو أعاد إذا كان في الأولتين و كان الوقت متسعا كان أحب إلى، و في الثانيتين ذلك يجزيه».

و لا ريب في اقتضاء الجميع عدم البطلان بالزيادة، ضرورة حصول ذلك مع تدارك الركوع، نعم يحتمل اقتصارهم على خصوص صورة تدارك الركوع لا مطلقا مع احتماله، فنفي الخلاف حينئذ من بعضهم عن البطلان بزيادتهما في غير محله، كدعوى الإجماع في تعليق الإرشاد و مجمع البرهان على ذلك أيضا إن أراد به الإجماع من الجميع، مع أني لم أتحققه فيهما و إن أوهماه.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الركوع- الحديث 2.

ج 10، ص: 129

و ذكرنا أيضا في ذلك البحث حكم نسيانهما لو ذكرهما قبل الركوع، و أنه يتداركهما خلافا للبعض فتبطل، و بينا ضعفه، كضعف القول ببطلانها بالإخلال بسجدة سهوا مع استفاضة النصوص (1)بأنه لا تعاد الصلاة من سجدة، كما أن في بعضها(2)أيضا التصريح بعدم إعادتها من زيادة سجدة، فالقول بالبطلان به أيضا في غاية الضعف، خصوصا على المختار من الأعمية في أسماء العبادات من غير فرق بين الأولتين و الأخيرتين في ذلك كله، فما عن ثقة الإسلام في الفتاوى السبع عشر و السيد في الجمل و الحلبيات و ابن إدريس في السرائر و التقي بل و الحسن بن أبي عقيل ناسبا له إلى آل الرسول (صلى الله عليه و آله) بل و الغنية مدعيا عليه الإجماع من البطلان بذلك ضعيف لا أعرف له دليلا إلا قاعدة الشغل التي لا تتم عندنا، و إطلاق بعض النصوص (3)بناء على تعميمها لصورتي الزيادة و النقيصة، و

إطلاق (4)«من زاد في صلاته»

، و الكل يجب الخروج عنها بما دل بالخصوص على عدم بطلان الصلاة بزيادتها، ك

خبر منصور بن حازم (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة فقال: لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة»

و

خبر عبيد بن زرارة(6)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل شك فلم يدر أ سجد ثنتين أم واحدة فسجد أخرى ثم استيقن أنه قد زاد سجدة فقال: لا و الله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، و قال: لا يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة»

المعتضدين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، و منه يعلم حينئذ ما في إجماع أبي المكارم و النسبة إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 2 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الركوع- الحديث 3.

ج 10، ص: 130

آل الرسول (صلى الله عليه و آله) في المحكي عن الحسن، و إن شئت التفصيل في كثير من هذه المسائل فلاحظ أحكام الخلل، و تأمل.

و منه مع ما هنا يظهر لك صحة قول المصنف كالمشهور: «لا تبطل» الصلاة بالإخلال ب سجدة واحدة سهوا انما الكلام في مسمى الركن هنا بعد أن كان الحاصل البطلان بالإخلال بالسجدتين زيادة و نقيصة عمدا و سهوا بخلاف الواحدة، فإنه لا يقدح السهو فيها نقصانا و زيادة، و ظاهر المتن و غيره بل معاقد الإجماعات بل صرح به في الذكرى و غيرها أن الركن مجموع السجدتين، و فيه أن مقتضاه حينئذ البطلان بنقص الواحدة، ضرورة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، فيصدق حينئذ ترك الركن، و دفعه في الذكرى بأن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا و إلا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا، و فيه- بعد الإغضاء عن دعوى انتفاء الماهية بالخلل بعضو من الأعضاء كما عرفته سابقا، ضرورة عدم مدخلية ما عدا الجبهة في مسمى السجود كما اعترف به هنا ثاني المحققين و الشهيدين- أن المتجه على تقدير كون الركن المجموع البطلان بالإخلال به، و إلا انتفى كونه كذلك، لمعلومية اعتبار ذلك في الركن، إذ هو لفظ اصطلاحي لا أثر له في النصوص، و سموا به ما ثبت من الأدلة بطلان الصلاة بتركه سهوا، فهو حينئذ ركن للركن، فالاعتذار حينئذ بأن ذلك للدليل كلام لا محصل له، كدعوى أن الركن لما كان الأصل فيه البطلان عمدا و سهوا، إذ مقتضاها عدم اختصاص الأمور المخصوصة بالركنية، و كذا دعوى أن الركن لما ثبت البطلان به سهوا في الجملة، إذ هي- مع أنها منافية لتفسيرهم له بالموجبة الكلية- ينافيه اكتفاؤهم عن إثبات البطلان في موارد الأركان بأنها أركان، و لولا اعتبار الكلية في مفهومه لم يكن لذلك وجه، كل ذلك مع أن الغرض في المقام و عليه بنى الإشكال جريان مقتضى الركنية في السجدتين من غير اعتبار تخصيص أو تقييد.

ج 10، ص: 131

و من العجيب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين في المقام حيث قال: «انتفاء الماهية هنا غير مؤثر، و هذا الاشكال غير مختص بهذه المسألة، بل هو آت في الإخلال بحرف واحد من القراءة، لفوات الماهية المركبة أعني الصلاة بفواته، و الجواب عن الجميع واحد، و هو إثبات الصحة بدليل من خارج» إذ فيه أن الكلام في ماهية الركن لا الصلاة، كالذي وقع من آخر «أنه يمكن جعل الركن مجموع السجدتين كما أطلقه الأصحاب، و لا يبطل بنقصان الواحدة سهوا و إن استلزم فوات الماهية المركبة، أو يلتزم كون الركن مسمى السجود، و لا يبطل بزيادة الواحدة سهوا، فيكون أحدهما مستثنى كنظائره» إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما عرفت، بل و كذا ما وقع للمقدس الأردبيلي من «أن الدليل على ركنيتهما بمعنى أنهما لو زيدتا أو تركتا معا بطلت الصلاة هو الإجماع و بعض الأخبار(1)و هما ما دلا على البطلان بزيادة إحداهما أو تركها، فالمراد بترك الركن تركه بالكلية بحيث ما يبقى منه مما يعتبر جزء و لا عبادة، و لا شك في اعتبار السجدة الواحدة و كونها عبادة للأخبار و الإجماع، و عدم ذلك في أجزاء النية و التكبير، بل قيل لا جزء للنية، فإنه ما لم يصح الكل لم يعد ذلك الجزء عبادة، و على تقدير التسليم يقال: انما ثبت شرعا البطلان بترك هذا بالكلية بخلاف غيره» إذ لا يخفى عليك أيضا ما في صدر كلامه و ذيله، و أما وسطه ففيه أنه تقييد لقولهم: من ترك ركنا بلا مقيد، و كون السجدة عبادة لا مدخلية له فيما نحن فيه، و عن البهائي (رحمه الله) في الجواب «أنه لا بعد في إجزاء بعض الأجزاء عن الكل، فلو جعل الركن كلا السجدتين أو ما أقامه الشارع مقامهما كالواحدة حال نسيان الأخرى لم يكن بعيدا» و لعله يريد ما يحكى عن بعضهم في التخلص من أن الركن إحداهما و كلتاهما الذي قد أورد عليه باقتضائه البطلان حينئذ لو سجد ثلاث سجدات، لزيادة الركن حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 132

اللهم إلا أن يفرق بينه و بين البهائي بتقييد البهائي ركنية الواحدة بحال نسيان الأخرى بخلافه، فلا يرد حينئذ ذلك على ما قاله البهائي، لعدم زيادة الركن حينئذ، لعدم حصول الشرط في الواحدة الزائدة في الفرض المزبور.

و كأن هذا هو الذي أراده المجلسي (رحمه الله) فيما حكي عن بحاره حيث حكى عن بعض أفاضل عصره أنه حل الإشكال بأن الركن هو المفهوم المردد بين السجدة بشرط لا أي لا يكون معها سجدة أخرى و السجدتين بشرط لا و ثلاث سجدات بشرط لا، إذ ترك الركن حينئذ انما يكون بعد تحقق السجدة مطلقا، و إذا سجد أربع سجدات أو أكثر لا يتحقق الركن أيضا، و رده بأنه لا خلاف بأن بطلان الصلاة فيما إذا أتى بأربع أو أكثر انما هو لزيادة الركن لا لتركه كما هو مقتضى الجواب المزبور ثم قال: و يخطر بالبال وجه آخر لدفع الاشكال على سياق هذا الوجه، لكنه أخصر و أفيد، و هو أن يكون الركن المفهوم المردد بين سجدة واحدة بشرط و سجدتين بلا شرط، فإذا أتى بسجدة سهوا فقد أتى بفرد من الركن، و كذا إذا أتى بهما، و لا ينتفي الركن إلا بانتفاء الفردين بأن لا يسجد أصلا، و إذا سجد ثلاث سجدات لم يأت إلا

بفرد واحد و هو الاثنان لا بشرط شي ء، و أما الواحدة الزائدة فليست فردا له، لكونها مع أخرى، و ما هو فرد له على هذا الوجه هو بشرط أن لا يكون معها شي ء و إذا أتى بأربع فما زاد أتى بفردين من الاثنين، قال: و هذا وجه متين لم أر أحدا سبقني اليه، و مع هذا لا يخلو من تكلف، قلت: هو عند التأمل عين ما قاله البهائي، ثم قال: و الأظهر في الجواب أن غرض هذا المعترض إما إيراد الإشكال على الأحاديث الواردة في الباب أو على كلام الأصحاب، و الأول لا وجه له، لخلو الروايات عن ذكر الركن و معناه و عن هذه القواعد الكلية، بل انما ورد حكم كل من الأركان بخصوصه، و ورد حكم السجود هكذا فلا إشكال يرد عليها، و أما الثاني فغير وارد

ج 10، ص: 133

عليه أيضا، لتصريحهم بحكم السجود، فهو مخصص للقاعدة الكلية كما خصصت تلك القاعدة بما ذكر في كلامهم و فصل في زبرهم، قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه أولا.

و ربما أجيب أيضا كما حكي عن السيد علي الصائغ و بعض المتأخرين بأن المعهود من ترك الركن في عرف الفقهاء هو ما كان بحيث يمتنع تداركه، و ذلك يتوقف على شيئين فوات محل ذلك الفعل و عدم ورود الشرع بفعله بعد الصلاة، قال: و من ذلك يظهر عدم صحة لزوم البطلان بترك الواحدة سهوا على تقدير كونه مجموع السجدتين و لعله يريد صدق مجموع السجدتين على الواقعة في الصلاة و خارجها، فلا اكتفاء بالواحدة كي يتحقق الاشكال، و عن الشيخ نجيب الدين العاملي أن بعض المتأخرين أجاب بأن الركن هو السجدة الأولى، قال: و وجهه بما فيه طول و بعد، قلت: لعله هو الذي أشار إليه المجلسي (رحمه الله) في المحكي من بحاره حيث قال: و ربما يتوهم اندفاع الشبهة بما يومي اليه خبر المعراج (1)من أن الأولى كانت بأمره سبحانه و تعالى، و الثانية أتى بها الرسول (صلى الله عليه و آله) من قبل نفسه، فتكون الأولى فريضة ركنا، و الثانية سنة بالمعنى المقابل للفريضة و غير ركن، و أورد عليه بعد تسليم دلالة الخبر عليه أنه لا ينفع في دفع الفساد بل يزيده، إذ لا يعقل حينئذ زيادة الركن، لأن السجدة الأولى لا تتكرر إلا بأن يفرض أنه سها عن الأولى و سجد أخرى بقصد الأولى، فيلزم زيادة الركن بسجدتين أيضا، مع أنه يلزم أنه لو سجد ألف سجدة بغير هذا الوجه لم يكن زاد ركنا، على أنه لو اعتبرت النية في ذلك يلزم بطلان صلاة من ظن أنه سجد الأولى ثم سجد بنية الأخيرة، فظهر له بعد الصلاة ترك الأولى، و لم يقل به أحد، و لعل ذلك كله ينشأ من اعتبار الكليتين في الركن زيادة و نقصا، و إلا فلو قلنا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 11.

ج 10، ص: 134

باعتبار الكلية فيه بالنسبة إلى النقص خاصة- كما هو الظاهر من المصنف و غيره ممن اقتصر في تفريع ذلك على الركنية، بل هو الذي استظهره الشهيد الثاني من الشهيد الأول كما أوضحناه في بحث القيام- لم يأت شي ء من الإشكال، ضرورة إمكان القول حينئذ بأن الركن مسمى السجود الذي لا يتحقق تركه إلا بعدم فعل السجدتين، و لا يرد زيادة الواحدة، لعدم اعتبارها في مفهومه، فلا يتوقف صدقه حينئذ عليها.

و لعله اليه لمح الشهيد في المحكي عن حواشيه على القواعد في الجواب بأن الركن هو الماهية من حيث هي هي، و عدم الكل انما يكون بعدم كل فرد لا بعدم واحد من أفراده، و لا حاجة حينئذ إلى تكلف شي ء مما سمعت، و لا صعوبة في دفع الاشكال، حتى أن المحقق الثاني قد اعترف بالعجز عن حله، إلا أنه اكتفى بوضوح الحكم و أنه لا مدخلية للعبارة المؤدية للركنية بحيث تسلم من الطرد أو العكس، و يمكن الجواب أيضا على اعتبار الكليتين من غير اعتبار تقييد بأن الركن اسم لما تبطل به الصلاة عمدا و سهوا زيادة أو نقصا، و ليس مصداقه في المقام إلا السجدتين معا في جانب الترك و جانب الفعل، فلا يصدق عليه ترك الركن و لا زيادته إلا بهما معا، ضرورة عدم صدق اسم الكل على البعض، أقصى ما هناك أنه مع فعل الواحدة خاصة يخرج عن صدق الإتيان بالركن و صدق ترك الركن، فلم يثبت صحة صلاة ترك فيها الركن كي يحتاج إلى تقييد أو تخصيص، و لعل هذا هو المراد بالمعية في المتن و غيره من عبارات الأصحاب على أن تكون قيدا للترك لا أنه مسلط عليها، و كأنه هو الذي أومأ إليه الطباطبائي (رحمه الله) في منظومته بقوله:

الفرض في الركعة سجدتان هما جميعا أحد الأركان

فلو خلت عن السجود بطلت صلاته و لو بسهو قد خلت

كذاك لو زيد بها اثنتان عمدا و سهوا فهما سيان

ج 10، ص: 135

و أصرح منه ما في كشف الأستاذ، قال: «و يعتبر فيه في كل ركعة سجدتان هما جزءان لو تركت إحداهما عمدا اختيارا في فرض أو نفل بطلت الصلاة، و بقيد الاجتماع إيجادا و تركا ركن تفسد الصلاة بهما زيادة و نقصا عمدا و سهوا، و لا ركنية للمنفردة منهما و لا للمجموعية» إلى آخره. و في الذكرى- بعد التعبير في الركن بالمعية و إيراد الإشكال دليلا للقول بالبطلان بالإخلال بسجدة واحدة من حيث اقتضائها انتفاء الركن- قال: و الجواب أن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا و إلا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا، و لم يقل به أحد، بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية، و لعل الركن مسمى السجود، و لا يتحقق الإخلال به إلا بترك السجدتين معا، و ذيله كما ترى مشعر بما ذكرنا، فتأمل، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[واجبات السجود ستة]
اشاره

و كيف كان ف واجبات السجود ستة لا أزيد كما ستعرف.

[الأول السجود على سبعة أعظم]

الأول السجود على سبعة أعظم بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل هو مجمع عليه نقلا مستفيضا كاد أن يكون متواترا إن لم يكن تحصيلا كالنصوص، ف في

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و إبهامي الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاما، أما الفرض فهذه السبعة، و أما الإرغام بالأنف فسنة من النبي (صلى الله عليه و آله)»

و رواه الصدوق في المحكي من خصاله كذلك إلا أنه أبدل اليدين بالكفين، و قد

علّم الصادق (عليه السلام) حمادا في الصحيح (2)فسجد على ثمانية أعظم: الجبهة و الكفين و عيني الركبتين و أنامل إبهامي الرجلين و الأنف ثم قال: «سبعة منها فرض يسجد عليها


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 136

و هي التي ذكرها الله في كتابه»(1)فقال «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» و هي الجبهة و الكفان و الركبتان و الإبهامان، و وضع الأنف على الأرض سنة»

إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في تشخيص السبعة أيضا، و ان منها الجبهة بل هي في معاقد المستفيض أو المتواتر من الإجماع المحكي، بل في المنتهى «لا خلاف في أنه لا يجزي السجود على الرأس و الخد» و قال قبل ذلك أيضا: لو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزيه، ذهب إليه علماؤنا أجمع» بل عن شرح الجمل للقاضي «لا خلاف في وجوب السجود عليها» و لعله لم يعتد بخلاف الإسكافي المستفاد مما حكاه في الذكرى عنه من أنه يكره السجود على نفس قصاص الشعر دون الجبهة، أو أنه لم يفهم الخلاف منه، إذ لعله يريد الحرمة من الكراهة، و من القصاص الشعر الحاجب للجبهة عن مباشرة الأرض نحو

خبر طلحة بن زيد(2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «إن عليا (عليه السلام) كره تنظيم الحصى في الصلاة، و كان يكره أن يصلي على قصاص شعره حتى يرسله إرسالا»

إذ الظاهر إرادة التفريق من الإرسال، و بالجملة لا إشكال في وجوب السجود على الجبهة، بل قد سمعت سابقا دعوى توقف اسم السجود عليها، قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله):

و واجب السجود وضع الجبهةو أنه الركن بغير شبهة

و وضعه للستة الأطراف فإنه فرض بلا خلاف

و هي المراد من الوجه في بعض النصوص (3)بل و من الجبين في آخر(4)بناء


1- 1 سورة الجن- الآية 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 1 و 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 4 و 7.

ج 10، ص: 137

على ما ظاهر هم الاتفاق عليه في المقام كما يومي اليه مسألة الدمل الآتية من أن المراد بالجبهة هنا ما لا تشمل الجبين، و أنها هي التي يجب السجود عليها اختيارا دونه، فيكون المراد بها ما بين قصاص الشعر و طرف الأنف طولا و بين الجبينين عرضا كما في المحكي عن المقاصد العلية، و اليه يرجع ما في المسالك و عن الروض من أن حدها قصاص الشعر من مستوي الخلفة و الحاجب، و عن القاموس «أن الجبهة موضع السجود و يستوي ما بين الحاجبين إلى الناصية» و قال فيه: الجبينان حرفان يكتنفان الجبهة من جانبيها فيما بين الحاجبين مصعدا إلى قصاص الشعر» و أوضح من ذلك ما في كشف الأستاذ من أنها السطح المحاط من الجانبين بالجبينين، و من الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد، و من الأسفل بطرف الأنف الأعلى و الحاجبين، و لا استقامة للخطوط فيما عدا الجانبين، و في

صحيح زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا مس جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه»

و في

خبره الآخر(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن حد السجود فقال: ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك»

و في

خبر بريد(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الجبهة إلى الأنف أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كله أفضل»

و في

خبر الساباطي (4)عن الصادق (عليه السلام) «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد فما أصاب الأرض منه أجزأك»

و نحوه صحيح زرارة 8173(5)بل في

صحيحه الآخر أو حسنه (6)عن أبي جعفر (عليه السلام) «الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة».


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السجود الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السجود الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السجود الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السجود الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السجود الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السجود الحديث 5.

ج 10، ص: 138

لكن هذه النصوص كما ترى لا صراحة فيها بإخراج الجبينين، و بالاقتصار على الخط المتوهم من طرف كل من الحاجبين المتصل بطرف الأنف الأعلى مصعدا إلى الناصية بحيث لا يجزي السجود على غيره، و قد اعترف بعضهم في مسألة الدمل بدلالة بعضها على ما يشمل الجبينين، فحينئذ لو لا الإجماع أمكن التوسعة في محل السجود بدعوى شمول اسم الجبهة عرفا لما هو أعم من ذلك، أو بدعوى حمل ما دل على الجبينين على التخيير بينه و بين الجبهة، بل لعل اسم الجبين يشمل جميع ذلك، و لعله هو المراد لصاحب القاموس حيث قال بعد العبارة التي قدمناها: «و حروف الجبهة مما بين الصدغين متصلا عند الناصية كله جبين» بل لعله لا ينافي ذلك ما تسمعه من أخبار الدمل (1)إذ قد تحمل على الخارج عن ذلك كله، أو يحمل ما لا يقبل منها ذلك على إرادة بيان الفرد الخفي على السائل و تنبيه عليه، لا أنه يشترط في صحة السجود عليه تعذر ذلك، خصوصا مع فرض التقييد في عبارة السائل، أو أنه هو انما سأل فارضا تعذر ذلك الجزء من الجبهة، و مثله لا يدل على الانتفاء عند التأمل، فالإجماع هو العمدة في التقييد المزبور.

و أما الكفان المعبر بهما في كثير من عبارات المتأخرين و بعض عبارات القدماء، بل هما من معقد إجماعات متعددة كما قيل فقد عرفت ما يدل عليهما من النصوص (2)التي يجب حمل اليد في غيرها(3)عليهما، سيما مع كونه المعهود من أهل الشرع عند فعل السجود، كما أنه يجب إرادتهما منها في جملة من عبارات الأصحاب كالشيخ و غيره و إن كانت واقعة في معقد إجماعي الخلاف و نهاية الأحكام على ما قيل


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 6 و الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود.

ج 10، ص: 139

فانحصر الخلاف حينئذ في المرتضى و ابن إدريس في المحكي من الجمل و السرائر حيث عبرا بمفصل الزندين من الكفين، و حكاه في الذكرى عن الإسكافي أيضا، لكن عن القاضي في شرح الجمل نفي الخلاف عن ذلك، مع أنه من المستبعد إرادتهم تعيين ذلك بحيث لا يجزي الكفان، و لذا حمله في الذكرى على إرادة الاجتزاء بهما عن الكفين، لكن على كل حال لم نجد لهم نصا بالخصوص، بل قد عرفت أن النصوص تشهد بخلافهم و لعلهم يريدون تحديد ابتداء الكف الذي يسجد عليه كما يومي اليه ما سمعته عن القاضي من نفي الخلاف، إذ من المستبعد إرادته ذلك الذي هو إلى الإجماع على عدمه أقرب منه اليه.

ثم إن المنساق إلى الذهن و المتعارف في الوضع عند السجود الموافق للاحتياط الباطن من الكفين، بل نسب في الذكرى وجوب ذلك إلى أكثر الأصحاب تأسيا بالنبي (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام) بل في المحكي عن نهاية الأحكام و التذكرة أن ظاهر علمائنا وجوب تلقي الأرض ببطون راحته، لكن و مع ذلك تردد فيه في المنتهى، و لعله لعدم دليل معتد به على التعيين كي يقيد به الإطلاق، خصوصا على القول بأعمية أسماء العبادات.

و على كل حال فمع تعذر الباطن ينتقل إلى الظاهر كما صرح به بعضهم أخذا بإطلاق الكف الذي خرج عنه بالتبادر إلى خصوص الباطن مع الاختيار دون الاضطرار و لأنه أقرب إلى المأمور به، و يومي اليه في الجملة ما ذكروه في مسح الوضوء، فلاحظ و تأمل.

و أما الركبتان فقد اتفقت النصوص (1)و الفتاوى عليهما، و الظاهر أنهما بالنسبة إلى الرجلين كالمفرقين لليدين، فينبغي حال السجود وضع عينيهما و لو بالتمدد


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود.

ج 10، ص: 140

في الجملة في السجود كما فعله الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد(1)كي يعلم حصول الامتثال، و لعله هو مراد العلامة الطباطبائي بقوله:

كفيه بالبطن و ركبتيه ظهرا و الإبهامين من رجليه

لكن الأستاذ في كشفه بعد أن أوجب وضع سطحيهما قال: و يقوى الاكتفاء بالحافتين، فتأمل، و الله أعلم.

و أما إبهاما الرجلين فهو الواقع في تعبير المشهور، بل عن المنتهى نسبته إلى الشيخين و أتباعهما، كالمدارك نسبته إلى الأصحاب، بل في مفتاح الكرامة في التذكرة و نهاية الأحكام و الذكرى و إرشاد الجعفرية و شرح الشيخ نجيب الدين الإجماع على وجوب السجود عليهما، و فيه أن الظاهر إرادة الإجماع على السبعة لا خصوصها و إن عدت في معقد الإجماع حتى ظن إرادة الإجماع عليها، لكن التدبر في كلام بعضهم كالشهيد في الذكرى و المحقق الثاني في الجامع يعين ما ذكرنا، فإن أولهما بعد أن حكى الإجماع على السبعة ناصا على خصوص ذكر الخلاف في الإبهامين قال: و الوجه تعين الإبهامين، و هو كالصريح في عدم كونه إجماعيا عنده، و نحوه المحقق الثاني، و عن نهاية الأحكام بعد الإجماع السابق التصريح بأن العبرة في الرجلين بأطراف الأصابع، على أن المفيد في كتاب أحكام النساء و أبا المكارم في الغنية و الشيخ في المحكي من مبسوطة بل في كشف اللثام و سائر كتبه و أبا الصلاح في المحكي من كافيه و ابن فهد في المحكي من موجزه التعبير بأطراف أصابع الرجلين، بل في الغنية الإجماع عليه، كما أن في المحكي عن خلاف الشيخ التعبير بوضع القدمين حاكيا الإجماع عليه، و عن الوسيلة و الجمل و العقود أصابع الرجلين و إن كان فيما حضرني من نسخة الثاني الإبهامين، و احتمال إرادة الجميع الإبهامين بعيد إن لم يكن مقطوعا بعدمه، خصوصا و قد صرح في المحكي من المبسوط


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 141

و الجامع بأنه لو وضع بعض أصابع رجليه أجزأ، و زاد في الأول «و الكمال أن يضع العضو بكماله» كاحتمال دعوى الإجماع مع خلاف هؤلاء الأساطين، خصوصا و عادتهم استثناء ابن الجنيد من الإجماع فضلا عن غيره، نعم هو الأقوى وفاقا للأكثر، بل قيل سائر الأصحاب عدا من عرفت، لتعليم حماد و صحيح زرارة،(1)السابق، بل لعله المراد أيضا من

المرسل (2)عن مجمع البيان «ان المعتصم سأل أبا جعفر بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) عن قوله تعالى (3)«وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» فقال: هي الأعضاء السبعة التي يسجد عليها»

بل و من

خبر عبد الله بن ميمون القداح (4)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) المروي عن قرب الاسناد «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه و رجليه و ركبتيه و جبهته»

و لو بمعونة وجوب تنزيل المطلق على المقيد، فلا دليل حينئذ يعتد به للمخالف، و إجماع الغنية متبين خلافه إن أراده على خصوص ذلك، و الظاهر الاجتزاء بصدق السجود على الإبهامين للإطلاق القولي نصا و فتوى، بل صرح المحقق الثاني و سيد المدارك كما عن جده الشهيد الثاني بعدم وجوب وضع الرؤوس و الاجتزاء بأي جانب منهما، فما في كشف اللثام تبعا للمحكي عن التذكرة- من تخصيص الأنملة، و لعله مراد من عبر بالطرف كالأستاذ في كشفه و السرائر و حمل السيد فيما حكي عنهما لفعل الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد الذي لا يصلح لأن يكون مقيدا لإطلاق القول، خصوصا بعد الإطلاق في قوله كما سمعته سابقا- لا يخلو من نظر و إن كان هو أحوط، بل لعله متعين بناء على وجوب الاحتياط، أو قلنا بأنه المتبادر إلى الذهن من الأمر بالسجود عليهما.

و كذا لا فرق بين الظاهر و الباطن كما في المنتهى و كشف اللثام و الحدائق


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 9.
3- 3 سورة الجن- الآية 18.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 8.

ج 10، ص: 142

و منظومة الطباطبائي و كشف الأستاذ، للإطلاق حتى لو قلنا باعتبار الأنملة و الطرف، إذ يجتزى حينئذ بسطح الطرفين و خصوص طرف الظاهر و خصوص طرف الباطن كما نص عليه في كشف الأستاذ و إن كان لا يخلو من تأمل، لإمكان دعوى عدم الصدق إلا بالأول، نعم يتجه هذا التعميم بناء على إرادة العقد الأخير من الأنملة أو الطرف العرفي المتسع في الجملة.

و على كل حال فالمتجه بناء على ما ذكرنا وجوب السجود على ما بقي من مسمى بالإبهام مع فرض قطعه، لصدق الامتثال، و لو لم يبق منه شي ء ففي السجود على محله أو على باقي الأصابع وجهان، يتعين ثانيهما لو تعذر السجود أصلا كما نص عليه غير واحد منهم الشهيد و الفاضل الأصبهاني، لكن في الذكرى إلحاق القصر بذلك، قال:

لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما أجزأ على بقية الأصابع، و فيه نظر إلا أن يريد القصر الذي يمتنع معه السجود عليهما، و لعله لذا علق الحكم في كشف اللثام على التعذر، فقال: و إن تعذر عليهما أجزأ على غيرهما كما حمل عليه الشيخ على ما قيل

خبر هارون بن خارجة(1)«انه رأى الصادق (عليه السلام) ساجدا و قد رفع قدميه من الأرض و أحد قدميه على الأخرى»

قلت: قضية الخبر السقوط حينئذ لا السجود على باقي الأصابع، بل لعله هو الموافق للضوابط مع التعذر، لعدم الدليل على البدلية بعد تنزيل مطلق تلك النصوص على مقيدها، و قاعدة الميسور يصعب جريانها في المقام، اللهم إلا أن يؤيد بإطلاق الرجل مع تنزيل التقييد على حالة الاختيار خصوصا مع وجوب الاحتياط في العبادة، فتأمل جيدا.

ثم المراد من السجود على الجبهة مسماه، و ما يتحقق به عرفا ذلك كما هو المشهور نقلا و تحصيلا، ضرورة كونه من الأفعال التي تصدق بالبعض كالتقبيل و نحوه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 5.

ج 10، ص: 143

لا كالغسل و نحوه، فاحتمال وجوب الاستيعاب في غاية الضعف، بل في الحدائق «اتفق الجميع على عدمه» و عن الروض و المقاصد العلية «انه لا خلاف في عدم وجوبه» مضافا إلى ظهور النصوص السابقة في الجبهة في عدمه أيضا، بل فيها التصريح بأفضليته و عدم وجوبه، لكن في كشف اللثام عن الأحمدي و السرائر أنه يجزي الدرهم من بجبهته علة و هو قد يشعر بإيجاب الاستيعاب على الصحيح، و ربما يشهد له

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليه السلام) «عن المرأة يطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال: لا حتى تضع جبهتها على الأرض»

مع دعوى ان ما نحن فيه من الأفعال المقتضية للاستيعاب، و في الثاني منع واضح، كما أنه يجب حمل الصحيح على إرادة عدم الاجزاء في الفضل، أو على عدم صدق المسمى بالبعض الواقع على الأرض جمعا بينه و بين النصوص السابقة المعمول عليها بين الأصحاب، مع أنه لا صراحة في كلاميهما بالاستيعاب، إذ قد يوجبان على الصحيح الأكثر من الدرهم و إن لم يكن التمام، نعم يحكى عن الفقيه ناقلا له عن رسالة أبيه أيضا أنه قال: «يجزي مقدار الدرهم» و هو ظاهر في عدم إجزاء الأقل، و اختاره في الدروس و الذكرى ناقلا له في الثاني عن كثير من الأصحاب محتجا بتصريح الخبر به، ثم قال: فيحمل المطلق من الأخبار و كلام الأصحاب على المقيد، و أشار بالخبر إلى صحيح زرارة السابق (2)لكن لا تصريح فيه بذلك، لاحتماله إرادة التنصيص على التعميم المذكور فيه أولا كما يومي اليه ذكر طرف الأنملة الصادق بالأقل من الدرهم، إلا أن يراد الإضافة البيانية و العقد الأخير من الأنملة، و يكون ذكره لإرادة بيان أجزاء ذي الطول دون السعة كالمسواك و نحوه، فيكون الأول لتقدير المسطح، و الثاني


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما يسجد عليه- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 144

لذي الطول، لكن على كل حال هو قاصر عن معارضة غيره من النصوص الصحيحة الظاهرة في إجزاء المسمى المعمول بها بين الأصحاب، و ما نقله عن الكثير لم نتحققه إلا عمن عرفت، بل قيل: إنه هو فضلا عن غيره قد اكتفي في فصل المكان بالمسمى أيضا، و قد يقال: إن مراد الشهيد تقدير المسمى بذلك، لعدم القطع بصدق السجود عليها على ما دونه، و الظن غير مجز في المصداق بناء على أن هذا منه، و الشغل متيقن، و احتمال الاجتزاء بوضع مطلق الشي ء منها و إن لم يتحقق به صدق اسم السجود عليها تمسكا بظاهر النصوص مجمع على خلافه، لاعتبار الجميع الاسم، و يؤيده تعارف التقدير من الشرع في نحو هذه الأمور الغير المنضبطة بأمر حسي يرتفع معه الوسوسة و التسامح، و خص الجبهة من بينها لشدة احتياجها اليه و شدة مدخليتها في السجود، و حينئذ تجتمع النصوص، بل لعله لا تعارض في شي ء منها، ضرورة إرادة الاجتزاء بأي شي ء يقع من الجبهة مما يصدق معه وضع الجبهة و السجود عليها لا مطلقا، و لا تناقض حينئذ بين كلامي الشهيد في الذكرى، إذ ليس ما هنا قولا بعدم إجزاء المسمى، بل كلامه كالصريح في ذلك، قال: و الواجب في كل من المساجد مسماه كما سلف في باب المكان، و الأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم، بل لعل ذلك هو مراد الصدوق أيضا بقرينة أنه روى مع ذلك بعض النصوص الظاهرة في الاسم بعد ما ذكر الدرهم بلا فصل معتد به مع أنه ذكر أنه لا يروي إلا ما يعمل به، و لذا ينسب الأصحاب إليه في مقامات كثيرة بمجرد روايته، و من هنا أنكر في الحدائق على الأصحاب نسبتهم الخلاف اليه مع روايته النصوص المزبورة.

فظهر لك حينئذ قوة القول المزبور و أنه أولى من حمل الصحيح المذكور على الندب أو طرحه، خصوصا مع تأيده بالمروي عن فقه الرضا (عليه السلام) بعين عبارة

ج 10، ص: 145

الصدوقين، و بالمروي عن

دعائم الإسلام (1)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «أقل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم»

و باتحاد راوي المسمى و الدرهم مع شدة معرفته و فضيلته و بوجوده في رسالة علي بن بابويه التي كانت إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها، كل ذلك مع أنك قد عرفت عدم معارضة تلك النصوص له على التقدير المزبور، نعم قد ينافيه نصوص الحفيرة(2)بناء على أنها بينت فردا خفيا للسائل لا أن المراد منها التقييد بصورة العذر، و قد يدفع بالتزام أنها من الثاني ضرورة عدم إجزاء ما يقتضيه إطلاقها مع الاختيار، فلاحظ و تأمل.

و هل يكفي حينئذ في مقدار الدرهم أن يكون متفرقا كالسبحة و الحصى؟ إشكال كما عن شرح نجيب الدين، أما على تقدير عدم اعتبار الدرهم فيقوى الاجتزاء و إن لم يكن وضع الجبهة متصلا بل كان فيه فرج، بل بعض نصوص الحصى (3)و عدم وجوب التسوية لما يسجد عليه ربما تشهد للاجتزاء على تقدير اعتبار الدرهم أيضا، فتأمل.

أما باقي المساجد فعن الفوائد الملية و المقاصد العلية أنه لا خلاف في كفاية الاسم فيه، لكن في المنتهى هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد، و الحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل، لورود النص في خصوص الجبهة، فالتعدي بالاجتزاء بالبعض يحتاج إلى دليل، قلت: بل قد يشهد للاستيعاب في الكفين أنه المتعارف من أهل الشرع، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(4): «إذا سجدت فابسط كفيك على الأرض»

و غيره، لكن في كشف اللثام الخمرة في عهدهم (عليهم


1- 1 المستدرك- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السجود.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 146

السلام) قد تفيد الاجزاء في الكفين، قلت: قد لا يحتاج إلى الدليل بالخصوص بعد إمكان دعوى تحقق صدق وضع الكف و السجود عليها بالبعض، و أنه ليس من الأفعال المقتضية للاستيعاب كالغسل و نحوه، و إمكان دعوى الأولوية من الجبهة بحيث لا يرجع إلى القياس، بل أيد ذلك كله في الرياض بالخبر

المروي (1)عن تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنه سأل المعتصم من أي موضع يقطع؟ فقال: إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف، قال: و ما الحجة في ذلك؟

قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): السجود على سبعة أعضاء: الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين، فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم يبق له يد يسجد عليها»

فإنه صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع، قلت: لكنه ظاهر في أن الكف اسم لما لا يشمل الأصابع لا للاجتزاء في السجود بالبعض بل مقتضاه حينئذ أنه لو سجد على الأصابع دون راحة الكف لم يجتز به، و ربما يشهد له ظاهر إجماع الفاضل المتقدم منهم في الكف بناء على عدم شمول الراحة للأصابع، إلا أنه قد صرح جماعة منهم هو في نهاية الأحكام كما قيل بأنه يكفي وضع الأصابع دون الكف و بالعكس، كما أنه صرح بعضهم بأن الأصابع من الكف، و هو الذي يساعده العرف، نعم لو سجد على رؤوس الأصابع لم يجتز به كما في المسالك، لأنها حد الباطن، كما أنه لا يبعد عدم الاجزاء لو ضم أصابعه إلى كفه و سجد عليها كما في المحكي عن التذكرة و الموجز و شرحه، لعدم صدق السجود على باطن الكف، و جعل الأصابع بمنزلة البساط لا مدخل له في المصاديق العرفية فما عن نهاية الأحكام من التوقف فيه لا يخلو من نظر، و لو جافي وسط كفه و لاقى الأرض بأطراف أصابعه و زنده لم يجز أيضا لما عرفت، و المدار على الصدق العرفي فلا يحتاج إلى الإطالة في التفريع.


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 147

و كيف كان فالمنساق إلى الذهن من السجود على هذه الأعضاء الاعتماد عليها لا مجرد الممارسة متحاملا عنها كما صرح به في الذكرى و غيرها، بل في الحدائق قالوا مشعرا باتفاق الجميع أو الأكثر عليه، قيل لعدم حصول تمام المراد من الخشوع، و لأن الطمأنينة لا تحصل إلا بذلك، و ل

رواية علي بن يقطين (1)عن الكاظم (عليه السلام) «يجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض يعني تسبيحة»

و

خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) «في الرجل يسجد على الحصى و لا يمكن جبهته من الأرض قال: يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه»

إلى غير ذلك فلو سجد حينئذ على مثل القطن و الصوف وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء و يحصل مسمى الطمأنينة إن أمكن، و إلا لم يصل عليه مع إمكان غيره، نعم لا يجب المبالغة في الاعتماد بحيث نزيد على قدر ثقل الأعضاء، كما أنه لا يجب تسويتها في مقدار الاعتماد لعسره أو تعذره، نعم قد يقال بوجوب اشتراكها في وضع الثقل و الاعتماد، فلا يجزي طرحه على بعضها و الاكتفاء بالمماسة في الأخر.

و هل يجب استقلالها بوضع الثقل عليها بحيث لا يجزي لو شاركها غيرها؟ وجهان ينشئان من دعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعا ثقله على هذه السبعة، و من صدق الاعتماد عليها و لو مع مشاركة الغير.

و لو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا لم يجز، لعدم صدق مسمى السجود إلا لضرورة سواء جافي بطنه أو لا، و ربما جعل سبب المنع في الفرض عدم مجافاة البطن فاعترضه في الحدائق بأن البطلان لعدم صدق مسمى السجود، و انما يسمى انبطاحا و نوما على الوجه، أما لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد و وضع باقي المساجد


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 3.

ج 10، ص: 148

على كيفيتها الواجبة فيها فالظاهر الصحة و إن كان خلاف الأفضل، و لا يخفي عليك أنه بناء على وجوب استقلال المساجد في الاعتماد قد يمنع الصحة في الفرض أيضا، فتأمل جيدا.

[الثاني وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه]

الواجب الثاني وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض و النبات و غيرهما مما مر البحث فيه مفصلا فلو سجد على كور العمامة بفتح الكاف و إسكان الواو أي دورها لم يجز إذا كانت مما لا يصح السجود عليها كما هو الغالب، بل عن الناصريات و الخلاف و المنتهى الإجماع عليه بالخصوص، لكن قد يلوح من الخلاف أن المانع الحمل، حيث قال: «و لا يجوز السجود على شي ء هو حامل له ككور العمامة و طرف الرداء و أكمام القميص» و من هنا قال في الذكرى: «إن قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق، و إن جعل المانع نفس الحمل كمذهب العامة طولب بدليل المنع» قلت: لعل دليله الاقتصار في الفراغ عن الشغل بالمتيقن المعهود عند الشرع و أتباعه، و إمكان منع صدق اسم تعدد وضع الجبهة المتوقف عليه صدق السجدتين، لكن كان عليه تخصيص ذلك بالمتصل بخصوص الجبهة لا نحو طرف الرداء و أكمام القميص الذين يضعهما تحت الجبهة عند إرادة السجود، فإنه لا مانع من صحة السجود عليهما حينئذ بالفرض المزبور و كونهما مما يسجد عليهما، و غير محمولين لا أثر لهما في الشرع، ضرورة صحة السجود على قطعة من الأرض محمولة له يضعها تحت الجبهة عند إرادة السجود، و ندرة اللبس لا تخرجهما عن صحة السجود و تدرجهما تحت الملبوس عادة قطعا، كما أن

خبر عبد الرحمن (1)عن الصادق (عليه السلام) «في السجود على العمامة لا يجزيه حتى تصل جبهته إلى الأرض»

لا دلالة فيه على كون المانع الحمل، بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه، أو لأنه متصل بالجبهة، فيأتيه المانع الذي ذكرنا من


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما يسجد عليه- الحديث 1.

ج 10، ص: 149

عدم الصدق، و

خبر طلحة بن زيد(1)عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام) «انه كان لا يسجد على الكم و لا على العمامة»

عين حمله على الأول، لأن الغالب كونهما كذلك، على أنهما معارضان بما مر في غيرهما من جواز السجود على طرف الحكم أو الرداء عند شدة الحر مثلا.

فظهر حينئذ أن كلام الشيخ قد يتم في الصورة التي فرضناها دون غيرها، لكن في المنتهى و التحرير و الذكرى و جامع المقاصد و عن نهاية الأحكام و البيان التصريح بالصحة فيها أيضا، و في بعضها أن الأفضل الانفصال عملا بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) بعده، و لعله لكراهة مسح التراب، و صدق تعدد السجود بتعدد الانحناء و إن اتحد الوضع و

المماسة، إذ هما كاتحاد الوضع في باقي المساجد في السجدتين الذي هو غير قادح، للأصل، و للمروي في

مستطرفات السرائر من كتاب جامع البزنطي (2)صاحب الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يسجد ثم لا يرفع يديه من الأرض بل يسجد الثانية هل يصلح ذلك؟ قال: ذلك نقص في الصلاة»

و نحوه المروي عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) و احتمال إرادة النقص حقيقة مع فرض عدم اقتضاء ذلك نقصا في الاعتدال أو الطمأنينة بعيد، بل المراد كما هو الظاهر نقص الفضل، لكن الإنصاف أنه مع ذلك كله لا يخلو من نظر، خصوصا بناء على وجوب الاحتياط في الصلاة تحصيلا ليقين البراءة عن يقين الشغل، و قد يفرق بين ما نحن فيه و رفع باقي المساجد، و لعله لذا قال في كشف الأستاذ و قد أجاد: و يلزم انفصال محل مباشرة الجبهة عما يسجد عليه، فلو استمر متصلا إلى وقت السجود مع الاختيار لم يصح و لا يلزم فصله فورا لو اتصل حال الرفع، بل إنما


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما يسجد عليه- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب السجود.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب السجود.

ج 10، ص: 150

يلزم لسجود آخر على الأقوى، بخلاف الستة الباقية، و في دلالة الإطلاق و كراهة مسح التراب و نحوه عن الجبهة ضعف، فلا يقوى على أصالة الشغل، مع أن ما دل على رفع الحصى عنها أقوى دلالة على العكس، فتأمل جيدا.

[الثالث أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا أن يكون علوا يسيرا بقدر لبنة]

الواجب الثالث أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا أن يكون علوا يسيرا بقدر لبنة موضوعة على أكبر سطوحها لا أزيد فلا يجوز حينئذ كما صرح به الشيخ و المتأخرون، بل في المدارك هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في الذكرى نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالفاضل في المنتهى حيث نسبه إلى علمائنا، بل في جامع المقاصد التصريح بنسبته إليهم جميعهم، و لعلهم حملوا العلو في كلام من عبر به من غير تقييد عليه، خصوصا مثل ما وقع للمصنف في المعتبر حيث قال:

و لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلي بما يعتد به مع الاختيار، و عليه علمائنا، لأنه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع، و قدر الشيخ حد الجواز بلبنة و منع ما زاد، و مثله العلامة في المحكي من تذكرته و إن كان ربما أوهم قصرهما النسبة على الشيخ اختصاصه به، لكن الظاهر إرادتهما أن المصرح به ممن وقفا عليه هو و إن كان قد صرح به الكيدري فيما حكي عنه أيضا، بل و الكاتب و إن لم يذكر لفظ اللبنة و قيده بالضرورة، بل ذكر أربع أصابع، مقبوضة كما في كشف اللثام، و ما حضرني من نسخة الذكرى، إذ الظاهر أن المراد باللبنة بكسر اللام و سكون الموحدة أو فتحها مع كسر الباء المعروفة في ذلك الزمان، و قد قدرها الأصحاب كما في الحدائق بذلك تقريبا، قال: و يؤيده اللبن الموجود الان في أبنية بني

العباس في سر من رأى فإنه بهذا المقدار تقريبا، قلت: و كفي بنقل الأصحاب مثبتا لذلك، و لعلها هي المرادة من التقدير بالمخدة في المحكي من عبارة الوسيلة، إذ المراد أقل الأفراد منها.

و كيف كان فالظاهر أن مبنى اعتبار عدم العلو في المسجد الخروج عن مصداق

ج 10، ص: 151

السجود عرفا كما أومأ إليه في المعتبر، بل كاد يكون صريح جامع المقاصد، إلا أنه لما كان ذلك غير منضبط و مما يعسر معرفته على التحقيق ناسب الشارع كما في سائر نظائره وضع تقدير له يتخلص به عن الوسواس و التسامح تقريبي و إن صار بعد ذلك تحقيقيا، فهو تحقيق في تقريب، و لذا

قال الصادق (عليه السلام) لعبد الله بن سنان (1)لما سأله عن السجود على الأرض المرتفعة: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس»

و المناقشة في سندها باشتراك النهدي بين جماعة منهم من لم يثبت توثيقه يدفعها- بعد انجبارها بما سمعت مما يستغنى به عن صحة سندها- أن الظاهر كونها الهيثم بن مسروق بقرينة رواية محمد بن محبوب عنه، و هو ممدوح في كتب الرجال و له كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء منهم محمد بن علي و سعد و الصفار، فحديثه إن لم يكن صحيحا بناء على الظنون الاجتهادية و إلا فهو في مرتبة من الحسن، كالمناقشة فيها باحتمال قراءتها «يديك» بالياءين المثناتين كما في كشف اللثام، فلا دلالة فيها حينئذ على الموقف، إذ هو مجرد احتمال لا يجوز فتحه في النصوص، مع أنه موجب لحمل الرواية على أمر غير معروف، مضافا إلى أن الذي عثرنا عليه الأول، بل قيل: إنه الموجود في جميع كتب الاستدلال و الأخبار، فما في الرياض من أنه ربما يوجد في بعض النسخ كذلك حتى أنه أشكل الاستدلال به لذلك لم نتحققه، بل ظاهر الاستدلال الأصحاب به و الفتوى بمضمونه على اختلاف طبقاتهم و نسخهم و فيهم المثبت غاية التثبت ككشف اللثام و غيره يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة، و أنه و إن وجد في بعض الكتب فهو من النساخ قطعا، مع أنه على تقديرها يمكن الاستدلال بالفحوى، ضرورة أولوية الموقف من اليدين بذلك قطعا، على أنه قد يشهد للباء الموحدة سؤال عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 152

نفسه عنه في الصحيح الآتي (1)و المرسل (2)في الكافي الذي أبدل فيه «بدنك» برجليك، بل لعله أراد الخبر المزبور لكن حذف سنده، و إلى غير ذلك.

و أما المناقشة في دلالتها بأن ثبوت البأس أعم من المنع فيدفعها أنه من المعلوم إرادة المنع منه هنا لفتوى الأصحاب، إذ من شك منهم شك في جواز هذا العلو لا الأزيد و لأن

عبد الله نفسه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) في الصحيح (3)«عن موضع الجبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ قال: لا و لكن ليكن مستويا»

و

قال حسين بن حماد(4)للصادق (عليه السلام) أيضا: «أسجد فيقع جبهتي على الموضع المرتفع فقال:

ارفع رأسك ثم ضعه»

و

قال له (عليه السلام) أيضا في خبره الآخر(5): «أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي ء مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو قال: نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه»

و

قال الصادق (عليه السلام) أيضا في صحيح معاوية بن عمار(6): «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها و لكن جرها على الأرض»

و النبكة بالنون و الباء الموحدة مفتوحتين واحدة النبك، و هي أكمة محدودة الرأس، و قيل: النباك التلال الصغار، إلا أنه يجب تقييد المرتفع فيها الذي يجب التحويل عنه بالأزيد من اللبنة جمعا بين المطلق و المقيد، كما أنه يجب تنزيل

خبر أبي بصير(7)على ما لا ينافي الخبر المزبور، و سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد فقال: إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي، و كرهه»

بل في الحدائق أن هذا الخبر رواه شيخنا في البحار من

كتاب عاصم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السجود- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 153

ابن حميد عن أبي بصير مثله إلا أنه قال (عليه السلام): «في مثل قدمي و كره أن يضعه الرجل»

إلى آخره. إما يحمل الكراهة على التحريم، أو على ما دون اللبنة، أو إرادة أنه يرفع له موضع كما عساه يومي اليه رواية المجلسي، أو على الندب، أو غير ذلك.

و على كل حال فقد صار المحصل من مجموع ذلك أن المتجه هو التقدير المزبور، خصوصا مع إمكان دعوى الشك في صدق اسم السجود على الأعلى من ذلك إن لم يظن عدمه، كما أنه يظن صدقه على المقدار المزبور فما دون و لو من الخبر المزبور و إن لم نقل بحجيته بناء على أنه من الظن بالموضوع لا المصداق، ضرورة رجوعه إلى دعوى وضع السجود لما هو أعم من المستوي إلى المقدار المزبور، و تيقن بعض الأفراد له لا ينافي حجية الظن به بهذا المعنى، على أن اعتبار عدم العلو أصلا مما يعسر، بل هو مقطوع بعدمه من أهل الشرع قولا و عملا، و ربما أومأ إلى بعض ذلك الفاضل بما في المحكي من تذكرته و نهايته من الاستدلال على المطلوب بأنه لا يتمكن من الاحتراز عنه غالبا، و أنه لا يعد علوا عرفا أي علوا يخرج الساجد عن مسماه لغة و عرفا، كل ذا مع إمكان تأييد المطلوب أيضا ب

موثق عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «في المريض يقوم على فراشه و يسجد على الأرض فقال: إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض، و إن كان أكثر من ذلك فلا»

بناء على أولوية اعتباره في العلو من الانخفاض قطعا، و قد صرح فيه بالتقدير المزبور و أفتى به الشهيدان و المحقق الثاني و العلامة الطباطبائي و غيرهم، بل لم أجد من صرح بالفرق بينه و بين العلو بذلك قبل الأردبيلي، و تبعه بعض من تأخر عنه منهم الأستاذ في كشفه، بل بعض من وسوس في الأول وافق في المقام كصاحب المدارك، نعم ربما يوهمه المتن و غيره ممن اقتصر على العلو خاصة، و هم الأكثر كما في المسالك، بل في المحكي عن


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 154

التذكرة لو كان أخفض جاز إجماعا، إلا أنه يمكن تنزيله على ما لا يبلغ القدر المزبور، كما أنه يمكن إرادة المثال من العلو في عبارات الأكثر، و إلا فالمقصود التفاوت بين الموقف و محل السجود، و احتمال أنه كلما ازداد خفضا كمل صدق اسم السجود فيه منع، بل يمكن دعوى عدم الصدق، أو عدم كونه الفرد المراد منه، خصوصا على وجوب الاحتياط في العبادة، بل و على غيره عملا بالموثق المزبور المعتضد بالأمر بالاستواء في صحيح ابن سنان (1)الذي لا معارض له إلا

خبر محمد بن عبد الله (2)عن الرضا (عليه السلام) في حديث سأله «عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: إذا كان وحده فلا بأس»

و هو مطلق ينزل على المقيد مع عدم ظهور فائدة يعتد بها للتقييد بالوحدة.

و ما عن الذخيرة من أن الموثقة غير ناهضة بالتحريم فقد أساء الأدب في رده في الحدائق بأنه من جملة تشكيكاته الواهية المبنية على أصوله المخترعة التي هي كبيت العنكبوت، و أنه لأضعف البيوت مضاهية، فاني لا أعرف لمنعه ثبوت التحريم وجها إلا ما صرح به في غير موضع من كتابه، و نقلناه عنه في غير موضع مما تقدم من دعواه عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب، و كذا النهي غير دال على التحريم، و قد عرفت بطلان ذلك في غير مقام مما تقدم، و أنه موجب لخروج قائله عن الدين، قلت:

لعله ليس لذلك، بل لأنه جعل «لا» في المفهوم المصرح به في الخبر نافية للاستقامة المصرح بها في المنطوق، و هي تصدق بالمندوب لا نهيا، و هو غير مفيد للتحريم، نعم قد يمنع عليه صدق نفي الاستقامة على ذلك، بل هي ظاهرة في المنع، فتأمل جيدا.

و كيف كان فمن العجيب بعد ذلك كله وسوسة سيد المدارك في التفصيل المزبور باعتبار صحة سند عبد الله بن سنان بخلاف خبره الآخر المشتمل على النهدي، فيقصر


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 4.

ج 10، ص: 155

حينئذ عن تقييده و يبقى مقتضاه من عدم جواز الرفع أصلا بلا معارض، و ربما كان ذلك منه سببا لوسوسة بعض من تأخر عنه أيضا، و أنت خبير بما فيه و إن سبقه إليه الإسكافي، فمنع غير المساوي إلا لضرورة.

ثم لا فرق نصا و فتوى فيما أجده بين المنحدر و غيره مع فرض علو الجبهة فيه بأزيد من لبنة، لإطلاق الأدلة، و به صرح في المسالك و المدارك و الحدائق و المنظومة و المحكي عن الروض و المقاصد العلية و الموجز و الميسية، و الفرق بينهما في علو الامام و المأموم مع مساواة مسجد كل لموقفة لا يستلزمه هنا، إذ لعل دليل المنع هناك مختص بالعلو الذي هو كالدكان و نحوه مما لا يدخل فيه المنحدر، و دعوى انصراف أدلة المنع في المقام إلى غير المنحدر أيضا فيبقى فيه إطلاق الأدلة سالما واضحة المنع، فما في كشف الأستاذ من أنه لا بأس بالتسريح ما لم يتفاحش فتفوت به هيئة السجود لا يخلو من نظر، هذا.

و ظاهر المتن و غيره ممن اعتبر العلو في خصوص الجبهة عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد كما صرح به الأردبيلي و شيخنا في كشفه، للأصل و إطلاق الأدلة إلا إذا خرج به عن مسمى الساجد، أو شك في الصدق معه، مع احتمال الصحة في الثاني بناء على المختار من الأعمية، تمسكا بإطلاق أدلة الصلاة الذي لا ينافيه عدم وضوح صدق إطلاق السجود، إذ يكفي احتمال كونه سجودا واقعا، و لا ينافيه إلا مسلوب الاسم، لكن في جامع المقاصد و غيره عن الشهيد اعتبار ذلك في باقي المساجد، بل ربما استظهره بعضهم من نهاية الأحكام أيضا، بل اختاره في المحكي عن الجعفرية و شرحيها و الميسية و المقاصد العلية، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان للنظر فيه مجال كما اعترف به في جامع المقاصد بل لم أتحقق نقله عن الفاضل و الشهيد في سائر كتبه، نعم يحكى عن هامش بعض نسخ البيان بعد قوله: «أو يزيد بلبنة» و كذا باقي المساجد من غير ذكر «صح» بعدها

ج 10، ص: 156

و عن نهاية الأحكام أنه قال: «يجب تساوي الأعالي و الأسافل أو انخفاض الأعالي» و منه استفاد في المحكي عن الذخيرة اعتبار ذلك، و لعل المراد بالأسافل فيها غيرها ما قال في الذكرى في المقام: و هل يجب كون الأسافل أعلى من الأعالي؟ الظاهر لا، لقضية الأصل، و لأن الارتفاع بقدر اللبنة يشعر بعدم وجوب هذا التنكس، نعم هو مستحب لما فيه من زيادة الخضوع و التجافي المستحب، ضرورة إرادة الدبر و نحوه من الأسافل فيها بقرينة ذكره التجافي الذي لا يحصل بعلو موقف الرجلين، بخلافه في النهاية فموضع الرجلين، لأنه قال عقيبه: و لو كان موضع جبهته أعلى من موقفه بالمعتد به مع القدرة لم يصح لكن استفادة اعتبار ذلك منها حينئذ في جميع المساجد لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يراد بالأسافل سائر ما عدا الجبهة من المساجد، هذا. و قد يناقش ما في الذكرى بأنه لا يتم الإتيان بالمساجد و عدم العلو في موضع بغير المرخص به إلا بعلو الأسافل، مع أن في

خبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «ليرفع الساجد مؤخره في الفريضة إذا سجد»

فتأمل جيدا.

و على كل حال فأقصى ما يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك في باقي المساجد- بعد إمكان دعوى عدم صدق اسم السجود على بعض أفراده و الشك في آخر، و بعد إشعار

خبر الشعيري (1)عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) بذلك في الجملة، قال: «إن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه، فإنهما يسجدان كما يسجد الوجه»

- ان خبر عبد الله بن سنان (2)المتقدم سابقا الذي هو الأصل في التفصيل باللبنة ظاهر في اعتبار عدم علو الجبهة بالأزيد عن محل تمام البدن حال السجود، و ليس هو إلا مواضع المساجد جميعها، مضافا إلى إطلاق الأمر


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 157

بالاستواء و بالجر عن المرتفع، و فيه أن مسلوب الاسم خارج عن محل النزاع، و محل الشك قد عرفت إمكان التمسك بإطلاق أدلة الصلاة فيه بناء على المختار، و أن الخبر المزبور على التقدير المذكور يرجع حاصله حينئذ بعد التأمل و التدبر فيه و تسليط الشرط على القيد الزائد الذي هو المقصود في بيان الحكم أن المرتفع حال السجود عن موضع البدن إن كان قدر لبنة فلا بأس، و مفهومه إن لم يكن قدر لبنة ففيه البأس، فالمرتفع عن بعض البدن دون بعض خارج عن كل من المنطوق و المفهوم حتى بالنسبة إلى المرتفع عن محل الرجلين خاصة، و انما يستفاد من

غيره كصحيح عبد الله بن سنان الآخر(1)المشتمل على لفظ المقام و غيره من معاقد الإجماعات، بل لعل بملاحظتهما مع مرسل الكافي (2)الذي هو عين الخبر المزبور على الظاهر كما اعترف به الأردبيلي بحمل موضع البدن في الخبر على المقام و الموقف الذي هو محل البدن عند القيام و الجلوس كإطلاق الأدلة الأخر، فيجتمع الجميع حينئذ على ما عند الأصحاب من اعتبار ذلك بالنسبة للجبهة و الموقف، لكن من المعلوم أنه لا يراد اعتباره حال الوقوف، ضرورة صحة الصلاة مع فرض العلو حاله، و الانتقال إلى المساوي مثلا عند السجود و لو حال الجلوس له، كضرورة البطلان في صورة العكس، لكن قد وقع للأستاذ في مكان المصلي ما يظهر منه أنه يعتبر فيه مساواة محل الجبهة للموقف حال القيام، ثم فرع عليه الجالس و المضطجع و المستلقي، و أطال في ذكر الفروع، و لم نعرفه لغيره عدا الشهيد في الذكرى و الدروس فإنه قد يلوح منهما ذلك أيضا، إذ لم يذكر غيرهما من الأصحاب إلا ما نحن فيه مما هو من واجبات السجود و الأمور المعتبرة فيه حال إرادته من غير مدخلية للوقوف في ذلك، و عليه لا ينبغي التأمل في الصحة في المثال المزبور، و ربما يتكلف


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السجود- الحديث 3.

ج 10، ص: 158

لكلام الأستاذ بحيث يرجع إلى ما عند الأصحاب في المقام، أو هو واجب آخر غير ما نحن فيه، و تمام البحث فيه في فصل المكان.

و كيف كان فالمراد بالموقف هنا الذي يكون حال السجود معتمدا عليه بوضع إبهاميه كما هو الغالب في اتحاد محل الوقوف و السجود، و هو الذي حداهم إلى التعبير به في المقام لا لإخراج الفرض السابق، أو يراد به الذي لو أراد الوقوف عن خصوص ما صدر منه من السجود وقف عليه، و هو كالأول في حاصل المراد، لكن قد يتخيل في بادئ النظر أنهما معا يرجعان حينئذ إلى اعتبار ذلك بالنسبة إلى الجبهة و خصوص محلي الإبهامين من المساجد، و يكون تعبيرهم بالموقف كناية عن ذلك حينئذ، كما يومي اليه تعليل أساطين الأصحاب كالمصنف و الفاضل و المحقق الثاني هذا الحكم بالخروج عن هيئة المساجد مع الزيادة على التقدير، و لا يتصور ذلك إلا بالفرض المزبور، و إلا فمساواة الجبهة للموقف في غير كيفية السجود لا مدخلية لها في ذلك قطعا، كما أنه يكون حينئذ عنوان المسألة السابقة- من أنه هل يعتبر في باقي المساجد ما يعتبر بالجبهة أو لا؟- مخصوصا بغير الإبهامين من الركبتين و اليدين، لكن دقيق النظر يقضي بخلاف ذلك بل ما ذكره من التعليل السابق للأصحاب يشهد بأن المراد حصول الانحناء إلى حد يساوي مثلا ما استقر عليه بدنه في تلك الحال و غيرها من الوقوف السابق و اللاحق مع فرض عدم الانتقال، فإنه حينئذ يتحقق مسمى السجود، كما أنه ينتفي إذا لم يحصل هذا الانحناء، و لا ريب في عدم مدخلية وضع الإبهامين في ذلك، إذ لو فرض أنه انحنى حتى ساوى و وضع جبهته على المساوي له و إبهاميه على مكان منخفض بأزيد من لبنة عن الجبهة بأن أدخل تمام مشط قدمه في ذلك المكان المنخفض لم يخرج بذلك عن مسمى السجود قطعا و لا قل انحناؤه كي يخرج به عن مسماه، فيبقى إطلاق الأصحاب عنوان المسألة السابقة بحاله، إذ لا فرق حينئذ بين الإبهامين و غيرهما من المساجد،

ج 10، ص: 159

كما يومي اليه بعض عباراتهم خصوصا مجمع البرهان و كشف الأستاذ، فلاحظ و تأمل، و ظهر حينئذ أن الأقوى عدم اعتبار ذلك في غير الجبهة و عدم اعتبار التساوي أيضا في المساجد بعضها مع بعض، و أن ما ذكرناه في الجبهة لا يلزمه شي ء من ذلك، فتبقى إطلاقات الأدلة سالمة.

كما أنه ظهر لك ما قدمناه سابقا- من أن بناء الخبر المزبور في التحديد باللبنة المذكورة على الكشف التقريبي لمسمى السجود- جواز رفع الرأس له لو اتفق أنه وضعه على مرتفع بأزيد من لبنة سهوا، و لا يجب عليه الجر و إن كان متمكنا، لعدم تحقق السجود منه كي يقال برفعه يحصل زيادة سجدة كما صرح به في المعتبر و المنتهى و جامع المقاصد و كشف اللثام و المحكي عن نهاية الأحكام و البيان و الجعفرية و شرحيها و الروض و يشهد له مضافا إلى ما عرفت خبر حسين بن حماد(1)المتقدم سابقا، و لا ينافيه خبر النبكة(2)ان حمل على غير الخارج عن محل السجود بالارتفاع و لكن أراد طلب المستوي الذي هو أفضل و أكمل، أو ما يتمكن من اعتماد الجبهة فيه، و الفرض أن النبكة محدودة الرأس، و على التقديرين يتعين وجوب الجر حينئذ تخلصا من زيادة سجدة أو سجدتين إذا اتفق عروض ذلك له في السجدتين، ك

صحيح علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض فقال: يحرك جبهته فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه»

و

خبر حسين بن حماد الآخر(4)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي ء مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو قال: نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه»

و نحو ذلك لو اتفق أنه وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه لا لارتفاعه، فإنه أيضا بالرفع منه يزيد سجدة أو سجدتين بناء على ما عرفت من


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 160

عدم اعتبار ذلك في صدق السجود عرفا و شرعا.

فما في الحدائق من أن الأصحاب لم يوجبوا الجر فيه هنا أيضا بل جوزوا له الرفع لعدم صدق السجود لا يخلو من نظر، بل مقتضاه عدم بطلان الصلاة بزيادة سجدتين سهوا وقعت جبهته فيهما على ما لا يصح السجود عليه، و ما نسبه إلى الأصحاب غير ثابت، بل الذي صرح بوجوب الجر هنا أيضا أولئك الجماعة المتقدمون، نعم حكي عن أبي العباس أنه قال: «لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه جاز له رفعها و إن زاد بذلك سجدة، أما لو وقعت على ما يكره

السجود عليه جرها من غير رفع» لكنه مخالف لما حكاه عنهم أيضا، ضرورة صراحة كلامه بزيادة السجدة إلا أنها لا تقدح عنده لإمكان اندراجها في الزيادة السهوية لا لعدم صدق مسمى السجود، و إن كان يمكن المناقشة فيه أيضا أولا بعدم وجوب تدارك المنسي إذا فرض استلزامه لزيادة أمر آخر غيره قصرا لأدلة التدارك على الممكن نفسه، و لذا لم يجب إعادة السجدة لتدارك الطمأنينة مثلا، أو الذكر أو السجود على أحد المساجد و نحوها، و ثانيا بأنه لو سلم فهو حيث يكون مستلزما لذلك كما في تدارك الترتيب في القراءة و نحوها لا نحو المقام المتمكن من الجر فيه، نعم لو فرض عدم تمكنه كان له وجه.

فظهر لك حينئذ أن ما ذكره المحدث المزبور- من جواز الرفع في كل ما لا يصح السجود عليه، و عدم تعين الجر و إن تمكن منه إلا إذا كان قد وضع على ما يصح السجود عليه و قد طلب الأفضل و نحوه، لتحقق السجود حينئذ، ففي الرفع زيادة بخلاف الأول- من متفرداته، لا كما ظنه أن الأصحاب كذلك، و لعله إليه أشار العلامة الطباطبائي في المقام بالقيل في قوله:

و واضع الجبهة فيما يمتنع يجرها جرا و من رفع منع

ج 10، ص: 161

فإنه يستلزم الزيادةو انها تخل بالعبادة

و قيل جاز الرفع إذ لم يسجدو ليس إلا صورة التعدد

و هو قوي و على الفضل حمل أو طلب الأفضل منع قد نقل

إن أراد بما يمتنع مطلق ما لا يصح السجود عليه بالعلو و غيره، و إن أراد الأول بقرينة ذكره له في المقام فلم نعرف أحدا قال بوجوب الجر فيه و عدم جواز الرفع منه إلا سيد المدارك و الخراساني كما اعترف به بعضهم، و إلا فقد عرفت ما حكيناه عن الفاضلين و غيرهما، فلا يناسب التعبير عنه بلفظ القيل مع أنه هو المعروف، و ما ذكره في المدارك النادر، بل لا مستند له إلا تقديم صحيح معاوية بن عمار(1)المشتمل على النبكة على خبر ابن حماد(2)لضعف سنده بناء على طريقته من دوران الأمر مدار الأسانيد، و لقد أجاد في الحدائق هنا حيث قال: إنه أي السيد المزبور متى صح السند غمض عينيه و نام عليه و أضرب عن متن الخبر سواء خالف الأصول أو وافقها، قلت: مع أنه قد يناقش في صحة الخبر في المقام بتضمن سنده محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان، و الأول مجهول على المشهور و إن عدوا السند الذي فيه صحيحا أو قريبا منه.

لكن و مع ذلك كله قد مال إليه في الرياض بعض الميل، قال: لا لصحة الخبر بل لتوقف ما مر من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على الانحناء المفروض فيها، و كونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة و هو مشكل، و إثباته بما دل على المنع من الوضع على الزائد عنها غير ممكن، لأن غايته المنع، و يمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه، نعم ذلك حسن حيث لا يصدق السجود معه عرفا، و أما معه فمشكل، و لا ريب أن الأحوط عدم الرفع حينئذ، و كذا الموضع الذي يشك في الصدق و عدمه مع احتمال جواز الرفع هنا


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 4.

ج 10، ص: 162

كصورة عدم الصدق قطعا، و لكن الأحوط عدم الرفع مطلقا خروجا عن شبهة الخلاف نصا و فتوى.

و فيه أنك قد عرفت ظهور التحديد المزبور نصا و فتوى في كشف مصداق السجود عرفا، كما يومي اليه مع ذلك ملاحظة كلمات الأصحاب كالفاضلين و المحقق الثاني و غيرهم، فحينئذ لا ينبغي التأمل في جواز الرفع مع فرض السجود على الزائد كما أفتى به الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم، كما أنه ينبغي التأمل في عدم جوازه بحيث يستلزم زيادة سجدة مع فرض وقوع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه من البساط و نحوه إمكان تحصيل الشرط بدونها كالجر و نحوه، أما لو تعذر الجر و نحوه مما لا يستلزم زيادة سجدة فهل يسقط حينئذ اشتراطه، إذ هو كما لو رفع رأسه و ذكر أنه سجد على ما لا يصح السجود عليه، و كنسيان الذكر و الطمأنينة و أحد المساجد عدا الجبهة، لتوقف اسم السجود على وضعها في وجه و لو على ما لا يصح السجود عليه، لتعذر التدارك حينئذ عليه بسبب زيادة السجدة التي ثبت بالأدلة إبطالها الصلاة مع العمد كما أومأت اليه نصوص قراءة العزيمة(1)أو يتداركه و إن استلزم زيادة سجدة لكن سهوا فلا تقدح كما سمعته من ابن فهد، بل وافقه عليه هنا غيره، بل لا أجد فيه خلافا بل يشهد له أيضا

المروي عن كتاب الغيبة و احتجاج الطبرسي عن محمد بن أحمد بن داود القمي (2)قال: «كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقع (عليه السلام) ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة»

و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 6.

ج 10، ص: 163

هو في النافلة و لم يجبه عن الاعتداد و عدمه، و لم يظهر وجه التقييد فيه بالاستواء جالسا و غير ذلك؟ وجهان، أقواهما الأول، ضرورة عدم اندراج مثله في السجدة السهوية لحصول القصد في كل منهما، إلا أنه سها عما يجب حالها أو يشترط في صحتها و إن لم يدخل في اسمها، و إلا

لوجب التدارك مع السهو عن الطمأنينة و وضع أحد المساجد و نحوهما مما يعتبر في صحة السجود، و التدارك في غير المقام كترتيب القراءة و الجلوس للتشهد و غير ذلك و إن كان هو مستلزما للزيادة أيضا إلا أنه قد يفرق بين السجدة و غيرها بالإجماع المدعى في التنقيح على إبطال الأولى كما سمعته في بحث قراءة العزائم بخلاف ما عداها مما يزاد لتدارك الواجب أو المندوب في الصلاة، بل لعله لا يندرج في الزيادة المنهي عنها في الصلاة التي يدور البطلان مدار التشريع فيها كما أوضحناه سابقا و لقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله:

و ليس بالزائد ما به يتم فرض و نفل في الصلاة فاستقم

و الخبر المذكور قد عرفت ما فيه بعد الإغضاء عما في الطريق إلى أحمد، فظهر لك حينئذ ضعف الاحتمال المزبور، و لعل احتمال بطلان الصلاة أولى و لو بالنسيان في سجدة واحدة، ضرورة الدوران حينئذ في الفرض بين زيادة السجدة و بين فوات الشرط، و هو كالركن في البطلان ما لم يدل دليل على اغتفار السهو فيه، لأصالة فوات المشروط بفوات شرطه، و اغتفار السهو في أجزاء الصلاة عدا الأركان لا يستلزم اغتفاره في غيرها بعد حرمة القياس، و لعله بذلك يفرق بين نسيان الذكر و الوضع لأحد المساجد و نحوهما و بين نسيان الوضع على ما لا يصح السجود عليه بجعل هذه الأمور واجبات في الصلاة حال السجود لا شرائط، بخلاف وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فإنه من مكان المصلي، و دعوى أنه شرط في صحة السجود لا الصلاة فليس هو بأعظم من ترك سجدة أجمع سهوا و لا بطلان معها قد يدفعها أن مرجعها القياس، ضرورة اندراج

ج 10، ص: 164

ترك السجدة أصلا فيما دل على عدم قدح نسيان السجدة بخلاف نحو الفرض، بل نسيان السجدة ليس من ثبوت المشروط بدون شرطه، بل هو من فوات المشروط و الشرط و قد اغتفره الشارع في حال السهو، لكن لا يخفى عليك ما فيه.

هذا كله في خصوص رفع الجبهة من المساجد، أما غيرها فلا أرى به بأسا عمدا فضلا عن السهو، لأنه من الأفعال القليلة، و لا زيادة فيه بعد أن يكون وضعها الثاني مقدمة للمأمور به، ضرورة كون المراد بالزيادة ما يفعل بعنوان الجزء من الصلاة، و هو خارج عنها حتى يكون تشريعا محرما، بخلاف المقام الذي هو مأمور بوضع يده فيه، فلا تشمله أدلة الزيادة قطعا، مع أن استقصاء ما ورد في القيام و الجلوس و غيرهما من أفعال الصلاة يشرف الفقيه على القطع بعدم قدح أمثال هذه الأمور، و منها رفع الرجل في حال القيام ثم إعادتها و الجلوس ثم القيام و بالعكس و غير ذلك، مضافا إلى خصوص

المروي عن قرب الاسناد في المقام عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون راكعا أو ساجدا فيحكه بعض جسده هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه مما حكه قال:

لا بأس إذا شق عليه أن يحكه، و الصبر إلى أن يفرغ أفضل»

فما نسمعه في هذه الأعصار عن بعض المشايخ من التوقف في ذلك و الجزم بالبطلان في غير محله، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في المقام مشيرا إلى جميع ما ذكرنا، فقال:

و رفعه حال السجود لليدأو غيرها كالرجل غير مفسد

فإنه فعل قليل مغتفرو الوضع بعد الرفع عن أمر صدر

و ليس بالزائد ما به يتم فرض و نفل في الصلاة فاستقم

فهو كرفع الرجل في القيام و وضعها من بعد للإتمام


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 165

أو كقيام جالس لمطلب عاد اليه بعده للطلب

و العود للمطلوب من شغل اليدمن بعد رفع جاء عن تعمد

و غيره و هو كثير لا خلل فيه و لا زيادة توهي العمل

و الحميري قد روى حك الجسدلراكع و ساجد برفع يد

و ترك هذا كله من الأدب و ليس مفروضا و لكن يستحب

و هو كما ترى في غاية الجودة، و قد تقدم منا في المباحث السابقة تمام الكلام في بعضه، فلاحظ، كما أنه مضى في بحث القيام ما يعرف منه قول المصنف هنا فان عرض ما يمنع من ذلك الانحناء اقتصر على ما يتمكن منه بلا خلاف أجده فيه، لنحو ما مر في الركوع و إن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب لذلك و غيره أيضا ف ان عجز عن ذلك كله أومأ إيماء مجتزيا به إجماعا في المحكي عن التذكرة، بل في المدارك أن ظاهر المصنف في المعتبر و العلامة في المنتهى أن ذلك كله إجماعي، لكن قد عرفت البحث في الاكتفاء برفع ما يسجد عليه عن الإيماء

في صورة عدم حصول شي ء من الانحناء و عدم إمكان الاعتماد على المسجد و إن قال في المنتهى هنا: «لو تعذر عليه الانحناء لعارض رفع ما يسجد عليه ذهب إليه علماؤنا أجمع» إذ لعله يريد مع التمكن من الاعتماد في الجملة، أما بدونه فقد عرفت أن من المحتمل وجوبهما معا، أو التخيير بينهما، أو تعين الإيماء مع استحباب الجمع بينه و بين الرفع، بل لم نذكر هناك احتمال تعين الرفع و أنه يجزي عن الإيماء لأحد من الأصحاب، و إن كان هو ظاهر المصنف هنا و في القيام بناء على إرادة ما يشمل الاعتماد و غيره من قوله: «يسجد» خصوصا إذا قرئ بالبناء للمجهول، و يقتضيه بعض النصوص السابقة ك خبر الكرخي (1)و يؤيده أنه أقوى من الإيماء دلالة على السجود، و فيه المحافظة على مماسة الجبهة للأرض التي


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 166

لم يعلم سقوطها بتعذر الانحناء، خصوصا على تقدير وجوبها مستقلة للصلاة من غير مدخلية للسجود في ذلك، إلا أنه قد عرفت عدم اقتضاء ذلك سقوط الإيماء المدلول عليه بالنصوص (1)مع أنه بدل عن الانحناء لا عن وضع الجبهة على الأرض كي يسقط به، فالمتجه حينئذ الجمع بينهما في الفرض السابق الذي لم يحصل منه فيه صورة الساجد بالاعتماد و نحوه، مع تنزيل عبارة المصنف و معقد إجماع المنتهى و غيره و ما في خبر الكرخي على إرادة إمكان الاعتماد في الجملة، لأنه هو المنساق إلى الذهن من لفظ «يسجد عليه» فيها، و طريق الاحتياط غير خفي، فلا ينبغي تركه، كما أنه لا ينبغي تركه بترك وضع باقي المساجد مع فرض التمكن منها، إذ تعذر الجبهة منها لا يقتضي سقوطها، بل لا ينبغي ترك ذلك حتى في نحو المضطجع و المستلقي و القائم و نحوها فضلا عمن يتمكن من الانحناء في الجملة و الجالس و إن لم يتمكن من انحناء أصلا و إن كان تعيينه في غير الأخيرين بل السابق منهما خاصة لا يخلو من نظر، و الله أعلم.

[الرابع الذكر فيه]

الواجب الرابع الذكر فيه، و قيل يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع خلافا و استدلالا و مختارا و إن كان ظاهر المصنف هنا اختيار الذكر بخلافه في الركوع، لكنه في غير محله، ضرورة اتحاد البحث فيهما كما لا يخفى على من أحاط خبرا بمدارك المسألة.

[الخامس الطمأنينة]

الواجب الخامس الطمأنينة بلا خلاف أجده، بل هو مجمع عليه نقلا في الغنية و غيرها إن لم يكن تحصيلا، بل في المعتبر وجوبها بقدر الذكر ناسبا له إلى علمائنا مشعرا بالإجماع عليه، بل في المدارك و عن المفاتيح التصريح به، كما في مجمع البرهان نفي الخلاف فيه، بل إليه في الجملة يرجع ما في التذكرة من أنه لو شرع فيه قبل وصول الجبهة إلى الأرض أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده عند علمائنا أجمع، مضافا إلى أنه المعهود من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و أتباعهم، و في

صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب السجود.

ج 10، ص: 167

ابن يقطين (1)المتقدم في ذكر الركوع «و يجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض»

و ما في

صحيح علي بن جعفر(2)المتقدم آنفا أيضا سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض».

و في

خبر الهذلي (3)المروي عن أربعين الشهيد بسند صحيح إلى الهذلي عن علي بن الحسين «فإذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض، و لا تنقر كنقرة الديك»

و إلى ما تقدم في الركوع مما يقتضيه أيضا من خبر الميسي (4)و غيره، بل تقدم هناك ما يعرف منه ما في القول بركنيتها المحكي عن خلاف الشيخ الإجماع عليها، بل هي أضعف من دعوى الركنية في الركوع كما لا يخفى على من لاحظ ما تقدم مع التأمل، بل في الذكرى بعد أن ذكر ذلك عنه في السجدتين و الاعتدال من الأولى منهما قال: و لعله في هذه المواضع يريد بالركن مطلق الواجب، لأنه حصر الأركان بالمعنى المصطلح عليه في الخمسة المشهورة، و هل المراد بوجوبها قدره المقدمة له فتسقط حينئذ بسقوطه؟ ظاهر المحكي عن الروض الثاني، و لذا قال: و لو لم يعلم الذكر وجبت بقدره، و لا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، و أولى منه بقاء وجوب الذكر مع سقوطها للعجز و نحوه مما علم عدم التكليف بها معه الذي أشار إليه المصنف و غيره بقوله إلا مع الضرورة المانعة إذ احتمال سقوطه تبعا لها أيضا في غاية الضعف و إن حكاه في المدارك عن بعضهم، فقال: و ربما قيل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الركوع- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 18.
4- 4 في النسخة الأصلية« الميسي» و لم يسبق في الجواهر ذكره في بحث طمأنينة الركوع و لم أعثر عليه في مظانه من كتب الأخبار و لعل الصواب« المسي ء» أي من أساء الأدب في صلاته و هو الذي نقله في الجواهر في بحث الركوع من الذكرى و هو موجود في سنن أبي داود ص 131.

ج 10، ص: 168

بسقوط الذكر هنا، و كأنه أشار بذلك إلى ما في جامع المقاصد حيث قال: و لو تعذرت فهل يسقط وجوب الذكر أم يأتي به على حسب مقدوره؟ فيه تردد، و هو غريب خصوصا إذا التزم جريانه في القراءة و غيرها مما يعتبر فيها الطمأنينة من أقوال الصلاة.

[السادس رفع الرأس من السجدة الأولى]

الواجب السادس رفع الرأس من السجدة الأولى إجماعا محكيا في الوسيلة و الغنية و المنتهى و التذكرة و جامع المقاصد و المدارك و المفاتيح و ظاهر المعتبر و كشف اللثام لتوقف صدق السجدة الثانية غالبا عليه، و لأنه المعلوم من الشرع قولا و فعلا، خلافا لبعض العامة فاكتفى بالانتقال إلى مكان أخفض، بل الواجب الرفع حتى يعتدل مطمئنا كما هو بعض معقد إجماع المدارك و غيره، و قد استوى الصادق (عليه السلام) جالسا لما علم حمادا(1)و النبي (صلى الله عليه و آله) لما أمره بذلك في حديث المعراج (2)و قد سمعت خبر الميسي (3)الذي علمه النبي (صلى الله عليه و آله) و في

خبر أبي بصير(4)عن الصادق (عليه السلام) «و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك، و إذا كان في الركعة الأولى و الثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك»

بل منه يستفاد اعتبار الطمأنينة، إذ قد عرفت تفسيرها برجوع كل عضو إلى مستقره، و أن الفاضل ادعى الإجماع عليه، و في

المروي (5)عن الخصال بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) «اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوار حكم ثم قوموا، فان ذلك من فعلنا».

و هو ظاهر في الطمأنينة فيه، بل على الطمأنينة التي عليها الإجماع في الغنية و المنتهى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 10.
3- 3 راجع التعليقة 4 ص 167.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 16.

ج 10، ص: 169

و التذكرة و جامع المقاصد و الحدائق و المحكي عن الغرية و إرشاد الجعفرية و المقاصد العلية و المفاتيح، كما أن في ظاهر المحكي عن الخلاف الإجماع على ركنية الاعتدال فضلا عن رفع الرأس و إن كان هو ضعيفا عندنا، و من ذلك يعلم أن وجوب الرفع هنا أصلي ليس مقدمة لتحقق السجدة الثانية، و إلا لم يعتبر فيه الاعتدال و الطمأنينة، نعم هو محتمل في الرفع من السجدة الثانية، بل هو الظاهر، و لذا ترك المصنف عده من الواجبات، و ذكر من المندوب الجلوس عقيب السجدة الثانية مطمئنا.

و تسمع الكلام فيه إن شاء الله، كما أنك عرفت تحقيق البحث في وجوب التكبير للأخذ فيه و الرفع منه و وجوب رفع اليدين معه، ضرورة اتحاد البحث فيه مع البحث فيه للركوع دعوى و دليلا و إن قال المصنف هنا أيضا كالسابق: فيه تردد و لكن قد سمعت هناك أن الأظهر إن لم يكن المقطوع به الاستحباب فلاحظ و تأمل، بل في المنتهى هنا و المحكي عن التذكرة أن استحباب التكبير للسجود فتوى علمائنا، كما عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، نعم ربما حكي هنا عن صاحب الفاخر زيادة على ما سبق القول بوجوب إحدى تكبيرتي الرفع من الأولى و الأخذ في الثانية، و لا ريب في ضعفه كضعف القول بوجوب الرفع فيه الذي قد مر سابقا تمام الكلام فيه.

[مستحبات السجود]
[في استحباب أن يكبر للسجود قائما رافعا يديه]

و حينئذ فلا ينبغي أن يتأمل في أنه يستحب فيه أن يكبر للسجود رافعا يديه لما مر، مع أن النصوص (1)قولا و فعلا دالة عليه، بل هي دالة أيضا على فعله قائما ثم يهوي للسجود كما فعله الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد، و

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2)أو حسنه: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبر ثم اركع و اسجد»

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك لا ينافي وقوع بعض التكبير حال الهوي لعدم كونه من السجود، نعم قد ينافي لفظ «ثم» ما عن العماني من


1- 1 الوسائل- 2- الباب- 2- من أبواب الركوع.
2- 2 الوسائل- 2- الباب- 2- من أبواب الركوع- 1.

ج 10، ص: 170

أنه يبدأ بالتكبير قائما، و يكون انتهاؤه بالتكبير مع مستقره ساجدا، ل

خبر المعلى بن خنيس (1)عن الصادق (عليه السلام) «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا أهوى ساجدا انكب و هو يكبر»

الذي لا شهادة فيه على الامتداد المزبور، و لذا نفى في الذكرى كما عن التذكرة استحبابه ليطابق الهوي معللا له في الأول ب ما ورد(2)من أن التكبير جزم، بل لا دلالة فيه أيضا على فعل ذلك في سجود الصلاة فضلا عن الفريضة منها، فالجمع حينئذ بينه و بين صحيح حماد بالتخيير كما في الحدائق ضعيف مخالف للمعروف بين أصحابنا من التكبير قائما ثم الهوي، بل في المنتهى و التذكرة نسبته إلى فتوى علمائنا، و أضعف منه تخيير الشيخ بين المشهور و ما سمعته من العماني، نعم في الذكرى «لو كبر في هويه جاز و ترك الأفضل» مع أنك قد عرفت ما فيه أيضا في تكبير الركوع، و الظاهر أن التكبير للسجدة الثانية قبل الأخذ في هويها أيضا، كما أن التكبير للرفع منها و من الأولى بعد أن يستوي جالسا، كما دل عليه صحيح حماد و صحيح زرارة(3)المتقدم، و لعله اليه يرجع ما عن الجمل «يرفع رأسه من السجود رافعا يديه بالتكبير» و المهذب و الاقتصاد «يرفع رأسه بالتكبير» و المقنعة «يرفع يديه بالتكبير مع رفع رأسه» لما حكي عن السرائر من أنه أتى بعبارة المقنعة و نص بعد ذلك على استحباب أن يكون التكبير بعد التمكن من الجلوس، فيراد بالمعية حينئذ ما لا ينافي ذلك.

و أما ما عن الإسكافي- من أنه إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه و هو منتصب القامة لافظ به رافعا يديه إلى نحو صدره و إذا أراد أن يخرج عن ذلك الفعل كان تكبيره بعد الخروج منه، و حصوله فيما يليه


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب السجود- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 1.

ج 10، ص: 171

من انتصاب ظهره في القيام و تمكنه من الجلوس- فهو نص فيما قلناه كما اعترف به في الذكرى بل فيها أنه يقرب منه كلام المرتضى، قلت: المحكي عن مصباحه أنه قال:

قد روي أنه إذا كبر للدخول في فعل من أفعال الصلاة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه و للخروج بعد الانفصال عنه، و هو قد يعطي الخلاف في الأول، و لذا قال في المحكي عن المعتبر و التذكرة: «الوجه إكمال التكبير قبل الدخول» بل زاد في الأول أن الوجه أيضا الابتداء به بعد الخروج، و أن على ذلك روايات الأصحاب، و الأمر سهل.

[في استحباب أن يكون سابقا بيديه إلى الأرض إذا سجد]

و كيف كان ففي صحيح زرارة(1)الآخر الطويل المشتمل على تعليم الصلاة أيضا عن الباقر (عليه السلام) الأمر بأن يكون سابقا بيديه إلى الأرض عند هويه من القيام إلى السجود، قال فيه: «إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خر ساجدا و ابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك، و لا تضعهما معا» و رأى محمد ابن مسلم (2)الصادق (عليه السلام) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد و إذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه، و

سأله الحسين بن أبي العلاء(3)أيضا «عن الرجل يضع يديه قبل ركبتيه في الصلاة قال: نعم»

كمحمد بن مسلم (4)سأله أيضا بمثل ذلك بل هو المراد بالتخوية في

رواية حفص (5)عن الصادق (عليه السلام) «كان علي إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر يعني بروكه»

على ما فسرها به في الذكرى.

و على كل حال فلا ريب في الندب، مضافا إلى أنه نقل الإجماع عليه عن الخلاف و المنتهى و التذكرة و البحار و ظاهر المعتبر و نهاية الأحكام و جامع المقاصد و الغنية أو صريحها، و لا ينافيه

قول الصادق (عليه السلام) أيضا في موثق أبي بصير(6):


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب السجود- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب السجود- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب السجود- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب السجود- الحديث 5.

ج 10، ص: 172

«لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه»

و لا

صحيح عبد الرحمن (1)سأله أيضا «عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه يبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال: لا يضره»

ضرورة إرادة الجواز منهما، بل لهما مع الأصل و الإجماعات السابقة حمل ما عساه يوهم الوجوب من النصوص السابقة على الندب، فما عن أمالي الصدوق- من أن من دين الإمامية عدم الجواز، بل قيل: إنه ظاهر التهذيب أيضا حيث حمل الخبرين المزبورين على الضرورة- ضعيف جدا، بل يقوى في الظن إرادة الكراهة من عدم الجواز كالنهي عن التلقي بالركبتين في المبسوط.

و ظاهر هذه النصوص استحباب التلقي باليدين معا، بل هو صريح صحيح زرارة و به أفتى الفاضل و الشهيدان، لكن في

خبر عمار(2)«يضع اليمنى قبل اليسرى»

و حكاه في الذكرى عن الجعفي، و لا بأس بكل منهما، بل لعله غير مناف للمعية، كما أنه لا بأس في المحكي عن العماني من أنه ينبغي أن يكون أول ما يقع منه على الأرض يداه ثم ركبتاه ثم جبهته ثم أنفه و إن لم نجد له نصا على ذلك.

ثم إن الظاهر اختصاص ذلك بالرجل، أما المرأة ففي

صحيح زرارة(3)الذي نسبه في الذكرى و جامع المقاصد إلى عمل الأصحاب «تبدأ بالقعود و الركبتين قبل اليدين»

و هو المناسب لمخافة ارتفاع عجيزتها لو فعلت كما يفعل الرجل، كما هو واضح، و لذا حكى في الغنية الإجماع على أنها تجلس من غير أن تنحني، لكن قد يقال: إن التخلص عن ارتفاع العجيزة يحصل بانحطاطها من غير تقوس مع سبق ركبتيها و إن لم تجلس، و من هنا ربما حكي عن كثير من كتب المتأخرين أنها تبدأ بالركبتين قبل اليدين


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب السجود- الحديث 3.
2- 2 في البحار ج 18 الصلاة ص 184 إشارة اليه.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 4 مع اختلاف في الألفاظ.

ج 10، ص: 173

من غير ذكر للجلوس، و الأولى اتباع الصحيح المزبور.

[في استحباب أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه أو أخفض]

و كذا يستحب أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه أو أخفض كما في القواعد و التحرير و موضع من الذكرى و المحكي عن نهاية الأحكام و البيان، و اقتصر بعضهم على الأول، لأنه هو

المستفاد من الأمر بالاستواء في صحيح ابن سنان (1)أو حسنه المتقدم سابقا، بل و من أحد خبري حسين بن حماد(2)أيضا و خبر المرادي (3)المتقدمين سابقا، بخلاف صورة الخفض، نعم علل بأنه أدخل في الخضوع، و هو كما ترى، كالاستدلال عليه ب

خبر محمد بن عبد الله (4)أنه سأل الرضا (عليه السلام) «عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه فقال: إذا كان وحده فلا بأس»

إذ هو بعد الإغضاء عن نكتة الشرط فيه ليس فيه إلا نفي البأس الذي هو أعم من الندب قطعا، و أولى منه حينئذ الاستدلال ب خبر عمار(5)المتقدم سابقا في الواجب الثالث من حيث التعبير فيه بالاستقامة و مساواته بين أفراد ما هو أقل من الآجرة إلى أن يصل إلى حد التساوي، مع أن الاستدلال به أيضا فيه ما فيه كالاستدلال بإطلاق النهي عن المرتفع و الجر إلى غيره الشامل لصورتي التساوي و الانخفاض، لكن التسامح في أدلة السنن يمنع من هذا التدقيق.

انما الكلام في إرادة استحباب ذلك حال السجود بقرينة ذكرهم له في مستحباته أو أنه مستحب في الصلاة و لو حال القيام، و ذكرهم له هنا من حيث دخول السجود أو من حيث اعتبار المساواة بين المسجد و الموقف؟ المنساق إلى الذهن الأول، لكن ظاهر العبارة يشهد للثاني، بل لعله ظاهر خبر ابن سنان السابق أيضا، و الأولى بناء


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 174

المسألة على ما أشرنا إليه سابقا في اعتبار التقدير باللبنة أنه في حال السجود أو و لو في حال القيام و إن قلنا هناك إن المقطوع به الأول بقرينة ذكرهم له في واجبات السجود و في تقدير الانحناء و غير ذلك، إلا أنه لا يمتنع جعل ذلك مستحبا آخر غيره كما حكيناه عن كشف الأستاذ في باب المكان، و ظاهر الذكرى و الدروس فيه أيضا و إن أمكن رد عبارة الأخيرتين إلى ما نحن فيه، و يظهر من بعض مشايخنا في المقام إطلاق الاستحباب لا تخصيصه حال السجود، حيث أنه بعد أن حكى عن العلامة و سائر من تأخر عنه استحباب المساواة قال: و قال بعضهم: يستحب مساواة موضع الجبهة لموضع الإبهامين حال السجود لا حال القراءة، و نزل عليه عباراتهم، و هو كالصريح في التعميم حيث جعل ذلك تنزيلا، و تمام البحث في المسألة يحتاج إلى إطناب، و فيما سمعته الكفاية، قيل: و يستحب أيضا في باقي المساجد، و لعله لأنه أقوم للسجود، و لاحتمال عود الضمير في قوله: «و ليكن» في صحيح ابن سنان إلى مكان السجود جميعه لا خصوص المسجد و لغير ذلك مما يمكن استفادته مما ذكرناه في الواجب الثالث.

[في استحباب أن يرغم أنفه في السجود]

و كذا يستحب أن يرغم أنفه في حال سجوده عند علمائنا في المعتبر و المنتهى، بل في المدارك و المحكي عن الخلاف الإجماع صريحا أيضا عليه، كما أنه في ظاهر جامع المقاصد و المحكي

عن التذكرة الإجماع على عدم وجوبه، و بذلك كله يتعين إرادة الاستحباب من لفظ السنة في صحيحي زرارة(1)و حماد(2)و إن قوبلت بالفرض مضافا إلى الأصل، و مفهوم ما دل (3)على أن السجود على سبعة أعظم أو أعضاء، بل في

خبر محمد بن مصارف (4)أنه سمع الصادق (عليه السلام) يقول: «انما السجود على الجبهة و ليس على الأنف سجود»

فما في الهداية و المحكي عن الفقيه و المقنع من أن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 175

الإرغام سنة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له ضعيف، إلا أن يريد تأكد الاستحباب، ك

موثق عمار(1)عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين»

و

حسن عبد الله بن المغيرة أو صحيحه (2)«قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه».

و ظاهر إطلاق الأنف في هذه النصوص و غيرها كالمتن و غيره من عبارات الأصحاب الاجتزاء بأي جزء منه كما صرح به جماعة منهم الفاضلان في المعتبر و المنتهى و هو المراد من المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(3)«و ترغم بأنفك و منخريك في موضع الجبهة»

إذ المنخران كما قيل ثقبا الأنف، و هما ممتدان من رأس الأنف الأسفل إلى أعلاه، لكن عن سلار التعبير بطرف الأنف، بل عن المرتضى و الحلي تعيين طرف الأنف مما يلي الحاجبين، و في كشف اللثام لعلهما يريدان الاجتزاء به لا تعيينه، و بالطرف ما يعم المتصل بهما و ما بعده، قلت: أو أن ذلك أفضل مواضع الأنف، ل

خبر عبد الله بن الفضل (4)عن أبيه المروي عن العيون في حديث طويل «أنه دخل على أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: فإذا أنا بغلام أسود و بيده مقص يأخذ من جبينه و عرنين أنفه من كثرة السجود»

و العرنين طرف الأنف الأعلى كما قيل، لكن عن البشرى أن ما ذهب اليه السيد ضعيف، لافتقاره إلى تهيئة موضع للسجود ذي هبوط و ارتفاع، لانخفاض هذا الطرف غالبا، و هو ممنوع إجماعا، فالقول به تحكم شديد، و قد يدفعه ما في كشف اللثام من أن السجود على الألواح من التربة الشريفة أو غيرها يسهل الخطب، و إن كان فيه أن تعارف ذلك حادث.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 7.
3- 3 الفقه الرضوي ص 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب السجود- الحديث 4.

ج 10، ص: 176

و كيف كان فالارغام بالأنف وضعه على الرغام بالفتح، و هو التراب، لكن الظاهر تؤدى السنة بوضعه على ما يصح السجود عليه مطلقا لإطلاق بعض النصوص أو عمومها، و احتمال تنزيلها على أفضل ما يسجد عليه لا داعي له، كاحتمال تعدد المستحب: الإرغام و السجود على الأنف، فالثاني يتأدى بجميع ما يصح السجود عليه و الأول يختص بالتراب، لكن يتأدى سابقه به، أو أن الإرغام مطلق المماسة و الوضع بخلاف الثاني فلا بد فيه من اعتماد في الجملة، إذ التأمل في النصوص و إن وقع في بعضها لفظ السجود على الأنف يرشد إلى اتحادهما، و أنه هو المراد من الإرغام، كما أنه هو المراد منه، مضافا إلى أصالة عدم التعدد و عدم معروفيته بين الأصحاب، نعم حكي عن الشهيد في النفلية أنه عددهما، و تبعه بعض من تأخر عنه كالبهائي و الأستاذ الأكبر مع أن ظاهر الشهيد في غيرها الاتحاد، و هو الأقوى، و إلا فلو أخذ بما في النصوص من التعبير و لم يجعل المراد واحدا لكان الظاهر التثليث: الإرغام و السجود و الإصابة لا التثنية، و فيه ما لا يخفى، كاحتمال اعتبار مساواة الأنف للجبهة في تحقق فضيلة الإرغام، فلا يجزي لو وضع الجبهة على نبات مثلا و الأنف على أرض فضلا عن العكس تمسكا بظاهر الخبرين السابقين المبنيين على الغالب، فلا يصلحان حجة لذلك كإطلاق لفظ السجود في آخر، فلا يصلح حجة أيضا، لاحتمال مشروعية السجود عليه و إن لم يكن على ما يصح السجود عليه، خصوصا بعد نفي الاجزاء في الخبرين السابقين فتأمل جيدا.

[في استحباب أن يدعو في السجود قبل التسبيح]

و كذا يستحب أن يدعو أيضا في السجود قبل التسبيح بإجماع العلماء كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة، و ينبغي أن يكون ب ما رواه في الكافي (1)و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السجود.

ج 10، ص: 177

ظاهر المصنف و غيره ممن أطلق كإطلاقه عدم اختصاص الفضل بذلك، و هو جيد، لإطلاق الأمر بالدعاء للدنيا و الآخرة بناء على عدم تنزيل المطلق على المقيد في المندوبات و أنه مستحب في مستحب، و إلا فاستحباب الدعاء في نفسه لا يقتضي الاستحباب في الموضع الخاص من الصلاة إلا على وجه ذكرناه سابقا من أن مقتضى التعميم لسائر الأحوال يندرج فيه حال الصلاة، فلعل المصنف و غيره ممن أطلقوا هنا لذلك، أو أنهم يريدون المنقول، فحينئذ ينبغي المحافظة عليه بالخصوص عند إرادة الوظيفة الخاصة، و الذي في

حسن الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا سجدت فقل: اللهم لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت و عليك توكلت و أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه و شق سمعه و بصره، و الحمد لله رب العالمين»

و في الذكرى و إن قال: «خلقه و صوره» كان حسنا، بل

عن فلاح السائل روايته عن الكليني (2)بدل «وجهي» «سجد لك سمعي و بصري و شعري و عصبي و مخي و عظامي، سجد وجهي البالي الفاني للذي خلقه و صوره و شق سمعه و بصره تبارك الله أحسن الخالقين»

قيل: و هو موافق لما في المصباح و النفلية إلا أن فيهما تقديم الفاني على البالي.

[في استحباب أن يزيد على التسبيحة التامة الواحدة بما تيسر]

و يستحب أيضا أن يزيد على التسبيحة التامة الواحدة بما تيسر من التثليث أو التسبيع نحو ما مر في الركوع، و كان عليه أن يذكر كما ذكر فيه، لعدم الفرق بينهما في ذلك كما لا يخفى.

[في استحباب أن يدعو بين السجدتين]

و كذا يستحب أيضا أن يدعو بين السجدتين و نسبه في المعتبر و المنتهى إلى فتوى الأصحاب و جماعة أهل العلم، و في التذكرة الإجماع عليه، و في النفلية


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 178

أن أقله أستغفر الله ربي و أتوب إليه، و في شرحها أنه رواه حماد(1)و ليس في التهذيب بخط الشيخ لفظ ربي بعد أستغفر الله، و تبعه المصنف في الذكرى و المحقق في المعتبر، و

فيها و شرحها أيضا أن فوق ذلك في الفضل (2)«اللهم اغفر لي و ارحمني و اجبرني و ادفع عني و عافني إني لما أنزلت إلى من خير فقير، تبارك الله رب العالمين»

و في الذكرى عن الكاتب إسقاط «تبارك» إلى آخره و زيادة

«سمعت و أطعت غفرانك ربنا و إليك المصير»

قلت: و هو الذي

رواه الحلبي، و في المصباح «اللهم اغفر لي و ارحمني و اجبرني و اهدني إني لما أنزلت إلى من خير فقير»

و في

خبر الفضيل بن يسار(3)«اللهم اعف عني و اغفر لي و ارحمني و اجبرني و اهدني إني لما أنزلت إلى من خير فقير»

و لعل الجمع بين الاستغفار السابق و غيره لا يخلو من رجحان، لكن هذه النصوص جميعها كما ترى لا إطلاق فيها بالدعاء ليناسب إطلاق المصنف في ذلك، و لعله بناه على الوجه السابق، أو يريد المأثور، أو أن اختلافها يومي إلى إرادة مطلق الدعاء، أو أن الأمر بالدعاء و لو مقيدا يقتضي مشروعية المطلق بالخصوص كما سمعناه من بعض مشايخنا و فيه بحث واضح.

[في استحباب أن يقعد متوركا]

و كذا يستحب أن يقعد متوركا بينهما إجماعا في المحكي عن التذكرة و فعله الصادق (عليه السلام) في تعليم حماد(4)فإنه قعد بينهما على فخذه الأيسر قد وضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر، فما في

خبر أبي بصير(5)المروي في زيادات التهذيب عن الصادق «و لا تنقض أصابعك و لا تورك فان قوما قد عذبوا بنقض الأصابع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب السجود- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 9 و التهذيب ج ص 325 الطبعة الثانية عام 1378.

ج 10، ص: 179

و التورك في الصلاة»

يجب طرحه أو حمله على إرادة غير ذلك من التورك، ضرورة معلومية استحباب التورك في الجملة في الصلاة، فالخبر حينئذ من الشواذ، و على كل حال فالصفة المزبورة قد ترجع إلى ما في

صحيح زرارة(1)«فإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرج بينهما شيئا، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، و أليتاك على الأرض و طرف إبهامك اليمنى على الأرض»

قيل: و هو الذي فسره به الشيخ و سائر من تأخر عنه إلا من ستعرف، قالوا: يجلس على وركه الأيسر و يخرج رجليه جميعا و يفضي بمقعدته إلى الأرض و يجعل رجله اليسرى على الأرض و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى بل قد يرجع اليه ما عن المقنعة و جمل السيد و المراسم من الجلوس متمكنا على الأرض قد خفض فخذه اليسرى عليها و رفع فخذه اليمنى عنها، و كان هذا هو حقيقة التورك، و تلك أمور زائدة عليه يستحب فعلها حاله أو حال الجلوس، بل و

ما عن الوسيلة من الجلوس على فخذه الأيسر و وضع ظاهر القدم اليمنى على باطن اليسرى، بل و ما عن مصباح المرتضى و إن عد مخالفا، قال: إنه يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر، و ينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض، و يستقبل بركبتيه معا القبلة، ضرورة لزوم كيفية المشهور وضع الفخذ على عرقوبه الأيسر كما اعترف به في كشف اللثام، و كذا ما في المحكي عن السرائر من أنه يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض، رافعا فخذه اليمنى عنها، جاعلا بطن ساقه الأيمن على بطن رجله اليسرى، و ظاهرها مبسوطا على الأرض، و باطن فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر إلى آخر كلام المرتضى، بل و ما في الغنية «يجلس حال التشهد متوركا على وركه الأيسر مع ضم فخذيه و وضع ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 180

قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى» و زيادة بعض الأشياء في بعض هذه التفاسير لم يعلم إرادة الدخول في نفس كيفيته منها، بل من المحتمل إرادة الاستحباب المستقل في أصل الجلسة، إذ الظاهر أن حقيقته الجلوس على الورك، و لعله لذا أطلقه المصنف و لم يخصه بالأيسر، فيكون حينئذ ما ورد من الكيفية الخاصة مستحبا في مستحب، و هو جيد لو كان هناك أمر مطلق به، بل في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك و اجلس على يسارك»

و لم أعثر على نص مطلق في التورك، بل لم أعثر على هذه اللفظة في نصوصنا، و كان الأصحاب عبروا بما في النص من صفة معناها.

لكن لا يخفى عليك قصور دلالتها على جميع ما في النص من وضع قدم اليمنى في بطن اليسرى و نصب الإبهام و نحوهما، و لعلهم عبروا به لكونه الأصل في الإرادة و عدم مدخلية هذه الأمور في وظيفته و إن كان الفرد الكامل من الجلوس التورك مع إضافة هذه الأمور، فحينئذ لا يعد ذلك خلافا منهم في كيفية التورك، نعم حكي عن الإسكافي أنه وضع الأليتين على بطن القدمين، و عن الحسن بن عيسى أنه نصب طرف الإبهام اليمنى على الأرض، و هما مع عدم مساعدة مادة اللفظ لهما لا دليل على ما ذكراه، مع أنه يمكن ذكر الثاني منهما بعض ما سمعته فيه لإتمامه، كتفسير أهل اللغة اللفظ بالأعم كما أنه قيل: يمكن إرادة الأول نفس الجواز و أنه غير الكيفية المكروهة، إذ المحكي عنه في الذكرى أنه ذكر ذلك في الجلوس بين السجدتين لا أنه تفسير للتورك، و إلا فقد فسره في التشهد على ما حكاه عنها فيها أيضا بأن يلزق إليتيه جميعا و وركه الأيسر و ظاهر فخذه الأيسر بالأرض، فلا يجزيه غير ذلك و لو كان في طين، و يجعل بطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى، و باطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر، و يلزق


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السجود- الحديث 4.

ج 10، ص: 181

طرف إبهام رجله اليمنى مما يلي طرفها الأيسر بالأرض، و باقي أصابعها عاليا عليها، و أن يستقبل بركبتيه جميعا القبلة، قال في الذكرى:

و يقرب منها قول المرتضى، فتأمل جيدا، هذا، و في الغنية في المقام «أنه يرد رجله اليمنى إلى خلفه إذا جلس» و كأنه مخالف في استحباب التورك، و الصحيح حجة عليه.

و ربما يستفاد من إطلاق المتن استحبابه أيضا في جلسة الاستراحة، بل صرح به في الحدائق، بل ظاهره فيها أنه مفروغ منه، و أنه كغيره مما يستحب فيه التورك، كما أن ظاهر غيره استحباب التورك في سائر جلوس الصلاة من غير فرق بين جلوس التشهد و غيره و أنه على هيئة واحدة، و لعله لذا استدل بعضهم ب صحيح التشهد(1)على المقام في أصل التورك و كيفيته، أو لاشتمال الصحيح المزبور على التعليل للنهي عن الإقعاء و غيره في حال التشهد بما يعم سائر جلوس الصلاة كما في المنتهى، فيتعين التورك حينئذ في جميع الجلوس، و يؤيده أنه المستفاد من خبر أبي بصير السابق الآمر بالجلوس في الصلاة على الأيسر منضما إلى

خبر سعد بن عبد الله (2)قال لجعفر بن محمد (عليه السلام): «إني أصلي في المسجد الحرام فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى فقال: اقعد على أليتيك و إن كنت في الطين»

ضرورة كون مجموعهما حقيقة التورك.

نعم ينبغي أن يستثنى من ذلك الجلوس الأول للسجود، فإنه لا تورك فيه اتفاقا كما تسمعه من كشف اللثام، و لعله لعدم الوظيفة فيه، بل أقصاه أنه يجوز له الجلوس قبله، مع أن المتعارف عدمه أصلا، و من ذلك ظهر لك قوة التعميم في استحباب التورك في كل جلوس مأمور به في الصلاة، خصوصا بعد التسامح في السنن، لكن الإنصاف أن دعوى الإجماع عليه لا تخلو من بحث، لما عرفت من الخلاف فيه بين السجدتين


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 4.

ج 10، ص: 182

فضلا عما بعدهما الذي قد يظهر من تقييد بعضهم له بالبينية عدمه فيها، بل لعله مراد المصنف أيضا بقرينة تأخير جلسة الاستراحة عنه و اتصاله بحكم البينية.

هذا كله في الرجل، أما المرأة فلا يستحب لها التورك كما نص عليه غير واحد بل المعروف في الفتاوى حتى حكي في الغنية الإجماع عليه أن جلوسها على إليتيها مع ضم فخذيها و رفع ركبتيها و ساقيها عن الأرض و وضع قدميها على الأرض، و الأصل فيه

صحيح زرارة(1)«فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يجلس الرجل- إلى أن قال-:

فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض»

قال في الذكرى:

و لفظ «ليس» موجود في الكافي، و

في التهذيب «فعلى إليتيها كما يقعد الرجل»

و هو سهو من الناسخين، و سرى هذا السهو في التصانيف كالنهاية للشيخ و غيرها، ثم قال: و هو كما لا يطابق المنقول في الكافي لا يطابق المعنى، إذ جلوس المرأة ليس كجلوس الرجل، لأنها في جلوسها تضم فخذيها و ترفع ركبتيها من الأرض، بخلاف الرجل فإنه يتورك، و في المحكي عن كشف اللثام «قد يراد قعود الرجل للجلوس الذي لا تورك فيه اتفاقا» و هو كما ترى، و لعل حمله على جلوس الرجل المصلي قاعدا أولى، و عن بعض نسخ العلل موافقة التهذيب، و الخبر فيها مسند إلى أبي جعفر (عليهما السلام).

[في استحباب أن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا]

و كذا يستحب أن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا ليستريح، و لذا سميت بجلسة الاستراحة، و استحبابها مشهور بين الأصحاب، بل في المنتهى «أنه مذهب علمائنا إلا السيد المرتضى» و في المعتبر نسبته إلى أكثر أهل العلم، بل عن كشف الحق و تلخيص الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة في نفي الوجوب بعد الأصل و

موثق زرارة(2)«رأيت أبا جعفر و أبا عبد الله (عليهما السلام) إذا رفعا رؤوسهما


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 183

نهضا و لم يجلسا»

و

حبر رحيم (1)قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): «جعلت فداك أراك إذا رفعت رأسك من السجود في الركعة الأولى و الثالثة تستوي جالسا ثم تقوم، فنصنع كما تصنع، قال: لا تنظروا إلى ما أصنع، اصنعوا ما تؤمرون»

و في الذكرى أنه صريح في المطلوب، و في المنتهى لا يقال هذا يدل على المنع من الجلسة، لأنا نقول: لو كانت مكروهة لما فعلها الامام (عليه السلام)، و انما أراد (عليه السلام) لا تفعلوا كلما تشاهدون على طريق الوجوب، و يؤيده

قوله (عليه السلام): «و لكن اصنعوا ما تؤمرون»

و الأمر انما هو للوجوب، بل قد يفوح الندب من

خبر الأصبغ (2)عن علي (عليه السلام) قال: «كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم، فقيل له: كان أبو بكر و عمر إذا رفعا رأسيهما من السجود نهضا على صدور إقدامهما كما تنهض الإبل فقال: انما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، ان هذا من توقير الصلاة»

خصوصا التعليل، مضافا إلى خلو خبر حماد(3)المشتمل على دقائق المندوبات فضلا عن الواجبات عنه.

خلافا للمرتضى (رحمه الله) فأوجبها مدعيا فيما حكي من انتصاره و ناصرياته الإجماع عليه، بل هو مقتضى إطلاق معقد إجماع أبي المكارم وجوب الطمأنينة بعد رفع الرأس قائما و جالسا، بل قيل: يلوح الوجوب أيضا من خلال المقنعة و المراسم و السرائر، بل و المحكي عن الإسكافي أيضا، حيث قال: «إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى و الثالثة حتى يماس إليتاه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم جاز ذلك» ضرورة ظهوره في أقل أفراد المجزي، بل و العماني «إذا أراد النهوض ألزم إليتيه الأرض ثم نهض معتمدا على يديه» بل و علي بن بابويه «لا بأس


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السجود- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السجود- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.

ج 10، ص: 184

أن لا يقعد في النافلة» و اختاره صريحا في الحدائق و مال إليه في كشف اللثام، و لعله للإجماعات السابقة، و الأمر بها في

موثق أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى فاستو جالسا ثم قم»

و في

المروي عن كتاب زيد النرسي (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة- إلى أن قال-: و لا تطش من سجودك كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم»

و في

المروي (3)عن الخصال بإسناده إلى علي (عليه السلام) قال: «ليخشع الرجل في صلاته، فان من خشع قلبه لله عز و جل خشعت جوارحه، فلا تعبث بشي ء، اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا، فان ذلك من فعلنا».

و في

خبر المعراج المروي (4)عن العلل بسند جيد- إلى أن قال-: «فنظرت إلى شي ء ذهب منه عقلي فاستقبلت الأرض بوجهي و يدي فألهمت أن قلت: سبحان ربي الأعلى و بحمده لعلو ما رأيت فقلتها سبعا، فرجعت إلى نفسي كلما قلت واحدة منها تجلى عني الغشي، فقعدت فصار السجود فيه سبحان ربي الأعلى و بحمده، و صارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي و علو ما رأيت، فألهمني ربي عز و جل و طالبتني نفسي أن أرفع رأسي فرفعت فنظرت إلى ذلك العلو فغشي علي، فخررت لوجهي و استقبلت الأرض بوجهي و يدي و قلت: سبحان ربي الأعلى و بحمده سبعا، ثم رفعت رأسي فقعدت قبل القيام لأثني النظر في العلو، فمن أجل ذلك صارت سجدتين و ركعة، و من أجل ذلك صار القعود


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السجود- الحديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 5- من أبواب السجود- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.

ج 10، ص: 185

قبل القيام قعدة خفيفة، ثم قمت»

و في

خبر أبي بصير(1)المروي في زيادات التهذيب «فإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك، و إذا كان في الركعة الأولى و الثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك، فإذا نهضت فقل: بحول الله و قوته أقوم و أقعد، فإن عليا (عليه السلام) هكذا كان يفعل»

مضافا إلى

خبر عبد الحميد بن عواض (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم»

إلى غير ذلك.

مع إمكان المناقشة في إجماعي الندب بإمكان إرادة أصل الرجحان الذي لا إشكال فيه عندنا، على أن الثاني منهما قال بعض المتبحرين: إني لم أجده في الخلاف و في موثق زرارة باحتماله النفل و التقية و العذر، و في خبر رحيم بظهور إرادة التقية منه على معنى لا تلتفتوا إلى فعلي و تفعلون مثله فتخالفون التقية، بل اصنعوا ما تؤمرون و لو بها، فأنا أعلم منكم بصلاحكم، و منع ظهور خبر الأصبغ في الندب و إن علل بتوقير الصلاة، و لعل خلو خبر حماد منها في بادئ النظر و إلا فبعد التأمل يفهم منه ذلك، أو أن الغفلة من حماد، و من ذلك كله كان الجلوس حينئذ أحوط و إن كان عدم الوجوب أقوى و لو لإمكان النظر في سائر ما ذكرناه له و يبقى إطلاق الصلاة بلا معارض.

[في استحباب أن يدعو بالمأثور فيما ستسمعه في النصوص عند النهوض]

و كذا يستحب أن يدعو بالمأثور فيما ستسمعه في النصوص عند النهوض ل لقيام من الجلوس المتعقب للسجود إن كان كما هو المعروف بين قدماء الأصحاب و متأخريهم، بل في كشف اللثام نسبته إلى فتاوى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، ل

قول الصادق (عليه السلام) لأبي بصير(3)في الخبر المتقدم آنفا:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 9.

ج 10، ص: 186

«إذا رفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك، فإذا نهضت فقل:

بحول الله و قوته أقوم و أقعد، فإن عليا (عليه السلام) كان يفعل ذلك»

و في ذيله شهادة على ما رواه

رفاعة(1)في الصحيح عنه (عليه السلام) أيضا «كان علي (عليه السلام) إذا نهض من الركعتين الأولتين قال: بحول الله و قوته أقوم و أقعد»

بل و على إرادة النهوض من القيام في

صحيح أبي بكر الحضرمي (2)«إذا قمت من الركعتين الأولتين فاعتمد على كفيك، و قل: بحول الله و قوته أقوم و أقعد، فإن عليا (عليه السلام) كان يفعل ذلك»

بل و على محل القول في

خبر سعد(3)الجلاب المروي عن المستطرفات نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب مسندا «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يبرأ من القدرية في كل ركعة و يقول: بحول الله و قوته أقوم و أقعد»

بل و على المراد من القيام في

صحيح ابن مسلم (4)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «إذا جلست فتشهدت ثم قمت فقل: بحول الله و قوته أقوم و أقعد»

ضرورة عدم إرادة قول ذلك بعد القيام للقطع بعدمه نصا و فتوى، فلا بد من حمله على ما هو الأقرب إليه من الشروع في مقدماته و النهوض له، خصوصا بعد النصوص السابقة.

و منه حينئذ ينكشف المراد مما في

صحيحه الآخر(5)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قام الرجل من السجود قال: بحول الله و قوته أقوم و أقعد»

لصدق القيام من السجود على الشروع فيه و النهوض له و إن كان بعد الجلسة، لقصر زمانها، و كذا

صحيح عبد الله بن سنان (6)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا قمت من السجود قلت:

اللهم ربي بحولك و قوتك أقوم و أقعد، و إن شئت قلت: و أركع و أسجد»

و

خبره الآخر(7)المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود الحديث 6.

ج 10، ص: 187

مسندا عن الصادق (عليه السلام) أيضا «إذا قمت من السجود قلت: اللهم بحولك و قوتك أقوم و أقعد و أركع و أسجد»

فما عساه يظهر من النافع و المنتهى بل في كشف اللثام أنه قد يوهمه المعتبر أيضا من قول ذلك حال الجلوس لا النهوض ضعيف جدا، و أضعف منه الاستدلال عليه بإرادة الجلوس من القيام من السجود في صحيحي ابني مسلم و سنان، ضرورة بعدهما عن ذلك، بل المراد منهما ما قلناه، أو إذا لم يجلس جلسة الاستراحة.

و من هنا قد استدل بهما و بصحيح ابن مسلم الآخر في الذكرى على القول عند الأخذ في القيام بعد أن حكاه عن الصدوقين و الجعفي و ابن الجنيد و المفيد و سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة و ظاهر الشيخ مقابلا لقول المصنف حال الجلوس، لكن في جامع المقاصد بعد أن حكى ذلك عنها قال: و كأنه يريد بالأخذ بالقيام الأخذ في الرفع من السجود و إن كان خلاف المتبادر من العبارة، و إلا لم تكن الرواية دليلا عليه، و الظاهر أن هذا هو مراد المصنف هنا كما في غير هذا الكتاب، و فيه أولا أنك قد عرفت صحة الاستدلال بهما على التقدير المزبور، و ثانيا أنه لا يوافق ذلك ما حكاه في الذكرى عمن عرفت، لأن المحكي من عبارات بعضهم كالصريح في إرادة النهوض من الجلوس، بل و لا استدلاله بعد ذلك بخبر رفاعة إلا على وجه لا يخلو من تكلف، و ثالثا أن ما ذكره ناسبا له إلى الفاضل يرجع إلى قول ثالث لا أظن أحدا يوافقه عليه و لا هو كما حكاه عنه مختارا له في غيره من كتبه، فالأولى حمل قوله على القيام عليه من الجلوس كما في كشف اللثام ناسبا له إلى الأخبار و الفتاوى، نعم قال: قد يوهم المعتبر قوله في الجلوس، ثم قال: و لعله غير مراد له، قلت: و كذا المنتهى خصوصا بعد قولهما كما قيل في بحث التشهد: «إذا قام من التشهد الأول لم يقم بالتكبير، و اقتصر على قوله:

بحول الله و قوته» إلى آخره. اللهم إلا أن يفرقا بين القيام منه و القيام من الجلوس

ج 10، ص: 188

كما يومي اليه استدلال المنتهى على القول عقيب الجلوس بأنه حالة في الصلاة فلا يخلها من الذكر، و بصحيح ابن سنان.

و كيف كان فظاهر هذه النصوص بل كاد يكون صريحها كالفتاوى و نصوص عدد تكبير الصلاة(1)عدم التكبير للقيام، و بها يخرج ع ما دل (2)على مشروعيته لكل حال ينتقل إليها من حالة أخرى في الصلاة، خلافا للمفيد فقال: يقوم بالتكبير من التشهد الأول، و هو ضعيف، و في الذكرى لا نعلم له مأخذا لكن في

المروي (3)عن احتجاج الطبرسي في جواب مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الأمر (عليه السلام) «يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر فان بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبيرة و يجزيه أن يقول: بحول الله و قوته أقوم و أقعد فكتب (عليه السلام) الجواب فيه حديثان، أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير، و أما الآخر فإنه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير، و كذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى، و بأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا».

[في استحباب أن يعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه]

و كذا يستحب أن يعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه عند جميع علمائنا في جامع المقاصد، و الأصحاب في المدارك بل في المنتهى أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن هذه الكيفية مستحبة و يجوز خلافها، كما عن صريح التذكرة و ظاهر المعتبر


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب تكبيرة الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الركوع- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود- الحديث 8.

ج 10، ص: 189

الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

صحيح ابن مسلم (1)«رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد، و إذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه»

منضما إلى صحيح أبي بكر الحضرمي (2)المتقدم آنفا، بل الظاهر كما صرح به الفاضل و غيره استحباب أن تكون الأصابع مبسوطة غير مضمومة كالذي يعجن ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي (3): «إذا سجد الرجل ثم أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض، و لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته في الأرض»

و منه يعلم ما في المحكي عن العماني من أنه إذا أراد النهوض ألزم ألييه الأرض ثم نهض معتمدا على يديه، و يمكن إرادته بذلك الكناية عن جلسة الاستراحة كما حكيناه عنه هناك، فلا يكون مخالفا، و عن النفلية و شرحها أنه يستحب جعل اليدين آخر ما يرفع، و لعله لظهور الفتاوى و النصوص في الاعتماد عليهما عند النهوض القاضي بتأخر رفعهما، نعم قد يتوقف في المراد بسبق الركبتين هل هو لليدين خاصة كما هو ظاهر الخبر السابق، أو لجميع البدن؟ و لعل المستفاد من مجموع خبري الحلبي و ابن سنان الثاني، و الأمر سهل لكن كان ينبغي جعل العجن من المكروه للنهي عنه في الخبر السابق، و لا ينافيه استحباب البسط، إلى غير ذلك من المندوبات التي وفت بها النصوص و الفتاوى و إن اقتصر المصنف منها على ما عرفت،

[مكروهات السجود]
اشاره

كما أنه اقتصر على مكروه واحد من بين المكروهات فقال و يكره الإقعاء بين السجدتين وفاقا للأكثر كما في كشف اللثام و المدارك، بل في الغنية الإجماع على أنه يستحب أن لا يقعي بين السجدتين، بل

روى الشيخ في الاستبصار بأسانيده عن معاوية بن عمار و ابن مسلم و الحلبي (4)انهم قالوا: «لا تقع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب السجود- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 190

في الصلاة بين السجدتين إقعاء الكلب»

و لعله لذا حكاه في المعتبر عن الأولين، لكن في التهذيب «قالوا» قال: و حينئذ يكون من المضمر، و كان الأولى على التقدير الأول حكايته عن الثالث أيضا، لأن روايته نفي البأس عن ذلك في الصحيح الآتي (1)قرينة على إرادته الكراهة من النهي دونهما، و كيف كان فلا ريب في الكراهة ل

قول الصادق (عليه السلام) في موثق أبي بصير(2)«لا تقع بين السجدتين إقعاء»

المحمول على ذلك للأصل المعتضد بالشهرة العظيمة إن لم يكن إجماعا، بل حكي الإجماع عليه، و ب

قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3): «لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين»

و ب

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة(4)المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز: «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، و لا ينبغي الإقعاء في التشهدين، انما التشهد في الجلوس، و ليس المقعي بجالس»

و بالمروي

عن معاني الأخبار بسنده إلى عمرو بن جميع (5)عن الصادق (عليه السلام) «لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين، و بين الركعة الأولى و الثانية، و بين الركعة الثالثة و الرابعة، و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهد إلا من علة، لأن المقعي ليس بجالس، انما جلس بعضه على بعض، و الإقعاء أن يضع الرجل إليتيه على عقبيه في تشهديه، فأما الأكل مقعيا فلا بأس به، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد أكل مقعيا»

و لعل الجميع من الخبر، و إن حكاه في الذكرى عن الصدوق لكنه غالبا يعبر بمضمون الروايات، فقد يكون عبر بمضمون هذا الخبر في الفقيه، و حكاه عنه حينئذ فيها، و يحتمل انتهاؤه عند قوله:


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 6.

ج 10، ص: 191

«تتجافى» و عند تفسير الإقعاء، و على كل حال فهو شاهد لرفع الحرمة و موجب لحمل النهي المزبور على الكراهة.

نعم لا ينبغي للمصنف قصره على ما بين السجدتين، إذ كما صدر النهي عنه بينهما فحمل على ذلك لذلك كذلك صدر النهي عنه مطلقا في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «لا تقع بين السجدتين إقعاء»

و في

مرسل حريز(2)عن الباقر (عليه السلام) كما في موضع من الوسائل «و لا تقع على قدميك»

و

صحيح زرارة(3)عنه (عليه السلام) «إذا قمت إلى الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنما يحسب لك ما أقبلت عليه، و لا تعبث فيها بيدك و لا برأسك و لا بلحيتك، و لا تحدث نفسك، و لا تتثأب و لا تتمط و لا تكفر، فإنما يفعل ذلك المجوس، و لا تلثم و لا تحتفز، و تفرج كما يفرج البعير، و لا تقع على قدميك و لا تفترش و لا تفرقع أصابعك فإن ذلك كله نقصان من الصلاة، و لا تقم إلى الصلاة متكاسلا».

بناء على إرادة الإقعاء منه لا الوقوع على القدمين، و كذا وقع النهي عنه في التشهدين في الخبر المزبور(4)و في

صحيح زرارة(5)عن الباقر (عليه السلام) «و إذا قعدت في تشهدك- إلى أن قال-: و إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك، و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون انما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد و الدعاء»

بل لعل التعليل فيه خصوصا قوله: «و لا تكون قاعدا على الأرض» جار في الجميع إن لم نقل إن المراد مطلق القعود في الصلاة.

و دعوى الفرق فيما بين السجدتين و جلسة الاستراحة و بين التشهد بالقصر


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 192

فلا يتأذى و الطول فيتأذى ممنوعة، خصوصا بعد ملاحظة التعليلين الآخرين، و قد سمعت ما في ذيل خبر المستطرفات، و لعل منه و من هذا التعليل المناسب للكراهة دون الحرمة و إطلاق معقد إجماع الخلاف على الكراهة كما قيل مضافا إلى ظهور صحيح زرارة السابق في ذلك من وجوه يجب إرادة شدة الكراهة من نفي الجواز المروي (1)عن معاني الأخبار، خصوصا بعد قصوره عن إفادة الحرمة من وجوه، بل هو ليس من كلام الامام (عليه السلام) على الاحتمالين السابقين، فلم يبق حينئذ إلا النهي في صحيح زرارة السابق المفهوم منه الكراهة بقرينة سابقه و لاحقه فضلا عن القرينة الخارجية، فالقول بحرمته في التشهدين تبعا لظاهر الفقيه و المحكي عن النهاية من نفي الجواز في غاية الضعف، و قد أجاد الحلي فيما حكي عنه في حمل ذلك منهما على إرادة شدة الكراهة، كالقول بنفي كراهته بين السجدتين، كما عساه يظهر من المبسوط و الفقيه و المحكي عن النهاية و علم الهدى، بل قد يظهر من الثاني نفيها في جلسة الاستراحة أيضا كما عساه بوهمه أيضا الاقتصار على كراهته في التشهد و بين السجدتين في المحكي عن بني حمزة و إدريس و سعيد، مع أن الموجود في موضع من الأول هو «يجوز الإقعاء بين السجدتين و إن كان التورك أفضل» فقد يريد به الأعم من الكراهة، خصوصا و قد قال في موضع آخر منه في سنن التروك: «و لا تقع بين السجدتين» و الظاهر إرادته الكراهة منه، و الثاني انما قال: «لا بأس به بين السجدتين، و لا بأس به بين الأولى و الثانية، و بين الثالثة و الرابعة» و قد يريد الأعم أيضا، و الاقتصار على البعض لا يدل على نفي الغير، و الثالث انما قال: «لا بأس أن يقعد متربعا أو يقعي بين السجدتين» و هو كالسابق في احتمال الأعمية، خصوصا و عادته فيه كالفقيه التعبير بمضمون النصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 6.

ج 10، ص: 193

و إناطة قصدهما بالمقصود منها، و قد عرفت إرادة ذلك في النص، و لم يحضرني عبارة الرابع، فلا قائل حينئذ صريحا بنفيها عنهما، و على تقديره فلا ريب في ضعفه.

و أضعف منه نفيها عنه في التشهد و غيره مما عدا بين السجدتين كما عساه يوهمه المحكي عن الأكثر من الاقتصار عليها بينهما، إذ قد عرفت مما قدمنا أن الأولى تعميم الكراهة لسائر أفراد الجلوس في الصلاة وفاقا لصريح المحقق الثاني و غيره و ظاهر الفاضل و غيره ممن أطلق كراهته كالشيخ (رحمه الله) فيما حكي من خلافه مدعيا الإجماع عليه و غيره، بل حكي عن صريح المختلف و ظاهر المقنع أيضا، بل في مجمع البرهان العلة المذكورة في التشهد جارية في غيره، و كأنه إجماع، إلى غير ذلك لما سمعته مما تقدم سابقا من الإطلاق و غيره الذي لا يعارضه خصوص النهي عنه بين السجدتين كي ينزل عليه كما هو واضح.

[في بيان المراد من الإقعاء]

و كيف كان فالمراد بالإقعاء المبحوث عنه عندنا و عند الجمهور وضع الأليتين على العقبين معتمدا على صدور القدمين، كما نص عليه في المعتبر و المنتهى و التذكرة و كشف الالتباس و حاشية المدارك ناسبين له إلى الفقهاء، بل في ظاهر الحدائق أو صريحها كما عن البحار الإجماع عليه، بل هو أيضا ظاهر إجماع جامع المقاصد و فوائد الشرائع و غيرهما، بل نسبه أهل اللغة إلى الفقهاء فضلا عنهم، قال في الصحاح: أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا و ناصبا يديه، و قد جاء النهي عن الإقعاء في الصلاة، و هو أن يضع أليته على عقبيه بين السجدتين، و هذا تفسير الفقهاء، و أما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق أليته بالأرض و ينصب ساقيه و يتساند إلى ظهره، و في المحكي عن المغرب الإقعاء أن يلصق أليته بالأرض و ينصب ساقيه و يضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب، و تفسير الفقهاء أن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين، نعم لم يذكرا الاعتماد على صدور القدمين فيما نسباه إليهم، و لعله لذا قال في المحكي عن البحار: إن الظاهر

ج 10، ص: 194

من كلام أكثر العامة أن الإقعاء الجلوس على العقبين مطلقا لكن قد يقال: إنه يلزمه الاعتماد على صدور القدمين كما اعترف به في كشف اللثام و المحكي عن البحار، قال في الأخير: لعل مرادهم المعنى الذي اتفق عليه أصحابنا، لأن الجلوس على العقبين حقيقة لا يتحقق إلا بهذا الوجه، فإنه إذا جعل ظهر قدمه على الأرض يقع الجلوس على بطن الأليين لا على العقبين.

قلت: و هو المناسب لما ورد في أخبارنا الذي يحتمل أن يكون هو مستند الأصحاب في ذلك من النهي عن الإقعاء على القدمين، ضرورة توقف الصدق حقيقة على ذلك، و إلا كان إقعاء على بعض القدمين، و لعل الأصحاب من ذلك فهموا إرادة هذا المعنى من الإقعاء، ضرورة عدم صدق الإقعاء على القدمين على المعنى اللغوي، لأن القعوين الذين هما أصلا الفخذين على الأرض فيه مضافا إلى ما سمعته في صحيح زرارة من التعليل بالتأذي و عدم الصبر للتشهد و الدعاء و عدم القعود على الأرض و القعود بعض على بعض مما لا ينطبق شي ء منه على الإقعاء اللغوي الذي قد سمعت أنه وضع الأليتين على الأرض مع نصب الفخذين و الساقين، و ربما زيد وضع اليدين مع ذلك كما عن النهاية و المصباح المنير و سمعته عن المغرب، بل عن الراوندي في حل المعقود من الجمل و العقود «أن الإقعاء بين السجدتين هو أن يثبت كفيه على الأرض فيما بين السجدتين و لا يرفعهما» و هو غريب لا يوافق اللغة و لا الفقهاء و إن كان هو مكروها أيضا لما سمعته سابقا من النص (1)الدال على أنه نقص في الصلاة، بل عن العامة روايته عن ابن عمر أنه كان يقعي في الصلاة بمعنى أنه يضع يديه على الأرض فلا يفارقان حتى يعيد السجود، و نحوه في الغرابة أيضا ما عن بعض علمائنا من اعتبار هذا الوضع أيضا مع الجلوس على العقبين في المراد من الإقعاء هنا، و عبارات الأصحاب تشهد بخلافه.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 195

و على كل حال فالمعروف من الإقعاء في اللغة ما عرفت، و اليه يرجع ما عن القاموس و غيره من أنه التساند إلى ما وراءه كما أومأ إليه في الصحاح، و قد عرفت أن تلك الإشارات في النصوص لا تنطبق عليه، بل قد سمعت ما في المروي عن معاني الأخبار بناء على أن الجميع من الخبر، و يؤيده مع ذلك أن الظاهر الإشارة بهذه النصوص إلى ما تفعله العامة، و عند جماعة منهم أنه سنة، قال في المحكي عن شرح صحيح مسلم: اعلم أن الإقعاء ورد فيه حديثان: أحدهما أنه سنة، و في حديث آخر النهي عنه و قد اختلف العلماء في حكمه و تفسيره اختلافا كثيرا، و الصواب الذي لا معدل عنه أن الإقعاء نوعان: أحدهما أن يلصق ألييه بالأرض و ينصب ساقيه و يضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى و صاحبه أبو القاسم بن سلام و آخرون من أهل اللغة، و هذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه، و النوع الثاني أن يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين، و هذا هو مراد ابن عباس أنه سنة، و قد نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، و حمل حديث ابن عباس جماعة من المحققين عليه منهم البيهقي و القاضي عياض و آخرون، قال القاضي قد ورد عن جماعة من الصحابة و السلف أنهم كانوا يفعلونه، قلت: و هو الذي يستعملونه الآن، فهو المناسب لبيان حكمه بالنهي عنه، و إلا فذاك قل ما يفعله أحد، على أنه هو جلوس القرفصاء التي هي أحد جلسات النبي (صلى الله عليه و آله) و أفضل الأحوال في النافلة و غيرها مما يصلى من جلوس، و أفضل جلوس المرأة، فوجب القطع من جميع ذلك أن المراد هنا بالإقعاء ما سمعته من الأصحاب لا اللغوي، و لا ينافيه ما في صحيح الثلاثة(1)من التشبيه بإقعاء الكلب، إذ هو مع أنه عبارة لهم لا من المعصوم (عليه السلام) في أحد الوجهين في هذه الكيفية شبيه بإقعاء الكلب أيضا، و لذا حكي عن الميسية تفسيره


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 196

بذلك، و قال: كما يقعي الكلب، و إلا فهما معا لا ينطبقان على إقعاء الكلب، ضرورة افتراش ساقيه و فخذيه كما في كشف اللثام، بخلاف الرجل فإنه ينصبهما، و لعله لذا أخذ بعضهم مع ذلك وضع اليدين في الأرض لتحصيل المشابهة له، على أن حمل خصوص هذا الصحيح على ذلك- فيكون أيضا مكروها كالاقعاء بالمعنى المعروف- لا يقتضي حمل الجميع على ذلك بعد ما عرفت.

كما أنه لا ينافيه أيضا عدم ذكر أهل اللغة له في تفسير الإقعاء بعد أن علم المراد منه بالقرائن المتقدمة، إذ لا يقدح حينئذ معروفية الإقعاء لغة بخلافه، على أنه قد يمنع ذلك، فإن أصحابنا أدرى باللغة من الذين صنفوا فيها، و ظاهرهم ثبوته فيها بالمعنى المزبور كما يومي اليه ما في المعتبر و غيره، و لعل أهل اللغة نصوا عليه بالنسبة إلى إقعاء الكلب، هذا. مع أن ظاهر كشف اللثام «أن الإقعاء في اللغة لما يعمهما، قال فيه:

و الإقعاء من القعو، و هو كما حكاه الأزهري عن أبي العياش عن ابن الأعرابي أصل الفخذ، فهو الجلوس على القعوين إما بوضعهما على الأرض و نصب الساقين و الفخذين قريبا من إقعاء الكلب، و الفرق أنه يفترش الساقين و الفخذين، أو بوضعهما على العقبين و هو المعروف عند الفقهاء المنصوص عليه في خبري زرارة(1)و خبر حريز(2)و معاني الأخبار(3)كما أن الأول عند اللغويين» إلى آخره.

قلت: و لعله على هذا بنى من عمم الكراهة للإقعاء بمعنييه، ضرورة كونه حينئذ للقدر المشترك بين الفردين، فالنهي حينئذ في نحو خبر أبي بصير(4)للطبيعة الشاملة لهما، و اقتصار الأصحاب على هذا الفرد لأنه هو الذي يستعمله العامة و غيرهم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 1 و الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 1.

ج 10، ص: 197

من المستعجلين، بخلاف نحو إقعاء الكلب الذي هو في غاية الصعوبة و لم يستعمله أحد فلذا ناصب التنصيص على الأول دونه، و إلا فالنهي مما يشملهما كما هو الأصل فيما يتعقب النهي من الطبائع و النكرات، خصوصا بعد التأكيد في الخبر المزبور، نعم قد يمنع عليه أصل ذلك بملاحظة كلام اللغويين و الفقهاء، لظهورهما معا في تباين المعنيين و عدم الجامع بينهما، و أن لفظ الإقعاء حينئذ إما من المشترك لفظا، أو من الحقيقة و المجاز، فالطبيعة أو النكرة المتعقبة للنهي انما تقتضي التعميم في أفراد ذلك المعنى المراد لا المعنى الآخر كما هو واضح، و من هنا قال في المحكي عن البحار: إن المعنى المشتهر بين اللغويين خلاف ما هو المستحب من التورك، أما إثبات كراهته فمشكل، لأنه لا يدل على كراهته ظاهرا إلا أخبار الإقعاء، و هي ظاهرة في معنى آخر مشتهر بين الأصحاب و مخالفيهم، قلت: فهي مع القرائن السابقة التي أقمناها على تعيين المراد من الإقعاء هنا في النصوص و الفتاوى تعارض شهرة اللغويين، لكن و مع ذلك فالأولى تركه.

كما أن الأولى ترك الجلوس على بطون القدمين بافتراش ظاهرهما على الأرض و إن كان إثبات كراهته مشكلا أيضا، بل قد سمعت فيما تقدم عن ابن الجنيد استحبابه فيما بين السجدتين، و الاستناد في إثباتها إلى ما يوهمه إطلاق كلام بعض اللغويين و المخالفين بعد أن عرفت التحقيق و أنها عند الأصحاب لما لا يشمل ذلك في غاية الضعف، كالاستناد إلى نحو

قوله(1): «و لا تقع على قدميك»

و

قوله (2): «إياك و القعود على قدميك»

و نحو ذلك، ضرورة كون مورد الأول الإقعاء لا القعود، فيتوقف الاستدلال به على أن الإقعاء موضوع لخصوص هذا الفرد أو لما يشمله، و قد عرفت ما فيه، و المراد بالثاني بقرينة التعليل بالأذية و عدم الصبر ما لا يشمل ذلك و إن كان تخصيصه بالإقعاء بالمعنى المتعارف لا يخلو من بحث، لاحتمال إرادة النهي عن أن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 198

يجعل باطن قدميه على الأرض غير موصل ألييه رافعا فخذيه و ركبتيه إلى قريب ذقنه كما يتجافى المسبوق، و التعليل منطبق عليه كمال الانطباق، و هو غير الإقعاء اللغوي، ضرورة عدم وضع الأليين فيه على الأرض، و منه تحصل الأذية، و لعل هذا هو مراد ابن الجنيد فيما حكي عنه من النهي عن القعود على مقدم رجليه و أصابعهما لا الإقعاء اللغوي كما ظن، لكن و مع هذا كله فالأحوط و الأولى ترك الجلوس على الوجوه الأربعة، بل ربما احتمل إرادة النهي عن جميعها إن جاز استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيين أو المعنى الحقيقي و المجازي، بل و إن لم يجز، لإمكان عموم المجاز أو الاشتراك حينئذ، فالأولى ترك الجميع خصوصا الذي لم يكن الجلوس فيه على الألية منها، لظهور شدة طلب الشارع ذلك، و عدم إرادة غيره،

قال الصادق (عليه السلام) لسعيد بن عبد الله (1)لما سأله أني أصلي في المسجد الحرام فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى: «اقعد على أليتيك و إن كنت في الطين»

و كأنه عنى السائل جلوسه على أليته اليسرى مفترشا لفخذه و ساقه اليسريين، أو غير مفترش ناصبا لليمينين، أو غير ناصب، فأمره (عليه السلام) بالقعود عليهما بالإفضاء بهما إلى الأرض متوركا أو غير متورك أولا به كما في كشف اللثام، و الله أعلم، هذا. و قد وقع في الحدائق في المقام ما لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه، خصوصا دعواه حصر الكراهة فيما بين السجدتين بالإقعاء اللغوي دون المتعارف، فلاحظ و تأمل.

[مسائل ثلاث]
اشاره

مسائل ثلاث

[المسألة الأولى من حصل به ما يمنع وضع مسمى الجبهة على الأرض]
اشاره

الأولى من حصل به ما يمنع وضع مسمى الجبهة على الأرض و غيرها مما يصح السجود عليه كالدمل و الجروح و نحوهما إذا لم يستغرق الجبهة بل بقي منها ما يحصل به وضع المسمى أو مقدار الدرهم بناء على اعتباره وجب عليه أن يحتفر حفيرة مثلا ليقع السليم من جبهته على الأرض بلا خلاف فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السجود- الحديث 4.

ج 10، ص: 199

بين العلماء كما في المدارك، و عليه فتوى العلماء كما في منظومة الطباطبائي، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه لما ستعرف من عدم خلاف من ظن خلافه في ذلك، و كيف يعقل الخلاف فيه بعد فرض التمكن من الإتيان بالمأمور به على وجهه، فجميع ما دل حينئذ على وجوب وضع الجبهة بحاله، مضافا إلى خصوص

خبر مصادف (1)الذي رواه المشايخ الثلاثة، قال: «خرج في دمل فكنت أسجد على جانب فرأى في أبو عبد الله (عليه السلام) أثره فقال: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا فقال: لا تفعل ذلك، احتفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض»

و في

المحكي (2)عن فقه الرضا (عليه السلام) «فان كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود أو دمل فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعل الدمل فيها، و إن كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذر فعلى قرنك الأيسر، فإن تعذر فعلى ظهر كفك، فان لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك يقول الله تبارك و تعالى (3)إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً»

و في الرياض بعد أن ذكر منه ما يخص الحفرة قال: و قريب منه المروي (4)في تفسير علي بن إبراهيم، و فيه أنه خال عن مسألة الحفر كما ستسمعه، و من المعلوم أنه لا فرق في ذلك بين الدمل و غيره، و لا بين الحفيرة و غيرها مما يحصل به الواجب، و ما عساه يظهر من الصدوقين من الخلاف في الأول غير مراد، أو في غاية الضعف كما ستعرف.

[في السجود على أحد الجنبين عند التعذر]

فان تعذر الوضع للاستيعاب و نحوه سجد على أحد الجبينين إجماعا


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 سورة الإسراء- الآية 108.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 3.

ج 10، ص: 200

صريحا في المحكي عن حاشية المدارك، و ظاهرا في جامع المقاصد و مجمع البرهان و المدارك و المحكي عن تعليق النافع، و في الذخيرة و شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر الظاهر أنه لا

خلاف فيه، و في الجامع أيضا و المحكي عن إرشاد الجعفرية و الروض أنه لا خلاف في تقديم الجبينين على الذقن، و في مجمع البرهان أن مرسل علي بن محمد(1)الآمر بالسجود على الذقن مقيد بتعذر الجبينين بالإجماع أو الشهرة، بل في الرياض بالنص و الإجماع، و في المحكي عن الخلاف «الإجماع على أنه إذا لم يقدر على السجود على جبهته و قدر على السجود على أحد قرنيه أو على ذقنه سجد عليه» و لعل مراده ما لا ينافي الترتيب، بل هو في مقابلة من أنكر من العامة السجود عليهما أو على أحدهما بحال من الأحوال لا التخيير بينهما، إذ لم نعرفه قولا لأحد منا فضلا عن أن يكون إجماعا، نعم قد يتوهم من الصدوقين الخلاف في الجبينين كما ظنه في كشف اللثام من المبسوط و النهاية و جامع الشرائع و ابن حمزة، فلا بدلية للجبينين عن الجبهة أصلا، بل إن تعذرت انتقل إلى الذقن، و مال هو إليه، للأصل و إطلاق خبر الذقن (2)كما ستعرف، و عدم صلاحية ما يقيده من نص أو إجماع، مع أنه ليس كذلك في الجميع، قال في المبسوط:

«و موضع السجود من قصاص شعر الرأس إلى الجبهة أي شي ء وقع منه على الأرض أجزأه، فإن كان هناك دمل أو جراح و لم يتمكن من السجود عليه سجد على أحد حاجبيه (جانبيه خ ل) فان لم يتمكن سجد على ذقنه، و إن جعل لموضع الدمل حفيرة يجعله فيها كان جائزا» و في الذكرى «انه قال في النهاية نحو ذلك» و في المحكي عن جامع الشرائع «فإن كان في موضع سجوده دمل سجد على أحد جانبيه، فان تعذر فعلى ذقنه و إن جعل حفيرة للدمل جاز» و الظاهر إرادتهما الجبينين من الجانبين، لأنهما هما


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 2.

ج 10، ص: 201

المكتنفان بموضع السجود من الجبهة كما سمعته سابقا في تفسيرها، فالضمير حينئذ راجع إلى موضع السجود لا أن المراد أحد جانبي الدمل من الجبهة كما في الكشف حتى يكون الجبين متروك الذكر فيها فإنه- بعد أن حكى عن الذكرى بعد عبارة المبسوط أن ذلك تصريح بعدم وجوب الحفر- قال: «و الأمر كذلك إذا أمكن السجود بدونه على بعض الجبهة كما فرضناه، لأنهما أي الشيخ و ابن سعيد انما أمرا بالسجود على جانبيه أي جانبي الدمل من الجبهة فكأنهما قالا: يسجد على أحد جانبي الدمل من الجبهة إن أمكن بالحفر أو بغيره، و إلا سجد على الذقن من غير تجويز للجبين» و أنت خبير بعدم معروفية التعبير بهذه العبارة عن مثل ذلك و قصورها عن أدائه و ظهورها في امتناع السجود على موضع السجود للدمل لا على بعضه، على أنه لا فائدة بذكره بعد أن قدم الاجتزاء بوقوع شي ء منه على الأرض، كما أنه لا فائدة بذكر جواز الحفيرة حينئذ مع فرض التمكن من السجود على أحد جانبي الدمل.

نعم قد يتوهم خلافه في الحفيرة، و لما كان الخلاف فيها في غاية الضعف لا يناسب وقوعه من أصاغر الطلبة فضلا عن شيخ الطائفة وجب حمل عبارته إما على إرادة الوجوب من الجواز إذا فرض توقف وقوع السليم عليه، أو إرادة بيان جواز ذلك اختيارا مع فرض عدم التوقف، أو إرادة

بيان حكم جديد و هو التخيير في صورة تعذر الجبهة و الجبينين بالاستيعاب و نحوه بين وضع الذقن و بين حفر حفيرة يضع فيها الدمل و إن لم يماس شيئا من الأرض تحصيلا لهيئة السجود و لتمام الانحناء و لأن أصل الوضع واجب في السجود و قد تعذر فلا يسقط غيره، فللجمع بين ذلك و بين الخبر خير بين وضع الذقن و بينه، بل لو لا الخبر المزبور كان هو المتجه بحسب القواعد، و لعله لذا أوجب تقديمه ابن حمزة على الذقن، قال كما في الذكرى: «يسجد على أحد جانبيها، فان لم يتمكن فالحفيرة، فان لم يتمكن فعلى ذقنه» بناء على إرادة الجبينين من جانبيها

ج 10، ص: 202

أي الجبهة، فما في الكشف بعد أن اعترف أن الظاهر جانبا الجبهة من أنه لما قدم السجود عليهما على الحفيرة لم يكن بد من أن يريد الجانبين منها لا الجبينين كما ترى، إذ لا جهة حينئذ لتقديمهما عليها ضرورة جوازها و إن تمكن من السجود عليها(1)بدونها كما أنه لا معنى لإرادة الجانبين من الجبهة، و جانب الشي ء ما خرج عنه لكنه في جنبه كما هو واضح، فمن الغريب تجشم هذا الفاضل بمثل هذه الخرافات، و الذي ألجأه إلى ذلك وحشة التفرد فيما اختاره من عدم بدلية الجبينين أصلا التي هي من القطعيات بين الأصحاب، و لم يذكر أحد منهم فيها شكا و لا إشكالا حتى من عادته الوسوسة في القطعيات، و أما الصدوقان فقد قالا في الرسالة و المقنع: «إن ذا الدمل يحفر له حفيرة و إن من بجبهته ما يمنعه سجد على قرنه الأيمن من جبهته، فان عجز فعلى قرنه الأيسر منها، فان عجز فعلى ظهر كفه، فان عجز فعلى ذقنه» و نحوهما المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(2)فالظاهر إرادتهما الجبينين من القرنين بدليل تقييدهما ذلك بالجبهة، فيكون المراد بالقرن الطرف و الناحية، كما في

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «قرني شيطان»

و

قوله (صلى الله عليه و آله)(4): «يا علي إن لك بيتا في الجنة و أنت ذو قرنيها»

و نحوهما من الاستعمالات السائغة بعد القرنية».

نعم قد يظن منهما في بادئ النظر الفرق بين الدمل و غيره، مع أنه بعد التأمل- خصوصا في المحكي من فقه الرضا (عليه السلام) الذي يوافقهما في التعبير غالبا، بل الظاهر أنه لهما- ليس كذلك، و ذكرهما خصوص الحفر في الدمل لذكره بالخصوص في النصوص، و هما من أهل الجمود عليها غالبا في التعبير، فلاحظ و تأمل، فصح حينئذ


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« عليهما» أى على الجانبين من الجبهة بدون الحفيرة.
2- 2 المستدرك- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المواقيت.
4- 4 سفينة البحار ج 2 ص 427.

ج 10، ص: 203

نفي الخلاف عن ذلك كدعوى الإجماع ممن عرفت، كما أنه صح عدم نقل الخلاف في مسألة الحفيرة أيضا مع أن هذه العبارات بمرأى منهم، فمن العجيب ظنه في الرياض تبعا للذكرى و الأستاذ الأكبر الخلاف منهما في مسألة الحفيرة، بل صح حينئذ دعوى إمكان تحصيل الإجماع في المقامين، خصوصا بعد عدم ظهور خبر عولوا عليه في الثاني منهما أو إمارة ركنوا إليها، و ما ذاك إلا لأن الحكم قد استغنى بمعلوميته عن حفظ ما جاء به من الأخبار ككثير من المسائل الإجماعية التي لم يظهر لها مستند يعول عليه، و انما يذكر لها بعض الاعتبارات التي يعلم من حال من يذكرها عدم الاعتماد على ذلك، كاستدلال المصنف في المقام بأن الجبينين مع الجبهة كالعضو الواحد، فقام كل منها مقامها و لأن السجود على أحد الجبينين أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء، و الإيماء سجود مع تعذر الجبهة، فالجبين أولى، و نحوه الفاضل، فيظن من يقف على ذلك أن هذا هو المدرك في الحكم المزبور، و كيف و المصنف قد صرح بعد ذلك بأنه محض اعتبار، بل المدرك معلومية الحكم و بداهته، و كثيرا ما يقع في الفقه من هذا القبيل، فيشدد النكير عليهم من لا درية له، و قد خالطه حب الإنكار و التشنيع على مثل هؤلاء الأساطين كي يعد في سلكهم، و أنه ممن ينازلهم في ميدانهم، و أنه ممن يأتي بالأشياء التي قد خفيت عليهم، أجارنا الله من ذلك كله، و إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، و مكر الشيطان و إن ضعف لكنه قد يدق.

على أنه قد يستدل للمطلوب بما دل على السجود على الجبهة بناء على شمولها للجبينين كما أوضحناه في باب التيمم، و أن التقييد بموضع خاص منها للإجماع أو غيره في حال الاختيار، فيبقى حال الاضطرار على الإطلاق، أو بما دل على الاجتزاء في السجود بما بين قصاص الشعر إلى الحاجبين من خبر زرارة(1)و غيره من الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السجود- الحديث 5.

ج 10، ص: 204

المتقدمة سابقا في الجبهة بتقريب أن تقييدها بالموضع الخاص بالإجماع و غيره حال الاختيار و لهذا نظائر كثيرة في الفقه مضى بعضها في الوضوء و التيمم و يأتي آخر مؤيدا ذلك كله بصدق اسم السجود لغة و شرعا بذلك.

و قد يستدل أيضا بخبر مصادف المتقدم سابقا بتقريب أن مصادف (1)مع أنه مولى الكاظم و الصادق (عليهما السلام) و من المستبعد استمراره مدة كما يومي اليه قوله:

و كنت على السجود منحرفا عن الجبهة أي الجبينين برأيه و من قبل نفسه، على أنه لما سأله الإمام (عليه السلام) عن ذلك أجابه بأني غير مستطيع للسجود بالمحل، و معناه أن كل غير مستطيع هكذا حكمه، و لم ينكر عليه الامام (عليه السلام) استدلاله و انما دله على طريق للاستطاعة لم يكن مصادف متنبها له، فيؤول إلى تقرير الامام (عليه السلام) إياه مع فرض عدم الطريق كما في المقام، و يؤيده أنه (عليه السلام) لم يأمره باستقبال ما مضى من صلاته، و

المشهور عدم معذورية الجاهل بالحكم و إن وافق فضلا عن المخالفة إذ على ما قلناه يكون عدم أمره (عليه السلام) بالإعادة لعدم الجهل بالحكم، و انما كان قد زعم حصول شرط السجود على الجبينين بعدم استطاعة الجبهة لعدم تفطنه للحفيرة لا لعدم وجوبها عنده، و مثله قد يقال بعدم وجوب الإعادة عليه فضلا عن القضاء لقاعدة الاجزاء، كمن زعم عجزه عن الماء فتيمم فصلى ثم بان أن الماء قريب منه، فتأمل جيدا.

و قد يستدل أيضا

بالموثق المروي في تفسير علي بن إبراهيم (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها قال: يسجد ما بين طرف شعره، فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن، فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، فإن


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصواب أن لفظ« مع أنه» زائد إذ ليس في العبارة ما يكون قابلا لأن يقع خبرا لقوله:« ان».
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 3.

ج 10، ص: 205

لم يقدر فعلى ذقنه، قلت: و على ذقنه قال: نعم، أ ما تقرأ كتاب الله يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً(1)» بل قال: و روي أيضا عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)

لا لأن المراد من الحاجب الجبين، إذ هو من المجازات التي يمكن دعوى استقباحها، بل يبعده أيضا أنه لا قرب فيه للجبهة(2)مكانا و لا معنى و لا تعارفا فلا يحسن الانتقال منها اليه بل لأن المراد مما بين طرف شعره الجبينان لا من الجبهة، إذ لا يناسب لإسحاق بن عمار السؤال عن مثل ذلك، ضرورة أنه مع التمكن من السجود عليها يجب، و خروج القرحة بنفسه غير مسقط، و بذلك حينئذ يحسن الجواب بالحاجب لفرض تعذر الجبينين أجمع إلا أنه لما أعرض الأصحاب عن هذه المرتبة وجب طرحه بالنسبة إلى ذلك أو حمله على ما إذا تمكن بذلك للسجود على شي ء من الجبينين و لو المتصل بالحاجبين، فتأمل جيدا، إلى غير ذلك من الرضوي (3)بناء على أنه رواية، و نحوه مما ينجبر قصوره لو سلم بما عرفت، بل لا يحتاج اليه بناء على حجية مطلق الظنون أو وجوب الاحتياط في العبادة، فمن العجيب ميل الفاضل الأصبهاني إلى عدم بدليتهما أصلا عنها، مع أنه من القائلين بوجوب الاحتياط كما يومي اليه تصفح كتابه المزبور، قال بعد حكاية ما سمعته من المعتبر: و ضعف الوجهين ظاهر مع انحراف الوجه بوضعهما عن القبلة و خلوها(4)عن نص و إجماع، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما تقدم مما لا ينافيه


1- 1 سورة الإسراء- الآية 108.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن حق العبارة هكذا« لا قرب فيه للجبين مكانا و لا معنى و لا تعارفا فلا يحسن الانتقال منه إليه، لأن المدعى عدم إرادة الجبين من الحاجب فلا ربط لعدم قرب الحاجب من الجبهة بذلك مع أن قربه منها متحقق بالوجدان.
3- 3 المستدرك- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 1.
4- 4 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« خلوهما» أى خلو الجبينين عن نص و إجماع محصل إذ لا عبرة بمحكيه.

ج 10، ص: 206

ما رواه في

الكافي عن علي بن محمد(1)بإسناده سئل أبو عبد الله (عليه السلام) «عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها قال: يضع ذقنه على الأرض ان الله تعالى يقول:

يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً»

ضرورة إرادة ما يعم الجبينين من الجبهة و لو لما سمعته.

و كيف كان فلا ترتيب بين الجبينين للأصل و عدم اقتضاء شي ء مما ذكرناه ذلك خصوصا بعد عدم إرادة الجبينين من الحاجب في الموثق المزبور(2)فليس حينئذ إلا الرضوي المعبر فيه بالقرن كالصدوقين، و هو ليس حجة عندنا، بل مقتضى إطلاق الموثق المزبور بناء على ما ذكرناه فيه ك نصوص الجبهة(3)أو تحديد محل السجود عدم ذلك، و لعله إلى ذلك أشار في الذخيرة بالاستدلال بإطلاق الخبر، فما عن الصدوقين من الترتيب في غاية الضعف و إن مال اليه بعض متأخري المتأخرين ممن لا يبالي بإعراض الأصحاب مع قوله بحجية الرضوي و تفسيره الموثق بإرادة الجبين من الحاجب.

[في السجود على الذقن و المراد منه]

و على كل حال فان كان هناك مانع عن السجود على شي ء من الجبينين سجد على ذقنه بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل لا يبعد كونه إجماعيا كما في مجمع البرهان لخبر محمد بن علي السابق المنجبر بالشهرة العظيمة، بل في المعتبر أن عليه العمل كما أن في المدارك الإجماع على مضمونه، و للموثق السابق أيضا، بل هما معا كشفا عن دلالة الآية(4)أيضا على ذلك و إن كان لولاهما لأمكن المناقشة في استفادة هذا المعنى منها، ضرورة إرادة الوجوه من الأذقان كما في تفسير القمي، لأنها أول ما تباشر الأرض، أو الخر للأذقان سجدا على الوجوه، لأنه من المعلوم إرادة المدح بذلك لمن أوتي العلم من المؤمنين، و سجودهم كان على الوجوه لعدم الاضطرار كما هو واضح،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السجود- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8 و 9- و غيرهما من أبواب السجود.
4- 4 سورة الإسراء- الآية 108.

ج 10، ص: 207

و يمكن أن يكون صدر ذلك من الامام تقريبا، لكن على كل حال لا ينبغي التأمل في الحكم المزبور، و تقديم ظاهر الكف عليه كما في عبارة الصدوقين لا يبعد أن يكون اشتباها من النساخ، ضرورة كون البحث الآن في تعذر وضع ما يسجد به لا ما يسجد عليه، بل المراد من حيث الوضع لعلة في محل السجود لا بسبب تعذر ما يسجد عليه من عدم الأرض أو حصول مانع فيها أو غير ذلك، إذ تلك مسألة أخرى بحث الأصحاب عنها في غير المقام، كما أنهم بحثوا عن تعذر السجود بسبب عدم التمكن من تمام الانحناء و نحوه، و لقد أجاد في جامع المقاصد بعد ذكره ذلك على الصدوق قال:

إنه لا يكاد يظهر له معنى محصل، و تبعه عليه غيره، و أما العبارات الأربعة السابقة فلا خلاف فيها بناء على ما فهمه كشف اللثام، و بناء على ما ذكرناه يثبت فرد آخر للتخيير في هذه المرتبة أو على التعيين، لكن الخبر المزبور حجة عليهم أيضا، كما أنه حجة على ما حكاه في كشف اللثام عن بعض القيود(1)من تقديم الأنف على الذقن و قد عرفت انجبار ضعف سنده بالإجماع و الاعتضاد، و المناقشة في الحدائق في الأول بأنه كيف يكون إجماعا و هو قد يدل على الانتقال من أول الأمر إلى السجود على الذقن، و الأصحاب قائلون بالحفيرة أولا، ثم مع تعذرها فالجبينان، ثم مع تعذرهما فالذقن فهو مرتبة ثالثة حتى ألجأه ذلك إلى إساءة الأدب كما ترى، ضرورة دخول الحفيرة في أصل السجود على الجبهة، و ليست بدلا، و إرادة ما يشمل الجبينين من الجبهة و لو للأدلة السابقة، و ما كنا نأمل منه وقوع هذا الشتم بسبب هذه الأمور الجزئية عفا الله عنا و عنه.

و المراد بالذقن مجمع اللحيين، و الظاهر أنه اسم للبشرة، و لذا أوجب كشفه ليصيب شي ء منه المسجد مع التمكن ثاني الشهيدين و غيره ممن تأخر عنه، و رده في المدارك


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لعل الصواب« عن بعض القوم».

ج 10، ص: 208

بالإطلاق، و فيه أن إطلاق الحال غير حجة، و لا إطلاق في اللفظ بعد فرض وضعه للبشرة كالأنف و الجبهة و غيرهما، اللهم إلا أن يدعى صدق اسم السجود على الذقن عرفا و لو مع الحاجب المزبور بخلاف غيره من الحواجب الاختيارية، و فيه بحث، و لعل الأولى الاستدلال ب

قوله (عليه السلام)(1): «كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا أن يبحثوا عنه»

بناء على عدم إرادة خصوص الوضوء و إن تضمنت حكمه بعد ذلك، بل على إبدال حرف الاستعلاء باللام كما هو إحدى النسختين أو الروايتين يشكل الاجتزاء بالبشرة أيضا، لصيرورة الشعر بدلا شرعيا حينئذ.

و كيف كان فان تعذر ذلك كله فقد صرح غير واحد بالاقتصار على الإيماء، و مرادهم به على الظاهر ما يشمل الانحناء الممكن كما صرح به العلامة الطباطبائي قال:

ثم إلى الجبين ثم الذقن فلينتقل بالانحناء الممكن

و وجهه قد عرفته سابقا، بل لا يبعد حفر الحفيرة مع فرض نقصان انحنائه بما يزيد على اللبنة لذلك أيضا، بل إن أمكنه استقرار رأسه على حواشيها و إن لم يماس شي ء من جبهته أو جبينه شيئا حافظ عليه، ثم يترتب الانحناء إلى أن يصل إلى حد الإيماء، و لذا قال العلامة الطباطبائي:

و من وراء ذلك الإيماءو ليس من ورائه وراء

لكن ينبغي عدم ترك السجود على الأنف أو الحاجب مع فرض تمكنه لما عرفت، هذا، و في المدارك و كشف الأستاذ هنا أنه يرفع ما يسجد عليه، و فيه أن محل البحث تعذر الملاقاة، و ليس هو من المسألة السابقة، اللهم إلا أن يوجبا التقريب اليه و لو برفعه اليه، و فيه بحث.


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- الحديث 3.

ج 10، ص: 209

هذا كله في مانع الجبهة، أما غيرها من المساجد فلا ريب في وجوب الحفيرة و نحوها مما يفرض توقف حصول مسماها عليه، لقاعدة المقدمة، فان لم يتمكن صرح بعضهم كالعلامة الطباطبائي و غيره بالانتقال للأقرب فالأقرب، و كأن وجهه العمل بإطلاق اليدين و الرجلين مع فرض تنزيل التقييد بالبعض الخاص منها على صورة الاختيار كما أشرنا إليه سابقا غير مرة، بل أشرنا أيضا إلى أنه لا يسقط السجود على الستة الباقية بمجرد تعذر وضع الجبهة مع فرض التمكن من التقوس، للأصل و إطلاق الأدلة و عدم سقوط الميسور، و لو فرض تعذرها حتى الأقرب فالأقرب اتجه السقوط، للأصل، لكن في المنظومة تبعا للمنتهى وجوب التقريب للمحل، قال:

و العذر إن كان بغيرها انتقل لأقرب فأقرب مما اتصل

ثم إلى التقريب للمحل و ليس فيما بعده من نقل

و هو لا يخلو من بحث إن أراد ما ذكرنا، كما أنه لا يخلو من نظر أو منع ما أوجبه بعضهم من المحافظة على الست و إن انتهى الأمر إلى الإيماء بالرأس أو بالعين لما سمعته سابقا من ظهور الأدلة في بدلية الإيماء المزبور عن تمام السجود، و لعله إلى هذا أشار العلامة الطباطبائي بقوله:

و تسقط الستة كلما انتهى في الجبهة النقل بها للمنتهى

و لو تعذر الإيماء بالرأس و العينين ففي قيام غيرهما من الأعضاء وجه جزم به الأستاذ في كشفه، و ظاهر الأصحاب خلافه، و لو فرض تعذر الجميع اكتفى بالإخطار و جريان الأقوال على لسانه كما ذكرناه في بحث القيام، لعدم سقوط الصلاة بحال و الاقتصار على الميسور، لكن في كشف اللثام هنا احتمال سقوط الصلاة، و جعل الاخطار أحوط، و لا ريب في ضعفه كما هو واضح.

و لو زال الألم بعد إكمال الذكر ففي المسالك أجزأ و قبله يستدرك، و فيه أن قاعدة

ج 10، ص: 210

الإجزاء تقتضي خلاف ذلك خصوصا في بعض أفراد العذر، و المتجه عليها إتمامه بعد الانتقال إلى ما تمكن منه، فتأمل، و الله أعلم.

[المسألة الثانية سجدات القرآن]

المسألة الثانية سجدات القرآن عندنا خمس عشرة، أربع منها واجبة إجماعا محصلا و منقولا و نصوصا(1)و هي سجدة أ لم تنزيل المتصلة بسورة لقمان عند قوله تعالى (2)«وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» كما في التذكرة و الدعائم و حم السجدة عند قوله تعالى (3)«إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» على الأصح كما ستعرف و النجم عند قوله تعالى (4)«وَ اعْبُدُوا» كما في الكتابين المزبورين و غيرهما و اقرأ باسم ربك عند قوله تعالى (5)«وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ» و إحدى عشر مسنونة بلا خلاف أجده بيننا، بل في ظاهر التذكرة و عن صريح الخلاف الإجماع عليه، بل في الثاني أن عليه إجماع الأمة إلا في موضعين «ص» و السجدة الثانية في الحج، قلت: أما «ص» فعند الشافعي أنها سجدة شكر ليست من سجود التلاوة، و به قال أحمد في إحدى الروايتين و قال أبو حنيفة و مالك و أبو ثور و إسحاق و أحمد في الرواية الأخرى: إنها من عزائم السجود، و الحق خلافهما معا، و أما السجدة الثانية في الحج فعن أبي حنيفة و مالك أنها ليست سجدة، لأنه جمع فيها بين الركوع و السجود، فقال تعالى (6)«ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا» كقوله تعالى لمريم (ع)(7)«وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي» مع أن المحكي عن علي


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1 و 7 و 9.
2- 2 سورة السجدة- الآية 15.
3- 3 سورة فصلت- الآية 37.
4- 4 سورة النجم- الآية 62.
5- 5 سورة العلق- الآية 19.
6- 6 سورة الحج- الآية 76.
7- 7 سورة آل عمران- الآية 38.

ج 10، ص: 211

(عليه السلام) و عمر و ابن عباس و أبي الدرداء و أبي موسى الأشعري و ابن عمر سجودها بل عن أبي إسحاق اني أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين، و هذا إجماع كما في التذكرة، و على كل حال فإجماع الفرقة الناجية معلوم على خلاف ذلك، و أنها مسنونة في الإحدى عشر و هي كما في التذكرة و دعائم الإسلام الأعراف عند قوله تعالى (1)«وَ لَهُ يَسْجُدُونَ» و الرعد عند قوله تعالى (2):

«وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ» و النحل (3)و «يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» و بني إسرائيل (4)«وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً» و مريم (5)«خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا» و الحج في موضعين (6)«يَفْعَلُ ما يَشاءُ»(7)«وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ» و الفرقان (8)«وَ زادَهُمْ نُفُوراً» و النمل (9)«رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» و ص (10)«وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ» كما في الدعائم خاصة و إذا السماء انشقت (11)(11)«وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ» إلى آخره.

و لا يقدح في ذلك خلو ما وصل إلينا من النصوص عن التعرض لتفصيل عدد المندوبات منها كما اعترف به في المدارك أيضا، قال: إني لم أقف على نص معتد به على استحباب السجود في الإحدى عشر و إن كان مقطوعا به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع


1- 1 سورة الأعراف- الآية 205.
2- 2 سورة الرعد- الآية 16.
3- 3 سورة النحل- الآية 52.
4- 4 سورة الإسراء- الآية 109.
5- 5 سورة مريم- الآية 59.
6- 6 سورة الحج- الآية 19.
7- 7 سورة الحج- الآية 76.
8- 8 سورة الفرقان- الآية 61.
9- 9 سورة النمل- الآية 26.
10- 10 سورة ص- الآية 23.
11- 11 سورة الانشقاق- الآية 21.

ج 10، ص: 212

إذ الظاهر أن هذا من المواضع المستغنية بالوصول إلى مرتبة القطع و المعلومية، لتكررها من النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و الصحابة و التابعين و تابعي التابعين عن النصوص بالخصوص كغيرها من الأحكام التي هي كذلك، على أن أصل الاستحباب في غير الأربع ثابت في النصوص و إن لم يذكر فيها تفصيل ذلك، ف

في خبر أبي بصير(1)منها قال: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء و إن كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد»

ضرورة عدم إرادة الإباحة الخاصة من ذلك، و في

خبر عبد الله بن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن مجمع البيان «العزائم الم تنزيل و حم السجدة و النجم إذا هوى و اقرأ باسم ربك، و ما عداها في جميع القرآن مسنون»

و في

المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن العلاء عن محمد بن مسلم (3)قال: «سألته عن الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فنسي و يركع و يسجد سجدتين ثم تذكر بعد قال:

يسجد إذا كانت من العزائم الأربع: الم تنزيل و حم السجدة و النجم و اقرأ باسم ربك، و كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة»

و في

المروي عن العلل بسنده عن جابر(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن أبي (عليه السلام) ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد، و لا قرأ آية من كتاب الله عز و جل فيها سجدة إلا سجد- إلى أن قال-: فسمي السجاد لذلك»

بل يدل عليه أيضا ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 8 و الباب 44 من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.

ج 10، ص: 213

سائر النصوص (1)الحاصرة للوجوب في الأربع المقتضية و لو بالمفهوم ثبوته في غيرها على غير جهة الوجوب ك

قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «عزائم السجود أربع و عددها»

و غيره، كما أن منها لاستفاضتها أو تواترها مع الإجماع بقسميه إن لم يكن ضرورة من المذهب يستفاد وجوبه في الأربع المذكورة، و استدل عليه زيادة على ذلك في الذكرى تبعا لغيره كما أنه تبعه عليه غيره بأنها عدا الم بصيغة الأمر التي هي للوجوب و أما فيها فلأنه تعالى حصر المؤمن بآياته بمن إذا ذكرها سجد، و هو يقتضي سلب الايمان عند عدم السجود، و سلب الإيمان منهي عنه، فيجب السجود لئلا يخرج عن الايمان، قال: فان قلت: المراد بالمؤمنين الكمل بدليل الإجماع على أنه لا يكفر تارك هذه السجدة متعمدا فهو كقوله تعالى (2)«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» قلت: يكفينا عدم كمال الايمان عند انتفاء السجود، و يلزم المطلوب، لأن تكميل الايمان واجب، فان قلت: لا نسلم وجوب تكميل الايمان مطلقا بل انما يجب تكميله إذا كان بواجب، فان قلتم: إن ذلك مما وجب فإنه محل النزاع، و أما تكميله بالمستحب فمستحب كما في وجل القلب، قلت: الظاهر أن فقد الكمال نقصان في حقيقة الايمان، و خروج غير الوجل منه بدليل من خارج لا يقتضي اطراد التكميل في المندوبات، و هو كما ترى من غرائب الكلام، ضرورة صدق امتثال الأوامر المزبورة بناء على إرادة غير الخضوع منها و لو بسجود الصلاة، و لا يتوقف على إرادة وجوب السجود متى قرئت هذه الآية أو سمعت التي لا تتم حتى لو قلنا بإفادة الأمر التكرار، ضرورة عدم اختصاصه حينئذ بالحالين المزبورين، كما أن ظاهر آية الم تنزيل (3)إرادة غير سماع القرآن من


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن.
2- 2 سورة الأنفال- الآية 2.
3- 3 سورة السجدة- الآية 15.

ج 10، ص: 214

الآيات فيها على ما اعترف به في كشف اللثام، خصوصا هذه الآية نفسها، على أن استظهاره النقصان من فقد الكمال يجدي لو كان لفظ الكمال نفسه موجودا لا في نحو المقام الذي اعتبر فيه التقدير لما يخص الكمال المزبور، كما هو واضح.

نعم قد يستفاد وجوب سجود التلاوة من نحو قوله تعالى (1)«وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ» باعتبار الذم على ترك السجود لقراءة القرآن، و لا مورد له بعد الإجماع و غيره إلا الأربع المزبورة خاصة و إن كان مشتملة على لفظ الأمر كالسجدة الثانية من الحج التي لم يقل بوجوبها أحد حتى أبي حنيفة الذي يوجب السجدات على الإطلاق، هذا، مع أن مقتضى الاستدلال بالأوامر المزبورة على الوجوب تحقق الوجوب بمجرد قراءتها نفسها من غير حاجة إلى باقي الآية، مع أن الأقوى اعتبار قراءتها تمام في الوجوب كما صرح به العلامة الطباطبائي و شيخنا في كشفه، بل صرح الثاني منهما باعتبار ذلك في الندب أيضا، و لعله للأصل السالم عن المعارض، ضرورة عدم إناطة السجود بالسجود في شي ء من النصوص، بل ربما كان فيها ما يومي إلى اعتبار الآية كالخبر المحكي عن علي بن الحسين (عليهما السلام)(2)و في

موثق عمار(3)المتقدم في القراءة «و ربما قرأوا آية من العزائم»

و في

موثق سماعة(4)«من قرأ إقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد»

و غيرهما، بل الظاهر أنه المراد من السجدة المعلق على قراءتها السجود في كثير من النصوص (5)بل لعله المراد من العزائم التي علق عليها


1- 1 سورة الانشقاق- الآية 21.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 37 و 39- من أبواب القراءة في الصلاة و الباب 42 من أبواب قراءة القرآن.

ج 10، ص: 215

ذلك في بعض آخر(1)أيضا، ضرورة معلومية عدم اعتبار قراءة تمام السورة في وجوب السجود من نصوص قراءة العزيمة في الصلاة و غيرها، كضرورة عدم تحقق الوجوب أيضا بقراءة آية ما من سور العزائم، فليس المراد حينئذ من نحو

قوله (ع)(2): «إذا قرئ شي ء من العزائم فاسجد»

إلا آية من آيات العزائم، لا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن، و الأصل براءة الذمة من غيره، و لا إطلاق معتد به صالح لقطعه، و لأنه لو كان لفظ السجود أو الأمر به فيها هو الموجب لكان محل السجود عند الفراغ من التلفظ به، مع أن المعروف بين الأصحاب- بل في آخر كلام الحدائق أن ظاهرهم الاتفاق عليه- أن محل السجود بعد تمام الآية حتى أنه صرح في المحكي عن شرح الجعفرية كظاهرها أيضا أنه لو أتى بالسجود بعد لفظ السجدة لم يقع في محله، و لا بد من إعادته بعد تمام الآية.

بل لا أجد فيه خلافا بيننا فيما عدا سجدة حم، أما فيها فالمعروف فيها ذلك أيضا، فيكون محل السجود فيها بعد الفراغ من قوله تعالى «إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» كما رواه الطبرسي (3)في المحكي من مجمعه عن أئمتنا (عليهم السلام) و صرح به في كتاب الدعائم، خلافا للمصنف و ظاهر الفاضل في المنتهى قيل: و التذكرة و المحكي عن الموجز و شرحه، فقوله: «لله» بل حكاه في المعتبر عن الشيخ في الخلاف أيضا، و لم نتحققه بل المحكي عنه فيه كالمبسوط أن محل السجود بعد الآية، نعم قال في أثناء كلام: قوله تعالى «وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ» أمر، و الأمر يقتضي الفور عندنا، لكن قال:

و ذلك يقتضي السجود عقيب الآية، و من المعلوم أن آخر الآية «تَعْبُدُونَ» على أن تخلل السجود في أثناء الآية يؤدي إلى الوقوف على المشروط دون الشرط، و الابتداء


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 8.

ج 10، ص: 216

للقاري بقوله «إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» و هو مستهجن عند القراء.

و زاد في الذكرى في الاستدلال على ذلك بأنه لا خلاف فيه بين المسلمين انما الخلاف في تأخر السجود إلى «يَسْأَمُونَ» فإن ابن عباس و الثوري و أهل الكوفة و الشافعي يذهبون اليه، و الأول هو المشهور عند الباقين، إلى أن قال: «فإذا ما اختاره في المعتبر لا قائل به، فان احتج بالفور قلنا هذا القدر لا يخل بالفور، و إلا لزم وجوب السجدة في باقي العزائم عند صيغة الأمر، و حذف ما بعده من اللفظ، و لم يقل به أحد» و هو كما ترى صريح في أن محل السجود في غير الآية المزبورة بعد التمام، كما أنه صريح في أن الإجماع قد سبق المحكي عن البهائي في بعض فوائده عن بعض أصحابنا من القول بوجوبه عند التلفظ بالسجدة، مع أن المجلسي على سعة باعه قال بعد حكاية ذلك عنه على ما قيل: و لم أر هذا القول في كلام غيره، و قد صرح في الذكرى بعد القول به، فلعله اشتباه، فوسوسة المحدث البحراني حينئذ في حدائقه في ذلك- حتى قال: إنه لا ريب في قوة هذا القول لظهور الأخبار أن السجود عند ذكر السجدة، و المتبادر لفظ السجدة، إذ الحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير بأن يراد سماع آية السجدة- في غير محلها، خصوصا بعد اعترافه بأن ظاهرهم الاتفاق عليه، و دعواه التبادر في غاية المنع.

نعم قد يقال: إن ذلك كله من الأصحاب لا يدل على ما نحن فيه من اعتبار قراءة تمام الآية في الوجوب، و أنه متى ترك بعضها و إن قل لم يجب عليه، بل المراد بيان محلية السجود في مقابلة من ادعى وجوبه قبل ذلك بحيث يأثم بالتأخير، و لذا رد في جامع المقاصد و الذكرى و غيرهما بأن هذا المقدار لا ينافي الفورية، و في مقابلة من أخره في سورة حم إلى «يَسْأَمُونَ» و هي مسألة أخرى لا تنافي القول بحصول سبب وجوب السجود قبل تمام الآية و إن كان محل السجود بعد التمام، لعدم منافاة الفورية

ج 10، ص: 217

و للمحافظة على نظم القراءة و اتصال الجمل بعضها ببعض و لغير ذلك، بل ربما يستفاد بالتأمل الجيد في بعض كلماتهم كالمنتهى و التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها تحقق سبب وجوب السجود عندهم قبل إتمام الآية خصوصا مع تمسكهم بالأمر و نحوه، إلا أنه قد عرفت اقتضاء الأصل اعتبار تمام الآية، و المسألة لا تخلو من إشكال.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره حصر مستحب سجود التلاوة في الأحد عشر عندنا، لكن في المنتهى عن ابن بابويه أنه يستحب أن يسجد في كل سورة فيها سجدة ثم قال: فيدخل فيه آل عمران لقوله تعالى (1)«يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي» قلت: و غيرها خصوصا مع عدم اعتبار لفظ الأمر و الاكتفاء بلفظ السجود، و وافقه عليه الأستاذ في كشفه، فقال: و الظاهر استحبابه في كل ما اشتمل على الأمر بالسجود و ربما يؤيده ما سمعته من المحكي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) إلا أنه قد يحمل على إرادة السجدات المعلومة المعهودة سيما بعد ما رواه في

الدعائم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «و كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعجبه أن يسجد فيهن كلهن»

مشيرا إلى السجدات المعهودة، و لذا قال العلامة الطباطبائي:

و ندبه في كل آية بهاذكر السجود قد أتى مشبها

و يشهد له أيضا استبعاد خفاء سجدات القرآن الذي يتكرر في كل زمان، و لذا حصرت و عرفت بين الخاص و العام و استغنت عن النصوص بالخصوص حتى أن أبا حنيفة لما أنكر السجدة الثانية من الحج أنكر عليه من عرفت بأنه قد أدرك الناس منذ سبعين سنة يسجدونها، و الله أعلم.

و كيف كان ف السجود واجب في العزائم الأربع على القاري و المستمع


1- 1 سورة آل عمران- الآية 38.
2- 2 المستدرك- الباب- 37- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.

ج 10، ص: 218

المصغي ليسمع بلا خلاف أجده فيه، بل هو مجمع عليه تحصيلا و نقلا مستفيضا أو متواترا كالنصوص (1)و المدار على تحقق صدق اسم قراءتها على فعله، و في المشترك منها بين العزيمة و غيره مع قصد غير العزيمة أو قصد الذكر ما سمعته سابقا في البسملة، و جزم الأستاذ في كشفه باعتبار عدم اللحن في الوجوب، و فيه بحث، نعم لا فرق بين القراءة الحرام كالغناء و الحلال و إن استشكل فيه شيخنا في كشفه، و لا بين الاستماع الحرام كصوت الأجنبية متلذذا أو مطلقا على اختلاف الرأيين و الاستماع الحلال، و لا بين قاصد استماع خصوص العزيمة و غيره ممن لا يعلم إرادة القاري العزيمة ثم بان، و لا بين تكليف القاري و عدمه، و لا بين عصيانه بعدم السجود و عدمه، إذ لا مدخلية لتكليف السامع فيه، و موثق عمار(2)النافي للسجود بقراءة من لا يقتدى بهم محمول على التقية أو الإيماء أو غير ذلك.

و يتكرر السجود بتكرر القراءة و الاستماع، لأصالة عدم التداخل، و ظهور النصوص في المقام أو صراحتها في ذلك من غير فرق بين الفصل بالسجود و عدمه، و

سأل محمد بن مسلم (3)أبا جعفر (عليه السلام) في الصحيح «عن الرجل يتعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد قال: عليه أن يسجد كلما سمعها، و على الذي يعلمه أن يسجد»

و من العجيب ما في الحدائق من المناقشة في هذا الصحيح بأن غاية ما يدل على أنه متى قرأ السجدة وجب السجود تحقيقا للفورية التي لا خلاف فيها، ضرورة ظهور السؤال عن التعدد لا عن الفورية، كما أنه قد يمنع شمول ما دل (4)على


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- الحديث 1.

ج 10، ص: 219

الاجتزاء عن الحقوق المتعددة بالحق الواحد لمثل المقام، لظهورها في الأغسال، بل الذي في بالي أن النص «أجزأك عنها غسل واحد» و لعل لذا أعرض من تعرض لذلك من الأصحاب عنه في المقام و أمثاله إلا من لا يعتد به منهم، و الوجوب فيها على الفور إجماعا بقسميه إن لم يكن ضرورة، و نصوص النهي (1)عن قراءة العزيمة في الفريضة صريحة في ذلك، بل نصوص المقام ظاهرة فيه أيضا، إذ حملها على إرادة بيان مطلق التسبيب في غاية البعد، خصوصا بعد ملاحظة الإجماع و النصوص الأخر، و لا ينافي ذلك

موثق الساباطي (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا يستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس و بعد صلاة الفجر فقال: لا يسجد»

إذ هو- مع ظهوره في نفي الوجوب المعلوم بالإجماع أو الضرورة فضلا عن الفورية و غير صريح في سجدة العزيمة- أقصاه بعد العمل به تقييد ذلك بغير الوقت المزبور لا نفي أصل الفورية، على أني لم أجد أحدا عمل به في سجدة العزائم، بل عن الفوائد الملية أن العمل على خلافه، فالجرأة به على تقييد تلك الأدلة و إثبات الرخصة في التأخير أو الرجحان كما ترى، بل قد يظهر من المنتهى أنه لا عامل به عندنا في مطلق السجود فضلا عن العزائم حيث حكى الخلاف في ذلك عن العامة، بل في المحكي عن الخلاف الإجماع على الجواز، و في التذكرة نسبة الجواز إلى علمائنا، و مراده منه كالمنتهى الخالي عن الكراهة على الظاهر بقرينة استدلاله عليه بأنه من ذي السبب كقضاء النوافل، كما أن المراد منه الأعم من الواجب بقرينة آخر كلامه في المنتهى حيث ذكر الدليل للمخالف ب

قوله (عليه السلام)(3): «لا صلاة بعد الفجر»

إلى آخره. ثم قال:

و الجواب أن السجدة ليست بصلاة و لا هي عندنا جزء صلاة، و لو سلم فالنهي تناول


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 10، ص: 220

النفل المبتدأ به لا الواجب، أو النفل ذا السبب، و في

مرسل الدعائم (1)عن الباقر (عليه السلام) «من قرأ السجدة أو سمعها من قار يقرأها سجد أي وقت كان ذلك مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز عند طلوع الشمس و عند غروبها».

لكن و مع ذلك فلا يخلو الحكم بالكراهة بالنسبة إلى السجود المستحب من وجه و إن قلنا بفوريته التي هي أيضا ظاهر النصوص (2)و الفتاوى، بل هو صريح بعضها(3)فيكره حينئذ فعله في الأوقات المكروهة كراهية عبادة للموثق المزبور، و لظهور التعليل للنهي (4)عن الصلاة بأن الشيطان يوحي إلى أوليائه أن بني آدم سجدوا لي في ذلك أيضا، و لعله لذا صرح في المبسوط بكراهته عند طلوع الشمس و غروبها، فما في الحدائق من الإشكال في الحكم للموثق المزبور السالم عن المعارض (5)بما لا يمكن تقييده به إن أراد به بالنسبة إلى الواجب فمقطوع بفساده، و إن أراد به في المندوب فله وجه، و لقد أجاد بقوله بعد ذلك: و خبر الدعائم (6)لا يبلغ قوة في رد هذا الموثق إلا أنها باحتمال اتفاق الأصحاب على القول بمضمونها لا تقصر عن المعارضة، مضافا إلى ما في روايات عمار مما نبهت عليه غير مرة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و على كل حال فهل يستحب للسامع غير المستمع السجود للعزائم أو يجب قولان، اختار المصنف أولهما، فقال على الأظهر تبعا للشيخ في الخلاف و تبعه الفاضل و غيره، بل في الفوائد الملية أنه مذهب الأكثر، بل عن كشف الالتباس أنه المشهور، بل في الخلاف و ظاهر التذكرة الإجماع عليه للأصل، و لأن

عبد الله بن سنان (7)


1- 1 المستدرك- الباب- 35- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب قراءة القرآن.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المواقيت- الحديث 4 من كتاب الصلاة.
5- 5 هكذا في النسخة الأصلية و لكن حق العبارة« عن المعارضة».
6- 6 المستدرك- الباب- 35- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 43- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.

ج 10، ص: 221

سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل سمع السجدة تقرأ قال: لا يسجد إلا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا، أو يصلي بصلاته فأما أن يكون يصلي في ناحية و أنت في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت»

مؤيدا ب

ما أرسله في الدعائم (1)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «من قرأ السجدة أو سمعها من قارئ يقرأها و كان يستمع قراءته فليسجد»

و المناقشة في سند الأول- بأن فيه محمد بن عيسى العبيدي عن يونس، و قد ضعفه الشيخ و النجاشي، بل قال ثانيهما: إنه استثناه أبو جعفر من رجال نوادر الحكمة، و قال:

لا أروي ما يختص بروايته، و قيل: إنه يذهب مذهب الغلاة، و في متنه بأنه قد تضمن وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي و هو غير مستقيم عندنا، إذ لا يقرأ عزيمة في الفريضة على الأصح، و لا تجوز القدوة في النافلة غالبا، على أن مقتضى «أو» فيه وجوب السجود مع الصلاة بصلاته و إن لم يكن استماع، فلا ينهض حينئذ على تقييد إطلاق الأمر بالسجود، و لا على إطلاق الاجتزاء في ثبوت الوجوب بالسماع، ك

خبر أبي بصير(2)قال: «قال: إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء و إن كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلي»

و

خبر علي بن جعفر(3)المروي عن كتاب المسائل لأخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة قال: يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومي»

و غيرهما، بل و إطلاق عزائم السجود و نحوها بناء على استفادة تعميم السبب من نحو ذلك، و من هنا كان خيرة الحلي فيما حكي عنه و المحقق الثاني و الشهيد الثاني الوجوب، و كأنه مال إليه في الذكرى، بل في الحدائق


1- 1 المستدرك- الباب- 36- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 4.

ج 10، ص: 222

أنه مذهب الأكثر، بل في المحكي عن السرائر الاستدلال عليه بالإجماع على إطلاق القول بالوجوب على القاري و السامع- يدفعها- بعد انجبار السند بما عرفت من الإجماع و الشهرة و إن كانت لاحقة لا سابقه كما اعترف به العلامة الطباطبائي في منظومته- أن الأقوى قبول رواية العبيدي خصوصا بناء على الظنون الاجتهادية، على أن أبا جعفر بن بابويه و إن ذكر عن شيخه ابن الوليد أنه قال: ذلك فيما تفرد به عن يونس لكن قال هو: إني رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول عليه و يقولون من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى، كما أن عن الفضل بن شاذان أنه كان يحب العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يقول ليس في أقرانه مثله، إلى غير ذلك مما يطول بذكره المقام، و بالنسبة إلى المتن عدم خروج الخبر عن الحجية بطرح بعضه، على أنه قد يراد الائتمام بالمخالف أو بالمرضي الناسي أو بنحو الاستسقاء و الغدير و العيدين مما يجوز فيه الجماعة من النوافل، أو يراد به التنبيه على إنصات مثله، ضرورة غلبة استماع المأموم الإمام للأمر به في القراءة الجهرية أو غير ذلك، فيتقيد حينئذ به مع اعتضاده بما سمعت إطلاق النص، كما لعله المراد أيضا من إطلاق الفتاوى التي حكاها في السرائر في معقد إجماعه.

و أما ما في المبسوط من التفصيل بين السماع في الصلاة فلا يجب و في غيرها فيجب فلا دليل عليه إلا ذيل الخبر السابق، و هو غير صريح في ذلك بل و لا ظاهر، فلا يصلح حينئذ أن يكون وجه جمع بين النصوص، كما أنه لا وجه لحمل الخبر المزبور على التقية كما في الحدائق تبعا لمحتمل المجلسي كما قيل التي لا ينبغي ارتكابها إلا عند الضرورة لا في نحو الأخبار المعمول بها بين الأصحاب، مع أنه حكى في التذكرة الوجوب على السامع عن أبي حنيفة و ابن عمر و سعيد بن جبير و نافع و إسحاق.

و من ذلك يظهر أنه لا ينبغي التوقف حينئذ من المدارك تبعا للمحكي عن الفاضل في المختلف بل في المنتهى عن الشيخ أن فيه ترددا أحوطه الوجوب، و من الغريب ما في

ج 10، ص: 223

كشف اللثام أن الأولى الاستدلال للوجوب بعموم الأوامر في الآيات بالسجود، و إلا فالأصل البراءة، و عام الخبرين يخص بالخاص، و إن قال: و فيه أن الأمر لا يفيد التكرار، و لو أفاده لم يختص بحال قراءة أو سماع، و ما في الم تنزيل من التذكير بالآيات ظاهره غير سماع الآية من القرآن، لكنه دعوى الأولوية كما ترى، فلا إشكال حينئذ في الحكم بالعدم بحمد الله، نعم قد يشكل حينئذ بناء على ذلك الحكم باستحبابه للسامع الذي قال في الذكرى: إنه لا شك فيه بعد نفي الوجوب، و ظاهر التذكرة الإجماع عليه ضرورة عدم الدليل على ذلك بعد تنزيل نصوص السماع و إطلاق الأوامر على الاستماع بل قد سمعت النهي في الخبر السابق عن السجود حينئذ، اللهم إلا أن يقال بثبوت الرجحان بالاتفاق، فمنه مع نفي المنع من الترك بالأصل يثبت الاستحباب، و فيه بحث ذكرناه في الأصول، أو يقال: إن العمل بخبر الاستماع لا ينحصر في التقييد، بل يمكن مع حمل الأمر في نصوص السماع و غيرها على المعنى الأعم من الوجوب و الندب إذ هو و إن كان مرجوحا بالنسبة إلى مجاز التقييد و محتاج إلى قرينة لكن قد يعينه ظهور القطع به من الشهيد و أمثاله، و النهي في مقام توهم الوجوب أو أن «لا» نفي للوجوب لا نهي.

و كذا صريح الإجماع في جامع المقاصد و ظاهره في التذكرة و كشف اللثام على أن السجود في البواقي مستحب على كل حال للقارئ و السامع و المستمع يكشف عن إرادة ذلك في بعض نصوص الاستحباب، و إلا لولاه لأمكن المناقشة فيه أيضا، لكن الأمر سهل بعد التسامح في السنن، و في الذكرى أنه يتأكد في حق التالي و المستمع و لا بأس به، و الظاهر خروج الملفق عن السببية ما لم يرجع إلى سبب، فلو قرأ حينئذ بعض آية و استمع آخر لم يسجد، نعم لو استمع بعضا و سمع آخر سجد لحصول السماع حينئذ حيث يكون سببا كما هو واضح، و الأمر في النية بناء على أنها الداعي سهل، أما على

ج 10، ص: 224

الاخطار فعند الوضع كما في جامع المقاصد و غيره لا بعده لأنه المنساق إلى الذهن من الأمر بالسجود فهو حينئذ أول الفعل المكلف به، و لا ينافيه توقف حصول مسمى السجود على نفس الوصول الذي يكون الوضع من مقدماته، إذ هو الجزء الأخير من المأمور به، فحينئذ لو وضع ثم نوى لم يجز خلافا للمحكي عن بعضهم و لم نتحققه، لأن استدامة السجود لا يعد سجودا، و إلا لصدق تعداده بتطويل الوضع، و هو باطل كما اعترف به في جامع المقاصد، و لا دليل على إرادة كونه موضوع الجبهة حال السجود كالقيام مثلا في الصلاة حتى يكتفى بالاستدامة فيه، نعم يمكن القول بجوازها حال الهوي لصدق المقارنة العرفية، و لأنه أول العمل عرفا، و لذا حكي عن المجلسي التخيير بينه و بين الوضع.

و ليس في شي ء من السجدات واجبها و مندوبها تكبير افتتاح و لا تشهد و لا تسليم بلا خلاف أجده فيها بيننا، للأصل و إطلاق الأدلة، و النهي في النصوص (1)عن الأول أو كالنهي معرضا بها للعامة العمياء التي أوجبته فيها عكس ما عندنا من عدم المشروعية، بل في المدارك الإجماع عليه، نعم يمكن القول باستحبابه للرفع منه، للأمر به في صحيح ابن سنان (2)و المروي (3)في معتبر المصنف عن جامع البزنطي و غيرهما، بل في الحدائق أن ظاهر المبسوط و الذكرى الوجوب، بل قيل:

إنه محتمل الأمالي و الخلاف و جامع الشرائع و البيان، بل في الأول منها أنه من دين الإمامية، و ظني أن مراد الجميع الندب الذي صرح به الفاضل و غيره ممن تأخر عنه و إن عبروا عنه بصيغة الأمر كالنصوص المحمول فيها على ذلك جمعا بينها و بين الأصل


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1 و 3 و 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 10.

ج 10، ص: 225

و إطلاق الأدلة و

خبر الساباطي (1)المروي عن مستطرفات السرائر بسنده عنه قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال:

ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت و لكن إذا سجدت قلت: ما تقول في السجود»

مؤيدا بما في الحدائق من

مرسل الدعائم (2)«و إذا سجد فلا يكبر و لا يسلم إذا رفع و ليس في ذلك غير السجود و يدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء»

فما في التذكرة حينئذ من أنه مستحب أو شرط وجهان كما ترى، و ما أبعد ما بينه و بين ظاهر المتن من نفي التكبير فيه الشامل للحالين كما استظهره في الفوائد الملية من النفلية، و لعل المراد حال الأخذ به لا الرفع، و الله أعلم.

و لا يشترط فيها الطهارة من الخبث و الحدث الأصغر و الأكبر عدا الحيض قطعا، للأصل و إطلاق النصوص و صريح بعضها(3)في الثاني و الجنابة من الثالث، أما الحيض ففي خبر أبي بصير(4)السابق أمر الامرأة به و إن كانت لا تصلي، و في

موثقه الآخر(5)عن الصادق (عليه السلام) «الحائض تسجد إذا سمعت السجدة»

و

سأل أبو عبيدة الحذاء(6)أبا جعفر (عليه السلام) «عن الطامث تسمع السجدة فقال: إن كانت من العزائم تسجد إذا سمعتها»

و ف

ي مرسل الدعائم (7)«و يسجد- أي من قرأ السجدة- و إن كان على غير طهارة»

و مقتضاها الوجوب، و به أفتى جماعة، بل قيل: إنه المشهور، فما في كشف الرموز من أن الوجوب ساقط بلا خلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 35- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 38- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الحيض- الحديث 1.
7- 7 المستدرك- الباب- 35- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.

ج 10، ص: 226

كما ترى، و أضعف منه ما في التهذيب و بعض نسخ المقنعة من أنه لا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف، إذ لا نعرف له مستندا في غير الحيض يعارض إطلاق النصوص و معاقد الإجماعات، بل و لا فيه إلا

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد السجدة إذا سمعت السجدة؟ فقال: تقرأ و لا تسجد»

و

خبر غياث (2)المروي عن مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «لا تقضي الحائض الصلاة و لا تسجد إذا سمعت السجدة»

و هما- مع موافقتهما للتقية من أكثر الجمهور كما في المنتهى، و قصور سند الثاني، و احتمال الأول الإنكار، و النهي عن سبب السجود، و التخصيص بغير العزائم، و بالسماع دون الاستماع على أن يراد بالنهي حينئذ رفع الوجوب- قاصران عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه، و من العجيب نفيه الخلاف في التهذيب كما عرفت، و حمله خبر الوجوب بعد ذلك على الاستحباب، اللهم إلا أن يريد سجودا آخر غير سجود التلاوة، أو يريد نفي الوجوب من نفي الجواز كما حملوا كلامه في الاستبصار عليه، فيوافق حينئذ من عبر من الأصحاب بالجواز بناء على إرادته المعنى الأخص منه كما صرح به في المبسوط في الحائض و الجنب جمعا بين النصوص، و فيه أنه لا مقاومة حتى يجمع بذلك، مع أنه لا تعارض فيما دل على وجوبه للجنب، و لعل مراد من عبر بالجواز من الأصحاب و لم يتبعه بما يعين المعنى الأخص ما لا ينافي الوجوب ردا على القائل بالحرمة من العامة، كقولهم: يجوز في الأوقات المكروهة، و يومي اليه أيضا استدلالهم عليه بما يقتضي الوجوب، فيكون القول بها حينئذ نادرا، و لذا قال في المنتهى: لا يفتقر إلى طهارة بل يجوز السجود للجنب و المحدث و الحائض، و عليه فتوى علمائنا، بل الظاهر إرادته ما يشمل الوجوب منه،


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الحيض- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الحيض- الحديث 5.

ج 10، ص: 227

و في التذكرة أنه متى جاز وجب أي الواجب، بل لعل التأمل الجيد في كلامهم و في أدلتهم و في تعبيرهم بالجواز فيما يعلم إرادة الأعم من الواجب منه مقابلا للعامة يقتضي ندرة القول بالجواز بالمعنى الأخص أيضا أي الذي لا يشمل الواجب فضلا عن الحرمة و أن ذلك انما هو للشيخ و بعض من تأخر عنه، كما أن ما في كتاب أحكام النساء للمفيد- من أن من سمع موضع السجود و لم يكن طاهرا أومأ بالسجود إلى القبلة إيماء- في غاية الندرة و الضعف إلا أن يحمل على بعض ما ثبت فيه الإيماء، و قد خبط بعض الناس فأطنب في المسألة في كتاب الحيض من الطهارة و جعل البحث فيها أولا في الجواز و عدمه، أو التفصيل بين السماع و الاستماع، ثم على تقدير الجواز فهل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب، أو يفصل بين التلاوة و الاستماع فيجب، و بين السماع فيندب و شوش نقل عبارات الأصحاب و معاقد إجماعاتهم، مع أن الظاهر عدم اختصاص المفروض باعتبار الاستماع أو الاجتزاء به و السماع في الوجوب لما عرفته سابقا من البحث في ذلك بالنسبة للحائض و غيرها، و التحقيق عدم الفرق بين الحائض و غيرها في وجوب الواجب و ندب المندوب و إن كان لم يتأكد لها الثاني، و لعله عليه يحمل الخبران أيضا، و قد ذكرنا في باب الحيض ما له نفع في المقام، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

و كذا لا يشترط فيها استقبال القبلة بلا خلاف أجده فيه إلا ما سمعته من كتاب أحكام النساء للأصل و إطلاق النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات لكن في

مرسل الدعائم (1)«إذا قرأت السجدة و أنت جالس فاسجد متوجها إلى القبلة، و إذا قرأتها و أنت راكب فاسجد أينما توجهت، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يصلي على راحلته و هو متوجه إلى المدينة بعد انصرافه من مكة يعني النافلة


1- 1 المستدرك- الباب- 42- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.

ج 10، ص: 228

و في ذلك قول الله تعالى (1)فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»

و لم أجد أحدا عمل به، بل ظاهر المنتهى و غيره أن ذلك مذهب الجمهور، لكن لا يبعد الحكم بالاستحباب الذي يتسامح فيه، كما أنه لا يبعد أيضا استحباب الطهارة من الخبث و الحدث بمعنى عدم فعل سبب السجود إلا بعد إحرازها لا أنه يترك الفورية في الندب أو الواجب لإحرازها و إن كان لولا التسامح بل على بعض الوجوه صعب إثباته في الطهارة من الخبث بل و أكثر أفراد الحدث، اللهم إلا أن يستفاد الثاني من مفهوم «إن» الوصلية، و لا ينافيه عدم اشتراط الطهارة لها، إذ هو أعم من استحبابها فيها، و لعله لذا حكي عن النفلية و البيان و الفوائد الملية أن الأفضل الطهارة لها، بل عن التذكرة في بحث التجديد أنه يستحب التجديد له و لسجود الشكر، لكن عن الذكرى أنه لا يستحب التجديد لهما، و لعله لعدم الدليل.

لكن على كل حال لا ريب في ضعف ما عن الجعفرية و شرحها من أن في اشتراط الستر و الاستقبال و الخلو عن النجاسة وجهين، كما أن ليس بتلك المكانة قول المصنف على الأظهر إن أراد به ما يشمل الاستقبال و الطهارة، إذ قد ظهر لك ضعفه في الطهارة من الحيض فضلا عن هذه الأمور التي لم نجد لها أثرا معتدا به في نصوصنا، و انما هي من زخرفات العامة الناشئة من القياس على سجود الصلاة، اللهم إلا أن يستفاد من صحيح العلل الآتي (2)حيث استدل فيه على حكم السجود بصلاة النافلة مساواته لذلك، و لا ريب في ضعفه، و إلا لاعتبر فيه سائر ما يعتبر في الصلاة من اللباس و المكان، و لنافاه ما ينافيها من الضحك و الكلام و الأكل و الشرب و نحو ذلك مع أنه لا يعتبر فيه شي ء من ذلك قطعا، نعم قد يعتبر فيه إباحة المكان و اللباس،


1- 1 سورة البقرة- الآية 109.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.

ج 10، ص: 229

زاد في كشف الأستاذ أن لا يكون من جلد الميتة، و فيه منع، كما أن ما فيه أيضا من أن اشتراط عدم الحريرية و الذهبية و طهارة موضع الجبهة غير خال عن القوة كذلك أيضا، لعدم الدليل، بل في اعتبار الطمأنينة و الاستقرار فيه نظر فضلا عن هذه الأمور و أغرب من ذلك كله جزم الشهيد في المحكي عن حواشيه بوجوب الستر، و لعله أخذه من تعليل النهي (1)عن السجود العاري في الصلاة مخافة ظهور سوأته، لكنه كما ترى.

نعم يمكن القول بوجوب مساواته لسجود الصلاة في اعتبار عدم العلو في المسجد و في وضع باقي المساجد المرادة من قوله تعالى (2)«أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» و في السجود على ما يصح السجود عليه، لإطلاق ما دل على اعتبارها في السجود بحيث يظهر منها عدم اختصاص ذلك في سجود الصلاة، خصوصا الأول بناء على ما سمعته سابقا من أن المقصود بالتحديد الكشف عن تحقق مسمى السجود، بل و الثالث المشتمل على تعليل عدم السجود على المأكول و الملبوس الذين يعبدهما أهل الدنيا، و من هنا اقتصر شيخنا في كشفه على اعتبار عدم كونه منهما فيه لا اعتبار كونه مما يصح السجود عليه، لكن فيه أنه و إن وافق التعليل لكنه خالف المعلل المطلق، و هو لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت، و لعله لذلك كله قال في التحرير: «الأقرب اشتراط السجود على الأعضاء السبعة» و في المحكي عن البيان «الأشبه اشتراط السجود على السبعة و على ما يصح السجود عليه، فان تعذر فكسجود الصلاة» و في الذكرى «في سجود الشكر القطع باعتبار السبعة» و في المحكي عن الكفاية «لا يبعد الاشتراط» و في التذكرة و المحكي عن نهاية الأحكام «في وجوب ما عدا الجبهة إشكال» و في المدارك «فيه و في السجود على ما يصح السجود عليه نظر» و في جامع المقاصد «ان فيهما و في اعتبار العلو وجهين»


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب لباس المصلى- الحديث 6.
2- 2 سورة الجن- الآية 18.

ج 10، ص: 230

و احتاط به جماعة، و بالجملة لم يعض على العدم أحد بضرس قاطع إلا المصنف في المعتبر، و تبعه بعض من تأخر لعدم اعتبار وضع غيرها في مسمى السجود، و هو حق إن لم نقل بالحقيقة الشرعية، أو لم يكن ظاهر تلك الأدلة اعتبارها في مطلق السجود و لو واجبات حاله أو شرائط حاله، و احتمال تنزيل تلك الإطلاقات كلها على سجود الصلاة لأنه المعهود تحدس بلا شاهد، اللهم إلا أن يستفاد من

صحيح الحلبي المروي (1)عن العلل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابته قال: يسجد حيث توجهت به، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يصلي على ناقته و هو مستقبل المدينة، يقول الله عز و جل فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» قيل:

و رواه العياشي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله

بتقريب اقتضاء وجوب وضع باقي المساجد النزول للمقدمة، و حمله على عدم التمكن خلاف ظاهره من ترك الاستفصال و غيره، و به أفتى الفاضل، قال فيما حكي من نهايته: «لو قرأ السجدة ماشيا سجد، فان لم يتمكن أومأ، و إن كان راكبا سجد على دابته إن تمكن، و إلا وجب النزول و السجود، فان تعذر أومأ» قيل: و نحوه ما في المنتهى و الموجز، و في التذكرة «لو قرأ السجدة ماشيا سجد، فان لم يتمكن أومأ- إلى أن قال-: و إن كان راكبا سجد على راحلته، و إلا نزل و فعله علي (عليه السلام)- إلى أن قال-: و لا نعلم فيه خلافا لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله)(2)قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب و الساجد في الأرض حتى أن الراكب يسجد على يده» و في موضع آخر «يجوز أن يؤدى سجود الشكر و التلاوة على الراحلة عندنا خلافا للشافعي لحصول المسمى» و الجميع كما ترى صريح في الاجتزاء بالسجود على الراحلة الذي لا يتيسر معه وضع الأعضاء


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
2- 2 سنن أبى داود ج 1 ص 207.

ج 10، ص: 231

السبعة غالبا و إن تمكن من النزول، و لعله لذا تردد فيه في جامع المقاصد إلا أنه في غير محله بعد ما عرفت، نعم قد يقال بمشروعية ذلك بالخصوص كالنافلة و إن كان يجب الوضع حيث يسجد على الأرض، فالحزم حينئذ عدم ترك شي ء من ذلك خصوصا بناء على قاعدة الشغل، بل يقوى في النظر مساواته لسجود الصلاة في الإيماء و ما يتمكن من الانحناء و بدلية الجبين و الذقن.

بل قد سمعت ما في خبر الساباطي (1)المروي عن المستطرفات المتقدم سابقا من أن الذكر في سجود العزائم كالذكر في سجود الصلاة أيضا، لكن في

صحيح أبي عبيدة الحذاء(2)«سجدت لك يا رب تعبدا و رقا لا مستكبرا عن عبادتك و لا مستنكفا و لا متعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير»

و في

مرسل الفقيه (3)«لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا و تصديقا، لا إله إلا الله عبودية و رقا، سجدت لك يا رب تعبدا و رقا لا مستنكفا و لا مستكبرا بل أنا عبد ذليل خائف مستجير»

و عنه في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية، و في المنتهى

عن الصدوق أيضا «إلهي آمنا بما كفروا، و عرفنا ما أنكروا، و أجبناك إلى ما دعوا، إلهي فالعفو فالعفو»

قيل: و في البيان أنه ذكره الراوندي في المعتبر، و في

المرسل المروي (4)عن غوالي اللئالي «ان النبي (صلى الله عليه و آله) لما نزل قوله تعالى وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ سجد و قال: أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»

و لعل العمل بالجميع أو بأحدها أو بالذكر من غيرها حسن كما لا يخفى على من عرف لغة الشرع و لسانه، و لذا لم نخص الحكم بسجود العزائم، و لا قلنا بوجوبه أيضا فيه و إن كان قد أمر به في كثير من هذه النصوص،


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 39- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.

ج 10، ص: 232

نعم في

مرسل الدعائم (1)«أنه يدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء»

و فيه شهادة على ما قلنا، فتأمل جيدا.

و كيف كان ف لو نسيها أي السجدة أتى بها فيما بعد لعدم سقوطه بذلك كالتأخير عمدا و إن عصى بترك الفور، للأصل و ظهور أن القراءة مثلا من باب الأسباب لوجوب السجود، و ل

صحيح ابن مسلم (2)«سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع و يسجد قال: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم»

فلا يبنى المقام حينئذ على مسألة الفور، على أن التحقيق فيها عدم السقوط بالنسيان و العصيان، لظهور الوجوب الفوري في عدم كون ذلك قيدا للواجب أو الوجوب لينتفي به الأمر أو المأمور به، بل هو من قبيل الوجوب المستقل في أصل الوجوب كالحج في العام الأول و لا ينافي ذلك اتحاد لفظ الأمر، إذ لا مانع من أن يؤدي ذلك كله و إن اتحد، و لا عبرة بالتقرير الذي يبرز به هذا المعنى فيظن أن ذلك كالقيود التي ينتفي بها المأمور به بل الظاهر أيضا عدم سقوط الفورية أيضا، لأن وضع هذا الطلب مع عدم القرينة على بقاء إرادة الفور حتى يحصل الامتثال كما نجده بالوجدان منا، و منه يعلم عدم كون الفعل قضاء، ضرورة عدم كون المبادرة و المسارعة و التعجيل من التوقيت في شي ء، و كأن الوهم ينشأ من تصور المعنى بعبارة كالموقت، فالتعبير بالقضاء من بعض الأصحاب يراد منه الفعل، و إلا كان للنظر فيه مجال، و دفعه بأنه لما وجبت الفورية كان وقتها وقت وجود السبب فإذا فات فات وقتها مصادرة واضحة، و كان الأولى الاستدلال عليه بلفظ «إذا» الموجود في النصوص من

قوله (عليه السلام): «إذا قرئ شي ء»

إلى آخره


1- 1 المستدرك- الباب- 35- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب قراءة القرآن- الحديث 1.

ج 10، ص: 233

و غيره، و قد يدفعه ظهور إرادة التسبيب و الفورية منها هنا لا التوقيت و لو بقرينة ما جاء من الأمر بالفعل بعد ذلك الوقت، إذ حمله على الأمر الجديد بعيد أو باطل، بل التحقيق أنه لا يدخلها أداء و لا قضاء، لأنهما من توابع الوقت المضروب شرعا، و هو منتف لما قلناه من الفورية، فحينئذ لا يفرق في وجوب الإتيان فورا أيضا بين الترك عصيانا و نسيانا و ان اختص النص بالأول، إذ قد عرفت أن المدرك غيره أيضا، بل قد يقرر بوجه آخر هو أن إطلاق الأوامر بالسجود لا تتقيد بما دل على الفورية، لعدم التنافي بينها و بين مطلق طبيعة الوجوب بعد فرض عدم ظهور التقييد فيها، بل أقصاه اعتبار شي ء آخر مع أصل الوجوب، بل لعله ليس من الإطلاق و التقييد المصطلح في شي ء عند التأمل لعدم رجوعه للواجب، بل هو للوجوب، فتأمل جيدا، و الظاهر جريان جميع ذلك في السجود المستحب أيضا، و احتمال الفرق بينهما بسقوطه في حالي النسيان و العصيان بخلافه لا يخلو من وجه، لكن الأول أقوى، لاتحاد ما ذكرناه من المدرك، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة سجدة الشكر]

المسألة الثالثة اعلم أن السجود غاية الخضوع لله، و خير عمل مشروع، و منتهى عبادة بني آدم، و أعظم شي ء تواضعا لله، بل ما عبد الله بمثل السجود، و لذا اختص به و حرمه لغيره، و أقرب ما يكون العبد إلى الله و هو ساجد، و ذلك قوله تعالى «وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ» و به تحط الخطيئة و ترفع الدرجة، و ما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا، لأنه أمر بالسجود فعصى و هذا أمر بالسجود فأطاع و نجا، و لذا يقول إذا أطالوا السجود: يا ويلاه أطاعوا و عصيت و سجدوا و أبيت و طوله شريطة النبي (صلى الله عليه و آله) على حصول الجنة، و شعار الأنبياء و الأئمة النجباء عليهم أفضل التحية و الثناء، و سنة الأوابين، فقد

سجد آدم ثلاثة أيام بلياليها(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب السجود- الحديث 16.

ج 10، ص: 234

و

«سجد علي بن الحسين (عليهما السلام) على حجارة خشنة حتى أحصي عليه ألف مرة لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا و صدقا»(1)

و

«كان جعفر بن محمد (عليهما السلام)(2)يسجد السجدة حتى يقال له: إنه راقد»

، و

«كانت لأبي الحسن موسى (عليه السلام)(3)في كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس» أي طلوعها «إلى وقت الزوال»،

و قد تقدم في المواقيت نقل ما رآه منه الفضل بن الربيع (4)من طول سجوده (عليه السلام)، كما أن بإكثاره صار إبراهيم خليل الله (5)قال العلامة الطباطبائي في حكاية مضمون ما وصل اليه من النصوص في ذلك و أطال، إلى أن قال:

إكثاره يحط بالأوزارحط الرياح ورق الأشجار

به يباهي ربنا الجليل و منه نال الخلة الخليل

إلى أن قال:

أعظم به من عمل بسيطبفضل كل طاعة محيط

إلى آخره. فلا بأس حينئذ بالقول بمشروعيته لا لسبب، و أنه كالنفل من الصلاة أخذا بإطلاق الأدلة كما صرح به في المحكي من نهاية الأحكام و الموجز و شرحه، لكن عن البيان أن فيه نظرا، و لا ريب في ضعفه، نعم ما عن النهاية أيضا من القول به أيضا في الركوع على إشكال لا يخلو من نظر، إذ حمل السجود على إرادة مطلق الخضوع الشامل لنحو ذلك كما ترى، و لعله لذا قيل: إنه نفاه الشهيد و غيره.

و كيف كان فمنه ما يستحب بالخصوص كسجود الشكر على تجدد النعم و دفع النقم


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب السجود- الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب السجود- الحديث 14 و في الوسائل« كان أبى يسجد».
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب المواقيت- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 7.

ج 10، ص: 235

و عقيب الفرائض بلا خلاف أجده بين أصحابنا كما اعترف به في كشف اللثام، بل في المنتهى و التذكرة و ظاهر المدارك و عن الخلاف و ظاهر المعتبر الإجماع عليه، لكن في جامع المقاصد لا خلاف بين أكثر علمائنا إلا من شذ في استحبابه للأولين، و لم نقف على من استثناه، و الموجود فيما حضرني من نسخته «العلماء» فيكون المراد أبا حنيفة على الظاهر، و لعل

ما رواه سعد بن سعد(1)عن الرضا (عليه السلام) محمول على التقية، قال: «قلت له: إن أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة و يقولون هي سجدة الشكر، فقال: إنما الشكر إذا أنعم الله على عبده النعمة أن يقول سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين»

ضرورة منافاته على تقدير دلالته للإجماع أو الضرورة من المذهب فضلا عن المتواتر من النصوص،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسكان (2)و خبر أبي بصير(3)المروي عن مجالس الصدوق «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان في سفر يسير على ناقة له إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلما ركب قالوا: يا رسول الله إنا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه، فقال: نعم استقبلني جبرئيل فبشرني ببشارات من الله فسجدت شكرا لله لكل بشرى سجدة»

و في

خبر الربيع بن يونس (4)المروي عن المجالس «سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن سجدة الشكر التي سجدها أمير المؤمنين (عليه السلام) ما كان سببها فذكر حديثا طويلا، في آخره أن جبرئيل (عليه السلام) نزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: يا محمد هذا ابن عمك علي (عليه السلام) إلى أن قال: إن الله جعلك سيد الأنبياء و جعل عليا (عليه السلام) سيد الأوصياء و خيرهم، و جعل الأئمة (عليهم السلام) من ذريتكما، قال: فأخبر عليا (عليه السلام) بذلك فسجد علي (عليه السلام) لله عز و جل، و جعل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 6.

ج 10، ص: 236

يقلب وجهه على الأرض شكرا»

و

قال أيضا في خبر ذريح (1)المروي عن ثواب الأعمال: «أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، و محي عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات في الجنان»

و في

خبر جابر(2)المروي عن العلل أيضا، قال الباقر (عليه السلام): «إن أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) ما ذكر لله عز و جل نعمة عليه إلا سجد، و لا قرأ آية من كتاب الله فيها سجود إلا سجد، و لا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلا سجد، و لا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، و لا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك»

و

في الذكرى روى «ان النبي (صلى الله عليه و آله) رأى رواسيا و هو القصر المزري و قد سجد شكرا»

و

قال الصادق (عليه السلام)(3): «انما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة ليشكر الله تعالى ذكره فيها على ما من به عليه من أداء فرضه»

و في

خبر علي بن فضال (4)المروي عن العلل قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «السجدة بعد الفريضة شكرا لله عز و جل على ما وفق له العبد من أداء فرضه، و أدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال: شكرا لله شكرا لله شكرا لله ثلاث مرات، قلت: فما معنى قوله شكرا لله؟ قال: يقول: هذه السجدة مني شكرا لله على ما وفقني له من خدمته و أداء فرضه، و الشكر موجب للزيادة، فإذا كان في الصلاة تقصير لم يتم بالنوافل تم بهذه السجدة»

و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر مرازم (5): «سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك، و ترضي بها ربك، و تعجب الملائكة منك، و ان العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و بين الملائكة، فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى قربتي»


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 5.

ج 10، ص: 237

كما في التهذيب، و في الفقيه «فرضي و أتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ملائكتي ماذا له؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك، ثم يقول الرب، ثم ماذا؟

فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك، فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهمه، فيقول الرب تعالى: ثم ما ذا؟ فلا يبقى شي ء من الخير إلا قالته الملائكة، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا، فيقول تعالى:

لأشكرنه كما شكرني، و أقبل إليه بفضلي و أريه رحمتي».

بل قد يستفاد منه استحبابها بعد كل صلاة نافلة أو فريضة كما هو مقتضى إطلاق بعض الأصحاب، بل عن السرائر و المصباح و غيرهما التصريح بذلك، بل يمكن التسرية إلى كل عبادة أو فعل خير يوفق لهما و لو لا اندراجهما تحت النعمة، و قد ورد في جملة من النصوص (1)فعلها بعد بعض النوافل، كما أن في بعض آخر(2)بعد الصلاة، قال العلامة الطباطبائي:

و كلما وفقت للفرائض و غيرها للمستفيض الناهض

و قد روي أن علي بن الحسين (عليهما السلام) سجد للتوفيق به للإصلاح بين الاثنين على ما في

خبر جابر السابق الذي منه يستفاد أيضا سجود الشكر لتذكر النعمة التي منها دفع النقمة، قال هشام بن أحمر(3): «كنت أسير مع أبي الحسن (عليه السلام) في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال ثم رفع رأسه و ركب دابته، فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي».


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 4 و الباب 2 منها الحديث 3 و 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب سجدتي الشكر.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 4.

ج 10، ص: 238

بل قد يستفاد من غيرهما وضع الخدين على الأرض لذلك أيضا

قال الصادق (عليه السلام) لعمار(1): «إذا ذكر أحدكم نعمة لله عز و جل فليضع خده على التراب شكرا لله، فان كان راكبا فلينزل فليضع خده على التراب، و إن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خده على قربوسه، فان لم يقدر فليضع خده على كفه ثم ليحمد الله على ما أنعم عليه»

و

قال إسحاق بن عمار(2): «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

إذا ذكرت نعمة الله عليك و كنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض، و إذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك على أسفل بطنك و أخر (و أحن خ ل) ظهرك و ليكن تواضعا لله عز و جل، فان ذلك أحب، و ترى أن ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك».

و منه يستفاد طرق أخر للشكر غير السجود، فمن الغريب عدم جزم الفاضل في التذكرة و المحكي عن نهاية الأحكام باستحباب السجود لتذكر النعمة، حيث قال:

الأقرب استحباب هذا السجود عند تذكر النعمة و إن لم يكن متجددة خلافا للجمهور، و أغرب منه ما في المحكي عن البيان من التنظير في ذلك، و في الذكرى «هل يستحب ذلك عند تذكر النعمة و إن لم تكن متجددة؟ الظاهر نعم إن لم يكن قد سجد لها» و هو مشعر بتأدي المطلوب بسجود واحد بحيث لا يشرع التعدد بعد، و فيه نظر لإطلاق ما سمعته من الأدلة، بل قد عرفت فعل علي بن الحسين (عليهما السلام) ذلك مع استبعاد عدم سجوده لابتداء النعمة التي تذكرها، و لأنه يمكن دعوى مشروعية ما يشاؤه من التعدد لسجود الشكر و لو لنعمة واحدة، فهو كالشكر اللساني كما هو ظاهر الأستاذ في كشفه، ضرورة استمرار مشروعيته باستمرار رجحان الشكر الذي لو عاش الإنسان


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 3 روى عن يونس بن عمار.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 5.

ج 10، ص: 239

عمر الدنيا ما أدى تمام شكر نعمة واحدة، بل التوفيق للشكر محتاج إلى الشكر، كما أومأ إليه سيد الساجدين (عليه السلام)(1)فتكرير السجود حينئذ لأنه أفضل ما يتأدى به الشكر، و لا ينافي ذلك التعبير بالسجدة في أكثر النصوص و الفتاوى، لعدم إرادة الوحدة من التاء فيها أولا، و لظهور كون المراد عدم اشتراط العدد في سجود الشكر على جهة التركيب بحيث يفوت بفواته، بل المشروع للشكر سجدة سجدة و إن تعددت.

لكن قد يشكل هذا بما في المتن و القواعد و المحكي عن الجعفرية و شرحها سجدتا الشكر مستحبان عند تجدد النعم و دفع النقم و عقيب الصلوات و في الحدائق أن كثيرا من الأخبار(2)انما اشتمل على سجدة واحدة، و جملة(3)منها دلت على التعدد، و كذا كلام الأصحاب، و الكل منصوص كما عرفت، و التعدد سيما مع توسط التعفير أفضل، و في كشف الأستاذ «و الأفضل سجدتان، و دونهما الواحدة، فلو قصد الآحاد عدد بما أراد و تعفير الخدين بينهما، و أقل منه أحدهما أو بعضهما، و يقوى استحبابه بعدهما و بعد الواحدة» و في كشف اللثام أن التثنية ذكرها ابنا إدريس و البراج و ابنا سعيد و الحلبي و الشيخان في المقنعة و النهاية و الاقتصاد في الصلاة، و في المصباح في بعض الصلوات، و رواها مطلقا عبد الله بن جندب (4)عن الكاظم (عليه السلام) قلت: الذي يمكن تحصيله بملاحظة النصوص الاتحاد أو التعدد بواسطة التعفير، و هو لعدم استيفاء الرفع منه يطلق عليه سجدة واحدة، قال في الوسائل: قد وقع التعبير في


1- 1 الصحيفة السجادية الدعاء 37.
2- 2 الوسائل- الباب- 1 و 2- و غيرهما من أبواب سجدتي الشكر.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 6 و الباب 7 منها الحديث 1 و المستدرك- الباب- 5- منها- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 1.

ج 10، ص: 240

بعض الأحاديث بسجدتي الشكر باعتبار التعفير، و في بعضها بسجدة الشكر إما باعتبار أن التعفير واقع في أثناء السجدة لعدم استيفاء الرفع، أو لجواز الاقتصار على واحدة و ترك التعفير، و قال العلامة الطباطبائي:

يجزي له واحدة، و الأفضل ثنتان بالتعفير فصل يحصل

و لعله هو مراد كشف اللثام فيما حكاه بقرينة ذكره الخبر المزبور، و الموجود فيه التعفير المذكور، و

قال الكاظم (عليه السلام) في خبر عبد الله بن جندب (1)«تقول في سجدة الشكر: «اللهم إني أشهدك و أشهد ملائكتك و أنبيائك و رسلك و جميع خلقك أنت الله ربي، و الإسلام ديني، و محمد (صلى الله عليه و آله) نبيي، و علي و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و الحجة بن الحسن بن علي (عليهم السلام) أئمتي، بهم أتولى، و من أعدائهم أتبرأ، اللهم إني أنشدك دم المظلوم ثلاثا، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكهم بأيدينا و أيدي المؤمنين، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرهم بعدوك و عدوهم أن تصلي على محمد و على المستحفظين من آل محمد ثلاثا، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ثلاثا، ثم ضع خدك الأيمن على الأرض و تقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب و تضيق علي الأرض بما رحبت، يا بارئ خلقي رحمة ربي و كنت عن خلقي غنيا صل على محمد و آل محمد و على المستحفظين من آل محمد ثلاثا، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض و تقول: يا مذل كل جبار و يا معز كل ذليل قد و عزتك بلغ مجهودي فرج عني ثلاثا، ثم تعود للسجود و تقول: مائة مرة شكرا شكرا، ثم تسأل حاجتك إن شاء الله».


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 1.

ج 10، ص: 241

أما استحباب سجدتين مستوفى بينهما الاعتدال أو لا بغير الكيفية المزبورة كما يقتضيه قول المصنف و من تبعه خصوصا بعد قوله و يستحب التعفير بينهما الظاهر في كونه مستحبا آخر غير معتبر في الكيفية، للمكلف تركه و الاقتصار على سجدتين ملاحظا للتركيب فيهما لا الآحاد، فلا يخلو من توقف، اللهم إلا أن يكون منشأه التسامح مع عدم حمل المطلق على المقيد، و لذا تسرى شيخنا في كشفه إلى ما عرفت، مع أن في بعض النصوص إشعارا ببعضه كالاقتصار على التعفير من غير عود للسجود و غيره مما عساه يستفاد من النصوص السابقة و غيرها،

قال سليمان (1): «خرجت مع أبي الحسن موسى (عليه السلام) إلى بعض الأماكن فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين و تغرغر دموعه: رب عصيتك بلساني و لو شئت و عزتك لأخرستني، و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتك لأكمهتني، و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزتك لأصممتني، و عصيتك بيدي و لو شئت و عزتك لكففتني، و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني، و عصيتك بفرجي و لو شئت و عزتك لعقمتني، و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي و ليس هذا جزاك مني، قال: ثم أحصيت له ألف مرة و هو يقول: العفو العفو، قال: ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته و هو يقول بصوت حزين: بوأت إليك بذنبي عملت سوء و ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي ثلاث مرات، ثم ألصق خده الأيسر بالأرض فسمعته و هو يقول:

ارحم من أساء و اقترف و استكان و اعترف ثلاث مرات، ثم رفع رأسه»

و الأمر في ذلك كله سهل، خصوصا بعد مشروعية العود بعد التعفير، إذ هو تعدد سجود.

و المراد بالتعفير الوضع على العفر، و هو التراب، و مقتضاه اعتباره في حصول وظيفة التعفير، لكن في الذكرى الظاهر تأدي السنة بالوضع على ما اتفق و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 5.

ج 10، ص: 242

التراب أفضل، و هو لا يخلو من تأمل، و ظاهر أكثر النصوص (1)كون محل التعفير الخدين كما كان يصنعه موسى بن عمران و به نال ما نال، و هو معقد صريح إجماع المنتهى و عن ظاهر المعتبر، كما أن أصل استحباب التعفير بين السجدتين معقد إجماع غير واحد من الأصحاب، لكن في الذكرى و غيرها ممن تأخر عنها الجبينين مخيرا بينهما و بين الخدين في بعض و مقتصرا عليهما في آخر، و لعله

للمرسل (2)المشهور إن «من علامات المؤمن تعفير الجبينين»

و فيه كما في الحدائق أن من المحتمل بل الظاهر إرادة الجبهة من الجبين بقرينة أفراده في الذكر، و جعله من علامات المؤمنين كالتختم باليمين من حيث أن المخالفين لا يرون سجود الشكر، على أنه لا دلالة فيه على البينية في السجدتين، و لعله لذلك قال في المنظومة بعد البيت السابق:

يعفر الخد أو الجبينامقدما من ذلك اليمينا

و الخد أولى و به النص جلاو في الجبين قد أتى محتملا

و قد يناقش ما في الحدائق بأن المحكي عن الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر استحباب سجود الشكر في المواضع الثلاثة، و انما أطبقوا على نفي التعفير، و في كشف اللثام «يستحب أن يعفر بينهما خديه أو جبينيه أو الجميع أو إحداهما فهو كالسجود مما شهد بفضله الأخبار و الاعتبار و انعقد عليه إجماعنا، و لما أنكره الجمهور كان من علامات الايمان» و هو جيد جدا.

و أما الذكر فيه فقد سمعت ما في النصوص السابقة، و قد ورد في غيرها أدعية أخر من أرادها فليطلبها من مظانها، و قد تقدم أن أدنى ما يجزي فيه شكرا ثلاثا،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب سجدتي الشكر.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 10، ص: 243

كما

أنه ورد(1)فيه قول ما شاء الله مائة مرة حتى يناديه الله و يقول له: عبدي إلى كم تقول ما شاء الله، أنا ربك و إلى المشية و قد شئت قضاء حاجتك فسلني ما شئت،

و ورد(2)الحمد لله مائة مرة، و ورد(3)أيضا شكرا شكرا مائة مرة، و ورد(4)عفوا عفوا كذلك، و ورد(5)يا رب حتى ينقطع النفس حتى يقول الرب: لبيك ما حاجتك، و لعل المراد التنبيه بذلك على سائر أفراد التضرع و الابتهال، و لذا قال الأستاذ في كشفه: و الظاهر أنه لا بأس بالإتيان بالذكر و إن قل، و النداء و إن قل، و له الأجر فيما قل و إن قل، و الظاهر أنه سنة في سنة، و لو جمع بينها كانت زيادة الأجر في ذلك، و لو نقص منها نقص أجرها، و في التذكرة «يستحب ما روي أو بما يتخيره من الأدعية» و في المنتهى ان اختلاف ما ورد يدل على عدم التعيين.

ثم إنه قد تقدم في المواقيت الكلام في أن سجود الشكر للمغرب بعد الثالثة أو بعد السابعة، و ذكر بعضهم هنا أن محله في سائر الفرائض بعد التعقيب مستدلا عليه ب

ما روي (6)«من أن أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) كان يسجد بعد ما يصلي لا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار»

و فيه أنه لعله جمع بين التعقيب و السجدة بناء على عدم اعتبار الجلوس في التعقيب، لكن على كل حال لا بأس به بعد فرض عدم فورية المتعقب للصلاة منه، إذ هو ليس كسجود الشكر للأولين، لأن الظاهر كما في كشف الأستاذ فوريته لهما مع هذا القصد لكن لا على وجه الشرطية بحيث لم يشرع إلا أن يدخل تحت سبب آخر، و البحث في اعتبار وضع المساجد السبعة فيه و كون


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب سجدتي الشكر الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب سجدتي الشكر الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب سجدتي الشكر الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب سجدتي الشكر الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 1.

ج 10، ص: 244

المسجد مما يصح السجود عليه كالبحث في سجود التلاوة و قد عرفته، إلا أن الشهيد (رحمه الله) في الذكرى تردد في اعتبار ذلك في سجود التلاوة من حصول مسمى السجود و من أنه السجود المعهود، و قال هنا: و هل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة؟ في الأخبار السابقة إيماء اليه، و الظاهر أنه غير شرط لقضية الأصل، أما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا ليتحقق مسمى السجود، و هو كما ترى، بل لعل عدم الاعتبار في المقام أولى بقرينة ما ذكره هو و غيره من استحباب بسط الذراعين و الصدر و البطن فيه مما لا يمكن وضعها جميعا معه، و في

خبر عبد الرحمن بن خاقان (1)«رأيت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه و ألصق جؤجؤه و صدره و بطنه بالأرض فسألته عن ذلك فقال: كذا يجب»

و في

خبر جعفر ابن علي (2)«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) و قد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه و ألصق جؤجؤه بالأرض».

و ذكر أيضا غير واحد من الأصحاب أنه يستحب إذا رفع رأسه منه أن يمسح يده على موضع سجوده ثم يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر و على جبهته إلى جانب خده الأيمن، و يقول: بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الغم و الحزن ثلاثا» قال في الذكرى رواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد(3)

قلت: ليس فيه تخصيص ذلك بسجدة الشكر انما فيه أنه

قال الصادق (عليه السلام) لرجل: «إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك»

إلى آخره كغيره من النصوص، نعم

قال الصادق (عليه السلام) في خبر جميل بن دراج (4):


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 2 لكن روى عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 3.

ج 10، ص: 245

«أوحى الله إلى موسى بن عمران (عليه السلام) أ تدري يا موسى لم انتجبتك من خلقي و اصطفيتك لكلامي؟ فقال: لا يا رب، فأوحى الله اليه أني اطلعت على الأرض فلم أجد أحدا عليها أشد تواضعا لي منك، فخر موسى ساجدا و عفر خديه في التراب تذللا لربه عز و جل، فأوحى الله اليه ارفع رأسك يا موسى، و أمر يدك على موضع سجودك و امسح بها وجهك و ما نالته من بدنك، فإنه أمان من كل سقم و داء و آفة و عاهة»

و لا بأس بالجميع.

ثم لا يخفى عليك بمقتضى إطلاق النصوص و الفتاوى عدم التكبير فيه و التشهد و التسليم و نحو ذلك كما صرح به بعضهم، لكن عن المبسوط ثبوت التكبير للرفع، قيل لما سمعته في سجود التلاوة، بل في كشف الأستاذ أن الأقوى استحباب التكبير قبله و بعده لأنه مفتى به، قلت: و لإطلاق بعض النصوص (1)في التكبير للسجود بعد منع اختصاصه بسجود الصلاة، و الأمر سهل كسهولة الحكم باستحباب الطهارة من الحدث فيه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن الحجاج (2): «من سجد سجدة الشكر و هو متوض كتب الله له بها عشر صلوات و محا عنه عشر خطايا عظام»

و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه في سجود التلاوة ما ينبغي جريانه في المقام، كما أنه لا يخفى عليك بعد التصفح لما ورد عنهم (عليهم السلام) ما ينبغي فيه من الوظائف و الأذكار و الأدعية، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[السابع التشهد]
اشاره

الواجب السابع التشهد و هو لغة تفعل من الشهادة، و هي الخبر القاطع، و شرعا كما في جامع المقاصد


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب السجود.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب سجدتي الشكر- الحديث 1.

ج 10، ص: 246

الشهادة بالتوحيد و الرسالة و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و في المحكي عن الروض أنه شهادة لله بالتوحيد و لمحمد (صلى الله عليه و آله) بالرسالة، و يطلق على ما يشمل الصلاة على النبي (ص) تغليبا أو بالنقل، قلت: و هو المراد في عبارات الأصحاب، بل لعله كذلك عند الشرع بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية التي معيارها الحقيقة المتشرعة و كيف كان ف هو واجب في كل ثنائية مرة، و في الثلاثية و الرباعية مرتين بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواترا و في أعلى درجات الاستفاضة كالنصوص (1)بل لعله من ضروريات مذهبنا، نعم يعرف الخلاف في ذلك للشافعي و أبي حنيفة و غيرهما من العامة، فنفى الأول وجوب الأول و الثاني وجوبهما، و عن قوم منهم أن الثاني غير واجب، و قد ورد في أخبارنا ما يوافق التقية منهم كما تسمعها فيما يأتي إن شاء الله، و لعله تقية منهم و من أبي حنيفة ورد

موثق زرارة(2)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال: تمت صلاته، فإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ و يجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد»

و

صحيح ابن مسلم (3)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهد حتى ينصرف فقال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، و إلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، و قال: انما التشهد سنة في الصلاة»

و

خبر ابن مسكان المروي (4)عن المحاسن قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الرابعة أحدث فقال: أما صلاته فقد مضت، و أما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد»

أو تحمل على


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2 و الباب 4 منها الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 2 لكن روى عن عبيد بن زرارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 10، ص: 247

أن المراد ثبت وجوبه من السنة في مقابلة الكتاب كما هو كثير في النصوص، و يومي اليه الأمر بفعله الظاهر في وجوبه المنافي لإرادة الاستحباب من السنة فيه، نعم بناء على ذلك تخرج هذه النصوص شاهدا للمحكي عن الصدوق (رحمه الله) من «أن التشهد واجب لكنه ليس من قبيل الأركان المفروضة التي تبطل الصلاة بتركها على كل حال، و انما هو واجب بالسنة، و الإخلال به و تخلل الحدث قبله غير مبطل للصلاة فيتوضأ و يأتي به قال: إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة و أحدثت فإن كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك، و إن لم تكن قلت فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد إلى مجلسك و تشهد» و يشهد له مضافا إلى النصوص السابقة

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (ع) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد قال:

ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فتشهد ثم يسلم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته»

و اليه يميل المحكي من كلام المجلسي في بحاره فإنه- بعد أن نقل خبر المحاسن و ذكر احتمال الحمل على التقية و غيره من احتمال إرادة مستحبات التشهد- قال: و الأظهر حمله على أن وجوبه يظهر من السنة لا من القرآن فيكون من الأركان، و الحدث الواقع بعد الفراغ من أركان الصلاة لا يوجب بطلانها كما يدل عليه صحيح زرارة(2)أيضا و اختاره الصدوق، و لا ينافي وجوب التشهد، و ما ورد من الأمر بالإعادة في خبر قاصر السند يمكن حمله على الاستحباب، و الأحوط العمل بهذا الخبر ثم الإعادة، قلت: يمكن إرادة الصدوق الاقتصار على خصوص هذه النصوص من غير تعدية إلى سائر المبطلات.

و كيف كان فالخلاف حينئذ ليس في وجوب التشهد، بل هو في بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها، و ستعرف هناك من الأدلة ما يوجب تأويل هذه النصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 10، ص: 248

أو طرحها أو تعين حملها على التقية، فإنه حكي عن أبي حنيفة أيضا عدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها، فلعل الأمر بذلك لذلك لا من حيث عدم وجوب التشهد حتى يقال: إنه ينافيه الأمر بفعله بعد الوضوء، مع أنه يمكن أن يقال: إنه لا بأس بذلك بعد التصريح بأنه سنة، إذ هو كالقرينة على عدم إرادة الوجوب منه، فيوافق حينئذ ذلك المحكي عن أبي حنيفة من القول باستحبابه و عدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث فإنه يلزمه القول باستحباب فعله بعد الوضوء، فتأمل جيدا.

و كيف كان ف لو أخل بهما أي التشهدين أو بأحدهما عامدا بطلت صلاته عندنا لما عرفت، بل الظاهر ذلك حتى من الصدوق العامل بما سمعته من النصوص، ضرورة عدم اقتضاء شي ء منها عدم وجوبه أصلا بحيث يصح الصلاة و إن لم يفعله بعد الوضوء من الحدث، اللهم إلا أن يقال: إن مقتضاها الوجوب السني الذي لا ينقص الفريضة، فيبقى وجوب فعله حينئذ في ذمته لا مدخلية له في بطلان الصلاة السابقة، لأنها قد تمت، لكن بناء على ذلك يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة حينئذ من المذهب على خلافه فضلا عن دعوى تواتر النصوص كما لا يخفى على من له أدنى تدبر، خصوصا بعد ما عرفت الوجه في تلك النصوص و أنها انما صدرت تقية، فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إلى ما سمعته من الصدوق و منشأه الخلل في الطريقة، و الله أعلم.

[الواجب في كل واحد من التشهدين في الصلاة]
اشاره

و الواجب في كل واحد منهما أي التشهدين خمسة أشياء:

[الأول الجلوس بقدر التشهد]

الأول الجلوس بقدر التشهد أي ما دام متشاغلا في الواجب من التشهد الذي ستعرفه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه و النصوص (1)دالة عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 9- من أبواب التشهد.

ج 10، ص: 249

و

خبر عبد الله بن حبيب بن جندب (1)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «إني أصلي المغرب مع هؤلاء فأعيدها فأخاف أن يتفقدوني قال: إذا صليت الثالثة تمكن في الأرض أليتيك ثم انهض و تشهد و أنت قائم ثم اركع و اسجد فإنهم يحسبون أنها نافلة»

محمول على الضرورة أو غيرها مما لا ينافي ما ذكرنا من وجوب الجلوس فيه اختيارا بحيث لو تشهد في حال لا يصدق عليه مسمى الجلوس لم يجز، نعم لا فرق على الظاهر بين جميع كيفيات الجلوس من التورك و الإقعاء و غيرهما، لإطلاق النصوص و الفتاوى، فما في الحدائق- من عدم الاجتزاء بالإقعاء لعدم صدق اسم الجلوس عليه شرعا و لا عرفا، و

للخبر(2)«المقعي ليس بجالس»

- في غاية الغرابة، ضرورة عدم حقيقة للشارع في الجلوس، و منع عدم الصدق عرفا، و حمل الخبر المزبور على نوع من المبالغة في كراهته أو غير ذلك مما عرفته في بحث كراهة الإقعاء.

ثم ظاهر المتن و غيره ممن جعله من واجبات التشهد عدم وجوبه لنفسه قدر التشهد بحيث لو سقط التشهد يبقى وجوب الجلوس بقدره، للأصل و غيره، لكن قد يستفاد من صحيح جميل (3)و غيره الوارد فيمن صلى خمسا سهوا وجوبه كذلك، للاكتفاء في صحة الصلاة و عدم الإعادة بأنه إن كان قد جلس بعد الرابعة قدر التشهد صحت، و إلا فلا، اللهم إلا أن يكون ذلك فيها كناية عن فعل التشهد الشامل للتسليم و أنه بتذكرة ذلك يتفطن لوقوع الخامسة منه بعد الإتمام، و لعل التعبير بالجلوس قدر التشهد عن فعل التشهد جالسا معروف في النصوص و الفتاوى كما لا يخفى على الخبير الممارس، فالاجتزاء بذلك في صحة الصلاة لهذا، لا لأن الجلوس واجب لنفسه و التشهد واجب


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التشهد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 6.

ج 10، ص: 250

آخر، نعم يمكن دعوى وجوب الجلوس في الجملة بحيث يتحقق معه مسمى الجلوس لنفسه استظهارا من بعض النصوص على إشكال فيه أيضا فضلا عن الجلوس بقدر التشهد، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه بحال، و الله أعلم.

[الثاني و الثالث الشهادتان في الموضعين]

الثاني و الثالث الشهادتان في الموضعين على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المبسوط و جامع المقاصد لا خلاف فيه بين أصحابنا، بل في الأخير كما عن المنتقى أن عليه عمل الأصحاب، بل عن شرح الشيخ نجيب الدين لعل الإجماع منعقد على ذلك، بل في الغنية و التذكرة و الذكرى و مجمع البرهان الإجماع عليه، و بذلك كله ينجبر

خبر سورة بن كليب (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما يجزي من التشهد فقال: الشهادتان»

و في

الموثق عن عبد الملك بن عمرو الأحول (2)عن الصادق (عليه السلام) «التشهد في الركعتين الأولتين الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم صل على محمد و آل محمد، و تقبل شفاعته و ارفع درجته»

و هو تام الدلالة على اعتبار الشهادتين في التشهد الأول، و قد

قال البزنطي (3)لأبي الحسن (عليه السلام): «جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزي أن أقول في الرابعة فقال: نعم»

و منهما يتم اعتبارهما أيضا في الثاني، فيكون التشهد في الصلاة حينئذ مرتين، كما قاله

الصادق (عليه السلام) لمحمد بن مسلم في الصحيح (4)جواب سؤاله عن ذلك، فقال له: «و كيف مرتين؟ فأجابه (عليه السلام) إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ثم تنصرف، قال: قلت: قول العبد التحيات لله و الصلوات الطيبات لله فقال: هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه»

و هو دليل آخر على المطلوب، بل قد يشعر به أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 4.

ج 10، ص: 251

المروي عن العيون و العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان (1)عن الرضا (عليه السلام) قال: «و انما جعل التشهد بعد الركعتين لأنه كما قدم قبل الركوع و السجود من الأذان و الدعاء و القراءة فكذلك أيضا أمر بعدها بالتشهد و التحية و الدعاء»

ضرورة إرادة المساوي للأذان من التشهد قضاء للبدلية، فيعتبر فيه الشهادتان حينئذ، إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقدح في دلالتها اشتمالها على ما لا نقول بوجوبه من التحميد و نحوه.

نعم في

صحيح زرارة(2)- قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «ما يجزي من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال: أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قلت: فما يجزي في الركعتين الأخيرتين؟ فقال: الشهادتان»

- ما هو ظاهر في عدم وجوب الثانية منهما في الأول منهما، و لعله له ذهب الجعفي في الفاخر إلى اجزاء شهادة واحدة في الأول، لكن فيه أنه انما يدل على إجزاء الشهادة الأولى لا أيهما، فيكون الخبر حينئذ شاذا لم يعمل به أحد من الأصحاب، فيطرح كما أمرونا (عليهم السلام) به، أو يحمل على إرادة السؤال عن وجوب ما زاد على الشهادتين من التحيات و نحوها فأجاب (عليه السلام) بأول ما يجب فيه: أي تقول: أشهد أن لا إله إلى آخر ما تعرف، أو من استعلام كيفية التشهد و أنه هل يختلف فيه حكم الأول و الأخير فاكتفى في جواب السؤال الأول بذكر كيفية الشهادة بالوحدانية اعتمادا على أن كيفية الشهادة الأخرى التي تضم إليها منفردة معروفة، و جعل الجواب عن السؤال الثاني بشهادتين كناية عن الاتفاق في الحكم بالنسبة إلى القدر المجزي كما صرح به في خبر البزنطي المزبور، أو على ما في المعتبر و المنتهى و إن بعد من إرادة ما لا ينافي اعتبار الزيادة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 10، ص: 252

أو على التقية كما في الذكرى نحو

خبر الخثعمي (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه»

و

بكر بن حبيب (2)سأله أيضا تارة عن التشهد فأجابه بأنه «لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا، انما كانوا يقولون أيسر ما يعلمون، إذا حمدت الله أجزأ عنك»

و

أخرى (3)«أي شي ء أقول في التشهد و القنوت؟ فقال: بأحسن ما علمت، فإنه لو كان موقتا لهلك الناس»

مع أن الظاهر من الأول إرادة بيان الاجزاء فيما يستحب في التشهد، و لعل سؤال بكر عن وجوب التحيات و نحوها كما يقوله الشافعي و أحمد، و هو أقرب من الحمل على التقية كما هو واضح عند التأمل فيها نفسها فضلا عن غيرها، خصوصا إجماع الأصحاب على عدم العمل بها، إذ المحكي عن مقنع الصدوق الاجتزاء عنه ببسم الله و بالله لا الحمد، قال: «إن أدنى ما يجزي في التشهد أن تقول الشهادتين أو تقول: بسم الله و بالله ثم تسلم» مع أنه ضعيف جدا أيضا، بل في الذكرى أنه شاذ لا يعد، و يعارضه إجماع الإمامية على الوجوب، قلت: و هو كذلك و إن استدل له ب

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(4)«إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنه قال: بسم الله فقط فقد جازت صلاته، و إن لم يذكر شيئا أعاد الصلاة»

و ب

قول الكاظم (عليه السلام) لما سأله أخوه (5)في قرب الاسناد «عن رجل ترك التشهد حتى سلم كيف يصنع؟ فقال: إن ذكر قبل أن يسلم فليتشهد و عليه سجدتا السهو، و إن ذكر أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله أو بسم الله أجزأه في صلاته، و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير حتى يسلم أعاد الصلاة»

إذ هما- مع قصورهما عن معارضة غيرهما من النصوص المعتبرة المعمول بها عند جميع الأصحاب حتى هو في غير الكتاب المزبور من وجوه متعددة- غير منطبقين على تمام ما سمعته منه مع


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 8.

ج 10، ص: 253

اشتمالهما على ما هو مجمع على عدمه من إعادة الصلاة، و يمكن حمل الأول منهما على إرادة الاستدلال بذكر البسملة على فعل التشهد، لأن من المستبعد نسيانه بعد التشاغل فيه، فلا يلتفت حينئذ إلى شكه، و

قوله (عليه السلام): «فقط»

يراد منه أنه ذكر قول ذلك خاصة و لم يذكر غيره، و إعادة الصلاة مع فرض عدم الذكر إذا لم يلتفت إلى الشك و كان محل التدارك باقيا، و يمكن إرادة قبل إكمال السلام من الثاني حتى يتم حينئذ الأمر بسجدتي السهو لزيادة السلام، و من

قوله (عليه السلام): «و إن ذكر»

إلى آخر ما سمعته، فتأمل جيدا.

و لعل الأولى الاستدلال له بما في

الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة و الأحول و سدير الصيرفي المروي (1)عن العلل المحكي فيه فعل النبي (صلى الله عليه و آله) حال عروجه على قياس فعل الصلاة، قال (صلى الله عليه و آله) فيه: «و ذهبت أن أقوم فقال: يا محمد أذكر ما أنعمت عليك و سم باسمي فألهمني الله أن قلت: بسم الله و بالله و لا إله إلا الله و الأسماء الحسنى كلها لله، فقال لي: يا محمد صل عليك و على أهل بيتك فقلت: صلى الله علي و على أهل بيتي»

إلى آخره لكنه كما ترى أيضا غير منطبق على ما سمعته منه، و قاصر عن معارضة غيره من وجوه، بل لعله غير معارض عند التأمل، و قد يراد معنى الواو من «أو» في عبارة الصدوق، فلا يكون حينئذ مخالفا بقرينة كلامه في باقي كتبه، أو يراد بها التخيير بين الاقتصار على الشهادتين بدون البسملة أو معها، و الله أعلم.

[الرابع و الخامس الصلاة على النبي و آله (ع) في التشهدين]

الرابع و الخامس الصلاة على النبي و آله (ع) في التشهدين بلا خلاف محقق أجده فيه، بل في الغنية و التذكرة و المنتهى و الذكرى و كنز العرفان و عن المعتبر و الحبل المتين و غيرها الإجماع عليهما صريحا، و نفي الخلاف عنه في المبسوط و غيره، بل عن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.

ج 10، ص: 254

الناصريات و موضع من الخلاف الإجماع أيضا على وجوب الصلاة على النبي في التشهد الأول و عن موضع آخر من الثاني «أن أدنى التشهد الشهادتان و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله)» و في مفتاح الكرامة عنه أيضا الإجماع على وجوب الصلاة على الآل في التشهد، و في كشف الحق «إجماع الإمامية على وجوب الصلاة على النبي و آله (ع) في التشهدين» و كيف كان فيمكن تحصيل اتفاق الأصحاب على ذلك، إذ لم يحك فيه خلاف إلا من الصدوق و والده حيث أنه لم يذكر الأول كما في كشف اللثام في شي ء من كتبه شيئا من الصلاتين في شي ء من التشهدين كأبيه في الأول و ابن الجنيد فاجتزى بها في أحدهما، مع أن المحكي عن أمالي الأول أن من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان و الصلاة على النبي و آله (ع) فيقوى في الظن أن تركها في مثل الفقيه لمعروفية فعل الصلاة عقيب اسم الرسول، و لا ينافيه قوله بعد ذلك فيه: و يجزيك في التشهد الشهادتان، على أن المحكي عنه وجوبها عند الذكر و لو في غير التشهد، فلعل الترك حينئذ لذلك، مع أن فيما حضرني من نسخة الفقيه ملحق فيها الصلاة في التشهد الأول، و يؤيده القطع بإشارته فيما ذكره من التشهد الأول و الثاني إلى ما في النصوص المشتملة على ذلك، و هي مشتملة على الصلاة، و بنحو ذلك يقال بالنسبة إلى والده سيما بعد أن حكى هو في الأمالي ما سمعته عن الإمامية، و والده رئيس الإمامية باعتقاده، و كلامه نصب عينيه، فليس إلا لأنه لم يفهم الخلاف منه في ذلك، و ابن الجنيد لم يصل إلينا كلامه و ليس النقل كالعيان.

و مع الإغضاء عن ذلك كله فخلافهم غير قادح في تحصيل الإجماع، على أنهم محجوجون مضافا إلى ما عرفت بما رواه في الوسائل عن

ابن بابويه في الفقيه بسنده عن حماد عن زرارة و أبي بصير جميعا(1)قالا في حديث: «قال أبو عبد الله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 10، ص: 255

إن الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) من تمام الصلاة، إذا تركها متعمدا فلا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله)»

و في الحدائق ظني إني وقفت عليه في الكتاب حين قرأه علي بعض الاخوان، و لكن لا يحضرني الآن، قلت: فحينئذ هو غير الصحيح الذي رواه

الشيخ في التهذيب عن حماد عن زرارة و أبي بصير(1)أيضا أنه قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا، و من صلى و لم يصل على النبي و ترك ذلك متعمدا فلا صلاة له، إن الله تعالى بدأ بها فقال (2)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى»

و المراد من الاستدلال بالآية البدأة بالزكاة التي صدر بها الخبر المزبور، و يحتمل أن يراد الصلاة على النبي من التزكي، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مروان (3)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «صلاتكم علي إجابة لدعائكم و زكاة لأعمالكم»

كما أنه يمكن أن يراد بقوله «وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) في الصلاة المعبر عنها بذكر اسم ربه، كما عبر عنها بذكر الله في غير موضع من الكتاب العزيز، و لعل ذلك هو مراد

الرضا (عليه السلام)(4)حيث قال لرجل دخل عليه: «ما معنى قوله تعالى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى؟ قال: كلما ذكر اسم ربه قام فصلى، فقال:

لقد كلف الله هذا شططا، قال: فكيف هو؟ فقال: كلما ذكر اسم ربه فصلى على محمد و آله»

لا أن المراد الصلاة على النبي عند ذكر الاسم حقيقة، كما هو ظاهر الوسائل،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التشهد- الحديث 2.
2- 2 سورة الأعلى- الآية 14 و 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الدعاء- الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذكر- الحديث 1.

ج 10، ص: 256

لأنه لم يذكر أحد استحباب ذلك و لا يعرفه أحد من فقهاء آل محمد (عليهم السلام).

و بموثق الأحول (1)في الركعتين الأولتين المتقدم سابقا منضما إلى صحيح البزنطي (2)المتقدم سابقا أيضا بناء على إرادة أقل المجزي من الاجزاء، فيتم حينئذ وجوبها في الشهادتين، و المناقشة فيه باشتماله على التحميد و الدعاء بقبول الشفاعة و هما مندوبان يدفعها عدم قدح مثله بعد أن اختصا بالدليل على ندبيتهما، بل يمكن أن يقال:

إن المراد الوجوب من الموثق المزبور للجميع لكن على التخيير بينه و بين غيره من أفراد التشهد، فحينئذ كل ما لم يثبت فرديته بدلا يبقى وجوبه تعيينا، و منه المجرد عن الصلاتين، و لعله بذلك يتم الاستدلال أيضا ب خبر أبي بصير(3)الطويل، إذ الجميع من أفراد التشهد المأمور به في الصلاة، فيكون الجميع واجبا لكن على التخيير، و لعل قوله في

خبر سورة(4): «أدنى ما يجزى الشهادتان»

مشعر بذلك، ضرورة إرادة أعلى المجزي من غيره، و ليس من التخيير بين الأقل و الأكثر كما أوضحناه في التسبيح فتأمل جيدا فإنه ربما دق، و بالحسن أو الصحيح في حديث المعراج (5)المروي عن العلل المتقدم سابقا، و ب

خبر إسحاق بن عمار(6)عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) المتضمن أيضا لكيفية صلاة النبي (صلى الله عليه و آله) إلى أن قال: «ثم قال له:- أي الله تعالى- ارفع رأسك ثبتك الله، و اشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور، اللهم صل على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التشهد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 11.

ج 10، ص: 257

إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم تقبل شفاعته و ارفع درجته، ففعل، فقال له: يا محمد (ص)»

إلى آخره.

و بالمروي من

كتاب ثواب الأعمال بسنده (1)عن الصادق (عليه السلام) و الكافي و المحاسن قال: «إذا صلى أحدكم و لم يصل على النبي (صلى الله عليه و آله) سلك بصلاته غير سبيل الجنة»

و بما

في بعض مضمرات سماعة(2)كما في الذكرى «في المصلي خلف غير العدل يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله (صلى الله عليه و آله)»

بناء على كون الجميع من مقول القول، ضرورة ظهوره حينئذ في كون الصلاة جزء من التشهد لا التي تقال عند الذكر فيكون الخبر حينئذ دالا على الشهادتين خاصة و إن كان قد يؤيده ظهور كون الامام مخالفا لا يجب عنده ذكر الصلاة على محمد و آله، فتأمل جدا، إلى غير ذلك بل قيل:

إنه تدل عليه الآية(3)أيضا بضميمة الإجماع على عدم وجوبها في غير موضع النزاع في المنتهى و التذكرة و عن الناصريات و الخلاف و المعتبر، بل هي دالة حينئذ على الموضعين، ضرورة ظهور الآية في الأمر بالصلاة في سائر الأحوال لا الطبيعة التي تتحقق بالمرة، و إن كان قد يخدشه بأنه مبني على القول بعدم وجوبها في غيرها، أما بناء عليه في العمر مرة كما عن بعض العامة أو في كل مجلس مرة إن صلى آخره، و إلا فلو صلى ثم ذكر تجب أيضا كما تتعدد الكفارة بتعدد الموجب كما مال إليه الأردبيلي، أو كلما ذكرته أو


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التشهد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و الفروع ج 1 ص 106 من طبع القديم و التهذيب ج 3 ص 51- الرقم 177- المطبوع في النجف و لكن لم تذكر جملة صلى الله عليه و آله في هذه الثلاثة. نعم هي موجودة في الوافي باب« من صلى وحده ثم وجد الجماعة».
3- 3 سورة الأحزاب- الآية 56.

ج 10، ص: 258

ذكره ذاكر غيرك كما ذهب اليه المقداد في كنزه، و المحدث البحراني في حدائقه حاكيا له عن الشيخ البهائي و عن الشيخ عبد الله بن صالح البحراني و الكاشاني و المازندراني في شرحه على أصول الكافي، فلا يتوجه الاستدلال حينئذ كما اعترف به المقداد، اللهم إلا أن يدعى دلالتها على الوجوب في جميع الأحوال، و لا قائل بوجوبها في غير الأحوال المزبورة بالإجماع، لكنه كما ترى، و مبني على ترجيح مجاز التقييد خصوصا مثل هذا التقييد على التجوز بالهيئة الذي يرجحه في خصوص المقام عطف التسليم المعلوم استحبابه إلا على قول نادر و عدم حصول الظن بإرادة التشهدين من إطلاق الآية، خصوصا مع الاتكال في بيانه على ما عرفت، و الحمد لله الذي أغنانا بما عرفت عن هذه التكلفات حتى بالنسبة إلى دعوى الجنيدي كما لا يخفى على من أحاط بما ذكرنا.

فلا حاجة حينئذ إلى البحث عن وجوبها في غير التشهدين و عدمه و إن كان الأقوى فيه العدم مطلقا، للأصل و الإجماعات السابقة التي يشهد لها التتبع و السيرة القطعية و خلو الأدعية الموظفة و الخطب المعروفة و القصص المنقولة عن المعصومين (عليهم السلام) غالبا عنها، مع أن إثباتها فيها أوجب من إثبات كلماتها، و عدم تعليمها للمؤذنين في الأخبار النبوية، و لأنه لو كان كذلك لاشتهر حتى صار أشد ضرورة من وجوب الصلوات الخمس، لشدة تكرره و كثرة التلفظ به، خصوصا بناء على إلحاق ذكر الصفات الخاصة أو مطلقا بالاسم و كل مفيد للمعنى من إشارة أو ضمير أو نسب أو فعل و نحوها كما هو مقتضى إطلاق الأمر بها عند ذكره، بل ظاهر المحكي عن البهائي الميل إلى التزامه و إن فصل في الحدائق بين ما اشتهر إطلاقه عليه كالنبي و الرسول و أبي القاسم فيجب، و غيره كخير الخلق و خير البرية و المختار فلا يجب، قال: و لعل الضمير من الثاني، و لا يخفى عليك أن أصل الوجوب فضلا عن الفروع مما لا ينبغي الميل اليه، بل بعض النصوص المدعى دلالتها على الوجوب هي نفسها مشعرة بالندب فضلا عن القرينة الخارجية

ج 10، ص: 259

كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسان الشرع و رموزه التي أشار إليها ب

قوله (عليه السلام): «إنا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف اللحن»

و لعل منه

قوله (صلى الله عليه و آله) ها هنا في الخبر المروي عن معاني الأخبار(1): «البخيل حقا من ذكرتُ عنده فلم يصل علي»

و

قوله (صلى الله عليه و آله) في المروي عن الإرشاد(2): «البخيل كل البخيل من الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي»

و

قوله (صلى الله عليه و آله) في المروي (3)عن عدة الداعي: «أجفا الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصل علي»

بل و

قوله (صلى الله عليه و آله) في خبرين (4): «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة».

و من الغريب أن المحدث البحراني استدل بهذا على الوجوب بعد حمل النسيان فيه على الترك كقوله تعالى (5)«فَنَسِيَ» و أغرب منه كثرة تسجيعه في المقام و تبجحه و ظنه أنه جاء بشي ء حيث استدل على مطلوبه بظاهر الأمر في

صحيح زرارة(6)«صل على النبي (صلى الله عليه و آله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في الأذان أو غيره»

حتى أنه أزرى على الخراساني بما لا ينبغي منه مدعيا صراحة ذلك في الوجوب، و إنها لمصيبة يستأهل أن يسترجع عندها، ضرورة أنه لا يليق بمن دس نفسه في فقهاء آل محمد (عليهم السلام) الركون إلى مثل هذا الأمر المعلوم إرادة الندب منه ضرورة، ك

قول الصادق (7)و الرضا (عليهما السلام)(8): «الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر الحديث 18.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر- الحديث 4 و 16.
5- 5 سورة طه- الآية 114.
6- 6 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الأذان و الإقامة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر الحديث 12.
8- 8 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر الحديث 8.

ج 10، ص: 260

واجبة في كل موطن و عند العطاس و الذبائح»

و أغرب من ذلك كله ما ذكره في كنز العرفان من الأدلة على ذلك، فلاحظ و استعذ بالله أن يخرجك عن طريقة الأساطين المتكفلين بما لآل محمد (عليهم السلام) من اليتامى و المساكين، و كان الإطالة في هذه المسألة من تضييع العمر بما لا ينبغي خصوصا و الخطأ وقع فيها ممن عرفت من الخلل في الطريقة.

ثم الظاهر أنه على كل من تقديري الوجوب و الندب فالأصل عدم التداخل في الأسباب بناء على أن كل ذكر لاسمه مثلا موجب للصلاة لا أن المراد بذكره تذكره و لو بنقل قصة طويلة عنه، و عليه فالمتجه حينئذ في التشهد ذكر صلاتين للذكر و للصلاة، بل لو نوى التداخل و قلنا بعدم جوازه في الواجب و المندوب اتجه البطلان حينئذ، نعم لو قيل بأصالة التداخل و لو للدليل الشرعي اتجه الجواز حينئذ مع المحافظة على الفورية، أو يقال: إن من المعلوم إرادة فعل الصلاة عند الذكر و إن كانت واجبة لنذر أو لصلاة أو نحوهما لا صلاة منوي فيها أنها للذكر.

و على كل حال فقد بان لك بحمد الله ضعف ما سمعته من القول بعدم وجوب الصلاتين في التشهدين لو كان، و كيف و قد جعله العلامة في كشف الحق من بدع العامة و مخالفاتهم لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و أضعف من ذلك الاستناد بالأصل المقطوع بما عرفت، و بظهور بعض المعتبرة التي مر بعضها في الاجتزاء بالشهادتين الذي هو مع احتمال إرادة الاجتزاء بهما من حيث الشهادتين لا من حيث أمر آخر كالصلاة، و احتمال إرادة التعريض بذلك لما يفعله العامة من التحيات كما يومي اليه

صحيح ابن مسلم (1)السابق حيث أنه لما قال له الصادق (عليه السلام): ينصرف بعد الشهادتين سأله عن قول العبد: التحيات إلى آخره فأجابه (عليه السلام) بأن هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه

، و احتمال عدم ذكر الصلاة لمعلومية ذلك و لو من حيث الذكر بناء على الاجتزاء


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 4.

ج 10، ص: 261

به و غير ذلك مما هو محتمل في كلام الصدوقين أيضا قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه لا تخفى، فلا ريب في ضعف القول المزبور لو كان، كضعف ما عساه يظهر مما حضرني من نسخة إشارة السبق من الاجتزاء بالصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) دون الآل ك بعض النصوص (1)السابقة، إذ هو معلوم البطلان في مذهب الشيعة، و انما هو ينسب إلى بعض العامة ساقهم عليه النصب و العداوة، خصوصا بعد

ما رووه عن كعب الأحبار(2)انه قال للنبي (صلى الله عليه و آله) عند نزول الآية(3)قد عرفنا السلام عليك يا رسول الله فكيف الصلاة؟ قال: اللهم صل على محمد و آل محمد»

و في مفتاح الكرامة أنه قال الأستاذ الشريف أي العلامة الطباطبائي في حلقة درسه المبارك الميمون أنه وجد هذا الخبر بعدة طرق من طرقهم، و في

المروي عن العيون (4)عن الرضا (عليه السلام) في مجلس له مع المأمون في إثبات الصلاة على الآل قال: «و قد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت الآية قيل: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ قالوا: لا، قال المأمون: هذا لا خلاف فيه أصلا و عليه إجماع الأمة»

الحديث، و

رووا عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) عن ابن مسعود قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من صلى صلاة و لم يصل علي و على أهل بيتي


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التشهد.
2- 2 سنن أبى داود ج 1 ص 147 من طبعة الهند.
3- 3 سورة الأحزاب- الآية 56.
4- 4 عيون اخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 236 المطبوعة بقم عام 1377.

ج 10، ص: 262

لم تقبل صلاته»

بل عن المتعصب منهم صاحب الصواعق المحرقة له انه روي (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) النهي عن الصلاة البتراء أي المتروك فيها ذكر الآل.

و أما نصوصنا فهي مستفيضة في ذلك، بل

في بعضها(2)«ان من لم يتبع الصلاة عليهم بالصلاة عليه لم يجد ريح الجنة، و كان بين صلاته و بين السماوات سبعون حجابا و يقول الله تبارك و تعالى: لا لبيك و لا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاؤه إلا أن يلحق بالنبي (صلى الله عليه و آله) عترته، فلا يزال محجوبا حتى يلحق به أهل بيته (عليهم السلام)»

و في

المروي عن رسالة المحكم و المتشابه (3)نقلا من تفسير النعماني بإسناده إلى علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «لا تصلوا علي صلاة مبتورة بل صلوا إلى أهل بيتي و لا تقطعوهم، فان كل نسب و سبب يوم القيامة منقطع إلا نسبي»

و بالجملة هو كالضروري من مذهب الشيعة، و لذا حكي عن بعض العامة أنه نهى عن الصلاة على الآل لما فيه من الاشعار بالرفض، و نعوذ بالله من هذه العصبية للباطل، وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

إنما الكلام في أن الواجب في التشهد هذه الكيفية من الصلاة، و هي «اللهم صلى على محمد و آل محمد» كما صرح به بعضهم، بل هو الأشهر على ما في الذكرى، بل عن المفاتيح أنه المشهور، بل ربما ظن من قول الفاضل في المنتهى: «المجزي من الصلاة اللهم صل على محمد و آل محمد و ما زاد مستحب بلا خلاف» الإجماع على ذلك، فلا يجزي حينئذ إبدال الظاهر بالضمير و لا الفصل بعلى و إن كان هو المروي في خبر أبي بصير(4)على ما حكاه في الفوائد الملية، قال: إني رأيت خبر أبي بصير بخط الشيخ (رحمه الله)


1- 1 الصواعق المحرقة ص 87 و كشف الغمة للشعرانى ج 1 ص 194.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذكر- الحديث 17.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2.

ج 10، ص: 263

في كل واحدة من الصلاة و السلام و الترحم إعادة العطف ب «على»، و أنه زادها رابعا في قوله كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم، و خامسا في قوله اللهم صل على محمد و آل محمد، و لا غير ذلك من التغييرات التي يصدق معها اسم الصلاة عليه و عليهم حتى إبدال الآل بأهل البيت الذي

قال الصادق (عليه السلام) فيه على ما في مرسل ابن أبي عمير(1)«وجدت في بعض الكتب من صلى على محمد و آل محمد كتب الله له مائة حسنة، و من قال: صلى الله على محمد و أهل بيته كتب الله له ألف حسنة»

و إن كان قد ورد أيضا ما يخالف ذلك من ترجيح ذكر الآل على الأهل لدخول الشيعة فيه دونه، لكن قد يقوى في النظر العدم، لإطلاق الأمر بالصلاة عليه في النصوص السابقة، و ل خبر المعراج (2)و مضمر سماعة(3)السابق و خبر أبي بصير(4)الذي فصل بين النبي و آله (صلوات الله عليهم) ب «على» كما عرفت نقله عن خط الشيخ، و في

خبر ابن الجهم (5)قال:

سألته يعني أبا الحسن (عليه السلام) على الظاهر «عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلا يعيد».

كل ذلك مع إطلاق الفتاوى أيضا و بعض معاقد الإجماعات و نفي الخلاف.

و من ذلك كله يعلم حينئذ أن ما ورد في النصوص من اللفظ المخصوص على جهة المثال حتى خبر الكعب المزبور المسؤول فيه على الظاهر عن كيفية أصل الصلاة لا خصوص العبارة، مع أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن كيفية الصلاة عليه (صلى الله عليه و آله)


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذكر- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
3- 3 راجع التعليقة 2 على الصحيفة 257.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.

ج 10، ص: 264

في المروي (1)عن معاني الأخبار فقال: «تقولون صلوات الله و صلوات ملائكته و أنبيائه و رسله و جميع خلقه على محمد و آل محمد و السلام عليه و عليهم و رحمة الله و بركاته» و إن كان الظاهر عدم مدخلية الزيادات في كيفية أصل الصلاة، بل هي مستحب في مستحب، كما أن المروي عن كعب كذلك، لأنه زاد فيه «كما صليت على إبراهيم» إلى آخره.

فما سمعته من الذكرى من أن الأشهر القول المخصوص جيد إن أراد في الرواية، و إلا فلم نعرف أحدا قبله حكم بتعيين ذلك صريحا، و لعل مراد الفاضل بما في المنتهى بل و التحرير عدم وجوب الزيادة على ذلك لا خصوص اللفظ، بل في المحكي عن نهايته لو قال: صلى الله على محمد و آله أو صلى الله عليه و آله أو صلى الله على رسوله و آله فالأقرب الإجزاء لحصول المعنى، بل هو في الذكرى احتمل إجزاء (صلى الله عليه و آله) و الاختصاص بالضرورة حملا لخبر سماعة عليها و هو كما ترى في غاية البعد، فلا ريب في أن الأقوى إجزاء مطلق مسمى الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و إن كان الأحوط الاقتصار على اللفظ المخصوص.

[فيما يجب أن يقال في التشهد]

و أما الشهادتان فقد قال المصنف هنا كالمعتبر و القواعد و المنتهى و غيرها أن صورتهما أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله و الظاهر إرادة الاجتزاء بذلك لا تعيينه بحيث يقدح فيه الزيادة، للقطع بعدمه، ضرورة زيادة أكثر

النصوص (2)«وحده لا شريك له»

في الأولى «و عبده» قبل الرسول مع إبدال الظاهر بالمضمر في الثانية، و إجزائهما بهذه الصورة مجمع عليه تحصيلا و نقلا في المدارك


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذكر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 1 و 2 و الباب 4 منها الحديث 4.

ج 10، ص: 265

و غيرها، فلا ريب في عدم إرادة تعيين الصورة المزبورة، و لذا قال في المدارك: إن المشهور انحصار الواجب فيما ذكره المصنف، و أنه لا يجب ما زاد عنه، و لعله أخذه من إطلاق أكثر الأصحاب الاجتزاء بالشهادتين، بل هو معقد إجماع الغنية و المحكي عن الخلاف، و النسبة إلى دين الإمامية عن الأمالي، و لا ريب في صدقهما بالصورة المزبورة قال في الذكرى: ظاهر الأصحاب و خلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا، فعلى هذا لا يضر ترك «وحده لا شريك له» و لا لفظ «عبده» و أشار بخلاصة الأخبار إلى أنه و إن كان الوارد في أكثر النصوص الزيادة المزبورة إلا أنه بملاحظة ما سمعته من إطلاق ما دل (1)على الاجتزاء بالشهادتين، مع ظهور المشتمل منها على ذلك في عدم سوقه لبيان الواجب فقط، بل المراد منه الفرد الأكمل و لو من الشهادتين خاصة، ك صحيح ابن مسلم (2)المتقدم، خصوصا و قد سمعت خبر ابن الجهم و حديث المعراج بل قد يشعر به أيضا خبر الفضل بن شاذان (3)الآتي، مضافا إلى معروفية صدق الشهادتين بذلك، بل يمكن دعوى صيرورتها كالحقيقة فيما يشملهما، فيتجه حينئذ من ذلك كله بقاء المطلق على إطلاقه، و حمل ما ورد في النصوص من الصورة المزبورة على أفضلية الفرد و أكمليته بالنسبة إلى باقي أفراد الواجب التخييري بناء على فردية كل من الصورتين للشهادتين كما هو ظاهر المحقق الثاني و غيره، بل في المحكي عن الذخيرة الظاهر أنه مخير اتفاقا، و لعله لصدق الشهادتين على كل من الصورتين و إن كان لا يخلو من إشكال التخيير بين الأقل و الأكثر في الصيغة الأولى دون الثانية، لاختلاف الصورة فيها، إلا أن الأمر فيه سهل و دفعه ممكن أيضا بل واضح.

و من الغريب ما في كشف اللثام أن المشهور في الثانية «عبده و رسوله» و في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 6.

ج 10، ص: 266

الأولى زيادة «وحده لا شريك له» و به الأخبار و إن قال أيضا: لكنها اشتملت على مندوبات، و لعل العبودية منها و كذا التأكيد «بنحو وحده لا شريك له» لحصول الشهادتين بما ذكر، و ظاهره أو صريحه اختيار المختار، لكن فيما حكاه من الشهرة نظر يشهد له تتبع كلمات الأصحاب، بل هو قد اعترف فيما بعد بإطلاق الأكثر الشهادتين.

نعم لا يبعد اعتبار تكرير لفظ الشهادة و عدم الاجتزاء بالواو خلافا للفاضل في القواعد و إن كان ظاهر ما سمعته من خبر أبي بصير ذلك في التشهد الأول، بل و يقتضيه إطلاق خبر المعراج لصدق الشهادتين، إلا أن الذي يقوى في الذهن الإشارة باللام في الشهادتين إلى المتعارف منهما في التشهد لا الجنسية الصادقة على الصورة المزبورة، ضرورة ظهور خبر سورة(1)في أن المجزي من التشهد المتعارف الذي يطول فيه بالدعاء و التحيات و نحوها الشهادتان منه كما لا يخفي على ذي الذوق السليم، بل يمكن دعوى توقف صدق الشهادتين على المتكرر فيهما لفظ الشهادة، ضرورة مراعاة اللفظ في التسمية كالتسبيح و التكبير و التهليل، و ليس العطف بمنزلة ذكر اللفظ مطلقا، خصوصا مع إمكان دعوى تعارف الشهادتين في المتكرر فيهما اللفظ في الأذان و غيره، و لعل عدم الذكر في خبر أبي بصير للسهو من الرواة أو النساخ، على أنه كما في جامع المقاصد لا ينهض لمعارضة غيره من الأخبار المشهورة في المذهب، و لعله لذا و لما عرفت منع من إسقاط اللفظ المزبور هو فيه مع اجتزائه بمطلق الشهادتين، أما تكرار الواو فيقوى في النظر عدم اعتباره كما في القواعد و عن صريح التذكرة و كشف الالتباس و فخر الدين، للقطع بعدم مدخليته في صدق الشهادتين، لكن في الذكرى أما لو أضاف الرسول من غير لفظ عبده إلى المضمر أو أسقط واو العطف فظاهر الأخبار المنع، قال: و يمكن استناد الجواز إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 6.

ج 10، ص: 267

رواية حبيب (1)فإنها تدل بفحواها على ذلك، و هو كما ترى، و الأولى الاستناد إلى الأصل و إطلاق بعض الفتاوى و بعض النصوص (2)و اشتمال أكثر الأخبار المفصلة على المندوبات، و من ذلك يعرف الحال في إبدال لفظ الجلالة بضميره حال حذف عبده الموافق لمقتضى تقدم المرجع، بل من المستبعد اشتراط جواز الضمير بذكر «عبده» و إن كان مستحبا، و لعله لذا استقرب الفاضل في القواعد الاجزاء كما عن صريح التذكرة و كشف الالتباس و فخر الدين، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه و لا في الاقتصار على لفظ «محمد» أما إبدال لفظ الشهادة بنحو «أعلم» و «إلا الله» بواحد أو «غير الله» فالظاهر العدم، اقتصارا على المنقول المنصرف اليه لفظ الشهادتين في التشهد.

كما أن الظاهر وجوب الترتيب أيضا بتقديم الشهادة بالتوحيد ثم الرسالة «ثم يأتي بالصلاة على النبي و آله)» لأنها هي الكيفية المأمور بها في النصوص (3)و لأنه هو المناسب للاعتبار، لكن عن المقنعة «أن أدنى ما يجزي في التشهد أن يقول المصلي: أشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا صلى الله عليه و آله عبده و رسوله» و ظاهره المخالفة في تأخر الصلاة بناء على اجتزائه بذلك عنها، و لا ريب في ضعفه كضعف ما يظهر منه أيضا من عدم اعتبار تكرر لفظ الشهادة لما عرفت، و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه فيه و في غيره حتى بالنسبة إلى زيادة «وحده لا شريك له» التي تردد فيها في المحكي عن التذكرة و نهاية الأحكام، بل ظاهر النافع و الدروس و غيرهما تعيينه و تعيين «عبده» أيضا، بل قد عرفت نسبته إلى المشهور في الكشف، خصوصا مع ملاحظة صحيح ابن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10 و 11 و الباب 3 من أبواب التشهد- الحديث 1 و 2.

ج 10، ص: 268

مسلم (1)الذي لم يشتمل على ما علم ندبيته، بل قال في المحكي عن الروض أن

خبر سورة ابن كليب (2)الذي قال فيه الباقر (عليه السلام): «أدنى ما يجزي فيه الشهادتان»

فيه قصور عن مقاومة الآخر لضعفه برجال متعددين، و بأنه مطلق غير دال على عبارة مخصوصة، و الخبر الآخر مقيد بألفاظ معينة بيانا للشهادتين، و المطلق يجب حمله على المقيد، و بأن العمل بالأول يستلزم جواز حذف لفظ «أشهد» الثانية مع الإتيان بواو العطف، و حذف الواو مع الإتيان بها، بل حذفهما معا و إضافة الرسول و الآل إلى المضمر مع حذف «عبده» لصدق الشهادتين في جميع هذه التغييرات، و أصحاب القول بالتخيير لا يقولون به و إن كان فيه نظر من وجوه لا تخفى على من أحاط خبرا بما قدمناه، و الله أعلم.

و من لم يحسن عربية التشهد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت ثم يجب عليه تعلم ما لم يحسن منه نحو ما مر في تكبيرة الإحرام و القراءة بلا خلاف أجده فيه، لقاعدة الميسور و غيرها، نعم ظاهر المصنف الاجتزاء بما يحسنه و ان استطاع الترجمة عن غيره أو إبداله بالتحميد أو مطلق الذكر، بل هو ظاهر المبسوط و القواعد و التحرير و المنتهى و المحكي عن المعتبر، بل كاد يكون صريح بعضها، و مقتضاه سقوط القول أصلا إذا فرض أنه لم يحسن شيئا، اللهم إلا أن يفرق حينئذ بظهور الاجزاء من قوله: «فأتوا» في الأول بخلاف الثاني، فينتقل فيه إلى الترجمة، ثم إلى الذكر كما هو ظاهر المحكي عن البيان، قال: «الجاهل يجب عليه التعلم، فان ضاق الوقت أتى بما علم، و إلا فالترجمة، و إلا احتمل الذكر إن علمه، و السقوط».

و التحقيق أنه مع التعذر تقوم الترجمة كما صرح به في التذكرة و الدروس و المحكي عن المعتبر و نهاية الأحكام و جامع الشرائع و الميسية إما لعموم الشهادتين و الصلاتين في الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 6.

ج 10، ص: 269

و الفتاوى كما في كشف اللثام، و إما لما سمعته في ترجمة التكبير و إيماء حكم الأخرس بناء على ما ذكرناه فيه من أنه هو المتعارف في إبراز الأخرس مقاصده، و قاعدة الميسور، و صدق الذكر و الدعاء على الفارسي، و بعد التعبد بالألفاظ العربية بحيث يسقط أصل التكليف مع التعذر مع إطلاق

قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار(1)السابقة في القراءة: «لا يراد من العجمي ما يراد من العربي الفصيح»

و لأنه شي ء غلب الله عليه فهو أولى بالعذر(2)و لغير ذلك مما يفهم مما مر لنا في المباحث السابقة كترجمة التكبير و قراءة الأخرس و غيرهما، فلاحظ و تأمل.

و لا يخفي أن ذلك كله يقتضي عدم الفرق بين الكل و البعض، فان علم بعضه حينئذ عربيا أتى به و ترجم لغيره كما صرح به في كشف اللثام و المحكي عن الميسية، و وجهه واضح، فان تعذرت الترجمة ففي الذكرى «الأقرب وجوب التحميد للروايتين (3)السابقتين» و في الدروس «و مع التعذر تجزي الترجمة و يجب التعلم، و مع ضيق الوقت يجزي الحمد لله بقدره، لفحوى رواية بكر بن حبيب (4)عن الباقر (عليه السلام)» و فيه أنك قد عرفت الوجه في هذه النصوص، و أنه من المستبعد أو الممتنع إرادة ذلك منها، اللهم إلا أن يكون المقصود منها بيان أدنى ما يجزي من التشهد في الأحوال:

أي قد ينتهي الأمر في التشهد إلى ذلك، و لعل الأستاذ في الكشف فهم منها ذلك مع حمل التحميد فيها على المثال لمطلق الذكر فقدمه على الترجمة، و فيه أن الترجمة ذكر و دعاء بالمرادف، بل قد سمعت ما في كشف اللثام من شمول الشهادتين و الصلاتين لها، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 2 و 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 10، ص: 270

غير بعيد، ضرورة صدق الإقرار بالشهادتين و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) على كلام الفارسي مثلا، و كأنه لذا في فوائد الشرائع- بعد أن ذكر الحكم في أنه إن لم يحسن شيئا أمكن القول بالجلوس بقدره- قال: «و هذا الفرض بعيد، لأن الإسلام انما يتحقق بالإقرار بالشهادتين» إلى آخره. ضرورة عدم توقفه على العربي منهما، فلا استبعاد حينئذ لو أراد خصوص العربي حينئذ، و ما أبعد ما بين ما سمعته من الأستاذ و بين ما يظهر من غيره ككشف اللثام من عدم بدل بعد الترجمة، و لا ريب أن الأولى الإتيان به مع الفرض المزبور خصوصا الذكر القريب إلى معنى الأصل، لفحوى التعويض عن القراءة، و لأنه خير القول، و لأن التشهد بركة و بناء على الذكر و لأن تعسر اللفظ لا يسقط الإتيان بالمعنى الممكن، و لغير ذلك مما لا يخفي على العارف بلسان الشرع و رموزه، بل لو عجز عنه انتقل إلى ترجمته كالمبدل على ما صرح به الأستاذ في كشفه، و الوجه فيه واضح كوضوح الوجه بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا و هناك فيما يتصور من الفروع في المقام حتى لزوم كون الذكر أو تكرير ما يحسنه منه مقدار التشهد و عدمه و إن كان الظاهر الفرق بين المقام و القراءة بأنه لا شي ء مقدر في الزائد على الواجب هنا حتى يلتزم مساواة البدل له حروفا أو كلمات بخلاف القراءة، فالمتجه حينئذ الابدال هنا بمقدار الواجب فما زاد.

و لو لم يعلم شيئا أصلا قيل وجب الجلوس بقدره كما صرح به بعضهم، و لعله لأنه أحد الواجبين كما هو مقتضى الأمر به في بعض النصوص و إن وجب الذكر فيه كالقراءة حال القيام، بل لا مانع من اجتماع جهتي الوجوب الأصلي و الغيري فيه، و هو لا يخلو من بحث كما أومأ إليه الكركي فيما حكيناه عنه من فوائده، بل صرح به في الحدائق بعد أن حكى الوجوب المزبور عن الذخيرة.

ثم إن ظاهر الأصحاب في المقام و غيره أن المراد بمن لا يحسن القابل للتعلم بعد

ج 10، ص: 271

ذلك إلا أنه ضاق الوقت عليه و عدمه، بل يظهر من بعضهم أن المراد بمن لا يحسنه لقصر الوقت عن أصل تعرفه لأجزائه شرعا، فهو جاهل بالحكم إلا أنه معذور، و كذا الكلام في باقي أجزاء الصلاة حتى أنه لو بلغ مثلا في وقت لا يسع إلا إخباره بأفعال ركعة واحدة أو أقل و لو تكبيرة الإحرام منها وجب عليه فعل ذلك، و كان صلاة بالنسبة إليه، لإطلاق

قوله (عليه السلام)(1): «لا يسقط الميسور بالمعسور»

«و ما لا يدرك كله لا يترك كله»(2)

و

«إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم»(3)

و نحوها، لكنه لا يخلو من نظر، ضرورة انصراف الذهن إلى إرادة العجز عن الأداء لا من حيث الجهل لقصر الوقت، فان المتجه حينئذ عدم الوجوب أصلا، لأن الفرض من انتفاء مقدمات الوجوب لا الوجود كما هو واضح، نعم قد يفرق بين الأركان و غيرها خصوصا الأقوال من القراءة و الذكر و نحوهما، و دعوى أنه لا فرق بينه و بين العاجز عن التعلم و غيره من أفراد العاجز الذي نقلناه بقاعدة الميسور و انتفاء التكليف بما لا يطاق إلى الميسور يدفعها أنه لو كان كذلك لكان التارك لتعرف ذلك عمدا حتى ضاق الوقت ففعل ما كان قد علمه من التكبير مثلا مسقطا للقضاء عنه كباقي أفراد قاعدة الميسور السابقة، و هو مناف لإطلاقهم عدم معذورية الجاهل، و عدم سقوط القضاء بفعله، و عدم ترتب الاجزاء على ذلك، و ما هو إلا لعدم الأمر به، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفي عليك جريان بعض المباحث السابقة من القراءة على حفظ القلب و الموالاة و نحوهما و ما مر فيها من النظر، بل يمكن القول بعدم وجوب الأول هنا بالنسبة إلى المندوب منه، بل و سائر الأقوال المندوبة في القنوت و غيره و إن قلنا به بالنسبة إلى الواجب، على أنك قد عرفت البحث فيه في الواجب كالقراءة فضلا عنه، و أما


1- 1 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
2- 2 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3 تفسير الصافي- سورة المائدة- الآية 101.

ج 10، ص: 272

الترتيب بين أجزائه الواجبة من البدأة بالتوحيد ثم الرسالة ثم الصلاة فقد صرح به بعضهم هنا كالفاضل في التذكرة و غيره، بل لعله ظاهر الجميع، ضرورة عدم إرادة مطلق الجمع من الواو المذكورة في خلال ذكر الكيفية في كلامهم، و هو مع أنه الموافق للاحتياط مقتضى الأمر بالكيفية المترتبة في النصوص (1)مع عدم ثبوت خلافها، خصوصا مع موافقة هذا النظم للاعتبار أيضا، و لما هو المعلوم من طريقة الشرع، فتأمل جيدا.

[في مستحبات التشهد]

و أما مسنون هذا القسم ف ان يجلس متوركا بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية و ظاهر المنتهى و عن صريح الخلاف الإجماع عليه، و يشهد له التتبع، كما أنه يدل عليه مضافا إلى ذلك الصحيح (2)المتقدم سابقا في التورك بين السجدتين بل ذكرنا هناك استحباب التورك في سائر جلوس الصلاة فضلا عن التشهد، و ظاهر أن مقتضى ذلك جواز سائر أفراد الجلوس بالمعنى الأعم الشامل للمكروه حتى الإقعاء على ما سمعت الكلام فيه مفصلا، و القول بعدم جوازه فيه للنهي عنه أو لأنه ليس جلوسا كما في صحيح المستطرفات (3)في غاية الضعف، لما عرفت من حمل النهي على الكراهة خصوصا مع التعبير بلا ينبغي في صحيح المستطرفات، و القطع بصدق اسم الجلوس على كل من تفسير به كما يشهد له جلوس المرأة للتشهد و العرف، فلا بد من حمل الصحيح المزبور على ضرب من التأويل، فلاحظ ما سبق و تأمل.

و قد تقدم أيضا هناك تمام البحث في أن صفته أن يجلس على وركه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 11 و الباب 3 من أبواب التشهد- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 10، ص: 273

الأيسر و يخرج رجليه جميعا، فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض و ظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر فلا ينبغي الإعادة، و في

مرسل الفقيه (1)كما عن مسند العلل أنه قال رجل لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا ابن عم خير خلق الله ما معنى رفع رجلك اليمنى و طرح رجلك اليسرى في التشهد؟ قال: تأويله اللهم أمت الباطل و أقم الحق».

و من المسنون بلا خلاف أيضا أن يقول ما زاد على الواجب من تحميد و دعاء و تحيات و بسملة و ثناء و غير ذلك مما ورد في النصوص (2)و أفضله كما في المنتهى و الذكرى و غيرهما ما في

خبر أبي بصير(3)المشهور في كتب الفروع فضلا عن الأصول إلا أنه اشتمل على ابتداء التشهدين معا بقول: «بسم الله و بالله و الحمد لله و خير الأسماء لله»

لكن في الذكرى و عن الفوائد الملية و البحار أن أكثر الأصحاب افتتحوه بقول:

بسم الله و بالله و الأسماء الحسنى كلها لله، و هو كذلك في المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(4)لكن مع إضافة التحميد قبل الأسماء، و في

حديث المعراج (5)المروي عن العلل «بسم الله و بالله و لا إله إلا الله و الأسماء الحسنى كلها لله»

و لا بأس بالعمل بالجميع خصوصا بعد ما

قال بكر بن حبيب (6)لأبي جعفر (عليه السلام): «أي شي ء أقول في التشهد و القنوت؟ قال: قل بأحسن ما علمت، فإنه لو كان موقتا لهلك الناس»

بل قد سمعت الاجتزاء بالحمد عن سائر ما يقال في التشهد من المندوب فيما مضى من خبره الآخر(7)و خبر الخثعمي (8)و به أفتى غير واحد حتى العلامة الطباطبائي في المنظومة، قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 2- من أبواب التشهد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التشهد- الحديث 2.

ج 10، ص: 274

و الابتداء بالحمد فيهما كفى عما بندب فيهما قد وظفا

و ظاهر خبر أبي بصير كالرضوي اختصاص التحيات بالتشهد الأخير، بل في الذكرى و المحكي من الفوائد الملية لا تحيات في التشهد الأول بإجماع الأصحاب، بل قال في الأول: «لو أتى بالتحيات في الأول معتقدا لشرعيتها مستحبا أثم و احتمل البطلان» بل عن إرشاد الجعفرية الجزم به، و لو لم يعتقد استحبابه خلا عن إثم الاعتقاد، و في البطلان وجهان عندي، و لم أقف للأصحاب على هذا الفرع، و في المنظومة:

كذا تحيات أبي بصيرتندب في التشهد الأخير

قلت: لكن أطلق الفاضل في القواعد استحباب زيادة التحيات، بل عن البيان «لو أتى بها فيه فالظاهر الجواز» و في كشف الأستاذ استحباب إضافة التحيات لله في أحد التشهدين، قال: «و لو أتى بها في كليهما لقضية التفويض مع قصد الخصوصية فلا بأس» و كان مراده بقضية التفويض نفي التوقيت في التشهد، و أنه يقال فيه أحسن ما يعلمه الإنسان و أيسره، ضرورة اقتضاء ذلك جواز نية الخصوصية، إذ لا فرق بين الأمر بخاص و بعام يندرج فيه الخاص، إذ كل فرد حينئذ مأمور به بخصوصه، نعم قد يحصل لبعض أفراد العام خصوصية أخرى زائدة على جهة الاشتراك مع باقي الافراد و ليس الكلام فيه، و قد يؤيده مع ذلك

قول الرضا (عليه السلام) في خبر الفضل بن شاذان (1): «انما جعل التشهد بعد الركعتين لأنه كما قدم قبل الركوع و السجود من الأذان و الدعاء و القراءة فكذلك أمر بعدها بالتشهد و التحية و الدعاء».

و من الغريب قوله أخيرا في الذكرى: و في البطلان وجهان عندي، إذ لا نهي عنه بالخصوص و لا تشريع، و احتمال أنه كلام آدميين جاز في الأخير للنص بخلاف الأول كما ترى، إذ لا ريب في أنه من التنزيه، و قد سمعت

قول الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 6.

ج 10، ص: 275

لابن مسلم (1): «هذا اللطف من العبد يلطف العبد ربه»

و

قال (عليه السلام) أيضا في خبر عبد الرحمن (2): «إن معنى قول الرجل التحيات لله الملك لله»

و بالجملة لا ريب في أنها نوع من التنزيه، و ليس التحيات كذكر السلام في التشهد الأوسط الذي ورد الابطال به كقول: تبارك اسمك و تعالى جدك،

قال الباقر (عليه السلام) في خبر ميسر(3): «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل تبارك اسم ربك و تعالى جدك، و هذا شي ء قالته الجن بجهالة، فحكى الله عنهم، و قول الرجل: السلام علينا و على عباد الله الصالحين»

و

قال الصادق (عليه السلام) أيضا في مرسل الفقيه(4): «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين بقوله: «تبارك اسم ربك و تعالى جدك» و هذا شي ء قالته الجن بجهالة، فحكى الله عنها، و بقول: «السلام علينا و على عباد الله الصالحين يعني في التشهد الأول»»

لكن الأستاذ في كشفه حكم بكراهة القول الأول المنسوب إلى الجن، و لعله لقصور الرواية عن إفادة البطلان، و كيف كان فالوجه جواز التحيات مع نية الخصوصية فضلا عن غيره لما عرفت.

و منه يعلم حينئذ أنه لا ينبغي التوقف من بعض المعاصرين في نية الخصوصية بقول: «و تقبل شفاعته في أمته و ارفع درجته» في التشهد الأخير لاختصاص الأول بوروده فيه حتى حكم ببطلان الصلاة مع ذلك للتشريع، إذ قد عرفت أنه يكفي في جوازها- مضافا إلى ما عرفت من التفويض المزبور، و أنه لا توقيت فيه، بل يقال فيه بأحسن ما يعلم و أيسره- ثبوت مشروعية الدعاء فيه للدين و الدنيا إجماعا كما عن الخلاف و التذكرة، و لعل ذكرهم ذلك بخصوصه فيه و في السجود مع أن الدعاء جائز في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التشهد- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التشهد- الحديث 2.

ج 10، ص: 276

سائر أحوال الصلاة لبيان كون المراد بمشروعيته فيهما صيرورته كذكرهما المأثور بالخصوص لا أنه خارج عن الصلاة شرع في أثنائها، بل يمكن دعوى ذلك في مطلق الدعاء الثابت مشروعيته في الصلاة أيضا، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1): «كلما ذكرت الله عز و جل به و النبي (صلى الله عليه و آله) فهو من الصلاة»

فيكون نصهم حينئذ على التشهد و السجود للنص عليه بالخصوص، و ليس المراد قصر المشروعية على نية ذلك بحيث لو نوى الذكر أو الدعاء لا بعنوان ذلك لم يجز، على أنه قد يستفاد جوازه بالخصوص أيضا مما ورد في صحيح البزنطي (2)السابق من إجزاء ما يقال في التشهد الأول في التشهد الثاني بناء على إرادة الاجزاء في الواجب و الندب، و من

خبر المعراج (3)«اللهم تقبل شفاعته و ارفع درجته»

و هو انما صلى ركعتين فيكون هو التشهد الأخير، و احتمال الفرق بسبق التشهد و عدمه فيجوز في الثاني دون الأول كما ترى، و في المحكي عن نهاية الشيخ التي هي متون أخبار «و إن قال هذا يعني قوله:

اللهم صل على محمد و آل محمد و تقبل شفاعته في أمته و ارفع درجته في التشهد الثاني و جميع الصلوات لم يكن به بأس غير أنه يستحب أن يقول في التشهد الأخير: بسم الله و بالله إلى آخر التحيات» و كان مراده أفضلية اختيار ذي التحيات على المقتصر فيه على ذلك و قال شيخنا في كشفه: رأيت النبي (صلى الله عليه و آله) في الرؤيا فأمرني أن أضيف إليها قول: و قرب وسيلته، و لعل المراد بالدعاء في المتن و القواعد الإشارة إلى ما يشمل ذلك، فالقول بالجواز حينئذ مع نية الخصوصية كغيره من أفراد الدعاء و الحسن من القول هو الوجه، نعم لا ينبغي أن ينوي خصوصيته من بين الأفراد المشتركة معه في


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 11.

ج 10، ص: 277

الدليل المزبور بخلاف الوارد بخصوصه من الألفاظ و الأدعية، و لعل هذا هو الفرق بين الخصوصيتين، بل ربما كان هذا هو مراد من أبطل مع نية الخصوصية لا الخصوصية السابقة.

و من المسنون أيضا في التشهد الأول تكرير الحمد بعد ختامه مرتين أو ثلاثا كما في خبر أبي بصير المزبور(1)بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمرو بن حريث (2): «قل في الركعتين الأولتين بعد التشهد قبل أن تنهض: سبحان الله سبع مرات»

و لا بأس به، بل و لا بالمحكي في الذكرى عن أبي الصلاح من زيادة بعد «و الأسماء الحسنى كلها لله» قول: «لله ما طاب و زكى و نمى و خلص، و ما خبث فلغير الله» على النحو الذي ذكرناه في التحيات، فلا يلاحظ فيه الخصوصية الخاصة، لأنا لم نعثر له على نص فيه، نعم في

خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي (3)أنه سأله (عليه السلام) «ما معنى قول المصلي في تشهده لله ما طاب و طهر، و ما خبث فلغيره؟ قال: ما طاب و طهر كسب الحلال من الرزق، و ما خبث فالربا»

و هو لا يخص التشهد الأول، و لا إطلاق فيه قطعا، نعم قد يثبت بترك الاستفصال في

خبر يعقوب بن شعيب (4)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) «أقرأ في التشهد ما طاب لله، و ما خبث فلغيره، فقال: هكذا كان يقول علي (عليه السلام)»

و الأمر سهل بعد ما عرفت مما يندرج فيه هذا و غيره، بل لو قرئ المروي (5)عن فقه الرضا (عليه السلام) على طوله و زياداته على خبر أبي بصير بالنحو الذي ذكرناه لم يكن به بأس، فتأمل جيدا، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التشهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 5.
5- 5 المستدرك- الباب- 2- من أبواب التشهد- الحديث 3.

ج 10، ص: 278

[الثامن التسليم]
اشاره

الثامن من أفعال الصلاة

[في بيان التسليم]

التسليم و هو واجب على الأصح وفاقا للصدوق و الحسن و الجعفي و المرتضى و ابني حمزة و زهرة و سلار و التقي و يحيى بن سعيد و أبي صالح و أبي سعيد من علمائنا الحلبيين و القطب الراوندي و ابن المتوج و ابن طاوس و الفاضل في المنتهى بل عن ولده أنه الذي استقر عليه رأيه و الآبي و الشهيد و المقداد و ابن فهد و الصيمري و البهائي و الحر العاملي و الكاشاني و المحدث البحراني و الفاضل الأصبهاني و المحقق البهبهاني و العلامة الطباطبائي و شيخنا المعتبر الأوحد الشيخ جعفر على ما حكي عن البعض، بل لعله هو الذي استقر عليه المذهب في عصرنا و ما راهقه، كما أنه في المحكي عن الروض نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية، بل ربما نسب إلى الشيخ أيضا مطلق الوجوب أو خصوص الصيغة الأولى من التسليم، و لعله لقوله في التهذيب عند شرح قول المفيد في صلاة الوتر أن التسليم في ركعته لا يجوز تركه عندنا أن من يقول:

السلام علينا في التشهد فقد انقطعت صلاته، فان قال بعد ذلك: السلام عليكم و إن لم يقل جاز، و به جمع بين ما دل على وجوب التسليم و ما دل على التخيير على وجه يقطع بعدم إرادة اختصاص ذلك في الوتر كما لا يخفى على من لاحظه، و منه ينقدح احتمال إرادة النادب التسليم الأخير حال الجمع لا مطلق التسليم، خصوصا مع قوله في المبسوط من قال من أصحابنا إن التسليم سنة يقول: إذا قال: السلام علينا و على عباد الله الصالحين فقد خرج من الصلاة، و من قال: إنه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة و ينبغي

ج 10، ص: 279

أن ينوي بها ذلك، و الثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من في يساره، ضرورة ظهوره في الصيغة الثانية دون الأولى، و لذا حكى عنه في المعتبر القول بوجوبها و إن ناقشه في الذكرى، لكنه ليس في محله، بل كلامه في الخلاف أيضا كالصريح في أن المراد بالمحكوم عليها بالندب الصيغة الثانية دون الأولى لأنه قال فيه: الأظهر من مذاهب أصحابنا أن التسليم في الصلاة مسنون و ليس بركن و لا واجب، و استدل على ذلك ب

خبر أبي بصير(1)الآتي «إنما التسليم أن تسلم على النبي (صلى الله عليه و آله) و تقول: السلام علينا و على عباد الله الصالحين، و إذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة»

الحديث. و قال في المبسوط في موضع آخر: إنه إن كبر المأموم قبل الامام لم يصح و وجب قطعها بتسليمة، قال في الذكرى و هو مشكل على مذهبه من ندبية التسليم، و يمكن أن يراد به الوجوب التخييري بينه و بين فعل باقي المنافيات و إن كان التسليم أفضل، قلت: ستعرف أنه ليس مذهبا لأصحابنا، و ليس أولى من أن يريد الصيغة الأولى، و يؤيده زيادة على ذلك أنه روى في التهذيب النصوص (2)الدالة على انحصار الانصراف بالصيغة الأولى من التسليم و لم يذكر تأويلا لشي ء منها، بل قال في شرح قول المفيد: و السلام في الصلاة سنة و ليس بفرض تفسد بتركه الصلاة: يدل على ذلك ما رواه

الحسين بن سعيد عن فضالة عن حسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا نسي الرجل أن يسلم فإذا ولى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته»

إذ الظاهر بقرينة استدلاله أنه فهم الحالية من الواو، بل قد يؤيده أيضا معروفية احتياج الصلاة إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 1.

ج 10، ص: 280

مخرج بين المسلمين فضلا عن الإمامية و أنه عندنا التسليم لا غير للنصوص التي ستسمعها فمن المستبعد جدا رفع اليد عن ذلك كله و الاجتزاء بالصلاة على النبي (ص) خاصة.

نعم يمكن أن يريدوا خصوص الصيغة الثانية المعروفة بالتسليم و إن كان سبب هذا التعارف العامة، لجعلهم الصيغة الأولى من التشهد، و لذا ورد في الطعن عليهم ما ورد لا مطلق التسليم، حتى المفيد المصرح تارة بأن التسليم سنة و ليس بفرض، و أخرى بأن آخر فروض الصلاة الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) لكن قد يريد بقرينة ما سمعته منه في الوتر و غيره المعلوم عدم إرادته الاختصاص فيه و إلا لحكي عنه- و بقرينة ما حكاه عنه في الذكرى أيضا من أنه إذا قال ذلك مشيرا إلى الصيغة الأولى فقد فرغ من صلاته و خرج بهذا السلام، و غير ذلك- الصيغة الثانية من التسليم التي هي المعروفة في النصوص و الفتاوى بهذا الاسم، كمعروفية عد الأولى من التشهد، و قال الراوندي في حل المعقود من الجمل و العقود: «من قال: إن التسليم سنة يقول:

إذا قال: السلام علينا و على عباد الله الصالحين فقد خرج من الصلاة، و لذلك لا يجوز التلفظ به في التشهد الأول، و من قال: إنه فرض قال: إذا لم يكن تلفظ في التشهد الثاني بقول: السلام علينا إلى آخره و لا نحو ذلك فتسليمة واحدة تخرج من الصلاة، و ينبغي أن ينوي بها ذلك» إلى آخره إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة الدالة على إرادة بعض من نسب اليه من قدماء الأصحاب الندب في الجملة لا مطلق التسليم، و لو لا مخافة أن يطول الكلام بذكرها تفصيلا لدللنا على ذلك إلا أن الحر تكفيه الإشارة، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي بعد أن ذكر صيغتي السلام بقوله:

و الجمع أولى و عليه العمل فالأول الواجب و المحلل

و قد يريد النادبون الثاني لجامع فاتحد القولان

ج 10، ص: 281

و كم بدا من قولهم شواهدقضت بأن المعنيين واحد

[وجوب التسليم أو استحبابه]

و لعل منها ما أشكل على الشهيد في الذكرى و الخراساني في الذخيرة من ظهور كلام الشيخين الذين هما الأصل في القول بالندب في توقف الخروج عن الصلاة على التسليم و أنه هو المحلل عندهما كما اعترفا به، و قد ألجأهما الجمع بين ذلك و القول بالندب إلى تجشمات ضعيفة و تعسفات بعيدة لا ريب في أن ما ذكرناه من الجمع بإرادة ندب خصوص الصيغة الثانية إذا جاء بالأولى لا مطلق التسليم حتى الأولى المعدودة من التشهد و لم تسم بالتسليم عندهما و بها يحصل الخروج و التحليل و الانقطاع أولى منها، و ربما تسمع له تتمة عند شرح قول المصنف: «و له عبارتان» و لا ينافيه جعل المفيد الآخر الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) إذ لعله ممن يقول بالوجوب الخارجي، أو لأن لما يحصل به الانقطاع جهتي دخول و خروج، أو لغير ذلك.

فمن الغريب بعد ما عرفت نسبة القول بالندب إلى أجلاء الأصحاب في جامع المقاصد، و الأكثر عن تعليق النافع، و أكثر القدماء في الذكرى، و أكثر المتأخرين في المدارك و غيرها، بل عن غاية المراد أن الأصحاب ضبطوا الواجب و الندب و كلهم جعلوه من قبيل الندب و إن كنا لم نتحققه فيها، مع أنه لم يحك إلا عن ظاهر والد الصدوق و لم نتحققه، بل مقتضى عدم نقل ولده عنه ذلك عدمه، سيما مع ما عن أماليه من نسبة الوجوب إلى دين الإمامية و إن كنا أيضا لم نتحققه، و والده عنده من أعظمهم كما يومي اليه شدة اعتنائه برسالته في الفقيه، و الشيخين و قد عرفت الحال فيهما، و منه اضطرب النقل عن الخلاف و المبسوط في كشف الرموز و المعتبر و غيرهما، فلاحظ، و ابن طاوس و ظاهر المحكي عنه في الذكرى خلافه، و القاضي و ابن إدريس و الفاضل و بعض من تأخر عنه و لم يحضرني كلام الأولين، و ليس النقل كالعيان، و قد عرفت ما حكاه ولد الثالث عنه فضلا عن مذهبه في المنتهى.

ج 10، ص: 282

على أن المتبع الأدلة، و لا ريب في أن مقتضاها الوجوب، أما الكتاب منها فظاهر الآية(1)و إن كان لا يخلو من بحث، و أما العقل فقاعدة الشغل بناء عليها، و استصحاب معنى الإحرامية و الحبس الحاصل من تكبيرة الإحرام التي هي سبب لثبوت حرمة منافيات الصلاة من الكلام و غيره، و استصحاب حكم الصلاة و حكم منافياتها، بل لعل أدلتها نحو

قوله (2): «لا تحدث في الصلاة»

و شبهه دالة عليه بتقريب أنه على تقديري الوجوب و الندب من الصلاة، إذ القول بخروجه ضعيف و حادث يمكن تحصيل الإجماع على خلافه كما ستعرفه، و حينئذ فأصالة الحقيقة في هذه النواهي مستلزمة لوجوب التسليم، إذ على تقدير الندب لا يحرم شي ء منها كما هو واضح، فتأمل، و أما الإجماع فهو إن لم يمكن تحصيله فقد عرفت دعوى المركب منه من المرتضى، و في الغنية لا خلاف في وجوب الخروج من الصلاة، و إذا ثبت ذلك فلا تخيير بلا خلاف بين أصحابنا في الخروج منها بغير التسليم من المنافيات، و كأنه أخذه من المرتضى حيث قال على ما في الذكرى إنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت الدخول فيها، فان لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما قال أبو حنيفة، و أصحابنا لا يجيزون ذلك، فثبت وجوب السلام، و في التنقيح إن لم يجز الخروج من الصلاة إلا بالتسليم فإنه يكون واجبا، لوجوب الخروج من الصلاة إجماعا، و الظاهر إرادة بين المسلمين من نفي الخلاف أولا لأن أبا حنيفة إنما خالف في تعيين السلام للخروج، فخير بينه و بين الحدث و غيره من المنافيات، و إلا فهو قد وافق على وجوب المخرج بمعنى أن الصلاة ليست كباقي الأفعال التي يحصل الخروج منها بمجرد الفراغ من أفعالها، بل هي أشبه شي ء بالإحرام المتوقف


1- 1 سورة الأحزاب- الآية 56.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 5.

ج 10، ص: 283

على المحلل، لكن أبا حنيفة خير، و غيره عين السلام.

و اليه أشار المصنف بقوله و لا يخرج من الصلاة إلا به و لعل الذي ألجأه إلى التخيير المزبور بعد القياس أنه راعى التناسب بين أفراد ما ابتدعه من الصلاة و بين المحلل لها، إذ منها عنده- بعد الوضوء بنبيذ التمر المغصوب منكوسا عكس الكتاب العزيز- الصلاة في الدار المغصوبة على جلد كلب لابسا لجلد كلب و بيده قطعة من لحم كلب و عليه نجاسة ثم يكبر بالفارسية و يقرأ كذلك مدهامتان ثم يطأطئ رأسه حدا يسيرا غير ذاكر(1)و لا مطمئن ثم يهوي إلى السجود من غير رفع ثم يحفر حفيرة لينزل جبهته أو أنفه فيها من غير ذكر و لا طمأنينة و لا رفع بينهما ثم يقعد من غير تشهد، و هذه لا يناسبها إلا التحليل بضرطة قطعا، و حق للآمر بها أن يأمر بهذا المحلل لها.

و كيف كان فقد ظهر أنه متى وجب الخروج من الصلاة وجب التسليم بعد فرض عدم المخرج عندنا غيره، إذ المراد بوجوب الخروج فعل شي ء يترتب عليه الخروج، و إلا لم يكن لهذا الوجوب معنى محصل كما هو واضح بأدنى تأمل، و أما السنة فالفعل منها من النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) مما لا ينبغي إنكاره فضلا عن فعل الصحابة و التابعين و تابعي التابعين و كل من دخل في هذا الدين، و عن غوالي اللئالي في الأحاديث الصحيحة ان النبي (صلى الله عليه و آله) كان يقول التسليم المخرج من الصلاة عقيب كل صلاته و كان يواظب عليه و كذا الأئمة (عليهم السلام) و لقد أجاد في الذكرى بقوله تارة: تواتر النقل (2)عن النبي (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته (عليهم السلام) بقول: السلام عليكم من غير بيان ندبيته مع أنه امتثال للأمر الواجب


1- 1 و في النسخة الأصلية« ثم غير ذاكر».
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 2 و 11 و 15 و المستدرك الباب 1 منها- الحديث 3 و سنن البيهقي ج 2 ص 177 و 178.

ج 10، ص: 284

و أخرى حتى أن قول سلف الأمة: السلام عليكم عقيب الصلاة داخل في ضروريات الدين قلت: لو أغضينا عن دليل التأسي و خصوص

قوله (ص)(1): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

و عن عموم ما دل (2)على وجوب الطاعة و الانقياد، و عن أصالة الوجوب في كل ما يصدر بيانا للواجب مع عدم اقترانه بما يقتضي الندب لأمكن استفادة الوجوب من مجرد الالتزام بذلك على وجه لم يعلم مثله في غيره من المندوبات، خصوصا و لم يرد فيه ما يقتضي عظم الثواب و شدة الترغيب فيه كما ورد في باقي المستحبات التي مع ذلك لم يحافظ عليها الخواص فضلا عن السواد بعض هذه المحافظة، و كيف يسوغ لصاحب الشرع عدم التصريح بالندب و الإعلان به مع علمه بفعل جميع أتباعه له بعنوان الوجوب و خصوصا إذا قلنا بفساد الصلاة مع ذلك، بل يظهر منه من الملازمة عليه و الأمر به ما يغريهم به و يوقعهم بالجهل فيه، حاش لمتدين يتوهم ذلك، بل ليس هذا إلا من التقرير المعلوم حجيته مع قطع النظر عن التأسي بفعله، بل إن لم يكن هذا تقريرا فلا تقرير يمكن أن يستفاد حكم منه، كما أنه إن لم يحصل من هذه السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار من الخواص و السواد و سكوت العلماء عن النكير على اعتقاد الوجوب من الصلاة، مع أنه تدور عليه أحكام عديدة منها أحوال السهو و الشك و فعل المنافيات و غيرها مما لا يمكن حصره و عده لا ينبغي الالتفات بعد إلى سيرة أو إجماع أو ضرورة.

و أما القول فمنه نصوص التحليل، ففي

الكافي مسندا إلى القداح (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم»

و في الفقيه (4)قال أمير المؤمنين (عليه السلام)


1- 1 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.
2- 2 سورة آل عمران- الآية 29.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 8.

ج 10، ص: 285

إلى آخره، و أرسله في الهداية و التهذيب نحو هذا الإرسال المشعر بوصوله اليه بالطريق المعتبر إن لم يكن مقطوعا به، و في المروي عن العلل و العيون بإسناده الذي قيل: إنه لا يقصر عن

الصحيح عن الفضل بن شاذان (1)عن الرضا (عليه السلام) «إنما جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر، لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها، و إنما ابتدأ المخلوقون في الكلام أولا بالتسليم»

و عن

العلل أيضا بسند يمكن أن يكون معتبرا إلى المفضل بن عمر(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة قال: لأنه تحليل الصلاة- إلى أن قال- قلت:

فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: لأنه تحية الملكين، و في إقامة الصلاة بحدودها و ركوعها و سجودها و تسليمها سلامة العبد من النار».

و في

العيون بإسناد معتبر في الجملة عن الفضل بن شاذان (3)عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون «لا يجوز أن تقول في التشهد الأول: السلام علينا و على عباد الله الصالحين، لأن تحليل الصلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت»

و بعينه المروي عن الخصال عن الأعمش (4)عن الصادق (عليه السلام) و في

المروي عن معاني الأخبار بسنده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة فقال: التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة، قلت: و كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره، و كانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم، و إن لم يسلم لم يأمنوه، و إن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم، و ذلك خلق في العرب، فجعل التسليم علامة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التشهد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 13.

ج 10، ص: 286

للخروج من الصلاة، و تحليلا للكلام، و أمنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها، و السلام اسم من أسماء الله عز و جل، و هو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين»

و عن كتاب

المناقب لابن شهرآشوب عن أبي حازم (1)«سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) ما افتتاح الصلاة؟ قال: التكبير، قال: ما تحليلها؟ قال: التسليم»

إلى غير ذلك، بل روي أيضا في أكثر كتب الفروع التي منها ما لا يعمل مصنفها إلا بالقطعيات كالسيد و أبي المكارم، بل رواه الشيخ و غيره ممن قال بالندب، و لذا وصفه بعضهم بالشهرة، بل في المنتهى تلقته الأمة بالقبول و نقله الخاص و العام.

قلت: و هو كذلك، فمن العجيب بعد ذلك كله المناقشة من الأردبيلي و أتباعه في السند بالإرسال و نحوه، و أنه إنما وقع في كتب الأصحاب إلزاما للعامة بما هو من طرقهم على جهة الجدل، إذ هي تشهد على قصور الباع و قلة الاطلاع أو عدم التأمل في كلامهم، على أن هذه النصوص إن لم تكن متواترة أو مقطوعا بها بالقرائن الكثيرة و معتضدة بالعمل و التظافر و نحو ذلك فلا ريب في استفاضتها بحيث تستغني عن ملاحظة السند كما هو واضح و إن أطنب فيه الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح، و أضعف منها المناقشة في المتن بعد أن وجه الاستدلال بها بأن التسليم وقع خبرا عن التحليل، لأن هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر لكونهما معرفين، و حينئذ فيجب كونه مساويا للمبتدإ أو أعم منه، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعم، و لأن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى تساويهما في المصداق لا المفهوم، و لأن تحليلها مصدر مضاف إلى الصلاة فيعم كل تحليل يضاف إليها، و عن المختلف توجيه الحصر بأن تقديم الخبر يدل على حصره في الموضوع، قيل: و كأنه يرى أن إضافة المصدر إلى معموله إضافة غير محضة كإضافة الصفة إلى معمولها، و هو خلاف ما عليه محققوا العربية


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 5.

ج 10، ص: 287

قلت- مع أن تقديم الخبر إنما يدل على حصر الموضوع فيه لا العكس المراد في المقام كما لا يخفى على من لاحظ كلام التفتازاني في أحوال المسند، إذ حاصل المناقشة المزبورة أنا نمنع لزوم كون الخبر مساويا للمبتدإ أو أعم، فإنه يجوز الإخبار بالأعم من وجه كزيد قائم، و بالأخص مطلقا كقولك: حيوان يتحرك كاتب، و منشأ ذلك أن المراد بالاخبار الاستناد في الجملة لا دائما، و منه يعلم أنه لا يجب تساوي المفردين في الصدق و المفهوم، و أيضا نمنع كون إضافة المصدر للعموم، لجواز كونها للجنس أو العهد، على أن التحليل قد يحصل بغير التسليم كالمنافيات و إن لم يكن الإتيان بها جائزا، و حينئذ فلا بد من تأويل التحليل بالذي قدره الشارع، فكما أمكن إرادة التحليل الذي قدره على سبيل الوجوب أمكن إرادة الذي قدره على سبيل الاستحباب، و أيضا الخبر متروك الظاهر، لأن التحليل ليس نفس التسليم، فلا بد من إضمار و لا دليل على ما يقتضي الوجوب، و إرادة اسم الفاعل من المصدر مجاز كالاضمار، فلا يتعين أحدهما، إلى غير ذلك-: و دفعت بأن المشهور المعروف بين النحويين و أهل الميزان منع كون الخبر أخص من المبتدأ و إلا لعرى الكلام عن الفائدة، و لهذا لا يجوز الحيوان إنسان و اللون سواد و في كشف الرموز أن ذلك ثابت عند أهل اللسان إلى آخره، و المشهور أيضا عند النحويين أن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ، و في المنتهى اتفاق النحويين على ذلك و قد تقرر في الأصول أن الإضافة حيث لا عهد تفيد العموم، و لا عهد هنا، و الأصل عدمه، على أن الجنس نافع في المقام كالاستغراق، و إذا تعارض المجاز و الإضمار فالأقوال ثلاثة، و ترجيح المجاز قول جماعة، و ما ذكروه من أن التحليل قد يحصل بالمنافيات يدفعه أن إفساد الصلاة و إبطالها غير التحليل، أما على القول بأنها اسم للصحيحة فظاهر و على الأعم فالفاسدة غير محتاجة إلى تحليل، مع أن المتبادر من الإطلاق الصحيحة، و أيضا معنى التحليل هو الإتيان بما يحلل المنافي لا أنه نفس المنافي، على أن القائلين

ج 10، ص: 288

بالاستحباب يقولون يحصل التحليل بالتشهد، و من المعلوم أن تحصيل الحاصل محال، مع أن مفاد الخبر بقاء التحريم إلى تمام التسليم، و منه يظهر الاستدلال ب ما دل (1)على أن التسليم إذن للمأمومين في الانصراف، ضرورة عدم احتياجه إلى ذلك بعد فرض حصوله بتمام التشهد، فتأمل جيدا، و وجوب الطهارة و تكبيرة الافتتاح يرجحان الوجوب فضلا عن أدلة المسألة، كل ذا مع أنه قد يدعى أن المبتدأ و الخبر إذا كانا معرفتين كان الحمل حمل مواطاة لا حمل متعارف، و بذلك أثبتوا مفهوم الحصر في نحو زيد المنطلق و المنطلق زيد، إلى غير ذلك من القرائن و الشواهد الكثيرة التي أطنبوا بذكرها في هذا المقام خصوصا الأستاذ الأكبر منهم في شرحه على المفاتيح مما نحن في غنية عنه أولا بظهور ما سمعته من النصوص في الحصر أو صراحته، و هو قرينة على غيره، و لو لوحظ خصوص ما ستسمعه إن شاء الله م ما ورد(2)في حصول التحليل بالسلام علينا و حصر الانصراف فيه و اشتراطه بقوله كانت المناقشة معه واهية قطعا زيادة على ذلك، مع أن فيها نفسها دلالة على المطلوب أيضا فضلا عن الشهادة على صحة مضمون هذه النصوص، فلاحظ و تأمل، و ثانيا بأن المستفاد من النصوص و الفتاوى جعل التسليم سببا لتحليل المنافيات التي حرمت بتكبيرة الإحرام، فهو من قبيل أسباب الشرع التوقيفية التي لا يمكن ثبوتها إلا بتوقيف من الشارع، فعدم ثبوت غيره سببا لذلك كاف في حصر التحليل فيه، و ليس المراد من التحليل بسببه مجرد نفس الفراغ من الواجب، و إلا لكان آخر كل واجب تحليلا، بل المراد أنه سبب لفظي يترتب عليه عند الشارع حل المنافيات حتى لو وقع على وجه محرم كما يومي اليه النكير على العامة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.

ج 10، ص: 289

في استعماله في التشهد الأول، و فعل المنافيات ليس من الأسباب التي رتب عليها الشارع الحل، بل هي تقضي ببطلان الصلاة، فيكون كمن لم يصل ممن لا يحرم عليه المنافيات، فحلها حينئذ له ببطلان ما يقتضي التحريم، ضرورة حصر سبب التحريم في الصحيح من الصلاة، بخلاف التسليم الذي رتب عليه الشارع الحل كما يومي اليه لفظ «جعل» و غيره في النصوص السابقة، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و ربما يأتي له تتمة إن شاء الله.

و هو بهذا المعنى يستغني عن إثبات إرادة الوجوب، ضرورة دخول انتفاء الحل بدونه في أصل معناه، و متى حرمت المنافيات ثبت البطلان، لاتحادهما في الدليل، و متى ثبتا معا أو أحدهما كفى في وجوب التسليم، لعدم التزام القائل بالندب بشي ء منهما، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي حيث أومأ إلى بعض ما ذكرناه بعد أن ذكر الخلاف في الوجوب و الندب بقوله:

و الأظهر الوجوب و الدخول و كونه تحليلها دليل

و منه الأوامر المستفيضة حد الاستفاضة به في النصوص (1)الكثيرة المتفرقة في سائر أبواب الصلاة التي يصعب إحصاؤها و حصرها، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في دعواه تواترها، حيث قال بعد البيت السابق:

و هكذا تواتر الأوامرو وصفه في خبر بالآخر

مشيرا به إلى

موثق أبي بصير(2)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف قال: فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته، فان آخر الصلاة التسليم»

و عدم العمل ببعض الخبر أو احتياجه إلى التقييد لا يمنع من حجية الباقي، و ليس آخر الشي ء من الغاية التي وقع النزاع في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 1 و 8 و 10 و غيرها.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 4.

ج 10، ص: 290

دخولها و خروجها، و التعليل مع فرض السؤال قبل التشهد و الأمر بالإتمام و غيره يعين إرادة الآخر من الواجبات، بل جعل التسليم آخر ماهية الصلاة المشعر بأنه لا آخر لها غيره و أنه آخر لها في جميع الأحوال كاف في ظهوره بالوجوب، إذ على فرض الندب تكون آخريته لفرد من أفرادها، و مثله لا يعد آخر الماهية، ضرورة كونه حينئذ كالعارض للشي ء الذي لا يستحق وصفه بأنه آخر الشي ء كما يظهر ذلك في الأمور المحسوسة، و يقرب من ذلك ما ورد من أن افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم، ففي

خبر ابن أسباط(1)عنهم (عليهم السلام) فيما وعظ الله به عيسى (عليه السلام) «أوصيك يا بن مريم البكر البتول بسيد المرسلين- إلى أن قال-: له كل يوم خمس صلوات متواليات ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، و يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم»

و قد قابل به الافتتاح في

معتبر زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) في صلاة الخوف «فصار للأولين التكبير و افتتاح الصلاة، و للآخرين التسليم»

على أنه لو كان التسليم مندوبا ربما وقع التشاح بينهم، بل ربما كان القسمة لا عدل فيها، فالمتجه حينئذ القرعة.

و بالجملة لا ينبغي إنكار تواتر الأوامر بذلك، و لا إنكار ظهور تظافرها في ذلك فضلا عن مقتضى حقيقة الأمر، خصوصا و العادة في المندوبات و إن تكثرت الأوامر في بعضها إلا أنها لا تخلو من قرائن داخلة و خارجة بذكر الثواب و شدة الحث عليه و نحو ذلك مما يفوح منه رائحة الندب كما لا يخفى على الخبير الماهر الممارس، بخلاف المقام فإن القرائن تعضد الوجوب كعطف الأمر به على الأوامر السابقة المعلومة الوجوب و نحوه، مثل قولهم (عليهم السلام)(3)في علاج الشكوك: ابن على كذا و تشهد و سلم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1 و 2 و 4.

ج 10، ص: 291

و صل ركعتين، و مثل حديث المعراج (1)المروي بأعلى الطرق، و مثل الأمر به أيضا(2)في مقام شدة الحاجة إلى الاقتصار على الواجبات كالخوف و نحوه، بل تدل عليه أيضا النصوص (3)الكثيرة جدا المتضمنة للأمر بسجود السهو و قضاء التشهد و السجدة و فعل الاحتياط و نحو ذلك بعد التسليم، بل في بعضها(4)التصريح بأن السجود بعد التسليم لا قبله، كما أن في آخر النهي (5)عن فعل السجدة المنسية قبل التسليم، و

في ثالث (6)«إذا سلمت سجدت»

إلى غير ذلك من المؤكدات، فلاحظ و تأمل، و من الظاهر أن المندوب لا يصلح أن يكون شرطا لواجب، إذ على فرض الترك إما يسقط وجوب الواجب أو اشتراط الشرط، و هما معا مخالفان لظاهر الأدلة، و تأويل الجميع بإرادة ذلك مع فرض اختيار التسليم أو بأنه كناية عن الفراغ و أن ذكره بالخصوص جريا على الغالب ينفيه ملاحظتها و تتبع فتاوى الأصحاب بمضمونها في ذلك المقام حتى من القائل بالندب.

بل قد تتأكد الدلالة أيضا بوجه آخر هو مقتضى إطلاق بعضها(7)و ظهور آخر(8)في اعتبار الشك و جريان حكمه من العلاج و الفساد و غيرهما و إن كان قد وقع بين التشهد و التسليم، فلاحظ، كما أن أخبار العدول (9)من اللاحقة إلى السابقة فيها ظهور أيضا في أن ذلك و إن ذكر بعد التشهد قبل التسليم، و الحاصل أن سبر هذه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة.
3- 3 الوسائل- الباب- 11 و 14 و 26- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السجود- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3 و 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4 و 6.
9- 9 الوسائل- الباب- 63- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 10، ص: 292

الأخبار المتفرقة في سائر الأبواب مع التأمل يظهر منه الدلالة على المطلوب من وجوه متعددة بحيث لا تصلح بعد ذلك للتأويل و ارتكاب التعسفات التي لا ضرورة إليها، و المقصود بما ذكرناه التنبيه في الجملة للأدلة و كيفية الدلالة و تعددها من جهات، و لو أردنا التعرض لكل خبر خبر احتجنا إلى إطناب تام لا يناسب وضع الكتاب.

و قد يدل على المطلوب أيضا بل اعترف الأردبيلي بأنه من أقواها نصوص (1)استئناف الصلاة بزيادة الركعة فما زاد عمدا أو سهوا في غير الصورة المستثناة الشاملة بإطلاقها لما بعد التشهد و قبله، و لعل منه المصلي تماما في السفر عمدا، و لو أن التسليم غير واجب لم يتحقق البطلان، ضرورة حصول الزيادة بعد تمام الواجبات.

و من هنا استدل القائل بالندب بما ستعرفه مما دل (2)على صحة صلاة من زاد ركعة في الرباعية إذا جلس مقدار التشهد، و الجواب عنها بأن القائل بالندب يلتزم بعدم الخروج من الصلاة إلا بنيته أو بالسلام أو فعل المنافي يدفعه أنه رجوع إلى مذهب أبي حنيفة، على أنه لا يقتضي بطلان الصلاة، إذ لا أقل من أن تكون الزيادة من فعل المنافي، و أضعف منه الجواب بأن ذلك مبطل و إن وقع خارج الصلاة، إذ قد يبطلها بعض ما هو كذلك كالعجب و نحوه، فإنه كما ترى، و يقرب منه القول بأنه إنما يخرج بآخر التشهد ما لم يقصد و يفعل ما يدل على العدم، و مرجعه إلى ما قيل من أن نقول بالندب و نلتزم بالبطلان للدليل، و أما الجواب بأن البطلان في مثله للتشريع في النية فيدفعه أولا فرض موضوع الدليل في الأعم من ذلك عمدا و نسيانا، و ثانيا منع اقتضاء مثله البطلان، ضرورة كون الزيادة المشرع بها خارج الصلاة، بل ربما نوقش في أصل حرمته فضلا عن اقتضائه الفساد، اللهم إلا أن يفرض أنه ركب عبادة خماسية مثلا،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1 و 2 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.

ج 10، ص: 293

و جعلها هيئة مبتدعة و نوى التقرب بها لا أنه نوى القربة بالواقع و قارنه اعتقاد أن الواقع ذلك، فإنه قد يحكم بالبطلان معه، لكن موضوع الدليل أعم من ذلك نصا و فتوى، و الله أعلم بحقيقة الحال.

كل ذلك مع قصور ما ذكر دليلا للندب، بل بعضه على المطلوب أدل كما ستعرف، إذ هو الأصل الذي لا يجري في العبادة في وجه، و مقطوع ببعض ما عرفت و

صحيح ابن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ثم تنصرف»

و هو- مع أنه مطلق يحكم عليه ما دل على وجوب التسليم كالصلاتين- ظاهر الجملة الخبرية فيه التكليف بالانصراف المشعر بعدم حصوله بمجرد الفراغ من القول المزبور، و إلا لناسب التعبير بانصرفت، فهو حينئذ إما التسليم أو غيره أو الأعم منهما، و الثاني معلوم البطلان كالثالث الذي ذهب إليه أبو حنيفة، فيتعين الأول، و يكون هو المراد حينئذ من الانصراف، و يؤيده

صحيح الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) «فان قلت: السلام علينا و على عباد الله الصالحين فقد انصرفت»

و

خبر أبي كهمس (3)عنه (عليه السلام) أيضا «عن السلام عليك أيها النبي انصراف هو فقال: لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد الله الصالحين فهو انصراف»

و غيرهما، فدلالتهما على الوجوب حينئذ أولى من الندب، على أن ظاهر الصحيح (4)المزبور السؤال عن تفسير لفظ المرتين الواقع في جوابه (عليه السلام) له عند سؤاله عن التشهد في الصلاة باعتبار إجماله، خصوصا بعد ما روي (5)من الاجتزاء بالشهادة بالتوحيد في الجملة، بل هو


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 10، ص: 294

ظاهر في غير الشهادتين، لانصراف اتحاد المكرر من لفظ المرتين، فأجابه (عليه السلام) ببيان ذلك و لم يكن بصدد التسليم، و إلا لسأله محمد بن مسلم عنه، ضرورة أهميته من السؤال عن التحيات التي فهم عدم وجوبها من عبارة الإمام (عليه السلام) و أولويته من وجوه، خصوصا بعد معروفية انحصار التحليل به، بخلاف صحيح الحلبي و خبر أبي كهمس المزبورين و غيرهما من النصوص كصحيحة أبي بصير و موثقته (1)فإنها مساقة لبيان ما يحصل به الانصراف و يتحقق به الفراغ، مع أنا قد أمرنا برد متشابه نصوصهم (عليهم السلام) إلى محكمها، و بجعل بعضها مفسرا لبعض، فإذا ورد في النصوص المستفيضة المعتبرة المقطوع بها أن التسليم في الجملة هو الذي يحصل به التحليل و الانصراف و الفراغ لا غيره وجب حمل مثل الخبر المزبور على ذلك، لا أقل من أن يكون من انصراف المطلق إلى الفرد الشائع المتعارف.

و من ذلك يعلم الحال في صحيحه الآخر و زرارة و الفضيل المعبر عنه في لسان جماعة ممن ذكره دليلا للندب ب

صحيح الفضلاء(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا فرغ الرجل من الشهادتين فقد مضت صلاته، فان كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم و انصرف أجزأ»

ضرورة إرادة المعظم من مضي الصلاة بقرينة ترك الصلاتين، و إشعار لفظ الاجزاء في أقل الواجب أو المهم من واجباتها و غيرها لا خصوص الواجبات، بل لا يخفى على ذي رؤية من التفريع بالفاء و تعليق الجواب على مثل هذا الشرط إرادة غير التسليم من مضي الصلاة مما يتخيل وجوبه مما تعارف فعله في التشهد من التحيات و الأدعية و غيرهما، فهو حينئذ من أظهر أدلة الوجوب.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8 و الباب 3 منها- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 5.

ج 10، ص: 295

بل و كذا منه يعلم الحال في

صحيح علي بن جعفر(1)المذكور دليلا للندب أيضا «عن الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد فيأخذ الرجل البول أو يتخوف على شي ء يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال: يتشهد هو و ينصرف و يدع الإمام»

ضرورة جريان جميع ما سمعته أولا فيه، مع أن

المروي عن الفقيه الذي هو أضبط من التهذيب قطعا «يسلم و ينصرف و يدع الامام»

كموضع آخر من التهذيب، و لعله الحق لموافقته حينئذ ل صحيحي زرارة(2)و الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام) المسؤول فيهما عن مثل ذلك، على أن السائل فرض تطويل الإمام في التشهد، فالظاهر تحققه منه في الجملة، فلا يناسب الأمر به حينئذ.

و أضعف من ذلك كله الاستدلال ب

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(4): «إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم فصل ركعتين و اجعله أمامك، و اقرأ فيهما قل هو الله أحد و في الثانية قل يا أيها الكافرون، ثم تشهد و احمد الله و أثن عليه و صل على النبي (صلى الله عليه و آله) و اسأله أن يتقبل منك»

متمما بعدم القول بالفصل، ضرورة كون ترك ذكر التسليم فيه لمعلوميته، أو لاندراجه أو خصوص الصيغة الأولى منه في التشهد المأمور به، لا لأنه مستحب، و إلا فالرواية قد اشتملت على كثير من المندوبات التي هي أهون من التسليم الذي تظافرت الأفعال و الأقوال به في الفرائض و النوافل، و نحو ذلك

خبر زرارة(5)المذكور دليلا آخر للندب في الشك بين الاثنين و الأربع «انه يصلي ركعتين و يتشهد و لا شي ء عليه»

مع أنه جار على


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الطواف- الحديث 3 من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 296

مذهب العامة من البناء على الأقل، فلعله ترك فيه التسليم لذلك أيضا، و لو أغضي عن ذلك كله فأقصاهما عدم الذكر الذي لا ينافي تلك الأدلة، فلا يدلان حينئذ على الندب

كموثق يونس بن يعقوب (1)الذي قال فيه لأبي الحسن (عليه السلام): «صليت بقوم فقعدت للتشهد ثم قمت فنسيت أن أسلم عليهم فقال (عليه السلام): أ لم تسلم و أنت جالس؟ قال: بلى قال: لا بأس عليك»

ضرورة ظهوره في كون الفرض أنه بعد أن أتم صلاته سلم و لم يلتفت إلى القوم بوجهه، و لذا قال له:

«أ لم تسلم و أنت جالس»

يعنى أ لم تأت بالصيغة الواجبة، بل في سؤاله و استفهام الامام (عليه السلام) إشعار بمعلومية دخول التسليم في التشهد، و لعل المراد حينئذ الصيغة الأولى لأنها هي المعروفة بذلك كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.

و أما الاستدلال بأنه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه و بين التشهد، و اللازم باطل فالملزوم مثله، أما الملازمة فإجماعية، و أما بطلان اللازم فل

صحيح زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) «سأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم قال: تمت صلاته، و إن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلم في نفسه و قام فقد تمت صلاته»

و

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (3): «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، و إن كنت قد تشهدت فلا تعد» و

موثق غالب بن عثمان (4)سأله «عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته و يتشهد ثم ينام قبل أن يسلم قال: تمت صلاته، و إن كان رعافا فاغسله ثم ارجع فسلم»

و

صحيح زرارة(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يحدث بعد أن


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 10، ص: 297

يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد قال: «ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد و إن شاء ففي بيته و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم سلم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته»

و

خبر ابن الجهم (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «عن رجل صلى الظهر و العصر فأحدث حين جلس في الرابعة فقال: إن كان قال:

أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلا يعد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد».

فالجواب عنه- بعد الإغضاء عما في سند الأول منها و الأخير، و عن دلالة ذيل بعضها على الوجوب، و عن مخالفة ظاهر بعضها الإجماع، و عن موافقتها لأبي حنيفة في الخروج بالحدث و عدم قدحه في الصلاة مع التخلل كالنصوص (2)الكثيرة الدالة على تمام الصلاة و مضيها مع الحدث قبل التشهد المحمولة على التقية أو غيرها من التأويلات الآتية في محلها، لمعارضتها بالأرجح منها، و عن ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) في بعضها المسلم عند الخصم وجوبها، فيجزي حينئذ بعض ما سمعته في النصوص السابقة- إما بأنها لا تدل على الندب بإحدى الدلالات الثلاث، ضرورة أعمية تمام الصلاة و مضيها و عدم إعادتها من الندب، إذ احتمال كونه واجبا خارجيا لا تبطل الصلاة بتخلل المنافي بينه و بين التشهد فضلا عن وجود القائل به و أنه اختاره غير واحد من متأخري المتأخرين كاف في سقوط دلالتها على ذلك، بل مجرد احتمال عدم ابتناء ذلك فيها على الندب و إن كنا لم نعينه ماذا كاف أيضا، فنفيه: أي احتمال الخروج بالإجماع المتبين خلافه خصوصا بعد قول المرتضى: إني لم أر نصا لأصحابنا على الجزئية لا يفيدها دلالة على الندب، لما عرفت من عدم انحصار الإرادة فيها بذلك و الندب، كي يكون نفي الأول معينا للثاني


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد.

ج 10، ص: 298

بل يشبه ذلك في أمثال الدلالات السبر و التقسيم عند العامة، فتأمل، فالمتجه حينئذ على القول بالوجوب و الدخول و البطلان بالتخلل طرحها أو تأويلها بما لا ينافي ذلك كما صنع في النصوص (1)الدالة على الصحة و تمامية الصلاة مع الحدث قبل التشهد لا أنها تكون دالة على الندب، و كيف و المتجه في الجمع بين النصوص أن يؤلفها الفقيه بمنزلة الكلام الواحد، فان انساق إلى الذهن من اجتماعها معنى عرفي أخذ به كما في الجمع بين العام و الخاص و المطلق و المقيد و غيرهما من الجموع التي ينتقل إليها من تأليف الكلام، لا أن مجرد الاحتمال يكون دلالة بعد معلومية بطلان قاعدة إطلاق أولوية الجمع من الطرح، و لا ريب في عدم الانتقال إلى الندب من قولنا: التسليم واجب، و آخر الصلاة، و يبطل الصلاة كل حدث يتخلل بينها، و لو تخلل حدث بين التشهد و التسليم لا يبطل و قد تمت الصلاة، بل تحصل المعارضة بين الآخرية و عدمها، أو البطلان بالتخلل و عدمه، كما هو واضح بأدنى تأمل، و تتميم الدلالة ببعض الإجماعات المدعاة في المقام المعلومة الانتفاء، أو إرادة غير الحجة منها كما وقع من بعض المتفقهة كما ترى، و يشبه السبر و التقسيم عند العامة.

و إما بأن المراد بالتشهد فيها ما يشمل الصيغة الأولى المتعارف بين الخاصة و العامة فعلها في التشهد الأخير، و أنها داخلة في اسم التشهد أو توابعه كتعارف اختصاص اسم التسليم بالثانية، و لذا تكثرت النصوص (2)ببيان تسبيبها للانصراف و التحليل، قال في الذكرى: «إن الشيخ في جميع كتبه جعل التسليم الذي هو خبر التحليل هو السلام عليكم، و أن السلام علينا قاطع للصلاة و ليس تسليما» و قال فيها أيضا و المدارك: ما حاصله المعروف بين الخاصة و العامة كون الصيغة الثانية من التسليم، يعلم ذلك من تتبع الأحاديث


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 1 و 8 و 10.

ج 10، ص: 299

و التصانيف حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة ثم يقال و يسلم، قلت: و يؤيده تصفح النصوص و كتب الأساطين من قدماء الأصحاب المشرف للفقيه على القطع باندراج الصيغة الأولى في التشهد، و اختصاص اسم التسليم بالصيغة الثانية، فينصرف حينئذ إطلاق هذه النصوص إلى ما تعارف فعله في التشهد الذي يطال فيه عادة، كما يومي اليه الأمر بالتورك (1)و نحوه معللا له بالصبر للتشهد و الدعاء، و النصوص (2)السابقة في الرجل خلف الامام فيطيل التشهد و غيرها مما يظهر منه تعارف ذلك في الأزمنة السابقة بل في زماننا هذا أيضا بالنظر إلى التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) و الصيغة الأولى، و يزيده تأييدا ما سمعته من موثق يونس (3)المتقدم سابقا، بل النصوص (4)الدالة على حصول الانصراف بالصيغة الأولى أيضا، فإنها ظاهرة في المفروغية من إتيان المكلف بها، فحينئذ يراد بالتسليم فيها الصيغة الثانية، و يتجه حينئذ الحكم فيها بتمامية الصلاة و مضيها و عدم إعادتها لما ستعرفه من انقطاع الصلاة بالصيغة الأولى عندنا، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله مشيرا إلى ما ذكرنا:

و اسم السلام في الأخير أشيع و غيره تشهد أو تبع

فما نفي البطلان بالمنافي من بعده فذاك لا ينافي

بل الظاهر إرادة ما ذكرنا أيضا في جميع النصوص السابقة حتى صحيح زرارة(5)و خبر ابن الجهم (6)المذكور فيهما لفظ الشهادتين المراد منهما الكاملتان مع توابعهما:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 2 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.

ج 10، ص: 300

أي التشهد، و لذا لم يذكر الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) فيهما، و علق الحكم قبلهما أو بعدهما على التشهد.

و إما بأن المراد منها صورة النسيان خاصة، ضرورة استبعاد العمد إلى ذلك بناء على عدم بطلان الصلاة مع نسيانه كما في المسالك في أحكام الخلل و إن لم يذكره إلا بعد تخلل ما يبطل الصلاة عمدا و سهوا تمسكا بهذه النصوص، و بالقاعدة المعلومة عندهم من أن نسيان غير الركن لا يبطل الصلاة مع الشك في شمول ما دل (1)على إبطال الحدث المتخلل لمثل ذلك، و دعوى أن البطلان هنا ليس لنسيانه بل لصدق الحدث في الأثناء حال عدم فعله لانحصار التحليل فيه يدفعها استبعاد ملاحظة الشارع هذه الحيثيات، ضرورة أنه بعد كون البطلان من لوازم تركه لا يناسب إطلاقه اغتفار السهو فيه، و تخصيص الإعادة بغيره من الأركان نحو

قوله (ع)(2): «لا تعاد الصلاة»

و نحوه، إذ لا ريب في صدق الإعادة و لو بالتسبيب، على أنه يمكن بملاحظة هذه النصوص دعوى حصول التحليل و الفراغ و الانصراف بغيره في هذا الحال، كما أنه فارقته صفة التحليل لو زيد سهوا في الصلاة، و هو مناف لمقتضى حصره في التحليل، كما أن الأول مناف لحصر التحليل فيه، بل قد يقال بعدم صدق الحدث في الأثناء، ضرورة تمامية الصلاة السهوية، لأن الفرض سقوط اعتباره حال السهو، فيكون حينئذ كالقراءة المنسية التي ورد التعبير بتمام الصلاة أيضا مع نسيانها، و لا ينافي ذلك التفصيل بين الحدث قبل التشهد و عدمه في بعض تلك النصوص (3)إذ قد يفرق بينهما باشتراط بقاء الطهارة في قضاء التشهد المنسي لمعاملته معاملة الجزء الصلاتي، نعم يتجه ذلك لو لم نقل به و قلنا بكونه عبادة مستقلة، فيختص الجواب المزبور حينئذ ب صحيح زرارة(4)و نحوه، و من الغريب


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التشهد- الحديث 1.

ج 10، ص: 301

ما في المدارك من الاستدلال بهذه النصوص هنا و في أحكام الخلل على عدم البطلان بنسيان التسليم على القول بوجوبه، فلاحظ و تأمل، و لو أغضينا عن ذلك كله كان الترجيح لأدلة الوجوب قطعا من وجوه متعددة، خصوصا بعد معروفية خبر التحليل منها الذي هو من السنة النبوية المعلومة التي قد أمرنا بنقد الأدلة بالعرض عليها كالكتاب العزيز.

و من العجيب الاستدلال أيضا ب

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «في رجل صلى خمسا قال: إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته»

الذي يجب على الخصم تأويله أيضا، لنسيان التشهد المعلوم وجوبه عنده، فما كان جوابه عنه فهو جوابنا عن التسليم، مع أن المتجه بناء على دلالته على الندب من حيث قيام الجلوس مقام التشهد و ترك التسليم فيه لندبيته، فلا يقدح حينئذ الزيادة قبله لتحقق الخروج عدم الفرق في ذلك بين الخامسة و ما زاد عليه و لا بين الثلاثية و الثنائية و الرباعية و ظاهرهم اختصاص الحكم بالأخير، بل كان المتجه أيضا عدم التدارك لو ذكر قبل الركوع و الذي ينقدح في البال أن المراد بالجلوس قدر التشهد الكناية عن نفس التشهد لا الجلوس خاصة، و له قرائن تدل على هذا الاستعمال، فيجري فيه حينئذ إرادة ما يشمل التسليم هنا منه أو خصوص الصيغة الأولى، و لو قيل بكون المراد به الاحتيال في تحصيل التذكر للحال السابق كما يومي اليه ما ورد(2)في غيره أنه «كيف يستيقن» كان ممكنا و غير مناف للمطلوب أيضا، إلى غير ذلك من الأدلة التي هي في غاية الضعف، أو يعلم جوابها مما ذكرنا، و الله أعلم بحقيقة الحال.

و الظاهر الجزئية مع ذلك وفاقا لظاهر جماعة و صريح آخرين، بل عن الناصريات «أن كل من قال: إن التكبير من الصلاة قال: التسليم واجب و إنه من الصلاة» و في


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 5.

ج 10، ص: 302

التنقيح «ان القائل قائلان، إنه إما واجب فهو جزء من الصلاة، و لهذا حصروا الواجبات في ثمانية، أو غير واجب فيكون واحدا من مندوباتها، فالقول بكونه واجبا غير جزء خرق الإجماع» و في المدارك و غيرها الإجماع على بطلان الصلاة بتخلل المنافي بينه و بين التشهد على تقدير الوجوب و إن كان التعويل على هذه الإجماعات لا يخلو من نظر، إذ مع الإغضاء عن كيفية تحصيلها خصوصا بعد اعتراف المرتضى منهم بعدم نص للأصحاب فيه ليس المراد منها إلا مجرد اتفاق القائلين بالوجوب، و معلوم أنه غير الإجماع الكاشف كالإجماع المركب المزبور المقطوع بعدم كونه من الحجة عند حاكيه فضلا عنا، ضرورة عدم إرادة القطع بكون المعصوم غير خارج عن أحد القولين كما هو واضح، إلا أنه يمكن القول باعتبارها في المقام و إن لم تكن من الحجة بناء على حصول الظن منها بالجزئية لمسمى اللفظ الموضوع للمركب من أجزاء مخصوصة على القول به و على كفاية مثل هذا الظن فيه و إن كان شرعيا، لعدم الفرق بين اللغوي و الشرعي في ذلك و إن كان لا يخلو من نظر أو منع، للفرق الواضح بين الموضوع الشرعي و غيره، و كيف كان فنحن بحمد الله في غنية عن ذلك بظاهر المروي في النصوص من الأقوال و الأفعال المساقة لبيان الصلاة- خصوصا صحيح حماد(1)و خبر المعراج (2)و غيرهما، بل انسياق أنه من الصلاة من ملاحظة جميع النصوص المتفرقة في سائر الأبواب المذكور فيها التسليم كالضروري لكل ناظر غافلا عن القول بالخروج من بعض المتفقهة، بل يكفي استمرار الفعل من زمن الشارع إلى يومنا هذا بعنوان أنه من الصلاة، و لم يخطر ببال أحد من المتشرعة خروجه عند إطلاق لفظ الصلاة في جميع الاستعمالات- و ببعض ما تقدم سابقا في أدلة الوجوب من تحقق البطلان نصا و فتوى بزيادة الركعة مثلا الشامل لما بعد التشهد قبل التسليم، ضرورة أنه على تقدير الخروج لم تتحقق الزيادة في الصلاة، بل الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.

ج 10، ص: 303

الصحة و إن أفسده بإخلال في كيفيته فضلا عن إفساده بالأمور الخارجية، إذ احتمال شرطيته مع خروجه بعيد جدا، فتأمل، و بنصوص التحليل (1)الظاهرة عند التأمل الجيد و لو بملاحظة التحريم في أن المقصود منها بيان وصف التحريمية في التكبير الذي هو أول الصلاة و التحليلية في التسليم الذي هو آخرها المؤمي إلى معروفية افتتاحها بالتكبير و اختتامها بالتسليم من الأفعال و الأقوال، ك خبر ابن أسباط(2)المصرح فيه باللفظ المزبور فضلا عن غيره المتضمن للمعنى خاصة، و لما أريد بيان معنى آخر فيها هو التحريمية و التحليلية قيل: تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، فكان اللام فيه للعهد مفيدة ما يفيده الضمير لو قيل تحريمها تكبيرها و تحليلها تسليمها، فتأمل جيدا فان فهمه محتاج إلى لطف قريحة، على أنه لا ريب في ظهورها فيما ينافي القول بالخروج من بقاء حرمة المنافيات دون إبطالها، و انه بها يحصل التحليل أيضا و إن عصى لو فعلها باختياره، ضرورة كون المفهوم منها بقاء المنافيات حرمة و إبطالا إلى حصول المحلل بمعنى أن التكبير فيها سبب لثبوت جميع ما ورد النهي عنه في الصلاة إلى أن يحصل المحلل، فلو فرض خروج المحلل عنها لم يتحقق مصداق لا تحدث في الصلاة مثلا فيما قبل التسليم، ضرورة الفراغ من الصلاة، إذ الفرض أن ما بقي شي ء خارج عنها، و دعوى إرادة حكم الصلاة مجاز في مجاز لا دليل عليه، مع أنه مقتض للحرمة و البطلان معا أيضا، هذا.

و لكن قد يقال من جانب القائلين بالخروج و هو أقصى ما يتخيل لهم: إنه يمكن الاكتفاء في صدق وصف الصلاة بما بقي من الكون الذي وقع فيه أقوال التشهد، إذ هو و إن طال شي ء واحد، و لا يقتضي ذلك دخول التسليم، إذ لا ملازمة بين وقوعه في حال من أحوال الصلاة و كونه منها، فإنه قد يقع فيها ما ليس منها، بل يمكن دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 1 و 8 و 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 2.

ج 10، ص: 304

عدم تصور دخوله فيها بناء على أن صفة التحليل فيه للمنافاة الثابتة فيه، و كشف الحال أنه قد ثبت منافاة التسليم للصلاة إما لكونه كلام آدميين أو لغيره مما لا يتصور بعد ذلك دخوله فيها، ضرورة اعتبار عدم المنافيات فيها لا وجودها، و لما ورد أنه تحليل الصلاة و أنه به تنقطع لم يكن منافاة بينه و بين ما ثبت أولا، إذ حاصله بقاء صفة المنافاة التي كانت ثابتة للتسليم لو أوقعه في أثنائها و إن أذن الشارع بفعله في الآخر، و منع سريان فساده إلى تمام أجزاء المركب الذي هو كان مقتضى الضابطة في كل مناف عرض لحال من أحوال الصلاة، سواء قلنا بالكشف لاشتراط صحة ما مضى من أجزاء المركب بصحة الباقي، فالفساد في المتأخر يكشف عن عدمها في الأول، أو لم نقل بذلك، إلا أنه على كل حال بطلان جزء من الصلاة بمناف من منافياتها يقضي ببطلان الجميع، لاشتراط التركيب فيها، و لكن لما جعل الشارع تحليلها التسليم الذي قد عرفت أنه أحد المنافيات للصلاة لم يرفع صفة أصل المنافاة عنه كي يحتمل دخوله في الصلاة، بل منع سريان الابطال الذي حصل به إلى ما مضى من الأجزاء، و إلا فهو باق على صفة المنافاة، و أن التحليل به لذلك كما يومي اليه في الجملة

المروي في العيون و عن العلل بسند معتبر عن الفضل بن شاذان (1)عن الرضا (عليه السلام) «إنما جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم كلام المخلوقين و التوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها، و إنما ابتدأ المخلوقون في الكلام أولا بالتسليم».

فظهر حينئذ أن جهة التحليل في التسليم لبقاء صفة المنافاة فيه التي تمنع دخوله في الصلاة و صيرورته جزءا منها، و يكفي في ثبوته بها أنه به ينقطع الكون للصلاة، و لولاه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 10.

ج 10، ص: 305

لبقي مستمرا، بل لعل في

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1): «إذا قلت ذلك- مشيرا إلى الصيغة الأولى من التسليم- فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم»

الحديث إشعارا بذلك، ضرورة توقف صدق الانقطاع على صدق وصف الصلاة لو لا القاطع، و من هنا أطلق على ما عدا التسليم من أفعال الصلاة وصف التمام في غير واحد من النصوص المتقدم بعضها سابقا في أدلة الندب، و منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور(2)فيمن نسي التشهد الأول: «فليتم صلاته ثم يسلم»

و

صحيح سليمان بن خالد(3)«و إن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم»

بل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحلبي(4): «كلما ذكرت الله به و النبي (صلى الله عليه و آله) فهو من الصلاة، فإذا قلت: السلام علينا و على عباد الله الصالحين فقد انصرفت»

كالصريح في انقطاع الأجزاء حتى المندوبة بذلك، و أنه لا يكون بعد ذلك شي ء من الصلاة، بل على ما ذكرنا بنى أبو حنيفة تعميمه التحليل بكل مناف للصلاة، لقوله بحجية العلة المستنبطة، فقاس باقي المنافيات على التسليم الذي قد عرفت أن تحليله لما فيه من صفة المنافاة مؤيدا ب ما وقع من أبي بكر من نهي خالد عن قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) في القصة المشهورة في طرقهم (5)و لما كان القول بالقياس باطلا عندنا و فعل أبي بكر غير حجة بل هو دليل الخلاف وجب الاقتصار على خصوص التسليم من بين المنافيات، و لا يقدح في اعتبار صفة المنافاة فيه حال التحليل به الأمر به لقطع الصلاة و إبطالها، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التشهد- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1.
5- 5 البحار- ج 8 الباب- 4- ص 59 و الباب 11 ص 94 و الباب 20 ص 234.

ج 10، ص: 306

فظهر حينئذ من ذلك كله خروج التسليم عن الصلاة، و أنه ليس بجزء، و يؤيده أيضا النصوص (1)التي تسمعها إن شاء الله الدالة على انقطاع الصلاة و الفراغ منها بقول السلام علينا و إن وجب بعد ذلك الصيغة الثانية المعروفة باسم التسليم، و التي أمر بها في موثق أبي بصير(2)و غيره بعد هذه الصيغة، و كذا النصوص (3)التي أشرنا إليها في أدلة الندب التي لا يتم المراد منها بناء على بطلان الندب إلا على الوجوب الخارجي الذي لا يؤثر فعل المنافيات قبله بطلان الصلاة، لحصول الفراغ من الصلاة و عدم بقاء جزء منها، و هو أي الوجوب الخارجي الذي ذهب إليه أبو حنيفة، بل في كشف اللثام أنه إليه يميل كلام البشرى، قال: لا مانع أن يكون الخروج بالسلام علينا و على عباد الله الصالحين و إن يجب السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

للحديث الذي رواه ابن أذينة(4)عن الصادق (عليه السلام) في وصف صلاة النبي (صلى الله عليه و آله) في السماء «انه لما صلى أمر أن يقول للملائكة: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته»

إلا أن يقال هذا في الإمام دون المأموم، قلت: بل هو لازم لكل من يقول بالتحليل بالصيغة الأولى و أنها مخرجة إذا فرض فعل المصلي لها، إذ لا يتصور جزئية ما بعدها من الصلاة على وجه الوجوب.

و من هنا يحصل في موضوع البحث إجمال في الجملة، إذ لم يعلم المراد بالموضوع فيه هل هو كلي التسليم أو خصوص الثانية منه أو غيرهما، و الأولى إناطته بالمحلل من التسليم و إن كان مستحبا أو أحد فردي الواجب التخييري على ما ستعرفه إن شاء الله


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 2 و 9 و 11 و 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.

ج 10، ص: 307

و التحقيق أنه إن جمع بين الصيغتين مقدما للصيغة الأولى و قلنا بوجوبها تخييرا كان آخر الأجزاء الواجبة الصيغة الأولى، و أما الثانية فيحتمل وجوبها خارجا و استحبابها داخلا أو خارجا، و الأوسط أوسطها كما ستعرفه إن شاء الله، و إن اختار الصيغة الثانية كانت آخر الأجزاء الواجبة و المندوبة إلا تكرارها في بعض الأحوال، فإنه قد يكون من الأجزاء المندوبة في وجه قوي، خلافا للمصنف و غيره فجعلوا من المستحب الصيغة الأولى بعدها، و هو لا يخلو من وجه تسمعه إن شاء الله، كل ذلك لما ذكرناه أولا و ما تسمعه إن شاء الله، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في موثق أبي بصير(1): «فان آخر الصلاة التسليم»

و ما في

خبر العيون (2)«عن معنى التسليم في الصلاة»

و

في آخر(3)«وجب التسليم في الصلاة»

و

العلل (4)«و في إقامة الصلاة بحدودها و ركوعها و سجودها و تسليمها»

و في

صحيح زرارة(5)«فسلم في نفسه فقد تمت صلاته»

و في

موثق أبي بصير(6)أيضا «إذا ولى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا فقد فرغ من صلاته»

و نحوه غيره مما هو ظاهر في أن ذلك تمام الصلاة لكن في الصيغة الأولى، و يمكن دعوى القطع فيها باعتبار معروفية أنها من التشهد الذي لا إشكال في أنه من الصلاة، كالتسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) و الملائكة كما يكشف عن ذلك نحو خبر أبي بصير(7)المشتمل على التشهد الطويل، إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة و الصريحة و المشعرة المتفرقة في أبواب الصلاة كالسهو و صلاة الجماعة و الخوف و غيرها،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 13 لكن رواه عن معاني الأخبار.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2.

ج 10، ص: 308

خصوصا ما دل (1)منها على القسمة بين المأمومين بأن للأولين التكبير افتتاح الصلاة، و للآخرين التسليم، بل بقاء الائتمام معه أعظم شاهد على جزئيته، لعدم مشروعية الجماعة في غير الصلاة، إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقابلها النصوص (2)المشعرة بالخروج بوجه من الوجوه، خصوصا بعد موافقتها للتقية، و خصوصا بعد ظهور كلمات الأصحاب في الجزئية بين القائلين بالوجوب و الندب حتى سمعت دعوى الإجماع عليه من التنقيح.

و ظني أن القول بالخروج في مطلق التحليل بالتسليم مما حدث في هذه الأعصار و إن حكاه المقداد في التنقيح عن قواعد الشهيد رادا عليه بوجوه متعددة، منها خرق الإجماع، لكن لا صراحة في كلامه باختياره، بل ذكره احتمالا في رد بعض النصوص المستدل بها على الندب كما ذكرناه نحن هناك لبيان نفي الدلالة على الندب التي يكفي في نفيها مجرد وجود الاحتمال و إن لم نعينه ماذا كما هو واضح بعد التأمل و إن اختاره بعض متأخري المتأخرين من المتفقهة، و لا ريب في ضعفه و سقوطه، نعم هو متجه لا محيص عنه في الصيغة الثانية بناء على وجوبها لو جاء بالصيغة الأولى و قلنا بحصول التحليل بها، و أما النصوص المدعى ظهورها في الخروج أو إشعارها فقد عرفت الجواب عنها في أدلة الندب بما ينفي هذا الظهور مفصلا، و ستعرف زيادة على ذلك، و خبر الحلبي (3)محمول على إرادة انقطاع الأجزاء غير التسليم من الذكر و الدعاء و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و نحو ذلك، بل قد عرفت سابقا أيضا ما يعرف منه الجواب أيضا عما ذكرناه أخيرا من جانب القائل بالخروج، ضرورة ظهور النصوص كما سمعته فيما تقدم في أدلة الوجوب في أن الشارع قد جعل التسليم من الأسباب المحللة للمنافيات لا أن تحليله لما فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1.

ج 10، ص: 309

من صفة المنافاة و إن أومأت إليه بعض النصوص (1)لكنها في مساق بيان حكم و أسرار لا تدور عليها تكاليف شرعية كما لا يخفى على من لاحظها، على أنه لو سلم فقد يمنع عدم إمكان تصوره جزءا من الصلاة، إذ لا مانع من أن تكون اسما لهذه الأفعال المعتبر فيها عدم تخلل المنافي فيها في الأثناء خاصة، و فعله في آخرها كدخول ما به الإحرام و الحل في اسم الحج و العمرة، فتأمل جيدا.

و لو أغضينا عن ذلك كله كان مقتضى التقرير المزبور البطلان و الحرمة قبل التسليم، لا خصوص الحرمة كما يدعيه القائل بالوجوب الخارجي كصاحب الحدائق و غيره، ضرورة صدق لا تحدث في الصلاة مثلا المقتضي لهما معا و لو من حيث الطول في الكون المخصوص للتشهد، بل لا دليل تختص به الحرمة دون البطلان، و من الغريب دعوى أنه يحصل التحليل بباقي المنافيات كما يحصل به و إن كان محرما، و يكون بين هذا و بين ما قاله أبو حنيفة الإثم و عدمه، إذ فيه أنه مناف لمقتضى حصر التحليل في التسليم بل لو لم يكن حصرا كانت التحليلية بغيره محتاجة إلى دليل شرعي مستقل، لما عرفت أنها من الأمور التوقيفية كباقي الأسباب الشرعية و مسبباتها، و الاكتفاء عن ذلك بما دل على إبطال الصلاة بالحدث يقتضي البطلان حينئذ لا الحرمة خاصة، على أن الإبطال غير التحليل كما هو واضح بأدنى تأمل، نعم لما كانت نتيجتهما متحدة باعتبار ترتب جواز تناول المنافيات على فعل كل منهما ربما خفي على البعض فعمم المحلل لكل منهما و إن كان غير التسليم منه محرما، بل هو في غير موضعه الخاص أيضا كذلك بناء على حرمة قطع الصلاة، و فيه ما لا يخفى، و لعله لمكان الاتحاد في النتيجة، و اتصاف التسليم بالمنافاة من حيث كونه كلام آدميين أو غيره لا من حيث تسبيبه التحليل صح إطلاق التمام على ما عدا التسليم من الصلاة لما فيه من تلك الصفة المعتبر عدم موصوفها في الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 10.

ج 10، ص: 310

لا لأنه ليس جزءا حقيقة، و به ظهر حينئذ الجواب عن بعض النصوص السابقة، كما أنه ظهر مما ذكرنا في تحرير موضوع البحث في الأثناء الجواب عن النصوص (1)الأخر الدالة على الفراغ من الصلاة بالصيغة الأولى المقتضية خروج الصيغة الثانية التي هي المسماة بالتسليم، إذ قد عرفت أن ذلك لا محيص عنه بعد فرض تسليم حصول التحليل بالصيغة الأولى و وجوب الصيغة الثانية مع ذلك، إذ لا جهة له إلا القول بالوجوب الخارجي، لكن لا نلتزم حرمة فعل المنافيات الصلاتية قبلها، لعدم الدليل، و به صرح شيخنا في كشفه، اللهم إلا أن يدعى أن المنساق إلى الذهن من الأمر بها و لو بعد الصيغة الأولى و من الأمر بالاستقبال أيضا حالها بقاء المصلي على حاله السابق جامعا للشرائط فاقدا للموانع، و فيه صعوبة كما ستعرف تمام البحث فيه إن شاء الله في محله.

[في بيان ما يقع به التسليم]
اشاره

و كيف كان ف له أي التسليم نصا و فتوى عبارتان لا غير إحداهما أن يقول: السلام علينا و على عباد الله الصالحين، و الأخرى أن يقول: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و ليس المراد مطلق مسمى التسليم قطعا بل ضرورة، نعم في المحكي عن الرائع للراوندي- و قد رام الجمع الذي ذكرناه نحن سابقا بين قولي الوجوب و الندب في خصوص المذكور في المتن لا الصيغة الثالثة- قال: «إذا قال: السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته و نحو ذلك، فالتسليم الذي يخرج به من الصلاة حينئذ مسنون و قام هذا التسليم المندوب مقام قول المصلي إذا خرج من صلاته: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، و إن لم يكن ذكر ذلك في التشهد يكون التسليم فرضا» و قد سمعت كلامه في حل المعقود من الجمل و العقود في أول البحث، و خلاصته في الكتابين أو الفرض هو السلام عليكم و لكن ينوب منابه التسليم المندوب، كما أن صوم يوم الشك ندبا يسقط به الفرض، و في الذكرى «أن أقل المجزي في الفريضة التسليم و قول: السلام عليك أيها


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.

ج 10، ص: 311

النبي و رحمة الله و بركاته».

و قد يشهد له مضافا إلى إطلاق أدلة التسليم و خصوص المشتملة عليه و لو في ضمن غيره من المندوبات ما عن

العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم (1)«أقل ما يجزي من السلام السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير أو صحيحه (2): «إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي (صلى الله عليه و آله) و تقول: السلام علينا و على عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم»

و في

خبر أبي بكر الحضرمي (3)عن الصادق (عليه السلام) قال له: «إني أصلي بقوم فقال: تسلم واحدة و لا تلتفت قل: السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته، السلام عليكم»

و عن كنز العرفان عن بعض مشايخه الاستدلال على وجوب التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) بالآية الشريفة(4)حيث دلت على وجوب التسليم عليه و لا شي ء منه بواجب في غير الصلاة، و قال: إنه الذي يقوى في ظني، ثم حكى عن العلامة الإجماع على استحبابه ثم منعه، و جمع الصدوق في الفقيه و عن المقنع بين الصيغتين مع تسليمات على النبي و الأنبياء و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) من غير تصريح بوجوب شي ء، لكن و مع ذلك كله لا يخفى عليك ضعف القول بالوجوب الذي قال في كشف اللثام بعد أن حكاه عن البعض: لم يوافقه عليه أحد، و في الذكرى «أنه لا يعد من المذهب» و عن البيان أنه مسبوق بالإجماع ملحوق به و محجوج بالروايات المصرحة بندبه لما عرفت فيما تقدم من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات على عدم وجوب غير


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 9.
4- 4 سورة الأحزاب- الآية 56.

ج 10، ص: 312

الشهادتين و الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) و التسليم المعلوم نصا و انسياقا تحققه بدون التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله)، و الآية بعد تسليم إرادة غير الانقياد من التسليم فيها و أن المراد خصوص التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) قد عرفت المناقشة في مثل هذا الاستدلال بها، و لذا قال في المحكي عن البيان: إن قوله تعالى:

«وَ سَلِّمُوا» ليس بمتعين للسلام على النبي (صلى الله عليه و آله)، و لو سلم لم يدل على الوجوب المدعى، و أضعف منه القول بأنه مخرج و إن لم يكن واجبا الذي لم يعرف في المنتهى خلافا في عدمه بين القائلين بوجوب التسليم، و في ظاهر التذكرة إجماعهم عليه لحصر المخرج في النصوص و الفتاوى بغيره، بل هو صريح خبر أبي كهمس (1)و من ذلك يعلم أن الإتيان به في التشهد الأول و غيره من أحوال الصلاة لا بعنوان الخصوصية غير قادح في الصلاة، لعدم التحليلية فيه، و كذا «سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» في القنوت و إن كان موافقا للفظ القرآن، فالتوقف فيه من بعض الناس وسوسة في غير محلها.

[الخروج من الصلاة بكل من الصيغتين]

و أما العبارتان المذكورتان فلا ريب في أن بكل منهما يخرج من الصلاة و يحصل الفراغ منها و تحليلها، لمعلوميته بين الأمة كافة في الثانية كما اعترف به في الذكرى و غيرها فضلا عن تواتر القول و الفعل به، و للنصوص المعتبرة المستفيضة في خصوص الأولى منهما، منها قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(2)السابق آنفا و موثقه (3)المتقدم في أول التسليم، و في

صحيح الحلبي (4)«كلما ذكرت الله عز و جل به و النبي (صلى الله عليه و آله) فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1.

ج 10، ص: 313

و على عباد الله الصالحين فقد انصرفت»

و

سأله (عليه السلام) أيضا أبو كهمس (1)«عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته انصراف هو فقال: لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد الله فهو الانصراف»

و عن ابن إدريس أنه رواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب، و في

خبر ميسر(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم قول الرجل: تبارك اسمك- إلى أن قال- و قول الرجل: السلام علينا و على عباد الله الصالحين»

و

في الفقيه (3)قال الصادق (عليه السلام): «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بقوله: تبارك اسمك- إلى أن قال- و بقوله السلام علينا و على عباد الله الصالحين يعني في التشهد الأول»

كما يشهد له

ما رواه بسند معتبر عن الفضل بن شاذان (4)عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون «و لا يجوز أن تقول في التشهد الأول: السلام علينا و على عباد الله الصالحين، لأن تحليل الصلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت»

و نحوه المروي عن الخصال بسنده إلى الأعمش (5)عن الصادق (عليه السلام).

و منهما يعلم أن المراد بالانقطاع و الفراغ و نحوهما حصول التحليل بذلك، فهذه النصوص بعد تعاضدها و رواية المشايخ الثلاثة و غيرهم لها على وجه ظاهرهم العمل بها مما لا سبيل إلى ردها كما اعترف به في الذكرى تارة، و لم ينكرها أحد من الإمامية تارة أخرى، و في ثالث إضافتها إلى الإمامية، و في رابع هنا مقدمتان: إحداهما أن السلام علينا يقطع الصلاة، و هذه دل عليها الأخبار و كلام الأصحاب، و هو مشعر بالإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التشهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التشهد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التشهد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 314

على حصول الخروج به كعبارة الشيخ في التهذيب، بل قيل: إن الظاهر اتفاق الشيعة على ذلك، و لذا تركوه في التشهد الأول، نعم ظاهرهم أن المخرج و الواجب بالأصالة السلام عليكم، و أن السلام علينا مستحب يحصل به المقصود من الواجب، و لذا قال في الدروس: إن أكثر القدماء على الخروج بقول: السلام علينا إلى آخره و عليها معظم الروايات مع فتواهم بندبها، لكن في المحكي عن البيان أن القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة غير مخرجة من الصلاة، و القائل بندب التسليم يجعلها مخرجة، و تبعه على نحو ذلك بعض من تأخر عنه، و هو مخالف لما سمعته منه في الذكرى، و يقتضي طرح تلك النصوص التي لا سبيل إلى ردها، و ظني أنه استنبطه استنباطا من جهة عدم تعقل وجوب التسليم حينئذ بعد الإتيان بهذه الصيغة خصوصا، و ظاهرهم الجزئية التي لا يتصور تحققها في المقام، لكن قد يدفع بأنه يمكن التزامهم بالوجوب الخروجي لو جاء بالصيغة الأولى و إن خرج بها كما أومأ إليه ما سمعته سابقا من البشرى، و اختاره في المدارك و الحدائق و غيرهما، و مال اليه شيخنا في بغية الطالب و إن كان هو في غاية الضعف، خصوصا مع القول بحرمة المنافيات حينئذ بعد الصيغة الأولى دون البطلان كما صرح به في الحدائق، ضرورة منافاته لما ورد من التحليل بالصيغة الأولى المقتضي لحل سائر المنافيات، مضافا إلى ما عرفته سابقا من اتحاد دليل البطلان و الحرمة، فالتفصيل بينهما قول في الشرع بلا دليل.

بل و مثله في الضعف دعوى الوجوب خاصة كما ستعرفه إن شاء الله، أو يدفع بأنه يمكن بناء إطلاقهم الوجوب على إرادة الوجوب بالأصالة كالمخرج و نحو ذلك مما لا ينافي الاجتزاء بالمندوب نحو إطلاقهم وجوب الوضوء و الغسل مثلا للصلاة المراد منه قطعا بعد الخطاب بها مع الاستغناء بالمندوب منهما قبل الوقت، فيكون التحليل بناء على هذا واجبا عندهم، و الأصل في سببه الصيغة الثانية، إلا أنه قد يحصل بغيرها كالصيغة

ج 10، ص: 315

الأولى، فهي حينئذ كالوضوء مثلا المندوب قبل الوقت الذي يستغنى به باعتبار حصول رفع الحدث به عن فعله بعد الوقت، فلا ملازمة بين إطلاقهم وجوب التسليم المنصرف إلى الصيغة الثانية و بين القول بحصول الخروج بالصيغة الأولى لو جي ء بها بعد معلومية كون وجوب الثانية عندهم للتحليل كما هو صريح المرتضى أو كصريحه، كمعلومية أن وجوب الوضوء لرفع الحدث، فمع فرض حصوله يسقط فعله، كما أنه يسقط السبب الأصلي في التحليل مع فرض حصوله بالصيغة الأولى، و لعل استحباب الجمع بينهما كالوضوء التجديدي، و يمكن انطباق مراد الشيخ و غيره ممن حكم باستحباب التسليم مع قوله بالخروج بالصيغة الأولى على هذا كما أومأنا إليه في أول البحث، خصوصا مع شبه التسليم بالوجوب المقدمي أو الشرطي الذي لم يتعارف إطلاق الواجب عليه عند الجميع، ضرورة أن وجوبه لحصول التحليل و رفع حرمة المنافيات و حفظ الصلاة عن الإبطال، فتأمل جيدا.

لكن قد يفرق بين الوضوء قبل الوقت و بين الصيغة الأولى من التسليم بأن صدق وصف الندب على الوضوء لا غبار عليه، لتحقق خاصته به، بخلاف ذلك الذي صار فردا لتحقق الواجب، ضرورة حصول الخطاب بالخروج من الصلاة كما عرفت دعوى الإجماع عليه فيما تقدم، بل حرمة إبطال الصلاة كافية في ثبوته، و الفرض تحققه في ضمنه، فلا يعقل حينئذ بعد ذلك الاستحباب الصرف، اللهم إلا أن يقال: إنه لم يعد للخروج و لا هو الأصل فيه، بل هو قول مندوب إن اتفق فعله أجزء عن المخرج كالغسل المندوب بعد الوقت بناء على الاجتزاء به عن الوضوء، و مثله لا يسمى واجبا قطعا و لو تخييرا، بل يعبر عنه بأنه مندوب يجزي عن الواجب و إن كان عند تدقيق النظر كأحد فردي الواجب المخير ثمرة، و ربما يطلق عليه اسم الواجب بهذا الاعتبار و لعله لذا ذهب المصنف إلى التخيير، و تبعه عليه الفاضل، بل حكي عن منتهاه عدم

ج 10، ص: 316

معرفة الخلاف فيه و إن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسخته، و المقداد و العلامة الطباطبائي و غيرهما ممن تأخر عنه حتى الشهيد في ألفيته التي هي أول ما صنف و لمعته التي هي آخرها و إن بالغ في إنكاره في الذكرى و البيان، و قال: إنه قول حدث في زمان المحقق فيما أظنه أو قبله بيسير، لأن بعض شراح رسالة سلار أومأ اليه، و قال أيضا: إنه لا قائل به من القدماء، و كيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا.

و فيه انه لو سلم حدوثه بالنسبة إلى أقوال من وصلت إلينا مصنفاتهم لم يكن ذلك قادحا بعد عدم انعقاد إجماع تطمئن به النفس على خلافه، كما هو واضح، و من الغريب ما أجاب به عما ذكر في أثناء كلامه من الاستدلال له بما ذكرناه، فقال: لا يقال لا ريب في وجوب الخروج من الصلاة، و إذا كان هذا مخرجا منها كان واجبا في الجملة، فيكون الحق ما ذهب إليه القائل بوجوبه، و لا نبالي بقول القدماء بندبه، لأنهم ليسوا جميع الإمامية، لأنا نقول قد دلت الأخبار الصحيحة على أن الحدث قبله لا يبطل الصلاة، منها خبر زرارة(1)ثم ساق بعض النصوص التي ذكرناها في أدلة الندب المشتملة على إتمام الصلاة، و فيه أولا أنه مخالف لما أطنب فيه سابقا و برهن عليه و حكى عليه كلام الشيخ في الخلاف من أن التسليم اسم للصيغة الثانية خاصة، و أن الصيغة الأولى من التشهد، و ثانيا أن ذلك لا دخل له فيما نحن فيه من الوجوب التخييري و عدمه، ضرورة اقتضائها ندب مطلق التسليم لا خصوص هذه الصيغة، و هو مقام آخر غير ما نحن فيه قد أبطله هو بعد ذلك بتواتر النقل و غيره، و بالجملة لا جهة لهذا الجواب على تقدير وجوب التسليم بحيث يرجع إلى إبطال صغرى الدليل أو كبراه، ثم اعترض على نفسه بعد الجواب المزبور فقال: لا يقال ما المانع من أن يكون الحدث مخرجا كما أن التسليم مخرج، و لا ينافي ذلك وجوبه تخييرا، لأنا نقول: لم يصر إلى هذا أحد من الأصحاب


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 2.

ج 10، ص: 317

بل و لا من المسلمين غير أبي حنيفة، فيمتنع القول به، لاستلزامه الخروج عن إجماع الإمامية، و فيه بعد الإغضاء عن تمام ما فيه أنه يمكن القول بكونه مخرجا اضطراريا أو محرما، فلا يلزم موافقة أبي حنيفة و لا مخالفة الإجماع، كما هو واضح بأدنى تأمل، ثم إنه بعد ذلك بلا فصل قال: و هنا سؤال، و هو أن القائلين باستحباب الصيغتين يذهبون إلى أن آخر الصلاة الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) فما معنى انقطاع الصلاة بصيغة السلام علينا، و الفرض أنها انقطعت، فلا تحتاج إلى قاطع، إلى أن قال: و لا جواب عنه إلا بالتزام أن المصلي قبل هذه الصيغة يكون في مستحبات الصلاة و إن كانت الواجبات قد مضت، و بعد هذا لا يبقى للصلاة أثر، و يبقى ما بعدها تعقيبا لا صلاة، و قد أشعر به

رواية الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) «كلما ذكرت الله به و النبي (صلى الله عليه و آله) فهو من الصلاة، فإذا قلت: السلام علينا و على عباد الله الصالحين فقد انصرفت»

و بهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيته و أنه مخرج من الصلاة، إلا أنه يلزم منه بقاؤه في الصلاة بدون الصيغتين و إن طال، و لا استبعاد فيه حتى يخرج عن كونه مصليا أو يأتي بمناف، فان قلت: البقاء في الصلاة بدون الصيغتين يلزمه تحريم ما يجب تركه و وجوب ما يجب فعله، و الأمران منتفيان هنا فينتفي ملزومهما، و هو البقاء في الصلاة، قلت: لا نسلم انحصار البقاء فيها في هذين اللازمين على الإطلاق، إنما ذلك قبل فراغ الواجبات، أما مع فراغها فينتفي هذان اللازمان، و يبقى باقي اللوازم من المحافظة على الشروط و ثواب المصلي و استجابة الدعاء، ثم حكى كلام صاحب البشرى.

و فيه ما أشرنا إليه سابقا من أنه متى ثبت كونه في الصلاة ثبت الحرمة و البطلان بسائر المنافيات، لصدق مضمونها المستلزم ذلك، و كون الباقي مندوبا لا يجدي، إذ ليس إبطال الحدث مثلا لعدم التمكن مما بعده من الأجزاء، بل قد عرفت فيما مضى


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1.

ج 10، ص: 318

أن الكون للمصلي من الجلوس و نحوه حال الإتيان بالمندوبات أحد أفراد الواجب المخير و الحدث معه يسري إلى الجميع لا يختص بالمقارن له، اللهم إلا أن يريد الشهيد أن التحليل و الخروج من الصلاة غير لازم، بل هو مستحب عند الشيخ و أتباعه و إن قالوا:

إنه إن جاء به ترتب عليه مسببه، و حينئذ يتوجه عليه أولا أن هذا مخالف لمعنى التحليلية من الإحرام، و ثانيا أنه مخالف لما سمعته من الإجماع على وجوب الخروج من الصلاة حتى من أبي حنيفة و إن كان لم يخص المخرج بالتسليم، و ليس المراد بوجوب الخروج إلا فعل شي ء من المكلف رتب عليه الشارع الخروج من جنس (حبس خ ل) الصلاة و إحرامها إذ ليس غيره مما يحصل بتمام فعل الواجب و الفراغ منه شيئا زائدا على الواجب يكلف به المكلف، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و مما يدل على مختار المصنف أيضا- مضافا إلى ما عرفت، و إلى أنه مقتضى الجمع بين الأمر بالصيغة الأولى في خبري أبي بصير(1)حتى الطويل منهما و إن اشتمل على مندوبات و غيرهما من النصوص حتى المتضمنة للفراغ من الصلاة و انقطاعها بالصيغة الأولى ضرورة ظهورها في أنك قل ذلك فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، و بين الأمر بالصيغة الثانية المعلوم بالإجماع و غيره بعد معلومية عدم وجوب الجمع بينهما بالإجماع بقسميه و النصوص، فليس حينئذ إلا التخيير- أنه من التسليم المجعول تحليلا للصلاة و المأمور به في النصوص الكثيرة، و دعوى الانصراف إلى المتعارف فعلا و اسما بين العامة و الخاصة يدفعها بعد تسليمها أنه لا ينافي ثبوت فرد آخر بدليل مستقل، و هو النصوص السابقة خصوصا الدالة على أنه تحليل الصلاة، بل

قوله (عليه السلام) في بعضها(2):


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8 و الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 319

«إذا قلت ذلك فقد سلمت»

كالصريح في إرادة بيان أن هذا من التسليم المحلل للصلاة و إن لم يكن متعارفا و لا معروفا بذلك، و لذا استعمله العامة في التشهد الأول فاحتاج أهل العصمة (عليهم السلام) إلى بيان خطئهم في ذلك و ردع شيعتهم عن استعماله، و بيان أنه من المحلل المقتضي لفساد الصلاة مع التعمد إلى وقوعه في غير محله من الصلاة، بل قالوا: إنه هو الانصراف مبالغة في إرادته من الأوامر المتعددة أو المتواترة بالانصراف بعد التشهد كما هو واضح بأدنى تأمل.

بل منه و مما تقدمه و غيرهما يعلم أنه لا وجه معتد به للقول بوجوب الصيغة الثانية تعبدا و إن كان قد خرج بالأولى جمعا بين النصوص (1)الدالة على حصول ذلك بها و بين الأوامر(2)المتواترة بالتسليم المنصرفة بالتبادر للتعارف قولا و فعلا إلى الصيغة الثانية المعتضدة بالجمع بينهما في خبري أبي بصير(3)و المستبعد حملها جميعها على إرادة الوجوب التخييري و الندب إذا فرض الخروج بالصيغة الأولى، بل في الحدائق التصريح بتوقف حل المنافيات عليها و إن كان قد خرج بالأولى بحيث لا يبطل فعل المنافي بعدها لكن يأثم، و الذي يرفع ذلك كله الصيغة الثانية مقتصرا عليها أو آتيا بها بعد الخروج من الصيغة الأولى، و فيه أن إطلاق اسم التحليل عليه في بعض تلك النصوص (4)و أن من قاله سلم، و الانصراف و الفراغ في آخر(5)و نحو ذلك مما يقطع ملاحظة بعد التأمل و الانصاف في ظهوره أو صراحته بعدم وجوب شي ء آخر بعده.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8 و الباب 3 من أبواب التشهد- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1 و 5.

ج 10، ص: 320

و من هنا جعل الشهيد في الذكرى القول بوجوب الصيغة الثانية بعينها مستلزما لطرح هذه النصوص جميعها، و ما ذاك إلا لأن المراد بها ما ذكرنا، بل ظاهر المنتهى أو صريحه أنه لا يعرف خلافا في عدم وجوب شي ء بعد فرض حصول التحليل، و قد سمعت أن الشهيد في البيان جعل كل من قال بوجوب الصيغة الثانية قائلا بعدم الخروج بالأولى، و ليس هو إلا استنباطا مما ذكرناه، بل لعل الإجماع المستفيض على عدم وجوب الجمع بينهما مأخذه ذلك أيضا، ضرورة أنه لا وجه لوجوب شي ء آخر بعد حصول التحليل و الفراغ و الانصراف، لا أن مأخذه ندب الصيغة الأولى، إذ ليس ذلك يقتضي التعبير بعدم وجوب الجمع بينهما، بل هو إجماع خاص على خصوص الندبية كما هو واضح، على أن ظاهر النصوص كون وجوب التسليم لأجل حصول التحليل سيما المتضمن منها للتعليل

كالمروي (1)عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة قال: (عليه السلام) «لأنه تحليل الصلاة»

إلى آخره.

و من ذلك كله يظهر تقرير الدليل للمصنف بوجه آخر هو أنه قد ثبت حصول التحليل بكل منهما، و لا شي ء واجب بعده، فلا يجب حينئذ إلا أحد المحللين، و أظرف شي ء دعوى حصول التحليل بالأولى و الانصراف و الفراغ، و أنه يبقى حرمة المنافيات موقوفة على الصيغة الثانية، و مع التأمل في النصوص و الفتاوى يمكن القطع بفساده، بل الإجماع على خلافه، و احتمال البشرى له لا ينافي ذلك خصوصا و قد جزم في آخر ما حكى من كلامه بخلافه، نعم جزم به جماعة من متأخري المتأخرين، و كأنه من جملة أوهامهم.

نعم قد يقال: إن المستفاد من التأمل في النصوص ك

قوله (عليه السلام) في خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 11.

ج 10، ص: 321

أبي بصير(1): «إنما التسليم»

و

خبره الآخر الطويل (2)و غيرهما من قوله (عليه السلام): «تحليلها التسليم»

و نحوه كون التسليم كالتشهد و نحوه من الألفاظ المراد بها هيئات متعددة مختلفة بالكمال و عدمه، و إلا فالكل واجب على التخيير، فالكامل منه مثلا المشتمل على التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) و الملائكة و غيرهم ممن هو مذكور في النصوص إلى الصيغة الثانية، و دونه المشتمل على الصيغتين خاصة، أو على التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) مع الصيغة الثانية كما في بعض النصوص (3)أيضا، أو على الصيغة الأولى خاصة، أو مع التسليم على النبي (صلى الله عليه و آله) أو على الصيغة الثانية خاصة، أو غير ذلك من الهيئات المستفادة من النصوص، و ليس هو من التخيير بين الأقل و الأكثر قطعا خصوصا بعد ما سمعت في التسبيح في الأخيرتين و نحوه، إذ ما نحن فيه أولى بعدم توهم ذلك، ضرورة كونه من قبيل تعدد مسميات الاسم الذي اكتفى الشارع فيه بالإتيان بأحدها، فالآتي حينئذ بهيئة من الهيئات السابقة التي للاقتصار و عدمه الواقعين منه في الخارج مدخلية فيها لا النية و نحوها آت بواجب و إن طال، كما أنه لو اقتصر على السلام علينا أو السلام عليكم أجزأ لصدق التسليم حينئذ.

[استحباب ما أخر من الصيغتين]

و منه ينقدح استحباب إضافة «و على عباد الله الصالحين» ضرورة صدق التسليم بدونها، و ربما ظهر ذلك من عبارة الذكرى السابقة بل و غيرها و إن كنا لم نعثر على نص بالخصوص مشتمل على الاقتصار، و لعله لكون المتعارف استعمالها عند العامة في التشهد الأول كما أشاروا إليه (عليهم السلام) في النصوص السابقة بما ذكروه من فساد الصلاة باعتبار كونه من التسليم الذي محله التشهد الأخير، فلاحظ و تأمل جيدا.

و على كل حال فالمحلل التسليم، و هذه هيئات مختلفة له بمنزلة الأفراد له، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 9.

ج 10، ص: 322

جيدا جدا لكنه خلاف ظاهر الأصحاب، اللهم إلا أن يبنى بعض ما ينافي ذلك من كلماتهم على التسامح، و إلا فمراد الجميع أو الأكثر ذلك، لكن على كل حال لا يتم معه قول المصنف و بأيهما بدأ كان الثاني مستحبا ضرورة عدم استفادة تعقيب الصيغة الثانية بالأولى من النصوص، بل و لا من المصنفات عدا كتب المصنف و من تبعه كما اعترف به الشهيد بخلاف العكس، و لعله أخذه منه بدعوى استفادة رجحان قول سببي التحليل منه استظهارا و احتياطا كالوضوء بعد الوضوء، لكنه كما ترى، و أضعف منه الاستناد إلى إطلاق ما دل على الأمر به تقدمت الصيغة الثانية أولا، إذ لا إطلاق معتد به صالح لذلك، فالأولى الاقتصار على تعقيب الصيغة الثانية، و الظاهر إرادة كونه جزءا مستحبا لا خارجا، لكثير من الأدلة التي سمعتها سابقا، إلا أنه قد ينافيه صحيح الحلبي (1)السابق الظاهر في انتهاء الأجزاء حتى المندوبة بالصيغة الأولى، و يمكن حمله على غير التسليم، كما أنه بناء على ما ذكرنا من الوجوب التخييري بين الهيئات لا نحتاج إلى شي ء من ذلك، فتأمل جيدا فان المقام من مزالق الأفهام.

و يكفيك أن الشهيد (رحمه الله) مع شدة تبحره و حسن وصوله إلى المطالب الغامضة قد اضطرب عليه المقام كما لا يخفى على كل ناظر للذكرى إلى أن قال: «هذه المسألة من مهمات مسائل الصلاة، و قد طال الكلام فيها، و لزم منه أمور ستة: أحدها القول بندبية التسليم بمعنييه كما هو مذهب أكثر القدماء- و رده بمنافاته المتواتر من القول الذي لم يقرن بما يدل على ندبيته، و بغير ذلك مما عرفته سابقا- ثانيها وجوبه بمعنييه، أما السلام عليكم فلإجماع الأمة، و أما الصيغة الأخرى فلما مر من الأخبار(2)التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها، لكنه لم يقل به أحد فيما علمته- قلت:


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.

ج 10، ص: 323

لم ينعقد إجماع الأمة على الوجوب، بل هو على الخروج كظاهر النصوص (1)السابقة فالقول بوجوبهما معا في غاية الضعف، بل النصوص و الإجماع بقسميه تشهد بخلافه- ثالثها وجوب السلام علينا عينا و قد تقدم القائل به، و فيه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله- قلت: هذا حكاه سابقا عن يحيى بن سعيد، و عزاه المصنف في المعتبر إلى الشيخ في التهذيب، و لا ريب في ضعفه للإجماع بقسميه، بل الضرورة على الخروج بالصيغة الثانية و النصوص متواترة به، لكن في الرياض أنه لو لا الإجماع لأمكن القول به لظاهر ما مر من المستفيضة، و في كشف اللثام بعد أن حكى عن الشهيد ما سمعت قال:

لكن الأخبار تعضده، و ربما يكون جمعا بين قولي وجوب التسليم و استحبابه بما ذكره بمعنى هل يجب مع هذه الصيغة الصيغة الأخرى، و فيه مع أنه لا دلالة فيها على الوجوب العيني بل أقصاها الخروج الذي هو أعم من ذلك أن النصوص المتواترة الدالة على الخروج بالثانية كافية في رده، بل القول بوجوبها عينا أقرب منه من وجوه لا تخفى، و الجمع بين القولين لا يختص بدعوى الوجوب العيني، على أن قوله في كشف اللثام «بمعنى» إلى آخره لا يخلو من تأمل- رابعها وجوب السلام عليكم عينا لإجماع الأمة على فعله، و ينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل إلى رده، فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة- قلت: مضافا إلى ما عرفته سابقا- خامسها وجوب الصيغتين تخييرا جمعا بين ما دل عليه إجماع الأمة و أخبار الإمامية، و هو قوي متين إلا أنه لا قائل به من القدماء، و كيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا- قلت: فيه ما عرفته سابقا مفصلا- سادسها وجوب السلام عليكم أو المنافي تخييرا، و هو قول شنيع، و أشنع منه وجوب إحدى الصيغتين أو المنافي» قلت: هو من خواص أبي حنيفة من العامة كما سمعته سابقا، و إلى هنا قد انتهى كلامه.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.

ج 10، ص: 324

و من العجيب أنه خرج من المسألة بلا حاصل، على أنه ترك احتمال وجوب السلام عليكم عينا تعبدا و إن خرج بالأولى كما حكاه سابقا عن البشرى و اختاره جماعة من متأخري المتأخرين و إن كان قد عرفت ما فيه سابقا مفصلا، و ترك أيضا احتمال الوجوب التخييري بالطريق الذي ذكرناه، ثم قال بلا فصل: «و بعد هذا كله فالاحتياط للدين بالإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين، و ليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه و ينوي الخروج بهما باديا بالسلام علينا و على عباد الله الصالحين لا بالعكس، فإنه لم يأت به خبر منقول و لا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق و يعتقد ندب السلام علينا و وجوب الصيغة الأخرى، و إن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته مخرجة بالإجماع» و فيه بعد حمل الاعتقاد في كلامه على إرادة الفعل بعنوان الوجوب و الندب أنه لا مدخلية لذلك في تحصيل الاحتياط، بل إذا احتاط ينبغي أن لا يعتقد ندب شي ء منهما و لا وجوبه، و منه يعلم ما في حاشية الإرشاد للمحقق الثاني حيث قال: ندب التسليم قوي و إن كان الوجوب أحوط لا سيما و وقوعه في آخر الصلاة، فلا يلزم من اعتقاد الوجوب تخيل قادح بوجه، إذ على تقدير الاستحباب يكون فعله بقصد الوجوب بعد تمام الصلاة، و كان ذلك منه و من الشهيد مبني على اعتبار نية الوجه، لكن قد يمنع اعتبارها في خصوص الأجزاء و إن قلنا بها في أصل الفعل خصوصا في مقام الاحتياط، و إلا لوجب معرفة الواجب و الندب للمقدمة إلا أنه و مع ذلك فالإنصاف أنه لا يخلو جميع ذلك من بحث خصوصا مع احتمال وجوب التسليم خارجا، و خصوصا بناء على مدخلية نية الوجه في الامتثال كما يقضي به بعض أدلتهم.

ثم إنه كما أن من الأصحاب من أوجب السلام علينا عينا و لا موافق له أوجب بعضهم السلام على النبي (صلى الله عليه و آله) كما عرفته سابقا، فان كان الاحتياط الجمع

ج 10، ص: 325

بين الصيغتين للخروج من الخلاف كان الأحوط الجمع بين الصيغ الثلاث و أن لا ينوي الخروج بشي ء منها بعينه، لعدم توقف حصوله على معرفة المخرج بالخصوص، ضرورة ظهور الأدلة في كونه سببا مخرجا قهرا بل و إن لم يقصد الخروج كما يومي اليه النكير على العامة بفعله في التشهد الأول مع القطع بعدم قصدهم الخروج به، و أيضا يرد عليه أنه كيف يكون ذلك طريق احتياط و هو مخالف لما أفتى به هو نفسه فضلا عن غيره في المحكي من ألفيته من أن ما يقدمه منهما يكون واجبا و الثاني مستحبا، و لو عكس لم يجز اللهم إلا أن يتجشم له بتأويل يرفع ذلك، مع أنه إن كان الجمع بين الصيغتين للخروج عن شبهة الخلاف في الوجوب لم يحسن الأمر باعتقاد الندبية، و أيضا إذا كانت الصيغة الثانية مخرجة بالإجماع فلا جهة للاحتياط بعد القطع بالامتثال، و ربما أورد عليه زيادة على ذلك أنه لا وجه للاحتياط بتقديم الصيغة الأولى و هي مندوبة بالإجماع، و قد ثبت كونها قاطعة، فمع تقدمها تكون فاصلة بين أجزاء الصلاة على القول بالتسليم، مضافا إلى إطلاق الحكم بإفساد قولها في التشهد، و يدفع بالإجماع و النصوص (1)على صحة هذه الصورة، و ما دل على إبطالها في التشهد من النصوص (2)مختص بالتشهد الأول قطعا و القائل بوجوب الصيغة الثانية بالخصوص و أنها جزء لا يقول بكون الصيغة الأولى مخرجة، أو يقيد الوجوب بمن لم يقل هذه الصيغة كما هو واضح، هذا.

و قد ظهر من بعض ما ذكرنا عدم اعتبار نية الخروج بالتسليم خصوصا على المختار من الجزئية، ضرورة الاكتفاء بنية الجملة، على أن الخروج بالتسليم من الأمور المترتبة شرعا على قوله المقصود، و منه يعلم عدم اعتبارها أيضا حتى على القول بخروجه، نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التشهد- الحديث 2 و المستدرك- الباب- 2 من أبواب التسليم- الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التسليم.

ج 10، ص: 326

يعتبر فيه عدم قصد التحية و نحوها كما أومأ إلى ذلك في الجملة ما سمعته من النكير على قوله في التشهد الأول و أنه به يحصل فساد الصلاة لتسبيبه التحليل لمنافياتها المنافي لانعقادها و صحتها، ضرورة حرمة المنافي في الصلاة، و به حينئذ يظهر ما في احتمال الوجوب قياسا على المحلل في الحج و العمرة، بل استوجهه في الذكرى لذلك على تقدير الخروج، كما أنه استوجه عدم اعتبار النية على الدخول، مع أنه دفعه في جامع المقاصد بالفرق بين الصلاة و الحج، إذ الأولى تعد فعلا واحدا لارتباط بعضها ببعض، و لهذا تفعل بنية واحدة و لا تصح إلا كذلك، بخلاف الحج المنفصل كل فعل منه عن الآخر و احتياجه إلى نية بالاستقلال، فنية الصلاة حينئذ تتناوله و إن لم يكن جزء، لأن مقتضاها نية فعل الصلاة بتمامها الذي لا يكون بدون التسليم، و إن كان هو لا يخلو من بحث و نظر، كتعليل الذكرى عدم اعتبار نية الخروج بأن جميع العبادات لا تتوقف على نية الخروج، بل الانفصال منها كاف في الخروج، و بأن مناط النية الإقدام على الأفعال لا التروك لها، بل هو واضح البطلان خصوصا الأخير منه، و نحوه تعليله الاعتبار بأن نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث أنه خطاب الآدميين، و من ثم يبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا، و إذا لم يقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها، و الأولى التعليل بما سمعت من أن الخروج بالتسليم من الصفات المترتبة على قوله من غير مدخلية للنية، نعم قد يقال باعتبار عدم قصد أمر آخر به من تحية و نحوها مما لا مدخلية له في الصلاة، مع احتمال تحقق الخروج به و إن قصد كما يومي اليه في الجملة استحباب قصد الإمام المأمومين و قصد المأمومين الرد، بل في الذكرى احتمال وجوبه على المأمومين لعموم أدلة التحية.

و قد يفرق بين المقصود به التحية صرفا و بين الملاحظة فيه مع ذلك الصلاة في الجملة، فيخرج بالثاني و إن كان الذي أريد تحيته غير مأموم بل غير مصل بخلاف الأول

ج 10، ص: 327

لكن الأقوى العدم حتى في الأخير لأصالة عدم التداخل، فلو قصد به التحية أو الرد مع الخروج بطلت الصلاة في غير المستفاد من النصوص كما ستعرف تمام البحث فيه إن شاء الله تعالى، و لعل هذا أو نحوه مراد الشهيد في الذكرى و لو سلم بنية عدم الخروج به بطلت صلاته على القولين لا مطلقا، لما عرفت من صراحة النصوص في حصول التحليل بما تأتي العامة به في التشهد الأول، و من المقطوع به قصدهم عدم الخروج به، و لو قصد الخروج بالتسليم من غير ما هو متلبس بها من الصلاة فعلى القول بوجوب نية الخروج يتجه البطلان مع العمد، أما مع الغلط ففي الذكرى فيه إشكال منشأه من النظر إلى قصده في الحال فيبطل الصلاة، و إلى أنه في حكم الساهي، قلت: فيسلم حينئذ ثانيا ثم يسجد للسهو كما يفعل الساهي، و قد يحتمل صحة نفس ما صدر منه من التسليم صرفا للنية إلى الممكن، و أن الغالط كالقاصد إلى ما هو بصدده، بل الغالط في مثل المقام عند التأمل لا يخلو من ذلك أو من السهو، فاحتمال البطلان حينئذ ضعيف جدا، و طريق الاحتياط واضح، و على القول بعدم وجوب نية الخروج ففي الذكرى لم يضر الخطأ في التعيين نسيانا كالغلط، أما العمد فمبطل، قلت: قد يأتي احتمال البطلان في الغلط بناء على تعليله السابق، كما أنه يمكن احتمال الصحة في حال العمد، لأنه لا يزيد على ما قصد به عدم الخروج به من الصلاة، فتلغى حينئذ نيته، لإطلاق ما دل على حصول التحليل به فالجزم بالبطلان حينئذ لا يخلو من نظر، كما أنه لا يخلو ما ذكره بعد ذلك- من أن وقت النية على القول بها عند التسليم مقارنة له، فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة لوجوب استمرار حكم النية، و لو نوى الخروج عنده لم تبطل، لأنه قضية الصلاة، إلا أنه لا يكفيه هذه النية بل يجب عليه النية مقارنة له- من النظر أيضا، و يعرف بالتأمل فيما سبق في النية، و لو تذكر في أثناء نية الخروج صلاة فائتة وجب العدول إليها بناء على الجزئية، لإطلاق الأدلة، و لا يجب فيه تجديد نية الخروج و لا إحداث نية التعيين في

ج 10، ص: 328

الخروج لهذه الصلاة التي فرضه الخروج منها، كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين، لأن نية العدول تصرف التسليم إليها.

ثم من المعلوم أن نية الخروج بناء عليها بسيطة لا يشترط فيها تعيين ما وجب تعيينه في نية الصلاة، إذ الخروج إنما هو عما نواه، فيتشخص، قال في الذكرى:

«و يحتمل أن ينوي الوجوب و القربة لا تعيين الصلاة و الأداء، لأن الأفعال تقع على وجوه و غايات، أما تعيين الصلاة و الأداء فيكفي فيه ما تقدم من نيتها و إرادة الخروج عنها» و هو كما ترى لا يخلو من نظر و بحث.

ثم لا يخفى بناء على الجزئية و الوجوب اعتبار جميع ما يعتبر في الصلاة فيه، بل الظاهر جريان جميع ما سمعته في التشهد و غيره أيضا من وجوب الجلوس و ندبه و كراهته و الطمأنينة و الاعراب و العربية مع القدرة، و إلا وجب التعلم نحو ما سمعته في التشهد، لانسياق مساواته له في ذلك كله إلى الذهن من النصوص و الفتاوى خصوصا المشتمل على ذكره تفصيلا، بل قد يطلق التشهد على ما يشمله، لكن يجب الاقتصار على الصورة المتعارفة في المخرج منه كما هو ظاهر بعض و صريح آخر، بل في الدروس نسبته إلى الموجبين، لعدم ثبوت غيرها بعد انصراف إطلاق النصوص إليها، و لا خلاف أجده فيه في الصيغة الأولى، أما الصيغة الثانية لو أراد الخروج بها ففي المعتبر الأشبه أنه يجزي سلام عليكم و استقر به في التذكرة، لوقوع اسم التسليم عليها، و لأنها كلمة ورد القرآن بصورتها، فتكون مجزية، و في التذكرة و لأن عليا (عليه السلام) كان يقول ذلك عن يمينه و شماله (1)و لأن التنوين يقوم مقام اللام، و فيه منع واضح بعد ما عرفت من انصراف الإطلاق إلى الصورة المتعارفة المصرح بها في جملة من المعتبرة ك خبر ابن


1- 1 سنن البيهقي ج 2 ص 178.

ج 10، ص: 329

أبي يعفور(1)المروي عن جامع البزنطي و خبر أبي بصير(2)و خبر أبي بكر الحضرمي (3)و خبر ابن أذينة(4)و خبر يونس بن يعقوب (5)و غيرها، و إلا لأجزئ المعنى كيف كان، و قد اعترف هو بفساده حيث حكى عن الشافعي الاجتزاء بعكس الصورة المتعارفة التي لم تجز عندنا قولا واحدا كما في التحرير معللا له بحصول المعنى، و الورود في القرآن لا يقتضي التجاوز عن المأثور بالصلاة، و المحكي عن علي (عليه السلام) في خبر سعد التعريف، و ضعف الأخير واضح.

[في عدم اعتبار إضافة «و رحمة الله و بركاته» إلى التسليم]

نعم ظاهر أكثر النصوص (6)المزبورة كإطلاق غيرها عدم اعتبار إضافة «و رحمة الله و بركاته» كما هو خيرة المصنف و الفاضل و الشهيد و غيرهم، بل هو المحكي عن بني عقيل و الجنيد و بابويه، بل ربما نسب إلى الأكثر، بل في المنتهى نفي الخلاف عن جواز ترك «و بركاته» بل عن المفاتيح الإجماع على استحبابه، فيحمل حينئذ ما في

حديث المعراج (7)- «فقال لي: يا محمد (ص) سلم، فقلت: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته»

- على الفضل و لو لأحد فردي الواجب التخييري كما عن بعض التصريح به و لعله مراد الباقين نحو ما سمعته في التشهد و التسبيح، و ربما يومي اليه في الجملة إتيانه منه (صلى الله عليه و آله) امتثالا للأمر بالتسليم، و دونه في الفضل الاقتصار على «و رحمة الله» المروي في

صحيح علي بن جعفر(8)قال: «رأيت موسى و إسحاق و محمد بني جعفر (ع) يسلمون في الصلاة على اليمين و الشمال السلام عليكم و رحمة الله»

و لا داعي إلى حمله


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8 و 9 و 11 و 15.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 2.

ج 10، ص: 330

على التقية و إن كان المحكي عن العامة ترك «و بركاته» كما أنه لا داعي إلى تنزيل ما في النصوص (1)الكثيرة من الاقتصار على «السلام عليكم» المعتضد بإطلاق النصوص و الفتاوى على إرادة «السلام عليكم» إلى آخر ما يعرفه المخاطب من الإشارة بالبعض إلى الكل، إذ دعوى التعارف بهذه الصورة في الأزمنة السابقة ممنوعة، فما عن الحلبي- من إيجاب «و رحمة الله» و عن غاية المراد حكايته عن السيد، قيل: و اليه مال في مجمع البرهان، بل عن ابن زهرة و الشهيد في الألفية و ظاهر البيان و المحقق الثاني في فوائد الشرائع و تعليق النافع و الشهيد الثاني في المسالك و المقداد في التنقيح إيجاب «و بركاته»- أيضا ضعيف، مع أني لم أتحققه في بعض ما حضرني من هذه الكتب.

لا فرق فيما ذكرنا من المحافظة على الصورة الخاصة بين تقديم الخروج بأحدهما و عدمه تحصيلا لوظيفة الندب و المحافظة على الواجب الخارجي على اختلاف الرأيين، نعم لو أخل بها عمدا لم تبطل الصلاة بناء على الخروج بالأولى و ضعف احتمال الوجوب الشرطي، على أنه يعيده و تصح صلاته، إذ لم يصدر مناف في أثناء الصلاة، بخلاف ما إذا لم يأت بأحدهما بناء على أنه من كلام الآدميين حينئذ، و لعله إلى هذا أومأ في المنتهى حيث قال: إن أتى بغير المجزي متعمدا بطلت صلاته، لأنه كلام في الصلاة غير مشروع، و إن بدأ بالعبارة الثانية ثم أتى بالعبارة الأولى جاز له أن يأتي بأي صيغة أراد، و على أي كيفية أوجدها صح، لأنه يكون قد خرج من الصلاة، لا أن المراد الجواز بحيث تحصل له وظيفة الندب إن قلنا به لعدم الدليل، و الخروج بالأولى لا يصلح مستندا للتعميم المزبور، لكن قال بعد ذلك: لو قال: «سلام عليكم» منكرا فان أتى به بعد قوله: «السلام علينا و على عباد الله الصالحين» أجزأه، لأنه يكون إتيانه خارج الصلاة، مع أنه تردد في الخروج به لو ابتدأ به مما عرفته سابقا، و يمكن حمله أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8 و 9 و 11 و 15.

ج 10، ص: 331

على ما ذكرنا، و إلا فلا تأثير للتقديم في مشروعية التعميم، و الله أعلم.

[مستحبات التشهد]

و أما مسنون هذا القسم فهو أن يسلم المنفرد إلى القبلة لا يمينا و لا شمالا بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر الغنية أو محتملها و المدارك و غيرهما الإجماع عليه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الحميد(1)«إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، و إن كنت مع إمام فتسليمتين، و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة»

و ما في

حديث المعراج (2)«و من أجل ذلك كان السلام مرة واحدة تجاه القبلة»

و غيرهما.

و لعله لهما و لغيرهما جعل المصنف و غيره من المسنون أيضا كونه تسليمة واحدة إلا أنه قد يشكل بأنها واجبة مع فرض الخروج بالصيغة الثانية خاصة، لأنها بها يتحقق الواجب، اللهم إلا أن يلاحظ ندب وصف الوحدية بحيث يفوته الاتباع بالثانية، فتأمل، مع احتمال إرادة المصنف و من عبر كعبارته الرد على من أوجب الزائد من العامة، لا أنه مستحب بالمعنى المصطلح المقتضي لجواز غيره و إن فقد صفة الندب حتى يشكل بظهور النصوص و الفتاوى في عدم مشروعية التعدد له، و لعله لذا عبر في المدارك في شرح العبارة المزبورة باكتفاء المنفرد بالتسليمة الواحدة إلى القبلة ناسبا له إلى مذهب الأصحاب، و الأمر سهل بعد وضوح المراد، إذ الظاهر من النصوص و الفتاوى عدم وجوب الزائد عليها عندنا، بل و عدم استحبابه، للأصل و ظاهر النصوص (3)و ما في

صحيح علي بن جعفر(4)«رأيت إخوتي موسى و إسحاق و محمد بني جعفر (عليه السلام) يسلمون في الصلاة عن اليمين و الشمال السلام عليكم و رحمة الله السلام عليكم و رحمة الله»

حكاية فعل لا عموم فيه، مع احتماله الموافقة للعامة لحضورهم أو للتعليم، فما في الذكرى- بعد أن روى ذلك «و يبعد أن يختص الرؤية بهم مأمومين لا غير،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 2.

ج 10، ص: 332

بل الظاهر الإطلاق، و خصوصا و فيهم الامام، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام و المنفرد أيضا غير أن الأشهر الواحدة فيهما»- ضعيف و إن أمكن تأييده بعدم معارضة صحيح ابن عواض (1)السابق، لكونه مساقا للاجزاء لا لبيان الندب، بل قد يشعر لفظ الاجزاء فيه بمشروعية غيره، إلا أنه قد يمنع العطف فيه على معمول الاجزاء كما يشهد له نصب التسليمتين، فالأولى تقدير العامل فيه أمرا، فتأمل، على أن غيره كاف في ثبوت المطلوب كما ستعرف، لكن في المنتهى و التذكرة- بعد أن ذكر أن المجزي عند الإمامية تسليمة واحدة للإمام و المأموم و المنفرد، و حكى خلاف بعض العامة في ذلك ثم ذكر دليلهم عليه ب ما رووا(2)عن النبي (صلى الله عليه و آله) من التسليمتين- أجاب بحمله على الندب، بل في المنتهى «لا ريب في ندبية التعدد» إلى آخره، و هو كما ترى ظاهر في مشروعية التعدد، و يمكن حمل عبارات الأصحاب على ذلك بحمل الواحدة فيها على الأفضلية، فيكون حكمهم بالاستحباب لذلك لا لما قلناه سابقا، فتأمل، و قال في المبسوط: «من قال من أصحابنا: إن التسليم فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة، و ينبغي أن ينوي بها ذلك، و الثانية ينوي بها ذاك السلام على الملائكة أو على من في يساره» و يمكن حمله على إرادة المأموم، و في المحكي عن الموجز الحاوي «و يقصد بالأولى الخروج، و بالثانية الأنبياء و الملائكة و الحفظة و الأئمة (عليهم السلام) و من على ذلك الجانب من مسلمي الإنس و الجن، و المأموم بالأولى الرد و بالثانية المأمومين» و هو كما ترى محتاج إلى التأمل، ضرورة ظهوره في مشروعية التعدد مطلقا، و الله أعلم.

و أما أنه يستحب له أن يومي بمؤخر عينيه إلى يمينه فقد ذكره الحلبي


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 3.
2- 2 كنز العمال ج 4 ص 220- الرقم 4694.

ج 10، ص: 333

في إشارته و الشيخ قبل المصنف في المحكي عن نهايته و مصباحه و القاضي عن مهذبه، و تبعهم المصنف و غيره، بل قيل: إنه المشهور، بل في الروضة أنه لا راد له، لكن لم أجد في النصوص ما يدل عليه بالخصوص، نعم في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك»

و لعله المراد م ما ورد في النصوص (2)من الأمر بالانصراف من الصلاة عن اليمين، و مقتضى الجمع بينهما لا ينحصر بالإيماء بمؤخر العين، و لذا قالوا في الإمام يومي بصفحة الوجه، مع أنه ك ما ورد(3)هنا الأمر بالاستقبال تارة و إلى اليمين أخرى كذلك ورد(4)فيه، اللهم إلا أن يفرق بأن ظاهر النصوص أن المراد بالإيماء في المنفرد الملك الموكل بالحسنات، و مقعده على الشدق الأيمن بخلاف الإمام، فإن المراد من الإيماء فيه ذلك و المأمومين، فينبغي له زيادة الإيماء مع المحافظة على الاستقبال، و ليس هو إلا بصفحة الوجه، و هي كما ترى اعتبارات لا تصلح لأن تكون مدركا لحكم شرعي، خصوصا و في

خبر المفضل ابن عمر(5)المروي عن العلل «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) لأي علة يسلم على اليمين و لا يسلم على اليسار؟ قال: لأن الملك الموكل يكتب الحسنات على اليمين، و الذي يكتب السيئات على اليسار، و الصلاة حسنات ليس فيها سيئات، فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار، قلت: فلم لا يقال: السلام عليك، و الملك الموكل على اليمين واحد، و لكن يقال: السلام عليكم؟ قال: ليكون قد سلم عليه و على من على اليسار، و فضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه، قلت: فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كله و لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب التعقيب.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 3 و 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 1 و 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 15.

ج 10، ص: 334

كان بالأنف لمن صلى وحده و بالعين لمن يصلي بقوم؟ قال: لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن و يسلم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته، قلت: فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال: تكون واحدة ردا على الامام و تكون عليه و على ملكيه، و تكون الثانية على من على يمينه و الملكين الموكلين به، و تكون الثالثة على من على يساره و ملكيه الموكلين به، و من لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط و يساره إلى من صلى معه خلف الامام، فيسلم على يساره، قلت: فتسليم الامام على من يقع؟ قال: على ملكيه و المأمومين يقول لملكيه:

اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها، و يقول لمن خلفه: سلمتم و أمنتم من عذاب الله عز و جل»

و هو كالصريح في أن المنفرد يومئ بالأنف و الامام يومي بعينه و إن كان قد وقع ذلك في كلام السائل إلا أن تقرير الامام (ع) له عليه مع أنه قد صدر منه بصورة المفروغ منه يكفي في حجيته، و من هنا أفتى به في الفقيه في الامام و المنفرد، و عن الاقتصاد بطرف الأنف إلا أن إعراض الأصحاب عنه بالنسبة إلى ذلك و بالنسبة إلى تسليم المأموم ثلاثا يوهن الاستناد اليه، خصوصا مع عدم انطباق الجواب فيه على السؤال المشعر بالاعراض عنه و عدم الرضا به، بل الصدوق نفسه في المحكي عن أماليه أفتى بخلافه، حيث قال:

«و التسليم يجزي مرة واحدة مستقبل القبلة، و يميل بعينه إلى يمينه، و من كان في جمع من أهل الخلاف سلم تسليمتين عن يمينه تسليمة و عن يساره تسليمة كما يفعلون للتقية، يعني منفردا أو إماما أو مأموما» و عن المفيد في نافلة الزوال و يسلم تجاه القبلة تسليمة واحدة يقول: السلام عليكم و رحمة الله، و يميل مع التسليمة بعينه إلى يمينه، و في فريضته بعد التشهد السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته، و يومي بوجهه إلى القبلة، و يقول: السلام على الأئمة الراشدين، السلام علينا و على عباد الله الصالحين، و ينحرف بعينه إلى يمينه، و نحوه عن المراسم إلا أن في النافلة ينحرف بوجهه يمينا، و في الجمل

ج 10، ص: 335

و العقود و المبسوط «يسلم الامام و المنفرد تجاه القبلة و المأموم يمينا و يسارا إن كان على يساره أحد، و إلا يمينا» و في جمل العلم و العمل و عن الانتصار و السرائر الإيماء للإمام و المنفرد بالوجه قليلا، و المأموم نحو ما سمعته من المبسوط، و عن الانتصار الإجماع على ما فيه، و عن أبي علي إن كان الإمام في صف يسلم على جانبيه، و قد سمعت كلام المصنف في المنفرد.

و أما الامام فقال: إنه يومي بصفحة وجهه إلى يمينه و كذا المأموم، ثم إن كان على يساره غيره أومأ بتسليمة أخرى إلى يساره بصفحة وجهه أيضا و تبعه غيره ممن تأخر عنه، بل حكيت عليه الشهرة و إن كانت هي في محل المنع بالنسبة إلى القدماء، بل الدليل عليه بالنسبة إلى الإيماء بصفحة الوجه غير واضح أيضا، إذ النصوص منها ما سمعت و منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير(1): «إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك، لأن عن يسارك من سلم عليك، و إذا كنت إماما فسلم تسليمة و أنت مستقبل القبلة»

و منها

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير(2): «إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي صلى الله عليه و آله و سلم السلام، و تقول: السلام علينا و على عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا و على عباد الله الصالحين مثل ما سلمت و أنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت، و سلم على من على يمينك و شمالك، فان لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين على يمينك، و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد»

و في

خبر أبي بكر الحضرمي (3)قلت له: «أصلي بقوم فقال:

سلم واحدة و لا تلتفت قل: السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته السلام عليكم»


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 9.

ج 10، ص: 336

و في

المروي عن الخصال مسندا إلى أنس (1)«إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يسلم تسليمة واحدة»

و في

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد «سألته عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟ قال: تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان على يمينك أحد أو لم يكن»

و في

حديث الكاهلي (3)«صلى بنا أبو عبد الله (ع)- إلى أن قال-: و قنت في الفجر و سلم واحدة مما يلي القبلة»

و في

صحيح منصور(4)عن الصادق (عليه السلام) «الامام يسلم واحدة و من وراؤه يسلم اثنتين، فان لم يكن على شماله أحد يسلم واحدة»

و في

صحيح الفضلاء(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «يسلم تسليمة واحدة إماما كان أو غيره»

و في

خبر عنبسة(6)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يقوم في الصف خلف الامام و ليس على يساره أحد كيف يسلم؟ قال: تسليمة عن يمينه»

و

في الوسائل أن في رواية أخرى (7)«تسليمة واحدة عن يمينه».

و هي كما ترى لا تعرض في شي ء منها لما يومي به من صفحة الوجه أو العين أو غيرهما، فالذي يظهر من ملاحظتها جميعا أن الامام و المنفرد يسلمان إلى القبلة مؤميين إلى اليمين بما لا ينافي الاستقبال من غير تخصيص بمؤخر العين أو بالعين أو بصفحة الوجه أو بالوجه قليلا أو بالأنف أو بطرفه أو بغير ذلك جمعا بين الأمر بالتسليم إلى القبلة و إلى اليمين بعد ظهور النصوص و الفتاوى في اتحاد التسليمة له أيضا كالمنفرد، بل في الخلاف و ظاهر الغنية أو محتملها الإجماع عليه، و لعله لذا أطلق في الغنية و المنظومة الإيماء


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم الحديث 7.

ج 10، ص: 337

إلى اليمين، بل لعله من معقد إجماع الأولى، و هو أولى من الجمع بما في خبر المفضل (1)الذي قد عرفت حاله، أو بالتخيير بين القبلة و اليمين مؤيدا بما

عن فقه الرضا عليه السلام (2)«ثم سلم عن يمينك، و إن شئت يمينا و شمالا، و إن شئت تجاه القبلة»

لعدم ثبوته عندنا، و عدم ظهور عامل يعتد به هنا، أو بالابتداء في التسليم إلى القبلة ثم إتمامه إلى اليمين، لعدم الشاهد له مع عدم الانتقال اليه من اللفظ، بل هو في الحقيقة خروج عن مدلول الخبرين بلا شاهد، أو بالتسليم إلى القبلة ثم الإيماء إلى اليمين بعد الإكمال كما في المسالك، كما أنه أولى من طرح أخبار اليمين (3)أصلا بعد فرض ندبية الحكم و معروفية العمل بهذه النصوص بين الأصحاب في الجملة، و بيانها السر الذي لا يعلم إلا منهم (عليهم السلام).

و أما المأموم فليس في النصوص ما يدل على الأمر بتسليمه إلى القبلة كي يعارض ما دل على اليمين و الشمال مما هو ظاهر في الالتفات بالوجه على نحو المتعارف، اللهم إلا أن يدعى معارضته ب ما دل (4)على الاستقبال في الصلاة التي منها التسليم، و بما سمعته في حديث المعراج (5)مما يدل على اعتبار الاستقبال في مطلق التسليم من الامام و غيره لكن الجميع كما ترى يمكن تخصيصه بالمأموم في خصوص التسليم، فيتجه حينئذ فيه الالتفات الذي لم يثبت في الامام و المنفرد، لكن ليس الالتفات بالكل، بل بانحراف الوجه على المتعارف في الالتفات يمينا و شمالا به. و لعله المراد لمن عبر بتسليمه يمينا و شمالا من غير تقييد بصفحة وجه و نحوها كالمبسوط و الخلاف و العقود و جمل العلم و عن المصباح


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 15.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القبلة.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.

ج 10، ص: 338

و السرائر و الانتصار و بعض كتب الفاضل و المحقق الثاني و غيرها، و أظهر منه من عبر بالوجه كالنافع و المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة، بل يمكن إرادته لمن عبر بصفحة الوجه أيضا المنسوب إلى الأصحاب و الشهرة التي لا راد لها على معنى أنه لا يلتفت بكله حتى يكون مستقبلا لمن يريد السلام عليه بكله كما يصنعه الامام عند العامة، لكن على هذا يكون التعبير بالصفحة للإمام في غير محله لا للمأموم، لما عرفته من الفرق بينهما بمقتضى الأدلة، خلافا لظاهر جماعة فلم يفرقوا بينهما في كيفية الإيماء، و التحقيق الأول و لعله المفهوم من عبارة الذكرى و غيرها، بل قال فيها بعد أن ذكر المسألة: «فرع لا إيماء إلى القبلة بشي ء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس و لا بغيره إجماعا، و إنما المنفرد و الامام يسلمان تجاه القبلة بغير إيماء، و أما المأموم فالظاهر أنه يبتدئ مستقبل القبلة ثم يكمله بالإيماء إلى الجانب الأيمن و الأيسر» و فيه دلالة على استحباب التسليم أو على أن التسليم و إن وجب لا يعد جزءا من الصلاة، إذ يكره الالتفات في الصلاة إلى الجانبين، و يحرم أن استلزم استدبارا و إن كان هو لا يخلو من نظر من وجوه.

منها أن ما حكى الإجماع على عدمه هنا قد أفتى به في اللمعة و عن الرسالة النفلية قال في الأولى: «و يستحب إيماء المنفرد إلى القبلة ثم بمؤخر عينه عن يمينه، و الامام بصفحة وجهه يمينا، و المأموم كذلك، و إن كان على يساره أحد سلم أخرى مؤميا إلى يساره» قيل: و مثله الوسيلة في الإيماء إلى القبلة، لكن المحكي عنها «يومي بالتسليم تجاه القبلة إلى الجانب للإمام و المنفرد» و لا صراحة فيها بل و لا ظهور، ضرورة تعلق تجاه القبلة بالتسليم لا بالإيماء لتعلق ما بعده به، بل يمكن حمل عبارة اللمعة على ذلك بناء على حذف «ثم» من العبارة، أو يريد بالإيماء إلى القبلة التسليم إليها، و يكون قوله:

«ثم» إلى آخره. موافقا لما تسمعه من الذكرى على أحد الوجهين من أن الإيماء إلى اليمين في المنفرد و الامام متأخر عن التسليم إلى القبلة، فتأمل جيدا.

ج 10، ص: 339

و منها ما في جامع المقاصد من أن ظاهر هذه العبارة المخالفة بين الامام و المنفرد و المأموم، فعلى ما ذكره يكون الإيماء لهما بعد الفراغ من التسليم، لكنه خلاف المفهوم و المعهود من الإيماء بالتسليم، قلت: قد يدفع بأنه يريد الفرق بينهما بما ذكرناه لا بذلك و إن كان كلامه في اللمعة يشهد للأول، إلا أنه لم يفرق فيه بين الجميع.

و منها أن ما ذكره مشترك الإلزام للقائلين بالوجوب و الندب، ضرورة كراهة الالتفات في واجبها و مستحبها، و لا محيص عنه إلا بالتزام التخصيص كما اعترف به في جامع المقاصد، أو بدعوى أنه ليس من الالتفات المكروه بناء على أنه بصفحة الوجه و نحوها مما لا ينافي الاستقبال كما سمعته من المصنف و غيره، بل عن تعليق النافع التصريح بأن الإيماء غير الالتفات، و الأمر سهل بعد أن عرفت التحقيق في أصل المسألة، نعم قد يشكل التعدد في المأموم بأنه و إن كان في تلك النصوص دلالة عليه، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، بل ظاهر الصدوق منهم استحباب الثلاث له عملا بما في خبر المفضل (1)كما أن المحكي عنه في الفقيه و والده الاكتفاء في التسليم على اليسار بوجود الحائط خلاف ظاهر خبر المفضل و غيره، و لا نعرف لهما شاهدا على ذلك، لكن قال الشهيدان: «لا بأس باتباعهما، لأنهما شيخان جليلان لا يقولان إلا عن ثبت، خصوصا و مثله لا يؤخذ بالرأي» قلت: مع احتمال حمل عبارة الفقيه على ما في خبر المفضل الذي هو مستنده على الظاهر في هذا الحكم، خصوصا بعد استبعاد قيام الحائط مقام الأحد، و عدم دليل واضح له عليه، و لذا أطنب الأستاذ في شرح المفاتيح في إرجاع عبارته إلى ما في الخبر المزبور، و يكون مخالفا حينئذ بترك السلام على اليمين إذا كان إلى الحائط و يساره إلى مصل، و هو خلاف ما اتفق عليه الجميع أيضا.

و المحصل من النصوص بعد إرجاع مطلقها إلى مقيدها من استحباب التثنية إن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 15.

ج 10، ص: 340

كان على يساره أحد، و إلا فلا، و به يفترق عن الامام و المنفرد، لكن قد عرفت أن صحيح الفضلاء(1)المؤيد ب خبر المعراج (2)و غيره كالصريح في الواحدة مطلقا مؤيدا بمخالفة العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، و لذا أعرض الأصحاب عن ظاهر ما يقتضي التعدد في غير المأموم من النصوص السابقة خلافا لابن الجنيد خاصة منهم في الإمام إذا كان في صف، و لا ريب في ضعفه نصا و فتوى فيتجه حينئذ الاقتصار على الواحدة في المأموم أيضا، و كأنه مال إليه العلامة الطباطبائي حيث قال:

و سن للمأموم أن يسلماعن جانبيه مؤميا إليهما

فإن خلا يساره عن أحدسلم عن يمينه كالمنفرد

كذا الإمام في الأصح و العددللكل في ظاهر نص قد ورد

و ما بذا و ما روى المفضل في المقتدي من الثلاث يعمل

و في صحيح الفضلاء واحدةمن الجميع و هو ينفي الزائدة

أفتى بها الصدوق في الأمالي إلا إذا خاف أذى من قال

و هو لمن أراد حزما أسلم و وجهه من المطاوي يعلم

قلت: لكن طرح النصوص الكثيرة المعتضدة بالفتاوي مع أن الحكم استحبابي لا يليق بالفقيه، اللهم إلا أن يدعى أن مراد الجميع الوحدة من حيث الصلاة حتى في المأموم، و مشروعية الثانية له إنما هي للرد على الامام، و هو أمر خارج عن الصلاة كما يشهد له تعليل أكثر من تعرض لذلك بالرد، قال الشهيد بعد أن حكى عن الصدوق التثليث: واحدة للرد، و تسليمتين عن الجانبين، و كأنه يرى أن التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة، و لما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.

ج 10، ص: 341

الصلاة، و إنما قدم الرد لأنه واجب مضيق، إذ هو حق الآدمي، و الأصحاب يقولون:

إن التسليمة تؤدي وظيفتي الرد و التعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع و السجود بالتحميد عن العطسة عن وظيفة الصلاة، قال:

و هذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم، و أما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب أن الأولى للرد على الامام، و الثانية للإخراج من الصلاة، و لذا احتاج إلى تسليمتين، و هو ظاهر فيما قلنا، لكن قال في الذكرى: و يمكن أن يقال: ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الأولى ردا و الثانية مخرجة، لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه، و كانت محصلة للرد و الخروج من الصلاة، و إنما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين، لأنه بصيغة الخطاب، فإذا وجهه إلى أحد الجانبين اختص به و بقي الجانب الآخر بغير تسليم، و لما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة، و كذلك المنفرد، و لهذا حكم ابن الجنيد بما تقدم من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه، و كشف المسألة أنه قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه يستحب للمنفرد قصد الحفظة و الأنبياء و المرسلين و الأئمة الراشدين (ع) و للإمام المأمومين مع ذلك لذكر أولئك في التسليم المندوب و حضور هؤلاء، و للمأموم الإمام بإحدى التسليمتين كما في القواعد، و الأولى كما في غيرها زيادة على ما عرفت و من على جانبيه من المأمومين بالثانية، بل قيل: ينبغي للجميع أيضا من حضر من مسلمي الإنس و الجن مع ذلك، قال في اللمعة: «و ليقصد المصلي بصيغة الخطاب بتسليمه الأنبياء و الملائكة و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) و المسلمين من الجن و الانس» و في القواعد «و يومي بالسلام على من على ذلك الجانب من الملائكة و مسلمي الإنس و الجن، و المأموم ينوي بإحداهما الامام» و في الذكرى «أن المصلي مطلقا لو أضاف إلى ما سمعت قصد الملائكة أجمعين و من على الجانبين من مسلمي الإنس و الجن كان حسنا» و قد سمعت عبارة المبسوط

ج 10، ص: 342

و الموجز فيما مضى، و في المنتهى «لو نوى بالتسليم الخروج من الصلاة كان أولى، و لو نوى مع ذلك الرد على الملكين و على من خلفه إن كان إماما، أو على من معه إن كان مأموما فلا بأس به خلافا لقوم من الجمهور» و في المسالك «و مقصد المأموم بالأولى الرد على الامام، و بالثانية مقصد الإمام أي الأنبياء و الأئمة و الملائكة و الحفظة (ع) و المأمومين- ثم قال-: و لو أضاف إلى ذلك مسلمي الجن و الانس جاز، و لو ذهل عن هذا القصد فلا بأس» إلى غير ذلك من العبارات.

و على كل حال لا ريب في عدم وجوب استحضار نوع هذا القصد فضلا عن خصوصيات المقصود كما صرح به جماعة، بل لعله لا خلاف فيه و إن حكي عن الكافي أنه قال: «الفرض الحادي عشر السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يعني محمدا و آله صلى الله عليهم و الحفظة» و قيل: إنه يلوح منه الوجوب لكن يحتمل إرادته الإشارة إلى مصرفها في الواقع الذي هو من أسرار الشرع لا إيجاب قصد ذلك على المكلف، فلم يتحقق فيه حينئذ خلاف، للأصل و إطلاق الأدلة و عموم بعضها و السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار من العوام و العلماء التي تشرف الفقيه على القطع بالعدم، خصوصا في مثل هذا الحكم الذي تعم به البلوى و البلية، و لا طريق للمكلفين إلى معرفته إلا بالألفاظ، بل هذه النصوص التي ذكر فيها بعض ذلك ظاهرة في جهل السائلين بالمراد به قبل التوقيف، بل التأمل فيها نفسها يقضي بكون ذلك من الأسرار الواقعية التي لا مدخلية لها في التكليف نحو ما ذكر في أسرار الركوع و السجود و غيرهما من أجزاء العبادات.

نعم قد يوهمه في خصوص الامام و المأموم ما في النصوص المتفرقة في أبواب

ج 10، ص: 343

الصلاة: و يسلم عليهم (1)و يؤذن القوم (2)و سلم عليهم (3)و نسيت أن تسلم علينا(4)و سلم بعضهم على بعض (5)و نحو ذلك مما يومي إلى المعنى المزبور، لكن قد يقال:

إن المراد ذكر هذه الصيغة التي هم من موردها في الواقع، لكونها بصورة المقصود بها التحية، على أن ذلك أعم من القصد، ضرورة صدق الامتثال بالقول المزبور على حكم نية الصلاة ابتداء من غير استحضار للقصد بالخصوص، و لو سلم فهو ليس من التحية عرفا بشي ء من الأشياء كما يومي اليه ما في خبر أبي بصير(6)و خبر عمار بن موسى (7)من أنها اذن و ما في غيرهما(8)من أنها ترجمة من الامام للمأمومين و نحو ذلك من النصوص المتقدمة سابقا، و به صرح شيخنا في كشفه، بل لا يبعد البطلان لو قصد بها المتعارف من التحية مع الخروج من الصلاة للنهي عن ابتداء التحية في الصلاة، و لأصالة عدم التداخل، و لأنه من كلام الآدميين، و لغير ذلك.

فما في الذكرى من احتمال وجوب قصد المأموم بالأولى الرد، لعموم قوله تعالى (9)«وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» ضعيف جدا كما اعترف به في جامع المقاصد معللا له بأنه لا يعد تسليم الصلاة تحية، فلا حاجة إلى ما ذكره بعد ذلك من أنه على القول بالوجوب يكفي في القيام به واحد، فيستحب للباقين، و إذا اقترن تسليم الامام و المأموم أجزأ و لا رد هنا، و كذلك إذا اقترن تسليم المأمومين، لتكافؤهم بالتحية، مع أن فيما ذكره أولا من الاستحباب نظرا، لإمكان منع عموم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 9.
9- 9 سورة النساء- الآية 88.

ج 10، ص: 344

الأدلة لمثل الصلاة، و ثانيا بأن المتجه بناء على أن القصد بها التحية وجوب الرد من كل منهم، لشمول الدليل لهما، كما لو تقارنا في التحية في غير الصلاة، و بالجملة دعوى إرادة التحية بها في المقام في الامام و المأمومين بحيث تجري عليها أحكامها بالنسبة لسماعها و عدمه و سماع ردها من المأموم الذي لا ينبغي أن يسمع الامام و عدمه و تعاقب الرد للتحية و عدمه و بالنسبة للمسبوق و عدمه و غير ذلك في غاية الغرابة من مثل الشهيد، كغرابة احتمال وجوب القصد و إن لم يكن من التحية فرارا من استبعاد التعبد بصورة اللفظ الذي ليس من القرآن، و استظهارا من الأدلة باعتبار ملاحظة معنى الخطابية في الصيغة و لو مجازا و تنزيلا، إذ هو في الحقيقة اجتهاد منشأه الغرور بالنفس، و أنه قد يظهر لها ما يخفى على غيرها، و إلا فمن لاحظ النصوص و الفتاوى مع التأمل جزم بعدم اعتبار ذلك خصوصا في المنفرد، و أن ما ذكر فيها مساقة مساق الحكم و الأسرار، إلا أنه بملاحظة خبر المعراج (1)و إن كان الأنبياء و الملائكة فيه كانوا مأمومين على الظاهر و حديث المفضل (2)و خبر الترجمة(3)و الاذن (4)و بعض النصوص (5)المتقدمة سابقا في تحليلية التسليم، و ما ورد(6)من أمر الإمام بالتسليم على الجماعة و أمرهم بتسليم بعضهم على بعض، و

قوله (7): «نسيت أن تسلم علينا»

و التعليل في صحيح أبي بصير(8)و رجحان القصد إلى معنى كل عبادة لفظية مع وضع صيغة الخطاب حقيقة في القصد إلى الحاضرين، و تعارف الجماعة في ذلك الزمان، و وجه القصد فيها واضح،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التسليم.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التسليم- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التسليم- الحديث 1.

ج 10، ص: 345

كما أنه ورد(1)ما يدل على ائتمام الملائكة بالمؤمن إذا صلى بأذان و إقامة أو بإقامة فيستحقون السلام حينئذ من هذه الجهة و غير ذلك يمكن الحكم باستحباب قصد بعض ما ذكروه خصوصا مع التسامح.

لكن لا يخفى على من لاحظ النصوص السابقة و ما فيها- من دوران التسليمة الثانية للمأموم على وجود أحد في اليسار و عدمه- أن الأولى التي ينبغي أن يقصد فيها الرد و الأنبياء و الملائكة (ع) و غيرهم ممن عرفت، و الثانية من على جانبه الأيسر من المأمومين كما أنه لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا محال التأمل فيما في الذكرى و غيرها، بل و لا يخفى أيضا بشهادة التبادر من النصوص و الفتاوى، بل هو كصريح بعضها أن هذه الأحكام للصيغة الثانية من التسليم خاصة دون الأولى حتى لو اقتصر عليها في التحليل، بل و إن جاء بها متأخرة بناء على استحبابها، فما سمعته سابقا من المفيد من جريان بعض الأحكام المزبورة من الإيماء و نحوه في الصيغة الأولى لا يخلو من تأمل، بل و لا يخفى أن المنساق أيضا من النصوص و الفتاوى كون المرة الثانية من التسليم للمأموم من الصلاة فضلا عن المرة الأولى، و هو من المؤيد لما ذكرناه سابقا من صدق اسم التسليم على الجميع، و من بعد القول بخروج التسليم عن الصلاة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[و أما المسنون في الصلاة]
اشاره

و أما المسنون في الصلاة زيادة على ما سمعته في المواضع المخصوصة السابقة ف كثير ذكر المصنف منه خمسة:

[المستحب الأول التوجه بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح]

الأول التوجه بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه، و النصوص (2)دالة عليه، و الأولى في كيفيته ما رواه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام.

ج 10، ص: 346

الحلبي (1)في الحسن عن الصادق (عليه السلام) بأن يكبر ثلاثا ثم يدعو، ثم يكبر اثنتين و يدعو، ثم يكبر اثنتين و يتوجه

قال: «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم قل: اللهم أنت الملك الحق المبين، لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم كبر تكبيرتين، ثم قل: لبيك و سعديك و الخير في يديك و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، و لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت، سبحانك رب البيت، ثم كبر تكبيرتين ثم تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا من الْمُسْلِمِينَ، ثم تعوذ من الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب»

و في

صحيح زرارة(2)«يجزيك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى الله أن تقول: وَجَّهْتُ- إلى قوله الْأَرْضَ- على مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً»

إلى آخره، و الأمر سهل، لكن عن

الطبرسي (3)في الاحتجاج «أن محمد ابن عبد الله بن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن التوجه للصلاة يقول: على ملة إبراهيم و دين محمد (صلى الله عليه و آله) فان بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال: على دين محمد (صلى الله عليه و آله) فقد أبدع لأنا لم نجده في شي ء من كتب الصلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد أن الصادق (عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجه؟ فقال: أقول: لبيك و سعديك فقال الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا أسألك كيف تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما؟ قال الحسن: أقوله، فقال الصادق (عليه السلام):

إذا قلت ذلك فقل: على ملة إبراهيم و دين محمد (ص) و منهاج علي بن أبي طالب (ع)


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 3.

ج 10، ص: 347

و الائتمام بآل محمد (ع) حنيفا مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فأجاب (عليه السلام) التوجه كله ليس بفريضة، و السنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما على ملة إبراهيم و دين محمد (ص) و هدى علي أمير المؤمنين (ع) وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا من الْمُسْلِمِينَ، اللهم اجعلني من المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ثم تقرأ الحمد».

و في الحدائق قال الفقيه الذي لا يشك في علمه: «الدين لمحمد (صلى الله عليه و آله) و الهداية لعلي (عليه السلام) لأنها له (عليه السلام) و في عقبه باقية إلى يوم القيامة فمن قال كذلك فهو من المهتدين، و من شك فلا دين له، و نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى» و

في الذكرى أنه قد ورد الدعاء(1)عقيب السادسة بقوله: «يا محسن قد أتاك المسي ء و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي ء و أنت المحسن و أنا المسي ء فصل على محمد و آله و تجاوز عن قبيح ما تعلم مني»

قال: ورد(2)أيضا أنه يقول «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي» الآية(3)

و هو حسن، قلت: و لعله المراد لمن عبر من الأصحاب بأن بينها ثلاثة أدعية مع احتمال إرادته من البينية التغليب لمعروفية التوجه بعد الأخيرة، فيتفق الجميع حينئذ، خصوصا و المرسل المزبور لم نعرفه لمن تقدم على الذكرى، نعم رواه في كشف اللثام مرسلا أيضا، و في جامع المقاصد عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) و لم نقف عليه، بل يمكن أن يكون ذلك من كلامه لا من تمام الرواية، و من هنا قد استظهر العلامة الطباطبائي أن الدعاء المزبور بعد الإقامة قبل


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 7.
3- 3 سورة إبراهيم عليه السلام- الآية 42.

ج 10، ص: 348

الافتتاح كما عن

فلاح السائل (1)بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن الصادق (عليه السلام) في حديث «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لأصحابه: من أقام الصلاة و قال قبل أن يحرم و يكبر: يا محسن قد أتاك المسي ء، و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي ء، و أنت المحسن و أنا المسي ء، فبحق محمد و آل محمد صل على محمد و آل محمد، و تجاوز عن قبيح ما تعلم مني، فيقول الله: ملائكتي اشهدوا أني قد عفوت عنه و أرضيت عنه أهل تبعاته»

لكن لا بأس بالعمل بهما معا، كما أنه لا بأس بالعمل

بالمروي (2)عن الفلاح أيضا عن الرضا (عليه السلام) «تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة: اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة بلغ محمدا (صلى الله عليه و آله) الدرجة و الوسيلة و الفضل و الفضيلة، بالله أستفتح، و بالله أستنجح، و بمحمد رسول الله و آل محمد صلى الله عليه و عليهم أتوجه، اللهم صل على محمد و آل محمد، و اجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين».

و على كل حال فليس ذلك شرطا قطعا و إن أوهمته بعض العبارات، لما ورد من فعلها ولاء بلا تخلل أدعية، بل لا يبعد جواز الدعاء أيضا بلا تخلل تكبير على نية الخصوصية، كما أنه لا يبعد الاقتصار بالفصل بالدعاء على البعض، لأن الهيئة المزبورة من المستحب في المستحب كما و كيفا في التكبير و الدعاء، و منه يعلم أنه لا يتقيد الاقتصار على الوتر من التكبيرات كما هو ظاهر التخيير بين الواحدة و الثلاث و الخمس و السبع في بعض النصوص (3)لأنه أيضا مستحب في مستحب، نعم كان على المصنف التعبير باستحباب السبع موافقة للنصوص (4)و لا ينافيه وجوب الواحدة نحو حكمهم باستحباب الثلاث مثلا في الركوع و السجود لأن السبعية هيئة مستقلة، و الواجب ذات الواحدة، فلا منافاة


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب القيام- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 9- من أبواب القيام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام.

ج 10، ص: 349

بينهما كما هو واضح.

و الظاهر تعميم هذه السنة لكل صلاة فريضة و نافلة كما هو ظاهر المصنف و غيره بناء على إرادته المطلق من لفظ الصلاة لا خصوص الفريضة، بل هو صريح جماعة، بل لعله المشهور بين المتأخرين، خلافا للمحكي عن محمديات السيد، فخصه بالفرائض، و للمحكي عن رسالة ابن بابويه، فزاد أول صلاة الليل و الوتر و أول نافلة الزوال و أول نافلة المغرب و أول صلاة الإحرام، قيل: و كذا المفيد مع زيادة الوتيرة، لكن ملاحظة آخر المحكي من عبارته يقضي باختصاصها بزيادة الفضل لا أصل المشروعية، نعم عن سلار ذكر السبع مع إبدال الوتر بالشفع، كما أن العلامة في جملة من كتبه وافق على الاقتصار على ذلك، بل ربما قيل: إنه المشهور، و من الغريب أن الفاضل فيما حكي عن مختلفه بالغ في الإنكار على الاقتصار حتى أنه قال: ما أدري ما الذي دعا اليه، و هو قد ذهب اليه، كما أن الشيخ قد اعترف بعدم الوقوف على خبر يشهد لذلك، و ظاهره في الخلاف الاقتصار، و التحقيق العموم، لإطلاق النصوص و ظهورها في أن ذلك كيفية للافتتاح في نفسه، و من المعلوم أن لكل صلاة افتتاح و أنه التكبير، كما أن الختام التسليم، فيثبت حينئذ مشروعيته لكل صلاة، و ما يحكي عن

فلاح السائل (1)مسندا إلى أبي جعفر (عليه السلام) «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير: في أول الزوال و صلاة الليل و المفردة من الوتر، و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة لكل ركعتين»

لا ظهور فيه في نفي المشروعية في غيرها، بل ظاهر لفظ الاجزاء فيه ثبوته مطلقا، و أن المتأكد من التطوع هذه المواضع، و إلا لم يكن قد عمل به أحد، و أما ما في

المحكي (2)عن فقه الرضا (عليه السلام)- الذي قيل: إنه مستند الصدوق


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
2- 2 فقه الرضا عليه السلام ص 13.

ج 10، ص: 350

على الظاهر «ثم افتتح بالصلاة و توجه بعد التكبير، فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات: و هي أول ركعة من صلاة الليل و المفردة من الوتر و أول ركعة من نوافل المغرب و أول ركعة من ركعتي الزوال و أول ركعة من ركعتي الإحرام و أول ركعة من ركعات الفرائض»

و قال في الهداية: «من السنة التوجه في ست صلوات: و هي أول ركعة من صلاة الليل و المفردة من الوتر و أول ركعة من ركعتي الزوال و أول ركعة من ركعتي الإحرام و أول ركعة من ركعتي المغرب و أول ركعة من الفريضة»- ففيه أنه ليس حجة عندنا و ليس فيه تصريح بالتكبيرات السبع، و ظاهر في إرادة السنة المؤكدة التي لا ينافيها مطلق الاستحباب في الجميع، كما عن المفيد التصريح به في مقنعته و إن حكي عنه أنه من المقتصرين، و ما في الهداية مع أنه ليس من إرسال الرواية لا ظهور فيه في الحصر أيضا.

و من الغريب ما في الحدائق حيث حكى عن المجلسي تأويل عبارة الرسالة التي هي كالفقه الرضوي بما ذكرنا من إرادة التأكيد، و قال فيه: إن ذلك فرع الدليل الظاهر في العموم، و قد عرفت ما فيه، و أشار بذلك إلى ما ذكره آنفا من انصراف الإطلاق للصلاة الواجبة بل اليومية التي هي الفرض المتكرر الشائع المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق كما صرحوا به في غير موضع، سيما و جملة منها ظاهرة كالصريحة في الفريضة كأخبار إحارة الحسين (1)و غيرها، قلت: قد عرفت أن المراد إطلاق الافتتاح الثابت لكل صلاة لا إطلاق لفظ الصلاة، مع أنه يمكن منع دعوى انصرافها إلى خصوص ذلك، و التعرض لخصوص الفريضة في بعض الأخبار(2)لا يقضي بالتخصيص أو التقييد كما هو واضح، و أوضح منه بطلانا الاستدلال بإجماع الخلاف، إذ ملاحظته


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 6.

ج 10، ص: 351

تشهد لإرادة الرد به على العامة الذين لم يشرعوا أصل الافتتاح لا لبيان مشروعيته في هذه المواضع خاصة، هذا.

و في الذكرى عن ابن الجنيد أنه يستحب أن يقول بعد إتمام السبع و التوجه:

الله أكبر سبعا و سبحان الله سبعا و الحمد لله سبعا و لا إله إلا الله سبعا من غير رفع يديه قال: و قد روى ذلك جابر(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) و الحلبي (2)و أبو بصير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و لا بأس به للتسامح، مع أن

الصدوق في المحكي عن علله قد روى في الصحيح عن زرارة(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) و ذكر حديث تكبيرات الافتتاح ثم قال: قال زرارة: «فقلت لأبي جعفر (عليه السلام):

فكيف نصنع؟ قال: كبر سبعا و تحمد سبعا و تسبح سبعا و تحمد الله و تثني عليه ثم تقرأ»

و قد يدخل التهليل في الثناء عليه، نعم لا صراحة فيه بأن التكبير غير تكبير الافتتاح كالمحكي عن ابن الجنيد، و الأمر سهل.

بل الظاهر أنه يستحب أيضا ما رواه

الشيخ عن زرارة(5)في الصحيح قال أبو جعفر (عليه السلام): «إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى و عشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله و لم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها»

و

في الوسائل أنه رواه الصدوق عن زرارة(6)أيضا إلا أنه قال: «أو لم تكبره»

و مقتضاه الرخصة في الترك اعتمادا على ما قدمه من التكبير، و الظاهر أن المراد في الرباعية لأنها هي التي فيها إحدى و عشرون تكبيرة، و احتمال استحباب تقديم هذا العدد حتى في الثنائية التي فيها إحدى عشر تكبيرة و الثلاثية التي فيها ستة عشر تكبيرة بعيد جدا،


1- 1 لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار.
2- 2 لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار.
3- 3 لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 1.

ج 10، ص: 352

بل المراد تقديم مقدار ما فيها من التكبير، و من هنا قال في كشف اللثام بعد أن روى الصحيح المزبور: «يعني في الرباعيات- ثم قال-: و الباء في «بإحدى» متعلقة بالاستفتاح كما هو الظاهر، لنطق غيره من الأخبار(1)بأن في الرباعيات إحدى و عشرين منها تكبير القنوت» و لا يخلو من تأمل.

و الظاهر المنساق من النصوص أن التكبيرات السبع من الصلاة لأنها افتتاحها، و الافتتاح المقابل بالاختتام الابتداء و الأول، خصوصا و تكبيرة الإحرام التي هي أحد أفراد الافتتاح لو اقتصر عليها من الصلاة قطعا، و من المستبعد جعل الجزئية لبعض الأفراد دون بعض مع ظهور النصوص في اتحاد الجميع بالنسبة إلى ذلك، كما أنه من المستبعد اشتراط الجزئية بتقديم تكبيرة الإحرام، و نية الصلاة لو سلمنا عدم جواز وقوعها عند أول التكبيرات مع فرض تأخر تكبيرة الإحرام للإجماع المدعي أو لغيره لا تنافي الجزئية، على أن المقام مما يشهد تأمله للتسامح في أمر النية، و أنها عبارة عن الداعي المستمر، و الله أعلم.

[المستحب الثاني القنوت]

المستحب الثاني من الخمسة القنوت و هو لغة: الطاعة و السكون و الدعاء و القيام في الصلاة و الإمساك عن الكلام و الخشوع و الصلاة و العبادة و طول القيام و العبادة و عرفا شرعيا أو متشرعيا: الذكر في حال مخصوص، و ربما يفوح من بعض النصوص (2)اعتبار رفع اليدين فيه و إن كان ما ستعرف من كلام الأصحاب ظاهرا في أنه من المستحبات فيه، و كيف كان فلا خلاف بين المسلمين في مشروعيته في الصلاة في الجملة، كما أنه لا خلاف أجده بين الفرقة المحقة منهم في مشروعيته في كل صلاة مستقلة لا يراعى


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القنوت.

ج 10، ص: 353

فيها الجزئية من صلاة أخرى و لو كانت ركعة واحدة كالوتر و الوتيرة، لكن المشهور بينهم شهرة عظيمة كادت تبلغ الإجماع الندب، بل في الذكرى دعواه صريحا، بل حكاه في التذكرة أيضا، قال في موضع منها: «و هو مستحب في كل صلاة مرة واحدة فرضا كانت أو نفلا أداء أو قضاء عند علمائنا أجمع» و في آخر «القنوت سنة ليس بفرض عند علمائنا أجمع، و قد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب، و القصد شدة الاستحباب» و قال في بحث الجمعة من المنتهى: «القنوت كله مستحب و إن كان بعض الأصحاب قد يأتي في عبارته الوجوب» و قال في المعتبر: «اتفق الأصحاب على استحباب القنوت في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا مرة، و هو مذهب علمائنا كافة» ثم حكى خلاف العامة لكن قال بعد ذلك: «المسألة الثانية قال ابن بابويه: القنوت سنة واجبة من تركه عمدا أعاد لقول تعالى (1)«وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ» و روى ذلك

ابن أذينة عن وهب (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «القنوت في الجمعة و الوتر و العشاء و العتمة و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له»

و به قال ابن أبي عقيل» إلى آخره ثم أخذ في الاحتجاج بالأصل و نحوه، لكنه كما ترى ظاهر في إرادته مطلق المشروعية من الاستحباب أولا في مقابلة العامة، و مثله وقع للمنتهى في بحث القنوت، بل الظاهر أنه المراد مما وقع في كشف الحق أيضا «ذهبت الإمامية إلى أن القنوت مستحب، و محله بعد القراءة قبل الركوع» ثم ذكر خلاف الشافعي و أبي حنيفة.

خلافا للصدوق و المحكي عن ابن أبي عقيل و التقي مع أنه لم يعرف النقل عن الثالث منهم إلا من التنقيح، كما أن الثاني قد اختلف النقل عنه بين الوجوب مطلقا و لعله المعروف عنه و بين تخصيصه بالجهرية، و أما الأول ففي الفقيه «و القنوت سنة واجبة


1- 1 سورة البقرة- الآية 239.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القنوت- الحديث 2.

ج 10، ص: 354

من تركها متعمدا في كل صلاة فلا صلاة له، قال الله عز و جل «قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ» يعني مطيعين داعين» و قال في الهداية: باب فريضة الصلاة،

قال الصادق (عليه السلام)(1)حين سئل عما فرض الله تعالى من الصلاة فقال: «الوقت و الطهور و التوجه و القبلة و الركوع و السجود و الدعاء، و من ترك القراءة في صلاته متعمدا فلا صلاة له، و من ترك القنوت متعمدا فلا صلاة له»

و هو أصرح من كلامه في الفقيه، بل يأبى بذل الجهد في تأويله بإرادة التأكد و نفي الكمال أو الترك رغبة عنه من التعمد و نحو ذلك مما تسمعه في النصوص لغلبة تعبيره بما في النصوص معلقا قصده بالقصد بها، و لأجله قال بعض أصحابنا: إن المخالف غير معلوم، و قال في التذكرة ما سمعت، بل ربما أول باحتمال إرادته أيضا نفي الصلاة للتارك له في كل صلاة دون البعض، فيكون منه تعريضا بالعامة أو مبنيا على وجوب فعل المستحب و لو مرة، و الجميع كما ترى تكلفات لا داعي إليها، إذ خلافه لا يقدح في الإجماع كما اعترف به بعض الأساطين، و غروره بظاهر النصوص غير عزيز، بل هو المعلوم من طريقته في غير موضع.

نعم لا ريب في ضعفه للأصل و إطلاق الأدلة أو عموم بعضها، و الإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع، و استبعاد الخفاء في مثله على المسلمين، و خلو النصوص البيانية عنه كأحاديث المعراج (2)التي تضمنت كل ما فرض في الركعتين الأولتين و غيرها، و

صحيح البزنطي (3)المروي في التهذيب عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في القنوت: «إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت»

قال أبو الحسن (عليه السلام): «و إذا كانت التقية فلا تقنت، و أنا أتقلد هذا»

و في الوسائل


1- 1 الهداية باب 37 ص 29 من طبعة طهران عام 1377.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 10 و 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القنوت- الحديث 1.

ج 10، ص: 355

و

بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد(1)عنه قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) و ذكر مثله، إلا أنه قال: «القنوت في الفجر»

و ظاهره أنهما صحيحان مستقلان، و لعله لذا ذكرهما في الرياض خبرين و إن كان لا يخلو من نظر، و

موثق سماعة(2)«سألته عن القنوت في الجمعة قال: أما الامام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود، و إنما صلاة الجمعة مع الامام ركعتان، فمن صلى من غير إمام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع، و إن شاء لم يقنت، و ذلك إذا صلى وحده».

و لأنه هو الذي تنطبق عليه جميع النصوص بالحمل على شدة الندب و نفي الوجوب و نحوهما، بخلاف القول بالوجوب فإنه مستلزم لطرحها أو حملها على التقية التي لا يلتجئ إليها إلا عند الضرورة، إذ هي كالطرح، فلا ريب حينئذ في أولوية إرادة نفي الوجوب منها في

خبر عبد الملك بن عمرو(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع و في الثانية بعد الركوع فقال لي: لا قبل و لا بعد»

و

خبر داود بن الحصين (4)«سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا حاضر عن القنوت في الجمعة فقال: ليس فيها قنوت»

كما أنه لا ريب في أولوية إرادة شدة التأكد في الفريضة دون النافلة من غيره في

خبر الفضل بن شاذان (5)عن الرضا (عليه السلام) المروي عن العيون «القنوت سنة واجبة في الغداة و الظهر و العصر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القنوت- الحديث 2.
2- 2 ذكر صدره و ذيله في الوسائل في الباب 5 من أبواب القنوت- الحديث 8 و قطعة من وسطه في الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القنوت- الحديث 4.

ج 10، ص: 356

و المغرب و العشاء الآخرة»

خصوصا بعد فتوى أساطين الأصحاب به كالسيد و الشيخ و الحلي و الفاضل و الشهيدين و المحقق الثاني على ما حكي عن بعضهم، بل لا جهة لإرادة الوجوب حقيقة، إذ لا ثمرة معتد بها حينئذ في التخصيص، و من ذلك يعلم إرادة الخمس من

خبر الأعمش (1)المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين «و القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة»

أو إرادة شدة التأكيد في خصوص الخمس، بل ظاهرهم أيضا أولوية إرادة شدة التأكد في المتأكد من التقية في

مضمر سماعة(2)«سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال: كل شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت»

و

صحيح محمد بن مسلم (3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القنوت في الصلوات الخمس فقال: اقنت فيهن جميعا- قال-: و سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال لي: أما ما جهرت به فلا شك»

و في

الموثق عن زرارة(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «القنوت في كل الصلوات» قال محمد بن مسلم: «فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أما ما لا يشك فيه فما يجهر فيه بالقراءة».

و من هنا و ما تسمعه من خبر ابن وهب (5)قال في الذكرى: إن أخبار الاستحباب كادت تبلغ التواتر و أفتى أولئك و غيرهم بأنه في الجهرية آكد و إن كان قد يشكل بظاهر

موثق أبي بصير(6)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت فقال: فيما يجهر فيه بالقراءة- قال-: فقلت له: إني سألت أباك عن ذلك فقال: في الخمس كلها، فقال: رحم الله أبي إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثم أتوني


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القنوت- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القنوت- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القنوت- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القنوت- الحديث 4.
5- 5 الظاهر أنه خبر وهب الذي يأتي في ص 358 لأنه لا يتعرض لخبر عن ابن وهب.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القنوت- الحديث 10.

ج 10، ص: 357

شكاكا فأفتيتهم بالتقية»

ضرورة ظهوره في تساوي الجميع و أن ما صدر منه في خصوص الجهر للتقية، لكن قد يدفع برجحان الأول، لعدم معلومية المراد من الخبر المزبور، إذ التقية كما هي في غير الجهرية فيها أيضا عدا الفجر، فإنه لم يحك عن أحد منهم جوازه في مطلق الجهرية، اللهم إلا أن يراد بالتقية فيه مطلق خلاف الواقع أو نحو ذلك، و لأن محمد بن مسلم الذي هو أحد الرواة للإخبار الأول أجل من أن يدخله الشك، و لأنه لم ينهه عن القنوت في غير الجهرية حتى يكون مفتيا به في التقية بل نفى الشك عنه في الجهرية، على أنه قد ذكر له ما سمعه هو و زرارة عن أبيه (ع) و مع ذلك قد أجاب بما عرفت، إلى غير ذلك مما في الخبر المزبور من الإجمال الداعي إلى ترجيح الحمل الأول عليه.

فما في كشف اللثام- من الميل إلى ما يعطيه الخبر المزبور من التساوي من حيث الوظيفة و إن اختلفا بالرجحان العارضي كعدم التقية أو ضعفها فيتأكد حينئذ فيما لا تقية فيه كالفجر- ضعيف مخالف لظاهر كلمات الأصحاب كما عرفت، بل ظاهر الشيخ و الحلي و الفاضل و المحقق الثاني و الشهيد الثاني أولوية إرادة التأكد في خصوص الغداة و الجمعة من التقية في

صحيح سعد بن سعد الأشعري (1)«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلها أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟

قال: ليس القنوت إلا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب»

و لذا قالوا: إنه فيهما آكد من باقي الجهرية، لكن قد يشكل بأنه ينبغي إضافة المغرب و الوتر، بل مقتضاه رجحان الوتر على مطلق الفريضة، كما أنه كان ينبغي لهم أن يذكروا شدة التأكد في الفجر منهما كما عن الشيخ ل

خبر يونس بن يعقوب (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت في أي الصلوات أقنت؟ فقال: لا تقنت إلا في الفجر»

اللهم إلا أن يكون منعهم عن ذلك شدة ظهوره في التقية من جهة أنه عين المحكي عن الشافعي بخلاف النصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القنوت- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القنوت- الحديث 6.

ج 10، ص: 358

الأول، كما أنه قد يعتذر عن عدم استثناء الوتر بنحو ذلك أيضا، لإطباقهم على ما قيل على القنوت فيه و إن كان إنما هو في ثانية الشفع، لكن الإجمال في الاسم يكفينا في تأدية التقية.

و كيف كان فقد ظهر لك أنه بدون القول بالندب لا بد من الطرح و نحوه مما يقتضي إبطال الدليل مع امتناع الحمل على التقية فيها جميعها بناء على اعتبار مذهب لهم في صحة الحمل عليها، بل لا يخفى على الخبير باللسان و الأحوال ظهور الندب من كثرة سؤال هؤلاء الفحول من الرواة عن محله من الصلوات و عن خصوص مكانه من كل صلاة و نحو ذلك مما لم يقع في شي ء من واجبات الصلاة، إذ من المستبعد مع وجوبه خفاء مثله هذا الخفاء، بل يمكن دعوى ظهور الندب أيضا من

خبر وهب بن عبد ربه (1)عن الصادق (عليه السلام) «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له»

و

خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «القنوت في الجمعة و العشاء و العتمة و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له»

ضرورة أنه على الوجوب لا ينبغي تعليق نفي الصلاة على الترك رغبة عنه، بل هو على الترك عمدا رغبة أو غير رغبة، بل قد يستفاد من التفريع بالفاء في الثاني أن جميع النصوص المتضمنة لمثل هذه الجملة الاسمية مراد منها الندب بقرينة هذا التفريع عليها، و نفي الصلاة حينئذ تعريض بالعامة التاركين له رغبة عنه، فهي بالاخبار حينئذ أولى من الإنشاء، و يمكن إرادة نفي الكمال منها، و يمكن نفي الصحة بناء على اندراج مثله في التشريع إذا فرض أنه اعتبر في نيته الصلاة التي لم يشرع فيها القنوت، و هي لا وجود لها في الخارج، فهو حينئذ كالتشريع في الزيادة المتعقبة للعمل المركب كتخميس الظهر و تسديسه، لكنه لا يخلو من تكلف، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القنوت- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القنوت- الحديث 2.

ج 10، ص: 359

و على كل حال فقد ظهر لك أن الاستدلال بهذه النصوص على الوجوب في غير محله، فلم يبق إلا الأوامر به (1)أو بقضائه و نحوه مما هو مستلزم للوجوب التي يجب الخروج عنها بأقل من ذلك، و إلا

موثق عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) «إن نسي الرجل القنوت في شي ء من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته و ليس عليه شي ء و ليس له أن يدعه متعمدا»

و لا ريب في عدم مقاومته لما عرفت من وجوه، فيجب حمله على شدة الكراهة أو على الترك رغبة عنه أو غير ذلك.

و أما الآية(3)- فمع إرادة غير المعنى الشرعي من القنوت فيها، لعدم ثبوته له، أو للأخبار الواردة في تفسيرها كالمروي (4)عن تفسير العياشي أي مطيعين راغبين، فيكون لفظ الجلالة متعلقا به، و في آخر(5)مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها، قيل: و نحوه روى علي بن إبراهيم (6)نعم عن مجمع البيان (7)عن الصادق (عليه السلام) في تفسيرها أي داعين في الصلاة حال القيام، و هو و إن ناسب المعنى الشرعي إلا أنه غير صريح فيه و لا ظاهر، فان الدعاء فيها حال القيام لا يستلزمه، لأعميته منه مع تضمن الحمد الدعاء، على أنه لا بد من إرادة الأعم من الدعاء من لفظ الدعاء في الخبر المزبور، ضرورة عدم انحصار القنوت فيه، لأن أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج، و ليس فيها شي ء من الدعاء، و حينئذ شموله للقراءة و نحوها غير ممنوع،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القنوت- الحديث 7 و 9 و الباب 16 منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القنوت- الحديث 3.
3- 3 سورة البقرة- الآية 239.
4- 4 تفسير الصافي سورة البقرة- الآية 239.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 5.
6- 6 تفسير على بن إبراهيم ص 69.
7- 7 مجمع البيان ج 1 ص 343 طبع صيدا.

ج 10، ص: 360

و بذلك و نحوه أجاب في كشف اللثام عن بعض النصوص المتضمنة لوجوب الدعاء، ك

خبر زرارة(1)سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن الفرض في الصلاة فقال: الوقت و الطهور و القبلة و التوجه و الركوع و السجود و الدعاء»

بعد إرادة تكبيرة الإحرام من التوجه فيه- قلت: قد يناقش بعد في الآية أيضا بمنع استفادة الوجوب المطلق من مثل هذا التركيب فيها، إذ الحال ما أفهم معنى في هذه الحال، فيكون الحاصل قوموا لله في حال القنوت، و هو بمعزل عن الدلالة على إطلاق وجوب الحال، و نحوه قولك: آتني زيدا راكبا، و غيره، و به جزم بعض المحققين، إلا أن الانصاف إمكان الفرق بين الحال التي هي من أوصاف المكلف و بين غيره من الأحوال، فيجب الأول مطلقا بخلاف الثاني، و الفارق الفهم العرفي، فتأمل جيدا.

كما أن من الانصاف القطع بعدم إرادة المعنى الشرعي من القنوت فيها، خصوصا بعد ملاحظة استفاضة النصوص (2)في أنه سنة، و في بعضها(3)سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و نحو ذلك مما يقطع معه بعدم استفادة وجوبه من الكتاب، و إلا لكان من الفرض، و بعد عدم معروفية الاستدلال بالآية على العامة من الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم كما هي طريقتهم في كل مسألة خلافية بينهم و كان لها في الكتاب أثر بل التقية فيها تضعف، لإمكان قطع الخصم بأيسر شي ء، على أن المعروف في النصوص أن كل ما هو فرض في الصلاة تعاد الصلاة من تركه عمدا و سهوا، بخلاف الواجب من السنة لأنها لا تنقص الفريضة، و غير ذلك مما يقطع معه بإرادة مطلق الذكر من


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 8 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب القنوت- الحديث 4 و 6 و الباب 16 منها- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القنوت- الحديث 1.

ج 10، ص: 361

القنوت فيها، خصوصا بعد ظهورها في لزوم وصف القنوت لجميع القيام لله لا لفرد من القيام، بل ذلك لا يعبر عنه بالأمر بالقيام له، ضرورة كون قيام القنوت ليس إلا استمرار القيام، لأن وظيفته كما ستعرف بعد القراءة قبل الركوع، بل لا يبعد إرادة مطلق الاشتغال بالصلاة من القيام، فيكون حاصل المعنى صلوا قانِتِينَ ذاكرين لا ساكتين و متكلمين بحوائجكم، كما عساه يشهد له ما نص (1)عليه في سبب نزول هذه الآية من أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا عن ذلك، و لعل مجموع الذكر في الصلاة فرض باعتبار تكبيرة الإحرام، و منه يظهر جواب آخر للنصوص السابقة، و بعد الإغماض عن ذلك كله فحمله على الاستحباب للأدلة السابقة متجه، فغرور بعض علماء البحرين (2)بها حتى وافق الصدوق في الوجوب في غير محله، كما عرفته مفصلا.

و كيف كان ف هو أي القنوت محله في غير المواضع المستثناة في كل ركعة ثانية إن لم تكن الصلاة وحدانية قبل الركوع و بعد القراءة على المشهور بين الأصحاب، بل هو من معاقد جملة من إجماعاتهم، بل لا أجد فيه مخالفا إلا من المصنف في المعتبر، حيث قال تارة: «و محله الأفضل قبل الركوع، و هو مذهب علمائنا» و أخرى «و يمكن أن يقال بالتخيير و إن كان تقديمه على الركوع أفضل» و استحسنه في الروضة، و لعله ل

خبر إسماعيل الجعفي و معمر بن يحيى (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «القنوت قبل الركوع، و إن شئت فبعده»

الذي هو بعد الإغضاء عن سنده غير مقاوم من وجوه للنصوص (4)الكثيرة المعتبرة المصرحة بما قبل الركوع لا بعده على وجه يمتنع معه دعوى أنه مستحب في مستحب و إن قلنا به في غير المقام


1- 1 تفسير ابن كثير ج 1 ص 294.
2- 2 هو الشيخ سليمان البحراني منه رحمه الله.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القنوت- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القنوت- الحديث 1 و 3 و 5 و 6.

ج 10، ص: 362

من المطلق و المقيد في المندوب، خصوصا مع احتمال الخبر المزبور «نسيت» و الاشتباه من النساخ.

ثم لا يخفى أن ظاهر النصوص و الفتاوى عدم اعتبار لفظ مخصوص فيه، ففي

خبر إسماعيل بن الفضل (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت و ما يقال فيه فقال: ما قضى الله على لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقتا»

و

سألته أيضا تارة أخرى عما يقول في وتره (2)فقال: «ما قضى الله على لسانك و قدره»

و في

مرفوع محمد ابن إسماعيل (3)المروي عن الخصال قال أبو جعفر (عليه السلام): «سبعة ليس فيها دعاء موقت»

و عد منها القنوت، و في

حسن الحلبي أو صحيحه (4)عن الصادق (عليه السلام) «عن القنوت في الوتر هل فيه شي ء موقت و يقال فقال: لا، أثن على الله عز و جل و صل على النبي (صلى الله عليه و آله) و استغفر لذنبك العظيم، ثم قال: كل ذنب عظيم»

و رواه

الصدوق بسنده إلى الحلبي (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأله «عن القنوت فيه قول معلوم فقال: أثن على ربك و صل على نبيك (ص) و استغفر لذنبك»

و لا بأس بالمحافظة على ذلك لما فيه من التوصل إلى استجابة الدعاء على ما يكشف عنه النصوص الأخر(6)كما أنه لا بأس في استحباب خصوص ما في

صحيح زرارة(7)عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «تقول في قنوت الفريضة في الأيام كلها إلا يوم الجمعة: اللهم إني أسألك لي و لوالدي و لولدي و أهل بيتي و إخواني المؤمنين فيك اليقين و العفو و المعافاة و الرحمة و العافية و المغفرة في الدنيا و الآخرة»

و في

خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القنوت الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القنوت الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القنوت الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القنوت الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القنوت الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.
7- 7 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القنوت- الحديث 2.

ج 10، ص: 363

أبي بكر بن أبي سماك (1)«صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) الفجر فلما فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا مما كان يقرأ و قال: اللهم اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعف عنا في الدنيا و الآخرة، إنك على كل شي ء قدير»

إلى غير ذلك من قنوتاتهم (عليهم السلام) و هي كثيرة طويلة، و عن المجلسي في البحار أنه عقد لها بابا.

لكن ينبغي أن يعلم أنه لا يستفاد خصوصية مما حكي من قنوتاتهم (عليهم السلام) ضرورة احتمال أنها أحد الأفراد المساوية لغيرها و لا دلالة في اختيار فرد على خصوصية فيه، و لعله من هنا اختلفت ادعيتهم (عليهم السلام) و لم يتفقوا على دعاء واحد غالبا بخلاف ما أمروا فيه بالقنوت، لظهور الخصوصية حينئذ كما في كل خاص أمر به بعد عام، نعم يفضل الأول على غيره مما لا يقنت به بالتأسي، كما أنه يفضل سائر ادعيتهم (عليهم السلام) المأثورة عنهم و لو في غير القنوت على غيرها من الأدعية المخترعة بذلك أيضا، على أن وزير الملك أعرف بكيفية خطابه، بل قد يخاطبه غيره بما يقتضي الحرمان، إلا أن ذلك كله لا يفيد خصوصية في القنوت، كبعض ما ستعرفه أيضا.

و لبعض ما ذكرنا أشار المصنف بقوله و يستحب أن يدعو فيه بالأذكار المروية و قال العلامة الطباطبائي:

و الفضل في القنوت بالمأثورفهو بلاغ و شفا الصدور

لكن قال بعده أيضا:

و فوقه أدعية القرآن و ليس في ذلك من قران

و لم أجد ما يدل عليه صريحا فيما حضرني من النصوص، نعم قد تضمنت بعض القنوتات المروية عنهم (عليهم السلام) ذلك، و لا دلالة فيه على أفضليته مما أمروا به،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القنوت- الحديث 3.

ج 10، ص: 364

فتأمل، و يمكن تأييده أيضا باجتماع جهتي القرآنية و الدعائية فيه و نحو ذلك مما لا يفيد خصوصية في القنوت، فتأمل، و لعل المراد بأدعية القرآن الأعم من الأدعية التي يتضمنها القرآن و من الدعاء بنفس القرآن كالقنوت بقل هو الله أي تتوسل بها، و أما ما أشار إليه من شبهة القران فيدفعها ما قدمناه سابقا من أن المراد بمحل القران ما لا يشمل ذلك بل المراد به اتباع الحمد سورتين لا في جميع أحوال الصلاة، خصوصا و قد ورد الأمر بالبسملة هنا، ففي

خبر علي بن محمد بن سليمان (1)«كتبت إلى الفقيه أسأله عن القنوت فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين و قل: ثلاث مرات بسم الله الرحمن الرحيم»

هذا.

و لكن كان على المصنف ذكر أفضلية القنوت في كلمات الفرج كغيره من الأصحاب، بل في الذكرى و عن البحار نسبة ذلك إليهم مشعرا بالإجماع عليه، كمنظومة العلامة الطباطبائي:

و أطلقوا في كلمات الفرج تفضيلها فيه بقول أبلج

و الظاهر استنادهم للنقل فيه و قد أرسل ذاك الحلي

بل في الغنية دعواه عليه و إن كنا لم نعثر على خبر أطلق فيه ذلك، إلا أنه يكفي ما سمعت، مضافا إلى ما عن علم الهدى و الحلي من أنه روي أنها أفضله، و قال الحسن ابن أبي عقيل (2)على ما حكي عنه: بلغني أن الصادق (عليه السلام) كان يأمر أصحابه أن يقنتوا بهذا الدعاء بعد كلمات الفرج، و هو مشعر بمعروفية القنوت بها، و يريد بالدعاء

المروي (3)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «اللهم إليك شخصت الأبصار و نقلت الأقدام و رفعت الأيدي و مدت الأعناق و أنت دعيت بالألسن و إليك


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 7.
3- 3 المستدرك- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 7.

ج 10، ص: 365

سرهم و نجواهم في الأعمال ربنا افتح بيننا و بين قومنا و أنت خير الفاتحين، اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا (صلى الله عليه و آله) و غيبة ولينا (عليه السلام) و قلة عددنا و كثرة عدونا و تظاهر الأعداء علينا و وقوع الفتن بنا ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره، و إمام حق تعرفه إله الحق آمين يا رب العالمين»

و فيه شهادة على جواز قول آمين في القنوت كما أوضحناه سابقا، فما في الذكرى هنا بعد أن حكى عن ابن الجنيد استحباب الجهرية للإمام معللا له بتأمين من خلفه عليه- من أنه إن أراد لفظ آمين ففيه أنه مبطل، و إن أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس- ضعيف، و عن

فقه الرضا (عليه السلام)(1)قال: «قل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم، لا إله إلا أنت العلي العظيم، سبحانك رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم، يا الله ليس كمثله شي ء صل على محمد و آل محمد و اغفر لي و لوالدي و لجميع المؤمنين و المؤمنات إنك على كل شي ء قدير ثم اركع»

إلى آخره. و قد ورد الأمر به (2)في قنوت الوتر و الجمعة الذين يتأكد فيهما القنوت، فلعل الأصحاب طردوا الحكم في الجميع لذلك كما أشار إليه العلامة الطباطبائي:

و الأمر في الجمعة و الوتر وردفي مسند الأخبار و الحكم اطرد

لكنك خبير بعدم دلالة الأمر به على أفضليته من غيره مما أمروا به أيضا، إلا أن الأمر بعد ما عرفت سهل، و قد اختلفت النصوص في كلمات الفرج كما و كيفا، و لا بأس بالعمل بالجميع على معنى تعدد الأفراد، لكن في المدارك بعد أن ذكر حسن


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القنوت- الحديث 4 و الفقيه ج 1 ص 310 الرقم 1412 من طبع النجف.

ج 10، ص: 366

زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) المتضمن لصورتها قال: و ذكر المفيد و جمع من الأصحاب أنه يقول قبل التحميد: و سلام على المرسلين، و سئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لأنه بلفظ القرآن، و لا ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج ليس بجيد، و فيه أنه قد روى الصدوق (2)كلمات الفرج و فيها ذلك كما ذكرنا ذلك و غيره في تلقين الأموات، بل هي من معقد إجماع الغنية، بل يكفي في ذلك رواية كثير من الأصحاب لها في كتب الفروع، نعم قد يتوقف في قوله و إن لم يكن بعنوان كلمات الفرج للنهي عنه في قنوت الجمعة لا من الحيثية المزبورة، فعن المصباح أنه

روى سليمان ابن حفص المروزي (3)عن أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) يعني الثالث (عليه السلام) قال: «لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت: و سلام على المرسلين»

و لاحتمال كونه من التسليم المحلل، إلا أنه لا يصل إلى حد المنع، لإطلاق النصوص و الفتاوى، و تصريح الأكثر، و عدم اجتماع شرائط الحجية في الخبر المزبور، و ضعف احتمال التحليل فيه بل بطلانه، و إلى أكثر ذلك أشار العلامة الطباطبائي:

و في سلام المرسلين فيهاشي ء و ليس حظره وجيها

لكن روى النهي ابن حفص المروزي عنه بفرض جمعة فأزز

و الله أعلم.

فان لم يتيسر له الدعاء بالمأثور أو لم يختره دعا بما قضى الله به على لسانه، و اليه أشار المصنف بقوله و إلا فبما شاء، و أقله ثلاث تسبيحات ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي سماك (4)في حديث: «يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات»


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الاحتضار- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الفقيه ج 1 ص 77- الرقم 346 من طبعة النجف.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القنوت- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 3.

ج 10، ص: 367

و قد سمعت خبر علي بن محمد(1)المجتزي بالبسملات الثلاث، و لا ينافي ذلك

خبر أبي بصير(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى القنوت فقال: خمس تسبيحات»

ضرورة ظهور الترتيب في الفضل بذلك، بل الظاهر تمسكا بإطلاق النصوص السابقة و عمومها و الفتاوى و معاقد الإجماعات الاجتزاء بمطلق الذكر فيه و الدعاء، و أنه لا يتقدر بذلك، و لعله مراد المصنف أيضا و إن كان قد يتوهم منه خلافه، كما أنه قد يتوهم مما في منظومة العلامة الطباطبائي توظيف الثلاث للمستعجل خاصة، قال:

سبح ثلاثا أو ثلاثا بسمل فمثله وظيفة المستعجل

و لعله أخذه من خبر البسملة(3)الظاهر في الضرورة و التقية الشديدة، إلا أنه محتمل لإرادة بيان الاجتزاء بالأقل حالها، و التحقيق الاجتزاء بمطلق الذكر و الدعاء فضلا عن الثلاث للمختار فضلا عن المستعجل أخذا بإطلاق ما في الأدلة من أنه يقال فيه ما يقدر الله على اللسان، و أنه لا توقيت فيه لا كما و لا كيفا.

نعم تطويله أحد ما يستحب فيه، ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(4): «أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف»

و

في الذكرى ورد عنهم (ع) «أفضل الصلاة ما طال قنوتها»

، بل يكفي فيه التأسي بما ورد عنهم (عليهم السلام) من القنوتات الطويلة، على أن العقل يرجحه فضلا عن الاعتبار، نعم قد يتعارض مع مستحب آخر في بعض الأحوال كالتخفيف في الجماعة، لأن فيها الشيخ و الضعيف و نحوهما ممن يصعب عليه طول الوقوف، و الحكم فيه الترجيح بين المندوبات بالاهتمام و نحوه من غير تخصيص للأدلة، و لعل من ذلك إذا خشي الملل من التطويل، للمستفاد من النصوص (5)


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القنوت- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب القنوت- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب مقدمة العبادات و الباب 16 من أبواب أعداد الفرائض و النوافل- الحديث 8 و 11.

ج 10، ص: 368

في غير المقام من تجنب ما يقتضي نحو ذلك، و لذا قال العلامة الطباطبائي:

أطل به فالفضل للإطالةأو اقتصر إن تختش الملالة

و منه استحباب رفع اليدين به بلا خلاف أجده فيه فتوى و نصا، بل كأنه إجماع، بل ظاهر صحيح ابن أبي نصر(1)السابق دخوله في مفهومه، ضرورة إرادته من النهي عن القنوت فيه و لو بقرينة ما في خبر علي بن محمد بن سليمان (2)السابق أيضا و في

خبر الساباطي (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخاف أن أقنت و خلفي مخالفون فقال: رفعك يديك يجزي يعني رفعهما كأنك تركع».

و في المعتبر «و يجعل كفيه حال قنوته تلقاء وجهه، و هو قول الأصحاب» و في الذكرى «يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء و ظهورهما الأرض، قاله الأصحاب» و

روى عبد الله بن سنان (4)عن الصادق (عليه السلام) «و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك، و إن شئت تحت ثوبك، و تتلقى ببطونهما السماء»

و في الدروس و عن غيرها استحباب تفريق الإبهامين فيه، و مقتضاه كما عن صريح غيره استحباب ضم الأصابع عداهما، قلت: أما الرفع تلقاء الوجه فلا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن المفيد من الرفع حيال الصدر، و عن الشيخ نجيب الدين أنه استحسنه، و صحيح ابن سنان المعتضد بفتاوى الأصحاب حجة عليهما، اللهم إلا أن يفهما من

قوله (عليه السلام) فيه: «و إن شئت تحت ثوبك»

الكناية عن الرفع حيال الصدر، و لأنه أقرب إلى التستر عن العامة، و فيه أنه بعد تسليمه لا دلالة فيه على الوظيفة، بل أقصاه الرخصة التي لا تنافي الحكم باستحباب الأول، و أما كونهما


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب القنوت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القنوت- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القنوت- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القنوت- الحديث 1.

ج 10، ص: 369

مبسوطتين مستقبلا ببطونهما السماء و ظهورهما الأرض فهو المنساق إلى الذهن من إطلاق الرفع تلقاء الوجه و المتعارف في العمل، لكن لم أجد به نصا في خصوص القنوت من بين باقي أفراد الدعاء، إذ ليس في الذي عثرنا عليه من خبر ابن سنان «و تتلقى» إلى آخره مع أنه في الوتر خاصة، ك

خبر أبي حمزة الثمالي (1)قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول في آخر وتره و هو قائم: رب أسأت و ظلمت نفسي و بئس ما صنعت و هذه يدي جزاء بما صنعت، ثم يبسط يديه جميعا قدام وجهه و يقول: هذه- إلى آخره- ثم يطأطئ رأسه و يخضع برقبته ثم يقول»

إلى آخره و هو مع أنه في الوتر أيضا ظاهر في أن البسط قدام الوجه إنما هو عند هذا القول في القنوت لا من أوله، و قال في المعتبر متصلا بما رواه من

خبر ابن سنان «و تتلقى ببطونهما السماء»

و قيل:

بظاهرهما، و كلا الأمرين جائز، و لعله لعدم ما يختص به القنوت، و كذا لم أقف في شي ء مما وصلني من النصوص على الأمر بتفريق الإبهامين و ضم الأصابع في خصوص القنوت.

نعم قد ورد في النصوص كيفيات متعددة لمطلق الدعاء،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (2): «الرغبة تبسط يديك و تظهر باطنهما، و الرهبة تظهر ظهرهما، و التضرع تحرك السبابة اليمنى يمينا و شمالا، و التبتل تحرك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا و تضعها، و الابتهال تبسط يدك و ذراعك إلى السماء، و الابتهال حين ترى أسباب البكاء»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي إسحاق (3): «الرغبة أن نستقبل ببطن كفيك إلى السماء، و الرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء، و قوله تعالى (4):


1- 1 المستدرك- الباب- 16- من أبواب القنوت- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء- الحديث 2.
4- 4 سورة المزمل- الآية 8.

ج 10، ص: 370

«وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا» الدعاء بإصبع واحدة تشير بها، و التضرع تشير بإصبعك و تحركها، و الابتهال رفع اليدين و تمدهما و ذلك عند الدمعة ثم ادع»

و في

مرسل مروك بياع اللؤلؤ(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ذكر الرغبة و أبرز باطن راحتيه إلى السماء، و هكذا الرهبة و جعل ظهر كفيه إلى السماء، و هكذا التضرع و حرك أصابعه يمينا و شمالا، و هكذا التبتل و رفع أصابعه مرة و وضعها مرة، و هكذا الابتهال و مد يده تلقاء وجهه إلى القبلة، و لا تبتهل حتى تجري الدمعة»

وفي

خبر أبي البختري (2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «كان يقول: إذا سألت الله فاسأله ببطن كفيك، و إذا تعوذت فبظهر كفيك، و إذا دعوت فبإصبعيك»

و في

خبر ابني وهب و سنان (3)المروي عن بصائر الدرجات عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه لما دعا على داود بن علي رفع يديه فوضعهما على منكبيه ثم بسطهما ثم دعا بسبابته، فقلت له: رفع اليدين ما هو؟ قال: الابتهال، قلت: فوضع يديك و جمعهما؟ قال: التضرع، قلت: و رفع الإصبع؟ قال: البصبصة»

و في

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى (عليهما السلام) المروي عن معاني الأخبار «التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت، و الابتهال أن تبسطهما و تقدمهما، و الرغبة أن تستقبل براحتيك السماء و تستقبل بهما وجهك، و الرهبة أن تلقي بكفيك فترفعهما إلى الوجه، و التضرع أن تحرك إصبعيك و تشير بهما»

و

عنه أنه قال و في حديث آخر(5): «أن البصبصة أن ترفع سبابتيك إلى السماء و تحركهما و تدعو»

و في

خبر أبي بصير(6)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الدعاء و رفع اليدين فقال: على أربعة أوجه، أما التعوذ فتستقبل القبلة بباطن كفيك، و أما الدعاء بالرزق فتبسط كفيك و تفضي بباطنهما إلى السماء، و أما التبتل فإيماء بإصبعك


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء الحديث 4 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء الحديث 9 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء الحديث 8 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء الحديث 6 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء الحديث 7 من كتاب الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء الحديث 5 من كتاب الصلاة.

ج 10، ص: 371

السبابة، و أما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك، و دعاء التضرع أن تحرك إصبعك السبابة مما يلي وجهك، و هو دعاء الخيفة»

و

قال زرارة و محمد بن مسلم (1)لأبي عبد الله (عليه السلام): «كيف المسألة إلى الله تبارك و تعالى؟ قال: تبسط كفيك قلنا: كيف الاستعاذة؟ قال: تفضي بكفيك، و التبتل الإيماء بالإصبع، و التضرع تحريك الإصبع، و الابتهال أن تمد يديك جميعا»

و عن

قرب الاسناد(2)«ان حماد ابن عيسى قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) توقف على بغلة رافعا يده إلى السماء عن يسار و إلى الموسم حتى انصرف، و كان في موقف النبي (صلى الله عليه و آله) و ظاهر كفه إلى السماء، و هو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته»

و

«كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يرفع يديه إذا ابتهل و دعا كما يستطعم المسكين»(3).

و لا بأس بالعمل بالجميع، إلا أنه ليس شي ء منها في خصوص القنوت، فلا يبعد مساواته لغيره من أحوال الدعاء إلا فيما حكاه في الذكرى عن الجعفي من أنه يمسح وجهه بيديه عند ردهما و يمره على لحيته و صدره فقد اعترف بعضهم بعدم العثور له على أثر، لكن لعله بناه على ما ورد في مطلق الدعاء،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن القداح (4): «ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحى الله عز و جل أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه و رأسه»

و

أرسل في الفقيه مثله عن أبي جعفر (عليه السلام) و قال:

و في خبر آخر(5)«على وجهه و صدره»

لكن في الوسائل عن

الطبرسي في احتجاجه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدعاء- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 قرب الاسناد ص 31 و فيه محمد بن عيسى قال: حدثنا حماد بن عثمان قال: رأيت إلى آخره.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الدعاء- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدعاء- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدعاء- الحديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 10، ص: 372

عن الحميري (1)«أنه كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي أن الله أجل من أن يرد يدي عبد صفرا بل يملأهما من رحمته أم لا يجوز، فان بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة، فأجاب (عليه السلام) رد اليدين من القنوت على الرأس و الوجه غير جائز في الفرائض، و الذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة و فرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل و يكبر و يركع و الخبر صحيح، و هو في نوافل النهار و الليل دون الفرائض، و العمل به فيها أفضل»

و مقتضاه النهي عن ذلك في الفرائض، و يؤيده أنه فعل العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم كما حكاه في الذكرى، و أشار (عليه السلام) بالخبر إلى ما ذكرناه آنفا.

و منه استحباب التكبير له أيضا بلا خلاف أجده فيه فتوى و نصا إلا ما يحكى عن علي بن بابويه و المفيد في آخر عمره، نعم قيل: إنه إليه يميل كلام السيد في الجمل، و لم نقف لهم على دليل إلا ما أرسله في

التوقيع من الناحية المقدسة حين كتب إليه الحميري (2)يسأله عن ذلك، فوقع (عليه السلام) ما حاصله «أن في ذلك روايتين، و بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك»

على أن من المعلوم عدم رجوع مثل المفيد، و فتوى مثل علي بن بابويه لا يكون إلا عن نص و إن كان لم يصل إلينا، إلا أنا مكلفون بما وصل إلينا من أخبارهم (عليهم السلام).

و منه الجهر به للإمام و المنفرد مطلقا على المشهور، ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(3): «القنوت كله جهر»

خلافا للفاضل و المحكي عن الجعفي و السيد


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب القنوت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السجود- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب القنوت- الحديث 1.

ج 10، ص: 373

و العجلي فجعلوه تابعا للفريضة، ل

ما ورد(1)من أن «صلاة النهار عجماء»

و فيه مع انسياق الذهن إلى إرادة القراءة من ذلك أن الأول أرجح دلالة و عملا، فلا يقدح حينئذ كون التعارض بينهما من وجه.

أما المأموم فقد أطلق جماعة إخفاته للنهي (2)عن إسماعه الإمام، بل قيل:

إنه المشهور، و فيه أولا أن النهي المزبور أعم من الإخفات، ضرورة عدم استلزام أقل الجهر للاسماع، نعم قد يتفق ذلك، و حينئذ فترجيح ذلك على دليل الجهر يمكن منعه، بل قد يقال بكون المقام كتعارض المندوبات و المكروهات و المندوب مع المكروه في العمل، فلو جهر في القنوت حصل ثواب الجهر و إن فعل مكروها من حيث الاسماع كالعكس، فلا يكون من تعارض العموم من وجه، لكنه لا يخلو من تأمل، و الأمر سهل.

و كيف كان فقد صرح الصدوق في الفقيه بجواز القنوت بالفارسية حاكيا له عن الصفار، قيل: و قد وافقه عليه أكثر الأصحاب، بل لم يعرف الخلاف في ذلك إلا من سعد بن عبد الله حتى أن المحقق الثاني لما استوجه المنقول عن سعد- لأن كيفية العبادة متلقاة من الشارع و لم يعهد مثل ذلك- قال: إلا أن الشهرة بين الأصحاب- حتى أنه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد المذكور- مانعة من المصير اليه، كما أن غيره ممن عادته تتبع الخلاف في المسائل و لو نادرا قد اقتصر على نسبة ذلك إلى سعد، فلا يبعد استقرار الكلمة حينئذ على الجواز، و احتجوا عليه- بعد الأصل و ما سمعته من إطلاق أدلة القنوت و أنه لا شي ء موقت فيه بل يكفي فيه ما يجري على اللسان و يقدره- بصدق


1- 1 المستدرك- الباب- 18- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الصلاة الجماعة- الحديث 2.

ج 10، ص: 374

اسم الدعاء عليه، فيشمله حينئذ كل ما دل عليه، و

مرسل الفقيه (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي ء يناجي به ربه عز و جل»

و

الصادق (عليه السلام)(2)«كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام»

و

صحيح علي بن مهزيار(3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي ء يناجي به ربه عز و جل قال: نعم»

و الظاهر أنه هو الذي أرسله في الفقيه كما سمعت، و قال بعده: إنه لو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر الذي

روي (4)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «كل شي ء مطلق حتى يرد فيه نهي»

و النهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد لله، و في كشف اللثام إنا لا نعرف لسعد بن عبد الله مستندا إلا ما في المختلف من أنه (صلى الله عليه و آله) لم يتخلل صلاته دعاء بالفارسية مع

قوله (صلى الله عليه و آله)(5): «صلوا كما رأيتموني أصلي»

و فيه أنه لو عم هذا لم يجز الدعاء بغير ما كان (صلى الله عليه و آله) يدعو به، و لا في شي ء من أجزاء الصلاة إلا ما سمع دعاؤه فيه، فان أجيب بخروج ذلك بالنصوص قلنا فكذا غير العربي، للاتفاق على جواز الدعاء فيها بأي لفظ أريد من العربي من غير قصر على المأثور للعمومات، و هي كما تعم العربي تعم غيره، قلت: لكن الإنصاف أنه ليس بتلك المكانة من الفساد كما يومي اليه عدم ترجيح بعضهم في المسألة كالشهيد في الذكرى و غيره، و تعبير بعض من رجح بلفظ الأشبه و نحوه، و الأمر بالاحتياط من آخر، بل قال العلامة الطباطبائي:

و اللحن كالدعاء بغير العربي يخالف الحزم بها فاجتنب

بل جزم في الحدائق بالمنع، كما أنه مال إليه الأستاذ الأكبر في شرحه على


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القنوت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القنوت- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القنوت- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب القنوت- الحديث 3.
5- 5 صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125.

ج 10، ص: 375

المفاتيح، بل قد يقوى في النظر عدم الاجتزاء به عن وظيفة القنوت و إن قلنا بعدم بطلان الصلاة مع الدعاء به، للأصل فيهما، و إمكان دعوى حصول القطع من ممارسة أحوال الشرع في العبادات واجبها و مندوبها و المعاملات و الإيقاعات و غيرها بعدم اعتبار غير اللغة العربية فارسية و غيرها، و كل ما أمر فيه بلفظ و قول و كلام و نحوها لا ينساق إلى الذهن منه إلا العربي الموافق للعربية، بل يؤيد ذلك أن غير العرب من المكلفين أضعاف العرب، و كثير منهم الرواة و الممارسون لأهل البيت (عليهم السلام) و لم يحك عن أحد منهم نظم دعاء باللغة الفارسية و لا ذكر من الأذكار، بل ألزموهم متى أرادوا شيئا من الأدعية المخصوصة و الأذكار الموظفة بقراءة المأثور الذي قل ما يتفق فعلهم له صحيحا، بل ربما كان في تأدية بعض الألفاظ منهم الكفر فضلا عن نقيض المعنى المراد كما لا يخفى على كل من سمع أدعية العارفين منهم و زياراتهم فضلا عن السواد، و لو أن للألفاظ الفارسية مثلا أدنى توظيف شرعي ما كلفوا بذلك الذي لا يعقلون منه معنى و لا يحسنون فيه لفظا، و النصوص المزبورة مع إرسال بعضها غير مساقة لبيان الجواز بأي لغة، بل المراد منها أن كل ما يناجي به الله في غرض دنيوي أو أخروي ليس من الكلام المبطل، خلافا للمحكي عن أحمد بن حنبل فلا يجوز إلا بما تقرب إلى الله تعالى دون ملاذ الدنيا، على أنها إنما تدل على أنه ليس بكلام مبطل لا أنه يجتزي به عن القنوت الموظف، كما أن قوله (عليه السلام): «كل شي ء» بناء على جريان مثله في نحو المقام كذلك أيضا، و من هنا و الأصل و ظهور ما دل على مانعية كلام الآدميين في غير ما يناجي به الرب و صدق اسم الدعاء قلنا بعدم فساد الصلاة بالدعاء بالفارسية.

بل الظاهر عدم البطلان أيضا لو جاء به بنية وظيفة القنوت، إذ مثل هذا التشريع لا يقتضي بطلانا كما هو واضح، و لا يقدح ذلك كله في القول بعدم الاجتزاء

ج 10، ص: 376

به عن توظيف القنوت بعد ظهور النصوص باعتبار اللفظ في القنوت المنصرف إلى العربي و إن لم يكن لفظ مخصوص، فارادة معنى الدعائية الذي هو معنى العبودية و الخضوع و الخشوع و الاعتراف بالقصور و نحوها مما لا مدخلية لخصوص لغة فيها لا تقتضي الاجتزاء بذلك عن القنوت، و كأنه من هنا نشأ الوهم في الاجتزاء باعتبار أنه لا مجال لإنكار مطلوبية معنى الدعائية من كل مكلف الذي أشار إليه

الإمام (عليه السلام) بقوله (1): «إليك عجت الأصوات بفنون اللغات»

و قد

ورد(2)في القنوت «انه لا شي ء فيه موقت»

فظن منهما الاكتفاء فيه بالفارسية و غفل عن إرادة الشارع اللفظ فيه، إلا أنه لم يقيده بلفظ مخصوص، و هو منصرف إلى العربي، و يومي اليه

قول الصادق (عليه السلام) للحلبي (3)لما سأله «عن القنوت في الوتر هل فيه شي ء موقت يتبع و يقال؟:

لا، أثن على الله عز و جل و صل على النبي (صلى الله عليه و آله) و استغفر لذنبك»

ضرورة ظهوره في أن المراد من نفي التوقيت عدم لفظ مخصوص من اللغة العربية.

و يشهد لذلك كله أيضا أن المتجه حينئذ بناء على شمول مثل هذه الإطلاقات لسائر اللغات الاكتفاء بالفارسية و نحوها في الذكر في الركوع و السجود و غيرهما مما وجب فيه مطلق الذكر الشامل لسائر اللغات، و لم يلتزمه أحد، بل أطبقوا بحسب الظاهر على عدم الاجتزاء بها في كل واجب و إن لم يكن المكلف به لفظا مخصوصا، قال العلامة الطباطبائي بعد البيت السابق:

و كالدعاء كل ذكر قد ندب و اقطع بحظر في الذي منه يجب

و قال الفاضل في القواعد: و يجوز الدعاء بغير العربية مع القدرة، أما الأذكار


1- 1 هذه الجملة مذكورة في دعاء الحسين عليه السلام في عشية عرفة و فيه« بصنوف» بدل« بفنون».
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القنوت- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القنوت- الحديث 2.

ج 10، ص: 377

الواجبة فلا، و لم يحك فيه خلافا شراحه كالمحقق الثاني و الفاضل الأصبهاني و غيرهم، و احتجوا عليه بالتأسي و عدم الخروج عن يقين البراءة، و هو كما ترى، إذ في الأول ما سمعته في رد دليل سعد، و في الثاني بعد تسليم وجوب مراعاته أنه يكفي فيها إطلاق الأدلة، لأنه هو المفروض، إذ محل البحث ما كلف فيه بالذكر و نحوه مما لا يخص لغة، لا الألفاظ المخصوصة التي لا تجزي اللغة الفارسية في مندوبها قطعا فضلا عن واجبها، فما في كشف اللثام أن الأذكار المندوبة في تشهد الصلاة و غيره لعلها كالدعاء داخلة فيما يناجي به الرب، و كأنه يلوح من المنظومة كما سمعت فاسد جزما إن أراد المأثورة بالخصوص، و إلا لجاز ترجمة سائر الأدعية المأثورة عنهم (ع) و هو معلوم الفساد في سائر الأعصار و الأمصار، بل لا يبعد في النظر أن كل نبي أرسل بلسان قومه جرى التعبد فيما يراد من الألفاظ في شريعته بذلك اللسان فضلا عن شريعتنا، فتأمل جيدا، هذا.

و يمكن إرجاع كثير من عبارات الأصحاب إلى ما قلنا، لأن جميعهم لم يذكره في تأدية وظيفة القنوت بل إنما ذكروا جواز الدعاء بالفارسية بمعنى عدم بطلان الصلاة معه، و نحن نقول به كما عرفت.

ثم إن ظاهر العلامة الطباطبائي مساواة الملحون لغير العربي، و هو كذلك سواء كان لحنا ماديا أو إعرابيا، و سواء كان من المحرفات أو الاتفاقيات، إذ الظاهر عدم كون محرفات الأعوام من اللغات و الحقائق العرفية، لعدم إرادة الوضع فيها منهم، بل المقصود لهم الجريان على مقتضى الوضع السابق إلا أنهم لم يحسنوا التأدية لآفة في ألسنتهم من ممارسة غير الفصحاء، فهي حينئذ من الأغلاط و المهملات التي لم توضع لمعنى إلا أنه لم يخرج بذلك عن صدق الدعاء عرفا كغير الموافق للعربية في الكيفية، إذ الظاهر تناوله للجميع و إن كان المنصرف منه عند الأمر به في قنوت أو تشهد أو نحوهما العربي الصحيح مادة و هيئة كباقي الألفاظ في المعاملات و الإيقاعات و غيرهما، و لصدق الاسم و غيره مما

ج 10، ص: 378

سمعته سابقا لم تبطل الصلاة، كما أنه لفقد الوصف المعتبر بشهادة التبادر لم يجز عن الموظف و لم يفد نقلا في المعاملة، فأصالة عدم الاجتزاء حينئذ محكمة فيهما، و عدم بطلان الصلاة للأصل بعد الشك في شمول أدلة المنع لمثله، بل الظاهر عدم البطلان أيضا لو جاء بالمأثور ملحونا بمادته أو كيفيته، لعدم الخروج عن اسم الدعاء معه و إن لم يحصل له الوظيفة المخصوصة، و لا تشريع فيه بعد فرض فعله بنية تحصيل المأثور إلا أنه لم يتيسر له، نعم لو كان تغييرا فاحشا يحكم كل من سمعه بأنه ليس من الدعاء في شي ء يتجه البطلان حينئذ، و لعل منه بعض التحريفات الخاصة ببعض الأشخاص، كل ذلك و طريق الاحتياط غير خفي، و لا ينبغي أن يترك.

و كيف كان ف في الجمعة قنوتان على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في كشف الرموز أنه مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا إلا المتأخر بل في الخلاف الإجماع عليه، لما في

صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) المروي في الفقيه و عن الخصال «و على الامام فيها قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الركعة الثانية بعد الركوع» و زاد في الفقيه «و إن صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع»

و

صحيح أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) «سأله بعض أصحابنا و أنا عنده عن القنوت في الجمعة فقال له: في الركعة الثانية، فقال له: قد حدثنا بعض أصحابنا أنك قلت له: في الركعة الأولى فقال: في الأخيرة و كان عنده ناس كثير فلما رأى غفلة منهم قال: يا أبا محمد في الأولى و الأخيرة، فقال أبو بصير بعد ذلك قبل الركوع أو بعده، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع، و الأخيرة بعد الركوع»

و

موثق سماعة(3)«سألته عن القنوت في الجمعة فقال (عليه السلام): أما


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 8.

ج 10، ص: 379

الامام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود- إلى أن قال-: و إن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع، و إن شاء لم يقنت، و ذلك إذا صلى وحده»

و خبر عبد الملك (1)بعد حمله على نفي الوجوب و غيره، و بها يخص ما دل (2)على وحدة القنوت و أنه في الثانية قبل الركوع من الأدلة السابقة.

خلافا للمحكي عن المفيد فواحد في الركعة الأولى قبل الركوع، و اختاره في المختلف و المدارك ل

صحيح معاوية بن عمار(3)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قنوت الجمعة: إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى، و إن كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع»

و

مرسل أبي بصير(4)عن الصادق (عليه السلام) «القنوت قنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة»

و

خبر عمر بن حنظلة(5)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): القنوت يوم الجمعة فقال: أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الأولى، و إذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية»

و

صحيح سليمان بن خالد(6)«إن القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى».

و فيه بعد القدح في سند البعض أن بعضها غير مناف لثبوته في الثانية، بل في كشف اللثام أن عبارة المقنعة التي ظن منها الخلاف كذلك، و الآخر دلالته بالظاهر أو الإشعار الذي يجب الخروج عنه بالتصريح في الأدلة السابقة، و لعل الاقتصار فيها على بيان القنوت الأول مشعر بأنه هو الذي اختصت به الجمعة من بين الصلوات، و بأنه هو الذي ينبغي الاهتمام بذكره، لعدم معروفية مشروعيته في غيرها، بخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب القنوت.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 6.

ج 10، ص: 380

القنوت في الثانية بعد الركوع، فإنه قد يشرع في النسيان، بل سمعت من المحقق جوازه اختيارا، و ذكر في القنوت و في صلاة جعفر، فليس هو كالأول.

و خلافا للصدوق و الحلي فكغيرها من الصلوات، قال في الفقيه بعد أن ذكر

صحيح زرارة(1): «و تفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة، و الذي استعمله و أفتي به و مضى عليه مشايخي (رحمة الله عليهم) هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة و غيرها في الركعة الثانية بعد القراءة قبل الركوع»

و من الغريب ما حكاه في الذكرى عنه أنه يقول بوحدة القنوت و أنه بعد الركوع، و كلامه صريح في خلافه، كما أن كلامه في هدايته ظاهر أو صريح في تعدد القنوت، و قال في السرائر على ما قيل: «إن الذي يقتضيه أصول مذهبنا و إجماعنا أن لا يكون في الصلاة إلا قنوت واحد أية صلاة كانت فلا يرجع عن ذلك بأخبار الآحاد» و هو كما ترى من غرائب الكلام، و مقتض لطرح جميع النصوص السابقة التي لا بأس بدعوى تواترها، بل لو كان كما ذكر من تفرد حريز عن زرارة بذلك فضلا عما عرفت لكان المتجه العمل بها بعد صحة طريقه إليه، إذ لا معارض لها إلا إطلاقات أو عمومات يجب الخروج عنها بها، اللهم إلا أن يريد بالتفرد ما ذكره من الذيل من أن عليه قنوت واحد في الركعة الأولى لو صلاها وحده، فإنه مع أنه لا عامل به من أحد لم يشاركه في هذا التصريح شي ء من النصوص الواصلة إلينا، نعم ربما كان فيها بعض إطلاقات يجب حملها على الصريح المعمول به بين الأصحاب المعتضد بعموم الأدلة السابقة، فتأمل، و قال في المدارك متصلا بما حكاه عن الفقيه مما سمعته: و ما ذكره من الرواية يصلح سندا للقول الأول لو كانت متصلة، و الظاهر أنه زيادة منه، إذ لا أثر له في الفقيه، و فيه أن كلامه في الفقيه بقرينة المحكي عنه من روايته له في الخصال كالصريح في أن ذلك من قول الباقر (عليه السلام) لزرارة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 4.

ج 10، ص: 381

كما لا يخفى على من لاحظهما، و طريقه إلى زرارة معروف الصحة، على أنه في الخصال ذكر السند تاما، فظهر لك من ذلك كله أن القول المزبور كسابقه في غاية السقوط.

نعم ظاهر المصنف و غيره- حتى معقد إجماع الخلاف، و النسبة إلى الأصحاب في كشف الرموز، و الشهرة في غيره، بل لعله المحصل من إطلاق الأكثر- أنه لا فرق في ذلك بين الامام و المأموم، لكن في كشف اللثام عن الهداية و المراسم و المعتبر و التذكرة و النهاية و المبسوط و الكافي و المهذب و الوسيلة و الإصباح و الجامع للإمام خاصة، قال:

و إن لم ينفهما ما خلا الأربعة الأولى عن غيره، و النفي نص المعتبر و التذكرة و ظاهر الأولين، قلت: يمكن تعبيرهم بذلك حتى المعتبر و التذكرة الذين قد ادعي صراحتهما تبعا لبعض النصوص، و اعتمادا على معروفية متابعة المأموم للإمام في قنوت غير الجمعة فضلا عنها، بل و غير القنوت من الأفعال و الأقوال، فلعل المراد بالإمام الكناية عن صلاة الجمعة، و بغيره الصلاة ظهرا جامعا أو منفردا كما هو ظاهر المقابلة في صحيح معاوية ابن عمار(1)و غيره.

و منه حينئذ يظهر ضعف الاستدلال بنحو هذا التعبير في النصوص بحيث يقيد به إطلاق غيرها، ك صحيح أبي بصير(2)و موثق سماعة(3)بل بعضها كالصريح في إرادة الامام و المأموم، على أن التعبير بالإمام في نحو صحيح زرارة(4)لا يقتضي النفي عن غيره، فاحتمال التفصيل أو القول به في غاية الضعف، بل يمكن دعوى تسالم الأصحاب على خلافه، لأنه لم يعهد من أحد منهم تحرير نزاع فيه، خصوصا ممن عادته تتبع الأقل من ذلك كما لا يخفى على الخبير الممارس.

و من الغريب ما وقع في الحدائق هنا من نسبة التفصيل بين إمام الأصل و غيره إلى المحقق في المعتبر، فخص القنوتين به دون غيره و إن كان إماما في الجمعة إلا أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت- الحديث 4.

ج 10، ص: 382

يقنت حينئذ في الركعة الأولى، و أطال في رده، و كأنه لم يعثر على من عبر بالإمام غيره، و ما أدري ما الذي أوهمه من عبارة المحقق حتى ادعى عليه ذلك الذي لا أثر له في شي ء من النصوص و الفتاوى، بل هي صريحة في خلافه حتى الذي ذكره منها في المعتبر أيضا، و ليس فيه إلا قوله: و الذي يظهر أن الامام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة ركعتين، و من عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا، و يدل على ذلك رواية أبي بصير(1)ثم ذكر رواية سماعة(2)و صحيحة معاوية(3)و رواية عمر بن حنظلة(4)و هو كما ترى لا دلالة فيه على ذلك، خصوصا و المعروف من لفظ الإمام في هذه المقامات إمام الجماعة دون غيره.

و كذا ما أنكره على العلامة في المنتهى حيث قال فيه بعد ذكر جملة من النصوص السابقة: و هذه الأخبار و إن اختلفت في الوجه الأول أي القنوتين فلا يضر اختلافها إذ هو فعل مستحب، و ذلك يحتمل الاختلاف لاختلاف الأوقات و الأحوال، فتارة تبالغ الأئمة (عليهم السلام) في الأمر بالكمال، و تارة تقتصر على ما يحصل معه بعض المندوب، و لا استبعاد في ذلك، و مما يؤيده ما رواه

الشيخ في الصحيح عن داود بن الحصين (5)قال: «سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا حاضر عن القنوت في الجمعة قال: ليس فيها قنوت»

و عن

عبد الملك بن عمرو(6)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع و في الثانية بعد الركوع فقال: لا قبل الركوع و لا بعد»

فها هنا اقتصر على فعل الصلاة من غير قنوت إشعارا باستحبابه و أنه ليس قنوتا واجبا، و هو كلام جيد جدا مبني على إرادة المستحب في المستحب من الإطلاق و التقييد و لو في خصوص المقام بشهادة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب القنوت الحديث 9.

ج 10، ص: 383

النصوص، و ما في الحدائق من أن الظاهر خلاف ذلك غرورا بظهور بعض النصوص المبني سؤالها عن إرادة الأفضل و نحوه و غفلة عن أمثال هذه القواعد في أمثال هذه المقامات في غاية الضعف.

و قد ظهر لك من ذلك كله أنه لا محيص عن القول بالقنوتين، و أنه في الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع فما عساه يظهر- من التوقف في المحكي عن المرتضى حيث اقتصر على ذكر اختلاف الرواية، فقال: روي أن الامام يقنت في الأولى قبل الركوع و كذا من خلفه، و روي أنه يقنت في الأولى قبل الركوع و في الثانية بعده- في غير محله، كالمحكي عن الحسن و التقي من القول بالقنوتين إلا أنهما معا قبل الركوع تمسكا بالإطلاقات السابقة التي يجب الخروج عنها هنا بما عرفت من النصوص و غيرها، و لبعد إعراضهما عن مثل النصوص المزبورة تأول بعض متأخري المتأخرين كما قيل المنقول من كلاميهما في المختلف و أرجعه إلى القول المشهور، و يؤيده أنه في المنتهى نسب إلى الحسن موافقة المشهور و أنه لا صراحة في المحكي من كلاميهما بخصوص المقام، نعم أطلقوا قبلية القنوت على الركوع و أن في الجمعة قنوتين، فاستفادوا منهما معا ذلك، و لعلهما لا يريدان بالإطلاق هذا الفرد، فتأمل جيدا.

ثم ليعلم أن ظاهر المصنف و غيره اختصاص الجمعة من بين الفرائض بالتعدد المزبور، و هو كذلك للأصل، نعم قد يتفق ذلك كمسبوقية المأموم فإنه يقنت متابعة للإمام و يأتي بالقنوت في محله، و ربما يزيد على اثنين في بعض صور تغير الامام، و لا ينافي ذلك

موثق عبد الرحمن أو صحيحه (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت الإمام أ يقنت معه؟ قال: نعم، و يجزيه من القنوت لنفسه»

ضرورة إرادة الرخصة منه كما يشعر به لفظ الاجزاء فيه، إذ احتمال


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب القنوت- الحديث 1.

ج 10، ص: 384

تقييد جميع تلك الأدلة بمثل هذا الخبر المعلوم بناء القنوت الأول فيه على المتابعة التي لا تجزي عن الأصل كما في التشهد و غيره بعيد جدا.

و كيف كان ف لو نسيه أي القنوت قضاه بعد الركوع بلا خلاف أجده في الفتاوى بعد إرادة مطلق الفعل من القضاء، بل و النصوص (1)عدا

صحيح معاوية بن عمار(2)«سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أ يقنت؟ قال: لا»

المحمول على نفي الوجوب بشهادة المروي

عن كتاب علي بن جعفر(3)عن أخيه، قال: «سألته عن رجل نسي القنوت حتى ركع ما حاله؟ قال: تمت صلاته و لا شي ء عليه»

مع أنه رواه في

الفقيه (4)عنه في خصوص الوتر، قال: «سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله (عليه السلام) عن القنوت في الوتر قال: قبل الركوع، قال: فان نسيت أقنت إذا رفعت رأسي فقال: لا»

ثم قال الصدوق: إنما منع الصادق (عليه السلام) من ذلك في الوتر و الغداة خلافا للعامة، لأنهم يقتنون فيهما بعد الركوع، و إنما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها، و ربما يشم منه الخلاف في ذلك، و لعله لا يريده، و لم نعثر على ما أرسله في خصوص الغداة و الأمر سهل بعد ظهور الإطلاق من الأدلة بحيث لا يحكم على أصل المشروعية المستفاد منها بذلك.

نعم ظاهرها بعد ركوع الركعة الثانية، فإثبات مشروعية فعله لو ذكره في غيره من أحوال الصلاة تمسكا بإطلاق قوله بعد الركوع كما ترى، و لعله من هنا قال جماعة من الأصحاب: لو لم يذكر إلا بعد فوات المحل المزبور قضاه بعد الفراغ منها، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القنوت.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القنوت- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القنوت- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب القنوت- الحديث 5.

ج 10، ص: 385

عن الروض أنه قاله الشيخ و الأصحاب، و لعله ل

خبر أبي بصير(1)قال: «سمعته يذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال: في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف و هو جالس»

و في

صحيح زرارة(2)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل ينسى القنوت فذكره و هو في بعض الطريق فقال: ليستقبل القبلة ثم ليقله، ثم قال: إني لأكره للرجل أن يرغب عن سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) أو يدعها»

إذ احتمال تخصيص ذلك بما إذا ذكره بعد الفراغ لا ما إذا ذكره في الصلاة بعد فوات محل تداركه فيها بعيد جدا، بل هو مخالف لذيل خبر زرارة المزبور، و أضعف منه ما عساه يظهر من المبسوط من أنه لا قضاء له إلا فيما بعد الركوع، فان فاته فلا قضاء عليه، إذ هو مخالف لصريح الخبرين، نعم ليس في شي ء من نصوص المقام التعبير بلفظ القضاء، و في المنتهى هل هو أداء أو قضاء؟ فيه تردد، ثم رجح القضاء، قلت: قد يريد من عبر من الأصحاب بالقضاء مطلق الفعل لا الاصطلاحي، ضرورة اختصاصه بالموقتات التي يراعى الوقت فيها أصالة لا لازما، فحينئذ دخول أمثال ذلك تحت القضاء المصطلح لا يخلو من نظر، على أن ثمرة البحث عندنا ساقطة بسقوط وجوب التعرض لنية الأداء و القضاء، و دعوى إيجاب نية هذا التدارك و إن لم تسمه بالقضاء ممنوعة في الذي يتدارك في أثناء الصلاة، ضرورة كونه كغيره من الأجزاء التي تتدارك قبل الدخول في الركن و الظاهر الاكتفاء عن ذلك بنية الصلاة، أما الذي يفعل خارج الصلاة فلا بد من ملاحظة ما يشخصه عن غيره بنية التدارك أو غيرها كما هو واضح، فتأمل.

[المستحب الثالث شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده]

المستحب الثالث شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده بلا خلاف أجده فيه، ل

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(3): «إذا قمت للصلاة فلا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القنوت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القنوت- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.

ج 10، ص: 386

تلصق قدمك بالأخرى، دع بينهما فصلا، إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره، و أسدل منكبيك، و أرسل يديك، و لا تشبك أصابعك، و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك، و ليكن نظرك إلى موضع سجودك»

بل في

خبر غياث (1)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك»

و لأنه أوفق بالخشوع و الخضوع و الاستكانة المطلوبة في الصلاة، و الظاهر إرادة مجموع النظر لا البعض، خصوصا بعد

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة(2): «اجمع بصرك و لا ترفعه إلى السماء»

مما هو ظاهر في مطلوبية جمع البصر في غير حال القيام أيضا، و العمى مسقط لهذا المستحب مع احتمال ندب الصورة مع الإمكان، كما أنه يقوى البقاء في الظلمة و نحوها فيوجهه حينئذ إلى الجهة و إن لم يحصل به أبصار، و كذا لا يسقطه ذهاب إحدى العينين قطعا، و المراد بموضع السجود الجهة المنخفضة لا ما يسجد عليه فعلا، فلا يجزي لو كان منقولا فرفعه اليه، و المؤمي للركوع و السجود لا يسقط عنه النظر إلى موضع سجود الاختياري و إن فرض تكليفه الرفع اليه، أما المضطجع ففي اعتبار الاختياري أو الاضطراري له إشكال، كالإشكال في كثير من الأمور المتصورة في المقام التي لا تخفى بأدنى تأمل، إلا أن الظاهر إرادة ما قبل الركوع من القيام لا المتعقب له، فلا وظيفة له حينئذ كالهوي، اللهم إلا أن يستند إلى إطلاق خبر غياث، فتأمل.

و في حال القنوت إلى باطن الكفين كما ذكره غير واحد من الأصحاب، بل في جامع المقاصد نسبته إليهم، إلا أني لم أجد به نصا بالخصوص، و يمكن استفادته من مجموع ما ثبت (3)من رفع اليدين تلقاء الوجه و من كراهة التغميض في الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القيام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القيام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب القنوت.

ج 10، ص: 387

المروي في خبر مسمع (1)و الأمر بجمع البصر و عدم رفعه إلى السماء المتقدم في خبر زرارة(2).

و في حال الركوع إلى ما بين رجليه ل صحيح زرارة(3)أيضا الذي لا يعارضه ما في صحيح حماد(4)حتى قيل من جهته بالتخيير كما أوضحناه في بحث الركوع.

و في حال السجود إلى طرف أنفه، و في حال التشهد إلى حجره كما ذكره غير واحد أيضا، إلا أني لم أجد به نصا، نعم في المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(5)«و يكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك، و بين السجدتين في حجرك و كذلك في وقت التشهد»

مؤيدا بأنه بعد كراهة التغميض أبلغ في الخشوع و الإقبال على العبادة و منه يستفاد استحبابه بين السجدتين إلى الحجر أيضا كما حكاه في الذكرى عن المفيد و سلار، قال: و أطلق ابن البراج أن الجالس ينظر إلى حجره.

[المستحب الرابع شغل اليدين بأن يكونا حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه]

المستحب الرابع شغل اليدين بأن يكونا حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه لصحيح زرارة(6)السابق، و

تعليم الصادق (عليه السلام) لحماد(7)بناء على مساواة ما قبل تكبيرة الإحرام لما بعده فيه، لأنه (عليه السلام) قد فعل ذلك قبل التكبير، قال فيه: «فقام أبو عبد الله (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه و قرب بين قدميه- إلى أن قال-: فقال: إنه كبر ثم قرأ الحمد بترتيل»

و في المنتهى «و يستحب له وضع يديه على فخذيه محاذيا لقبتي ركبتيه قد ضم أصابعهما ذكره علماؤنا».


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب القيام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1.
5- 5 فقه الرضا عليه السلام ص 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة الحديث 1.

ج 10، ص: 388

و في حال القنوت تلقاء وجهه، و في حال الركوع على ركبتيه كما تقدم الكلام فيهما مفصلا في القنوت و الركوع، فلاحظ.

و في حال السجود بحذاء أذنيه لما في

صحيح زرارة(1)«و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك، و تضعهما معا، و لا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه، و لا تضعن ذراعيك على ركبتيك و فخذيك، و لكن تجنح بمرفقيك، و لا تلزق كفيك بركبتيك، و لا تدنهما من وجهك بين ذلك بحيال منكبيك، و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك، و لكن تحرفهما عن ذلك شيئا، و ابسطهما على الأرض بسطا، و اقبضهما إليك قبضا، و إن كان تحتهما ثوب فلا يضرك، و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل و لا تفرجن بين أصابعك في سجودك، و لكن ضمهن جميعا»

و في

صحيح حماد(2)المروي في الكافي «ثم سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه، و قال: سبحان»

إلى آخره. و الجمع بينهما ممكن، كما أنه يمكن إرادة المصنف ذلك أيضا، لقرب المعنى و عدم المداقة فيها، و لعله مراد سيد المدارك حيث قال بعد ذكر الروايتين: و العمل بكل من الروايتين حسن إن شاء الله، و في التذكرة و يستحب وضعهما حال السجود حيال منكبيه مضمومتي الأصابع مبسوطتين موجهتين إلى القبلة، و هو مذهب العلماء، فتأمل.

و أما وضعهما في حال التشهد الشامل للتسليم على فخذيه فقد ذكره غير واحد من الأصحاب، بل في المنتهى بعد أن عده في جملة غيره قال: و مستند ذلك كله عن أهل البيت (عليهم السلام) و في التذكرة و يستحب وضعهما حالة الجلوس للتشهد و غيره على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه عند علمائنا، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان إذا قعد يدعو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى و يده


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 2.

ج 10، ص: 389

اليسرى على فخذه اليسرى، و يشير بإصبعه، و نحوه من طريق الخاصة و لعل ذلك كاف في ثبوته.

ثم لا يخفى عليك كثير مما يمكن تفريعه هنا بملاحظة أحوال المصلي الاضطرارية و غيرها، كما أنه لا يخفى عليك التفاوت بين الرجل و المرأة في المندوبات بعد أن تجمع صحيح حماد و صحيحي زرارة الواردة في الرجل التي قد ذكرنا أكثرها مفرقة على أجزاء الصلاة، و

موقوف زرارة(1)الوارد في المرأة الذي لا يقدح موقوفيته لو سلم قدح مثلها في حجيته هنا بعد عمل الأصحاب به كما اعترف به في الذكرى و غيرها، مع أن الحكم ندبي، قال فيه: «إذا كانت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها و لا تفرج بينهما و تضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يقعد الرجل و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين، ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها، و إذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا»

و يؤيده أيضا

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(2): «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها»

و في

خبر عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (3)قال: «سألته عن جلوس المرأة في الصلاة قال: تضم فخذيها»

و

خبر أبي بكر(4)عن بعض أصحابنا قال: «المرأة إذا سجدت تضممت، و الرجل إذا سجد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أفعال الصلاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب السجود- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التشهد- الحديث 2 و في النسخة الأصلية عبد الرحمن عن أبى عبد الله عليه السلام و الصحيح ما أثبتناه.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب السجود- الحديث 3.

ج 10، ص: 390

تفتح»

قال في الذكرى: و لم يزد في التهذيب على هذه، و هي غير واضحة الاتصال لكن الشهرة تؤيدها، و الأمر في ذلك كله سهل.

[المستحب الخامس التعقيب]

المستحب الخامس التعقيب إجماعا بين المسلمين إن لم يكن من ضروريات الدين، بل هو المراد من قوله تعالى (1)«فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» ل

قول الباقر و الصادق (عليهما السلام)(2)على ما عن المجمع: «إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء، و ارغب إليه في مسألته يعطيك»

بل

عن الصادق منهما (عليهما السلام)(3)«هو الدعاء في دبر الصلوات و أنت جالس»

و هو موافق لما في الجمل، و عن المصباح و الصحاح و القاموس و الشيخ نجيب الدين من تفسيره بالجلوس بعد أداء الصلاة للدعاء و المسألة، بل هو ظاهر كل من ذكر عن الصحاح ذلك من غير رد له كالمدارك و غيرها، بل عن ابن الأثير تفسيره بأنه الإقامة في المصلى بعد ما يفرغ من الصلاة، و ظاهره الاكتفاء به عن الدعاء و الذكر و نحوهما كما عن البحار عن بعض الأصحاب احتماله، إلا أنه كما ترى بعيد، و المنساق من النصوص خلافه، بل ظاهر الشهيد الثاني و صريح المحقق الأردبيلي و الفاضل الأصبهاني و غيرهم من متأخري المتأخرين الاكتفاء فيه بالدعاء و الذكر بعد الصلاة على أي حال كان جالسا أو ماشيا أو راكبا أو غير ذلك، فيكون حينئذ الطهارة و الجلوس و نحوهما من وظائف كماله لا شروطه، و قد أنهاها في المحكي عن النفلية إلى عشرة، و لعله لإطلاق التعقيب و إطلاق ما ورد من الأمر بخصوص بعض الأذكار و الأدعية بعد الصلوات مما هو معلوم إرادة التعقيب منه و

خبر الوليد بن صبيح (4)عن الصادق (عليه السلام) «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من


1- 1 سورة الانشراح- الآية 8.
2- 2 تفسير الصافي سورة الانشراح- الآية 8.
3- 3 تفسير الصافي سورة الانشراح- الآية 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التعقيب- الحديث 1.

ج 10، ص: 391

الضرب في البلاد يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلوات»

فإنه حجة و إن كان من الراوي، و

خبر حماد بن عثمان (1)قال للصادق (عليه السلام): «تكون للرجل الحاجة يخاف فوتها فقال: يدلج و ليذكر الله عز و جل فإنه في تعقيب ما دام على وضوء»

و

صحيح هشام بن سالم (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخرج في الحاجة و أحب أن أكون معقبا فقال: إن كنت على وضوء فأنت معقب»

و

مرسل الفقيه (3)قال الصادق (عليه السلام): «المؤمن معقب ما دام على وضوئه».

ف ما ورد حينئذ في خصوص بعض الأذكار كتسبيح الزهراء (ع)(4)و التكبيرات الثلاث (5)و غيرهما من الأمر بفعلها قبل ثني الرجلين مستحب في مستحب أو أنه شرط في خصوصها دون مطلق التعقيب، و لا ينافي ذلك كله ما أرسله غير واحد من الأصحاب من أنه يضر به ما يضر بالصلاة بعد إرادة ما يضر و لو بالكمال، هذا.

و لكن الانصاف عدم التوسعة في التعقيب بحيث يشمل كل من اشتغل بصنعته أو حرفته أو جماع و نحوه إلا أنه كان ذاكرا بلسانه، و لا التضييق فيه بحيث يخرج عنه من انتقل من مصلاه بيسير، أو ذكر و هو ساجد أو و هو قائم أو نحو ذلك، بل الظاهر كون المدار فيه على هيئته العرفية المحفوظة يدا عن يد و خلفا عن سلف، و الظاهر اختلافها باختلاف أحوال المصلين اختيارا و اضطرارا و سفرا و حضرا، و باختلاف ما يتركه معه من أفعال الجوارح كصنعة و حرفة و نحوهما كما لا يخفى على من وهبه الله ميزانا لأمثال هذه و ذهنا لفهم رموز الأدلة، ك

قوله (عليه السلام)(6): «ما عالج الناس شيئا أشد


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التعقيب- الحديث 2.

ج 10، ص: 392

من التعقيب»

المراد به بحسب الظاهر أنهم لا يزاولون عملا أشق عليهم منه لما فيه من الحبس في الجملة، و

قوله: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد»

الذي من المعلوم كون الوجه فيه أن المعقب يكل أمره إلى الله و يشتغل بطاعته، و قد

ورد(1)«من كان لله كان الله له»

بخلاف التاجر الذي يطلب بكده و يتكل على أسبابه، خصوصا بعد

قوله (عليه السلام)(2): «الجلوس بعد صلاة الغداة في التعقيب و الدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض».

بل لا يخفى على من سبر سائر النصوص الواردة في المقام- و ذكر التحريض في كثير منها على بعض الأذكار و الأدعية قبل ثني الرجلين و ما يحكى من أفعالهم (عليهم السلام) و إلزامهم أنفسهم بالمكث و الجلوس و عدم الاشتغال بشغل آخر و مرسل الصادق (عليه السلام) المتقدم في تفسير الآية و غيره- أن المنساق إلى الذهن كون المراد بالتعقيب الاشتغال بالدعاء و الذكر و نحوهما متصلا بالفريضة بحيث يكون هذا شغله لا أنه يشتغل معه بحوائجه و صنعته و حرفته و بنائه و جميع إراداته من أكل و شرب و جماع و مضي إلى الخلاء و نحو ذلك، بل ربما يصل إلى القطع بفساده، و لعل هذا المعنى هو المراد مما في الروضة من تفسيره شرعا بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء و ذكر، ضرورة منافاة الاشتغال أن يشرك غيره معه من الحوائج و اللوازم، إذ ليس المراد شغل اللسان خاصة، و لعل في

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3)لما سأله عن تعقيب الامام بأصحابه بعد التسليم: «يسبح و يذهب من شاء لحاجته و لا يعقب رجل


1- 1 البحار- ج 18 ص 412 كتاب الصلاة من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التعقيب- الحديث 1.

ج 10، ص: 393

لتعقيب الإمام»

إشعارا بمنافاة المضي للحاجة للتعقيب كغيره من النصوص (1).

و من الغريب التمسك بإطلاق لفظ التعقيب الذي لم يرد منه المعنى اللغوي قطعا بل هو إما من الحقيقة الشرعية أو المجاز الشرعي الذي يجب الاقتصار فيه بعد عدم (2)معرفة تمام ما يشخصه على المتيقن، و أما إطلاق البعدية الواردة في خصوص بعض الأذكار و الأدعية فقد نقول به، لكن لا يلزم منه أن تكون تعقيبا، ضرورة أعمية ذلك منه، فهي حينئذ على قسمين: تعقيب إذا جي ء به في حال لا تذهب به هيئته عرفا و غير تعقيب إذا جي ء بها في هذا الحال فيحصل له وظيفة البعدية لا التعقيبية، و لو فرض إرادة التعقيب من البعدية الواردة فيها لم يحصل له وظيفته أصلا، و على كل حال فإطلاق البعدية لا مدخلية له في بيان المراد من التعقيب، فتأمل فإنه ربما دق، و خبر الوليد(3)بعد تسليم حجية مثله يراد منه الاشتغال بالدعاء على الحال المعروف في التعقيب، و النصوص التي بعده دلالتها على ما قلنا أقرب من ذلك، ضرورة ظهور السؤال في بعضها في معلومية منافاة التعقيب الاشتغال بالحوائج، كظهور الجواب في إرادة التنزيل باعتبار أن نية المؤمن خير من عمله، و أنه إنما صده الحاجة التي يخاف فوتها و قلبه مشغول (مشغوف خ ل) بإرادته و محبته لا الرغبة عن سنة التعقيب و الاعراض عنه كما لا يخفى على من عرف لسانهم (ع) و رزقه الله فهم شي ء من رموزهم (ع).

و مما يذهب هيئته عرفا متشرعيا يكشف عما عند الشارع الفصل بينه و بين الفريضة بما يعتد به عرفا حتى الصلاة نافلة، بل هو المفهوم من لفظ التعقيب و دبر المكتوبة و نحو ذلك، و ربما يومي اليه مع ذلك في الجملة

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التعقيب.
2- 2 ليس في النسخة الأصلية لفظة« عدم» و لكن الصحيح ما أثبتناه.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التعقيب- الحديث 1.

ج 10، ص: 394

زرارة(1): «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا، و بذلك جرت السنة»

نعم قد يستثنى من ذلك خصوص نافلة المغرب، لأنها من توابع الفريضة، و للمروي عن

أبي جعفر الثاني (ع) في المحكي عن إرشاد المفيد في حديث النبقة(2)قال: «لما تزوج بنت المأمون- إلى أن قال-: و صلى الثالثة و تشهد و سلم ثم جلس هنيئة يذكر الله و قام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات و عقب بعدها و سجد سجدتي الشكر»

مع أنه يمكن دعوى الفضل فيه فضلا عن غيره بالاتصال أيضا، لمنع اقتضاء كونه من توابع الفريضة الرخصة في تأخير التعقيب بحيث يساوي التقديم، و احتمال الاكتفاء بما ذكره (عليه السلام) عند جلوسه الهنيئة من التعقيب، و قوله: «من غير أن يعقب» أي لم يأت بالطويل منه، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر الخفاف (3): «من صلى المغرب ثم عقب و لم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين».

مضافا إلى ما في غيره من النصوص (4)الآمرة ببعض الأذكار و الأدعية بعد المغرب مما يظهر منها الاتصال، و لعله لذا و غيره قال العلامة الطباطبائي:

و الاتصال بالصلاة معتبرفي صدقه دون الجلوس في المقر

إلى أن قال:

و هو عقيب الفرض حتى المغرب أفضل للنص الصحيح المعرب

و لعل التعقيب الذي فعله (عليه السلام) بعد النافلة كان تعقيبها لا تعقيب الفريضة لأن الظاهر مشروعيته أيضا بعدها و عدم اختصاصه بالفريضة كما عن البهائي و تبعه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب التعقيب- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب التعقيب.

ج 10، ص: 395

الأستاذ الأكبر، لإطلاق بعض النصوص (1)الذي لا ينافيه ذكر المكتوبة في آخر(2)بعد أن لم يؤخذ شرطا، و عموم بعض معاقد الإجماعات، و قول أحدهما (عليهما السلام) في

صحيح ابن مسلم (3): «الدعاء دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع كفضل المكتوبة على التطوع»

و

سمع الحسن (الحرث خ ل) بن المغيرة(4)أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كفضل الفريضة على النافلة»

و ما ستعرفه من مشروعية تسبيح الزهراء و التكبيرات الثلاث بعد النوافل أيضا مما هو من التعقيب مع الاستيناس بخصوص ما ورد في بعض النوافل كالوتر و غيره من النوافل، مضافا إلى التسامح سيما في مثل الدعاء و نحوه، إلا أن الانصاف مع ذلك عدم خلوه من التأمل.

و الظاهر حصول وظيفة التعقيب بالذكر و الدعاء و لا يختص بالثاني و إن أوهمته بعض العبارات في تحديده، بل عن البهائي بعد أن حكى عن بعض الفقهاء تفسيره بالاشتغال عقيب الصلاة بالدعاء و الذكر و ما أشبه ذلك قال: لعل المراد بما شبه الدعاء و الذكر البكاء من خشية الله تعالى و التفكر في عجائب مصنوعاته و التذكر بجزيل آلائه و ما هو من هذا القبيل، لكن قد يمنعه أنه خلاف المنساق و المتيقن من الأدلة، اللهم إلا أن يندرج في ذكر الله، أو يدعى أنه أعظم و أنفع من الأذكار اللسانية، ثم قال:

و هل يعد الاشتغال بمجرد تلاوة القرآن بعد الصلاة تعقيبا؟ لم أظفر في كلام الأصحاب بتصريح في ذلك، و الظاهر أنه تعقيب، أما لو ضم اليه الدعاء فلا كلام في صدق التعقيب على المجموع المركب منهما، و ربما يلوح ذلك من بعض الأخبار قلت: لا كلام في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التعقيب.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التعقيب.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التعقيب- الحديث 2.

ج 10، ص: 396

خصوص ما ورد من القرآن في التعقيب كبعض الآيات و السور المخصوصة، إنما الكلام في غيرها، و الظاهر أنه لا فرق في ظاهر الأدلة بين الاقتصار عليها و بين ضم الدعاء إليها.

[في تسبيح الزهراء (س)]

و لعل الأقوى الاجتزاء في التعقيب بكل قول حسن راجح شرعا بالذات من قرآن أو دعاء أو ثناء أو تنزيه أو غيرها، ف أفضله تسبيح الزهراء (عليها السلام) الذي

«ما عبد الله بشي ء من التحميد أفضل منه، و لو كان شي ء أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاطمة (عليها السلام)»(1)

و

«هو في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلى الصادق (عليه السلام) من صلاة ألف ركعة في كل يوم»(2)

و «لم يلزمه عبد فشقي و لذا

«يؤمر الصبيان به كما يؤمرون بالصلاة»(3)

إذ هو و إن كان مائة باللسان إلا أنه ألف في الميزان، و طارد للشيطان، و مرضي الرحمن(4)

و

«يدفع الثقل الذي في الآذان»(5)

و

«ما قاله عبد قبل أن يثني رجله من المكتوبة إلا غفر له، و أوجب الله له الجنة»(6)

خصوصا الغداة و خصوصا إذا اتبعه بلا إله إلا الله و استغفر بعده، و به يندرج العبد في الذاكرين الله كثيرا(7)و يستحق ذكر الله له تعالى كما وعد بقوله تعالى (8)«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ» و في المنظومة:

سنة كل مؤمن و متقي

و لم أجده في شي ء مما وصلني من النصوص، و لعله عثر عليه في البحار أو غيره مما لم يحضرني، أو أخذه من

قول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر الحلبي (9)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
5- 5 المستدرك- الباب- 8- من أبواب القنوت- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التعقيب.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التعقيب- الحديث 5.
8- 8 سورة البقرة- الآية 147.
9- 9 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 5.

ج 10، ص: 397

المروي عن المصباح: «لا يخلو المؤمن من خمسة: سواك و مشط و سجادة و سبحة فيها أربع و ثلاثون حبة و خاتم عقيق»

ضرورة الإشارة بالسبحة بقرينة العدد المزبور إلى تسبيح الزهراء (عليها السلام)، و حكي لي

عن مكارم الأخلاق (1)أنه روي فيه كون تسبيح الزهراء (عليها السلام) إحدى العلامات الخمس للمؤمن

، أو غير ذلك، كما أنه لم أجد ما قاله فيها أيضا:

أفضله بمستفيض النقل تسبيحة الزهراء ذات الفضل

نعم

قال الباقر (عليه السلام) في خبر صالح بن عقبة(2): «ما عبد الله بشي ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام) و لو كان شي ء أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه و آله) فاطمة (عليها السلام)»

و

الصادق (عليه السلام) في خبر المفضل بن عمر(3)في حديث نافلة شهر رمضان «سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) و هو الله أكبر: أربعا و ثلاثين مرة، و سبحان الله ثلاثا و ثلاثين مرة، و الحمد لله ثلاثا و ثلاثين مرة، فو الله لو كان شي ء أفضل منه لعلمه رسول الله (صلى الله عليه و آله) إياها»

و هما مع أنهما لا يكفيان في دعوى الاستفاضة لا دلالة فيهما على أفضليته من غيره في التعقيب كالنصوص التي قد ذكرنا مضامينها و حذفنا أسانيدها، ضرورة أعمية ترتب الأمور المزبورة من الأفضلية، فما في الرياض تبعا لكشف اللثام و الروضة من الاستدلال ببعضها على ذلك لا يخلو من نظر، على

أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) إنما أنحله إياها و عليا (عليه السلام) في حال النوم (4)و قال لهما: «إذا أخذتما منامكما


1- 1 مكارم الأخلاق ص 328 المطبوعة بطهران عام 1376.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التعقيب- الحديث 2.

ج 10، ص: 398

فكبرا أربعا و ثلاثين تكبيرة، و سبحا ثلاثا و ثلاثين تسبيحة، و احمدا ثلاثا و ثلاثين تحميدة».

و من ذلك كله يظهر وجه الإشكال في قول المصنف و غيره بالأفضلية، بل ربما كان مقطوعا بها عندهم حتى أن الشهيد في اللمعة لما قال: و أفضله التكبير ثلاثا رافعا بها يديه ثم التهليل بالمرسوم ثم التسبيح و كان ظاهره الترتيب في الفضيلة تأوله الشارح بأن المراد من «ثم» التعقيب من حيث الرتبة لا الفضيلة، قال: و إلا فهو أفضله مطلقا، بل روي (1)أنه أفضل من ألف ركعة لا يسبح عقيبها، و لا يخفى عليك ما في إضرابه الذي أراد منه الترقي، و كذا تأول غيره ما في النافع و عن التبصرة من أن أقله تسبيح الزهراء (عليها السلام) بإرادة الأخف، قال: و إلا فهو أفضله قطعا كما صرح بذلك جمهور الأصحاب، و عن البهائي أن ذلك يوجب تخصيص

حديث «أفضل الأعمال أحمزها»

اللهم إلا أن يفسر بأن أفضل كل نوع من أنواع الأعمال أحمز ذلك النوع إلى غير ذلك مما يشير إلى معلومية أفضليته، و لعلهم عثروا على ما لم نعثر عليه، إذ لم يصل إلينا إلا ما عرفت، و أما

صحيح ابن مسلم (2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التسبيح فقال: ما علمت شيئا موظفا غير تسبيح الزهراء (عليها السلام)، و عشر مرات بعد الغداة تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و له الملك و له الحمد، يحيي و يميت و يميت و يحيي بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، و لكن الإنسان يسبح ما شاء تطوعا»

فلا دلالة فيه على التعقيب به، و مخصوص بكثير مما ورد توظيفه من التسبيحات و الأذكار، و ربما يكون أخذوه من تتبع النصوص الواردة فيه و فيما ترتب عليه و في شدة الحث عليه فرجحوه على غيره الذي لو قيس ما ورد فيه إلى ذلك لكان أقصر


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب التعقيب- الحديث 4.

ج 10، ص: 399

منه بمراتب، و فيه منع، كما أنه قد يمنع دعوى الإجماع على ذلك، إذ قد سمعت ما في النافع و اللمعة، و في الدروس «و تسبيح الزهراء (عليها السلام) من أفضله» و هو ظاهر في عدم ذلك، بل لم يذكر في الذكرى كاشارة السبق سوى تعداده في جملة الأمور التي يعقب بها.

و كيف كان فالظاهر استحبابه في نفسه من دون اعتبار وصف التعقيب به و إن زاد الأجر بذلك، لإطلاق جملة(1)من الأدلة أنه من الذكر الكثير و أنه ما عبد الله بشي ء من التحميد أفضل منه و نحو ذلك، و ظهور أخرى (2)في الحث عليه و الترغيب فيه نفسه من دون ذكر التعقيب، كما أن الظاهر عدم اختصاص التعقيب به في الفرائض بل يستحب التعقيب به بعد كل صلاة، و لا ينافيه ورود المكتوبة في جملة من النصوص (3)بعد عدم ظهورها في الشرطية، فيبقى عموم

قول الصادق (عليه السلام) في خبر القماط(4): «تسبيح فاطمة (عليها السلام) في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلى من صلاة ألف ركعة في كل يوم»

المعتضد بفحوى غيره من النصوص الكثيرة حتى خبر المفضل السابق (5)المشعر بأن المقتضي للتعقيب عدم أفضلية غيره بحاله من غير تخصيص، و دعوى أن المتبادر منه اليومية في حيز المنع.

و أما كيفيته فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في الوسائل عليه عمل الطائفة أربع و ثلاثون تكبيرة، ثم ثلاث و ثلاثون تحميدة، ثم ثلاث و ثلاثون تسبيحة، بل لا خلاف أجده في الفتاوى و النصوص عدا خبر العلل (6)الذي ستسمعه، و قيل:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التعقيب.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التعقيب.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التعقيب.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التعقيب- الحديث 3.

ج 10، ص: 400

إن رجاله أكثرهم من العامة في أنه مائة و في تقديم التكبير بالعدد المزبور.

خلافا للفقيه و الهداية و عن الاقتصاد و الإسكافي و علي بن بابويه من تقديم التسبيح على التحميد، مع أنه حكي عن نسخة من الفقيه موافقة المشهور، بل لعلهم جميعا لا يريدون الترتيب بل مطلق الجمع الذي لا ينافيه، ك مرسل النحلة(1)المتقدم آنفا الذي هو مع خبر المفضل المتقدمين آنفا دليلهم على الظاهر، مضافا إلى المحكي من فقه الرضا (عليه السلام)(2)و التوقيع الآتي (3)و

خبر داود بن فرقد(4)عن أخيه «إن شهاب بن عبد ربه سأله أن يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) قال: قل له: إن امرأة تفزعني بالمنام في الليل فقال: قل له: اجعل مسباحا فكبر الله أربعا و ثلاثين تكبيرة، و سبح الله ثلاثا و ثلاثين، و احمد الله ثلاثا و ثلاثين، و قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت و يميت و يحيي، بيده الخير و له اختلاف الليل و النهار، و هو على كل شي ء قدير عشر مرات».

لكن الجميع معارض بغيرها من

خبر أبي بصير(5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «في تسبيح فاطمة (عليها السلام) يبدأ بالتكبير أربعا و ثلاثين، ثم التحميد ثلاثا و ثلاثين، ثم التسبيح ثلاثا و ثلاثين»

و

صحيح محمد بن عذافر(6)«دخلت مع أبي على أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله أبي عن تسبيح فاطمة (عليها السلام) فقال: الله أكبر حتى بلغ أربعا و ثلاثين، ثم قال: الحمد لله حتى بلغ سبعا و ستين، ثم قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 8- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التعقيب- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التعقيب- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التعقيب- الحديث 1.

ج 10، ص: 401

سبحان الله حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة»

و احتمال أن لفظ «ثم» فيه من الراوي فلا يدل على الترتيب يدفعه أنه يكفي في إفادته كون قوله (عليه السلام) جوابا للسؤال عن التسبيح، و

خبر هشام بن سالم (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «تسبيح فاطمة (عليها السلام) إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا و ثلاثين، و احمده ثلاثا و ثلاثين، و سبحه ثلاثا و ثلاثين»

و في المحكي عن البحار نقلا

من كتاب مشكاة الأنوار(2)قال: «دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) و كلمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله (عليه السلام) و شكا اليه ثقلا في أذنه فقال له: ما يمنعك و أين أنت من تسبيح فاطمة (عليها السلام)؟ فقال: جعلت فداك ما تسبيح فاطمة (عليها السلام)؟

فقال: تكبر الله أربعا و ثلاثين، و تحمد الله ثلاثا و ثلاثين، و تسبح الله ثلاثا و ثلاثين تمام المائة».

و ترجح بالشهرة فتوى و عملا و بقوة الدلالة، ضرورة أنه ليس في أخبار الخصم كخبر أبي بصير، كما أنه ليس فيها كصحيح ابن عذافر سندا، بل قيل: إن خبر النحلة(3)منها و إن أرسله في الفقيه فقال: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لكن رواه في

العلل بسند أكثر رجاله من العامة(4)، بل المتن فيه «إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثا و ثلاثين تسبيحة، و احمدا ثلاثا و ثلاثين تحميدة، و كبرا أربعا و ثلاثين تكبيرة»

و لا نعرفه، و تأخير التكبير إنما هو لهم، فيشعر أن الخبر المزبور أيضا من طريقهم، كما قد يشهد له أيضا ما قيل من أن ابن الأثير قد شرح جملة من ألفاظه، بل قيل: إنه

روى الشيخ أبو علي في مجالسه عن حمويه عن أبي الحسين عن أبي خليفة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التعقيب- الحديث 10.
2- 2 المستدرك- الباب- 8- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التعقيب- الحديث 3.

ج 10، ص: 402

عن محمد بن كثير عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجزة(1)قال: «معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن يكبر أربعا و ثلاثين، و يسبح ثلاثا و ثلاثين، و يحمد ثلاثا و ثلاثين»

و هو كما ترى متحد في المتن مع مرسل الفقيه، و رجاله من العامة و عن

ابن طاوس (2)في فلاح السائل «رأيت في تاريخ نيشابوري في ترجمة رجاء ابن عبد الرحيم عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: معقبات»

و ذكر مثله، و في المحكي عن البحار أنه رواه العامة عن شعبة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجزة مثله، إلا أنهم قدموا في رواياتهم التسبيح على التحميد و التحميد على التكبير، و لذا قالوا بهذا الترتيب، قال في شرح السنة: أخرجه مسلم، ثم نقله عن الآبي في إكمال الإكمال (الكمال خ ل) و شرح لفظ معقبات، فيقوى الظن حينئذ بحمل الخبر المزبور على التقية، و لا ينافيه عدم وجود القائل به منهم، لأنهم بين قائل بأنها تسع و تسعون بتساوي التسبيحات الثلاث و تقديم التسبيح ثم التحميد ثم التكبير، و بين قائل بأنها مائة بالترتيب المذكور و زيادة واحدة في التكبيرات، أما القول بأنه مائة مقدم فيها التكبير و مؤخر فيها التحميد كما هو مضمون الخبر المزبور فليس لأحد منهم.

قلت: أقوال العامة غير مضبوطة، بل مقتضى روايتهم ذلك العمل بها، على أن المراد ترجيح نصوص المشهور على النصوص المعارضة، و يكفي في ذلك الموافقة لروايات العامة، فالمتجه حينئذ طرحها أو إرجاعها إلى المشهور بعدم إرادة الترتيب من الذكر فيها أو بغير ذلك، و ربما جمع بينها بالفرق بين النوم و التعقيب، فيقدم التسبيح على التحميد في الأول دون الثاني، و فيه- مع أنه لم يقل به أحد، بل الظاهر أو المقطوع به اتحاد كيفية تسبيح الزهراء (عليها السلام) ضرورة كون المأمور به في التعقيب تسبيح الزهراء (عليها السلام) الذي أمرها به أبوها في النوم- أن النصوص كما عرفت


1- 1 المستدرك- الباب- 8- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 8- من أبواب التعقيب- الحديث 4.

ج 10، ص: 403

متخالفة في كل من الأمرين، نعم يمكن الجمع بينها بالتخيير، بل ربما أشعر به الاقتصار على الأمر بتقديم التكبير في صحيح ابن سنان (1)و خبر مسعدة بن صدقة(2)المروي عن قرب الاسناد عن الصادق (عليه السلام) ضرورة ظهورهما في الإطلاق فيما عداه، و احتمال الإشارة بذلك للرد على العامة حيث أخروا التكبير لا لإرادة الإطلاق فيما عداه يدفعه أن المتجه حينئذ ذكر التحميد أيضا بعده، لما عرفت من أنه عندهم التسبيح ثم التحميد ثم التكبير، فالأمر بتقديم التكبير خاصة يقضي بتأخير التحميد، و هو خلاف المشهور، بل الظاهر دلالته على المطلوب على هذا التقدير أيضا، ضرورة اقتضاء الاقتصار بتقديم التكبير عكس العامة موافقة العكس للواقع سواء قدم التسبيح على التحميد أو بالعكس، و لا ينافي ذلك الأمر في خبر أبي بصير(3)لإمكان إرادة أفضل الأفراد منه كما هو الشأن في غير المقام من مطلق المستحبات و مقيدها فضلا عن هذا المقام الذي وردت جملة من النصوص فيه كما عرفت، و تعددها و العمل بها في الجملة و شهرتها رواية، لأن خبر النحلة رواه غير واحد من أصحابنا حتى أن العلامة في المنتهى و التذكرة قال:

و من طريق الخاصة و ذكره، و كون المقام مقام استحباب يمنع من طرحها أو حملها على التقية خصوصا و قد عرفت عدم القائل به منهم، و ما أدري ما الذي دعا متأخري المتأخرين إلى النقض و الإبرام في هذه المسألة حتى عاملوها معاملة الواجبات، فاحتاجوا إلى هذه التراجيح التي لا يخلو بعضها من النظر، و دعوى خروج القول بالتخيير عن الإجماع المركب بل إجماع المسلمين يدفعها وضوح قبح دعواها في خصوص المقام الذي هو ليس من مظان ذلك و لا يليق دعواها فيه، و لقد أجاد المحدث البحراني في حدائقه- بعد أن حكى عن البهائي رد الجمع بالتفصيل بين التعقيب و النوم بالإجماع المركب-


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التعقيب- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التعقيب- الحديث 2.

ج 10، ص: 404

قال: «إذ الإجماع على تقدير حجيته غير ثابت في المقام، و إنما المانع عدم انطباقه على جميع الأخبار كما عرفت» قلت: بل المقام أولى بالمنع، فان الشيخ في المبسوط ظاهره بل صريحه التخيير و إن لم أعرف من حكاه عنه هنا، بل المحكي عنه العكس، قال:

«و لا يترك تسبيح فاطمة (عليها السلام) خاصة، و هو أربع و ثلاثون تكبيرة، و ثلاث و ثلاثون تحميدة، و ثلاث و ثلاثون تسبيحة، يبدأ بالتكبير ثم بالتحميد ثم بالتسبيح، و في أصحابنا من قدم التسبيح على التحميد، و كل ذلك جائز» و ربما كان غيره أيضا كذلك، و في التذكرة بعد أن ذكر المشهور قال: و في رواية تقديم التسبيح على التحميد و لعله عامل بها، بل ظاهر روايته إياها قبل ذلك بيسير ذلك كالمنتهى، بل و غيره ممن روى ذلك أيضا، و احتمله غير واحد من متأخري المتأخرين، بل يمكن إرادة الصدوق و من تبعه ذلك أيضا، لتعبيرهم بالواو التي هي لمطلق الجمع، و في الوافي في باب ما يقال عند المنام و للتخيير مطلقا وجه وجيه، و ربما يشعر به

قول الصادق (عليه السلام)(1): «و تبدأ بالتكبير»

مع سكوته عن غيره، و ذلك كله مما ينفي كونه مقطوعا بعدمه، و الله أعلم بحقيقة الحال.

و يستحب أن يكون التسبيح المزبور بل كل تسبيح بطين القبر، و لا ينافيه ما

روي (2)من «أن فاطمة (عليها السلام) كانت سبحتها من خيوط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت (عليها السلام) تديرها بيدها تكبر و تسبح»

لعدم وجود طين القبر في ذلك الزمان كما يومي اليه ما

روي (3)أيضا «أن ذلك كان منها قبل قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، و بعد قتله استعملت تربته و عملت التسابيح منها فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين (عليه السلام) عدل إليه بالأمر فاستعملوا


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 1.

ج 10، ص: 405

تربته لما فيه من الفضل و المزية»

و منه يعلم أن التسبيح بطين قبر حمزة أو بسبحة من خيط معقود أفضل من التسبيح بالأصابع و إن حكي عن المقنع أن التسبيح بها أفضل من التسبيح بغيرها عدا تربة الحسين (عليه السلام) لأنها مسئولات يوم القيامة، اللهم إلا أن يكون ذلك من الصادق (عليه السلام) لا منه، لأنه قد ذكره متصلا بما أرسله عنه قبل ذلك، لكن استظهر في الحدائق أنه منه لا من الصادق (عليه السلام) و الأمر سهل،

قال الطبرسي فيما حكي عنه من مكارم الأخلاق عن كتاب الحسن بن محبوب (1)«إن أبا عبد الله (عليه السلام) سئل عن استعمال التربتين من طين قبر حمزة و الحسين (عليهما السلام) و التفاضل بينهما فقال (عليه السلام): السبحة التي من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبح بيد الرجل من غير أن يسبح»

ثم قال: و

روي (2)«أن الحور العين إذا أبصرن واحدا من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين منه التراب من قبر الحسين (عليه السلام)»

و

عن الصادق (عليه السلام)(3)«من أدار سبحة من تربة الحسين (عليه السلام) مرة واحدة بالاستغفار أو غيره كتب الله له سبعين مرة و أن السجود عليها يخرق الحجب السبع»

و عن

الاحتجاج (4)«أن الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر؟ و هل فيه فضل؟ فأجاب (عليه السلام) يجوز أن يسبح به، فما من شي ء من السبح أفضل منه، و من فضله أن المسبح ينسى التسبيح و يدير السبحة فيكتب له التسبيح»

و عن

البلد الأمين روي (5)«أن من أدار تربة الحسين (عليه السلام) في يده و قال:

سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر مع كل حبة كتب له ستة آلاف حسنة و محي عنه ستة آلاف سيئة، و رفع له ستة آلاف درجة، و أثبت له من الشفاعات مثلها»


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 7.
5- 5 المستدرك- الباب- 14- من أبواب التعقيب- الحديث 2.

ج 10، ص: 406

و عن الدروس و روضة الواعظين و رسالة السجود على التربة المشوية للشيخ علي «يستحب حمل سبحة من طينه (عليه السلام) ثلاث و ثلاثين حبة، فمن قلبها ذاكرا لله فله بكل حبة أربعون حسنة، و إن قلبها ساهيا فعشرون» و في المحكي عن البحار وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجباعي جد الشيخ البهائي (رحمه الله) نقلا من خط الشهيد رفع الله درجته نقلا من مزار بخط محمد بن محمد بن الحسين بن معية

قال: روي عن الصادق (عليه السلام)(1)أنه قال: «من اتخذ سبحة من تربة الحسين (عليه السلام) إن سبح بها و إلا سبحت بكفه، و إذا حركها و هو ساه كتب له تسبيحة، و إذا حركها و هو ذاكر الله تعالى كتب له أربعين تسبيحة»

و

عنه (عليه السلام)(2)أنه قال: «من سبح بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة كتب له أربعمائة حسنة، و محي عنه أربعمائة سيئة، و قضيت له أربعمائة حاجة، و رفع له أربعمائة درجة- ثم قال-: و تكون السبحة بخيوط زرق أربعا و ثلاثين خرزة، و هي سبحة مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) لما قتل حمزة رضي الله عنه عملت من طين قبره سبحة تسبح به بعد كل صلاة»

هذا آخر ما نقلته من خطه قدس سره، انتهى. و في المحكي عن

مصباح الشيخ (3)عن الصادق (عليه السلام) «أن من أدار الحجر من تربة الحسين (عليه السلام) فاستغفر به مرة واحدة كتب له سبعين مرة، و إن أمسك السبحة بيده و لم يسبح بها ففي كل حبة منها سبع مرات»

و لعل من لفظ الحجر فيه يفهم إرادة ما يشمل المشوي من لفظ الطين في غيره كما هو المتعارف الآن بين الأعوام و العلماء، و ربما كان

قوله (عليه السلام): «من طين القبر»

ظاهرا فيما يشمله مع قطع النظر عن الخبر المزبور، ضرورة صدقه في المتخذ من الطين و إن خرج عن الاسم، إذ ليس المدار على بقاء صدق الطينية و نحوها


1- 1 المستدرك- الباب- 14- من أبواب التعقيب- الحديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 14- من أبواب التعقيب- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 6.

ج 10، ص: 407

مضافا إلى الاستصحاب، و عدم كونه استحالة على الأصح، هذا.

و لو شك في شي ء من التسبيح تلافى المشكوك فيه خاصة، للأصل، لكن عن الموجز الحاوي الاستئناف من رأس، و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام) في المرسل(1): «إذا شككت في تسبيح فاطمة (عليها السلام) فأعد»

و يمكن حمله على إعادة المشكوك، و إطلاقها باعتبار أحد احتمالي الشك شائع، بل لعل ذلك هو المتعين بعد ظهور التوقيع في عدم قدح الزيادة، فعن

الاحتجاج (2)«أن الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله عن تسبيح فاطمة (عليها السلام) من سها فجاز التكبير أكثر من أربع و ثلاثين هل يرجع إلى أربع و ثلاثين أو يستأنف؟ و إذا سبح تمام سبعة و ستين هل يرجع إلى ستة و ستين أو يستأنف؟ و ما الذي يجب في ذلك؟ فأجاب (عليه السلام) إذا سها في التكبير حتى تجاوز أربعا و ثلاثين عاد إلى ثلاث و ثلاثين و يبني عليها، و إذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا و ستين تسبيحة عاد إلى ست و ستين و بنى عليها، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شي ء عليه»

و لعل المراد أنه يرجع و يأتي بواحد مما زاد و ينتقل إلى التسبيح الآخر بعد أن ينوي في نفسه رفع اليد عما زاده، و إلا فلا يتصور الرجوع بعد الوقوع، و قوله في السؤال: «تمام سبعة و ستين» يمكن إرادة الزيادة عليه، أو أراد من التسبيح ما يشمله و التحميد، و على كل حال فجواب الامام (عليه السلام) خال عن ذلك، إلا أنه لم أعرف أحدا من الأصحاب ذكر هذا الحكم، و يحتمل إرادة استئناف ثلاث و ثلاثين تكبيرة من الإعادة إليها بمعنى أنه يحرز واحدة مما زاده و يرجع إلى تلافي الباقي الذي فسد بوقوع الزيادة بعده و حصل بها الفصل بين التكبير و ما بعده بخلاف الذكر الأخير فإنه لا تفسده الزيادة، لعدم وقوع الفصل، و حينئذ يوافق في الجملة

مرسل محمد بن جعفر(3)عن الصادق (عليه السلام) «إنه كان يسبح تسبيح فاطمة


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التعقيب- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التعقيب- الحديث 1.

ج 10، ص: 408

(عليها السلام) فيصله و لا يقطعه».

و على كل حال فالنقصان منه مفوت لما يترتب عليه لظاهر الأدلة، لكن في

خبر سماعة بن مهران (1)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «من سبقت أصابعه لسانه حسب له»

و لعله على هذا بناء ما كنا نشاهده من بعض مشايخنا من إدارة السبحة باليد في حال سجوده بأقصر وقت مقارنا لها بالذكر اللساني من غير مراعاة لعدد الحب، أو يكون على ما عساه يفهم من النصوص السابقة من استحباب الإدارة، و فيه بعد واضح، نعم أخبار الإدارة مع ما في بعض النصوص (2)من تعداد حسب السبحة بأربع و ثلاثين حبة أو ثلاث و ثلاثين تشعر بخلاف المتعارف الآن في أيدينا من نظم المائة بخيط واحد، إذ ظاهر الإدارة تكرار العد بها لا إنهاؤها و قطعها و إن كان الأقوى أنه لا بأس بالجميع، و الله أعلم.

[في استحباب ثلاث تكبيرات في التعقيب]

ثم يستحب التعقيب أيضا بما روي من الأذكار و الأدعية في خصوص التعقيب، و هي كثيرة جدا، منها التكبيرات الثلاث رافعا يديه بكل واحدة منها على هيئة الرفع في غيرها من تكبيرات الصلاة، إذ الظاهر كون الرفع بالتكبير هيئة واحدة و إن تعددت مواضع مشروعيته، و من هنا نص غير واحد من الأصحاب على أن منتهى الرفع شحمتا الأذنين، بل هو مراد الذكرى، قال الأصحاب: يكبر بعد التسليم ثلاثا رافعا بها يديه كما تقدم، قال: و يضعهما في كل مرة إلى أن يبلغ فخذيه أو قريبا منهما، و لعله لتحقيق تعدد الرفع، و لأن الفخذين موضعهما حال الجلوس، كالمحكي عن المفيد من أنه يرفعهما حيال وجهه مستقبلا بظاهرهما وجهه، و بباطنهما القبلة، ثم يخفض يديه


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التعقيب- الحديث 5.

ج 10، ص: 409

إلى نحو فخذيه، و هكذا ثلاثا، و كان الأولى الوضع على الفخذين كما اقتصر عليه في التحرير تحقيقا للفرد الكامل من الرفع المسبوق بالوضع، و قال العلامة الطباطبائي:

ابدأ بتكبير ثلاثا و ارفع يديك فيهن جميعا و ضع

و الأمر سهل، نعم في المحكي عن المصباح «يكبر ثلاث تكبيرات في ترسل واحد» و لعل المراد التوالي لا الثلاث في رفع واحد كما عساه يتوهم من خبر العلل (1)الآتي الذي يجب حمله على ما قلناه بشهادة الفتاوى و

خبر زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي عن العلل أيضا «إذا سلمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثا»

ضرورة إرادة كل تكبيرة معها رفع من الثلاث فيه، بل يشهد له في الجملة ما عن

الشيخ عبد الجليل القزويني مرفوعا في كتاب بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض (3)«أنه (صلى الله عليه و آله) صلى الظهر يوما فرأى جبرئيل (عليه السلام) فقال: الله أكبر فأخبره جبرئيل برجوع جعفر (عليه السلام) من أرض الحبشة فكبر ثانيا، فجاءت البشارة بولادة الحسين (عليه السلام) فكبر ثالثا»

فوجب إرادة ذلك من

المروي عن العلل و كتاب فلاح السائل أيضا بسنده إلى المفضل بن عمر(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة يكبر المصلي بعد التسليم ثلاثا يرفع بها يديه؟

فقال: لأن النبي (صلى الله عليه و آله) لما فتح مكة صلى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود فلما سلم رفع يديه و كبر ثلاثا، و قال: لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده و نصر عبده و أعز جنده و غلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التعقيب- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 12- من أبواب التعقيب- الحديث 4.
3- 3 ص 610- المطبوع عام 1371 ه- و الحديث منقول هناك بالفارسية.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التعقيب- الحديث 2 و المستدرك الباب 12 منها- الحديث 3.

ج 10، ص: 410

على كل شي ء قدير، ثم أقبل على أصحابه فقال: لا تدعوا هذا التكبير و هذا القول في دبر كل صلاة مكتوبة، فإن من فعل ذلك بعد التسليم و قال هذا القول كان قد أدى ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية الإسلام و جنده»

و إلى هذه التهليلة أشار العلامة الطباطبائي بقوله:

و هللن تهليلة الأحزاب و استغفرن و تب إلى التواب

أو إلى ما رواه

أبو بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «قل بعد التسليم:

الله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حي لا يموت، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، لا إله إلا الله وحده صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»

و لا بأس بالعمل بكل منهما، و بالجمع بينهما، و الظاهر أن التكبيرة التي فيه من نفس الدعاء لا إحدى التكبيرات الثلاث، كما أن الظاهر من النصوص بل و الفتاوى توظيف التكبيرات متصلة بالتسليم، و احتمال أنه مستحب في مستحب بعيد مخالف للقول و العمل، نعم ربما احتمل أو قيل بمشروعيتها بعد كل صلاة حتى النوافل تمسكا بالعموم و الإطلاق السابقين، و لا يخلو من تأمل.

و منها

دعاء شيبة الهذيلي (2)الذي جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال له: «علمني كلاما ينفعني الله به و خفف علي».

و منها ذكر الأربع (3)التي أعطاها الله سمع الخلائق، فكل من ذكرها تسمعه النبي (صلى الله عليه و آله) و الجنة و الحور العين و النار.

و منها قراءة التوحيد(4)اثنى عشر مرة ثم يدعو بعدها بدعاء المكنون الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التعقيب- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التعقيب- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب التعقيب- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب التعقيب- الحديث 2.

ج 10، ص: 411

هو من السر المخزون.

و منها دعاء الحفظ(1).

و منها لعن أربعة من الرجال و أربعة من النساء(2).

و منها قول: «سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر» ثلاثين أو أربعين أو مائة(3).

و منها الدعاء المشتمل على تردد الله في قبض روح عبده المؤمن (4).

و منها ذكر إقراره بايمانه بالنبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) واحدا واحدا و القبلة و الكتاب (5).

و منها قول سبع مرات: «بسم الله الرحمن الرحيم لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم» بعد صلاة المغرب و الغداة(6)إلى غير ذلك مما تكفلت به كتب أصحابنا و قد وفت و الحمد لله بتفصيله و بيان ما يترتب عليه و محاله من خصوص بعض الصلوات بل ربما كان وضع بعضها في خصوص التعقيب كبحار الأنوار للمجلسي و غيره، فلا ينبغي لنا الإطالة بذكرها، نعم ينبغي أن يعلم أنه لا يتوقف حصول فضيلة التعقيب على خصوص المأثور فيه، بل هو مستحب فيه قطعا، لإطلاق النصوص و الفتاوى، و من هنا قال المصنف و إلا فبما تيسر له من باقي الأدعية و الأذكار عنهم (عليهم السلام) و إن لم تكن في خصوص التعقيب، لأنهم الوزراء و أعرف بكيفية خطاب الملك، و إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التعقيب- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التعقيب.
4- 4 المستدرك- الباب- 22- من أبواب التعقيب- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التعقيب- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب التعقيب- الحديث 11.

ج 10، ص: 412

فبما يجري على لسانه من الأدعية و الأسئلة، و الأولى له المحافظة على معنى ما ورد في أدعية التعقيب، و إلا فغيرها، و إن لم يكن ذلك شرطا، و الله أعلم بحقيقة الحال.

إلى هنا تم الجزء العاشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه و يتلوه الجزء الحادي عشر في قواطع الصلاة قريبا إن شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.