جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 5

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج5، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة الركن الثاني]

[تتمة الغسل]
اشاره

ج5، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و إذ قد فرغ من الكلام في أكثر الأغسال الواجبة شرع في ذكر غيرها، فقال:

[الأغسال المسنونة]
اشاره

و أما الأغسال المسنونة بالأصل و الذات و إلا فقد تجب بالعارض بنذر و نحوه، كما أن المراد بالواجبة في السابق كذلك و إلا فقد تكون مستحبة حينئذ من جهة الغاية و نحوها، فالمشهورة المعروف منها ثمانية و عشرون غسلا، و إلا ففي النفلية أنه يستحب الغسل لخمسين، بل في المصابيح «أن الأغسال المندوبة المذكورة هنا تقرب من مائة- و إن قال-: إن الثابت من هذه الأغسال بالنص أو غيره أكثر من ثمانين غسلا» انتهى. منها

[في الأغسال المندوبة الوقتية]
اشاره

ستة عشر للوقت، و هي

[منها غسل يوم الجمعة]
اشاره

غسل يوم الجمعة على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك لانقراض الخلاف فيه على تقديره، بل لم تعرف حكايته فيه بين من تقدم من أصحابنا كالمفيد، بل ظاهره عدمه في المقنعة، حيث قال: «و أما الأغسال المسنونة فغسل يوم الجمعة سنة للرجال و النساء، و غسل الإحرام سنة أيضا بلا اختلاف» و كابن حمزة حيث قسم الغسل إلى فرض و واجب، و مختلف فيه، و مندوب، و صدر المندوب بغسل الجمعة، و كابن إدريس حيث حكى الاختلاف في الأغسال الواجبة خمسة أو ستة بزيادة غسل الأموات، أو سبعة بزيادة قضاء الكسوف، أو ثمانية بزيادتهما مع غسل الإحرام، ثم قال: «فالأقوال في عدد الأغسال الواجبة أربعة»

ج 5، ص: 3

و عن شرح الجمل لابن البراج غسل الجمعة من السنن المؤكدة عندنا، و نقل القول بالوجوب عن بعض العامة، و ظاهره الإجماع، و كذا التهذيب بل في صريح الغنية و موضعين من الخلاف الإجماع عليه، بل في أحدهما نسبة القول بالوجوب إلى أهل الظاهر داود و غيره.

نعم انما عرف ذلك من المصنف و العلامة و من تأخر عنهما، فنسبوا القول بالوجوب إلى الصدوقين، حيث قالا: «و غسل الجمعة سنة واجبة فلا تدعه» كما عن الرسالة و المقنع، و نحوه الفقيه و الهداية لكن مع ذكر رواية الرخصة(1)في تركه النساء في السفر لقلة الماء، بل و الكليني حيث عقد في الكافي بابا لوجوب ذلك مع احتمال إرادة السنة الأكيدة اللازمة كالأخبار(2)كما يومي اليه أنه وقع ما يقرب من ذلك ممن علم أن مذهبه الندب، مضافا إلى ما عرفته سابقا، إذ المتقدمون بعضهم أعرف بلسان بعض، و يزيده تأييدا بل يعينه ما حكي عن ظاهر الصدوق في الأمالي من القول بالاستحباب مع نسبته له إلى الإمامية، و لا ريب أن الكليني و والده من أجلاء الإمامية، مع أنهما عنده بمكانة عظيمة جدا سيما والده، بل و الكليني أيضا لأنه أستاذه، هذا على أن قولهما: «سنة واجبة» إن حمل فيه لفظ السنة على حقيقته في زمانهما و نحوه من الاستحباب كانت عبارتهما أظهر في نفي الوجوب.

و كيف كان فالمختار الأول، و عليه استقر المذهب للأصل و الإجماع المحكي بل المحصل، و السيرة المستمرة المستقيمة في سائر الأعصار و الأمصار، و كيف و لو وجب لاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار لعموم البلوى به حينئذ، إذ هو أعظم من غسل الجنابة و الحيض و غيرهما، لملازمة إدراك الجمعة لكل أحد دونهما.

و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة(3)بعد أن سأله عن غسل يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب- الأغسال المسنونة- الحديث 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب- الأغسال المسنونة.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب- الأغسال المسنونة- الحديث 10.

ج 5، ص: 4

الجمعة: «سنة في السفر و الحضر إلا أن يخاف المسافر على نفسه الضرر»

و لفظ السنة إن لم تكن حقيقة فيما قابل الواجب كما هو الأقوى سيما في زمن الأئمة (عليهم السلام) و يرشد اليه ان عرف المتشرعة عنوان عرف الشارع، فلا أقل من الاشتراك بينه و بين الواجب بالسنة دون الكتاب، و يعين إرادة أحد المعنيين بما ذكرنا، مضافا إلى ظهور سؤال مثل زرارة في ذلك لا عن أصل مشروعيته، و لا عن كونه فرضا أو واجبا بالسنة مع عدم ظهور آية في كتاب الله يشتبه منها وجوبه حتى يكون من الأول، إذ زرارة أجل من ذلك، بل المتجه إرادة ما ذكرنا من لفظ السنة هنا، حتى لو قلنا بمجازيته فيه لما عرفته من القرينة، بل القرائن عليه، و كذا لو منع أصل النقل في لفظ السنة و أبقي على المعنى اللغوي و هو الطريقة كان المفهوم منه إرادة الندب أيضا، فتأمل.

و

قول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين (1)بعد أن سأل عن الغسل في الجمعة و الأضحى و الفطر: «سنة و ليست بفريضة»

و التقريب في ما تقدم، مضافا إلى ضم العيدين معه، و هما سنة بمعنى الاستحباب إجماعا، و كذا

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي حمزة(2)بعد أن سأله عن غسل العيدين أ واجب هو؟

فقال: «هو سنة، قلت: فالجمعة، قال: هو سنة»

و في

خبر الحسين بن خالد عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)(3)«كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال: إن الله تعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة و أتم صيام الفريضة بصيام النافلة، و أتم وضوء النافلة بغسل يوم الجمعة ما كان في ذلك من تقصير»

الخبر.

و عن

البرقي في المحاسن روايته كذلك أيضا إلا أنه قال: «وضوء الفريضة»

كما عن الفقيه و العلل «الوضوء» و على كل حال فالدلالة واضحة إلى غير ذلك من الأخبار(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة.

ج 5، ص: 5

الكثيرة الدالة على المطلوب بأنواع الدلالات المروية في كتب المشايخ الثلاثة و غيرها من المقنعة و العلل و المحاسن و الخصال و جمال الأسبوع للسيد ابن طاوس و الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) على ما حكي عنها. و في بعضها التصريح بأنه تطوع، ك

خبر أبي البختري (1)المروي عن جمال الأسبوع عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) «يا علي على الناس في كل سبعة أيام الغسل، فاغتسل في كل جمعة و لو أنك تشتري الماء بقوت يومك و تطويه فإنه ليس شي ء من التطوع أعظم منه»

و في آخر التصريح بعدم وجوبه على النساء في السفر و الحضر، كالمروي عن الباقر (عليه السلام)(2)عن الخصال، و يتم بالإجماع المركب، و في غيرهما نظمه مع المستحبات و درجه فيها إلى غير ذلك.

كل ذا مع أنه لو قلنا بوجوبه فهو إما لنفسه أو لغيره، فان كان الأول فهو مناف لحصر الواجبات في الأخبار(3)المتواترة كما قيل فيما عداه، و أما الثاني فمع أنه خلاف قول المخالف و أدلته كما في المصابيح ينافيه ضبط شرائط الصلاة و حصرها في كلام الأصحاب و الأخبار، ك

صحيحة زرارة(4)«لا تعاد الصلاة إلا من خمس»

إلى آخرها و غيرها في غيره، و ليس هو من الطهور قطعا لعدم رفع الحدث به عند الصدوقين أيضا كما حكي.

فظهر من هذا كله تعين الندب، و هو في مقابلة أخبار(5)دالة على الوجوب، و فيها الصحيح، و قد اشتملت على الأمر و لفظ الوجوب و النهي عن الترك، و تفسيق


1- 1 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 9.
2- 2 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الجنابة.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع- الحديث 5 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب 6 و 7 من أبواب الأغسال المسنونة.

ج 5، ص: 6

التارك و أمره بالاستغفار و نهيه عن العود، مع اشتمالها على استثناء الخوف و الرخصة للعليل و نحوها مما يفيد ذلك و يؤكده، إلا أنها- مع عدم اعتبار سند بعضها و الجابر مفقود بل الموهن موجود- لا تصلح لمعارضة ما قدمناه لوجوه كثيرة لا تخفى، و كيف و الأخبار متى كانت صريحة صحيحة و أعرض الأصحاب عنها لا يسوغ العمل بها فضلا عما لو وجد لها معارض أقوى منها، فوجب حينئذ طرح ما لا يقبل التأويل منها لو كان، و تأويل غيره بإرادة الثبوت و المبالغة و التأكيد لاستحبابه سيما بعد إطلاق لفظ الوجوب و نحوه على المعلوم استحبابه من الأغسال، كغسل عرفة و الزيارة و دخول البيت و المباهلة و الاستسقاء، و في بعضها ان غسل دخول الحرم واجب، و يستحب أن لا يدخله إلا بغسل، و هو كالمفسر للوجوب فيه و في غيره إلى غير ذلك من القرائن فيها الدالة على إرادة الندب من الوجوب و نحوه.

و قد تجاوز بعض المتأخرين فأنكر كون لفظ الوجوب حقيقة فيما عندنا في السابق، و لا ريب في ضعفه سيما بالنسبة إلى زمن الأئمة (عليهم السلام)، فالأولى حينئذ ما ذكرنا فيه و كذا غيره من الأمر بالاستغفار و نحوه مما تقدم عند تركه من إرادة الحث و الترغيب و المبالغة حتى يداوم على مثل هذه السنة، و قد ورد أشد من ذلك من الحث على المندوبات بل لعل التتبع يشهد أن كل ما زيد فيه من المبالغة في فعله و تركه كان إلى الاستحباب أقرب منه إلى الوجوب.

نعم قد يظهر من هذه الأخبار و غيرها ان تركه مكروه، بل كراهة شديدة و إن لم ينص عليه أحد في كتب الفروع فيما أجد، للنهي عن الترك فيها و الأمر بالاستغفار عنده، و التفسيق بسببه أيضا، بل لعل أخبار الوجوب تكفي في إثبات الكراهة للترك، لكونه أقرب المجازات عند انتفاء الحقيقة، فالذي ينبغي حينئذ أن لا يترك لذلك لا لما ذكره بعض متأخري المتأخرين من قوة القول بالوجوب، لما

ج 5، ص: 7

عرفت من ضعف الشبهة من هذه الجهة، و في

خبر الأصبغ (1)«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول: و الله لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة، فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى»

و عن العلل كذلك إلا أنه قال:

«في هم» بدل «طهر».

ثم ان ظاهر الأدلة أن الجمعة لها غسل في يومها خاصة، لكن نقل عن الحلبي في إشارة السبق إثبات آخر لليلتها، و لم نعرف له موافقا و لا مستندا سوى ما يحكى عن ابن الجنيد من إثباته لكل زمان شريف.

[في وقت غسل الجمعة]

و كيف كان ف وقته ما بين طلوع الفجر الثاني، فلا يجوز تقديمه عليه في غير ما استثني بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف و التذكرة الإجماع عليه صريحا، و كذا غيرها صريحا و ظاهرا أيضا، و يؤيده مضافا إلى ذلك و إلى ما تسمعه عن قريب أن العبادة توقيفية، و المعلوم من التوظيف و التوقيف يوم الجمعة، فيجتزى بالغسل إذا وقع بعد الفجر الصادق بحيث يكون اليوم ظرفا له بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في طهارة الخلاف، بل لعل إجماعه فيها متناول له كاجماعه في باب الصلاة على ذلك، و في المصابيح «أما ان أول وقته من الفجر الثاني فهو موضع وفاق بين الأصحاب» قلت: و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى تحقق اليوم الذي أضيف إليه الغسل و أمر به فيه بطلوع الفجر لغة و عرفا و شرعا-

صحيحة زرارة و الفضيل (2)قالا: «قلنا له: أ يجزى إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر للجمعة؟ قال: نعم»

و

حسنة زرارة(3)قال (عليه السلام): إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة»

إلى آخرها و

خبر بكير عن الصادق (عليه السلام)(4)في أغسال شهر رمضان قلت: «فان نام بعد الغسل قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.

ج 5، ص: 8

هو مثل غسل الجمعة، إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك»

إلى آخره.

نعم يمتد وقته من طلوع الفجر إلى الزوال كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لا أعرف فيه خلافا و لا حكي سوى ما عن علي بن بابويه و كذا ولده من ظهور الاجتزاء بالغسل للرواح أي للصلاة و لو بعد الزوال، كالشيخ في الخلاف في باب الصلاة وقته ما بين طلوع الفجر الثاني إلى أن تصلى الجمعة، ثم نقل خلاف مالك انه إن راح عقيب الاغتسال اجتزى به و إلا فلا، و قال: دليلنا إجماع الفرقة، مع أنه قال في باب الطهارة أيضا: يجوز غسل الجمعة من عند طلوع الفجر إلى قبل الزوال، و كل ما قرب اليه كان أفضل، إلى أن قال بعد أن حكى خلاف الأوزاعي: دليلنا إجماع الفرقة، و هو مناف للأول إذا روعي المفهوم، و يمكن إرجاع الجميع إلى المشهور بإرادة الغالب من زمن الرواح، و هو قبل الزوال أو الزوال أو بعده بحيث يكون الغسل قبله و بأول وقت الصلاة من الصلاة، و بالزمان الذي لا يمكن فيه الغسل مما قبل الزوال، فيجتمع الجميع على إرادة التحديد بذلك.

و ربما يرشد اليه ما في المعتبر من إجماع الناس على التحديد بما قبل الزوال، مع أنه قبله بيسير ذكر التحديد بالصلاة عن الشيخ، فالظاهر أنه لم يفهم منه الخلاف، و ما في التذكرة «و وقته ما بين طلوع الفجر الثاني إلى الزوال، و كل ما قرب كان أفضل، قاله علماؤنا» و ما في الذكرى «و يمتد إلى الزوال إجماعا» و في المصابيح ان عليه الإجماع المعلوم بالنقل و الفتوى و العمل، نعم ذكر جماعة من متأخري المتأخرين احتمالا، و لم نعرف أحدا عض عليه بضرس قاطع منهم، و هو استمرار استحبابه إلى خروج اليوم عملا بإطلاق أكثر الأدلة، بل قيل انه قد يستفاد من نحو إطلاق المقنعة و الاقتصاد و الجمل و العقود و المراسم و الكافي و الوسيلة و الغنية و الإرشاد و النفلية مما اقتصر فيه على أصل الحكم،

ج 5، ص: 9

و هو استحباب غسل الجمعة أو الغسل في يومها، مع أن الظاهر خلافه لما عرفته من الإجماعات من القدماء و المتأخرين على عدم استمرار ذلك طول النهار.

فتحصل حينئذ من جميع ما ذكرنا أن الاحتمالات في المقام أو الأقوال أربعة، المشهور هو التحديد بالزوال. أو بما قبل الزوال، أو بالصلاة، أو بالغروب، و الأقوى الأول لما عرفت، مع أنه إن لم نقل به تعين القول بأحد الثلاثة الأخر، و الكل باطل، أما الأول فيرده بعد الإجماعات السابقة الاستصحاب، مع أنه لا شاهد له، و

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة الآتي(1): «و ليكن فراغك قبل الزوال»

انما هو حتى تعلم وقوع تمام الغسل في وقته و عدم تجاوزه عن حده، فان كان القائل بذلك يريد هذا المعنى فمرحبا بالوفاق و كان النزاع لفظيا، و الا فلا شاهد له فيه.

و احتمال أن يقال: ان مآل المشهور الى ما قبل الزوال أيضا لعدم تحقق المقارنة غالبا، مع ظهور الرواية بعدم الاجتزاء بها لو تحققت، لكن لشدة قرب بعض أفراد القبيلة إلى الزوال تسامح الأصحاب في التعبير عنه بالزوال تارة، و ما قبله أخرى، كمقعد إجماع المعتبر و غيره، بل لعل ذلك منهم يكون قرينة على خروج ما بعد «الى» عن الوقت الذي يجتزى به في عبارتهم الأولى ليس بأولى من العكس بأن يراد بما قبل الزوال الزوال، بل هو أولى من وجوه، و على كل حال فيتحد القولان حينئذ، و يرتفع الخلاف من هذه الجهة.

و أما الثاني أي التحديد بالصلاة فيرده- مضافا الى الإجماعات السابقة و خبري سماعة(2)و ابن بكير(3)الآتيين- أن الغسل مستحب حتى لمن لم يخاطب بصلاة الجمعة من العبيد و النساء و غيرهم بلا خلاف فيه، فلا تصلح لأن تكون غاية له لعدم


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.

ج 5، ص: 10

اطرادها، و إرادة التحديد بالصلاة و لو من الغير يدفعه أيضا أنه غير منضبط، لاختلاف وقوع الصلاة من المصلين، و عادة الشارع تحديد مثل ذلك بالأمور المضبوطة، و ليس هنا إلا إرادة أول وقت الصلاة و هو الزوال، و ليس فيما دل من الأخبار على تعلق الغسل بالصلاة، و مدخليته به في الجملة و ارتباطه به كذلك، و بيان مشروعيته منافاة لتحديده بالزوال، لأن الغالب خصوصا في الصدر الأول إيقاع الصلاة سيما الجمعة في أول الوقت و هو الزوال.

و أما الثالث فيرده- بعد عدم المقتضي له إلا إطلاق الأمر بالغسل في يوم الجمعة الذي لا ينافي إرادة الأعم من القضاء و الأداء فيها إذا قام الدليل على ما قلناه- الإجماعات السابقة أيضا و

خبر سماعة بن مهران عن الصادق (عليه السلام)(1)«في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أول النهار، قال: يقضيه آخر النهار، فان لم يجد فليقضه يوم السبت»

و المناقشة فيه بعدم كون القضاء حقيقة فيما عندنا في الزمن السابق مدفوعة بمنعه أولا خصوصا في زمن الصادق (عليه السلام)، و بظهور إرادته منه هنا من حيث اتحاده مع السبت في ذلك. هذا مع الإغضاء عن الانجبار بفتاوى الأصحاب كالمناقشة بخروجه عن المدعى، و هو الزوال بظهور كون المراد بأول النهار فيه الشطر الأول، سيما بعد الإجماع على عدم اختصاصه بصدر النهار، و أنه كل ما قرب من الزوال أفضل، و لو سلم فهو لا ينافي الاستدلال بآخره على المطلوب و ان ثبت ما عدا أول النهار الى الزوال بدليل آخر.

و

خبر عبد الله بن بكير عنه (عليه السلام)(2)قال: «سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة، قال: يغتسل ما بينه و بين الليل، فان فاته اغتسل يوم السبت»

بناء على أظهر الوجهين فيها بأن يراد بفوات الغسل يوم الجمعة فواته في الزمان المتعارف المعهود،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.

ج 5، ص: 11

و هو أول النهار بقرينة

قوله (ع): «يغتسل ما بينه و بين الليل»

و احتمال الحديث معنى آخر لا يمنع من الاستدلال بظاهره المتقدم، و لو سلم تساوي الاحتمالين فالمرجح لأحدهما من الإجماعات السابقة و غيرها موجود.

و يشهد لهما ما عن

الهداية عن الصادق (عليه السلام)(1)«لأن نسيت الغسل أو فاتك لعلة فاغتسل بعد العصر أو يوم السبت»

و المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(2)«و ان نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل»

من حيث ظهور الفوات و النسيان في مضي الوقت، و ما دل (3)على أصل مشروعيته من أن الأنصار كانوا يعملون بالنواضح، فإذا جاؤوا يوم الجمعة تتأذى الناس بأرواح إباطهم و أجسادهم، فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالغسل، فجرت السنة، و كذا الأخبار الدالة على إعادة الغسل و الصلاة ان كان في وقت إذا نسي الغسل يوم الجمعة حتى صلى، ك

خبر الساباطي (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلى، قال: ان كان في وقت فعليه أن يغتسل فيعيد الصلاة، و ان مضى الوقت جازت صلاته».

و قد ينقدح من هذا و غيره ان لم يتحقق إجماع على خلافه ان غسل الجمعة له تعلق في الوقت و في الصلاة، و ان كان لو حصل الأول في وقته أغنى عن الثاني، و حصلت به الفضيلة بالنسبة للصلاة، و أما مع عدمه فيستمر الى فعل الصلاة و ان كان بعد الزوال، و لعله من ذلك و أشباهه ذكر الشيخ استمراره الى فعل الصلاة فتأمل جيدا، هذا.


1- 1 الهداية ص 23 المطبوعة بطهران سنة 1377.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 12

و في المروي عن

الحميري في قرب الإسناد في الصحيح عن الرضا (عليه السلام)(1)«انه كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح»

فالمراد بالرواح فيه على الظاهر معناه المعهود و هو المضي إلى الصلاة دون الرواح بمعنى العشي، أو ما بين الزوال إلى الليل، كما يشهد لذلك قوله (ع): «كان» الدال على الاستمرار، إذ من المعلوم ان الغسل في هذا الوقت ليس من الأمر الراجح حتى يداوم عليه، و لعل هذا الخبر هو مستند ما ذكره الصدوق في الفقيه، حيث قال بعد ان ذكر انه يجوز الغسل من وقت طلوع الفجر الى قرب الزوال: «و ان الأفضل ما قرب اليه، و يجزى الغسل للجمعة كما يكون للرواح» و كان قوله: «و يجزى» لبيان انه لا يشترط في حصول وظيفة الغسل ان يكون عند الرواح إلى صلاة الجمعة كما نقل عن بعض العامة، بل كما يكون للرواح إلى الصلاة يكون لسنة الوقت وظيفة اليوم و ان لم يتعقبه الرواح كذا قيل، قلت: و لعل حملها على ما ذكرناه سابقا من تعلق الغسل بالوقت و الصلاة، و انه يجزى الثاني عن الأول عند الصدوق و ان كان بعد الزوال أولى فتأمل. و كيف كان فمن الغريب ما اتفق لبعض الأعاظم من ضبط لفظ الرواح بالزاء المعجمة و الجيم و ذكر في توجيهه ما يقضي منه العجب، و لقد أطنب فيه في الحدائق، و الأمر سهل.

و قد ظهر لك من ذلك كله مستند كل من الاحتمالات أو الأقوال المتقدمة، و الذي يسهل الخطب في ذلك عدم إيجاب التعرض في النية للأداء و القضاء، و من هنا ذكر بعض متأخري المتأخرين أنه ينبغي الاقتصار على نية القربة في الغسل بعد الزوال، كما ظهر لك أيضا تمام حجة المختار، و قد يستند له أيضا زيادة على ذلك ب

صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام)(2)«لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة، و شم الطيب، و لبس


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.

ج 5، ص: 13

صالح ثيابك، و ليكن فراغك من الغسل قبل الزوال، فإذا زالت فقم و عليك السكينة و الوقار»

الحديث. بناء على أن المراد بما قبل فيه القبلية المطلقة المتناول لما بين الطلوع و الزوال، لكن قد يقال: إن ذلك خلاف الظاهر، لكون المنساق منها إرادة القريب من الزوال لا مطلق القبلية، و لا ريب في أن الأمر بهذا الفرد بعينه للاستحباب فلا يمنع من التأخير كما لا يمنع من التعجيل، اللهم إلا أن يقال ظاهره المنع منهما كما في سائر الأوامر التي تساق للشرائط، و قيام الدليل بالنسبة للثاني لا ينافي بقاء الاحتجاج به على الأول، فتأمل جيدا.

و كل ما قرب الغسل من الزوال في الجمعة كان أفضل كما نص عليه والد الصدوق في رسالته و الشيخان و أكثر الأصحاب، بل الظاهر دخوله في معقد إجماع الخلاف و التذكرة سيما الثاني، و لعل ذلك- مع وجود عين العبارة في فقه الرضا (عليه السلام)(1)و إن الغرض منه الطهارة و النظافة عند الزوال، فكل ما قرب منه كان أفضل و التسامح- كاف في إثباته، و إلا فلم نقف على ما يدل عليه، و

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة المتقدم آنفا «و ليكن فراغك قبل الزوال»

لا دلالة فيه على الكلية المذكورة، كالصحيح السابق

عن الرضا (ع) «كان أبي يغتسل عند الرواح»

نعم يستفاد من الأول بل و كذا الثاني أن أفضل أوقاته القريب إلى الزوال كما عبر بنحو ذلك في الفقيه و الذكرى و عن غيرهما. و هو و إن كان لازما للكلية السابقة أيضا لكن لا حكم فيه باستحباب القريب فالقريب، و احتمال إرجاع ما في الفقيه و الذكرى إلى الأصحاب بعيد لا داعي اليه، مع معارضته باحتمال العكس، و على كل حال فلا ريب في ثبوت الأفضلية للقريب من الزوال عند الجميع، لكن قد ينافي ذلك ما دل


1- 1 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 14

من الأخبار الكثيرة(1)على استحباب التبكير للمسجد في يوم الجمعة، بناء على اعتبار تقديم الغسل في حصول وظيفة التبكير كما يفيده بعض الأخبار(2)بل كاد يكون صريح

المرسل عن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)المنقول عن رسالة الشهيد الثاني في أعمال الجمعة «من اغتسل يوم الجمعة ثم بكر و ابتكر و مشى»

إلى آخره. و عن أبي الصلاح التصريح به، فلا جهة للجمع حينئذ بينهما بالتكبير و تأخير الغسل لقرب الزوال، مع عدم تيسره غالبا، و ما فيه من التخطي لرقاب الناس، و التفرقة بينهم، و من حكمة التبكير التجنب عنهما، كالجمع بالغسل للتكبير ثم تكريره قرب الزوال، لعدم الدليل على مشروعية ذلك.

نعم قد يجمع بينهما بتنزيل الأول على من لم يتيسر له التبكير كما هو الغالب، و الثاني على من تيسر له، مع ما فيه من أن ذلك تحكيم لأدلة التبكير على إطلاق المعظم استحباب التأخير من غير استثناء، و نمنع ندرة تيسر التبكير، نعم لا يفعل لا أنه لا يتيسر، و ليس ذلك أولى من العكس بأن يخص استحباب البكور بعد الغسل بما إذا لم يتمكن منه في آخر الوقت، و قد يقال: إنه لا تنافي بين استحباب نفس التبكير و تأخير الغسل بحيث يحتاج إلى الجمع، بل ذلك من باب تعارض المستحبات على المكلف فيتخير أو يرجح، و إلا فالغسل للتبكير باق على مرجوحيته بالنسبة إلى آخر الوقت، و إن رجح التبكير على غيره من أنواع المجي ء، و لا غضاضة في مشروعية مثل ذلك بحسب اختلاف الأشخاص و الأوقات، و لعل كثيرا من المستحبات من هذا القبيل، فتأمل. و عن المفاتيح أنه خص استحباب تقديم الغسل بمريد البكور، و فيه مع بعض ما ذكرنا أن الإرادة لا تقتضي الترجيح، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة.
2- 2 المستدرك- الباب 21- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8- 7 من كتاب الصلاة.
3- 3 المستدرك- الباب 21- من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 8- 7 من كتاب الصلاة.

ج 5، ص: 15

[في جواز تعجيل الغسل يوم الخميس]

و يجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف إعواز الماء على المشهور بين الأصحاب، بل لا أعرف فيه خلافا كما اعترف به في الحدائق، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأصحاب، و في المصابيح إلى الصدوق و الشيخ و ابن البراج و ابن إدريس و ابن سعيد و الفاضلين و الشهيدين و عامة المتأخرين، قلت: و الأصل فيه ما رواه

المشايخ الثلاثة في الصحيح (1)عن الحسين أو الحسن بن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن أمه و أم أحمد بن موسى قالتا: «كنا مع أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في البادية و نحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة، فإن الماء بها غدا قليل، قالتا:

فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة»

و ما رواه

الشيخ في الصحيح (2)عن محمد بن الحسين عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لأصحابه: «إنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء، فاغتسلوا اليوم لغد، فاغتسلنا ليوم الجمعة»

و ما في السند مندفع بالانجبار بما عرفت مع التسامح، و يؤيده مع ذلك ما في

الفقه الرضوي (3)«و إن كنت مسافرا و تخوفت عدم الماء يوم الجمعة فاغتسل يوم الخميس».

ثم ان ظاهر المصنف و القواعد كالمحكي عن ظاهر جماعة من الأصحاب الاقتصار في هذا الحكم على خصوص الإعواز وقوفا على مورد النص، و ربما مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، و قد يقوى إرادة المثال فيهما، فيكتفى بمطلق الفوات كما يقتضيه تعليق الحكم عليه في كشف اللثام و عن النهاية و المبسوط و السرائر و التذكرة و الدروس و البيان و النفلية و المعالم و الروض و المسالك تنقيحا لمناط الحكم مع التسامح، بل في الأخير ما يشعر بالقطع بإرادة المثال، و انه انما خص المصنف لورود النص به في أصل المشروعية و اختاره في المصابيح، قال: «و يؤيده عدم الاختصاص بالسفر كما هو المشهور مع


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 16

بعد الإعواز في الحضر» انتهى.

و لعل الأقوى الاكتفاء كما أن الأقوى الاجتزاء بمجرد الخوف للإعواز على ما هو ظاهر المصنف و غيره، بل قيل إنه المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، لظاهر الخبر الأول المنجبر دلالة بما عرفت مع التسامح. و المؤيد بصريح الرضوي، و بتعذر العلم به سابقا غالبا، و بنظائره من الأبدال الاضطرارية و الرخص، و لا ينافي ذلك ما في الخبر الثاني، كما أن ما في الخلاف «لم يجز التقديم إلا إذا كان آيسا» لا يريد به الحصر بالنسبة إلى ما نحن فيه، و إلا كان ضعيفا و إن أيده الأصل، كالمنتهى حيث علقه تارة على غلبة الظن و أخرى على خوف الإعواز، فتأمل جيدا. و لعل المنساق من نحو المتن فضلا عمن علق الحكم على الفوات الاجتزاء في مشروعية التقديم خوف التعذر في وقت الأداء خاصة، و هو ما قبل الزوال عندنا، فلا عبرة بالتمكن في بقية يوم الجمعة فضلا عن السبت، فله حينئذ التعجيل و لو علم التمكن فيهما كما عن البيان و روض الجنان التصريح به، و نسبه بعض المحققين إلى الأكثر، و لعله يرجع اليه ما عن الذكرى و الموجز من تقديم التعجيل على القضاء عند التعارض، و الظاهر أنه المنساق من الأخبار(1)و إن كان المذكور فيها يوم الجمعة الظاهر منه الجميع، لكن المراد منه هنا و الذي ينصرف اليه انما هو الوقت المعهود المتعارف وقوع الغسل فيه، و هو وقت الأداء منه، و مثل هذه العبارة تقال في المقام من غير استنكار، و لعله بهذا يرتفع استظهار الخلاف في المقام من الفقيه و النهاية و المهذب و المعتبر و لجامع و التلخيص و التحرير و المحرر و الدروس من حيث ذكر اليوم فيها كالاخبار و إن كان يؤيده الأصل و غيره، إلا أن الأقوى ما ذكرنا.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأغسال المسنونة.

ج 5، ص: 17

و منه ينقدح حينئذ أفضلية التعجيل على القضاء لإطلاق الأمر به حينئذ الشامل لصورة التمكن من وقت القضاء كما ذكرناه. و عموم المسارعة، و احتمال العكس كما في صلاة الليل بالنسبة للشاب ضعيف لا دليل عليه، و القياس لا نقول به كالأمور الاعتبارية الخالية عن المدارك الشرعية و إن استحسنها العقل، كاحتمال تقديم بعض صور القضاء على التعجيل، كما لو كان بعد الزوال بلا فصل كثير للقرب من وقت الأداء، و إمكان تعقيب الصلاة له حينئذ، و وجود قول أو احتمال بأنه وقت الأداء، إلى غير ذلك، فتأمل جيدا.

و الاقتصار على الخميس في العبارة و غيرها يقتضي بعدم الجواز في غيره من الأيام و الليالي، بل و لا في ليلته، و هو كذلك لخروجه عن النصوص، بل في المصابيح الإجماع عليه، و أما ليلة الجمعة فعن ظاهر المعظم أنها كذلك، و لعله لتعليق الحكم على الخميس الذي لا تدخل ليلة الجمعة فيه حتى لو قلنا بدخول الليالي في أيامها، لكن قد يقال: إن المراد بذلك في عباراتهم التحديد لابتداء رخصة التقديم، كما يكشف عن ذلك ما عن الموجز حيث قال: «و يعجل من أول الخميس لخائف العوز في الجمعة» و ما عن الخلاف و التذكرة من الإجماع على لحوقها بالخميس، و يؤيده مع ذلك ما قيل من الأولوية للقرب من الجمعة، و الاستصحاب الذي لا يعارضه ما دل على عدم الاجتزاء بالغسل المقدم على طلوع الفجر، لحمله على المختار دون المضطر تقديما للخاص على العام، كما يقدم استصحاب النجاسة أو الحرمة على عمومات الطهارة و الحل.

قلت: و في الجميع نظر، إذا الاحتمال في عباراتهم لا يدفع الظهور، كما أن ظاهر معقدي إجماع الخلاف و التذكرة على غير ذلك، لا أقل من تساوي الاحتمالين، فلاحظ.

و الأولوية ممنوعة، إذ لعل للتماثل أو غيره مدخلية، و الاستصحاب يشكل التمسك به في مثل المقام مما علق الحكم به على زمان مخصوص، بل ينبغي القطع بالعدم بناء على ثبوت

ج 5، ص: 18

المفهوم فيه، نعم قد يستدل عليه بالتعليل المصرح به في أحدهما و المفهوم في الآخر، و هو الإعواز، و عدم جريانه في السابق على الخميس للدليل لا يمنع من التمسك به في اللاحق، سيما مع ظهور الفرق بينهما، فلعل الأقوى حينئذ الإلحاق وفاقا لجماعة.

كما أن الأقوى أيضا أنه إذا تمكن من الماء قبل الزوال أعاد الغسل وفاقا للمنتهى و القواعد و الذكرى و المدارك و كشف اللثام و عن الفقيه و التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و المعالم و الموجز و الذخيرة و البحار و شرح الدروس، لسقوط حكم البدل بالتمكن من المبدل منه، و إطلاق الأدلة الدالة على استحباب غسل الجمعة.

و قد يناقش في الأول بأن البدل وقع صحيحا لوجود شرطه خوف الإعواز، فلا يبطل بالتمكن من الأصل، إذ الأمر و لو ندبا يقتضي الإجزاء بالنسبة اليه، و التكليف بالغسل ثانيا مع صحة البدل جمع بين البدل و المبدل، و مناف لاقتضائه الاجزاء، و في الثاني بأن أوامر غسل الجمعة لا تقتضي إلا غسلا واحدا و قد حصل بالمتقدم، فإنه غسل جمعة قدم يوم الخميس، بل ربما ظهر من بعضهم أنه وقت للاضطراري منه، فيكون أداء، و ربما يشهد له حصر القسمة عندهم في القضاء و الأداء، على أنه لو أعيد مثل هذا الغسل لأعيدت نظائره من صلاة الليل المقدمة، و الوقوف بالمشعر مع القدرة، و لم ينقل عنهم القول به، بل قيل و قد روي تقديم الأغسال الليلية في شهر رمضان على الغروب، و لا مجال للقول بالإعادة في مثله.

و قد يدفع الأول بأن الذي يقتضيه التدبر في الخبرين الدالين على جواز التقديم في مثل المقام و ما اشتملا عليه من التعليل و ما دل على غسل الجمعة و غير ذلك هو اشتراط صحة الغسل المقدم بمطابقة خوف الإعواز أو القطع به للواقع، و إلا فلا، لظهور أن ذلك من الأعذار و الطرق لحصول الواقع، لا أنها مناط تكليف، و لذلك لم يعلق في الخبرين الحكم على الخوف و نحوه، و لا ينافي هذا ما تقدم لنا من الاكتفاء بالخوف،

ج 5، ص: 19

لأن المراد الاكتفاء في جواز إيقاعه ابتداء و إن اشترط صحته بشي ء آخر، و من التأمل فيما ذكرنا يعرف الجواب عن الثاني كما هو واضح جدا، هذا كله مع التمكن في وقت الأداء و أما القضاء فلا يعاد في السبت قطعا، و كذا في غيره بناء على المختار سابقا، بل و على أحد الوجهين في غيره، لأن كلا منهما بدل عن الأداء، فلا جهة للإعادة، فتأمل جيدا.

[في قضاء غسل الجمعة يوم السبت]

و كذا يجوز قضاؤه يوم الجمعة بعد الزوال و يوم السبت أيضا بلا خلاف أجده فيه في أصل القضاء، بل حكى الإجماع مكررا في المصابيح نصا عليه و ظاهرا في غيره، و مع ذلك فالأخبار(1)به مستفيضة، فما في

موثق ذريح عن الصادق (عليه السلام)(2)«في الرجل هل يقضي غسل الجمعة؟ قال: لا»

مطرح أو محمول على إرادة ما بعد السبت خصوصا إذا أشير بالرجل إلى معهود أو نفي الوجوب أو نفي ثبوت القضاء من غير تحديد، أو على التقية، فإن إثبات القضاء لهذا الغسل مما اختص به أصحابنا الإمامية كما في المصابيح، و لا أجد فيه خلافا أيضا بالنسبة للوقتين المذكورين. و إن كان ربما استظهر من عبارة المتن كالتلخيص و النفلية الاختصاص بالثاني، بل قيل انه كاد يكون صريح المهذب، و كأنه لبعض ما سمعته من الأخبار(3)المقتصرة على ذلك، إلا أن الأجود حملها على من فاته الغسل يوم الجمعة قضاء و أداء جمعا بينها و بين غيرها، بل و كذا أكثر هذه العبارات سيما مع النص منهم على ثبوت القضاء في الوقتين كما عن المصنف في المعتبر و الشهيد في غير النفلية و العلامة في غير التلخيص، أو يراد بذلك في كلامهم تحديد الآخر، و على كل حال يرتفع الخلاف، و كذا ظاهر الصدوقين الاختصاص بالنسبة إلى يوم الجمعة بما بعد العصر، و لعله

للمرسل في الهداية عن الصادق (عليه السلام)(4)«إن نسيت الغسل أو فاتك لعلة فاغتسل بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة.
4- 4 الهداية ص 23 المطبوعة بطهران سنة 1377.

ج 5، ص: 20

العصر أو يوم السبت»

و ما في

فقه الرضا (عليه السلام)(1)«و إن نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل»

و كذا

خبر سماعة(2)«في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أول النهار، قال: يقتضيه في آخر النهار، فان لم يجد فليقضه يوم السبت».

لكن الظاهر كما يرشد اليه عدم معروفية نسبة الخلاف إليهما في ذلك عدم إرادة التخصيص و التقييد في عبارتيهما، بل و مستندهما حتى يحكم به على إطلاق

موثقة ابن بكير(3)«في رجل فاته الغسل يوم الجمعة قال: يغتسل ما بينه و بين الليل، فان فاته اغتسل يوم السبت»

بل و إطلاق غيره مما دل (4)على طلب الغسل في يوم الجمعة بناء على إرادة القضاء و الأداء منه، إذ لا داعي إلى ارتكاب إرادة الثاني مع التأييد بأولوية القضاء في سابق العصر عليه، و كون الحكم استحبابيا مع الموافقة لإطلاق الفتوى، فلا جهة للإشكال في ذلك من ذلك، نعم قد يحصل في جواز القضاء في غيرهما من ليلة السبت خاصة، و إلا فغيرها من الليالي و الأيام فلم أعرف أحدا نص على شي ء منها، بل ظاهر الجميع كالأدلة العدم، إلا ما في

الفقه الرضوي (5)«فإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة»

و في البحار اني لم أر به قائلا و لا رواية.

قلت: فالأولى عدم العمل لظهور الاعراض عنه، و أما ليلة السبت فظاهر بعضهم أنها كيومه في الاستحباب، بل في البحار نسبته إلى ظاهر الأكثر، و في المجمع إلى الأصحاب كما عن الشيخ و بني إدريس و سعيد و البراج و العلامة في بعض كتبه


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة.
5- 5 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 21

كالشهيد، و اختاره في المصابيح، و قال: إن القولين تكافئا في الاشتهار، خلافا لظاهر المصنف و غيره ممن اقتصر على ذكر يوم السبت، أو هو مع نهار الجمعة للأصل و ظاهر الأخبار المتقدمة و غيرها ك

قول الباقر (عليه السلام) في مرسل حريز(1)«لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر و الحضر، فمن نسي فليعد من الغد»

و

الصادق (عليه السلام) في خبر جعفر بن أحمد القمي (2)المنقول عن كتاب العروس «من فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت»

و احتمال إرادة السبت فيها لما يشمل الليل كما ترى، كالأولوية المدعاة هنا مع عدم ظهورها، لاحتمال اعتبار التماثل، و الاستصحاب لثبوت القضاء قبل الليل مقطوع بظاهر الأخبار، مع أن المثبت له و هو النص ناف لما بعده، إلا أن يتمسك في ثبوته بالإجماع، و هو ممنوع، لأن من الأصحاب من خص الحكم بيوم السبت، كل ذا مع إطلاق خبر ذريح المتقدم، و خروج نهاري السبت و الجمعة منه غير قادح.

قلت: و لعل الأقوى في النظر الأول، لما عرفته من النسبة إلى الأصحاب المؤيدة بما عن ظاهر الأكثر، و الأولوية المذكورة و المناقشة فيها تتجه لو أريد منها القطع، أو كونها مدركا شرعيا لغير المستحب فيه، فيكفي فيه الأدنى من ذلك، و باستصحاب ثبوت القضاء في وجه، و دعوى انقطاعه بظاهر الأدلة مبني على اعتبار المفهوم منها، و هو ممنوع سيما في المقام، لاحتمال جريان التقييد بالسبت مجرى الغالب من عدم الاغتسال بالليل، أو يراد منه التحديد لآخر وقت الصحة، كما لعله المنساق من نحو الأدلة، لا لأن يوم السبت حقيقة فيما يشملها، بل قد يقال: إن قوله (ع): «بعد العصر» شامل له حقيقة، فتأمل. و كذا المناقشة بأصل ثبوته أي الاستصحاب من


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.

ج 5، ص: 22

ذلك، و من عدم الإجماع لوجود القائل بالسبت خاصة، مع أنك عرفت عدم القطع بوجود القائل بذلك لو سلم قدحه بالإجماع على تقديره.

و من الغريب ما وقع لبعض المحققين حيث أنه تمسك بالاستصحاب في تعجيل الغسل في ليلة الجمعة لثبوته في يوم الخميس، و منع هنا من القضاء ليلة السبت لمنعه ثبوت الاستصحاب أولا و انقطاعه ثانيا، فتأمل. كل ذا مع إمكان الاستدلال عليه بموثقة ابن بكير المتقدمة بناء على أن المراد بيوم الجمعة فيها تمامه، كما هو ظاهره، فيراد حينئذ ما بينه و بين آخر الليلة، فيدل على القضاء ليلة السبت، و جعل ظاهر قوله (ع): «ما بينه و بين الليل» من إرادة تمام الليل قرينة على إرادة الوقت المعهود من اليوم ليس بأولى من العكس، مع أنا لو سلمنا رجحان ذلك منها كما ذكرناه سابقا لكن قد يقال إن مجرد احتمال ذلك كاف في ثبوت المستحب بناء على التسامح فيه للاحتياط العقلي، سيما بعد الاعتضاد بما عرفت.

ثم ان ظاهر المصنف و غيره كصريح آخر ثبوت القضاء بالفوات لعذر كان أولا، بل في الكفاية كما عن الذخيرة أنه المشهور، و في البحار و كشف اللثام أنه ظاهر الأكثر، قلت: و هو الأقوى لإطلاق موثقة ابن بكير(1)و خبر سماعة(2)المؤيدين بغيرهما من الإطلاق أيضا، و بما عرفته من الشهرة و التسامح في المستحب، فما في مرسل الهداية و حريز من اشتراط النسيان مع الفوات لعلة في الأول قاصر عن أن يحكم به على الأول من وجوه لو قلنا بحمل المطلق على المقيد في المستحبات، و انها ظاهرة في التقييد، مع إمكان منعهما معا سيما الثاني، لاحتمال كون الغرض التنصيص على الفرد الخفي من القضاء مع العذر من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، و إلا فمتى ظهر أنه مما


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.

ج 5، ص: 23

تدارك مصلحته لم يتفاوت الحال فيه، و احتمال المبالغة في تأكيد غسل الجمعة حتى كان الترك عمدا من غير عذر مما لا يقع، و لعل اللابدية في خبر حريز مما تشعر بذلك، كما أنه لعل الصدوقين لم يكونا مخالفين في المقام و إن عبرا بمرسل الهداية، فتخرج حينئذ المسألة عن أن تكون خلافية إلا من المنقول عن موجز أبي العباس، حيث قال: «و يقضي لو ترك ضرورة إلى آخر السبت» و لا ريب في ضعفه حينئذ، كما أنه لا ريب في ضعف القول بالفرق بين وقتي القضاء من نهار الجمعة و السبت، فيقضي في الأول التارك و لو عمدا بخلاف الثاني، كما قد يشعر بذلك ما في التحرير من أنه لو ترك تهاونا ففي استحباب قضائه يوم السبت إشكال، و كذا الفرق بينهما باشتراط صحة القضاء في الثاني بتعذر الأول كما هو ظاهر خبر سماعة، و عن النهاية الفتوى بمضمونه، لقصوره عن معارضة غيره من الأدلة المنجبرة بفتاوى الأصحاب. مع عدم ظهور إرادة التقييد فيه، نعم قد يقال باستحباب القضاء في الوقت الأول للمسارعة و القرب إلى الأداء، بل احتمال كونه أداء على ما سمعته سابقا و خبر سماعة، كما أنه يحتمل الحكم باستحباب القضاء قرب الزوال من يوم السبت لبعض ذلك و للمماثلة، بل عن بعضهم الحكم بأنه كل ما قرب إلى الزوال كان أفضل على حسب الأداء، فتأمل جيدا.

ثم انه لا ريب في عدم إرادة الإباحة من الجواز في المتن هنا و في سابقه، لعدم تصوره في العبادة، بل المراد الاستحباب قطعا في الأول، و كذا في الثاني بناء على استحباب غسل الجمعة، لعدم معقولية زيادة الفرع على الأصل، و أما على القول بوجوبه فيحتمله و الوجوب كما لعله الظاهر من الأمر به في عبارة الصدوقين، و عن الكافي ما يشعر به أيضا، فتأمل، و الأمر سهل.

[في كيفية غسل الجمعة]

و كيفية غسل الجمعة على حسب كيفية غسل الجنابة و نحوها، و يجزى فيه كغيره من الأغسال المندوبة الارتماس كما تقدم سابقا ذكره، و الاستدلال عليه، و يستحب

ج 5، ص: 24

الدعاء عند غسل الجمعة بما عن

الصادق (عليه السلام)(1)«اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق به ديني و تبطل به عملي، اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين»

و الله أعلم.

[منها ستة أغسال في شهر رمضان]
اشاره

و من جملة الستة عشر التي يستحب الغسل فيها للوقت ستة في شهر رمضان

[أولها أول ليلة منه]

أولها أول ليلة منه عند الأصحاب كما في المعتبر و الروض، بل في الأخير و الغنية صريح الإجماع عليه، و هو الحجة مع ما في

خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام)(2)«و غسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب»

و الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام)(3)كما عن العيون، و في

الإقبال «روى ابن أبي قرة(4)في كتاب عمل شهر رمضان بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) «يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان و ليلة النصف منه»

- ثم قال-: إني رأيت في كتاب اعتقد أنه تأليف

أبي محمد جعفر بن أحمد القمي عن الصادق (عليه السلام)(5)«من اغتسل في أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار و يصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل»

- ثم قال أيضا- و من الكتاب المشار اليه

عن الصادق (عليه السلام) أيضا(6)(من أحب أن لا تكون به الحكمة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان، فلا تكون به الحكة إلى شهر رمضان من قابل)»

انتهى.

قلت: بل و يومها أيضا و إن لم يذكره المصنف لما رواه السيد أيضا في

الإقبال بإسناده (7)عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: «من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار و صب على رأسه


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الجنابة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 7.

ج 5، ص: 25

ثلاثين غرفة كان دواء السنة، و إن أول كل سنة أول يوم من شهر رمضان»

و في البحار حكاية الرواية عن الإقبال إلى قوله: «دواء السنة» و احتمل لذلك في أول السنة المحرم و شهر رمضان، و لعل الأظهر ما قلناه. مضافا إلى الروايات المتعددة(1)الدالة على أنه أول السنة شهر رمضان، و قد روى جملة منها في الإقبال، ثم قال: «و اعلم أني وجدت الروايات في أن أول السنة محرم أو شهر رمضان، لكني رأيت عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين و كثيرا من تصانيف علمائهم الماضين أن أول السنة شهر رمضان على التعيين» انتهى. و في مصباح الشيخ أن المشهور من روايات أصحابنا إن شهر رمضان أول السنة، و لذلك رتب كتابه عليه، و هناك قرائن أخر أيضا تقضي بكونه أول السنة، و لعل في ذلك كفاية لما نحن فيه، و إلا فللبحث في تحقيقه مقام آخر، و لعلها تختلف السنون باختلاف الاعتبارات، فتأمل جيدا.

بل و كذا يستحب في سائر ليالي فرادى شهر رمضان وفاقا لجماعة من أساطين أصحابنا منهم الشيخ، قال على ما نقل عنه: «و إن اغتسل ليالي الأفراد كلها و خاصة ليلة النصف كان له فضل كثير» انتهى. لما رواه السيد في الإقبال (2)في سياق أعمال الليلة الثالثة من الشهر، و فيها يستحب الغسل على مقتضى الرواية التي تضمنت أن كل ليلة مفردة من جميع الشهر يستحب فيها الغسل، و ذلك كاف في إثباته.

كما أنه ينبغي الحكم باستحباب الغسل في العشر الأواخر كلها شفعها و وترها، ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير(3)المروي في الإقبال من كتاب علي بن عبد الواحد النهدي: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يغتسل في شهر


1- 1 الإقبال ص 4.
2- 2 الإقبال ص 120.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 10.

ج 5، ص: 26

رمضان في العشر الأواخر في كل ليلة»

و

أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما رواه فيه أيضا نقلا عن أحمد بن عياش (1)قال: «لما كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول الله (صلى الله عليه و آله) فحمد الله و أثنى عليه- إلى أن قال-: حتى إذا كان أول ليلة من العشر قام فحمد الله و أثنى عليه، و قال مثل ذلك ثم قام و شمر و شد المئزر و برز من بيته و اعتكف و أحيى الليل كله، و كان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين»

إلى آخره.

قلت: و قد يحتمل فيه إرادة كل ليلة من شهر رمضان، بل قد يدعى ظهوره فيه كما لا يخفى على من لاحظ و تأمل، فيثبت حينئذ استحباب الغسل في جميعه. و ربما يشهد له ما عن

المجلسي في زاد المعاد أنه «قد ورد(2)في بعض الأخبار استحباب الغسل في كل ليلة من شهر رمضان»

انتهى. إلا أنه لم أعثر على ناص عليه إلا ما عن المحدث في الوسائل، حيث قال على ما نقل بعد ذكره الرواية السابقة: إن الظاهر عود الضمير إلى الشهر، فإنه أقرب الوجوه، و على التقديرين فاستحباب الاغتسال في جميع العشر ثابت، مضافا إلى ما ورد في استحبابه في ليلة القدر منه كما ستعرف، و الأربعة و العشرين كالأمر من الصادق (عليه السلام) بالاغتسال كما في الإقبال (3)نقلا من كتاب الحسين بن سعيد و نحوه عن الخصال،(4)و كذا الخمس و العشرين و السبع و العشرين و التسع و العشرين (5)مضافا إلى أنها من الفرادى، و عن

فلاح السائل نقلا عن كتاب ابن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان «و غسل ليلة أربع و عشرين منه»

و روى في ذلك روايات،


1- 1 الإقبال ص 21.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 6.
3- 3 الإقبال ص 215.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 12 و 13.

ج 5، ص: 27

و لعل المستحب يكفي فيه أدنى من ذلك، فتأمل.

[ثانيها غسل ليلة النصف]

و ثانيها غسل ليلة النصف منه بلا خلاف أجده و إن كان ربما توقف فيه بعض متأخري المتأخرين من حيث عدم ظهور المستند، لكنه ليس في محله للاكتفاء في مثله بنص هؤلاء الأساطين، مع ما في الغنية من الإجماع عليه، و في الوسيلة من عدم الخلاف، و ما سمعته سابقا مما ورد في الفرادى، بل في خصوص النصف منه، كما في أول خبر نقلناه عن الإقبال، و

المرسل (1)في المقنعة عن الصادق (عليه السلام) «أنه يستحب الغسل في ليلة النصف من شهر رمضان»

إلى غير ذلك، فلا ينبغي التوقف فيه، و كان المصنف في المعتبر لم يعثر على شي ء مما ذكرنا حيث استدل على ذلك بعد أن نسبه إلى الثلاثة بأنه لعله لشرف تلك الليلة، فاقترانها بالطهر حسن، قلت: و ينقدح منه هنا كتعليله غسل التوبة و غسل رجب و غيرهما، بل صرح به في بعض كلماته كون الغسل مستحبا في نفسه و إن لم يحصل شي ء من موجباته، و مثله عن العلامة في المنتهى في غسل التوبة، و كأنه ل

قولهم: «الطهر على الطهر عشر حسنات»(2)

و

«أي وضوء أطهر من الغسل»(3)

و ما ورد في بعض الروايات (4)من الأمر بالغسل بماء الفرات من غير تعين علة أو غاية، و في الكل نظر، بل ربما يظهر من الأصحاب حيث حصروا محاله عدمه، كما هو قضية الأصل و قصور تلك الأدلة عن إفادته و لو مع التسامح إلا مع الاحتياط العقلي الذي ذكرناه غير مرة، و ذلك لظهور الطهر في غير ما نحن فيه من الأغسال المندوبة.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوضوء- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الجنابة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من كتاب المزار.

ج 5، ص: 28

و منه تعرف فساد الاستدلال على مشروعية التحديد في الأغسال المندوبة، إذ الأقوى عدمها، وفاقا للمنقول عن نص العلامة و الشهيد، و نسبه بعض المحققين الى ظاهر الأصحاب، بل إلى المعلوم من طريقة المسلمين، للأصل و عدم وضوح دليل عليه، فما عساه يظهر من المحكي عن المنتهى في غسل المستحاضة من مشروعية ذلك ضعيف لو سلم ظهوره، و إن نقل عن بعض المتأخرين الميل اليه، نعم قد يقال باستحباب الغسل لكل زمان شريف و مكان شريف كما عن ابن الجنيد، و ربما يشهد له فحاوي كثير من الأخبار كتعليل غسل العيدين عن الرضا (عليه السلام)(1)و يوم الجمعة(2)و أغسال ليالي القدر(3)و نحوه، بل تتبع محال الأغسال يقضي به، و المستحب يكفي فيه أدنى من ذلك.

[ثالثها غسل ليلة سبع عشرة منه]

و ثالثها غسل ليلة سبع عشرة منه لصحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) ا لمشتمل على سبعة عشر غسلا، و حسنه عن الباقر (عليه السلام)(5)المروي عن الخصال، كخبر الأعمش (6)عن الصادق (عليه السلام) عنه أيضا، و الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام)(7)المروي عن العيون، و مرسل الفقيه (8)و الإقبال (9)كل ذا مع ما في الغنية و الروض من الإجماع عليه، و الوسيلة من عدم الخلاف فيه، و المعتبر من نسبته إلى الأصحاب، و ما تقدم في الفرادى.

[رابعها و خامسها و سادسها غسل ليلة تسع عشر و إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين]

و رابعها و خامسها و سادسها غسل ليلة تسع عشر و إحدى و عشرين


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 18.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 6.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
9- 9 الإقبال ص 158.

ج 5، ص: 29

و ثلاث و عشرين للإجماع المحكي إن لم يكن محصلا في الغنية و الروض و المصابيح و المعتبرة المستفيضة(1)بل في بعضها(2)النهي عن تركه في الأخيرين المحمول على الكراهة، أو تأكد الاستحباب، و منه يستفاد أنهما أشد استحبابا من ليلة تسع عشرة كما يرشد إليه أيضا أنهما من العشر الأواخر، و لعل الغسل في الثالثة و العشرين آكد منه في الحادية و العشرين، لأنهما و إن اشتركا في كونهما فرادى و من العشر الأواخر إلا أن الثالثة و العشرين، أرجى لليلة القدر من غيرها، و لعله يومي إلى ذلك خبر الجهني (3)و غيره، كما أنه يومي اليه استحباب تكرير الغسل فيها أول الليل و آخره ل

مضمر بريد(4)قال: «رأيته اغتسل في ليلة ثلاث و عشرين مرتين، مرة من أول الليل و مرة من آخر الليل»

و إضماره مع ظهور أنه الإمام (عليه السلام) كما عن الذكرى غير قادح، سيما مع رواية السيد ابن طاوس في الإقبال عن بريد أيضا مستندا له إلى الصادق (عليه السلام)، و الظاهر أن له الاقتصار على أحدهما عملا بإطلاق غيره من الأدلة، كما أنه له الغسل في الأثناء لذلك.

نعم قد يمنع الغسل في الأثناء مع الغسل أول الليل اقتصارا في مشروعية التعدد على الآخر، كما أنه قد يمنع الغسل في الآخر لو اغتسل في الأثناء اقتصارا في مشروعيته على كون الغسل السابق أول الليل، سيما و دليل الحكم حكاية فعل لا عموم فيها، فتأمل.

هذا كله لو أراد المحافظة على وظيفة الغسل مرتين، أما لو أراد ذلك مرة واحدة كان


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 11 من كتاب الصوم.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 30

مخيرا في أي جزء كما في كل غسل أضيف إلى ليل أو يوم من غير فرق بين غسل ليالي القدر و غيره، و يدل عليه مضافا إلى ذلك ما في

صحيح العيص بن القاسم عن الصادق (عليه السلام)(1)«عن الليلة التي يطلب فيها ما يطلب متى الغسل؟ فقال: من أول الليل، و إن شئت حين تقوم من آخره، و عن القيام، فقال: تقوم في أوله و آخره».

نعم قد يشعر قوله أولا من أول الليل باستحباب ذلك مع ما فيه من المسارعة و الملاقاة لسائر الزمان مغتسلا، و عليه يحمل ما في

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) و الغسل في أول الليل، و هو يجزئ إلى آخره»

و

خبر ابن بكير(3)«سأل الصادق (عليه السلام) عن الغسل في رمضان- إلى أن قال-: و الغسل أول الليل، قلت: فان نام بعد الغسل قال هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك»

كما يشعر به أيضا التشبيه بالجمعة لا على إرادة انحصار الاستحباب به، و كذا ما سمعته سابقا من

الخبر عنه (عليه السلام)(4)«انه (صلى الله عليه و آله) كان يغتسل في العشر الأواخر بين العشائين»

سيما مع الإطلاق في خبر آخر(5)و كونه فعلا. فما عساه يظهر من المصابيح من التوقيت بما بين العشاءين للعشر الأواخر لا يخلو من نظر.

ثم انه يستفاد من خبر ابن بكير عدم قادحة النوم فيه، و عدم استحباب الإعادة كما هو مقتضى الأصول و حصول الامتثال، و كذا بالنسبة إلى كل حدث صغير أو كبير غير النوم، و في المصابيح لا يعاد شي ء منها بالحدث إجماعا، فلو أعاد حينئذ شرع، نعم قد ترجح الإعادة لاحتمال الخلل و نحوه مما يندرج تحت الاحتياط، و كذا لو كان الغسل للفعل كغسل الإحرام أعاده لو نام بعده قبل وقوع الفعل للمعتبرة الصريحة


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 14.

ج 5، ص: 31

في ذلك بالنسبة للإحرام (1)و دخول مكة(2)و فيها الصحيح، خلافا للمحكي عن ابن إدريس فلم يعده، و هو جيد على أصله إن لم يثبت الإجماع و نحوه عنده، سيما بعد إطلاق ما دل (3)على إجزاء غسل اليوم عن يومه، و الليل لليلة، لكنه ضعيف عندنا للأخبار السابقة.

ثم انها و إن كانت خاصة في خصوص الإحرام و دخول مكة لكن الظاهر عدم الفرق بينهما و بين سائر الأغسال الفعلية لاتحاد الوجه، و نسبه بعض المحققين إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعل في التعليل في

خبر عبد الرحمن بن الحجاج (4)إشعارا به، قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أ يجزؤه ذلك أو يعيده؟ قال: لا يجزؤه، لأنه إنما دخل بوضوء»

و كذا لا فرق بين النوم و غيره من الأحداث وفاقا للمحكي عن العلامة و الشهيد و أبي العباس و إن اقتصرت عليه الأخبار السابقة لكنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على الظاهر، مضافا إلى إشعار التعليل السابق و التسامح في المستحب، خلافا لظاهر آخرين حيث اقتصروا على النوم للأصل و ظاهر ما دل على الاجتزاء بغسل الليل إلى آخر الليل و كذا النهار مع غلبة تخلل الحدث في هذه المدة، و فيه أنه يرد مثله في النوم أيضا، نعم قد يتجه بملاحظة هذه الأخبار- مع الأصل و العمومات، و

صحيح العيص ابن القاسم (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الإحرام من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 0 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام- الحديث 2 من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الإحرام- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 5، ص: 32

ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم. قال: ليس عليه غسل»

- أن المستحب إعادة الغسل بهذه الأحداث لا انتقاض الغسل الأول جمعا بينها و بين غيرها مما أمر بالإعادة، و إن كان خبر عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم ظاهرا في النقض، لكنه يحمل على إرادة عدم الاجزاء في كمال الفضل، و اختاره في المصابيح، فتأمل.

ثم ان ظاهر المصنف و غيره من الأصحاب ممن نص على القضاء في غسل الجمعة و تركه في غيره عدم مشروعية القضاء فيما عداه، و هو كذلك للأصل، و احتياج القضاء إلى أمر جديد، مع أنا لم نعرف فيه خلافا فيما نحن فيه من الأغسال الزمانية سوى ما يحكى عن المفيد من قضاء غسل يوم عرفة، و لعله ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) لزرارة(1)«إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة»

حيث جمع بين غسل عرفة و أغسال يوم العيد، و لا يمكن ذلك في الأداء، فليحمل على القضاء، و فيه مع إمكان معارضته باحتمال جواز تقديم غسل العيد أن المراد الاجتزاء بالغسل الواحد للمتعدد حيث تجتمع كما يشعر به قوله (ع) بعده: «و كذلك» إلى آخره، فتأمل. و الشهيد من قضاء غسل ليالي الأفراد الثلاثة مسندا له في الذكرى و الدروس إلى رواية ابن بكير عن الصادق (عليه السلام)(2)لكنا لم نعثر على غير الرواية السابقة لابن بكير، و لا ريب في ظهورها بإرادته الاغتسال للجمعة بعد الفجر، فتأمل جيدا.

[منها غسل ليلة الفطر]

و من الأغسال المستحبة أيضا غسل ليلة الفطر ل

قول الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث- 15- و ذيله في الباب- 11- الحديث 4.

ج 5، ص: 33

في خبر الحسن بن راشد(1)المروي في الكافي و الإقبال و غيرهما بعد أن قال له:

«الناس يقولون ان المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر، فقال: يا حسن إن القار يجار انما يعطى أجرته عند فراغه و ذلك ليلة العيد، قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال: إذا غربت الشمس فاغتسل»

الى آخره. و مع ذا ففي الغنية الإجماع عليه، و ظاهر المصنف كمعقد الإجماع الاجتزاء بأي جزء من الليل، و هو كذلك، و ان ظهر من الخبر المتقدم إرادة التوقيت بما بعد الغروب، كما لا ريب أن الأصل يقتضي عدم مشروعية تقديمه أيضا، لكونه من الموقت، سيما لو كان التقديم اختياريا، لكن

قال ابن طاوس في إقباله في آداب ليلة الفطر: «روي أنه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد»

انتهى. و لا صراحة فيه بل و لا ظهور في اتحاد هذا الغسل مع الغسل الليلي فلعله مستحب آخر، و على تقديره فلا بد من القول حينئذ بكون الوقت للغسل من قبل الغروب، و ان الإضافة في النص و الفتوى للجزء الأغلب و نحو ذلك، و لعله يأتي نوع تعرض منا له و لمثله مما ورد في أغسال ليالي شهر رمضان أيضا قبل الغروب عند تعرض المصنف لعدم تقديم الغسل الزماني على وقته، فتأمل.

[منها غسل يومي الفطر و الأضحى]

و كذا يستحب في يومي العيدين الفطر و الأضحى للمستفيض من الإجماع المحكي و الأخبار(2)و ان كان في بعضها ما يقضي بالوجوب لما عرفت من الإجماعات المنقولة على عدمه إن لم تكن محصلة، انما الكلام في وقته، فهل يمتد بامتداد اليوم كما هو مقتضى إطلاق النص و الفتوى و الإضافة فيهما كمعاقد الإجماعات صريحها و ظاهرها، و اختاره جماعة، أو أنه من طلوع الفجر إلى ما قبل الخروج إلى المصلى كما عن ابن إدريس و أحد قولي العلامة حيث قال: الأقرب تضيقه عند الصلاة، ل

قول الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.

ج 5، ص: 34

(عليه السلام) في موثق عمار الساباطي (1)«في رجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى صلى قال: إن كان في وقت فعليه أن يغتسل و يعيد الصلاة، و إن مضى الوقت فقد جازت صلاته»

بل ربما يظهر منه أن الغسل للصلاة كالمروي (2)عن العلل و العيون عن الرضا (عليه السلام) في علة غسل الجمعة و العيد تعظيما لذلك اليوم و تفضيلا له على سائر الأيام و زيادة في النوافل و الصلاة، أو انه يمتد إلى الزوال الذي هو آخر وقت صلاة العيد كما مال إليه في الرياض لمساواة العيد للجمعة في كثير من الأحكام، و

الرضوي (3)«إذا طلع الفجر يوم العيد فاغتسل، و هو أول أوقات الغسل ثم إلى وقت الزوال»

و لعله يرجعه إلى سابقه أو إليه سابقه قال في الذكرى: «الظاهر امتداد غسل العيدين بامتداد اليوم عملا بإطلاق اليوم، و يتخرج من تعليل الجمعة إلى الصلاة، أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد و هو ظاهر الأصحاب» انتهى.

و لا ريب في قوة الأول لما عرفت و قصور غيرها عن المعارضة مع عدم وضوح دلالتها، إذ لا تلازم بين جواز الصلاة و بقاء الخطاب بغسل العيد، كما انا لا نمنع ارتباط الصلاة به في الجملة، فلا دلالة حينئذ في التعليل بزيادتها به على ذلك، بل في الخبر نفسه التعليل أيضا بالتعظيم و التفضيل الظاهر في بقائه و استمراره، على أن فعل الصلاة مختلف باختلاف الأشخاص، فلا يليق التحديد به إلا أن يدعى حينئذ أنه غسل للفعل، فيتوجه عليه حينئذ أن ظاهر الأدلة استحباب الغسل للعيد لمن خوطب بالصلاة و من لم يخاطب و من صلى و من لم يصل، و أما الرضوي فهو مع تسليم حجيته رده في المصابيح بأنه خلاف المدعى، لامتداد الغسل فيه إلى الزوال و ان صلى العيد، انتهى.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 18.
3- 3 المستدرك- الباب- 11- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 35

و هو ظاهر في أن الوجه الثالث الذي ذكرناه ليس مذهبا لأحد من الأصحاب، و لعله كذلك.

و منه حينئذ يظهر أن الرضوي لنا لا علينا، ك

خبر عبد الله بن سنان (1)«الغسل من الجنابة و يوم الجمعة و يوم الفطر و يوم الأضحى و يوم عرفة عند زوال الشمس»

بل هو أظهر منه لإفادته الاستحباب و الفضل، و صلاة العيد انما تكون قبل ذلك غالبا، و على كل حال فلا ريب في ضعفه، نعم يمكن القول بتأكد استحباب الغسل قبل الصلاة لأن له ارتباطا ما معها كما يومي اليه ما تقدم، بل في المنقول (2)عن ابن أبي قرة في كتاب أعمال شهر رمضان عن الرضا (عليه السلام) إدخاله في كيفية صلاة العيد، فتأمل جيدا.

[منها الغسل في يوم عرفة]

و كذا يستحب الغسل في يوم عرفة للنصوص المستفيضة(3)و إجماعي الغنية و المدارك، و لا يختص بالناسك في عرفات لإطلاق النص و الفتوى، و خصوص

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن(4): «اغتسل أينما كنت»

في جواب سؤاله عن غسل يوم عرفة في الأمصار، كما أن إطلاقهما عدا النادر يقضي بامتداده في سائر اليوم، لكن يحكى عن علي بن بابويه أنه قال: «و اغتسل يوم عرفة قبل زوال الشمس» و لعله ل

خبر عبد الله بن سنان (5)«الغسل من الجنابة و يوم الجمعة و يوم الفطر و يوم الأضحى و يوم عرفة عند زوال الشمس»

إلا أنه مع ظهور إعراض الأصحاب لإطلاقهم كغيره من النصوص يتعين حمله على إرادة الفضيلة أو غير ذلك، و احتمال إرادة التحديد للآخر فيها بالزوال، فتخرج حينئذ شاهدا على تحديد غسل يومي العيدين


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 10.
2- 2 الإقبال ص 279 لكن رواه عن أبى عبد الله عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 36

بالزوال كما ترى، فالأقوى حينئذ امتداد استحبابه بامتداد اليوم، و نحوه في الاستحباب و الامتداد يوم التروية لإطلاق دليله من صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) و عمار عن الصادق (عليه السلام)(2)، و غيرهما(3).

[منها الغسل في ليلة النصف من رجب]

و كذا يستحب الغسل أيضا في ليلة النصف من رجب على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا بين الأصحاب بل في الوسيلة عده في المندوب بلا خلاف، و عن العلامة في النهاية و الصيمري في الكشف نسبته إلى الرواية، كل ذا مع ما في الزمان من الشرف ان قلنا باستحباب الغسل لمثل ذلك كما عن ابن الجنيد، و تقدم الكلام فيه، و عن

ابن طاوس (4)في الإقبال أنه قال: وجدنا في كتب العبادات عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله و أوسطه و آخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»

و المناقشة فيه بالإرسال كالدلالة باحتمال إرادة النهار ليست في محلها في مثل المقام، بل لا يبعد الحكم باستحبابه ليلا و نهارا لمكان هذا الخبر و التسامح في المستحب، كما أنه لا يبعد الحكم باستحبابه أيضا في أوله و آخره لذلك.

[منها الغسل في يوم السابع و العشرين من الرجب]

و كذا الكلام في استحباب الغسل في يوم السابع و العشرين منه و هو يوم المبعث بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية الإجماع عليه، و الوسيلة عده في المندوب بلا خلاف، و العلامة و الصيمري نسبته إلى الرواية، فلا وجه للتوقف فيهما بعد ذلك بل و لا في يوم المولود و هو السابع عشر من ربيع الأول على المشهور، و عن الكليني


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 37

أنه ثاني عشر لرواية(1)و الأول أقوى، و كيف كان فلم أجد خلافا في استحباب الغسل فيه كما اعترف به في الوسيلة، و عن الكشف نسبته إلى الرواية و لعل ذلك كاف في ثبوت استحبابه، مضافا إلى ما قيل انه من جملة الأعياد، فيستحب فيه الغسل لما يشعر به بعض الأخبار من استحباب الغسل في كل عيد

كالمرسل (2)عنه (صلى الله عليه و آله) أنه قال في جمعة من الجمع: «هذا اليوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا فيه»

و عن الخلاف الإجماع على استحباب الغسل في الجمعة و الأعياد بصيغة الجمع.

[منها الغسل ليلة النصف من شعبان]

و كذا ليلة النصف من شعبان بل زيادة، إذ هو مع عدم الخلاف فيه ظاهرا و الإجماع عليه من ابن زهرة كنفي الخلاف من ابن حمزة مدلول

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(3)«صوموا شعبان و اغتسلوا ليلة النصف منه، ذلك تخفيف من ربكم»

و

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر سالم مولى أبي حذيفة(4)المروي عن المصباح «من تطهر النصف من شعبان فأحسن التطهير- إلى أن قال-:

قضى الله له ثلاث حوائج».

[منها الغسل يوم الغدير]

و كذا يوم الغدير و هو الذي أخذ فيه النبي (صلى الله عليه و آله) البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع، و كان اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة على المعروف بين الأصحاب كما نسبه إليهم غير واحد، بل في التهذيب و الغنية و الروض الإجماع عليه، و هو الحجة،


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 439 من طبعة طهران.
2- 2 كنز العمال ج- 4- ص 152- الرقم 3367.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 6 من كتاب الصلاة.

ج 5، ص: 38

مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر العبدي (1)«من صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة- و بين كيفية الصلاة إلى أن قال-: ما سأل الله حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت»

الحديث. و في

الإقبال عن أبي الحسن الليثي عن الصادق (عليه السلام)(2)أيضا في حديث ذكر فيه فضل يوم الغدير قال: «فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره»

و كان التوقيت فيهما محمول على الاستحباب لقصورهما مع اختلافهما فيه عن تقييد كلمات الأصحاب و معاقد إجماعاتهم، فما عن ابن الجنيد ان وقت هذا الغسل من طلوع الفجر إلى قبل صلاة العيد لما عرفت ضعيف، على أنه لو أريد الاقتصار على ما في الخبر لوجب تخصيصه بمريد الصلاة، و لعله من هنا يمكن القول باستحباب الغسل من جهتين الصلاة و اليوم، و امتداده من حيث الثانية لا ينافي عدمه من حيث الأولى، و العمدة الإجماعات السابقة، و بها لا يلتفت إلى ما يحكى عن الصدوق، حيث قال في الفقيه:

«فأما خبر صلاة الغدير و الثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه، و يقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني، و كان غير ثقة، و كل ما لم يصححه هذا الشيخ و لم يحكم بصحته فهو عندنا متروك غير صحيح» انتهى. إذ هو مع مخالفته لما عرفت و اقتضائه عدم العمل بالأخبار الضعيفة في الآداب و السنن يمكن إرادته إبطال خصوص ما في هذا الخبر من الثواب المخصوص و إن وافق على مطلق الاستحباب، فتأمل جيدا.

[منها الغسل في يوم المباهلة]

و كذا يستحب الغسل في يوم المباهلة على المشهور بين الأصحاب لما


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الإقبال ص 474.

ج 5، ص: 39

عن

الإقبال (1)بسنده إلى ابن أبي قرة بإسناده إلى علي بن محمد القمي رفعه قال: «إذا أردت ذلك فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا، و اغتسل و البس أنظف ثيابك»

و عن

المصباح (2)عن محمد بن صدقة العنبري عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: «يوم المباهلة يوم الرابع و العشرين من ذي الحجة تصلي في ذلك اليوم ما أردت- ثم قال-: و تقول و أنت على غسل: الحمد لله رب العالمين»

إلى آخره، و ما في السند و الدلالة منجبر بالشهرة السابقة التي هي قريب الإجماع، بل لعلها كذلك، بل في الغنية الإجماع على غسل المباهلة، و الظاهر إرادته يوم المباهلة لا فعلها، لاستبعاد دعوى الإجماع عليه، فيكون حينئذ دليلا آخر، نعم يحتمل ذلك في

موثق سماعة(3)قال: «و غسل المباهلة واجب»

لأصالة عدم تقدير اليوم، لكن قد يقال فهم الأصحاب يعينه، فتتكثر الأدلة على المطلوب حينئذ، فتأمل جيدا.

و بناء على الوجه الأول يستفاد منه حينئذ استحباب الغسل لفعل المباهلة كما عن جماعة النص عليه، و يدل عليه

خبر أبي مسروق عن الصادق (عليه السلام)(4)المروي عن أصول الكافي قال: «قلت: انا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز و جل (5)«أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فيقولون نزلت في أمراء السرايا،


1- 1 الإقبال ص 515.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب بقية الصلاة المندوبة- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
4- 4 أصول الكافي باب المباهلة من كتاب الدعاء- الحديث 1 لكن في الكافي المسترق بدل المسروق.
5- 5 سورة النساء- الآية 62.

ج 5، ص: 40

فنحتج بقول الله عز و جل (1)«قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» فيقولون نزلت في مودة قربى المسلمين، فنحتج بقول الله عز و جل (2)«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ» فيقولون نزلت في المؤمنين، فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذا و شبهه إلا ذكرته، فقال لي: إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة، قلت: فكيف أصنع؟ قال: أصلح نفسك ثلاثا و أظنه قال: و صم و اغتسل و ابرز أنت و هو إلى الجبان، فشبك أصابعك اليمنى في أصابعهم ثم أنصفه و ابدأ بنفسك و قل اللهم رب السماوات و رب الأرضين عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا و ادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما، ثم رد الدعاء عليه. فقل و إن كان فلان جحد حقا و ادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما، ثم قال: فإنك لا تلبث إلا أن ترى ذلك، فو الله ما وجدت خلقا يجيبني إلى ذلك»

و قول الراوي: «و أظنه قال» يختص بالصوم و لا يعم الاغتسال كما هو الظاهر.

ثم إنه يستفاد من خبر العنبري السابق زيادة على استحباب الغسل إن يوم المباهلة الرابع و العشرون من ذي الحجة، و هو المشهور كما في الذكرى و الروض و فوائد الشرائع و الذخيرة و الكشف و غيرها حكايتها عليه، و عن إقبال ابن طاوس نسبته إلى أصح الروايات بعد أن حكى قولا بالسابع و العشرين، و آخر بالواحد و العشرين، و لم ينقل عنه ذكر الخمس و العشرين قولا لأحد، لكن ذهب اليه المصنف في المعتبر، و لعل الأول أقوى.

قلت: و قد بقي زيادة على ما ذكرته و ذكره المصنف بعض الأغسال الزمانية كغسل يوم دحو الأرض و يوم نيروز الفرس و يوم تاسع ربيع، فأما الغسل لدحو


1- 1 سورة الشورى- الآية 23.
2- 2 سورة- المائدة- الآية 60.

ج 5، ص: 41

الأرض و هو يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة، فقد ذكر على ما قيل في الذكرى و البيان و الدروس و جامع البهائي و اثنى عشريته، لكن نسبه في الأول إلى الأصحاب كما أنه عن الفوائد الملية و الحديقة إلى المشهور، و ربما يكتفى بذلك في مثله لولا ما في المصابيح من «أنا لم نجد لذلك ذكرا في غير ما ذكر، و كتب الفقه و الأعمال خالية منه بالمرة، و كان الشهيد رحمه الله وجده في بعض كتب الأصحاب فعزاه إلى الأصحاب بقصد الجنس دون الاستغراق، ففهم منه الشهيد و غيره إرادة الظاهر فنسبوه إلى المشهور، و نحن فقد تتبعنا ما عندنا من مصنفات الأصحاب ككتب الصدوق و الشيخين و سلار و أبي الصلاح و ابن البراج و ابن إدريس و ابن زهرة و ابن أبي المجد و ابن سعيد و كتب العلامة و ابن فهد و ابن طاوس فلم نجد له أثرا فالشهرة مقطوع بعدمها، إنما الشأن في من ذكره قبل الشهيد» انتهى، نعم قد يقال باستحباب الغسل فيه من حيث شرفه و فضله بناء على اعتبار مثل ذلك فيه، فتأمل.

[منها غسل يوم النيروز]

و أما غسل يوم النيروز فعلى المشهور بين المتأخرين بل لم أعثر على مخالف فيه ل

خبر المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام)(1)المروي عن المصباح و مختصره «إذا كان يوم النيروز فاغتسل»

إلى آخره. و في

خبره الآخر عن الصادق (ع)(2)المروي على لسان الشيخ الجليل الشيخ أحمد بن فهد في مهذبه حكاه في المصابيح، و هو طويل قد اشتمل على ذكر أمور عظيمة قد وقعت في هذا اليوم، كبيعة علي (عليه السلام) و إرساله إلى الجني، و ظفره بالنهروان، و قتل ذي الثدية، و ظهور القائم (عليه السلام) و يظفره الله فيه بالدجال إلى أن قال: «و ما من يوم النيروز إلا و نحن نتوقع فيه الفرج، لأنه من أيامنا حفظه الفرس و ضيعتموه، ثم ان نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربه


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 5، ص: 42

أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت فأماتهم الله مائة عام فأوحى الله اليه أن صب الماء عليهم في مضاجعهم، فصب عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا و هم ثلاثون ألفا، فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون في العلم، و هو أول يوم من سنة الفرس قال المعلى و أملى علي من ذلك و كتبته من إملائه.»

و لا ريب في الاكتفاء بذلك مع ذكر جماعة من الأساطين منهم الشيخ و يحيي ابن سعيد و العلامة و الشهيد و غيرهم على ما حكي عنهم و وقوع الأمور العظيمة فيه ما سمعته بعض منها و متوقع فيه الفرج و البركة و غير ذلك من الشرف الذي لا ينكر في إثبات مثل هذا المستحب، و لا وجه للمناقشة بعد ذلك في السند أو غيره، كما لا وجه للمعارضة بما

عن المناقب (1)أنه قال: «حكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) إلى الجلوس للتهنئة في يوم النيروز و قبض ما يحمل اليه، فقال: إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلم أجد لهذا العيد خبرا، و انه سنة الفرس و محاها الإسلام، و معاذ الله إن يحيي ما محاه الإسلام فقال المنصور: انما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم إلا جلست فجلس»

الحديث. إذ هو مع قصوره عن ذلك محتمل للتقية كما عن بعضهم، أو يحمل على أن النيروز المذكور فيه غير اليوم المعظم شرعا لوقوع الاختلاف في تعيينه على أقوال، فقيل إنه اليوم العاشر من أيار كما عن بعض المحاسبين و علماء الهيئة. و قيل إنه تاسع شباط كما عن صاحب كتاب الأنوار، و قيل إنه يوم نزول الشمس في أول الجدي، و عن المهذب أنه المشهور بين فقهاء العجم بخلاف أول الحمل، فإنهم لا يعرفونه بل ينكرون على من اعتقده، و قيل إنه السابع عشر من كانون الأول بعد نزول الشمس في الجدي بيومين، و هو صوم اليهود، و قيل هو


1- 1 المناقب لابن شهرآشوب المجلد 5- ص 74 من طبعة بمبئى.

ج 5، ص: 43

أول يوم من فروردين ماه، و هو أول شهور الفرس.

قلت: و المشهور المعروف في زماننا هذا انما هو يوم انتقال الشمس إلى الحمل، بل لا يعرف غيره كما عن المجلسيين النص عليه في الحديقة و زاد المعاد، و الشهيد الثاني في روضته و الفوائد الملية، و على شهرته في زمانه، و الشيخ أبي العباس بن فهد أنه الأعرف بين الناس و الأظهر في الاستعمال، و يؤيده مع ذلك ما يومي اليه

خبر المعلى بن خنيس (1)أنه «يوم طلعت فيه الشمس، و هبت فيه الرياح اللواقح، و خلقت فيه زهرة الأرض، و أنه اليوم الذي أخذ فيه العهد لأمير المؤمنين (عليه السلام) بغدير خم»

فإنه على ما قيل قد حسب ذلك فوافق نزول الشمس بالحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم، و لم يكن الهلال رأي ليلة الثلاثين، فكان الثامن عشر على الرؤية، و كذا صب الماء على الأموات، فإن وضع العيد على الاعتدال الربيعي، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة، و لولاها لكان القول بالأخير متجها، و أما باقي الأقوال فهي ضعيفة، بل ربما احتمل في أولها أنه مصحف «آذار» فيوافق المشهور، و لبسط الكلام في ذلك محل آخر.

[منها الغسل للتاسع من ربيع الأول]

و أما الغسل للتاسع من ربيع الأول فقد حكي أنه من فعل أحمد بن إسحاق القمي معللا له بأنه يوم عيد، لما روي (2)مما اتفق فيه من الأمر العظيم الذي يسر المؤمنين و يكيد المنافقين، لكن قال في المصابيح: إن المشهور بين علمائنا و علماء الجمهور أن ذلك واقع في السادس و العشرين من ذي الحجة، و قيل في السابع و العشرين منه، قلت: لكن المعروف الآن بين الشيعة انما هو يوم تاسع ربيع، و قد عثرت على خبر مسندا إلى النبي (صلى الله عليه و آله)(3)في فضل هذا اليوم و شرفه و بركته و أنه يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 البحار- المجلد- 8- ص 315 من طبعة الكمباني.
3- 3 البحار- المجلد- 8- ص 315 من طبعة الكمباني.

ج 5، ص: 44

سرور لهم (عليهم السلام) ما يحير فيه الذهن، و هو طويل، و فيه تصريح باتفاق ذلك الأمر فيه، فلعلنا نقول باستحباب الغسل فيه بناء على استحبابه لمثل هذه الأزمنة، و سيما مع كونه عيدا لنا و أئمتنا (عليهم السلام).

هذا كله في الأغسال المستحبة للزمان

[في الأغسال المندوبة للأفعال الخاص]
اشاره

و اما ما يستحب لغيره فقد ذكر المصنف (رحمه الله) منه سبعة للفعل، و هي

[غسل الإحرام]

غسل الإحرام إذ لا خلاف في مشروعيته في الجملة، و الأخبار به (1)كادت تكون متواترة، بل لا خلاف محقق معتد به في خصوص استحبابه، و لذا نفاه عنه في المقنعة و حج الغنية و طهارة الوسيلة و المنتهى، بل في طهارة الغنية و عن حج الخلاف و التذكرة الإجماع عليه، كما عن ظاهر المجالس نسبته الى دين الإمامية، و عن التهذيب عندنا أنه ليس بفرض، كما عن حج التحرير ليس بواجب إجماعا، و عن ابن المنذر أجمع أهل العلم أن الإحرام جائز بغير اغتسال، و في المصابيح أن عليه الإجماع المعلوم بالنقل المستفيض و فتوى المعظم و إطباق المتأخرين.

قلت: فلا ينبغي الإشكال بعد ذلك، و الأصل و السيرة القاطعة، و عده مع معلوم الاستحباب، و الحكم عليه بأنه سنة في مقابلة الفرض و الواجب الظاهر في الاستحباب، و إن حكي عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد الوجوب، و ربما نسب إلى ظاهر الصدوق و غيره ممن ذكر التعبير عنه أو عن إعادته بلفظ الأمر و «عليك» و نحوهما كالأخبار، و لا ريب في صرف ما وقع في الأخبار من ذلك و لفظ الوجوب أيضا و نحوها على الاستحباب، كما أنه يحتمله كلام أولئك، فلا ينبغي بسط الكلام فيه سيما بعد انقراض الخلاف فيه بحيث لا يمنع من تحصيل الإجماع و السيرة في خصوص المقام، إذ لو كان واجبا لاشترط في صحة الإحرام، لاستبعاد الوجوب النفسي، و من المستبعد بل الممتنع أن يكون ذلك كذلك، و يكون المحفوظ عند العلماء خلافه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.

ج 5، ص: 45

مع توفر الدواعي و تكرر الحج في كل عام، مضافا إلى ما قيل من عدم تيسر الاغتسال في تلك الأوقات لسائر الناس، فتأمل.

[غسل زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام)]

و غسل زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) على المشهور بين الأصحاب، بل في كشف اللثام و المصابيح نسبته إلى قطع الأصحاب مؤذنين بدعوى الإجماع عليه، بل في الغنية دعواه صريحا، كالوسيلة عده في المندوب بلا خلاف، و هو الحجة، مضافا إلى المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(1)من نصه على غسل الزيارات بعد نصه على غسل زيارة البيت، و الى ما عن نهاية الأحكام و الروض من نسبته إلى الرواية، و شرح الدروس الى الأخبار الكثيرة(2)و الى

خبر العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه السلام)(3)في قوله تعالى (4)«خُذُوا زِينَتَكُمْ» قال: «الغسل عند لقاء كل إمام (عليه السلام)»

و ظهورها في الأحياء لو سلم غير قادح لتساوي حرمتيهما، و الى ما يشعر به استحباب الاغتسال لزيارة الجامعة التي يزار بها كل إمام (عليه السلام) و ما يشعر به المروي عن

كامل الزيارات لابن قولويه عن سليمان ابن عيسى (5)عن أبيه قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال: قال لي: يا عيسى إذا لم تقدر على المجي ء فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل أو توضأ و اصعد الى سطحك و صل ركعتين و توجه نحوي، فإنه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي، و من زارني في مماتي فقد زارني في حياتي»

لأولوية زيارة


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من كتاب المزار- الحديث 2.
4- 4 سورة الأعراف- الآية 29.
5- 5 الوسائل- الباب- 95- من كتاب المزار- الحديث 4.

ج 5، ص: 46

القرب على البعد، و ظهور تساوي الصادق (عليه السلام) مع غيره، و الى ما يشعر به ما ورد في استحباب الغسل لرؤيا أحدهم في المنام، ك

خبر أبي المعزى (1)عن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) المروي عن كتاب الاختصاص للمفيد، قال: «من كانت له إلى الله حاجة و أراد أن يرانا و أن يعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا فإنه يرانا و يغفر له بنا»

الحديث.

و منه يستفاد استحبابه أيضا لذلك، و إلى خصوص ما ورد في زيارة النبي (صلى الله عليه و آله)(2)و أمير المؤمنين (عليه السلام)(3)و أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)(4)و أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)(5)مما هو غني عن الذكر، بل و ما

ورد في خصوص زيارة الإمامين موسى بن جعفر و محمد ابن علي الجواد (عليهم السلام) من المروي (6)عن ابن قولويه في كامل الزيارات عن أبي الحسن (عليه السلام) «إذا أردت زيارة موسى بن جعفر و محمد بن علي (عليهم السلام) فاغتسل»

إلخ بل و خصوص زيارة الإمامين أبي الحسن علي بن محمد و أبي محمد الحسن بن علي (عليهم السلام) على ما عن

الكتاب المذكور(7)قال: أروي عن بعضهم (عليهم السلام) أنه قال: «إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمد و أبي محمد الحسن بن علي


1- 1 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب المزار- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من كتاب المزار.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من كتاب المزار.
5- 5 الوسائل- الباب- 88- من كتاب المزار.
6- 6 كامل الزيارات باب الماءة.
7- 7 المستدرك- الباب- 70- من أبواب المزار- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 5، ص: 47

(عليهم السلام) تقول بعد الغسل إن وصلت»

إلى آخره إلى غير ذلك. و لعل عدم ورود ذلك في خصوص أئمة البقيع للاكتفاء بغسل زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) للتداخل و إن كان ذلك رخصة لا عزيمة، نعم قد تحتمل العزيمة، في المجتمعين في قبر واحد، كالكاظم و الجواد (عليهما السلام)، و الهادي و العسكري (عليهما السلام) كما يشعر به الخبر المذكور، فتأمل.

هذا كله إن لم تفهم الشمول من لفظ الزيارة التي ورد استحبابه في صحيحتي ابن مسلم (1)و ابن سنان (2)و موثقة سماعة(3)و غيرها(4)لما نحن فيه، بل نخصها بزيارة البيت. كما في صحيحة معاوية بن عمار(5)و إلا تكثرت الأدلة على المطلوب و اتضحت، و لعلنا ندعيه.

و كيف كان فلا ريب في استفادة استحباب الغسل حينئذ لزيارة البيت من هذه الأخبار كما عن جماعة النص عليه، بل عن الغنية الإجماع عليه لكن مقيدا له عند الرجوع من منى، و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ثبوته متى تحققت الزيارة المذكورة، نعم لا يستفاد منها استحبابه لكل طواف بالبيت و إن لم يسم زيارة كما عن جماعة، اللهم إلا أن يكون مستنده

الخبر عن الكاظم (عليه السلام)(6)«إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك»

أو الإجماع المحكي عن الشيخ في الخلاف أو غير ذلك، و ليس ببعيد، فلا فرق حينئذ بين طواف الزيارة و العمرة و النساء الوداع و غيرها، و كما يستحب حينئذ للطواف كذلك يستحب للوقوف بعرفات لما عن الخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 5، ص: 48

و الغنية من الإجماع عليه، و خبري معاوية بن عمار(1)و عمر بن يزيد(2)و بالمشعر لأولويته من سابقه، و ما عن الخلاف من الإجماع عليه، و النحر و الذبح و الحلق لحسنة زرارة(3)الواردة في تداخل الأغسال، و لا يستحب لرمي الجمار و إن نقل عن المفيد لصحيح الحلبي و حسنه (4)الظاهرين في نفيه أو الصريحين. كالإجماع عن الخلاف مضافا إلى الأصل.

[في استحباب غسل المفرط في صلاة الكسوف]

و مما يستحب للفعل غسل المفرط في صلاة الكسوف بأن تركها متعمدا، و المراد بالكسوف هنا كغيره من العبارات ما يعم الشمس و القمر كما صرح به في بعض كتب الأصحاب، بل نسب إلى كثير منها، بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه، بل في المصابيح أنه محل وفاق، مع ما في المحكي عن الفقه الرضوي (5)من التصريح بهما، و شمول لفظ الكسوف في الأخبار للأمرين إن لم ندع ظهوره في الشمس التي هي محل الاشكال، و اشتمال مرسل حريز(6)على لفظ القمر لا يصلح للحكم به عليها، كاشتمالها نفسها(7)على لفظ الاستيقاظ المشعر بكون محل الكسوف آية الليل سيما بعد ما عرفت، و إمكان دعوى أولوية الشمس منه في هذا الحكم، فتأمل.

و اعلم أن المعتبر مع التفريط المذكور في استحباب الغسل احتراق القرص على


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام بالحج- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام بالحج- الحديث 4 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي الجمرة- الحديث 2 و 4 من كتاب الحج.
5- 5 المستدرك- الباب- 17- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 49

الأظهر بل لا نعرف خلافا نصا و فتوى في أصل مشروعيته مع القيدين السابقين، بل الإجماع إن لم يكن محصلا فمنقول كالمحصل عليه، و إن وقع النزاع في وجوبه و ندبه حينئذ، كما أنه لا ينبغي الإشكال في عدم مشروعيته مع انتفاء أحدهما من التفريط أو الاستيعاب. للأصل و ظاهر

الحسن كالصحيح المروي (1)عن الخصال عن الباقر (عليه السلام) «الغسل في سبعة عشر موطنا- و عددها إلى أن قال- و غسل الكسوف إذا احترق القرص كله و استيقظت و لم تصل فاغتسل و اقض الصلاة»

و نحوه مرسل الفقيه (2)و المناقشة فيه باحتمال الاستيقاظ بعد الانجلاء و تركه الصلاة للنوم لا عمدا فهو مع أنه لا ينافي الاستدلال بالظاهر بعيد جدا بل فاسد قطعا، لعدم اشتراط الغسل بذلك عند أحد من الأصحاب، فوجب إرادة الترك العمدي من لفظ الاستيقاظ، و خص بالذكر لفوائد، فلا ريب في كون العمل على ظاهر الصحيح المتقدم من اشتراط الشرطين في مشروعية الغسل، سيما مع تأيده بنفي الخلاف عن ذلك في صريح صلاة السرائر و ظاهر المنتهى و المختلف و التذكرة و عن الوسيلة و كشف الرموز و كشف الالتباس و غاية المرام و ظاهر معقد إجماع الغنية و صريح المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(3)فإطلاق

صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(4)«و غسل الكسوف، فإذا احترق القرص كله فاغتسل»

إذ لم يذكر فيه التعمد، كمرسل حريز(5)فعكس ذلك مقيد بما عرفت، فما يحكى عن المقنعة و السيد في المسائل الموصلية و المصباح من الاقتصار على اشتراط التعمد ضعيف مع عدم ثبوت ذلك عن الأخير، لكون المحكي عنه فيه نسبته إلى الرواية، بل و لا صراحة الجميع في الخلاف، إذ لعله للاتكال على معروفية القيد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 17- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 50

أو نحو ذلك كإطلاق النافع، و عن كتاب الاشراف و سلار استحباب الغسل لقضاء صلاة الكسوف، و كذا المحكي عن الذكرى، فاقتصر على الاستيعاب، و حكاه في كشف اللثام عن الصدوق، و لم يثبت، بل ربما ثبت عدمه كما قيل لما عرفت.

نعم انما الكلام في استحباب هذا الغسل و وجوبه مع اجتماع الأمرين، فأكثر المتأخرين على الأول كما عن الذخيرة و البحار، بل في المنتهى أنه مذهب الأكثر، بل عن كشف الالتباس ان ذلك هو المشهور، بل عن غاية المرام نسبته إلى المتأخرين، كالمصابيح أن عليه إطباق المتأخرين من زمان ابني زهرة و إدريس عدا النادر و فيها أيضا «ان أكثر من قال بالوجوب من القدماء كالشيخين و المرتضى و سلار و ابن البراج و ابن حمزة فقد خالف نفسه في موضع آخر من كتابه أو كتاب آخر له، فذهب إلى الندب أو تردد بينه و بين الوجوب، فلم يتمحض للقول بالوجوب إلا الصدوق و الحلبي بل الحلبي وحده، لعدم صراحة كلام غيره فيه» انتهى.

خلافا لصلاة المقنعة و المبسوط و الجمل و الوسيلة و عن المصباح و الاقتصاد و النهاية و المراسم و المهذب و الكافي و شرح الجمل للقاضي وجوبه نصا و ظاهرا، و هو المحكي عن ظاهر الرسالة و الفقيه و الهداية و المجالس، بل عن الأخير نسبته إلى دين الإمامية كما في صلاة الخلاف و عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه، و لعل ذلك مع الأمر في الأخبار به هو الحجة لهم حينئذ على الوجوب، لكن و مع ذلك فالأول هو الأقوى للأصل و حصر الواجب من الأغسال في غيره من الأخبار، و الإجماع المحكي في مقامين من الغنية المعتضد بما عرفت من الشهرة و غيرها، و بما في المصابيح أيضا من اتفاق الأصحاب بعد الخلاف عليه تارة، و أخرى عليه الإجماع المحقق، و باستبعاد اشتراط الصلاة بغسل غير رافع للحدث، مع ما في

خبر زرارة(1)«لا تعاد الصلاة إلا من خمس:


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الركوع- الحديث 5 من كتاب الصلاة.

ج 5، ص: 51

الطهور»

إلى آخره. إذ ليس هو من الطهور، لأن الفرض وجوبه و إن وجدت الطهارة.

و لا ريب في ضعف ما تقدم من أدلة الوجوب عن معارضة ذلك، إذ الإجماع مع معارضته بإجماع آخر أقوى منه لاعتضاده بذهاب المعظم، بل قد يغلب في الظن خطأ الأول من حيث مخالفة بعض الناقل له نفسه في غير الكتاب، كطهارة المبسوط و غيرها، بل و للقائلين بالوجوب أيضا لما صرحوا به من الندب في كتاب الطهارة كالمقنعة و المبسوط و المراسم و المهذب و المصباح و الجمل و الاقتصاد و النهاية و الخلاف على ما نقل عن بعضها، و من ذلك يعرف ما في النسبة إلى دين الإمامية، و لعله أراد المشروعية كناقل الإجماع. و أما الأخبار فبعد تسليم ظهورها في الوجوب تحمل على إرادة الندب لوجود الصارف، مع ضعف بعضها و لا جابر كما عرفت.

ثم ان الظاهر اختصاص الاستحباب المذكور للقضاء خاصة، للأصل، لكن في المختلف استحبابه للأداء أيضا، و ربما مال اليه بعض من تأخر عنه، و لعله لإطلاق صحيح ابن مسلم (1)و فيه أن الظاهر كما عن جماعة من المحققين التصريح ان هذا الخبر بعينه خبر الخصال، و عليه شواهد، فكان النقيصة فيه من قلم الشيخ، على أنه يجب حمله على غيره، سيما بعد القطع بعدم إرادة ظاهره بناء على تسبيب الاحتراق للغسل من غير مدخلية للصلاة، كما أن ظاهره الوجوب، و لا صارف له إلى إرادة الندب إلا مع إرادة القضاء، و أيضا فالأداء يجوز فعله قبل تحقق الاحتراق، فلو فعل ثم احترق لم يجب عليه الغسل حينئذ، لعدم وجوب الصلاة، فيجب التخصيص في الحديث، و إيجاب الإعادة عليه لمثل هذا الخبر كما ترى.

[منها غسل التوبة]

و منها غسل التوبة سواء كان عن فسق بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو كفر أصلي أو ارتدادي بلا خلاف أجده فيهما، بل في المنتهى الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 11.

ج 5، ص: 52

على ذلك، بل و كذا الغنية و المصابيح و عن ظاهر التذكرة، حيث حكي في الأولين منها كما عن الأخير على الكبيرة المستلزم للكفر، إذ ليس أكبر منه شي ء، و في المعتبر نسبة غسل التوبة إلى الأصحاب، و هو شامل لما نحن فيه قطعا، و كيف كان فالحجة- مع ذلك و مع ما ورد من أمر النبي (صلى الله عليه و آله) قيس بن عاصم (1)و تمامة بن آفال بالاغتسال لما أسلما ، و ليس المراد الجنابة لعدم اختصاصها بهما، و

الحديث القدسي (2)«يا محمد من كان كافرا و أراد التوبة و الايمان فليطهر لي ثوبه و بدنه»

بناء على أن المراد بتطهير البدن ما نحن فيه، و ما عساه يشعر به قوله تعالى (3)«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» مع ما فيه من التفأل للطهارة المعنوية بالطهارة الحسية، و كذا الغسل لقاضي الكسوف و رؤية المصلوب و قتل الوزغ مع ما ورد فيه من التعليل-

خبر مسعدة بن زياد(4)قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال له رجل: بأبي أنت و أمي اني أدخل كنيفا لي و لي جيران و عندهم جوار يتغنين و يضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعا، فقال: لا تفعل، فقال الرجل: و الله ما أتيتهن برجلي، و انما هو سماع أسمعه بأذني، فقال: لله أنت أما سمعت الله عز و جل يقول (5)«إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» فقال: بلى و الله، و لكني لم أسمع هذه الآية من عربي و لا عجمي، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله، و اني أستغفر الله، فقال: قم فاغتسل و صل


1- 1 البحار- المجلد- 17- ص 50 من طبعة الكمباني.
2- 2 المستدرك- الباب- 12- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4 و فيه ثمامة بن أبال و في رجال المامقاني ثمامة بن أثال.
3- 3 سورة البقرة- الآية 222.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
5- 5 سورة الإسراء- الآية 38.

ج 5، ص: 53

ما بدا لك، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك، احمد الله و اسأله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا القبيح، و القبيح دعه لأهله، فإن لكل أهلا»

و المناقشة فيه بالإرسال مع أن مثله في مثل ما نحن فيه غير قادح سيما بعد الانجبار مدفوعة بأنه كذلك في رواية الشيخ و الصدوق بخلاف الكليني، فإنه قد رواه مسندا، بل الظاهر أنه صحيح، فلاحظ. و لا ريب في استفادة ما ذكرنا من الأمرين منه سيما التعليل بالإقامة على العظيم، بل ربما قيل باستفادة استحباب الغسل للتوبة و لو من الصغير كما يقتضيه عبارة من أطلق استحباب الغسل لها، بل في صريح المنتهى الإجماع عليه بدعوى إشعار الاستدلال عليه بالآية الشريفة، ك

قوله (ع) في آخره: «و اسأله التوبة عن كل ما يكره»

مع ظهور صغر ذنبه الذي قد أمره الإمام (ع) بالتوبة منه، إذ ليس هو إلا الإقدام على ما يحتمل كونه معصية، و ترك السؤال عنه كما هو ظاهر الرواية، و لم يثبت كون ذلك من الكبائر، و جعل الامام (عليه السلام) له أمرا عظيما إما لعظمه في نفسه أو لأنه في مقام الزجر و الردع أو غير ذلك.

قلت: لكن الإنصاف أن ذلك كله تعسف، لعدم الإشعار في الاستدلال بالآية كالكلية في آخره بالاغتسال لكل ذنب، و الجاهل المقصر كالعالم في عظم الذنب و صغره أيضا، و لا ريب في كون استماع الغناء سيما من مثل الجوار إذ الغالب اشتماله على الملاهي حينئذ و غيره كبيرة من العالم، و أيضا مع التسليم فالمفهوم من قوله (ع): «كنت مقيما» الإصرار على ذلك، و هو كبيرة، فظهر حينئذ أن الاستدلال به على ذلك لا يخلو من تأمل، فمن هنا اقتصر في الغنية كما عن غيرها على الكبيرة، و ربما فهم من نحو عبارة المصنف و القواعد لعدم تحقق الفسق بالصغيرة، إلا أن يصر عليها، فتكون كبيرة حينئذ.

و منه يظهر دليل آخر غير الأصل، لعدم استحباب الغسل لها من حيث وقوعها مكفرة، فلا توبة منها حتى يشرع الغسل لها، لكن قد يقال: إنه يكفي في ثبوت

ج 5، ص: 54

الاستحباب إجماع المنتهى المؤيد بصريح الفتوى من جماعة، كإطلاق آخرين الغسل للتوبة حتى نسب إلى الأصحاب في المعتبر، و عده في الوسيلة من المندوب بلا خلاف، بل لعل عبارة المصنف و نحوها يراد من الفسق فيها بقرينة المقابلة بالكفر ما هو أعم منهما، فينحصر الخلاف حينئذ في خصوص من قيد بالكبيرة، و هو قليل، و في المصابيح أن التعميم هو المشهور بل المجمع عليه، لندرة المخالف و انقراضه بالنسبة إلى أولئك، مع احتمال عدم التخصيص منهم، كما أنه يحتمل أيضا شمول الكبيرة بدعوى أن سائر الذنوب كبائر و إن اختلفت شدة و ضعفا، كما عن بعض نسبته إلى الجميع، و آخر إلى الأكثر، و الصغائر تقع مكفرة في حال الغفلة و النسيان، و إلا فالتوبة واجبة عن كل ذنب، و الصغيرة بترك التوبة تكون كبيرة، و لعله على هذا يحمل قوله تعالى (1)«إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ» الآية.

على أن محل البحث حيث تتحقق التوبة عن الصغيرة التي ليست بكبيرة كما لو فرض إرادة التوبة عن بعض الصغائر لمرتكب الكبائر، و دعوى عدم جواز تبعيض التوبة ممنوع، فتأمل جيدا. فظهر لك أن الأقوى حينئذ استحباب الغسل مطلقا.

[منها غسل صلاة الحاجة و صلاة الاستخارة]
اشاره

و منها غسل صلاة الحاجة و صلاة الاستخارة بلا خلاف أجده فيهما، بل في الغنية الإجماع عليهما، و في الوسيلة من المندوب بلا خلاف، و في المعتبر مذهب الأصحاب، و الروض أنه عمل الأصحاب، و عن التذكرة عند علمائنا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك الأخبار(2)الكثيرة الآمرة به مقدما على الصلاة عند طلب الحوائج، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة(3): «و غسل الاستخارة مستحب»

و لم أعثر على غيره فيما يتعلق بالاستخارة، و غير المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(4)«و غسل


1- 1 سورة النساء- الآية 35.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 55

الاستخارة و غسل طلب الحوائج من الله تبارك و تعالى»

و ليس فيهما ذكر الصلاة، بل ظاهرهما الاستحباب لنفس الأمرين، كالمحكي لنا من عبارة التذكرة ناسبا لها إلى علمائنا، و لعله غير بعيد، بل أخبار الحاجة(1)لا تنافيه، لعدم صراحتها بل و لا ظهورها في كون الغسل للصلاة، و إن أمر به سابقا على الصلاة المأمور بها، اللهم إلا أن يجعل إجماع الغنية المؤيد بما عرفت قرينة على احتمال الصلاة فيهما، و أما

صحيح زرارة عن الصادق (عليه السلام)(2)في الأمر يطلبه الطالب من ربه، إلى أن قال: «فإذا كان الليل فاغتسل في ثلث الليل الثاني- و ساق الحديث حتى قال-: فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية استخار مائة مرة، يقول»

و ذكر الدعاء، و نحوه خبر مرازم (3)عن الكاظم (عليه السلام) فيما إذا قد حك أمر عظيم، فالظاهر أن المراد بالاستخارة فيهما انما هو طلب أن يجعل الله له الخيرة في هذا الأمر الذي يطلبه و أن يختاره، فإنه أحد معاني الاستخارة لا بمعنى المشاورة.

لكنك في غنية عن ذلك بعد الاستدلال بما عرفت من الإجماع و غيره، على أن الاستخارة تدخل في طلب الحوائج، فتشملها تلك الأدلة، نعم قال في جامع المقاصد و تبعه غيره: «إنه ليس المراد بصلاة الحاجة و الاستخارة أي صلاة اقترحها المكلف لأحد الأمرين، بل المراد بذلك ما نقله الأصحاب عن الأئمة (عليهم السلام)، و له مظان فليطلب منها» انتهى.

قلت: لكن لا يخفى على من لاحظ ما ورد من أخبار الحاجة(4)انها ظاهرة في أن للمكلف أن يصلي ركعتين مغتسلا لهما في كل حاجة و في أي وقت، نعم في


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1 و 5 و 7.

ج 5، ص: 56

بعضها(1)كيفيات خاصة للصلاة من قراءة الإخلاص خمس عشرة على نحو صلاة التسبيح و صيام ثلاثة أيام و نحو ذلك، و هو أمر خارج عما نحن فيه. فلاحظ و تأمل، و لعله يدخل في صلاة الحاجة ما ذكر من الغسل لصلاة الاستسقاء، لما في الغنية من الإجماع عليه، و في

موثقة سماعة(2)«و غسل الاستسقاء واجب»

و المراد تأكد الاستحباب باتفاق الأصحاب كما قيل، لكن لا صلاة فيها، و لعله للاتكال على معلومية ذلك سيما مع ما عرفت من الإجماع، بل عن فلاح السائل نقلا عن ابن بابويه في كتاب مدينة العلم عن الصادق (عليه السلام)(3)أنه روى حديثا في الأغسال ذكر فيها غسل الاستخارة و غسل صلاة الاستسقاء و غسل الزيارة، ثم قال: رأيت

في بعض الأخبار(4)من غير كتاب مدينة العلم «ان مولانا عليا (عليه السلام) كان يغتسل في الليالي الباردة طلبا للنشاط»

قلت: و منه يستفاد استحباب الغسل لذلك أيضا، فتأمل.

و من الحوائج الغسل لصلاة الظلامة

، لما روي عن

مكارم الأخلاق عن الصادق (عليه السلام)(5)قال: «إذا طلبت بمظلمة فلا تدع على صاحبك، فان الرجل يكون مظلوما فلا يزال يدعو حتى يكون ظالما، و لكن إذا ظلمت فاغتسل وصل ركعتين في موضع لا يحجبك عن السماء ثم قل»(6).


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 7 و 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.
4- 4 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.
6- 6 «اللهم ان فلان بن فلان ظلمني، و ليس لي أحد أصول به عليه غيرك، فاستوف لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطر أجبته، فكشفت ما به من ضر، و مكنت له في الأرض، و جعلته خليفتك على خلقك، فأسألك أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تستوفى لي ظلامتي الساعة الساعة،- إلى أن قال-: فإنك لا تلبث حتى ترى ما تحب» منه رحمه الله.

ج 5، ص: 57

و منها أيضا الغسل لصلاة الخوف من الظالم

المروية(1)عن مكارم الأخلاق أيضا بكيفية خاصة(2)بل و كذا ما ذكر من الغسل لصلاة الشكر مدعيا في الغنية الإجماع عليه قد يدعى دخولها في الحوائج أيضا لقوله تعالى (3)«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» و لم نقف على خبر يدل على ذلك، نعم روي عن الصادق (عليه السلام)(4)في كيفية صلاة الشكر عن الكافي (5).

[الغسل لأخذ التربة الحسينية]

و قد يدخل في طلب الحوائج أيضا ما ورد من الغسل لأخذ التربة الحسينية، للمرسل (6)عن ابن طاوس في مصباح الزائر(7)و نحوه عن البحار عن المزار الكبير


1- 1 المستدرك- الباب- 27- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 2.
2- 2 من كشف الركبتين بعد الاغتسال و الصلاة، و جعلهما مما يلي الصلاة ثم قول مائة مرة: يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم يا حي لا إله إلا أنت، برحمتك استغثت، فصل على محمد و آل محمد، و ان تلطف و ان تغلب لي و أن تمكر لي و أن تخدع لي و أن تكيد لي و أن تكفيني مؤنة فلان بلا مؤنة، فإن هذا كان دعاء النبي ص يوم أحد منه رحمه الله.
3- 3 سورة إبراهيم عليه السلام الآية 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- الحديث 1.
5- 5 ركعتين يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد، و في الثانية بفاتحة الكتاب و قل يا أيها الكافرون، و تقول في ركوع الأولى و سجودها: الحمد لله شكرا شكرا و حمدا، و تقول في الركعة الثانية أيضا في ركوعك و سجودك: الحمد لله الذي استجاب دعائي و أعطاني مسألتي، منه رحمه الله.
6- 6 البحار- المجلد- 22- ص 147 من طبعة الكمباني.
7- 7 قال: يروى في أخذ التربة «انك إذا أردت أخذها فقم آخر الليل و اغتسل و البس أطهر ثيابك و تطيب بسعد و ادخل وقف عند الرأس و صل أربع ركعات» الحديث منه ره.

ج 5، ص: 58

عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه السلام)(1).

[ (منها) لقتل الوزغ]

و بقي بعض الأغسال للأفعال، (منها) قتل الوزغ، و هو حيوان ملعون قد ورد عدة أخبار(2)في ذمه و الترغيب على قتله، و انه كمن قتل شيطانا. إلى غير ذلك، و الظاهر أن سام أبرص و الورك بعض أفراده، و على كل حال فاستجاب الغسل

للمروي (3)عن بصائر الدرجات و روضة الكافي و الخرائج و الجرائح عن الصادق (عليه السلام) «عن الوزغ، قال: رجس، و هو مسخ كله، فإذا قتلته فاغتسل»

و عن

الهداية(4)أنه «روي و العلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل منها»

و لعل هذا مع فتوى جماعة من الأصحاب به يكفي في إثبات الاستحباب، فما وقع من الاضطراب فيه حتى من المصنف في المعتبر ليس في محله.

و (منها) الغسل من المس للميت بعد تغسيله

، لموثقة عمار الساباطي (5)و فيه بحث.

و (منها) الغسل لإرادة تكفينه أو تغسيله

كما عن الذكرى و النزهة، بل عن الأخير نسبته إلى الرواية، و لعله أراد بها

خبر محمد بن مسلم (6)عن أحدهما (عليهما السلام) أو الباقر (عليه السلام) «الغسل في سبعة عشر موطنا- إلى أن قال-: و إذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد»

و هو غير ظاهر في ذلك، بل هو محتمل وجوها عديدة، فتأمل جيدا ليظهر لك بطلان ما عن الصدوق، و وجهه في المجالس و الهداية


1- 1 المستدرك- الباب- 56- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأغسال المسنونة و المستدرك- الباب 13 منها.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 5 و 11.

ج 5، ص: 59

من الفتوى بمضمون الخبر المتقدم مع التصريح بالوجوب.

و (منها) الغسل للتوجه إلى السفر

خصوصا سفر زيارة الحسين (عليه السلام)، للمرسل عن ابن طاوس (1)في أمان الأخطار في ذلك، و خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)(2)في خصوص سفر الحسين (عليه السلام)(3).

و (منها) عمل الاستفتاح

لما عن

الشيخ و الصدوق و ابن طاوس بطرق متعددة(4)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في حديث طويل: «صم في رجب يوم ثلاثة عشر و أربعة عشر و خمسة عشر، فإذا كان يوم الخامس عشر فاغتسل عند الزوال»

و عن رواية أخرى قريبا من الزوال.

و (منها) غسل من أهرق عليه ماء غالب النجاسة

كما عن المفيد في الاشراف، و لعله للاحتياط، كالغسل عند الإفاقة من الجنون كما عن العلامة في النهاية، قال:

«لما قيل: ان من زال عقله أنزل» انتهى. لكن نفاه في المنتهى، لعدم الدليل، و كالغسل عند الشك كواجدي المني في الثوب المشترك، و إعادة الغسل عند زوال العذر الذي رخص في اشتمال الغسل على نقص خروجا من شبهة القول بوجوبه.

و (منها) غسل من مات جنبا قبل تغسيله

على ما عن بعضهم، لكن عن المعتبر الإجماع على عدم استحبابه، و قد تقدم لنا كلام فيه.


1- 1 البحار- ج- 22- ص 3 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 77- من كتاب المزار- الحديث 1.
3- 3 قال: «إذا أردت الخروج إلى أبي عبد الله عليه السلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيام يوم الأربعاء و يوم الخميس و يوم الجمعة. فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصل صلاة الليل، ثم قم فانظر في نواحي السماء فاغتسل تلك الليلة قبل المغرب، ثم تنام على طهر، فإذا أردت المشي إليه فاغتسل و لا تطيب و لا تدهن و لا تكتحل حتى تأتى القبر» منه رحمه الله.
4- 4 الإقبال- ص 659.

ج 5، ص: 60

و (منها) لمعاودة الجماع

، قيل: ل

قول الرضا (عليه السلام) في الذهبية(1):

«و الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون»

قلت: و يحتمل بفتح الغين المعجمة و إرادة غسل الجنابة، فتأمل. و لا يخفى عليك أن ما ذكر من غسل الأفعال منها ما كان الفعل غاية له، و منها ما كان سببا له، و يختلفان من هذه الجهة من حيث التقدم و التأخر، فتأمل جيدا.

[في الأغسال المندوبة المكانية]
اشاره

و خمسة أغسال للمكان و بها تم الثمانية و العشرون التي ذكرها المصنف

[منها غسل دخول الحرم]

و هي غسل دخول الحرم للصحيح (2) و الخبرين (3)و إجماع الغنية المعتضد بما في الوسيلة من المندوب بلا خلاف، لكن في كشف اللثام عن الشيخ في الخلاف الإجماع على عدمه، و هو- مع قصوره عن معارضة ما عرفت- قال في المصابيح: إني لم أجد ذلك في الخلاف، ثم إطلاق الحرم في الأخبار و كلام الأصحاب ينصرف إلى حرم مكة دون حرم المدينة، فكان على المصنف أن يثنيه ل

صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(4)«الغسل في سبعة عشر موطنا- إلى أن قال-: و إذا دخلت الحرمين»

و احتمال إرادة نفس البلدين منه تكلف لا داعي اليه و لا شاهد عليه.

[منها غسل دخول المسجد الحرام]

و غسل دخول المسجد الحرام لاجماعي الغنية و الخلاف المعتضدين بما في الوسيلة أيضا من المندوب بلا خلاف، و فحوى ما دل عليه لمسجد النبي (صلى الله عليه و آله) لأنه أفضل منه، و ربما استدل عليه ب

قول الكاظم (عليه السلام)(5)لعلي بن أبي حمزة:

«ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك»

لكن ظاهره كون الغسل


1- 1 البحار- ج- 14- ص 558 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3 و 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2 من كتاب الحج.

ج 5، ص: 61

للطواف، و كيف كان فما عن الجعفي من وجوب الغسل لذلك شاذ لا يلتفت اليه.

[منها غسل دخول الكعبة]

و غسل دخول الكعبة ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة(1): «و غسل دخول البيت واجب»

و المراد تأكد الاستحباب، و في

صحيح ابن سنان (2)«و دخول الكعبة»

و

قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (3): «و يوم تدخل البيت»

مع ما في الغنية و الخلاف من الإجماع عليه معتضدا بما سمعته من الوسيلة أيضا، و لعل المراد بالكعبة في المتن ما يشمل البلد، أعني مكة لما في الخلاف من الإجماع عليه فيها أيضا معتضدا بما في الوسيلة مما تقدم، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(4):

«و دخول مكة»

و فحوى ما دل عليه (5)في دخول المدينة، و أما

خبر الحلبي (6)«ان الله عز و جل يقول في كتابه (7)«أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ» فلا ينبغي للعبد أن يدخل مكة إلا و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذى و تطهر»

فيحتمل إرادة البيت من مكة فيه، و ما في كشف اللثام من الإجماع عن الخلاف على عدم استحباب الغسل لذلك لم نجده، بل الموجود ما حكيناه.

[منها غسل دخول المدينة]

و غسل دخول المدينة

لصحيح ابن سنان (8)«و دخول مكة و المدينة،»

و

حسن معاوية بن عمار عن الرضا (عليه السلام)(9)«إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها»

و إجماع الغنية المعتضد بما سمعت من الوسيلة، و إطلاق الدليل هنا كإطلاق ما دل عليه بالنسبة إلى دخول مكة عدم الفرق بين الدخول لأداء


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3 من كتاب الحج.
7- 7 سورة البقرة- الآية 119.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 6- من كتاب المزار- الحديث 1 لكن رواه عن الصادق ع.

ج 5، ص: 62

فرض أو نقل أو غيرهما، فما عن المقنعة من اختصاصه بالأولين ضعيف.

[منها غسل دخول مسجد النبي (صلى الله عليه و آله)]

و غسل دخول مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (1): «و إذا أردت دخول مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله)»

و إجماع الغنية المعتضد بما سبق من الوسيلة أيضا، و في الموجز كما عن شرحه و نهاية الأحكام زيادة دخول مشاهد الأئمة (عليهم السلام) في الأغسال المكانية بعد أن ذكروا استحبابه للزيارة، و جعلوه من الغسل للفعل، و هو أعم من الزيارة إذ يكون لها و لغيرها، و لم نعرف له شاهدا سيما إذا أريد البلد، إلا فحوى ثبوته للمدينة و مكة و مسجديهما، و كذا ما يحكى عن أبي علي من استحبابه لكل مشهد أو مكان شريف، كقوله ذلك أيضا في الزمان لكل زمان شريف، و لكل فعل يتقرب به إلى الله، و غير ذلك، و لعله لحجية القياس عنده، فتأمل.

[مسائل أربع]
اشاره

مسائل أربع:

[المسألة الأولى في تقديم الغسل على الفعل]

الأولى ما يستحب للفعل و منه المكان إذ المراد الدخول اليه يقدم عليهما لأن المراد وقوع الفعل منه مغتسلا، و هو مع ظهوره و عدم ظهور الخلاف فيه بل نسب إلى تصريح الأصحاب مصرح به في كثير من الغايات المذكورة في الروايات (2)لكن قد يناقش فيه بغسل التوبة و قاضي الكسوف و قاتل الوزغ و الساعي إلى المصلوب و ماس الميت بعد تغسيله و نحو ذلك، و ربما دفع بكونه في الأول للصلاة التي تقع بعدها كما يظهر من المستند، و الثاني للقضاء، و الثالث و ما بعده بأن المراد من اللام في قولنا «للفعل» بمعنى الغاية، و لا ريب في كونها ليست من ذلك، و فيه أن غسل التوبة لها لا للصلاة كما هو ظاهر الأصحاب و إجماعاتهم، و نمنع ظهور الخبر السابق في كونه للصلاة و إن وقع الأمر بها فيه بعده كالقاضي للكسوف لأن ذلك انما كان


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.

ج 5، ص: 63

عقوبة له من حيث تركه، على أن تسليمه لا يدفع أصل الإشكال، لتحققه بغيره، و الثالث خلاف ما صرحوا به من كون الغسل فيها للفعل غير فارقين بينها و بين غيرها في ذلك.

و من هنا ارتكب بعضهم الاستثناء فحكم بتقديم الغسل للفعل إلا في هذه الأمور كآخر فقسم الغسل إلى زماني و غائي، و يدخل المكاني فيه، و سببي على خلاف التقسيم المشهور من الزماني و الفعلي و المكاني، و الأمر في ذلك كله سهل بعد التسالم على الحكم، نعم قد يناقش ب

حسنة معاوية بن عمار السابقة «إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها»

بناء على أن الترديد منه (ع) لا من الراوي، و قد تحمل على إرادة التخيير بين التقديم بفصل و غيره، كما عساه يشهد له

قوله (عليه السلام)(1): «إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء الله فاغتسل حين تدخله و إن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة»

الخبر. و أصعب منه المناقشة ب

خبر ذريح (2)سألته «عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله، قال: لا يضرك أي ذلك فعلت، و ان اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس»

لكنه قد يحمل على إرادة غسل دخول الكعبة أو المسجد أو غير ذلك، و عن الشيخين و الأكثر تنزيل هذه الأخبار على العذر و الاضطرار، و فيه أنه مبني على جوازه عندهما و لو قضاء، و هو محل بحث و ان ظهر من المحكي عن الذكرى جوازه في سائر أغسال الأفعال الا أنه لا يخلو من نظر، إذ لو جاز لاقتصر فيه على محل النص، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك انه ليس المراد بالتقديم في الغسل لغايته الاجتزاء به و لو مع الفصل بالزمان الطويل كاليومين و الثلاث فصاعدا قطعا، لظهور الأدلة أو صراحتها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2- 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2- 1 من كتاب الحج.

ج 5، ص: 64

بعدمه كلام الأصحاب، بل ربما يظهر من ملاحظة الأدلة ارادة اتصال عرفي بالغسل و الفعل، فلا يعتبر التعجيل و المقارنة كما لا يجتزى بمطلق التراخي، نعم ربما يقال بالاكتفاء مع الفصل باليوم كالليل، فيجتزى بالغسل للزيارة مثلا الفجر و لو وقعت الزيارة قريب المغرب، و كذا الليل كما عن جماعة التصريح به منهم الشيخ و ابن إدريس و يحيى ابن سعيد و غيرهم، ل

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح (1): «غسل يومك ليومك و غسل ليلتك لليلتك»

و عن

أبي بصير(2)قال: «سأله رجل و أنا عنده، قال:

اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى، فقال: يعيد الغسل، يغتسل نهارا ليومه ذلك، و ليلا لليلته»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عثمان بن يزيد(3):

«من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله الى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل، و من اغتسل غسلا ليلا كفاه غسله الى طلوع الفجر».

مع إمكان المناقشة في ذلك كله باحتمال إرادة الأغسال الزمانية من الخبرين الأولين، و أنه لا يجتزى بغسل النهار لليل و بالعكس، و بعدم ارادة ظاهر الخبر الثالث من الاكتفاء بالغسل عن كل ما يثبت في ذلك اليوم من الأمور المتجددة، فيكون مؤلا بالنسبة إلى المطلوب، و يخرج عن الحجية، لكن قد يقال باندفاع ذلك كله بعد الانجبار بالفتوى، بل لم يحك خلاف فيه، إلا أنه ينبغي الاقتصار حينئذ على هذا المقدار من دون زيادة، و أما ما في

خبر جميل عن الصادق (عليه السلام)(4)أيضا «غسل يومك يجزؤك لليلتك، و غسل ليلتك يجزؤك ليومك»

بل عن الصدوق الفتوى به فقاصر عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام- الحديث 2- 3 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام- الحديث 2- 3 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام- الحديث 4 من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 5، ص: 65

معارضة ما عرفت، سيما مع احتمال معنى «الى» من اللام، أو إرادة الاغتسال في الليل قبيل الفجر، و كذا العكس على ما ستعرف، لكن لو لا ظهور إعراض الأصحاب عنه لأمكن العمل به، لصحة سنده بطريق الصدوق الى جميل بحمل تلك الأخبار على تأكد الاستحباب.

و كيف كان فبناء على الاقتصار على ما عرفت فلا اشكال فيه إذا وقع الغسل في أول كل منهما، أما لو وقع في الأثناء فهل يعتبر التلفيق بمعنى التكميل بالليل مثلا، إن ثلثا فثلث، و إن ربعا فربع، و هكذا، أو يعتبر التقدير بمعنى تقدير زمان النهار مثلا بساعات، فيؤخذ بقدر ما يتم به النهار كذلك من الليل، فلو لم يف فمن النهار الثاني، و هكذا الليل، أو المعتبر الانقضاء بالانقضاء فلا تلفيق و لا تقدير؟ وجوه، أقواها أوسطها، لظهور كون عدم قادحية الفصل، و أضعفها آخرها، بل

موثق سماعة و أبي بصير(1)«من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحكم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأه غسله»

صريح في بطلانه.

و لا فرق في عدم جواز التقديم زيادة على المقدار المتقدم بين الاضطرار كاعواز الماء و عدمه، و حمله على الجمعة قياس لا نقول به. فالمتجه السقوط حينئذ. لكن نقل عن الشهيد جواز التقديم للإعواز، و لعله لما روي (2)من تقديمه (عليه السلام) الغسل بالمدينة مخافة إعواز الماء بذي الحليفة، و يدفعه أنه لا مسافة بينهما بحيث تزيد على مسير اليوم أو الليلة حتى ينتقل منه إلى جواز ذلك، فتأمل.

هذا كله في الأغسال الفعلية الغائية، و منها المكانية، أما الفعلية السببية فلعل الوجه فيه أنه يمتد بامتداد العمر، لأن ذلك مقتضى ثبوته لوجود السبب من دون توقيت


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام- الحديث 5 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحرام- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 5، ص: 66

و إن قلنا بفوريته، لعموم ما دل على المسارعة(1)و الاستباق (2)و لأن الأغسال السببية قد شرعت أما عقوبة كرؤية المصلوب، أو للمبادرة إلى عمل كالتوبة، أو للتفأل كالخروج من الذنوب لقتل الوزغ، أو لشي ء يكره البقاء عليه كمس الميت، و الكل يناسب الفورية، قيل و هو ظاهر الأصحاب و الأخبار الواردة في تلك الأسباب، قلت: بل قد يفهم منها توقيت عند التأمل، و لا ينتقض مثل هذا الغسل بالحدث قطعا، للأصل و ظواهر الأدلة و محكي الإجماع، بخلاف سابقه كما مر الكلام فيه مفصلا عند البحث بانتقاض غسل الزمان بالحدث.

و أما ما يستحب من الأغسال للزمان فإنما يكون و يوجد بعد دخوله كما هو واضح، لظهور الإضافة في ذلك إن لم يكن أمرا بوقوعه، و ملاحظة الأدلة تغني عن تكلف الاستدلال، نعم ظاهر التوقيت مع عدم التقييد بجزء خاص منه الاجتزاء بوقوع الفعل في أي جزء منه، سيما إذا أمر به في الوقت، و قد مضى سابقا الكلام في بعض الأغسال الموقتة من حيث ظهور بعض الأدلة في توقيتها بجزء خاص من الزمان.

و كيف كان فذو الوقت لا يقدم عليه إلا ما عرفت من غسل الجمعة عند إعواز الماء للدليل، كما أنه لا يقضى إلا هو أيضا، للأصل و فقد النص و بطلان القياس، و ظاهر الأصحاب حيث اقتصروا عليهما في الجمعة، فما عن المفيد- من قضاء يوم عرفة ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(3): «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر»

إلى آخره. لاستحالة الجمع بين غسل عرفة و أغسال يوم العيد، فليحمل على القضاء- ضعيف، و فيه مع أنه معارض


1- 1 سورة آل عمران- 127.
2- 2 سورة الحديد- الآية 21.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- الحديث 1 لكنه مضمر.

ج 5، ص: 67

باحتمال تقديم غسل العيد حينئذ أن المراد منه بيان الاجتزاء بالغسل الواحد عن أسباب متعددة، فتأمل. و كذا ما عن الشهيد من قضاء غسل ليالي القدر، لعدم الدليل، و ما ادعاه من خبر بكير لم يثبت كما أشرنا إليه سابقا، هذا بالنسبة للقضاء، و أما التقديم فكذلك لا يجوز في غير الجمعة للعذر، لكن

قال الباقر (عليه السلام)(1)في الصحيح:

«الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله، ثم تصلي و تفطر»

و في إقبال

ابن طاوس روي (2)«إنه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد»

و قد يشكل بمنافاة التوقيت الثابت هنا إجماعا كما قيل لاستحباب التقديم اختيارا، نعم لا ينافيه التقديم مع العذر محافظة على مصلحة أصل الفعل، بل لعله يكون حينئذ وقتا اضطراريا، إذ أقصى مفاد التوقيت منع التقدم عليه.

و قد يدفع إما بالتوسع في زمان الغسل، فيجعل الليل مع شي ء مما تقدمه، فالتوقيت بالليل في الأخبار و كلام الأصحاب تغليبا للأكثر، أو لكون الجزء المتقدم بمنزلة الليل، لاتصاله به، أو لأن الليل هنا من سقوط القرص المتقدم على الغروب الشرعي، و فيه أن ذلك كله إن أمكن في الأخبار فغير ممكن في كلام الأصحاب لعدم الشاهد له، بل هو على خلافه موجود، و القول: إن المستحب يتسامح فيه يدفعه أن ذلك ما لم يظهر إعراض من الأصحاب عنه، و كذا ما يدفع به أيضا يجعل هذا الغسل المتقدم من الأغسال الغائية للزمانية المتقدمة، فيكون غايته الزمان، أو ما يقع فيه من الأعمال، نعم يسقط به الغسل الزماني، إذ هو- مع أنه مجرد احتمال لا دليل عليه- ظاهر الأصحاب خلافه، لعدم ذكرهم هذا الغسل، كما أن ظاهر الخبر المتقدم الدال على هذا الحكم كون هذا الغسل انما هو الغسل الموظف في الليلة،


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 2.

ج 5، ص: 68

و إلا فلا دلالة فيه على إسقاط الغسل الزماني به، و مجرد امتناع تطبيقه على قواعد الموقت لا يصلح لأن يكون قرينة على شي ء من الاحتمالات السابقة لمعارضتها بمثلها، بل لعله حمله على تفاوت الفضيلة، و جعل الوقت للغسل الكامل و المقدم من الرخص، أو حمله على غسل آخر غير الغسل الزماني، و أنه لا يسقط به أو غير ذلك أولى منها، فالمتجه طرح الرواية السابقة، أو حملها على ما لم يظهر من الأصحاب اعراض عنه، و كان متجها بالنظر إلى قواعد الحمل، فتأمل جيدا.

[المسألة الثانية في عدم جواز غسل الزماني على الزمان]

الثانية إذا اجتمعت أسباب أغسال مندوبة فالأقوى الاكتفاء بغسل واحد لها، لكن لا تكفي نية القربة في ذلك ما لم ينو السبب و نحوه، بل لا بد من التعرض لها تفصيلا أو كالتفصيل في بعض الوجوه، و قيل: إذا انضم إليها غسل واجب كفاه نيته و الأول أولى كما تقدم الكلام في جميع ذلك مفصلا في محله، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثالثة و الرابعة في استحباب الغسل لمن سعى إلى رؤية المصلوب و استحباب غسل المولود]

المسألة الثالثة و الرابعة قال بعض فقهائنا كالصدوق في ظاهره و عن أبي الصلاح في صريحه بوجوب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامدا بعد ثلاثة أيام إلا أن الأول منهما لم يزد على ذكره المرسلة(1)التي هي مستند أصل الحكم في المقام، قال:

«و روي أن من قصد إلى مصلوب فنظر اليه وجب عليه الغسل عقوبة»

لكنه بضميمة تعهده في أول كتابه يظهر منه العمل به، و الثاني قيد المصلوب بكونه من المسلمين، و ذكر القصد بدل السعي، و ترك التصريح بالعمد، فإنه قال على ما حكي عنه: «إن الأغسال المفروضة ثمانية- إلى أن قال-: و غسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاثة» و لم نعثر على غيرهما ذهب إلى ذلك، نعم ربما ظهر من بعضهم التردد فيه، بل و في أصل ثبوت الحكم فضلا عن وجوبه، لكنه ضعيف جدا لما سيظهر لك في مطاوي البحث، و كذا سابقه من القول بالوجوب، إذ لم نعرف له مستندا سوى المرسلة السابقة، و هي


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.

ج 5، ص: 69

مع خلو أكثر كتب الحديث عنها و قلة العامل بها و انقراضه لا تقطع الأصل، و لا تحكم على غيرها من الأخبار(1)التي حصرت الواجب في غيره، و خصوصا مع شهرة الندب، بل إطباق المتأخرين عليه كما قيل، بل في الغنية الإجماع عليه، و عن ظاهر السرائر عدم الخلاف فيه عند ذكره اختلاف الأصحاب في أنواع الغسل الواجب، و كفى بذلك دليلا على الندب، و على تنزيل الرواية عليه بإرادة الواجب فيها المتأكد سيما مع التسامح في المستحب، لكنه لا تقييد فيها بالثلاث، إلا أنه ذكره غير واحد من الأصحاب، بل نسبه في المصابيح إليهم عدا الصدوق و المفيد، كما أنه قيد به في معقد إجماع الغنية، و لعل ذا كاف في تقييد النص، مضافا إلى ما قيل من أن الصلب شرعا لتفضيح المصلوب و اعتبار الناس، فكان النظر إليه في المدة المضروبة لصلبه و هي ثلاثة أيام بالنص و الإجماع جائزا بل مطلوبا للشارع، فلا يترتب عليه عقوبة، و قد صرح في النص (2)بأن الغسل عقوبة على النظر، فوجب تخصيصه بالنظر الممنوع، و هو ما كان بعد الثلاث.

قلت: إلا أن ذلك يقتضي اختصاص التقييد بالمصلوب بحق دون الظلم، لعدم استحقاقه التفضيح، لحرمة صلبه و وجوب إنزاله عن الخشبة مع التمكن منه مطلقا، فهو في الثلاثة مساو للمصلوب بحق بعدها، فالمتجه حينئذ ثبوت الغسل بالسعي إلى رؤياه فيها، لكنه مناف لإطلاق المصلوب في كلامهم، بل عن جامع المقاصد و الروضة و فوائد الشرائع و منهج السداد و الروض و المسالك و الفوائد الملية و تعليق الإرشاد التصريح بعموم المصلوب لهما، و حمل التقييد بالثلاثة على إرادته بالنسبة إلى إطلاق الغسل،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.

ج 5، ص: 70

لا في الغسل مطلقا أي بالنظر إلى نوعيه كما ترى، و لعله من هنا حكي عن الصيمري تخصيص المصلوب في كلامهم بالمصلوب بحق، بمعنى عدم ثبوت الغسل بالسعي إلى رؤيا المصلوب بظلم، لكنه مناف لإطلاق النص و للتعليل فيه، و لما سمعته من إطلاق الأصحاب و تصريح جمع منهم، و كذا دعوى مساواته للمصلوب بحق في عدم ثبوت الغسل إلا بعد الثلاث، لإطلاق النص و التعليل، و لذا كان تحرير مرادهم في المقام في غاية الإشكال، إذ تخصيص المصلوب فيه بحق يقتضي سقوط الغسل في المظلوم، و فيه ما عرفت، و تعميمه يقتضي تقييده بالثلاثة كالمستحق، و فيه ما عرفت، مع تصريح بعضهم أيضا بعدمه، و انه يثبت الغسل بالسعي إلى رؤياه فيها.

فلعل المتجه تنزيل كلماتهم على إرادة المستحق، كما قد يدعى تبادره بالنسبة إلى الخطابات الشرعية، و لا ينافيه استبعاد بقائه حينئذ على الخشبة بعد الثلاث لانبساط يد الشرع حينئذ، إذ لعلها ليست من كل وجه أو غير ذلك. ثم يلحق به المظلوم إلحاقا للتعليل و غيره مع التسامح في أدلة السنن، لا أنه يكون داخلا في عباراتهم، فيثبت الغسل حينئذ بالسعي إلى رؤياه في الثلاث فضلا عما بعدها، و لعل ذلك هو الظاهر من ذيل عبارة كشف اللثام، فلاحظ و تأمل.

و منه ينقدح حينئذ إرادة الهيئة الشرعية في الصلب دون غيرها، إلا أن تلحق إلحاقا كالمصلوب بظلم كما هو الأقوى، نعم لا غسل في المقتول و نحوه بغير الصلب و لو كان بحق، بل و لا في المصلوب بعد إنزاله من الخشبة و ذهاب هيئة الصلب، لتبادر إرادة المصلوبية حين الرؤية، و الظاهر أن مبدأ الثلاثة حين الصلب لا الموت، خلافا للمحكي عن بعضهم، إذ هي المدة التي يترك فيه المصلوب شرعا مات أو لم يمت فتأمل.

ثم انه يشترط في ثبوت الغسل تحقق النظر كما دل عليه الخبر(1)و عن جماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.

ج 5، ص: 71

التصريح به، و لعله مراد الباقين، لغلبة تحققه في السعي إليه، كما أنه يشترط فيه أيضا السعي إلى النظر و إن ترك في الخبر و ذكر في كلام الأكثر، لكن ظاهر لفظ القصد فيه و في معقد إجماع الغنية ذلك، فلو خلا النظر عن السعي أو السعي عن النظر لم يثبت الغسل، كما أنه معتبر بحسب الظاهر أيضا القصد إلى النظر، فلو وقع منه بغير قصد لم يثبت الغسل لظاهر النص و الفتوى خصوصا عبارة المصنف.

هذا كله في السعي و النظر بعد الثلاثة، أما لو سعى فيها لينظر بعدها فالأقوى عدم ثبوت الغسل فيهما، للأصل و تبادر تعلق الظرف بالسعي لا بالرؤية و إن قربت اليه، على أن الغالب اتحاد زمانهما، و لعله كاد يكون صريح بعضهم حيث ذكره بعد فعل السعي، خلافا للعلامة الطباطبائي في مصابيحه، فأثبته حاكيا له عن ظاهر المعظم من حيث ظهور تعلق الظرف بالرؤية، و بالأولى مما ذكرنا ما لو سعى فيها لينظر فيها أو بعدها خلافا له أيضا فيها، نعم لا فرق في رؤية المصلوب بين كونه حيا و ميتا، لظاهر النص و الفتوى، كما أن ظاهر التعليل بالعقوبة في أولهما يقتضي أن لا يكون النظر لغرض شرعي كالشهادة على عينه و نحوها، و لا يثبت الغسل حينئذ، و كذا يقتضي كون المصلوب من المسلمين كما هو معقد إجماع الغنية، لعدم احترام الكافر فلا عقوبة بالسعي اليه، و لعله مراد الجميع.

و كذلك الكلام في غسل المولود فقال بعض فقهائنا كابن حمزة بوجوبه ل

قول الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة(1)في تعداد الأغسال: «و غسل المولود واجب»

و ربما ظهر من الصدوق أيضا، و المشهور نقلا و تحصيلا الندب، بل نسبه في المصابيح إلى الأصحاب تارة، و أخرى إلى سائر المتأخرين، كما أنه حكي عن ظاهر السرائر نفي الخلاف فيه، بل في الغنية الإجماع على ذلك، و لعله كذلك إذ لم يثبت


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 3.

ج 5، ص: 72

فيه الخلاف إلا ممن عرفت، مع أنه رماه في المعتبر بالشذوذ، و في المنتهى بالمتروكية.

و من هنا و ما عرفته بالنسبة للمسألة السابقة قال المصنف: ان الأظهر الاستحباب فيهما، مضافا إلى معارضة الموثقة بما دل على حصر الواجب في غيرهما من الأخبار، و إلى إطلاق لفظ الوجوب فيها أيضا على معلوم الاستحباب من غير خلاف، فيقوى حينئذ إرادة تأكد الاستحباب منه، أو مطلق الثبوت، و لا دليل سواها، إذ

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «اغسلوا صبيانكم من الغمر، فان الشيطان يشم الغمر، فيفزع الصبي»

إلى آخره. ليس مما نحن فيه، لما قيل من أن الغمر بالتحريك ريح اللحم و ما تعلق باليدين من دسمه، و الصبي غير المولود، فالمراد منه على الظاهر الأمر بتنظيف يدي الصبي مما يزاوله من نحو ذلك.

ثم ان ظاهر الموثقة كعبارات الأصحاب و أصالة العبادة في الأوامر أنه غسل بضم الغين لا غسل بفتحها، فيعتبر حينئذ فيه ما يعتبر في غيره من النية و غيرها، فلا يقدح فيه ما تشعر به بعض الأخبار(2)من أنه لازالة القذر عنه و نحوه، كغيره مما علم أنه عبادة كغسل الجمعة و نحوها مما ورد(3)فيها نحو ذلك لأن المراد أن هذه من الحكم التي تترتب على فعله، فما عن بعضهم من احتمال أنه تنظيف محض و ليس من العبادة في شي ء ضعيف، كاحتمال عدم اعتبار الترتيب و لو كان عبادة، للأصل من غير معارض، لعدم تناول ما دل عليه له، و فيه منع، لتعارف الترتيب في الغسل و معهوديته فيه، و أنه كيفية له، فمتى أطلق انصرف اليه، و من هنا لم يحتج إلى إقامة الدليل عليه في كل غسل، هذا.

مع إمكان دعوى توقف يقين الامتثال عليه لو قلنا باعتبار مثله فيه، و لعله مما ذكرنا


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 15.

ج 5، ص: 73

و من عدم معروفيته و عدم العموم في دليله يظهر لك منشأ الوجهين في جريان الارتماس فيه.

و كيف كان فهل وقت هذا الغسل ما دام يتحقق معه صدق غسل المولود كاليوم و اليومين و نحوهما مما يسمى به مولودا عرفا و لو إلى السابع، كما لعله يشعر به إطلاق النص، و لم يستبعده في المعتبر، أو من حين الولادة كما هو ظاهر المحكي من عبارات الأصحاب؟

وجهان، أحوطهما الثاني إن لم يكن أقواهما، لأنه المعهود المتعارف، فينصرف الإطلاق إليه، فتأمل.

[الركن الثالث في الطهارة الترابية]

اشاره

الركن الثالث من معتمد هذا الكتاب.

في الطهارة الترابية و هي الحاصلة بمباشرة التراب في مقابلة المائية الحاصلة بمباشرة الماء. و كذا تسمى اضطرارية، كما أن الثانية تسمى اختيارية. من حيث أنها لا تشرع إلا عند الاضطرار إليها بتعذر الأولى عقلا أو شرعا على ما هو مستفاد من النصوص (1)و الفتاوى أيضا إلا في بعض المواضع للدليل كما سيأتي، و ليست الا التيمم، بخلاف المائية فالغسل و الوضوء، و هو لغة القصد كقوله تعالى (2)«وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» و شرعا مباشرة الأرض على وجه خاص يعرف مما سيأتي، و هو ثابت كتابا و سنة(3)و إجماعا، بل لعله في الجملة من ضروريات الدين التي يدخل من أنكرها في سبيل الكافرين و قد ذكر الله تعالى شأنه في النساء تارة، و في المائدة أخرى، فقال


1- 1 الوسائل- الباب 1 و 2 و غيرهما من أبواب التيمم.
2- 2 سورة البقرة- الآية 269.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 74

عز من قائل في الثانية(1)«وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ. أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً. فَامْسَحُوا» الى آخرها، و كذا في الأولى (2)و ان اختلفا بالنظر الى ما تقدم ذلك.

و قد سبق لنا كلام طريف في هذه الآية الشريفة في أول الكتاب عند البحث عن وجوب الغسل لنفسه أو لغيره يندفع بملاحظته ما أورد على ظاهرها من الإشكالات، التي منها اشتهر من جمع الله عز و جل الأمور الأربعة بشرط رتب عليه جزاء واحدا، أعني الأمر بالتيمم، مع أن سببية الأولين للترخص للتيمم و الأخيرين لوجوب الطهارة عاطفا لها بأو المقتضية لاستقلال كل واحد منهما بترتب الجزاء، مع أنه ان لم يجتمع أحد الأخيرين مع واحد من الأولين مثلا لم يحصل وجوب التيمم الذي هو الجزاء، من غير حاجة الى جعل «أو» فيها بمعنى الواو.

و لا إلى ما ذكره البيضاوي من أن وجه هذا التقسيم هو أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب، و الحال المقتضية له غالبا إما مرض أو سفر، و الجنب لما سبق ذكره اقتصر على بيان حاله، و الحدث لما لم يجر له ذكر ذكر من أسبابه ما يحدث بالذات و ما يحدث بالعرض و استغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب و بيان العذر مجملا، فكأنه قال: و إن كنتم جنبا أو مرضى أو على سفر. أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء، مع أنه لا يوافق ما ثبت عندنا من أن المراد بالملامسة الجماع.

و لا الى ما في الكشاف من أنه أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر و هم عادمون الماء في التيمم بالتراب، فخص أولا من بينهم مرضاهم و سفرهم، لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم، لكثرة السفر و المرضى و غلبتهما على


1- 1 سورة المائدة- الآية 9.
2- 2 سورة النساء- الآية 46.

ج 5، ص: 75

سائر الأسباب الموجبة للرخصة، ثم عمم كل من وجب عليه التطهر و أعوزه الماء، لخوف عدو، أو سبع، أو عدم آلة الاستقاء، أو إزهاق في مكان لا ماء فيه، أو غير ذلك مما لا يكثر كثر المرض أو السفر، مع ما فيه من الإجمال الذي لا تنحسم عنه مادة الإشكال، إلا أن يحمل على إرادة جعل قيد عدم الوجدان للأخيرين خاصة دون الأولين، للاستغناء عنه بالتعليق على المرض و السفر الغالب معهما عدم التمكن من الماء استعمالا أو وجودا، كما أنه يستغنى عن تقييدهما بالحدث لمكان العطف فيهما على ما سبقهما، فيكون المقصود حينئذ من الآية بيان المحدثين أصغر أو أكبر إذا كانوا مرضى أو مسافرين، و خصهما لغلبتهما أو غيره، و بيانهما كذلك إذا لم يجدوا ماء و إن لم يكن مرض أو سفر، فلا إشكال حينئذ من تلك الجهة، بل و لا من تكرير ذكر الجنابة، فلاحظ و تأمل.

[البحث في التيمم يقع في أطراف أربعة]
اشاره

و كيف كان ف النظر و البحث في التيمم يقع في أطراف أربعة.

[الطرف الأول فيما يصح معه التيمم]
اشاره

الأول فيما يصح معه التيمم ضرورة عدم مشروعيته على الإطلاق و هو ضروب مرجعها إلى شي ء واحد عند التحقيق، و هو العجز عن استعمال الماء عقلا أو شرعا و إن ذكر المصنف هنا من أسبابه ثلاثة: عدم الماء، و عدم الوصلة اليه، و الخوف من استعماله، بل في المنتهى أن أسبابه ثمانية: فقده، و الخوف من اللص و نحوه، و الاحتياج له للعطش، و المرض و الحرج و شبههما، و فقد الآلة التي يتوصل بها اليه، و الضعف عن الحركة، و خوف الزحام يوم الجمعة و عرفة، و ضيق الوقت، و هي بأجمعها عدا الأخير تندرج فيما ذكره المصنف، و أما هو فسيأتي الكلام فيه، كما أنه في الوسيلة ذكر ان شرط التيمم فقد الماء أو حكمه، ثم أدرج في الثاني اثني عشر شيئا، و الكل ترجع إلى ما ذكرنا أيضا.

[السبب الأول عدم الماء]
اشاره

و كيف كان ف الأول من الأسباب التي ذكرها المصنف عدم الماء

ج 5، ص: 76

كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا محصلا و منقولا من غير فرق فيه عندنا بين السفر و الحضر بل في الخلاف و المنتهى الإجماع عليه بالخصوص، كما أنه في الأخير الإجماع أيضا على عدم الفرق بين السفر الطويل و القصير، لكن في بعض نسخ المدارك أنه أجمع علماؤنا كافة إلا من شذ على وجوب التيمم للصلاة مع فقد الماء سواء في ذلك الحاضر و المسافر، و لم أعثر على الشاذ الذي استثناه إلا ما أرسله بعضهم هنا عن علم الهدى في شرح الرسالة أنه أوجب الإعادة على الحاضر، و هو مع أنه لم يعرف هذا النقل عنه هنا ليس خلافا فيما نحن فيه، إذ لا ينكر وجوب التيمم و الصلاة عليه و إن أوجب الإعادة بعد ذلك.

فلعل الصواب ما في أكثر النسخ أجمع العلماء إلا من شذ، و يراد بالشاذ حينئذ ما عن بعض العامة من حيث أنكر وجوب التيمم و الصلاة على الحاضر، مستدلا بظاهر تعليق الأمر بالتيمم في الآية الشريفة على السفر، و فيه- مع أن مثله يكون حجة إن لم يخرج مخرج الغالب، و إلا فهو ليس بحجة إجماعا كما في المنتهى، و أنه لا يجري في الحاضر المريض أيضا- مبني على عدم جعل المجي ء من الغائط و ما بعده سببا مستقلا في التيمم، بل هو راجع الى المرضى و المسافرين بجعل «أو» بمعنى الواو، و أما بناء على التحقيق الذي قد سلف منا في الآية فهي بإطلاقها حينئذ لنا لا علينا ككثير من أخبارنا التي كادت تكون صريحة في عدم الفرق بينهما، و الأمر سهل.

فظهر لك من ذلك كله أنه لا فرق في مسوغية عدم الماء للتيمم بين الحاضر و المسافر و لا بين السفر الطويل و القصير، و لا بين كونه طاعة أو معصية، لكن انما يكون مسوغا للتيمم بعد الطلب له فلم يوجد، فمتى تيمم قبله مع حصول شرائط وجوبه من الرجاء و سعة الوقت و عدم الخوف و نحو ذلك لم يصح، لعدم تحقق عدم الوجدان بدونه، و هو


1- 1 سورة النساء- الآية 46.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 77

شرط التيمم

[في وجوب الطلب عند عدم الماء]
اشاره

و هو مراد المصنف و غيره بقوله و يجب عنده الطلب بل في الخلاف و الغنية و المنتهى و جامع المقاصد و عن التذكرة و التنقيح و غيرها الإجماع عليه. لا الوجوب التعبدي خاصة، على أنه قد لا يجب التيمم، فلا يجب الطلب حينئذ شرعا قطعا و إن وجب شرطا، بل في الخلاف و المنتهى و عن المعتبر الإجماع على ما يقتضي الشرطية، مضافا الى ظاهر الأمر به، بل في

الحسن كالصحيح عن أحدهما (عليهما السلام)(1)«إذا لم يجد المسافر فليطلب ما دام في الوقت»

بناء على إحدى النسختين و أحد الوجهين فيها، و في

خبر السكوني (2)«يطلب الماء في السفر إن كانت حزونة فغلوة»

إلى آخره ان حملت الجملة الخبرية فيه على الأمر، و مضافا الى وجوب تحصيل شرط الواجب المطلق، و عدم إحرازه القدرة عليه لا يسقطه، إنما الذي يسقطه العجز، و لا يعلم به حتى يطلب، فتأمل فإنه نافع في غير المقام أيضا من مقدمات الواجب المطلق، كطلب التراب للتيمم أيضا، و إن لم نجده بالتحديد المذكور للماء، لعدم الدليل و حرمة القياس، فيبقى على ما تقتضيه الضوابط.

و كيف كان فما يحكى عن الأردبيلي من الحكم باستحباب الطلب مع عدم ثبوت ذلك عنه كما لا يخفى على من لاحظ كلامه ضعيف، و لعله لإطلاق طهورية التراب و بدليته عن الماء، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر داود الرقي (3)بعد أن سأله أكون في السفر و تحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: ان الماء قريب منا، فأطلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا: «لا تطلب الماء و لكن تيمم، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك، فتضل و يأكلك السبع»

و

قوله (عليه السلام) في خبر يعقوب بن سالم (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 78

عن الرجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك:

«لا آمر أن يغرر بنفسه، فيعرض له لص أو سبع»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر علي بن سالم (1)لداود الرقي: «لا تطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر إن وجدته على الطريق فتوضأ منه، و إن لم تجده فامض»

و هي- مع عدم الموافقة ظاهرها لما ذكره من الاستحباب، و موافقتها للمحكي عن أبي حنيفة، و و وضوح قصورها عن معارضة ما تقدم، سيما بعد ظهور الثانية و كذا الأولى فيما لا يقول الخصم من حصول الماء قريبا منه، و سيما بعد الطعن في سند الأولى بداود الرقي بأنه ضعيف جدا كما في جش، بل فيه أيضا قال: أحمد بن عبد الواحد قل ما رأيت له حديثا سديدا و عن ابن الغضائري أنه كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت اليه، و عن الكشي أنه يذكر الغلاة أنه من أركانهم، و في سند الثانية بمعلى بن محمد بأنه مضطرب الحديث و المذهب، و بأنه يعرف حديثه و ينكر، و الثالثة بعلي بن سالم باشتراكه بين المجهول و الضعيف، على أنها مطلقة لا تعارض المقيد- محمولة على الخوف و الخطر في الطلب كما هو ظاهر الأولين أو صريحهما، فيكونا قرينة على الخبر الثالث، خصوصا خبر الرقي، إذ لا ريب في سقوطه في هذا الحال، لكن مع عدم تمكنه من الاستنابة بناء على اعتبارها كما ستسمع، و ان أطلق غير واحد من الأصحاب سقوطه في مثل هذا الحال، لوجوب الطلب عليه حينئذ بنفسه أو وكيله، فتعذر الأول لا يسقط الثاني، و عليه أو نحوه يحمل

صحيحة الحلبي (2)أيضا، سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو، قال: ليس عليه أن يدخل الركية، إن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم».

كما أنه لا ريب في سقوطه مع تيقن عدم الماء للأصل، و ظهور وجوب الطلب


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 79

في رجائه، نعم لا يسقط بالظن كما صرح به في المنتهى و التحرير و غيرهما، لإطلاق الأمر به، و هو جيد مع عدم استناده الى سبب شرعي، كشهادة العدلين بل العدل الواحد، و إلا فالمتجه السقوط حينئذ، لعموم ما دل على اعتبارهما.

اللهم إلا أن يدعى عدم تحقق عدم الوجدان عرفا بذلك، و لعله لذا أطلق في الموجز الحاوي عدم الاجتزاء بخبر غير النائب كما عن نهاية الأحكام، و فيه بحث، إذ هو بعد التسليم غير واجد شرعا، و أولى منه ما لو كان ذلك بطريق النيابة و لو كان عن متعددين، و من هنا قال في الذكرى و جامع المقاصد: و يجوز النيابة في الطلب لحصول الظن، مع نصه في الأخير كما عن المسالك على اشتراط العدالة، و قضية إطلاق الأول و تعليله جوازها و ان لم يكن عدلا كإطلاق الموجز الحاوي و عن نهاية الأحكام، و لعله لصيرورته أمينا حينئذ، و لأن فعله فعل موكله، لكن نص في المنتهى على عدم الاجتزاء بالنيابة من غير فرق بين العدم و غيره، قال لأن الخطاب بالطلب للمتيمم فلا يجوز أن يتولاه غيره، كما لا يجوز أن يؤممه، و فيه أن مجرد تكليفه و خطابه به مع عدم ظهور إرادة المباشرة لا يعارض عموم الوكالة، و قياسه على التيمم مع الفارق.

[مقدار الطلب]

و كيف كان فالمراد بالطلب الذي قد ذكرنا وجوبه هو التفحص عن الماء في رحله و عند رفقائه و نحوهما و أن يضرب في الأرض لو كان في فلوات غلوة سهمين أي رمية أبعد أو وسط ما يقدر عليه المعتدل بالقوة مع اعتدال السهم و القوس و سكون الهواء على ما صرح به بعضهم، بل في كشف اللثام أنه المعروف، لكنه حكي فيه عن العين و الأساس أن الفرسخ التام خمس و عشرون غلوة، و عن المغرب عن الأخباس عن ابن شجاع أن الغلوة قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربع ماءة ذراع، و عن الارتشاف أنها ماءة باع، و الميل عشر غلاء، و المعتمد الأول في كل جهة من الجهات الأربع إن كانت الأرض سهلة على المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الغنية الإجماع عليه، و عن

ج 5، ص: 80

التذكرة نسبته إلى علمائنا، كما أنه قد ينطبق عليه إجماع إرشاد الجعفرية على ما قيل، و لعل ذلك هو الحجة، و الا فمستند الحكم من النص الآتي لا تعرض فيه لذكر الجهات، بل قضية إطلاقه الاكتفاء بالواحدة. لكن قد يقال بإرادة الجميع منه بجعل ما عرفت قرينة عليه مع عدم المرجح لبعضها و عدم معلومية تحقق الشرط و براءة الذمة بدونه.

فما في الوسيلة من الاقتصار على اليمين و اليسار مع أنه احتمل فيها إرادة الأربع ضعيف، كالمحكي عن المفيد و الحلبي من زيادة الإمام و ترك الخلف، الا أنه علله في كشف اللثام بكونه مفروغا عنه بالمسير، فلا خلاف، و فيه أن المفروغ منه انما هو الخط الذي سار فيه لا جوانبه.

و من هنا كان المتجه بل لعله مراد الجميع جعل مبدأ طلبه كمركز دائرة نصف قطرها ما يبتدأ به من الجهات، فإذا انتهى الى الغلوة أو الغلوتين رسم محيط الدائرة بحركة، ثم يرسم دائرة صغرى. و هكذا الى أن ينتهي إلى المركز حتى يستوعب ما احتمل وجود الماء فيه من ذلك، و هو المراد و ان لم تكن بتلك الكيفية المذكورة، فتأمل.

و غلوة سهم ان كانت الأرض حزنة بسكون الزاء المعجمة خلاف السهلة، و هي المشتملة على نحو الأشجار و العلو و الهبوط، و أصل التحديد بالغلوة و الغلوتين في الحزنة و السهلة هو المشهور بين الأصحاب، بل في الغنية و عن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه، كما عن التذكرة نسبته إلى علمائنا و في السرائر أنه قد تواتر به النقل و هو الحجة، مضافا الى

خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (1)عن علي (عليه السلام) قال:

«يطلب الماء في السفر، إذا كانت حزونة فغلوة، و ان كانت سهلة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك»

و ضعفها لا يمنع من العمل بها بعد اعتضادها بما عرفت كما أن عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 81

ظفرنا و ظفر العلامة في المنتهى بغيرها لا يقدح في دعوى التواتر من ابن إدريس، و كذا إطلاق الشيخ- في مبسوطة و عن نهايته إيجاب الرمية أو الرميتين من غير تفصيل بين الحزنة و السهلة مع إمكان تنزيله على ذلك- لا يقدح في دعوى الإجماع المتقدم، كإطلاقه في الجمل و الخلاف و ابن سعيد في الجامع إيجاب الطلب للماء، و المرتضى في جمله إيجاب الطلب و الاجتهاد في تحصيله، مع احتمال الجميع ما ذكرنا، إذ لا ريب في تحقق ماهية الطلب و الاجتهاد بالقدر المذكور.

فما في

الحسن- كالصحيح عن أحدهما (عليهما السلام)(1)«إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل»

- قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه لا تخفى، سيما بعد معارضتها بما دل على جواز التيمم (2)مع السعة، و بما دل (3)على النهي عن الطلب من الأخبار السابقة، و ما حكاه في الوافي عن بعض النسخ «فليمسك» بدل «فليطلب» فيمكن حينئذ إرادته بذلك جمعا بين النسختين و الأدلة، و ما في جامع المقاصد و غيره من أن الظاهر منه تحديد زمان الطلب لا مقداره، لأن الطلب قبل الوقت لا يجزى لعدم توجه الخطاب، فلا يراد حينئذ استيعاب الوقت بالطلب، كل ذا مع أنا لم نعرف عاملا بها بالنسبة إلى ذلك سوى ما في المعتبر «ان رواية زرارة تدل على أنه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات، و هو حسن، و الرواية واضحة السند و المعنى» انتهى. مع أنه

قال قبل ذلك بلا فصل بعد أن استضعف دليل المشهور: الوجه أنه يطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة، و لا يكلف التباعد بما يشق، و لا ريب في منافاته لذلك إذا لم يستوعب الوقت.

و لذا اعتمد في المدارك ما استوجهه في المعتبر، و حمل خبر زرارة على الاستحباب،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 82

و فيه ما عرفت و إن كان لا بأس بحمله الخبر المذكور، و لعله أولى مما في الحدائق من الجمع بينها و بين خبر السكوني بحملها على رجاء الحصول أي ظنه، و خبر السكوني على تجويز الحصول من دون ظن، إذ هو مع أنه لا شاهد عليه مبني على وجوب الطلب زائدا على النصاب مع ظن الماء، و فيه منع، بل إطلاق الأدلة السابقة يقتضي سقوطه و إن ظن، لعدم الدليل على التعبد به، مع أنه هو بنفسه استظهر بعد ذلك عدم اعتبار الظن لا طلاق خبر السكوني، نعم انما يجب الطلب زائدا مع العلم لعدم تناول الرواية له، فما في جامع المقاصد و الروض و غيرهما من إلحاق الظن به في ذلك حتى أنه قطع به في الأول لا يخلو من نظر بل منع، كالتعليل له بعدم حصول شرط التيمم معه، و هو العلم بعدم التمكن من الماء، و إلا لوجب مع الاحتمال أيضا، و هو باطل قطعا مناف لفائدة التحديد بالقدر المذكور.

نعم قد يتردد في الظن الذي تطمئن به النفس بل هو علم عرفي من حيث عدم احتمال شمول الخبر لمثله، و لعله مرادهم كما عساه يشعر به ما ذكروه من التمثيل له بالقرية و الحضرة و نحوهما، فيجب السعي حينئذ و إن زاد على المقدار.

لا يقال: إنه لا إشكال في عدم تحقق الشرط، و هو إن لم تجدوا في الفرض السابق، لتوقف صدقه على التطلب و الاختبار، فلم يوجد، لأنا نقول: إنه بعد أن قامت الأدلة من الخبر و الإجماع على وجوب الطلب غلوة أو غلوتين كان المراد من الآية فان لم تجدوا فيهما، و لا ريب في صدق عدم الوجدان فيهما و إن ظن في غيرهما بل و إن علم، لكنه خرج بما خرج من إجماع أو غيره، و إلا لو أريد صدق عدم الوجدان بالنظر إلى جميع الأمكنة لوجب الطلب حينئذ مع الاحتمال، و هو باطل قطعا لما عرفت.

و كذا ما يقال: إن المراد صدق إطلاق عدم الوجدان من غير تقدير للغلوة و الغلوتين و لا غيرهما، إذ ليست بدون ذكر المتعلق من المجملات و لا ترجع الى التعميم السابق

ج 5، ص: 83

أيضا، و لا يصدق هذا الإطلاق إلا باختبار مظان الماء و لو زاد على النصاب دون ما احتمل، و به يفترق عن التعميم السابق. لأنا نقول- بعد تسليم تحقق مصداق للمطلق غير التعميم السابق، و تسليم توقفه على اختبار المظان كلها-: لا نسلم أن شرط التيمم هو مصداق هذا المطلق بعد قيام الأدلة على الغلوة و الغلوتين، فهو من قبيل المقيد بها و الكاشف للمراد بها. نعم قد يتم ذلك بالنسبة للمحال التي ليست من جهة الضرب في الأرض، كحدوث مجي ء قافلة أو شخص أو نحو ذلك، فنوجب اختبار أمثالها كما صرح به في المنتهى و الذكرى مع احتمال وجود الماء فيها فضلا عن الظن.

و الحاصل ان وجوب تطلب الماء في الضرب في الأرض أقصاه النصاب المذكور، و أما في غيره كالقافلة فصدق إطلاق عدم الوجدان. نعم قد يقال: إن التحديد بالنصاب المذكور مبني على التسامح العرفي لا التحقيقي، بحيث لو ظن وجود الماء مثلا بما يقرب من منتهاه جدا لم يجب الاختبار و الطلب، و لعله لذا حكي عن العلامة في نهاية الأحكام التصريح بوجوبه حينئذ، بل عن المنتهى ذلك أيضا لو توهم، و لعله يريد الظن الضعيف، فتأمل.

[عدم كفاية الطلب قبل الوقت]

ثم انه صرح جماعة من الأصحاب منهم المصنف في المعتبر و العلامة في المنتهى و الشهيد في الذكرى بأنه لو طلب الماء قبل الوقت فلم يجده لم يعتد به و وجب إعادته، إلا أن يعلم استمرار العدم الأول، و لعله لظاهر ما دل على وجوبه من الإجماعات السابقة و غيرها، و هو لا يتحقق إلا بعد الوقت، لعدم وجوبه قبله و لتوقف صدق عدم الوجدان عليه، سيما بعد ظهور الآية الدالة على اشتراطه في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمم للصلاة، و عند القيام إليها، و في زمان صحة التيمم، و لخبر زرارة(1)المتقدم آنفا، و لأنه لو اكتفي به قبل الوقت لصح الاكتفاء به مرة واحدة للأيام


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 84

المتعددة، و هو معلوم البطلان، و لأن المنساق إلى الذهن من الأدلة إرادة الطلب عند الحاجة إلى الماء.

فلا وجه للتمسك للاجتزاء به بإطلاق خبر السكوني المتقدم، سيما بعد إمكان دعوى انصرافه إلى المتعارف من أفراد الطلب، و هو بعد دخول الوقت، و كذا التمسك باستصحاب عدم الوجدان الثابت قبل الوقت، و عدم الماء كذلك، إذ هو- بعد تسليم أن مثله يثبت مثله من الموضوعات العرفية أي التي يرجع في صدقها إلى العرف، و تسليم الاكتفاء باستصحاب عدم الماء في تحقق شرط التيمم الذي هو عدم الوجدان، و هو غير عدم الماء- أنه لا يعارض ما ذكرنا من ظهور الأدلة في شرطية الطلب أن يكون بعد الوقت، اللهم إلا أن يمنع، و فيه ما عرفت.

لكن صرح في الذكرى بعد ذلك بالاكتفاء بالطلب مرة في الصلوات إذا ظن الفقد بالأول مع اتحاد المكان، و هو قد يوهم المنافاة لما ذكرنا في الجملة من عدم الالتفات إلى الاستصحاب و غيره، سيما إذا أريد بالصلوات في كلامه ذوات الأوقات المختلفة كالمغرب بالنسبة للظهرين، إذ هو بالنسبة إليها طلب قبل الوقت.

و كذا ما في جامع المقاصد حيث اكتفى بالطلب مرة لصلاة إذا حضرت صلاة أخرى مع الظن بالفقد الأول أيضا، و أوضح منهما ما في التحرير حيث قال: «و لو دخل عليه وقت صلاة أخرى و قد طلب في الأولى ففي وجوب الطلب ثانيا إشكال، أقربه عدم الوجوب، و لو انتقل عن ذلك المكان وجب إعادة الطلب» انتهى.

اللهم الا أن يحمل ذلك منهم على الفرق بين الطلب في وقت صلاة و عدمه، فيجتزي بالأول و لو في صلاة أخرى لم يدخل وقتها، و هو موقوف على دليل الفرق، و ليس بواضح، أو يحمل الصلاة في كلامهم على نحو الظهرين و العشاءين مما اشتركا في وقت واحد، فإنه يجتزي به حينئذ للاستصحاب، و إطلاق خبر السكوني و غيرهما لا المغرب و الظهر مثلا.

ج 5، ص: 85

و فيه انه مبني أيضا على عدم وجوب تجديد الطلب فيما لو فرق بين الصلاتين، مع نقضه لتيممه السابق بحدث مثلا و تجويزه تجدد ماء، و هو لا يخلو من تأمل يظهر مما تقدم، و لعله لذا قال في المنتهى: إنه لو طلب فلم يجده و صلى متيمما ثم حضرت الصلاة الثانية ففي وجوب إعادة الطلب نظر، أقربه الوجوب إن أراد بالصلاة الثانية ذلك من حيث تعارف التفريق، و الا كان شاهدا على سابقه، أو يحمل كلامهم على إرادة ما لو طلب في الوقت لصلاة فتيمم و صلى ثم حضر وقت صلاة أخرى و لما ينتقض تيممه و قلنا بجواز دخوله فيها بذلك التيمم، فإنه لا يحتاج إلى الطلب حينئذ لاستصحاب صحة تيممه، إذ أقصى ما دلت الأدلة على اشتراطه بالنسبة لابتداء التيمم لا لاستمرار صحته، و هو لا يخلو من نظر و تأمل.

فالأحوط إن لم يكن أولى تجديد الطلب عند كل صلاة احتمل احتمالا معتدا به تجدد الماء عندها حتى في نحو الظهرين مع التفريق، بل و مع الجمع إذا كان كذلك، بل و الصلاة الواحدة إذا فرق بينها و بين التيمم ليتحقق الاضطرار و عدم الوجدان، نعم هل يحتاج إلى تجديد تيمم بعد الطلب أو يكتفي بالأول؟ وجهان، كل ذا إن لم ينتقل عن ذلك المكان، و إلا وجب الطلب قطعا، فتأمل جيدا.

[بطلان التيمم و الصلاة لو أخل بالطلب]

و لو أخل ب ما وجب عليه من الطلب الذي منه الضرب في الأرض و تيمم و صلى مع سعة الوقت بطلا قطعا و إجماعا منقولا ان لم يكن محصلا، لما عرفت سابقا من الأدلة الدالة على اشتراط صحة التيمم به، و لا فرق في ذلك بين أن يصادف عدم الماء بعد الطلب و عدمه، كما أنه لا فرق فيه بين العالم و الجاهل و الناسي و غيرهم، قضاء للشرطية السابقة، و لا بين وقوع نية التقرب به ان تصور ذلك و عدمه، إذ ليس هو من الشرائط التي يكفي فيها مصادفة الواقع، و انما يحتاج المكلف إلى إحرازها لإيقاع نية التقرب حتى يصح من الغافل و نحوه، فما عساه يظهر من بعض فروع التحرير

ج 5، ص: 86

من الحكم بالصحة لو صادف عدم الماء ليس في محله، مع احتمال إرادته ما ليس نحن فيه فلاحظ و تأمل.

نعم لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت أخطأ لتقصيره في الطلب الواجب عليه و صح تيممه و صلاته على الأظهر الأشهر بين الأصحاب، بل في المدارك أنه المشهور، و عن الروض نسبته إلى فتوى الأصحاب لسقوطه عند الضيق للأصل، و العمومات الدالة(1)على عدم سقوط الصلاة بحال، مع عدم تناول ما دل على شرطيته لمثله، فيكون حينئذ كما لو لم يخل، و عصيانه لا يوجبه عليه، لصدق عدم الوجدان أيضا، خصوصا إن أريد به عدم التمكن، و لإطلاق بدلية التراب، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة أو حسنه السابق (2): «فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل»

و فحوى ما تسمعه من صحة التيمم لغير المتمكن من استعمال الماء مع وجوده عنده لضيق الوقت إن قلنا به، خلافا للمحكي عن ظاهر الخلاف و المبسوط و النهاية، حيث أطلق عدم الصحة مع الإخلال، مع عدم ثبوت ذلك عن الثاني، و احتمال الجميع السعة، بل لعله ظاهر الأول كما لا يخفى على من لاحظه، و يرشد اليه دعواه الإجماع عليه فيه، كل ذا مع عدم وضوح دليل له سوى اقتضاء شرطية الطلب ذلك. و عدم صدق الفاقد، و هما ممنوعان.

و لا قضاء عليه بعد ذلك حتى لو وجد الماء فيما أخل بالطلب فيه وفاقا لصريح مجمع البرهان و المدارك، و كذا ظاهر المصنف هنا، و إن فرض المسألة في خصوص من أخل بالضرب، لاقتضاء الأمر الاجزاء، و عدم صدق اسم الفوات عليه حتى يشمله الأمر


1- 1 الوسائل- الباب 1 و 2 و 6 و 7 و 8 و 11 من أبواب وجوب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 87

الجديد بالقضاء، و لاقتضاء ما سمعته من الأدلة السابقة أنه كالفاقد غير المفرط بالطلب و ان أثم بترك الطلب.

و خلافا للذكرى و جامع المقاصد و المسالك، فأوجبوا الإعادة مع وجدان الماء في محل الطلب، بل و للمصنف فيما يأتي، و العلامة في القواعد و ان اقتصر على ما لو وجد الماء في رحله أو عند أصحابه، كما عن المبسوط و الخلاف و الإصباح و ان اقتصر فيها على الرحل، لكن قد سمعت أن المحكي عن ظاهر الأولين عدم صحة التيمم فيما نحن فيه، فتأمل. و للمنتهى فيما لو نسي الماء في رحله أو موضع يمكنه استعماله فيه و تيمم و صلى، قال فيه: «فان كان قد اجتهد و لم يظفر به لخفائه أو لظنه انه ليس معه ماء صحت صلاته، و إن كان قد فرط في الطلب أعاد، قاله علماؤنا» انتهى. و قال في جملة فروع له أيضا:

لو صلى فبان الماء بقربه اما في بئر أو في مصنع أو غيرهما، فان كان خفيا و طلب و لم يظفر فلا إعادة و ان لم يطلب أعاده، و للمعتبر حيث قال: «و لو كان بقربه بئر لم يرها فمع الاجتهاد تيمم و لا إعادة، و مع التفريط يعيد» انتهى. لحمل الإعادة في كلام الجميع على ارادة القضاء كما هو مقتضى فرض المسألة في تارك الطلب الذي لا يصح منه الفعل الا عند الضيق، و إن أمكن فرض ذلك بالفعل بظن الضيق ثم انكشف السعة الا أنه بعيد، و لعله لمكان هذه العبارات و نحوها نسب في الحدائق وجوب القضاء فيما نحن فيه الى المشهور، و في جامع المقاصد الى أكثر الأصحاب.

و كيف كان فلم نعرف لهم دليلا على ذلك سوى ما ذكره غير واحد من

خبر أبي بصير(1)قال: «سألته عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه و تيمم و صلى ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال: عليه أن يتوضأ و يعيد الصلاة»

و هو- مع الغض عما في سنده و إضماره و كونه في الوقت- خارج عما نحن فيه، و احتمال دفع ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 88

كله بالانجبار بالشهرة و ظاهر إجماع المنتهى السابق فيه مع عدم صلاحيتها لدفع بعض ما عرفت أنه لا شهرة محققة على ما نحن فيه، بل ربما يقال خصوصا في عبارتي المنتهى و المعتبر إرادة الإعادة في الوقت أو الأعم فيما لو نسي الماء و ترك الطلب لاعتقاد عدم الماء فتيمم و صلى ثم بان الخلاف، و هو غير ما نحن فيه، و لعل المتجه فيها ذلك أيضا للخبر السابق، و لأنه كنسيان الطهارة، و للبراءة اليقينية، و لعدم اقتضاء الأمر الاجزاء في مثله كما مر تحقيقه غير مرة، إذ هو من باب تخيل الأمر لا الأمر، و للتقصير في النسيان، و لأنه واجد للماء واقعا، نعم لو طلب فلم يجد قد يتجه حينئذ عدم الإعادة، للأمر الخصوصي بالتيمم حينئذ في ظاهر الأدلة.

[في وجوب التيمم على من أراق الماء في الوقت]

و منه يعلم الحكم في نظائره من كل طالب و أخطأ في تحصيل الماء، خلافا للمحكي عن المرتضى، فلا يعيد الناسي مطلقا في الوقت و خارجه طلب أو لم يطلب مع اعتقاده عدم الماء، و كأنه لرفع القلم، و عدم القدرة على زواله، و صدق عدم الوجدان، لأن المراد به في اعتقاده لا واقعا، و لذا لا يعيد مع الطلب و ان لم يصادف الواقع، و عدم شمول دليل القضاء له، و هو لا يخلو من وجه سيما في القضاء، و ان كان الأوجه الأول، و ربما يظهر للمتأمل في كلامهم شواهد على ما ذكرنا من إرادة هذه المسألة لا ما نحن فيه من المسألة السابقة، كما أنه يظهر له كمال التشويش في كلام جملة من المتأخرين كالمحقق الثاني و كاشف اللثام و غيرهم، بل و خللا في النقل أيضا، فلاحظ و تدبر.

و من التأمل فيما قدمنا يظهر لك الحال في كل من نقل تكليفه من الاختياري إلى الاضطراري، كمن أراق الماء في الوقت، فإنه يتيمم و يصلي و إن عصى بذلك مع علم عدم الماء حينئذ، أو ظنه بل و احتماله لوجوب الحفظ عليه من باب المقدمة، و أولويته من إيجاب الطلب، و ظهور الأدلة في الاهتمام بالنسبة إلى ذلك كما يومي اليه شراؤه بما

ج 5، ص: 89

يتمكن و نحوه، فما عساه يظهر من المعتبر من جواز الإراقة ضعيف جدا، كصريح جامع المقاصد فيما لو ظن إدراك الماء، بل لعل الإجماع على خلافه، كما عساه يشعر به نسبته إلى الأصحاب في الحدائق.

و احتمال التمسك له- بعد الأصل بأن أقصى ما يستفاد وجوب كلي الصلاة في أول الوقت، و كيفية أدائها يتبع حاله وقت الأداء واجد الماء أو فاقده، و ذلك لا يقتضي إيجاب حفظ الحالة الأولى التي قارنت مبدأ التكليف، و لذا كان له السفر بعد الوقت، و نقل تكليفه من الإتمام و القصر، بل تخييره في أوقات الصلاة يقتضي عكسها- ضعيف جدا، إذ لا ريب في إيجاب الصلاة بماء عليه باعتبار وجدانه له، و ان كان مخيرا في إيقاعها كذلك في سائر أوقات السعة، لا أنه مخير في كلي الصلاة، و القياس على السفر يدفعه معلومية إباحته، فمنه و من التخيير في الإيقاع ينتقل الى جواز ذلك، بخلاف ما نحن فيه.

و من هنا لم يقع الاشكال فيه من حيث ذلك و ان وقع فيه من حيث انتقال فرضه الى القصر حينئذ، لعموم الأدلة و عدمه لاستصحاب ما كلف به أولا، فتأمل جيدا. على أنه لو سلم عدم اقتضاء القواعد الحرمة فيما نحن فيه فلا ينبغي الإشكال هنا بعد ظهور الإجماع المتقدم و الأدلة فيه. نعم هو لا ينافي الانتقال الى التيمم لشمول أدلته.

و منه يعلم حينئذ أنه لا وجه للإعادة بعد التمكن من الماء وفاقا للمصنف في المعتبر و الهندي في كشف اللثام و غيرهما، بل قد يشعر عبارة الأول بعدم الخلاف فيه، و أولى منها القضاء، إذ هو بعد عصيانه يساوي غير العاصي في شمول أدلة التيمم، فكما لا إعادة هناك لاقتضاء الأمر الإجزاء فكذلك هنا، فما في القواعد و غيرها من الإعادة عند التمكن ضعيف جدا، خصوصا ان أراد الأعم من القضاء، و مجرد وجوب ذلك سابقا عليه لا يقتضيه.

ج 5، ص: 90

نعم قد يحتمل القول بعدم مشروعية التيمم من حيث ظهور أدلته في غيره، فيعاقب حينئذ على الصلاة و إن لم تقع منه لسوء اختياره، فإذا وجد الماء أعاد أو قضى، لا أنه يشرع له التيمم ثم يجب عليه الإعادة بعد التمكن، اللهم إلا أن يريد بوجوبه من المقدمة للفراغ اليقيني لا من حيث شمول أدلة التيمم له، أي أنه لم يتضح له من الأدلة حكم هذا الموضوع أنه من الفاقد، فيتيمم أولا فيفعلهما حينئذ معا تحصيلا للفراغ اليقيني، و لا ريب أنه أحوط و إن كان قد ينظر فيه بعد التسليم بأن وجوب القضاء لا يحققه إلا الأمر الجديد لا احتمال الشغل، فمن جاء بالصلاة متيمما لم يحصل له اليقين بالفوات، إلا أنه يمكن دفعه، و كيف كان فالأقوى ما سمعت.

ثم ان الظاهر اختصاص الإعادة بالصلاة التي أريق الماء في وقتها لا كل ما يمكن تأديته بذلك الماء و ان لم يدخل وقتها، بل لا يبعد اختصاص الظهر لو أراقه في وقتها المختص به دون العصر، و ان احتمل بعضهم بناء على دخوله بمجرد انتهاء وقت الظهر، لكن الأول هو مقتضى الأدلة السابقة، فتأمل جيدا.

هذا كله إذا أراقه بعد الوقت، أما قبله فيصلي بتيممه المتجدد إجماعا كما في المنتهى، و لا يعيد قطعا، كما أنه لا اثم عليه كذلك أيضا حتى لو علم عدم الماء فيه للأصل، و عدم وجوب مقدمة الواجب الموسع قبله، سيما فيما لها بدل شرعي، خلافا للأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح، فأوجبه أيضا مع احتمال عدم الماء فضلا عن غيره، معللا له باستصحاب البقاء الى وقت الصلاة الواجبة، و كونها من الواجبات المطلقة اللازمة الصدور من المكلف على أي تقدير و أنها أشد الفرائض، و هما كما ترى، و كذا قياسه على مقدمات الحج، للفرق الواضح بينه و بين ما نحن فيه مما يسع الوقت له و لمقدماته، و من هنا لم يتحقق الوجوب إلا مع مضي مقدار الطهارة مع الصلاة، نعم ربما يقال:

انه يظهر من الأدلة زيادة الاهتمام بالصلاة و مقدماتها و رفع موانعها كما يشعر به النهي

ج 5، ص: 91

عن السفر إلى أرض لا ماء فيها و أنه هلاك الدين، لكن وصول ذلك الى حد الوجوب ممنوع، و عليه فيجب الطهارة حينئذ لو مر بماء قبل الوقت مع احتمال عدمه فيه، بل و كذا طلبه قبله مع احتماله عدم التيسر له فيه، و كذا حفظ وضوئه عن الحدث لو كان متوضئا و نحو ذلك مما قد يقطع بعدمه، بل يشمله ما حكي من الإجماع على عدم وجوب الوضوء قبل دخول الوقت كظاهر الأخبار(1)المعلقة له عليه، لكن قد يقوى في النفس وجوب حفظ ما تفوت الصلاة بفواته و إن كان قبل الوقت حينئذ كالطهورين مثلا، كما يشعر به حرمة النوم لمن علم فوات الفريضة به، إما لزيادة الاهتمام بأمر الصلاة، أو يدعى ذلك في كل واجب موقت، أو يفرق بين ما يجعل وسيلة و احتيالا لإسقاط الواجب من الصلاة و غيرها و عدمه، و كيف كان فهو غير ما نحن فيه، فتأمل جيدا.

[في وجوب التيمم على من فرط حتى ضاق الوقت]

و ربما يظهر لك من التأمل فيما ذكرنا سابقا وجوب التيمم على واجد الماء الذي لا يتمكن من استعماله مخافة فوات الوقت حتى إدراك مقدار ركعة منه و إن كان ذلك بتقصير و تفريط منه، وفاقا للمنتهى و التذكرة و المختلف و الروضة و غيرها، بل في الرياض أنه الأشهر، لعموم المنزلة، و أنه أحد الطهورين، و اتحاد رب الأرض و الماء مع عدم سقوط الصلاة عنه، و ظهور مساواته لما خاف فوات الوقت بالسعي اليه أو بإتمام السعي إليه، كظهور أصل مشروعية التيمم للمحافظة على الصلاة في وقتها، فهو أهم في نظر الشارع من المحافظة على الطهارة المائية كغيرها من الشرائط من تحصيل الساتر و نحوه، فإنها كلها تسقط عند الضيق، و لعله لذا لم يعد الضيق في مسوغات التيمم، و لما يشعر به الأمر في الموثق (2)و خبر السكوني (3)بالتيمم عند خوف الزحام يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوضوء- الحديث 1 و لم نجد غيره يدل على المطلب.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 92

الجمعة أو عرفة كما سيأتي التعرض له في الأحكام، و لظهور الاتفاق على مشروعيته لصلاة الجنازة مع خوف فواتها، و لا فرق بينها و بين ما نحن فيه إلا بالوجوب و الندب، و هو لا يصلح فارقا، و تمام الكلام عند تعرض المصنف له في الأحكام أيضا.

و خلافا للمعتبر و جامع المقاصد و كشف اللثام و المدارك لثبوت اشتراطها بالطهارة المائية مع عدم ثبوت مسوغية ضيق الوقت للتيمم، لتعليقه على عدم الوجدان الذي لا يتحقق صدقه بذلك، فحينئذ يتطهر و يقضي، و لذا يصدق عليه اسم الواجد لغة و عرفا، و بذلك يفرق بينه و بين من أخل بالطلب حتى ضاق، و فيه- بعد تسليم عدم إرادة التمكن منه مع شهادة أمور كثيرة عليه- أنه لا دلالة فيه على اختصاص المسوغ به إلا بالمفهوم الذي لا يظهر شموله لمثل ما نحن فيه، بل قد يظهر منه خلافه، و هو لا يعارض ما عرفته سابقا، لكن و مع ذلك كله فالاحتياط بالتيمم و الصلاة ثم الطهارة و القضاء سيما مع التقصير منه و التفريط لا ينبغي تركه، بل ربما أوجبه بعضهم هنا مقدمة لفراغ اليقيني، إلا أنه ممنوع لما عرفت في نظائره من اقتضاء الأمر الاجزاء، و بدلية التراب و غيرهما.

ثم ان المعتبر في الضيق المسوغ للتيمم عدم التمكن مع استعمال الماء من إدراك الصلاة و لو بإدراك ركعة من الوقت، أو يكفي فيه خروج بعض الصلاة عن الوقت حتى التسليم بناء على وجوبه فيها، وجهان، و ربما يجري مثله في سائر الشرائط غير الطهارة و إن أمكن الفرق بالبدلية هنا شرعا دون غيرها، فيتجه الثاني فيما نحن فيه، و الأول في غيره، فتأمل.

[وجوب التيمم على من كان عنده من المال ما لا يكفيه]

و على كل حال ف لا فرق فيما ذكرنا من وجوب التيمم بين عدم الماء أصلا و وجود ماء لا يكفيه لطهارته وضوء أو غسلا، إذ هو بمنزلة العدم، لعدم مشروعية تبعيض الطهارة و لا تلفيقها من الماء و التراب، فيشمله حينئذ قوله تعالى (1)


1- 1 سورة المائدة- الآية 9.

ج 5، ص: 93

«فَلَمْ تَجِدُوا»* لتبادر إرادة ما يكفي، كقوله تعالى (1)في كفارة اليمين «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ» لعدم وجوب إطعام البعض، مضافا إلى الأمر في صريح الأخبار المستفيضة، و فيها الصحيح و غيره بالتيمم للجنب و إن كان عنده من الماء ما لا يكفيه، كخبري الحلبي (2)و الحسين بن أبي العلاء(3)و غيرهما(4)و إلى اقتضاء قاعدة انتفاء الكل بانتفاء الجزء.

و

قوله (عليه السلام)(5): «لا يسقط الميسور»

مع إجماله في نفسه لا يتمسك به من دون جابر له، فكيف مع وجود ما يوهنه، و احتمال تعميم ما دل (6)على تنزيل التراب منزلة الماء في الأبعاض أيضا يدفعه ظهور تلك الأدلة، بل هو صريح بعضها في غيره.

كل ذا مع أنه لا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في كشف اللثام الاتفاق على وجوب التيمم كما في المنتهى، و عن التذكرة نسبته إلى علمائنا مع التصريح في معقد ذلك فيها بعدم الفرق بين الحدث الأصغر و الجنب، سوى ما في الروض «ربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض، و هو قول بعض العامة» انتهى. مع انا لم نجد ذلك فيما حضرني من كتبه كالمبسوط و الخلاف، بل الموجود فيهما خلافه، بل في الأخير الإجماع على التيمم للمجنب الذي كان عنده ماء لا يكفيه لغسله و كذا الوضوء، و سوى ما نقل عن العلامة في نهاية الأحكام أنه احتمل في الجنب صرف الماء إلى بعض أعضائه معللا ذلك باحتمال وجود ما يكمله، و الموالاة فيه ليست بشرط، و الظاهر أنه ليس خلافا فيما


1- 1 سورة المائدة- الآية 91.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم.
5- 5 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 5، ص: 94

نحن فيه من إيجاب التيمم، و عدم الاجتزاء بغسل البعض و التلفيق من الماء و التراب، بل هو واجب آخر خارج عن ذلك من حيث احتماله لوجود ما يكمله، مع أنه أيضا ممنوع، لعدم رجوعه إلى أصل يعول عليه، و لو علله بإمكان رفع بعض الجنابة دون بعض لمكان توزيعها على البدن، كما يشعر به

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «تحت كل شعرة جنابة»

و غيره مع وجوب تخفيف الحدث كالخبث لكان أوجه و إن كان كل من مقدمتيه ممنوعا أيضا كما هو واضح.

فظهر لك من ذلك كله أنه لا ينبغي الإشكال في الرجوع الى التيمم و عدم الالتفات الى ذلك الماء من غير فرق بين الأصغر و غيره، و لا بين سائر أنواع الحدث الأكبر إلا في إيجاب الوضوء به لو كان يكفيه في حدث غير الجنابة كالحيض و المس، لما قدمناه في باب الحيض أنه يوجب الطهارتين، فتعذر إحداهما لا يسقط الأخرى بخلاف الجنابة، و من هنا نص في خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(2)على الأمر بالتيمم و النهي عن الوضوء في المجنب في السفر، و معه ماء قدر ما يتوضأ، كظاهر غيره أيضا.

و لو كان الماء يكفي للغسل أو الوضوء في غير الجنابة احتمل تقديم الغسل و التيمم بدل الوضوء، لكونه أهم في نظر الشارع، و التخيير، و الأول أحوط.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من عدم مشروعية التبعيض المذكور بين أن يكون منشأه قلة الماء أو غيره كمرض بعض أعضاء الطهارة مع صحة الباقي مرضا لا يدخله تحت الجبيرة و لواحقها و كذا لو كان عليها نجاسة لا يستطيع غسلها لألم و نحوه، كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في مبسوطة و خلافه، و المصنف في المعتبر، و العلامة في المنتهى و غيرهم، بل ينتقل حينئذ إلى التيمم، و كأنه لعدم الالتفات


1- 1 كنز العمال- ج- 5 ص 92- الرقم- 1966 و 1971.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم- الحديث 4.

ج 5، ص: 95

منهم هنا إلى عدم سقوط الميسور بالمعسور، و

قوله (صلى الله عليه و آله)(1):

«إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم»

إما لظهور الأدلة في خصوص الطهارات في عدم اعتبار ذلك، كما يشعر به أمر الجنب الواجد لبعض الماء بالتيمم و غيره، و اما لأنهم عثروا على ما يصرف دلالتها عن شمول ذلك و ان كان ظاهرها الآن التناول، كما رواه في

الصافي (2)عن المجمع عن أمير المؤمنين (ع) في تفسير قوله تعالى (3)«لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» ثم قال: «خطب رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: ان الله كتب عليكم الحج، فقال عكاشة بن محصن- و يروى سراقة بن مالك-: أ في كل عام يا رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا فقال رسول الله (ص):

ويحك و ما يؤمنك أن أقول نعم، و الله لو قلت نعم لوجبت، و لو وجبت ما استطعتم، و لو تركتم كفرتم. فاتركوني ما تركتم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن شي ء فاجتنبوه»

و هو ظاهر بل صريح في غير ما نحن فيه من الإتيان ببعض أجزاء المركب لو تعذر الباقي، مع منافاته لقاعدة انتفاء المركب بانتفاء بعض أجزائه، لكن و مع ذلك فقد ذكر الشيخ في المبسوط و الخلاف فيما نحن فيه أن الأحوط غسل الأعضاء الصحيحة ثم التيمم ليكون مؤديا صلاته بيقين، و هو لا يخلو من تأمل إن أراد ذلك من حيث وجود المخالف فيه منا، نعم له وجه إن أراد من حيث احتماله في نفسه، فتأمل جيدا، و الله العالم.


1- 1 سنن البيهقي- ج- 1- ص 215 و لكن نصه «ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم» و رواه أيضا في غوالي اللئالي عن النبي صلى الله عليه و آله بعين ما ذكر في الجواهر و في تفسير الصافي- سورة المائدة- الآية 101.
2- 2 تفسير الصافي- سورة المائدة- الآية 101.
3- 3 سورة المائدة- الآية 101.

ج 5، ص: 96

[السبب الثاني عدم الوصلة إليه]

السبب الثاني عدم الوصلة إليه أي إلى الماء بلا خلاف أجده، بل في ظاهر المعتبر أن عليه إجماع أهل العلم، إما لتوقفه على ثمن تعذر عليه فيتيمم إجماعا كما في التذكرة، أو لفقد الآلة التي يتوصل بها الى الماء، كما إذا كان على شفير بئر أو نهر و لم يتمكن من الوصول الى الماء إلا بمشقة أو تعزير النفس فيباح له التيمم عند علمائنا أجمع كما في المنتهى، و

قال الصادق (عليه السلام) لما سأله ابن أبي العلاء(1)عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو: «ليس عليه أن ينزل الركية، إن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم»

و نحوه قوله (عليه السلام) أيضا في خبر الحلبي (2)و

قال (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن أبي يعفور و عنبسة(3):

«إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد الطيب، فان رب الماء رب الصعيد، و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم»

أو للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف قوة و لم يجد معاونا و لو بأجرة مقدورة، أو يكون موجودا في محل يخاف من السعي اليه على نفس أو طرف أو مال محترم أو بضع أو عرض أو ذهاب عقل و لو بمجرد الجبن، لقبح التكليف بما لا يطاق، و نفي العسر و الحرج و الضرر في الدين، مع عموم بدلية التراب عن الماء، و صدق عدم الوجدان و ربما يشير الى بعض ما ذكرنا مضافا الى الأخبار السابقة أيضا

خبر السكوني (4)و عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه «سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس، قال: يتيمم


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التيمم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التيمم- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 5، ص: 97

و يصلي معهم، و يعيد إذا انصرف»

و

داود الرقي (1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أكون في السفر و تحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: إن الماء قريب منا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا؟ قال: لا تطلب الماء و لكن تيمم، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل و يأكلك السبع»

و

يعقوب بن سالم (2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: لا آمره أن يغرر بنفسه. فيعرض له لص أو سبع»

الى غير ذلك.

و ظهر لك حينئذ مما قدمنا أن من عدم الثمن أو بعض ما سمعت فهو كمن عدم الماء في وجوب التيمم و كذا إن وجده بثمن يضر به في الحال كما هو فتوى فضلائنا على ما في المعتبر، و الظاهر اتفاق الأصحاب عليه كما في شرح المفاتيح من غير فرق في ذلك بين الحال و المؤجل، و منه ما لو كان محتاجا له للنفقة، فإنه لم يجب عليه الشراء قولا واحدا كما في المنتهى، و منه أيضا الإجحاف بما له أي استئصاله أو كاستئصاله، و اقتصر عليه أي الإجحاف في الغنية و الوسيلة و عن الكافي من غير تعرض للضرر، بل لعله بعض معقد إجماع الأول، كما أنه لم يعرف فيه مخالفا في المنتهى.

فإطلاق ابن سعيد في الجامع كما عن المرتضى إيجاب الشراء و إن كثر ثمنه منزل على غير ما ذكرنا قطعا، سيما مع خوف التلف كما يشعر به جواز التيمم مع خوف العطش، فالثمن أولى، فلا خلاف حينئذ، و إن كان قد يظهر من المصنف في النافع و المعتبر ذلك، حيث جعلهما قولين، بل مال إليه في الحدائق، فأوجب الشراء مطلقا إلا إذا خاف على نفسه العطب، تمسكا بإطلاق ما دل على شرائه بالثمن و إن كثر من الأخبار الآتية، و هو- مع مخالفته للإجماع في الجملة، و عدم تبادر مثل ذلك من الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 98

التي ادعاها- مناف لنفي الضرر و العسر و الحرج في الدين، سيما إذا استلزم ذلك سؤاله و ذلة، و لسهولة الملة و سماحتها، مع عموم بدلية التراب عن الماء، و استقراء أمثال هذه الموارد في الواجبات الأصلية فضلا عما كان وجوبه من باب المقدمة و له بدل.

فبذلك كله يخرج عن تلك الإطلاقات لو سلم تناولها، و احتمال العكس بعد تسليم قبول هذه العمومات التخصيص لا وجه له، سيما بعد رجحان هذه بعمل الأصحاب و غيره.

نعم قد يناقش في شمول تلك العمومات لمثل المقام بمنع كونه عسرا و حرجا، و إلا لم يقع نظيره في الشرع من الجهاد و بذل المال في الحج و غير ذلك، و بأن المراد من حديث الضرار النهي عن أن يضر أحد أحدا لا ما نحن فيه، و يدفعه منع عدم الشمول، لأن المراد بالحرج المشقة التي لا تتحمل عادة و إن كانت دون الطاقة، على أن استقراء موارد سقوط الطهارة المائية يشعر بإقامة الشارع التراب مقامها بأقل من ذلك كما لا يخفى.

فلعل العسر و الحرج يختلف بالنسبة للتكاليف باعتبار المصالح المترتبة عليها، فمنها ما لا عسر و لا حرج في بذل النفوس له فضلا عن الأموال كالجهاد لما يترتب عليه من المصالح العظيمة التي يهون بذل النفوس لها، و منها ما لا يكون كذلك مثل ما نحن فيه، كما يعطيه فحاوي الأدلة، للأمر بتركه في كثير من مظان أقل الضرر.

نعم قد يتأمل لما ذكره و لباب المقدمة في بعض أفراد الضرر الذي يتحمل مثله عادة، و إلا فمطلق الشراء بالثمن الكثير الزائد على ثمن المثل ضرر، كما ينبئ عنه استدلال الأصحاب في أبواب المعاملات على أمثاله بنفي الضرر و نحوه، و من هنا لم يعتبر المضرة اليسيرة في المهذب و ظاهر مجمع البرهان على ما حكي عنهما.

كما انه قد يتأمل فيما ذكره المصنف في المعتبر دليلا للحكم السابق غير ما قدمناه، و تبعه غيره من أنه إذا لم يجب السعي و تعريض المال للتلف مع خوف أخذ اللص ما يجحف به و ساغ التيمم دفعا للضرر فهكذا هنا، بالفرق بينه و بين ما نحن فيه، للنص فيه

ج 5، ص: 99

هناك و عدمه هنا، و لذا لم يعتبر في خوف اللص الضرر و الإجحاف، و بما في أخذ اللص و نحوه من الطرق التي لم تعد أعواضا مما لا يحتمل عادة، بل قد يعد مثله إضاعة المال المنهي عنها، و بما قيل أيضا إن العوض فيه هنا الثواب بخلافه في اللص، لكن في الذكرى أنه خيال ضعيف، لأنه إذا ترك المال لابتغاء الماء دخل في حيز الثواب، و فيه أنه فرق بين الثوابين، و لعل مراد المحقق الذي أشرنا إليه سابقا من أن هذا و شبهه مما أمر بالتيمم من جهته يشعر بقيام التراب مقام الماء بأقل من ذلك، فتأمل جيدا.

و المراد بالحال في المتن و غيره حال المكلف كما هو صريح التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها، و ظاهر إطلاق الضرر في الخلاف، فيشمل الحال و المتوقع في زمان لا يتجدد فيه ما يندفع به عادة لاشتراكهما في الأدلة السابقة، و استقراء موارد ما رفع من التكليف للضرر، و فحوى الأمر بالتيمم عند خوف العطش، فالثمن الذي هو بدل الماء أولى، فما يحكى عن صريح المعتبر- بل قيل إنه ظاهر المتن من إرادة الزمان الحال لعدم العلم بالبقاء إلى وقته، و لإمكان حصول مال فيه على تقدير البقاء، و لانتفاء الضرر- ضعيف جدا كدليله، نعم لو بعد زمان التوقع إلى مرتبة لا يحترز عن مثله في العادات لم يعتبر، لعدم عد مثله من الضرر، فتأمل.

هذا كله فيما إذا أضر و أما إن لم يكن مضرا بالحال و لو من حيث الإجحاف لزمه شراؤه إذا كان بثمن المثل اتفاقا محصلا و منقولا، لصدق الوجدان و للمقدمة، بل و كذا لو كان بأضعاف ثمنه المعتاد إجماعا كما في الخلاف، و فتوى فقهائنا عن المهذب البارع، بل لعله مندرج أيضا في معقد إجماع الغنية، و على كل حال فهو الحجة، مضافا إلى صدق الوجدان معه و المقدمة و

الصحيح (1)قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التيمم- الحديث 1 مع اختلاف في اللفظ.

ج 5، ص: 100

به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لهما يشتري و يتوضأ أو يتيم؟ قال: لا بل يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت و توضأت، و ما يشترى بذلك مال كثير»

و

خبر الحسين بن طلحة(1)المروي عن تفسير العياشي قال: «سألت عبدا صالحا عن قول الله عز و جل (2)«أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»* ما حد ذلك؟ قال: فان لم تجدوا بشراء أو بغير شراء، قلت: إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف و كم بلغ قال ذلك على قدر جدته»

و ما

عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد «ان الصادق (عليه السلام) اشترى وضوءه بماءة دينار»

و ما عن

دعائم الإسلام (3)الى أن قال: «و قالوا (عليهم السلام): في المسافر يجد الماء بثمن غال أن يشتريه إذا كان واجد الثمن فقد وجده إلا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف منه على نفسه التلف إن عدم و العطب، فلا يشتري و تيمم بالصعيد و يصلي».

فما عن ابن الجنيد من عدم إيجاب الشراء إذا كان غاليا، و لكن أوجب الإعادة إذا وجد الماء ضعيف، و لعله لأنه ضرر في نفسه، فيندرج تحت

قوله (صلى الله عليه و آله)(4): «لا ضرر»

إذ المراد به ما كان فيه ذلك في حد ذاته و بالنسبة إلى غالب الناس، و لسقوط السعي عند الخوف على شي ء من ماله، و هو مدفوع بما عرفت.

كما أنه قد عرفت الفرق بينه و بين الخوف بالنص و غيره، فلا ينبغي الإشكال في وجوب ذلك حينئذ، كما أنه لا إشكال عندهم بل و لا خلاف، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب التيمم- الحديث 2.
2- 2 سورة النساء- الآية 46 و سورة المائدة- الآية 9.
3- 3 المستدرك- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الشفعة- الحديث 1 و الباب 12 من كتاب إحياء الموات- الحديث 3 و 4.

ج 5، ص: 101

الأصحاب في وجوب القبول عليه لو وهب له الماء، لابتناء ذلك على المسامحة عرفا، فلا منة و لا ضرر، لكنه لا يخلو من تأمل، لاختلافه باختلاف الأشخاص رفعة و ضعة و الأزمنة و الأمكنة، و عليه فلو تيمم و الحال هذه بطل ما دام الماء المبذول قائما كما صرح به غير واحد، و كذا في نظائره.

و أما لو بذل له الثمن ففي المبسوط و المنتهى و المدارك و الحدائق وجوب القبول أيضا للمقدمة المقدورة عقلا و شرعا، إذ لا حرمة عليه في تحمل المنة، و استشكله في المعتبر بأنه فيه منة في العادة، و لا تجب المنة، و اختاره في جامع المقاصد، قال: «لأن هبة المال مما يمتن به في العادة و يحصل به للنفس غضاضة و استهانة، و ذلك من أشد أنواع الضرر على نفوس الأحرار، و لا أثر لقلته في ذلك، لعدم انضباط أحوال الناس، فربما يعد القليل كثيرا، بل مناط الحكم كون الجنس مما يمن به عادة، كما لا نفرق بين قلة الماء و كثرته في وجوب القبول اعتبارا بالجنس» انتهى. و فيه التأمل السابق، فلعل الأولى إناطة الحكم بذلك لا الإطلاق، و لا اعتبار بالجنس الذي ذكره، إذ منشأ عدم تحمل المنة انما هو الحرج الذي لا يتحمل، فيكون كالضرر المتقدم في الثمن، فيدور الحكم مداره وجودا و عدما من غير مدخلية للجنس، بل و كذا الكلام في الاستيهاب و الاكتساب، فان الناس مختلفة بذلك أشد اختلاف، و ظاهرهم هنا عدم الفرق بين الهبة و البذل بمعنى الإباحة، و هو كذلك عند التأمل.

و لو بذل له الماء أو الثمن إلى أجل يستطيع وفاءه فيه وجب عليه القبول كما صرح به جماعة، بل قد يشعر بنسبة الخلاف فيه إلى خصوص الشافعي في المعتبر و المنتهى بعدمه بيننا، لكن عن ابن فهد أنه حكى عن بعض مشايخه القول بالعدم، و لعله لأن نفس شغل الذمة مع احتمال عوارض عدم الوفاء ضرر، و هو ضعيف، و بأدنى تأمل تعرف جريان جميع ما تقدم من الكلام في الماء و ثمنه في الآلة، و لذا قال المصنف و كذا القول في

ج 5، ص: 102

الآلة حتى الكلام بالنسبة إلى وجوب قبولها لو وهبت، و عدمه كالثمن، فلا حاجة إلى الإعادة و التطويل.

[السبب الثالث الخوف]

السبب الثالث الخوف على النفس أو المال إن وصل إلى الماء من اللص أو القتل أو الجرح أو الأذية التي لا تحتمل عادة من غير خلاف أجده، بل حكي الإجماع عليه على لسان جماعة مع اختلاف معقده، ففي الغنية عليه من العدو، و في صريح المعتبر أو ظاهره عليه أو على أهله أو ماله من اللص أو السبع، و في المنتهى على نفسه أو ماله من السبع أو العدو أو الحريف أو التخلف عن الزفقة و ما أشبهه، ثم قال لا نعرف فيه خلافا، و في كشف اللثام شارحا لعبارة القواعد الخوف من تحصيله أو استعماله على النفس أو المال و لو لغيره مع الاحترام من لص أو سبع بالإجماع و النصوص، نحو «لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»(1)إلى آخره و في المدارك في شرح عبارة المصنف إلى قوله أو ضياع مال هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة الى غير ذلك كما لا يخفى على المتتبع.

و من ذلك و وجوب الحفظ و نفي العسر و الحرج و إرادة اليسر و النهي عن قتل النفس و الإلقاء إلى التهلكة و روايتي يعقوب بن سالم (2)و داود الرقي (3)المتقدمين كان لا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصا أو سبعا أو يخاف ضياع مال لكن أشكل الحال على صاحب الحدائق بالنسبة للخوف على المال بعد اعترافه باتفاق الأصحاب عليه، قال: «لعدم الدليل، لظهور الروايتين في الخوف على النفس، و معارضة نفي الحرج و وجوب حفظ المال بما دل على وجوب الوضوء و الغسل، بل هي أوضح فلتحكم عليها، و لو سلم فبينها تعارض العموم من وجه، و تحكيم تلك ليس أولى من العكس» و فيه-


1- 1 سورة النساء- الآية 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 103

بعد الإجماع بقسميه على خلافه سيما فيما يتضرر بتلفه، و منع ظهور خبر يعقوب في الخوف بالنفس، لوجود لفظ اللص الظاهر في الخوف منه على المال، كما يشهد له فهم الأصحاب من ذلك، و لا ينافيه لفظ النفس قبله، و ظهور استقراء أخبار التيمم في سقوط المائية بأقل من ذلك بل و غيرها من الواجبات الأصلية فضلا عنها، مع أن أصل مشروعية التيمم لليسر- أن أدلة العسر و الحرج غير قابلة للتخصيص، لظهورها أن ليس في الدين ما فيه حرج، فليست هي من قبيل الأصل كما بين في محله، و بعد التسليم فهي أرجح من وجوه عديدة لا تخفى.

نعم قد يناقش في كون بعض أفراد ذهاب المال هنا عسرا و حرجا، لكن إطلاق الإجماع المحكي و غيره كاف في إثبات الحكم فيه، و منه مع شمول النص السابق صرح غير واحد من الأصحاب بل نسب إليهم في لسان جماعة مشعرين بدعوى الإجماع عليه إن لم يكن محصلا بعدم الفرق بين المال القليل و الكثير، و هو الفارق بينه و بين بذل المال و إن كثر في الشراء، مضافا إلى ما في اغتصاب المال من الغضاضة التي لا تتحمل، بل قد يجود بعض الناس بنفسه دونها، بخلافه في البذل بالاختيار كما أشرنا إليه سابقا، بل صرح في جامع المقاصد و غيره أنه لا فرق بين ماله و مال غيره، لكنه لا يخلو من تأمل فيما لا يجب حفظه عليه من أموال الغير و لم يكن في تسلط اللصوص عليهم غضاضة عليه من عياله و رفقائه المستجيرين به اللائذين بحماه، لعدم الدليل الذي يقطع باب المقدمة.

نعم قد يتجه ذلك في النفس، فلا يفرق بين الخوف على نفسه و نفس غيره إن كانت محترمة مع الخوف عليها من السبع و شبهه، كما أنه لا فرق بين المال و العرض، بل هو أولى منه و إن لم ينص عليه في الخبر، لظهور إرادة التمثيل منه و نفي الحرج و غيرهما، و في إلحاق غرض غيره به مع عدم التعلق به و لو من جهة الاستجارة و نحوها إشكال، و من الخوف الخوف من الحبس ظلما، و كذا المطالبة بحق عاجز عن أدائه،

ج 5، ص: 104

إما لعدم تمكنه من إثبات العجز، أو لتغلب المطالب، بل في جامع المقاصد أن منه لو خاف القتل قصاصا مع رجاء العفو بالتأخير إما بالدية أو مجانا، لأن حفظ النفس مطلوب، و فيه تأمل، و الخوف عن جبن كالخوف عن غيره كما صرح به المصنف و العلامة في بعض كتبه و الشهيدان و غيرهم، بل لعله أقوى، إذ قد يؤدي إلى ذهاب العقل، فالتكليف معه مشقة لا تتحمل، خلافا للتحرير فلم يعتبره، و توقف فيه في المنتهى، و هو ضعيف إلا فيما لا يبلغ حد المشقة في التكليف معه.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الخوف بين حصوله له في طريقه أو ما تخلف له من الأموال و نحوها بعد ذهابه اليه كما هو واضح.

و كذا أي الخوف من السبع و اللص لو خشي حصول المرض الشديد باستعماله أو بالمضي اليه أو بترك شربه بلا خلاف أجده فيه، بل هو إجماع سيما مع خوف التلف معه، لنفي العسر و الحرج و الضرر و إرادة اليسر و سعة الحنيفية و سماحتها، و أنها أوسع ما بين السماء و الأرض، و النهي عن قتل النفس و الإلقاء إلى التهلكة، و الأمر بالتيمم عند خوف البرد على نفسه في صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام)(1)و خبر داود بن سرحان (2)و فحوى الأمر به من خوف الشين، و كذا الأمر به في حال المرض عند خوف زيادته أو بطئه أو عسر علاجه أو التلف كتابا(3)و سنة(4)عموما و خصوصا مثل ما ورد في ذي القروح و الجروح و المجدور و المكسور و المبطون من الأخبار الكثيرة(5)و فيها الصحيح و غيره، و إجماعا محصلا و منقولا في الخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 8.
3- 3 سورة النساء- الآية 46 و سورة المائدة- الآية 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 105

على المجدور و المجروح و من أشبههما ممن به مرض مخوف، و على ما لو خاف الزيادة في العلة و إن لم يخف التلف.

و في المعتبر و التذكرة على المريض الذي يخاف التلف، بل في أولهما أن مذهبنا التيمم عند خوف الزيادة في العلة و بطئها، و في الغنية عند حصول الخوف في استعماله لمرض أو شدة برد.

و في المنتهى السبب الرابع المرض و الجرح و ما أشبههما، و قد ذهب علماؤنا أجمع إلى أنه إذا خاف على نفسه من استعمال الماء فله التيمم، و في مجمع البرهان لا شك في وجوب التيمم عند تعذر استعماله الماء للمرض الذي يضر استعماله ضررا بينا حيث يقال عرفا إنه ضرر، للآية و الأخبار و الإجماع و الحرج إلى غير ذلك.

نعم قد يشكل الحال فيما لو خاف حدوث المرض اليسير، فظاهر المتن و التحرير و صريح المعتبر و المبسوط عدم اعتباره، بل في الأخير نفي الخلاف عنه، و لعله لصدق الوجدان معه، لعدم عد مثله في الضرر عرفا، فيبقى التكليف بالمائية بحاله، و حكي عن الخلاف و المنتهى، بل ربما استظهر منهما الإجماع عليه، و الموجود فيهما المرض لا يخاف منه التلف و لا الزيادة فيه، بل في الثاني لا يخاف الضرر باستعمال الماء لا يجوز معه التيمم، لصدق الوجدان الذي لا يتضرر معه وفاقا لمن عدا مالك أو بعض أصحابه و داود، لإطلاق «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى»* و هو كما ترى غير ما نحن فيه، و على كل حال فقد استشكله في الذكرى و جامع المقاصد بالحرج، و ب

قول النبي (صلى الله عليه و آله):

«لا ضرر و لا ضرار»

و بأنه أشد ضررا من الشين الذي سوغوا التيمم له، و بعدم الوثوق بيسير المرض عن أن يصير شديدا.

و ربما استظهر من التعليل بالحرج و نحوه لفظية النزاع، إذ مبنى الأول عدم الحرج و المشقة فيه بخلاف الثاني، فيكون الجميع متفقين على مانعية ما فيه الحرج دون غيره،

ج 5، ص: 106

و فيه أن البحث في أن مطلق المرض و لو يسيرا حرج أو لا، و سهولته بالإضافة إلى الفرد الأخير من المرض لا ينافي دعوى عسره في نفسه، إذ لا ريب في اختلاف أنواع المرض شدة و ضعفا.

و كيف كان فالأقوى الأول لمنع الحرج فيه، إذ المراد به المشقة التي لا تحتمل عادة، و هو الذي يسقط عنده التكليف بالصوم و الصلاة من قيام أو من جلوس و غير ذلك، لا مجرد المرض الذي لا يعتد به في العادة، فتأمل. و في

موثقة زرارة(1)قال:

«سألت الصادق (عليه السلام) ما حد المرض الذي يفطر به الرجل و يدع الصلاة من قيام، فقال: بل الإنسان على نفسه بصيرة، هو أعلم بما يطيقه»

و المرض اليسير عند الخوف من سرايته إلى الشديد شديد.

و لا فرق فيما ذكرنا بين الصحيح الذي يخشى حدوث المرض اليسير باستعمال الماء أو طلبه و نحوهما و بين المريض كذلك، إلا أن يحصل بانضمامه إلى ما فيه من المرض مشقة عظيمة، و لا في المرض اليسير بين أن يكون من جنس ما فيه من المرض و عدمه إلا أن يحصل أيضا بالانضمام إلى الأول مشقة عظيمة، و لعله لذا أطلقوا الأمر بالتيمم حتى حكي الإجماع عليه عند الخوف من زيادة المرض من غير تفصيل.

و لعل مجرد التألم الذي لا يتحمل عادة لمرض أو شدة برد و نحوهما مسوغ للتيمم و إن لم يخش التلف و لا الزيادة و لا غيرهما، وفاقا للمحكي عن الأكثر، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، للحرج و إطلاق «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى»*(2)و ترك الاستفصال في أخبار الجروح و القروح (3)و غير ذلك، و فحوى التيمم للشين، و احتمال اندراجه


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب القيام- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 سورة النساء- الآية 46 و سورة المائدة- الآية 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 107

فيمن يخاف على نفسه البرد، فيدل عليه حينئذ صحيح البزنطي (1)عن الرضا (عليه السلام) و خبر ابن سرحان (2).

و خلافا للقواعد و الذكرى و عن غيرهما، مع احتمال إرادة التألم الذي يتحمل عادة، فلا خلاف حينئذ، مع أنه لا مستند له سوى الأصل المخصص بما مر، و خروجه عن المنصوص، و هو ممنوع في مثل المريض بل و غيره، و أفضلية أحمز الأعمال و المراد أشقها في نفسه لا المرض و نحوه، و

الصحيح عن الصادق (عليه السلام)(3)أنه «سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل، كيف يصنع؟ قال: يغتسل و إن أصابه ما أصابه، قال: و ذكر (عليه السلام) أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد و كانت ليلة شديدة الريح باردة، فدعوت الغلمة، فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنا نخاف عليك، فقلت:

ليس بد، فحملوني و وضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني».

و

صحيح ابن مسلم أيضا(4)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء، و عسى أن يكون الماء جامدا، فقال:

يغتسل على ما كان، حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد، فقال: اغتسل على ما كان، فإنه لا بد من الغسل، و ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) أنه اضطر اليه و هو مريض، فأتوه به مسخنا فاغتسل، و قال: لا بد من الغسل».

و هما فيما يقوله الخصم مؤلان، و لا حجة فيه لعدم الانحصار في ذلك، و إلا فظاهرهما حتى لو خاف على نفسه التلف، و من هنا حملهما الشيخ على من أجنب نفسه مختارا، و هو مبني على تكليف من كان كذلك بالغسل على كل حال، كما هو خيرته


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 4.

ج 5، ص: 108

في الخلاف مدعيا عليه إجماع الفرقة، و المفيد في مقنعته، و الصدوق في هدايته، للأصل و إدخاله الضرر على نفسه، و الصحيحين السابقين، و إجماع الفرقة المحكي في الخلاف، و

مرفوعة علي بن أحمد(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن مجدور أصابته جنابة، قال: إن كان أجنب هو فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمم»

و

مرفوعة إبراهيم ابن هاشم (2)قال: «قال إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان، و ان كان احتلم تيمم».

لكن المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا عدم الفرق بين متعمد الجنابة و غيره، بل هو مندرج في إطلاق الإجماعات السابقة على التيمم عند خوف التلف، و نحوه من ابن زهرة و المصنف و العلامة و غيرهم، بل ظاهر المنتهى الإجماع عليه بالخصوص، حيث قال: لو أجنب مختارا و خشي البرد تيمم عندنا و هو الحجة، مضافا الى إطلاق «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى»* و نفي العسر و الحرج و الضرر، و إرادة اليسر و رفع الضرر المظنون، و النهي عن الإلقاء في التهلكة و قتل النفس، و ترك الاستفصال في أخبار الجروح و القروح و خوف البرد، مع ظهور بعضها في تعمد الجنابة، و استقراء موارد سقوط المائية بأقل من ذلك، بل غيرها من التكاليف كالصلاة و الحج و الصوم و غيرها و بأهمية حفظ النفوس و الأبدان عند الشارع من حفظ الأديان، و عمومية بدلية التراب و طهوريته و اتحاد ربهما و كفايته عشر سنين، مع أن المتجه على مذهب الخصم حرمة الجنابة و الحال هذه، و في المعتبر الإجماع على الإباحة، للأصل و العمومات كالإذن في إتيان الحرث متى شاء، و الحرج الشديد في بعض الأحوال لو منع من الجماع، و يومي اليه- زيادة على ما في الصحيح السابق في أدلة الخصم من إصابة الصادق (عليه السلام) ذلك، لما قيل من


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 109

أنه منزه عن الاحتلام، كما دلت عليه الأخبار(1) - ما في

خبر السكوني (2)«ان أبا ذر أتى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) هلكت جامعت على غير ماء، قال: فأمر النبي (صلى الله عليه و آله) بمحمل فاستترت به و بماء فاغتسلت أنا و هي، ثم قال: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين»

و

خبر إسحاق بن عمار(3)«عن الرجل مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله، فقال: ما أحب أن يفعل ذلك الا أن يكون شبقا، أو يخاف على نفسه قال: يطلب بذلك اللذة، قال: هو حلال، قال: فإنه روي عن الصادق (عليه السلام) أن أبا ذر سأل عن هذا فقال ائت أهلك تؤجر، فقال:

يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أؤجر، قال: كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت فكذلك إذا أتيت الحلال أجرت ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر»

و إذا جاز الجماع لم يوجب العقوبة بمثل ذلك.

نعم قد يستشكل في جوازه بعد الوقت قبل فعل الصلاة و كان يتمكن من الوضوء خاصة، بل في المنتهى تحريمه كما عن النهاية احتماله، مع إمكان القول بمنعه فيه بعد تسليم اقتضاء القاعدة التحريم أيضا، تمسكا بإطلاق الأدلة السابقة من الإجماع و غيره بل في جملة من

الأخبار(4)، و قد تقدم بعضها «عن الرجل يجنب و ليس معه إلا قدر ما يكفيه للوضوء، فقال: يتيمم».

كل ذا مع ضعف أدلة الخصم بانقطاع الأصل و عدم اقتضاء تعمده سقوط احترامه سيما مع إباحته له، و منع الإجماع لمصير الأكثر بعده الى خلافه، بل هو


1- 1 أصول الكافي باب مواليد الأئمة عليهم السلام من كتاب الحجة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب التيمم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 110

في المبسوط كما عن غيره من كتبه أنه يتيمم و يصلي إذا خشي البرد ثم يعيد بعد ذلك، بل لا يبعد دعوى انعقاد الإجماع بعده على خلافه كما لا يخفى على الخبير الممارس، و مخالفة إخباره للكتاب و السنة النبوية و العقل، و موافقتها للمحكي عن أصحاب الرأي و أحمد في إحدى الروايتين، فالمتجه طرحها و الاعراض عنها، للأمر بذلك من أئمتنا (عليهم السلام) في هذا الحال، مع عدم ظهور الصحيحين سيما الثاني في تعمد الجنابة، إلا ما فيه من اصابة الصادق (عليه السلام) ذلك، لعدم وقوع الاحتلام منه، لكنه معارض يبعد وقوع الجنابة منه في تلك، فلعلها جنابة سابقه على المرض، فيكون لا قائل بظاهرهما حينئذ، و احتمالهما المشقة التي تتحمل عادة لا التلف و نحوه، بل في المعتبر أنه يمكن العمل بهما على جهة الاستحباب، لكنه كما ترى لا ينطبق على ظاهر ما سمعته من الأدلة، لاقتضائها التحريم، و كذا ما في كشف اللثام بعد ذكره أخبار الخصم بأسرها، و الكل يحتمل وجوب تحمل المشقة اللاحقة بالاستعمال من البرد خاصة، و استحبابه لا مع خوف المرض أو التلف، مع عدم تصور الاستحباب في الطهارة لوجوبها بمجرد إمكانها مضافا الى ما عرفت من مساواة المشقة الشديدة الخوف، فالمتجه حينئذ الطعن بالصحيحين بما عرفت، و بالمرفوعتين بعدم قابليتهما لإثبات مثل هذا الحكم سيما مع المعارضة بما تقدم.

ثم المدار في ثبوت الضرر هنا و غيره مما كان كذلك على علمه أو ظنه المستفاد من معرفة أو تجربة أو إخبار عارف و ان كان صبيا أو فاسقا بل و ذميا مع عدم تهمة في الدين، و لعل ما في المنتهى من عدم قبوله إذا كان كذلك للتهمة و عدم الظن فلا خلاف لظهور كلامه أو صريحه في الاكتفاء بالظن كغيره من الأصحاب من غير خلاف أجده فيه، لوجوب دفع الضرر المظنون، و للتعليق على الخوف المتحقق به في السنة و معاقد الإجماعات، بل قد يقال بتحققه مع الشك فضلا عن الظن، بل مع الوهم القريب الذي لا يستبعده العقلاء، و لعله لا يخلو من قوة، و ان كان ظاهر العلامة و من

ج 5، ص: 111

تأخر عنه التعليق على الظن، و كذا الكلام في السابق من خوف اللص و السبع و نحوهما، فتأمل جيدا.

و كيف كان فمتى تضرر لم يجز استعمال الماء، فان استعمل لم يجز، لانتقال فرضه فلا أمر بالوضوء مثلا بل هو منهي عنه فيفسد، و ما في بعض

أخبار الجروح و القروح (1)«انه لا بأس عليه بأن تيمم»

مما يشعر بالرخصة لا الوجوب لا يراد منه ظاهره قطعا، كما يوضحه مضافا الى العقل الأخبار الأخر(2)و كذا كل ما كان كذلك من أسباب التيمم مما يفيد تحريم العمل نفسه لا ما كان منها ليس فيه تحريم للعمل نفسه، كالخوف من اللص و نحوه، فإنه لو خالف و غرر بنفسه فوجد الماء عاد فرض الماء و ان فعل حراما في ذلك، لتحقق صدق الوجدان حينئذ عليه، و كذا لو اشترى الماء بما فيه ضرر عليه، لعدم فساد المعاملة بذلك، أو تحمل منته في طلبه أو طلب ثمنه، أو ارتكب التكسب بما فيه مهانة عليه، سيما مع عدم حرمة بعض ذلك عليه و ان رخص معها في التيمم، و لا ينافيه أنها طهارة اضطرارية، و مع عدم ممنوعية حصول الماء عقلا أو شرعا كتحمل المنة و نحوها لا اضطرار، إذ مع إمكان إرادة غلبة اضطراريتها قد يقال ان ذلك بعد إسقاط وجوب تحمل المنة أو الضرر المالي مثلا مما يتوقف عليهما صدق اسم الوجدان للعسر و الحرج و نحوهما لا ينافي صدق اسم الاضطرار و ان جاز له شرعا تحمله من حيث عدم منافاة الإباحة الحرج و الألم الحالي مع أمن العاقبة.

ثم بناء على سواغ التيمم له لو خالف و تطهر ففي الإجزاء نظر، ينشأ من حرمة إيلامه نفسه و عدمها، و لعل الأقوى عدم الحرمة، فيجزي حينئذ و إن كان لا وجوب للطهارة، لكن يكفي رجحانها في حد ذاتها ان قلنا بعدم منافاة الندب للحرج، و بعدم ظهور الأدلة في عدم مشروعية الطهارة لمثله.

و هل ضيق الوقت عن استعمال الماء الذي تقدم أنه مسوغ للتيمم مفسد للوضوء


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 112

أو الغسل مع المخالفة مع قطع النظر عن الضدية، لعدم الأمر بهما حينئذ و انتقال الفرض الى التيمم، أو أن الفساد فيهما مبني على حرمة الضد؟ وجهان، أقواهما الثاني، لأن سقوط خصوص الأمر بهما لهذه الصلاة لا يقتضي سقوط غيره من الأوامر الدالة على رجحانهما في حد ذاتهما أو لغير هذه الصلاة مما كان في وقته مثلا الا من جهة الضدية، فالحكم حينئذ مبني عليها، و لعل مثله واجد الماء الذي وجب عليه صرفه في غير الطهارة مما لا بدل له كإزالة النجاسة. اللهم الا أن يقال: إنه بعد أمر الشارع بصرفه في غيرها كان بمنزلة من لا ماء عنده، فلا خطاب بالطهارة حينئذ.

و من هنا قال الوحيد الطباطبائي في منظومته بعد ذكره أسباب التيمم مؤخرا ما نحن فيه عنها:

فالفرض في هذا و نحوه البدل و الأصل لا يجزى إذا الفرض انتقل

لكن يعود إن تكلف السبب و ارتفع العذر بما قد ارتكب

و ضابط البطلان تحريم العمل لا النهي عما يقتضيه إذ حصل

انتهى. لكن يحتاج إلى التأمل التام في هذا الضابط بالنسبة إلى انطباقه على ما ذكرنا، فتأمل.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من التيمم عند خوف الضرر بين الضرر على مجموع بدنه أو بعضه كما هو قضية ما سمعته من الأدلة السابقة خصوصا أخبار الجروح و القروح، نعم ربما تخيل المنافاة بينها و بين ما دل سابقا(1)على حكم الجبيرة و غسل ما حول الجرح أو القرح أو وضع خرقة و المسح عليها، و قد تقدم البحث و وجه الجمع فيه سابقا، لكن الكلام هنا في مثل الرمد، و ينبغي القطع بانتقاله مع تضرره بوضع الماء على وجهه،


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء.

ج 5، ص: 113

بل و كذا لو لم يكن كذلك بل كان الضرر بقربه إلى ظاهر أجفان عينيه، لأصالة الانتقال إلى التيمم بتعذر بعض أعضاء طهارته، و عدم شمول أدلة الجبيرة و لواحقها له.

و ما في الحدائق من أن الأقرب إن كان لا يتضرر بغسل ما عدا العين فالواجب الوضوء أو الغسل أو غسل ما حول العين و لو بنحو الدهن، لأصالة المائية مع عدم ثبوت المخرج، و إلحاقا لها بحكم القروح و الجروح، بل لعل الجواب في بعض أخبارها متناول لذلك، و ان كان السؤال مشتملا على خصوص الجرح و القرح فان العبرة بعمومه، و لا ريب في ضعفه ان أراد ترك غسل الجفن و نحوه من الظاهر، لمنع الأصل عليه و حرمة القياس، نعم له وجه لو كان الضرر بمباشرة باطن العين خاصة و كان يتمكن من غسل الظاهر بحيث يأمن من دخوله الماء الى الباطن، بل ينبغي القطع حينئذ بعدم سقوط المائية كما هو واضح، إلا أن ذلك نادر جدا في الرمد، و لذا كان المعمول عليه في زماننا عند من عاصرناه من المشايخ و مقلدتهم التيمم عند حصول الرمد، فتأمل جيدا.

و كيف كان فمتى خشي المرض أو الشين باستعماله الماء جاز له التيمم كما تقدم الكلام في الأول مفصلا، و أما الثاني فلا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، بل ظاهر المعتبر كنسبته في المنتهى إلى علمائنا و جامع المقاصد إلى إطباقهم و المدارك و غيره الى قطع الأصحاب الإجماع عليه، و ظاهر إطلاق كثير منهم كما عن بعضهم التصريح به عدم الفرق بين شديدة و ضعيفة، و هو مشكل جدا سيما بعد تقييد المرض بالشديد على المختار، إذ لم نعثر له على دليل سوى عمومات العسر و الحرج، و احتمال دخوله في المرض أو في إطلاق ما دل على التيمم عند خوف البرد، و من المعلوم عدم العسر في ضعيفة، بل لا يكاد ينفك عنه غالب الناس في أوقات البرد، و عدم صدق اسم المرض عليه، بل قد يشك ذلك بالنسبة إلى شديدة فضلا عنه، و ظهور أدلة خوف البرد في غيره، و لعله

ج 5، ص: 114

لذا قيده في موضع من المنتهى بالفاحش، و اختاره جماعة ممن تأخر عنه منهم المحقق الثاني في جامعه و الشهيد الثاني في روضه و الفاضل الهندي في كشفه، و اليه يرجع ما عن جماعة أخرى من التقييد بما لا يتحمل عادة، بل في الكفاية أنه نقل بعضهم الاتفاق على أن الشين إذا لم يغير الخلقة و يشوهها لم يجز التيمم.

فالأقوى الاقتصار على الشديد منه الذي يعسر تحمله عادة من غير فرق فيه حينئذ بين خوف حصوله أو زيادته أو بطء برئه كالمرض، بل لعله داخل فيه حينئذ، و كذا التألم منه خاصة و إن أمن العاقية بناء على ما تقدم سابقا في المرض، و المراد بالشين على ما صرح به جماعة من الأصحاب ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة من استعمال الماء في البرد، و قد يصل إلى تشقق الجلد و خروج الدم، و يختلف شدة و ضعفا باختلاف البلدان و الأبدان، و المدار في تحقق الخوف على نحو ما تقدم في المرض.

و كذا يتيمم لو كان معه ماء للشرب و خاف العطش على نفسه ان استعمله في الحال أو المآل إجماعا محصلا و منقولا عن علمائنا، بل و عن كل من يحفظ عنه العلم مستفيضا و سنة(1)بالخصوص كذلك فضلا عن عمومها و عمومات الكتاب، و على رفيقه المسلم المحترم الدم، سيما إذا كان ممن تجب نفقته عليه بلا خلاف أجده فيه أيضا، لأهمية حفظ النفس في نظر الشارع بدليل تقديمه على غيره من الواجبات كقطع الصلاة لانقاذها و غيره مما لا بدل له، فضلا عما له بدل مساو له في الطهورية، بل و على رفيقه المضر به تلفه أو ضعفه و ان لم يكن محترما كالحربي و غيره، و كذا الحيوان إذا كان كذلك و إن كان كلبا، لفحوى ما تقدم سابقا من الانتقال الى التيمم عند خوف الضرر عليه باستعماله أو طلبه ان لم نقل باندراج ذلك كله أو بعضه في قول الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 115

في

خبر ابن سنان (1)أو صحيحه: «إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة و ليتيمم بالصعيد، فان الصعيد أحب الي»

و

موثقة سماعة(2)بعد أن سأله عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته، قال: «يتيمم بالصعيد و يستبقي الماء، فان الله جعلهما طهورا الماء و الصعيد».

بل ربما ظهر من إطلاق كثير من الأصحاب تقديم حال الرفيق المحترم النفس و لو ذميا أو معاهدا و ان لم يضر تلفه فيه، و لعله لاحترام النفس و انه من ذوي الاكباد الحارة، و سهولة أمر التيمم، بل قضية إطلاق بعضهم الرفيق تناوله لغير محترم النفس كالحربي و المرتد و نحوهما، لكنه لا دليل عليه، بل هو على خلافه متحقق، و لذا صرح في الذكرى و غيرها بعدم مزاحمة كل من كان كذلك كالحربي و المرتد و الزاني المحصن و غيرهم، بل قد يسري الإشكال في سابقه أيضا، إذ أقصى اقتضاء محقونية دمه حرمة قتله لا إيجاب حفظه من المهلكات، اللهم إلا أن يقال: ان للرفقة حقا تبذل النفوس دونها خصوصا على أهل المروات، بل قد يدعى حصول المشقة عليهم لو كلفوا بذلك، فلعله لذا أطلق الرفيق.

كما أنه أطلق غير واحد من الأصحاب دابته المحترمة من غير تقييد بضرر تلفها، و استشكله جماعة من متأخري المتأخرين بعدم تسويغ مطلق ذهاب المال للتيمم، بل هو مقيد بالضرر، و لذا وجب صرف المال الكثير في شرائه، لكن قد يقال مع أنه قد يندرج في إتلاف المال و ضياعه الذي لم يفرق فيه بين القليل و الكثير: انها نفوس محترمة و ذوات أكباد حارة مع حرمة إيذائها بمثل ذلك، بل هي واجبة النفقة عليه التي منها السقي، بل في غير واحد من

الاخبار(3)المعتبرة «أن للدابة على صاحبها حقوقا،


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب التيمم- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الدواب في السفر و غيره- من كتاب الحج.

ج 5، ص: 116

منها أن يبدأ بعلفها إذا نزل»

فتحترم لذلك لا من جهة المالية، و في

الخبر عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)«ما من دابة إلا و هي تسأل الله كل صباح اللهم ارزقني مليكا صالحا يشبعني من العلف، و يرويني من الماء، و لا يكلفني فوق طاقتي»

و في آخر عن

أبي الحسن (عليه السلام)(2)«من مروة الرجل أن يكون دوابه سمانا، قال:

و سمعته يقول ثلاث من المروة- و عد منها- فراهة الدابة»

الى غير ذلك (3)من الاخبار المذكورة في كتاب المطاعم و المشارب و التجملات من كتاب الوافي مما يفيد شدة الرأفة بالدواب في أنفسها، و لعله لذا صرح في المسالك بعدم الفرق بين دابته و دابة غيره، و إن كان له الرجوع حينئذ بالثمن، و يومي اليه كلام الأصحاب في باب النفقات، و في المنتهى عن النهاية أن فيه إشكالا، نعم قد يتجه وجوب ذبحه مع عدم التضرر و إمكان الانتفاع بلحمه و جلده، كما أنه يتجه عدم مزاحمة الحيوانات التي ليست بمحترمة و يجب قتلها كالكلب العقور و نحوه، بل في الذكرى و ان لم يجب قتلها كالحية و الهرة الضارية.

و حاصل البحث أنه متى عارض الطهارة المائية واجب آخر أرجح منها قدم عليها كحفظ النفس و نحوه، بل لعل منه كل واجب لا بدل له كإزالة النجاسة عن البدن و الساتر الذي ليس له غيره، إذ هو و ان كان ظاهرا من تعارض الواجبين إلا أن مشروعية البدل لأحدهما تشعر برجحان غير ذي البدل عليه في نظر الشارع، و ان الاهتمام بشأنه أكثر، كما قيل أو يقال: «ان في ذلك جمعا في العمل بهما، فهو أولى من غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الدواب في السفر و غيره- الحديث 6 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الدواب في السفر و غيره- الحديث 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- و غيره من أبواب أحكام الدواب في السفر و غيره من كتاب الحج.

ج 5، ص: 117

كل ذا مضافا الى الإجماع على تقديم الإزالة على الطهارة في حاشية للإرشاد أظن أنها لولد المحقق الثاني، كما عن التذكرة الإجماع أيضا على تقديمها على الوضوء صريحا و الغسل ظاهرا، و المعتبر نفي الخلاف بين أهل العلم فيه أيضا كذلك.

و قد يشهد له مع ذلك أيضا ما في

خبر أبي عبيدة(1)«سئل الصادق (عليه السلام) عن المرأة ترى الطهر في السفر و ليس معها ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة، قال:

إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلي»

الحديث لتقديمه إزالة النجاسة فيه على الوضوء لوجوبه عليها لولاها، و كيف كان فان خالف ففي الاجزاء ما سمعته سابقا، و قد تنظر فيه هنا في القواعد و اختاره في الموجز الحاوي كما عن النهاية، و لعله لعدم اقتضاء الأمر النهي عن الضد، أو عدم اقتضاء النهي المستفاد منه الفساد، و في جامع المقاصد و عن البيان و مجمع البرهان أن الأقوى عدم الاجزاء، و لعله لوجوب صرف الماء في إزالة النجاسة، فهو غير واجد للماء، فلا خطاب بالوضوء و لو ندبا، و لأنه مكلف بالتيمم حينئذ، و هو لا يخلو من قوة، هذا إن لم يجوز وجود المزيل تجويزا عاديا في الوقت، و إلا اتجه القول بالاجزاء كما اعترف به بعضهم، و كذا لو تعارض خطاب الطهارة مع ارتكاب محرم، كما لو كان عنده ماءان طاهر و نجس، و كان محتاجا الى شرب الماء، فإنه ينتقل الى التيمم، و لا يشرب النجس، لتقديم مراعاة الحرمة عليه، و مثله لو خشي العطش بعد ذلك استبقى الطاهر و تيمم، كما صرح به المصنف و غيره و استجوده في المدارك إن ثبت حرمة شرب الماء النجس مطلقا، و ظاهره يعطي التأمل في الحرمة أو إطلاقها، و هو في غير محله بعد الإجماع محصلا و منقولا عليها ان لم تكن ضرورية، و الاخبار(2)التي كادت تكون متواترة الواردة في اجتناب أو اني المشركين، و إهراق السمن و الزيت و المرق الواقع


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الحيض- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 43 و 44 و 54 من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 5، ص: 118

فيها فأرة أو قذر، نعم قد يتأمل في وجوب مراعاة ذلك و تقديمه على الطهارة المضيقة مع ارتفاع حرمة شرب النجس لو اضطر اليه فيما يأتي من الزمان و قد لا يحتاجه، فتأمل.

[الطرف الثاني فيما يجوز التيمم به]
اشاره

الطرف الثاني فيما يجوز التيمم به و هو كل ما يقع عليه اسم الأرض ترابا أو حجرا أو حصى أو رخاما أو مدرا دون ما لا يقع اسمها عليه، و إن خرج منها كالنبات و نحوه فإنه لا يجوز التيمم به، للأصل و السنة(1)و الإجماع المحكي في كشف اللثام، و قاله علماؤنا في موضع من المنتهى، و في آخر زيادة أجمع، و عدم الجواز بغير الأرض اختيارا مما لا نزاع فيه عندنا في مجمع البرهان، و في السرائر أن الإجماع منعقد على أن التيمم لا يكون إلا بالأرض أو ما يطلق عليه اسمها، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة فجوزه بالكحل و نحوه، و مالك فجوزه بالثلج، قلت: لكن ستسمع فيما يأتي أنه حكي عن مصباح السيد و الإصباح و المراسم و البيان و الموجز الحاوي و ظاهر الكاتب التيمم بالثلج عند الاضطرار، كما هو ظاهر القواعد، و في التحرير على رأي، اللهم إلا أن يريدوا بالتيمم به مسح أعضاء الوضوء مجازا، فلا خلاف حينئذ، أو أنه لا يقدح خلافهم فيه، أو يراد بعدم الجواز في حال الاختيار أو غير ذلك.

و أما الغبار و الوحل فقد يدعى دخولهما في الأرض كما صرحت به الاخبار في الثاني (2)و مقطوع به في الأول بالنسبة إلى غبار الأرض، فدعوى الإجماع عن بعضهم على خروج الثاني عن الأرض ليس في محله، كدعوى خروج الأول عنها، و عدم جواز التيمم بهما اختيارا ممن اكتفى في التيمم بمسماها كالمصنف لدليل خاص.

و كيف كان فما في المتن هو المشهور تحصيلا و نقلا في الكفاية و الحدائق و عن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 119

غيرهما، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه في الحجر الصلد كالرخام و إن لم يكن عليه غبار، كما عن الخلاف أيضا ذلك في التراب و ما كان من جنسه من الأحجار، لكن الإنصاف أنه لا ظهور في عبارتهما يعتد به كما لا يخفى على من لاحظ و تأمل، نعم في كنز العرفان و عن مجمع البيان نسبة التيمم بما يشمل الحجر إلى أصحابنا، كما عن الأردبيلي أن الحجر ينبغي أن يكون لا نزاع فيه.

قلت: و لعله كما ذكر، إذ جواز التيمم به اختيارا خيرة المبسوط و الخلاف و المعتبر و التذكرة و التحرير و المنتهى و الإرشاد و المختلف و الذكرى و الدروس و اللمعة و الموجز الحاوي و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المدارك و غيرها، و هو المنقول عن ابن الجنيد و الحسن بن عيسى و مصباح السيد و جمل الشيخ و مصباحه و مختصر المصباح و المهذب البارع و التنقيح و كشف الالتباس و إرشاد الجعفرية و شرحها الآخر و المقاصد العلية و مجمع البرهان و آيات الأردبيلي و رسالة صاحب المعالم و الذخيرة و المفاتيح و ظاهر الرسالة الفخرية أو صريحها، و قواه في الكفاية بشرط وجود غبار عليه محافظة على العلوق.

و مرجع الجميع كما يظهر من ملاحظة كتبهم الاستدلالية إلى ما اختاره المصنف من الاكتفاء في المتيمم به صدق اسم الأرض لا خصوص التراب منها، خلافا لظاهر الغنية أو صريحها، و المحكي عن السيد في شرح الرسالة و الكاتب و التقي، فلا يجوز بغير التراب و إن كان أرضا، بل ظاهرهم عدم الفرق في ذلك بين التمكن من التراب و عدمه، فيكون فاقد الطهورين حينئذ، لكن في المختلف و الروض و الروضة الإجماع على بطلان ذلك، أي عدم جواز التيمم بالحجر مطلقا، فلعل ذلك يكون قرينة على إرادتهم الاختيار، فيوافق حينئذ ما في المقنعة و الوسيلة و السرائر و الجامع و عن المراسم من اشتراط فقد التراب في التيمم بالحجر، بل في حاشية المدارك للأستاذ الأعظم

ج 5، ص: 120

ما يظهر منه دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك إلا من شذ منهم، بل في الجامع اشتراطه بفقد الغبار أيضا.

لكن قد يشكل الجميع بظهور أن منشأ الاختلاف في التيمم بالحجر و نحوه الاختلاف في معنى الصعيد، فلا يجتزى به مطلقا، بناء على أن الصعيد هو التراب خاصة كما في الصحاح و المقنعة و عن الجمل و المفصل و المقاييس و الديوان و شمس العلوم و نظام الغريب و الزينة لأبي حاتم، بل ربما استظهر من القاموس و الكنز، كما أنه

حكي عن الأصمعي و كذا عن أبي عبيدة لكن بزيادة وصفه بالخالص الذي لا يخالطه سبخ و رمل، و بني الأعرابي و عباس و الفارس، بل عن المرتضى (رحمه الله) نقله عن أهل اللغة.

و يؤيده

قول الصادق (عليه السلام)(1)في الطين: «إنه الصعيد»

و

في آخر(2)«انه صعيد طيب و ماء طهور»

و ما في

صحيحة زرارة(3)«ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد»

و ظهور قوله تعالى (4)«مِنْهُ» في إرادة المسح ببعض الصعيد الذي يعلق باليد، سيما بعد تفسيره بذلك في

الصحيح عن الباقر (عليه السلام)(5)قال فيه:

«فَلَمْ تَجِدُوا ماءً- إلى آخره- فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت عوض الغسل مسحا، لأنه قال «بِوُجُوهِكُمْ» ثم وصل بها «وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» أي من ذلك التيمم، لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجري على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 5 و هو قول أحدهما ع.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 8.
4- 4 سورة المائدة- الآية 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 121

ببعضها»

الحديث. لظهور أن المراد بالتيمم فيه المتيمم به، و كذا غيره مما يفيد المسح ببعض الأرض،

كالصحيح (1): «إذا لم يجد الرجل طهورا فليمسح من الأرض»

و نحوه مما يفيد العلوق باليد من أخبار النفض (2)و نحوها مما لا يتحقق في التيمم بالحجر، و الاخبار المشتملة(3)على لفظ التراب، ك

قوله (صلى الله عليه و آله)(4): «جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا»

سيما بعد وروده في بيان اليسر و التوسعة و الامتنان المناسب لتعميمه لغير التراب لو صح التطهر به، و بعد العدول من لفظ الأرض اليه، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة جميل(5): «ان الله عز و جل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا»

و رفاعة(6)و

عبد الله بن المغيرة(7): «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر إلى أجف موضع تجده فتيمم»

إلى آخره. إلى غير ذلك مما اشتمل على لفظ التراب.

مضافا إلى ضعف ما يعارض ذلك كله مما اشتمل على لفظ الأرض لانصرافه للفرد الشائع منها، على أنه لم يسق في جملة منها لبيان ما يتيمم به، و إلى توقيفية العبادة، و عدم حصول اليقين بالبراءة إلا بالتراب مع التمكن منه، إلى غير ذلك.

و يجتزى به أي بالتيمم بالحجر مطلقا بناء على تفسير الصعيد بوجه الأرض كما


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 3 و 6 و 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 13 و الباب- 23- الحديث 1 و المستدرك الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التيمم- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 10.

ج 5، ص: 122

عن العين و المحيط و الأساس و المفردات للراغب و السامي و الخلاص و المغرب و المصباح المنير، و عن تغلب و ابن الأعرابي و الخليل بل عن المغرب و تهذيب اللغة و المقاييس و مجمع البيان عن الزجاج أنه لا يعلم فيه اختلافا بين أهل اللغة، و حكاه في المعتبر عن فضلاء أهل اللغة، قال: ذكر ذلك الخليل و تغلب عن ابن الأعرابي، و في المنتهى و عن نهاية الاحكام عن أهل اللغة، و في البحار: «أن الصعيد يتناول الحجر كما صرح به أئمة اللغة و التفسير» انتهى. و في الوسيلة «بل قد فسر كثير من علماء اللغة الصعيد بوجه الأرض، و ادعى بعضهم الإجماع على ذلك، و انه لا يختص بالتراب، و كذا جماعة من المفسرين و الفقهاء» انتهى. و به فسره أكثر أصحابنا في الكتب الفقهية نصا و ظاهرا، و حكي عن أبي حنيفة و أصحابه.

و يؤيده- مضافا إلى ما سمعته سابقا من جواز التيمم بالحجر و نحوه اختيارا عند الأصحاب الذي بملاحظته يعرف ما في نسبة الأستاذ سابقا في حاشية المدارك إليهم عدم جواز التيمم به إلا عند الاضطرار، لظهور ندرة القائل به بالنسبة إلى الأول، مع عدم صراحة كلامه أيضا في ذلك- قوله تعالى (1)«فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً» أي أرضا ملساء يزلق بها لاستئصال شجرها و نباتها على ما فسرها بذلك غير واحد، مع ظهور ذلك منها أيضا، ك

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(2): «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة على صعيد واحد»

أي أرض واحدة إذا أراده التراب منها كما ترى،


1- 1 سورة الكهف- الآية 38.
2- 2 في معالم الزلفى ص 45 باب- 22- في صفة المحشر عن الباقر ع قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين و الآخرين عراة حفاة.» و في كنز العمال ج 7 ص 208 عن النبي ص: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلا» الى آخره و لم نجد في أحاديث أهل السنة كلمة «صعيد واحد».

ج 5، ص: 123

و المروي عن

معاني الاخبار عن الصادق (عليه السلام)(1)«الصعيد الموضع المرتفع عن الأرض، و الطيب الموضع الذي ينحدر عنه الماء»

كالمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(2)أيضا و فسره به في الهداية، إذ المراد إما مطلق الارتفاع المتحقق بالحجر و نحوه من الأشياء التي على الأرض، أو خصوص المرتفع ارتفاعا يعتد به كرؤوس الاكم و الجبال، و على كل حال فيصدق بدون التراب، مع أن الثاني مما يقطع بعدم اعتباره في الصعيد، مضافا إلى إمكان الاستغناء عنه حينئذ بوصف الطيب المتقدم، فيتعين الأول، فيراد مطلق المرتفع، و بالطيب الارتفاع الذي يتحقق معه الانحدار، و قد يومي اليه حينئذ ما في المقنعة من أنه انما سمي التراب صعيدا لأنه يصعد من الأرض، فلعل الظاهر من ذلك و من الخبرين ملاحظة المعنى الوصفي في الصعيد.

و منه ينقدح تأييد آخر للمشهور كما أنه قد يؤيد أيضا بما في المنتهى من جواز التيمم بالأرض و إن لم يكن عليها تراب ناسبا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل لم ينقل فيه خلافا إلا عن بعض الجمهور مستدلا عليه بآية الصعيد، و هو شاهد على عدم اختصاصه بالتراب، فيتم حينئذ بعدم القول بالفصل، و بما فيه أيضا من التيمم بالرمل على كراهية عند الأصحاب، بل في المعتبر و عن التذكرة دعوى الإجماع صريحا على ذلك، لعدم اندراجه في اسم التراب عرفا كما صرح به الأستاذ الأكبر في كشف الغطاء، و يشعر به عطف التراب عليه في قول الشاعر:

«عدد الرمل و الحصى و التراب»

و نحوه الكلام في أرض السبخ، و بما عن التذكرة و غيرها من ظهور الاتفاق على جواز التيمم بالأرض الندية.

و بما يظهر من تعليل الأصحاب المنع في المعدن و النبات و الرماد و غيرها بعدم


1- 1 تفسير الصافي- سورة النساء- الآية 46.
2- 2 المستدرك- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 124

صدق اسم الأرض من الإجماع على دوران الحكم مدارها، و كذا ما يأتي من الأدلة على جواز التيمم بأرض النورة و الجص قبل الإحراق من الاخبار(1)و غيرها، لعدم كونهما من التراب أيضا، بل في كشف اللثام: «ان أرض النورة ليست غير الحجر على ما نعرف» انتهى. مع أنه لم ينقل فيهما خلاف إلا من الشيخ في النهاية، فاشترط فقد التراب، بل ذهب جماعة إلى جوازه فيهما بعد الإحراق تمسكا بخبر السكوني (2)و بقاء اسم الأرضية، و عن آخرين المنع لكن عللوه بالخروج عن الأرضية به، و هو مشعر بدوران الحكم مدارها لا التراب، و إلا فهما ليسا بتراب قطعا، و بما عن

الراوندي (3)بسنده عن علي (عليه السلام) قال: «يجوز التيمم بالجص و النورة، و لا يجوز بالرماد، لأنه لم يخرج عن الأرض، فقيل له: التيمم بالصفا العالية على وجه الأرض، قال: نعم»

إذ هو مع اشتماله على الجص و النورة و الصفا مما لا يسمى ترابا مشتمل على التعليل الذي كاد يكون صريحا في المدعى، كخبر السكوني (4)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) لكنه لم يذكر فيه الصفا.

و احتمال المناقشة في ذلك و نحوه- بأنه لا دلالة في جواز التيمم بالحجر و نحوه على كون الصعيد لما هو أعم من التراب، إذ لعله للدليل الخاص- مدفوع بملاحظة كلمات الأصحاب في الكتب الاستدلالية، لظهورها في كون المدار ذلك، على أن ثمرة البحث في خصوص المقام انما هو جواز التيمم بالحجر و نحوه اختيارا، فإذا ثبت لا يهمنا عدم شمول لفظ الصعيد له، و بما في

الموثق (5)«عن رجل تمر به جنازة و هو على غير


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 6- من أبواب التيمم- الحديث 2 و فيه« الصفا النابتة» و في هامشه« الصفا الثابتة».
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التيمم- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنائز- الحديث 5.

ج 5، ص: 125

طهر، قال: يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم»

لعدم صدق التراب على اللبن، و هو المسمى بالمدر، بل في كشف اللثام أنه لا نعرف فيه خلافا و إن لم يذكره الأكثر، و عن مجمع البرهان أنه ينبغي أن يكون لا نزاع فيه، و ظاهر الوسيلة أو صريحها مساواته للتراب، مع أنه اعتبر في التيمم بالحجر فقد التراب، فلعل ذلك منه قرينة على عدم اختصاص الصعيد عنده بالتراب.

كما أنه قد يظهر ذلك أيضا من المقنعة و السرائر و غيرهما و إن قيدوا الحجر بما عرفت، بل نص في الأول على أن الصعيد هو التراب، لكن ملاحظة كلماتهم يقضي بجوازه في نحو الأرض التي لم يكن عليها تراب و اللبن و غيرهما اختيارا، و يشهد له ما سمعته من المنتهى سابقا في الأرض التي ليست عليها تراب من ظهور عدم الخلاف بين الأصحاب فيه، و لا ينافيه تقييد الحجر بما عرفت، إذ لعله لدليل لم نعثر عليه، بل في كشف اللثام احتمال إرادتهم الاحتياط في الاجتناب عنه، لوقوع الخلاف في معنى الصعيد عند أهل اللغة، فينحصر الخلاف حينئذ في مثل السيد و ابن زهرة و نادر، كاحتمال إرادة المخالف أيضا خصوص المطبوخ من الحجر، لتخيل خروجه عنها بذلك كالخزف، مع أن المحكي عن السيد في المصباح موافقة المشهور أيضا، و باستصحاب جواز التيمم به قبل تماسك أجزائه، و خروجه عن صدق التراب بذلك انما يقدح لو ثبت شرطية التيمم به إما مطلقا أو في حال الاختيار.

و لعل هذا هو الذي أومأ إليه العلامة في جملة من كتبه في الاستدلال عليه بأنه تراب اكتسب رطوبة لزجة و عملت حرارة الشمس فيه حتى تحجر، فحقيقة التراب فيه باقية، و انما حدثت زيادة وصف.

فلا وجه للمناقشة فيه بعدم صدق التراب عليه أولا، و عدم تبادره من إطلاقه ثانيا، سيما بعد ملاحظة ما دل على العلوق، و بجريانه في مثل المعادن مما خرج عن اسم

ج 5، ص: 126

الأرض ثالثا، فتأمل جيدا.

و قد يؤيد المشهور أيضا بما دل على أن الطين صعيد، لكونه ليس بتراب قطعا، و حمله على إرادة تركبه من الصعيد و نحو ذلك خلاف الظاهر، و بإطلاق لفظ الأرض موردا للتيمم في الاخبار الكثيرة(1)في باب التيمم الشامل للتراب منها و غيره، سيما بعد غلبة الرمل و الحصى و الحجر و السبخ في أرض المدينة و نحوها، حتى النبوي المتقدم في مؤيدات الخصم، فإنه و إن اشتهر في كتب الفروع بلفظ التراب، لكنه في كتب الاخبار خال عن ذلك، بل

نقل في الوسائل أربع روايات من كتب متفرقة أنه «جعلت له الأرض مسجدا و طهورا»

عدا ما في

البحار نقلا عن العلل و الخصال بسند متصل إلى جابر(2)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): قال الله عز و جل: جعلت لك و لأمتك الأرض مسجدا، و ترابها طهورا»

و هو مع مخالفته لخبر الخصم متنا محتمل التصرف من الراوي بظن اتحادهما كما هو الغالب، على أنه رده في المعتبر بأنه تمسك بدلالة الخطاب، و هي لا تعارض النص إجماعا.

قلت: بل هو مفهوم لقب و خارج مخرج الغالب، اللهم إلا أن يوجه بأن المراد خروج الكلام عن البلاغة التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال لو كانت الطهورية وصفا للأرض مع عدوله عنها بعد ذكره لها في المسجدية إلى التراب، بل هو ضد مقتضى الحال، سيما مع أنه في مقام بيان الامتنان و زيادة اللطف به و بأمته من الكريم المنان، لكن ذلك- مع أنه مشترك الإلزام، لما سمعت من الإجماع على التيمم بالحجر عند فقد التراب و تأخره عن التراب مرتبة لا يسوغ ترك ذكر الامتنان به في مقام بيانه، إذ المراد طهورية الأرض و إن ترتبت، و إلا فطهورية التراب متأخرة عن الماء أيضا-


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التيمم.
2- 2 المستدرك- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 5، ص: 127

قد يقال: إن المراد منه الأرض بقرينة غيره من الاخبار، و هو أرجح من احتمال العكس من وجوه لا تخفى.

فظهر حينئذ ضعف تأييد مذهب الخصم به، بل و كذا أخبار التراب مع عدم سوق بعضها لبيان ذلك، و مع عدم الأمر بالتيمم به حتى ينافي ما دل على الأرض، و مع دعوى شيوع فرد التراب منها، و كذا أخبار الطين، بل بعضها ظاهر في التأييد للمختار كما عرفت، على أن إطلاق لفظ الصعيد على التراب لا ينافي أنه الأرض بعد شيوع استعمال الكلي في الفرد، و دعوى ظهور الخصوصية منه ممنوعة، بل يمكن الجمع بين كلام أهل اللغة و إن بعد بهذا الاعتبار أو قريب منه، فيحمل التراب في كلامهم على إرادة التنصيص على أكمل الافراد و أشيعها، بل لعل ذلك جار في كل ما كان من هذا القبيل في كلام أهل اللغة، و هو أولى من العكس قطعا، أو يقال: إن تعارض كلام أهل اللغة في ذلك مبنى عن استعمال الصعيد في التراب و غيره، كما أنه كذلك في نفس الأمر، و أصالة عدم الاشتراك و المجاز تقضي بكونه حقيقة في القدر المشترك سيما بعد استعماله فيه نفسه، مع أنه لو أغضينا عن ذلك كله لكان المتجه الأخذ بجميع كلماتهم، فينبغي الحكم حينئذ باشتراك لفظ الصعيد بين الخاص و العام، كما عساه يومي اليه ما عن المصباح المنير، قال بعد تفسيره الصعيد بوجه الأرض ترابا أو غيره: «و يقال الصعيد في كلام العرب على وجوه، على التراب الذي على وجه الأرض و على الطريق» انتهى. بل و كذا ما في القاموس «الصعيد التراب أو وجه الأرض» إن حمل لفظ «أو» فيه على معنى الواو.

و على كل حال يكون ما ذكرناه سابقا من الامارات معينا لإرادة العام منها، مع احتمال ترجيح التفسير بالعام عليه بأنه يؤل الى تعارض الإثبات و النفي تنزيلا لتعدد أفراد المعنى مع استعماله في كل منها على وجه الحقيقة منزلة تعدد المعاني، و الأول مقدم

ج 5، ص: 128

على الثاني، كما أنه يرجح أيضا بالكثرة.

و أما ما ذكره الخصم من التأييد بما دل على العلوق آية و رواية ففيه- مع عدم استلزام ذلك للتراب، بل يكفي الغبار و الرمل و نحوهما على الحجر و سحيق الحجر بل التراب اليسير، و ابتنائه على اشتراط العلوق، و ستعرف ما فيه إن شاء الله، و على كون «من» في الآية للتبعيض، مع احتمالها السببية و البدلية و الابتدائية، و على أن المراد بالتيمم في الرواية المفسرة له المتيمم به، و فيه بحث سيما بعد القطع بعدم وجوب مسح الوجه و اليدين بما يعلق من التراب، بل و لا استحبابه للإجماع المحكي إن لم يكن محصلا على استحباب نفض اليدين، و منه النفض الذي لم يبق معه شي ء من التراب- أنه لا مانع من رجوع الضمير لبعض أفراد الصعيد الذي هو التراب، سيما بعد غلبته و شيوعه، فيكون المراد فيما فيه علوق من الصعيد، و ذلك لا يقضي بأن المراد بالصعيد التراب سيما على القول بعدم تخصيص ضمير العام العام، على أنه لو سلم كون المراد بالصعيد في الآية التراب لا ينافي ثبوت ما ذكرناه من أدلة خارجية كما عرفت.

فاتضح لك حينئذ بحمد الله من جميع ما ذكرنا أن الأقوى الاجتزاء بوجه الأرض ترابا أو غيره اختيارا، كما أنه اتضح لك أنه لا وجه للتفصيل المذكور بين الاختيار و الاضطرار، و ما يقال: إن دليله الإجماع حال الاضطرار و إن لم يكن داخلا تحت الصعيد ففيه- مع عدم صلاحية ذلك دليلا للمفصل نفسه- أنه لا إجماع عند التحقيق، إذ الخصم انما جوزه لشمول لفظ الصعيد له و قد ظهر له بطلانه، و اختصاصه بالتراب، فلم يتحقق إجماع على الحجر من حيث أنه حجر في حال الاضطرار، فتأمل فإنه دقيق، على أن المحكي عن ابن الجنيد بل هو المتجه بناء على اختصاص الصعيد بالتراب سقوط الصلاة لفواته، و لعله ظاهر الغنية و غيرها، و كذا ما يقال: إنه لا ريب في حصول الظن

ج 5، ص: 129

بالتيمم بمطلق الأرض في الجملة بعد ملاحظة ما دل على التيمم بها، لكنه لا شمول فيها لجميع الأحوال بحيث يقاوم ما دل على التراب حتى يتساوى معه في ذلك، فيتوقف يقين البراءة على تقديم التراب عند وجوده، كما أنه لا شمول فيما دل على التراب لمثل حال العجز عنه حتى تسقط الصلاة حينئذ بحيث يقاوم ما دل على الأرض بالنسبة إلى هذا الحال، مع توقف يقين البراءة عليه أيضا.

و بالجملة فالمتجه العمل بكل منهما لكن بالترتيب تمسكا بالظن الحاصل للمجتهد في كل منهما، إذ مع أن ذلك لا يرجع إلى محصل يعتمد عليه عند التأمل قد عرفت قوة الأمارات الدالة على المختار، فلا شك حتى يتوقف يقين البراءة لو سلم جريان نحوه في مثل المقام مما يحصل الشك فيه بالنسبة إلى شرط العبادة، بل ينبغي القطع بعدم جريانه في مثل الحجر في حال الاضطرار كما ذكره الخصم، لأن مرجعه حينئذ إلى الشك في نفس الشغل و عدمه لا إلى البراءة منه حتى يجب التيمم بالحجر.

و احتمال تتميم ذلك باستصحاب الشغل و عدم سقوط الصلاة بحال و نحوها مدفوع- مع عدم جريان الأول في بعض الصور كما لو فقد التراب قبل الوقت مثلا، بل هو بالعكس- بعدم صلاحية ذلك و نحوه لإثبات حكم شرعي، و هو التيمم بالحجر كما هو واضح، فتأمل. لكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي أن يترك، و إلا فلا إشكال في صحة التيمم بالحجر و نحوه مما يسمى بالأرض اختيارا بالنظر إلى الظن الاجتهادي.

نعم قد يشكل الحال في مثل الخزف نظرا إلى خروجه عن مسماها بالإحراق كما اختاره المصنف في المعتبر بعد أن نسبه إلى ابن الجنيد قال: «و لا يعارض بالسجود عليه لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ» انتهى.

و قد يورد عليه بمنع خروجه عن اسم الأرض و إن خرج عن اسم التراب، بل هو أولى من الحجر لقوة استمساكه دونه أو مساو للمشوي منه، مع إطلاقهم التيمم

ج 5، ص: 130

بالحجر الشامل له عدا ما عن كشف الالتباس من التوقف فيه، و بأن المتجه عدم جواز السجود عليه لو سلم خروجه عن مسمى الأرض، لعدم جوازه إلا عليها و نباتها غير المأكول و الملبوس، فجواز السجود عليه كما اعترف به الخصم شاهد للتيمم به، و لذلك كله كان خيرة التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها الجواز.

و لعله الأقوى لما عرفت، و إن استشكله في المنتهى، كما عن الدروس التوقف فيه، و لمفهوم التعليل في خبر السكوني (1)و مروي الراوندي (2)لعدم التيمم بالرماد بأنه لم يخرج من الأرض بخلاف الجص و النورة كما سمعته فيما مر، و لاستصحاب عدم خروجه عن المسمى، بل و أحكامه قبل الإحراق، و لا يعارضه استصحاب الشغل المتوقف يقين البراءة منه على التيمم بغيره، لوروده عليه القاضي بتقدمه و تحكيمه، كما في نظائره من استصحاب طهارة الماء و غيره، و به حينئذ يحصل يقين البراءة، إذ المراد الأعم من الشرعي قطعا.

و من ذلك ظهر سقوط ما في الرياض من الميل إلى العدم لا لما في المعتبر بل للشك في الخروج و عدمه، مع معارضة استصحاب الجواز بمثله في فساد العبادة، فتبقى الذمة مشغولة بها للأوامر السليمة عما يصلح للمعارضة، إذ بعد الغض عما فيه و تسليم حصول الشك قد عرفت الجواب عنه، فتأمل جيدا.

و لا فرق بين الخزف و سحيقه في جواز التيمم به، و البحث البحث كالحجر و سحيقه أيضا، و احتمال الفرق بصيرورته ترابا حينئذ ضعيف بل فاسد قطعا، لعدم صدق التراب و إن صدق الأرض كما ذكرنا، فالمتجه حينئذ الجواز فيهما لذلك.

[في عدم جواز التيمم بالكحل و الزرنيخ و نحوهما من المعادن]

نعم لا يجوز التيمم ب الكحل و الزرنيخ و نحوهما من المعادن إجماعا محكيا


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 131

في الغنية و صريح المنتهى و ظاهره، و عن الخلاف إن لم يكن محصلا للخروج عن اسم الأرض قطعا، فيدخل حينئذ فيما سمعته سابقا من الأدلة على عدم جواز التيمم بغيرها، فما عن ابن أبي عقيل من جوازه بالأرض و بكل ما كان من جنسها كالكحل و الزرنيخ ضعيف، و العرف أعدل شاهد عليه إن كان ذلك منه لعدم الخروج، و فاسد محجوج بما عرفت إن كان مراده الجواز بذلك و إن خرج عن مسمى الأرض، و مفهوم التعليل في خبر السكوني و مروي الراوندي المتقدمين لا جابر له في المقام، بل معرض عنه بالنسبة إلى ذلك بين الأصحاب لما سمعت من الإجماعات السابقة، لكن قد ظهر لك أن مبنى المنع في المعادن عند الأصحاب الخروج عن اسم الأرض كما يظهر من استدلالهم عليه به، بل جعل بعضهم الحكم فيها دائرا مداره، فغير الخارج عن ذلك منها لو كان يتجه فيه حينئذ الجواز، و احتمال مانعية نفس المعدنية و إن لم يخرج تمسكا بإطلاق معقد الإجماع المحكي في غاية الضعف، كالقول بلزوم الخروج عن الأرض للمعدنية، لما ستعرفه في تحقيق معنى المعدن في باب السجود إن شاء الله.

[في عدم جواز التيمم بالرماد]

و كذا لا يجوز التيمم بالرماد إجماعا كما في المنتهى، و ل

خبر السكوني عن جعفر(1)عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «انه سئل عن التيمم بالجص فقال: نعم، فقيل: بالنورة فقال: نعم، فقيل: بالرماد فقال: لا، انه لا يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر»

كالمروي عن

الراوندي (2)بسنده عن علي (عليه السلام) أيضا قال:

«يجوز التيمم بالجص و النورة و لا يجوز بالرماد، لأنه لم يخرج عن الأرض»

لكنهما ظاهر ان أو صريحان في رماد غير الأرض دونه، بخلاف معقد إجماع المنتهى، بل ربما يفهم من التعليل فيهما الجواز به، و لعله لذا أو دعوى عدم الخروج جوزه به في الحاوي


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 132

كما عن نهاية الاحكام، و في التذكرة تعليق عدم الجواز على الخروج، و قربه في الرياض، و هو جيد لكن لا حكم فيه بالخروج و عدمه، و هو المثمر، اللهم إلا أن يكون المراد أنه يخرج تارة و لا يخرج أخرى، إلا أن الأقوى الخروج متى صدق عليه الرماد كما هو الغرض، فتأمل جيدا.

[في عدم جواز التيمم بالنبات المنسحق كالأشنان و الدقيق]

و لا بالنبات المنسحق كالأشنان و الدقيق و نحوهما مما أشبه التراب بنعومته و نحوها، لكن لا يصدق عليها اسم الأرض و التراب إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا، بل فيما تقدم من الإجماع و غيره على عدم جوازه بغير الأرض كفاية، و

خبر عبيد بن زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سأله عن الدقيق يتوضأ به، فقال:

«لا بأس بأن يتوضأ به و ينتفع به»

محمول على ما ذكره الشيخ في التهذيب من إرادة النظف به و التطهر من الدرن، كما قد يكشف عنه

صحيح ابن الحجاج (2)«سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق بالزيت يلته به يتمسح به بعد النورة ليقطع ريحها قال: لا بأس»

بل هو أولى من إرادة التيمم من الوضوء حتى يعارض ما تقدم، مع أنه على تقديره في غاية القصور أيضا عن مقاومته كما لا يخفى.

[في جواز التيمم بأرض النورة و الجص]

و يجوز التيمم بأرض النورة و الجص اختيارا على المشهور نقلا و تحصيلا، و عن مجمع البرهان أنه ينبغي أن يكون لا نزاع فيه، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما في نهاية الشيخ، فاشترط فقد التراب، و ما عن السرائر من المنع للمعدنية مع اني لم أجد ذلك فيها، بل الموجود لا يجوز التيمم بجميع المعادن، و تعدادها يطول، و قد أجاز قوم من أصحابنا التيمم بالنورة، و الصحيح الأول، و هو مع عدم ذكره لأرض الجص محتمل بل ظاهره النورة بعد الإحراق لا أرضها، و لذلك حكاه في الذكرى عنه في


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التيمم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب آداب الحمام- الحديث 1.

ج 5، ص: 133

النورة، فينحصر الخلاف حينئذ، في الأول و إن كان ربما يقال إنه أو العدم لازم تفسير الصعيد بالتراب، سيما بعد ما في كشف اللثام ان أرض النورة ليست غير الحجر على ما تعرف، و قد عرفت الكلام فيه إلا أنه لم يحك عن أحد منهم هنا، بل في المقنعة التصريح بالجواز فيهما بدون التقييد بفقد التراب، و هو ممن فسر الصعيد بذلك.

و كيف كان فلا إشكال في الحكم بناء على المختار، لصدق اسم الأرض، و احتمال المعدنية مع ضعفه في نفسه قد عرفت عدم منعها مع الصدق، نعم هو لا يتجه بناء على التفسير بالتراب، كما لا يتجه التفصيل بالاختيار و الاضطرار، و استدل عليه بعضهم مضافا إلى صدق الأرض بخبري السكوني و الراوندي المتقدمين، و فيه أنهما في الجص و النورة لا أرضهما، و احتمال إرادتها منهما لا شاهد له، و الأولوية انما تصح لو سلم العمل بهما فيهما، نعم قد يشعر التعليل فيهما بالمطلوب، و الأمر سهل، إذ قد عرفت انا في غنية عنهما، كما أنه قد تشعر عبارة المصنف بمنع التيمم بنفس الجص و النورة، وفاقا للأكثر في الثاني و جماعة في الأول، للخروج بالإحراق لا أقل من الشك، مع معارضة استصحاب الجواز و البقاء على الأرضية بأصالة بقاء الشغل، فتبقى الأوامر عن المعارض سليمة، و لا جابر للخبرين السابقين، و خلافا لصريح بعض و ظاهر آخر فجوزوه بهما للخبرين، و عدم الخروج، و الاستصحاب الحاكم على أصالة الشغل المفيد ليقين البراءة حينئذ شرعا، فلا أوامر سليمة لو سلم مغايرتها لأوامر الشغل الذي قد ذكر الخصم استصحابه، و هو جيد إن لم يطمئن بعدم الصدق، فتأمل.

هذا كله بناء على كفاية وجه الأرض، و إلا فعلى التراب فالبحث ساقط من أصله، إلا أن يخصوه في حال الاضطرار كما في غيره، فيتجه البحث منهم عن أرضيته و عدمها، إذ مع الخروج لا يجوز و لو اضطرارا للإجماع المحكي على عدم جوازه بغيرها و لو مضطرا كما عرفت، فتأمل جيدا.

ج 5، ص: 134

[في جواز التيمم بتراب القبر]

و كذا يجوز التيمم ب تراب القبر عندنا و ان نبش، بل و إن تكرر نبشه ما لم يعلم نجاسته بالدم أو الصديد المصاحب له أو غير المصاحب مع نجاسة الميت و نحوهما، لصدق اسم الصعيد بل الطيب، للطهارة شرعا، و الصديد مع عدم الدم من الميت الطاهر بالتغسيل طاهر، فلا يقدح اختلاطه مع استهلاكه، فما في الذكرى من أنه لو علم اختلاطه بالصديد اجتنب محل تأمل، أو ينزل على ما لا ينافي المطلوب، و احتمال التمسك له بانتفاء الطيب حينئذ فيه ما عرفت، ثم قال: «و في اللحم و العظم نظر، للطهارة بالغسل، و على قول المبسوط ينبغي المنع، نعم لو كان الميت نجسا منع» انتهى. قلت: لا تأمل في الجواز مع الاستحالة ترابا، و عدم العلم بنجاسة التراب بالصديد، و لعله يريد الاختلاط بدون الاستحالة، فيكون من مسائل الامتزاج، و يأتي الكلام فيها إن شاء الله.

[في جواز التيمم بالتراب المستعمل في التيمم]

و كذا يجوز بالتراب المستعمل في التيمم بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها الإجماع صريحا و كشف اللثام ظاهرا للأصل و الصدق، فما عن الشافعي في أصح قوليه من المنع لا ينبغي أن يصغى اليه، كدليله القياس على الماء المستعمل في رفع الحدث، إذ هو- مع بطلانه في نفسه أولا، و في المقيس عليه على الأصح عندنا ثانيا- قياس مع الفارق، لتحقق رفع الحدث بالماء بخلافه، و لعله لذا وافقنا أبو حنيفة و أصحابه عليه.

و من المستعمل الملتصق بأعضاء التيمم إجماعا في التذكرة، بل و المتساقط منها كالمتقاطر مما غسل به من الماء، لتحقق ماهية الاستعمال به، بل لعله المنساق إلى الذهن قبل الأول، فما في التذكرة من احتمال العدم ضعيف، نعم قد يشكل في المنفوض و المتساقط من اليدين بعد الضرب قبل المسح به و إن صرح به بعضهم، بل في الذكرى و جامع المقاصد أنه فسر به، و بالممسوح به من غير نقل خلاف فيه أو إشكال لعدم تحقق الاستعمال قبل المسح به سيما بعد حكاية الإجماع فيهما، و في التذكرة على خروج المضروب

ج 5، ص: 135

منه، مع نفي الخلاف عنه في المبسوط، لأنه كالإناء المغترف منه.

قلت: فهذا كالماء المغترف قبل الغسل به، نعم يتم كونه منه لو ثبت جزئية الضرب من التيمم، لكن قد يتجه حينئذ دخول المضروب، فلعل ما ذكروه من الإجماع و التشبيه بالإناء مشعر بخروجه أي الضرب عن ماهية التيمم، إلا أنه يمكن القول بدخول الضرب و خروج المضروب، فتأمل جيدا.

[في عدم جواز التيمم بالمغصوب]

و لا يصح التيمم بالتراب أو الحجر المغصوب أي الممنوع من التصرف فيه شرعا إجماعا محكيا في التذكرة و المنتهى إن لم يكن محصلا، علق في اليد شي ء فمسح به جبهته و يديه أولا، للنهي المقتضي للفساد عقلا و شرعا، و هو واضح بناء على جزئية الضرب من التيمم، بل و شرطيته مع اعتبار النية فيه، كما هو الأصل في كل ما أمر به، نعم لو لم يكن شرطا و كان كاغتراف الماء من الإناء أو كان شرطا لكن لم تعتبر النية فيه اتجه عدم اقتضاء النهي الفساد حينئذ عقلا، بل التيمم صحيح و إن كان الضرب محرما، لكن مع مسح الجبهة و اليدين بعد الضرب بدون العلوق، بل و معه على إشكال، اللهم إلا أن يستفاد الفساد حينئذ من ظاهر الأدلة.

و كيف كان ففساد التيمم دائر مدار النهي عنه شرعا، و إلا فلا فساد حيث لا نهي و لو لجهل أو غفلة يعذر فيها، و من هنا صرح في جامع المقاصد و غيره بجواز التيمم للمحبوس في المكان المغصوب، لأن الإكراه أخرجه عن النهي، فصارت الأكوان مباحة، لامتناع التكليف بما لا يطاق إلا ما يلزم ضررا زائدا على أصل الكون، و القول ان في التيمم تصرفا زائدا على أصل الكون ممنوع، إذ الإلزام بكيفية خاصة من الكون أو حركة خاصة متعذر أو متعسر، بل هو ترجيح من غير مرجح، و من ثم جاز له أن يصلي و ينام و يقوم، و حق الغير يتدارك بلزوم الأجرة، بخلاف الطهارة بالماء المغصوب، لأنه يتضمن إتلافا غير مأذون فيه، نعم لو ربط في ماء مغصوب و تعذر

ج 5، ص: 136

عليه الخروج و لم يلزم الاغتسال به زيادة إتلاف أو تصرف أمكن القول بالجواز، فتأمل جيدا.

هذا كله في التراب المغصوب، أما المملوك و قد تيمم به في مكان مغصوب ففي المدارك أن الأصح الصحة، لأن الكون ليس من أفعال التيمم، بل هو من ضروريات الجسم، و فيه أن الضرب و المسح حركة و سكون، و هما كونان سيما الاولى، فلا ريب في حصول التصرف في مال الغير بذلك، على أن التيمم فعل و عمل في ملك الغير، و هو هواؤه، و لذا كان الأقوى الفساد، كما هو خيرة كشف اللثام، لكن علله «بأن الاعتماد جزء التيمم، فهو كاعتماد المصلي على ملكه الموضوع في أرض مغصوبة» انتهى. و هو جيد بالنظر إلى الضرب، و كذا لو كان التراب في آنية مغصوبة، للنهي عن الضرب المقتضي للفساد عقلا، إلا على ما سمعت، بخلاف الماء في الآنية المغصوبة، للنهي فيه عن الأخذ منها، و هو أمر خارج عن العبادة، مع احتمال الفساد فيه أيضا على بعد، فتأمل.

[في عدم جواز التيمم بالتراب النجس]

و كذا لا يجوز التيمم ب التراب النجس بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك و غيرها نسبته إلى مذهب الأصحاب مؤذنا بالإجماع عليه و لعله كذلك، لاشتراط الطهارة فيه إجماعا في جامع المقاصد و كشف اللثام و محتمل أو ظاهر الغنية و عن التذكرة و شرح الجعفرية، و لا نعرف فيه مخالفا في المنتهى، و يدل عليه مضافا الى ذلك الوصف بالطيب في الكتاب العزيز، إذ المراد به- كما لعله الظاهر منه و فسره به غير واحد بل في جامع المقاصد نسبته الى المفسرين- الطاهر، كما أنه قد يؤيده أي الاشتراط بل في الحدائق أن الاولى في الاستدلال به عليه النبوي المروي في

عدة أخبار(1)و فيها الصحيح و غيره «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا»

لما تقدم سابقا أن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 137

الطهور هو الطاهر المطهر، لكن قد يناقش بأنه لا دلالة فيها على اعتبار الطاهرية حال المطهرية.

نعم لو ثبت لزوم المطهرية للحدث أو الخبث للطاهرية أو أن الأصل ذلك كان دليلا آخر للمطلوب من غير حاجة الى الأخبار أيضا، لمعلومية مطهرية التراب، و لعل ذلك الأصل ثابت خصوصا بمعنى عدم سبق النجاسة، بل في جامع المقاصد «أنه لا يعقل كون النجس مطهرا» انتهى، و لا يرد الغسالة على بعض الأقوال و حجر الاستنجاء، لخروجها بالدليل، أو لاعتبار سبق الطهارة فيهما أيضا، فتأمل.

و المشتبه بالمحصور يجتنب كالماء، بل لعله لا يشرع الاحتياط بالتكرير، بناء على الحرمة الذاتية فيه كالماء كما صرح به الأستاذ في كشف الغطاء، مع احتماله للفرق بينهما بالأمر بالإراقة هناك دونه، و عدم ثبوت غير الحرمة التشريعية هنا، و لا فرق بين قلة التراب المتنجس و كثرته مع وقوع الضرب عليه كما صرح به في المنتهى، لفساد بعض الضرب المقتضي لفساده جميعه، و لاقتضاء الشرطية السابقة، و لا يعقل الاستهلاك هنا، و احتمال الصحة- بناء على عدم اشتراط استيعاب الضرب لما يتيمم به، أو أنه قليل لا يقدح بالاستيعاب عرفا- لا يخلو من وجه، نعم لا يقدح نجاسة غير المضروب قطعا و إن اتصل بالمضروب كأحد جانبي الحجر أو طرفيه.

[في عدم جواز التيمم بالوحل]

و كذا لا يجوز التيمم بالوحل أي الطين مع وجود التراب أو الحجر نصا و فتوى كما سيأتي ان شاء الله.

[في جواز التيمم بتراب فيه شي ء مستهلك من المعادن]

و ان مزج التراب بشي ء من المعادن كالكحل و الزرنيخ و نحوهما أو غيرها مما لا يجوز التيمم به من الدقيق و سحيق الأشنان و غيرهما فان استهلكه التراب أي كان كالمعدوم في عدم منافاته لصدق اسم التراب بل التراب الخالص، و لا عبرة بتعميق النظر و تدقيقه جاز التيمم به وفاقا للمشهور بين الأصحاب، للأصل و صدق الامتثال

ج 5، ص: 138

بضرب الصعيد و الأرض و نحوهما، و دعوى أن ذلك من المسامحات العرفية ممنوعة، مع عدم قيام دليل صالح على عدم اعتبارها في مثله، و تعذر أو تعسر خلوص المتيمم به من ذلك غالبا سيما لو اعتبر العلم به، كما هو قضية اشتراط الخلوص، فينافي حكمه مشروعية التيمم، خلافا لظاهر الغنية و صريح المحكي عن الخلاف، فمنعا

منه مع الخلط و إن استهلك، و هو- مع أني لم أجده في الثاني، و يمكن تنزيل الأول على غير المستهلك، سيما بعد دعواه الإجماع عليه، إذ ما نحن فيه مظنة حصوله على العكس- ضعيف جدا لا دليل عليه.

و إلا يكن الخليط مستهلكا كذلك، بل كان هو المهلك للتراب كذلك لم يجز التيمم به قطعا و إجماعا بقسميه، لأصالة الشغل مع عدم صدق الامتثال بضرب الصعيد و الأرض، بل و كذا ان لم يهلك أحدهما الآخر كما هو ظاهر المتن أو صريحه كالمبسوط و المنتهى و الذكرى و جامع المقاصد و كشف اللثام و غيرها، بل في الغنية الإجماع على عدم جواز التيمم بتراب خالطه شي ء من ذلك، و هو الحجة بعد الأصل في وجه، و صحة سلب اسم التراب عنه، و لا يعارض بسلب اسم الخليط، إذ هو لا يكفي في صحة التيمم به، لاشتراطه بالتراب لا بغير الكحل مثلا، كما لا يقال: إنه يصدق عليه اسم كل منهما لا سلبه، فيقال: هذا تراب و كحل، إذ الظاهر منع ذلك فيما نحن فيه من الامتزاج المتحقق باختلاط الاجزاء المتساوية اختلاطا لا يتحقق معه التمييز، فإنه بعد حصوله يتحد المختلطان و يكونان شيئا واحدا، فلا يصدق عليه انه تراب و كحل، لزيادة أمر آخر عليهما أخرجهما عن هذا الصدق، و هو الامتزاج، فهما و إن كانا جزءين ماديين لهذا الشي ء لكن مع ذلك فالامتزاج من مقوماته أيضا معهما، فالتراب حينئذ جزء، و لا وجه للحكم به على الكل، فلا يقال هذا تراب قطعا، بل إن قيل مثل ذلك في مقام تعداد الاجزاء يراد منه ان هذا الشي ء كحل و تراب حال

ج 5، ص: 139

كونهما ممتزجين، فيكون الخبر هو المجموع لا كل واحد منهما، فتأمل.

نعم يتجه ذلك في الخليط المتميز المستقل الذي لا يتصور فيه امتزاج كالشعر مع التراب، و ستسمع الكلام فيه، هذا. على أنا نقول بعد تسليم صدق اسم التراب عليه و انه كالخليط المتميز فلا ينافي صدق ضرب التراب ضرب غيره معه، لكن المعتبر في التيمم مماسة تمام باطن الكف للتراب حال الضرب، كما صرح به في كشف اللثام، و هو ظاهر غيره أو صريحه، و لا ريب في عدم حصول ذلك في محل الفرض و إن صدق ضرب التراب في الجملة.

و منه يظهر لك الحكم في الخليط المتميز، فلو فرض وجود تبنة و نحوها في تراب بحيث يحتجب وصول بعض الكف إلى التراب بطل، و لذا لم يكتف بعضهم بصدق اسم التراب، بل قال: إنه ينبغي اعتبار عدم الإمساس بالخليط مع ذلك، و إلا فلا ريب في حصول الاسم في المثال المذكور.

لكن قد يشكل ذلك أولا بالاكتفاء في جملة من كتب أصحابنا ببقاء الاسم من غير اعتبار ذلك كالقواعد و التحرير، بل عن السرائر و التذكرة و نهاية الاحكام و الدروس و البيان أنه يجوز بالمختلط مع بقاء اسم التراب، بل في المنتهى بعد أن حكى الخلاف المنع من التيمم بالمختلط و إن غلب التراب، و عن المبسوط الجواز مع الاستهلاك قال: «و بالأول قال الشافعي، و بالثاني قال بعض الشافعية حيث اعتبر الغلبة، و هو الأقوى عندي لبقاء الاسم، و لأنه يتعذر في بعض المواضع- ثم قال-: لو اختلط التراب بما لا يعلق باليد كالشعير جاز التيمم منه، لأن التراب موجود، و الحائل لا يمنع من التصاق اليد به» انتهى. و ثانيا بعدم الدليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، لصدق ضرب التراب و الصعيد من دون اعتبار ذلك.

و قد يدفع بأن مراد أولئك الأصحاب بالاكتفاء بالاسم انما هو في صورة الخلط

ج 5، ص: 140

الامتزاجي، فيرجع حينئذ عند التأمل إلى شرطية الاستهلاك كما يومي اليه ما في المنتهى أولا و غيره أيضا، و لا تعرض فيه للخليط الذي لا يتصور فيه الاستهلاك و إن قل، و لعل عدم تعرضهم له لعدم دخوله فيما يعتبر في المتيمم به، بل هو راجع إلى الكف، فيعتبر فيه الاستيعاب، و أما ما في آخر عبارة المنتهى فمع أنه قد استشكله بعض من تأخر عنه يحتمل ما في كشف اللثام و غيره من أنه بالاعتماد يندفن بالتراب أو الكف تماس التراب إذا حركت، لأنه لا تعلق بها و إن أورد عليه فيه بأنه يتوجه الجواز بالممتزج بنجس قليل إذا علم وصول الكف جميعها بالتحريك أو الاعتماد إلى الطاهر، و في جامع المقاصد أن فيه ترددا ينشأ من عدم تسمية الخليط ترابا.

إلا أنه قد يدفع الأول بأنه لا دليل على بطلان اللازم، بل ظاهر الأدلة تناوله، و ليس ذا من تعدد الوضع أو الضرب، بل هو من توابع الوضع الأول، و الثاني بمنع عدم التسمية في مثل ما نحن فيه، فتأمل. و أما دعوى عدم الدليل على الاستيعاب المذكور ففيه- مع أصالة الشغل في وجه و الاقتصار على المتيقن- أنه ظاهر التيمم البياني ك

قوله:

«وضع يديه»(1)

و

«ضرب بكفيه الأرض»(2)

و

«اضرب بكفيك الأرض»(3)

و نحوها(4)لظهور الاسم في تمام المسمى، فيراد تمام اليد و الكف، و احتمال صدق ذلك و لو ببعض الكف ممنوع، و لذا يصح سلب الضرب بالكف عنه، لكن و مع ذلك كله فالذي يقوى الاكتفاء بالاستيعاب العرفي بحيث يصدق عليه أنه ضرب بكفيه الأرض، و لعله متحقق و إن حصل بعض الخليط كشعيرة أو تبنة و نحوهما، بل و إن لم يكن خليط لكن لم يصل بعض أجزاء الكف كذلك، مع أنه قد يتعذر الخلوص


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 141

من مثل ذلك أو يتعسر في كثير من المواضع، و ربما نزل ما في المنتهى عليه، بل قد يؤيده أمور كثيرة تظهر بالتأمل في أخبار الباب و كتب الأصحاب و إن كان الأحوط ما تقدم، و كذا الكلام في الممتزج، فلا تقدح بعض الاجزاء الدقاق و إن منعت محلها من المماسة.

[في كراهة التيمم بالسبخة و الرمل]

و يجوز التيمم و لكن يكره بالأرض المالحة النشاشة المسماة بالسبخة و الرمل و هو معروف على المشهور بين أصحابنا نقلا و تحصيلا، بل في المعتبر الإجماع عليه عدا ابن الجنيد، فمنع في السبخ، بل عن التذكرة الإجماع في السبخة من غير استثناء كالمنتهى، حيث لم ينقل فيها خلافا إلا عن بعض الجمهور، كما أنه نسب الجواز مع الكراهة في الرمل إلى نص الأصحاب و جامع المقاصد، و عن التذكرة «يجوز بالرمل عندنا على كراهية» بل ظاهر المدارك أو صريحها كغيرها عدم الخلاف عندنا في جوازه بالرمل، و مراد الجميع الجواز اختيارا مع وجود التراب كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم.

فما في إشارة السبق و تبعه الأستاذ في كشف الغطاء من التيمم به عند فقد التراب ضعيف محجوج بما سمعت، و بتناول اسم الصعيد و الأرض له قطعا و ان اكتسب بسبب الحرارة تشتتا و تغيرا ما، و ما عن الجمهرة عن أبي عبيدة أن الصعيد هو التراب الذي لا يخالطه سبخ و لا رمل لا يلتفت اليه، على أنه لو كان كذلك لا دليل على جوازه في الاضطرار أيضا، كالمحكي عن ابن الجنيد من المنع بالسبخ و لعله لذلك و فيه ما عرفت، أو

الخبر عن محمد بن الحسين(1): «ان بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج، قال: فلما نفذ كتابي إليه تفكرت و قلت هو مما أنبتت الأرض، و مالي أن أسأله عنه، فكتب إلى لا تصل على الزجاج و إن حدثتك نفسك أنه مما أنبت الأرض، و لكنه من الملح و الرمل، و هما ممسوخان».

و فيه أنه لا تعرض فيه للسبخة، و لا كلام في المنع من الملح، و لعل ابن الجنيد أراد بالسبخ ما يعلو الأرض من الملح، فلا خلاف حينئذ كما يشهد له عدم استثنائه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يسجد عليه- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 5، ص: 142

من إجماع التذكرة، و تخصيص الخلاف ببعض الجمهور في المنتهى كما تقدم، نعم هو دال على المنع من السجود على الرمل، و يلزمه عدم التيمم هنا، لكنه- مع قصوره عن معارضة ما تقدم، بل لعل الإجماع على خلافه حتى من الحلبي في إشارته لتجويزه به حال الضرورة- محتمل لإرادة أنهما مسخا بصيرورتهما زجاجا، أي أنهما غيرا عن حقيقتهما السابقة، إلا أنه لا بأس بتأييد الكراهة في الرمل به، و بما سمعته عن أبي عبيدة و إن كنا في غنية عن إثباتها فيه و في السبخة بما تقدم بعد التسامح فيها، فتأمل جيدا.

[في استحباب أن يكون التيمم من ربا الأرض و عواليها]

و يستحب أن يكون التيمم من ربا الأرض و عواليها كما أنه يكره من المهابط إجماعا في الخلاف عليهما، و في المعتبر صريحا في الثاني، و ظاهرا أو صريحا في الأول، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة و صريح إجماع جامع المقاصد، و يؤيده- مع بعد العوالي عن النجاسات و زوالها عنها غالبا بالسيول و الرياح، فهو أبلغ في وصف الطيب بخلاف المهابط- ما ورد في تفسير الصعيد أنه الموضع المرتفع كالمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(1)و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم (2): «نهى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق»

و في

خبره الآخر قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(3): «لا وضوء من موطإ»

و عن النوفلي يعني ما تطأ عليه برجلك، خلافا للجمهور فلم يفرقوا بين المكانين و هو ضعيف، بل لا يبعد تفاوت مراتب الاستحباب و الكراهة شدة و ضعفا بتفاوت الأمكنة في القرب و البعد عن احتمال النجاسة و نحوها.

[في جواز التيمم بغبار الثوب و لبد السرج و عرف الدابة مع فقد التراب]

و مع فقد التراب عقلا أو شرعا، و الحجر و نحوه على المختار من مساواته للتراب،


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 143

بل و على غيره أيضا لتقدمه على الغبار عندهم، إلا النادر كسلار و يحيى بن سعيد فقدماه على الحجر، مع احتمال إرادة الأول الغبار الذي إذا نفض كان ترابا كافيا، بل لعله الظاهر من عبارته المحكية في المختلف، فتعليق المصنف الانتقال كالمقنعة و المبسوط و القواعد و المنتهى على التراب خاصة في غير محله، سيما من مثل الشيخ و المصنف و العلامة، لمساواته للتراب عندهم، اللهم إلا أن يريدوا به ما يشملهما اتكالا على ما سبق لهم، كما يشهد له بعض الامارات، فتأمل. فيوافق حينئذ ما في النافع و الذكرى و المعتبر و التذكرة و غيرها من التعبير بالصعيد، بل هو معقد إجماع الأخيرين حيث علقا الانتقال المذكور على فقد الصعيد، ثم نسباه إلى علمائنا، و النهاية و الوسيلة و السرائر و التحرير و عن المهذب من التصريح بتأخره عن الحجر، و يقرب منه ما في جامع المقاصد و الروض و المدارك.

يتيمم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته للنصوص (1)و ظاهر الإجماع المحكي في المعتبر و التذكرة إن لم يكن محصلا، لا إذا لم يفقده فإنه يجب التيمم به حينئذ بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر المعتبر و البحار و كشف اللثام و التذكرة الإجماع عليه إلا من ظاهر جمل المرتضى، فساواه مع التراب، مع أنه ليس بتلك المكانة من الظهور، و محتمل لما تقدم في كلام سلار.

و لا ريب في ضعفه بعد ما عرفت، و بعد

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «إن كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه، فيتيمم من غباره أو من شي ء معه»

و قول الصادق (عليه السلام) أيضا في صحيح رفاعة(3)كذلك، و إشعار غيرهما من الاخبار(4)به أيضا، و احتمال التمسك له بأن الغبار صعيد حقيقة و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 144

استخرج من غير الأرض لأنه كان مجاورا له، فإذا نفذ عاد إلى أصله و صار ترابا مطلقا يدفعه أن محل البحث في غير الجامع للشرائط منه من الاستيعاب و نحوه كما هو الغالب، و إلا فلو فرض كونه في حال كذلك إما بنفضه أو غيره فلا إشكال في مساواته له حينئذ.

نعم قد يشكل الحال في تقديم القليل من التراب عليه مع عدم صلاحيته للاستيعاب، و لعل الأقوى حينئذ تقديم أكثرهما و أشدهما مباشرة لليد مع احتمال تقديم التراب مطلقا، سيما بعد ما في المنتهى و المدارك من عدم تسمية الغبار صعيدا، قال في الأول: لأن الصعيد هو التراب الساكن الثابت، و ان كان ذلك ضعيفا بل ممنوعا عليهما، كمناقشة الثاني في تقديمه على الوحل مع التمكن منه بعد تسليمه أن الأصحاب قاطعون بذلك، و ان ظاهرهم الإجماع، و نسبته في المنتهى إلى علمائنا كظاهر غيره أيضا، مع شهادة التتبع لهما، إذ لم يحك عن أحد خلافا في ذلك إلا عن المهذب، فاشترطه بفقد الوحل.

و لا ريب في ضعفه بعد

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1): «إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به، فان الله أولى بالغدر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه و تتيمم به»

و انجباره بما سمعت يدفع المناقشة في سنده لو سلمت، و

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «ان كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه، فيتيمم به من غباره أو من شي ء معه، و ان كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه»

ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة(3):

«إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم به،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 4.

ج 5، ص: 145

فان ذلك توسيع من الله عز و جل، قال: فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه، فليتيمم من غباره أو شي ء مغبر، و ان كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه».

و المناقشة فيهما باختصاصه في حال الثلج المانع من الوصول إلى الأرض لا وجه لها، إذ الاستدلال بظاهر قوله (عليه السلام): «و ان» الى آخره حتى لو أريد الاستئناف منه، كما يشهد له الاقتصار عليه خاصة في صحيحة زرارة الأخرى عن الباقر (عليه السلام) أيضا و هي دليل آخر ك

مضمر ابن المغيرة(1)«إن كانت الأرض مبتلة و ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده، فتيمم من غباره أو شي ء مغبر، و إن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم»

و إطلاق غيرها منزل عليها.

نعم قد يعارض ذلك

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر زرارة(2)بعد أن سأل «عن رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد، قلت فإنه راكب و لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء، قال: إن خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو البرذعة و يتيمم و يصلي»

سيما بعد تعليله فيه كغيره بأنه الصعيد.

لكنه- مع ضعفه و احتماله الطين الجاف كما لعل فيه إيماء إلى ذلك، بل في المنتهى أنه مما تعرض فيه لنفي الماء دون التراب حتى في قوله: «و فيها الطين»- قاصر عن مقاومة ما تقدم من وجوه، فتأمل جيدا. و التعليل بالصعيدية يراد به أنه كان صعيدا كما يشير اليه ما في

آخر(3)«انه صعيد طيب و ماء طهور».

ثم ان ظاهر ما تقدم من الاخبار كخبر رفاعة و زرارة و أبي بصير و غيرهما عدم الترتيب فيما فيه الغبار كظاهر المصنف و المشهور، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 6.

ج 5، ص: 146

في النهاية، فرتب بين عرف الدابة و لبد سرجها و بين الثوب، مع عدم صراحته في ذلك، بل هو محتمل ما في المنتهى من أن ذلك لكثرة وجود أجزاء التراب في دابته و قلته في الثوب، و ابن إدريس في السرائر فعكس و هما ضعيفان، نعم ينبغي تحري الأكثر فالأكثر و من غير الثلاثة، و كأنها خصت لأنها مظنته، بل ظاهر جماعة إيجابه، و هو لا يخلو من قوة.

كما أن الظاهر منها أيضا و به صرح جماعة كون الغبار غبار التراب و نحوه، لا غبار الأشنان و نحوه، و يؤيده الإجماعات السابقة على عدم جوازه بغير الأرض، بل و لا الممتزج منها لذلك إلا أن يغلب الاسم، و لعل المنساق من عبارة المصنف و القواعد و غيرهما بل حكي عن الأكثر و ما سمعته من الاخبار السابقة و غيرها عدا خبر أبي بصير في كيفية التيمم بالغبار ضرب ما كان عليه منه باليدين، ثم يمسح به من غير نفض، لعدم تيسر انفصاله غالبا، سيما في حال المسؤول عنها في الاخبار، بل في

خبر زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) التصريح به، قال: «إن خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمم، يضرب يده على البرذعة و يتيمم و يصلي».

لكن في المقنعة و النهاية و المبسوط و المنتهى أنه ينفض فيتيمم بغبرته، كالمحكي عن سلار «نفض ثوبه و سرجه و رحله، فان خرج منه تراب تيمم به» مع احتمال إرادته ما لو أمكن استخراج تراب من مجموع ذلك، و هو متجه مع إمكانه لانتفاء الضرورة حينئذ، و إطلاق الاخبار منصرف إلى غلبة عدم تيسر مثل ذلك، سيما في مثل المسؤول عنه فيها، إلا أن ذلك ليس مما نحن فيه، كما أنه قد يتجه ما في المقنعة و ما بعدها إن أريد بالنفض فيها ما ذكره في الذكرى و جامع المقاصد و الروض و غيرها من أنه ينفض ثوبه و يستخرج الغبار حتى يعلوه، إلا أن يتلاشى فيقتصر على الضرب عليه، قلت:


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 147

حتى يتفاقم و يكون الضرب على الغبار نفسه، و لما يلوح من الاخبار ك

قوله (ع): «فلينظر لبد سرجه أو شي ء مغبر»

و نحوهما من اعتبار محسوسية الغبار كما في حاشية المدارك، أو أريد أنه بنفضه جميعه يجمع منه غبار لا يحصل بدونه، إذ الضرب عليه انما يكون على مقدار اليدين خاصة.

و لعل الذي دعاهم إلى ذلك ما في خبر أبي بصير السابق، و في انطباقه على إطلاقهم النفض الذي قد يتخيل منه التيمم بالغبرة الكائنة منه و إن لم تستقر في مكان سيما بعد إشعار غيره من الاخبار بخلافه، و منافاته للتوسعة التي هي منشأ مشروعية هذا الحكم تأمل و نظر، فقد يحمل على إرادة الاجتزاء بذلك لا وجوبه، أو على ما سمعته في كلام سلار أو نحو ذلك، و إلا فالأقوى عدم التضيق بشي ء من ذلك، و الاجتزاء بالضرب على ناحيته مما علته الغبرة إن كان، و إلا فعلى ذي الغبار الكامن فيه إذا كان الضرب مما يهيج الغبار إلى الكفين، كما قد يومي اليه

قول الباقر (عليه السلام)(1)في صحيح زرارة في المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟: «تيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فان فيها غبارا»

فتأمل جيدا.

[في جواز التيمم بالوحل]

و على كل حال ف مع فقد ذلك أي الغبار يتيمم بالطين، و يسمى بالوحل إذا كان مما يجوز التيمم به إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا صريحا و ظاهرا و نصوصا(2)قد تقدم سابقا جملة منها، لا مع عدم فقده، فإنه يقدم عليه كما عرفت، لكن من المعلوم أن ذلك حيث لا يمكن تجفيف الطين و إرجاعه للصعيد و لو بإطلائه و انتظاره، و إلا

وجب و كان مساويا للتراب، للمقدمة و لعدم صدق الاضطرار، و به صرح العلامة و من تأخر عنه، بل في الرياض أنه ليس محل خلاف، و في المدارك قطعا، و هي من مثله كالإجماع، بل قد يشعر صحيح رفاعة السابق بمطلوبية ما أمكن من


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 148

التجفيف و إن لم يصل إلى حد التراب.

و احتمال المناقشة- بعدم وجوب مثل هذه المقدمة التي هي أشبه شي ء بمقدمة الوجوب، و بإطلاق الأدلة و ترك الاستفصال فيها، و اشتمالها على التعليل بأنه الصعيد، و بعد فرض ذلك كله في ضيق الوقت و نحوه بحيث لا يستطيع التجفيف- مدفوع بعدم الفرق فيما دل على وجوب مقدمة الواجب المطلق بين هذه المقدمة و غيرها، و بانصراف الإطلاق لغير هذه الحال، و منه يعلم الوجه في ترك الاستفصال سيما بعد

قوله (ع): «إذا كان في حال لا يجد إلا الطين»

لكن و مع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال، فتأمل.

إنما البحث في كيفية التيمم بالوحل، فظاهر المصنف و غيره بل صريح السرائر و غيرها أنه كالتيمم بالأرض، و هو الذي يقتضيه ظاهر إطلاق الاخبار سيما في مقام البيان، إلا أنه ينبغي إزالته عن اليد كنفض التراب، لكن في المقنعة أنه «يضع يديه ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة ثم يمسح بهما وجهه» و المبسوط و عن الخلاف و النهاية أنه «يضع يديه في الطين ثم يفركه و يتيمم به» و الوسيلة «قد أطلق الشيوخ رحمهم الله ذلك، و الذي تحقق لي أنه يلزم أن يضرب يديه على الوحل قليلا و يتركه عليها حتى ييبس ثم ينفضه عن اليد و يتيمم به» و اختاره في التحرير.

قلت: لكن ينبغي القطع ببطلان الأخير إن أريد الاجتزاء بالضرب الأول قبل التجفيف ثم المسح بعد النفض، إذ لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، مع ما فيه من فوات الموالاة، كما أنه ينبغي القطع بصحته ان أريد تجفيفه قبل ضرب التيمم ثم يتيمم به بعد يبسه مع سعة الوقت، لكنه خارج عما نحن فيه، لرجوعه للتيمم بالتراب كما تقدم سابقا، و كذا ما في كتب الشيخ إلا أنه يحتمل قويا إرادة الإزالة من الفرك، فيكون بمنزلة النفض في التيمم بالتراب، فيوافق المختار حينئذ مع مراعاة الموالاة، و قد يشعر به ما في المعتبر حيث قال بعد ذكره ما في المبسوط: انه الوجه، لظاهر الأخبار،

ج 5، ص: 149

إذ قد عرفت ان ظاهرها ما قلنا، كما أنه في التذكرة بعد ذكره كلام ابن حمزة أنه الوجه عندي ان لم يخف فوت الوقت، و ان خاف عمل بقول الشيخ، إذ لو لم ينزل قول الشيخ على ما ذكرنا لكان فيه أيضا خوف من فوات الوقت، بل يمكن تنزيل ما في المقنعة أيضا عليه، بل لعله أقرب فيتحد الجميع، و ان أبيت فهم محجوجون بما عرفت.

و المراد بالوحل في المتن مطلق الطين كما علق الحكم عليه في كثير من الاخبار لا الطين الرقيق و إن فسره به في القاموس، نعم لا يدخل في الطين عرفا مطلق الأرض الندية و التراب كذلك فيجوز التيمم به اختيارا كما نص عليه الفاضلان في المعتبر و التذكرة، بل في الثاني «لا يشترط في التراب اليبوسية، فلو كان نديا لا يعلق باليد منه غبار جاز التيمم به عند علمائنا» انتهى. فهو مع صدق الصعيد الحجة، مضافا إلى صحيح رفاعة السابق، لكنه قد يظهر منه تقييد الجواز بعدم التمكن من الجاف، سيما تعليق ذلك فيه بأنه توسع من الله عز و جل، إلا أنه يمكن حمله على ما لا ينافي المطلوب من إرادة الاشتراط بالنسبة الى بعض أفراد الاجف و ان كان طينا أو غير ذلك، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر المصنف و غيره بل صرح به جماعة انحصار ما يتيمم به و لو اضطرارا بما ذكره من المراتب، فمع عدم شي ء منها كان فاقد الطهورين حينئذ، و يأتي الكلام فيه من غير فرق في ذلك بين أن يجد الثلج و الماء الجامد الذي لا يستطيع الغسل به و عدمه، وفاقا للأكثر و خلافا للمحكي عن مصباح السيد و الإصباح و المراسم و ظاهر الكاتب، فأوجبوا التيمم بالثلج مع عدم التمكن حيث لا يوجد غيره و لا يمكن حصول مسمى الغسل به و لو كالدهن، و اختاره في القواعد و الموجز الحاوي و عن البيان، و كأنه للاحتياط، و ما دل (1)على عدم سقوط الصلاة بحال، و استصحاب التكليف بها،


1- 1 الوسائل- الباب 1 و 2 و 6 و 7 و 8 و 11 من أبواب وجوب الصلاة.

ج 5، ص: 150

و

حسن محمد بن مسلم أو صحيحه (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أجنب في سفره و لم يجد الا الثلج أو ماءا جامدا، فقال: هو بمنزلة الضرورة، يتيمم و لا أرى أن يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه».

و فيه- مع عدم صلاحية شي ء من ذلك عدا الخبر لإثباته، بل و الخبر لعدم صراحته بل و لا ظهوره في التيمم به، لاحتمال إرادة الانتقال الى التيمم بالتراب كما يومي اليه قوله (عليه السلام) «بمنزلة الضرورة» و استبعاد فقدان كل ما يتيمم به حتى الغبار و الطين، سيما مع ترك استفصاله عن ذلك، و ان كان ربما شهد للأول النهي عن العود، و عد ذلك هلاك الدين، إذ لا هلاك في التيمم بالتراب بعد كونه أحد الطهورين، و أنه مما أمتن الله به على هذه الأمة- أنه مناف لما سمعته سابقا من الإجماع على عدم جواز التيمم بغير الأرض، و لقد أجاد ابن إدريس في رد المرتضى بأن الإجماع منعقد على أن التيمم لا يكون إلا بالأرض و ما يطلق عليه اسمها، و ما في المنتهى من أن المسلم منه في حال التمكن لا مطلقا في غير محله.

[في جواز التيمم مع وجود الثلج و عدمه]

كل ذا مع ظهور الخطابات الشرعية كتابا و سنة في انحصار الطهارة بالمائية و التراب، و وفائهما ببيان كيفية كل منهما بحيث لا يشارك إحداهما الأخرى، و من هنا احتمل بعضهم في الخبر السابق أن يراد بالتيمم فيه مسح أعضاء الطهارة بنداوة الثلج على كيفية المائية مجازا، كما أنه احتمل آخر ذلك في كلام المرتضى و من تبعه، و

هو مع بعده لعدم القرينة مبني على وجوب ذلك عند الاضطرار و ان لم يحصل به مسمى الغسل، و فيه منع و ان أوجبه الشيخان و ابنا حمزة و سعيد، و اختاره في المنتهى و التذكرة و المختلف و الحدائق و عن نهاية الاحكام، كما أنه استحسنه في كشف اللثام، و لعله لما دل(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الوضوء.

ج 5، ص: 151

على الاكتفاء بمثل الدهن في الوضوء من الاخبار المذكورة في بابه، و على أنه

«يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلت يمينك»

كما في

خبر هارون بن حمزة(1)عن الصادق (عليه السلام)، و أنه «إذا مس جلدك الماء فحسبك»

كما في صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام)(2)، و ل

خبر معاوية بن شريح (3)قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا عنده فقال: يصيبنا الدفق و الثلج، و نريد أن نتوضأ و لا نجد إلا ماءا جامدا فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال: نعم»

و

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل أ يتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: الثلج إذا بل رأسه و جسده أفضل، فان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم»

و نحوه خبره الآخر المروي (5)عن قرب الاسناد، و ل

صحيح ابن مسلم (6)عن الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج، قال: يغتسل بالثلج أو ماء النهر»

و لأن الواجب عليه: أمران إمساس جسده بالماء و إجراؤه، و تعذر الثاني لا يسقط الأول، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، و لأن ما لا يدرك كله لا يترك كله. هذا مضافا الى ما سمعته في حجة المرتضى من عدم سقوط الصلاة بحال و نحوه.

لكن في الجميع نظر، إذ هذه الاخبار- مع الطعن في سند خبري علي بن جعفر كخبر ابن شريح، و اشتمالهما على ما لا يقول به الخصم من تقديمه على التيمم مع تعليق التيمم فيهما على تعذر الاغتسال المتحقق و ان تمكن من المسح بالنداوة، و ظهور


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الوضوء- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التيمم- الحديث- 2 و فيه« الدمق» بدل« الدفق».
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التيمم- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التيمم- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 152

التخيير بين الثلج و ماء النهر في صحيح ابن مسلم في التمكن من الاغتسال به، سيما مع الأمر به فيه، كظهور أخبار الدهن و ما بعدها في الاجتزاء بذلك اختيارا، و معارضتها بما دل (1)على اعتبار الجريان فيما يغتسل به الجنب- قاصرة عن إثبات هذا الحكم من وجوه كثيرة، بل لعل الظاهر منها إرادة بيان أقل أفراد الغسل، و هو ما اشتمل على إجراء الماء باليد كالدهن، كما يشعر به عدة أمور اشتملت عليها، بل عن حاشية المجلسي نسبة تنزيلها على ذلك الى الأصحاب، و سيما مع ندرة تحقق الإمساس من دون إمكان إجراء ماء و لو بمعين، و قد تقدم لنا في باب الوضوء عند قول المصنف:

«و يجزى مسمى الغسل» ما له نفع تام في المقام، فلاحظ.

و أقصر منها التعليل و ما بعده، إذ هو مع أن قضيته التقديم على التيمم و لا يقول به الخصم لا دليل على وجوب الإمساس في نفسه، بل لو كان مقدمة للغسل فبعد انتفائه انتفى، و عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه لا يجري في الاجزاء العقلية كالجنس و الفصل و نحوهما، كما هو واضح، و الاحتياط لا دليل على وجوبه حتى يعارض أصالة البراءة و استصحاب التكليف بالصلاة مع أنه قد يعارض بمثله لا يصلح لإثبات حكم لا دليل عليه، كعموم ما دل على عدم سقوط الصلاة بحال، مع أنه قد يكون طريقا لم يصل إلينا.

فالتحقيق الذي لا محيص عنه في المقام انه ان أمكن تحصيل مسمى الغسل بالثلج و نحوه و لو كالدهن وجب بل مقدم على التيمم، لأنه أحد أفراد الطهارة الاختيارية، و الا فلا وفاقا للسرائر و المعتبر و جامع المقاصد و غيرها، و من العجيب ما عساه يظهر من المقنعة بل في كشف اللثام أنه نصها، و محتمل المبسوط و الوسيلة كما عن النهاية من تقديم التيمم على الاغتسال بالثلج و إن حصل مسمى الغسل لظهور الأدلة، بل لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الجنابة- الحديث 1.

ج 5، ص: 153

المقطوع به منها خلافه، و ما يقال: إن ذلك لعله للحرج و المشقة يدفعه أن المتجه حينئذ سقوطه مع عدم التمكن من التراب لا وجوبه كما صرحوا به.

و ما أبعد بين هذا القول و القول بتقديم إمساس نداوة الثلج و إن لم يحصل مسمى الغسل به على التيمم بالتراب كما يظهر من الحدائق و حكاه عن كتابي الاخبار، و فيه- مع ظهور صحيحتي رفاعة و زرارة المتقدمتين سابقا حيث أمر بالتيمم في الغبار حال الثلج من غير استفصال عن التمكن من ذلك و عدمه- ما عرفته سابقا في أصل اعتباره فضلا عن تقدمه على التيمم.

[مراتب التيمم عندنا ثلاثة]

فتحصل من ذلك كله أن مراتب التيمم عندنا ثلاثة: أولها وجه الأرض، و ثانيها الغبار، و ثالثها الطين، و بناء على اعتبار الثلج تكون أربعة، بل خمسة بناء على تأخر الحجر عن التراب، بل ستة بناء على الترتيب أيضا بين غبار الثوب و الدابة أو بالعكس، لكن قد ظهر لك ضعف الجميع و أنها ثلاثة خاصة.

كما أنه قد ظهر لك طريق الاحتياط إلا أنه قال في المفاتيح: «إن الأحوط اعتبار التراب الخالص مع التمكن، أما مع فقده فيجوز بغبار الثوب و نحوه، ثم بالجص و النورة ثم بالطين، ثم بالحجر و الخزف» و فيه ما لا يخفى، بل لعله مخالف للإجماع بالنسبة إلى تأخر الحجر عن الطين، بل و كذا في تقديم الغبار على غيره من الحجر و نحوه مما ثبت أنه أرض، كما أنه يظهر لك بالتأمل فيما قدمنا ما في كشف الغطاء للأستاذ الأكبر قدس الله روحه، حيث جعل المراتب سبعة أو ستة موجبا لمراعاتها، الأول التراب، و الثاني الأرض غيره من الحجر و المدر و الحصى و الرمل و الجص و النورة، و الثالث غبار التراب، و الرابع غبار الأرض مما لا يعد ترابا كالجص و النورة و سحيق المشوي و نحوها، ثم قال: بل هو مرتبة ثانية من الغبار في وجه قوي، انتهى. و حينئذ تكون خمسة بناء عليه، و السادس الوحل، و السابع ما تركب من قسمين من الأقسام السابقة

ج 5، ص: 154

أو أكثر، ثم أخذ في ذكر صور الأخير و الترجيح بينها، و هو كما ترى يتطرق اليه النظر من وجوه تعرف مما تقدم فتأمل، و الله أعلم.

[الطرف الثالث في كيفية التيمم]
اشاره

الطرف الثالث في كيفية التيمم

[في عدم جواز التيمم قبل الوقت]

لكن لا بأس بذكر محله قبل ذلك، ف نقول لا يصح التيمم قبل دخول الوقت إجماعا محصلا و منقولا في ظاهر المعتبر أو صريحه و صريح التذكرة و المنتهى و القواعد و التحرير و الذكرى و التنقيح و جامع المقاصد و الروض و المدارك و المفاتيح و غيرها بل لعله متواتر، و هو الحجة في الخروج عن عموم المنزلة المقتضي لصحته قبل الوقت كالوضوء، و إلا فأكثر ما استدل به عليه غيره محل نظر، مع احتمال المناقشة في صحة المائية للفرض قبل الوقت أيضا، فلا حاجة حينئذ لتخصيص عموم المنزلة، إذ لا يكون ذلك من خواص التيمم، لكن ظاهر المعتبر و المنتهى أو صريحهما أن ذلك من خواصه، و به افترق عن المائية للدليل عليها دونه.

و فيه أنه من المعلوم كون المراد بعدم جوازه أي التيمم قبل الوقت انما هو إذا أريد به لذات الوقت كما صرح به في جامع المقاصد و غيره، و الا فلا إشكال في جوازه للغايات الأخر كصلاة نافلة و نحوها، و ليس من المائية ما يجوز فعلها قبل الوقت لذات الوقت، نعم يجوز فعلها قبله باعتبار استحباب الكون على طهارة في نفسه، و لا دليل على منع قيام التيمم مقامها في ذلك، بل عموم المنزلة يقتضيه كما صرح به في جامع المقاصد الا أنه قال على تأمل.

لا يقال: انه صرح جماعة باستحباب الوضوء للتأهب للفرض، و ليس هو إلا الوضوء للفرض قبل الوقت، لأنا نقول- مع أنه أنكره في كشف اللثام، و قال:

إنه لا معنى له الا الكون على طهارة، فيرجع الى السابق حينئذ-: إن التأهب للفرض غاية غير الفعل للفرض، فلا بأس في قيام التيمم مقامها في ذلك حينئذ لعموم المنزلة،

ج 5، ص: 155

لكن الإنصاف أنه لا يخلو من نظر و تأمل بل منع، لظهور تناول معاقد الإجماعات له، بل كاد يكون صريح بعضهم.

فيكون الحاصل حينئذ أن المراد بعدم جوازه قبل الوقت عدم مشروعيته للتأهب كالمائية أو هو مع الكون على الطهارة في وجه، و إن كان الأقوى العدم فيه بخصوصه، لعموم المنزلة من غير معارض حتى الإجماعات، فحينئذ لو تيمم قبل الوقت لذات الوقت لم يكن مشروعا بالنسبة الى ذلك، لكن قد يقال بعدم فساد التيمم في نفسه بعد فرض استحبابه للكون على طهارة، إذ هو حينئذ كالوضوء لغاية لم يشرع لها، لأن ملاحظة الغاية أمر خارج عنه، اللهم إلا أن يقال بعدم حصول التقرب فيه، لأنه قصد ما لا يشرع له، و ترك ما شرع له، فتأمل جيدا فاني لم أعثر على تنقيح في كلام الأصحاب لذلك كله، كما أنه لم أعثر على تنقيح في كلامهم لتناول معقد الإجماع على عدم الصحة قبل الوقت ما لو علم عدم التمكن من التيمم أصلا أو الاختياري منه بعد الوقت أو ظنه، و ان كان قضية الإطلاق ذلك.

لكن استظهر العدم شيخنا الأكبر في شرح المفاتيح و حاشية المدارك، فأوجب التيمم قبل الوقت في مثل هذا الحال للمقدمة، و لا مانع من وجوبها قبل الوقت هنا، إذ هي كمقدمات الحج و نحوها حينئذ، و عموم المنزلة و شدة الاهتمام بأمر الصلاة و عد العبد عاصيا بمثله عرفا لظهور بقائه إلى وقت الواجب، هذا كله مع عدم معارض سوى إطلاق الإجماع، و شموله لمثله من الافراد النادرة محل منع، على أنه إجماع منقول، و لا يقوى على ما ذكرنا، سيما بعد إمكان المناقشة فيه بما نقل من القول بوجوب الطهارات لنفسها، و سوى مفهوم الآية(1)و

قوله (عليه السلام)(2): «إذا دخل


1- 1 سورة المائدة- الآية 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوضوء- الحديث 1.

ج 5، ص: 156

الوقت وجب الطهور و الصلاة»

و فيه ما مر أيضا.

و في الكل نظر إلا ظهور الاهتمام بأمر الصلاة من الأدلة، إلا أنه في إيجابه ذلك مع الظن أو عدم التمكن من خصوص الاختياري و إن تمكن من الغبار أو الوحل نظر أو تأمل، مع أنه قد يقال بعد التسليم لم لا يكون الواجب عليه حينئذ التيمم لغاية يشرع لها من نافلة أو الكون على طهارة بناء عليه أو نحو ذلك و إن كانت مستحبة بالأصل و يحفظ للفريضة، فلا ينافي حينئذ معاقد الإجماعات من عدم مشروعيته لذات الوقت قبل الوقت، و قد مر سابقا في إراقة الماء قبل الوقت لمن علم عدم التمكن منه بعده ما له نفع تام في المقام، فلاحظ و تأمل جيدا.

هذا كله فيما قبل الوقت

[في جواز التيمم مع سعة الوقت و عدمه]

و أما بعده ف يصح مع تضييقه إجماعا محصلا و منقولا أيضا في التحرير و التنقيح و جامع المقاصد و الروض و المدارك و كشف اللثام و غيرها و عن نهاية الاحكام و حواشي الشهيد، مع ما في الأخير أنه ترك نقل الإجماع فيه لشدة ظهوره، قلت: و هو كذلك لكن ينبغي التأمل في المراد من الضيق فهل هو عدم زيادة الوقت على مقدار الواجب من التيمم و الصلاة بل و أقله، أو عليه مع فعل بعض المندوبات المتعارفة كالقنوت و جلسة الاستراحة أو نحوهما، أو على ما عزم عليه من فعلهما من نهاية الطول و القصر و الوسط؟ لا يبعد جعل المدار على الصلاة المتعارفة على حسب اختلافها باختلاف الأشخاص بطء و سرعة، إذ هي التي ينصرف إليها الإطلاق كما في غير المقام من التحديدات.

و هل المعتبر في معرفة الضيق العلم أو هو مع الظن أو خوف الفوات و إن لم يصل الى درجة الظن؟ لا يبعد الأخير و ان علق في كثير من كلماتهم على الظن، ل

صحيح زرارة أو حسنه (1)«فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم»

مع ما في التكليف في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 157

الأولين من التغرير بفوات الواجب، بل قد يتعذر أو يتعسر حصولهما لكثير من الأشخاص في كثير من الأوقات، و من الأمر به في الصحيح المذكور بضميمة اقتضائه الاجزاء يستفاد عدم وجوب الإعادة عليه لو انكشف بعد ذلك فساد ظنه حتى لو وجد الماء و كان في سعة كما صرح به بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا الا ما يحكى عن الشيخ في كتابي الأخبار، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة(1)حد الاستفاضة الدالة على عدم الإعادة لمن وجد الماء بعد صلاته و كان في وقت مع اشتمالها على التعليل بأنه فعل أحد الطهورين، و باتحاد ربهما، لتناولها بإطلاقها من فعل الصلاة بظن التضيق ثم انكشف الخطاء، بل قد يتعين فيها ذلك بناء على اعتبار التضيق في التيمم.

فما عن كتابي الأخبار للشيخ من الحكم بالإعادة ضعيف، و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر منصور بن حازم (2)في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء: «أما أنا فكنت فاعلا إني كنت أتوضأ و أعيد»

و هو- مع قصوره عن معارضة ما تقدم من وجوه، بل احتماله غير ما نحن فيه- واضح الدلالة على الاستحباب، بل لعله يكون قرينة حينئذ على إرادة ذلك من

قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر يعقوب بن يقطين (3)بعد أن سأله «عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء أ يتوضأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد، فان مضى الوقت فلا إعادة عليه»

مع أن قضية المفهوم فيه عدم الإعادة إن لم يجد الماء في الوقت كما هو بعض الدعوى، فتأمل جيدا.

و ثمرة جميع ما سمعت تظهر على القول باعتبار الضيق في التيمم كما تسمعه، و اليه أشار المصنف بقوله و هل يصح التيمم مع سعته أي الوقت فيه تردد منشأه اختلاف النصوص و الفتاوى، فالأكثر كما في المنتهى و البحار و كشف اللثام و غيرها،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 8.

ج 5، ص: 158

و المشهور كما في المختلف و المسالك و غيرهما على المنع مطلقا، بل في السرائر أنه مذهب جميع أصحابنا إلا من شذ ممن لا يعتد بقوله، لأنه عرف باسمه و نسبه، بل في الانتصار و الغنية و عن الناصريات و شرح جمل السيد للقاضي و أحكام الراوندي الإجماع عليه، بل ربما حكي ذلك عن الشيخ أيضا إلا أنه لم يثبت.

و هو الحجة سيما بعد اعتضاده بالشهرة و الاحتياط اللازم المراعاة هنا في وجه، و بأنه طهارة اضطرارية، و لا اضطرار قبل ضيق الوقت، و بأنه مكلف بصلاة ذات طهارة مائية في ضمن هذا الوقت، و لذا ينتظر الماء لو علم حصوله و لو في آخر الوقت، فلا يسقط إلا بالعجز، و لا يعلم الا عند الضيق، مضافا الى

صحيح ابن مسلم (1)قال:

«سمعته يقول: إذا لم تجد ماء و أردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت، فان فاتك الماء لم تفتك الأرض».

و

حسن زرارة أو صحيحه عن أحدهما (عليهما السلام)(2)«إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوت الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت»

و في رواية أخرى (3)«فليمسك» بدل «فليطلب» و لذا في المنتهى جعلها رواية ثانية.

و

خبره الآخر عن أحدهما (عليهما السلام)(4)قال: «إن خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمم يضرب يده على اللبد أو البرذعة»

الحديث.

و

موثق ابن بكير عن الصادق (عليه السلام)(5): «إذا تيمم الرجل فليكن


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 5، ص: 159

ذلك في آخر الوقت، فان فاته الماء فلن يفوته الأرض»

ك

موثقه الآخر(1)المروي عن قرب الاسناد عن الصادق (عليه السلام) أيضا «في رجل أجنب فلم يجد الماء يتيمم و يصلي، قال: لا حتى آخر الوقت انه إن فاته الماء لم تفته الأرض».

و

خبر محمد بن حمران عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل الصلاة قال: يمضي في الصلاة، و اعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت».

و نحوه المروي في

البحار عن دعائم الإسلام (3)عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «لا ينبغي أن يتيمم من لم يجد الماء الا في آخر الوقت».

و أوضح منهما ما في

فقه الرضا (عليه السلام)(4)«ليس للمتيمم أن يتيمم حتى يأتي إلى آخر الوقت أو إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة»

هذا. مضافا إلى ما تقدم آنفا مما دل على الإعادة لو وجد الماء في الوقت، و موافقة ما دل على السعة(5)للمحكي عن إطباق العامة، و القصور سندا أو دلالة لو كان في البعض منجبر بما عرفت.

و قيل بالجواز مطلقا و هو خيرة المنتهى و التحرير و البيان و مجمع البرهان و المفاتيح و الكفاية و منظومة الطباطبائي و محتمل الإرشاد و المحكي عن الصدوق و ظاهر الجعفي و البزنطي، و في المدارك و الرياض أنه لا يخلو من قوة، و عن حاشية الإرشاد أنه قوي متين، كما عن كشف الرموز أن النظر يؤيده، و عن المهذب البارع أنه قول مشهور


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب التيمم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 2.
4- 4 فقه الرضا عليه السلام ص 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 160

كالأول، للأصل في وجه قوي في خصوص ما نحن فيه من الشك في الشرطية، و إطلاق ما دل على وجوب الصلاة بدخول الوقت كتابا(1)و سنة(2)أو على استحباب فعلها في أول الوقت و الحث على المحافظة عليه المقتضي لتمكن المكلف من الامتثال، و ليس إلا بالتيمم و عموم المنزلة و أنه أحد الطهورين، و قوله تعالى (3)«فَلَمْ تَجِدُوا»* بعد عطفه على جواب الشرط السابق

كالنبوي المروي عن الخصال (4)«فضلت بأربع، جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا، و أيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء و وجد الأرض فقد جعلت له مسجدا و طهورا»

الحديث. كالآخر

المروي (5)على لسان غير واحد من الأصحاب «أينما أدركتني الصلاة تيممت و صليت»

و ما يشعر به أيضا الأمر في الموثق (6)و خبر السكوني (7)بالتيمم عند خوف الزحام في يوم الجمعة أو عرفة كما سيأتي التعرض له.

و

خبر داود الرقي عن الصادق (عليه السلام)(8)«أكون في السفر و تحضر الصلاة و ليس معي ماء، و يقال: إن الماء قريب منا، أ فأطلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا؟

قال: لا تطلب الماء و لكن تيمم، فإني أخاف»

الحديث. بل قد يشعر به ما دل (9)


1- 1 سورة الإسراء- الآية 80.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوضوء- الحديث 1.
3- 3 سورة المائدة- الآية 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 3.
5- 5 المستدرك- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التيمم- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التيمم- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 161

على الغلوة و الغلوتين من حيث ظهور الاكتفاء بذلك في صحته من غير شرط آخر، فتأمل.

كغيره مما هو ظاهر في ذلك، و في عدم توقفه على غير عدم التمكن من استعمال الماء.

و

خبر أبي عبيدة(1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن المرأة ترى الطهر في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة. قال: إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلي»

الى آخره. و كاشعار

الصحيح (2)«في إمام قوم أصابته جنابة و ليس معه ماء يكفيه للغسل أ يتوضأ بعضهم و يصلي بهم؟ قال: لا، و لكن يتيمم الجنب الامام و يصلي بهم، إن الله قد جعل التراب طهورا كما قد جعل الماء طهورا»

لغلبة وقوع الجماعة أول الوقت مع بعد أمر المأمومين بالتأخير إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الامام مع وجود إمام متوضئ، مع أنه في كمال المرجوحية سيما على القول بتنويع الوقت بالاختياري و الاضطراري، و أبعد منه حمله على اتفاق التأخير للجميع.

و فحوى المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة(3)بل لعلها متواترة الدالة بأنواع الدلالة على عدم الإعادة لمن صلى ثم وجد الماء، و في كثير منها التصريح بوجدانه في الوقت، بل في بعضها ظهور التراخي بين الصلاة و وجدان الماء في الوقت، و في آخر التعليل بأنه أحد الطهورين و لا يكون ذلك إلا بمشروعيته في السعة و حملها على إرادة الصلاة في وقت لا الإصابة فيه بعيد بل ممتنع في كثير منها، كحملها على العلم أو الظن بالضيق ثم انكشف السعة سيما بعد اعتبار المضايقة الحقيقية أو ما يقرب منها كما يظهر من الغنية و السرائر خصوصا الثاني، حيث أنكر تصور فرض وجدان الماء في الوقت بناء على التضيق، و نسبه إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الحيض- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 162

المخالفين، مضافا الى ترك الاستفصال فيها عن ذلك مع ظهورها في الفعل عمدا بدون الظن المذكور.

كل ذا مع بعد التكليف بذلك، لما فيه من العسر و المشقة في كثير من الأوقات لكثير من الناس خصوصا النساء و الأعوام، و خصوصا المرضى و نحوهم، و سيما بالنسبة للعشاءين بناء على تعميم المسألة لجميع أسباب التيمم، للإجماع في الروض على عدم الفرق في ذلك مع سهولة الملة و سماحتها، سيما و أصل مشروعية التيمم لذلك، و إرادة اليسر بالعباد و ما فيه من التغرير بترك الصلاة، بل العبث فيما لو علم عدم حصول الماء تمام الوقت، بل فيه فوات مصلحة أول الوقت من الاستحباب المؤكد و نافلة العصر بناء على عدم مشروعيتها إلا بعد صلاة الظهر، بل و الزوال بناء على أنها نافلة للفرض و لا تشرع الا بعد حصول الخطاب به، و لا خطاب، إذ هو يؤول إلى الوجوب المشروط على مذهب الخصم، لتوقفه على الطهور الذي لا يحصل و لا يصح إلا عند الضيق، و مع ذلك كله لو كان كذلك لشاع و ذاع لتوفر الدواعي إلى نقله و غلبة وقوعه، إلى غير ذلك من المبعدات الكثيرة التي لا يمكن أن تستقصى، و ستسمع بعضها في آخر البحث.

هذا مع ظهور مساواته لغيره من ذوي الأعذار كالمستحاضة و المسلوس و ذي الجبيرة، بل قد يشرف التأمل في هذه الأمور و ملاحظة فحاوي الأدلة الفقيه على القطع بفساد القول بالتضيق فيما لو علم عدم زوال العذر، على أنه لا شي ء من أدلة الخصم ينهض عليه بخصوصه سوى الإجماع المدعى و حسن زرارة أو صحيحه على تقدير «فليمسك» كخبره الآخر الذي بعده و الرضوي، و إلا فغيرها من أدلته ظاهرة في التأخير لرجاء الماء كما يومي اليه ما فيها

«فان فاتك الماء لم تفتك الأرض»

و نحوه، و احتمال خصوصية التعليل و عمومية المعلل بعيد.

و الرضوي- مع أنه ليس بحجة عندنا سيما بعد إعراض الصدوق الذي هو الأصل

ج 5، ص: 163

في شبهة حجيته لما نقل عنه من القول بالتوسعة هنا- محتمل لكراهة التعجيل مع الرجاء، كما عساه يشعر به ما في ذيل عبارته، و ما في خبر محمد بن حمران و دعائم الإسلام للتعبير بلفظ «لا ينبغي» سيما الأول.

و صحيح زرارة- مع ما فيه من الاضطراب و الاشعار بالرجاء على تقدير «فليطلب» و قصوره عن معارضة غيره من وجوه- محتمل الاستحباب، أو لإرادة الإمساك عند الرجاء خصوصا مع ملاحظة ما في الرواية الثانية و غيرها، على أن الغالب حصول الرجاء خصوصا في المسافرين كما يومي اليه إطلاق الأمر بالتأخير في باقي الأخبار معللا بما يشعر بالرجاء، بل لعل فيه شهادة على انصراف الإطلاق بدون التعليل إليه، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

و منه يعرف الجواب عن خبره الآخر، على أن المفهوم فيه نفي الوجوب لا المشروعية فيه.

و أما الإجماع فهو- مع ضعف الظن فيه نفسه، خصوصا في مثل هذه الإجماعات التي لا يعلم إرادة أصحابها بها و لا طريقهم إليها، إذ لا زالوا ينقلونها فيما هو مظنة العكس، خصوصا الغنية و نحوها، مع عدم ظهور إرادة مدعيه خصوص ما نحن فيه، بل لعل بعض عبارات الانتصار تشعر بإرادة الرجاء، و مع وهنه بالمحكي عن الصدوق و الجعفي و البزنطي من القول بالسعة مطلقا، بل و ابني الجنيد و أبي عقيل في خصوص الفرض المعتضد باعراض المتأخرين أو أكثرهم عنه فيه، إذ من المستبعد جدا خفاء الإجماع على مثل أولئك الأساطين مع قرب العصر و اطلاع خصوص حاكيه، على أن تحصيله لهم غالبا في ذلك الزمان انما هو بملاحظة الروايات و مذاهب الرواة لها، و قد عرفت ظهور أكثر الأخبار بالتوسعة، و ان الشيخ على كثرة نقله الإجماع لم ينقله هنا كما اعترف به في الذكرى- لا يقاوم بعض ما سمعته فضلا عن الجميع.

ج 5، ص: 164

و من ذلك كله ذهب جماعة إلى التفصيل بين الرجاء و عدمه، فيؤخر مع الأول دون الثاني، و هو المحكي عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل، و اختاره جماعة من المتأخرين، بل في جامع المقاصد عليه أكثرهم، و في الروضة أنه الأشهر بينهم، جمعا بين أدلة الطرفين سيما بعد ظهور أخبار التضيق في صورة الرجاء كما عرفت، و بعد ما سمعت من البعد فيه مع عدم الرجاء، كالبعد في التوسعة مع الرجاء، سيما لو كان ظنا، بل لعل السيرة على خلافه، إذ هو مكلف بالمائية، و لذا وجب عليه الطلب و غيره، و لا ينتقل عنها إلا بالعجز، و ليس إلا بالضيق، بل لعله المنساق إلى الذهن مما كان كذلك من التكاليف، بل يعد العبد عاصيا عرفا لو فعل قبل ذلك.

و منه ينقدح جريان ذلك فيه على القاعدة، فيجري حينئذ في غير محل البحث من ذوي الاعذار، و منه الانتقال إلى مراتب التيمم، فلا يتيمم بالغبار إلا أن يضيق الوقت أو ييأس منه، و كذا الوحل، مضافا الى إمكان المناقشة في جميع ما دل على التوسعة بالنسبة إلى صورة الرجاء بما لا يخفى، و الى ما في إطلاق التوسعة من التهجم على

طرح تلك الأدلة من الإجماعات و غيرها بلا معارض يقاومها في ذلك، فضلا عن أن يقوى عليها، مع ندرة القائل بها، و إلى ما في القول بالتفصيل من الجمع أيضا بين ما دل على الإعادة مع وجدان الماء في الوقت و على عدمها كذلك، الى غير ذلك مما يطول التعرض لذكره مما لا يخفى على ذي مسكة و من أحاط بما تقدم.

و هو قوي متين إلا أن سابقه أقوى منه في النظر، إذ لو سلم اقتضاء القاعدة الانتظار في مثله مع إمكان المنع بظهور التكليف في الصلاة في كل جزء جزء من الزمان، فيتبع حال المكلف حينئذ فيه حتى لو علم زوال العذر في ثاني الأوقات إلا أن الإجماع و غيره أخرجه عن بعض الاقسام، و يجب الخروج عنها هنا بما سمعته من الأدلة، كعموم المنزلة و ظاهر الآية و أخبار عدم الإعادة و غيرها مما يبعد تنزيلها على ذلك، سيما الأخيرة التي هي العمدة في أدلة التوسعة، لما فيها من ترك الاستفصال، مع قيام

ج 5، ص: 165

الاحتمال بل ظهوره لغلبة الرجاء كما سمعته سابقا، و سيما بعد ما عرفت من ضعف أدلة التضيق من الإجماعات بما سمعت، و الاخبار بظهور بعضها بالندب، و هو قرينة على غيره خصوصا بعد كثرة استعمال «افعل» في الندب، حتى قيل انه مساو للحقيقة أو أرجح منها، فلا يأس بحملها على الندب حينئذ، و لا ينافيه ما تقدم من الاستدلال بما دل على الوجوب بالزوال، للحمل حينئذ على أفضل أفراد الواجب، نعم قد ينافيه الاستدلال بما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت مع إمكان الاعتذار عنه باختلاف الجهتين، و بأنه يكفي الاستدلال بها بالنسبة الى بعض أفراد الدعوى، لأن الأقوى اختصاص الندب في التأخير بصورة الرجاء خاصة كما في البيان، و إن أطلق الاستحباب في المنتهى و جامع المقاصد و غيرهما، تحكيما لما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت، لضعفها عن المقاومة بعد إشعارها بالتأخير للرجاء، فتأمل جيدا.

لكن و مع ذلك كله ف الأحوط المنع من التيمم مع الرجاء، و أحوط منه المنع مطلقا حتى يتضيق و إن كان الأقوى ما عرفت، لكن ينبغي أن يعلم أنه قد صرح جماعة كما عساه يظهر من آخرين، و حكاه جماعة عن المبسوط مع قوله بالمضايقة أن محل الخلاف في المسألة في غير المتيمم، أما من كان متيمما لصلاة قد ضاق وقتها أو لنافلة أو لفائتة ثم حضر وقت صلاة أخرى أو كان حاضرا جاز له الصلاة من غير اعتبار الضيق، لظهور ما دل على اعتباره في غير المتيمم، و لما دل على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة، و لوجود المقتضي من التطهر و سببية الوقت للوجوب و ارتفاع المانع، و عليه ترتفع ثمرة النزاع كما صرح به بعضهم، إذ له حينئذ التيمم في وقت السعة لغاية غير الحاضرة، ثم يصليها به قبل الضيق، و لو أراد المحافظة على تيمم واجب يدخل به في الفرض نذر نافلة و تيمم لها ثم دخل به، بل هو أكبر شاهد على ضعف القول بالضيق بل فساده، لاستبعاد كون الممنوع منه التيمم بنية الحاضرة خاصة دون غيره.

و لعله لذا استوجه بعض المتأخرين منهم الشهيد في البيان كالمحكي عن مصباح السيد

ج 5، ص: 166

عدم جواز الصلاة بهذا التيمم في السعة، لأن الأخبار السابقة و إن كان ظاهرها غير المتيمم الا أنها قد اشتملت على التعليل برجاء الماء، و هو متحقق في الفرض، و ما دل على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة لا يلزم منه ذلك، بل أقصاه صحة وقوع هذه الصلاة به لو ضاق الوقت، إذ لا نوجب تجديد تيمم آخر لها، بل لا نعرفه قولا لأحد من أصحابنا و إن حكي عن الإيضاح أنه ذكره وجها أو قولا، لكنه في غاية الضعف عندنا، نعم هو محكي عن بعض العامة حيث أوجب لكل صلاة تيمما، فلعل تلك العمومات في مقابلته، كما أنه يحتمل ما في المبسوط ذلك أيضا، و من ذلك يعرف ما في الأخير من دعوى انتفاء المانع لما عرفت من أنه رجاء الماء.

لكن قد يشكل ذلك كله بأنه لا يتم بناء على إطلاق التضييق حتى مع عدم الرجاء، اللهم الا أن يدعى أنه كما إن ضيق الوقت شرط لصحة التيمم للحاضرة لو لم يكن كذلك هو شرط لفعل الصلاة بمطلق التيمم، إلا أنه محتاج الى دليل غير أخبار التضييق السابقة، لأنها لا تقتضيه، و ليس إن لم يكن على خلافه، كما أنها لا تقتضي وجوب تأخير التيمم إلا بالنسبة للموقت، أي الذي ضرب الشارع له وقتا خاصا محددا، بل الفرائض خاصة، فمن أراد قضاء فائتة و لو قلنا بالتوسعة في القضاء أو نافلة راتبة مع سعة وقتها أو مبتدأة في الأوقات المكروهة أو غيرها أو نحو ذلك جاز له التيمم و الفعل، للقاعدة إن قلنا باقتضائها ذلك أو عموم المنزلة و نحوه، خلافا للمصنف في المعتبر، فمنع منه للنافلة في خصوص الوقت المكروه، و لا نعرف له وجها.

نعم يشترط تحقق الخطاب الشرعي بما أريد التيمم له من الأفعال المندوبة لا قبله من غير فرق في ذلك بين صلاة الخسوف و الجنازة و النافلة و غيرها، فتأمل جيدا.

و كذا لا تقتضي تلك الأدلة وجوب التأخير في غير فقد الماء من أسباب التيمم

ج 5، ص: 167

كالمرض و نحوه، فقضية القاعدة أو العموم الجواز فيه مع السعة حتى على القول بالتضيق، لكن قد عرفت أن الشهيد في روض الجنان حكى الإجماع على عدم الفرق بينها، و يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، و الله و رسوله أعلم.

[في اعتبار النية في التيمم]

و و إذ قد ظهر لك الحال في محل التيمم شرع في بيان كيفيته ف الواجب في التيمم النية كغيره من العبادات إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا منا و من جميع علماء الإسلام إلا من شذ، و كتابا(1)و سنة(2)مع توقف صدق الامتثال و الطاعة عليها، و قد تقدم البحث في المراد منها، و في تفصيل دليل وجوبها و فيما يعتبر فيها من نية الوجه و الرفع أو الاستباحة في باب الوضوء مفصلا.

و كذا البحث في وجوب استدامة حكمها و المراد من ذلك فلاحظ و تأمل، لمساواة التيمم غيره في هذه الأمور كلها عدا نية الرفع، فإنه قد صرح جماعة من الأصحاب هنا بنية الاستباحة فيه لا الرفع، لأنه غير رافع للحدث عند كافة الفقهاء إلا داود و بعض أصحاب مالك كما في الخلاف، و عند علمائنا أجمع و مالك و الشافعي و أكثر أهل العلم كما في المنتهى و مذهب العلماء كافة، و قيل يرفع، و اختلف في نسبة هذا القول لأبي حنيفة أو مالك كما في المعتبر، بل فيه عن ابن عبد البر من أصحاب الحديث منهم إجماع العلماء عليه من غير استثناء، إلى غير ذلك من الإجماعات المحكية في كلام الأصحاب، قلت: و هو كذلك، إذ معنى رفعه الحدث إزالته و إبطاله رأسا حتى لا

يجب بعد ذلك طهارة مزيلة له إلا بحدث جديد، مع أن المتيمم إذا وجد الماء انتقض تيممه و وجب عليه الطهارة بالماء لعين ذلك الحدث، و إلا فوجدان الماء أو رفع المرض ليس بحدث إجماعا حتى يكون بسببه غير الجنب جنبا مثلا، ضرورة


1- 1 سورة البينة- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 5، ص: 168

عدم استواء المتيممين في موجبه، فالمحدث لا يغتسل، و المجنب لا يتوضأ، و استباحة الصلاة و غيرها به ما دام مضطرا و لم يتعقبه حدث آخر ليس رفعا لطبيعة الحدث في المعنى.

نعم هو رفع لمنعه في الجملة و إلا فالمانع لم يرتفع، و يكفي في تحققه و وجوده بقاء المنع فيه و لو في حال الاختيار و التمكن، كما يومي إليه إطلاق لفظ الجنب على المتيمم، ك

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(1)لابن العاص بعد أن صلى بأصحابه متيمما:

«صليت بأصحابك و أنت جنب»

و في

خبر ابن بكير(2)قلت للصادق (عليه السلام):

«رجل أم قوما و هو جنب و قد تيمم و هم على طهور»

بل لعل مقابلته بالطهور كالصريح في ذلك، إلى غير ذلك، كما أنه يومي إلى بقاء الحدث في المتيمم أمارات كثيرة من كراهة الائتمام به و غيرها.

و تنزيل التراب منزلة الماء و كونه أحد الطهورين لا ينافي بقاء الحدث بالمعنى المتقدم، فما في قواعد الشهيد الأول و شرح الألفية للثاني و استحسنه بعض من تأخر عنهما- من جواز نية الرفع فيه، إذ ليس المراد به إلا الحالة المانعة عن الصلاة، فمتى أبيحت ارتفع المانع و إن كان إلى غاية مخصوصة هي التمكن من الماء و نحوه كحصول الحدث في الطهارة المائية، فلا ينافي الرفع قبله، و كذا الكلام في دائم الحدث، على أن النية فيه انما تؤثر بالسابق دون المقارن و اللاحق، إذ هو عفو- مآله بعد التأمل إلى نزاع لفظي أو إلى ما يعلم فساده مما تقدم، خصوصا عدم فرقه بين غايتي التمكن هنا و الحدث في المائية، بل لا وجه لكون الثاني غاية، إذ ليس بحصوله يعود ما ارتفع أولا و ان حصل بسببه ما يساويه، بخلافه في التمكن فإنه أثر الحدث الأول كما هو


1- 1 كنز العمال ج 5 ص- 143- الرقم- 2943.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب صلاة الجماعة- الحديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 5، ص: 169

واضح، و قد مر لنا سابقا في أول غسل الجنابة و غيره ماله نفع تام في المقام.

و ربما حكي عن المرتضى (رحمه الله) أيضا أن التيمم رافع للحدث، و لعله لما سيأتي له من أن المجنب إذا تيمم ثم أحدث بالأصغر و وجد بعد ذلك ماء يكفيه للوضوء توضأ و بقي على تيممه عن الجنابة، و ليس فيها دلالة على ذلك كما ستعرفه عند تعرض المصنف لذلك ان شاء الله.

و كيف كان فان نوى في تيممه رفع الحدث فالمتجه على المختار من عدم اعتبار ذلك فيه و في أمثاله الصحة سواء نوى رفع المنع ما دام مضطرا أو رفعه كالطهارة المائية جهلا أو نسيانا أو غير ذلك لصدق الامتثال و إن لغي بنية لأمر خارج عن حقيقة التيمم في الثاني، و كذا لا فرق بين جعله الرفع متعلق القصد بدون علية كما لو نوى رفع الحدث بالتيمم مثلا لمشروط به و بين جعله علة للتيمم، كأن قال: أتيمم لرفع الحدث، نعم لو جعل ذلك مشخصا للمنوي كأن يكون في قوة نيته تيمما رافعا للحدث على حسب المائية اتجه الفساد حينئذ، لأنه قصد امتثال أمر لا وجود له، كما أنه يتجه الفساد مطلقا فيما لم يكن المنوي الرفع ما دام مضطرا بناء على اعتبار الاستباحة فيه، لعدم نيتها، و احتمال استلزام ذلك نيتها و إن لغي في الزائد فيصح ضعيف، لكون هذه الزيادة هي المائزة بين الرفع و الاستباحة، و منه يظهر حينئذ قوة الفساد أيضا عليه لو نوى به الاستباحة على حسب الماء، إذ هي معنى الرفع كذلك، نعم لو نوى مطلق الاستباحة أو الاستباحة ما دام مضطرا اتجه الصحة، و كذا لو كان المنوي الرفع ما دام مضطرا، إذ هو كالاستباحة.

و لعله الذي أراده في الذكرى بقوله: فإذا نوى رفع الحدث فقد نوى ما لا يمكن حصوله، نعم لو نوى رفع المانع من الصلاة صح و كان في معنى الاستباحة لا أنه يريد بالمانع الحدث، سيما بعد ملاحظة أول كلامه، فتعجب المحقق الثاني منه لا يخلو من تأمل.

ج 5، ص: 170

و هل مطلق الرفع كمطلق الاستباحة فيصح أو كالاستباحة المطلقة التي هي بمعنى الرفع المطلق فيفسد كما يومي اليه ما في أول عبارة الذكرى السابقة؟ وجهان، أقواهما الثاني لانصراف الرفع اليه، و لعله لذا أطلق البطلان بنية الرفع في المبسوط و المعتبر و القواعد و جامع المقاصد، بل قضية ما عدا الأخير ذلك حتى لو ضم معه

الاستباحة، لكن المتجه فيه حينئذ الصحة كما صرح به في الذكرى و جامع المقاصد و عن غيرهما، و إن لغي لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، نعم لو خرجت الاستباحة بضم الرفع عن المعنى المعتبر في الصحة اتجه الفساد لفقد الشرط حينئذ لا لضم الرفع، فتأمل.

و الأقوى عدم اعتبار نية البدلية عن الغسل أو الوضوء مع اتحاد ما في الذمة منه، وفاقا لكشف اللثام و المدارك و غيرهما، و إن قلنا باختلاف كيفيتهما، للأصل و صدق الامتثال و خروج وصف البدلية عن حقيقة التيمم، بل هو أمر واقع لا مدخلية لنية المكلف في تحققه، فمن تيمم بزعم التكليف الابتدائي لجهل البدلية كصبي بلغ و فرضه التيمم مثلا صح، و كذا يصح مع الاتحاد في الكيفية لو تيمم عن حدث لا يعلم أكبر أو أصغر حتى ينوي البدلية عن موجبه.

نعم قد يقال بناء على اختلاف الكيفية بوجوب التعرض للعدد في النية و لو بنية البدلية، لإفادتها له حتى إن كان عليه بدل الوضوء و نوى ضربة واحدة و سها فنواه بدلا من الغسل صح و بالعكس. فهو ليس اعتبارا للبدلية في نفسها، مع احتمال عدم وجوب هذا التعرض أيضا، بل لعله الأقوى، إذ الواجب عليه التيمم متقربا إلى الله تعالى من دون حاجة إلى نية تفصيل ما يفعله كالقصرية و التمامية، لأن اتحاد ما في ذمته كما هو الفرض كاف في تشخصه، بل لا يبعد الاكتفاء بما لو نوى التيمم و كان في ذهنه أنه محدث بالأصغر ثم ذكر أنه مجنب بعد أن ضرب ضربة فضرب أخرى، لحصول المقتضي من نية التقرب بما طلب منه من التيمم و إن توهم فيما قارنه من اعتقاد أن المراد

ج 5، ص: 171

منه ذو الضربة الواحدة، فهو حينئذ كمن نوى الظهر و كان في خياله أن تكليفه القصر ثم ذكر فأتمها، بل قد يظهر من المدارك الصحة فيما لو تيمم بقصد أنه من الحدث الأصغر ثم ذكر الجنابة بعد أن ضرب فضرب مرة أخرى و أتم، و هو لا يخلو من وجه و إن كان قد يشكل بأنه و إن لم يعتبر فيه البدلية لكن يعتبر عدم نية الخلاف، لعدم صدق الامتثال حينئذ، إذ قصد ما لم يقع، و ما وقع لم يقصد، فهو كمن اغتسل بنية حدث الجنابة و كان محدثا بالمس، فتأمل.

هذا كله مع اتحاد ما في ذمته، أما مع تعدده كما لو كان عليه تيممان فالظاهر عدم اعتبار البدلية أيضا سواء قلنا باختلاف الكيفية أو اتحادها لما مر، نعم لا بد من تشخيص ما يوقعه بنية البدلية أو غيرها، لتوقف صدق الامتثال عليه حينئذ، و كذا التعرض للعدد على تقدير الاختلاف.

و ربما ظهر من كشف اللثام عدم وجوب هذا التشخيص أيضا على القول باتحاد الكيفية، و لعله للأصل، و لأنه كالأمر بالفعل مرتين أو ثلاث، و فيه أن الظاهر مما نحن فيه كغيره مما تعدد فيه الأسباب كالغسل و نحوه تعدد الأمر لا متعلقة فقط، كما هو واضح، فتأمل.

و من ذلك كله ظهر لك ما في إطلاق الوسيلة و الجامع و اللمعة و جامع المقاصد و ظاهر الروضة و عن الخلاف و غيره من كثير من كتب الأصحاب اعتبار نية البدلية في التيمم، و ما في الذكرى و ظاهر المعتبر و المنتهى من اعتبارها على تقدير الاختلاف بين الكيفيتين، و ما في الروض و الرياض على تقدير تعدد ما في الذمة، لما عرفت من عدم اعتبارها مطلقا في نفسها و إن اتفق اعتبارها للتشخيص كغيرها مما يحصل به، اللهم إلا أن يريدوا باعتبارها ذلك، و لعله لا تأباه عبارات بعضهم دون الباقي، فلاحظ و تأمل، لكن ينبغي أن يعلم أنه قد صرح في جامع المقاصد بسقوط اعتبار نية البدلية في مثل التيمم

ج 5، ص: 172

للجنازة و النوم، لمشروعيتهما مع وجود الماء، فلا يعقل فيهما معنى البدلية، و في التيمم لخروج الجنب و الحائض من المسجدين، لعدم شرعية الماء لو تمكن منه، و فيه أنه يمكن اعتبار ذلك في الأولين بجعله بدلا اختياريا، و في الأخير بالنسبة إلى ما يقتضيه ذات الحدث في نفسه.

و منه ينقدح الوجه حينئذ في اعتبار الضربة و الضربتين بالنظر للأصغر و الأكبر، إذ ليس مناطهما البدلية بالمعنى السابق، فتأمل.

و يعتبر مقارنة النية لأول جزء من التيمم كغيره مما اعتبرت فيه، فلا يجزئ تقدمها على الضرب حينئذ قطعا، كما أنه لا يجزئ تأخرها عنه إلى المسح كما صرح به جماعة منهم الفاضل و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، لأنه أول أفعاله كما هو ظاهر الفتاوى و النصوص (1)الواردة بعد السؤال عن كيفيته و غيرها أو صريحها مع غاية استفاضتها إن لم تكن متواترة، خلافا للمحكي عن الأول في نهايته، فجوز تأخيرها إلى مسح الجبهة كما عن الفخرية، و للجامع فأوجب المقارنة لها، و للمفاتيح فجعلها أول الاجزاء، و لعل ذلك كله تنزيلا للضرب منزلة الاغتراف من الإناء، و عليه لا بأس بالحدث بعده قبل المسح، كما صرح هو بالتزامه في الكتاب المذكور على ما حكي عنه، فلا وجه للرد عليه بذلك كما في الذكرى.

و ربما يؤيده ما تقدم سابقا من عدم كون التراب المضروب مستعملا عندهم حتى حكي الإجماع عليه سيما بعد تعليله من غير واحد من الأصحاب هناك بأن الضرب كالاغتراف من الماء، كما أنه قد يشهد له ظاهر الآية(2)و

خبر زرارة(3)عن أحدهما


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.
2- 2 سورة المائدة- الآية 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 173

(عليهما السلام) «من خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوات الوقت فليتيمم، يضرب يده على اللبد أو البرذعة و يتيمم و يصلي»

حيث أطلقه على ما بعد الضرب، و فيه- مع أنه قد يشعر التعليل بعدم وجوبه كما في المشبه به، فيكفي تلقيه الريح بجبهته حينئذ، و هو مجمع على بطلانه حتى منه في خصوص الكتاب المذكور، و إن قرب الاجتزاء بأخذ التراب من الريح و المسح به فيه، لكنه ليس خلافا في الأخذ بالكف و المسح به، و ان المتجه بناء على ما ذكره مقارنة النية حينئذ لمسح الجبهة كما في الجامع لأنها ا لأول عنده، لا التخيير بينه و بين الضرب، و القياس على غسل اليدين و نحوهما لا يخلو من تأمل، لاحتمال الفرق بالدليل،

أو بالتزام كونها أجزاء مندوبة- أنه مخالف لما عرفت من غير ضرورة، إذ الآية مع كون الاخبار كاشفة للمراد بها محتملة للكناية عن الضرب بقوله تعالى (1)«فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً»* و خبره مع قصوره في نفسه و عن معارضة غيره من وجوه محتمل لإرادة إتمام التيمم، بل لعل قوله (عليه السلام) فيه:

«يضرب» عقيب قوله (عليه السلام): «فليتيمم» ظاهر في خلافه، و قرينة على ما قلنا، بل هو أرجح من احتمال العكس من وجوه.

و لو نوى بعد الضرب قبل الرفع لم يجز بناء على اعتبار الضرب في التيمم، بل و على تقدير الاكتفاء بالوضع أيضا في وجه، للفرق بين الابتداء و الاستمرار، هذا كله بناء على أن النية هي الاخطار، و إلا فيسقط هذا البحث من أصله بناء على أنها الداعي كما اعترف به في الحدائق و كذا الرياض، لكن فيه مناقشة ذكرناها في باب الوضوء.

[في وجوب الترتيب في التيمم]

و من الواجب في التيمم الترتيب بأن يضع يديه على الأرض ثم يمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه ثم يمسح ظاهر كل من الكفين بالأخرى مقدما اليمنى على اليسرى بلا خلاف صريح أجده في شي ء من هذا الترتيب


1- 1 سورة المائدة- الآية 9.

ج 5، ص: 174

و إن حكى في كشف اللثام خلو كتب بعض الأصحاب عنه مطلقا كالمصباح و مختصره و الجمل و العقود و الهداية، و كالفقيه في بدل الوضوء، و بعضها عنه بين الكفين كالمقنع و جمل العلم و العمل و السرائر و المراسم مثل المصنف هنا، إذ ليس ذلك صريحا في الخلاف، مع أن التأمل في عبارة الأولين عدا مختصر المصباح فإنه لم يحضرني يظهر معه إرادة الترتيب فيما عدا الكفين و إن وقع العطف بها في الواو، بل و فيهما أيضا في عبارة ما عدا الهداية، كما أن ظاهر السرائر أو صريحها الترتيب في نفس الكفين أيضا كجمل العلم إن أراد بها التي للمرتضى (رحمه الله) و إن عطف فيهما اليسرى بالواو، و لم يحضرني المراسم و المقنع، و لعله لذا نسب غير واحد الترتيب المذكور إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما صرح به في المفاتيح و عن إرشاد الجعفرية، بل في التذكرة إلى علماء أهل البيت، و المنتهى إلى علمائنا أجمع، و في الخلاف و الغنية إحالة دليل وجوبه على الوضوء، و منه هناك فيهما، بل عمدته الإجماع، و قد يشعر ذلك منهما بعدم القول بالفصل بين الوضوء و التيمم كما عن المرتضى التصريح به، حيث قال: «كل من أوجب الترتيب في الوضوء أوجبه فيه، فمن فرق بينهما خرق الإجماع» انتهى.

فيكتفى حينئذ بما دل عليه هناك من الإجماع و غيره، و في جامع المقاصد الإجماع عليه بالنسبة إلى تقديم اليمنى على اليسرى.

قلت: و مع ذلك كله فالتيمم البياني في صحيح الخزاز عن الصادق (عليه السلام)(1)و مضمر الكاهلي في الحسن (2)و صحيح زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) المروي في مستطرفات السرائر صريح في ترتيب مسح الكفين على مسح الجبهة. و لا ينافيه عطفهما عليها في غير هذه الاخبار بالواو، سيما على القول بأنها للترتيب، بل تكون الآية حينئذ دليلا على ذلك أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 9.

ج 5، ص: 175

مع إمكان الاستغناء عنه بالنسبة إليها بما دل (1)على الأمر بالبدأة بما بدأ الله به، لكنها على كل حال كأكثر الاخبار لا دلالة فيها على الترتيب بين اليدين، بل لعل إطلاقها يقضي بعدمه، إلا أنه فيما سمعته من الإجماعات بسيطها و مركبها غنية عن ذلك، سيما بعد اعتضادها بظاهر

الصحيح المروي (2)في مستطرفات السرائر عن الباقر (عليه السلام) حكاية عن النبي (صلى الله عليه و آله)، قال فيه بعد ذكر قصة عمار:

«فضرب بيديه على الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح جبينه، ثم مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى، مسح اليسرى على اليمنى، و اليمنى على اليسرى»

و لا ينافي تبادر الترتيب من مثله كون الواو لمطلق الجمع في حد ذاتها.

و

بالرضوي (3)«صفة التيمم أن تضرب بيديك على الأرض ضربة، ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف، ثم تضرب بهما أخرى فتمسح بهما إلى حد الزند، و روي من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى، و باليمنى اليسرى على هذه، و روي إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع احدى يديك على الأخرى، ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك، و بقي ما بقي، ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف، ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف، ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى، فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة»

إلى آخره. و هو و إن لم نقل بحجيته في نفسه، لكنه لا بأس بذكره مؤيدا، كما أنه لا بأس في العمل بما أرسله بعد الانجبار، و لعله لا ينافيه اشتماله على ما لا نقول به، إذ هو كالعمل ببعض الخبر و ترك الآخر.


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الوضوء- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 9.
3- 3 المستدرك- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 176

و منه ينقدح الاستدلال حينئذ على ما نحن فيه ب

صحيح ابن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن التيمم فضرب بكفيه الأرض، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة على ظهرها، و واحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض، ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه»

إلى آخره.

فظهر لك حينئذ من ذلك كله أنه لو أخل بالترتيب وجب عليه الإعادة على ما يحصل به ما لم يخل بالموالاة، فيجب استدراكه من أصله بناء على وجوبها فيه كما ذكره جماعة، بل في المنتهى نسبته إلى علمائنا، و الذكرى و الحدائق إلى الأصحاب، و المدارك إلى قطعهم مؤذنين بدعوى الإجماع عليه كظاهر الغنية أو صريحها و إشعار الخلاف، بل في جامع المقاصد و المرجع فيها الإجماع، و الروض الاولى الاستناد إلى الإجماع، و مجمع البرهان يفهم كونها واجبة بالإجماع عند علمائنا، انتهى.

و أنها شرط فيه كما هو ظاهر معاقد هذه الإجماعات عدا الأخير، فإنه قد يظهر منه التوقف في ذلك، و احتمله غيره على أن يراد بها حينئذ الوجوب التعبدي، و لعله لاحتمال ذلك في موالاة الوضوء أيضا.

لكنه ضعيف جدا، و قد مر ما يكفي في رده في المقيس عليه، كضعف ما يحكى عن نهاية الاحكام من احتمال عدم وجوبها أصلا فيما كان بدلا من الغسل، و إن نقل عن الدروس الجزم به أيضا، و لعله لعدم وجوبها في المبدل عنه باعتبار تنزيل التراب منزلة الماء.

و فيه مع مخالفته لما عرفت من الإجماع صريحه و ظاهره أن إطلاق المنزلة لا يتناول مثله، و ان كان قد يشهد له في الجملة تمرغ عمار، و هو من أهل اللسان، إلا أنه يدفعه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 177

عدم مساواتها للكيفية في الانصراف، على أنه قد رد ذلك على عمار، فعلم أن المراد بالمنزلة البدلية في الإباحة لا الكيفية.

فظهر حينئذ أن الاستدلال على الموالاة بالمنزلة لوجوبها في الوضوء في غير محله، كالاستدلال عليها أيضا بالفاء في قوله تعالى (1)«فَتَيَمَّمُوا»* الدالة على تعقيب التيمم الشرعي لإرادة القيام إلى الصلاة من غير مهلة، و حيث لا يوالي فيه لم يحصل التعقيب لا لان التيمم في الآية بمعنى القصد كما في المدارك، بل للقطع بكون المراد منها عدم الدخول في الصلاة بدون الطهارة، على أنه قد يستمر زمن الإرادة بحيث لا ينافي الموالاة، مع احتمال المناقشة في استفادة التعقيب بالمعنى المراد هنا من مثل هذه الفاء.

نعم قد يمكن الاستدلال عليها بالفاء في قوله تعالى «فَامْسَحُوا» متمما بعدم القول بالفصل بين معاقبة مسح الجبهة للضرب و بين غيره، و بالموالاة في التيمم البياني، و احتمال المناقشة فيه كما في الوضوء- مع إمكان منع جريانها هنا باعتبار كونه بيانا للتيمم المجمل- مدفوع بما تقدم في باب الوضوء.

نعم قد يناقش فيه باعتبار عدم ظهور قصد الموالاة في التيمم البياني، لاحتمال كونه لضرورة البيان كما هو المعتاد في كل ما يراد بيانه مما لا يعتبر التوالي فيه قطعا، فالإنصاف ان العمدة في الدليل الإجماع السابق، لكن قد يقال مؤيدا له بعد كون الموالي فيه المتيقن في البراءة: أن ليس المراد هنا بالموالاة إلا عدم التفريق المنافي لهيئة التيمم و صورته، و إلا فلا يعقل إرادة معناها في الوضوء إلا بملاحظة التقدير للجفاف لو كان ماء كما عن الدروس، و هو- مع أنه لازم لذهاب الصورة أيضا كالموالاة بمعنى التقدير الزماني الذي قد ذكرناه في باب الوضوء- لا دليل عليه هنا، كما أن المتابعة الحقيقية مقطوع بعدمها، فيتجه الحكم بالفساد حينئذ لانتفاء الاسم بانتفاء تلك الصورة


1- 1 سورة المائدة- الآية 9.

ج 5، ص: 178

كما في كثير من العبادات، اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر من اعتبر الموالاة إفساد التيمم بفوات المتابعة العرفية، كما جعله المدار في جامع المقاصد و الروض و إن لم تذهب الصورة، و فيه بعد تسليم انفكاك ذلك عن محو الصورة تأمل و نظر، هذا.

و قد قال في المدارك و سبقه إلى ما يقرب منه في المنتهى: «إنه لو قلنا باختصاص التيمم في آخر الوقت كانت الموالاة من ضروريات صحته لتقع الصلاة في وقتها» و فيه مع ابتنائه على التضيق في أمر التضيق أن وجوبها حينئذ خارج عما نحن فيه، بل تكون حينئذ كوجوب الموالاة في الغسل عند الضيق، و أين هو من الوجوب الشرطي.

و كالترتيب و الموالاة في الوجوب المباشرة بالمعني السابق في الوضوء، كما هو ظاهر عبارة المصنف و غيره من الأصحاب لعين ما مر فيه من القاعدة و غيرها، مع ما في كشف اللثام من الإجماع ظاهرا عليه هنا، و في المدارك من نفي الريب عنه، و المنتهى من نفي الخلاف فيه عندنا، فلو يممه غيره مع القدرة لم يجز، نعم يجوز مع العجز كما في المبدل منه بلا خلاف لما مر هناك أيضا، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن مسكين (1)و غيره في المجدور الذي غسل فمات: «ألا يمموه ان شفى العي السؤال»

و في

مرسل ابن أبي عمير(2)«يؤمم المجدور و الكسير إذا أصابتهما جنابة»

ك

مرسل الفقيه (3)عنه (عليه السلام) أيضا «المبطون و الكسير يؤممان و لا يغسلان»

لكن في غير النية، بل يتولاها العليل كالوضوء لما تقدم فيه أيضا، بل قد يظهر من المدارك دعوى الإجماع عليه هنا، إلا أنه قال في جامع المقاصد: «لو نويا كان أولى» قلت: أي أحوط لظهور انتساب الفعل للعامل.

و هل المراد تيممه بيدي النائب أو أنه يضرب بيدي العليل، فيمسح بهما مع الإمكان؟ ظاهر الذكرى و جامع المقاصد و المدارك أو صريحها الثاني، لعدم سقوط


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 12.

ج 5، ص: 179

الميسور بالمعسور، و بقاء صورة المباشرة، بل لم أقف على قائل بالأول، نعم في الأول عن الكاتب يضرب الصحيح بيده ثم يضرب بيدي العليل، ثم قال: و لم نقف على مأخذه.

قلت: و هو كذلك مع التمكن من ضرب الأرض بيد العليل و المسح بها، أما مع المكنة من الثاني دون الأول فقد يتجه حينئذ ما ذكره الكاتب، بل لم يستبعد وجوبه في كشف اللثام.

لكن قد يناقش فيه مع بعد الفرض بعدم صدق المسح حينئذ بالأرض أي بما ضربها به.

كما أنه قد يناقش في الأول أيضا بأصالة البراءة من تلك الكيفية الخاصة، بل لعل إطلاق الأمر بالتولية يقضي بخلافه إن لم يكن ظاهرا في مباشرة المتولي، بل قد لا يجتزى بيد العليل، لعدم استناد المسح اليه بسبب ذلك، فيكون بالنسبة للعامل كالمسح بآلة أجنبية، كل ذا مع تركهم هذا التفصيل في الطهارة المائية، بل ظاهر ما استدل به هناك- من أمر الصادق (عليه السلام)(1)الغلمة في الليلة التي كان فيها شديد الوجع بحمله و تغسيله فحمل و وضع على خشبات و غسل- عدمه أيضا، لظهور تمكن الغلمة من مباشرة بعض الغسل بيديه، فالأحوط حينئذ إيقاع الكيفيتين إن لم يكن متعينا لتوقف البراءة اليقينية عليه، فتأمل جيدا.

[في أن الواجب هو الوضع أو الضرب]

هذا كله في نفس الترتيب و نحوه، و أما المرتب فأولها وضع اليدين أو ضربهما على ما يتيمم به من الأرض و غيرها بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر الذكرى و صريح جامع المقاصد و المدارك و غيرهما الإجماع عليه، للنصوص المستفيضة(2)في كيفيته إن لم تكن متواترة، و حملها على الغالب- من توقف التصاق التراب بالكفين و المسح به على ذلك، و إلا فيجزئ حتى لو استقبل العواصف بهما و مسح، كما عن العلامة في النهاية


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 180

أنه الأقرب- مناف لظاهرها أو صريحها بلا شاهد، سيما بعد الاعتضاد بما عرفت، بل عن المقاصد العلية الاتفاق على عدم صحة التيمم لو تعرض لمهب الريح، نعم لا يبعد الاجتزاء بذلك عند الاضطرار، بل لعله يقدم على بعض أفراد الغبار.

إنما البحث في أن الواجب مجرد الوضع كما هو ظاهر المصنف هنا و المبسوط و الجامع و القواعد و صريح الذكرى و جامع المقاصد و عن الدروس أو هو باعتماد أي الضرب كما هو ظاهر الهداية و المقنع و جملي المرتضى و الشيخ و الغنية و الوسيلة و إشارة السبق و السرائر و الجامع و غيرها و صريح الروضة و الروض و الرياض و كشف اللثام، بل في الذكرى نسبته إلى معظم عبارات الأصحاب، و كشف اللثام إلى المشهور، بل هو معقد بعض الإجماعات و إن لم تكن مساقة له؟ قولان أقواهما الثاني اقتصارا على المتيقن في الكيفية المتلقاة من الشارع، و للتيممات البيانية فعلا و قولا في الاخبار الكثيرة(1)و الأمر به في مضمر ليث المرادي (2)و صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) بعد أن سأل عن التيمم، و غيرهما(4).

و لا ينافي ذلك ما حكاه مولانا الصادق (عليه السلام) في خبر الخزاز(5)و داود ابن النعمان (6)من وضع النبي (صلى الله عليه و آله) يده على المسح في بيان التيمم لعمار، كحكاية الباقر (عليه السلام) أيضا ذلك في صحيح زرارة(7)بل و فعله (عليه السلام) هو أيضا في خبره الآخر(8)إذ هو- مع أن الباقر (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 2 و هو مسند إلى الصادق ع.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 181

قد حكى عن النبي (صلى الله عليه و آله) الضرب بيانا لعمار في صحيح زرارة(1)المروي في مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي- قد رده في المدارك و شرح المفاتيح بأنه حكاية فعل، و لا عموم فيه، لكن قد يشكل بأن العبرة بتعبير المعصوم (عليه السلام) عنه في مقام البيان و التعليم، فالأولى رده بأنه مطلق و الأول مقيد.

و دعوى ظهور الوضع في غير الضرب لا فيما يشمله، فيتجه التخيير بينهما لاشتمال الاخبار على كل منهما ممنوعة، كاحتمال جعل اختلاف عبارات الأصحاب و الاخبار في ذلك قرينة على إرادة الوضع من الضرب، مع أنه ليس أولى من العكس، بل هو أولى لما عرفت، بل لعل تعبير المصنف و الجامع و القواعد بالضرب فيما يأتي من بدلية الوضوء و الغسل و المبسوط في الثاني خاصة قرينة على إرادته من الوضع هنا، فلا خلاف بالنسبة إليهم حينئذ، و ينحصر في الشهيد و المحقق و عن نهاية الاحكام، و قد عرفت ضعفه لكن اختيارا.

أما لو اضطر بأن تمكن من الوضع دون الضرب فلا يبعد الاجتزاء به و لا يسقط التيمم أصلا قطعا أو خصوص مباشرة باطن الكف للأرض منه، و إن كان الأول مقتضى انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، و الثاني مقتضى عدم سقوط الميسور، مع عدم الدليل على البدل في المتعذر، إلا أن الأول لا يعاض ما دل على انتفائه بذلك من قاعدة الميسور و غيرها، بل لعله إجماعي كما يظهر منهم في عدم سقوطه بالاقطع و نحوه و بالعجز عن المباشرة، و الثاني- مع أن قاعدة اليسر تقتضيه، إذ الفائت الضرب لا مباشرة الكف بالأرض ثم المسح بها- يمكن استفادة بدليته من إطلاق ما دل على الوضع من الاخبار السابقة، بل و الآية مع عدم المقيد هنا لظهور اختصاص أدلة الضرب بالاختيار.

و كيف كان فيعتبر بالضرب أو الوضع أن يكون بكلتا يديه مع التمكن إجماعا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 9.

ج 5، ص: 182

محصلا و منقولا و نصوصا(1)فلو ضرب بإحداهما لم يجز، بل يعتبر أن يكون دفعة كما صرح به في جامع المقاصد و غيره، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر الاخبار و الأصحاب، بل قد يستفاد من معقد إجماع المعية في المدارك و غيره، و إن أمكن المناقشة فيه باحتمال إرادة عدم الاجتزاء بالواحدة، كما أنه يمكن المناقشة في استفادة شرطيته من الاخبار أيضا، و إن كان ربما ينساق من

قوله (عليه السلام)(2): «اضرب بكفيك»

و نحوه لكنه انسياق أظهرية لا شرطية، و إلا فالصدق حاصل بالتعاقب.

نعم لا يعتبر فيما تيمم به من التراب و غيره كونه موضوعا على الأرض بل يجزئ لو كان على غيرها و لو بدن غيره، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى بل و الأدلة و السيرة القاطعة، و ما في التيممات البيانية و نحوها من ضرب الأرض محمول على المثال قطعا، بل لو كان على وجهه تراب صالح فضرب عليه و مسح أجزأ كما صرح به في الذكرى و غيرها، لصدق الامتثال و عدم ما يصلح للمعارضة، فما في المدارك و مال إليه في شرح المفاتيح من عدم الاجتزاء لتوقيفية العبادة مع تبادر غيره من الأدلة جمود في غير محله، سيما بعد التعدية حتى منهما صريحا في الأول و ظاهرا في الثاني للتراب الموضوع على بدن الغير بل و بدنه غير الوجه، نعم لو أمر يده على ما على وجهه من التراب مجتزئا به عن مسحه بذلك لم يجز قطعا، و إن احتمله في المنتهى لما عرفت من الإجماع و غيره على اعتبار الضرب أو الوضع ثم المسح به.

كما أنه لا يجتزى بالضرب بظهر الكف و إن استوعب مع التمكن من البطن، لانه المنقول و المعهود و المتبادر، بل المقطوع به من كيفية التيمم في النصوص و الفتاوى، بل صرح به المرتضى و المفيد و ابن إدريس و غيرهم.

بل قد يشكل الانتقال للظهر مع عدم التمكن أيضا، و إن صرح به في جامع


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 7.

ج 5، ص: 183

المقاصد و عن الذكرى و إرشاد الجعفرية و المقاصد العلية، لإطلاق الآية و غيرها، مع عدم نصوصية الاخبار و الفتاوى في وجوبه بالباطن، و التبادر مقصور على الاختيار بدعوى انصراف المسح في الآية إلى المتعارف من آلته أيضا، كالأمر بضرب الأرض بالكف إلى الباطن، و بإجمال قصد الصعيد فيها، و قد كشفت عنه الأخبار بإرادة الضرب، و المتبادر منها الباطن، فيبقى غيره بلا دليل، و بأن المعتبر في الحجية الظهور، فلا يقدح عدم النصوصية، و منع الظهور أو قصره في حال الاختيار كما ترى، مع أن قضية الأول الجواز بالظهر اختيارا، و الثاني بغير الظهر من أجزاء البدن، و قربه إلى الباطن لا يصلح معينا، لكن قد يقال: إنه أولى من كل ما يتصور في المقام من التولية أو تيمم الأقطع أي المسح بالأرض أو غيرهما، خصوصا بعد الأمر بالضرب بالكف المتناول للظاهر و الباطن، و إن كان الثاني هو المتبادر لكنه في حال الاختيار خاصة.

و لعل ذا هو الأقوى و إن كان الأحوط حينئذ الجمع بينه و بين الإتيان بكل ما يحتمل مدخليته حتى حكم فاقد الطهورين إن لم يكن ذلك متعينا للبراءة اليقينية، كما في كل ما لم يتضح من الأدلة حكمه.

و كيف كان فعلى الأول لو تعذر الضرب بباطن إحدى اليدين فهل يقتصر على باطن الأخرى أو بباطنها مع ظاهر الاولى؟ وجهان، أقواهما الثاني، لاستلزام بدلية ظهرهما ظهر كل منهما.

[في لزوم الضرب و المسح بالباطن و إن كان نجسا]

و ليس نجاسة باطن اليدين مع عدم التعدي و الحجب و تعذر الإزالة عذرا في الانتقال إلى الظهر مع الخلو عن ذلك، أو إلى مسح الأقطع مع عدمه، بل و مع الحجب بها أيضا، و لو استوعب لكن مع تعذر الإزالة و لو بنجاسة أخرى كغيرها من الحواجب بلا خلاف أجده بين الأصحاب في الأول، و على الأصح في الثاني لعدم الدليل على اعتبار الطهارة هنا و إن قلنا به في الاختيار، و على اعتبار مباشرة نفس البشرة، بل

ج 5، ص: 184

لعل إطلاق الأدلة و فحاويها يقضي بخلافه، خصوصا ما دل (1)منها على تيمم ذي الجروح و القروح و نحوهما، و ما دل (2)منها على حكم الحواجب من الجبائر و الطلاء و نحوهما مما تقدم في الوضوء مما يفهم منها تنزيل الحائل مع تعذر إزالته منزلة المحال عنه، بل في حديث المرارة(3)منها ما هو كالصريح في ذلك.

و لذا كان الحكم عندهم في الحائل على الأعضاء الممسوحة من الجبهة و ظاهر اليدين المسح عليه، و الفرق بين الماسح و الممسوح في ذلك تحكم.

فما في ظاهر الذكرى و صريح الروضة من جعلها لو كانت حائلة عذرا في الانتقال إلى الظهر لا يخلو من نظر بل منع، سيما مع حيلولتها لقليل من باطن الكف، وفاقا لصريح جامع المقاصد و المدارك و ظاهر الروض.

و احتمال الفرق بينها و بين غيرها من الحواجب الطاهرة أو التزام ذلك فيها أيضا أوضح من الأول نظرا و منعا، سيما الأخير، بل لعله مجمع على خلافه هنا، بل قد ينقدح من التأمل فيما ذكرنا انه لو تعذر المباشرة بباطن اليد لجرح و شبهه و أمكن وضع حائل عليه من خرقة و نحوها و المباشرة به وجب كالجبيرة في المائية، لكن الاحتياط بالجمع بين الكيفيتين بل و تيمم الأقطع و التولية مع حكم فاقد الطهورين لا ينبغي أن يترك.

نعم لو كانت النجاسة متعدية و لم يمكن التجفيف و لا الإزالة اتجه حينئذ جعله عذرا في الانتقال إلى الظهر مع الخلو، و إلا فإلى المسح بالجبهة خاصة كالاقطع كما صرح به في جامع المقاصد و الروض و الروضة، و لعله ظاهر الذكرى، لاستلزامه حينئذ تنجس ما يتيمم به الذي قد عرفت اشتراط الطهارة فيه، مع إمكان المناقشة فيه أيضا بأن دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- الحديث 5.

ج 5، ص: 185

اعتبار ذلك مطلقا حتى مع التعذر ليتجه الانتقال المذكور ممنوعة، و كيف مع قصرهم كثيرا مما يعتبر في التيمم على الاختيار، على أن قضية اعتبارها كذلك سقوط التيمم أصلا لا اليدين خاصة، فيكون فاقد الطهورين، و قياسه على الأقطع ليس بأولى من قياسه على من تعذر عليه غسل بعض أعضاء الطهارة المائية بما لا يرجع إلى الجبيرة، بل هو مقتضى الأصل، و لو سلم فالمتجه سقوط الضرب و المسح بخصوص ذلك المحل من الكف لا تمامه مع فرض عدم الاستيعاب كما هو قضية إطلاقهم.

و لعله لذلك كله أو بعضه جزم في المدارك و تبعه في الكفاية بالمسح باليد و ان تعدت النجاسة، و هو لا يخلو من قوة، خصوصا مع تعذر تيمم الأقطع و التولية عليه، لعدم سقوط الصلاة عنه بحال، إلا أن الأقوى الأول لكن بشرط استيعاب النجاسة للباطن، أما مع بقاء ما يصلح للضرب و المسح به فالأقوى تعيين ذلك عليه كما قد يقوى وجوب التولية عليه في الظهرين مع تعدي نجاستهما، فلا يقتصر على مسح الجبهة كالاقطع و إن كان هو ظاهر كلام الأولين، بل قضيته صيرورته فاقد الطهورين مع فرض النجاسة المتعدية في الجبهة أيضا، فيكون جميع أعضائه ماسحة و ممسوحة مستوعبة بالنجاسة، و فيه تأمل، لكن الاحتياط بفعل كل ما يحتمل مما ذكرناه في المسألة السابقة لا ينبغي أن يترك، بل لعله متعين.

كما أنه قد يتعين أيضا فيما لو كانت النجاسة المتعدية في الممسوح دون الماسح بحيث لا تتعدى إلى التراب، و إن كان الأقوى فيه المسح عليه حينئذ مع التعذر من غير فرق بين استيعابها للممسوح و عدمه، لعدم الدليل على اعتبار الطهارة فيه هنا، و إن قلنا باعتبارها في الاختيار، لكنه احتمل في جامع المقاصد و الروض كونه فاقد الطهورين فيما لو كان ذلك بالجبهة، و هو ضعيف، إذ لا فرق بين التعدي و عدمه بالنسبة إلى صحة التيمم، و إن كان ربما يحصل في بعض الأحوال بالنسبة إلى خصوص الصلاة و نحوها

ج 5، ص: 186

و بزيادة النجاسة و نحوها، و البحث الآن في الأول.

هذا كله مع تعذر الإزالة عن باطن اليدين مثلا و لو تجفيفا، أما مع الاختيار فيجب التجفيف لئلا يتعدى النجاسة للتراب بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، بل و بين غيرهم، لما عرفت من اشتراط طهارة التراب، و المناقشة- بأن القدر المسلم من اعتبار الطهارة فيه هو عدم سبق نجاسته على الضرب، أما لو تنجس به فلا- ضعيفة جدا، و أما اشتراط طهارته أي الماسح اختيارا مع عدم التعدي و الحجب بل و معه لغير التراب كما لو جرح بعد الضرب، و اشتراط طهارة الممسوح من الجبهة و ظاهر اليدين كذلك فلم أعثر على مصرح بشي ء منه من قدماء الأصحاب، كما لم أعثر على ما يدل عليه بالخصوص من الاخبار، بل لعل إطلاقها خصوصا ما دل منها على تيمم ذي الجروح و القروح كالفتاوى يقضي بخلافه بعد الأصل.

نعم ظاهر الإرشاد و صريح جامع المقاصد و الموجز الحاوي و عن حاشية الإرشاد- بل في الثاني القطع به، و هي من مثله ممن يعمل (1)بالظنيات كالإجماع- اشتراط طهارة محل التيمم كصريح الذكرى، و عن الدروس و البيان و الصيمري و صاحب المعالم و تلميذه اعتبارها في محال المسح، بل في الكفاية أنه المشهور بين المتأخرين.

و منظومة الطباطبائي و شرح المفاتيح و الجعفرية و عن إرشادها اعتبارها في الماسح و الممسوح، و لعله مراد السابقين أيضا و ان قصرت بعض عباراتهم عنه، كما لعله الظاهر من الروض و الروضة أيضا، بل في شرح المفاتيح نسبته إلى الفقهاء كما عن الشهيد الأول في حاشيته على القواعد الإجماع على اشتراط طهارة أعضاء التيمم، و لعله الحجة ان تم، لا ما في الذكرى من أن التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا، و المساواة لأعضاء الطهارة المائية، إذ الأول أخص من المدعى، بل غير ما سمعت من فرضنا


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« لم يعمل».

ج 5، ص: 187

المسألة، و الثاني موقوف على الدليل، و احتمال إرادته بذلك عموم البدلية و المنزلة لا وجه له، لان البحث في طهارة الأعضاء لا التراب، إلا أن يراد أنه كما اعتبر في الطهارة بالماء طهارة الأعضاء فكذا ما كان بمنزلته، و فيه منع واضح، بل قد يشهد إطلاق المنزلة لخلافه.

و لذا مال في المدارك و الحدائق إلى عدم الاشتراط، و كذا مجمع البرهان، و اليه يرجع ما عن حواشي السيد عميد الدين إذا كانت النجاسة غير متعدية جاز التيمم و إن كانت يداه نجستين، كالمحكي عن ابن فهد أنه اشترط أحد الأمرين الطهارة أو الجفاف بحيث لا يتعدى، و لو لا صريح الإجماع السابق المعتضد بظاهره، و بالقطع من المحقق الذي هو بمنزلته، و بالأصل في وجه، و بمقتضى البدلية على الاحتمال السابق لكان القول بعدم الاشتراط متجها حتى مع التعدي لغير التراب.

و لقد أجاد في كشف اللثام حيث قال بعد نقله الاشتراط عن الشهيد: «و لا أعرف دليلا عليه إلا وجوب تأخير التيمم إلى الضيق، فيجب تقديم الإزالة كسائر الأعضاء إن كانت النجاسة مما لا يعفى عنها لكنه حكى الإجماع في حاشية الكتاب» انتهى.

و أنت خبير ان ما استثناه خارج عما نحن فيه من الاشتراط للتيمم من حيث هو، كما أومأ إليه بتشبيهه، على أنه لا يتم بناء على المختار من جوازه في السعة للموقتة أو مع عدم الرجاء، و كذا لا يتم في التيمم لغيرها مما لا يعتبر فيه الضيق، و لو لا أن الشهيد في سند الإجماع السابق لأمكن منعه على مدعيه، لما عرفت من خلو عبارات الأصحاب عن ذلك، بل إطلاقها سيما مع تعرضهم لما يعتبر فيه قاض بخلافه، فتأمل جيدا.

[في عدم اعتبار العلوق]

و يعتبر العلوق مما ضرب عليه للمسح على أعضاء التيمم في المشهور بين الأصحاب نقلا مستفيضا و تحصيلا، بل في جامع المقاصد الإجماع عليه، و في آيات الاحكام للفاضل الجواد الإجماع أيضا على عدم اعتباره لليدين، بل في ظاهر المنتهى

ج 5، ص: 188

لا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة، ذكره علماؤنا، ثم حكى الخلاف فيه عن الشافعي و محمد و ظاهره الإجماع أيضا، ككنز العرفان حيث نسب القول بالعلوق إلى الشافعية في مقابل الحنيفية و أصحابنا من جواز التيمم بالحجر الصلب موافقا لتفسير الصعيد بوجه الأرض.

و منه ينقدح كغيره من كلمات الأصحاب مثل المصنف في المعتبر و العلامة في المنتهى و غيرهما أن كل من قال بجواز التيمم بالحجر و نحوه اختيارا لم يعتبر العلوق، و هو كذلك، إذ منه الأملس الذي لا يعلق باليد منه شي ء، فاحتمال القول ان تجويزهم له بالحجر اختيارا أعم من عدم اعتبار العلوق، إذ قد يعتبرون فيه حينئذ شيئا من الغبار و شبهه مما يعلق ضعيف.

و إذ قد عرفت أن المخالف في جوازه بالحجر نادر من الأصحاب- بل لا خلاف فيه عند فقد التراب كما سمعت نقله من غير واحد هناك، و فقد التراب الصالح أعم من عدم التمكن من العلوق، و لم يعرف من أحد منهم اعتبار وضع شي ء من الغبار أو التراب القليل على الصخر لتحصيل العلوق، مع ظهور التمكن من ذلك، لجعلهم الغبار في لبد السرج و عرف الدابة مرتبة ثالثة بعد فقد الحجر- اتجه حينئذ دعوى ظهور الاتفاق حتى ممن فسر الصعيد بالتراب على عدم اعتبار العلوق للمسح، فما في الكفاية- من الاكتفاء فيما يتيمم به بمطلق وجه الأرض لكن لا يبعد أن يعتبر وجود غبار و نحوه على الحجر حتى يعلق باليد- كأنه خرق للإجماع المركب إن لم يكن البسيط لما عرفت، مع أنه قد يؤيده زيادة على ذلك عدم ذكره فيما يعتبر في التيمم من أحد منهم مع أنهم بصدد بيان ذلك، بل لعل إطلاق كلامهم يقضي بعدم اعتباره، سيما بعد ذكرهم لاستحباب النفض حتى حكى الإجماع عليه غير واحد، كما أنه دل عليه كثير من الاخبار(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 3 و 6 و 7.

ج 5، ص: 189

على ما ستعرف، بل عن المقاصد العلية أنه ربما قيل بوجوبه، بل عن المبسوط و غيره استحباب مسح إحدى يديه بالأخرى بعد النفض، و في الروضة ينفخ ما عليهما من أثر الصعيد أو يمسحهما و نحو ذلك مما يفيد إرادتهم بالنفض ما يشمل ما لا يبقى معه شي ء من التراب، على أنه من أفراد النفض قطعا، فيندرج في المستحب حينئذ.

و من هنا جعل في المختلف و غيره القول باعتبار العلوق المحكي عن ابن الجنيد مقابلا للقول باستحباب النفض و أي عاقل يجوز على الأئمة (ع) و الفقهاء اعتبار العلوق و أنه يفسد التيمم بدونه مع إطلاقهم استحباب النفض و التيمم بالحجر و نحوه مما هو مظنة عدم حصوله من دون نص من أحد منهم أو أمر بالمحافظة عليه، و ما ذاك إلا إغراء للمكلفين بالجهل، ينزهون عنه، فلذا أمكن للتأمل في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع منهم على عدم اعتبار العلوق، سيما بعد ما عرفت من دعواه، و بعد عدم نقل الخلاف فيه من أحد من الأصحاب في الكتب المعدة لذلك، بل نسب إليهم جميعا إلا من ابن الجنيد و بعض العامة، و يشهد له التتبع، فما في المفاتيح من نسبته إلى السيد و جماعة و هم قطعا، و ظني أنه توهمه من مذهبه في الصعيد أنه التراب، فتخيل التلازم، و هو واضح الفساد كما يعرف مما تقدم على أنه لا تلازم.

و كيف كان فالحجة عليه حينئذ- بعد الأصل، و ما تقدم في تفسير الصعيد خصوصا ما عرفته من جواز التيمم بالحجر اختيارا عند الأصحاب الشامل بإطلاقه إن لم يكن صريحا للمجرد عن العلوق- إطلاق الأدلة كتابا(1)و سنة(2)و صريح الإجماع المحكي في جامع المقاصد المعتضد بظاهره القريب من الصريح في المنتهى و كنز العرفان و غيرهما، بل و بصريحه أيضا من الفاضل الجواد في اليدين، مع إمكان تتميمه بعدم القول


1- 1 سورة النساء الآية 46 و سورة المائدة- الآية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 190

بالفصل، و بالشهرة المحكية و المحصلة، بل الإجماع على الظاهر كما عرفت، و ما دل على النفض من الإجماع و النصوص (1).

و المناقشة في الأخير- بعدم منافاته لاعتبار العلوق لظهور كون المراد به إزالة ما يتشوه به الوجه، و إلا فالإجزاء الصغار باقية قطعا، و هو كاف، و لذا ترى الاتفاق على استحباب النفض حتى ممن قال: باعتبار العلوق، بل في شرح المفاتيح للأستاذ الأعظم ما ملخصه أن إطلاق الحكم باستحباب النفض من دون تقييد لذلك بما إذا اتفق العلوق باليدين قاض باعتباره إذ لا نفض بدونه، و قد عرفت عدم إذهاب النفض أثره بالمرة، فمنه حينئذ يظهر الاتفاق على اعتبار العلوق، إذ لولاه لما صح إطلاقهم استحباب النفض كالأخبار الدالة عليه أيضا، كما يظهر من ذلك حينئذ ما في نسبة القول بعدم الاعتبار إلى الشهرة- في غاية الضعف لما عرفت من شمول النفض في النص و الفتوى لما لا يبقى معه أثر بالمرة، إما لقلة ما علق باليد، أو للمبالغة في النفض.

و من أنه لم يقل أحد باعتبار العلوق إلا ابن الجنيد و قد نقلوا عنه الخلاف في استحباب النفض، فدعوى الاتفاق على استحبابه حتى ممن اعتبر العلوق، فلا ينافي اعتباره حينئذ في حيز المنع، بل ظاهر المنقول عن ابن الجنيد يعطي وجوب بقاء ما يعلق في الكف من التراب ليمسح به، فلا يكتفى بمثل هذه الأجزاء التي يشك في تسميتها ترابا، أو بقاء تراب في الكف.

و أيضا كيف يتصور منه القول باستحباب النفض و إزالة تلك الاجزاء مع أن المسح بها قبله من أفراد الواجب عنده قطعا، و لو سلم فالاجزاء الصغار الباقية بعد النفض لا يبقى منها شي ء لليدين بعد مسح الجبهة غالبا.

و ما في المفاتيح- من الاكتفاء بالعلوق الابتدائي و إن لم يبق لليدين، أو أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 3 و 6 و 7.

ج 5، ص: 191

يجدد الضرب لأجل تحصيل العلوق و إن كان الواجب عليه ضربة واحدة- خلاف المنقول من ابن الجنيد، مع غرابة الوجه الثاني كغرابة ما في الشرح المتقدم، إذ من المعلوم من امتثال هذه الأوامر أي أوامر النفض إرادة التقييد بما لو علق فيها شي ء سيما مع غلبة الضرب على ما يحصل منه العلوق، و عليه ينزل إطلاق الاخبار، خصوصا ما كان منها حكاية أفعال، على أن الأمر بالنفض لم يسق للدلالة على اعتبار العلوق، و إلا فمن أفراد التيمم ما لا يحصل معه علوق عند الأكثر كما صرحوا به في الحجر الأملس و نحوه، بل و الجميع في حال فقد التراب، و قد عرفت أنه أعم من عدم التمكن من العلوق، بل الظاهر التمكن من حيث جعل الغبار مرتبة ثالثة، على أنه لا دليل على سقوط وجوب العلوق عند الاضطرار، بل المتجه حينئذ سقوط التيمم و كونه فاقد الطهورين، إلى غير ذلك مما في هذه المناقشة مما يطول التعرض له، و قد وقع هنا للمفاتيح و شرحه للأستاذ الأعظم من الغرائب ما يقضي منه العجب، فلاحظ و تأمل.

كل ذا مع ضعف ما يصلح التأييد به لمذهب الخصم، إذ أقصاه ظهور التبعيض من قوله تعالى (1)«فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» حتى قال في الكشاف: «إنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسي من الدهن و من الماء و من التراب إلا معنى التبعيض» مع ما في

صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: أ لا تخبرني من أين علمت و قلت: إن المسح ببعض الرأس و الرجلين- و ذكر الحديث إلى أن قال-: قال أبو جعفر (عليه السلام): ثم فصل بين الكلام، فقال «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» فعرفنا حين قال «بِرُؤُسِكُمْ» أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء- إلى أن قال:- «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ»


1- 1 سورة المائدة- الآية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 192

فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا، لانه قال «بِوُجُوهِكُمْ» ثم وصل بها «وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ» أي من ذلك التيمم، لانه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه، لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها»

الحديث.

و منه يظهر حينئذ الاستدلال بالأمر بالمسح من الأرض في صحيحتي الحلبي (1)و ابن سنان (2)لإرادة التبعيض منه، و ما دل (3)على طهورية التراب، لظهوره في كونه هو المطهر، سيما مع ملاحظة المنزلة و البدلية، فلا بد من مباشرته للمطهر لا باطن الكف بسبب مباشرة التراب، لوضوح قصور الجميع عما ذكرنا، سيما بعد إمكان منع ظهور التبعيض، و لذا تركت في الآية الأخرى، سيما بعد تفسير الصعيد بما قد لا يحصل منه علوق، إذ لو سلم ظهور التبعيض فيها فإنما هو فيما لو كان مجرورها قابلا لذلك لا مطلقا، و احتمال جعل ظهور التبعيض منها قرينة على إرادة التراب بالصعيد و لو مجازا ليس بأولى من العكس، خصوصا بعد منع الظهور في نفسه و توقفه على قابلية المجرور لذلك، بل قد يدعى تبادر إرادة المسح بما باشره و إن لم يعلق شي ء من مثل هذا التركيب كما يستعمل الآن فيما يراد التبرك به من ثياب العلماء و ضرائح الأئمة (ع) و نحوهما، أو إرادة المسح من مباشرة الصعيد، كما يقال: أمسح يدي من هذا الشي ء، و هو و إن كان مجازا حيث لم يكن فيما يراد مسحه بشي ء، لكنه لا بأس به من حيث غلبة حصول العلوق، فأطلق المسح منه لذلك.

فظهر حينئذ من ذلك كله وجه ما ذكره غير واحد من الأصحاب من احتمال «من» الابتدائية أي ابتداء المسح من الصعيد، أو الضرب عليه، سيما مع كونه المعنى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 13 و الباب 23- الحديث 1 و المستدرك- الباب 5 من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 5، ص: 193

الحقيقي لها، بل قيل: و السببية أيضا برجوع الضمير حينئذ إلى الحدث، أو عدم الوجدان، و البدلية برجوعه إلى الماء، لكنهما ضعيفان، و مع تسليم إرادة التبعيض منها هنا فقد يناقش في الدلالة على الوجوب أيضا من حيث خروجه مخرج الغالب في حصول العلوق من المضروب عليه، فيراد حينئذ بالمسح منه حيث يعلق، بل قال الأردبيلي في آيات أحكامه: «إنه يحتمل كون المراد على تقدير التبعيض بأن تضعوا أيديكم على بعض الصعيد ثم تمسحوا الوجه و اليدين» هذا كله مع الغض عما ذكرنا من الإجماع و غيره، و إلا فبملاحظته يتعين إرادة بعض مما سمعت أو يجب الخروج حينئذ بغيرها من الأدلة.

و مما ذكرنا يعرف ما في الصحيح المتقدم، على أنه أرجع الضمير فيه إلى التيمم، و حمله على إرادة المتيمم به مجاز لا حاجة اليه، و المراد بالمسح من التيمم حينئذ المسح من تلك المباشرة للصعيد، و تجرد اليد عن العلوق لا ينافي صدق اسم المسح منه باعتبار أغلب أفراده، و حمل التعليل فيه لإرادة التبعيض- مع أنه يحتمل جريانه في ذلك مجرى الغالب أو بيان حكمة لا يجب اطرادها و غيرهما- ليس بأولى من أن يراد به لما ذكره من رجوع الضمير إلى التيمم، بل هو أولى لقربه منه.

فيكون الحاصل أن المراد من ذلك التيمم لا الصعيد، لانه قد علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه، لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها، فلو كان المراد به الصعيد لوجب إجراؤه على الممسوح من الوجه و اليدين، مع أنه لا يعلق إلا ببعض الكف، و من هنا جعل في الذكرى هذا الصحيح مما فيه إشارة إلى عدم اعتبار العلوق، و بعد التسليم فهو لا يوافق مختار الخصم من كون المراد بالعلوق الذي يعتبر المسح به انما هو الاجزاء الباقية من بعد النفض، و لذا حكم بعدم التنافي بين ما دل على النفض و اعتبار العلوق، لظهور الصحيح بناء على ذلك في وجوب المسح بالعلوق الكائن بعد الضرب من غير نفض، و قد عرفت أنه لا يقول به، فلا بد حينئذ من

ج 5، ص: 194

صرفه عن ظاهره إلى بعض ما تقدم في الآية، أو إلى ما سمعته الآن إن لم يحمل على التقية، لكون ذلك مذهب الشافعية، كما أنه مما تقدم أيضا يعرف ما في الاستدلال بالصحيحين الآخرين، و أما البدلية فلا دلالة فيها على ذلك، سيما بعد بيان الكيفية في الكتاب و السنة، و رد تمرغ عمار عليه، على أن قضيتها جريان الأجزاء الترابية على سائر أجزاء الجبهة و ظاهر اليدين، و هو خلاف ما عليه المستدل.

و منه يعرف أنه لا استبعاد على لطف الشارع في حصول الطهارة لنا بالضرب على الصعيد و المسح من غير علوق، و ذلك كاف في إسناد الطهورية للتراب، فظهر حينئذ بحمد الله و فضله سقوط القول باعتبار العلوق و إن ركن إليه جملة من متأخري المتأخرين كالكاشاني في مفاتيحه و الأستاذ الأعظم في شرحها و الفاضل البحراني في حدائقه حاكيا له فيها عن البهائي و والده و الشيخ سليمان البحراني، و مال إليه في الكفاية، لكن ظاهر الجميع بل صريحهم الاكتفاء بالمتخلف بعد النفض، و لعله لا يوافق ظاهر المحكي عن ابن الجنيد، فيكون خرقا للإجماع المركب، فتأمل جيدا.

[المراد من الوجه في التيمم]

و (ثانيها) مسح الوجه بالكفين معا لا بواحدة كما هو ظاهر المصنف و غيره، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لعله مجمع عليه، للأصل و التيممات البيانية(1)قولا و فعلا، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد، فاجتزأ بالمسح باليمنى، و عن نهاية الاحكام و التذكرة احتمال الاجتزاء بواحدة، كما عن الأردبيلي استظهاره، و لعله للأصل في وجه، و إطلاق الآية و الصحيحين (2)«فوضع يده» و المساواة للوضوء، و فيه- مع إمكان منع الأول، و عدم الدلالة في شي ء من ذلك لتعيين ابن الجنيد اليمنى، بل قضيته الاكتفاء بكل منهما- ان الأولين غير صالحين للمعارضة، و الصحيحين


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 2 و 3.

ج 5، ص: 195

ظاهران في إرادة الجنسية، أو في بيان مطلق الكيفية، سيما مع ملاحظة غيرهما مما اشتمل على هذه القضية، و المساواة ممنوعة، لمنع ما يقتضيها، خصوصا لو كان القياس مع وجود ما يقتضي العدم.

لكن هل يجب المسح بهما دفعة أو يجزي التعاقب؟ وجهان، إلا أن المنساق إلى الذهن من النص و الفتوى خصوصا ممن عبر بالمعية الأول، فذاك مع ضميمة الاحتياط اللازم المراعاة قد يعينه، و لا إشكال في وجوب استيعاب الممسوح نصا و فتوى.

نعم هل يجب استيعاب الممسوح بكل منهما كما عساه يظهر من بعض العبارات كالمدارك و غيرها و إن لم تكن مساقة له، أو يكفي استيعابه بهما و لو موزعا كما صرح به في الحدائق و جامع المقاصد و الروض؟ الأحوط الأول، و الأقوى الثاني لصدق الامتثال، و ل

قول الصادق (عليه السلام)(1)في قصة عمار: «ثم مسح جبينه بأصابعه».

و المراد بالوجه هنا بعضه في الوضوء، لدخول الباء في متعلق المسح في الآية، و هو متعد، مع نص أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2)السابق على إرادة التبعيض منها، على أنه قد يتم ذلك و إن كانت للإلصاق، سيما إذا منع ظهور مسح الوجه أو الوجوه في الاستيعاب و اجتزئ بالمسمى، و لأخبار الجبهة و الجبين (3)بل عن الحسن دعوى تواتر الأخبار(4)بأنه (صلى الله عليه و آله) حين علم عمارا مسح بهما جبهته و كفيه، و الإجماع المحكي في الغنية و الانتصار و عن الناصريات، بل عن الصدوق في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية و انه مضى عليه المشايخ، قلت: بل هو محصل.

و لا يقدح فيه ما قيل منسوبا إلى علي بن بابويه في رسالته ب وجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 8 و هو قول الباقر ع.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 196

استيعاب مسح الوجه لمعلومة نسبه، و سبقه الإجماع و لحقه، على أن الظاهر عدم خلافه و ان أطلق لفظ الوجه ككثير من أخبار التيمم البياني قولا و فعلا تبلغ عشرة، و فيها الصحيح و غيره، كما هي عادة القدماء في الفتوى بمتن الخبر، خصوصا هو في رسالته، و بها استند له، لكن معروفية الوجه في باب التيمم ببعضه، بل و في غيره كباب السجود أيضا، و ملاحظة غيرها من الاخبار المشتملة على الجبهة و الجبين، سيما مع اتحاد بعضها معها في الراوي و المروي عنه، و قصة البيان لعمار و نصوصيتها، و إطلاق الاولى، و ما سمعت سابقا مما يدل على التبعيض، و غير ذلك من القرائن الكثيرة مما يورث الفقيه قطعا بإرادة البعض من الوجه في عبارة الرسالة و الاخبار سيما مع عدم نقل ولده عنه ذلك، بل نص في الفقيه و الهداية و عن المقنع على البعضية، مضافا إلى ما سمعته عنه في الأمالي و والده رئيس الإمامية، خصوصا في معتقده كما يعرف ذلك من تتبع فقهية.

فما في المعتبر- أن الجواب الحق العمل بالخبرين، فيكون مخيرا بين مسح الوجه أو بعضه، لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة، و قد أومأ إليه ابن أبي عقيل- ضعيف جدا إن أراد وجوب كل من الفردين على التخيير، و إنه ليس من التخيير بين الأقل و الأكثر، لاختلاف الهيئة و عدم لزوم سبق مسح تمام الجبهة على غيرها من الوجه، كالجمع بحمل الزائد على الندب و ان تسومح فيه، فتأمل.

إنما البحث في تعيين ذلك البعض، فمنه الجبهة من القصاص أي الطرف الأعلى من الأنف إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا بل متواترا، كدعوى الحسن تواتر الأخبار بأنه (صلى الله عليه و آله) حين علم عمارا مسح بهما جبهته و كفيه، و إن كنا لم نعثر إلا على

موثق زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سأله عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح جبهته»

مع أن المنقول عن الكافي مع أضبطيته بل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 5، ص: 197

و التهذيب في روايته عنه أيضا «جبينه» نعم في أكثرها التعبير بالوجه، و في

حسن ابن أبي المقدام (1)عن الصادق (عليه السلام) «ثم مسح جبينه»

كصحيح زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) المرويين في الفقيه و مستطرفات السرائر عن النبي (صلى الله عليه و آله) في تعليم عمار، لكن بتثنية الجبين في الثانية، كإحدى نسختي الفقيه في الأولى.

لكنك قد عرفت القطع بإرادة البعض من أخبار الوجه، فوجب أن يكون هنا إما الجبهة للموثق الأول، أو الجبين للحسن و الصحيحين، بل و الموثق الأول على ما عن الكافي أيضا، و إحدى روايتي الشيخ عنه أو هما معا للجميع، إلا أن الإجماع محصله و منقوله على وجوب مسح الجبهة ينفي احتمال الثاني، أي الاقتصار على الجبين، و إن كان ربما يظهر من اقتصار الهداية عليه بل و الفقيه لكن مع زيادة الحاجبين، و لعله لا يريده فيهما كالاخبار المشتملة على الجبين، و لذا لم يحك عنه خلافا في ذلك.

فانحصر الجمع بين الاخبار حينئذ في الاحتمالين، و أقواهما الثاني، لعدم التعارض بينها، و تعدد ما دل على الجبين، و قوة دلالته خصوصا ما اشتمل منها على التثنية، و احتمال كون المراد بالجبهة ما يشملها، بل لعله حقيقة عرفية خصوصا هنا، و عدم المخرج هنا عن احتمال أصالة المساواة للوضوء مع قربه لوجه الوضوء، و لما دل على المسح بالكفين من الاخبار و غيرها، خصوصا مع اعتبار الدفعة كما صرح به بعضهم، ضرورة عدم سعة الجبهة المجردة عن الجبينين لذلك، و توقيفية العبادة، و غير ذلك، فيجب حينئذ مسح الجبهة و الجبينين وفاقا للهداية و الفقيه و جامع المقاصد و مجمع البرهان و المدارك و شرح المفاتيح للأستاذ و منظومة الطباطبائي و المحكي عن المقنع و الكاتب و ظاهر العماني و صريح فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد و شرح الجعفرية و حاشية الميسي و المسالك و رسالة صاحب المعالم، و في الروضة أن فيه قوة، و الروض لا بأس به، و مجمع البرهان


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 9.

ج 5، ص: 198

أنه المشهور، بل في حاشية المدارك عن الأمالي نسبته الى دين الإمامية تارة، و أنه مضى عليه مشايخنا أخرى، و في شرح المفاتيح لعله لا نزاع فيه بين الفقهاء، و في كشف اللثام أنه يمكن دخوله في مراد الأكثر.

قلت: و هو كذلك، لان السيدين و الشيخين و الحلبي و بني إدريس و حمزة و سعيد و عن غيرهم لم يذكروا لفظ الجبهة، بل أوجبوا مسح الوجه من القصاص الى طرف الأنف، بل هو معقد إجماع الأولين، اللهم إلا أن يستفاد من الغاية ذلك، و فيه منع، بل قد يعطي التدبر و التأمل الجيد في عبارة المعتبر و التذكرة و المختلف و المنتهى و الذكرى و غيرها عدم الخلاف في ذلك بين الأصحاب، و إن المراد من الجبهة عندهم ما يشمل الجبين على تفاوتها مترتبة في شدة الظهور بذلك، لاقتصارهم على ذكر الخلاف في استيعاب الوجه و عدمه، و استدلال بعضهم بأخبار الجبين على الجبهة و عدهم أبا جعفر بن بابويه و ابن الجنيد من القائلين بمسح الجبهة، و قد عرفت نص هؤلاء على الجبين، بل و ابن أبي عقيل أيضا، فإنه قد حكى عنه في المختلف بعد دعوى التواتر السابق في الجبهة ما يشعر بإرادة الجبين منه، حيث أسنده إلى فعل النبي (صلى الله عليه و آله) فهذا مع ما سبق منهم فضلا عن توجه أحد منهم الى علاج تعارض ما دل على الجبهة و الجبين كالصريح فيما قلنا، سيما مع نص الشهيد في الذكرى على خلاف الصدوق في الحاجبين و تركه في الجبينين، الى غير ذلك.

نعم قد يومي الى خلاف أبي جعفر عبارة المعتبر في الجملة، مع احتمالها قويا إرادته بالنسبة للحاجبين، فلاحظ و تأمل جيدا.

و من ذلك ظهر لك سقوط ما في الحدائق، و تبعه الفاضل المعاصر في الرياض من اختيار الجمع الأول أي حمل أخبار الجبين على الجبهة مجازا للمجاورة، مؤيدا له بورود لفظ الجبين مفردا، و بأنه بدون ذلك يخلو ما عليه الأصحاب من التخصيص

ج 5، ص: 199

بالجبهة عن المستند، أو يكون نادرا، و بإطلاقه على الجبهة في باب السجود في حسنة عبد الله بن المغيرة(1)و

موثقة عمار(2)«لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه»

كإطلاق لفظ الوجه عليها فيه أيضا في

صحيح أبي بصير(3)«إني أحب أن أضع وجهي موضع قدمي»

و

حسين بن حماد(4)«جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه»

الحديث.

و

بالرضوي (5)«و تمسح بها وجهك موضع السجود»

الى آخره.

إذ الذي ألجأهما إلى ذلك- مع أنه لا يتأتى فيما اشتمل على التثنية منها، و لا يجامع ما دل على المسح بالكفين، و فيه ترجيح المتحد على المتعدد، بل الأضعف من وجوه على الأقوى، بل لعله لا تعارض بينها مع ما في

الرضوي (6)أيضا «اني أروي إذا أردت التيمم اضرب- الى أن قال- تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك»

و ما يرسله حجة عندنا مع الانجبار دون ما يذكره، إلى غير ذلك- ظنهما اتفاق الأصحاب على الجبهة في الوجوب دون الجبينين، و هما المكتنفان بها من جانبيها مرتفعا عن الحاجبين، و قد عرفت ما فيه، و كأن الذي غرهما في ذلك التعبير بالجبهة من أكثر المتأخرين، مع جعل جماعة منهم كالمحقق الثاني و غيره القول بإلحاق الجبينين مخالفا له و ان اختاروه، لكنك قد سمعت التحقيق.

نعم لم نعثر على ما يدل على ما ذكره في الفقيه من الحاجبين و ان نفى البأس عنه في الذكرى، بل اختاره في جامع المقاصد ناقلا عن الصدوق أن به رواية مع أنا لم نجد ذلك منه في الفقيه و الهداية و لا حكي عن المقنع أو الأمالي، نعم في ذيل

الرضوي (7)


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 7 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السجود- الحديث 4 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السجود- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السجود- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
5- 5 المستدرك- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 1.
6- 6 المستدرك- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 1.
7- 7 المستدرك- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 200

«روي أنه يمسح على جبينه و حاجبيه»

فلعل ذلك منه شهادة على كون فقه الرضا من كتب الصدوق، و على كل حال فثبوت وجوب ما زاد من الحاجبين على المقدمة بذلك و نحوه نظر بل منع للأصل، و عدم ذكره في شي ء من أخبار التيمم البياني و غير ذلك، و ان كان أحوط، خصوصا مع ملاحظة ما عساه يظهر من المنتهى من كون مسحهما من المسلمات، حيث قال بعد أن فرغ من البحث عن مسح الوجه: «فروع، ثالثها لا يجب مسح ما تحت شعر الحاجبين، بل ظاهره كالماء لما بيناه» و ما في شرح المفاتيح بعد أن حكى عن الأمالي أنه قال: مضى على مسح الجبين و ظهر الكفين مشايخنا قال: و أظنه قال: و الحاجبين، لكنه سقط من نسختي، إلا أنه قد يريد الأول ما كان منه من باب المقدمة، أو ما يلي طرف الأنف، و لم يثبت ما ظنه الثاني، بل و لو ثبت لكان متبينا خلافه بالنسبة إلى ذلك.

و المراد بطرف الأنف في كلام الأصحاب الأعلى، و هو ما يلي الجبهة كما صرح به بنو حمزة و إدريس و سعيد و العلامة و الشهيدان و غيرهم، لا الأسفل، بل في السرائر و غيرها الإزراء على من ظن ذلك من المتفقهة، و هو كذلك، لعدم اندراجه في شي ء مما في الاخبار من الجبهة و الجبين بعد تنزيل أخبار الوجه عليهما كما عرفت، لكن في المحكي عن الأمالي في معقد المنسوب إلى دين الإمامية «يمسح من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى، و إلى الأسفل أولى» إلى آخره و كذا الجعفرية، و عن حاشية الإرشاد و لم نقف على ما يشهد له، كالمحكي عن بعض في المنتهى أنه المارن إلا إطلاق لفظ الطرف في معقد إجماع السيدين و كلام بعضهم، و أنه يسجد عليه كالجبهة للإرغام، لكن يظهر من الجامع هنا أن الذي يرغم به في السجود الطرف الأعلى.

ثم إنه قد يظهر من المتن كما صرح به جماعة وجوب الابتداء في المسح من الأعلى

ج 5، ص: 201

على حسب الغسل في الوضوء، بل في الكفاية و الحدائق أنه المشهور، و شرح المفاتيح نسبته الى ظاهر الأصحاب، كالمنتهى الى ظاهر عبارة المشايخ، و هو كذلك، بل لعله ظاهر المحكي عن الأمالي منسوبا الى دين الإمامية و ان احتمل فيها كالمتن و بعض العبارات أو جميعها التحديد للممسوح للمنزلة و البدلية المشعرة بالمساواة في الكيفية، سيما بعد

قوله (عليه السلام)(1): «التيمم نصف الوضوء»

و للمنساق الى الذهن من التيممات البيانية للسائل عن الكيفية، بل لا يخطر بالبال غيره قبل التنبيه، سيما مع ملاحظة كيفية الوضوء، فلا يقدح عدم النصوصية في شي ء منها على الابتداء بالأعلى حتى يتأسى به، على أنه لو وقع في البيان لذلك السائل ابتداء بغير الأعلى لنقله، لظهور سؤاله بإرادة الاقتداء بخصوص ما وقع من ذلك الفعل المشخص، و انه لم يكتف بإطلاق المسح الواقع في الكتاب و السنة، و لا أنكر عليهم في السؤال له، فيعلم منه عدم كفايته أو يشك، و للاحتياط اللازم المراعاة هنا سيما بعد ما عرفت من فتوى الأصحاب نصا و ظاهرا، و

الرضوي (2)«تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر الى طرف الأنف»

و ان احتمل التحديد للممسوح أيضا، فما عن مجمع البرهان من القول بعدم الوجوب كما عساه يظهر من المدارك للإطلاق لا يخلو من نظر.

ثم انه مر في الوضوء في كيفية الابتداء بالأعلى ما يغني عن الإعادة، لظهور اتحادهما في ذلك بناء على القول به، كاتحادهما أيضا في حكم الجبيرة بلا خلاف أعرفه فيه، كما أنه قد مر في الضرب باليدين، و يأتي في المسح عليهما ما يغني تأمله عن كثير مما ذكر هنا، كالمسح بالكفين في حالتي الاختيار و الاضطرار، و كالنجاسة على الجبهة أو على الماسح متعدية أولا، و نحو ذلك، فلاحظ و تأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 202

[في مسح اليدين]

و (ثالثها) مسح كل من اليدين في الجملة ضرورة من المذهب ان لم يكن من الدين، و الكفين و من الزندين إلى رؤوس الأصابع على المعروف بين الأصحاب، بل في ظاهر الانتصار أو صريحه كصريح الغنية و عن الناصريات الإجماع عليه، كما في المحكي عن الأمالي بعد نسبته للرواية(1)انه مضى عليه مشايخنا، بل عنه أيضا انه من دين الإمامية للتيمم البياني قولا و فعلا في المعتبرة المستفيضة جدا إن لم تكن متواترة، بل في

صحيح زرارة(2)منها عن الباقر (عليه السلام) «ثم مسح وجهه و كفيه و لم يمسح الذراعين بشي ء»

و هو نص في خلاف ما حكاه المصنف و غيره منسوبا إلى علي بن بابويه من وجوب مسح الذراعين أيضا حتى قال من جهته و الأول أظهر و كان اللائق به القطع بفساده لما عرفت، و للباء في الآية الشريفة المفسرة بالصحيح (3)السابق، و لعدم قدح خلافه بعد معروفية نسبه في تحصيل الإجماع هنا، سيما مع عدم تحققه أيضا بقرينة ما سمعته من ولده في الأمالي هنا و في الوجه، و نصه في الهداية و الفقيه و عن المقنع بخلافه من غير تردد، مع عظم منزلة والده خصوصا عنده.

كما أن اللائق القطع برد ما يشهد له، أو حمله على التقية، مما في

خبر ليث المرادي (4)عن الصادق (عليه السلام) في التيمم «و تمسح بهما وجهك و ذراعيك»

و

مضمر سماعة(5)في الموثق «فمسح بها وجهه و ذراعيه إلى المرفقين»

جواب سؤاله عن كيفية التيمم، و

صحيح ابن مسلم (6)عن الصادق (عليه السلام) عن التيمم «ثم ضرب بشماله الأرض، فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة على ظهرها، و واحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض، ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه»

الحديث.


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التيمم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التيمم- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 203

عملا بما ورد(1)منهم (عليهم السلام) من العرض على كتاب الله و التمسك بما وافقه، و على مذهب العامة و الأخذ بما خالفه، و احتمال المرفق في الصحيح الزند، و اشتماله على تثليث الضربات، و الطعن في سند الأول و الثاني بالإضمار و غيره، و احتمالهما إرادة بيان الحكم لا الفعل كما عن الشيخ أي كأنه غسل ذراعيه في الوضوء.

فلا وجه بعد ذلك و ما تقدم للجمع بينها و بين ما دل على الأول بالتخيير و إن أمكن أن لا يكون مما بين الأقل و الأكثر، بل لعله خرق الإجماع المركب و البسيط، و ما في المعتبر «إن الحق عندي أن مسح ظاهر الكفين لازم، و لو مسح الذراعين جاز، عملا بالاخبار كلها لأنه أخذ بالمتيقن» لا يريده، بل مراده الاحتياط كما يشعر به تعليله، و هو غير التخيير، و لا بأس به في حقه، لعدم قطعه، أو الاستحباب كما عن المنتهى و المدارك احتماله، بل عن كشف الرموز الحكم به حاكيا له عن الحسن بن عيسى، و إن كان لا يقدح فيه ظهور الخبر في التقية، للتسامح الذي قد يكتفى من جهته بالاحتمال على بعض الوجوه، و عليه بني استحباب الوضوء من بعض أسباب العامة، لكن إعراض الأصحاب عن ذلك هنا يمنع الحكم به.

و ما في الحدائق- ان أصحابنا جمعوا بين هذه الاخبار بالتخيير أو الاستحباب، ثم أخذ بذكر التعجب منهم و ما لا يليق به منه إليهم من غير مقتض- لم أتحققه من أحد منهم، و لو ثبت ما حكاه لكان الحري بالاتباع، إذ بفتاواهم تعرف أسرار الاخبار، و ينكشف عنها الغبار، كما إني لم أتحقق ما حكاه في السرائر عن قوم من أصحابنا أن المسح على الكفين من أصول الأصابع إلى أطرافها، و نسبه في كشف اللثام إلى القيل، و هو محجوج بجميع ما تقدم من الاخبار و محكي الإجماع، بل لعله كسابقه لا يقدح في المحصل منه، و ان جهل نسبه عندنا، لكنه مع عدم اعتبار ذلك في الإجماع عندنا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صفات القاضي و ما يقضى به من كتاب القضاء.

ج 5، ص: 204

معروف عند ناقله على الظاهر و انه غير الامام، و لذا لم يكترث به.

مع أنه قد يشهد له

مرسل حماد بن عيسى (1)«ان الصادق (عليه السلام) سئل عن التيمم فتلا هذه الآية «وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»(2)و قال «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ»(3)قال: فامسح على كفيك من حيث موضع القطع، و قال «وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»(4)

مع إمكان حمل روايات الكف عليه.

لكنه مع قصوره عن معارضته ما تقدم بالإرسال و غيره انما يتم لو كان «حيث» مضافا إلى لفظ «موضع القطع» و الفصيح إضافته إلى الجملة، و المعنى من حيث الكف موضع القطع، فكأنه (عليه السلام) استدل على أن المسح على الكفين بأن اليد مع الإطلاق يتبادر منها الكف، و إذا أريد الزائد عليها نص عليه بدليل آيتي السرقة و الوضوء، مع احتماله أيضا الإلزام للعامة، و تعليم الاستدلال عليهم، فيراد حينئذ موضع القطع عندهم، أو غير ذلك، فلا يعارض ما سمعت.

كما أنه لا يعارضه السؤال عن كيفية التيمم في الصحيحين عن الصادق (عليه السلام) بعد أن حكى قصة عمار و قبله «فمسح وجهه و يديه فوق الكف قليلا» و ان ظهر من الفقيه الفتوى بهما في بدل الجنابة خاصة، و لعله لاشتمالهما على قصة عمار، بل مطلقا عن المقنع لإطلاق السؤال فيهما عن كيفية التيمم، لوضوح قصورهما أيضا عن معارضة ما تقدم، و احتمالهما ككلام الصدوق المسح فوقها من باب المقدمة، فلا خلاف منه حينئذ، و ان السائل رآه يمسح فوقها و إن لم يكن مسح إلا عليها، و ان يكون «قليلا» صفة مصدر محذوف، أي مسحا قليلا أي غير مبالغ في إيصال الغبار إلى جميعها، و فوق الكف


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب التيمم- الحديث 2.
2- 2 سورة المائدة- الآية 42.
3- 3 سورة المائدة- الآية 8.
4- 4 سورة مريم- الآية 65.

ج 5، ص: 205

حينئذ بمعنى على ظهرها، فيكون شاهدا حينئذ على ما ذكره المصنف و غيره من أن محل المسح ظهر الكفين لا المجموع، بل في المدارك و الحدائق أن ظاهرهم الإجماع عليه، و في الانتصار نسبته إلى الإمامية، كما عن كشف الرموز إلى عمل الأصحاب، بل هو بعض معقد المحكي عن الأمالي من النسبة إلى من مضى من مشايخنا.

و يدل عليه مع ذلك ما في

صحيح زرارة(1)المروي في مستطرفات السرائر «ثم مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى»

كحسن الكاهلي (2)و لا ينافيها إطلاق الكف في غيرها، لوجوب تنزيلها عليه بعد ما عرفت، سيما و في

بعضها(3)«على كفيه».

نعم يجب الاستيعاب كالجبهة من غير خلاف يعرف فيها، بل في المنتهى نسبته إلى علمائنا، لتبادره من النصوص و الفتاوى و إن كان ربما يتأمل في ترك بعض ما لا يخرجه عن مسمى مسحه عرفا، سيما بعد ظهور التيممات البيانية في عدم التدقيق بذلك، و الاجتزاء بالمسح مرة واحدة، و لعله لذا اكتفى في مجمع البرهان بمسح ظهر الكف مرة واحدة مع عدم التهاون و التقصير في الاستيعاب و ان لم يستوعب جميع الظهر بحيث انتفى ما بين الأصابع، سيما ما بين السبابة و الإبهام و بعض الخلل، لكنه لا يخلو من تأمل ان أراد غير ما ذكرنا، بل و ان أراده أيضا، لما عرفت من الإجماع ظاهرا، بل لعله محصل على وجوب الاستيعاب، على أن ذلك الصدق من المسامحات العرفية في نفس الإطلاق، نعم لا يجب استيعاب مسح الممسوح بتمام الماسح كما تقدم في الجبهة، و به صرح جماعة، لصدق الامتثال، خلافا للمحكي عن مجمع البرهان، و ربما توهمه بعض العبارات، و لعله لدعوى التبادر من المسح بالكف، و فيه منع واضح.

نعم يجب المسح بالباطن كالضرب و مسح الجبهة بلا خلاف يعرف فيه للتبادر، كما أنه مع التعذر فبالظاهر، و قد مر البحث فيه في الضرب.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 6.

ج 5، ص: 206

و لو تجدد العذر بعد مسح الوجه و لم يفتقر مسح اليدين إلى ضربة أخرى فالأحوط بل المتعين الاستئناف، لظهور الأدلة في المسح بما يضرب به.

و لو تجدد بعد الضربة الثانية قبل المسح احتمل الاكتفاء بضرب الظهر مرة أخرى، و لو تعذر الظهر احتمل صيرورته كالاقطع، و التولية، و كونه فاقد الطهورين، و الجميع للاحتياط، و لم أعرف من احتمل هنا جواز الضرب له بغير الظهر من الذراع كما احتمل في ما مسح الوضوء، و قد مر هناك ما له نفع هنا، كما أنه قد مر في حكم الجبائر و ما في حكمها منه ما يغني عن التعرض لها. على أنه لم أعرف خلافا فيه هنا أيضا، بل قد ذكرنا هناك ان مطلق الحاجب و ان لم يكن من الجبائر و ما في حكمها ينتقل اليه حكم المحجوب مع تعذر إزالته أو تعسره، و لكن الاحتياط لا يترك، كما أنه قد مر في الجبهة من البحث في الابتداء من الأعلى ما يظهر منه الحكم في الابتداء من الزند هنا، لاتحادهما في أكثر ما ذكر هناك، و من هنا لم يفرق أحد بينهما إلا من ندر من بعض متأخري المتأخرين كأصل الخلاف فيه أيضا.

و كذا مر في الضرب باليدين من البحث عن حكم النجاسة ما يكتفى به هنا، و ذكرنا أن المختار عندنا جواز المسح عليها مطلقا مع تعذر الإزالة، سواء كانت حاجبة أولا، و متعدية أولا ما لم تستلزم نجاسة التراب، بل و معها في احتمال، و في آخر التولية أو السقوط في خصوص ذلك العضو، أو يكون فاقد الطهورين، أو غير ذلك و ان كان تفصيل البحث في هذه الفروع مما يحتاج إلى تطويل و إطناب، خصوصا بالنسبة للنجاسة باعتبار عروضها للماسح فقط مع الاستيعاب و عدمه، و التعدي و عدمه، و الحجب و عدمه، أو للممسوح فقط كذلك، أو للجميع، و بالنسبة إلى صور التعذر أيضا كذلك، لكن التأمل في مطاوي كلماتنا في الضرب و في الجبائر و في ماسح الوضوء و غيرها يظهر منه حكم كثير من ذلك، إلا أن الاحتياط لا بد منه، لعدم وضوح استنباطها

ج 5، ص: 207

بحيث يطمئن إليه الفقيه، إذ لا دليل خاص فيها، و الأصول و قاعدة انتفاء المركب كقاعدة الميسور و غيرها متصادمة، مع عدم التنقيح و التحرير لشي ء منها هنا، و الله و رسوله و حججه (صلوات الله عليهم) أعلم.

كما أنه يظهر لك مما تقدم في الوضوء من حكم اليد الزائدة و الأصلية و اللحم المتدلي من غير محل الفرض و النابت فيه و غير ذلك، و كذا حكم الشعر، و ان الأقوى عدم وجوب استبطانه هنا، حتى لو كان التيمم بدل الغسل، و حتى لو كان فيما لا ينبت فيه غالبا كالجبهة، بل يمكن القول بعدم وجوب استبطان شعر الأغم، و هو من كان قصاص شعره على بعض الجبهة أيضا، للعسر و الحرج و غيرهما، فتأمل جيدا.

[في وحدة الضرب و تعدده]

و يجزئ في ما هو بدل الوضوء من التيمم ضربة واحدة بباطن كفيه على حسب ما تقدم لجبهته و ظاهر كفيه، و لا بد فيما هو بدل من الغسل عن جنابة أو حيض و نحوهما من ضربتين واحدة للجبهة، و أخرى لظاهر الكفين و قيل كما عن ظاهر المفيد في الأركان و علي بن بابويه بل عن المنتقى أنه مذهب جماعة من القدماء في الكل ضربتان، و قيل كما في ظاهر الهداية و الغنية و صريح جمل المرتضى كما عن شرح الرسالة له و غرية المفيد و القديمين و المعتبر و الذكرى و ظاهر المقنع و الكليني في الكافي و القاضي في الكل ضربة واحدة، و التفصيل أفضل، و الأول أشهر و أظهر بل هو المشهور نقلا و تحصيلا بين المتقدمين و المتأخرين شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعل ظاهر التهذيب كالمحكي عن التبيان و مجمع البيان دعواه، كما عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية الذي يجب الإقرار به، و في الذكرى إلى عمل الأصحاب، و عن كشف الالتباس و شرح الجعفرية إلى المتأخرين.

قلت: و هو كذلك، بل لم يعرف مفت بغيره منهم في سائر كتبهم إلى زمن الأردبيلي و الكاشاني الذين هما أول من فتحا باب المناقشة للأصحاب، مع أن أولهما

ج 5، ص: 208

قال: هو أحوط و أولى، و ما نسب إلى المعتبر و الذكرى من الاجتزاء بالمرة فهو و هم قطعا كما لا يخفى على من لاحظهما، و تبعهما بعض متأخري المتأخرين كالمجلسي في بحاره، و السيد في مداركه، و المحدث البحراني في حدائقه، و الفاضل المعاصر في رياضه، فاجتزوا بالمرة في الجميع، و أعرضوا عما عليه المتأخرون، بل لعله بين القدماء كان كذلك أيضا، كما نسبه في حاشية المدارك إلى أغلبهم، و يشعر به ما سمعته عن الأمالي و غيره، و منه مع تصريحه به في الفقيه الذي قد ذكر في أوله أنه لا يفتي فيه إلا بما يعلمه حجة بينه و بين ربه يقوى عدم إرادته غيره من ظاهر الهداية و المقنع، سيما مع غلبه تعبيره بهما بمتون الاخبار فلاحظ، كشيخه الكليني و ان اقتصر في ذكر صفة التيمم على غير المشتمل على المرتين، إذ لعله كان من الواضحات عنده، و ابن زهرة و ان كان في أول كلامه الاجتزاء بالمرة لكنه قال بعد ذلك: «قد روى أصحابنا ان الجنب يضرب ضربتين، إحداهما للوجه، و الأخرى لليدين، و طريقة الاحتياط تقتضي ذلك» انتهى.

و لعله يوجبه هنا، كما ان المرتضى في الجمل قال بعد ذكر ما ظاهره الاجتزاء بالمرة:

«و قد روي أن تيممه ان كان من جنابة أو ما أشبهها ثنى ما ذكرناه من الضربة و مسح الوجه و اليدين» و لعل عمله عليها، على انه نقل عنه في المصباح موافقة المشهور، كالمفيد في مقنعته كذلك، و لم يحضرني الغرية و شرح الرسالة ككلام القديمين و القاضي، و ليس النقل كالعيان، مع أني لم أعرف من حكاه عن الأخير إلا سيد الرياض، كما انه لم يحضرني الأركان، و لا كلام والد الصدوق المنسوب إليهما القول بالمرتين، مع أن المحكي من عبارة الأخير وجوب الثلاث، كما حكاه في المعتبر عن قوم منا لنا، لتعبيره بمضمون

صحيح ابن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام) عن التيمم «فضرب بكفيه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 209

على الأرض، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة على ظهرها، و واحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض، ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه»

الحديث.

لكنه قد يقال: إنه لا صراحة فيه كالصحيح أيضا بالتثليث، بل هما ضربتان، و ان فرق في آلتهما بالنسبة لليدين، و لذا نسب اليه القول بالمرتين في جملة من الكتب، و يؤيده غلبة اتحاد كلامه مع فقه الرضا (عليه السلام)، و الموجود فيه المرتان، و لعله يجيز هذا التفريق كالشيخ في الاستبصار، حيث حمل الصحيح على ذلك، و قال: إنه لا ينافي القول بالضربتين، و كذا الحر في وسائله، و هو لا يخلو من قوة في خصوص ضربة اليدين ما لم تفت الموالاة، و ان كان المنساق من الأدلة الضرب بهما دفعة، و في المعتبر بعد ذكره الصحيح أيضا «انا لا نمنعه جوازا» انتهى. و ليس ذا محل البحث فيه.

نعم قد يقال: إنه ليس من ذوي الضربتين مطلقا و ان نسب اليه ذلك، لما تقدم عن الأمالي من نسبة المشهور إلى الإمامية، مع ان والده عنده بتلك المكانة، و لظهور تعبيره بمضمون الصحيح السابق في كونه مستنده، و ذيله قد استدل به الشيخ في تهذيبه و استبصاره على القول بالتفصيل، كما عن غيره أيضا ذلك، و كأنه لما فيه بعد ما تقدم بلا فصل «ثم» قال: هذا التيمم على ما كان فيه الغسل، و في الوضوء الوجه و اليدين إلى المرفقين، و ألقي ما كان عليه مسح الرأس و القدمين، فلا يؤمم بالصعيد، و لا ينافيه اشتماله على مسح الذراعين، فقد يكون والد الصدوق (رحمه الله) نظر إلى ما نظر اليه الشيخ في هذا الصحيح، فيكون من المفصلين أيضا.

لكن لا يخفى عدم وضوح المراد بما بعد لفظ الغسل بناء على ما فهم الشيخ من الصحيح إلا بتكلف سمج، إلا أنه لعله لا يقدح في الاستدلال بما قبله، و لو لا اعتراض الواو بل و الإشارة لأمكن بل لتعين أن يكون بفتح الغين من الغسل على معنى أن التيمم

ج 5، ص: 210

على المغسول من الوضوء دون الممسوح، فلا يصلح دليلا للتفصيل حينئذ، و لعل بعض النسخ بدون الواو على ما قيل، بل فيما حضرني من نسخة الوافي ذلك إلا أن الذي وقفت عليه من نسخة التهذيب و الاستبصار و الوسائل بالواو.

و كيف كان فحجة المشهور- بعد قاعدة الشغل فيما هو بدل الغسل، و ظواهر الإجماعات السابقة المؤيدة بتلك الشهرة العظيمة المستقيمة المستمرة في برهة الزمان الطويل، مع غلبة اختلاف أقوال أهله في الكتاب الواحد فضلا عن الكتب المتعددة خصوصا العلامة، و لذا قد يظن معها انقراض الخلاف، كما انه يستبعد معها خفاء مثل هذا الحكم عليهم مع كثرة الاحتياج إلى التيمم، سيما مع قرب العهد من مثل الصدوق (رحمه الله) و نحوه حتى نسبه إلى دين الإمامية، و وقوعه في مثل النهاية و غيرها كما قيل مما هي متون أخبار، و فتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات به كابن إدريس و غيره حتى قال في السرائر انه الأظهر في الروايات و العمل، و به أفتي و نسب القول بالمرة إلى الرواية، و شدة بعده عن مذهب العامة المأمور بخلافها، لان الرشد فيه، إذ لم يحك عن أحد منهم القول به دون غيره من الضربة في الجميع، ففي التذكرة أنه قال به الأوزاعي و أحمد و إسحاق و داود بن جرير الطبري و الشافعي في القديم، و في المنتهى انه نقله الجمهور عن علي (ع) و عمار و ابن عباس و عطاء و الشعبي و مكحول و الأوزاعي و مالك و إسحاق و أحمد و في البحار عن الطيبي في شرح المشكاة أنه مذهب علي (عليه السلام) و ابن عباس و عمار و جمع من التابعين، و دون الضربتين في الجميع فعن كثير من فقهائهم بل أكثرهم، و أما القول بالتفصيل فلم نعرف أحدا قال به منهم، و لعل ذلك هو السر في عدم صراحة الاخبار و كثرتها به، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة- انه وجه الجمع بين ما دل على المرة من الأصل في وجه، و إطلاق الآية(1).


1- 1 سورة المائدة- الآية 9.

ج 5، ص: 211

كبعض

المعتبرة(1)المسؤول فيها عن التيمم، فقال: «تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك»

و من التيممات البيانية(2)بعد السؤال عنه أيضا كذلك من الأئمة (عليهم السلام) و النبي (صلى الله عليه و آله) لعمار بنقلهم عنه.

خصوصا ما في

الصحيح (3)منها في وصف أبي جعفر (عليه السلام) تيمم النبي (صلى الله عليه و آله) لعمار، قال: «فقال له: أ فلا صنعت كذا، ثم أهوى بيديه الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح جبينه بأصابعه و كفيه، إحداهما بالأخرى، ثم لم يعد ذلك»،

فان في التتمة إشعارا بكون الملحوظ بيانه اتحاد الضرب و تعدده، سيما مع ظهور كونها من الامام (عليه السلام)، لان نقله ذلك للراوي في مقام البيان ظاهر في إرادة بيان عدم الإلزام بذلك ردا على من قال بالتكرير من أكثر العامة.

و ما في

الموثق منها(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا عن التيمم «فضرب بيده الأرض، ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبهته و كفيه مرة واحدة»

كخبر آخر أيضا(5)إذ حمل المرة فيه على المسح دون الضرب بعيد، لعدم كونه محل توهم أو مناقشة من عامة أو خاصة، فنقله خصوصا من مثل زرارة خال عن الفائدة، بخلاف حمله على ذلك، لما فيه من نزاع كثير من العامة به و قولهم بالتعدد، و منه احتاج الرواة سؤال أئمتهم (عليهم السلام) عنه، إلى غير ذلك مما دل عليها كالمروي مرسلا(6)في فقه الرضا (عليه السلام) و نحوه.

و بين ما دل على المرتين ك

صحيح الكندي (7)عن الرضا (عليه السلام) «التيمم ضربة للوجه، و ضربة للكفين»

و

ليث المرادي (8)عن الصادق (عليه السلام) في التيمم


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 6.
6- 6 المستدرك- الباب 9- من أبواب التيمم- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 212

قال: «تضرب بكفيك على الأرض مرتين، ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك»

و

ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن التيمم، فقال: مرتين مرتين للوجه و اليدين»

و غير ذلك، بحمل الاولى على بدل الوضوء، و الثانية على بدل الغسل.

و شاهده- بعد الشهرة العظيمة التي منها مجردة يضعف الظن بشمول أدلة المرة لما كان بدل الغسل و بالعكس، بل هو أولى لندرة القول به جدا، فكيف بعد اعتضادها بظاهر الإجماعات السابقة التي بعضها كالصريح بل صريح، و بما عرفته سابقا مفصلا، و بظاهر صحيح ابن مسلم السابق المشتمل على التثليث ظاهرا بناء على ما فهم الشيخ منه، بل و بما رواه في المنتهى عنه أيضا في

الصحيح (2)عن الصادق (عليه السلام) «ان التيمم للوضوء مرة واحدة، و من الجنابة مرتان»

و ان طعن فيه جماعة ممن تأخر عنه بأنه لا وجود له في كتب الحديث، و بأنه توهمه من فذلكة ذكرها الشيخ في تهذيبه، فظن انها رواية، إذ جلالة قدره و حسن تثبته سيما في كتابه هذا يدفع ذلك عنه، و لعله اطلع عليه فيما لا يطلع عليه غيره كما هو مظنته و من أهله، بل و بما سمعته أيضا من المرسل في جمل المرتضى و الغنية سيما بعد نسبة الثاني له إلى رواية أصحابنا، و تقدم ما في السرائر أنه الأظهر في الروايات، كما عن الصيمري في شرح الشرائع نسبة التفصيل إلى روايات، و كذا يفهم من المصنف في المعتبر تعدد الرواية به، بل هذه المراسيل من مثل هؤلاء بعد الانجبار و التأييد بما مر في أعلى مراتب الحجية لا مؤيدات، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي مضت الإشارة إلى بعضها- ما رواه الشيخ في

الصحيح عن زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: كيف التيمم؟ قال: هو ضرب واحد للوضوء، و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه، و مرة لليدين»

الحديث.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 4.

ج 5، ص: 213

و المناقشة فيه- باحتمال أو ظهور عطفية الغسل على الوضوء، لا الاستيناف بأن يكون جملة خبرية، فيوافق ما في

الموثق (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن التيمم من الوضوء و الجنابة و من الحيض للنساء سواء، فقال: نعم»

و بظهوره في تعاقب الضربتين ثم المسح بهما على الوجه و اليدين على التعاقب مع تخلل النفضة- يدفعها بعد مخالفة الظاهر من لفظ الضرب خصوصا في باب التيمم، و عدم ملائمة أول الجواب للسؤال حينئذ، و إجمال إرادة السائل من التسوية الأعضاء أو المسح أو غيرهما المورث إجمالا في الجواب، لعدم استقلاله هنا، مع احتمال إرادته اجتماع الوضوء و الجنابة، فيكون القسم الأول من السؤال في الجنابة خاصة، لسقوط الوضوء كما عساه يشعر به عدم عود لفظ «من» في الجنابة، و الإتيان بها في لفظ الحيض، و موافقته

للصحيح (2)حينئذ «سألته عن تيمم الحائض و الجنب سواء إذا لم يجدا ماء قال: نعم»

مع ضعف المناقشة الأخيرة من وجوه الانجبار بما سمعت، لا أقل من أن يكون مرجحا لأحد الاحتمالين على الآخر، على أنهما لا يتأتيان في متنه

المروي في المعتبر، قال: «هو ضربة واحدة للوضوء، و للغسل من الجنابة تضرب بيديك ثم تنفضهما مرة للوجه، و مرة لليدين».

و كذا المناقشة في أصل هذا الجمع أولا بعدم قبول أخبار المرة له، لما في جملة منها نقل وقوع البيان لعمار و قد كان جنبا، سيما مع ما في بعضها «ثم لم يعد ذلك» كما أن في بعض أخبار المرة التصريح بالوحدة المؤيد بما دل على التساوي كما سمعت، و ثانيا بإمكان حمل أخبار المرتين على الندب أو على التخيير، و أولى منهما التقية، لأنه مذهب أكثر العامة كما قيل، بل فيما اشتمل منها على مسح الذراعين إشعار به، كاجمال الوجه و اليدين في آخر، و نحو ذلك، إذ بعد الأعضاء عن إمكان دفعها بما عرفت قد يقال:

إنه لا دلالة فيما اشتمل منها على قصة عمار على الاتحاد، حتى فيما نقل من فعل النبي


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 7.

ج 5، ص: 214

(صلى الله عليه و آله) بيانا له، لظهور سياق الجميع بكون المراد كيفيته لا من حيث اتحاد الضرب و تعدده، بل بيان الممسوح و نحوه ردا على من قال من العامة أنه غير الجبهة أو غير الكفين كما يشعر به ما في

بعضها(1)«مسح وجهه و كفيه و لم يمسح الذراعين بشي ء»

و

في آخرين (2)«فمسح فوق الكف قليلا»

و

في آخر(3)«ثم مسح بجبينيه و كفيه»

إلى غير ذلك مما يدل على كون الملحوظ للراوي الكف أو الجبين لا تعدد الضرب و اتحاده، و يشعر به أيضا الاستدلال من الأئمة (عليهم السلام) بآية السرقة تارة، و بإفادة الباء التبعيض أخرى، و بالاستناد إلى قصة عمار معلمين ذلك شيعتهم و خواصهم.

و من هنا يظهر لك وجه الاختلاف في نقل قصة عمار حتى فيما نقله زرارة منها عن الباقر (عليه السلام) و كأنه لاختلاف المقامات التي يحتاج التمسك بها فيه، فمرة للجبين مثلا، و أخرى للكفين، و هكذا.

و مما يؤيد ذلك كله أنه قد يقطع المتأمل أن هذه الاخبار ليس مما أريد بها ذكر بيان تمام التيمم، و كيف مع أنه ترك فيها أكثر واجباته من الابتداء بالأعلى و الترتيب بين اليدين و غيرهما، فيعلم أن صدور ذلك من الرواة أو الأئمة (عليهم السلام) فيما اتفق تعلق خصوص المقام ببيانه، كما هو واضح و نافع.

و من ذلك كله يظهر أن المراد بقوله (عليه السلام): «لم يعد ذلك» التجاوز لا الإعادة، بل و لو سلم فظاهره بالنسبة للمسح كما ورد نظيره بالنسبة للغسل في الوضوء، إذ قد يتعلق أغراض ببيان ذلك.

و كذا ما ذكره الخصم من أخبار الوحدة فإنها صريحة أو كالصريحة في إرادة المسح لا الضرب، و لو سلم فلا ظهور فيها في بدل الغسل، كما أنه يظهر لك إمكان القدح


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 2 و 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 6.

ج 5، ص: 215

لو لا الانجبار بالشهرة و نحوها في دلالة سائر التيممات البيانية على اتحاد الضربة، سيما بعد إجمال مراد السائل عن التيمم الذي قد وقع الجواب في بيانه، أو ظهور كون المراد ما يشترك به الوضوء و الغسل من ماهية التيمم، و احتمال عدم تعلق غرض الراوي بغير ما ذكره و إن بين له غيره، إلى غير ذلك.

و منه ينقدح أن المتجه على حسب ما يقتضيه تعارض الأدلة من إرجاع الضعيف إلى القوي التصرف فيما دل على المرة لا التكرار، لقوة دلالة الثانية من وجوه بالنسبة للأولى، فحمل الخصم لها على الندب و إبقاء تلك على إطلاقها في غير محله، على أن ذلك غير ملائم للسؤال فيها عن كيفية التيمم، بل لم يعرف القول بالاستحباب لأحد من الأصحاب سوى ما حكي عن المرتضى، و استحسنه بعض من تأخر عنه، فلعل القول به خرق للإجماع المركب، كالحمل على التخيير إن لم يكن بين الأقل و الأكثر بل بين الواجب و تركه، و أما حملها على التقية فإنه و ان استجوده المجلسي في بحاره، و تبعه بعض من تأخر عنه لمشهورية القول بالتكرار فيما بينهم، لكن- مع أنه يأباه ما في بعضها من ذكر النفض المنكر عندهم، كآخر الكفين، و المعروف عندهم الذراعان، و ان نقل عن ابن حنبل القول بالكفين، و هو معاصر الرضا (عليه السلام) إلا أنه يرى الضربة الواحدة لا الضربتين- لا موجب له، بل ربما يقال بعدم جوازه، لما عرفت من مشهورية القول بالمرة عندهم أيضا حتى نقلوه عن علي (عليه السلام) و عمار و ابن عباس و غيرهم، فلا تقية فيه منهم، نعم لم ينقل عن أحد منهم القول بالتفصيل، فلا بأس بالتقية من جهته، و لعله لذا لم يكثر التصريح في الاخبار به.

فاتضح لك بحمد الله ضعف القول بالمرة مطلقا جدا، بل لعل إطلاق القول بالمرتين أقوى منه من جهة الأدلة و ان كان نادرا بالنظر للقائلين، و من هنا كان التفصيل هو الأظهر، لكن الاحتياط في التعدد فيما هو بدل الوضوء لأجله لا ينبغي تركه،

ج 5، ص: 216

و أحوط منه الإتيان بتيممين، أحدهما بالوحدة، و آخر بالتعدد مراعاة للموالاة، بل و كذا فيما هو بدل الجنابة أيضا.

كما أنه اتضح لك حينئذ سقوط ما في كتب جماعة من متأخري المتأخرين من الركون للقول بالمرة مطلقا، خصوصا ما في رياض الفاضل المعاصر، فإنه لم يأل جهدا في تزييف القول بالتفصيل حتى ذكر فيه انه كتب رسالة مستقلة في ذلك، و ليتنا عثرنا عليها فرأينا ما ذكر فيها، و نسأل الله أن يوفقنا لكتابة رسالة في مقابلتها تحتوي على ما طوينا ذكره هنا مما يفيد قوة التفصيل، و ان كان فيما سمعته الكفاية إن شاء الله.

ثم انه لا فرق في كيفية التيمم بين أسباب الغسل من الجنابة و الحيض و النفاس و غيرها قولا واحدا، سواء قلنا بالمرة أو التكرار، للتساوي في المبدل عنه، و للصحيح السابق، نعم قد يفرق بينها بوجوب تيمم واحد بدل الوضوء و الغسل كالماء لحدث الجنابة بلا خلاف أجده فيه للبدلية، و ظاهر الآية، و صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) السابق في أدلة التفصيل و غيره، و لا يجب التعرض للاستباحة من الحدث الأصغر حينئذ كالغسل، لكن حكى في جامع المقاصد عن ظاهر الشيخ وجوبه، و لعله لضعف البدل، و هو ضعيف جدا كضعف ما حكاه عن ظاهره أيضا من إيجاب التعيين في الأحداث الصغر لو اجتمعت، بخلاف غير الجنابة فتيممين، أحدهما للغسل، و الآخر للوضوء بناء على إيجابه ذلك و عدم الاجتزاء بالغسل عنه، كما صرح به جماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه، و المحقق الثاني في جامعه، و الفاضل الأصبهاني في كشف لثامه، بل قد يشعر الأخير بعدم خلاف فيه لوجوب المبدلين، و عدم إغناء أحدهما عن الآخر، فالبدل أولى لضعفه.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 4.

ج 5، ص: 217

و ما في المقنعة من التسوية بين تيمم الجنابة و الحيض و النفاس

كالصحيح (1)الذي استدل به الشيخ له في تهذيبه «سألته عن تيمم الجنب و الحائض سواء إذا لم يجدا ماء فقال: نعم»

منزل على إرادة الكيفية لا الكمية، مثل ما دل (2)على مساواة غسلها لغسله، لكن في الذكرى و تبعه في المدارك ان ظاهر الأصحاب المساواة فيهما حتى انه نسب في الأولى تعدد التيمم في نحو الحائض إلى تخريج بعض الأصحاب ذلك على وجوبه في المبدل، إلا أنه قال: لا بأس به، و في الثانية أن الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية، و عدم اعتبار نية البدلية، فيكون جاريا مجرى أسباب الوضوء و الغسل المختلفة، و فيه- مع أنا لم نتحقق ما نسباه إلى ظاهر الأصحاب إن لم يكن قد تحققنا خلافه، و التسوية السابقة قد عرفت ما فيها- انه لا تلازم بين القول باتحاد الكيفية و عدم اشتراط نية البدلية و بين ما نحن فيه بعد فرض التعدد في المبدل، و أصالة عدم التداخل في البدل.

نعم أقصى القول بالاتحاد صلاحية التداخل بالدليل لا انه يكون دليلا، و معه يتجه القول و إن لم نقل بالاتحاد لكن يكون حينئذ من الاسقاط لا التداخل، كما ان التداخل أيضا يرجع عند التأمل إلى ذلك على ما ذكرناه سابقا في باب الوضوء.

و دعوى كونها كأسباب الوضوء حينئذ ممنوعة، كدعوى كونها كأسباب الغسل المختلفة، و ان قلنا بالتداخل فيها بالدليل هناك لا لاتحاد الكيفية.

و احتمال شمول دليل التداخل لما نحن فيه أيضا يدفعه انه ظاهر في اجتماع أسباب متعددة لمسبب متحد في الكيفية أصلا لا بدلا، إذ هو لا يزيد على المبدل عنه، ف

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الحيض.

ج 5، ص: 218

(عليه السلام)(1): «إذا اجتمعت عليك لله حقوق أجزأك عنها غسل واحد»

يراد به حقوق يوجب كل واحد منها غسلا لا وضوء و غسلا مثلا، فبدل الغسل حينئذ إنما يقوم مقامه فيما أجزأ عنه من الأغسال.

و من هنا يتجه القول بالتداخل حينئذ في التيممات مع تعدد الأسباب على حسب ما ذكرناه في الأغسال، بل قد يجزئ عن الوضوء حيث يجتمع الجنابة مع الحيض مثلا على حسب الغسل، كما انه يجزئ التيمم بدل الجنابة عن غيره لو كان معه و ان لم ينوه إن قلنا به في الغسل، خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخ، فاعتبر التعرض لتعيين الحدث هنا، و هو ضعيف، بخلاف العكس فلا يجزئ إلا مع النية بناء على المختار هناك من اعتباره في الغسل، و إلا فبناء على عدم الاعتبار فيه يتجه هنا أيضا ذلك. لكنه احتمل في جامع المقاصد عدم الاجزاء و إن قلنا به في الغسل، قال: لان التيمم طهارة ضعيفة مع انتفاء النص على ذلك و عدم تصريح الأصحاب، فيتعين الوقوف مع اليقين، و هو ضعيف كاحتمال أصل عدم جواز التداخل في التيمم للأصل، و كون التيمم مبيحا لا رافعا، و الشك في تناول البدلية لمثل ذلك، لوضوح منع الجميع بظهور تناول البدلية له، و عدم الفرق بين الإباحة و الرفع هنا، و لذا ثبت التداخل في أغسال المستحاضة و نحوها مما هو مبيح لا رافع، فالأقوى حينئذ جريان التداخل في التيمم لكن على حسب ما تقدم في الغسل من اعتبار النية و غيرها مما يعرف من ملاحظة ذلك المقام، فلاحظ و تأمل، كل ذا للبدلية.

[في الاقتصار على الجبهة لو قطعت كفاه]

و كيف كان ف ان قطعت كفاه بحيث لم يبق منهما من محل الفرض شي ء سقط مسحهما قطعا و إجماعا و اقتصر على مسح الجبهة و لا يسقط التيمم عنه بذلك بلا خلاف، بل لعله إجماعي ان لم يكن ضروريا، لقاعدة الميسور و البدلية و عدم سقوط


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- الحديث 1.

ج 5، ص: 219

الصلاة بحال و الاستصحاب، إذ لم يثبت اشتراط الاجتماع في هذا الحال، بل الثابت عدمه، و إلا لسقطت الطهارة مائية أو ترابية مدى العمر بذهاب بعض أجزاء الكف مثلا من إصبع أو بعضه بقرح أو جرح، و الضرورة على خلافه.

فما عن المبسوط إذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم، و يستحب أن يمسح ما بقي مما ربما تخيل منه الخلاف لما ذكرنا حتى استدل له بقاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه لا يريده قطعا، بل مراده كما صرح به في الخلاف سقوط فرض التيمم عن اليدين خاصة، كما يومي اليه ما نقل عنه من تعليل ذلك بأن ما أمر الله بمسحه قد عدم، فوجب أن يسقط فرضه، بل لعله يومي اليه ما ذكره من الاستحباب أيضا، لظهوره في أن له تيمما صحيحا، و انه يستحب له مسح ما بقي من الذراع، و حمله على إرادة الجبهة- فيكون المعنى أنه يستحب له مسح الجبهة و انه يصلي به حينئذ- بعيد بل ممتنع عند التأمل.

نعم يتجه عليه المطالبة بدليل ما ذكره من الاستحباب لو كان محل القطع فوق الزند، و لعله لما تقدم في الوضوء من الأمر ان قطعت يده من المرفق بغسل ما بقي من عضده، إذ الذراع هنا كالعضد هناك، كما أنه يحتمل إرادته نفس مفصل الكف أي العظم المتصل بمبتدإ الكف الذي هو منتهى الذراع، و لعله الذي يسمى بالرسغ، و فيه أن المتجه حينئذ وجوبه بناء على كونه كالمرفق الأصلي، لدخول مبتدأ الغاية في المغيا و ان لم نقل به فيها، و لما عرفت هناك من الوجوب الأصالي في المرفق عندنا لا المقدمي حتى يسقط و لو سلم كونه منه هنا، و لذا صرح جماعة بعدم وجوب مسحه، بل لم أعرف من صرح بوجوبه و ان احتمل، لعدم الدليل، بخلافه هناك، مع حرمة القياس فلا دليل حينئذ على استحبابه، اللهم إلا أن يكتفى في ثبوته لمكان التسامح فيه بالاحتياط، لاحتمال وجوبه الأصالي، و فحوى خبر العضد(1)و نحو ذلك، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 220

انما البحث في كيفية تيممه، فهل بتمعيك جبهته بالتراب، أو بضرب ذراعيه ثم المسح بهما مقدما على غيره من أعضائه، لقربها إلى محل الضرب، سيما مع بقاء المفصل و قلنا بأنه منه أصالة، أو مخيرا بينه و بين غيره منها، أو يجزئ كل من التمعيك أو الضرب السابق، أو يتعين عليه التولية؟ وجوه و احتمالات قد ذكرت مفرقة في الذكرى و جامع المقاصد و كشف اللثام، بل قد يظهر من الأول اختيار آخرها مع احتماله الأول، و الأخيرين الأول، كإطلاق بعضهم إجزاءه مع العذر، مع احتمال أولهما الثاني، و ثانيهما الأخير، كما أنه قد يظهر من إطلاق المصنف اختيار الوجه الثالث، لا طلاقه المسح، لكنه ظاهر في نفي الرابع من حيث تبادر المباشرة منه، و لا تعيين في النصوص لشي ء منها حتى قاعدة الميسور، لكن لعل ما عدا الأخير أقرب إليها منه، و الثاني أقرب من غيره، و الاحتياط لا يترك.

[لو قطع أحد الكفين أو بعضهما ضرب بالباقية أو الباقي منهما]

نعم لو قطع أحد الكفين أو بعضهما ضرب بالباقية أو الباقي منهما و مسح الجبهة و على ما بقي من اليدين بذلك، إلا أنه يأتي البحث السابق أيضا في كيفية مسح ظهر الكف الباقية على تقدير قطع تمام الثانية، بل في الروضة سقوط مسح اليد هنا، لكنه غريب، بل الظاهر جريان ما تقدم في الجبهة فيه، بل و فيما هو مثل الأقطع أيضا كمربوط اليدين، و ان كان بعض الوجوه السابقة لا تجري فيه، إلا أنه يزيد باحتمال كونه فاقد الطهورين بخلاف الأقطع، فإنك قد عرفت ضعف هذا الاحتمال فيه.

[في وجوب استيعاب مواضع المسح في التيمم]

و قد مر سابقا ما له نفع تام في المقام، كما قد مر عند البحث على الجبهة و اليدين أنه يجب استيعاب مواضع المسح في التيمم منها بلا خلاف، بل في المنتهى و عن غيره الإجماع عليه ظاهرا، لانه المتبادر من النصوص (1)و الفتاوى و معاقد الإجماعات فلو أبقي منها شيئا عمدا أو نسيانا لم يصح لعدم صدق الامتثال إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 221

إذا عاد عليه مراعيا للترتيب و الموالاة، و إلا فيعيد التيمم من رأس، و لعل ما عن المبسوط من إطلاق إعادة التيمم بذلك منزل على ما ذكرنا، و قد مر أيضا أن الأقوى عدم وجوب الاستيعاب بتمام الماسح خصوصا في الجبهة، و ان كان الأحوط ذلك، فلاحظ و تأمل.

[في استحباب نفض اليدين بعد الضرب]

و يستحب نفض اليدين أو بمعناه بعد ضربهما على الأرض لو علق بهما شي ء للنصوص المستفيضة(1)و فيها الصحيح و غيره، و ظاهرها الوجوب، لكن في التذكرة الإجماع على عدمه، كما في المنتهى أنه يستحب عند علمائنا، خلافا للجمهور، و في المدارك انه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه خلافا، و عن المقاصد العلية يجوز النفض إجماعا، و ربما قيل بوجوبه، و في المختلف ان ابن الجنيد اعتبر وجوب المسح بالتراب المرتفع على اليدين، و باقي أصحابنا استحبوا النفض، و ظاهره كجامع المقاصد و غيره انحصار الخلاف في ذلك بابن الجنيد، لاعتباره المسح بالتراب المرتفع، لكن قال جماعة من متأخري المتأخرين: إنه لا ينافي النفض، لانه لا ينفي التراب رأسا، و هو كما ترى لا يوافق ظاهر المحكي عنه، مضافا إلى ما عرفته سابقا في البحث عن العلوق.

و كيف كان فخلافه غير قادح، بل قد يظهر من المنتهى كما عن غيره بل كاد يكون صريحه الإجماع على خلافه، حيث قال: و لا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة، ذكره علماؤنا، و هو اختيار أبي حنيفة، و قال الشافعي و محمد: يجب المسح به، و لعل ذلك منه و غيره قرينة على عدم إرادته بقوله في القواعد: «و لا بد من نقل التراب، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف» ما عساه يظهر منه اعتبار العلوق، سيما مع اكتفائه فيها بمطلق الأرض فيما يتيمم به لا خصوص التراب، و قد مر في العلوق ما فيه الكفاية.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التيمم- الحديث 3 و 6 و 7.

ج 5، ص: 222

و عن الشيخ في نهايته و ظاهر مبسوطة انه يستحب مع النفض مسح إحداهما بالأخرى، و لعله للاستظهار في تنظيف اليد لفحوى الأمر بالنفض و النفخ، و تحرزا من تشويه الخلقة، أو انه يريد النفض بمسح إحداهما بالأخرى و صفقهما، لكونه المتبادر، لا نفض كل منهما مستقلا، لكن عن المحقق في النكت اني لا أعرف الجمع بين الأمرين، كما في المدارك لا نعلم مستنده، بل عن المنتهى انه لا يستحب مسح إحدى الراحتين بالأخرى، خلافا لبعض الجمهور، إلا أن ظاهره إرادة مسح إحدى الراحتين مع مسح ظاهر الكف لا ما نحن فيه، كما لا يخفى على من لاحظه، و لم يذكر المصنف غير النفض و قصد الربى و العوالي من مستحبات التيمم، و زاد في الذكرى السواك للبدلية، و التسمية لها أيضا، و لعموم البدأة باسم الله أمام كل أمر ذي بال، بل عن الظاهرية وجوبها و تفريح الأصابع عند الضرب مسندا له إلى نص الأصحاب، و أن لا يرفع عن العضو حتى يكمل مسحه، لما فيه من المبالغة في الموالاة، و أن لا يكرر المسح لما فيه من التشويه، و من ثم لم يستحب تجديده لصلاة واحدة و لا بأس به للتسامح و ان كان في البعض نوع تأمل.

[في صحة التيمم لو تيمم و على جسده نجاسة]

و لا يعتبر في صحة التيمم طهارة غير أعضائه من تمام البدن حتى محل النجو للأصل و إطلاق الأدلة من غير معارض، بل و البدلية، ف لو تيمم و على جسده نجاسة صح تيممه و ان كان متمكنا من إزالتها كما لو تطهر بالماء و عليه نجاسة في غير محل الوضوء مثلا

[في لزوم مراعاة ضيق الوقت في التيمم]

لكن في التيمم يراعى ضيق الوقت عنه و عن الصلاة خاصة ان كان التيمم لما يعتبر إزالتها في صحته كالصلاة و قلنا باعتبار الضيق فيه مطلقا أو مع الرجاء و كان متحققا، فلو تيمم حينئذ قبل إزالتها مع سعة الوقت له فسد، لا لان زوالها في نفسه شرط في صحته، بل لوقوعه حينئذ قبل الضيق المعتبر في صحته، إذ المراد به عدم سعة الوقت لغيره و الصلاة، فلا فرق حينئذ بين نجاسة البدن و الثوب و غيرهما مما يشترط في الصلاة، قيل: و لذلك أوجب تقديم الاستنجاء و نحوه عليه في المبسوط و النهاية و المعتبر

ج 5، ص: 223

و ظاهر المقنعة و الكافي و المهذب و الإصباح.

و ربما يشهد له مع ذلك أيضا ما في

خبر أبي عبيدة(1)عن الصادق (ع) سأله عن الحائض التي قد طهرت و لم يكن عندها ما يكفيها للغسل، فقال: «إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلي»

إلى آخره. لكن قد يناقش فيه على هذا التقدير أيضا أولا بأن المراد بضيق الوقت عند من اعتبره هو عدم زيادته عن الصلاة و شرائطها التي من جملتها التيمم و إزالة النجاسة، و إلا فلا دليل على وجوب تأخيره عن سائر شرائط الصلاة من الاستتار و نحوه، و ثانيا بظهور إرادة العادي من الضيق الذي لا ينافيه نحو ذلك في بعض الأحوال، و إلا لم يجز التيمم في موضع يحتاج أن ينتقل عنه إلى مصلاه، بل و لا فعل الأذان و الإقامة و نحوهما مما يقتضي السيرة بخلافه.

نعم قد يقال باشتراط تقدم خصوص الاستنجاء في صحته بناء على اشتراطه في الوضوء للبدلية، لكن قد عرفت ضعفه فيما سبق، كما عرفت عدم اعتبار المضايقة مطلقا في التيمم عندنا، فلا يتوجه البحث حينئذ فيما ذكره المصنف من أصله، و لعل عبارته هنا تشعر باختياره الضيق و إن كان قد تردد فيما مضى.

[الطرف الرابع في أحكامه]
اشاره

الطرف الرابع في أحكامه و هي عشرة

[الأول من صلى بتيممه الصحيح لا يعيد]

الأول من صلى بتيممه الصحيح لا يعيد ما صلاة خارج الوقت لو وجد الماء فيه للأصل و قاعدة الاجزاء، مع احتياج القضاء إلى أمر جديد و ليس، و البدلية، سيما مع

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(2): «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين»

و الإجماع المنقول في الخلاف و المعتبر و التحرير و التذكرة و المنتهى منا، بل و من غيرنا عدا طاوس، و قد انقرض خلافه، كما عن الصدوق في الأمالي نسبته


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الحيض- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 12.

ج 5، ص: 224

إلى دين الإمامية، و المعتبرة المستفيضة منها ما في

حسن زرارة أو صحيحه (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، و ليتوضأ لما يستقبل»

و

صحيح يعقوب بن يقطين (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) بعد أن سأل عمن تيمم و صلى فأصاب الماء أ يتوضأ و يعيد أم جازت صلاته؟

قال: «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ و أعاد، فان مضى الوقت فلا إعادة عليه»

و منها إطلاق الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (3)و

صحيح ابن سنان (4)«إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض و يصلي، فإذا وجد الماء فليغتسل و قد أجزأته صلاته التي صلى»

كصحيح الحلبي (5)و العيص (6)و محمد بن مسلم (7)عنه (عليه السلام) أيضا مع زيادة ترك الاستفصال فيها، بل في الأخير منها تعليل عدم الإعادة بأن رب الماء رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين.

مضافا إلى فحوى ما دل على عدم الإعادة لواجد الماء في الوقت، ك

صحيح زرارة(8)قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): فإن أصاب الماء و قد صلى بتيمم و هو في وقت قال: تمت صلاته و لا إعادة عليه»

و

أبي بصير(9)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تيمم و صلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت فقال: ليس عليه إعادة الصلاة»

كالموثق (10)عنه (عليه السلام) أيضا بل و آخرين (11)مع زيادة التعليل بأن رب الماء هو رب الصعيد.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 16.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 15.
8- 8 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 9.
9- 9 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 11.
10- 10 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 14.
11- 11 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 15 و 17.

ج 5، ص: 225

فمنها- مع إطلاق الأولى، سيما مع غلبة إطلاق الإعادة على ما في الوقت، و البدلية، و قاعدة الاجزاء، و إطلاق إجماع التحرير، بل كاد يكون صريحا فيه، بل هو صريح معقد ما عن الأمالي من النسبة إلى دين الإمامية، و إجماع التذكرة- يظهر وجه إطلاق المصنف عدم الإعادة في الوقت و خارجه، كما هو المعروف بين القائلين بالمواسعة، بل لعل القائلين بالمضايقة مطلقا أو مع الرجاء كذلك أيضا لكن بشرط فرض صحة التيمم إما بأن يكون متيمما سابقا، أو لنافلة و جوزنا الدخول به في الفريضة، أو كان مع ظن الضيق، أو غير ذلك، إلا أنهم لم ينقحوا القول فيه بينهم، و ان كان يفهم ذلك من مطاوي كلماتهم، و ان أطلقوا البطلان على المضايقة، لكن عللوه باستلزام الفرض وقوعه في السعة حينئذ، و قد عرفت إمكان التصوير عليه بما ذكرنا، و بعد التسليم فهو خارج عما نحن فيه، لعدم صحة التيمم حينئذ عندهم، لا أنه صحيح و مع ذلك يكلف بالإعادة لوجدان الماء.

فظهر اتفاق الفريقين حينئذ على عدم الإعادة لذلك مع الحكم بالصحة، فما عن ابني الجنيد و أبي عقيل من القول بها في هذا الحال كأنه خرق للإجماع المركب ان لم يكن البسيط، خصوصا إن قلنا إن ذلك منهما على جهة الكشف، بمعنى جواز التيمم في السعة إلا أنه مراعى بعدم وجدان الماء في الوقت، كما هو ظاهر أو محتمل المحكي عن عطاء و طاوس و القاسم بن محمد و مكحول و ابن سيرين و الزهري و ربيعة، حيث جوزوا التيمم في السعة، و أوجبوا الإعادة مع الوجدان في الوقت، كالقديمين منا، مع أنا لم نعرف لهما مستندا سوى أصالة التكليف بالمائية، و هو مع أنه لا يعارض ما تقدم ممنوع هنا، و صحيح ابن يقطين المتقدم (1)و

موثق منصور بن حازم (2)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل تيمم و صلى ثم أصاب الماء فقال: أما أنا فإني كنت أتوضأ و أعيد»

و هما


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 10.

ج 5، ص: 226

- مع موافقتهما لما سمعت، و قصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه، و عدم التصريح في الثاني بكون الإصابة في الوقت- محمولان على الندب كما صرح به بعضهم، سيما مع إشعار الثاني به أو بالتقية، فيحملان عليها حينئذ، فظهر حينئذ أنه لا يعيد سواء كان في الوقت أو خارجه.

كما أنه كذلك سواء كان تيممه في سفر أو حضر بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن المرتضى في شرح الرسالة منا، و الشافعي منهم من وجوب الإعادة على الحاضر إذا تيمم لفقد الماء ثم وجده، بل عن التنقيح حكايته عن الشيخ و بعض الأصحاب إلا أنا لم نتحققه، بل في الخلاف التصريح بعدم الإعادة، بل ظاهره أو صريحه الإجماع، كما أن عنه الإجماع على مساواة الحضر و السفر في ذلك، و هو مع إطلاقات الإجماعات السابقة و غيرها حجتنا على المرتضى، سيما لو أراد بالإعادة ما يتناول القضاء، مع أنا لم نعرف له مستندا كما اعترف به غير واحد إلا ما يشعر به خبر السكوني (1)الوارد في الزحام، و ستعرف ما فيه.

و دعوى أصالة التكليف بالمائية، و الترابية إنما تجزئ عن التكليف بها لا عن غيرها، كما أن أخبار عدم الإعادة إنما تنصرف لغيره، لندرة فقد مثله الماء، سيما مع عدم العموم اللغوي في أكثرها، و فيه- مع منع أصله عليه هنا، و انقطاعه بعد التسليم بما تقدم، و منافاته لقاعدة الاجزاء المعلومة عرفا خصوصا في المقام- ان ما دل (2)على تنزيل التراب منزلة الماء، و ان ربهما واحد، و انه أحد الطهورين و نحوها تتناول الجميع، و إلا لشك في أصل تسويغ التيمم له حينئذ لا في الإعادة خاصة، و من الواضح عندنا بطلانه كما تقدم في أول مسوغات التيمم، كما انه قد وضح لك الآن بطلان المحكي عن


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 227

المرتضى، مع أنه لم يعرف نقله عنه إلا من بعض المتأخرين.

نعم قيل كما عن التهذيب و الاستبصار و النهاية و المبسوط و المهذب و الإصباح و روض الجنان فيمن تعمد الجنابة و خشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم و يصلي لعدم سقوط الصلاة بحال، و عموم أو إطلاق الأمر بالتيمم عند الخوف على النفس، بل و خصوص الجنب عند عدم التمكن ثم يعيد لعدم العلم باجزاء الترابية عنها هنا، سيما بعد ما ورد(1)من التشديد عليه بالاغتسال و ان تألم من البرد كما مر سابقا، و

للمرسل (2)في الكافي و التهذيب و الاستبصار في أحد طريقيهما، بل و الآخر أيضا، لأنه عن عبد الله بن سنان أو غيره عن الصادق (عليه السلام) «عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف ان اغتسل، قال: يتيمم، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة»

نعم هو في الفقيه صحيح، لانه قال: «سأل عبد الله بن سنان أبا عبد الله (عليه السلام)» إلى آخره. و طريقه اليه صحيح، و في السرائر و الجامع نسبته إلى الرواية، لكن ظاهر الأول عدم العمل بها.

و فيه- مع معارضته بما دل (3)على أمر مثله بالاغتسال على كل حال حتى حكى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه و ان تقدم سابقا منع ذلك عليه، و منافاته لقاعدة الأجزاء التي هي هنا كادت تكون صريح الأدلة، خصوصا ما دل منها على تنزيل التراب منزلة الماء، و كونه أحد الطهورين، و ان ربهما واحد، بل في

خبر السكوني (4)عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) «ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال لأبي ذر و قد جامع على غير ماء: يكفيك الصعيد عشر سنين»

بل قد يستظهر من الأخير المطلوب.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التيمم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 12.

ج 5، ص: 228

كما أنه يستظهر أيضا مما تقدم من المعتبرة(1)الدالة على عدم الإعادة مطلقا، خصوصا المشتمل منها على عدم إعادة الجنب، إذ هي و ان كانت ظاهرة في فاقد الماء ثم أصابه لا ما نحن فيه، لكن مع إمكان دعوى المساواة بينهما تنزيلا للمنع الشرعي منزلة المنع العقلي، سيما بعد عدم حرمة الجماع عليه كما ذكرناه سابقا قد اشتمل بعضها على التعليل الشامل له، ك

صحيح ابن مسلم (2)«سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد و صلى ثم وجد الماء فقال: لا يعيد، ان رب الماء رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين»

و نحوه غيره (3)في ذلك، خصوصا مع اعتضاده بالأصل، و ظهور الأدلة في اتحاد الصلاة المأمور بها و ان اختلفت طهارتها مائية أو ترابية، و احتياج القضاء إلى أمر جديد و ليس، بل و الإعادة هنا أيضا، إذ هو مكلف حينئذ بصلاتين، و بما تقدم سابقا من إطلاق بعض ما حكي من الإجماع على عدم الإعادة على من صلى بالتيمم الصحيح، خصوصا بالنسبة للقضاء، و بالشهرة بين متأخري الأصحاب، بل و لعل غيرهم كذلك، إذ لم ينقل إلا عمن عرفت، مع عدم صراحة الأولين في المحكي عنهما، و لم يحضرني الباقي، و ليس النقل كالعيان، و غير ذلك- أنه لا صراحة بل و لا ظهور في الخبرين في المتعمد، بل قد يظهر منه المحتلم مثلا، مع إرسال الأول، و عدم صراحة الجملة الخبرية بالوجوب، فحمله على الندب متعين، أو التقية لكونه مذهب أبي يوسف و محمد و الشافعي و إحدى الروايتين عن أحمد أو غير ذلك.

و قد مر في السبب الثالث من مسوغات التيمم ماله نفع في المقام، خصوصا ما يتعلق بحل تعمد الجنابة لمثله حتى بعد الوقت، إلا في خصوص ما لو كان متمكنا من الوضوء، ففي المنتهى تحريمه لوجوب الطهارة المائية عليه حينئذ كما تقدم ذلك كله مفصلا.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 229

كما أنه قد مر في السبب الأول من المسوغات ضعف القول بوجوب التيمم على من أراق الماء في الوقت ثم الإعادة، و إن ذهب إليه العلامة و غيره، فلا يتم ما قيل هنا أيضا: إن المراد بتعمد الجنابة في نحو المتن قبل الوقت لا بعده، لأنه كإراقة الماء بعده، على انه قياس: مع الفارق عند التأمل إذا لم يجد شيئا من الماء، لكون فرضه حينئذ التراب، فلا يتفاوت بين حدثية الأصغر و الأكبر، فلاحظ و تأمل.

و كذا قيل كما في الوسيلة و الجامع و عن المقنع و النهاية و المبسوط و المهذب فيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج حتى خشي فواتها مثل ذلك أي يتيمم و يصلي بلا خلاف أجده فيه هنا حتى من بعض من أنكر جوازه للضيق، و لعله للفرق بينهما من حيث مانعية الزحام هنا لا الضيق مجردا، فيشمله حينئذ عمومات التيمم، ثم يعيد للشك في إجزائها عن المائية هنا، و ل

موثق سماعة(1)عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء، و لا يستطيع الخروج عن المسجد من كثرة الزحام قال: يتيمم و يصلي معهم، و يعيد إذا انصرف»

كخبر السكوني (2)بتفاوت لا يقدح في المراد.

و لعل الأقوى فيه عدم الإعادة أيضا وفاقا للفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم من متأخري المتأخرين، بل لعله لا خلاف فيه بينهم، للأصل و قاعدة الاجزاء، و البدلية، و التعليل السابق له باتحاد ربهما و كونه أحد الطهورين، و كثير مما مر آنفا من إطلاق معقد إجماع عدم الإعادة و غيره، فلا شك في الاجزاء حينئذ بعد ذلك، و لا قوة للخبرين على التخصيص و ان كان أحدهما موثقا، و الآخر عن الشيخ في العدة الإجماع على العمل بما يرويه، لكنهما مع ما سمعت ظاهران في إرادة الصلاة مع العامة، سيما و المعروف في ذلك الزمان انعقادها لهم، و اشتمال سؤالهما على عرفة مع ظهور


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التيمم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 230

الجواب عن الجمعة خاصة لا ينافي ذلك.

فيتجه حينئذ الإعادة لعدم إجزاء تلك الصلاة في حقه لو كانت بطهارة مائية فضلا عن الترابية، بل تكليفه صلاتها ظهرا، و الفرض انه متمكن من ذلك لاتساع الوقت و ارتفاع الزحام بعد الفراغ من الجمعة، و احتمال إجزائها لعموم أوامر التقية و ان كان متمكنا منها ظهرا ضعيف، فما في كشف اللثام- بعد ذكره الخبرين و هما و ان ضعفا إلا أن في إجزاء هذه الصلاة و هذا التيمم نظرا، فالإعادة أقوى- متجه ان أراد ما ذكرنا و إلا كان محلا للتأمل، بل و المنع لما عرفت، اللهم إلا أن يريد أنه يشك مع عدم تمكنه من المائية في وجوب الصلاة جمعة عليه و ان لم يكن تقية، لأن لها بدلا مع تعذرها، و هو صلاتها ظهرا فلا يكون خوف فواتها حينئذ مسوغا للتيمم.

و لعله لذا قال في المهذب البارع: «لو كان المانع من الطهارة خوف فوات الجمعة مع التمكن من الخروج من الجامع لسهولة الزحام و ضيق الوقت لم يجز التيمم إجماعا» انتهى.

و فيه انه لا وجه للشك في ذلك بعد فرض عينية الجمعة عليه، و ان كان لها بدل اضطراري، على انه ليس بدلا حقيقة، بل هو تكليف آخر يثبت بعد تعذر الأول عليه، و لا تعذر مع إقامة الشارع التراب مقام الماء، و إجماع المهذب- مع أنه ليس مما نحن فيه، لكون المانع هنا الزحام- قد يمنع عليه حيث تكون الجمعة واجبا عينا.

نعم قد يتجه ما ذكر في نحو زمن الغيبة بناء على الوجوب التخييري بينها و بين الظهر، لعدم ثبوت مسوغية فوات أحد فردي الواجب المخير التيمم له، بل يتعين عليه حينئذ الفرد الآخر بالطهارة المائية، و كذا ما نحن فيه من الزحام، فلا يشرع التيمم حينئذ لا انه يشرع و يعيد مع انه للتأمل فيه مجال، لكن الاحتياط لا ينبغي أن يترك بحال، سيما بعد اعتبار الخبرين في الجملة و عمل من عرفت بهما من الأصحاب.

و كذا قيل كما عن النهاية و المبسوط في من كان على ثوبه الذي لا يتمكن

ج 5، ص: 231

من نزعه بل أو جسده لأولويته من الأول و ان اقتصر عليه فيهما نجاسة لا يعفى عنها و لم يكن معه ماء لإزالتها تيمم لعموم أدلته، ثم يعيد بعد التمكن من غسلها،

للموثق (1)عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب، و لا يحل الصلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: «يتيمم و يصلي، و إذا أصاب ماء يغسله و أعاد الصلاة».

و فيه- مع قصوره عن معارضة غيره من الأصل، و قاعدة الاجزاء، و التعليل السابق، و إطلاق ما دل على عدم الإعادة من الاخبار، و معقد الإجماع، و غيره خصوصا لو أراد الخصم منها ما يشمل القضاء، سيما بعد حصول الاعراض ممن عداه من الأصحاب عنه نصا و ظاهرا، بل منه أيضا في الخلاف، بل ظاهره فيه الإجماع على عدم الإعادة حيث أضافه الى مذهبنا، بل ظاهر المحكي عنه في المبسوط عدم الإعادة أيضا، لكن بالنسبة إلى نجاسة البدن، و سيما مع إطلاق الثوب فيه من غير تقييد بعدم التمكن من نزعه- انه لا صراحة فيه بما نحن فيه، لاحتماله كون ذلك من أحكام النجاسة حتى لو كان متطهرا بالماء، بل في كشف اللثام أنه الظاهر كما أنه استظهر في المنتهى من الشيخ أن الإعادة بمجرد تمكنه من غسلها خاصة و ان لم يتمكن من الطهارة المائية، لتعليقه الإعادة على عدم الغسل، و لأن المؤثر وجودها و قد زالت، و ان اعترضه في جامع المقاصد بأنه لا دلالة في عبارة الشيخ على ما ادعاه، بل ظاهر ذكره لها في باب التيمم- و عدم تعرضه لذلك في أحكام النجاسة، و استدلاله بحديث عمار(2)المتضمن للتيمم المشعر بكون الإعادة للأمرين لا للنجاسة بخصوصها- خلافه لكن قد يمنع ذلك كله عليه.

و من هنا اتضح أن الأظهر عدم الإعادة في جميع ما تقدم، و ان الاحتياط لا ينبغي أن يترك،

[الثاني يجب عليه طلب الماء]

كما أنه قد اتضح سابقا ما ذكره المصنف بقوله الثاني يجب عليه طلب الماء،


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 232

فإن أخل بالطلب و صلى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه تطهر و أعاد الصلاة نعم انما البحث في

[الثالث في حكم فاقد الطهورين]

الثالث و هو من عدم الماء و ما يتيمم به اختيارا و اضطرارا لقيد أو حبس في موضع نجس و قلنا بعدم جواز التيمم به، أو غير ذلك ففي التذكرة و عن القاضي أنه قيل يصلي و يعيد إذا تمكن، لكنا لم نعرف قائله، كما اعترف به بعضهم و ان نسبه الأول إلى اختيار الشيخ في المبسوط و النهاية، إلا أن المحكي عنهما التخيير بين تأخير

الصلاة أو الصلاة ثم الإعادة، و هو غير ذلك، كالمحكي عن جد المرتضى من وجوب الأداء دون القضاء، على أنه لم يثبت، و لذا قال في جامع المقاصد: «إن سقوط الأداء ظاهر مذهب أصحابنا» و الروض «ظاهر الأصحاب بحيث لا نعلم فيه مخالفا» و المدارك «أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا صريحا».

قلت: و هو كذلك، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و احتمال اختصاص الشرطية في صورة التمكن خاصة- كسائر شروط الصحة من الساتر و القبلة و غيرهما، بل و الاجزاء لعموم ما دل على وجوب الصلاة، و أنها لا تسقط بحال، و لانه لو انتفى وجوبها بانتفائه لكانت الطهارة مقدمة وجوب لا وجود، و هو باطل- في غاية الضعف بعد ظهور تناول ما دل على الشرطية ك

قوله (عليه السلام)(1): «لا صلاة إلا بطهور»

و نحوه للصورتين، و قياسه على باقي شرائط الصحة- بعد تسليم ذلك في جميعها، و انه ليس لدليل خاص فيها- قد يدفعه- على تأمل فيه بعد الاتفاق إلا من نادر لم يثبت خلافه- الفرق بين ما استفيد منه شرطيتها و بين ما نحن فيه، إذ لعله أمر، و نحوه مما يقيد عقلا و عرفا بالتمكن، لا نحو

قوله (ع): «لا صلاة إلا بطهور»

و شبهه، فلا يعارضه حينئذ ما دل على وجوب الصلاة بعد تناول ما دل على الاشتراط لصورتي التمكن و عدمه،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء- الحديث 1.

ج 5، ص: 233

لظهور كون المراد منها حينئذ بعد تسليم تناولها لفاقد الطهورين لندرته الصلاة المشروط صحتها بذلك مطلقا، و لا تنافي بين كونها شرطا لصحة الواجب و وجوده و بين كون التمكن منها شرطا لوجوبه كما هو واضح.

و لذا اعتبر اتساع الوقت لها و للواجب في ابتداء التكليف به في المجنون الذي أفاق، و الصبي الذي بلغ، و الحائض التي طهرت، و في ثبوت القضاء على الحائض و نحوها إذا جاءها الحيض بعد أن يمضي من الوقت مقدار الطهارة و الصلاة، فتأمل. و خبر عدم السقوط بحال- مع قصوره عن المقاومة هنا و إجماله في الجملة- قد يراد منه ما يعم القضاء.

فظهر من ذلك كله الوجه في سقوط الأداء، و ان كان الأحوط مراعاته، بل عن نهاية الاحكام استحبابه، لحرمة الوقت و الخروج من الخلاف، لكن قد يشكل ذلك كالذي سمعته من المبسوط و النهاية بأنه قد يتجه لو كانت حرمة الصلاة من غير طهور تشريعية محضة، لترتفع للاحتياط، لا إذا كانت أصلية كما هو ظاهر الاخبار(1)الناهية عن ذلك، لأنه الأصل فيه، خصوصا نحو

خبر مسعدة بن صدقة(2)«ان قائلا قال للصادق (عليه السلام): اني أمر بقوم ناصبية و قد أقيمت لهم الصلاة و أنا على غير وضوء، فان لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤا أن يقولوا، فأصلي معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت و أصلي، فقال (عليه السلام): سبحان الله فما يخاف من يصلي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا»

لكن قد يقال: انه لا يتناول محل الفرض، فتأمل.

و قيل كما هو الأشهر بين المتقدمين و المتأخرين بل المشهور كما عن كشف الالتباس يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر بأن يتمكن من أحد الطهورين فان خرج الوقت قضى و هو الأقوى لعموم ما دل عليه من

قوله (عليه السلام)(3): «من فاتته


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوضوء- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 مع اختلاف في اللفظ.

ج 5، ص: 234

فريضة فليقضها كما فاتته»

و غيره (1)و دعوى عدم شموله لمثل هذا الفرد النادر ممنوعة سيما في المقام، لكون الفوات فيه عاما أو كالعام من حيث وقوعه في سياق العموم لا مطلقا، على أنها ندرة وجود لا إطلاق، و كذا دعوى اختصاصه بمن وجب عليه الأداء، لظهور لفظ الفريضة فيه، و لعدم صدق اسم الفوات بدونه، و إلا لوجب على الصبي و المجنون و الحائض و نحوهم، بل و على التارك قبل الوقت، لوضوح إرادة الشأنية في الفريضة لا الفعلية، و كفاية دخول الوقت الذي هو سبب الوجوب في صدق اسم الفوات، و إلا لم يجب القضاء على الساهي و الناسي و النائم، فلا يرد الترك قبله كما لا يرد الحائض و نحوها بعد الخروج بالدليل، على أنه قد يفرق فيه خصوصا في الصبي و المجنون بصحة الطلب هنا، و بقاء المصلحة في الفعل و ان منع من الوجود مانع، بخلافه في ذلك.

و من هنا ظهر لك ضعف ما قيل كما في الجامع و عن المفيد في أحد قوليه انه يسقط الفرض أداء لما عرفت و قضاء للأصل، و تبعيته للأداء، و للتشبيه للحائض بسقوط صلاة كل منهما بحدث لا يمكن إزالته، و لانصراف أدلة القضاء لغيره من الافراد المتعارفة، و ان قال المصنف هو الأشبه و تبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه كالعلامة في جملة من كتبه، و المحقق الثاني و غيرهما، كما انه تردد في النافع و عن غيره لذلك.

لكنك عرفت انقطاع الأصل بما مر، و منع التبعية بهذا المعنى كالتشبيه ان لم يكن قياسا، و كذا الانصراف، على ان ذلك ندرة وجود لا إطلاق، فحينئذ سابقه أشبه لا هو، كما انه أشبه قطعا مما يحكى عن المفيد في رسالته الى ولده و أبي العباس في صلاة موجزه و الصيمري في طهارة كشف الالتباس من وجوب ذكر الله عليه مقدار الصلاة، و الاكتفاء به عن الأداء و القضاء، لعدم الدليل على استحباب ذلك بالخصوص له فضلا عن وجوبه، نعم قد يستأنس له في الجملة بذكر الحائض، و لعله لذا نفى عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات.

ج 5، ص: 235

البأس في كشف اللثام بعد ان حكى عن المفيد ان عليه ذكر الله مقدار الصلاة، و كأنه فهم منه إرادة الندب، و الأمر سهل.

[الرابع إذا وجد المتيمم الماء قبل دخوله في الصلاة انتقض تيممه و تطهر]
اشاره

الرابع إذا وجد المتيمم الماء قبل دخوله في الصلاة انتقض تيممه و تطهر به إجماعا في التحرير و المختلف، بل من العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة و الشعبي كما في التذكرة، بل لا استثناء في المعتبر و المنتهى، و هو الحجة، مع النصوص المستفيضة(1)حد الاستفاضة الدالة على انتقاض التيمم بوجدان الماء، و هي و ان كانت مطلقة كمعاقد الإجماعات السابقة عدا التذكرة.

ن ينبغي القطع بإرادة التمكن من الاستعمال منها مع ذلك، كما هو ظاهر معقد إجماع التذكرة أو صريحه، كصريح معقد إجماع المعتبر و الذكرى، و

خبر أبي يوسف (2)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي «إذا رأى الماء و كان يقدر عليه انتقض التيمم»

الحديث. و إلا فوجدانه مع عدم التمكن منه بمنزلة العدم، و لذا ساغ التيمم معه، فكيف يصلح ناقضا له.

كما انه ينبغي القطع أيضا باعتبار التمكن الشرعي كالعقلي، إذ الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، فلا ينتقض حينئذ بوجدانه مع ضيق الوقت عن الاستعمال بناء على ما اخترناه من وجوب الصلاة في تلك الحال، لعدم التمكن حينئذ، فما في المدارك ان إطلاقهم وجوب التطهير هنا مؤيد للقول بعدم مشروعية التيمم للضيق في غير محله بعد ما عرفت من تقييده بذلك قطعا، نعم لو لم نقل بوجوب أداء الصلاة عليه في تلك الحال اتجه حينئذ القول بعدم مشروعية التيمم، فكل على مختاره فيه حينئذ، على ان هذا الإطلاق لم يكن مساقا لبيان ذلك، انما المراد نقضه من حيث السبق على الصلاة أو اللحوق


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم- الحديث 6 لكن رواه عن أبي أيوب كما يأتي في الصحيفة 237.

ج 5، ص: 236

أو الأثناء من دون نظر للسعة أو الضيق كما هو واضح.

و كذا ينبغي القطع بكون المراد بما ذكرناه من ناقضية التمكن من الاستعمال هو التمكن منه تماما، و إلا فالتمكن من بعض الغسل أو الوضوء مثلا بمنزلة عدمه قطعا، فلا بد حينئذ للحكم بناقضيته واقعا من مضي زمان يسع المكلف به و هو متمكن، فلو علم من أول الأمر عدم ذلك، أو ظهر في الأثناء بأن تعذر الماء مثلا لم يعتد به و انكشف بقاء صحة التيمم سابقا، و لا ينافيه الحكم الظاهري سابقا بفساده بناء على ظهور بقاء التمكن، كما لا ينافي احتمال بقاء صحة التيمم واقعا لاحتمال تعذر الماء مثلا بنية الطهارة المائية و الجزم بها، أخذا بذلك الظاهر كسائر العبارات.

فمن العجيب ما في الرياض حيث قال: «و ليس في إطلاق المصنف كغيره اعتبار تمكن الاستعمال بمضي زمان يسعه كما هو أحد القولين و أحوطهما، و قيل باعتباره، لأصالة بقاء الصحة و عدم ما ينافيها في المستفيضة بناء على عدم تبادر عدم إمكان الاستعمال منها، فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن منها، و هو حسن لو لا معارضة أصالة الصحة في التيمم بأصالة بقاء شغل الذمة بالعبادة، و بعد التعارض تبقى الأوامر بها سليمة» انتهى.

إذ هو- مع أنا لم نعرف أول القولين لأحد من الأصحاب سوى ما عساه يظهر من الفقيه في بادئ النظر، و مال اليه بعض متأخري المتأخرين، بل المصرح به في كلام جماعة منهم الكركي الثاني، و معارضة الاحتياط بمثله في بعض المقامات، و تسليم صلاحية معارضة أصالة الشغل لأصالة الصحة هنا، لحصول الفراغ اليقيني شرعا بها، و لعدم الفرق في حجية الاستصحاب عندنا في قدح العارض، أو عروض القادح- أن المتبادر من المستفيضة بل و عبارة الصدوق أيضا كإطلاق الأصحاب التمكن تمام الاستعمال لغلبته لا ما ذكره، سيما بعد ما سمعته من معقد الإجماعين السابقين و الخبر، فيتجه الاستدلال حينئذ بما يستفاد منها و من غيرها من حصر الناقض للتيمم بالحدث و وجدان الماء بعد

ج 5، ص: 237

أن عرفت انصراف الوجدان لما تقدم، فتأمل جيدا.

[في عدم وجوب التطهر على المتيمم لو وجد الماء بعد الصلاة]

و أما ان وجده أي الماء بعد فراغه من الصلاة لم يجب القضاء قطعا، و لا الإعادة على الأقوى كما مر ذلك مفصلا، نعم ينتقض تيممه بالنسبة إلى غيرها من الصلوات و ان كان قبل الوقت و فقده بعده، لإطلاق النصوص (1)الدالة على انتقاضه بذلك من دون تقييد له بوجدانه في الوقت مع ترك الاستفصال فيها، بل هو صريح

خبر حسين العامري (2)عمن سأله «عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء و حضرت الصلاة فتيمم بالصعيد ثم مر بالماء و لم يغتسل و انتظر ماء آخر وراء ذلك فدخل وقت الصلاة الأخرى و لم ينته الى الماء و خاف فوت الصلاة قال: يتيمم و يصلي»

فان تيممه الأول انتقض حين مر بالماء و لم يغتسل، و

خبر أبي أيوب (3)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي الى أن قال: «قلت: فإن أصاب الماء و هو في آخر الوقت فقال: قد مضت صلاته، و قال: قلت له: فيصلي بالتيمم صلاة أخرى، قال: إذا رأى و كان يقدر عليه انتقض التيمم»

الى غير ذلك من الاخبار التي كادت تكون صريحة فيه.

فما في كشف اللثام- من انه لو وجده بعد الفراغ من الصلاة و خروج وقتها لم يبطل بالنسبة إليها إجماعا و صحت، و بالنسبة إلى غيرها وجدان قبل الشروع، لكنه قبل وقتها غير متمكن من استعماله فيجري فيه ما يأتي فيمن وجده في الصلاة ثم فقده- لا يخلو من تأمل، لوضوح الفرق بين المسألتين بالمنع الشرعي في تلك و عدمه فيما نحن فيه.

و احتمال القول انه لا يشرع الطهارة للصلاة قبل وقتها حتى التأهب، بناء على أنه الكون على الطهارة في الحقيقة و ان شرع لغيرها، فلا يكون متمكنا حينئذ شرعا، فيتساويان يدفعه بعد التسليم أنه يكفي في النقض التمكن من الطهارة في نفسها و ان لم تكن للصلاة، لما عرفته سابقا من إطلاق النصوص و الفتاوى و صريح الخبرين السابقين،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم- الحديث 6.

ج 5، ص: 238

بل لا يبعد عدم الاحتياج في النقض بعد مضي الزمان المذكور الى تحقق الخطاب بالطهارة، بل يكفي عدم المنع لو كانت غاية تشرع لها، فلو فرض التمكن من الماء مثلا في حال عدم غاية من غايات الطهارة حتى الكون على الطهارة لمنع السيد أو الوالد انتقض التيمم، إذ ليس مبناه تحقق الخطاب بها، فينافي التيمم كما عساه يوهمه ما في جامع المقاصد و غيره، فتأمل جيدا.

[في وجوب التطهر و عدمه لو وجد الماء في أثناء الصلاة]

و أما إن وجده و هو داخل في الصلاة ف قيل كما في جمل المرتضى و عن مصباحه و شرح رسالته و الإصباح و المقنع و النهاية و الحسن بن عيسى و الجعفي و جماعة من متأخري المتأخرين منهم الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح و العلامة الطباطبائي في المنظومة يرجع ما لم يركع في الركعة الاولى، أما الرجوع قبله فلأصالة الشغل، و إطلاق النقض بإصابة الماء، كاشتراط صحة التيمم بعدم الوجدان، و أولويته من ناسي الأذان و الإقامة، و ثبوت شرطية الطهارة المائية للأجزاء كالجملة، و

صحيح زرارة(1)المروي في الكافي و التهذيب مع اختلاف في الطرق، قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال: فلينصرف، فليتوضأ ما لم يركع، فان كان قد ركع فليمض في صلاته، فان التيمم أحد الطهورين»

و

خبر عبد الله بن عاصم (2)عن الصادق (عليه السلام) المروي في الكافي و التهذيب و مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب «عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم و يقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال: هو ذا الماء فقال: إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ، و إن كان قد ركع فليمض في صلاته».

و منهما مع جميع ما تسمعه من دليل المشهور الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل يمضي في صلاته و لو تلبس بتكبيرة الإحرام حسب تحصيلا و نقلا في جامع المقاصد


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 239

و الروض و مجمع البرهان، بل في السرائر الإجماع عليه في باب الاستحاضة يستفاد حكم عدم الرجوع بعد الركوع من الأصل براءة، و استصحابا للصحة، و ظهور الأدلة في اشتراط صحة التيمم بعدم الوجدان الى أن يشرع في المقصود، و المنزلة، و كفايته عشر سنين بعد الاقتصار على المتيقن من نقض الإصابة، كتعليل عدم الإعادة لو وجده بعد الفراغ بكونه أحد الطهورين، مع التعليل السابق في

صحيح زرارة كصحيحه الآخر مع محمد بن مسلم (1)لكنه بعد صلاة ركعتين، قال فيه: «قلت له: رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمم و صلى ركعتين، ثم أصاب الماء أ ينقض الركعتين أو يقطعهما و يتوضأ ثم يصلي؟ قال: لا، و لكنه يمضي في صلاته و لا ينقضهما، لمكان أنه دخلها و هو على طهر بتيمم»

الحديث. و النهي كتابا(2)عن إبطال العمل، و سنة(3)عن الانصراف حتى يسمع الصوت و يجد الريح، حتى

خبر محمد بن حمران (4)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال: يمضي في الصلاة، و اعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت»

الحديث. بعد تقييده كغيره من الأدلة السابقة بما تقدم مما دل على الرجوع قبل الركوع.

نعم قد يقال: إن ما عدا الخبرين غير صالح للتقييد أصلا، بل هو مقيد بذلك، و أما هما فقاصران عن تقييده أيضا، لاعتضاده مضافا إلى ما سبق من الأصل و المنزلة و التعليل و النهي عن الابطال و غيرها بالشهرة، بل إجماع السرائر و

الرضوي(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 4.
2- 2 سورة محمد صلى الله عليه و آله- الآية 35.
3- 3 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 3.
5- 5 المستدرك- الباب- 16- من أبواب التيمم- الحديث 3.

ج 5، ص: 240

«فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح و أتيت بالماء فلا تقطع الصلاة و لا تنقض تيممك و امض في صلاتك»

و

المرسل في جمل المرتضى قال: «و روي انه إذا كبر تكبيرة الإحرام مضى فيها»

كما عن ابن أبي عقيل ذلك أيضا.

كل ذلك مع إمكان منع صلاحية خبر ابن حمران للتقييد من حيث ظهور سؤاله بما قبل الركوع، فيكون حينئذ معارضا لا مطلقا، و لذا قال في المعتبر بعد ذكره و ذكر خبر ابن عاصم الدال على جواز الرجوع ما لم يركع: «ان الاولى أرجح من وجوه، أحدها أن محمد بن حمران أشهر في العدالة و العلم من عبد الله بن عاصم، و الأعدل مقدم، الثاني انها أخف و أيسر، و اليسر مراد الله، الثالث أنه مع العمل بالأولى يمكن تنزيل الثانية على الاستحباب، بخلافه لو عمل بالثانية، فإنه لا يمكن حينئذ العمل بالأولى» انتهى.

كما انه احتمله أي الاستحباب في الاستبصار، بل عن المبسوط و الإصباح الجزم به، كظاهر المنتهى، بل عن التذكرة و نهاية الاحكام قربه مطلقا أي قبل الركوع و بعده، و زاد في المنتهى احتمال تنزيل الرواية على إرادة الدخول فيما قارب الصلاة من المقدمات كالأذان و الإقامة و نحوهما، و على إرادة الصلاة من الركوع من باب إطلاق اسم الجزء على الكل.

قلت: و لذلك قال المصنف و هو أي القول بعدم الرجوع مطلقا الأظهر من الأول، لكن قد يقوى في النظر القاصر خلافه، لمنع قصور الخبرين عن تقييد ما تقدم سيما الأصل، مع إمكان معارضة إرادة الصحة منه بأصالة الشغل، و سيما إطلاق المنزلة و البدلية لو سلم شمولها لما نحن فيه، للقطع بكون المراد منها انه بمنزلته مع فقده و عدم وجدانه، و سيما التعليل السابق، لظهور صحيح زرارة في كون محله انما هو بعد الركوع لا قبله، فيحمل ذلك في صحيحه الآخر عليه، لاتحاد الراوي و المروي عنه فيهما.

ج 5، ص: 241

و سيما النهي عن إبطال العمل لو سلم كون المراد من الآية ذلك، لظهورها في إرادة النهي عن إبطال الأعمال بالارتداد و الكفر و نحوهما، و من هنا أنكر بعض المتأخرين وجود ما يدل على النهي عن قطع الصلاة في الكتاب و السنة، فليس حينئذ إلا الإجماع إن ثبت، و هو هنا في محل المنع، سيما بعد ما عرفت من الحكم بالاستحباب عند من تقدم ممن قال بالمضي، و ان ذلك منه عجيب بعد استدلاله بالنهي عن الابطال، بل قد يتعجب أيضا حينئذ من جواز إتمام الصلاة بالتيمم مع التمكن من الطهارة المائية التي هي شرط للأبعاض كالجملة، مع كون التيمم طهارة اضطرارية، و لا اضطرار بعد فرض جواز القطع فضلا عن استحبابه، و قد يتعجب أيضا من اجتماع استحباب القطع مع الوجوب إلا على تكلف، هذا. على ان ذلك بعد ثبوته بطلان لا إبطال لعمل صحيح، و كيف و صحته متوقفة على ثبوت عدم ناقضية الماء للتيمم في هذا الحال، و هو محل البحث.

و كذا الكلام فيما دل على النهي عن الانصراف حتى يجد الريح إلى آخره. مع انه مساق لبيان أمر آخر، و هو عدم الالتفات إلى ما يتخيله الإنسان حدثا مما ينفخ الشيطان في دبره.

و أما خبر ابن حمران فهو- مع ما في سنده من اشتراك ابني سماعة و حمران بين الثقة و غيره- محتمل لان يراد بالدخول في الصلاة فيه الدخول بالركوع منها، إذ هو الدخول الكامل، سيما مع ملاحظة ما ورد ان أولها الركوع (1)و ان الصلاة ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود(2)و ان إدراك الركعة بإدراك الركوع (3)إلى غير ذلك.

و منه يعرف ما في دعوى صراحته أو ظهوره بما قبل الركوع، و لو سلم لأمكن حمله على ضيق الوقت عن القطع و الطهارة كما يشعر به ذيله، فيخرج عن محل النزاع


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الركوع- الحديث 6- 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الركوع- الحديث 6- 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 5، ص: 242

حينئذ، و لو سلم عدم قبولها لذلك فلا ريب ان خبر زرارة المروي في التهذيب و الكافي بأعلى درجات الصحة، مع ان زرارة لا يقاس بغيره علما و عدالة المعتضد بخبر ابن عاصم المروي فيهما و مستطرفات السرائر أيضا، بل في الأول منهما بغير واحد من الطرق، بل يمكن تصحيحه بأحدها، سيما بعد ما سمعته من المعتبر مما يفيد عدالة عبد الله، و ان ذكر أن غيره أعدل منه، و بما تقدم سابقا من أصالة الشغل، و ما دل (1)على النقض بوجدان الماء، و بما ورد(2)من زيادة التأكد على الطهارة المائية حتى أمر بشراء مائها بأضعاف ثمنه، و ان التيمم طهارة اضطرارية، بل ربما عد انه هلاك الدين، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة أقوى و أرجح قطعا، خصوصا مع موافقة خبر ابن حمران لفتوى كثير من العامة كالشافعي و داود و أحمد في رواية، و أبي ثور و ابن المنذر، بخلاف رواية التفصيل، فإنها لم ينقل عن أحد منهم القول بها، و الرشد في خلافهم.

و من ذلك كله يظهر لك ما في دعوى العكس كما سمعته من المعتبر، لكن قد يعتذر عنه بأنه لم يطلع على صحيحة زرارة، و لذا لم يتعرض لها أصلا، نعم يتجه ذلك على غيره كالمنتهى، و احتمال دفع ذلك كله بالشهرة بل انقراض الخلاف بين عظماء المتأخرين مع الإجماع السابق عن السرائر و الرضوي يدفعه- بعد تسليم صلاحية مثل هذه الشهرة لذلك، لعدم ندرة مقابلها، بل المسلم منها أكثرية المخالف في الجملة- قد يناقش فيها بعدم تحققها أيضا في محل النزاع، و هو ما لو وسع الوقت للقطع و الطهارة، لاحتمال كلام كثير من المخالف هنا ان عدم جواز القطع للبناء منهم على التيمم عند الضيق الذي لا يسع معه ذلك، و إلا فمع السعة له يتعين عندهم ما قلناه، كما صرح به في التهذيب و الاستبصار في وجه كالمختلف، و يعطيه كلام ابن زهرة، بل و السرائر، كما عن الواسطة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 243

أيضا، بل لعل المتجه حينئذ عندهم جواز القطع و لو تجاوز الركوع، بل الى تمام الصلاة، لأولويته من الإعادة بعد الفراغ لو ظهرت السعة المصرح بها في كلام جماعة منهم، فظهر حينئذ ان حكمهم هنا بعدم جواز الانصراف ان كان مبناه مراعاة الضيق في التيمم لم يكن من محل النزاع في شي ء، بل ينحصر حينئذ في القول بجوازه في السعة أو في الضيق، لكنه عرفي لا يقدح فيه مثل ذلك، أو يقال بعدم وجوب الإعادة معه لو اتفق السعة، كما هو أقوى القولين على القول بالتضيق.

و أما إجماع السرائر فهو- مع إمكان منعه عليه، لمعروفية الخلاف في المسألة، بل هو نفسه نقل فيها الأقوال هنا، و لم يقطع بواحد منها، و لا ادعى إجماعا و ان اختار القول بالمضي- محتمل بل ظاهر في غير ما نحن فيه، و ان كان ربما يوهم في بادئ الرأي ظاهر عبارته ذلك، لكنه بعد التأمل يعلم أن مراده عدم جواز قطع الصلاة للتيمم بوجدان الماء في الجملة للإجماع لا للاستصحاب، فلاحظ و تأمل، على انه يحتمل أن يكون ذلك منه بناء على الضيق في التيمم كما هو مختاره، بل ظاهره الإجماع عليه.

و أما الرضوي فمع احتماله ذلك أيضا ليس بحجة عندنا.

فاتضح من ذلك كله بحمد الله أن الأظهر الرجوع قبل الركوع و عدمه بعده و ان كان الاحتياط مع السعة بالإتمام مطلقا ثم الإعادة لا ينبغي تركه، بل و لو كان إصابته للماء بعد الركوع أيضا، خروجا عن شبهة الخلاف المحكي عن ابن الجنيد، قال: «إن وجد الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية، فإن ركعها مضى في صلاته، فان وجده بعد الركعة الاولى و خاف من ضيق الوقت أن يخرج ان قطع رجوت أن يجزيه ان لا يقطع صلاته، أما قبله فلا بد من قطعها مع وجود الماء» انتهى. و إن لم نعثر على ما يشهد لتمام دعواه حتى صحيح زرارة و ابن مسلم المتقدم سابقا و ان ظن، بل

ج 5، ص: 244

فيه ما يشهد بخلافه، نعم قد يشهد لبعضها

خبر الصيقل (1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر و قد صلى ركعة قال: فليغتسل و يستقبل الصلاة، فقلت: إنه قد صلى صلاته كلها قال: لا يعيد».

و هو- مع الغض عما في سنده، و عدم نصه على القطع و استقبال الصلاة، و احتماله فعل ما يريده من الصلاة بعد ذلك، و ان المراد بقوله: «ركعة» صلاة، و لا ينافيه قوله ثانيا:

«انه قد صلى صلاته كلها» لجواز كونه تكرارا لسؤاله الأول تصريحا بمراده، و ان المراد صلى صلاته اليومية كلها، و معارضته ب

خبر زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) في خصوص الركعة، قال فيه: «سألته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل و معه قربتان من ماء قال: يقطع الصلاة و يتوضأ ثم يبني على واحدة»

الحديث- قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، مع انه محتمل الحمل على التقية، لموافقته للمحكي عن الثوري و أبي حنيفة و أحمد في رواية من القول بالرجوع مطلقا، و لعل ذلك أولى من حمله على الاستحباب و ان احتمله في الاستبصار، لقصوره عن إفادته هنا و ان قلنا بالتسامح فيه، لمعارضته لما دل على حرمة القطع التي هي العمدة في الإتمام بالتيمم، و إلا لو جاز القطع لم يثبت الاضطرار الذي هو شرط صحة التيمم ابتداء و استدامة، فتأمل.

و كذا لم نعثر على ما يشهد للمحكي عن سلار انه ينقض التيمم وجود الماء مع التمكن من استعماله إلا أن يجده و قد دخل في صلاة و قراءة، و ان وجه تارة بأنه حينئذ أتى بأكثر الأركان من النية و القيام و التكبير و أكثر الافعال، و هي القراءة، و أخرى باعتبار مسمى الصلاة، لكنه كما ترى.

كالمحكي أيضا في الذكرى عن ابن حمزة في الواسطة من القول بأنه «إذا وجد الماء بعد الشروع و غلب على ظنه عدم ضيق الوقت لو قطع و تطهر وجب عليه ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 245

و إن لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر، و قيل: يقطع ما لم يركع، و هو محمول على الاستحباب» انتهى.

و استغربه في الذكرى، و لعله لانه لم يعرف أحدا من أصحابنا قال بجواز القطع مطلقا، بل في نهاية الاحكام الإجماع على إتمام الصلاة لو كان قد وجد الماء بعد ركوع الثانية، و كأنه فهم أن مراد ابن الجنيد فيما تقدم من الركعة الركوع.

قلت: لكن قد يقال: إن ما ذكره في الواسطة مع انه قضية ما في التهذيب و الغنية و غيرهما لازم لكل من أوجب التيمم عند الضيق و الإعادة مع ظهور السعة، كما أشرنا إلى ذلك آنفا، إذ هو أولى منها حينئذ، على أن مبناها عندهم ظهور فساد التيمم، فلا ينبغي استغرابه.

فتحصل من مجموع ما ذكرنا أن الأقوال خمسة، بل ربما عد ما في الموجز الحاوي- من الفرق بين الصلاة المسقطة للقضاء و غير المسقطة بناء على ثبوتها في بعض الصور السابقة كالمتيمم للزحام أو واجد الماء في سعة الوقت و نحو ذلك، فلا يقطع الاولى بمجرد التلبس، بخلاف الثانية فيقطعها مطلقا، لكونه أولى من الإعادة- سادسا، و استجوده في الذكرى، كما عن الدروس أنه الأقرب.

لكن قد عرفت فيما مضى عدم ثبوت الإعادة أو القضاء في المسائل السابقة عندنا مطلقا، بل يمكن المنع بناء عليه أيضا، للنهي عن إبطال العمل، و منع ظهور بطلانها بذلك، نعم قد يقال بالبطلان في نحو صلاة فاقد الطهورين بناء على وجوب الأداء عليه، للفرق بينها و بين الصلاة بالتيمم في المسائل السابقة و ان اشتركا بوجوب الإعادة أو القضاء مع الوجدان، على أنه لا يخلو من بحث، فتأمل جيدا.

ثم انه بناء على المختار من الإتمام لو كان قد وجد الماء بعد الركوع أو مطلقا على المشهور فهل ينتقض تيممه بالنسبة إلى غيرها من الصلوات لو فقده قبل الفراغ أو بعده

ج 5، ص: 246

قبل التمكن أولا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الثاني، وفاقا للمصنف و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم، بل لم أعثر فيه على خلاف صريح إلا ما نقل عن المبسوط و الموجز، مع أن عبارة الثاني كالمحكي من عبارة الأول لا صراحة فيها بذلك، بل لعل ظاهرهما خصوصا الموجز خلافه، نعم نقل عن كشف الالتباس انه حكاه عن فخر الدين و قربه أولا في المختلف ثم توقف فيه بعد ذلك، كما انه قواه في المنتهى، و ربما مال إليه في التذكرة.

و كيف كان فالأصح ما عرفت للأصل، و استصحاب الصحة، و استبعاد اجتماع الصحة و الفساد في طهارة واحدة، كاستبعاد البقاء على الصحة مع وجود الماء و الانتقاض بعده، و لإطلاق ما دل على عدم نقض التيمم إلا بالحدث أو إصابة الماء بعد إرادة التمكن من ذلك الذي هو أعم من الشرعي و العقلي كما تقدم و يأتي، لتحريم قطع الصلاة عليه هنا، و دعوى الاكتفاء في النقض بتحقق القدرة عقلا و ان منع شرعا ممنوعة.

نعم قد يقوى القول بالنقض كما في المنتهى بناء على ما صرح به بعض من قال بالمشهور من جواز القطع، و ان أمكن النظر في جميع ما ذكره مستندا لذلك من أولويته من ناسي الأذان و سورة الجمعة و إدراك الجماعة، و من أنه كمن شرع في صوم الكفارة فوجد الرقبة، بل ربما قيل باستحبابه قبل الركوع خروجا عن شبهة الخلاف، و حملا لدليل الخصم من صحيح زرارة و نحوه عليه، لعدم رجوع شي ء منها إلى دليل معتبر يقطع العذر في الخروج عما دل على حرمة إبطال العمل.

و كذا ما في القواعد من أن له العدول إلى النافلة ثم يقطع أو يتم، لأولويته من إدراك الجماعة، مع احتمال أن لا يكون مثله إبطالا، و فيه منع، لكن على كل منهما يتجه القول بنقض التيمم حينئذ لحصول ما ينتقض به من التمكن عقلا و شرعا، و لا ينافيه جواز إتمام خصوص تلك الصلاة به، للأدلة الخارجية الحاكمة على عموم ما دل على ناقضية به، مع احتمال عدم النقض أيضا و ان قلنا به أى جواز القطع أو العدول

ج 5، ص: 247

كما هو قضية ما في الذكرى و جامع المقاصد، تمسكا بما عدا الأخير من الأدلة السابقة.

و من ذلك كله يعلم الحكم فيما لو كان الوجدان في أثناء نافلة بناء على مساواتها للفريضة فيما تقدم من الإتمام مطلقا أو قبل الركوع و عدمه، كما اختاره في المنتهى و التحرير و القواعد و عن المبسوط و معطي البيان و المسالك، لأصالة البراءة، و استصحاب الصحة و ترك الاستفصال في الاخبار السابقة، الى غير ذلك مما مر سابقا في الفريضة.

و يمكن الفرق بينهما، بل قد يقوى، فيتعين القطع فيها دونها بجوازه اختيارا هنا بخلافه في الفريضة، و معه يتحقق شرط النقض، فينقطع الأصل، و ترك الاستفصال انما هو لظهور السؤال في الفريضة، و إلا لم يتم الأمر بالإتمام مطلقا أو بعد الركوع الظاهر في الوجوب، لجواز قطع النافلة اختيارا، و حمله على غير الوجوب مجاز لا قرينة عليه، على أن تخصيص ما دل على نقض الوجدان للتيمم بما عدا الواجد في الأثناء و لو كان نافلة ليس بأولى من تخصيص ما دل على عدم نقض الواجد في الأثناء بغير المتمكن من القطع كالفريضة، لكن ذلك انما يتم على تقدير وجوب الاستمرار في الفريضة كما هو الأقوى، و به صرح بعضهم، بل في المدارك نسبته الى المستفاد من الاخبار و كلام الأصحاب، و إلا فبناء على ما سمعته سابقا من بعضهم من جواز قطعها هنا اختيارا لم يكن فرق بينها و بين النافلة في ذلك.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال في الطواف، إذ المتجه فيه انتقاض التيمم أيضا بوجدان الماء في أثنائه من غير فرق بين الواجب منه و المندوب، بناء على حصول التمكن من جهة عدم ثبوت حرمة قطعه، و التشبيه له بالصلاة منصرف الى غيره، و تيمم الميت لفقد الماء مثلا ينتقض بوجدانه قبل الدفن و ان صلي عليه، لعموم ما دل على وجوب غسله مع عدم ما يصلح للمعارضة، و احتمال تنزيل الصلاة عليه أو الشروع فيها منزلة التكبير في الفريضة أو الركوع فلا يجب الغسل كما لا يجب في الفريضة إلا لصلاة أخرى ضعيف جدا

ج 5، ص: 248

و ان استشكل فيه العلامة في التحرير بل و القواعد.

نعم قد يقال بعدم وجوب إعادة الصلاة عليه كما في جامع المقاصد و عن نهاية الاحكام و غيرهما، لاقتضاء الأمر الإجزاء، بل استوجهه في المعتبر حتى لو وجد الماء في أثناء الصلاة، و ان وجب تغسيله بعد ذلك، لكن قد يقوى القول بالوجوب في الأول فضلا عن الثاني كما في الموجز و البيان، و عن الدروس كما عن كشف الالتباس الميل اليه، لاعتبار وقوع الصلاة بعد الغسل و قد أمكن، فلا يجزى ما قبله، و لانكشاف فساد التيمم بالوجدان، و لذا أعيد الغسل، فيكون حينئذ كالصلاة عليه قبل تطهيره، و من المستبعد ان لم يكن ممنوعا هنا احتمال صحة التيمم بالنسبة إليها دون الغسل.

[الخامس المتيمم و لو لغاية خاصة يستبيح جميع ما يستبيحه المتطهر بالماء]

الخامس المتيمم و لو لغاية خاصة يستبيح جميع ما يستبيحه المتطهر بالماء من الغايات التي تشترط الطهارة أو نوع خاص منها كالغسل للبث في المساجد مثلا في جوازها أو كمالها من غير حاجة إلى تجديد تيمم لكل غاية غاية، لعموم المنزلة و البدلية، و انه كالماء لا ينتقض إلا بالحدث أو التمكن من الماء، و هو عين ما عن المبسوط «إذا تيمم جاز أن يفعل جميع ما يحتاج فعله إلى الطهارة، مثل دخول المساجد و سجود التلاوة و مس المصحف و الصلاة على الجنائز و غير ذلك» انتهى. كما ان قضية كلام غيره ذلك أيضا، بل لا أعرف فيه خلافا من أحد من الأصحاب بعد فرض كون الغاية مما تستباح بالتيمم، بل في ظاهر المنتهى أو صريحه الاتفاق عليه.

نعم ربما كان بين الأصحاب بحث في أصل مشروعية التيمم لبعض الغايات كما ستسمعه إن شاء الله، كالبحث الذي قد أشرنا إليه في النية في أنه هل يعتبر فيه نية الاستباحة من الحدث، أو نية ما يشترط في صحته ذلك كالصلاة مثلا، أولا بل يكفي فيه نية ما كان الحدث مانعا عن كماله دون جوازه؟ و قد ذكرنا أن الأقوى عدم اعتبار

ج 5، ص: 249

شي ء من ذلك في المائية و الترابية، و كيف كان فهو خارج عما نحن فيه هنا.

نعم ينبغي أن يعلم أن المراد من استباحة جميع ما يستبيحه المتطهر بالماء ما لو كان مسوغ التيمم موجودا بالنسبة الى كل غاية غاية من المرض و عدم الوجدان و نحوهما بحيث يصح وقوع التيمم لكل منهما ابتداء دون ما ليس كذلك، فمن تيمم مثلا لضيق الوقت عن استعمال الماء للفرض مثلا لا يستبيح به مثلا مس كتابة القرآن و نحوها و لو حال الصلاة، لعدم تحقق مسوغ التيمم بالنسبة إليها، و احتمال القول- انه أينما شرع التيمم لاستباحة غاية استبيح به حال بقاء تلك المشروعية سائر الغايات المتوقفة على الطهارة و ان لم يصح وقوع التيمم ابتداء لها تمسكا بإطلاق قولهم: يستبيح المتيمم ما يستبيحه بالمائية، فإن قضيته عدم اشتراط ثبوت مسوغ التيمم لكل غاية غاية، بل يكفي فيه حصوله بالنسبة إلى غاية خاصة نعم يعتبر فيه بقاء ذلك المسوغ لتلك الغاية الخاصة، فلا يجوز مس كتابة القرآن في المثال المفروض بعد فعل الفريضة، لانتهاء مشروعية التيمم حينئذ إما قبله أو في الأثناء- فجائز بعيد عن الصواب، بل مقطوع بفساده من ملاحظة كلام الأصحاب، و إلا لجاز إيقاع الفريضة بالتيمم لنافلة الزوال إذا ضاق وقتها و لا ماء أو علم عدم التمكن منه فيه مع عدوله عن صلاة النافلة و كان ذلك الوقت واسعا للفريضة، فيصليها حينئذ بذلك التيمم المشروع للنافلة بضيق وقتها مثلا و ان علم وجود الماء في الوقت، و هو مقطوع بعدمه.

فالتحقيق حينئذ انه يستباح بالتيمم سائر الغايات إذا كان يشرع وقوعه ابتداء لكل غاية غاية باعتبار وجود المسوغ لها جميعها، و إلا اقتصر في إباحته على خصوص تلك الغاية التي قد ثبت المسوغ لها، و عليه ينزل كلام الأصحاب و لا يأباه، و إلا لثبت مشروعية التيمم في الجملة بغير مسوغة، و هو مناف للنصوص و الفتاوى.

و كيف كان فلازم ما في المتن كالذي سمعته عن المبسوط انه يستباح بالتيمم كل

ج 5، ص: 250

ما يستباح بالمائية، كما في الجامع و التحرير و الإرشاد و المنتهى و القواعد و الموجز و الذكرى و جامع المقاصد و الروض و مجمع البرهان و المدارك و المفاتيح و الحدائق و منظومة الطباطبائي و عن الخلاف و نهاية الاحكام و البيان و الدروس و كشف الالتباس و الجعفرية و شرحها و المسالك و الدلائل و الذخيرة مع اختلاف يسير في التعبير عن ذلك بحيث لا يقدح في المقصود، إذ مراد الجميع على الظاهر من نحو قولهم: يستباح به ما يستباح بالمائية- كما صرح به جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني و الأردبيلي و غيرهم، بل في الحدائق انه المشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه كما عن كشف الالتباس إلا من فخر المحققين- ان كل غاية منع الحدث أصغر أو أكبر من استباحتها، بل و لو كمالا و كان الماء مما يرفع ذلك المنع فالتيمم يقوم مقامه عند تعذره، فيجب حينئذ لوجوب تلك الغاية و يندب لندبها حتى الكون على الطهارة.

نعم قد يستثنى من ذلك التأهب للفريضة، كما اقتصر على استثنائه في المفاتيح، و قد تقدم الكلام فيه سابقا عند البحث على عدم جواز التيمم قبل الوقت.

و أما ما عداه فيجوز حتى التجديد كما عن المعتبر و المنتهى و الجامع و النفلية النص عليه، و ان حكي عن نهاية الاحكام و البيان الاشكال فيه، لكن الأول أولى، لاشتراكه مع الوضوء في العلة، و ل

خبر السكوني (1)«لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة و نافلتها»

و

أبي همام (2)عن الرضا (عليه السلام) «تيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء».

بل قد يظهر من المنتهى الإجماع على ما ذكرنا من جوازه لسائر غايات المائية، حيث قال فيه: «يجوز التيمم لكل ما يتطهر له من فريضة و نافلة و مس مصحف و قراءة عزائم و دخول مساجد و غيرها» و لم ينقل فيه خلافا إلا عن أبي محرمة، فلم يجوزه إلا لمكتوبة، و الأوزاعي فكره أن يمس المصحف به، كما أنه قال فيه أيضا: «التيمم


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 4.

ج 5، ص: 251

مشروع لكل ما يشترط فيه الطهارة، و لصلاة الجنازة» و اقتصر على نقل الخلاف عن بعض العامة في صلاة الجنازة، بل في المعتبر دعواه صريحا، حيث قال: «يجوز التيمم لكل من وجب عليه الغسل إذا عدم الماء، و كذا كل من وجب عليه الوضوء، و هو إجماع أهل الإسلام» انتهى.

و عن التذكرة بعد أن نص على الجمع بتيمم واحد بين صلاة و طواف، و صلاتين و طوافين، قال: «لا خلاف انه إذا تيمم للنفل يعني من الصلاة استباح مس المصحف و قراءة القرآن ان كان تيمم من جنابة» و قال أيضا: «و لو تيمم المحدث لمس المصحف أو الجنب لقراءة القرآن استباح ما قصده» كما انه عنه في النهاية النص على جوازه لكل ما يتطهر له من فريضة و نافلة و مس مصحف و قراءة عزائم و دخول مساجد و غيرها، و قد تقدم ما عن المبسوط «إذا تيمم جاز أن يفعل جميع ما يحتاج في فعله إلى الطهارة مثل دخول المسجد و سجود التلاوة و مس المصحف و الصلاة على الجنائز و غير ذلك» إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب الظاهرة فيما قلنا.

فاحتمال كون المراد من تلك العبارة أنه يستباح بكل تيمم شرع بدلا من المائية ما يستباح بها- فلا يدل على عموم مشروعيته لكل ما تشرع له المائية- بعيد بل باطل قطعا، كاحتمال كون المراد انه يستباح به ما يستباح بالمائية من صلاة و طواف، حتى يجوز أن يصلى و يطاف بتيمم واحد عدة منهما فرائض و نوافل، خلافا لبعض العامة، و كذا احتمال كون المراد بمعقد إجماع المعتبر المتقدم الذي هو كعبارة الإرشاد «و يجب التيمم لما يجب له الطهارتان» أسباب الطهارتين لا غاياتهما، إذ مع قصور العبارة عن ذلك يستغنى عنها حينئذ بما ذكر من أنه ينقض التيمم كل ما ينقض الطهارة، لاتحادهما معنى حينئذ، على أن ما ذكرنا من قيام التيمم مقام الطهارة المائية مع انه المصرح به في كلمات

ج 5، ص: 252

جملة من الأصحاب- هو الموافق لظاهر الأدلة من قوله سبحانه و تعالى (1)بعد بيان التيمم «وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ» و من

خبر السكوني (2)«يكفيك الصعيد عشر سنين»

و في

خبر آخر(3)«الصعيد الطيب طهور المسلم ان لم يجد الماء عشر سنين»

و

في ثالث (4)«التراب طهور المسلم و لو إلى عشر حجج»

و

قول أبي جعفر (عليه السلام)(5)في الصحيح لزرارة: «التيمم أحد الطهورين»

و

الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد(6): «هو بمنزلة الماء»

و في

الصحيح لمحمد بن حمران و جميل (7): «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا»

أو ل

سماعة(8)فيمن يكون الماء في السفر فيخاف قلته: «يتيمم بالصعيد، و يستبقي الماء، فان الله جعلهما طهورا الماء و الصعيد»

إلى غير ذلك، و في

الفقه الرضوي (9)«ان التيمم غسل المضطر و وضوؤه».

فما عساه يظهر من غايات الكتاب و المنتهى و عن التذكرة و نهاية الاحكام من عدم وجوب التيمم إلا للصلاة و الخروج من المسجدين- بل و كذا القواعد و عن التحرير و الإرشاد لكن مع زيادة الطواف فيها فيما يجب له، بل كاد يكون صريح المنتهى ذلك، كالمحكي من عبارة نهاية الشيخ، بل عن الفخر «أن والده لا يجوز التيمم من الحدث الأكبر للطواف و لا مس كتابة القرآن» انتهى. بل نص في المنتهى على عدم مشروعية


1- 1 سورة المائدة- الآية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التيمم- الحديث 12.
3- 3 كنز العمال ج- 5- ص 96- الرقم 2064 و فيه« وضوء» بدل« طهور».
4- 4 كنز العمال ج- 5- ص 96- الرقم 2074 مع اختلاف في اللفظ.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التيمم- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التيمم- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 25- من أبواب التيمم- الحديث 3.
9- 9 فقه الرضا عليه السلام ص 4.

ج 5، ص: 253

التيمم لصوم الجنب و الحائض و المستحاضة، كما عنه في النهاية الإشكال فيه، كالشهيد في الذكرى بالنسبة إلى صوم الجنب و وطء الحائض بعد انقطاع الحيض، لكن عنه في الألفية الميل إلى العدم في الأول، و في الدورس استقرب التيمم في الثاني لزوال الحرمة أو الكراهة، كما انه احتمله في المنتهى، لكن عنه في النهاية الجزم بجوازه، و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام)(1): «نعم» بعد أن سئل عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل يحل لزوجها وطؤها؟

و

خبر أبي عبيدة(2)«سأله عنها ترى الطهر في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة، قال (عليه السلام): إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم و تصلي، قال: فيأتيها زوجها في تلك الحال؟

قال: نعم إذا غسلت فرجها و تيممت»

و ربما يظهر منهما عدم الاحتياج إلى تجديد التيمم لكل وطء، كما عن النهاية النص عليه و إن أوجبنا الغسل، قيل: لأن الجنابة لا تمنع الوطء، فلا ينتقض التيمم المبيح له. قلت: لكن قد يشكل بانتقاض التيمم بكل ما ينقض الطهارة و لو حدثا أصغر بالنسبة إلى ما هو بدل الأكبر، و من ذلك يظهر وجه عدم مشروعية التيمم حينئذ له، لعدم تأثيره بسبب انتقاضه بأول مسمى الوطء، لكن قد يمنع في خصوص المقام، إلا أن الأمر عندنا سهل، لعدم اشتراط الوطء بالغسل كما مر في محله هذا كله- لا يخلو من نظر و تأمل مناف لما سمعته من إطلاق الأدلة، بل و لما ذكروه في غايات التيمم، فلاحظ المقامين.

و كذا ما يحكى عن فخر المحققين في الإيضاح من منع مشروعية التيمم للجنب لدخول المسجدين و اللبث في المساجد و مس كتابة القرآن، و قواه الأستاذ في كشف الغطاء، بل في كل ما كان الموجب لرفع الحدث فيه الاحترام من مس أسماء الله تعالى و قراءة العزائم و الوضع في المساجد و نحو ذلك و يجي ء على قول الفخر منعه أيضا بالنسبة


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الحيض- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الحيض- الحديث 1.

ج 5، ص: 254

إلى الطواف، لاستلزامه دخول المسجد كما حكي عنه التصريح به في شرح الإرشاد، حيث قال: «يبيح التيمم الصلاة من كل حدث، و الطواف من الأصغر خاصة، و لا يبيح من الأكبر إلا الصلاة و الخروج من المسجدين».

و منه يفهم أيضا تعميمه ذلك بالنسبة إلى حدث الحيض و الاستحاضة و نحوهما، و فيه مع منافاته لما سمعت أنا لم نعرف له دليلا على ذلك مقيدا سوى ما حكي عنهم في قوله تعالى (1)«وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا» لجعله الغاية الاغتسال، و هو- مع قصوره عن إفادة تمام المدعى إلا بعدم القول بالفصل، و قد يمنع، و ابتنائه على كون المراد بالصلاة في ذلك مواضعها، كما تدل عليه بعض الاخبار(2)- و فيه بحث وارد مورد الغالب، فلا يكون حجة، على انه يجب الخروج عنه بما دل على البدلية من الأدلة السابقة، بل في الآية نفسها، حيث قال فيها بعد ذلك «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً»* الى آخره. الظاهر في شموله لتمام ما تقدم، بل قد يشعر فحوى التيمم للخروج من المسجدين بذلك أيضا.

فظهر لك حينئذ ضعفه كضعف ما في المدارك في مبحث الغايات، و قد مر هناك فلاحظ، فالأقوى قيامه مقام كل طهارة مائية بالنسبة الى جميع الغايات عدا ما عرفت من غير فرق بين غاية رفع حدث خاص أو سائر الأحداث، كل ذلك للأدلة السابقة من الاخبار و غيرها، بل قد يظهر من إطلاق بعضها قيامه مقام غير الرافع من المائية أيضا، كوضوء الحائض و الجنب و الأغسال المندوبة، كما نص عليه في مجمع البرهان في البعض كغسل الزيارة و نحوه كظاهر المفاتيح و قربه الأستاذ في كشف الغطاء، لكن قال: إن خلافه أقرب، و عن المبسوط و القواعد النص على بدليته عن غسل الإحرام،


1- 1 سورة النساء- الآية 46.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الجنابة- الحديث 20.

ج 5، ص: 255

كجامع المقاصد النص عليه في أول كتابه بالنسبة إلى ذكر الحائض، قال فيه: «لا إشكال في استحباب التيمم إذا كان المبدل رافعا أو مبيحا، إنما الإشكال في سوى ذلك، و الحق ان ما ورد به النص أو ذكره من يوثق به من الأصحاب كالتيمم بدلا من وضوء الحائض يصار اليه، و ما عداه فعلى المنع إلا أن يثبت بدليل».

قلت: قد يقال: ان الدليل- بعد التسامح و الأولوية من رفع الحدث و استبعاد سقوط هذه المستحبات أصلا لغير المتمكن و غير ذلك- إطلاق بعض الأدلة السابقة فتأمل.

[السادس إذا اجتمع ميت و محدث]

السادس إذا اجتمع ميت و محدث بالأصغر و لو متعددا و جنب و معهم من الماء ما يكفي أحدهم فإن كان ملكا لأحدهم اختص به و حرم تناول الغير له ان كان للميت و ان وجد وارثه، لخروج ماء الغسل من أصل المال، كما انه يحرم على كل من الأخيرين بذله لغيره مع تحقق الخطاب باستعماله و ضيقه، بل وسعته مع عدم الرجاء لغيره، بل

و مع الرجاء ما لم يعلم المكنة في وجه تقدم سابقا، و كذا لا يجب على كل منهما بذله حتى لتغسيل الميت و ان لم يتحقق الخطاب عليهما باستعماله، بناء على ما تقدم سابقا من وجوب مؤن التجهيز في ماله، و انها لا يجب بذلها على أحد مطلقا.

و ان كان الماء ملكا لهم جميعا و كان لا يكفي حصة كل منهم لتمام المطلوب، و لم يعلم المكنة مما يكملها، و قلنا بعدم وجوب الممكن من أغسال الميت، أو يفرض عدم إمكان ذلك و إن أمكن غسل بعض الاجزاء لكن لا عبرة به كما لا عبرة به في غسل الجنابة أو كان الماء مباحا لا مالك له و اشترك فيه المحدث و المجنب بمبادرتهما اليه و إثبات أيديهما عليه دفعة وحدهما أو مع غيرهما، إذ يصير حينئذ و لو بتغلب و قهر للآخر كسابقه أو كان مع مالك يسمح ببذله فالأفضل تخصيص الجنب به أي الماء المبذول أو المشترك بينه و بين المحدث و وارث الميت، و يؤمم الميت و يتيمم المحدث، لعظم حدث الجنابة، و لأن غاية غسله فعل الطاعات كاملة، بخلاف غسل

ج 5، ص: 256

الميت، فان غايته التنظيف، مع انه سنة و غسل الجنابة فريضة، فيقدم عليه، لأنه أهم، و للأمر به كما ستعرف.

و ل

صحيح ابن أبي نجران (1)على ما في الفقيه، فلا يقدح إرساله في التهذيب «سأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر، أحدهم جنب، و الثاني ميت، و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة، و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء؟ و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب، و يدفن الميت بتيمم، و يتيمم الذي هو على غير وضوء، لان الغسل من الجنابة فريضة، و غسل الميت سنة، و التيمم للآخر جائز».

و

خبر التفليسي (2)«سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن ميت و جنب اجتمعا و معهما ماء يكفي أحدهما، أيهما يغتسل؟ فقال: إذا اجتمعت سنة و فريضة بدئ بالفرض».

ك

خبر الحسين بن النظر الأرمني (3)المروي عن التهذيب و العلل و العيون قال:

«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن القوم يكونون في السفر، فيموت منهم ميت و معهم جنب و معهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما، أيهما يبدأ به؟ قال: يغتسل الجنب و يترك الميت، لان هذا فريضة و هذا سنة»

الحديث.

و قيل لكن لم نعرف قائله كما اعترف بذلك بعضهم يختص به الميت لكون غسله خاتمة طهارته، و لان من غايته أيضا نظافة الميت و رفع نجاسة مما لا يقوم التيمم مقامه، و لان الموت جنابة فيقدم على المحدث، و

للمرسل (4)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له: الميت و الجنب يتفقان في مكان، لا يكون الماء إلا بقدر


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التيمم- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التيمم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 257

ما يكفي أحدهما، أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال: يتيمم الجنب و يغسل الميت بالماء».

و من هنا قال المصنف في ذلك تردد لكن لا ريب في ضعفه، لمعارضة ما ذكر من الاعتبار بمثله، و قصور مرسله بالنسبة للصحيح المتقدم المعتضد بالخبرين، و بما فيه و فيهما من التعليل، و بالشهرة بين الأصحاب قولا، و الرواة رواية، و إمكان تأويل المرسل و إرجاعه للأول، ك

خبر أبي بصير(1)قال: «سألت الصادق (عليه السلام) عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة و ليس معهم من الماء إلا ما يكفي الجنب لغسله، يتوضؤون هم هو أفضل، أو يعطون الجنب فيغتسل و هم لا يتوضؤون؟

فقال: يتوضؤون هم و يتيمم الجنب»

إذ يمكن حمله على كون الماء لهم، أو كون حصة كل منهم تكفي لوضوئه، مع أنا لم نعثر على من عمل به بالنسبة الى ذلك، بل ظاهرهم الاتفاق كما قيل على تقديم الجنب عليه، أو الميت لو كان، بل في المحكي عن التنقيح الإجماع على تقديم سائر أنواع الأكبر عليه.

و من ذلك كله يظهر ضعف ما في الخلاف و عن المبسوط، لكن أبدل المحدث بالحائض فيهما من القول بالتخيير معللا في الأول بأنها فروض اجتمعت و ليس بعضها أولى من بعض، فتعين التخيير، لان الروايات اختلفت على وجه لا ترجيح فتحمل عليه، لما عرفت من ظهور الرجحان، و لعل مراد الشيخ نفي الأولوية الإلزامية لا الندبية، فلا يكون حينئذ مخالفا، قال في المعتبر: «و ما ذكره الشيخ ليس موضع البحث، فانا لا نخالف أن لهم الخيرة، لكن البحث في الأولى أولوية لا تبلغ اللزوم» إلى آخره.

و صريحه كصريح بعض من تأخر عنه أن محل النزاع في الأفضلية، بل قد تشعر عبارته بالإجماع على عدم الوجوب، و به يوهن احتمال الأخذ بظاهر الأمر في الاخبار السابقة، و الخروج بذلك عما تقتضيه أصول المذهب من تسلط الناس على أموالهم


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 258

و عدم تسلط أحد منهم على أحد في ذلك.

قلت: و هو متجه في المشترك أو المبذول، لأصالة براءة الذمة و غيرها من تعيين ذلك على ملاكه، بل لعل الاخبار لا تشملهما كما ستعرف، أما لو كان الماء مباحا أصليا أو من مالك على جهة الإطلاق من غير تعيين و دار الأمر بين رفع الجنابة و تغسيل الميت مع وجوبهما معا عليه فقد يتأمل حينئذ في جواز تغسيل الميت به و التيمم للجنابة، سيما إذا حازه و ملكه، لظاهر المعتبرة السابقة، و لصدق اسم الواجد، و إيجاب غسل الميت عليه مع ترجيح الشارع رفع الجنابة لا ينافيه، و لعله لذا كان ظاهر الموجز وجوب تقديم الجنب فيه.

كما انه قد يتأمل في إطلاقهم تقديم الجنابة مع أن المتجه وجوب تقدم التغسيل في حال عدم وجوب رفعها، كما لو كان قبل الوقت.

و كذا التأمل فيما يستفاد من عبارة المصنف و نحوها من استحباب تخصيص الجنب بالماء المباح إن أريد بذلك عدم مزاحمة المحدث إلى حيازته، إذ المتجه وجوب المبادرة على كل منهما مقدمة للواجب من الطهارة عليه.

و كذا ينبغي التأمل في المراد من الاستحباب هنا هل هو تكليفي يحتاج إلى مخاطب به و لو الجنب نفسه فلا يثبت في مال الشريك لو كان طفلا و نحوه، أو مالي كاستحباب الحبوة و زكاة مال الطفل؟ ظاهر بعض الأصحاب الأول، و لعل ظاهر الروايات (1)الثاني، و كان منشأ الإجمال و عدم التفصيل في هذه الاخبار، مع ظهور السؤال فيها باشتراك الماء بين الميت و غيره عدم المداقة في أمر الماء، و بنائه على التسامح فيه و على المتعارف في ذلك الزمان من عدم اختصاص كل شخص من المسافرين بماء على حدة بل كان يجمع كل جماعة منهم ما يحتاجون اليه من الماء في مكان واحد، بل لا يقصد


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 259

من حازه الاختصاص به و الملكية له دون أصحابه، و لا يداق بعضهم بعضا بالنسبة إلى كثير الاحتياج اليه و عدمه، و لذا لم تقع الإشارة في شي ء من هذه الاخبار إلى تعرض لذلك، بل أمروا فيها باغتسال الجنب مع غلبة تعدد وارث الميت و عدم حضوره و طفوليته.

و لعله لما ذكرنا من الإجمال في تلك الروايات سؤالا و جوابا، بل ربما يخالف ظاهرها أصول المذهب و قواعده أعرض عنها ابن إدريس في سرائره، حيث قال بعد أن نسب ما عليه المشهور إلى الرواية: «و الصحيح أن هذا الماء إن كان مملوكا لأحدهم فهو أحق به، و لا يجب عليه إعطاؤه لغيره، و لا يجوز لغيره أخذه منه بغير اذنه، و ان كان موجودا مباحا لكل من حازه فهو له، فان تعين عليهما تغسيل الميت و لم يتعين أداء الصلاة لخوف فواتها و ضيق وقتها فعليهما أن يغسلاه بالماء الموجود، و ان خافا فوات الصلاة فإنهما يستعملان الماء، فإن أمكن جمعه و لم يخالطه نجاسة عينية فيغسلانه به على ما بيناه من قبل في الماء المستعمل في الطهارة الصغرى على الصحيح من المذهب» انتهى.

لكن في كشف اللثام ان ذلك منه ليس طرحا لاخبار المشهور، بل تنزيل لها على ما لا يبعد عنها و لا يأباه الشرع و الاعتبار، قلت: إلا أن فهم أكثر الأصحاب على خلافه ان لم نقل هي ظاهرة فيه أيضا أو صريحة، نعم ما أشار إليه في آخر كلامه من جمع المستعمل مع إمكانه و تغسيل الميت به مثلا إن أمكن جيد، و قد نص عليه بعض الأصحاب، و خلو الاخبار عن التعرض له لعله لعدم تيسر ذلك غالبا.

فما في الذكرى ان فيها إشارة إلى عدم طهورية المستعمل و إلا لأمر بجمعه يدفعه ما سمعت، هذا.

و كان اقتصار المصنف كبعض الأصحاب على خصوص هذه الصورة من بين صور الجمع و التعارض انما هو لمكان ورود الاخبار بها في الخصوص، و إلا فالصور الحاصلة- من اجتماع المحدث بالأصغر مع أنواع الأكبر من الحيض و المس و غيرهما،

ج 5، ص: 260

بل هي في نفسها أيضا و بالنسبة إلى الميت و إلى مريد إزالة النجاسة عن ثوبه و بدنه ان لم يتم الإجماع المحكي عن المعتبر و المنتهى و التذكرة على تقديم الأخير على رفع الحدث الأصغر و غير ذلك- كثيرة، لكن مدار الترجيح فيها جميعا بعد فرض عدم الدليل بالتخصيص على وجوه لا تخفى، كعظم الحدثية و عدمها، و مشروعية البدل و عدمه، و تعدد الغايات و كثرتها، و كون الوجوب بالفرض و عدمه، و نحو ذلك و ان كان في ثبوت الأولوية و الرجحان بحيث ينصرف اليه الوصايا و النذور و الايمان و البذل و نحوه من بعضها مع كون التعارض من وجه لا يخلو من نظر، و قد تعرض جماعة من الأصحاب لجملة منها.

نعم في المحكي من عبارة التنقيح الإجماع على تقديم الأكبر على الأصغر، و لولاه لأمكن ترجيحه على بعضها بأنه فرض و غيره سنة، بل و على غسل الميت أيضا بذلك، اللهم إلا أن يرجح عليه بما ورد من تعليل غسل الميت على نحو غسل الجنابة بخروج النطفة منه عند الموت، فيكون حينئذ كالجنابة، فيرجح عليه حينئذ، بل و غيره مما يرجح عليه غسل الجنابة، فتأمل.

و قد يظهر من بعضهم الرجوع في جملة من هذه الصور إلى القرعة، و هو لا يخلو من وجه لو علم تعينه في الواقع و اشتبه، لكنه أحوط على كل حال.

[السابع الجنب إذا تيمم لفقد الماء أو غيره بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التيمم]

الحكم السابع الجنب إذا تيمم لفقد الماء أو غيره بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من الغسل سواء كان حدثه أصغر أو أكبر فلا يتوضأ حينئذ لو وجد ماء له خاصة على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، إذ لم أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن المرتضى في شرح الرسالة من عدم وجوب إعادة المحدث بالأصغر، بل يتوضأ ان وجد الماء له خاصة، و إلا تيمم عنه لا عن الغسل، لارتفاع حدث الجنابة بالتيمم سابقا لها و عدم إيجاب هذا الحدث غير الوضوء، مع أن

ج 5، ص: 261

المحكي عنه في غيره موافقة المشهور أيضا، و تبعه الكاشاني في المفاتيح، و قواه في الحدائق، و رده غير واحد من الأصحاب بالمستفاد من الاخبار و الإجماع المحكي مستفيضا ان لم يكن متواترا منا بل من علماء الإسلام إلا الشاذ على كون التيمم مبيحا لا رافعا، فحيث انتقض بالحدث وجب إعادته للجنابة السابقة و ان تمكن من ماء للوضوء، إذ لا وجه له مع بقاء الجنابة، و بمفهوم

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1):

«و متى أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا، و الوضوء ان لم تكن جنبا»

حيث شرط الوضوء بعدم الجنابة، و بالمعتبرة المشتملة على أمر الجنب بالتيمم و ان كان عنده من الماء ما يكفيه للوضوء، منها

خبر الحلبي (2)«سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة، أ يتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال: لا، بل يتيمم»

الحديث. و نحوه غيره(3).

و قد يناقش في الجميع، أما الأول فباحتمال كون مراد المرتضى رفعه إلى غاية هي التمكن من الماء خاصة لا مطلقا حتى يكون مخالفا للإجماع، إذ القدر المسلم منه ذلك لو قلنا بالفرق بين الاستباحة و الرفع بهذا المعنى، على أنه لو سلم أن التيمم انما يفيد الإباحة بمعنى رفع المنع دون المانع أمكن أن نمنع زوالها أيضا بالحدث للاستصحاب، و ما دل على تنزيل التراب منزلة الماء، و أنه أحد الطهورين من الاخبار الكثيرة(4)و بطلان أثر التيمم بالنسبة إلى رفع منع الأصغر بالحدث المفروض لا يستلزم بطلانه بالنسبة إلى الجنابة من دون تجدد ما يوجبها و ان كان التيمم واحدا، إذ هو حينئذ كالغسل بالنسبة للإباحة، نعم انما يبطل بالنسبة إليها بالتمكن من الماء خاصة، و قياسه على ذلك ليس من


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التيمم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التيمم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التيمم.

ج 5، ص: 262

مذهبنا، و أما الثاني فبظهوره في غير المتنازع فيه ان لم يكن صريحا، سيما بعد تصريحه أولا بالمفهوم، و كذا الثالث أيضا، لظهور تلك الاخبار في تقدم ذلك الماء على التيمم للجنابة.

و قد يدفع مضافا الى ما تقدم في النية بعدم صحة الرفع إلى غاية لا تصلح لان تكون سببا لعوده، فهو في الحقيقة قد عاد بدون أسبابه الموجبة له في السنة و الإجماع، و بمنع عدم تناول ما دل من السنة و الإجماع على عدم رافعية التيمم لمثل هذا الرفع أيضا، و بمعارضة الاستصحاب المذكور باستصحاب عدم مشروعية الوضوء له قبل التيمم، و بقاء أحكام الجنابة و آثارها، و بمنع اقتضاء المنزلة ذلك أو انصرافها الى مثله، و ببطلان الإباحة السابقة بانتقاض المبيح لها، لإطلاق ما دل من السنة و معاقد الإجماعات و نفي الخلاف على بطلان التيمم بالحدث، و التمكن من استعمال الماء عما كان التيمم بدلا عنه، لتناوله كل حدث أصغر أو أكبر و كل تيمم بدل عن غسل أو وضوء، بل في المحكي عن المختلف لو أحدث المتيمم من الجنابة حدثا أصغر انتقض تيممه إجماعا، و في صحيح زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) و

خبر السكوني (2)عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «لا بأس أن يصلي الرجل صلاة الليل و النهار كلها بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصب ماء»

الحديث.

و بذلك ينقطع الاستصحاب و غيره، إذ لا معنى لانتقاضه خصوصا بعد جعله كإصابة الماء إلا بطلان ما أثره أولا حتى لو قلنا بالرفع المتقدم في كلام الخصم، لصيرورة الحدث حينئذ غاية كالتمكن من الماء، و احتمال القول بأن المؤثر في رفع منع الجنابة ابتداء التيمم لا استمراره، و المنتقض الثاني لا الأول واضح الفساد.

فظهر من ذلك ان التحقيق ما عليه الأصحاب، كما أنه يظهر منه أيضا ان كل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التيمم- الحديث 5.

ج 5، ص: 263

تيمم بدل عن الوضوء أو الغسل ينتقض بكل ما ينتقض به أحدهما من غير فرق بين الجنابة و غيرها كالحيض و المس و نحوهما، فلو تيممت الحائض مثلا بعد النقاء تيمما عن الغسل و آخر عن الوضوء ثم أحدثت بالأصغر أو الأكبر و لو غير الحيض بطل التيممان معا، فاحتمال القول ان ناقض كل تيمم انما هو ما ينقض المبدل عنه كما عساه يتوهمه بعض الناس ليس في محله، كاحتمال الفرق بين الجنابة و غيرها في ذلك باتحاد التيمم فيها و تعدده في غيرها، فينتقض الأول و لو بغير الجنابة، بخلاف الثاني فيتبع المبدل عنه، أو الفرق في التيممات بالنسبة للغايات، فكل غاية ينتقض التيمم لها بالحدث المنافي لها دون غيره فلا ينتقض التيمم لصوم الجنب و الحائض بالنوم و غيره من الحدث الأصغر، و لا تيمم الثانية للوطء مثلا بناء على وجوبه بدل الغسل بالوطء، و هكذا، لعدم منافاة النوم للصوم، و لا حدث الجنابة للوطء، كل ذلك لا ينبغي الالتفات اليه بعد ما عرفت.

نعم لا ينتقض تيمم الغسل في مثل الحيض بالتمكن من ماء الوضوء خاصة و ان انتقض به ما كان بدلا عنه كالعكس، إذ ليس ذلك من الأحداث حقيقة بل من الغايات التي يرتفع عندها حكم التيمم و يظهر أثر الحدث الأول، كما هو واضح.

[الثامن إذا تمكن المتيمم من استعمال الماء انتقض تيممه]
اشاره

الثامن إذا تمكن المتيمم من استعمال الماء لما هو بدل عنه عقلا و شرعا تمكنا لا يشرع معه ابتداء التيمم انتقض تيممه إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا ان لم يكن متواترا منا، بل و من العامة عدا الشاذ، و نصوصا كذلك، منها صحيح زرارة و خبر السكوني المتقدمان معا، ك

صحيحه الآخر(1)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل تيمم قال: يجزؤه ذلك الى أن يجد الماء»

و نحوها غيرها، و هي و ان كانت غير صريحة في اعتبار التمكن بل قد يدعى ظهورها في حصول النقض بمجرد الإصابة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 2.

ج 5، ص: 264

و ان لم يتمكن عقلا فضلا عن الشرع، لكن قد عرفت في أول الحكم الرابع ما يعين إرادة التمكن من ذلك اقتصارا في انقطاع الاستصحاب و العمومات على المتيقن، بل المنساق الى الذهن منها، كما أنك قد عرفت كثيرا مما يتعلق بالمقام فيه بل و في آخره أيضا، فلاحظ و تأمل. على أنه من المعلوم ان المراد بناقضية الإصابة هو زوال مسوغ التيمم من الضرورة، فيؤثر الحدث السابق حينئذ أثره، لعدم ارتفاعه بالتيمم كما عرفت، و إلا فليس ذلك من النواقض حقيقة قطعا، و هي لا تزول بمجرد الإصابة.

و على كل حال ف لو فقده أي التمكن أو الماء بعد ذلك و قد مضى زمان يسع الطهارة على الأصح أو مطلقا على غيره كما مر تحقيقه في ذلك البحث أيضا افتقر الى تجديد التيمم لانتقاض السابق به، لكن ينبغي أن يعلم انه انما ينقض التمكن المذكور خصوص التيمم الذي تمكن من ماء المبدل له، و إلا فلا ينتقض التيمم عن غسل الحيض بالتمكن من ماء للوضوء خاصة، و ان انتقض به بدله كالعكس، كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، للأصل و العمومات من غير معارض.

و لو تمكن من ماء صالح للوضوء أو الغسل لا لهما ففي انتقاضهما معا بذلك، أو ما يختار المكلف منهما، أو القرعة أوجه، أقواها الأول، لصدق الوجدان في كل منهما و عدم الترجيح، و لأولويته مما تسمعه من المنتهى و ان كان الفرق بينهما واضحا.

و لو كان قد تيمم لأسباب متعددة للغسل كالحيض و المس فوجد ماء لا يصلح لتكرار الغسل به انتقض الجميع قطعا، بناء على التداخل بالغسل، لصدق التمكن منه حينئذ بمشروعية التداخل له، بل وجوبه عليه في مثل الحال عند وجوب المشروط به للمقدمة، و ان كان في الأصل رخصة، نعم يتجه البحث السابق لو قيل بعدم مشروعية التداخل في الغسل.

ج 5، ص: 265

و لو وجد جماعة ماء في المباح لا يكفي إلا أحدهم ففي المنتهى انتقض تيممهم جميعا، لصدق الوجدان على كل واحد، و ينبغي تقييده بما إذا حصل التمكن من استعماله للجميع، أما لو تبادروا إلى حيازته فسبق أحدهم انتقض تيممه خاصة، و ان لم يسبق بل تساووا الجميع لم ينتقض تيمم أحد منهم إلا مع بذل الشركاء نصيبهم لواحد، نعم لو كان معهم جنب و قلنا باختصاصه شرعا بحيث ليس لغيره المزاحمة له اختص النقض به أيضا، فإطلاقه ذلك لا يخلو من تأمل، كإطلاقه فيه أيضا انه لو لم يجد الماء إلا في المسجد و كان جنبا فالأقرب جواز الدخول و الأخذ من الماء و الاغتسال خارجا، بل فيه انه لو لم يكن معه ما يغترف به فالأقرب جواز اغتساله فيه، و ان تبعه في المدارك في الأول، و استحسنه في الثاني، لكن قد عرفت فيما مضى حرمة اللبث في المساجد جلوسا كان أو غيره، نعم لو أمكن ذلك بالاجتياز جاز، لعدم الحرمة فيه.

[في عدم انتقاض التيمم بخروج الوقت]

و لا ينتقض التيمم بخروج الوقت عندنا إجماعا و قولا واحدا، لحصر الناقض بغيره في المعتبرة(1)بل فيها ما هو كالصريح بعدم نقضه به معللة ذلك بأنه بمنزلة الماء، فيصلي حينئذ بتيممه ما شاء من الصلوات فرائض و نوافل، خلافا لبعض الجمهور، فنقضه به قياسا على المستحاضة بجامع اضطرارية الطهارتين، و مقتضاه تعدده للصلوات و ان لم لم يخرج الوقت كما عن الشافعي، و لا ريب في بطلانه عندنا كسابقه.

فما في

خبر أبي همام (2)عن الرضا (عليه السلام) «تيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء»

و

السكوني (3)عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة و نافلتها»

محمول على التقية أو غيرها أو مطرح قطعا.

و كذا لا يبطل عندنا بنزع العمامة أو الخف و لا بغير ذلك ما لم يحدث أو لم يجد


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 6.

ج 5، ص: 266

الماء فينتقض حينئذ إجماعا محصلا و منقولا و نصوصا(1)في الثاني على ما عرفت كالأول أيضا، ففي المعتبر «لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الطهارة المائية، و وجود الماء مع التمكن من استعماله، و هو مذهب أهل العلم» إلى آخره. و في المنتهى «و يبطل التيمم كل نواقض الطهارة، و يزيد عليه رؤية الماء المقدور استعماله، و لا نعرف فيه خلافا إلا ما نقله الشيخ عن أبي سلمة» إلى آخره. و في التذكرة «ينقض التيمم كلما ينقض الطهارة المائية، و يزيد وجود الماء مع التمكن من استعماله- إلى أن قال- و هو قول العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة» و في الذكرى «يستباح بالتيمم ما لم ينقض بحدث أو وجود الماء عند علمائنا أجمع سواء خرج الوقت أو لا، و سواء كانت الثانية فريضة أو نافلة» و في المدارك في شرح عبارة المصنف «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، و أخبارهم به ناطقة» و في كشف اللثام مازجا لعبارة القواعد «و ينقضه نواقضها، و التمكن من استعمال المائية لما هو بدل منه عقلا و شرعا بالإجماع و النصوص» إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب، و ظاهر الجميع ان لم يكن صريحا ما ذكرناه سابقا من انتقاض كل تيمم بدل من الوضوء أو الغسل بكل حدث أصغر أو أكبر كما هو واضح.

[التاسع من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على غسله بالماء جاز له التيمم]
اشاره

التاسع من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على غسله بالماء للوضوء أو الغسل و لا مسحه و لو بوضع جبيرة عليه ان كان من ذوي الجبائر جاز له التيمم كما في المبسوط و الخلاف و القواعد و غيرها، بل لا أعرف فيه خلافا، لصدق عدم الوجدان بعدم التمكن من الاستعمال لتمام الطهارة، و تناول أدلة المرض من الآية(2)و غيرها، و لا طلاق

قول الصادق (عليه السلام) في مرسلي ابن أبي عمير(3)«يتيمم المجدور و الكسير


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التيمم.
2- 2 سورة المائدة- الآية 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 3 و 4.

ج 5، ص: 267

إذا أصابتهما جنابة»

بعد السؤال في أحدهما عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات، ك

مسنده الآخر عن أبي مسكين و غيره (1)عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال بعد نحو السؤال المتقدم: «قتلوه. أ لا سألوا، أ لا يمموه، إن شفاء العي السؤال»

و

الباقر (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (2)«في الرجل يكون به القرح و الجرح يجنب قال:

لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم»

ك

خبره الآخر(3)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة قال: يتيمم»

و خبر ابني سرحان (4)و

أبي نصر(5)عن الصادق و الرضا (عليهما السلام) «في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح أو يخاف على نفسه البرد، فقال: لا يغتسل يتيمم»

الحديث.

[في عدم جواز التبعيض في الطهارة]

و لا يجوز ان يتبعض الطهارة بأن يقتصر على غسل الصحيح بلا خلاف أجده فيه بين الأصحاب، بل ظاهر التذكرة كاشعار غيره الإجماع عليه، للأصل، و قاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير(6):

«ان الوضوء لا يبعض»

و ظاهر الاخبار السابقة، فلا يلتفت إلى قاعدة اليسر سيما بعد إعراض الأصحاب عنها هنا.

و كذا لا يلفقها بالتيمم عن العضو المريض بعد الغسل المذكور للأصل و الاخبار السابقة، و ظهور التقسيم كتابا و سنة في قطع الشركة بينهما، و لعل ما في المبسوط و الخلاف- من الاحتياط بالجمع لغسل الممكن ثم التيمم معللا له في الأول بعدم الضرر عليه في ذلك مع تأدية الصلاة بالإجماع- ليس لاحتمال مشروعية التلفيق، أو لوجود قائل منا بمشروعيته، أو مشروعية التبعيض، نعم قد يكون ذلك لاحتمال الثاني خاصة،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 1 و هو عن ابن مسكين.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- الحديث 2.

ج 5، ص: 268

و قد مر في أول أسباب التيمم ما له نفع في المقام، فلاحظ.

كما انه قد مر في حكم الجبائر من الوضوء ما به يندفع مما عساه يشكل على ظاهر المصنف و غيره هنا، بل و الاخبار السابقة بمنافاته لما تقدم في باب الوضوء من وجوب غسل ما حول الجرح و نحوه مع تعذر مسحه أو مطلقا و عدم الانتقال إلى التيمم، و قد ذكرنا بحمد الله التحقيق هناك بما لا مزيد عليه، و ربما يظهر منه أيضا وجه ما ذكره الشيخ من الاحتياط في خصوص العضو المستوعب مرضا، بل و غير المستوعب أيضا، فلاحظ و تأمل.

[العاشر يجوز التيمم بدل الغسل أو الوضوء لصلاة الجنازة]

الحكم العاشر يجوز التيمم بدل الغسل أو الوضوء لصلاة الجنازة مع وجود مسوغة من عدم وجدان الماء أو المرض و نحوهما حتى خوف الفوات قطعا، بل لا أجد فيه خلافا هنا كما اعترف به في كشف اللثام للبدلية المقتضية قيامه مقامه في سائر الغايات مستحبها و واجبها، و الطهارة للجنازة و ان لم تكن واجبة فيها للأصل و بعض الاخبار و ظاهر الإجماع في التذكرة و صريحه في الخلاف و الذكرى و عن نهاية الاحكام و جامع المقاصد و الروض و المسالك و غيرها لكنها مستحبة فيها إجماعا صريحا عن الخلاف و الغنية، و ظاهرا عن التذكرة، و أخبارا(1)كما سيأتي تحرير ذلك كله إن شاء الله في صلاة الجنائز، فيقوم حينئذ التيمم مقامها مع التعذر، و لخصوص

حسن الحلبي أو صحيحه (2)«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها، قال: يتيمم و يصلي»

و

موثق سماعة(3)قال: «سألته عن رجل مر به جنازة و هو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال: يضرب بيده على حائط اللبن يتيمم»

فلعل ذلك مع ظهور اتفاقهم على جوازه هنا مع خوف الفوات شاهد على ما تقدم لنا سابقا من جوازه للفريضة لضيق وقتها، بل لعله أولى منه.


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.

ج 5، ص: 269

و دعوى ان مشروعيته في هذا الحال لا للبدلية عن الوضوء أو الغسل بل لنفسه كوضوء الجنب أو الحائض- و لذا صرح في التذكرة و كشف اللثام و مجمع البرهان بعدم جواز دخوله بمشروط بالطهارة غيرها و ان تعذر الماء، كما انه قد يقتضيه ما في المعتبر أيضا، بل علله في الثاني بأنه ليس تيمما يرفع الحدث أو حكمه، قلت: و لعله لثبوت شرعيته مع وجود الماء، أو لعدم شرطية صلاة الجنازة بالطهارة حتى يكون بدلا عنها- ممنوعة على مدعيها. لاقتضاء الأدلة خلافها كما عرفت من غير معارض، و التعليل السابق مصادرة، كما أن ثبوت شرعيته مع وجود الماء لا يستلزم عدم مشروعية بدليته عن الطهارة مع فقده، و ان سلمنا عدم بدليته عنها مع الوجود، و كذا عدم شرطية الطهارة لصحة الصلاة بعد اشتراط كمالها بها، لثبوت قيام التيمم مقامها فيهما معا.

و لعل من صرح بعدم جواز الدخول به في مشروط بالطهارة ممن عرفت لم يرد ما نحن فيه، بل مراده التيمم لها مع وجود الماء، لما ستسمع من ثبوت شرعيته و ان وجد، فإنه قد يتجه حينئذ ما ذكروه من عدم الجواز المذكور لظهور كون التيمم فيه مستحبا لنفسه لا بدليا، إذ الفرض التمكن من المبدل، فلا يستباح به حينئذ مشروط بالطهارة و ان تعذر الماء بعد ذلك، بل و ان قلنا ببدليته عن الطهارة في هذا الحال أيضا بدعوى عدم اشتراطه في خصوص الجنازة للدليل بفقد الماء، كما عساه يومي اليه كلام من منع مشروعيته مستدلا بما دل على اشتراط التيمم بتعذر الماء على ما ستسمع، إذ من المعلوم ان المشترط بذلك انما هو الذي بدل عن الطهارة المائية لا مطلق التيمم، لكن و مع ذلك لا يستباح به ما اشترط بدليته عن الطهارة بفقده من الغايات كالصلاة و نحوها.

أو مراده إثبات جهتين لاستحباب هذا التيمم لصلاة الجنازة حال فقد الماء، إحداهما عموم البدلية لثبوت مسوغها، و الأخرى استحبابه في نفسه لا للبدلية كاستحبابه مع وجود الماء، فمن تيمم لها بقصد الجهة الأولى صح دخوله به في غيرها من الغايات مع.

ج 5، ص: 270

استمرار المسوغ، بخلاف الثانية فلا يجوز، بل قد يلحق بها أيضا من أطلق في نيته و لم يلاحظ، لعدم تحقق البدلية حينئذ و ان لم نشترط ملاحظتها فيه في غير المقام، لوضوح الفرق بينهما على هذا التقدير.

و كيف كان فلا ينبغي التأمل في مشروعية التيمم في الفرض المذكور من عدم وجود الماء و خوف الفوات و نحوهما، و ان كان قد يعطيه ما في المعتبر، لكنه ضعيف.

بل و مع وجود الماء المتمكن من استعماله أيضا على المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، و التذكرة إلى علمائنا، و ظاهره الإجماع، كما عنه في المنتهى ذلك أيضا، بل في الخلاف دعوى الإجماع صريحا، و هو الحجة بعد إطلاق موثقة سماعة المتقدمة(1)و

مرسل حريز(2)عن الصادق (عليه السلام) «و الجنب يتيمم و يصلي على الجنازة»

و ما عن

الصدوق أيضا(3)حيث قال: و في خبر آخر «انه يتيمم إن أجنب»

بعد أن

روى بإسناده إلى يونس بن يعقوب (4)انه سأل الصادق (عليه السلام) «عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء، فقال: نعم، انما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل كما تكبر و تسبح في بيتك»

و ما في

الفقه الرضوي (5)«و ان كنت جنبا و تقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ و صل عليها»

إلى آخره.

خلافا لظاهر المرتضى في الجمل، و الشيخ في التهذيب و عن المبسوط و النهاية و الاقتصاد و أبي علي و سلار و القاضي و الراوندي و الشهيد في الدروس و البيان، فاعتبروا خوف الفوت، و مال إليه في المعتبر و المدارك للطعن بإجماع الشيخ بأنا لا نعلمه كما علمه،


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 4 و فيه «يتيمم ان أحب» و كذا في الفقيه.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 3.
5- 5 المستدرك- الباب- 20- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1.

ج 5، ص: 271

و بأن غالبه الشهرة، و بأنه ليس نصا على المطلوب فإنه ذكره مع جواز الصلاة بلا طهارة أصلا، فلعله يريد الإجماع على الأخير، و بالاخبار بالضعف و الإرسال و الإضمار في خبر سماعة، مع إمكان استظهار خوف الفوت منه، بل لعل الغالب في الجنائز عدم إمكان الاغتسال و إدراك الصلاة عليها، فيبقى حينئذ ما دل على اضطرارية التيمم و اشتراطه بتعذر الماء على حاله.

و في الكل نظر لحجية الإجماع المنقول و ان لم نعلم به إلا من جهة النقل، و منع أغلبية الشهرة فيه، سيما بعد عدالة حاكيه، كمنع عدم صراحته على المطلوب كما لا يخفى على من لاحظه، و لذا نقله عنه غير واحد من الأصحاب، بل هذا المعترض نفسه في غير المقام، و عدم البأس في الضعف و الإرسال و الإضمار خصوصا من مثل سماعة بعد الانجبار بالشهرة المعتضدة بصريح الإجماع و ظاهره، على أن خبر سماعة من الموثق، و هو حجة عندنا.

و بذلك كله مع التسامح في أدلة السنن يخرج عن العموم المتقدم، مع احتمال عدم معارضته لخصوص المقام بدعوى كون المراد منه فيما كان بدلا عن المائية، و مبيحا لسائر غايتها كاباحتها، لا ما كان من المستحب في نفسه و حد ذاته من دون ملاحظة البدلية، نعم هو متوقف على ما يثبت أصل شرعيته لتوقيفية الاحكام، و فيما ذكرنا الكفاية.

و من هنا يظهر لك ما في احتمال المناقشة أيضا في دعوى كونه من المستحب الذي يتسامح في دليله بأن الحكم باستحبابه هنا يرجع إلى معارضة ما دل على اشتراط أصل المشروعية بتعذر الماء، فلا ينبغي التسامح فيما يحكم على ذلك، لأنك قد عرفت بعد إمكان الثبوت من غير جهة التسامح ما في هذه المعارضة.

و على كل حال فحيث يوقع المكلف هذا التيمم إما مطلقا أو مع تعذر الماء فليوقعه بنية الندب لما تقدم من عدم وجوب هذه الطهارة فيها شرعا و لا شرطا،

ج 5، ص: 272

نعم لو اتفق وجوبها بنذر و نحوه اتجه الوقوع بنية الوجوب، و الأمر سهل بعد عدم اعتبار نية الوجه عندنا.

و على كل حال ف لا يجوز له الدخول به أي هذا التيمم في غير ذلك من أنواع الصلاة كما هو واضح.

و كذا يندب التيمم بدل الطهارة للنوم قطعا مع وجود مسوغة من المرض و عدم الوجدان و نحوهما، لما عرفت من أنه حينئذ يستباح به ما يستباح بالمائية من الغايات واجبها و مندوبها، و قد ثبت استحباب الطهارة المائية للنوم في محله، فمع تعذرها يقوم التيمم مقامها للبدلية، مع ما في المروي عن العلل من

خبر أبي بصير(1)عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «لا ينام المسلم و هو جنب، و لا ينام إلا على طهور، فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد، فان روح المؤمن تروح إلى الله عز و جل، فيلقاها و يبارك عليها، فان كان أجلها قد حضر جعلها في مكنون رحمته، و ان لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع أمنائه من الملائكة، فيردها في جسده»

الحديث.

بل في الحدائق الظاهر انه لا خلاف في استحباب التيمم للنوم و لو مع وجود الماء، قلت: و لعله

للمرسل (2)عن الصادق (عليه السلام) «من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده، فان ذكر انه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة و ذكر الله»

بل ظاهره الاكتفاء بالتيمم في المرتبة الاضطرارية منه كالغبار و ان تمكن من التراب، و المناقشة فيه بما تقدم- من عدم صلاحية المرسل لإثبات ذلك حتى لو قلنا بالتسامح في أدلة السنن من جهة معارضته لما دل على اشتراط التيمم بالتعذر- مدفوعة بما سمعته، نعم ظاهر المرسل انما هو في التيمم للمحدث بالأصغر و إن أطلق


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الوضوء- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الوضوء- الحديث 2.

ج 5، ص: 273

الطهارة في صدره، كما أن ظاهره في غير المتعمد ترك الوضوء، فالتعميم للأمرين محتاج إلى دليل آخر غيره، و الله أعلم.

[الركن الرابع في النجاسات و أحكامها]

اشاره

الركن الرابع من كتاب الطهارة في النجاسات و أحكامها و فيه قولان

[القول الأول في النجاسات]
اشاره

القول الأول في النجاسات، و هي عشرة أنواع كما في الجامع و النافع و القواعد و الذكرى و غيرها.

[الأول و الثاني البول و الغائط]
اشاره

ف الأول و الثاني مسمى البول و الغائط عرفا، فبعض الحب الخارج من المحل صحيحا غير مستحيل طاهر، لعدم الصدق، و لعله يرجع اليه ما في المنتهى من اشتراط طهارته ببقاء صلابته بحيث لو زرع لنبت دون ما لم يكن كذلك، و إلا كان ممنوعا، إذ المعتبر كما في نحوهما من الألفاظ مسماهما عرفا من كل ما لا يجوز أن يؤكل لحمه من سائر أصناف الحيوان حتى النبي (صلى الله عليه و آله) من الإنسان، إذ لم يثبت أنه أقر أم أيمن على شرب بوله و ان قيل انه

قال (صلى الله عليه و آله) لها(1): «إذن لا تلج النار بطنك»

فما عن الشافعي في قول له بطهارته لذلك غير صحيح.

نعم إذا كان للحيوان نفس سائلة أي دم يخرج من مجمعه في العروق إذا قطع شي ء منها بقوة و دفع كما في المدارك و غيرها، أو سيلان كما في الروض، و لعلهما بمعنى، أي لا يخرج رشحا كدم السمك و نحوه، فنجاستهما حينئذ مجمع عليها بين الأصحاب بل و بين غيرهم إلا الشاذ من غيرنا في خصوص ما لا يؤكل من البهائم نقلا مستفيضا ان لم


1- 1 شرح الشفاء للخفاجي- ج 1- ص 362.

ج 5، ص: 274

يكن متواترا، بل و تحصيلا في غير بول الرضيع قبل أكله اللحم، بل و فيه أيضا، و ان حكى في الذكرى و المختلف و المدارك عن الإسكافي طهارته، لكن في الأخير الطعام بدل اللحم، و سابقه الصبي الذكر من غير البالغ بدل الرضيع، لعدم قدح خلاف مثله فيه، و لذا لم يستثنه من معقد ما حكاه في المعتبر و التذكرة من إجماع علماء الإسلام على نجاسة البول و الغائط مما لا يؤكل لحمه، و المنتهى على بول الآدمي كمعقد نفي الخلاف في الغنية عن نجاسة بول و خرء ما لا يؤكل لحمه، و المحكي من الإجماعات في غيرها، بل في التذكرة و عن المرتضى دعواه عليه بالخصوص، سيما مع ضعف مستنده من الأصل المقطوع بغير واحد من الأدلة، و

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «ان لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لان لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم، لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين»

و المروي في البحار عن

القطب الراوندي (2)بسنده إلى موسى ابن جعفر (عليهما السلام) قال: «قال علي (عليه السلام): بال الحسن و الحسين (عليهما السلام) على ثوب رسول الله (صلى الله عليه و آله) قبل أن يطعما فلم يغسل بولهما عن ثوبه».

و هما- مع قصورهما عن معارضة ما تقدم، و عموم و إطلاق ما دل على نجاسته من السنة أيضا مما سيأتي من وجوه، و اشتمال أولهما على غير المختار عندنا من نجاسة لبن الأنثى، كظهور سنده في عاميته، و يؤيده نسبته في فقه الرضا (عليه السلام) إلى الرواية عن علي (عليه السلام) بعد أن ذكر الحكم بخلافه كالفقيه مما عساه يظهر من عادته من أمثال ذلك في هذا الكتاب إيهاما للقول بها للتقية، و معارضة الأول بل و الثاني ب

صحيح الحلبي أو حسنه (3)«سألت الصادق (عليه السلام) عن بول الصبي، قال: تصب عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 5، ص: 275

الماء، فان كان قد أكل فاغسله»

و بالمروي في البحار أيضا(1)من كتاب

الملهوف على قتلي الطفوف لابن طاوس بسنده عن أم الفضل زوجة العباس «انها جاءت بالحسين (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فبال على ثوبه فقرضته فبكى، فقال:

مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل و قد أوجعت ابني»

- محتملان سيما الثاني لإرادة نفي الغسل لا الصب، و لا ينافيه عطفه على اللبن في خبر السكوني، و ان كان لا خلاف عندنا كما قيل في طهارته، لكنهما مشتركان معا في نفي الغسل.

فظهر حينئذ من ذلك كله أنه لا يقدح مثله في المحصل من الإجماع السابق فضلا عن المنقول، نعم ينبغي أن يعلم أن محله في غير الطير من غير المأكول ذي النفس، لظهور القول بطهارة بولها و خرئها من الفقيه كما عن الجعفي و ابن أبي عقيل، بل هو صريح المبسوط في غير الخشاف، و المفاتيح و الحدائق مطلقا كما عن حديقة المجلسي و شرحه على الفقيه و الفخرية و شرحها الرياض الزهرية و كشف الاسرار، بل هو ظاهر كشف اللثام و شرح الدروس، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا، لكن في غير الخشاف، بل و فيه أيضا، و في المدارك و البحار و عن الذخيرة و الكفاية الحكم بطهارة الذرق مع التردد في حكم البول من غير فرق بين سائر الطيور، و عن المعالم إيقاف المسألة على الإجماع، و تردد فيه مع استظهاره التسوية بين الخشاف و غيره.

لكن يقوى في النظر القول بالنجاسة مطلقا كما هو خيرة الأكثر نقلا و تحصيلا، بل هو المشهور كذلك شهرة عظيمة تقرب للإجماع ان قلنا بشمول لفظ الغائط في عبارة المصنف و نحوها كالعذرة و الروث في غيرها من عبارات الأصحاب لما نحن فيه، كما قطع به العلامة الطباطبائي في مصابيحه بالنسبة إلى خصوص عباراتهم، و لعله لذا نسب فيها المخالف إلى الشذوذ.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 5، ص: 276

بل في السرائر في باب البئر «قد اتفقنا على نجاسة ذرق غير المأكول من سائر الطيور، و قد رويت رواية شاذة لا يعول عليها أن ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكوله، و المعمول عند محققي أصحابنا و المحصلين منهم خلاف هذه الرواية، لأنه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها».

و في التذكرة «البول و الغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم نجسان بإجماع العلماء كافة، و للنصوص الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) بغسل البول و الغائط عن المحل الذي أصابه، و هو أكثر من أن يحصى، و قول الشيخ في المبسوط بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير(1)ضعيف، لأن أحدا لم يعمل بها» إلى آخره. و هو كالصريح في إرادته من معقد إجماعه ما يشمل ما نحن فيه، سيما مع ملاحظة عبارته بعد ذلك.

و في الغنية «و النجاسات هي بول ما لا يؤكل لحمه و خرؤه بلا خلاف، و ما يؤكل لحمه إذا كان جلالا بدليل الإجماع» إلى آخره. و لا ريب في شمول لفظ الخرء لرجيع الطير كما ستسمع التعبير به عنه في الحسن (2)فما في كشف اللثام انه ظاهر في غير رجيع الطير في غير محله.

و في الخلاف «كل ما يؤكل لحمه من الطير و البهائم بوله و ذرقه و روثه طاهر لا ينجس به الثوب و لا البدن إلا ذرق الدجاج خاصة فهو ينجس، و ما لا يؤكل لحمه فبوله و ذرقه نجس لا تجوز الصلاة في قليله و لا كثيره، و ما يكره لحمه كالحمر الأهلية و البغال و الدواب فإنه مكروه بوله و روثه و ان لم يكن نجسا- ثم حكى خلاف العامة و قال:- دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم» و عن الجامعية شرح الألفية «فالبول و الغائط أجمع الكل على نجاستهما من كل حيوان محرم أكله إنسانا كان أو طيرا أو غيرهما من


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 5، ص: 277

الحيوانات» و هو صريح أيضا في شمول الغائط لرجيع الطير.

و منه حينئذ ينقدح الاستدلال بما حكي على نجاستهما من الإجماع عن التنقيح و غيره مع عدم التعرض للطير و غيره، بل و بما سمعته سابقا من إجماعي المعتبر و المنتهى لولا انهما لم يصرحا بعد ذلك بالخلاف في خصوص الطير مما يشعر بإرادتهما بالأول غير الطير، بل قد عرفت ميل الثاني إلى الطهارة، فمن العجيب ما في

الرياض من الاستدلال على النجاسة بخصوص هذين الإجماعين و تركه غيرهما، و كشف اللثام فلم يذكر إلا إجماع الغنية، و قال: انه ظاهر في غير رجيع الطير، و قد عرفت ما فيه.

و كيف كان فيدل عليه- مضافا إلى ما عرفت و إلى ما حكي أيضا من الإجماعات على نجاسة فضلتي الدجاج الجلال إن قلنا بدخوله تحت اسم الطير، و إلا كان مؤيدا- عموم

قول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن سنان (1)أو صحيحه: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»

ك

خبره الآخر عنه (عليه السلام)(2)أيضا: «اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه»

و مفهوم

صحيح زرارة أو حسنه (3)انهما قالا: «لا تغسل ثوبك من بول شي ء يؤكل لحمه»

و

موثق عمار(4)عن الصادق (عليه السلام) «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه»

و نحوهما غيرهما(5)و إطلاق الأمر بغسل الجسد و الثوب من البول في المعتبرة المستفيضة(6)حد الاستفاضة ان لم نقل بانصرافها إلى بول الإنسان أو غير الطير، كالمعتبرة المستفيضة(7)جدا أيضا الدالة على نجاسة العذرة، للأمر فيها بالغسل، و نزح مقدار من البئر لو وقعت فيه، و نحو ذلك بعد السؤال


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات.
7- 7 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق.

ج 5، ص: 278

عنها من غير استفصال، كما استدل بها على ما نحن فيه في المعتبر مدعيا ان الخرء و العذرة مترادفان.

و من العجيب تعجب صاحب المعالم منه بأنا لم نر ما علق فيه الحكم على العذرة حتى يضطر إلى دعوى الترادف، و كأنه لم يعثر على تلك المستفيضة، نعم قد يتجه عليه انصراف العذرة فيها إلى فضلة الإنسان أو غير الطير، اللهم إلا أن يجبرها بالشهرة أو الإجماع، لكنا في غنية عنه بالأخبار الأول بعد إتمامها بالإجماع المركب المحكي في الروض و غيره، كما عن صريح الناصريات أيضا، أو المحصل على عدم الفرق بين البول و غيره.

و المناقشة فيه بعدم البول للطير فلا يتم الإجماع أو بعدم انصراف الأدلة اليه أو بعدم عموم المفهوم مدفوعة بظهور عبارة المخالف و مستنده من الخبر الآتي، كخبر المفضل بن عمر(1)الطويل المشهور الوارد في المعرفة في وجود بول للطير، و بإمكان منع توقف تحقق الإجماع المركب على حصول البول من كل فرد فرد مما لا يؤكل لحمه، و بما في الأولين من العموم اللغوي الذي تتساوى فيه الأفراد النادرة، و بما تحقق في محله من عموم المفهوم، كالمناقشة في أصل الدلالة فيها و في أمثالها على ما نحن فيه، بل و على غيره من بول ما لا يؤكل لحمه بأعمية الأمر بالغسل من النجاسة، مع أنه لا ينحصر وجهه فيها، إذ لعله لانه من الفضلات التي لا تصح الصلاة بها و ان كانت طاهرة أو غير ذلك.

و دعوى انه لا معنى للنجس شرعا إلا ما وجب غسل الملاقي له، و ان أكثر الأعيان النجسة انما استفيد نجاستها من مثل ذلك ممنوعة، إذ للنجس أحكام كثيرة كعدم جواز شربه و أكله و وجوب تنزيه المصاحف و المساجد و الضرائح عنه إلى غير ذلك، و ان العمدة في إثبات نجاسة تلك الأعيان انما هو الإجماع لا هذه الأوامر، فحيث لا إجماع كما في المقام تبقى على قاعدة الطهارة، لاندفاعها بالفهم العرفي من أمثال هذه الأوامر،


1- 1 البحار- ج 3 ص 103 من طبعة طهران سنة 1376.

ج 5، ص: 279

سيما إذا كانت لمشروط بالطهارة، و من الأمر بإعادة الصلاة منها، و إهراق الماء القليل الملاقي لها و نحوها الحكم بالنجاسة كما لا يخفى على من لاحظها و لاحظ سؤال الرواة لهم عنها.

بل يمكن دعوى التلازم بين وجوب الغسل تعيينا و النجاسة، إذ ليس في الشرع ما يجب غسله بحيث لا يجزئ غيره إلا النجس، و فضلة ما لا يؤكل لحمه انما يجب إزالتها عن ساتر الصلاة لا غسلها، و لعله لذا أطلق الأمر بالغسل في كثير منها من دون ذكر المشروط به مع القطع بإرادة الوجوب الشرطي منه لا النفسي، و ما ذاك إلا اتكالا على فهم السامع إرادة الوجوب للنجاسة، فتجب حينئذ لما وجبت له.

و يؤيده أيضا أنه لم يقع منهم (عليهم السلام) أمثال هذه الأوامر فيما يراد إزالته لا للنجاسة كفضلات ما لا يؤكل لحمه و نحوها إلى غير ذلك، فلا ينبغي الريب في كون المفهوم من الأمر فيها بذلك النجاسة، بل قد يعد إنكاره مكابرة، و كيف لا و نحن نقطع بأن لا دليل للأصحاب على ما اتفقوا عليه من الحكم بالنجاسة إلا أمثال ذلك، إذ احتمال وجود أدلة أخر عندهم غيرها في سائرها و لم يصل شي ء منها إلينا مما ينبغي القطع بعدمه، خصوصا بعد تصريحهم أنفسهم بكونها هي المستند لهم.

نعم أقصى ما يقال: إنه لعل لهم قرائن تدل على إرادة النجاسة من أمثال هذه الأوامر لا لانسياقها منها نفسها، و هو مع انه مستبعد بل مقطوع بعدمه أيضا لا يمنع حينئذ من الاستدلال بها، بل يؤكده و يحققه.

و توهم ان اتفاق الأصحاب هو الحجة حينئذ لا هي يدفعه أنه كشف لنا عن دلالتها، لا أن الحجة الإجماع لا هي أو مركبة منهما، فيتجه حينئذ الاستدلال بالعمومات السابقة على ما نحن فيه و ان لم يكن إجماعا.

كما انه قد يتجه الاستدلال زيادة على ما سمعت بما عساه يستفاد من النصوص(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات.

ج 5، ص: 280

بل و الفتاوى في المقام و غيره من دوران النجاسة و الطهارة في البول و الغائط على حلية اللحم و حرمته، مضافا إلى المفهومين السابقين و ما ماثلهما، و إلى استقراء موارد ما حكم الشارع بنجاسته بالخصوص كالبول من الإنسان و السنور و الخرء منهما و الكلب و الفأرة و نحوهما، و ما حكم بطهارته أيضا بالخصوص من أبوال البقر و الإبل و الغنم و نحوها، بل كل ما يؤكل لحمه، ما رواه في الوسائل و البحار(1)عن العلامة في

المختلف نقلا من كتاب عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام) قال: «خرء الخطاف لا بأس به، هو مما يؤكل لحمه، و لكن كره أكله، لأنه استجار بك و آوى إلى منزلك، و كل طير يستجير بك فلا بأس به»

و

خبر زرارة(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه، فقلت: أ ليس لحومها حلالا؟ فقال: بلى و لكن ليس مما جعله الله للأكل»

بل فيه إشعار بمعروفية الحكم في ذلك الزمان بين الرواة، و ظاهر الامام (عليه السلام) إقراره عليه، بل كاد يكون استدراكه (عليه السلام) صريحا فيه، إلى غير ذلك مما يستفاد منه دوران الحكم في نجاسة هذين الفضلتين و طهارتهما على مدار هذين الكليتين حتى في الحيوان الواحد لو تعاور عليه الحالتان، كما ستعرفه في الجلال و الموطوء و نحوهما، سيما مع عدم معروفية الخلاف في نجاسة شي ء منهما من سائر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان عدا الطير و الرضيع، و كاد الفقيه المتتبع يقطع أن لا مدرك لاتفاقهم على ذلك إلا ما فهموه من إقعاد هذه القاعدة، كما ينبئ عنه أيضا استدلالهم بها في كثير من المقامات مما يشعر بكونها من المسلمات عندهم، و إلا فقد عرفت عدم عموم معتد به في الاخبار يدل على نجاسة الخرء من كل حيوان فلا مانع حينئذ من الاستدلال بها على المختار.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 20 و فيه« فأجره» بدل« فلا بأس به».
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- الحديث 7.

ج 5، ص: 281

كما انه ربما يمكن الاستدلال أيضا عليه ب

خبر داود الرقي (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي و لا أجده، فقال: اغسل ثوبك»

مع التتميم بعدم القول بالفصل من الجميع الذي لا يقدح فيه ما سمعته من المبسوط، لضعفه و عدم موافقة أحد له في ذلك فيما أعلم.

و ما عساه يظهر من المختلف من الإجماع على النجاسة في الخشاف ليس في محله، إلا أن يريد به من القائلين بالنجاسة و الشيخ، و إلا فلم ينقل هو و لا غيره التفصيل عن أحد عداه.

كل ذا مع ضعف مستند القول بالطهارة مطلقا أو في غير الخشاف من الأصل الذي لا يصلح معارضا لبعض ما سمعت،

كعموم (2)«كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر»

و

الحسن كالصحيح عن أبي بصير(3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «كل شي ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله»

المعتضد بما في البحار وجدت بخط

الشيخ محمد بن علي الجعفي نقلا من جامع البزنطي عن أبي بصير(4)عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال: «خرء كل شي ء يطير و بوله لا بأس به».

و

خبر غياث (5)عن الباقر (عليه السلام) «لا بأس بدم البراغيث و بول الخشاشيف»

و بما عن

نوادر الراوندي (6)عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف و دماء البراغيث، فقال: لا بأس»

و ترك الاستفصال في

صحيح علي بن جعفر(7)عن أخيه موسى (عليهما السلام) «أنه سئل عن الرجل يرى


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 30- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 6- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
6- 6 المستدرك- الباب- 6- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 27- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.

ج 5، ص: 282

في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكمه و هو في الصلاة، قال: لا بأس»

و لعل مستند تفصيل الشيخ عموم الخبرين الأولين مع ما تقدم من خبر الرقي.

و في الجميع نظر لظهور سؤال الأخير عن منافاة نفس الحك للصلاة باعتبار كونه فعلا كثيرا لا الطهارة و النجاسة، على أنه محتمل إرادة المأكول و المجهول حاله، و إلا فهو كما ينافي المختار من حيث النجاسة ينافي الخصم أيضا من حيث كونه من فضلات ما لا يؤكل لحمه و لا يصلح الصلاة به و ان قلنا بالطهارة، هذا مضافا إلى ما في الرياض «من عدم الملازمة بينها و بين نفي البأس عنه، لعدم السراية مع اليبوسة كما هو ظاهر الحك في الرواية، و ليس نصا في صحة الصلاة، و من ان إطلاق الطير فيه ينصرف إلى المتبادر الغالب، و هو مأكول اللحم، و غيره نادر» انتهى. و ان كان فيما ذكره نظر واضح.

و لعدم الجابر لسابقيه من الخبرين مع معارضتهما بخبر الرقي المتقدم، بل و بإجماع المختلف في وجه، و احتمالهما التقية كما قيل، و احتياج الخصم أيضا إلى تأويل الخبر الثاني باعتبار منافاته للصلاة من حيث كونه من فضلات ما لا يؤكل لحمه.

بل و سابقه أيضا إن أريد بنفي البأس فيه ما يعم ذلك، بل لعله الظاهر باعتبار كون الصلاة معظم ما يراد نفي البأس بالنسبة إليها.

و كذا الكلام في الخبرين الأولين مع قصورهما عن معارضة ما تقدم و ان اعتبر سندهما، سيما مع كون معارضتهما للعموم السابق في البول و القاعدة السابقة فيه و في الخرء بالعموم من وجه، و لا ريب في رجحانهما عليهما بالاعتضاد بالشهرة العظيمة، بل تسالم الأصحاب عليه في بعض الطبقات التي هي أقوى المرجحات نصا و اعتبارا، على انه لو سلم تكافؤ المرجحات باعتبار ترجيح هذا العموم أيضا بالأصل و بأقلية الافراد و نحوهما يبقى ما سمعته من الإجماعات المحكية التي يشهد لها التتبع سالمة عن المعارض، فلا محيص حينئذ عن القول بالنجاسة، و لو لا ذلك لأمكن القول بالطهارة عملا بالمعتبرين السابقين،

ج 5، ص: 283

سيما مع إمكان القول بعدم انصراف ما دل على نجاسة البول إلى بول الطير و ان كان بالعموم اللغوي، أو قلنا بعدم البول للطير و ان تضمناه، لكن يمكن حمله على ما يخرج من بعض الفضلات مجازا، فلا يعارضها حينئذ ما دل على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه، و كان ذلك و أمثاله مع اختلال الطريقة هو الذي ألجأ متأخري المتأخرين إلى القول بالطهارة، و قد عرفت ضعفه بما لا مزيد عليه.

و أضعف منه ما يظهر من المحكي من عبارة ابن البراج في المهذب من القول بنجاسة الذرق و البول مما لا يؤكل لحمه من الطيور، إلا أنه لا يجب إزالة قليلها و كثيرها، و هو قول غريب لم يعرف نقله عن أحد من الأصحاب، بل و لا عنه أيضا، و لكن لعل مستنده الجمع بين ما دل على النجاسة مما عرفت و بين ما دل على الطهارة، خصوصا مع إشعار الصحيح السابق بعدم منافاته للصلاة، و فيه ما لا يخفى، فقد ظهر لك من ذلك كله بحمد الله الحكم في الطير.

كما انه قد ظهر لك ما يصلح للاستدلال به على أصل نجاسة الفضلتين من سائر ما لا يؤكل لحمه مع قطع النظر عن الإجماعات، فما في الرياض تبعا لشرح المفاتيح أن الدليل منحصر في الإجماع في غير محله، إلا أن يريد أن غيره محتاج في إتمامه على وجه العموم اليه، مع أن فيه نظرا أيضا يعرف مما مر، لكن الأمر سهل و ان تعدد المدرك عندنا و اتحد عندهم بعد الاتفاق منا جميعا على نجاستهما من سائر ما لا يؤكل لحمه.

[في نجاسة بول الجلال و غائطه]

سواء كان جنسه حراما كالأسد و نحوه أو عرض له التحريم ك الحيوان الجلال و الموطوء و نحوهما مما كان محللا بالأصل بلا خلاف أجده فيه، لعموم الأدلة السابقة من الإجماعات و غيرها، بل قد سمعت من الغنية الإجماع عليه بالخصوص في الجلال، كما أنه في التذكرة نفي الخلاف عنه فيه و في الموطوء، بل في المفاتيح الإجماع عليهما معا صريحا، بل و على كل ما حرم بالعارض، و في المختلف و عن التنقيح الإجماع

ج 5، ص: 284

على نجاسة ذرق الدجاج الجلال، هذا إن لم نقل بنجاسة الجلال نفسه، و إلا كان الحكم بنجاستهما حينئذ قطعيا.

كما انه يتجه الحكم بذلك أيضا لو قلنا بنجاسة عرقه، للأمر بالغسل منه بناء على أولويتهما منه، بل يمكن تأييد الحكم بالنجاسة بذلك و ان لم نقل به.

و بذلك كله ينقطع الأصل و ان تعدد، و يقيد إطلاق ما دل على طهارة بوله و خرئه ان كان مثل ما دل على طهارتهما من البعير و البقر و نحوهما الشامل لحالتي الجلل و عدمه، و ان كان التعارض بينها و بين ما دل على النجاسة مما لا يؤكل لحمه تعارض العموم من وجه، بل هي أخص مطلقا بالنسبة إلى إطلاق أخبار البول و العذرة.

كما انه يندفع احتمال إرادة الحلية الأصلية مما اعتبر في الطهارة من مأكولية اللحم، فلا يقدح زوالها في بقائها أو احتمال إرادة الحرمة الأصلية مما اعتبر في النجاسة من عدم مأكولية اللحم، فلا عبرة بالعارضية في ثبوتها، كل ذلك لما عرفته من الإجماعات الخاصة المعتضدة بنفي الخلاف كذلك، و التتبع مع قوة تلك العمومات، و ظهور إرادة الأعم من الحالتين في المأكولية و عدمها، لكن مع دوران كل من الطهارة و النجاسة مدارهما وجودا و عدما لتبادر العلية منهما.

و يلحق بالجلال و نحوه المتغذي بلبن الخنزيرة حتى اشتد بناء على حرمة لحمه، نعم هو لا يسمى جلالا، لانه قد فسره غير واحد من الأصحاب بأنه المتغذي بعذرة الإنسان، فلا يدخل فيه المتغذي بغيرها من النجاسات و المتنجسات و لو بمباشرتها، و ان كان قد قيل انما سمي جلالا لأكله الجلة، و هي البعر، إلا انه قد يدعى اختصاصه عرفا بذلك.

و ربما يؤيده

قول الباقر (عليه السلام) في مرسل النميري (1)في شاة شربت


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.

ج 5، ص: 285

بولا ثم ذبحت: «يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة، و الجلالة التي يكون ذلك غذاءها»

بناء على انصراف العذرة فيه إلى عذرة الإنسان، و ان الإشارة بذلك إليها و لتحقيق البحث فيه مقام آخر.

[في نجاسة رجيع ما لا نفس له و بوله و عدمها]

و في رجيع ما لا نفس له و بوله من غير المأكول مما لا يشق التحرز عنه كالذباب و نحوه تردد دون ما يشق، و ان كان ظاهر المصنف هنا و صريحه في المعتبر التردد فيه أيضا، لكنه في غير محله، للأصل و السيرة القاطعة و الحرج، مع عدم شمول ما دل على التنجيس لمثله، إذ هو- مع عدم تحقق البول منه، و انصراف مثل لفظ الخرء و العذرة و نحوهما، بل و البول أيضا لو كان منه إلى غيره- لا يدخل كثير من أفراده فيما لا يؤكل لحمه، لظهوره في ذي اللحم المحرم دون ما لا لحم له، و لذا لم تبطل الصلاة بشي ء من فضلاته، فليس للفقيه حينئذ التردد في مثله، بل لعله من الضروريات، نعم هو في محله بالنسبة إلى ذي اللحم غير المأكول و لا مشقة في التحرز عنه، من عموم ما لا يؤكل لحمه و القاعدة السابقة، و من الأصل و ظهور انصراف البول لغيره لو قلنا بتحقق بول منه، مع منع ما يدل على نجاسة غير البول على وجه يشمل مثل رجيعه، و من هنا قال في المدارك: «إني لا أعرف وجها للتردد في رجيعه» إلى آخره. و لطهارة ميتته و دمه، فصارت فضلاته كعصارة النبات، و لإشعار ما دل (1)على نفي البأس عما مات منه في البئر بذلك أيضا، سيما مع شموله لما لو تفسخ فيها بحيث خرج جميع ما في بطنه من فضلاته، و لعدم تحقق خلاف فيه من أحد كما اعترف به في الحدائق و شرح الدروس، و من هنا اختير فيهما الطهارة وفاقا لظاهر من قيد نجاستهما بذي النفس، كالسرائر و أكثر من تأخر عنها، و لصريح المعتبر و المدارك و المنتهى و التذكرة، بل قد يؤذن نسبة الخلاف فيه إلى الشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف خاصة في الأخيرين بعدم خلاف فيه منا.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 5، ص: 286

قلت: لكن للنظر في جميع ذلك مجال لانقطاع الأصل بما مر في البحث السابق من القاعدة و العموم اللغوي الممنوع انصرافه إلى غيره، سيما في كثير من الحيوانات البحرية العظيمة الهيكل، و احتمال القول ان اللحم مطلق و لا عموم لغوي فيه، فينصرف إلى المعهود، فلا يشمل مثل الحية و الوزغ و نحوها يدفعه- مع إمكان نقضه ببعض لحوم ذي النفس أيضا، و انه مكابرة واضحة، للقطع بعدم مدخلية النفس و عدمها في العهدية و عدمها، و انا نمنع اعتبار هذا الانصراف- إنه من توابع العموم اللغوي و في سياقه، فحكمه حكمه.

و يؤيده ما يأتي في باب الصلاة من عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه و ان لم يكن له نفس، بل و لا شي ء من فضلاته بعد ان يكون له لحم يعتد به، و ما ذاك إلا لتناول ما دل على منع الصلاة في شي ء مما لا يؤكل لحمه لمثله، و عدم اختصاصه بذي النفس، فدعوى الانصراف هنا إلى ذي النفس و العموم هناك مع اتحاد العبارة بل هي في المقام أصرح في غير محلها، و لظهور عدم التلازم بين طهارة الميتة و الدم و بين ما نحن فيه، و لذا رده في الحدائق و شرح الدروس بأنه قياس لا نقول به، كظهور ضعف إشعار نفي البأس السابق، لانسياقه إلى إرادته من حيث الموت، على ان التحقيق عندنا عدم نجاسة البئر بملاقاة النجاسة، و عدم تحقق الخلاف انما يجدي لو رجع إلى إجماع، و إلا فلا، على انه قد يقال بتحققه هنا، لإطلاق أو تعميم جملة من الأصحاب الحكم بنجاستهما مما لا يؤكل لحمه من غير تقييد بذي النفس، كالمقنعة و الخلاف و جمل الشيخ و الوسيلة و الغنية و إشارة السبق و الدروس، بل و النافع خصوصا مع التقييد بذلك في الميتة و الدم و تركه هنا، فلعل هؤلاء قائلون بالنجاسة، بل

يخرج حينئذ إجماع الخلاف و الغنية لإطلاق معقدهما كالمحكي عن غيرهما دليلا عليها أيضا، و لا يعارضه ما حكي من الإجماع على النجاسة من ذي النفس بدعوى ظهور إرادة اختصاص النجاسة به، لانه

ج 5، ص: 287

و ان سلم ظهور القيد بذلك لكن يمنع إرادة الإجماع بالنسبة إلى الطهارة من غير ذي النفس.

مع أنه يمكن القول بكون المراد من القيد ذكر معقد ما اتفق عليه و قطع به لإخراج ما عداه عن القطع و الاتفاق، فلا يكون حينئذ فيه دلالة على الطهارة فضلا عن الإجماع عليها، على انه من المستبعد دعواه عليها، و كيف و قد سمعت التردد من مثل المصنف في الذباب فضلا عن غيرها.

فظهر أن الأحوط الاجتناب، بل الأقوى ان لم ينعقد إجماع على خلافه، اللهم إلا أن يدعى الشك في صدق اسم البول و الخرء و العذرة و الغائط و نحوها من الألفاظ التي علقت النجاسة عليها في المقام بالنسبة إلى ما لا نفس له، و به يفرق حينئذ بينه و بين الصلاة، لكون الحكم معلقا هناك على الفضلة الشاملة لها قطعا بخلافه هنا، لكن للبحث فيه مجال، و الله أعلم.

[في طهارة ذرق الدجاج]

و ليس كذلك البحث في ذرق الدجاج غير الجلال و ان كان ظاهر المصنف مساواته للأول في التردد و في أن الأظهر الطهارة إلا أن الفرق بينهما واضح، لما قد عرفت ان التردد في الأول في محله بخلافه هنا، فإنه ينبغي القطع بالطهارة كما هو المشهور بين القدماء و المتأخرين، بل لا خلاف فيه إلا من الشيخ في الخلاف و عن المفيد في المقنعة و الصدوق، مع انه في الاستبصار الحكم بالطهارة، بل عن كتاب الصيد من الخلاف ذلك أيضا مدعيا عليه الإجماع و على خرء كل ما يؤكل لحمه كالغنية بالنسبة إلى الكلية.

و في السرائر هنا استدل على الطهارة بالإجماع من الطائفة على أن روث و ذرق كل مأكول اللحم من الحيوان طاهر، و في باب البئر منها انه لا ينزح لذرق الدجاج غير الجلال شي ء، لأنه طاهر، لان ذرق مأكول اللحم طاهر بغير خلاف بين أصحابنا، ثم قال أيضا بعد أن حكى عن بعض الأصحاب استثناء الدجاج من الحكم بعدم نزح

ج 5، ص: 288

شي ء من البئر لو وقع فيها خرء ما يؤكل لحمه: «إن أراد هذا المصنف سواء كان جلالا أو غير جلال فقد قدمنا أن إجماع الصحابة منعقد، و الاخبار به متواترة أن كل مأكول اللحم من سائر الحيوان ذرقه و بوله و روثه طاهر، فلا يلتفت إلى خلاف ذلك إما من رواية شاذة، أو قول مصنف غير معروف، أو فتوى غير محصل- ثم قال أيضا- و ذهب في بعض كتبه شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى نجاسة ذرق الدجاج مطلقا، إلا انه رجع عنه في استبصاره و مبسوطة، فقال في مبسوطة في آخر كتاب الصيد:

إن رجيع ما يؤكل لحمه ليس بنجس عندنا» إلى آخره.

بل ظاهر الشيخ الإجماع كظاهر العلامة في المنتهى، و أما الصدوق فظاهره في الفقيه أو صريحه الطهارة، كما حكاه عنه و عن المرتضى و سلار و أبي الصلاح و ظاهر ابني أبي عقيل و البراج في المختلف، فانحصر الخلاف حينئذ في المفيد.

و مع ذلك كله فهو الموافق للأصل، للعمومات و المعتبرة المستفيضة(1)الدالة على نفي البأس عن فضلة مأكول اللحم منطوقا و مفهوما، و ما سمعته من الإجماعات المحكية المعتضدة بالتتبع لكلمات الأصحاب أيضا، و خصوص

خبر وهب بن وهب (2)المنجبر بما عرفت عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) انه قال: «لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب»

الى غير ذلك، و

رواية فارس (3)قال: «كتب اليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز فيه الصلاة، فكتب لا»

- مع أنها مكاتبة و مضمرة، و لا ملازمة بين عدم جواز الصلاة و النجاسة، بل كثير من الطاهر منع من الصلاة فيه، و موافقة للمحكي عن أبي حنيفة، و ضعيفة جدا بفارس، لانه على ما قيل المراد به هنا ابن حاتم القزويني،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النجاسات- الحديث 3.

ج 5، ص: 289

و هو كما عن الشيخ غال ملعون، بل في الخلاصة أنه فسد مذهبه، و قتله بعض أصحاب أبي محمد العسكري (ع)، و له كتب كلها تخليط، و عن الفضل بن شاذان انه ذكر ان من الكذابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني، إلى غير ذلك مما ورد من القدح فيه- محتملة للكراهة أو التقية أو الجلال أو إرادة رفع الإيجاب الكلي المفهوم من السائل أو غير ذلك، فلا وجه للخروج عن قاعدة المأكول الثابتة بما عرفت بمثلها، أو بما عساه يظهر من الخلاف من دعوى الإجماع على النجاسة بعد أن عرفت أن العكس مظنته.

كما انه لا ينبغي الخروج عنها أيضا في مثل أبوال الخيل و البغال و الحمير على ما سيأتي الكلام فيه مفصلا إن شاء الله تعالى.

كما انه قد مضى البحث فيما استثني من قاعدة غير المأكول من بول الصبي و الطير، و ان الحق عدم خروجهما عنها أيضا، نعم قد سمعت تقييد الثانية من غير واحد من الأصحاب بما إذا كانت له نفس سائلة، و قضيته طهارتهما من غير ذي النفس مطلقا، و قد تقدم التأمل فيه بالنسبة إلى ما لا يشق التحرز عنه و كان له لحم.

لكن بقي شي ء بناء على اعتبار هذا القيد، و هو أن مجهول الحال من الحيوان الذي لم يدر انه من ذي النفس أو لا يحكم بطهارة فضلتيه حتى يعلم أنه من ذي النفس، للأصل و استصحاب طهارة الملاقي و نحوه، أو يتوقف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح و نحوه، لتوقف امتثال الأمر بالاجتناب عليه، و لأنه كسائر الموضوعات التي علق الشارع عليها أحكاما كالصلاة للوقت و للقبلة و نحوهما، أو يفرق بين الحكم بطهارته و بين عدم تنجسه للغير، فلا يحكم بالأول إلا بعد الاختيار بخلاف الثاني، للاستصحاب فيه من غير معارض، و لأنه حينئذ كما لو أصابه رطوبة مترددة بين البول و الماء؟ وجوه لم أعثر على تنقيح لشي ء منها في كلمات الأصحاب.

ج 5، ص: 290

[الثالث المني]
اشاره

الثالث المني و هو نجس من كل حيوان ذي نفس حل أكله أو حرم إجماعا محصلا و منقولا صريحا في الخلاف و التذكرة و كشف اللثام و عن النهاية و كشف الالتباس، و ظاهرا في المنتهى و غيره، و هو الحجة في التعميم السابق لا النصوص المستفيضة(1)حد الاستفاضة المشتملة على الصحيح و غيره، و ان ذكر لفظ المني فيها معرفا باللام، و عندنا انه لتعريف الماهية التي يلزمها هنا الحكم أينما وجدت، لا لقصورها عن إفادة النجاسة كما ظن، بل لتبادر الإنسان منها، كما اعترف به جماعة من الأعيان حتى ادعى بعضهم انها ظاهرة في ذلك كالعيان بحيث لا يحتاج إلى البيان، و لعله لاشتمالها أو أكثرها على إصابة الثوب و نحوه مما يندر غاية الندرة حصوله من غير الإنسان، مع أنها انما اشتملت على لفظ المني، و عن القاموس انه ماء الرجل و الامرأة، كالصحاح أيضا لكن بحذف المرأة، إلا انه لا يبعد إرادتهما التمثيل، نعم في

صحيح ابن مسلم (2)عن الصادق (عليه السلام) «انه ذكر المني و شدده و جعله أشد من البول»

إلى آخره. ما قد يستفاد من فحواه نجاسته من كل ما نجس بوله، بل و ان لم ينجس قضاء لشدته، و لان المراد شدة حقيقة المني بالنسبة إلى حقيقة البول، مع انه قد يناقش باحتمال إرادة الشدة بالنسبة للإزالة من جهة لزاجة المني و ثخانته، و بأنه بعد انصراف المني فيه إلى الإنسان إنما يفيد أشدية مني الإنسان من بوله لا مطلقا، و بغير ذلك.

و أما غير هذا الصحيح من المعتبرة فظاهر في إرادة مني الإنسان، و هو منه لا بحث فيه عندنا، بل لعله من ضروريات مذهبنا، و ربما كان في قوله تعالى (3):


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 سورة السجدة- الآية 7.

ج 5، ص: 291

«ماءٍ مَهِينٍ» دلالة عليه، بل و في قوله تعالى أيضا(1)«وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ» لما حكي عن المفسرين أن المراد به أثر الاحتلام، بل في الانتصار «ان الرجز و الرجس و النجس بمعنى واحد» انتهى. بل وافقنا عليه كثير من الناس أيضا.

نعم حكي عن الشافعي القول بطهارته سواء كان من رجل أو امرأة راويا له عن ابن عباس و سعد بن أبي وقاص و عائشة، قيل و به قال من التابعين سعيد بن المسيب و عطاء، و لا ريب في خطائه، و لعل ما في الصحيح و الموثق و الخبر من الاشعار بطهارته في الجملة صدر موافقة له تقية.

ف

في أحدها(2)«سأله عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟ فقال:

نعم لا بأس به إلا أن تكون النطفة رطبة، فإن كانت جافة فلا بأس».

و

في الثاني (3)قلت للصادق (عليه السلام): «يصيبني السماء و علي ثوب فتبله و أنا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني أ فأصلي فيه؟ قال: نعم».

و

في الثالث (4)«سألت الصادق (عليه السلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل، قال: لا بأس».

و

في الرابع (5)«سئل الصادق (عليه السلام) و أنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه، قال: لا أرى بأسا، قال: إنه يعرق حتى لو شاء أن يعصره عصره، فقطب الصادق (عليه السلام) في وجه الرجل إن أبيتم فشي ء من ماء فانضحه به»

إلى آخره. أو غير التقية من وجوه قريبة سيما في بعضها، فلا ينبغي الشك حينئذ في هذا الحكم من جهتها بعد ما عرفت.


1- 1 سورة الأنفال- الآية 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 5، ص: 292

كما انه لا ينبغي الشك بعده أيضا في نجاسته من المأكول ذي النفس من عموم

موثقة عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «كلما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه»

ك

موثقة ابن بكير(2)«و ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز»

لوجوب حملهما على إرادة البول و الغائط كما فهم الأصحاب من الأول، أو على غير المني تحكيما لما تقدم عليهما.

[في طهارة مني ما لا نفس له]

و لكن في مني ما لا نفس له مما لا يشق التحرز عنه تردد كما في المعتبر، ينشأ من إطلاق لفظ المني في النص و كثير من الفتاوى كمعقد إجماع الانتصار و الخلاف و الغنية و عن المسالك الطبرية و كشف الحق و غيرها، مع ما في الثاني كما عن غيره التصريح بتعميمه لكل حيوان كبعض فتاوى الأصحاب أيضا، و من الأصل و العمومات و طهارة ميتته و دمه.

و الطهارة أشبه وفاقا لصريح المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و غيرها، و ظاهر كل من قيد نجاسته بذي النفس، بل في الرياض انه المشهور، بل كاد يكون إجماعا، كما أنه في مجمع البرهان بعد ذكره ما دل على نجاسة المني قال: و كان تقييدها للإجماع، قلت: و لعله كذلك، إذ لا أعرف فيه مخالفا صريحا، نعم ربما حكي عن ظاهر الأكثر توهما من الإطلاق السابق، و فيه انه لا ينصرف اليه، بل و لا إلى بعض أفراد ذي النفس لو لا الإجماع عليه، سيما إذا كان الإطلاق من غير المعصوم مما لا يحضر في ذهنه كثير من أفراد المطلوب إلا بعد التنبيه، مع ما في إطلاق معقد إجماعي الانتصار و الخلاف بل و الغنية أيضا من ظهور سياقها في مقابلة قول الشافعي و غيره من أقوال العامة.

و أما الاخبار فقد عرفت انها ظاهرة في مني الإنسان خاصة، فضلا عن أن تشمل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النجاسات- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1.

ج 5، ص: 293

مني غير ذي النفس، كل ذا مع إمكان منع صدق اسم المني عليه، سيما بعد ما سمعته عن القاموس و الصحاح، و إن قلنا إن مرادهما التمثيل، إلا أنه ليس ذا من أمثال ما ذكراه، فلعل التردد فيه حينئذ من المصنف هنا و المعتبر في غير محله.

[في طهارة سائر ما يخرج من الحيوان]

كما انه لا ينبغي الشك في طهارة سائر ما يخرج من الحيوان من المذي و الوذي و الودي و القيح و جميع الرطوبات و غيرها عدا الثلاثة و الدم بلا خلاف معتد به في غير الأول، بل يستفاد من حصر الأصحاب النجاسات في غيرها الإجماع عليه، للأصل المقرر بوجوه، و العمومات، و خصوص الصحيح (1)في بلل الفرج، بل و الأول أيضا لذلك، و للأخبار المستفيضة(2)حد الاستفاضة ان لم تكن متواترة الدالة بأنواع الدلالة من نفي البأس، و انه لا يغسل منه الثوب، و انه لا شي ء فيه، و أنه بمنزلة النخامة، إلى غير ذلك، و الإجماع بقسميه.

فما عن ابن الجنيد من نجاسة خصوص الناقض للوضوء عنده أي الخارج عقيب الشهوة ضعيف جدا محجوج بذلك كله، كمستنده من

خبر الحسين بن أبي العلاء(3)عن الصادق (عليه السلام) «عن المذي يصيب الثوب قال: إن عرفت مكانه فاغسله، و ان خفي مكانه عليك فاغسل الثوب كله»

ك

خبره الآخر عنه (عليه السلام)(4)أيضا «عن المذي يصيب الثوب فليتزق قال: يغسله و لا يتوضأ».

إذ هما مع قصورهما عن المقاومة من وجوه محتملان التقية، و اشتباه الراوي في المني، و لما كان طرف الإحليل نجسا، و الندب، سيما و هذا الراوي بعينه

روى (5)عن الصادق (عليه السلام) «انه لا بأس بالمذي يصيب الثوب، لكن قال: فلما رددنا


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 5، ص: 294

عليه قال: ينضحه بالماء»

ك

خبر العلاء(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «عن المذي يصيب الثوب فقال: ينضحه بالماء إن شاء».

[الرابع الميتة]
اشاره

الرابع الميتة و لا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة لا غيره مما لا نفس له كذلك كالجراد و الذباب و الوزغ و نحوها، فان ميتته طاهرة، للأصل المقرر بوجوه، و

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(2)بعد أن سأله «عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك تموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه، فقال (عليه السلام): كل ما ليس له دم فلا بأس»

كقوله (عليه السلام) في خبر حفص(3)

و مرفوعة ابن يحيى (4): «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة»

و

قال (عليه السلام) في صحيح أبي بصير(5)بعد أن سأله عن الذباب يقع في الدهن و السمن و الطعام: «لا بأس»

و في

خبر ابن مسكان (6)«كل شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس»

ك

قول الكاظم (عليه السلام) في خبر أخيه (7)المروي عن قرب الاسناد: «لا بأس به»

في جواب سؤاله عن العقرب و الخنفساء و أشباه ذلك تموت في الجرة و الدن يتوضأ منه للصلاة، إلى غير ذلك من الاخبار.

و قصور بعضها سندا كآخر دلالة منجبر بالشهرة بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا بل عليه الإجماع في الغنية و السرائر و المعتبر و المنتهى و عن صريح الخلاف و ظاهر الناصريات و التذكرة.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب النجاسات- الحديث 1- و هو عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 6.

ج 5، ص: 295

فما في الوسيلة و عن المهذب- من استثناء الوزغ و العقرب من هذا الحكم مما يشعر بنجاستهما عنده بعد الموت، كما ان ظاهره قبل ذلك مساواة الوزغ للكلب في وجوب غسل ما باشرهما برطوبة من الثوب أو البدن في حال الحياة لكن قبل ذا صرح بكراهة استعمال ما باشره الوزغ حيا- في غير محله محجوج بما عرفت، كما عن الشيخين

في المقنعة و النهاية من الحكم بوجوب غسل ما باشره الوزغ و العقرب برطوبة من الثياب مما عساه يشعر بنجاستهما بعد الموت بالأولى، كاشعار ما عن الصدوق بحرمة اللبن إذا مات فيه العظاية، و ما عن جماعة من الأصحاب منهم من حكى الإجماع هنا على الكلية المذكورة بوجوب النزح في الجملة لموت الوزغ و العقرب و الحية.

إلا أنه قد يقال بل هو الظاهر المناسب للجمع بين كلماتهم: إن وجوب النزح أعم من النجاسة كما في اغتسال الجنب، و لعله هنا لما فيه من السمية و نحو ذلك، كما ان تحريم اللبن لذلك أيضا، بل يحتمله كلام الشيخين أيضا، بل و الوسيلة في وجه، كل ذا لعدم دليل صالح للخروج به عن تلك الكلية.

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة(1)بعد أن سأله عن جرة وجد فيها خنفساء: «ألقه و توضأ، و ان كان عقربا فأرق الماء و توضأ من ماء غيره»

- مع قصور سنده و لا صراحة فيه بالموت- محمول على الندب، كأمر أبي جعفر (عليه السلام) بالإراقة للعقرب في خبر أبي بصير(2)و يشير اليه

خبر هارون بن حمزة الغنوي (3)و ان كان في الحياة «عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ منه؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه و يتوضأ» لكن قال فيه: «غير الوزغ فإنه لا ينتفع بماء


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- الحديث 4.

ج 5، ص: 296

يقع فيه»

إلا أنه أيضا محمول على شدة الكراهة لما فيه من السمية كما تقدم البحث فيه في الأسئار.

و كيف كان فلا ينبغي التأمل في شي ء من أفراد تلك الكلية بعد ما عرفت، نعم ربما يتأمل في اندراج الحية فيها و عدمه للتأمل في أنها من ذوات الأنفس السائلة كما هو صريح المعتبر و المنتهى، بل عن بعضهم نسبته الى المعروف بين الأصحاب، و يقتضيه ما عن المبسوط أن الأفاعي إذا قتلت نجست إجماعا، أو أنها ليست منها كما لعله مال إليه في جامع المقاصد و الروضة، بل في المدارك أن المتأخرين استبعدوا وجود النفس لها، قلت: إرجاع الأمر إلى الاختبار هو اللائق، و قبله يجري البحث السابق في الغائط و البول، فلاحظ و تأمل.

و أما ذو النفس السائلة فميتة غير الآدمي منه نجسة إجماعا محصلا و منقولا في الغنية و المعتبر و المنتهى و الذكرى و كشف اللثام و الروض و عن نهاية الاحكام و التذكرة و كشف الالتباس و غيرها، بل في المعتبر و المنتهى أنه إجماع علماء الإسلام، كما ان ظاهر الغنية أو صريحها نفي الخلاف بينهم فيه، و ظاهر الجميع هنا عدم الفرق بين المائي و غيره، و هو كذلك، لإطلاق معاقد الإجماعات أو عمومها كغيرها من الأدلة التي ستسمعها.

فما عن ظاهر الخلاف من طهارة ميتة الحيوان المائي مطلقا ضعيف، مع انه يجوز كما في كشف اللثام و غيره إرادته الغالب من انتفاء النفس عنه، و إلا فعن التذكرة «أن ميتة ذي النفس من المائي نجسة عندنا» انتهى. كما أن مراد الجميع أيضا عدا المنتهى من الميتة ما يشمل الجلد قطعا، بل و المنتهى و ان قال فيه: «إنه حكي عن الزهري عدم نجاسة جلد الميتة» لكنه صرح قبل ذلك بنجاسته عندنا، ثم قال: و هو قول عامة العلماء، كما

ج 5، ص: 297

انه في الخلاف و الانتصار و عن الناصريات و نهاية الاحكام و غيرها الإجماع عليه أيضا، و كيف كان فهو بقسميه الحجة في نجاسة الميتة حتى الجلد.

مضافا إلى ما يمكن دعواه من التواتر معنى الحاصل بملاحظة ما ورد(1)من الأمر بنزح البئر في الاخبار الكثيرة لموت الدابة و الفأرة و الطير و الحمامة و الحمار و الثور و الجمل و السنور و الدجاجة في البئر، قيل: و لا ينافيه طهارة البئر عندنا، لان ذلك انما هو لعدم انفعالها بالنجاسة، لا لعدم نجاسة تلك الأعيان، و إلا فلا خلاف في النجاسة بها مع التغير.

قلت: مع أنه قد يقال: إن الأمر بالنزح دال على نجاسة سببه و ان قلنا باستحبابه باعتبار استقراء أكثر موارد ما أمر به له، و عدم ثبوت مشروعيته حتى من القائلين بنجاسة البئر لشي ء من المستقذرات الطاهرة كالصديد و نحوه مما لم يرد فيه نص بالنزح له، و لا ينافيه ورود الأمر به لاغتسال الجنب و موت بعض ما لا نفس له سائلة و نحوها مما علم طهارته، إذ هو بعد تسليم العمل به لا ينافي حصول الظن الناشئ من تلك الغلبة، اللهم إلا أن يمنع حجية مثل هذا الظن.

و ما ورد أيضا من الأمر في الاخبار المعتبرة المستفيضة جدا بإلقاء ما مات فيه الفأرة و نحوها من المرق، و الاستصباح خاصة بالزيت و السمن و نحوهما إذا كان مائعا، و إلا فيلقى الفأرة مثلا و ما يليها، ك

قول الباقر (عليه السلام) في الصحيح (2)أو الحسن:

«إذا وقعت الفأرة في سمن فماتت فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك»

و

الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (3): «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر


1- 1 الوسائل- الباب- 15 و 17 و 18 و 19- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 5، ص: 298

فأرة، قال: يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل».

و ما ورد(1)من النهي عن الأكل في أواني أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير.

و ما عساه يشعر به أيضا ما ورد(2)مستفيضا في النهي عن مطلق الانتفاع بالميتة حتى المقطوع من الحي معللا بذلك، كاشعار النهي عن خصوص الصلاة بجلد الميتة.

و ما ورد أيضا من المعتبرة المستفيضة جدا في اجتناب الماء القليل إذا مات فيها الفأرة و نحوها، بل و الكثير مع تغير الماء، و قد تقدمت في محلها.

(منها)

صحيح زرارة(3)«إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي ء تفسخ أو لم يتفسخ إلا أن يجي ء له ريح يغلب على ريح الماء».

و

موثقة عمار(4)عن الصادق (عليه السلام) «في الفأرة التي يجدها في إنائه و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا و غسل ثيابه أو اغتسل و قد كانت الفأرة متسلخة، فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة»

الحديث.

و (منها)

صحيحة حريز(5)عن الصادق (عليه السلام) «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، و إذا تغير الماء و تغير الطعم فلا تتوضأ و لا تشرب»

إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي لا يسع المقام حصرها.


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الماء المطلق- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- الحديث 1.

ج 5، ص: 299

و (منها) ما سمعته سابقا فيما لا نفس له و تسمعه فيما يأتي إن شاء الله

كالصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) «اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي، و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه»

الحديث. و غيره، و هو دال على المطلوب من وجهين.

و احتمال المناقشة في كل واحد من هذه الاخبار بالسند أو الدلالة بعدم العموم فيها للميتة و المائعات، و عدم دلالة النهي عن الأكل و نحوه على النجاسة مما لا ينبغي أن يصغى إليها، خصوصا بعد ما عرفته من اتفاق الأصحاب عليه، بل لعله من ضروريات المذهب بل الدين.

فمن العجيب ما في المدارك حيث قال بعد أن ذكر دليل النجاسة مما في المنتهى بأن تحريم ما ليس بمحرم و لا فيه ضرر كالسم يدل على النجاسة، و قال: إن فيه منعا ظاهرا، و من الاخبار المتضمنة للنهي عن أكل الزيت و نحوه، و قال: إنه لا صراحة فيه بالنجاسة، و الصحيح الذي ذكرناه آخرا، و قال: إن الأمر فيه بالغسل لا يتعين كونه للنجاسة، بل محتمل أن يكون لإزالة الأجزاء المتعلقة من الجلد المانعة من الصلاة فيه، كما يشعر به قوله (ع): «و صل فيه» و بالجملة فالروايات متظافرة بتحريم الصلاة في جلد الميتة، بل الانتفاع به مطلقا، أما نجاسته فلم أقف فيها على نص يعتد به، مع أن

ابن بابويه روى في أوائل الفقيه مرسلا(2)عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و السمن و الماء ما ترى فيه؟ قال: لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن، و توضأ منه و اشرب، و لكن لا تصل فيه»

و ذكر قبل ذلك من غير فصل يعتد به انه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه،


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 5، ص: 300

قال: بل انما قصدت إلى إيراد ما أفتي به و أحكم بصحته و اعتقد أنه حجة بيني و بين ربي تقدس ذكره و تعالت قدرته، فالمسألة قوية الإشكال، انتهى.

و فيه- مع إمكان المناقشة في جميع ما ذكر حتى ما منعه من المنتهى، و خصوصا ما سمعته منه في الصحيح، بل و أخبار الزيت، مع انه قد اعترف سابقا باستفادة النجاسة من نحو ذلك، بل ليس في أكثر النجاسات دليل صريح- انك قد عرفت أن المسألة من القطعيات بل الضروريات التي لا يدانيها مثل هذه التشكيكات، و لا يقدح فيها خلاف الصدوق ان كان، و لا ما أرسله، على أنه حكى الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح عن جده انه رجع الصدوق عما ذكره في أول كتابه، و لذا ذكر فيه كثيرا مما أفتى بخلافه، و قد يشهد له التتبع لكتابة، مع احتمال إرادته بما ذكره أولا معنى آخر ليس ذا محل ذكره، كما أن مرسلة- مع عدم حجيته في نفسه فضلا عن صلاحيته لمعارضة غيره بل في الذكرى انه شاذ لا يعارض المتواتر- محتمل التقية بإرادة بعد الدبغ، و لإرادة جلد الميتة مما لا نفس له كالضب و نحوه، بل قيل: إنه كان عادة أعراب البوادي جعل جلد الضب عكة للسمن، و لعل في قوله في المرسل: «يجعل» إلى آخره إشعارا بذلك باعتبار ظهور إرادة الاستمرار و الاعتياد منه، و لا رادة ما يقال فيها انها جلود الميتة لا انها كذلك قطعا نحو ما ورد في الكيمخت (1)و جلود البغال و الحمر الأهلية(2)فيكون نفي البأس حينئذ لمكان فعل المسلم و تصرفه المحمول على الصحة، و غير ذلك من الاحتمالات، و لعله لذا لم يعرف حكاية خلاف الصدوق في ذلك، مع أن المحكي عنه في المقنع أصرح منه في الفقيه حيث قال فيه: «و لا بأس أن يتوضأ من الماء إذا كان في زق من جلد الميتة» إلا أنه محتمل أيضا بعض ما تقدم و غيره، بل ربما


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4.

ج 5، ص: 301

احتمل فيه كالفقيه ان ذلك لعدم تعدي نجاسة الجلد لا لعدم نجاسته.

و على كل حال فلا ريب في بطلانه، و كيف لا و قد أنكر جميع الأصحاب على ابن الجنيد حيث قال بطهارة جلد ما كان طاهرا حال الحياة من الميتة بالدبغ، مع موافقته في أصل النجاسة، بل في الانتصار و الخلاف و الغنية و الذكرى و كشف اللثام و عن الناصريات و نهاية الاحكام و كشف الحق و غيرها الإجماع على خلافه، بل في شرح المفاتيح للأستاذ انه من ضروريات المذهب كحرمة القياس، كما في الذكرى و عن التذكرة أن الاخبار به متواترة.

قلت: لعله أشار بذلك إلى ما دل على النهي عن الانتفاع بشي ء من الميتة.

(منها)

مكاتبة الجرجاني (1)إلى أبي الحسن (عليه السلام) «يسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي، فكتب لا ينتفع من الميتة بشي ء بإهاب و لا عصب».

و

الصحيح عن علي بن المغيرة(2)قال: «قلت للصادق (عليه السلام): جعلت فداك الميتة ينتفع بشي ء منها، فقال: لا، قلت: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مر بشاة ميتة فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها، قال: تلك الشاة لسوادة بنت رفعة زوجة النبي (صلى الله عليه و آله) و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

ما كان لأهلها إن لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي تذكى».

و

موثق أبي مريم (3)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): السخلة التي


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب النجاسات- الحديث 2 و هو عن علي بن أبي المغيرة و فيه« لسودة بنت زمعة» بدل« لسوادة بنت رفعة».
3- 3 الوسائل- الباب- 61- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 5، ص: 302

مر عليها رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هي ميتة فقال: ما ضر أهلها لو انتفعوا بإهابها، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لم تكن ميتة يا أبا مريم، لكنها كانت مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما كان على أهلها لو انتفعوا بها»

و لا منافاة بين الخبرين لاحتمال تعدد السخلتين.

و

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) في حديث «ان علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يبعث للعراق فيؤتى بالفرو، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك فقال: إن أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكاته».

ك

خبر ابن الحجاج (2)عن الصادق (عليه السلام) في حكاية ذلك عن أهل العراق و زاد «ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

و في

المرسل (3)عن دعائم الإسلام عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «الميتة نجسة و ان دبغت»

إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة بأنواع الدلالة المنجبر ضعفها سندا و دلالة لو كان بما عرفت.

فمن العجيب بعد ذلك كله و الاستصحاب و نحوه و صدق الميتة بعد الدبغ و ظاهر الآية(4)موافقة الكاشاني في مفاتيحه لابن الجنيد في التطهير بالدبغ معللا له بأن عدم جواز الانتفاع لا يستلزم النجاسة، على أنه ورد في جواز الانتفاع بها في غير الصلاة أخبار كثيرة، و أيضا فإن المطلق يحمل على المقيد.

لكنه لا عجب بعد اختلال الطريقة، مع ما في تعليله من منع عدم الاستلزام


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 38- من أبواب النجاسات- الحديث 6.
4- 4 سورة البقرة- الآية 168.

ج 5، ص: 303

إن أراد الدلالة العرفية، خصوصا على ما قيل: إنه لا معنى للطهارة الشرعية سوى عدم المنع عن الصلاة و الأكل و الشرب و نحوهما بالنسبة اليه و إلى ملاقيه و ملاقي ملاقيه و هكذا، و لا للنجاسة الشرعية إلا المنع كذلك، على أن المانع هنا من تمام الانتفاعات ليس إلا النجاسة إجماعا منقولا ان لم يكن محصلا بل ضرورة، مضافا إلى عدم قائل بالفصل، إذا ابن الجنيد يجوز جميع الانتفاعات بعد الدبغ عدا الصلاة.

و أما دعواه كثرة الأخبار بجواز الانتفاع ففيه انا لم نعثر إلا على مرسل الصدوق، و هو مع عدم ذكر الدبغ فيه قد عرفت ما فيه، و

خبر الحسين بن زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) «عن جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن و الماء فأشرب منه و أتوضأ قال: نعم، و قال: يدبغ فينتفع به و لا يصلى فيه»

و هو مع الغض عن سنده و موافقته للعامة قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه حتى المطلق منها.

و

خبر الصيقل (2)قال: «كتبت إلى الرضا (عليه السلام) أني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فيصيب ثيابي فأصلي فيها، فكتب إلى اتخذ ثوبا لصلاتك، فكتبت إلى الجواد (عليه السلام) كنت كتبت إلى أبيك بكذا و كذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية، فكتب إلى كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله، فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس»

و هو مع الطعن في سنده محتمل لإرادة غير معلوم التذكية بل مظنونها، لغلبة عدمها في الحمر الأهلية، و إلا لو أريد الميتة واقعا لكن مع الدبغ كما يقوله الخصم لم يكن وجه للأمر باتخاذ الثوب و لا لاشتراط عدم البأس بالذكاة.

كاحتمال

موثقة سماعة(3)قال: «سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت،


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب النجاسات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.

ج 5، ص: 304

فرخص به، و قال: إن لم تمسه فهو أفضل»

إلى آخرها. خصوصا بعد ما في

خبر ابن أبي حمزة(1)«ان رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلي فيه، قال: نعم، فقال الرجل: إن فيه الكيمخت، قال: و ما الكيمخت؟

قال: جلود دواب منه ما كان ذكيا، و منه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه»

الحديث. إذ هو كالصريح في كون المراد بالكيمخت غير معلوم التذكية.

و كيف كان فلا ينبغي الإصغاء إلى هذه الخرافات، و لا تضييع العمر في التشكيك في الضروريات، و أطرف شي ء قوله: إن المطلق يحمل على المقيد، مع أن في تلك الأدلة ما لا يصلح لذلك، على انه كيف يتخيل جواز تحكيم مثل هذا المقيد على مثل ذلك المطلق، و لعل إطالة البحث في ذلك تضييع للعمر فيما لا ينبغي، لما عرفت من ضرورية الحكم عندنا، فلا إشكال حينئذ في حرمة استعماله فيما كانت الطهارة شرطا فيه من الأكل و الشرب و نحوهما، بل قد يقال بحرمة الانتفاع به مطلقا كما حكي عن جمهور الأصحاب التصريح به.

نعم عن التذكرة و المنتهى التردد فيه بالنسبة لليابس، لكن فيهما أن المنع أقرب كما عن الشهيدين التصريح به، بل في شرح المفاتيح للأستاذ «انه ليس محل خلاف و ان وقع في الذخيرة نوع تردد فيه، و ليس بمكانه» انتهى.

قلت: و هو كذلك، لإطلاق الأدلة، إلا أنه لا يترتب عليه فساد العبادة فيما لو اتخذ منه مثلا حوضا يسع أزيد من كر مثلا فتوضأ منه كما صرح به في القواعد و كشف اللثام، إذ المحرم عليه جعل الماء فيه لا إفراغه عنه، نعم لو قلنا بوجوب الإفراغ عليه و باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضد و كان الوضوء ضدا اتجه الحكم بالفساد حينئذ، كما قد يتجه لو استعمله في نفس العبادة فيما لو ارتمس فيه مثلا، بل الأحوط


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب النجاسات- الحديث 4.

ج 5، ص: 305

ترك الوضوء فيه أيضا، لصدق استعمال جلد الميتة كما اختاره الأستاذ في كشف الغطاء.

و هل يدخل في الانتفاع المحرم نحو التسقيف به، و الإحراق لتسخين الماء لو قلنا بجواز أصل إحراق الحيوان؟ وجهان، من الشك في تناول الأدلة لمثله و عدمه.

و أما ميتة الآدمي من ذي النفس فنجسته بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى و الذكرى و الروض و عن ظاهر الطبريات و التذكرة و صريح نهاية الاحكام و كشف الالتباس و غيرها الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى إطلاق أو عموم بعض ما تقدم في ميتة ذي النفس غيره.

و إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر إبراهيم بن ميمون (1)بعد أن سأله عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت: «إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه و ان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه»

ك

قوله (عليه السلام) في حسن الحلبي (2)أو صحيحه أيضا: «يغسل ما أصاب الثوب» بعد أن سئل مثل ذلك.

و إلى ما عن

الطبرسي (3)في احتجاجه انه قال: «مما خرج عن صاحب الزمان (عليه السلام) إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه روي لنا عن العالم (عليه السلام) انه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاته و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخر، و يتقدم بعضهم و يتم صلاتهم، و يغتسل من مسه، التوقيع: ليس على من نحاه إلا غسل اليد، و إذا لم يحدث حادثة تقطع الصلاة يتمم صلاته مع القوم»

و

عنه أيضا(4)قال: «و كتب اليه و روي عن العالم (عليه السلام) أن من مس ميتا بحرارته غسل يده، و من مسه و قد برد فعليه الغسل، و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ و لعله ينحيه بثيابه و لا يمسه


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 5.

ج 5، ص: 306

فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع: إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه إلا غسل يده»

و عن الشيخ في كتاب الغنية روايته مسندا، إلى غير ذلك من الاخبار مما مر و يمر عليك إن شاء الله.

ثم ان ظاهر التوقيعين بل صريحهما كسابقهما من الاخبار و الإجماعات كون النجاسة هنا كغيرها من النجاسات في جريان جميع الاحكام التي منها غسل الملاقي و حرمة أكله و شربه، فما في المفاتيح من الميل إلى إنكار ذلك هنا بل و مطلق الميتة كاد يكون إنكار ضروري مذهب بل دين، قال بعد حسن الحلبي: «لا دلالة فيه، لإمكان أن يكون المراد منه إزالة ما أصاب الثوب مما على الميت من رطوبة أو قذر تعديا إليه، إذ لو كان الميت نجس العين لم يطهر بالتغسيل- ثم قال-: و المستفاد من بعض الاخبار عدم تعدي نجاسة الميتة مطلقا، و لا بعد فيه، لان معنى النجاسة لا ينحصر في وجوب غسل الملاقي كما يأتي بيانه في حكم نجاسة الكافر- و قد قال هناك بعد ذكره ما دل من الاخبار على عدم النجاسة- و في هذه الاخبار دلالة على أن معنى نجاستهم خبثهم الباطني لا وجوب غسل الملاقي كما مرت الإشارة إليه» انتهى.

و فيه من الغرابة ما لا يخفى إن أراد عدم النجاسة بالمعنى المعروف فيه نفسه أيضا فضلا عن ملاقيه كما يشعر به ذيل عبارته، بل و تعليله بعدم طهارته بالغسل لو كان نجسا عينا، و كأنه هو الذي ألجأه إلى تلك الدعوى، كما أنه ألجأ الشافعي إلى القول بعدم نجاسة الآدمي بالموت، و هو اجتهاد في مقابلة النص، و استبعاد لغير البعيد، إذ الطهارة و النجاسة من الأمور التعبدية، كحصول الطهارة للكافر بالإسلام، و العصير بالنقص، و البئر و جوانبها و آلات النزح بتمامه على القول بالنجاسة، و غير ذلك، مضافا إلى ما سمعته من الاخبار الآمرة بغسل الثوب و اليد من المباشرة، و احتمال إرادة غسله من رطوبات الميت و القذارة كما ذكره مع بعد في بعضها دال على النجاسة أيضا، و إلا لما

ج 5، ص: 307

أمر بخصوص الغسل، و تقييد الرطوبة في كلامه بالنجسة بالذات ينافي عطفه القذر عليها، إذ هي حينئذ نوع منه أو عينه، و حمل القذر على النجس العيني و الرطوبة على العارض بغير الموت و إن أمكن في كلامه لكنه تصرف بغير إذن المالك بالنسبة للخبر، بل تشه محض، و كذا إن أراد عدم التعدي خاصة و ان كان نجسا في نفسه إلا أنه من النجاسات الحكمية، لما عرفت من الإجماع بقسميه، و الاخبار على خلافه، خصوصا ما استفاض منها بإلقاء ما مات فيه الفأرة و نحوها من المائعات كالماء و الدهن و المرق و غيرها.

نعم ظاهر السرائر عدم تعدي نجاسة ما يلاقي الميت و لو رطبا إلى غيره كذلك، كما انه احتمله العلامة في خصوص اليابس الملاقي للميت مع حكمه بنجاسة الملاقي اليابس، و ما أبعد ما بينه و بين الكاشاني، و سيأتي البحث فيه إن شاء الله.

[في عدم نجاسة المعصوم و الشهيد بالموت]

و كيف كان فينبغي استثناء المعصوم (عليه السلام) و الشهيد و من شرع له تقدم الغسل على موته كالمرجوم، فاغتسل من ميت الآدمي، وفاقا لكشف اللثام و عن الميسي، للأصل المقرر بوجوه، و لما ورد في النبي (صلى الله عليه و آله)(1)انه طاهر مطهر، كالزهراء البتول (عليهما السلام)(2)و يتم في غيرهما من المعصومين بعدم القول بالفصل و بالقطع بالاشتراك في علة ذلك، و لظهور ما دل (3)على سقوط الغسل للشهيد بعدم نجاسته بهذا الموت إكراما و تعظيما له من الله تعالى شأنه، بل لم يجعله عز و جل موتا، فقال عز من قائل (4)«وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» كظهور ما دل (5)على مشروعية تقدم الغسل في جريان أحكام الغسل المتأخر عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 7.
2- 2 المستدرك- الباب- 37- من أبواب الحيض- الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت.
4- 4 سورة آل عمران- الآية 163.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب غسل الميت- الحديث 1.

ج 5، ص: 308

التي منها عدم النجاسة، و لا استبعاد في ذلك و ان تقدم بعد مجي ء الدليل، كما تقدم البحث فيه في أحكام الأموات.

كل ذا مع قصور ما دل على التنجيس من الاخبار،(1)و إطلاق بعض معاقد الإجماع عن تناول مثل هذه الافراد، بل قد يدعى ظهور النصوص بل و الفتاوى في غيرها، سيما الأخيرين ممن شرع تغسيله بعد موته، أو لم يشرع هوانا به، خصوصا ان قلنا بالتلازم بين النجاسة و غسل المس و لم نوجبه بمسهما كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله.

و ألحق جماعة منهم الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني في جامع المقاصد و السيد في مداركه بهذه الثلاثة الميت من الإنسان قبل البرد، فلا يجب الغسل بالفتح بمباشرته، للأصل المقرر بوجوه، و عدم القطع بالموت.

بل في الحدائق «انا نمنع انفصال الروح في هذا الحال تماما، إذ هي بعد خروجها من البدن يبقى لها اتصال كاتصال شعاع الشمس بعد غروبها بما أشرقت عليه، و آثار ذلك الاتصال باقية، فإذا برد انقطع و علم خروجها بجميع متعلقاتها و آثارها» الى آخره.

و لظهور التلازم بين الغسل بالفتح و الغسل بالضم، لاشتراكهما في العلة، و هي النجاسة كما يومي اليه تلازمهما في غير محل البحث وجودا و عدما، و منه سقوطهما معا بمس الشهيد و نحوه.

كايماء مكاتبة الحسن بن عبيد(2)الى الصادق (عليه السلام) و صحيحة الصفار(3)ففي الأول

«كتب اليه هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام) حين غسل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند موته؟ فأجابه (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه و آله) طاهر مطهر، لكن فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، و جرت به السنة»

الحديث.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب التكفين.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 5.

ج 5، ص: 309

و

في الثاني «كتب اليه رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقع (عليه السلام) إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل»

و لما لم يجب الغسل بالضم بالمس في هذا الحال نصا و فتوى كما ستعرف لم يجب بالفتح.

و لإطلاق نفي البأس أو عمومه في

خبر إسماعيل بن جابر(1)لما دخل على الصادق (عليه السلام) حين موت ابنه إسماعيل فجعل يقبله و هو ميت، فقال له: «جعلت فداك أ ليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد أن يموت، و من مسه فعليه الغسل؟ فقال: أما بحرارته فلا بأس، إنما ذاك إذا برد»

الحديث.

ك

صحيح ابن مسلم (2)عن الباقر (عليه السلام) «مس الميت عند موته و بعد غسله، و القبلة ليس بها بأس».

و في الكل نظر لانقطاع الأصل بإطلاق الأخبار السابقة و معاقد جملة من الإجماعات على نجاسة الآدمي بالموت، كإطلاق الإجماع أيضا على نجاسة مطلق ذي النفس به، و منه الإنسان، و بصريح المروي في الاحتجاج المتقدم سابقا، و لمنع عدم القطع بالموت، إذ هو مع أنه موكول الى العرف كموت غيره من ذوات الأنفس مستفاد من الاخبار(3)أيضا، خصوصا ما دل (4)منها على التفصيل بين الحالين للميت، على أنه لو لم يحصل الموت إلا بالبرودة لم يجز دفنه و لا تغسيله، بل و لا يجري شي ء، من أحكام الأموات عليه بالنسبة إلى أمواله و نسائه و غيرها، و هو مما يقطع بفساده في البعض ان لم يكن في الكل، بل في الروض «انه لم يقل أحد بعدم جواز دفنه قبل البرودة، خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس.

ج 5، ص: 310

صاحب الطاعون، و قد أطلقوا القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت» انتهى.

و ما سمعته من الحدائق بعد تسليمه لا ينافي صدق اسم الموت و تحققه مع ذلك التعلق، كمنع دعوى التلازم بين المضموم و المفتوح، لتعليق الأول نصا و فتوى على البرودة و الثاني على الموت، و اتفاق تلازمهما وجودا و عدما في غالب الأوقات لا يقتضي الاشتراك في العلية.

و المكاتبة الأولى مشعرة بانتفاء غسل المس لانتفاء النجاسة في خصوص موت النبي (صلى الله عليه و آله) و نحوه، و لعله لان علته مركبة من النجاسة الموتية و البرودة، فانتفاء أحدهما علة تامة في عدمه، و هو لا ينافي كون علة النجاسة الموت بالنسبة إلى غير النبي (صلى الله عليه و آله) نعم ذلك يقتضي عدم انفكاك غسل المس لغيره أيضا عن النجاسة لا العكس، و لعلنا نقول به، و لا ينافيه تحقق غسل المس بدون نجاسة ما حصل المس به، كما لو مسه مع الجفاف بناء على عدم النجاسة بذلك، أو مس ما لا تحله الحياة منه كالظفر مثلا، لان المراد نجاسة جملة الميت في حد ذاتها و ان اتفق عدم حصول النجاسة بالنسبة إلى خصوص الجزء المباشر الذي تحقق به صدق المس، فتأمل فإنه قد يدق.

و لا إشعار في المكاتبة الثانية إذا كان لفظ الغسل فيها بفتح الغين، كما هو كذلك بقرينة السؤال، فيكون اللام فيه للعهد الذكري، بل و كذا لا إشعار إذا كان بالضم أيضا، سيما إذا أريد من لفظ «قد» الإهمال لا التحقق على معنى ماضوية المضارع، فتأمل جيدا، و لظهور نفي البأس في الخبر بالنسبة للغسل بالضم، و عليه يحمل ما في الصحيح الذي بعده.

و من ذلك كله كان خيرة التذكرة و القواعد و الروض و كشف اللثام و الرياض النجاسة و ان لم يبرد كما عن المبسوط، و ربما يقتضيه إطلاق المصنف و غيره، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، حيث قال: لو مسه قبل برده فالأقرب وجوب غسل

ج 5، ص: 311

اليد، لانه لاقى نجاسة، إذ الميت نجس عندنا، بل في الرياض أرسل حكاية الإجماع على النجاسة قبل البرودة عن الخلاف و المعتبر و التذكرة و المنتهى، لكنه و هم قطعا، إذ معقد الإجماع في هذه الكتب مطلق لا تعرض فيه للبرودة و الحرارة، بل محتمل قويا كغيره من المعاقد لإرادة النجاسة في الجملة في مقابلة قول الشافعي بالطهارة، و لذا

حكاه في كشف اللثام عنها كذلك أي مطلقا، و هو واسطته في النقل غالبا كما لا يخفى على الممارس لكتابيهما، فكان عليه حكايته مثله، بل في المنتهى بعد أن حكى عن المبسوط وجوب غسل اليد قال: و عندي فيه نظر، و كيف كان فالأقوى النجاسة لما عرفت، و الله أعلم.

نعم لا نجاسة بعد تغسيله قطعا و إجماعا.

و في إلحاق المتيمم لفقد الماء مثلا و فاقد الخليطين و نحوهما من الاعذار نظر و تأمل، خصوصا الأول، ينشأ من استصحاب النجاسة و غيره مما دل عليها، فلا يخرج عنها إلا بالمتيقن، مع عدم ثبوت قيام التراب مقام الماء في رفع الخبث، و من ظهور قيامها حال التعذر مقام الغسل الصحيح، لاقتضاء الأمر الاجزاء و نحوه، لكن الإلحاق لا يخلو من قوة، خصوصا في فاقد الخليطين، و الاحتياط لا يترك.

[في نجاسة القطعة المبانة من الحيوان]

و كلما ينجس من الحيوان بالموت فما قطع من جسده فهو نجس حيا كان المقطوع منه أو ميتا بلا خلاف يعرف فيه، كما اعترف به في المعالم، و استظهره في الحدائق، بل في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب، و في شرح المفاتيح للأستاذ الأكبر «ان أجزاء الحيوان التي تحلها الحياة تنجس بالموت و ان قطعت من الحي باتفاق الفقهاء، بل الظاهر كونه إجماعيا، و عليه الشيعة في الأعصار و الأمصار» الى آخره.

و عن الذخيرة «ان المسألة كأنها إجماعية، و لولا الإجماع لم نقل بها، لضعف الأدلة» انتهى و في كشف اللثام «ان الحكم باستواء الأجزاء المنفصلة من الحي و الميت مما قطع به

ج 5، ص: 312

الفاضلان و من بعدهما و لم أظفر لمن قبلهما بنص على أجزاء الحي إلا على أليات الغنم» انتهى.

قلت: و هو كذلك، لكن في الخلاف الإجماع على وجوب الغسل لمن مس قطعة من ميت أو حي و كان فيها عظم، و لعله لازم النجاسة لما عرفت من لزوم غسل المس لها دون العكس، و في التذكرة «كلما أبين من الحي مما تحله الحياة فهو ميت، فان كان من آدمي فهو نجس عندنا خلافا للشافعي» و ظاهره الإجماع كصريحه أيضا فيها منا بل من المسلمين عدا الزهري بالنسبة إلى جلد الميتة، كالذي سمعته سابقا من المنتهى و غيره.

و كيف كان فيدل عليه مضافا الى ذلك الاستصحاب في خصوص المقطوع من الميت، بل و إطلاق ما سمعته مما دل على نجاسة الميتة، لظهورها في عدم اشتراط الاتصال و الاجتماع بالنسبة الى ذلك، سيما و الحكم النجاسة مما لا يتفاوت فيه الحالان كما في الكلب و الخنزير و نحوهما، بل تعليل طهارة الصوف في صحيحة الحلبي (1)بعدم الروح فيه كالصريح في علية الموت للنجاسة، و انه المناط فيها كما هو الظاهر من غيرها مما علق فيه الحكم على الميتة مما يشعر بالعلية أيضا، بل ينبغي القطع به من تتبع تضاعيف الأدلة في المقام و في انفعال القليل و البئر و الكر بالتغير و الحل و الحرمة، سيما ما ستسمعه في أليات الغنم و نحوها.

و من ذلك يستفاد حكم المقطوع من الحي أيضا، لوجود العلة فيه، و لعل ذا هو الذي أشار إليه في المنتهى حيث استدل على ما نحن فيه بوجود معنى الموت في الاجزاء سواء أخذت من حي أو ميت، لوجود المعنى في الحالين، فما في المدارك من أن ضعفه ظاهر، إذ غاية ما يستفاد من الاخبار نجاسة جسد الميت، و هو لا يصدق على الاجزاء


1- 1 الوسائل- الباب- 68- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 5، ص: 313

قطعا، نعم يمكن القول بها في خصوص المقطوع من الميت استصحابا، مع انه لا يخفى ما فيه، في غير محله، و إلا لاقتضى طهارة من قطع قطعا ثم مات، بل و من فعل به كذلك بعد الموت، و هو من المقطوع بفساده، خصوصا الثاني، و انسياق الجملة و الاجتماع في بعض أدلة الميتة إلى الذهن انسياق مورد و غلبة لا شرطية في الحكم، كما هو واضح.

و يزيده تأييدا الأمر(1)بغسل الشعر المأخوذ من الميتة، إذ هو ليس إلا لإزالة ما استصحبه من الاجزاء، و الاقتصار على طهارة الأجزاء المخصوصة من الميتة كالصوف و نحوه في الصحيح و غيره كما سيأتي.

و كذا احتمال المناقشة بأنه لو كان علة النجاسة الموت لاقتضى نجاسة بعض أجزاء بدن الحي حال الاتصال، لتحقق الموت فيها معه، لوضوح ضعفه كما اعترف به في كشف اللثام بمنع تحقق صدق اسم الميتة عليها حاله أولا، و بمعلومية عدم جريان حكم الميتة عليها في مثل هذا الحال و ان قلنا بالتحقق من السيرة القاطعة و العسر و الحرج و غير ذلك ثانيا، و بظهور الأدلة بل صراحتها في اعتبار الانفصال بالنسبة إليها خاصة ثالثا، و لا ينافيه سببية الموت للنجاسة كما لا ينافي تخلف مقتضى كل سبب شرعا بفقد شرط أو وجود مانع، نعم ما لم تثبت شرطية الشرط أو مانعية المانع أو لم يتخلفا يؤثر أثره، و لما لم يثبت اشتراط اجتماع أجزاء الميتة و لا تحقق الموت في جميع الاجزاء في سببية الموت في النجاسة لم ينافه حينئذ تخلفهما، و ان توقف بالنسبة للثاني على الإبانة و الانفصال، فلا ينجس الجزء حينئذ قبل تحققه، على أنه تردد بعض المحققين كالخوانساري في شرح الدروس فيما تحقق فيه الموت من الاجزاء الكبيرة، سيما إذا أنتنت فتدخل في إطلاقات الجيفة و ما ينتن به الماء، قلت: و خصوصا إذا ضعف اتصالها بالبدن كاليد المقطوعة إلا شيئا قليلا مما يمسكها من الجلد.


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.

ج 5، ص: 314

لكن الإنصاف انه لا وجه لذلك كله، لأصالة الطهارة من غير معارض، و إطلاقات الجيفة انما يراد بها مما علم نجاسته قطعا، فلا يمكن إثبات نجاسة جديدة، و ما عداها استبعاد محض لا يصلح لمعارضة العمومات و الأصول الشرعية، فتأمل جيدا.

هذا كله مع الإغضاء عن خصوص ما ورد من الاخبار في المقام، و إلا فمعها لم يبق مجال للتأمل في الحكم المذكور، فمنها ما رواه في الفقيه في

الصحيح عن أبان عن عبد الرحمن (1)بل عن التهذيب و الكافي روايته أيضا لكن بطريق غير صحيح، قال:

«قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أخذت الحبالة و قطعت منه فهو ميتة، و ما أدركت من سائر جسده فذكه و كل منه»

كخبره الآخر(2)و خبر عبد الله بن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) أيضا بتفاوت يسير، و نحوهما

الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن غيث (4)عن الباقر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فإنه ميت، و كلوا ما أدركتم حيا و ذكرتم اسم الله عليه»

ك

خبر زرارة(5)عن الباقر (عليه السلام) قال:

«ما أخذت و انقطع منه شي ء فهو ميت»

إلى آخره. و في

مرفوعة أيوب بن نوح (6)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة»

ك

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 3 لكن رواه عن عبد الله ابن سليمان.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصيد- الحديث 4 لكن رواه عن أحدهما عليهما السلام.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل المس- الحديث 1.

ج 5، ص: 315

(عليه السلام) في خبر أبي بصير(1)في أليات الضأن تقطع: «انها ميتة»

و نحوه خبر الكاهلي (2)عنه (عليه السلام) أيضا، و

الوشاء(3)عن أبي الحسن (عليه السلام)، لكن حكاه في أولهما عن كتاب علي، و زاد في ثانيهما «فقلت: جعلت فداك فيستصبح بها فقال: أما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام».

فمن العجيب غفلة صاحب المدارك عن هذه الاخبار المعتضدة بما عرفت، و بعدم القول بالفصل بين مضامينها و غيره المستفاد منها حكم أجزاء الميتة بطريق أولى، و تمسكه بالاستصحاب مع انه قال: فيه ما لا يخفى، كما أنه من العجيب مناقشة صاحب المعالم في بعضها باحتياج دلالتها على النجاسة إلى دليل يدل عليها في الميتة، إذ قد عرفت فيما تقدم ما يدل على ذلك، مع ما في الأخير من الإشارة إليه بجعل الحرام فيه بمعنى النجاسة.

نعم قد يشك في شمول سائر ما تقدم من الأدلة لما ينفصل من بدن الحي من الإنسان من الاجزاء الصغار كالبثور و الثالول و نحوهما، فيبقى الأصل و العمومات سالمة عن المعارض حينئذ مع تأيدها بالعسر و الحرج في الاجتناب عنها، خصوصا ما يتصل برؤوس الشعر في أيام الصيف و ما يعلو الجراحات و الدماميل و غيرها عند البرء، و ما يحصل في الأظفار و يتطاير من القشور عند الحك، سيما مع داء الجرب و نحوه، و ما يكون على الشفة خصوصا لبعض الناس في بعض الأوقات أو على باطن الاقدام عند إرادة تنظيفها و تحجيرها و غير ذلك، و بالسيرة و الطريقة المستقيمة في سائر الأعصار و الأمصار على عدم إجراء شي ء من أحكام النجاسات على شي ء من ذلك، مع أنه مما تعم البلوى و البلية به، خصوصا مع عدم نص أحد من الأصحاب على النجاسة، بل نص في المنتهى و مجمع البرهان و المدارك و المعالم و شرحي الأستاذ الأكبر للمفاتيح و الخوانساري للدروس


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبائح- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذبائح.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبائح- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذبائح.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبائح- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذبائح.

ج 5، ص: 316

على الطهارة، و هو ظاهر البحار أو صريحه، كالذي في الموجز و عفي عن البثور و الثالول، و المحكي عن نهاية الاحكام و كشف الالتباس و الذخيرة و الكفاية، بل في الحدائق الظاهر انه لا خلاف فيه بينهم و ان اختلف المدرك لذلك، و ب

صحيحة علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليهم السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون به الثالول و الجراح هل يصلح أن يقطع و هو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال:

إن لم يخف أن يسيل الدم فلا بأس، و ان يخف أن يسيل الدم فلا يفعله»

لظهورها في المطلوب ان قلنا بعدم جواز حمل النجاسة في الصلاة أو بالنجاسة مع اليبوسة، بل و ان لم نقل بذلك من حيث ترك الاستفصال فيها عن الرطوبة و اليبوسة، سيما مع ملاحظة ما قيل من غلبة العرق في بلد السؤال و الجواب لشدة الحر فيها، و سيما مع تعرضه لخوف سيلان الدم المعلوم حكمه عند غير السائل فضلا عنه، و تركه التعرض لما نحن فيه المحتمل الخفاء عليه و على غيره.

فما يقال: إن ترك الاستفصال لعله لمعلومية الحكم عند السائل في غير محله، مع ان الأصل ينفيه، كاحتمال القول أيضا بأن تركه لعله لظهور سؤال السائل في منافاة ذلك للصلاة بكثرة الفعل و عدمها، لا لما نحن فيه حتى يرجى الجواب من الامام (عليه السلام) عنه، و فيه أن تعرضه (عليه السلام) لسيلان الدم و عدمه كاد يكون صريحا في خلاف ذلك، و لذلك كله اعترف في المعالم بظهورها في المطلوب، كما انه عن العلامة في النهاية بعد أن استدل على الطهارة في المقام بمشقة التحرز قال: و للرواية، و لعله أراد هذه الصحيحة، و إلا كانت مرسلة أخرى مؤيدة للأصل، و كفى به مرسلا.

قلت: لكن التحقيق الاقتصار على طهارة خصوص المستفاد من السيرة و الطريقة، و ما في اجتنابه عسر و حرج دون غيرهما، من غير فرق بين الإنسان و غيره،


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 5، ص: 317

فلا مدخلية للصغر و عدمه في ذلك، كما لا مدخلية لتحقق الموت فيه قبل الانفصال و عدمه، فدعوى عدم شمول الأدلة السابقة للجزء الصغير من حيث كونه صغيرا، فيبقى الأصل سالما ممنوعة، لعدم الفرق بين حكم الجزء و الجملة، كدعوى عدم شمولها لما تحقق فيه الموت حال الاتصال بالحي، لظهور تعليق الحكم فيها على مطلق المبان، فقد يتجه حينئذ الحكم بالنجاسة في الاجزاء الصغيرة التي لم يتعارف انقطاعها، و لا حرج في اجتنابه، بل لا يبعد الحكم بها بالنسبة إلى تلك الاجزاء المحكوم بطهارتها في الحي، لو قطعت من الميتة، أو من عضو قطعت معه و ان قلنا بطهارتها نفسها لو قطعت وحدها من الحي للمشقة، و الصحيحة السابقة لو سلم دلالتها على حسب ما قررناه فيها لا تنافي ذلك، مع إمكان المناقشة فيها بأن تعرضه لسيل الدم فيها لعله لغلبة وقوعها فيما سأل عنه الراوي و ان لم يكن قصده فيه، بخلاف المقام فإنه لم يقصد بالسؤال، و لم يكن غلبة في المس بالرطوبة، و باحتمال كون آلة القطع غير يد المصلي، و بغير ذلك، و لعله لذا مال في كشف اللثام إلى القول بالنجاسة في تلك الاجزاء مطلقا، إلا أنك لا يخفى عليك ما فيه بالنسبة إلى ما يشق التحرز عنه، و ما علم من السيرة طهارته، و الله أعلم.

نعم صرح بعض الأصحاب كالعلامة في التذكرة و النهاية و الشهيد في الذكرى و السيد في المدارك و غيرهم باستثناء فأرة المسك من هذا الحكم، فلا تنجس سواء انفصلت من الظبي في حياته أو بعد موته، بل ظاهر الأول الإجماع عليه، كما انه استظهر من الذكرى ذلك أيضا، للأصل و الحرج و فحوى ما دل (1)على طهارة المسك مع غلبة انفصال فأرته من الحي، و ل

صحيح علي بن جعفر (عليه السلام)(2)«سأل أخاه عن فأرة المسك تكون مع من يصلي و هي في جيبه أو ثيابه، قال: لا بأس بذلك».


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب النجاسات.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1.

ج 5، ص: 318

لكن قد يناقش في ذلك بانقطاع الأصل بما تقدم مما دل على نجاسة الجزء المبان من الحي أو الميت، و خصوصا جلد الميتة، و منع اقتضاء الحرج طهارة خصوص الجلد أولا، و منع حصوله و تحققه سيما بعد ثبوت طهارة المذكى خاصة و المأخوذ من يد المسلم ثانيا، كمنع اقتضاء طهارة المسك ذلك، إذ- مع إمكان تخصيصها في خصوص المذكى، أو المنفصل في الفأرة من غيره مع عدم الرطوبة المنجسة له، و في المأخوذ من يد المسلم- قد يكون ذلك لعدم تعدي نجاسة جلد الفأرة اليه لا لطهارة الجلد.

و لذا قال في نهاية الاحكام: «إن المسك طاهر و ان قلنا بنجاسة فأرته المأخوذة من الميتة كالإنفحة، و لم ينجس بنجاسة الظرف» إلى آخره. و قد أطلق غير واحد حكاية الإجماع على طهارة المسك، ثم أعقبه بذكر حكم الفأرة، و ظاهره أيضا بل كاد يكون صريحه طهارة المسك مطلقا و ان قلنا بنجاسة الفأرة.

و أما الصحيح فهو- مع كون التعارض بينه و بين ما دل على النجاسة بالعموم من وجه، و لم يثبت رجحانه، بل لعل الثابت مرجوحيته، و ابتناء دلالته على عدم جواز الصلاة بالمحمول من أجزاء الميتة أو المبانة من الحي حتى فأرة المسك لو كانت نجسة، و قد يمنع، و على عدم ظهور سؤاله في الفأرة التي لم يعلم حالها- معارض ب

مكاتبة عبد الله ابن جعفر(1)إلى أبي محمد (عليه السلام) في الصحيح «هل يجوز للرجل أن يصلي و معه فأرة مسك؟ فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا»

فيجب أن ينزل عليه، لقاعدة الإطلاق و التقييد.

و المناقشة في دلالته باحتمال إرادة إذا كانت الفأرة ذكية أي لم تعرض لها نجاسة خارجية كما ترى، مع أنه لا يناسبه تذكير الضمير، كالمناقشة بأن منع استصحابها في الصلاة لا ينحصر وجهه في النجاسة، لاندفاعها بعدم القول بالفصل هنا كما قيل، و بغيره، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب لباس المصلي- الحديث 2.

ج 5، ص: 319

و لذلك كله كان خيرة الفاضل الأصبهاني في كشف لثامه نجاسة الفأرة مطلقا إلا مع ذكاة الظبي، بل و نجاسة المسك بها مع الرطوبة عند الانفصال، و هو لا يخلو من قوة بالنسبة للفأرة لا المسك، إلا أني لم أعرف له موافقا عليه ممن تقدمه و تأخر عنه، بل لعله مجمع على خلافه في المنفصلة من الحي، كما عساه يظهر دعواه من المنتهى فضلا عما سمعته من التذكرة و عن ظاهر الذكرى من دعواه مطلقا.

نعم في المنتهى ان الأقرب نجاسة الفأرة إذا انفصلت بعد الموت خاصة، و قد استغربه في كشف اللثام، بل قال: لا أعرف له وجها، قلت: لعل وجهه قصور ما دل على نجاسة المبان من الحي عن شمول ذلك دون الميت، و ان المراد بالذكي في المكاتبة الطاهر و لو للحياة لا خصوص الذبح، كما ان سؤال الصحيح الأول منزل على الفأرة المنفصلة من الحي، لأنه على ما قيل هو الشائع الغالب دون غيره، و من هنا كان تفصيل المنتهى قريبا في النظر جدا.

هذا كله فيما كان تحله الحياة من أجزاء ما ينجس بالموت،

[في عدم نجاسة ما لا تحله الحياة بالموت]

و أما ما كان منه لا تحله الحياة كالعظم و منه القرن و السن و المنقار و الظفر و الظلف و الحافر و الشعر و مثله الصوف و الوبر و الريش فهو طاهر و لا ينجس بالموت اتفاقا كما في كشف اللثام، و هو كذلك، إذ لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك و الذخيرة بالنسبة إلى طهارة المذكورات، إلا أنهما ما نصا على السن و المنقار، بل في الخلاف تارة الإجماع بالنسبة للصوف من الميتة و الشعر و الوبر إذا جز و العظم، و أخرى الإجماع أيضا في خصوص التمشط بالعاج و استعمال المداهن منه، كما انه في الغنية تارة الإجماع صريحا على طهارة العظم و الشعر و الصوف من الميتة، و أخرى في باب الأطعمة دعواه على سائر المذكورات إذا كانت من ميتة ما تقع الذكاة عليه، لكنه أبدل الحافر بالخف، و المنقار بالمخلب، كظاهر إجماع المنتهى في العظم و شعر الإنسان إذا انفصل في حياته، و صريح

ج 5، ص: 320

التذكرة فيما جز من ميتة مأكول اللحم، و ظاهرها فيما نتف منه حيا أو جز من ميتة غيره، كظاهر الإجماع عن الناصريات أيضا في صوف الميتة.

و مع ذلك فطهارة خصوص جميع المذكورات عدا الظلف و المنقار مستفادة من مجموع نصوص مستفيضة فيها الصحيح و الحسن و غيرهما، بل في صحيح الحلبي (1)منها عن الصادق (عليه السلام) تعليل عدم البأس في الصلاة بصوف الميتة بأنه ليس فيه روح مما يستفاد منه عموم الحكم لكل ما كان كذلك، و نحوه المحكي عن

الطبرسي في مكارم الأخلاق عن قتيبة بن محمد(2)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

إنا نلبس هذا الخز و سداه إبريسم، قال: و ما بأس بإبريسم إذا كان معه غيره، قد أصيب الحسين (عليه السلام) و عليه جبة خز و سداه إبريسم، قلت: أنا ألبس هذه الطيالسة البربرية و صوفها ميت، قال: ليس في الصوف روح، أ لا ترى أنه يجز و يباع و هو حي».

كما انه في

حسن حريز(3)عن الصادق (عليه السلام) أيضا انه قال (عليه السلام) لزرارة و محمد بن مسلم: «اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي، و إن أخذته منه بعد موته فاغسله و صل فيه»

و

قال (عليه السلام) أيضا في خبر الحسين بن زرارة(4): «الشعر و الصوف و الوبر و الريش و كل نابت لا يكون ميتا»

كخبره الآخر(5)عنه (عليه السلام) أيضا لكن مع إبدال الوبر بالعظم.


1- 1 الوسائل- الباب- 68- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 68- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 12.

ج 5، ص: 321

و منهما كالتعليل السابق بل و تعليل عدم البأس في الانفحة بأنها ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم كما ستسمعه إن شاء الله يستفاد عدم شمول أخبار الميتة لهذه الاجزاء حتى يحتاج إلى التقييد أو التخصيص، كما ظنه في الحدائق زاعما انها داخلة في مسماها كدخولها في مسمى الكلب و الخنزير، إذ لا يخفى وضوح الفرق بينهما، فأصالة الطهارة و عموماتها حينئذ محكمة، و دليل آخر على المطلوب بعد الإجماع و الاخبار المتقدمين.

و منه يظهر ما في شرح الدروس للخوانساري من أن العمدة في طهارة هذه الاجزاء عدم وجود نص يدل على نجاسة الميتة حتى تدخل، لا عدم حلول الحياة، و إلا لو كان هناك نص كذلك لدخلت كشعر الكلب و الخنزير، و إلا فزوال الحياة ليس سببا للنجاسة، و إلا لاقتضى نجاسة المذكى، على أنه لا استبعاد في صيرورة الموت سببا لنجاسة جميع أجزاء الحيوان و ان لم تحلها الحياة، و فيه نظر من وجوه أخر أيضا.

ثم انه لا فرق في طهارة المذكورات بين أخذها جزا و نحوه أو قلعا أو نتفا لإطلاق الأدلة، بل في

المضمر(1)«لا بأس بما ينتف من الطير و الدجاج ينتفع به للعجين، و أذناب الطواويس و أذناب الخيل و أعرافها»

الحديث.

نعم ان استصحب بعض اللحم و نحوه في الثاني وجب إزالته، لما عرفت من نجاسته، و ان لم تستصحب فالظاهر وجوب غسل موضع الاتصال خاصة مع قلعها من الميتة، لنجاسته بملاقاة رطوبة الجلد و نحوه، و للأمر به في حسنة حريز المتقدمة المنزل على ذلك، و إلا فلا يجب الغسل مع الجز قطعا، بل و اتفاقا كما قيل، اللهم إلا أن يفرض نمو لها بعد الموت، و قد تأخر الجز عنه بحيث كان فيما جز بعض الأصول التي لاقت الميتة برطوبة، فحينئذ يتجه وجوب الغسل، لكنه لم يثبت.

و على كل حال فالطهارة في المجزوز أو المقلوع غير محل الاتصال منه بل و محله


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 13.

ج 5، ص: 322

بعد الغسل مما لا ينبغي التأمل فيها بعد إطلاق الأدلة السابقة و خصوص البعض، فما عن الشيخ في النهاية من تخصيص طهارة الصوف و الشعر و الريش و الوبر بالجز خاصة غريب، أو ينزل على إرادة عدم الانتفاع بالمقلوع حتى يغسل موضع الاتصال منه، و لذا لم يعرف حكاية خلافه هنا، إلا أنه يأباه ما ذكره بعضهم له من التعليل بأن أصولها المتصلة باللحم من جملة أجزائه، و انما تكون استحالته إلى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه.

و فيه- مع إمكان منعه أولا، و عدم قادحيته بعد التسليم لصدق اسم الشعر و نحوه حينئذ ثانيا، و اختصاصه بالأصول ثالثا- انه اجتهاد في مقابلة النص.

و من العجيب ما في شرح الدروس ان الأحوط غسل الجميع في المأخوذ قلعا لا موضع الاتصال خاصة، بل و كذا المأخوذ جزا لإطلاق حسنة حريز المتقدمة، و فيه انه لا وجه له بعد الاتفاق و النصوص على طهارة المذكورات، و حسنة حريز يراد منها موضع الاتصال قطعا، و احتمال إرادته الخروج من شبهة خلاف الشيخ يدفعه أن الاحتياط لذلك يقضي بترك المقلوع خاصة رأسا، لا تطهيره بالغسل.

و كذا لا وجه للاحتياط في اجتناب خصوص العظم من الميتة من جهة المناقشة في كونه مما لا تحله الحياة، لقوله تعالى (1)«مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ» إذ هي اجتهاد في مقابلة النص و الإجماع، و لعل المراد بإحيائها في الآية إحياء الشخص المشتمل عليها، لانه المراد من العظام، هذا.

و قد اشتملت النصوص (2)و الفتاوى على طهارة غير المذكورات أيضا من الميتة كالبيض و الانفحة و اللبن، بل الأول من معقد إجماع كشف اللثام و نفي الخلاف في المدارك و غيرها، لكن مع التقييد فيهما باكتسائه القشر الأعلى الصلب.


1- 1 سورة يس- الآية 78.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 5، ص: 323

قلت: و ينبغي القطع به إذا كان من مأكول اللحم، بل في المنتهى الإجماع عليه في الدجاج، للأصل و العمومات السالمة عن معارضة ما دل على نجاسة الميتة، لعدم شموله لذلك قطعا، مضافا إلى التعليل السابق في صحيحة الحلبي و غيره من العمومات السابقة، و إلى خصوص نفي البأس من الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)عن بيض الدجاجة، و عن أكله في خبري ولده حسين (2)عنه (عليه السلام) أيضا، و نحوهما خبر الثمالي (3)عن الباقر (عليه السلام) و غيره (4)و يتم الجميع بعدم القول بالفصل بين الدجاج و غيره من المأكول، فضلا عما دل على طهارة مطلق البيض من حسنة حريز السابقة و

خبر إسماعيل بن مرار(5)عن يونس عنهم (عليهم السلام) قالوا: «خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق: الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر»

و

خبر ابن زرارة(6)قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) و أبي يسأله عن السن من الميتة و اللبن من الميتة و البيض من الميتة و إنفحة الميتة، فقال: كل هذا ذكي»

و

مرسل الصدوق (7)عن الصادق (عليه السلام) بل عنه في الخصال انه رواه مسندا إلى ابن أبي عمير رفعه اليه (عليه السلام) قال: «عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن و الحافر و العظم و السن و الانفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض».

[في عدم نجاسة البيض بالموت]

و منها مع ما تقدم عدا الأخبار الخاصة بالدجاجة(8)يستفاد طهارته و ان كان من غير المأكول، كما هو قضية إطلاق الأصحاب و تصريح بعضهم عدا العلامة في المنتهى


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 7 و 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 7 و 9 و 12.

ج 5، ص: 324

و عن النهاية، فحكم بالنجاسة، و لم نعرف له دليلا و لا موافقا، كما اعترف بذلك بعض من تأخر عنه.

نعم لا يبعد القول بتنجسها مطلقا بملاقاة رطوبة الميتة و ان أطلق الاخبار و الأصحاب عداه في المنتهى و بعض من تأخر عنه الحكم بالطهارة، إلا أن الظاهر إرادة الجميع بها عدم النجاسة الذاتية بالموت لا العارضية بملاقاة الرطوبة، و إلا فينبغي القطع بها بالنسبة إلى ذلك لقاعدة التنجيس، و فحوى ما سمعته في الشعر المقلوع من حسنة حريز و غيره.

بل في الحدائق ان الحسنة(1)المذكورة المشتملة على البيض و غيره قد أمر فيها بغسل المأخوذ بعد الموت من كل ما ينفصل عن الدابة، و هو شامل للبيض لا خصوص الشعر و نحوه، نعم يخرج اللبن و اللبأ عنه، لعدم قابليتهما لذلك، و فيه ان قوله (عليه السلام) فيها: «اغسله و صل فيه» قد يشعر بإرادة غيره، لكن قد عرفت أنا في غنية عن ذلك بقاعدة ملاقاة النجس غيره برطوبة.

و كذا لا يبعد تخصيص الطهارة بالبيض إذا اكتسى القشر الأعلى الصلب دون غيره من الخارج بدونه مما يسمى في عرفنا بالنمرش، و ان أطلقت تلك الاخبار و غيرها، و فيها الصحيح، لكن

قال الصادق (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم (2)في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة: «إن كان قد اكتست الجلد الغليظ فلا بأس»

و هو و ان ضعف سنده بل و دلالته، لأعمية ثبوت البأس من النجاسة إلا أنه منجبر بالشهرة بين الأصحاب، بل قيل: إنه متفق عليه بين الشيعة و ان اختلف التعبير عنه بالقشر الأعلى أو الصلب أو للغليظ و نحو ذلك، لكن مراد الجميع واحد، بل حكي ذلك عن جمهور العامة أيضا.

نعم نقل عن بعضهم الاكتفاء بالجلد الرقيق، فمع عدمه حينئذ يتفق المسلمون على


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5.

ج 5، ص: 325

النجاسة، فما عساه يظهر من المدارك و المحكي من المعالم من التأمل في هذا الحكم لضعف المستند مع إطلاق ما دل على طهارة البيض في غير محله، سيما إن أرادا الحكم بالطهارة بدون الجلد الرقيق، على انه قد يدعى انصراف تلك الإطلاقات إلى المتعارف من البيض، و هو ذو القشر الأعلى، بل قد يشك في شمول اسم البيض له حقيقة، نعم لولا الإجماع السابق لأمكن المناقشة في الحكم بالنجاسة حال اكتساء الرقيق، إذ ليست هي إلا عارضية لا ذاتية، لعدم شمول أدلة الميتة لمثل ذلك، و العارضية تندفع بصلاحية مانعية الرقيق عن تعدي رطوبات الميتة كما لو كانت في الخارج، لكن لا يخفى عليك أن الله تعالى شأنه أعلم من غيره بالصلاحية و عدمها، فعدم اعتبار ذلك شرعا دليل على عدم صلاحيته، فتأمل.

[في طهارة إنفحة الميتة]

و أما الثاني و هو الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء و تخفيف الحاء و تشديدها فلا أعرف خلافا في طهارتها، كما اعترف به بعضهم، بل في المنتهى انه قول علمائنا، و في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب، و في كشف اللثام كما عن الغنية دعوى الإجماع صريحا، و هو الحجة بعد الأصل و العمومات و التعليل السابق و الاخبار المتقدمة.

مضافا إلى

خبر الثمالي (1)عن الباقر (عليه السلام) في حديث طويل، قال فيه:

«قال قتادة: فأخبرني عن الجبن، فتبسم الباقر (عليه السلام) ثم قال: رجعت مسائلك إلى هذا قال: ضلت عني، فقال: لا بأس به، فقال: إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة، قال: ليس بها بأس، ان الإنفحة ليس فيها عروق و لا فيها دم و لا بها عظم، انما تخرج من بين فرث و دم، ثم قال: إن الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة»

الحديث.

و

خبر الحسين بن زرارة(2)عن الصادق (عليه السلام) ففيه انه «سأله أبي عن الإنفحة في بطن العناق و الجدي و هو ميت، فقال: لا بأس به»

ك

خبره الآخر


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 11.

ج 5، ص: 326

عنه (عليه السلام)(1)أيضا بعد أن سأله عن إنفحة الميتة و غيرها، فقال: «كل هذا ذكي»

و ك

صحيح أبيه أيضا(2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت قال: لا بأس به»

الحديث.

إنما الإشكال في المراد بالانفحة فعن القاموس و التهذيب و المغرب أنها شي ء أصفر يستخرج من بطن الجدي الرضيع، فيعصر في صوفة مبتلة فيغلظ كالجبن، و اليه يرجع ما في القواعد و عن النهاية و كشف الالتباس من انها لبن مستحيل في جوف السخلة، بل في كشف اللثام ان ذلك هو المعروف، و قد يشهد له خبر الثمالي المتقدم، و اختاره الخوانساري في شرح الدروس معللا له بأنه يظهر من الروايات ان الإنفحة شي ء يصنع به الجبن، و الظاهر ان الجبن انما يعمل من الشي ء الذي في جوف السخلة مثل اللبن، لا من كرشها الذي هو للحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان، و قيل كما عن الصحاح و الجمهرة و أبي زيد انها كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش، و بذلك فسرت في السرائر كما عن أطعمة المسالك و التنقيح.

و ربما يومي اليه عدم عدهم لها مما لا تحله الحياة، و في المدارك ان الأول أولى اقتصارا على موضع الوفاق و ان كان طهارة نفس الكرش أيضا غير بعيد، تمسكا بمقتضى الأصل، و فيه انه لا وفاق بعد تقابل التفسيرين، اللهم إلا أن يكون الأول لازما للحكم بطهارة الثاني لكون محله الكرش حينئذ، و فيه تأمل، كما ان في تمسكه بالأصل في طهارة الكرش و ان فسرت الانفحة بغيره أيضا تأملا، لانقطاعه بما دل على نجاسة الميتة إلا أن يكون مما لا تحله الحياة، و فيه منع.

و قد يقوى في النظر اتحاد التفسيرين بأن يراد بالشي ء الأصفر في التفسير الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9.

ج 5، ص: 327

هو ما يصير كرشا للجدي بعد أن يأكل، فهو قبل أكله إنفحة، و بعده كرش، و يومي اليه ما حكي عن الفيومي في المصباح عن التهذيب، قال: لا يكون الانفحة إلا لكل ذي كرش، و هو شي ء يستخرج من بطنه أصفر يعصر في صوفة مبتلة فيغلظ كالجبن، و لا يسمى إنفحة إلا و هو رضيع، فإذا رعى قيل استكرش، أي صارت إنفحته كرشا، بل ذيله كاد يكون صريحا فيما قلنا، و كذا ما عن مجمع البحرين الانفحة هي كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش حكاه الجوهري عن أبي زيد، فإنه ظاهر في اتحاد موضوع الانفحة و الكرش إلا أنه قبل الأكل يسمى إنفحة و بعده كرش، و أوضح منه ما عن المغرب، فإنه بعد أن فسره بالتفسير الأول قال: و لا يكون إلا لكل ذي كرش، و يقال: انها كرشة ما دام رضيعا، يسمى ذلك الشي ء إنفحة، فإذا فصل و رعى الغيث قيل: استكرش.

قلت: لا استبعاد فيه، إذ لعل ذلك اللبن بعد أن يأكل الجدي يكرش معدته، و قبله لا تكريش فيها، أو انه يستحيل كرشة بقدرة الله تعالى، فتأمل جيدا خصوصا فيما مضى من العبارات، فلعله به يظهر لك ما قلناه.

نعم ظاهر الجميع اختصاص الانفحة بما قبل الأكل، لكن قال في الذكرى:

«و الانفحة طاهرة من الميتة و المذبوحة و إن أكلت السخلة» و هو مشكل إلا أن يريد الأكل الذي لا يعتد به.

و كيف كان فالظاهر وجوب غسلها من ملاقاة رطوبات الميتة وفاقا للمحكي عن الشهيد الثاني في بعض فوائده، و ربما يعطيه ما سمعته من المنتهى و غيره في البيض، و خلافا للمدارك، و ظاهر بعض من تأخر عنه، لتنجسها بها كما هي القاعدة في كل ما لاقى نجسا برطوبة، و احتمال استثناء الإنفحة لإطلاق ما دل على طهارتها سيما مع عدم ذكر الأكثر وجوب الغسل و قد نصوا عليه في مثل الصوف المقلوع يدفعه ظهور سياق تلك

ج 5، ص: 328

المطلقات في إرادة عدم النجاسة الذاتية كباقي أجزاء الميتة، و لعل عدم تعرض الأصحاب اتكالا منهم على القاعدة.

و من العجيب ما عساه يظهر من مجمع البرهان من دعوى الإجماع على الظاهر و الاخبار على استثناء الانفحة من تلك الكلية، و لعله لا يريد ذلك، بل يريد عدم النجاسة الذاتية كما عساه يشعر به ذكره ذلك في الاستدلال على طهارة اللبن، فلاحظ و تأمل.

ثم انه لا ينافي القول بغسل ظاهر الانفحة تفسيرها الأول باعتبار عدم قابلية اللبن للتطهير كما قد يتخيل، لظهور ما سمعت من تفسيرها على كلا التقديرين في قابليتها لذلك، و خروجها بالاستحالة عن اللبن، فما في الحدائق و حكاه عن المعالم أيضا من ان الإنفحة شي ء مائع في جوف السخلة بناء على التفسير الأول لا يخلو من تأمل، لكن عليه حينئذ يتجه عدم وجوب الغسل، كما انه يتجه دعوى استثنائه من قاعدة تنجيس الملاقاة مع الرطوبة بما دل على طهارتها، و الله أعلم.

[في طهارة لبن الميتة]

و أما الثالث و هو اللبن فالأقوى في النظر طهارته وفاقا للشيخ و ابني زهرة و حمزة و كشفي الرموز و اللثام و الدروس و المنظومة و جماعة من متأخري المتأخرين و عن المقنع و المفيد و القاضي و غيرهم، بل هو المحكي عن الأكثر في كشف اللثام، و الأشهر عن الكفاية، و أكثر المتقدمين و جمع من المتأخرين عن المسالك و الصدوق و الشيخ، و كثير من الأصحاب عن الذخيرة، و في البيان انه قول مشهور، بل عن الدروس ان القائل بخبر المنع نادر، للأصل و العمومات السالمة عن معارضة ما دل

على نجاسة الميتة إلا بقاعدة نجاسة الملاقي مع الرطوبة التي يجب الخروج عنها هنا بإجماع الخلاف على طهارة ما في ضرع الشاة الميتة من اللبن، و إجماع الغنية على جواز الانتفاع بلبن ميتة ما يقع الذكاة عليه، و ب

صحيح زرارة(1)قلت: «اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت، قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 9.

ج 5، ص: 329

لا بأس به»

و

حسنة حريز(1)عن الصادق (عليه السلام) انه قال لزرارة و محمد بن مسلم:

«اللبن و اللبأ و البيضة- إلى أن قال-: فهو ذكي»

و

خبر الحسين بن زرارة(2)أو موثقه قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، و أبي يسأله عن السن و اللبن و البيضة من الميتة- إلى أن قال-: فقال: كل هذا ذكي»

و

مرسل الصدوق (3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «عشرة أشياء من الميتة ذكية- و عد منها- اللبن»

بل قال:

إني رؤيته في الخصال مسندا، و بفحوى ما دل على طهارة الإنفحة بناء على التفسير الأول سيما التعليل في خبر الثمالي المتقدم آنفا.

و المناقشة في هذه الأدلة- بعدم إفادة تمام المدعى في بعض، و عدم الحجية في آخر، و بمعارضتها ب

خبر وهب بن وهب (4)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال: ذلك الحرام محضا»

و

مكاتبة الفتح بن يزيد الجرجاني (5)أبا الحسن (عليه السلام) يسأله «عن جلود الميتة، فكتب لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب، و كل ما كان من السخال من الصوف و ان جز و الشعر و الوبر و الانفحة و القرن»

و لا يتعدى إلى غيرها، مضافا إلى قاعدة النجاسة بالملاقاة، و عموم النهي عن الانتفاع بشي ء من الميتة مع عدم جريان بعضها في بعضها- مدفوعة في الأول بعدم القول بالفصل كما ستعرف، و الثاني بالانجبار بما عرفت، و الثالث بعدم صلاحيته للمعارضة للشذوذ كما في الاستبصار، و عدم التلازم بين الحرمة و النجاسة، و للطعن في وهب بأنه عامي كذاب، بل عن ابن الغضائري زيادة «ان له عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أحاديث كلها لا يوافق بها» قلت: و هذا منها سيما مع موافقته لفتوى الشافعي و الرابع بالضعف في السند، و ظهور السقط من الخبر كما عن بعض المحققين الاعتراف به،


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 6.

ج 5، ص: 330

حيث قال: هكذا وجد هذا الحديث في نسخ الكافي و التهذيب و الاستبصار، و كأنه سقط منه شي ء، قلت: و لعله لحذف الخبر فيه، و مع ذلك فهو عام يجب الخروج عنه بتلك الأدلة كالقاعدة و عموم النهي لو سلم شمول الأخير لما نحن فيه.

فظهر لك بحمد الله تعين القول بالطهارة و انه لا استبعاد في ذلك على الشارع و ان أطال الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في مبعداته، إلا أنها ليست بتلك المكانة، خلافا لابن إدريس و العلامة و المحقق الثاني و غيرهم من الحكم بالنجاسة، و لعله ظاهر الكتاب فيما يأتي، بل في المنتهى و جامع المقاصد أنه المشهور، و السرائر انه نجس بغير خلاف عند المحصلين من أصحابنا، لأنه مائع في ميتة ملامس لها، قال: و ما أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يعضدها كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع.

و لا يخفى عليك ما في دعوى الشهرة هنا فضلا عن نفي الخلاف، كما لا يخفى عليك ما في نسبة رواية الطهارة للشذوذ، و لقد أجاد اليوسفي في كشف الرموز حيث قال بعد أن حكى عن الحلي ما سمعت: «و الدعوى محرفة، و في الاستدلال ضعف، أما الأول فلان الشيخين مخالفوه، و المرتضى و أتباعه غير ناطقين به، فما أعرف من بقي معه من المحصلين، و أما الثاني فلانا نمنع ان كل مائع لاقى الميتة على أي وجه كان فقد نجس» انتهى.

قلت: على انه من العجيب من مثله استبعاد هذا الحكم هنا مع قوله بعدم تعدي نجاسة ما ينجس بملاقاة الميتة، بل لعل قوله هنا بنجاسة اللبن الظاهر في التعدي ينافيه، لكن يهون الخطب أن حكمه على الظاهر بعدم التعدي انما هو في خصوص الإنسان لا مطلق الميتة.

ثم ان قضية إطلاق كثير من النصوص السابقة ككثير من الفتاوى عدم الفرق

ج 5، ص: 331

في الحكم بطهارة اللبن بين كونه من ميتة حيوان قابل للتذكية و عدمه كالمرأة و نحوها مع فرض طهارة الحيوان، فما عساه يظهر من المنتهى «ان محل النزاع في الأول، و إلا فالثاني لا إشكال في نجاسته» ليس في محله، مع أن كلامه ليس صريحا في ذلك و ان اقتصر في التعرض للأول خاصة، كمعقد إجماع الغنية، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، لإمكان دعوى تبادر الأخبار السابقة في الأول و ان كان واضح المنع بقرينة الاشتراك في غيره من الشعر و نحوه.

فالظاهر حينئذ انه لا فرق بين أفراد الحيوان في ذلك و في جميع ما تقدم من الاجزاء التي لا تحلها الحياة إلا أن يكون عينه نجسة كالكلب و الخنزير و الكافر فإنه لا يستثنى منه شي ء منها على الأظهر الأشهر، بل المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك إذ لم نجد بل و لم يحك فيه خلاف من أحد إلا من المرتضى في الناصريات، فحكم بطهارة شعر الكلب و الخنزير فيها، بل ظاهره ذلك في كل ما لا تحل الحياة منه، و إلا ما عساه يظهر من المدارك من الميل إلى طهارة ما لا تحله الحياة من خصوص الكافر، و هما غير قادحين في الإجماع المنقول فضلا عن المحصل.

على أنه لا مستند لهما سوى الحمل على الميتة من الطاهر، و هو قياس بل مع الفارق، و سوى الأصل و العموم المقطوعين بسائر ما دل على نجاسة الثلاثة، لشمول اسم كل واحد للجملة الشاملة له، بل فيها ما هو كالصريح في خصوص نجاسة شعر الأولين لغلبة الإصابة به، بل هو صريح في الثاني، ك

خبر سليمان الإسكاف (1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يخرز به، قال: لا بأس و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلي»

و نحوه خبرا برد الإسكاف (2)و سوى

صحيح زرارة(3)«سأل


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- الحديث 2.

ج 5، ص: 332

الصادق (عليه السلام) عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أ يتوضأ من ذلك الماء، قال: لا بأس»

و هو مع انه قاصر عن المقاومة انما يتم لو كان الإشارة إلى الماء الذي استقي و كان قليلا و قد لاقاه الحبل، و الكل ممنوع.

و من العجيب دعوى المرتضى في الكتاب المذكور عدم شمول اسم الكلب و الخنزير لذلك، و أعجب منه نسبة الطهارة فيه إلى أصحابنا، بل ادعى الإجماع عليه، مع أنا لم نقف على موافق له فيه منا ممن تقدمه بل و من تأخر عنه، نعم هو حكى القول به عن أبي حنيفة و أصحابه، و لقد أجاد العلامة الطباطبائي في منظومته حيث قال: بعد ذكره ما لا تحله الحياة من طاهر العين:

فان يكن من نجس فهو نجس كأصله، و القول بالطهر درس.

إلخ إذ هو كذلك مندرس لا يقدح في تحصيل الإجماع كاندراس المحكي من قوله في شرح الرسالة و المصباح و ظاهر الجمل باستحباب الغسل من مس الميت و لذا لم يشر المصنف اليه.

[في وجوب الغسل على من مس ميتا]

فقال و يجب الغسل بالضم على من مس ميتا من الناس قبل تطهيره و بعد برده و إن أشار إليه غيره، بل قد يظهر من بعضهم وجود موافق منا له على ذلك، كما انه ربما يظهر التوقف و التردد من الوسيلة و المراسم، إلا انه قد استقر المذهب الآن على خلافه، بل و قبل ذلك، و لذا حكى الشيخ في جنائز الخلاف و غيره الإجماع على

الوجوب من غير اعتداد به، و هو الحجة بعد الاخبار(1)الصحيحة الصريحة و غيرها المستفيضة بل المتواترة فيه، و لذا عمل بها من لم يقل بحجية أخبار الآحاد و قد مر عليك فيما مضى و يمر عليك فيما يأتي بعضها.

على أنه ليس في مقابلها سوى الأصل الذي لا يصلح لمعارضة شي ء منها، كمفهوم حصر الناقض بغيره في بعض المعتبرة(2).


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء.

ج 5، ص: 333

و سوى

الصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) «الغسل في أربعة عشر موطنا، واحد فريضة، و الباقي سنة»

إلى آخره.

و الأمر به و بمعلوم الندبية في

صحيح الحلبي (2)عنه (عليه السلام) أيضا، قال:

«اغتسل يوم الأضحى و الفطر و الجمعة و إذا غسلت ميتا»

الحديث.

كاقرانه به أيضا

في صحيح ابن مسلم (3)عن أحدهما (عليهما السلام) و غيره (4)«الغسل في سبعة عشر موطنا، ليلة سبعة عشر من شهر رمضان- إلى ان قال-: و إذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد و يوم الجمعة، و غسل الجنابة فريضة».

و

مكاتبة الحميري (5)للقائم (عليه السلام) «روي لنا عن العالم (عليه السلام) أنه سئل عن إمام صلى بقوم بعض صلاتهم و حدث عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟

فقال: يؤخر و يتقدم بعضهم و يتم صلاته، و يغتسل من مسه، فوقع (عليه السلام) ليس على من مسه إلا غسل اليد، و إذا لم يحدث حادثة تقطع الصلاة يتم صلاته مع القوم».

و

مكاتبتي الصيقل (6)و ابن عبيد(7)«هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام) حين غسل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند موته؟ فأجاب (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه و آله) طاهر مطهر، و لكن أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل و جرت به السنة».

و

الرضوي (8)«و الغسل ثلاثة و عشرون: من الجنابة و الإحرام و غسل الميت


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الجنابة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 7.
8- 8 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- الحديث 1.

ج 5، ص: 334

و من غسل الميت و غسل الجمعة- ثم عد باقي الأغسال، و قال-: الفرض من تلك غسل الجنابة، و الواجب غسل الميت و غسل الإحرام، و الباقي سنة»

إلى آخره.

و لانه لو وجب لكان إما لنفسه أو لغيره، و الأول باطل عند الخصم، و الثاني لا دلالة في شي ء من النصوص عليه، بل في المكاتبة السابقة ما يشعر بعدمه.

و الكل كما ترى لا تصلح لمعارضة تلك الأخبار المعتضدة بعمل الأصحاب قديما و حديثا، على أنه لا دلالة في الأول، لاحتمال بل ظهور عدم إرادة خصوص الندب من السنة، و إلا لاستلزم استحباب ما علم وجوبه بالإجماع و غيره من غسل الحيض و غيره، و الثاني لعدم رجحان مجازية خصوص الندب هنا على مجازية القدر المشترك، و الثالث لمنع دلالة الاقتران على التسوية في الحكم، فإن إقران المندوب بالواجب خصوصا في الاخبار الجامعة للأغسال كثير شائع، و المراد بالفرض منها الثابت بالكتاب، فلا يدل على ندبية غير الجنابة، و الرابع لحمل المس فيه قبل البرد، لشهادة الحال، بل مر عند البحث على نجاسة ميتة الآدمي من المكاتبة(1)أيضا للقائم (عليه السلام) ما يعين ذلك، فلاحظ.

و الخامس لاحتمال إرادة جريان السنة في الغسل من مس الطاهرين كالشهداء و المعصومين (عليهم السلام) أو إرادة الواجب منها، بل ربما احتمل عود الضمير فيه إلى غسل الميت، فيخرج عن المقام.

و السادس لعدم حجيته عندنا، بل و عند غيرنا أيضا هنا، لضعف سندها، و متروكية ظاهرها من وجوب غسل الإحرام و اختصاص الوجوب بالجنابة.

و السابع باختيار الشق الثاني، و منع خلو الاخبار عن الدلالة على اشتراط شي ء بهذا الغسل أولا، و منع دلالة الخلو على ذلك أيضا ثانيا بعد إمكان ثبوته من الإجماع أو إجماع القائلين بالوجوب، و قد تقدم في أول الكتاب ما يفي بذلك، فلاحظ.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 5.

ج 5، ص: 335

و لا صراحة في المكاتبة بجواز الصلاة للماس قبل الغسل مع وجوبه، و كيف و قد عرفت ظهور الحال بكون المس في حال الحرارة، فقد يحمل الأمر بالغسل فيها حينئذ على الندب و إن لم أقف على مصرح به من أحد من الأصحاب، و لعلنا لو وقفنا على كلام المرتضى (رحمه الله) لأمكن حمل قوله بعدم الوجوب على مثل هذا الحال أي المس بحرارة، للإجماع هنا بقسميه عليه، بل في المنتهى انه مذهب علماء الأمصار، و للنصوص الصحيحة الصريحة المستفيضة حد الاستفاضة فيه أيضا، منها

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «قلت: الرجل يغمض عين الميت عليه غسل، قال:

إذا مسه بحرارة فلا، و لكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل»

الحديث. و نحوه غيره (2).

و لذا قيد المصنف الوجوب المذكور بما بعد البرودة، و ظاهره كالنصوص (3)اعتبار برودة الجميع، فلا عبرة بالبعض.

و كذا قيده بما قبل التطهير، لعدم وجوبه بعده أيضا إجماعا بقسميه، بل في المنتهى انه مذهب علماء الأمصار، و نصوصا، منها

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (4): «مس الميت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس»

ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (5): «لا بأس بأن يمسه بعد الغسل»

الحديث.

بل و عدم استحبابه أيضا، للأصل المعتضد بالعمل، و عدم نص أحد من الأصحاب فيما أجد عليه عدا الشيخ في استبصاره و عن تهذيبه، حيث حمل

موثق الساباطي (6)عن الصادق (عليه السلام) «يغتسل الذي غسل الميت، و كل من مس ميتا فعليه الغسل و ان كان الميت قد غسل»

الحديث. عليه، و هو و ان كان لا بأس به


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 3.

ج 5، ص: 336

للجمع و التسامح في أدلة السنن (1)لكنه بعيد عن ظاهر اللفظ، مع ما قيل من مشهورية روايات عمار المتفرد بها في نقل الغرائب، فلعل الاولى طرحها كما في الحدائق، أو حملها على من غسل بالسدر أو به و بالكافور فقط، أو على إرادة غسل الميت من النجاسات لا التغسيل، أو إرادة عدم سقوط غسل المس السابق على التغسيل به، أو غير ذلك، و الأمر سهل.

و لا يلحق بالمغسل الميمم كما في صريح القواعد و المنتهى و المدارك و ظاهر جامع المقاصد و كشف اللثام أو صريحهما، بل لا أجد فيه خلافا مما عدا شيخنا في كشف الغطاء، فألحقه به للعمومات، و خصوص ما نطق من الاخبار بالغسل إذا مسه قبل الغسل، و لبقائه على النجاسة، و لذا يغسل لو أمكن بعده قبل الدفن.

لكن قد يشكل ذلك كله بعموم ما دل على تنزيل التراب منزلة الماء(2)و انه أحد الطهورين (3)و بمنع دوران الحكم على بقاء النجاسة لو قلنا بها لدليل خاص، اللهم إلا أن يقال: إن الحكم بالتيمم في الميت ليس لتلك العمومات، لظهورها في قيام التراب مقام الماء في رفع الأحداث لا في مثل غسل الميت المركب من الماء و الخليطين المستتبع إزالة النجاسة، بل التيمم فيه حينئذ لدليل خاص لا دلالة فيه على كونه حينئذ كالغسل.

و كذا البحث في الميمم عن بعض الأغسال، خصوصا السدر و الكافور، أما فاقد الخليطين فلا يبعد جريان حكم الغسل الصحيح عليه، فلا يجب الغسل بمسه حينئذ،


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- الحديث 1.

ج 5، ص: 337

لسقوط اشتراطهما في هذا الحال، فيقوم الباقي حينئذ مقام غيره في الواجد، خلافا لجامع المقاصد، فأوجبه بمسه للأصل، و انصراف الغسل المعلق عليه نفي الوجوب إلى غيره، و فيه تأمل.

و لو كمل غسل الرأس مثلا قبل إكمال الغسل لجميع البدن ففي القواعد و الرياض لم يجب الغسل، لطهارته، و كمال الغسل بالنسبة اليه، و يحتمل كما في جامع المقاصد و عن الذكرى الوجوب، بل هو الأقوى كما في المدارك و عن الذخيرة، للعمومات، و صدق المس قبل الغسل، لأن جزءه ليس غسلا، و منع طهارته قبل كمال الجميع لو قلنا بدوران الحكم مدارها، و لا استبعاد في توقف طهارة العضو من الخبث على الإكمال، بل قضية الاستصحاب و غيره ذلك.

فما في الحدائق- من انه مناف لمقتضى القواعد الفقهية من حصول الطهارة من الخبث بمجرد انفصال ماء الغسالة، حتى انه التزم من جهة ذلك القول بحصول الطهارة من الخبث للعضو قبل الإكمال و إن أوجب الغسل بمسه، و انه لا تلازم بين الطهارة و عدم وجوب الغسل، تمسكا بظاهر الأدلة- في غير محله، لرجوع أمر التطهير للشارع، و إلا فأي نجاسة توقفت على سدر و كافور.

ثم انه قد يظهر من المتن كغيره من عبارات الأصحاب عدم وجوب الغسل بمس الشهيد، و هو كذلك وفاقا لصريح جماعة منهم الفاضلان في المنتهى و القواعد و عن المعتبر، بل لا أجد فيه خلافا للأصل، و ظهور سياق ما دل على وجوبه في غيره ممن وجب تغسيله، خصوصا

مكاتبة الصفار(1)«إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل»

كظهور ما دل (2)على سقوط الغسل عن الشهيد في عدمه أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت.

ج 5، ص: 338

و في مساواته لغيره بعد التغسيل، سيما مع عدم اشتمال شي ء منها على الأمر به على كثرتها، و ظهور تحقق المس غالبا بمباشرة الدفن و نحوه فيها، بل ربما يحصل القطع بالحكم للفقيه المتأمل في سبب سقوط الغسل عن الشهيد من الإكرام و الاحترام و للتخفيف عن أولئك المجاهدين عن بيضة الإسلام، و لذا لم يصل إلينا أمر به أو بالتيمم بدله من النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) في يوم من الأيام في الوقائع المتعددة و الغزوات المعظمة.

مضافا إلى ما يظهر من اشتراط نجاسة الممسوس في وجوب غسل المس من مكاتبتي الصيقل (1)و ابن عبيد(2)المتقدمتين آنفا المشتملتين على السؤال عن اغتسال أمير المؤمنين (عليه السلام) لما غسل النبي (صلى الله عليه و آله).

و منها مع الأصل يستفاد أيضا سقوطه بمس النبي (صلى الله عليه و آله) و نحوه ممن علم طهارته بعد الموت، كما عن بعضهم التصريح به، إلا انه قد يناقش فيه بتناول العمومات، و بقوله (عليه السلام) في المكاتبتين السابقتين: «و لكن فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) و جرت به السنة» و لا ينافيه قوله (عليه السلام) قبل ذلك: «إنه طاهر مطهر» إذ أقصاه اختلاف حكمة الغسل بمس النبي (صلى الله عليه و آله) و نحوه عن حكمة غيره كأصل تغسيله، فلا استبعاد حينئذ في القول بالوجوب بمس النبي (صلى الله عليه و آله) و لا هوان، لعدم انحصار الحكمة في النجاسة إذ قد يقصد إرادة عمومية الحكم، و نحو ذلك.

نعم قد يتجه الحكم بسقوط الغسل بمس من أمر بتقديم غسله بعد قتله بذلك السبب و تقديمه الغسل وفاقا للفاضل في القواعد و غيره، بناء على ما تقدم منا سابقا في محله من استظهار كون هذا الغسل غسل الميت و قد قدم مما دل على مشروعيته، و أنه لا استبعاد في تقديم المسبب الشرعي على سببه، فيجري حينئذ عليه حكم غسل الميت من عدم وجوب غسل المس بعده و غيره، بل ربما ادعي تناول نفس ما دل على سقوط


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 7.

ج 5، ص: 339

أثر المس بعد التغسيل له من غير حاجة لدعوى المساواة و التنزيل، فما عن السرائر- من وجوب الغسل بمسه بناء على نجاسته بالموت عنده، و تبعه عليه في الحدائق- في غير محله، كتوقف المنتهى و عن الذخيرة في ذلك.

نعم يتجه عدم السقوط بمس من غسله الكافر بأمر المسلم كما هو صريح القواعد و ظاهر جامع المقاصد و كشف اللثام أو صريحهما، بناء على ما تقدم لنا في محله انه ليس من غسل الميت في شي ء، و انما هو شي ء أوجبه الشارع لتعذر الأول، و إلا فلو قلنا بكونه غسل الميت إلا انه سقط بعض شرائطه للعذر اتجه القول بالسقوط حينئذ.

ثم انه لا فرق في وجوب الغسل بين كون الممسوس مسلما أو كافرا كما صرح به جماعة منهم الفاضل و الشهيد و المحقق الثاني، لإطلاق النصوص و الفتاوى، بل لعله أولى، إلا انه احتمل الأول في المنتهى و التحرير العدم، لمفهوم تقييد غسل المس بما قبل التطهير نصا و فتوى أيضا الظاهر في اعتبار كون الميت مما يقبل التطهير، و لأنه لا يزيد على مس البهيمة و الكلب، و هو ضعيف، لخروج الأول بعد تسليم اعتبار مثله مخرج الغالب، و الثاني قياس.

كما انه لا فرق بين المس بأي جزء من أجزاء البدن لأي جزء من أجزاء الممسوس و ان لم تكن مما تحله الحياة منهما بعد صدق اسم المس عليه و انصرافه اليه، نعم لعله لا يصدق في خصوص الشعر ماسا أو ممسوسا سيما الثاني، كما عساه يشعر به عدم وجوب غسله في الجنابة، بخلاف السن و الظفر و العظم، فيصدق اسم المس بكل واحد منها ماسة كانت أو ممسوسة، فما في المحكي من عبارة الروض- من اعتبار المس بما تحله الحياة لما تحله الحياة في وجوب غسل المس، فمتى انتفى أحد الأمرين لم يجب، ثم قال:

و في العظم إشكال، و هو في السن أقوى، و يمكن جريان الإشكال في الظفر أيضا لمساواته العظم- في غير محله، لما عرفته من تحقق الصدق الذي لا ينافيه الطهارة، و نحوه

ج 5، ص: 340

ما في جامع المقاصد من التردد في المس بالظفر و السن و العظم، و الذكرى أيضا في الثاني إذا كان ممسوسا، نعم قد يشك في صدق اسم المس أو انصراف إطلاقه بالنسبة إلى بعض الأفراد، فيتجه حينئذ التمسك في نفي وجوب الغسل بالأصل، و باستصحاب الطهارة و نحوهما.

[في وجوب الغسل إن مس قطعة فيها عظم]

و كذا يجب الغسل بالضم ان مس قطعة منه أو من حي قبل التطهير و كان فيها عظم على المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الإسكافي، فقيده في المبان من حي بما بينه و بين سنة، و ستعرف ما فيه، و إلا من المصنف في المعتبر و السيد في المدارك، فلم يوجباه، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر على الوجوب.

و هو ضعيف، لانقطاعه بصريح الإجماع من الشيخ في الخلاف المعتضد بظاهره من غير واحد من الأصحاب.

و بالشهرة العظيمة، بل في الذكرى «ان الأصحاب منحصرون في موجب غسل الميت على الإطلاق، و هم الأكثر، و في نافيه كذلك على الإطلاق، و هو المرتضى، فالقول بوجوبه في موضع دون موضع لم يعهد» انتهى.

و بالاستصحاب في المقطوع من الميت متمما بعدم القول بالفصل على الظاهر، و نفي احتمال مدخلية الاتصال ثمرة الاستصحاب، فلا يقدح حينئذ انسياق الاجتماع إلى الذهن من الأدلة.

و بفحوى وجوب جريان أحكام الميت عليها بناء عليه من التغسيل و التكفين و نحوهما.

و ب

مرسل أيوب بن نوح (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على كل من يمسه الغسل،


1- 1 الوسائل- الباب 2- من أبواب غسل المس- الحديث 1.

ج 5، ص: 341

و ان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»

المنجبر بما سمعت، المؤيد

بالرضوي (1)«و ان مسست شيئا من جسد أكيل السبع فعليك الغسل ان كان فيما مسست عظم، و ما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك».

و بالمستفاد مما تقدم سابقا عند البحث على نجاستها من تنزيل القطعة المبانة منزلة الميتة المقتضي لجريان أحكامها عليها، بل لعل الظاهر منها كغيرها دوران الحكم مدار تحقق معنى الموت، فضلا عما تقدم في باب أحكام الأموات من ظهور تنزيل الصدر منزلة الميت، بل قد يعطي التأمل الجيد القطع بفساد القول بعدم جريان حكم المس على القطعة في القطع العظيمة، سيما التي يصدق عليها اسم الميت كالباقي من الجسم بعد قطع اليدين و الرجلين و الرأس.

و منه ينقدح القطع بعدم اعتبار اجتماع جميع أجزاء الجملة، و إلا لانتفى وجوب الغسل بانتفاء اليسير من البدن، و هو واضح الفساد، و احتمال الفرق بين ما ينتفي الصدق بانتفائه و عدمه لو سلم لم يتم في الميت المقطع قطعا متعددة، بل و المقدود نصفين، بل و المنفصل بعضه بحيث لا يصدق على ما بقي جسد الميت، فإنه لا ينبغي التأمل في وجوب غسل المس بذلك، إذ ليس التقطيع من المطهرات.

و من ذلك كله ظهر لك ضعف ما سمعته من المعتبر، و اندفاع ما أورده على الخبر من الإرسال، و قلة العمل، و عدم ثبوت دعوى الإجماع من الشيخ سيما بعد ما عرفت من إنكار المرتضى أصل وجوب غسل المس، لانجبار الإرسال بما سمعت، و منع قلة العمل بعد دعوى الشيخ الإجماع، و قد حكي التصريح من الصدوق و ابن إدريس به في المقطوع من الميت كما عن ابن الجنيد و الإصباح في الحي، إلا أن الأول قيدها بما بينه و بين سنة، و لعل الباقين اكتفوا بإطلاقهم وجوبه بمس الميت، إذ قد يندرج ما نحن فيه


1- 1 المستدرك- الباب- 2- من أبواب غسل المس- الحديث 1.

ج 5، ص: 342

فيه، و لضعف المناقشة في الإجماع بعد حجية المنقول منه بخبر الواحد المحكية في الذكرى عن كثير، خصوصا و الناقل مثل الشيخ، إذ ليس ما يحكيه إلا كما يرويه، على انك قد عرفت عدم انحصار الدليل في ذلك.

و على كل حال ففي اعتبار البرودة في وجوب الغسل بالضم بمس جزء الحي بل و بالفتح ان قلنا به في الجملة تأمل، لكن قد يقوى في النظر العدم.

ثم انه قد يشعر عبارة المتن كغيرها بعدم وجوبه في مس العظم المجرد من حي كان أو ميت، كما عن التذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام و التحرير و حاشية الميسي التصريح به، و استصحاب الطهارة من الحدث السالم عن المعارض، و لما تقدم سابقا مما يستفاد منه اشتراط غسل المس بنجاسة الجملة و ان لم يعتبر نجاسة خصوص ما باشره مما صدق به اسم المس، و لا عبرة بالنجاسة العرضية الحاصلة من الملاقاة لو قلنا بها، إذ المراد النجاسة الذاتية، على انه نفرضه فيما طهر من العظام، و لا قائل بالفصل، و لغير ذلك مما يظهر بالتأمل فيما تقدم، و لعله الأقوى، لكن في غير عظم يفرض صدق مس الميت بمسه، بل ينبغي القطع به في مثل السن و الظفر و نحوهما سواء كانا من حي أو ميت للسيرة القاطعة، بل ربما يدعى ذلك أيضا فيما لو صاحبا لحما قليلا كما صرح به الأستاذ في كشف الغطاء في السن، بل قد يمنع شمول تلك الأدلة السابقة لمثله، أو يشك، فيبقى الأصل سالما.

و دعوى عدم جواز التمسك به هنا لرجوع الشك في مانع العبادة يدفعها- بعد منعها في نفسها على الأصح عندنا من جريان الأصل في الشرائط و الموانع- ان الاستصحاب خصوصا استصحاب الطهارة دليل شرعي يكفي في بيان العبادة و رفع إجمالها الموجب للاحتياط من باب المقدمة، فما في الذكرى و الموجز و عن الدروس و فوائد الشرائع و المسالك من ثبوت الغسل بمس العظم المجرد كالقطعة المشتملة عليه لا يخلو من نظر بل منع، كمستندهم من دوران الحكم مداره وجودا و عدما، إذ مثله لا يصلح لأن

ج 5، ص: 343

يكون مدركا لحكم شرعي، نعم قد يحتج لهم بالاستصحاب في خصوص المبان من الميت، و يتم في غيره بعدم القول بالفصل، و هو كما ترى.

و كيف كان فمرادهم قطعا غير السن و نحوه، و به صرح في الذكرى هنا، لكن وقع فيها ما فيه نظر من وجوه من غير هذه الجهة، فلاحظ و تأمل هذا.

و في الفقيه و عن المقنع «لا بأس بأن تمس عظم الميت إذا جاوز سنة» و هو مضمون

خبر إسماعيل الجعفي (1)«سأل الصادق (عليه السلام) عن مس عظم الميت، قال: إذا جاوز سنة فلا بأس»

و كأنه بمعنى عدم وجوب الغسل بمسه، كما قال أبو علي انه يجب بمس قطعة أبينت من حي ما بينه و بين سنة، أو عدم وجوب الغسل بالفتح، و على الأول يعطي مساواة العظم للقطعة ذات العظم في إيجاب مسه الغسل، لكن إلى سنة، و عدم اعتبار سند الخبر المذكور و استقرار المذهب على عدم اعتبار ما فيه من الشرط و إجمال سؤاله بل جوابه يمنع من العمل به و الالتفات اليه، مع احتماله ما في الوسائل أن العظم قبل سنة لا يكاد يخلو من أجزاء اللحم الموجب مسها للغسل، و في المنتهى «ان في التقييد بالسنة نظرا»، و يمكن أن يقال: إن العظم لا ينفك من بقايا الأجزاء، و ملاقاة أجزاء الميتة ينجسه و ان لم تكن رطبة، أما إذا جاز عليه سنة فان الأجزاء الميتة تزول عنه و يبقى العظم خاصة، و هو ليس بنجس إلا من نجس العين» انتهى. و فيه ما فيه.

ثم انه و ان قلنا بوجوب الغسل بالضم بمسه فلا يجب بمس الموجود منه في مقابر المسلمين المختصة بهم، تحكيما للظاهر المعتضد بالسيرة و قاعدة اليقين على الأصل، و به صرح في الدروس و الموجز و الحدائق، كما هو ظاهر غيرها، بل صرح في الأولين بسقوطه أيضا في المشتركة بينهم و بين الكفار، أو المتناوب عليها الفريقان في زمانين،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل المس- الحديث 2.

ج 5، ص: 344

لقاعدة اليقين، لكنه لا يخلو من إشكال كما في الحدائق، لانقطاعها باستصحاب عدم الغسل في الممسوس الوارد عليها كانقطاعها في الطهارة من الخبث بمستصحب النجاسة، إلا أنه قد يقال بعدم صحة جريان أصالة عدم الغسل هنا بعد القطع بانقطاعها في الجملة القاضي بطرو صفة الاشتباه و الإبهام على هذه الأفراد المختلطة، كسائر شبه الموضوع التي لا يقطع مباشرة أحد أفرادها المحصورة كالاناءين استصحاب طهارة الغير من الثوب، فضلا عن غير المحصور، فيتجه حينئذ حكمهما بعدم الغسل في الفرض المذكور.

نعم لو كان العظم في مقبرة الكفار المختصة بهم اتجه حينئذ الحكم بوجوب الغسل كما هما صرحا به و غيرهما، بل ينبغي القطع به في المعلوم كونه من الكافر، لعدم صحة غسله، بل و كذا مع احتمال كونه من مسلم، بناء على عدم الالتفات إليه في مقابلة ذلك الظهور، كما لا يلتفت إليه في جريان باقي أحكام الكفار في أمثاله إلا ما خرج بالدليل، و لذا كان المتجه أيضا إلحاق المقبرة بالدار مع الجهل بها لأي الفريقين.

أما العظم المطروح في فلاة أو طريق فقد أطلق في الموجز وجوب الغسل بمسه كما عن الدروس، و نفى عنه البأس في كشف الالتباس، و كأنه لأصالة عدم الغسل، لكنه لا يخلو من نظر إذا كان في فلاة المسلمين و أرضهم، للحكم بإسلامه حينئذ كما لو كان حيا، و قاعدة اليقين محكمة.

و فيه ان ذلك لا يقضي بأنه قد وقع عليه التغسيل المسقط لوجوب غسل المس، لعدم اقترانه بشاهد حال كالدفن و نحوه، إذ قد يكون ممن لم يعثر عليه مسلم، بأن كان أكيل سبع مثلا، و مجرد غلبة غيره لا يصلح كونه قاطعا للأصل، نعم لو اقترن ذلك بظاهر فعل مسلم مترتب على التغسيل اتجه السقوط حينئذ.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال في الميت نفسه و القطعة المبانة ذات العظم و غيرها

ج 5، ص: 345

بالنسبة إلى جريان سائر ما تقدم، إذ مدار الجميع على الظهور المعتد به في قطع الأصل، لاستفادة حجيته من الشرع، و إلا فهو لا يقدم على الأصل بدون ذلك، فتأمل جيدا.

و السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب بمسه الغسل قطعا، لتناول الأدلة له، و ولوجها بعد تمام أربعة أشهر، أما قبل الولوج بأن كان دون الأربعة فعن المفيد انه لا يجب الغسل بمسه، و قواه في المنتهى، قال فيه: «لأنه لا يسمى ميتا، إذ الموت انما يكون من حياة سابقه، و هو انما يتجه بأربعة أشهر، نعم يجب غسل اليد» انتهى.

قلت: هو جيد، لكن قد يشكل بأن المتجه حينئذ الحكم بطهارته، و ان نفى الخلاف عن نجاسته النراقي في لوامعه، لعدم تناول اسم الميتة له، فلا يجب غسل اليد منه، اللهم إلا أن يقال: إن نجاسته حينئذ لا لصدق الميتة، بل لأنه قطعة أبينت من حي.

فيه- مع بعده في نفسه، و عدم انصراف دليل القطعة إلى مثله، و كونه على هذا التقدير من أجزاء الحي التي لا تحلها الحياة إلا على اعتبار المنشئية- انه لا وجه لإطلاق القول بعدم وجوب الغسل بمسه بناء على ذلك، بل المتجه حينئذ التفصيل بين المشتمل على العظم منه و عدمه كالقطعة المبانة من حي، و القول بعدم اشتماله على عظم أصلا قبل ولوج الروح حتى الرأس غير ثابت، بل لعل الثابت مما دل على تمام خلقته قبل ولوج الروح خلافه، و الله أعلم.

[في وجوب غسل اليد على من مس ما لا عظم فيه]

و يجب غسل اليد مثلا دون الغسل بالضم على من مس ما لا عظم فيه من القطعة المبانة عدا ما تقدم استثناؤه من البثور و الثالول و نحوهما مما انفصل من الحي أو مس ميتا له نفس سائلة من غير الناس أما عدم وجوبه بالضم فيهما فلا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المنتهى في الثاني، و نسبه إلى نص الأصحاب في الأول، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليه في الأول، كما في كشف اللثام ذلك فيهما، و هو الحجة بعد

ج 5، ص: 346

الأصل، و مرسل أيوب بن نوح (1)السابق في الأول، و صحيحة ابن مسلم (2)عن أحدهما (ع) و

الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام) في الثاني «عن الرجل يمس الميتة أ ينبغي أن يغتسل؟ فقال: لا، انما ذلك من الإنسان»

ك

خبر معاوية بن عمار(4)قال للصادق (عليه السلام): «البهائم و الطير إذا مسها عليه غسل، قال: لا، ليس هذا كالإنسان»

و بذلك يخرج عن شمول بعض ما قدمناه في ذات العظم من الأدلة المجردة منه.

و أما الغسل بالفتح فلا أجد فيه خلافا مع الرطوبة، و كون الممسوس غير ما عرفت طهارته من الأجزاء السابقة، بل في كشف اللثام انه لعله إجماعي، قلت: بل هو كذلك، لما تقدم مما دل على نجاسة الميتة من الآدمي و غيره، و نجاسة القطعة المبانة منها المقتضي لنجاسة الملاقي مع الرطوبة، بل لعله في الجملة ضروري دين فضلا عن كونه إجماعيا بين المسلمين، كما أنه يمكن دعوى تواتر الأخبار به معنى بملاحظة ما تقدم من الأخبار السابقة و غيرها، ك

مرسل يونس بن عبد الرحمن (5)عن الصادق (عليه السلام) «سأله هل يجوز أن يمس الثعلب و الأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال: لا يضره لكن يغسل يده»

الحديث.

و قد تقدم فيما مضى الإنكار على الكاشاني حيث ادعى عدم نجاسة الميتة بالمعنى المتعارف المقتضي نجاسة الملاقي، بل المراد بها الخبث الباطني، و قلنا هناك: إن الأخبار و الإجماع بل الضرورة على خلافه لكن حكى في جامع المقاصد هنا عن المرتضى (رحمه الله) القول بأن نجاسة بدن الإنسان الميت حكمية كنجاسة بدن الجنب، و هو بعينه ما اختاره الكاشاني في مطلق الميتة، إلا أني لم أعرف أحدا حكاه عن غيره، و ظني أنه توهمه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل المس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل المس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل المس- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل المس- الحديث 4.

ج 5، ص: 347

من قوله بعدم وجوب غسل المس، و هو كما ترى لا يقتضيه.

[اعتبار الرطوبة في التنجيس]

و على كل حال فلا ينبغي البحث في ذلك بعد ما عرفت، انما البحث في أن نجاسة الميتة من الإنسان و غيره كغيرها من النجاسات لا تتعدى إلى الملاقي إلا مع الرطوبة، أو أنها تتعدى و لو مع اليبوسة، فيجب حينئذ غسل الملاقي و ان كان يابسا، الأقوى الأول وفاقا لصريح الذكرى و جامع المقاصد و كشف اللثام و موضع من الموجز و غيرها، كما عن صريح المبسوط و ظاهر الفقيه و المقنع، بل في شرح المفاتيح نسبته إلى الشهرة بين الأصحاب.

قلت: و هو كذلك، بل لعله الظاهر من عامتهم عدا من صرح بخلافه، لعدهم إياها في سلك ما حكمه ذلك من غيرها من النجاسات من غير تنصيص على الفرق، بل هو مشعر بوضوح الحكم و ظهوره لديهم كما لا يخفى على من لاحظ ذلك المقام، خصوصا معاقد الإجماعات السابقة، سيما ما في المعتبر منها من أن علماءنا متفقون على نجاسته نجاسة عينية كغيره من ذوات الأنفس السائلة، للأصل في الملاقي بل و الملاقي بالفتح في نحو ميتة نجس العين بل و طاهره على بعض الوجوه.

و عموم

قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير(1): «كل يابس ذكي»

المعتضد بالمستفاد من استقراء كثير مما ورد(2)في غيرها من النجاسات كالعذرة و الخنزير و الكلب و الدم و البول و المني اليابس و غيرها، بل في بعضها ما هو كالصريح في ان مناط عدم التعدي فيها اليبوسة لا خصوص يبوستها، بل يمكن استفادة ذلك منها على وجه القاعدة كغيرها من القواعد المستفادة من مثل ذلك كما لا يخفى على من لاحظها على كثرتها.

و لخصوص

صحيح علي بن جعفر(3)(عليهما السلام) «سأل أخاه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام الخلوة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 5.

ج 5، ص: 348

عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: ليس عليه غسله، و ليصل فيه و لا بأس».

ك

صحيحه الآخر(1)«سأله أيضا عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت، قال:

ينضحه بالماء و يصلي فيه و لا بأس»

إذ لا يراد بالنضح التطهير قطعا، و إلا لوجب الغسل دونه، و احتمال إرادته منه مع انه لا قرينة عليه يدفعه ملاحظة كثير مما أمر فيه بالنضح مما علم عدم إرادة التطهير منه باعتراف الخصم.

خلافا للعلامة و الشهيدين، فتتعدى مع اليبوسة في ميتة الآدمي خاصة في التذكرة و عن الروض و البيان و فوائد القواعد مع نسبة له في الأخير إلى المعروف من المذهب، كما في كشف الالتباس انه المشهور، و اليه يرجع ما في القواعد و أحد موضعي الموجز إن أريد بلفظ الميت فيهما خصوص الإنسان.

و في ميتة غير الآدمي دونه عن موضع آخر من الموجز و هو غريب لم أجد له موافقا فيه.

و مطلقا كما هو الاحتمال الآخر في عبارتي القواعد و الموجز، بل هو الذي فهمه في كشف اللثام، و حكاه عنه في النهاية ناسبا له فيها إلى الأصحاب كما عن ذلك (2)في التذكرة أيضا، و اليه يرجع ما في المنتهى بعد التدبر في عبارته.

لكنه صرح فيه بحكمية النجاسة حينئذ على إشكال في الملاقي لميتة غير الآدمي بمعنى عدم نجاسة ما يلاقيه بيده التي باشر بها الميتة، و ان كان رطبا انما يجب عليه غسل يده خاصة و تقابلها العينية كما عن النهاية احتماله، بل هو ظاهر القواعد في الجنائز أو صريحها.

و قد تجاوز في المنتهى فتنظر في وجوب غسل اليد لو مس الصوف أو الشعر المتصل بالميتة، من صدق الاسم، و من كون الممسوس لو جز كان طاهرا، فلا يؤثر نجاسة الماس مع الاتصال.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 7.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الأصح« عنه» بدل« عن ذلك».

ج 5، ص: 349

و الكل ضعيف إذ لا نعرف لهم دليلا عليه، بل و لا داعيا دعا اليه سوى إطلاق الأمر بغسل اليد و الثوب و نحوهما من مباشرة الميتة فيما تقدم سابقا من الأخبار عند البحث على النجاسة كالتوقيع (1)و غيرها، بل ربما يشم من سياقها اليبوسة.

و فيه- مع إمكان دعوى ظهور بعضها في الأمر بغسل الثوب من الرطوبات التي تكون على الميت لا مع اليبوسة، ك

خبر إبراهيم بن ميمون (2)«سأله عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت، قال: إن كان غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و ان كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه»

و نحوه حسن الحلبي (3)المتقدم هناك، بل في شرح المفاتيح أنها في غاية الظهور بذلك، بل لا يحتمل غيره، بل قد يظهر حينئذ من اقتصار الأمر بالغسل من الرطوبات فيهما عدم الأمر به ان لم يكن رطوبة كما في اليابس، فانحصر الدليل حينئذ في إطلاق غيرهما من التوقيع (4)و المرسل (5)و نحوهما(6)القاصرة سندا بل و دلالة، لضعف استفادة مثل الحكم المذكور من مثل هذه الإطلاقات الوارد كثير منها في كثير من النجاسات، مع عدم دعوى أحد منهم شيئا من ذلك فيها، و ما ذاك إلا لأنهم فهموا أنها مبنية على مقدمات مطوية معلومة لديهم من قاعدة كل يابس ذكي و نحوه، فيراد حينئذ الأمر بالغسل مع اجتماع شرائط النجاسة، خصوصا و لم يكن السؤال فيها عن شي ء من أمر اليبوسة و الرطوبة، بل المراد معرفة حكم ذلك الحيوان مثلا من جهة نفسه، فالاستدلال بهذه الإطلاقات حينئذ على ذلك انما هو على ما لم تسق لبيانه، إلى غير ذلك، على أن المرسل منها مشتمل على الأمر بغسل اليد من إصابة السباع في الحياة و الموت، و لذا جزم بعضهم بحمله على الندب- انها معارضة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل المس- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 24- من أبواب النجاسات.

ج 5، ص: 350

بما سمعته سابقا من عموم طهارة اليابس و غيره، و هو و ان كان بالعموم من وجه إلا انه يرجح عليه بالاعتضاد بالأصل، و الصحيحين (1)و تلك القاعدة، و سكوت الأصحاب عن الفرق بينه و بين سائر النجاسات، مع استبعاد خفاء مثل هذا الحكم عليهم إلى زمن العلامة، كاستبعاد وكول بيان الأئمة (عليهم السلام) و إخراجه عما ضربوه من تلك القاعدة الكلية إلى مثل هذه الإطلاقات التي لا زالوا يستعملونها في بيان نجاسة العين في الجملة، بل قد يومي تركهم التعرض إلى غسل اليد و نحوها في كثير من الأخبار(2)المسؤول فيها عن إصابة الميت في حال الحرارة و البرودة إلى عدمه، خصوصا مع إطلاق نفي البأس في بعضها بالنسبة للأول، و خصوصا

ما اشتمل منها(3)على تقبيل الصادق (عليه السلام) ولده إسماعيل مع سؤالهم إياه عن ذلك، فقال: «لا بأس به في حال الحرارة»

بل ربما يصل التأمل فيها إلى مرتبة القطع بمعونة قبح تأخير البيان و الإبهام و الاجمال.

و دعوى ترجيح تلك الإطلاقات بما سمعته من النسبة إلى الأصحاب في النهاية، و المشهور و المعروف من المذهب في غيرها في غاية الوهن، إذ لم نعرف نصا من أحد من الأصحاب قبل العلامة في ذلك، بل و لا إطلاقا، بل ربما كان سكوتهم عن الفرق بين نجاسة الميتة و غيرها ظاهرا في المختار.

نعم في المقنعة «و إذا وقع ثوب الإنسان على ميت من الناس قبل أن يطهر بالغسل نجسه، و وجب عليه تطهيره بالماء- إلى ان قال-: «و إذا وقع على ميتة من غير الناس نجسه، و وجب عليه غسله بالماء» إلى آخره. فربما استظهر منه ذلك، و هو كما ترى لا صراحة فيه بل و لا ظهور، لوقوع كثير من مثل ذلك منهم اعتمادا على مقدمات معلومة كما لا يخفى على الخبير الممارس.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- الحديث 5 و 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- الحديث 2.

ج 5، ص: 351

قلت: و مع ذلك كله فالمتجه بناء على تمسكهم بتلك الإطلاقات عدم الفرق في حكمية النجاسة و عينيتها بين ما باشر الميت برطوبة و عدمه، ضرورة عدم تعرض في الأدلة لشي ء من ذلك، فالتفصيل بين المباشر بيبوسة فحكمية لا تتعدى إلى غيره، و برطوبة فتتعدى مما لا نعرف له وجها، و لذا كان ظاهر المحكي من عبارة نهاية الأحكام العينية في الجميع، بل نسبه إلى ظاهر الأصحاب، و ظاهر السرائر أو صريحها الحكمية في الجميع، فلا ينجس ما باشر الميت و لو برطوبة غيره و ان كان رطبا، و لعله الظاهر من جنائز القواعد أيضا.

و إذ قد وقع من بعض الأصحاب إنكار استفادة ذلك من عبارة السرائر أحببنا أن ننقلها بنفسها، قال فيها: «و يغتسل الغاسل فرضا واجبا إما في الحال أو فيما بعده، فان مس مائعا قبل اغتساله و خالطه لا يفسده و لا ينجسه، و كذلك إذا لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم أفرغ في ذلك الإناء قبل غسله مائع، فإنه لا ينجس ذلك المائع و ان كان الإناء يجب غسله، لأنه لاقى جسد الميت، و ليس كذلك المائع الذي يحصل فيه، لأنه لم يلاق جسد الميت، و حمله على ذلك قياس و تجاوز في الأحكام بغير دليل، و الأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل قاطع للعذر، و ان كنا متعبدين بغسل ما لاقى جسد الميت، لأن هذه نجاسات حكمية و ليست عينيات، و أحكام شرعيات، فنثبتها

بحسب الأدلة الشرعية، و لا خلاف أيضا بين الأمة كافة ان المساجد يجب أن تنزه و تجنب النجاسات العينيات، و قد أجمعنا بلا خلاف بيننا على ان من غسل ميتا يجلس فيه فضلا عن مروره و جوازه و دخوله إليه، فإن كان نجس العين لما جاز ذلك، و أدي إلى تناقض الأدلة، و أيضا فإن الماء المستعمل في الطهارة على ضربين: ما استعمل في الصغرى، و الأخرى في الكبرى، و الماء المستعمل في الصغرى لا خلاف بيننا في أنه طاهر مطهر، و الماء المستعمل في الطهارة الكبرى الصحيح عند محققي أصحابنا

ج 5، ص: 352

أيضا طاهر مطهر، و من خالف فيه من أصحابنا قال: هو طاهر يزيل النجاسات العينيات و لا يرفع به الحكميات فقد اتفقوا جميعا على أنه طاهر، و من جملة الأغسال و الطهارات الكبار غسل من مس ميتا، فلو نجس ما يلاقيه من المائعات لما كان الماء الذي قد استعمله في غسله و إزالة حدثه طاهرا بالاتفاق و الإجماع الذي أشرنا إليه» انتهى.

و هو صريح فيما حكيناه عنه، نعم لا صراحة فيه في ثبوت ما ذكره من حكمية النجاسة في ملاقي الميت يابسا و ان كان ظاهره ذلك، لكنه لا يخفى عليك انه قد اشتمل على غرائب دعوى و دليلا، خصوصا ما ذكره أخيرا، إذ لا بحث في طهارة ماء غسله بالضم بعد تطهيره من النجاسة الحاصلة بالملاقاة.

بل و ما ذكره أيضا أولا، إذ ليس الحكم بنجاسة المائع الملاقي للإناء للقياس على الإناء بل لما ذكره المصنف في المعتبر في الرد عليه، و لقد أجاد من انه لما اجتمع الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميت، و أجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع لا للقياس.

كما أنه أجاد في رده عليه فيه بالنسبة إلى باقي ما ادعاه أيضا، و من هنا رماه بالضعف تارة، و بالخبط أخرى، إلا أنه قال بعد ذلك: اللهم إلا أن يريد أن الميت ليس بنجس، و انما يجب الغسل تعبدا كما هو مذهب الشافعي.

قلت: مع أن كلامه صريح في خلافه قد عرفت فيما مضى حكاية الإجماع من غير واحد، بل و تحصيله على النجاسة، و لقد أطنب المصنف في مناقشته و الإزراء عليه بما لا يسع المقام ذكره مفصلا، بل و لا يحتاج بعد وضوح فساد الدعوى، و لعل صدور مثل ذلك من الحلي كصدور نظيره من العلامة في خصوص المباشر اليابس، و ما سمعته سابقا من الخلاف في النجاسة و عدمها في حال الحرارة.

ج 5، ص: 353

و كذا إطلاق بعضهم حكمية نجاسة الميت، و آخر العينية، و نحو ذلك هو الذي ألجأ الصيمري في كشف الالتباس إلى إساءة الأدب مع الأصحاب الذين بهم تمت الحجة و قامت الشريعة، و إلى ما لا نأمل أن يقع من مثله بالنسبة إليهم، قال فيه: «اعلم أن نجاسة الميت أشكل مسألة في الشرع، و لقد خبط فيها علماء السنة و الشيعة خبط عشواء».

ثم انه أطنب في المقال غاية الاطناب، و ظن أنه جاء بشي ء، و الناظر فيه يعلم أنه عن ذاك بمعزل، و ليت شعري ما الذي حداه إلى ذلك هنا، فان كان تعدد أقوال الأصحاب فهو أقل قليل بالنظر إلى غير المقام، و ان كان إجمال الأمر عليه حيث لم يعرف مرادهم بالحكمية و العينية فهو قصور منه لا عيب منهم.

مع انه صرح غير واحد بما يكشف ذلك، فقال: إن الحكمية قد تطلق و يراد بها ما لا جرم له من النجاسات كالبول اليابس و نحوه، و قد تطلق و يراد بها ما يكون المحل الذي قامت به طاهرا لا ينجس الملاقي له، و يحتاج زوال حكمها إلى النية، و قد تطلق و يراد بها ما يقبل التطهير من النجاسات كبدن الميت، و قد تطلق و يراد بها ما حكم الشارع بتطهيرها من غير ان يلحقها حكم غيرها من النجاسات العينية، و تقابلها العينية في الأربعة، فإطلاق الأصحاب حينئذ عليها حكمية تارة، و عينية أخرى انما هو باختلاف الجهتين و الاعتبارين، أو من جهة اختيار أحد القولين السابقين، و ليس ذلك من التناقض في شي ء حتى يلتجى له إلى هذا التشنيع الشنيع، و كأنه لم يلحظ إيضاح الفخر أو جامع المقاصد و الروض و فوائد القواعد.

و قد عرفت أن الأقوى عندنا أنها حكمية بمعنى قبولها للتطهير و احتياجها إلى النية، و عينية بمعنى تعدي النجاسة منها إلى ما يلاقيها برطوبة، و كذا ما لاقى ما يلاقيها كذلك، و لو لا مخافة الاطناب لتعرضنا إلى ما يكشف عنه ما توهم من دعوى التناقض في كلمات الأصحاب، كما انه لولاه لكشفنا اللثام عن أمور أخر لها نوع تعلق في المقام، و لعل فيما ذكرنا الكفاية إن شاء الله.

ج 5، ص: 354

[الخامس الدماء]

الخامس الدماء و نجاستها في الجملة إجماعية بين الشيعة بل بين المسلمين، بل هي من ضروريات هذا الدين، كما ان عدمها فيها في الجملة كذلك، و لكن البحث في تعيين كل منهما، ففي المتن لا ينجس منها إلا ما كان من حيوان له عرق و ظاهره كغيره من كثير من عبارات الأصحاب نجاسة مطلق الخارج و ان لم يكن من العرق نفسه، بل من جلد و لحم و نحوهما كما هو قضية معقد النسبة إلى مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد في المعتبر على نجاسة الدم كله قليله و كثيرة إلا دم مالا نفس له سائلة، كنفي الخلاف في التذكرة عن نجاسته من ذي النفس السائلة و ان كان مأكولا، و ما يفهم من الذكرى و الروض بعد التدبر في كلامهما من الإجماع أيضا على نجاسته إذا كان من ذي النفس.

لكن قد يوهم خلاف ذلك جملة من كلمات الأصحاب حيث خصوا النجاسة في الدم المسفوح منه، ضرورة أخصيته من مطلق الخارج من ذي النفس، إذ المنساق منه ما انصب من العرق نفسه، بل في الحدائق «ان ذلك معناه لغة، فلا يدخل فيه حينئذ ما كان في اللحم و نحوه» و في المنتهى «ان المراد به ما له عرق يخرج منه بقوة و دفع لا رشحا كالسمك» إلى آخره.

منها ما في الغنية «دم الحيض و الاستحاضة و النفاس نجس بلا خلاف، و كذا الدم المسفوح من غير هذه الثلاثة- من غير هذه الثلاثة- إلى ان قال في الاستدلال على طهارة دم السمك بمفهوم قوله تعالى (1)«قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ» إلى آخره-: و دم السمك ليس بمسفوح، و ذلك يقتضي طهارته».

و منها ما في المنتهى «قال علماؤنا: الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس، و هو مذهب علماء الإسلام- ثم قال في الاستدلال


1- 1 سورة الانعام- الآية 146.

ج 5، ص: 355

على طهارة دم ما لا نفس له-: بأنه ليس بمسفوح، فلا يكون نجسا، و ألحق به الدم المتخلف في اللحم المذكى إذا لم يقذفه الحيوان، لانه ليس بمسفوح- ثم استدل في خصوص دم السمك كالمصنف في المعتبر- بأنه لو كان نجسا لتوقف إباحة أكله على سفحه كالحيوان البري».

و منها ما في كشف اللثام في شرح قول العلامة: «الرابع الدم من ذي النفس السائلة مطلقا» قال: «الرابع الدم الخارج من عرق ذي النفس السائلة من العرق مطلقا مأكولا و غيره بالنصوص و إجماع المسلمين كما في المنتهى» إلى آخره. ثم استدل على طهارة المتخلف في لحم المذبوح و عرقه بخروجه عن الدم المسفوح، كما أنه في جامع المقاصد استدل على المتخلف أيضا بأنه لما كان التحريم و النجاسة معا انما يثبتان في الدم المسفوح، و هو الذي يخرج عند قطع العروق كان ما سواه مما يبقى بعد الذبح و القذف المعتاد طاهرا و حلالا أيضا إذا لم يكن جزءا من محرم، سواء بقي في العروق أم في اللحم أم في البطن، إلى غير ذلك من العبارات التي توهم خلاف ما تقدم.

كاستدلال الحلي في السرائر أيضا على طهارة دم السمك و نحوه بكونه ليس بمسفوح، و بأنه لو كان نجسا لتوقف حلية أكله على سفح دمه، لنجاسته كسائر ما كان كذلك من الحيوان، ثم قال: الدم الطاهر هو دم السمك و البراغيث و ما ليس بمسفوح، و قال: أيضا الدم الطاهر على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من غير خلاف يعرف فيه بينهم دم السمك و البراغيث و البق و ما أشبه ذلك مما ليس بمسفوح.

و كتعليل المختلف طهارة المتخلف في الذبيحة بانتفاء المقتضي للتنجيس، و هو السفح، و قد اعترف في الحدائق بايهام هذا التعليل ذلك كعبارة المنتهى، و قال: إن قضيتهما طهارة غير المسفوح كدم الشوكة و نحوها من ذي النفس مطلقا، إلا أن الظاهر من الأصحاب الاتفاق على نجاسته، و في البحار انه يتوهم من عبارة بعض الأصحاب طهارة غير المسفوح، و ما له كثرة و انصباب من دم ذي النفس، و هو ضعيف، بل

ج 5، ص: 356

ظاهر الأصحاب الاتفاق على نجاسته، كما انه في المعالم اعترف به أيضا من جملة من عبارات العلامة، خصوصا المنتهى.

قلت: لكن الأقوى الأول أي نجاسة مطلق دم ذي النفس السائلة، للإجماع السابق في المعتبر المعتضد بنفي الخلاف في التذكرة الظاهر فيما بين المسلمين، و بصريح الإجماع أو ظاهره في الذكرى و الروض كظاهر البحار و الحدائق المؤيد بإطلاق أكثر الفتاوى، سيما بعد النص على طهارة دم السمك و المتخلف و نحوهما، و عدم ذكر أحد منهم طهارة شي ء من دماء ذي النفوس عدا المتخلف، بل يمكن دعوى عدم الخلاف فيه حتى ممن سمعت، لاحتمال إرادتهم مطلق الخارج من المسفوح كما في المدارك أو يقال: إن جميع دماء ذي النفس في عروق و ان كانت دقاقا، أو يقال: إن تقييدهم بالمسفوح لإخراج المتخلف في الذبيحة خاصة لا غيره، خصوصا في عبارات العلامة، و يومي اليه ما حكي عنه في النهاية انه قيد بذلك فيها، و لم يزد عند عده المستثنيات من الدم على ما عند الأصحاب.

و إن أبيت عن ذلك كله فقد عرفت أن الأقوى الأول، لما تقدم، و للمستفاد من المستفيض (1)من الاخبار أو المتواتر من نجاسة مطلق دم الرعاف و ما يسيل من الأنف، بناء على منع لزوم المسفوحية في جميع أفراده.

و خصوصا مفهوم

خبر ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يمس أنفه فيرى دما كيف يصنع؟ أ ينصرف؟ فقال: إن كان يابسا فيرم به و لا بأس»

إذ قد يدعى ظهوره في غير المسفوح.

ك

صحيح علي بن جعفر(3)عن أخيه (عليهما السلام) «سأله عن الرجل يكون به


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- الحديث 1 و 8 و الباب 21 منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 63- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 5، ص: 357

الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول و هو في صلاته؟ أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ فقال: إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعله».

كسؤاله الآخر له أيضا

المروي (1)في الفقيه «عن الرجل يحرك بعض أسنانه و هو في الصلاة بل ينزعه، فقال: إن كان لا يدميه فلينزعه، و ان كان يدمي فلينصرف».

و أوضح منهما

خبر المثنى بن عبد السلام (2)عن الصادق (عليه السلام) «اني حككت جلدي فخرج منه دم، فقال: إذا اجتمع قدر الحمصة فاغسله، و إلا فلا»

إذ إرادة المسفوح منه بعيدة أو ممتنعة، و ذيله مع إمكان حمله على إرادة التقدير للعفو في الصلاة لا للنجاسة و الطهارة لا ينافي الاستدلال بسابقه على المطلوب.

و للمستفاد أيضا من المعتبرة(3)المستفيضة جدا من نجاسة دم القروح و الدماميل و نحوها، إذ دعوى المسفوحية بالمعنى السابق في جميع أفرادها كما ترى.

و لأصالة النجاسة في أنواع الدماء و أصنافها المستفادة من إطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في موثقتي عمار(4)بعد أن سئل عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب:

«كل شي ء من الطير يتوضأ بما يشرب إلا أن ترى في منقاره دما»

و من ترك الاستفصال بعد السؤال عن الدم الذي أصاب الثوب و نحوه فنسي أو لم يعلم به و صلى في الاخبار(5)الكثيرة الخارجة عن حد الإحصاء، كتركه أيضا بعد غير هذا القسم


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب قواطع الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النجاسات.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- الحديث 2 و 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 41 و 42- من أبواب النجاسات.

ج 5، ص: 358

من السؤال في أخبار عديدة(1)منها ما تقدم في البئر و ماء القليل، و منها غير ذلك.

لكن لم أعثر في شي ء من سائر هذه الاخبار على ما كان الغرض الأصلي من السؤال عن نجاسة الدم، لمكان تردد السائل في بعض الافراد حتى يكون ترك الاستفصال يفيد العموم بالنسبة الى ذلك، بل ظاهر أكثرها علم السائل بنجاسته، بل لعله المنساق من إطلاق لفظ الدم، إلا أنه لم يعلم حكم الصلاة به مع الجهل به أو النسيان أو القلة أو الكثرة مع مشقة التحرز عنه أو نحو ذلك.

كما أني لم أعثر على خبر معتبر من طرقنا حكم فيه بالنجاسة أو لازمها مراد به بيان حكمها، و موضوعه لفظ الدم و نحوه مما يستفاد منه حكم الطبائع، فضلا عن عموم لغوي، فاستفادة الأصل المذكور الذي هو العمدة في إثبات النجاسة في كثير من أفراد هذا القسم من مثل ما تقدم حينئذ لا يخلو من نظر و تأمل، و ان كان هو ظاهر الأستاذ في شرح المفاتيح، و العلامة الطباطبائي في المنظومة و غيرهما.

و عليه فالمتجه حينئذ استفادته أيضا بالنسبة الى ما شك في موضوعه، أي لم يعلم أنه من النجس أو الطاهر، إذ كما ترك الاستفصال في تلك الاخبار عن أنواع الدماء و أصنافها و أطلق في خبر عمار فعلم عموم حكم النجاسة كذلك ترك أيضا و أطلق بالنسبة إلى موضوعها، فينبغي أن يعلم ثبوت الحكم بالنجاسة حينئذ حتى ليظهر أنه من الطاهر، و كذا الكلام في موثقة عمار السابقة و غيرها، بل لم أعرف خبرا اختص به الأول عن الثاني.

و دعوى ندرة الطاهرة، فلا اشتباه في الموضوع من جهتها، فلا يقدح ترك الاستفصال عنها حينئذ، بخلاف أنواع الدم ممنوعة، سيما مع معروفية دم البراغيث و البق و السمك و نحوها في ذلك الزمان، بل يمكن دعوى ظهور بعض الاخبار في الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 8 و 21- من أبواب الماء المطلق.

ج 5، ص: 359

بالنجاسة مع اشتباه الموضوع لترك الاستفصال و غيره، و لذا كان ظاهر الأستاذ في شرح المفاتيح التزام أصالة النجاسة في مشتبه الحكم أو الموضوع.

بل قد يدعى ظهور موثقة عمار السابقة في مشتبه الموضوع، لبعد معرفة حال الدم الذي هو في منقار الطير، ك

خبر ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي، قال: لا يؤذنه حتى ينصرف»

إلا أنه قد يقال: لعل النهي فيه عن الاعلام لمكان احتمال طهارة الدم، كالأمر بالإتمام في

خبر داود بن سرحان (2)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما، قال: يتم».

نعم قد يستظهر ذلك من

خبر ابن أبي يعفور(3)عن الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال: يغسله و لا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم»

الحديث.

مع احتمال كون السؤال فيه انما هو لحكم النسيان، و إلا فنجاسة ذلك معلومة لدى السائل.

و من هنا حكم في المنتهى و الذكرى و الدروس و الموجز و شرحه و المدارك و الحدائق بالطهارة في الثاني أي مشتبه الموضوع كما عن نهاية الاحكام، بل في الأخير انه لا خلاف فيه بين الأصحاب، للأصل في الملاقي و الملاقي بالفتح كما في سائر ما كان من هذا القبيل.

و دعوى خروج الدم من بينها مع ضعف الإطلاقات فيه و قوتها فيها كما ترى، بل قد عرفت التأمل في ثبوت الإطلاقات و العمومات بالنسبة للأول أيضا أي مشتبه الحكم،


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النجاسات- الحديث 1.

ج 5، ص: 360

و ان استند إليها بعضهم في نجاسة العلقة و الدم في البيضة و نحوهما، و لقد أجاد كشف اللثام في منع دعوى العموم على مدعيها.

اللهم إلا أن يستند في إثباتها إلى معقد إجماع المعتبر السابق المؤيد بما عساه يفهم من

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك»

من ثبوت البأس في غير ذلك.

و ما عساه يفهم من

مكاتبة ابن الريان (2)الى الرجل «هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث؟ و هل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه؟ و أن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (عليه السلام) يجوز الصلاة، و الطهر أفضل»

بل قد يظهر منه معروفية النجاسة في سائر الدماء في تلك الأوقات.

و لما رواه في البحار عن

دعائم الإسلام (3)عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «انهما قالا في الدم يصيب الثوب: يغسل كما تغسل النجاسات، و رخصا (عليهما السلام) في النضح اليسير منه و من سائر النجاسات مثل دم البراغيث و أشباهه، قالا: فإذا تفاحش غسل»

الى آخره. من حيث تعليق الحكم فيه على طبيعة الدم.

و

بالمروي (4)في كتب الفروع لأصحابنا و إن لم أجده من طرقنا، بل ظني


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل المس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل المس- الحديث 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 15- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
4- 4 بدائع الصنائع للكاشاني ج 1 ص 60 عن عمار بن ياسر «كان يغسل ثوبه من النخامة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه و آله فقال له: ما تصنع يا عمار؟ فأخبره بذلك فقال صلى الله عليه و آله ما نخامتك و دموع عينيك و الماء الذي في ركوتك إلا سواء انما يغسل الثوب من خمس: بول و غائط و قي ء و مني و دم» و رواه في المستدرك في الباب 12 من أبواب النجاسات- الحديث 2 و لكنه ما ذكر لفظ القي ء و الدم.

ج 5، ص: 361

أنه عامي، بل ظاهر المنتهى أو صريحه ذلك «انما يغسل الثوب من البول و المني و الدم»

إلى غير ذلك مما يمكن استفادته من الاخبار.

لكن الجميع كما ترى حتى إجماع المعتبر، سيما مع كون مراده منه هنا بقرينة استثناء ابن الجنيد منه انما هو الاتفاق، فلا نقل فيه لقول المعصوم (ع)، و ربما تأمل في حجية مثله، فالأظهر حينئذ الاقتصار في النجاسة على دم ذي النفس خاصة، لوضوح الأدلة فيها من الإجماعات و غيرها، بل ربما يظهر من الآية الشريفة(1)طهارة غير المسفوح منها باعتبار لزومها لإباحة الأكل المستفادة من المفهوم.

لكن قد عرفت الأدلة السابقة على عموم سائر دم ذي النفس مسفوحة و غيره الحاكمة على المفهوم من الاخبار، و الإجماع الذي لا يقدح فيه ما حكي عن ابن الجنيد من طهارة ما كان سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الإبهام من الدم أو من غيره من النجاسات، كما يظهر من عبارته المحكية عنه، لضعفه جدا، بل في الذكرى و غيرها الإجماع على خلافه، كما انه لم يستثنه بعض من حكى الإجماع أيضا، مع احتمال تنزيل كلامه على العفو عنه في خصوص الصلاة، سيما بناء على المعروف من حكاية خلافه في الدم خاصة، فلا يكون حينئذ مخالفا.

و نحوه المحكي عن الصدوق من طهارة مقدار الحمصة، مع احتماله إرادة العفو أيضا، بل لعله الظاهر منه، و كذا ما تقدم عن الشيخ في باب الأسئار من عدم نجاسة غير المستبين من الدم و غيره من النجاسات بالنسبة للماء و غيره في أحد الاحتمالات السابقة هناك، لوضوح ضعفها جميعها و انقراضها، إذ قد استقر المذهب الآن على نجاسة دم ذي النفس مطلقا و ان قل.

نعم قد عرفت عدم عموم في الأدلة السابقة يستفاد منه أصالة النجاسة في الدماء


1- 1 سورة الانعام- الآية 146.

ج 5، ص: 362

بحيث يشمل غيره، فالعلقة أي الدم المستحيل من النطفة يتجه الحكم حينئذ بطهارتها بناء على منع اندراجها في دم ذي النفس كما في الذكرى و غيرها و ان ادعاه المصنف في المعتبر، و مجرد تكونها فيه لا يقتضيه.

نعم قد يقوى في النظر النجاسة، للإجماع في الخلاف عليها معتضدا بالمحكي من فتوى جماعة من الأصحاب، منهم القاضي و الحلي و المصنف و ابن سعيد و العلامة و الآبي و غيرهم، بل لم أعرف من جزم بالطهارة إلا المحدث في الحدائق، نعم تأمل فيها في الذكرى و كشف اللثام.

لكنه يدفعه دعوى الشيخ الإجماع، و يندرج في معقده على الظاهر علقة البيضة لإطلاقه، و احتمال اختصاصها في المستحيل من نطفة الآدمي كما عساه توهمه عبارة المعتبر ضعيف.

أما ما يوجد في البيضة من الدم مما ليس بعلقة أو لم يعلم فالمتجه بناء على ما ذكرنا الطهارة، للأصل مع عدم وضوح المعارض، كما ان المتجه النجاسة في الأول بناء على أصالتها هنا في مشتبه الحكم من الدم، و فيه مع الثاني إن قلنا بها أيضا في مشتبه الموضوع، اللهم إلا أن يقال بعدم تناول ما دل عليها لمثل هذه الافراد، فلا يستلزم حينئذ الحكم بها القول بالنجاسة هنا.

و كذا البحث في باقي الدماء التي لا ترجع إلى ذي النفس و لم يعلم حكمها بالخصوص من الشارع كالمخلوق آية لموسى بن عمران (عليه السلام)، و المتكون لقتل سيد شباب أهل الجنان (عليه السلام) و نحوهما.

أما ما يوجد في بعض الأشجار و النباتات مما هو بلون الدم فليس من الدم و ان أطلق أهل العرف اشتباها عليه ذلك مع عدم العلم بحاله، و إلا فلو فرض صدق اسم الدم عرفا عليه بعد العلم بحاله احتمل جريان البحث السابق فيه أيضا.

ج 5، ص: 363

نعم هو لا يجري في دم ما لا عرق له من الحيوان بل يكون خروج دمه رشحا كدم السمك و شبهه للإجماع محصلا و منقولا مستفيضا ان لم يكن متواترا على طهارته، خصوصا في السمك، و للأصل، و طهارة الميتة منه، و لخبر السكوني (1)و مكاتبة ابن الريان (2)السابقين، و غيرهما من النصوص المتمم دلالتها على تمام المطلوب بعدم القول بالفصل، كالعسر و الحرج و السيرة المستمرة و فحوى إباحة الأكل للسمك و نحوه.

فما عساه يظهر من المراسم و الوسيلة كما عن المبسوط و الجمل من النجاسة في هذه الدماء إلا أنه لا يجب إزالة قليلها و كثيرها محجوج بجميع ما عرفت أو مؤل.

و في حكم هذا الدم بالطهارة الدم المتخلف في الذبيحة من مأكول اللحم بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به جماعة منهم المجلسي في البحار، و تلميذه في كشف اللثام، بل ظاهرهما كغيرهما دعوى الإجماع عليه، بل في المختلف و كنز العرفان و الحدائق و عن آيات الجواد دعواه صريحا، لكن معقده في الأول المتخلف في عروق الحيوان، و الثاني بل الثالث في تضاعيف اللحم، و الاولى تعميم الحكم لهما عملا بهما معا، كما هو صريح معقد نفي خلاف كشف اللثام و ظاهر سابقه، بل و لغيرهما كالبطن و غيرها عدا الجزء المحرم كالطحال، كما هو معقد ما في شرح الدروس من إجماع الأصحاب ظاهرا على طهارة ذلك كله.

و أما الطحال فقد صرح في جامع المقاصد و الروض بنجاسة دمه، لعموم أدلتها من ذي النفس، و لحرمة أكله، و فيه تأمل، لوجوب الخروج عن الأول بما عساه يظهر بالتأمل في كلمات الأصحاب من الاتفاق على طهارة ما عدا المفسوح من دم الذبيحة، و على أنه لو غسل المذبح أو أنه قطع من أسفل بعد الذبح لم يبق فيها شي ء نجس أصلا، و قول بعض الأصحاب المتخلف في اللحم يريد المثال أو ما يشمل الطحال، و إلا فلا


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب النجاسات- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب النجاسات- الحديث 3.

ج 5، ص: 364

ريب في طهارة دم الكبد و نحوه، و حرمة الأكل لا تستلزم النجاسة قطعا.

و دعوى ان العلة في طهارة المتخلف انما هو إباحة الأكل المستلزمة لإباحته ممنوعة، فلا يبعد القول بالطهارة فيه حينئذ كسائر الأجزاء المأكولة، بل الظاهر شمول بعض معاقد الإجماعات السابقة له.

و كيف كان فالحجة على طهارة المتخلف في غير المحرم ما عرفته من الإجماع المعتضد بما سمعت، مضافا إلى المستفاد من مفهوم قوله تعالى (1)«مَسْفُوحاً» من إباحة الأكل اللازمة للطهارة، و العسر و الحرج و السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على أكل اللحم مع عدم انفكاكه عن الدم، كفحوى ما دل على إباحة أكل الذبيحة.

و بذلك كله يخص أو يقيد ما دل على نجاسة الدم من ذي النفس، فكان على المصنف استثناؤه منه، و لعله تركه لمعلوميته، بل ينبغي القطع بذلك، فليس إطلاقه حينئذ خلافا، كالمحكي عن أبي علي و انتصار السيد و جمل الشيخ و مبسوطة و مراسم سلار من إطلاقهم نجاسة الدم عدا ما لا نفس له سائلة، أو يقال كما عساه يظهر من جماعة: إن مرادهم من الدم المحكوم بنجاسته من ذي النفس انما هو المفسوح دون غيره، فلا حاجة حينئذ إلى استثنائه.

و من هنا تمسك بعضهم في طهارة المتخلف بالأصل، لكنك قد عرفت سابقا ما فيه، و أن الأدلة عامة لسائر دم ذي النفس، فلا بد حينئذ من استثناء خصوص هذا الدم من تلك العمومات، بل لا بد من الاقتصار على المتيقن منه، و هو المتخلف بعد خروج تمام المعتاد مما يقذفه المذبوح لا مع عدمه، كالمذبوح مثلا في أرض منحدرة و رأسه أعلى فلم يقذف، أو الجاذب بأنفه من الدم المسفوح زيادة على المعتاد فان هذا المتخلف خاصة نجس، لعموم الأدلة السابقة من غير فرق بين تخلفه في البطن أو غيرها،


1- 1 سورة الانعام الآية- 146.

ج 5، ص: 365

لا غيره من الكائن في اللحم و نحوه مما لم يكن من شأنه أن يقذف، نعم هو يتنجس باختلاطه معه، كما انه يتنجس بمباشرة آلة المسفوح أو يد الذابح قبل غسلهما مثلا.

و المراد بالذبيحة في معقد الإجماعات مطلق المذكاة تذكية شرعية قطعا من غير فرق بين الذبح و النحر و غيرهما، بل لا يبعد إلحاق ما حكم الشارع بتذكيته بذكاة أمه، فيعفى حينئذ عن جميع ما فيه من الدم على إشكال، نعم لو فقد بعض ما يعتبر في التذكية شرعا من إسلام و بلوغ و نحوهما دخلت في الميتة، و نجس سائر دمها، لعموم الأدلة، إذ ليس المدار على مجرد خروج الدم المسفوح، كما هو واضح.

هذا كله فيما يعتاد تذكيته من مأكول اللحم، و نحوه ما لم يعتد منه على الظاهر، أما ما يذكى من غير المأكول ففي البحار و شرح الخوانساري و الحدائق و شرح الأستاذ للمفاتيح أن ظاهر الأصحاب نجاسة دمه مطلقا كما عن الذخيرة و موضعين من الكفاية، و كأنهم أخذوه من إطلاق الأصحاب نجاسة دم ذي النفس مع تنزيل ما استثنوه من دم الذبيحة على المتبادر منها، و هو المأكول، بل مطاوي كلماتهم كالصريحة بذلك، فيبقى حينئذ ما دل على النجاسة لا معارض له.

قلت: إن تم إجماعا كان هو الحجة، و إلا كان للنظر فيه مجال، لظهور مساواة التذكية فيه لها في المأكول بالنسبة إلى سائر أحكامها عدا حرمة الأكل، و لفحوى ما دل على طهارته بالتذكية، بل لعل ذلك شامل لجميع أجزائه التي منها الدم عدا ما خرج، و للعسر و الحرج في التحرز عنه إذا أريد أخذ جلده أو الانتفاع بلحمه في غير الأكل، بل لا يمكن استخلاص اللحم منه القاضي بعدم الفائدة للحكم بطهارته.

و لعله لذا حكى في المعالم انه تردد في حكمه بعض من عاصرناه من مشايخنا، و ان كان ما حكى عنه من منشأ التردد ضعيفا، حيث جعله من إطلاق الأصحاب الحكم بنجاسة دم ذي النفس، و من ظاهر قوله تعالى «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» لاقتضائه حلية

ج 5، ص: 366

غير المسفوح المستلزم للطهارة، إذ هو مبني على جواز أكل دم غير المأكول حتى يستلزم الطهارة، و هو ممنوع.

بل ربما ظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه، و يؤيده استبعاد حرمة أكل اللحم منه مع جواز أكل الدم، بل قد يقال: إن ما دل على حرمة الحيوان شامل لجميع أجزائه التي منها الدم، فالأولى جعل منشأ التردد ما ذكرنا مع زيادة منع ظهور استثناء الأصحاب للمتخلف في المأكول خاصة، سيما من عبر بلفظ المذبوح كالقواعد و الموجز و البيان و غيرها، على أنه لو أريد بالذبيحة في كلامهم خصوص المأكول لكونه المعهود لوجب إرادة خصوص ما تعارف أكله، لا مثل الخيل و الحمير.

و من هنا كان صريح كشف اللثام القول بالطهارة، بل يظهر منه شمول الإطلاق له، كما ان الظاهر من العلامة الطباطبائي في منظومته ذلك أيضا، قال:

و الدم في المأكول بعد قذف مايقذف طهر قد أحل في الدماء

و الأقرب التطهير فيما يحرم من المذكى، و عليه المعظم

انتهى و الله أعلم.

[السادس و السابع الكلب و الخنزير]
اشاره

السادس و السابع الكلب و الخنزير البريان و هما نجسان عينا و لعابا لا يقبلان التطهير إلا بالخروج عن مسماهما كما هو الأصل في كل موضوع كان مدار النجاسة فيه مسمى الاسم، للنصوص المستفيضة(1)و فيها الصحيح و غيره، و القسم بالله ان الكلب نجس، و للإجماع المحصل، بل ضرورة المذهب، و المنقول في الخلاف و عن

غيره على الكلب، كما انه نفى الخلاف عن نجاسة الثاني فيه أيضا، كالإجماع في الذكرى و المدارك على نجاسة عينهما و لعابهما، و في المنتهى و التذكرة و كشف اللثام على نجاستهما، و في المعتبر على وجوب غسل الثوب


1- 1 الوسائل- الباب- 12 و 13- من أبواب النجاسات.

ج 5، ص: 367

لاقاهما رطبا، و لقوله تعالى (1)«فَإِنَّهُ رِجْسٌ» سواء جعل الضمير فيه للخنزير أو لحمه، نعم قد يتأمل في استفادة النجاسة من لفظ الرجس، و هو ضعيف هنا، إلى غير ذلك.

و ما عن الصدوق من الاكتفاء برش ما أصابه كلب الصيد برطوبة ليس خلافا فيما نحن فيه، كما أنه لا ينافيه

صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليهما السلام) قال:

«سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في الصلاة كيف يصنع؟

قال: إن كان دخل في صلاته فليمض، و ان لم يكن في صلاته فلينضح ما أصاب ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله»

لوجوب حمل الإصابة فيه عليها مع اليبوسة كما يشعر به الاستثناء، فإنه لا يتغير الملاقي حينئذ عن حكمه كما في سائر النجاسات إجماعا فيما عدا ملاقي الميتة في كشف اللثام و عن الذخيرة و الدلائل، للأصل و النصوص، بل قد يشعر الاستثناء في هذا الصحيح بعدم وجوب الغسل في النداوة غير المؤثرة، و هو كذلك في سائر النجاسات أيضا، و به صرح الطباطبائي في منظومته للأصل و غيره، و سيأتي تمام الكلام فيه إن شاء الله.

و أما

قول الصادق (عليه السلام)(3): «نعم»

جواب سؤال ابن مسكان له في الصحيح عن الوضوء بما ولغ الكلب فيه أ يتوضأ منه أو يغتسل؟ فمحمول على الكثير من الماء أو غير ذلك، ك

قوله (4): «لا بأس»

جواب سؤال زرارة له عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقي به، فيراد به بالنسبة إلى سقي البساتين و نحوها، أو يحمل على التقية كما قيل، و لعله أولى، لمنافاة الأول لما دل (5)على عدم استعمال الميتة و الانتفاع بها.


1- 1 سورة الانعام- الآية 146.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الأطعمة المحرمة.

ج 5، ص: 368

و كلب الماء و خنزيره لا يدخل في إطلاق الكلب نصا و فتوى، كما لا يدخل مضاف الماء في إطلاقه، فأصالة الطهارة و عموماتها لا معارض لها، مع أنها مؤيدة في خصوص الأول بالسيرة على استعمال جلده و شعره، و بما قيل: إنه الخز، بل قطع به بعض المحصلين ممن عاصرناه مستشهدا عليه بصحيح ابن الحجاج (1)و غيره (2)و يأتي تحقيق الحال فيه إن شاء الله.

فما عن ابن إدريس من تفرده بالقول بنجاسة كلب الماء للإطلاق، و ربما يلزمه القول بها في الخنزير ضعيف جدا، حتى لو سلم له انه ليس الخز، و ان لفظ الكلب من المتواطئ كما حكى عن الأكثر في الحدائق و الأشهر في الرياض، و ان كنا لم نتحقق ما حكياه، لظهور انصرافه إلى المعهود المتعارف، أما لو قلنا بالاشتراك اللفظي كما عن المنتهى، أو بكونه مجازا كما في ظاهر التذكرة و عن صريح التحرير و نهاية الاحكام، بل هو الأصح إن أراد ذلك بالنظر إلى إطلاقه لا إضافته كالماء كما سمعت فهو سيما الثاني أشد ضعفا، لتوقفه- بعد تسليم جواز استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، أو المشترك في معنييه، إذ الفرض معلومية البري، أو كان من باب عموم المجاز و الاشتراك- على القرينة، و ليس، بل هي على خلاف ذلك موجودة، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في الطهارة، فما في البيان من الحكم بها في وجه في غير محله.

و لو نزا كلب أو خنزير على حيوان طاهر أو نجس فأولده روعي في إلحاقه بأحكامه من الولوغ و نزح البئر و نحوهما إطلاق الاسم لتعليقها عليه، فان لم يصدق بأن اندرج في مسمى اسم آخر أو لم يندرج انتفت عنه، و ثبت له أحكام ذلك المسمى، لشمول أدلته له، أو الطهارة مع فرض عدم الاندراج، للأصل و العموم،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب لباس المصلي.

ج 5، ص: 369

بل و كذا الحكم في المتولد بين الكلبين و الخنزيرين أو الطاهرين، وفاقا لصريح كشفي اللثام و الغطاء و ظاهر المدارك.

و خلافا لجماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني، فحكموا بنجاسة المتولد بين النجسين مطلقا، لكونه جزءا منهما، فهو حقيقة منهما و ان اختلفت صورته.

و فيه مع منافاته الأصول و إطلاق الأدلة انه لا حكم لتلك الجزئية بعد الاستحالة، فهو كغيره من المستحيل من نجس العين، كما انه لا حكم لها و ان تولد من الطاهرين و اندرج تحت اسم النجس مثلا، و دعوى ان ذلك اختلاف في الصورة دون الحقيقة يدفعها فرض المسألة في خلافه كالهرة المتولدة من الكلبين و نحوها، كدعوى الشك في شمول إطلاق اسم غير ما تولدت منه، إذ الفرض أيضا كما عرفت تحقق الصدق و ان ندر الوجود، و ما عداهما أي الكلب و الخنزير فليس بنجس، و في نجاسة خصوص كل من

[في حكم الثعلب و الإرنب و الفأرة و الوزغة]

الثعلب و الأرنب و الفأرة و الوزغة عينا كالكلب و ان لم نقل بها في المسوخ، و طهارته تردد من الأصل و العمومات و

صحيح الفضل (1)«سألت الصادق (عليه السلام) عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب»

إلى آخره. خصوصا إن قلنا بشمول لفظ الوحش للأولين، و ما دل (2)على قبول الأول للتذكية، بل و الثاني أيضا، بناء على انه من السباع، لمعلومية عدم وقوعها على نجس العين.

و

قول الصادق (عليه السلام)(3): «لا بأس بأكله» جواب سؤال سعيد


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب لباس المصلي من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 1.

ج 5، ص: 370

الأعرج في الصحيح عن الفأرة تقع في السمن و الزيت ثم تخرج منه حيا،

ك

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح إسحاق بن عمار(1): «إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن تشرب منه و تتوضأ»

ك

خبر أبي البختري المروي عن قرب الاسناد(2)عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «إن عليا (عليه السلام) قال: لا بأس بسؤر الفأرة أن تشرب منه و تتوضأ».

و

قول الكاظم (عليه السلام)(3)جواب سؤال أخيه علي في الصحيح «عن العظاية و الحية و الوزغ يقع في الماء فلا تموت أ يتوضأ منها للصلاة؟ قال: لا بأس، و سألته عن فأرة وقعت في حب دهن فأخرجت منه قبل أن تموت أ نبيعه من مسلم؟ قال: نعم و تدهن منه»

إلى غير ذلك من الاخبار، و العسر و الحرج في التجنب عن الأخيرين خصوصا الثالث.

و ما سمعته سابقا مما دل على طهارة ميتة غير ذي النفس و منه الوزغ من الإجماع و غيره، بل قد عرفت هناك ما يشهد للطهارة من غير هذه الجهة، كما انه تقدم في باب الأسئار و البئر ما هو كذلك، فلاحظ و تأمل.

و من

مرسل يونس (4)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته هل يجوز أن يمس الثعلب و الأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال: لا يضره و لكن يغسل يده».

و

صحيح علي بن جعفر(5)عن أخيه (عليهما السلام) «سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أ يصلى فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب النجاسات- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب النجاسات- الحديث 2.

ج 5، ص: 371

و ما لم تره فانضحه بالماء»

ك

صحيحه الآخر عنه (عليه السلام)(1)أيضا «عن الفأرة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أ يؤكل؟ قال: يترك ما شماه، و يؤكل ما بقي»

و نحوه خبره الآخر عنه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد(2).

و

خبر عمار الساباطي (3)عن الصادق (عليه السلام) مع زيادة السؤال في الثاني «عن العظاية تقع في اللبن، قال: إن فيها السم»

ك

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر هارون الغنوي (4)بعد أن سأله «عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج هل يشرب من ذلك الإناء و يتوضأ؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه و يتوضأ منه غير الوزغ، فإنه لا ينتفع منه»

إلى غير ذلك كالأمر بنزح ثلاث دلاء للفأرة و الوزغة في خبر معاوية بن عمار(5)و بإهراق ما وقع فيه الوزغ و الفأرة من الماء في الرضوي (6)مضافا إلى الإجماع في الغنية على نجاسة أولي الأربعة.

لكن و مع ذلك فالأشهر و الأظهر الطهارة بل هو الذي استقر عليه المذهب من زمن الحلي إلى يومنا، بل لعل المخالف قبل ذلك أيضا نادر، فان المرتضى و ان حكي عنه في موضع من المصباح ما يقتضي بنجاسة الأرنب لكنه في موضع آخر منه قال: «لا بأس بأسآر جميع حشرات الأرض و سباع ذوات الأربع إلا أن يكون كلبا أو خنزيرا» فقد يكون مراده بالأول حكاية قول غيره أو خصوص الميت منه و لو لعدم قبوله التذكية عنده بقرينة ذكره ذلك في خصوص الجلود.


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب النجاسات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 36- من أبواب النجاسات- الحديث 2 و ذيله في الباب 46 من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- الحديث 2.
6- 6 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الأسئار- الحديث 2 و 3.

ج 5، ص: 372

و عن الصدوق و ان حكي عنه في موضع من الفقيه و المقنع الفتوى بمضمون

صحيح علي بن جعفر (عليهما السلام) في الفأرة الرطبة، لكنه في موضع آخر منها قال: «ان وقعت فأرة في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت فلا بأس بأن يدهن منه، و يباع من مسلم»

فلعله يريد بالأول الندب أو الوجوب تعبدا في خصوص ذلك لا للنجاسة.

و الشيخ و ان حكي عنه في موضع من المبسوط و النهاية «ان الأربعة كالكلب في وجوب غسل ما مسته برطوبة، و رش ما مسته بيبوسة» لكنه في موضع آخر من الأول «انه يكره ما مات فيه الوزغ و العقرب» و من الثاني «انه لا بأس بما شربت منه فأرة» فقد يريد من الأول حينئذ الندب أو خصوص ذلك تعبدا كما سمعت سابقا في الأسئار القول بوجوب اجتناب سؤر بعض الحيوان و ان كان ذلك الحيوان طاهرا، لكن عن كشف الرموز «أن الشيخ نص في موضع من التهذيب على نجاسة كل ما لا يؤكل لحمه، و استثنى في الاستبصار ما لم يمكن التحرز منه» انتهى. و هو غريب، إلا أني لم أجد ذلك في الكشف، فلعل الناقل عنه اشتبه بكراهة الاستعمال.

و ابن حمزة في الوسيلة و ان قال في موضع منها في خصوص الوزغ نحو ما سمعته من المبسوط و النهاية أولا، بل في آخر عنه استثناؤه من طهارة ميتة غير ذي النفس، لكنه صرح في موضع آخر منها بكراهة استعمال ما باشره.

و لعله لذلك كله نفى الخلاف بيننا في السرائر عن طهارة سؤر الفأرة و السباع و سؤرها، و حكى الإجماع على طهارة ميتة غير ذي النفس، و منه الوزغ المستلزمة لها في حال الحياة بالأولى بعد ان حكى عن بعض أصحابنا في كتاب له ما ينافي ذلك كله، و كأنه أراد ابن حمزة بقرينة ما نقله من العبارة.

قلت: كأنه لم يلاحظ أو لم يعبأ بما في الغنية و عن أبي الصلاح و المقنعة في باب لباس المصلي و مكانه منها من النص على نجاسة الثعلب و الأرنب، بل في الأول الإجماع

ج 5، ص: 373

عليه، كما عن القاضي من إيجاب غسل ما أصابهما و الوزغة، و عن المراسم أن الفأرة و الوزغة كالكلب و الخنزير في رش ما مساه بيبوسة، كالمقنعة مع زيادة و غسل ما مساه برطوبة، مضافا إلى ما تقدم.

لكن لا يخفى عليك ضعف الجميع بعد ظهور مستنده مما سمعت، إذ هو- مع قصور أكثره سندا، و جميعه دلالة، و اقتضاء العمل بظاهر بعضه- خلاف المجمع عليه معارض بما هو أقوى منه مما عرفت من وجوه عديدة، و احتمال ترجيحه بإجماع الغنية بعد موهونيته بمصير المتأخرين إلى خلافه بل و بعض المتقدمين مع عدم الصراحة بالنجاسة في كلام جماعة منهم لا يصغى اليه، فالمتعين حينئذ حمل الأمر فيه على الندب أو التقية في البعض، و النهي على الكراهة، و قد مر في الأسئار و بحث الميتة و غيرهما ما له نفع تام في المقام، و الله أعلم.

إلى هنا تم الجزء الخامس من كتاب جواهر الكلام و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته بالنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف قدس روحه الشريف و يتلوه الجزء السادس في بقية النجاسات عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.