جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 4

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج4، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة أربعة أركان]

[تتمة الركن الثاني في الطهارة المائية]
[تتمة الغسل]
[تتمة الواجب ستة أغسال]
[الفصل الخامس في أحكام الأموات]
اشاره

ج4، ص: 2

الفصل الخامس في أحكام الأموات عدا كيفية الصلاة، و انما جمعت هنا حفظا عن الانتشار، و إلا فالمقصد بالذات الغسل لكن لا بأس بذكر ذلك، بل و بذكر جملة مما تتعلق بهم في حال المرض، فينبغي للمريض أن يحمد الله و يشكره في حال المرض كحال الصحة، إذ مرضه لعله يكون من أفضل النعم عليه و هو لا يشعر بذلك، و كيف لا و قد

ورد في الخبر عن سيد البشر (صلى الله عليه و آله)(1)«أنه تبسم يوما فقيل له ما لك يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) تبسمت؟ فقال: عجبت من المؤمن و جزعه من السقم، و لو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى الله ربه عز و جل»

كما أنه

ورد عنه (صلى الله عليه و آله)(2)«أن أنينه تسبيح، و صياحه تهليل، و نومه على الفراش عبادة، و تقلبه جهاد في سبيل الله»

و

انه (3)«تتناثر منه الذنوب كما يتناثر الورق من الشجر»

و

انه (4)«يوحى الى ملك الشمال أن لا يكتب عليه كما أنه يوحى الى ملك اليمين ان يكتب له كل ما كان يعمل من الخير في زمان صحته، إذ هو في حبس الله»

و ان

«حمى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاحتضار- حديث 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاحتضار- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاحتضار- حديث 13 مع الاختلاف.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاحتضار- حديث 7 مع الاختلاف.

ج 4، ص: 3

ليلة تعدل عبادة سنة، و حمى ليلتين تعدل عبادة سنتين، و حمى ثلاث ليال تعدل سبعين سنة»(1)

و

انه «إذا أحب الله عبدا نظر اليه، فإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث صداع أو حمى أو رمد»(2)

الى غير ذلك من الأمور المسطورة في محلها، فينبغي له حينئذ الصبر و الاحتساب لينال أجرا آخر، فقد

قال الصادق (عليه السلام)(3):

«أيما رجل اشتكى فصبر و احتسب كتب الله له من الأجر أجر ألف شهيد»

و

قال «ع» أيضا(4): «من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها و أدى إلى الله شكرها كانت كعبادة ستين سنة، قيل له: ما قبولها؟ قال: يصبر عليها و لا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد الله على ما كان».

و منه يستفاد استحباب الكتمان و ترك الشكاية كما هو مفاد غيره من الأخبار، ففي

خبر بشير الدهان عنه (عليه السلام)(5)قال: «قال الله عز و جل: أيما عبد ابتليته ببلية فكتم ذلك عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه، و دما خيرا من دمه، و بشرا خيرا من بشره، فإن أبقيته أبقيته و لا ذنب له، و ان مات مات إلى رحمتي»

و

عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)(6)أن «من مرض يوما و ليلة فلم يشك إلى عواده بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع»

و لعل اشتمالها على لفظ العواد يشعر بعدم إرادة الكتمان بمعنى عدم الاخبار بأصل المرض، بل المراد عدم الشكوى أي بأن يقول: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، و يقول: لقد أصابني ما لم يصب أحدا كما ورد تفسيرها بذلك

عن الصادق (عليه السلام)(7)حيث سئل عن حد الشكاة للمريض، «فقال: إن الرجل يقول حممت اليوم و سهرت البارحة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاحتضار حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاحتضار حديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاحتضار حديث 23.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الاحتضار- حديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 4

و قد صدق و ليس هذه شكاية، و انما الشكوى أن يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، و لقد أصابني ما لم يصب أحدا، و ليس الشكوى أن يقول سهرت البارحة و حممت اليوم و نحو هذا»

و مثله غيره (1)و يؤيد ما قلنا انه قد ورد استحباب إعلام الإخوان بالمرض،

قال الصادق (عليه السلام)(2): «ينبغي للمريض منكم ان يؤذن إخوانه بمرضه، فيعودونه فيؤجر فيهم و يؤجرون فيه، قال: فقيل له: نعم فهم يؤجرون فيه بممشاهم إليه، فكيف يؤجر فيهم؟ قال: فقال: باكتسابه لهم الحسنات، فيؤجر فيهم، فيكتب له بذلك عشر سنات، و يرفع له عشر درجات، و يمحى بها عنه عشر سيئات»

كما أنه قد ورد(3)استحباب الاذن بالدخول عليه، فقد

قال أبو الحسن (عليه السلام): «إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه، فإنه ليس من أحد إلا و له دعوة مستجابة»

أو يراد كتمان الشدة لا أصل المرض، أو ما يمكن كتمانه كبعض الأمراض الخفية، أو كتمانه ابتداء مقدار ثلاثة أيام و نحو ذلك.

و يستفاد مما قدمنا استحباب عيادة المرضى كما هو المجمع عليه بيننا، بل لعله من ضروريات الدين، و قد ورد في ثوابها من الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) و النبي المختار (صلى الله عليه و آله) ما يقصر العقل عن إدراكه حتى

ورد(4)«أن له بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعين ألف ألف حسنة، و تمحى عنه سبعون ألف ألف سيئة، و ترفع له سبعون ألف ألف درجة، و وكل به سبعون ألف ألف ملك يعودونه في قبره، و يستغفرون له إلى يوم القيامة»

و

في آخر(5)«ان الله يعير عبدا من عباده، فيقول له: ما منعك إذا مرضت أن تعودني، فيقول سبحانك سبحانك


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الاحتضار- حديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الاحتضار- حديث 10.

ج 4، ص: 5

أنت رب العباد لا تألم و لا تمرض، فيقول: مرض أخوك المؤمن فلم تعده، و عزتي و جلالي لو عدته لوجدتني عنده، ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك، و ذلك من كرامة عبدي المؤمن، و أنا الرحمن الرحيم»

إلى غير ذلك.

و قيل: إنه يتأكد ذلك في الصبح و المساء، و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام)(1):

«أيما مؤمن عاد مؤمنا حين يصبح شيعه سبعون ألف ملك، فإذا قعد غمرته الرحمة و استغفروا له حتى يمسي، و إن عاده مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح»

و

عن الحسن ابن علي (عليهما السلام)(2)أنه قال: «ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، و كان له خريف في الجنة»

الحديث.

و المراد بالخريف كما فسر في غيرها زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما، و يستحب للعائد التماس الدعاء من المريض لما ورد(3)أنه أحد الثلاثة الذين يستجاب دعاؤهم و إن دعائه مثل دعاء الملائكة(4) كما أنه يستحب له أيضا وضع يده على ذراع المريض، و استصحاب هدية له من فاكهة أو طيب أو بخور أو نحو ذلك، و تخفيف الجلوس عنده إلا إذا أحب ذلك و أراد و سأل، و

قال الصادق (عليه السلام)(5):

«إن عيادة النوكي أشد على المريض من وجعه»

إلى غير ذلك من الآداب الكثيرة التي يستدعي بسط الكلام في حصرها، و التعرض لكثير مما يتعلق بها إلى رسالة مفردة، نسأل الله التوفيق، و من أرادها فليطلبها من وسائل الشيعة و غيرها من كتب الأخبار.

و كيف كان ف هي أي الأحكام المتعلقة بالأموات خمسة:

[الأول في الاحتضار]
اشاره

الأول في الاحتضار و هو افتعال من الحضور أي السوق، أعاننا الله عليه و ثبتنا بالقول الثابت


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الاحتضار- حديث 3.

ج 4، ص: 6

لديه، سمي به لحضور المريض الموت، أو حضور الملائكة عنده، أو الأئمة (عليهم السلام) خصوصا أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ قد

ورد(1)أنه «ما يموت شخص في شرق الأرض أو غربها إلا و يحضره أمير المؤمنين (عليه السلام) فالمؤمن يراه حيث يحب، و الكافر حيث يكره،»

أو لحضور المؤمنين عنده ليشيعوه، أو لاستحضاره عقله، أو لجميع ذلك.

[في وجوب توجيه المحتضر إلى القبلة]

و يجب فيه توجيه الميت أي المشرف على الموت إلى القبلة على المشهور كما في الذكرى و الروضة و المدارك، و على الأشهر فتوى و خبرا كما في موضع آخر من الذكرى، و على الأشهر و عليه الفتوى كما في جامع المقاصد، و هو خيرة المقنعة و النهاية في موضع منها و المراسم و الوسيلة و السرائر و المنتهى و المختلف و الإرشاد و البيان و الدروس و الذكرى و اللمعة و جامع المقاصد و ظاهر الروضة و التنقيح، و لعله الظاهر أيضا من الهداية و الفقيه، حيث روي فيهما ما يدل عليه، كما لعله الظاهر أيضا من الشيخ في التهذيب، و حكاه في كشف اللثام عن المهذب و الإصباح، و هو أحوط القولين ان لم يكن أقواهما ل

خبر سليمان بن خالد(2)المروي في الكافي و التهذيب في الصحيح على الصحيح، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل يحفر له فيكون مستقبلا بباطن قدميه و وجهه إلى القبلة»

و في الوسائل و الوافي أنه رواه الصدوق أيضا مرسلا لكن بحذف قوله (عليه السلام) (و كذلك) و

للمرسل في الفقيه (3)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) على رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق و قد وجه لغير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة، و أقبل الله


1- 1 البحار- الجزء- 6- ص 191 من طبعة الطهران المطابق للمجلد الثالث من طبعة الكمباني- الباب- 7- من أبواب الموت من كتاب العدل و المعاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 6.

ج 4، ص: 7

عز و جل عليه بوجهه، فلم يزل كذلك حتى يقبض» و في الوسائل أنه «رواه في العلل عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد الله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) و في ثواب الأعمال عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله بن جعفر عن أحمد بن أبي عبد الله»

انتهى. و ل

موثق معاوية بن عمار(1)المروي في الكافي و التهذيب قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الميت، فقال: استقبل بباطن قدميه القبلة»

و لعله

الذي أرسله الصدوق في الفقيه و الهداية(2)أنه «سئل الصادق (عليه السلام) عن توجيه الميت فقال: استقبل» الحديث.

أو أنه أراد

خبر إبراهيم الشعري (3)و غير واحد عن الصادق (عليه السلام) أيضا المروي في التهذيب و الكافي أيضا في توجيه الميت فقال: «يستقبل بوجهه القبلة و يجعل قدميه مما يلي القبلة»

و الظاهر الأول لكون المروي فيه بصيغة الأمر، هذا مع إمكان تأييده باستمرار العمل في الأعصار و الأمصار على ذلك، و ليس شي ء من المستحب يستمرون عليه كذلك، بل قد يعدون الموت إلى غيرها من سوء التوفيق و من الأمور الشنيعة، فتأمل.

و ما في المعتبر- من أن الأخبار المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام) ضعيفة السند لا تبلغ حد الوجوب، بل التعليل في المرسل مشعر بالاستحباب، مع أنه قضية في واقعة، كالذي في الروض من أن غير خبر سليمان بن خالد لا يخلو من ضعف إما في السند أو الدلالة، و في المدارك بل فيه أيضا من حيث السند بإبراهيم بن هاشم، إذ لم ينص علماؤنا على توثيقه، و بسليمان بن خالد لعدم ثبوت توثيقه، و من حيث المتن بأن المتبادر منها أن التسجية تجاه القبلة انما تكون بعد الموت لا قبله- مدفوع بما عرفت


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 3.

ج 4، ص: 8

من دعوى الشهرة الجابرة لذلك كله، مع ما سمعت من رواية المشايخ الثلاثة لبعضها، و كون المرسل مسندا في العلل و ثواب الأعمال، مع ضمان المرسل في أول كتابه ان لا يورد فيه إلا ما يعتمد عليه و يعمل به، و لا إشعار في التعليل بما قيل، كما أنه لا يقدح كونه في واقعة خاصة إذ بناء جل الأحكام على مثل ذلك، سيما مع إشعار التعليل بالتعميم.

و بأن إبراهيم بن هاشم مع انه من مشايخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه في وجه عدم نصهم على توثيقه لعله لجلالة قدره و عظم منزلته، كما لعله الظاهر و يشعر به ما حكاه النجاشي عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون: إن إبراهيم بن هاشم هو أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم بعد انتقاله من الكوفة، فإنه ظاهر ان لم يكن صريحا في كونه ثقة معتمدا عند أئمة الحديث من أصحابنا، إذ نشر الأحاديث لا يكون إلا مع التلقي و القبول، و كفى بذلك توثيقا سيما بعد ما علم من طريقة أهل قم من تضييق أمر العدالة، و تسرعهم في جرح الرواة و الطعن عليهم و إخراجهم من بلدة قم بأدنى ريبة و تهمة، حتى انهم غمزوا في أحمد بن محمد بن خالد البرقي مع ظهور عدالته و جلالته بروايته عن الضعفاء، و اعتماده المراسيل، و أخرجوه من قم، فلولا أن إبراهيم بن هاشم بمكان من الوثاقة و الاعتماد عندهم لما سلم من طعنهم و غمزهم بمقتضى العادة، و يؤبده زيادة على ذلك اعتماد أجلاء الأصحاب و ثقاتهم و إكثار الكليني من الرواية عنه، و عدم استثناء محمد بن الحسن بن الوليد إياه من رجال نوادر الحكمة في من استثنى كما قيل، و كونه كثير الرواية جدا، و قد

قال الصادق (عليه السلام)(1): «اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنا»

و مما يزيد ذلك كله تصريح العلامة في الخلاصة بأن الأرجح قبول روايته، و تصحيحه جملة من طرق الصدوق المشتملة عليه، كطريقة إلى كردويه و إلى


1- 1 البحار- المجلد- 1- من طبعة الكمباني باب فضل كتابة الحديث و روايته حديث- 23- من كتاب فضل العلم- و الجزء- 2- ص 150 من طبعة طهران.

ج 4، ص: 9

ياسر الخادم، و قد عد بعض أصحاب الاصطلاح الجديد أخباره من الصحاح منهم العلامة.

و أما سليمان بن خالد فلا وجه للمناقشة في السند من جهته بعد الاتفاق من أصحابنا على عد رواياته من الصحاح كما في المصابيح. بل هذا المعترض قد وافقهم في غير هذا المقام على ذلك، على أنه هنا مسبوق بعبد الله بن المغيرة، و هو على ما قيل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و أيضا فالعلامة في الخلاصة نص على توثيقه، و عن الكشي انه روى عن شيخه أبي الحسن حمدويه بن نصير بن شاهر أنه قال: سألت أبا الحسين أيوب بن نوح بن دراج النخعي عن سليمان بن خالد النخعي ثقة هو؟ فقال:

كما يكون الثقة، و عن الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة بعد نقل هذه عن الكشي فالأصل في توثيقه أيوب بن نوح و ناهيك به، قلت: و قد ذكر النجاشي فيه انه كان قارئا و فقيها وجيها، و انه توجع الصادق (عليه السلام) لفقده و دعا لولده و اوصى بهم أصحابه، إلى غير ذلك مما يشعر بوثاقته، و انه رجع عما رمي به من الزيدية كما عن بعض علمائنا التصريح به، و يستفاد من النظر فيما سطر من أحواله، فالمناقشة في السند من جهته ضعيفة جدا.

و أما ما ذكره في المتن ففيه أن الظاهر أن المراد من الميت انما هو المشرف على الموت لا بعد الموت، كما عساه يشعر به قوله (ع): (و كذلك إذا غسل) لأن المراد توجيهه عند التغسيل قطعا لا بعده، و أيضا فإن المعهود من المسلمين في جميع الأعصار توجيه الميت إليها حال الاحتضار لا بعد الموت، و في المصابيح «أنه قد أطبق العلماء على ان زمان التوجيه قبل الموت و ان اختلفوا في وجوبه و استحبابه» انتهى. فإذا كان ذلك هو المعروف وجب صرف اللفظ اليه، بل كان ذلك هو المنساق منه، و يؤيده ما سمعته من المرسل السابق، فاندفعت المناقشة من هذه الجهة، كما أنه به أيضا تندفع المناقشة فيها من جهة أخرى، و هي أنها انما تضمنت الأمر بالتسجية، و هي من الميت بمعنى التغطية

ج 4، ص: 10

كما عن أهل اللغة النص عليه، و الأمر بالتغطية تجاه القبلة لا يقتضي وجوب التوجه إليها، لأن التغطية ليست بواجبة بالإجماع، فلا يجب التوجيه الذي قيدت به. مع أن تغطية الميت انما تكون بعد الموت، و المراد توجيهه إلى القبلة قبل ذلك، إذ الظاهر ان المراد بالتسجية هنا تجاه القبلة كناية عن التوجه إليها لما عرفت، و ليست بمعنى التغطية، لأن استحباب التغطية مطلق و ليس مقيدا بالاستقبال إجماعا كما قيل، و لأن قوله (ع):

(و كذلك إذا غسل) كالصريح في أن الحكم السابق هو التوجيه دون التغطية.

ثم إن أوجبنا دوام الاستقبال بهذا الوجه كما يقتضيه ظاهر الرواية فلا إشكال في التشبيه، و إلا وجب الحمل على التسوية بينهما في أصل التوجيه و إن اختلف الوجه فيهما بالوجوب و الاستحباب، و بذلك كله ظهر لك ضعف القول بالاستحباب كما عساه يشعر به ما ستسمعه من قول المصنف: «و قيل هو مستحب» سيما مع موافقته للمنقول عن عامة العامة أو جمهورهم، و إن ذهب اليه الشيخ في الخلاف و النهاية في موضع منها، و تبعه في إشارة السبق و الجامع و المعتبر و المدارك و كشف اللثام و ظاهر مجمع البرهان و الذخيرة أو صريحهما و كذا المبسوط، و حكاه في كشف اللثام عن الاقتصاد و المصباح و مختصره و عمن حكاه عن السيد، و في المختلف عن المفيد في الرسالة العزية، إذ لم نعثر لهم على دليل سوى الأصل و ما في الخلاف، فإنه بعد أن ذكر الاستحباب و كيفية الاستقبال و نقل عن الشافعي خلاف ذلك بالنسبة إلى الكيفية قال: «دليلنا إجماع الفرقة و عملهم عليه، فإنهم لا يختلفون في ذلك» انتهى. مع ما سمعت من المناقشة في أدلة الوجوب و عدم نهوضها على أزيد من الاستحباب و ما يظهر مما رواه

المفيد(1)في إرشاده في وفاة النبي (صلى الله عليه و آله) حيث أخر التوجيه عن الموت، قال (صلى الله عليه و آله) في وصيته لعلي (عليه السلام) عند استحضاره: «فإذا فاضت نفسي


1- 1 الإرشاد المفيد عليه الرحمة ص 188 المطبوعة بطهران سنة 1377.

ج 4، ص: 11

فتناولها بيدك فامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة و تول أمري- إلى أن قال-:

ثم قبض صلوات الله عليه و يد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمني تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه و غمضه و مد عليه إزاره»

الحديث.

لكنك خبير أن الأول لا يعارض ما تقدم، و الإجماع مع ظهوره في مقابلة الشافعي حيث أنكر الكيفية الخاصة، و يؤيد ذلك عدم العثور على من استدل به لهذا القول، مع نقلهم ما في الخلاف سيما كاشف اللثام، و قوله فيه (و عملهم) الظاهر في إرادة الكيفية أيضا موهون بمصير من عرفت إلى خلافه، فلا يصلح للمعارضة، كما أنك عرفت الجواب عن المناقشات السابقة، و لعل الظاهر إرادة الاستمرار في رواية المفيد، و إلا فمن المعلوم أنه راجح، و يستبعد عدمه في تلك الحال منه (صلى الله عليه و آله) إن لم يمتنع، و مع ذلك كله فالمسألة غير سليمة الاشكال و إن كان الأقوى ما تقدم، و لذا كان ظاهر المصنف في النافع و العلامة في القواعد و التحرير التوقف، فتأمل جيدا.

ثم ان الأقوى بناء على الوجوب سقوطه بالموت، فلا يجب استمراره مستقبلا و لا استقباله ابتداء إن لم يكن، للأصل مع صدق الامتثال، و إشعار التعليل في المرسل المتقدم به، و نسبه في الذكرى إلى ظاهر الأخبار، و لعله لأنه فهم من الميت فيها ما قلناه سابقا من المشرف على الموت، نعم لا يبعد القول بالاستحباب كما عساه يشعر به بعض الأخبار(1)مضافا إلى ما سمعته من رواية المفيد، و إلى الأمر به في حال الغسل و الصلاة و الدفن و إن اختلفت الكيفية، و لاحتمال كون المراد من الميت في الأخبار من مات حقيقة كما لعله تشعر به التسجية، بناء على الاكتفاء بمثل هذا الاحتمال في ثبوت الاستحباب، لابتناء التسامح فيه على الاحتياط العقلي، فلا ينافيه حينئذ ظهورها فيما قدمناه.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار.

ج 4، ص: 12

ثم ان قضية ما تقدم من الأدلة على المختار عدم الفرق بين كون الميت صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا بعد فرض الإسلام أو حكمه، نعم قد يقال: بعدم وجوبه بالنسبة إلى المخالف و إن قلنا بإسلامه، لما ورد من الإلزام (1)له بمذهبه، و هو لا يرى ذلك على إشكال في شمولها لمثل ذلك و إن صرح به بعضهم، و من المعلوم أن وجوب الاستقبال بالميت انما هو مع التمكن من ذلك بتعرف القبلة، أما مع الاشتباه و لو إلى جهتين مع جهل المغرب و المشرق فلا يجب لعدم لتمكن من الامتثال، أما لو علما فيحتمل قويا وجوب استقبال ما بينهما لما دل (2)على أنه قبلة، و ما في الذكرى من احتمال الوجوب بالنسبة للأربع جهات فضلا عن الجهتين ضعيف جدا إن أمكن تصوره.

و كيف كان فكيفية الاستقبال المذكور بلا خلاف أجده فيه بيننا كما في الذخيرة بل في المعتبر و التذكرة و الخلاف الإجماع عليه بأن يلقى على ظهره و يجعل باطن قدميه و وجهه إلى القبلة بحيث لو جلس لكان مستقبلا، مع ما سمعت من دلالة الأخبار المتقدمة عليه، مضافا إلى ما في

خبر زريح المحاربي (3)عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: «إذا وجهت الميت إلى القبلة فاستقبل بوجهه القبلة، و لا تجعله معترضا كما يجعل الناس»

الحديث. و غيره من الواردة هنا(4)و في كيفية استقباله عند الغسل أيضا(5)لما عرفت من التشبيه المتقدم.

ثم ان قضية النص و الفتوى و الأصل سقوط الاستقبال مع عدم التمكن من الكيفية الخاصة، و يحتمل القول بوجوب ما تمكن منه من الاستقبال جالسا أو مضطجعا على أحد


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه حديث 10 و 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب القبلة من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 13

جنبيه مع عدم التمكن من ذلك جالسا أو مطلقا في وجه، كاحتمال تقديم الأيمن من الجانبين على الأيسر، و لعل الأقوى سقوط ما عدا الاستقبال جالسا، سيما مع ملاحظة النهي عن الاعتراض، إذ قد يدخل فيه ذلك.

و كيف كان فحيث ظهر لك قوة القول بالوجوب ف هو فرض حينئذ على العالم بالحال المتمكن من الامتثال، لكنه على ال كفاية كسائر الفروض المتعلقة به بعد موته من تغسيله و دفنه و الصلاة عليه و غير ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل ستعرف فيما يأتي دعوى الإجماع من جماعة عليه بالنسبة للغسل و نحوه، و هو الحجة إن قلنا بإلحاق ما نحن فيه به، مضافا إلى الأمر به فيما تقدم من المعتبرة مع القطع بعدم إرادة الفعل من سائر المكلفين، و عدم إشعارها باختصاص بعضهم به، بل هي ظاهرة في أن مطلوب الشارع وجوده في الخارج و لو من غير المكلف فضلا عنه، و ذلك هو المراد بالكفائي، و ما في الحدائق- من إنكار ذلك بالنسبة إلى سائر أحكام الميت، بل الواجب أولا على الولي، فإن امتنع أجبر، فان لم يكن من يجبره أو لم يكن ولي ثمة انتقل الحكم للمسلمين بالأدلة العامة- ضعيف، إذ لو سلم ذلك بالنسبة إلى غير المقام لمكان إشعار بعض الأخبار به كما ستعرفه في الأولياء لكن لا ينبغي أن يصغى إليه في خصوص المقام للأصل، و لعدمه في شي ء من الأدلة، بل لعل الظاهر منها خلافه ككلمات الأصحاب، إذ لا تعرض في شي ء منها هنا لذكر الولي، نعم قد يظهر من جامع المقاصد و غيره فيما يأتي تعميم حكم الولاية بالنسبة إلى سائر أحكام الميت، بل استظهر الإجماع في الأول على ذلك، لكن قد يمنع دخول ما نحن فيه تحت ذلك، لعدم صدق اسم الميت عليه في الحال، و ظهور انصرافه إلى إرادة نحو التغسيل و الصلاة لا الاستقبال و التلقين و نحوهما، فدعوى كون ذلك كباقي أحكامه ممنوعة، فيقوى حينئذ عدم وجوب مراعاة إذن الولي و نحوها و إن قلنا به بالنسبة للغسل و الصلاة، و احتمال النهي عن التصرف فيه المستلزم عدم جواز

ج 4، ص: 14

تحريكه في غاية الضعف بعد الأمر من المالك الأصلي، و به يظهر أنه لا عبرة برضاه نفسه بل و لا منعه، نعم ربما يقال بأولوية مباشرة الولي له و عدم مزاحمته في ذلك ندبا و استحبابا لا وجوبا، اللهم إلا أن يستدل عليه بعموم أدلة الولاية، كقوله تعالى (1)(وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ)* و ب

قوله (عليه السلام)(2):

ان «الزوج أولى بزوجته حتى تدفن»

و نحو ذلك، لكن قد يمنع شمولها لنحو المقام سيما بعد ما عرفت، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر تعلق الوجوب بالمستحضر نفسه أيضا مع التمكن منه، بل قد يدعى اختصاص الوجوب به حينئذ لانصراف الأمر للغير في الأخبار السابقة إلى الغالب من العجز عن الاستقبال في تلك الحال هذا. و قد عرفت الوجه في قول المصنف و قيل هو مستحب فلاحظ و تأمل.

[في استحباب تلقين الشهادتين]

و يستحب للولي أو مأذونه أو غيرهما مع فقدهما بل و مع عدمها على الأقوى بلا خلاف أجده في أصل الاستحباب بل في كشف اللثام الاتفاق عليه تلقينه أي تفهيمه الشهادتين و الإقرار بالنبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و للمعتبرة المستفيضة الدالة على جميع ذلك، ففي

خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(3)قال:

«إذا حضرت قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا (صلى الله عليه و آله) عبده و رسوله»

و في

خبر أبي خديجة(4)عنه (عليه السلام) أيضا «ما من أحد يحضره الموت إلا و كل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر، و يشككه في دينه حتى تخرج نفسه، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه، فإذا حضرتم موتاكم


1- 1 سورة الأنفال- الآية 76.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الدفن- حديث 2 مع اختلاف في اللفظ.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الاحتضار- حديث 3.

ج 4، ص: 15

فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا (صلى الله عليه و آله) رسول الله حتى يموتوا»

و فيه دلالة على استحباب التكرار إلى الموت، و في الكافي بعد ذكره هذه الرواية

قال:

«و في رواية أخرى (1)تلقنه كلمات الفرج و الشهادتين، و تسمي له الإقرار بالأئمة (عليهم السلام) واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام»

و في

خبر أبي بصير(2)عن الباقر (عليه السلام) «أما إني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها، و لكني أدركته و قد وقعت النفس موقعها، قلت: جعلت فداك و ما ذاك الكلام؟ قال: هو و الله ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله و الولاية»

و في

خبر الحضرمي عن الصادق (عليه السلام)(3)«و الله لو أن عابد وثن وصف ما تصفون عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئا أبدا».

قلت: و أما

قول الصادق و الباقر (عليهما السلام) في خبري ابني مسلم و البختري (4): «إنكم تلقنون موتاكم عند الموت لا إله إلا الله و نحن نلقن موتانا محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

مما عساه ينافي بظاهره بعض ما تقدم فالأولى حمله على إرادة إنكم أنتم تقتصرون على الأولى و نحن نلقن الشهادتين، و كأنه أشار بذلك إلى ما يفعله العامة يومئذ كما قيل من الاقتصار على تلك الكلمة، فيراد حينئذ أن هذا هو المعمول ببلادكم، مع احتمال أن يكون الخطاب لبعض المخالفين لا الراويين المذكورين و إن نقلا ذلك مجملا، و كان ما ذكرنا أولى مما في الوافي من أن ذلك لأنهم مستغنون عن تلقين التوحيد لأنهم خمر بطينتهم لا ينفكون عنه، إذ المراد بموتانا إن كان الأئمة (عليهم السلام) فهم في غنية عن ذكر ذلك، سيما بعد ما ورد(5)أن ذلك انما هو لوساوس الشيطان، و من هنا لم يرو في شي ء من الأخبار فعل ذلك مع أحد


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الاحتضار- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الاحتضار- حديث 3.

ج 4، ص: 16

منهم (عليهم السلام)، و إن كان غيرهم فهم في حاجة إليهما معا كما ينبئ عنه تلقين كلمات الفرج لبعض بني هاشم، ففي

خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) دخل على رجل من بني هاشم و هو يقضي، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): قل: لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم، و الحمد لله رب العالمين، فقالها، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الحمد لله الذي استنقذه من النار»

و في كشف اللثام «أنه زيد في الفقيه (و ما تحتهن) قبل (و رب العرش العظيم) و (وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) بعده» انتهى. و في

خبر القداح عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت قال له: قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما بينهما و رب العرش العظيم، و الحمد لله رب العالمين»

الحديث.

و منهما كغيرهما يستفاد أيضا استحباب تلقين كلمات الفرج ففي

صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم، و الحمد لله رب العالمين»

و ما فيها من الاختلاف زيادة و نقصانا غير قادح إن قلنا بالتخيير في الدعاء بكل منهما، لكن الأولى ما جمعها جميعا، و فيما سمعته من المحكي عن الفقيه شهادة على رد ما في المدارك في باب الصلاة، حيث قال: «و ذكر المفيد و جمع من الأصحاب


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 17

أنه يقول قبل التحميد (وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) و سئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لأنه بلفظ القرآن، و لا ريب في الجواز، لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه عنها ليس بجيد» انتهى. و من العجيب أن صاحبي الوافي و الوسائل لم يذكرا هذه الزيادة فيما نقلاه عن الفقيه. و لعله لخلو ما عندهما من النسخ منها. لكن قد عرفت ما حكاه كشف اللثام كالحدائق و الرياض عنه مع زيادة أنه صرح به أيضا في الرضوي (1)و فيما حضرني من نسخ الفقيه فيه شهادة لكل منهما، لكون الأصل كما في الوافي و الوسائل لكن في الحاشية كتب ذلك نسخة، و الأمر سهل.

و يستفاد أيضا من ملاحظة الأخبار استحباب التلقين زيادة على ما سمعت بقوله:

(اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك، و اقبل مني اليسير من طاعتك) ل

خبر سالم ابن أبي سلمة عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «حضر رجلا الموت، فقيل: يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان فلانا قد حضره الموت، فنهض رسول الله (صلى الله عليه و آله) و معه ناس من أصحابه حتى أتاه و هو مغمى عليه، قال: فقال: يا ملك الموت كف عن الرجل حتى أسأله، فأفاق الرجل، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): ما رأيت؟

قال: رأيت بياضا كثيرا و سوادا كثيرا، قال: فأيهما كان أقرب إليك؟ فقال:

السواد، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): قل اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك- الدعاء- فقال: ثم أغمي عليه، فقال (صلى الله عليه و آله): يا ملك الموت خفف عنه حتى أسأله، فأفاق الرجل، فقال: ما رأيت؟ فقال: رأيت بياضا كثيرا و سوادا كثيرا، فقال: أيهما أقرب إليك؟ فقال: البياض، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

غفر الله لصاحبكم، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا حضرتم ميتا فقولوا له هذا الكلام ليقوله».


1- 1 المستدرك- الباب- 28- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 18

كما أنه يستحب أيضا قول (يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير، اقبل مني اليسير و اعف عني الكثير، إنك أنت العفو الغفور) للمرسل

عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «اعتقل لسان رجل من أهل المدينة، فدخل عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال له: قل لا إله إلا الله، فلم يقدر عليه. فعاد عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلم يقدر عليه، و عند رأس الرجل امرأة، فقال لها: هل لهذا الرجل أم قالت: نعم يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنا أمه، فقال لها: أ فراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت: بل ساخطة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إني أحب أن ترضى عنه، فقالت: قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال له: قل لا إله إلا الله فقالها، فقال: قل يا من يقبل- إلى آخره- فقالها، فقال له: ما ذا ترى؟ فقال: أرى أسودين قد دخلا علي، فقال: أعدها فأعادها، فقال: ما ترى؟ فقال: قد تباعدا عني و دخل أبيضان و خرج أسودان، فما أراهما و دنى الأبيضان مني الآن يأخذان بنفسي، فمات من ساعته».

و يستفاد من

خبر حريز بن عبد الله (2)عن الباقر (عليه السلام) زيادة على ما تقدم قال أبو جعفر (عليه السلام): «إذا دخلت على مريض و هو في النزع الشديد فقل له:

أدع بهذا الدعاء يخفف الله عنه: أعوذ بالله العظيم رب العرش الكريم من كل عرق نفار و من شر حر النار سبع مرات، ثم لقنه كلمات الفرج، ثم حول وجهه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، فإنه يخفف عنه و يسهل أمره بإذن الله تعالى».

[في استحباب نقل المحتضر إلى مصلاه]

و كذا يستفاد منه أيضا استحباب نقله إلى مصلاه الذي أعده للصلاة فيه أو كان يكثر فيه ذلك، و في كشف اللثام و غيره (أو عليه) قلت: و لعله ل

مضمر زرارة


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
2- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الاحتضار- حديث 2.

ج 4، ص: 19

في الحسن كالصحيح «إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه»

و لم أجد ذلك في غيره، و لا بأس به و إن كان الأولى النقل إلى المكان مع الإمكان، لأنه المتبادر المنساق من الأخبار و كلام الأصحاب، بل كاد يكون صريح بعضها كالمروي في الوسائل عن

طب الأئمة مسندا إلى حريز(1)قال: «كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: إن أخي منذ ثلاثة أيام في النزع و قد اشتد عليه الأمر فادع له، فقال: اللهم سهل عليه سكرات الموت، ثم أمره و قال: حولوا فراشه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، فإنه يخفف عليه إن كان في أجله تأخير، و إن كانت منيته قد حضرت فإنه يسهل عليه»

و يقرب منه ما في

خبر ذريح (2)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): إن أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) و كان مستقيما فنزع ثلاثة أيام، فغسله أهله ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه»

و في الوسيلة و يستحب نقله إلى موضع صلاته، و بسط ما كان يصلي عليه تحته، و لم أجد له شاهدا غير الاعتبار.

ثم ان ظاهر هذه الأخبار كون النقل انما هو إذا تعسر خروج الروح كما هو ظاهر مفهوم

خبر عبد الله بن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا عسر على الميت موته و نزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه»

و نحوه مضمر زرارة المتقدم، و هو المنقول عن تصريح الشيخ و ابني إدريس و حمزة و العلامة و الشهيدين و غيرهم، فإطلاق المصنف هنا و في النافع كما عن المعتبر و المنتهى استحباب النقل لا يخلو من نظر، و لعله لما يفهم من التعليل فيما تقدم من الأخبار سيما ما في خبر حريز السابق المنقول عن طب الأئمة، لكن الاعتماد على مثل ذلك في نحو المقام و إن قلنا بالتسامح


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الاحتضار- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 20

في أدلة السنن لا يخلو من تأمل، لورود النهي في بعض المعتبرة(1)عن مس المحتضر معللة ذلك بأنه انما يزداد ضعفا و أنه أضعف ما يكون في هذا الحال، و من مسه في هذا الحال أعان عليه، و للمفهوم المتقدم مع موافقته للمنقول من فتوى الأكثر، و من العجيب ما في الحدائق من نسبة الإطلاق إلى الأكثر كالذي في مجمع البرهان من أنه لا يبعد استحباب المطلق لما في بعض الروايات مع عدم المنافاة، إذ قد عرفت إن قضية المفهوم عدم الاستحباب مع أنا لم نعثر على ذلك، فتأمل جيدا.

[في استحباب كون المصباح عنده إن مات ليلا]

و يستحب أن يكون عنده مصباح إن مات ليلا على المشهور نقلا و تحصيلا بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما يشهد له التتبع و إن كان في عباراتهم نوع اختلاف من حيث تقييد ذلك بالموت ليلا و عدمه، كما أنه في المقنعة ترك لفظ (عند) فقال: «إن مات ليلا في البيت أسرج في البيت مصباح الى الصباح» إلا أن الظاهر منه إرادة معناها، كما أنه قد يظهر ممن قيد ذلك بالموت ليلا إرادة الأعم منه و من إبقائه إليه، كما عساه يقتضيه ما في الوسيلة إن كان بالليل، كالمحكي عن المبسوط و الكافي ان كان ليلا، و الأوضح ما عن القاضي و يسرج عنده في الليل مصباح.

و كيف كان فالذي ظفرنا به في المقام

خبر سهل عن عثمان بن عيسى (2)عن عدة من أصحابنا أنه «لما قبض الباقر (عليه السلام) أمر الصادق (عليه السلام) بالسراج في البيت الذي كان يسكنه، حتى قبض أبو عبد الله (عليه السلام) ثم أمر أبو الحسن (عليه السلام) بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله (عليه السلام)، حتى أخرج به إلى العراق ثم لا أدري»

قيل و هو مع الضعف حكاية حال، و لا اختصاص له بالموت


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 21

أو بقاء الميت ليلا و لا بيت الموت بل و لا بالليل، و لعله لنحو ذلك قال في المعتبر فهي ساقطة لكنه فعل حسن، و قد يدفع الأول بعدم قدح مثله فيما نحن فيه سيما بعد الانجبار بما عرفت، كما انه قد يدفع ما بعده بأصالة الاشتراك في الحكم، و بأن ما تضمنه الحديث يندرج فيه المدعى، أو يقال: ان استحباب ذلك يقتضي استحباب الإسراج عند الميت بطريق أولى، لكن الثاني مبني على الفتوى بهذا الحكم حتى تكون الأولوية معتبرة، و لعلنا نقول به و ان لم أجد من صرح به، إلا انه قد تقبله بعض العبارات فتأمل، و بأن الإسراج يظهر منه كونه بالليل، كل ذا مع التسامح في أدلة السنن و فتوى الأصحاب بذلك كما عرفت، و ربما يؤيده الاعتبار، و يشعر به ترك إبقاء الميت وحده خوفا من عبث الشيطان، و استحباب قراءة القرآن عنده المستلزمة غالبا ذلك فتأمل، و من المعلوم ان المراد بالإسراج إلى الصباح كما صرح به جماعة و في المعتبر «و هو حسن لأن علة السراج غايتها الصباح» انتهى، و هو جيد.

[في استحباب قراءة القرآن عند المحتضر]

و كذا يستحب ان يكون عنده من يقرأ القرآن قبل الموت للتبرك و استدفاع الكرب و العذاب سيما يس و الصافات، ففي كشف اللثام انه

(روي (1)«انه يقرأ عند النازع آية الكرسي و آيتان بعدها ثم آية السخرة: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ الى آخرها، ثم ثلاث آيات من آخر البقرة: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ إلى آخرها، ثم يقرأ سورة الأحزاب»

و

عنه (2)«من قرأ سورة يس و هو في سكرات الموت أو قرأت عنده جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة، فسقاها إياه و هو على فراشه، فيشرب فيموت ريان و يبعث ريان و لا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء (عليهم السلام)

و

عنه (3)«أيما مسلم قرأ عنده إذا نزل به ملك الموت


1- 1 المستدرك- الباب- 39- من أبواب الاحتضار- حديث 35.
2- 2 المستدرك- الباب- 41- من أبواب قراءة القرآن- حديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 المستدرك- الباب- 41- من أبواب قراءة القرآن- حديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 4، ص: 22

سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك، يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه، و يستغفرون له، و يشهدون غسله، و يتبعون جنازته، و يصلون عليه، و يشهدون دفنه»

انتهى. و

عن سليمة(1)انه رأى أبا الحسن (عليه السلام) يقول لابنه:

«قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك «و الصافات صفا» حتى تستتمها، فقرأ، فلما بلغ (أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) قضى الفتى، فلما سجي و خرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر، فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت نقرأ عنده يس، فصرت تأمرنا بالصافات، فقال يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت إلا عجل الله راحته»

و الأمر بالإتمام يتضمن القراءة بعد الموت، قيل و

عن النبي (صلى الله عليه و آله) «من دخل المقابر فقرأ يس خفف الله عنهم يومئذ، و كان له بعدد من فيها حسنات»

و لم أقف على دليل خاص لما هو المتعارف في بلادنا الآن و غيرها من القراءة على قبر الميت ثلاثة أيام بلياليها فصاعدا بغير فتور، فلعل فاعله بقصد الخصوصية مشرع في الدين، بل لم أعرف دليلا على أصل استحباب قراءة القرآن عدا يس و نحوها عند قبور الموتى، و إن أطلق جماعة استحباب قراءة مطلق القرآن قبل الموت و بعده، إلا أن ظاهرهم قبل الدفن، لكن لا يبعد الفتوى به مطلقا، لما عساه يشعر به ما ورد في يس (2)و إنا أنزلناه (3)و نحوهما(4) مع ما يظهر من غير ذلك أيضا فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الاحتضار- حديث 1 لكن رواه عن سليمان الجعفري.
2- 2 المستدرك- الباب- 41- من أبواب قراءة القرآن- حديث 7 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الدفن.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 23

[في استحباب غمض عيناه]

و ان مات غمضت عيناه للأخبار(1)و الصون عن قبح المنظر و دخول الهوام و نفي الخلاف عنه في المنتهى و أطبق فوه كما نص عليه جماعة تحفظا من دخول الهوام و قبح المنظر، و شد لحياه حذرا من الاسترخاء و انفتاح الفم، و للأخبار(2)و اقتصر ابن إدريس كالمصنف هنا و العلامة في التحرير و الإرشاد و القواعد على الإطباق، و عن نهاية الأحكام و التذكرة على الشد، و سلار و ابنا حمزة و سعيد و العلامة في المنتهى جمعوا بينهما مع نفي الخلاف في الأخير فيحتملهما و الشد لكونه المتأخر، و لعل مراد الجميع عند التأمل واحد فتأمل.

و مدت يداه إلى جنبيه بلا خلاف أجده في استحبابه، بل نسبه جماعة إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه، و هو كاف في إثباته، مع أنه أطوع للغاسل و أسهل للمدرج، فلا يقدح حينئذ في استحبابه بعد ذلك ما في المعتبر من اني لم أعلم في ذلك نقلا عن أهل البيت (عليهم السلام) لعدم انحصار الدليل في ذلك، و كذا تمد ساقاه إن كانتا منقبضتين، و في الروض نسبته إلى الأصحاب كظاهر كشف اللثام و غطي بثوب لأن النبي (صلى الله عليه و آله) سجي بحبرة(3) و تغطية الصادق (عليه السلام) إسماعيل بملحفة(4)و نفي الخلاف في المنتهى. و فيه ستر عن الأبصار و صون عن الهوام و غيرها.

[في استحباب تعجيل التجهيز]

و كذا يستحب أن يعجل تجهيزه إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كالنصوص (5)بل هي ظاهرة في الوجوب إلا أنها حملت على الاستحباب لما عرفت من الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الاحتضار- حديث 1 و 2 و الباب- 29- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الاحتضار- حديث 1 و 2 و الباب- 29- من أبواب التكفين- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار.

ج 4، ص: 24

مع الطعن في أسانيدها، فلا إشكال حينئذ في الاستحباب إلا أن يكون حاله مشتبهة في الموت و عدمه، ف لا يستحب التعجيل قطعا، بل يحرم للأصل المقرر بوجوه، و الاحتياط في أمر النفوس، و الإجماع و النصوص (1)حتى يستبرئ بعلامات الموت المفيدة له من الريح، كما في

خبر ابن أبي حمزة(2)قال: «أصاب الناس بمكة سنة من السنين صواعق كثيرة، مات من ذلك خلق كثير، فدخلت على أبي إبراهيم (عليه السلام)، فقال مبتدءا من غير أن أسأله: ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربص به ثلاثا لا يدفن إلا أن يجي ء منه ريح تدل على موته، قلت: جعلت فداك كأنك تخبرني أنه قد دفن ناس كثير أحياء، فقال: نعم يا علي قد دفن ناس كثيرا أحياء ما ماتوا إلا في قبورهم»

و لعله المراد بالتغيير الموجود في غيره، ك

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق (3): «الغريق يحبس حتى يتغير و يعلم أنه قد مات، ثم يغسل و يكفن، قال: و سئل عن المصعوق، فقال: إذا صعق حبس يومين، ثم يغسل و يكفن»

و ك

قول أبي الحسن (عليه السلام) في الحسن (4)كالصحيح في المصعوق و الغريق:

«ينتظر به ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل ذلك»

و

قول الصادق (عليه السلام)(5)في الصحيح: «خمس ينتظر بهم إلا أن يتغيروا: الغريق و المصعوق و المبطون و المهدوم و المدخن»

إلى غير ذلك مما علق فيه الدفن على التغير.

و يحتمل شموله لما ذكره بعض الأصحاب من علامات الموت كاسترخاء رجليه و انفصال كفيه و ميل أنفه و امتداد جلدة و جهة و انخساف صدغيه، و زاد آخر و تقلص أنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة، و عن أبي علي أن علامته زوال النور من بياض العين


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الاحتضار.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الاحتضار- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الاحتضار- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الاحتضار- حديث 2.

ج 4، ص: 25

و سوادها و ذهاب النفس و زوال النبض، و عن جالينوس الاستبراء بنبض عروق بين الأنثيين، أو عروق يلي الحالب و الذكر بعد القمر الشديد، أو عرق في باطن الألية أو تحت اللسان أو في بطن المنخر، قلت: و لم نجد شيئا مما ذكره بل و ما ذكره البعض من الأصحاب في شي ء من الأخبار، و احتمال شمول لفظ التغيير الموجود فيها لجميع ذلك كما ترى، سيما بعد ظهور إرادة الريح منه، لكن يسهل الخطب أن المدار على العلم الذي تطمئن النفس به، فلا يتفاوت الحال في سائر ذلك، فاحتمال إناطة الحكم بهذه العلامات و إن لم تفده في غاية الضعف حتى لو سلم شمول لفظ التغيير فيها لها بقرينة الشهرة المدعاة، لظهور الأخبار المتقدمة في كون المدار على العلم كما صرح به في الموثق المتقدم، و ان تعليق الحكم على التغيير انما هو لإفادته ذلك غالبا، فما في الرياض من أنه لا يبعد المصير إلى تلك الامارات مطلقا للشهرة القرينة على الفرد الغير المتبادر لا يخلو من نظر، إذ هو مع مخالفته للأصل بل الأصول و شدة الاحتياط في أمر النفوس لم نتحقق ما ادعاه من الشهرة، بل في المعتبر «و يجب التربص مع الاشتباه حتى تظهر علامات الموت، و حده العلم، و هو إجماع» انتهى. و المحكي عن التذكرة «أنه لا يجوز التعجيل مع الاشتباه حتى تظهر علامات الموت، و يتحقق العلم به بالإجماع» انتهى. مع أنه هو الذي ذكر في التذكرة جملة من العلامات المذكورة.

و من ذلك كله يظهر لك الحال أيضا في الفرد الثاني من فردي التربص المذكور في المتن بقوله أو يصبر عليه ثلاثة أيام كما هو مفاد الأخبار السابقة و غيرها، لكن ظاهره كغيره من الأصحاب ممن عبر بنحو ذلك بل كاد يكون صريح بعضهم أن الثلاثة أقصى مدة التربص، و هو مبني إما على الملازمة بين مضيها و الموت، أو أنها تحديد شرعي، فلا يقدح احتمال الحياة حينئذ، و في استفادة كل منهما من الأخبار نظر ظاهر، لمكان انصرافها لما هو الغالب من تحقق الموت بمضيها، فالأولى حملها

ج 4، ص: 26

على حصول العلم بذلك، كما يشعر به اختلافها في تعليق ذلك، إذ منها ما هو على العلم، و آخر على الثلاثة، و ثالث على التغيير، و رابع على اليومين و نحو ذلك، و يؤيده الإجماعان السابقان، و الأصول السالمة، فالأولى جعل المدار على العلم، و به يسقط التعرض حينئذ لأحوال الكسور في تلك الأيام و جبرها بالموافق و المخالف، فتأمل جيدا. و عن العلامة في نهاية الأحكام «أنه شاهد واحدا في لسانه دفعة فسأله عن سببها فقال: مرضت مرضا شديدا و اشتبه الموت، فغسلت و دفنت في ابرخ، و لنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الابرخ بعد ثلاثة أيام أو ليلتين، إما زوجته أو أمه أو أخته أو ابنته فتنوح عنده ساعة، ثم تطبق عليه، هكذا يومين أو ثلاثة، ففتح علي فعطست فجاءت أمي بأصحابي و أخذوني من الابرخ، و ذلك منذ سبعة عشر سنة» قلت: و منه يعرف أن الانتظار لا ينبغي أن يختص بالخمسة التي تضمنتها الأخبار، كما انا لم نجد قائلا بذلك.

ثم انه قد يستثنى من استحباب التعجيل تعطيله لبعض المصالح الأخروية الراجعة إليه، سيما إذا بودر في الشروع بمقدمات ذلك لاحتمال دخوله حينئذ تحت التعجيل، إذ هو بالنسبة إلى كل شي ء بحسبه، فلا ينافيه حينئذ نقل الميت من المكان البعيد إلى مرقد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أو غيره من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أو تعطيله مثلا لأشرف ليلة على إشكال في جميع ذلك سيما في الأخير و نحوه، و سيما بعد ظهور رائحته و نحوها مما يحصل بها هتك حرمته، لعدم إشارة في شي ء من النصوص الواردة عن العالمين بأحوال ذلك العالم إلى شي ء من ذلك، بل أطلقوا الأمر بالتعجيل، و حثوا عليه حتى

ورد(1)أن «كرامة الميت تعجيله»

و في

خبر جابر(2)عن أبي جعفر


1- 1 الفقيه- ج 1- ص 85- من طبعة النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 27

(عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا معشر الناس لا ألقين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها، عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم الله»

بل في

خبره الآخر(1)قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال: عجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف أن يفوت وقت الفريضة»

و في

خبر السكوني (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما: الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء، و الذي يقول قفوا، و الذي يقول استغفروا له غفر الله لكم»

إلى غير ذلك من الأخبار المفيدة زيادة الحث على التعجيل و كراهة التعطيل و نحو ذلك، و لعله لأن المصلحة التي في التعجيل لا تقاومها مصلحة أخرى، و الأقوى في النظر ملاحظة الميزان للفقيه بالنسبة إلى ذلك، إذ التعارض فيها بعد فرض عدم دخولها تحت مسمى التعجيل تعارض العموم من وجه، فتأمل جيدا.

[في كراهة وضع الحديد على بطن المحتضر]

و يكره أن يطرح على بطنه حديد في المشهور كما في المختلف و الروضة، بل في الخلاف الإجماع على كراهة وضع الحديد على بطن الميت مثل السيف، و كفى بذلك حجة لمثلها، مضافا إلى ما في التهذيب أنه سمعناه من الشيوخ مذاكرة، و إلى مخالفته للمنقول في الخلاف عن الشافعي من الاستحباب، بل في المقنعة نسبة طرح الحديد عليه إلى العامة، فما عساه يشعر به نسبة المصنف له إلى القيل في المعتبر من التوقف فيه، بل هو صرح بذلك معللا له بعدم ثبوت نقل به عن أهل البيت (عليهم السلام) ليس في محله بعد ما عرفت من الإجماع المعتضد بالشهرة المحصلة و المنقولة، بل لعلها إجماع، إذ لم يعرف فيه خلاف سوى ما يحكى عن ابن الجنيد من أنه قال: يضع على بطنه شيئا يمنع


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار- حديث 2.

ج 4، ص: 28

من ربوها، و هو- مع احتمال خروجه عما نحن فيه و منافاته لما تقدم، بل في المختلف لم أقف على موافق له من أصحابنا، و في جامع المقاصد و إجماع الأصحاب على خلافه، و نحوه ما في الروض- غير قادح في الإجماع، و كذا ما يحكى عن صاحب الفاخر من أنه يجعل الحديد على بطنه.

و هل يلحق بالحديد غيره في الكراهة كما صرح به بعض الأصحاب أو لا؟

وجهان ينشئان من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن مع عدم بلوغ التسامح في الكراهة عندنا إلى الاكتفاء بمثل ذلك من فتوى فقيه و نحوها، و من ظهور المساواة و إلغاء الخصوصية.

ثم انه هل تختص الكراهة بما بعد الموت كما هو ظاهر المصنف للأصل و اختصاص معقد إجماع الخلاف و الشهرة في المختلف، بل لعله الظاهر من فحاوي كلمات الأصحاب، و يؤيده مع ذلك أن المتجه قبل الموت الحرمة، لما فيه من الأذية للميت و الإعانة على خروج نفسه، اللهم إلا أن يراد بكراهة وضع الحديد حينئذ عليه انما هو من حيث الحديد، و إلا فلا إشكال في الحرمة فيه و في غيره مع الثقل المؤذي المعين على خروج نفسه، كما هو واضح، و يشعر به ما دل (1)على النهي عن مسه و هو في هذا الحال خوفا من زيادة ضعفه و الإعانة عليه، فتأمل.

[في كراهة حضور الجنب أو الحائض عنده]

و يكره أن يحضره جنب أو حائض و إن كان أحدهما للأخبار(2)المعتضدة بفتوى المشهور معللة ذلك بتأذي الملائكة بحضورهما، و هو- مع قصور الأخبار عن إفادة الحرمة- مشعر بالكراهة كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لعله لا خلاف فيه، لاحتمال ما في الهداية و عن المقنع (3)من التعبير عن ذلك بعدم الجواز اشتداد الكراهة، كالمضمر المروي عن الخصال.


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الاحتضار.
3- 3 المستدرك- الباب- 33- من أبواب الاحتضار- حديث 4.

ج 4، ص: 29

ثم ان ظاهر الأخبار(1)اختصاص الكراهة بوقت الاحتضار، فتزول حينئذ بالموت، و يومي اليه زيادة على ذلك ما في

خبر يونس (2)عن الصادق (عليه السلام) بعد النهي عن حضورهما عند التلقين «و لا بأس أن يليا غسله»

لكن في

خبر الجعفي (3)أنه «لا يجوز إدخالهما الميت قبره»

كالمحكي عن

الفقه الرضوي (4)أنه «لا بأس أن يليا غسله، و يصليا عليه، و لا ينزلا قبره»

و لم أجد من أفتى بهما في الكراهة فضلا عن غيرهما، و الظاهر عدم الفرق بين الحائض المنقطع دمها و عدمه قبل الطهارة كما في الكثير من أحكام الحائض، نعم قد يقال: بارتفاع الكراهة فيها في هذا الحال، و الجنب بالتيمم بدل الغسل مع فرض وجود المسوغ له من العجز عن الماء مثلا و نحوه، و ربما احتمل العدم لعدم خروجهما عن وصف اسم الحائض و الجنب بذلك، و هو ضعيف، نعم لا يشرع التيمم لمكان تضيق وقت هذه الغاية بحيث لو اغتسلت مثلا لم تدركه حيا.

و كان على المصنف ذكر كراهة إبقاء الميت و حده ل

خبر أبي خديجة(5)عن الصادق (عليه السلام) «لا تدعن ميتك وحده فان الشيطان يعبث في جوفه»

كما أنه كان عليه أن يزيد في عدد المستحب إعلام إخوانه المؤمنين ليشيعوه، ل

قول الصادق (عليه السلام)(6):

«ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، و يصلون عليه. و يستغفرون له، فيكتب لهم الأجر و للميت الاستغفار، و يكتسب هو الأجر فيهم و فيما كتب له من الاستغفار»

و هو يعم النداء، فما عن الخلاف من أني


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الاحتضار.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
3- 3 الخصال- ج 2- ص 142- المطبوعة بسنة 1302.
4- 4 المستدرك- الباب- 33- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الاحتضار- حديث 2 لكن رواه في الوسائل مرسلا عن الصدوق رحمه الله.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1.

ج 4، ص: 30

لا أعرف به نصا ليس في محله إلا إذا أراد الخصوصية، و في الرياض و كالمنقول عن الجعفي من كراهة المضي إلا أن يرسل فإنه مع عدم الدليل عليه ينافي ما يترتب على الحضور من الثواب الجزيل على السنن الموظفة في التشييع و التربيع و الصلاة و التعزية و ما فيه من الاتعاظ و التذكر لأمور الآخرة و تنبيه القلب القاسي و انزجار النفس الامارة، و في

الخبر(1)«عن رجل يدعى إلى وليمة و إلى جنازة فأيهما أفضل؟ و أيهما يجيب؟ قال: يجيب الجنازة، فإنها تذكر الآخرة، و ليدع الوليمة فإنها تذكر الدنيا»

قلت: الموجود فيما حضرني من نسخة الذكرى من النقل عن الجعفي أنه يكره النعي إلا أن يرسل صاحب المصيبة إلى من يختص به، و هو غير ما أورد عليه في الرياض من المضي، فتأمل جيدا.

[الثاني في الغسل]
اشاره

الثاني في الغسل

[واجبات الغسل]
اشاره

و هو فرض عدا ما تسمع مما يستثنى إجماعا و سنة، بل لعله من ضروريات المذهب بل الدين على كل مكلف عالم بالحال متمكن كسائر التكاليف مماثل عدا ما ستعرف، و إن كان لا يصح إلا من المؤمن و الكتابي، و قد يلحق به غيرهما كما ستسمع تفصيل ذلك كله، لكنه على الكفاية بمعنى سقوطه بقيام البعض، و العقاب للجميع مع الإخلال بلا خلاف بين أهل العلم كما في المنتهى و كذا تكفينه و دفنه و الصلاة عليه بإجماع العلماء كما في التذكرة، و هو مذهب أهل العلم كافة كما في المعتبر، و بلا خلاف كما في الغنية إلى غير ذلك من نفي الخلاف عن ذلك و أمثاله من أحكام الميت، و حكاية الإجماع في كلمات الأصحاب، بل لعل الثاني متواتر فيها، و هو الحجة، مضافا إلى الأمر بذلك كله في المستفيض من الأخبار(2)بل المتواتر من غير تعيين للمباشر،


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل الميت و الباب- 1- من أبواب التكفين و الباب- 1- من أبواب صلاة الجنائز و الباب- 1- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 31

فالأصل مع العلم بعدم إرادة تكراره من كل مكلف و لا مشاركة الجميع فيه مما يثبت ذلك و ينقحه، مع أن المستفاد من ملاحظة أخبار الباب بحيث يشرف الفقيه على القطع و اليقين أن المراد إبراز هذه الأمور إلى الوجود الخارجي لا من مباشر بعينه.

[في أن أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه]

و لكن قد يتخيل في بادى النظر أن ذلك كله مناف لما في كلام الأصحاب و أخبار الباب (1)من ذكر الولي، كقول المصنف هنا: إن أولى الناس به أي بالغسل أولاهم بميراثه و كذا في الصلاة في الكتاب و النافع و أحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه، بل في القواعد و اللمعة هنا و عن النهاية و المبسوط و المهذب و الوسيلة و المعتبر أن أولى الناس بالميت في أحكامه كلها أولاهم بميراثه، و في جامع المقاصد الظاهر أنه إجماعي، و لعله كذلك و إن تركه بعضهم في بعض المقامات كالجامع في التلقين الأخير، و السرائر في الغسل، كما أنه لم يذكر في المقنع و المقنعة على ما قيل إلا أولوية الولي في الصلاة، و عن المراسم و جمل السيد و الإصباح فيها و في نزول القبر، و جمل الشيخ و النافع و التلخيص و التبصرة فيها و في التلقين الأخير، و الاقتصاد و المصباح و مختصره و نهاية الأحكام في الثلاثة، و الهداية في الغسل و نزول القبر، و الإرشاد في الغسل و الصلاة و التلقين الأخير، لعدم ظهور الخلاف في المتروك، على أنه يكفي في الاشكال المتقدم ثبوت الولاية و لو في الجملة، نعم يرتفع ذلك من أصله على ما حكاه في كشف اللثام عن ظاهر الكافي من أنه لا أولوية، لكنه لا ريب في شذوذه سيما بعد ملاحظة كلام الأصحاب في صلاة الميت و أن الأولى بها هو الأولى بالميراث، بل في الخلاف و عن ظاهر المنتهى الإجماع على أن أولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم به أو من قدمه الولي، كما في المعتبر و التذكرة الإجماع على عدم جواز تقدم الجامع لشرائط التقدم بغير إذن الولي، و في كشف اللثام نسبته


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل الميت- حديث 2 و الباب 26 منها.

ج 4، ص: 32

إلى المشهور، الى غير ذلك من كلماتهم المتفرقة التي يحصل للفقيه القطع من ملاحظتها بالأولوية المتقدمة.

و أما أخبار الباب زيادة على الكتاب العزيز (فمنها) ما في

خبر غياث بن إبراهيم الزرامي (1)المروي في التهذيب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه قال:

«يغسل الميت أولى الناس به»

و رواه في

الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)أيضا لكن بزيادة (أو من يأمره الولي بذلك)

و ما عساه يناقش فيه من حيث السند- إذ كانت مرسلة في الفقيه و مجهولة السند في التهذيب لأنه رواها عن علي بن الحسين عن محمد بن أحمد بن علي عن عبد الله بن الصلت عن عبد الله بن المغيرة عن غياث بن إبراهيم الزرامي إلى آخره- قد يدفع بأن المراد بعلي بن الحسين هو ابن بابويه القمي الثقة الجليل كما عساه يومي إليه ما في الاستبصار في باب الرجل يموت و هو جنب أخبرني الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن محمد بن أحمد بن علي عن عبد الله بن الصلت عن عبد الله بن المغيرة، و في باب أنه يموت في السفر مثله، إلا أنه عوض ابن المغيرة بابن أبي عمير، و كذا غيرهما كما لا يخفى على المتتبع، و أما محمد بن أحمد بن علي فلعل الظاهر أن المراد به هو ابن الصلت، فيكون راويا عن عم أبيه عبد الله كما نقل تحقيق ذلك عن غير واحد من الأعلام، بل قيل أنه وقع التصريح به في غير موضع من التهذيبين، بل عن الكافي في مولد علي بن الحسين محمد بن أحمد عن عمه عبد الله بن الصلت، و عن إكمال الصدوق أن والده يروي عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، و كان يصف علمه و حلمه و زهده و فضله و عبادته، و من ثم حكي عن المجلسي في رجاله أنه هو الواقع في أسانيد الشيخ بعد علي بن الحسين، فما توهمه بعضهم من مجهوليته فهو


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 33

ناش من قصور الممارسة، فلم يبق في السند من يتوقف فيه سوى غياث راويه، فإنه يوصف الزرامي غير معلوم الحال، بل غير مذكور في كتب الرجال، لكنه غير ضائر بعد ما عرفت من الشهرة المتقدمة بل الإجماع و رواية الثقة الجليل ابن المغيرة عنه، و لعل المراد به غياث بن إبراهيم الموثق، لأنه صاحب الكتاب المتكرر في الأخبار الراوي عنه ابن المغيرة كما قيل، و وصفه بالزرامي إما سهو من الناسخ أو لاتصافه به و إن لم يذكر في الرجال.

و (منها)

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني(1): «إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت، و إلا فهو غاصب»

و

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل البزنطي (2)و ابن أبي عمير(3):

«يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر إسحاق بن عمار(4): «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها»

و

خبر أبي بصير (5)«سأله عن المرأة تموت من أحق أن يصلي عليها؟ قال: الزوج، قلت:

الزوج أحق من الأب و الولد؟ قال: نعم»

إلى غير ذلك من الأخبار المتضمنة لذكر الأولوية و الأحقية في التلقين و إدخال القبر و نحوهما المنجبرة بما سمعت من الشهرة و الإجماع المحكي و غيرهما المعتضدة بظاهر قوله تعالى(6)(وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)*.

و وجه التنافي بين ذلك كله و بين ما قلناه من الوجوب الكفائي واضح، إذ لا معنى لإناطة الواجب برأي بعض المكلفين، و الفرض أنه مطلق لا مشروط، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1.
6- 6 سورة الأنفال- الآية- 76.

ج 4، ص: 34

الذي أشار إليه الشهيد في الروض على ما حكي عنه تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد، حيث قال فيه: «و اعلم أن ظاهر الأصحاب أن إذن الولي إنما يتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة لوجوبها على الكفاية، فلا يناط برأي أحد من المكلفين، فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ» انتهى. و هو و ان ذكر ذلك في خصوص الصلاة لكنه لا يخفى عليك جريانه في غيرها من أحكام الميت التي ادعي فيها الوجوب الكفائي من التغسيل و نحوه، فقضية ذلك منهما عدم اعتبار الاذن في صحة ما وجب كفاية من أحكام الميت لما تقدم من التنافي.

و من العجيب أن الشهيد بعد ما سمعته منه في الروض قال في المسالك في المقام:

«لا منافاة بين الأولوية و وجوبه على الكفاية، و كذا توقف فعل غير الولي على إذنه لا ينافي أصل الوجوب» انتهى. و لم يذكر وجه عدم المنافاة، و لعله الذي أشار إليه في المدارك بعد حكاية كلام جده في الروض، قال: «و قد يقال: إنه لا منافاة بين الوجوب كفائيا و بين إناطته برأي بعض المكلفين على معنى أنه إن قام به سقط الفرض عن غيره، و كذا إن أذن لغيره و قام به ذلك الغير، و إلا سقط اعتباره، و انعقدت الصلاة جماعة و فرادى بغير إذنه» انتهى. و ربما ظهر من الرياض متابعته في ذلك أيضا كما عن الذخيرة، و ناقش فيه بعضهم بأن البحث ليس في سقوط الفعل عن الغير إذا قام به الولي أو نصب من قام به الولي، و لا في سقوط اعتباره إذا امتنع عن الاذن و المباشرة، إنما البحث في أن مقتضى الوجوب الكفائي تعلق خطابه بجملة المكلفين على حد واحد، و انه متى قام به بعضهم سقط عن الباقي، و مقتضى إناطة الأمر به اختصاصه و من قدمه بذلك، و انه متى أقيم بدون إذنه لم يكن مجزئا، فالمنافاة بحالها حينئذ، و كيف يتصور الوجوب المطلق على مكلف مع اشتراط صحة الفعل المكلف به بما ليس من قبله، كالاذن من شخص آخر و نحو ذلك، نعم هو واجب مشروط فتأمل.

ج 4، ص: 35

و لعله لذا و شبهه بالغ المحدث البحراني في حدائقه و أخوه في إحيائه في إنكار الوجوب الكفائي على سائر المكلفين، بل هو مختص بالولي، نعم لو امتنع الولي مع عدم التمكن من إجباره أو لم يكن ولي انتقل الحكم حينئذ إلى المسلمين بالأدلة العامة زاعما أن ذلك هو الظاهر من الأخبار المتقدمة التي تعرض فيها لذكر الولي، مضافا الى ما عساه يشعر به زيادة على ذلك ما في

رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)(1)«يا معاشر الناس لا ألفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل»

و ما

في صحيحته عنه (عليه السلام)(2)أيضا «في المرأة تؤم النساء قال:

لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها»

و ما في

صحيحته الأخرى عن الصادق (عليه السلام)(3)أنه «سئل عن القبر كم يدخله؟ قال: ذلك إلى الولي إن شاء أدخل وترا و ان شاء أدخل شفعا»

إلى غير ذلك مما ظاهره توجيه الخطاب بذلك كله من الواجب و المستحب إلى الولي. ثم ان الأول منهما بالغ في إنكار ذلك غاية المبالغة، حتى قال: إنه و إن اشتهر بينهم إلا أنه لا أعرف له دليلا يعتمد عليه و لا حديثا يرجع اليه، كما أن الثاني تعجب من الأصحاب كيف جمعوا بين القول بذلك و بين القول بالأولوية المذكورة سيما في الغسل و الصلاة مع تدافعهما.

لكنك خبير أن ذلك منهما في محل من الشذوذ بحيث لا يلتفت إليه بعد ما سمعت من الإجماع محصله و منقوله على ذلك، مضافا إلى ما يظهر من ملاحظة الأخبار أن مراد الشارع إبراز ذلك في الوجود الخارجي لأمن مباشر بعينه، حتى من أخبار الولاية أيضا، لتضمنها الاكتفاء بمن أمره الولي بذلك المشعر بعدم إرادة وقوعه من خصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1 لكن رواه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الدفن- حديث 1 لكن رواه عن زرارة.

ج 4، ص: 36

الولي، و يزيده وضوحا حيث يفقد الولي شرط جواز المباشرة، كما لو كان الميت امرأة و الولي رجلا لا يباشرها أو بالعكس، فان ولايته حينئذ ليست إلا إذنا محضة، على أن المتجه حينئذ بناء على ذلك سقوط جميع تلك الأحكام مع امتناع الولي أو عدم وجوده، إذ لا دليل على انتقال الحكم حينئذ إلى غيره، فيبقى الأصل سالما.

و كيف كان فلعل مثل هذا التشكيك ملحق بالتشكيك بالضروري أو ما يقرب منه، فلا يحتاج إلى الإطالة، بل لعل التشكيك في وجوب هذه الأولوية أولى كما عساه يظهر من الأردبيلي في المقام، حيث أنكر الدليل عليها بمعنى عدم جواز الاشتغال إلا بالاذن، و من المحكي عن الغنية في الصلاة على الميت، حيث قال: و المستحب أن يقوم للصلاة أولى الناس بالميت أو من يقدمه مستدلا عليه بالإجماع، و في كشف اللثام «أنه قوي للأصل و ضعف الخبر سندا و دلالة، و منع الإجماع على أزيد من الأولوية» انتهى. بل يشعر به أيضا ما سمعته من التعليل المتقدم في جامع المقاصد و الروض، و في المنتهى و يستحب أن يتولى تغسيله أولى الناس به إلى أن قال: و يؤيده ما رواه

ابن بابويه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)قال: (يغسل الميت)

إلى آخره. و كأنه حمل الأمر فيه على الاستحباب، لكن قال بعد ذلك بأوراق: مسألة و يغسل الميت أولى الناس به روى الشيخ عن غياث بن إبراهيم الزرامي عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: يغسل الميت أولى الناس به، انتهى. و ظاهره هنا الوجوب إلا أنه يمكن حمله على الاستحباب جمعا بين كلاميه كما أنه قد يحمل كلامه الأول على إرادة استحباب تولي خصوص الولي للتغسيل، فلا ينافي الوجوب حينئذ، بل ينبغي القطع بإرادته ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كلامه فيه.

و كيف كان فقد يؤيد القول بالاستحباب- مضافا إلى ما عرفت من الإشكال


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 37

على تقدير الوجوب و إجماع الغنية المتقدم في الصلاة مع أولوية ما نحن فيه منها عند التأمل، و إلى الأصل و العمومات و الإطلاقات، بل كاد بعضها يكون كالصريح بعدم اعتبار الأولوية مع عدم نهوض دليل يعتد به على الوجوب لا من الآية و لا الرواية- أن اعتبار إذن الولي في غاية الصعوبة، سيما مع التعدد و عدم حضور الجميع أو البعض و إمكان الانتظار و عدمه، فلا يعلم حينئذ سقوطها أو انتقالها إلى حاكم الشرع، و إلا فعدول المسلمين، و سيرة المسلمين على خلاف ذلك كله، إذ لم نسمع يوما من الأيام التعرض لشي ء من ذلك، كما أنا لم نر أحدا توقف في تغسيل ميت لاولي له على استئذان حاكم الشرع أو عدول المسلمين، و لا أحدا عطل ميتا لانتظار قدوم وليه فيغسله أو يستأذن منه، و لا أحدا أعاد غسل ميت مثلا لخلل في ذلك، و خلو النصوص عن التعرض لتفصيل شي ء، من هذه الأحكام و غيرها مع كثرتها و صعوبة معرفة الحكم فيها- أكبر شاهد على عدم الوجوب، بل قد يشعر لفظ الأولى فيها بالاستحباب ككثير من كلمات الأصحاب، كاشعار لفظ الأولى و الأحق في الصلاة أيضا.

و يزيده إشعارا مشاركته لما ورد(1)في المكتوبة من تقديم الأقرأ و الأفقه و الأسن، و العدول إلى لفظ الغاصب هنا فيما تقدم عن لفظ البطلان أو عدم الصحة أو نحو ذلك، هذا. مع أن القول بالوجوب مستلزم أحكاما كثيرة مخالفة للأصل ليس في شي ء من الأخبار تعرض لشي ء منها، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة، فتأمل جيدا. و المقصود من هذا كله أن ارتكاب التشكيك في وجوب الأولوية أهون من ارتكابه في الوجوب الكفائي، و إن كان الأقوى خلافهما معا، و المتجه القول بالوجوب الكفائي مع وجوب مراعاة الأولوية المذكورة، فلا يجوز غسله و لا دفنه و لا تكفينه و لا غير ذلك من سائر أحكامه الواجبة بدون إذنه، سيما مع نهي الولي و إرادة فعله


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب صلاة الجماعة.

ج 4، ص: 38

بنفسه أو من أراده لظاهر النصوص (1)و الفتاوى و الإجماعات السابقة في بعضها من غير فرق بين الصلاة و غيرها من الغسل و غيره، و ان كان ربما يشعر ترك بعضهم ذكر الولي في الأول مع إطلاقه الوجوبية الكفائية بعدمه.

و كيف كان فقد يشهد للمختار مضافا الى ما سمعت ما عساه يظهر للفقيه إذا طمح نظره في الكتاب و السنة و في أحوال السلف و الخلف من سائر المسلمين، بل غيرهم من المليين في جميع الأعصار و الأمصار من القطع و اليقين بأن الإنسان ليس كغيره من أفراد الحيوان مما لم يجعل الله لأغلب أنواع الرحم فيه مدخلية، بل جعل له أولياء من أرحامه هم أولى به من غيره فيما كان من نحو ذلك، بل لعله هو مقتضى نظام النوع الإنساني و المركوز في طبائعهم، حتى لو أراد غير الولي فعل شي ء من ذلك قهرا على الولي توجه اليه اللوم و الذم من سائر هذا النوع من غير نكير في ذلك، كما أنه لو أراد الولي فعل ذلك قهرا على غيره لم يكن في نفس أحد من هذا النوع عليه شي ء من ذلك الاعتراض و الإنكار، بل كان فعله هو المتلقى بالقبول عند ذوي البصائر و العقول، و كأن ما ذكرنا من جميع ذلك مركوز في طبيعة النوع الإنساني، و الشرع أقره على ما هو عليه، لموافقته في أغلب الأحوال للحكم و المصالح المترتبة عليه لكون الولي ادعى من غيره لمصالح المولى عليه في دنياه و آخرته، لما بينهما من المشاركة في الرحم الذي جعله الله مثارا لذلك، فيطلب له أحسن ما يصلحه من التغسيل و الكفن و مكان الدفن و الصلاة و نحو ذلك. كما أنه هو أشد الناس توجعا عليه فيما يصيبه من النوائب في الدنيا و الآخرة و لأن ذلك أقطع للقيل و القال و إثارة النزاع عند تزاحم الإرادة و الاختيار في هذه الأفعال، إما رغبة فيما أعد الله لذلك من الثواب و الدرجات أو غيره مما يختلف باختلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب غسل الميت و الباب 23 من أبواب صلاة الجنائز و الباب 26 من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 39

القصد و النيات، و قد يكون المتوفى ممن يكسب المتولي لمثل ذلك من أفعاله شرفا يبقى في الأعقاب على ما يشعر به طلب الأنصار من أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)دخول قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، كما أنه قد يكون ممن له عداوة مع من أراد مباشرة هذه الأفعال منه بحيث يصل إلى الحرب بين أولياء الميت و بينهم حذرا من التشفي و غيره.

و الحاصل لا يخفى ما في القول بعدم وجوب مراعاة هذه الأولوية في جميع ذلك من المفاسد العظام، كما أنه لا يخفى ما في المراعاة لها من المصالح التي يكفي بعضها في الإلزام على ما هو الموافق للكتاب، كقوله تعالى (2)(وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) و قوله تعالى (3)(وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ) و النصوص من أهل البيت (عليهم السلام)، نعم لما كانت هذه الولاية تابعة لما عرفت من العلقة الرحمية و نحوها و كان ذلك مختلفا باختلافه شدة و ضعفا كشف الشارع عن بعضها و جعله أولى من غيره، كما سيظهر لك إن شاء الله في الصلاة على الميت مفصلا، و أما ما تقدم سابقا مما عساه ينافي ذلك كالإشكال المتقدم في وجوبه في هذه الأحكام مع إناطته برأي بعض المكلفين فمدفوع بأنه لا منافاة بين وجوبه على سائر المكلفين بمعنى حصول العقاب على الجميع مع إذن الولي أو امتناعه أو فقده و بين إناطة اختصاص خصوص المباشر لذلك برأي الولي، و ليس هذا في الحقيقة إناطة للوجوب برأي البعض عند التأمل حتى تتحقق المنافاة كما يستوضح ذلك في تكليف السيد لجملة عبيده بإيجاد شي ء في الخارج، و إناطة خصوص المتولي منهم له في بعض الأحوال برأي واحد منهم كما يقرب من ذلك التأمير في الغزوات و الحروب و نحوهما.

و يرشد اليه هنا ظاهر خبر غياث من الوجوب على من يأمره الولي بالفعل، إذ


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 سورة الأنفال- الآية- 76.
3- 3 سورة النساء- الآية- 37.

ج 4، ص: 40

المراد منه كون الولي أحق بالفعل على وجه لا يزاحمه غيره و لا يقدم عليه إلا مع إذنه المقتضي سقوط حقه بالنسبة إلى المأذون أو امتناعه أو فقده، و ذلك كله غير مناف للوجوب المشترك بين الولي و غيره و ان قلنا بتوقف صحة الفعل على الاذن مع فرض وجوده و عدم العلم بامتناعه عن الفعل أو الاذن، ضرورة عدم المنافاة بين الوجوب المطلق و بين شرط الصحة للفعل المقدور للمكلف الذي هو عدم المزاحمة له و عدم الفعل مع عدم العلم بحاله مع وجوده، و حينئذ فهو واجب كفائي على الناس كافة وجوبا مطلقا لا مشروطا، و تتوقف صحته على مراعاة الولي على الوجه المزبور، و حينئذ فلا حاجة للجواب عنه بما في بعض حواشي الإرشاد من أن الوجوب على غير الوارث انما هو مع عدم ظن قيام الوارث و توجيهه إلى الفعل، و لا إلى القول بأن المراد بكفائيته و لو بالنسبة إلى الوارث لمكان سقوطه بفعل بعضهم، و اتفاق اتحاده في بعض الأوقات فيكون عينيا لا ينافيه كما في كل واجب كفائي، و لا إلى القول بأن المراد بوجوبه انما هو وجوب مشروط لا مطلق بل هي كلها واضحة الفساد.

نعم يحتمل قويا القول بوجوب مراعاة تلك الأولوية تعبدا من غير أن يكون لها مدخل في صحة الأفعال كما عساه يشعر به لفظ الغاصب و غيره، إلا أني لم أعرف قائلا به، و إن أمكن حمل بعض كلمات الأصحاب عليه، فتأمل. كما أنه يحتمل أيضا قصر اعتبار الولي على منعه لا على إذنه، و هو ضعيف، و كالإجماع المدعى في الغنية بالنسبة للاستحباب في الصلاة، فلا يلتفت اليه بعد معارضته بالإجماعين المتقدمين المؤيدين بالتتبع لكلمات الأصحاب، و بالأخبار المتقدمة، و دعوى ضعفها سندا غير قادح بعد تسليمه للانجبار بذلك، و كذا الدلالة، على أنه لا ينبغي الإشكال في ظهورها، و هو حجة كالصريح، و كدعوى أن لفظ الأولى و الأحق مشعر بذلك، إذ هو في حيز المنع، و كأن ذلك اشتباه بما يأتي نحو ذلك بالنسبة للأفعال، كما إذا قيل مثلا

ج 4، ص: 41

الأولى لك أن تفعل كذا لا في مثل ما نحن فيه إذا أريد به الذوات، و إذا شئت فاستوضح ذلك في نظائره، و كدعوى إشعار لفظ الغاصب به أيضا.

و من العجيب تأييد الاستحباب من بعضهم بما هو وارد على القول به أيضا عند التأمل مما أشرنا إليه سابقا، و منها ما هو مبني على ما لا نقول به كدعوى وجوب الانتظار بالميت مع غيبة الولي و الرجوع إلى حاكم الشرع، أو عدول المسلمين مع كون الولي طفلا مثلا أو ممتنعا أو غائبا غيبة لا يمكن انتظاره أو نحو ذلك، إذ قد يقال: بالمنع من وجوب المراعاة في جميع ذلك، و سقوط الولاية في كل ما كان من هذا القبيل، أو رجوعها إلى غيره من الأرحام الأقرب فالأقرب كما ستعرف كل ذلك مفصلا إن شاء الله في الصلاة، كما أنك تعرف كثيرا من مباحث الأولوية هناك.

لكن نقول هنا على حسب الإجمال: إن المراد بولي الميت هو أولى الناس بميراثه كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل نفى الخلاف عنه بعضهم ناسبا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعل ذلك يكون كالقرينة على أن المراد بالأولى فيما تقدم من النصوص ذلك إن لم نقل أنه المتبادر المنساق منه، و يمكن أن يستأنس له زيادة عليه ب

حسنة حفص بن البختري عن الصادق (عليه السلام)(1)«في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه، قلت: فان كان أولى الناس به امرأة قال: لا إلا الرجال»

و

موثقة زرارة عنه (عليه السلام)(2)قال: «سمعته يقول: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ، قال: انما عنى بذلك أولى الأرحام من الوارث، و لم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها»

و

صحيحة هشام بن سالم عن بريد الكناسي عن الباقر (عليه السلام)(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان- حديث 5 من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موجبات الإرث- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موجبات الإرث- حديث 2.

ج 4، ص: 42

قال: «ابنك أولى بك من ابن ابنك، و ابن ابنك أولى بك من أخيك، و أخوك لأبيك و أمك أولى بك من أخيك لأبيك، و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك، و ابن أخيك من أبيك و أمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك، و ابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك، و عمك أخو أبيك لأبيه و أمه أولى بك من عمك أخي أبيك لأبيه، و عمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه، و ابن عمك أخي أبيك لأبيه و أمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه، و ابن عمك أخي أبيك لأبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه».

و هذه الأخبار و إن أمكن المناقشة فيها بعدم صلاحيتها لإثبات ما عليه الأصحاب من ترتب الولاية هنا على حسب طبقات الإرث عدا ما يستثنى، و ذلك لاختصاصها أولا بالقضاء و الإرث، و ثانيا لاختصاص الأولى بالذكور دون الإناث، و إجمال الثانية و اقتصار الثالثة على بعض الذكور، بل فيها ما لا ينطبق على ما ذكرناه هنا عن الأصحاب الظاهر في تشريك الأخوين للأبوين و الأخ للأم، لأنهما الوارثان، و تشريك الأخ للأب مع الأخ للأم لاشتراكهما في الإرث أيضا إلى غير ذلك، لكنه- مع أنه يمكن دفعها خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب في الصلاة، و خصوصا المناقشة الأولى لمنع ظهور الصحيح في الإرث بل هو في غيره أو الأعم منه أظهر- لا يخلو التأييد و الاستئناس بها من وجه، على أن العمدة ما ذكرنا أولا و لولاه لأمكن القول بأن المراد بأولى الناس به انما هو أقربهم إليه و أشدهم علقة به، إذ الولي القريب كما في القاموس، و لعله غير خفي على أهل العرف، و دعوى استكشاف ذلك بالإرث فالوارث فعلا هو الأقرب دون غيره محل منع، إذ لعل حكمة الإرث مبتنية على شي ء آخر، كمنع دعوى أن الأكثر نصيبا أولى من الأقل، لعدم ثبوت ما يقتضيه، بل الثابت

ج 4، ص: 43

خلافه بالنسبة للأب و الجد و نحوهما مما ستعرفه فيما يأتي، بل قد يظهر من الأصحاب الإجماع على عدم اعتبار ذلك كما سيأتي في الصلاة، لكن الإنصاف أن الأقربية و أشدية العلقة لا تخلو من إجمال أيضا في بعض الأحوال عند أهل العرف، كما أنها غالبا توافق ما عليه الأصحاب من ترتيب ذلك على طبقات الإرث، فالوقوف حينئذ معهم هو المتجه.

نعم يحتمل قويا أن المراد بالولي هنا مطلق الأرحام و القرابة لا خصوص طبقات الإرث، لكنا لم نجد أحدا صرح به، و لعله لما في أخبار الصلاة(1)و الغسل أيضا من الحكم بأولوية بعض الأرحام على بعض، مع إمكان تنزيله على صورة التشاح خاصة، فتأمل جيدا هذا. و في المدارك أنه لا يبعد أن يراد بالأولى بالميت هنا أشد الناس به

علاقة، لأنه المتبادر، و تبعه عليه بعض من تأخر عنه، و هو الذي أشرنا إليه سابقا، و فيه ما لا يخفى بعد ما سمعت، لكنه رده في الحدائق بما لا يكاد يظهر لنا استقامته، حيث قال: «إن ذلك منه مبني على أن المراد بقولهم (عليهم السلام) في تلك الأخبار:

(أولى الناس به) معنى التفضيل، فتوهم أن المتبادر من الأولوية على هذا التقدير الأولوية بالقرب و شدة العلاقة، و ليس كذلك، بل المراد بهذا اللفظ انما هو الكناية عن المالك المتصرف، و التعبير عنه بذلك قد وقع في جملة من أخبار الغدير- إلى أن قال- و بذلك يظهر أن (الأولى) في أخبار الميت من أخبار الغسل و الصلاة و غيرها انما هو بمعنى المالك المتصرف، و هو بمعنى الولي كما في ولي الطفل و ولي البكر» انتهى. و فيه ما لا يكاد يخفى على من له أدنى مسكة من أن ما تقدم من الأخبار المتعلقة بالمقام صريحة في إرادة التفضيل من الأولى، فإن كان ذلك هو مبنى صحة ما في المدارك فلا إشكال حينئذ في استقامته، مع أن الأصحاب و إن قالوا إن المراد به الأولى بالميراث لم ينكروا إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 6 و 11 و الباب- 24- من أبواب صلاة الجنائز.

ج 4، ص: 44

التفضيل منه على معنى أن الأحق بالإرث مقدم على غيره، نعم انما يتجه على صاحب المدارك ما ذكرناه سابقا، فتأمل جيدا.

و قد يظهر من بعض متأخري علماء البحرين هنا أن المراد بالولي المحرم من الوارث لا مطلقه، و مع تعدده فالترجيح لأشدهم علاقة به بحيث يكون هو المرجع له في حياته و المعزي عليه بعد وفاته، و كأنه لظهور أخبار الباب في كون الولي ممن له مباشرة التغسيل فعلا و لو عند عدم المماثل، ك

قوله (عليه السلام)(1): (يغسله أولى الناس به)

و في

موثقة الساباطي (2)«الصبية يغسلها أولى الناس بها من الرجال»

و

في الحسن (3)«تغسله أولاهن به»

فلا يتم حينئذ إرادة مطلق الوارث، و قد يستأنس له أيضا بإطلاق الولي على خصوص المحرم في بعض أخبار حج المرأة من دون وليها(4)كما أنه علل ما ذكره من الترجيح المتقدم مع فرض التعدد بما ورد من أخبار تولي الباقر (عليه السلام) أمر ابن ابنه (5)و الصادق (عليه السلام) أمر إسماعيل (6)دون الصادق (عليه السلام) في الأول، و أولاد إسماعيل في الثاني، و ما ذاك إلا لأنهما المرجع في ذلك، و دخول الجميع تحت عيلولتهما هنا لك.

و أنت خبير بما في جميع ذلك، كما سيتضح لك بعضه عند شرح قوله: (و إذا كان الأولياء) إلى آخره. سيما ما ذكره أخيرا من فعل الباقر و الصادق (عليهما السلام) مع احتماله وجوها متعددة غير ما ذكره فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب وجوب الحج و شرائطه- حديث 1 من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الدفن- حديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 29- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 45

ثم أنه حيث ظهر أن المتجه هو ما ذكره الأصحاب من ترتب ذلك على طبقات الإرث عدا ما استثني فهل المدار حينئذ على استئذان جميع أهل الطبقة حتى لو كان المتولي بعضهم أو يكتفى بإذن أحدهم مطلقا أو انه ما لم يمنع غيره؟ وجوه، أحوطها الأول إن لم يكن أقواها، و إن كان يمكن ان يؤيد ما بعده بصدق اسم الولي على كل واحد منهم فيكتفى باذنه لاندراجه تحت الأدلة حينئذ، سيما الثالث أي مع عدم منع غيره، فتأمل.

و لو امتنع الولي قال في الذكرى: «إن في إجباره نظرا ينشأ من الشك في ان الولاية هل هي نظر له أو للميت؟» قلت: و لا ريب في قوة العدم، للأصل مع ما يستفاد من فحاوي الأدلة، لكنه هل تنتقل حينئذ الولاية إلى غيره من الأرحام أو إلى حاكم الشرع و مع عدمه فالى المسلمين أو انها تسقط للأصل مع عدم ثبوت المستند؟ وجوه، و نحوه لو كان غائبا أو طفلا أو مجنونا حتى في احتمال السقوط، لأن الولاية هنا ليست من قبيل الحقوق المالية حتى يلاحظ فيه الترتيب المذكور سيما مع عدم إشارة في شي ء من الأخبار، و يؤيده السيرة العظيمة في سائر الأمصار على عدم الالتزام في شي ء من ذلك، و لا سمعنا بإعادة غسل يوما من الأيام، فكيف كان فالظاهر الاكتفاء بالعلم بالرضا لو علم من غير حاجة إلى الرضا الفعلي، و إن كان ظاهر

قوله (عليه السلام): (يغسله أولى الناس به أو من يأمره الولي)

يقضي بخلافه، إلا ان المتجه حمله على صورة عدم العلم، كما أن المتجه على الظاهر عدم الحاجة إلى الاذن مع فرض انحصار التكليف بمكلف به بعينه، كما لو كان الميت امرأة و ليس إلا امرأة واحدة، و كذا الرجل حيث يكون وليه امرأة، مع احتمال وجوب مراعاتها تعبدا، فتأمل.

[في أن الرجل أولى إذا كان الأولياء رجالا و نساءا]

و إذا كان الأولياء رجالا و نساء فالرجال أولى كما صرح به بعض هنا و آخر في الصلاة، بل عن المنتهى نفي الخلاف عنه فيها و قضيته عدم الفرق بين كون الميت رجلا أو امرأة، بل في المدارك انه جزم بهذا التعميم المتأخرون، و في الحدائق نسبته إلى

ج 4، ص: 46

الأكثر و قيده المحقق الثاني بما إذا لم يكن امرأة، و إلا انعكس الحكم، و لعله لاقتضاء ظاهر ما دل (1)على جواز إذن الولي ان له المباشرة، لا ان معنى ولايته الاذن فقط، مضافا إلى ظهور اقتضاء التوكيل في أمر ذلك أي صحة وقوع الموكل فيه من الموكل، فتأمل.

و ربما اعترضه في الحدائق بأن ذلك غير مراد من الأخبار، و إلا لزم سقوط الولاية عند تعذر المباشرة لمرض و نحوه، و فيه نظر واضح، لأن المراد جواز المباشرة و إن اتفق امتناعها لعارض، نعم قد يتجه عليه منع كون المستفاد من الأدلة ذلك، بل المستفاد أما المباشرة أو الاذن، و يشعر به أيضا ما ستعرفه من الاتفاق على الظاهر و

بعض الأخبار(2)(إن الزوج أولى بزوجته)

مع أن الأولى اجتناب المباشرة منه على ما يأتي، فيعلم حينئذ ان المراد بولايته انما هو إذنه حسب، فتأمل. كما أنه قد يمنع أصل الحكم أيضا حيث انا لم نعثر على ما يدل عليه، بل قضية إطلاق الأصحاب ان الأولى به أولاهم بميراثه، مع ان الأصل عدمه، نعم قد يشهد له الاعتبار لكون الرجال غالبا أعقل و أقوى على الأمور و أبصر بها، إلا انه لا يصلح لأن يكون مستندا شرعيا، و يمكن الاحتجاج له بعد إمكان دعوى السيرة سيما إذا كان الميت رجلا بأصالة عدم ثبوت ولاية للمرأة مع وجود الرجال، سيما مع كون الخطاب ظاهرا للذكور و فيه منع، مع انه لا ظهور له في الخطاب الذي هو بلفظ الأولى فيما ادعاه، لصدقه على المذكر و المؤنث و إلا لأشكل ثبوت ولاية المرأة حينئذ حتى مع عدم الرجل في طبقتها من نحو هذه الخطابات، هذا. مع انه قد يشعر ما حكاه في الذكرى عن المبسوط بما قلنا، حيث قال: قال في المبسوط: لو تشاح الأولياء في الرجل قدم الأولى بالميراث من الرجال و لو كان الأولى نساء محارم، قال: و روي جوازه لهن من وراء الثياب، و الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب صلاة الجنائز.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 9.

ج 4، ص: 47

أحوط، انتهى. و قد يحتمل ان كلام الأصحاب أي تقديم الرجال انما هو عند التشاح، فيصلح حينئذ ما ذكر من الوجه الاعتباري مرجحا، فتأمل.

[في أن الزوج أولى بزوجته]

و الزوج أولى من كل أحد بزوجته في أحكامها كلها بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الذكرى، بل قد يشعر ما في التذكرة بالإجماع عليه، حيث قال:

«عندنا ان الزوج أولى من كل أحد في جميع أحكامها من الغسل و غيره، سواء كان الغير رجلا أو امرأة قريبا أو بعيدا» انتهى. كما هو صريح المعتبر، حيث حكى الاتفاق على مضمون موثق إسحاق بن عمار المروي في الكافي و التهذيب

عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها»

و نحوه عن المنتهى.

كما أن الأردبيلي نسبه إلى عمل الأصحاب، و هو مع انه حجة بنفسه قد اعتضد بما عرفت. و ب

خبر أبي بصير(2)عنه (ع) أيضا قال: «قلت له: المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال: زوجها، قلت: الزوج أحق من الأب و الولد و الأخ؟

قال: نعم و يغسلها»

فما وقع لصاحب المدارك من إمكان المناقشة في هذا الحكم بضعف المستند، و بأنه معارض ب

صحيحة حفص عن الصادق (عليه السلام)(3)«في المرأة تموت و معها أخوها و زوجها أيهما يصلي عليها؟ قال: أخوها أحق بالصلاة عليها»

ليس في محله، و إن أمكن تأييده مع ذلك ب

خبر عبد الرحمن عن الصادق (عليه السلام)(4)أيضا، سألته «عن المرأة، الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال: الأخ»

إلا انه غير صالح ذلك لمقاومة ما ذكرنا سيما بعد موافقته للعامة كما حكاه الشيخ عنهم، فلذلك حملهما هو على ذلك و هو جيد، و مخالفته أيضا لما تقدم من ان أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 5.

ج 4، ص: 48

و لا فرق فيما ذكرنا من الحكم بين الدائم و المنقطع مع تحقق الدخول و عدمه على إشكال في المنقطع، خصوصا إذا انقضى الأجل بعد موتها لبينونتها حينئذ منه، بل لا يبعد ذلك بمجرد موتها و إن لم ينقض الأجل، لكونها كالعين المستأجرة إذا فاتت كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأحكام المتعة في محلها، نعم الظاهر بقاء ولايته على المطلقة رجعية إذا ماتت في العدة لكونها زوجة فيها.

ثم ان ظاهر عبارة المتن و ما شابهها جواز تغسيل الرجل زوجته اختيارا وفاقا للخلاف و السرائر و المعتبر و المنتهى و القواعد و الإرشاد و المختلف و الذكرى و اللمعة و البيان و جامع المقاصد و الروضة، كالعكس وفاقا لها جميعا أيضا عدا الخلاف، فإنه قال: «مسألة يجوز عندنا أن يغسل الرجل زوجته و المرأة زوجها أما غسل المرأة زوجها فيه إجماع إذا لم يكن رجال قرابات و لا نساء قرابات» إلى آخره. و لا صراحة فيه في الثاني مع الاختيار، مع احتماله بحمل التقييد المذكور على إرادة معقد الإجماع، فتأمل. و هو المنقول عن المرتضى و ابن الجنيد و الجعفي و حكي عن الشيخ في سائر كتبه عدا كتابي الأخبار. و نسبه في المختلف و غيره الى أكثر علمائنا.

و كيف كان فهو المشهور نقلا و تحصيلا، بل فيما حضرني من نسخة المنتهى نسبة الثاني إلى العلماء مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما هو صريح الخلاف في الأول مع ظهوره أو صريحه في الاختيار، و هو الحجة، مضافا إلى إطلاقات الأمر بالتغسيل، و ما يشعر به ما دل على أن الزوج أحق بها، إلى آخره. و إلى استصحاب جواز النظر و اللمس إن كان عدمهما المانع من ذلك، و الى وصية زين العابدين (عليه السلام) أم ولده بغسله ان ثبت (1)و الى تغسيل أمير المؤمنين (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام)(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 6.

ج 4، ص: 49

و ان اشتمل على التعليل بأنها صديقة لا يغسلها إلا صديق، لعدم الإنكار عليه ممن لا يعتقد هذا الحكم، فيشعر بمشهورية الحكم في الصدر الأول كما في الذكرى، و إلى

صحيح عبد الله بن سنان (1)المروي على لسان المشايخ الثلاثة قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت؟ أو يغسلها إن لم يكن عنده من يغسلها؟ و عن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟

فقال: لا بأس بذلك، انما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شي ء يكرهونه»

و المناقشة فيه بالتقييد في سؤاله بما ينافي الاختيار مدفوعة بأن الحجة في الجواب كالمناقشة باحتمال أن الإشارة بذلك في الجواب إلى النظر أو إلى خصوص ما سأل عنه السائل، و هو في حالة الاضطرار، لظهور التعليل في رفع ذلك جميعه، كما يوضحه زيادة على ذلك

الحسن كالصحيح (2)قال: «سألته عن الرجل يغسل امرأته، قال:

نعم إنما يمنعها أهلها تعصبا»

مع وضوح دلالته على المختار، و إلى

موثق سماعة(3)قال:

«سألته عن المرأة إذا ماتت، قال: يدخل زوجها يده تحت قميصها إلى المرافق فيغسلها»

و نحوه غيره (4)و إلى

صحيح محمد بن مسلم (5)قال: «سألته عن الرجل يغسل امرأته قال: نعم من وراء الثياب»

و

صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(6)قال:

«سئل عن الرجل يغسل امرأته، قال: نعم من وراء الثوب، لا ينظر إلى شعرها و لا إلى شي ء منها، و المرأة تغسل زوجها، لأنه إذا مات كانت في عدة منه، و إذا ماتت هي فقد انقضت عدتها»

و إلى التعليل في

صحيح زرارة عن الصادق (عليه السلام)(7)«في الرجل يموت و ليس معه إلا النساء، قال: تغسله امرأته، لأنها منه في عدة،


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 13.

ج 4، ص: 50

و إذا ماتت لم يغسلها، لأنه ليس منها في عدة»

الى آخره. و لا ينافيه خصوص الفرض، و ستسمع الكلام في ذيله، و إلى

صحيح منصور(1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته يغسلها، قال: نعم و أمه و أخته، و نحو هذا يلقي على عورتها خرقة»

إلى غير ذلك مما دل على الحكمين معا.

خلافا للشيخ في التهذيبين و ابن زهرة في الغنية و الحلبي في إشارة السبق، و ربما كان هو الظاهر من الوسيلة و غيرها، بل في الذكرى أن الذي يظهر من كلام كثير من الأصحاب أنهما كالمحارم، و هم الذين يحرم التناكح بينهم نسبا أو رضاعا أو مصاهرة، قلت: مع أنه قد حكى في كشف اللثام أن ظاهر الأكثر في المحارم الاختصاص بحال الضرورة، فمنهما معا يحصل شهرة هذا القول، و قد يحتج له ب

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة(2): «لا يغسل الرجل امرأة إلا أن لا توجد امرأة»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(3): «يغسل الزوج امرأته في السفر و المرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل»

و تعليل تغسيل فاطمة (عليها السلام) بكونها صديقة لا يغسلها إلا صديق، بل قد يشعر خبر المفضل بن عمر(4)بمعروفية الحكم في الزمن السابق حيث أنه ضاقت نفسه لما أخبره الإمام (عليه السلام) بذلك، فعلم به، فرفع ما في نفسه بالتعليل السابق، و بأن عيسى (عليه السلام) غسل مريم لذلك، و بما سمعته سابقا في ذيل خبر زرارة في خصوص تغسيل الزوج زوجته.

و لا يخفى ضعف الجميع عن مقاومة ما ذكرنا سيما بعد الطعن في سند الأولين بل و دلالتها، و صراحة بعض ما قدمنا في الاختيار، نعم لا يبعد القول بالكراهة مع الاختيار كذلك، و منه يعرف وجه تعليل تغسيل فاطمة (عليها السلام) بكونها صديقة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 6.

ج 4، ص: 51

لإرادة دفعها، و أما ما في ذيل خبر زرارة فهو مع منافاته لمذهب الخصم أيضا ينبغي القطع بحمله إما على التقية، لأنه موافق لأشهر مذاهب العامة كما قيل، أو على شدة الكراهة بالنسبة للمرأة، أو على إرادة أنه لم يغسلها مجردة، و لعله أولى من سابقيه لشهادة صحيح الحلبي المتقدم له، و ربما يشعر به أيضا التعليل في غيره أنها ليست مثل الرجل لكونها أسوأ منظرا منه، ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن سرحان (1)«في رجل يموت في السفر أو في الأرض و ليس معه فيها إلا النساء قال: يدفن و لا يغسل، و قال في المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة إلا أن يكون معها زوجها، فان كان معها زوجها فليغسلها من فوق الدرع، و يسكب عليها الماء سكبا، و لتغسله امرأته إذا مات، و المرأة ليست مثل الرجل، المرأة أسوأ منظرا حين تموت»

و

قوله (عليه السلام) في خبر أبي الصباح الكناني (2)«في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء، قال: يدفن و لا يغسل، و المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن و لا تغسل إلا أن يكون زوجها معها، فان كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع، و يسكب الماء عليها سكبا، و لا ينظر إلى عورتها، و تغسله امرأته إذا مات، و المرأة إذا ماتت ليست بمنزلة الرجل، المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت».

و لعله لهذه الأخبار و ما تقدم سابقا من الأمر بالتغسيل من وراء الثياب أوجب الشيخ في الاستبصار ذلك في المرأة دون الرجل فجعله مستحبا، و هو لا يخلو من قوة، و إن كان الأقوى عدم الوجوب فيهما معا وفاقا للتهذيب و المعتبر و المحكي عن صريح النهاية و التذكرة و ظاهر الغنية و علم الهدى و غيره، و اختاره في مجمع البرهان و المدارك و الحدائق و الرياض، و لعله الظاهر ممن أطلق جواز تغسيلهما من غير تقييد، خلافا للمنتهى


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 12.

ج 4، ص: 52

و المختلف و البيان و جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة فمن وراء الثوب، بل في الأخير كما عن المسالك أنه المشهور، و في ظاهر المختلف نسبته إلى أكثر علمائنا.

و من العجيب أنه في الذكرى نسبته إلى الشهرة رواية و في الروض إليها فتوى و رواية مع إنكار بعضهم وجود دليل عليه من الأخبار بالنسبة التغسيل الزوجة الزوج، بل عن بعضهم انه احتمل أنهم أخذوه من صورة العكس، قلت: قد يشعر به

حسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(1)«حيث سئل عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلا النساء، فقال: تغسله امرأته أو ذو قرابة إن كان له، و تصب النساء الماء عليه صبا»

مع إمكان منعه، و

خبر سماعة(2)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل مات و ليس عنده إلا نساء فقال: تغسله ذات محرم منه، و تصب النساء عليه الماء صبا، و لا تخلع ثوبه»

و

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (عليه السلام)(3)قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلا النساء، قال: تغسله امرأته أو ذات محرمه، و تصب النساء الماء صبا من فوق الثياب»

لكنهما مع الإغماض عن سندهما و كون الأول في غير الزوجة لعله لمكان كون التي تصب الماء من النساء الأجنبيات و إن كان المتولية للتغسيل المحرم، كما عساه يشعر به و كذا الخبر السابق، مع احتمال الثاني كون الحكم في غير الزوجة.

نعم قد يستدل له ب

مضمر الشحام في الصحيح (4)«عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل، فقال: إن لم يكن له فيهن امرأته فليدفن بثيابه و لا يغسل و إن كان له فيهن امرأته فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته»

و هو محتمل


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 7.

ج 4، ص: 53

قريبا لما ذكرناه سابقا، و لئن سلم فليحمل على الاستحباب جمعا بينه و بين الأخبار المتقدمة التي هي كالصريحة في جواز تغسيلها له مجردا المؤيدة بالأصل، و إطلاق الأمر بالغسل، و استصحاب حكم الزوجة، و فحوى صورة العكس، و من العجيب تعليله في المنتهى الحكم بعدم نظرها إلى شي ء من عوراته و قد انقطعت العصمة بينهما، مع أن

محمد بن مسلم (1)سأل الباقر (عليه السلام) في الصحيح «عن امرأة توفيت أ يصلح لزوجها أن ينظر إلى وجهها و رأسها؟ قال: نعم»

و كذا غيره مما تقدم مما يدل على عدم انقطاع العصمة بينهما، بل لعله كالضروري من مذهبنا، نعم قد يقال بكراهة نظر الزوج للزوجة بعد موتها لما عساه يشعر به التعليل السابق بالعدة منه دونه، و للنهي في خبر الحلبي عن النظر إلى شعرها أو شي ء منها، كما أنه يحتمل الحرمة في خصوص العورة للنهي عنه.

فظهر لك من ذلك كله ضعف القول بوجوب كونه من وراء الثياب في تغسيل الزوجة للزوج، و أما العكس فهو و إن كان مشهورا في الأخبار كما عرفت، بل ربما تخيل أنها لا تعارض بينها و بين غيرها إلا بالإطلاق و التقييد فيحمل حينئذ مطلقها على مقيدها، إلا أن الأصل و استصحاب أحكام الزوجة و إطلاق الأمر بالغسل مع صراحة بعضها في جواز التجريد أو كالصريح، ك

قوله (عليه السلام): (يلقي على عورتها خرقة)

و

قوله (عليه السلام): (انما يمنعها أهلها تعصبا)

و ما دل على جواز النظر إلى ما عدا عورتها، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان(2): «إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته، و إن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به، و تلف على يدها خرقة»

مع اختلاف تلك الأخبار بالنسبة إلى كيفية التغسيل في إدخال اليد تحت القميص أو


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت- حديث 10.

ج 4، ص: 54

سكب الماء من فوق الدرع و وراء الثياب، و إشعار التعليل بكونها أسوأ منظرا إذا ماتت بأن المانع النظر لا التجريد نفسه، و احتمال بعضها كونه لمانع خارجي ككون متولي الصب أجنبيا تؤيد القول بالاستحباب، و لعله الأقوى.

و كيف كان فحيث يغسل الرجل أو المرأة من فوق القميص بأن يكسب الماء عليه فلا إشكال في عدم سراية النجاسة من الثوب الحاصلة من مباشرته للميت إلى الميت، لظهور الأخبار في حصول الطهارة للميت بإتمام الغسل و إدراجه في كفنه من غير حاجة إلى شي ء آخر، لكن هل ذلك لطهارة الثوب بمجرد الصب من غير حاجة الى العصر كما في الذكرى و الروضة و جامع المقاصد و غيرها لإطلاق الأخبار فجائز أن يجري مجرى ما لا يمكن عصره و مجرى الخرقة الساترة للعورة، فإنها لا تحتاج الى عصر قطعا على ما تشعر به عبارة الروضة، أو أن ذلك حكم شرعي فلا ينافي احتياج طهارة الثوب حينئذ إلى عصر عدم تعدي نجاسته للميت، أو ان ذلك لعدم نجاسة الثوب أصلا و رأسا و ان قلنا بتعدي نجاسة الميت في غير ذلك؟ وجوه قد عرفت ان أولها ما في الكتب السالفة، و لعل ثانيها يرجع اليه ما في الروض، حيث قال: «و هل يطهر الثوب بصب الماء عليه من غير عصر؟ مقتضى المذهب عدمه، و به صرح المحقق في المعتبر في تغسيل الميت في قميصه من مماثله» انتهى. قلت: و لعله أشار بذلك الى ما في المعتبر، حيث قال في المقام الذي ذكره: «و ان تجرد كان أفضل، لأنه أمكن للتطهير، و لأن الثوب قد نجس بما يخرج من الميت، و لا يطهر بصب الماء فينجس الميت و الغاسل» و كأنه فهم منه ان مراده بما يخرج من الميت هو الذي يباشر به الميت لا البول و الغائط و نحوهما، و إلا لخرج عما نحن فيه.

و لعل الأقوى في النظر الأول، لكن الاحتياط بالثاني كاللازم في المقام، لإمكان المناقشة بعدم تشخيص الروايات شيئا من ذلك، و القياس على خرقة الستر

ج 4، ص: 55

لا نقول به لو سلم الحكم في المقيس عليه، و أحوط منه التغسيل من تحت الثياب من دون نظر من الغاسل بأن يغطي الميت بالثوب مرتفعا عنه، كأن يقبض عليه من جانبيه أو نحو ذلك، و لو اني عثرت على أحد يحمل أخبار التغسيل من وراء الثياب على ذلك كما عساه يومي إليه بعضها ما كنت عدلت عنه إلى غيره، و إن كان حمل بعض الأخبار عليه لا يخلو من سماجة، كقوله (عليه السلام): (فيصب الماء من فوق الدرع) مع أنه قد يراد به أنه يوضع الماء على نفس الدرع ثم منه إلى الميت من غير مباشرة الميت لنفس الدرع، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر من كثير من أخبار المقام إرادة الثياب المعهودة، لاشتمال جملة منها على القميص، و أخرى على الدرع، و ثالثة على الثياب، و حينئذ فلا يجب تغطية الوجه و الكفين و القدمين، فما في جامع المقاصد من أن الظاهر إرادة ما يشمل جميع البدن من الثياب لا يخلو من تأمل، نعم قد يقال: إن خلو الأخبار عن التعرض الرأس مع حمل الأخبار على ما تقدم يقضي بجواز كونه مكشوفا، لكن الظاهر عدمه إما بحمل الثياب على ما يشمله، أو أن المراد بقاؤها في ثيابها التي كانت في حياتها، و الغالب منها مستورية الرأس، و قد يؤيد ذلك بالنهي عن النظر إلى شعرها في صحيح الحلبي فتأمل.

و لا فرق في الزوجة بين الحرة و الأمة و لا بين الدائم و المنقطع و لا بين المدخول بها و غيرها، نعم قد يشكل ذلك في المنقطع خصوصا إذا كان قد انقضى الأجل بعد الموت كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأحكام المنقطع المذكورة في محلها، و كذا الزوج لإطلاق النصوص و الفتاوى، و لا يقدح فيه سبق بعضها إلى الذهن، لعدم تحقق الندرة المانعة بمجرد ذلك، و المطلقة الرجعية زوجة كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا من أحد سوى ما في المنتهى من أنه لو طلق امرأته فإن كان رجعيا ففي جواز تغسيل الآخر له نظر، و لعله لاحتمال المناقشة فيه بانصراف ما دل على كونها زوجة إلى

ج 4، ص: 56

غير ذلك، و هو ضعيف، فلها أن تغسله حينئذ إن مات قبل خروج العدة، أما إذا مات بعدها فهي أجنبية كالمطلقة بائنا، و هو واضح، و قال في الذكرى: «و لا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا، بل لو نكحت جاز لها تغسيله. و إن كان الفرض عندنا بعيدا» انتهى. و نحوه في الروض و الروضة و كذا جامع المقاصد، بل يشعر قول (عندنا) في الكتب الثلاثة بكونه مجمعا عليه، و الظاهر أن مرادهم بالعدة عدة الوفاة، و بعد الفرض حينئذ لاستبعاد بقاء الميت بغير غسل حتى تنقضي و تتزوج، كما يشعر بذلك المنقول عن حاشية الروضة لصاحبها، حيث قال: «أنه يتحقق هذا الفرض بدفن الميت بغير غسل، ثم تزوجت زوجته بعد مضي عدتها، ثم أخرج الميت من قبره لغرض كالشهادة على حقه أو أخرجه السيل و لم يتغير، فيجوز لها أو يجب حينئذ تغسيله» انتهى. قلت:

و لعله لا يحتاج إلى هذا التكلف في نحو عصرنا، و ذلك لأنه قد تعارف فيه بقاء الميت مدة طويلة جدا بسبب إرادة دفنه في أحد المشاهد المشرفة.

و ربما استشكل في الحكم بعض متأخري المتأخرين معللا ذلك بصيرورتها أجنبية و الحال هذه، و قد يؤيده- مع احتمال الشك في شمول الإطلاقات لمثل ذلك من جهة ندرته- أنه قد يشعر التعليل المتقدمة في صحيحة الحلبي و غيره بكونها في حدة منه أنه لا يجوز لها التغسيل بعد انقضائها سيما إذا تزوجت. و فيه منع صيرورتها أجنبية بذلك، بل صدق اسم الزوجة عليها محقق، و دعوى الندرة إن أريد بها ندرة الوقوع فهي مسلمة. لكنها لا تجدي و إن أريد غيرها فممنوعة. و لا إشعار في التعليل بذلك، كما يشير إليه تعليله في هذا الخبر تغسيل الزوج لها بأنه قد انقضت عدته منها، و الظاهر أن مراده من حيث التجريد للثياب و عدمه، ففي تغسيل المرأة له لا يتأكد كونه من وراء الثياب، لأنها في عدة منه بخلاف العكس كما أشرنا إليه سابقا، هذا.

ج 4، ص: 57

و ربما فرضت المسألة في صورة أقرب مما ذكرنا، و هي فيما إذا كانت حاملا ثم وضعت بعد موته، فان عدتها تنقضي بالوضع فقط، كما هو مذهب ابن أبي عقيل، فإذا نكحت غيره قبل تغسيله لم يمنع ذلك من تغسيلها. إلا أن ذلك لا يتم بناء على ما هو المعروف من مذهب أصحابنا من العدة بأبعد الأجلين، لكن قد يظهر من المصنف في المعتبر مشهورية القول بجواز التزويج لها بمجرد الوضع بين أصحابنا، لأنه قال في الرد على أبي حنيفة حيث منع من تغسيل الزوج زوجته معللا ذلك بانقطاع عصمة النكاح بينهما، فيحرم عليه النظر و اللمس بدليل أنه يجوز له نكاح أختها و الأربع و غير ذلك:

«و استدلال أبي حنيفة ضعيف، لأنا لا نسلم ان جواز نكاح الأربع و الأخت يستلزم تحريم النظر و اللمس، فإن المرأة الحامل يموت زوجها فتضع، و مع الوضع يجوز أن تنكح غيره و لا يمنعها ذلك من نظر الزوج و لا غسله، و لا حجة في العدة، لأنه لو طلقها بائنا ثم مات فهي عدة، و لا يجوز لها تغسيله» انتهى. اللهم إلا أن يريد به الإلزام على ما عندهم، لكنه لا يتجه إلزامه بذلك لأبي حنيفة عند التأمل، هذا كله مع فرض كون العدة عدة وفاة، أما لو فرض أنها عدة طلاق رجعي فيشكل تصور الحكم المذكور فيه، اللهم إلا أن يفرض أنه مات في آخر العدة ثم خرجت عن العدة قبل أن تغسله، فان لها أن تتزوج حينئذ و تغسله، أما الأول فلخروجها عن العدة. و أما الثاني فلأنه مات و هي زوجة له، و يكون بعد الفرض حينئذ لندرة اتفاقه، و فيه أن الحكم في مثل الفرض اعتدادها بعدة الوفاة حينئذ، فليس لها التزويج كما سيأتي إن شاء الله في محله. فتأمل.

ثم ان الأقوى إلحاق الأمة مطلقا أم ولد كانت أولا بالزوجة في جواز التغسيل من كل منهما إذا لم تكن مزوجة أو معتدة أو مبعضة أو مكاتبة، فلها تغسيله و له تغسيلها كما في القواعد و البيان و مجمع البرهان، بل لعله لا خلاف فيه بالنسبة للثاني، كما استظهر نفيه في مجمع البرهان، و في جامع المقاصد أن تغسيله لها جائز قطعا إذا كان وطؤها

ج 4، ص: 58

جائزا، و نحوه في المدارك و قد عرفت غير مرة أن ذلك ممن لا يعمل بالظنيات مجري مجرى الإجماع.

و كيف كان فيرشد إلى ما قلنا- مضافا إلى ذلك و إلى أصالة جواز النظر و اللمس و استصحابهما ان كان ذلك هو المانع من جواز التغسيل على ما عساه يظهر من مستند الخصم، و إلى بقاء علقة الملك من الكفن و المؤنة و الاعتداد منه مع ما كان بينهما من الاستمتاع ما بين المتزاوجين، و إلى إيصاء علي بن الحسين (عليهما السلام) أن تغسله أم ولد له إذا مات على ما في

خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)(1)«ان علي بن الحسين (عليهما السلام) أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته»

و لعله لا ينافي ما دل على أن الصديق لا يغسله إلا صديق، لاحتمال إرادته إعانة الباقر (عليه السلام) في بعض الغسل و إن بعد، كما يشعر به مع تأييد للحكم ما عن

الفقه الرضوي (2)«و نروى أن علي بن الحسين (عليهما السلام) لما مات قال الباقر (عليه السلام): لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك، فأدخل يده و غسل جسده ثم دعى أم ولد له فأدخلت يدها فغسلته، و كذلك فعلت أنا بأبي»

انتهى- إطلاق أو عموم ما دل (3)على وجوب التغسيل و لو بأمر الولي مع عدم المخرج، على أن المختار عدم شرطية ما شك في شرطيته و مانعية ما شك في مانعيته، فيصدق حينئذ على غسلها أنه غسل، فما في المعتبر من أن الأقرب أنه لا تغسل المملوكة غير أم الولد سيدها معللا ذلك بأن ملكها انتقل عنه إلى غيره، فحرم عليها النظر، و منه توقف في المنتهى كما عن التحرير و النهاية و التذكرة ضعيف كضعف ما في المدارك من تعميمه ذلك حتى في


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 59

أم الولد، قال: «و ربما فرق بين أم الولد و غيرها لرواية إيصاء زين العابدين (عليه السلام) و في الطريق ضعف» انتهى. لما عرفت من أن انتقالها للغير لا يمنع بقاء الحكم السابق لها من النظر و اللمس و غيرهما، كما لا يمنعه انعتاق أم الولد أو حرية المدبرة، نعم أقصاه توقف مباشرتها للتغسيل على إذن من انتقلت إليه، كما أنك عرفت أنا في غنية عن النص بما سمعت، لكون المنع محتاجا الدليل لا العكس.

[في تغسيل الكافر المسلم]

و يجوز على المشهور كما حكاه جماعة منهم الشهيدان بل في الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفا من الأصحاب سوى المحقق في المعتبر، و في التذكرة نسبته إلى علمائنا أن يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم و لا مسلمة ذات رحم، و كذا تغسل الكافرة المسلمة إذا لم تكن مسلمة و لا ذو رحم إلا أنه في التذكرة جعل ما نسبه إلى علمائنا ذلك مع زيادة حضور الأجانب من المسلمين أو المسلمات، فيأمرون الكافر بالاغتسال أولا ثم يعلموه كيفية غسل المسلمين فيغسل، كما أن معقد بعض حكاية الشهرة كذلك بخلاف آخر، و الحاصل أنه لا إشكال في تحقق الشهرة هنا في الجملة و إن اختلفت بعض عباراتهم بالنسبة إلى ذكر ذلك و عدمه، و بالحكم صرح في المقنعة و التهذيب و الوسيلة و المنتهى و القواعد و الإرشاد و اللمعة و البيان و الروض الجنان و الروضة و الذخيرة و الحدائق و عن المبسوط و النهاية و المراسم و الصدوقين و ابن الجنيد و الصهرشتي و ابن سعيد، و هو الأقوى ل

موثقة عمار(1)المروية في الكافي و التهذيب عن الصادق (عليه السلام) قلت: «فان مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصارى و نساء مسلمات ليس بينهن و بينه قرابة، قال: يغتسل النصراني ثم يغسله فقد اضطر، و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها و معها امرأة نصرانية و رجال مسلمون قال: تغتسل النصرانية ثم تغسلها»

و

خبر عمرو بن خالد


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 60

عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام)(1)قال: «أتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) نفر فقالوا: إن امرأة توفيت معنا و ليس معها ذو محرم، قال: كيف صنعتم؟

فقالوا: صببنا عليها الماء صبا، فقال: أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ فقالوا:

لا، قال: أ فلا يمموها»

مع التأييد بما

عن فقه مولانا الرضا (عليه السلام)(2)«فان مات ميت بين رجال نصارى و نسوة مسلمات غسله الرجال النصارى بعد ما يغتسلون، و إن كان الميت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين و نسوة نصرانية اغتسلت النصرانية و غسلتها».

و ما عساه يناقش في ذلك- بضعف السند، و باستلزامه تنجس الميت بمباشرة الكافر عند التغسيل بالماء القليل و بعده بالماء الكثير، مع أن الغسل عبادة فلا تصح من الكافر، فوجب طرح هذه الأخبار أو حملها على التقية من حيث دلالتها على طهارة أهل الذمة- في غاية السقوط، إذ هي مع أن الموثق حجة عندنا مجبورة بما عرفت من الشهرة بل ظاهر الإجماع، و احتمال المناقشة فيها باختلاف عبارات الأصحاب من حيث التقييد المذكور سابقا في بعضها و عدمه في أخرى فلا شهرة محققة سيما بعد ما قيل إنه لم يذكره ابن أبي عقيل و لا الجعفي و لا ابن البراج في كتابيه و لا ابنا زهرة و إدريس و لا الشيخ في الخلاف مدفوع بعد فرض التسليم بتحققها قطعا في صورة التقييد، و هو كاف، و لا دلالة في عدم الذكر من أولئك على المخالفة، بل لعل الشهرة محققة على تقدير خلافهم أيضا، و استلزامه تنجس الميت بالنجاسة العرضية- مع احتمال عدم تعدي النجاسة منه إليه هنا، و إمكان منع استلزامه المباشرة المورثة لذلك أو صب الماء بعدها للتطهير منه ثم التغسيل- لا يصلح للاعراض عن الدليل المعمول به بين الأصحاب،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 18- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 61

كما أن دعوى أنه عبادة فلا تصح من الكافر كذلك أيضا، إذ ذلك- بعد تسليم أن غسل الميت من العبادات و أنه لا تجزى فيه نية الكافر كما أجزأت في العتق و نحوه- اجتهاد في مقابلة النص، مع أنه قال في كشف اللثام: «يمكن أن يكون ما ذكروه من أمر المسلم أو المسلمة إشارة إلى أن المتولي للنية أو هي و الصب المسلم» كما احتمل مثله الشهيد، فقال: «الظاهر أن الأمر انما هو لتحصيل هذا الفعل، لا أنه شرط، لخلو الرواية منه و للأصل، إلا أن يقال ذلك الأمر يجعل فعل الكافر صادرا عن المسلم، لأنه آلة له، و يكون المسلم بمثابة الفاعل، فتجب النية منه» انتهى.

و أولى من ذلك القول بأن ذلك ليس من باب التغسيل المعهود المشروط فيه النية، بل شي ء أوجبه الشارع في هذا الحال و إن وافقه في الصورة، كما قد يرشد إلى ذلك تصريح بعضهم بأنه صوري و أنه يجب الغسل مع وجود المسلم على ما ستعرف، فلا يكون حينئذ مخالفا إلا لأصالة البراءة و نحوها من الأصول التي تنقطع بأدنى دليل، فظهر لك أنه لا وجه للاعراض عن تلك الأخبار كما وقع للمعتبر، و ربما تبعه بعض من تأخر عنه، و من الغريب حملها على التقية من بعضهم من حيث دلالتها على طهارة أهل الكتاب، مع أن المنقول هنا عن جميع العامة عدا سفيان الثوري عدم جواز التغسيل، لعدم صحة العبادة من الكافر، و هو شاهد آخر على قبولها، لأن الرشد في خلافهم، فالأقوى حينئذ ما قلنا إلا أنه ينبغي الاقتصار على مضمون الأخبار، فلا يتعدى إلى غير أهل الكتاب و إن أطلق كثير من الأصحاب الكافر، اللهم إلا أن يدعى عدم القول بالفصل، و عدم تعقل الفرق عند من يقول بنجاسة الكل، أو يقال: بابتناء الحكم في صورة لا يباشر الكافر الماء، و أما النية فالحال في الكل واحد إما بارتكاب عدم الاشتراط هنا أو بأن الكافر من قبيل الآلة، و لا ريب في ضعف ذلك كله، إذ عدم الوصول إلى الفارق ليس وصولا للعدم، فالمتجه حينئذ التقييد بالذمي، بل لا يبعد عدم إلحاق

ج 4، ص: 62

المخالف بهم فضلا عن غيره، فتأمل. كما أنه ينبغي التقييد بالاغتسال قبل التغسيل و إن أطلق المصنف و غيره.

و هل يتقيد الحكم المذكور بوجود المسلم أو المسلمة معهم؟ احتمالان، لا يبعد العدم خلافا لصريح الوسيلة، فلو فرض أن الكتابي علم ذلك من المسلمين سابقا ففعله اجتزى به، نعم بناء على ما تقدم من احتمال أن النية من المسلم اتجه مراعاته حينئذ حتى يأمر الكافر بذلك، فتأمل.

و في إعادة الغسل لو وجد المماثل مثلا قبل الدفن؟ وجهان ينشئان من حصول المأمور به مع أصالة براءة ذمة المماثل هنا، للشك في شمول ما دل على الأمر بتغسيل الأموات لمثل ذلك، و من عدم حصول المأمور به الحقيقي، فيبقي في العهدة، مع الشك في شمول ما دل على الاجتزاء بغسل الكافر لمثل المقام، على أنه من المعلوم أن الاكتفاء بغسل الكافر انما هو للضرورة كما صرح به في الموثق (1)و لا ريب في ارتفاعها بوجود المسلم، بل ينكشف بوجود المماثل عدم الضرورة واقعا و ان الواقع انما كان لتخيل الضرورة، و دعوى صدق اسم الاضطرار بمجرد مثل ذلك و إن تعقبه ما يرفعه فيتجه السقوط حينئذ لتحقق موضوع الأمر الثاني محل منع، و لعل الأقوى الثاني وفاقا للتذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و الروض و الذخيرة و عن الإيضاح و البيان و غيرهما، بل لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له، نعم استشكل فيه في القواعد كما في التحرير، و كأنه لتعارض مدركهما عنده، و الشك في شمول أدلة وجوب الغسل لما نحن فيه مع الشك في شمول ما دل على الاجتزاء بغسل الكافر لمثل المقام، لكن قد يقال: إنه لا إشكال عندنا في تكليف الكافر بالفروع، و مقتضاه وجوب الغسل الصحيح عليه بأن يسلم و يفعل إلا أن الشارع كلفه بتكليف آخر على تقدير عصيانه بالأول، و لا


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 63

ظهور في الأدلة ببدلية هذا عنه بحيث يسقط عنه التكليف بالأول و لم يعاقب عليه، و لا تنافي بين وجوب هذا الفعل عليه مع عصيانه بترك الأول و بين بقاء وجوبه عليه و إن فعل الثاني.

و منه يعلم حينئذ عدم سقوط الغسل الحقيقي عن سائر المكلفين مع التمكن، لأن فعله إن لم يسقط التكليف به عن نفسه فلا يسقطه عن غيره بالأولى، فإذا وجد المماثل وجب عليه. لا يقال: إن المسلم غير المماثل قبل وجود المماثل كان مأمورا بذلك، و الأمر يقتضي الإجزاء، لأنا نقول: الاجزاء عن تكليف غير المماثل لا يقضي بالاجزاء عن تكليف غيره مع اختلافهما، و إلا لوجب القول بالاجتزاء بمجرد صدور الأمر من المسلم للكافر و إن لم يمتثله الكافر، لعدم تكليفه بغير ذلك، و هو باطل قطعا، نعم يتجه القول بعدم الإعادة لو فرض موضوع ما نحن فيه غير خارج عن القواعد ببعض ما أشرنا إليه سابقا من عدم احتياج هذا الغسل للنية مع عدم مباشرة الكافر للميت و نحو ذلك، لكنه بعيد، لظهور أخبار الباب و كلمات الأصحاب في أن ذلك من الأغسال الاضطرارية الصورية، و حيث ظهر لك مما قلناه وجه وجوب الإعادة اتجه ما ذكره بعضهم من أنه لو مسه أحد وجب عليه الغسل و لو مع عدم مجي ء المماثل، لما عرفت من عدم حصول الطهارة بهذا الغسل و عدم بدليته عنها، بل هو أشبه شي ء بالتكليف الجديد عند العصيان بالأول، و لعله مما ذكرنا يظهر لك الفرق بين خصوص هذا الاضطرار من الغسل و بين غيره، فتجب الإعادة مع ارتفاعه قبل الدفن في الأول دون غيره كما في الذكرى، و لعله الأقوى، لاقتضاء الأمر الإجزاء، فتأمل جيدا.

[في تغسيل الرجل محارمه من وراء الثياب]

و يجب أن يغسل الرجل محارمه من وراء الثياب أي من حرم عليه نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة بلا خلاف أجده في الجملة، بل هو إجماعي، و الأخبار به مستفيضة إن لم تكن متواترة، لكن هل يشترط فيه أن يكون ذلك من وراء الثياب

ج 4، ص: 64

كما هو ظاهر المشهور أو صريحه، بل في الذخيرة نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما عساه يشعر به عبارة التذكرة أيضا و الحبل المتين، أو لا يشترط كما هو صريح بعض متأخري المتأخرين و ظاهر الغنية و عن الكافي و الإصباح، و لعله الظاهر من الذكرى أيضا، حيث قال: «و ثالثها المحرمية، لتسويغه النظر و اللمس، و لما مر و لكن من وراء الثياب محافظة على العورة» انتهى.

قلت و كأن الأول للأمر به في الأخبار(1)الكثيرة التي تقدم بعضها في الزوجة، و لا ينافيها إطلاق غيرها(2)بل يحمل عليها كما هو قاعدة الإطلاق و التقييد، و علله في المعتبر زيادة على ذلك بأن المرأة عورة فيحرم النظر إليها، و انما جاز مع الضرورة من وراء الثياب جمعا بين التطهير و الستر، و هو مبني على حرمة نظر المحرم إلى الجسد عاريا كما عن العلامة التصريح به في حد المحارب، و لا ريب في ضعفه كما يظهر لك في محله ان شاء الله، فالعمدة في الاستدلال حينئذ الأول، لكن قد يقال: ان الأصل و ان كان يقتضي حمل المطلق على المقيد الا أنه يقوى هنا حمله على الاستحباب، إذ هو- مع اعتضاد المطلقات هنا بإطلاقات الأمر بالتغسيل و بالأصل و باستصحاب حلية التكشف حال الحياة و النظر و اللمس، مع احتمال كون الأمر بذلك لعارض خارجي كوجود أجنبي أو أجنبيات كما يشعر به ما تقدم من الروايات، مضافا الى ظهور سياق كثير منها باتحاد حكم الزوجة و المحارم في ذلك، و قد عرفت أن الحكم فيها بالاستحباب، فيكون حينئذ قرينة على حمل الأمر به عليه لتضمن الخبر للمرأة و المحارم، و إلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه- يؤيده أنه لا يتجه ما ذكر من الحمل أي حمل المطلق على المقيد، لظهور

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (3)المروي


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 9 و الباب 24 حديث 2 و 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 65

في الكتب الثلاثة في جواز التجريد بحيث لا يصلح حمله على التقييد، قال: «سألت عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته أ يغسلها؟ قال: نعم و أمه و أخته و نحو هذا يلقي على عورتها خرقة و يغسلها»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر زيد الشحام (1)حيث سأله عن امرأة ماتت و هي في موضع ليس معهم امرأة غيرها: «إن لم يكن فيهم لها زوج و لا ذو رحم دفنوها بثيابها و لا يغسلونها، و إن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها»

الحديث. و

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر عمرو بن خالد(2)عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) في حديث قال:

«إذا مات الرجل- إلى أن قال-: و إذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه و يصبن عليه الماء و يمسسن جسده و لا يمسسن فرجه»

إذ لا قائل بالفصل بين الرجال و النساء من المحارم، و من ذلك كله ظهر لك وجه القول بالاستحباب، لكن الوقوف مع المشهور أحوط إن لم يكن أقوى، سيما مع إمكان المناقشة في المعتمد مما تقدم، و هو الصحيح بإرادة خصوص المرأة من ذيله، و لا جابر لغيره من الأخبار كما أن الأمور الأخر لا تصلح للمعارضة عند التأمل، و أيضا فالتجريد مظنة الوقوع في المحرم، كاثارة الشهوة سيما في المحارم التي هي كالأجانب كأم الزوجة و نحوها.

و كيف كان فهل يتقيد تغسيل الرجل محارمه بما إذا لم تكن مسلمة أو زوج بناء على جواز تغسيله اختيارا أولا؟ ظاهر المصنف أو صريحه كظاهر المشهور أو صريحه الأول، بل قد يظهر من التذكرة و الحبل المتين الإجماع عليه، و لعله الأقوى ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة(3): «لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة»

و ما في سنده من الطعن منجبر بما عرفت، و لما يشعر به

قول الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 10.

ج 4، ص: 66

في الصحيح (1): «إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته، و إن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به، و تلف على يدها خرقة»

و لاختصاص الأخبار المجوزة بفقد المماثل، بل قد ينساق إلى الذهن أن الحكم معروف في الزمن السابق من حيث أن السائل إذا سأل يفرض عدم النساء إن كان الميت امرأة، و عدم الرجال إن كان رجلا، و مع ظهور سؤاله فيما قلنا لم يبرز من الامام (ع) من الجواب ما يرفع ذلك، فكأنه كالتقرير له على معتقده، خلافا للسرائر و المنتهى و كشف اللثام و المدارك و الذخيرة و عن التلخيص، و لعله الظاهر من النافع كغيره ممن أطلق ذلك، فجوزوه مع الاختيار للأصل و إطلاقات الأمر بالتغسيل للأموات، و إطلاق صحيح منصور المتقدم، و إشعار الاقتران بالزوجة في كثير من الأخبار به، بل في جملة منها(2)

(تغسله امرأته أو ذات قرابته)

كما

في أخرى (3)(يغسلها زوجها أو ذو رحم لها)

و قد عرفت عدم الاشتراط بالنسبة إليهما لا أقل من الشك في شرطيته، و ما شك في شرطيته ليس شرطا على المختار سيما في المقام، لعدم إجمال الغسل هنا، فتأمل، و هو حسن إلا أن الأول أولى، لإمكان المناقشة في جميع ذلك كما لا يخفى، سيما في صحيح منصور الذي هو العمدة في المقام من حيث إشعار قوله (في السفر) بعدم وجود المماثل، فلا شاهد فيه على ذلك. و ك الرجل في جميع ذلك المرأة بالنسبة إلى محارمها، فلا حاجة إلى الإعادة لعدم القول بالفصل بينهما من أحد من الأصحاب.

ثم ان الظاهر كما أشرنا إليه سابقا عدم وجوب الإعادة لو وجد المماثل قبل الدفن و إن قلنا باختصاص الجواز في حال الضرورة، لأصالة البراءة، و اقتضاء الأمر الاجزاء، و الفرق بينه و بين ما تقدم في الكافر واضح، كما أن الظاهر تحقق الاضطرار


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 7.

ج 4، ص: 67

بامتناع المماثل من المباشرة و عدم التمكن من إجباره، أو قلنا بعدم صحة الفعل مع الجبر لاشتراط القربة، و يحتمل قويا هنا القول بسقوط الغسل عن غير المماثل، لانحصار التكليف في المماثل، مع عدم الدليل على انتقاله إلى غيره بمجرد عصيانه، فالأصل البراءة.

[في عدم جواز تغسيل الرجل غير محارمه]

و لا يغسل الرجل من ليست له بمحرم و بالعكس أي من لم يحرم عليه نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في الخلاف إلى الأخبار(1)المروية عنهم (عليهم السلام) و الإجماع مع نسبة ما دل على خلاف ذلك من الأخبار(2)إلى الشذوذ، و في المعتبر «و لا يغسل الرجل أجنبية و لا المرأة أجنبيا، و هو إجماع أهل العلم» انتهى. و كيف كان فقد اختاره هنا ابنا حمزة و سعيد و الفاضلان و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، و هو المحكي عن المقنع و النهاية و المبسوط و المهذب و الإصباح، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3)بعد أن سأل «عن المرأة تموت في السفر و ليس معها ذو محرم و لا نساء قال: تدفن كما هي بثيابها»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (4)بعد أن سأله «عن امرأة ماتت قال: تلف و تدفن و لا تغسل»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الكناني (5)«في المرأة تموت في أرض ليس فيها إلا الرجال قال: تدفن و لا تغسل إلا أن يكون زوجها معها»

الحديث. و نحوها غيرها(6)من الأخبار المعتبرة، و كفى بها حجة على المطلوب سيما بعد اعتضادها بما سمعت من دعوى الإجماع صريحا و ظاهرا، بل لعله محصل لعدم صراحة عبارة المخالف في الخلاف، و بما سمعته أيضا من الأخبار(7)في صورة العكس، و بأصالة حرمة اللمس


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 20- من أبواب غسل الميت- حديث 7 و الباب 21- حديث 1 و 2.

ج 4، ص: 68

و النظر حيث يتوقف التغسيل عليهما، و هي كما أنها صريحة في نفي الغسل مجردة ظاهرة أو صريحة أيضا في نفيه من وراء الثياب و لو مع عدم مماسة شي ء من البدن أو تغميض العين عن النظر، مع عدم ثبوت العفو عن نجاستها هنا لو غسلت من ورائها.

فما عساه يظهر من المقنعة و التهذيب كما عن أبي الصلاح في الكافي من إيجاب تغسيلها من وراء الثياب مع اشتراطه في التهذيب عدم المماسة ضعيف، كمستنده من

خبر أبي سعيد أو أبي بصير(1)سمعت الصادق (عليه السلام) «يقول: إذا ماتت المرأة مع قوم ليس فيهم محرم يصبون الماء عليها صبا»

و

ابن سنان أيضا(2)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال من وراء الثوب، و يستحب أن يلف على يديه خرقة»

و

خبر جابر عن الباقر (عليه السلام)(3)«في المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة، قال: يصبون الماء من خلف الثوب، و يلفونها في أكفانها، و يصلون و يدفنون»

إذ هي- مع احتمال الأخيرين المحارم و عدم الجابر لها بل إعراض الأصحاب عنها بل نسبها بعضهم إلى الشذوذ- غير مقاومة لما ذكرنا من وجوه عديدة، فما يقال من أنه لا منافاة بينهما لإطلاق الأولى و تقييد الثانية لا يلتفت اليه، سيما مع صراحة بعض أخبار الباب (4)في نفيه، نعم قد يقال إن ذلك أحوط بشرط تغميض العينين أيضا كما في الغنية على إشكال فيه سيما إذا استلزم تنجيس الكفن، كالإشكال في دعوى استحبابه جمعا بين الأخبار كما في أحد احتمالي الاستبصار، و ذلك للنهي صريحا في بعضها، و الأمر بالدفن كما هي في


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 10 عن أبى سعيد.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 69

ثيابها في آخر، مضافا إلى ظهور كثير من كلمات الأصحاب في الحرمة أيضا، فلعل الأحوط الترك حينئذ.

كما أن الأحوط أيضا ترك التيمم و إن دل عليه

خبر عمرو بن خالد(1)عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: «أتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) نفر فقالوا: إن امرأة توفيت معنا و ليس معها ذو محرم، فقال: كيف صنعتم؟ فقالوا:

صببنا عليها الماء صبا، فقال: أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا:

لا، قال: أ فلا يمموها»

إلا أنه- مع ضعفه و عدم العثور على الفتوى به من أحد من أصحابنا بل في التذكرة نسبة نفيه إلى علمائنا كظاهر الخلاف و غيره أيضا، نعم نسبه الشهيد إلى العلامة و لم نجده، و موافقته للمنقول عن أبي حنيفة، و خلو المعتمد من الأخبار عن ذكره في مقام البيان- مستلزم للمس المحرم أيضا، فطرحه حينئذ أولى.

نعم قد يقال باستحباب غسل مواضع التيمم منها مع عدم اللمس، لما رواه

المفضل بن عمر(2)قال: «قلت للصادق (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم و لا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال: يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمم، و لا تمس و لا يكشف شي ء من محاسنها التي أمر الله تعالى بسترها، فقلت: كيف يصنع بها؟ قال: يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها»

و عن المبسوط و النهاية و التهذيب جواز العمل به، و لعله لا ينافيه ما في

خبر داود بن فرقد(3)قال: «مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تموت مع الرجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها و عليها ثيابها؟ فقال: إذا يدخل ذلك عليهم و لكن يغسلون كفيها»

نعم قد ينافيه ما في خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 70

أبي بصير(1)من الأمر فيه بغسل موضع الوضوء منها، لكن يمكن حمله على ما عدا الذراعين و القدمين، و قال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر هذه الأخبار: «إن الوجه فيها أن تحمل على ضرب من الاستحباب» انتهى. قلت: و لعل الأحوط دفنها مع عدم فعل شي ء من ذلك بها، للأمر بالدفن كما هي في الأخبار السابقة لظهور التشبيه فيه بذلك.

ثم الظاهر من أخبار الباب و جملة من كلمات الأصحاب بل ادعي الإجماع على اشتراط المماثلة في غير ما استثني أن ما ذكرناه من عدم تغسيل الرجل الأجنبية ليس لكونه منهيا عن النظر و اللمس فيفسد لذلك و إن ذكره بعضهم مؤيدا للحكم، بل الظاهر أن المراد شرطية المماثلة أو المحرمية أو الزوج تعبدا، فلا يصح حينئذ و إن اتفق وقوعه على وجه غير محرم، حتى لو قلنا بعدم اشتراط النية في التغسيل، إذ أقصى ما يخرجه ذلك عن حكم العبادات لا غير، فتأمل.

فظهر لك من جميع ما ذكرنا أنه لا يغسل الرجل الأجنبية، نعم استثنى المصنف من ذلك تبعا لغيره بنت الأقل من ثلاث سنين، فقال إلا و لها دون ثلاث سنين كما عن المبسوط و الإصباح، و لعل المراد بنت ثلاث سنين فما دون، فيرجع إليه حينئذ ما في الوسيلة و السرائر و الجامع و النافع و القواعد و الإرشاد و المنتهى و الذكرى و البيان و الدروس و غيرها من جواز تغسيل الرجل الأجنبي بنت الثلاث فما دون، بل في التذكرة و نهاية الأحكام و الروض الإجماع عليه، و يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب إذ لم أجد فيه خلافا بين أصحابنا المتقدمين و المتأخرين سوى ما يظهر من المصنف في المعتبر، حيث قال بعد مناقشة فيما ذكر من المستند لذلك: «فالأولى المنع و الفرق بين الصبي و الصبية، لأن الشرع أذن في الاطلاع للنساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية و ليس كذلك الصبية، و الأصل حرمة النظر» انتهى. و ظاهره عدم الفرق في ذلك بين


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 6.

ج 4، ص: 71

حالتي الاختيار و الاضطرار، بل و لا بين كونه من وراء الثياب و عدمه، و إن كان ربما يشعر تعليله بالثاني من الثاني، إلا أنه حيث كان لا دليل عنده على جوازه من وراء الثياب أشكل الحكم به من حيث حصول النجاسة.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ضعفه بعد ما عرفت من الإجماع المنقول المعتضد بالتتبع لكلمات الأصحاب، و بالأصل و الإطلاقات، و بما في الفقيه (1)قال: «ذكر شيخنا محمد بن الحسن في جامعه في الجارية تموت مع رجال في السفر، قال: إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست دفنت و لم تغسل، و إن كانت بنت أقل من خمس غسلت قال: و ذكر عن الحلبي (2)حديثا في معناه» و في الذكرى «أنه أسند الصدوق في كتاب مدينة العلم ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق (عليه السلام)» انتهى.

و لا ينافي الاستدلال بالشرط الأخير الترديد بالخمس أو الست في الأول، كما لا ينافيه شموله أيضا للزائدة على الثلاث إن لم نقل به، و لا ما في التهذيب أيضا قال: (و

روى محمد بن أحمد بن يحيى (3)مرسلا، قال: «روي في الجارية تموت مع الرجال، فقال: إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت و لا تغسل»

- ثم قال بعدها-:

يعني و لا تغسل مجردة عن ثيابها) انتهى.

قلت: و أولى منه ما حكاه في الذكرى عن ابن طاوس من أن ما في التهذيب من لفظ (أقل) و هم، و من العجيب أنه ظن في المعتبر أن الشيخ استدل بها على المطلوب و قد عرفت أنها ظاهرة أو صريحة في منافاته، كما أنه ظن انحصار دليل الحكم فيها، و لذا قال بعد ذكرها: «و الرواية مرسلة و متنها مضطرب، فلا عبرة بها، ثم لا نعلم القائل» انتهى. و أعجب من ذلك كله استناده في المنع إلى أصالة حرمة النظر، مع


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 72

أن الأصل يقتضي العكس كما هو واضح، و كيف مع أن المعلوم من بديهة الدين جواز النظر و اللمس للصبية في الجملة، بل في الرياض «أنه يستفاد من النص الصحيح (1)جواز النظر إلى حد البلوغ، و حكى عليه عدم الخلاف، و في المعتبرة جواز تقبيلها إلى الست كما في كثير منها(2)، أو إلى الخمس كما في بعضها(3)» انتهى. نعم قد يستدل له ب

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق (4)بعد أن سئل «عن الصبي تغسله امرأة قال: انما تغسل الصبيان النساء، و عن الصبية لا تصاب امرأة تغسلها، قال: يغسلها رجل أولى الناس بها»

و فيه- مع عدم صلاحيته لمعارضة ما تقدم، و احتمال زيادة الصبية على الحد المذكور، و احتمال دلالته أيضا على المطلوب بوجه، إذ قد يكون الأولى بها ليس من المحارم فهو كالأجنبي- أن المراد الأولى أو من يأذن له الولي، فتأمل جيدا، هذا.

و في المقنع تحديد جواز تغسيل الرجل للصبية بما إذا كانت أقل من خمس، و في المقنع أنها إن كانت أكثر من ثلاث غسلوها بثيابها، و مال إليه بعض متأخري المتأخرين و هو لا يخلو من قوة بناء على جواز النظر و اللمس لبنت الأكثر من ثلاث، فتشمله الإطلاقات، و ما وقع من بعض متأخري المتأخرين من المناقشة في عموم أو إطلاق يشمل ذلك في غير محله كما لا يخفى على من لاحظ أخبار الباب، سيما ما دل على وجوب غسل الميت من غير تقييد للواجب عليه بشخص خاص، و ما دل على الترغيب في غسل الميت ك

قول الصادق (عليه السلام)(5)(من غسل ميتا)

و

(أيما مؤمن غسل مؤمنا فله كذا)(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 126- من أبواب مقدمات النكاح و آدابه و لعل نظره الى الملازمة بين جواز النظر و عدم وجوب الستر.
2- 2 الوسائل- الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح و آدابه- حديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح و آدابه- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 73

مضافا إلى صدق اسم التغسيل على ما وقع من مثله، و دعوى أنه اسم للصحيح و احتمال اشتراط المماثلة يمنع من تحقق الصحة فيها ما لا يخفى بناء على المختار من عدم شرطية ما شك في شرطيته، مع ظهور كون الغسل من المبينات لا من المجملات.

و إذ عرفت ذلك ظهر أنه لا مانع من التمسك بالعمومات أو الإطلاقات في نحو ذلك، و لا ينافيه ما دل على عدم جواز تغسيل الرجل امرأة أجنبية، لعدم تناول اللفظ لها، نعم ينبغي دوران الحكم على مدة جواز النظر و اللمس، فحيث امتنعا امتنع و لو من وراء الثياب أيضا، لعدم ثبوت العفو عن النجاسة الحاصلة من ملاصقة الثياب، و إطلاق ما سمعته عن الصدوق، مضافا إلى ظاهر أكثر كلمات الأصحاب، بل هي ظاهرة في منع تغسيل الزائدة على الثلاث و إن جاز النظر و اللمس، فتأمل جيدا.

و يؤيده ما ستسمعه في صورة العكس من حيث ظهور خبر ابن النمير الآتي في عدم جواز تغسيل النساء لابن الزائد على الثلاث، مع انجباره بالشهرة بين الأصحاب، و لا ريب أن ما نحن فيه أولى من ذلك، فلعله من هنا كان الأقوى الاقتصار عليها حينئذ.

و كيف كان فظاهر المصنف أو صريحه كظاهر غيره من الأصحاب أو صريحهم بل صرح به بعضهم عدم اشتراط ذلك بالاضطرار، خلافا للمبسوط و النهاية و كذا السرائر و المقنعة، بل لعله الظاهر من الوسيلة أيضا من اشتراط ذلك بفقد المماثل، و هو ضعيف، لعدم الدليل عليه: و احتمال شمول قوله (عليه السلام): (لا يغسل الرجل امرأة إلا أن لا توجد امرأة) لمثل ذلك فيه ما لا يخفى مع الطعن في سنده، فالأقوى حينئذ جوازه اختيارا.

و ك لرجل في جميع ذلك من الأحكام المتقدمة المرأة فلا تغسل الأجنبي مطلقا على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا بل في التذكرة نسبته إلى العلماء مشعرا بدعواه، بل صرح به في المعتبر، فقال: «و لا تغسل المرأة أجنبيا، و هو

ج 4، ص: 74

إجماع أهل العلم» انتهى. و يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، فلم نجد مخالفا سوى ما ستعرف، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى أصالة حرمة النظر و اللمس مع التوقف عليهما-

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1)بعد أن سئل عن الرجل يموت و ليس معه إلا النساء: «يدفن كما هو بثيابه»

و في

صحيح أبي الصباح الكناني (2)«في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء قال: يدفن و لا يغسل»

و نحوهما غيرهما(3)من المعتبرة، و فيها الصحيح و غيره، و ترك التعرض فيها لذكر التيمم مع كونه في مقام البيان كالصريح في نفيه، مضافا إلى الأصل و استلزامه اللمس المحرم، مع ما عن التذكرة من نسبة النفي إلى علمائنا، فلا إشكال في نفيه، كما أنه لا إشكال في نفي التغسيل من وراء الثياب، لظاهر الأخبار إن لم يكن صريحها.

خلافا للمنقول عن ظاهر المقنعة و موضع من التهذيب و الكافي و الغنية، فأوجبوه من وراء الثياب، و لعله ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر جابر(4)«في رجل مات و معه نسوة و ليس معهن رجل قال: يصببن الماء من خلف الثوب، و يلففنه في أكفانه من تحت الستر»

الخبر. و هو- مع عدم الجابر له بل تطرق الوهن اليه بمصير أكثر الأصحاب إن لم يكن كلهم إلى خلافه، و احتماله المحارم- غير صالح لمعارضة ما تقدم، فلا وجه لدعوى الجمع بينهما بحمل الأولى على التغسيل مجردا، و الثاني عليه من وراء الثياب، و كيف مع أنها كالصريحة في نفيه حتى من وراء الثياب كما لا يخفى على من لاحظها، مع أن بعض من نسب إليهم الفتوى بمضمونه لم نتحققه فيما حضرنا من كتبهم كالمقنعة و الغنية، أما الأولى فليس فيها سوى أن النساء يغسلن الصبي لأكثر


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب غسل الميت- حديث 2 و 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 75

من خمس من فوق الثياب إذا لم يكن رجل و لا ذات محرم، و أما الثانية فقال فيها:

«إن لم يوجد من هذه صفته غسلته الأجانب في قميصه و هن مغمضات، و كذلك الحكم في المرأة، و من أصحابنا من قال: إذا لم يوجد للرجل إلا الأجانب من النساء، و للمرأة إلا الأجانب من الرجال دفن كل واحد منهما بثيابه من غير غسل، و الأول أحوط» انتهى. قيل: و قريب منه ما في الكافي، و هي كما ترى لا ظهور فيها في الخلاف فضلا عن الصراحة، فانحصر في المحكي عن موضع من التهذيب، و ظني أنه كالمقنعة، مع أنه في موضع آخر منه و الاستبصار حكم بالاستحباب، بل عنه في النهاية و المبسوط و الخلاف الاعراض عن ذلك.

فظهر لك أنه لا وجه للركون إلى ظاهر الخبر المتقدم، بل لعل المتجه عدم الحكم بالاستحباب من جهته، و ذلك للنهي صريحا و الأمر بالدفن في الأخبار المتقدمة ككلام الأصحاب، و إن أمكن صرفهما إلى نفي الوجوب و الرخصة في الدفن من غير غسل، لكنه بعيد سيما في عبارات الأصحاب، مع استلزامه التنجيس الذي لم يثبت العفو عنه هنا، فالمتجه حينئذ عدمه، و منه يظهر لك ما في الحكم بالاحتياط في عبارة الغنية، و طرح الخبر حينئذ أولى من ذلك، كطرح

خبر عمرو بن خالد(1)عن زيد ابن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: «إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأة و لا ذو محرم من نسائه يؤزرنه إلى الركبتين، و يصببن عليه الماء، و لا ينظرن إلى عورته، و لا يلمسنه بأيديهن و يطهرنه»

و

خبر أبي بصير(2)«في رجل مات مع نسوة ليس فيهن محرم، فقال أبو حنيفة: يصببن عليه الماء صبا، و قال أبو عبد الله (عليه السلام): بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل أن ينظرن منه إليه و هو حي،


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 10 لكن رواه عن أبي سعيد.

ج 4، ص: 76

فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه و لا مسّه و هو حي صببن عليه الماء صبا»

إذ لم أعرف أحدا من الطائفة أفتى بمضمونهما، اللهم إلا أن يرجعا إلى القول بالتغسيل من وراء الثياب، و هو كما ترى، فتأمل جيدا.

و كما استثني في الرجل تغسيل الصبية على حسب ما تقدم كذلك يستثنى من حكم المرأة تغسيل الصبي و لو أجنبيا بلا خلاف نجده فيه هنا في الجملة، بل الإجماع عليه محصل فضلا عن المنقول في التذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام و غيرها، نعم اختلفوا في تحديد الجواز، فظاهر المصنف كما في المبسوط و الإصباح القصور عن ثلاث، و المشهور الثلاث فما دون، و في المقنعة كما عن المراسم جواز تغسيل النساء الصبي مجردا إن كان ابن خمس سنين، و إن كان ابن أكثر غسلته من فوق الثياب، و قسم ابن حمزة الصبي ثلاثة أقسام: ابن ثلاث و ابن أكثر و مراهق، فالأول تغسله النساء مجردا من ثيابه، و الثاني تغسله من فوق ثيابه، و الثالث يدفن من غير غسل، و نحوه ابن سعيد في الجامع إلا أنه لم يذكر المراهق، و كان منشأ القولين الأولين

خبر ابن النمير مولى الحارث بن المغيرة(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال: إلى ثلاث سنين»

من حيث دخول الغاية و خروجها، و ظني أن القول الأول راجع إلى الثاني بإرادة الثلاث فما دون، كما يرشد إليه ما في النهاية من الاتفاق على تغسيل ابن ثلاث سنين، و كذا المنتهى و التذكرة، فلا إشكال حينئذ في ذلك من هذه الجهة.

نعم قد يشكل قصر الحكم عليها و عدم جواز تغسيل من زاد عليها سيما مع إطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(2)بعد أن سئل «عن الصبي تغسله امرأة قال:

انما تغسل الصبيان النساء»

و جواز لمسهن و النظر لمن زاد عليها، فيشمله حينئذ إطلاق الأمر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل الميت- حديث 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح أبو النمير مولى الحرث.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 77

بالتغسيل، مضافا إلى عدم شمول ما دل على عدم تغسيل الرجل إلا الرجل و المرأة إلا المرأة لما نحن فيه، لخروج الطفل عن مفهوم الاسمين، اللهم إلا أن يقال إن خبر ابن النمير بعد انجباره بالشهرة بين الأصحاب يرفع ذلك كله، و لا ينافيه جواز اللمس و النظر، إذ لعل ذلك من الشرائط التعبدية، فلعل الأقوى حينئذ الاقتصار عليها و إن كان القول بدوران الحكم مدار جواز النظر و اللمس كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين لا يخلو من قوة.

ثم ان ظاهر المشهور أو صريحه جواز ذلك اختيارا، بل في التذكرة و النهاية الإجماع عليه نصا، كما هو قضية إطلاق معقد إجماع المنتهى و الخبرين السالفين، فما عن صريح النافع و ظاهر السرائر و الوسيلة و غيرها من القصر على الضرورة ضعيف جدا، مع أنه في المعتبر قال: «قولنا في الأصل مع التعذر نريد به الأولى لا التحريم» و لعل ذلك مراد غيره أيضا، و الأمر سهل.

ثم اعلم أنه حيث ظهر لك جواز تغسيل كل من المرأة و الرجل الصبي و الصبية و لو كانا أجنبيين فالمراد ان الرجل يغسلها مجردة من ثيابها، كما أن المرأة تغسل الصبي مجردا من ثيابه بلا خلاف أجده في الثاني، بل عليه الإجماع في التذكرة و النهاية و هو الحجة، مع أنه قضية ما ذكرنا من الأدلة سابقا. و لعل ما سمعته سابقا من المقنعة و عن المراسم من تغسيل ابن الزائد على الخمس بثيابه ليس خلافا فيما نحن فيه بعد ما عرفت من المناقشة في أصل الجواز، و إلا فالمتجه بناء عليه جوازه مجردا، إذ لا دليل على اشتراط ذلك، كما أنه لا دليل عليها بالنسبة للأول أي تغسيل الرجل الصبية، فما في الوسيلة و الجامع و عن المراسم من التغسيل من وراء الثياب ضعيف، بل في ظاهر التذكرة و صريح النهاية و الروضة الإجماع عليه، فالأقوى حينئذ الجواز مع التجريد كما صرح به جماعة، و يقتضيه إطلاق آخرين، بل لعل قضية إطلاق ما ذكرنا عدم وجوب

ج 4، ص: 78

ستر العورة فضلا عن غيرها كما صرح به في جامع المقاصد و الروض، بل نسبه في الأول إلى إطلاق النص و الأصحاب.

ثم لا يخفى أن المراد بما تقدم سابقا من التحديد بثلاث سنين انما هو لنهاية الجواز إذا وقع الموت عندها فما دون، فلا يقدح تأخر التغسيل بعد فرض حصول الموت لذلك، فما في جامع المقاصد من أن الثلاث سنين هي نهاية الجواز، فلا بد من كون الغسل واقعا قبل تمامها لا يخلو من نظر و تأمل.

و لا فرق في جميع ما ذكرنا في الصبي و الصبية بين معلوم الذكورية و الأنوثية و مجهولهما، فالخنثى المشكل الذي لا يمكن رفع إشكاله بناء على عدم اعتبار القرعة و عد الأضلاع و نحوهما واضح إذا كان لثلاث فما دون بناء على أنها نهاية الجواز، و كذا إذا كان لأكثر مع وجود أمة له بناء على ما تقدم سابقا، و مع عدمها ففي التذكرة و المنتهى و القواعد و الإرشاد و الذكرى و جامع المقاصد و الروض أنه يغسله محارمه من الرجال و النساء، معللين ذلك بالضرورة لتعذر المماثل، و عن أبي علي أنه تغسله أمته، و عن ابن البراج أنه ييمم و لا يغسل.

و للنظر في الجميع مجال، أما (الأول) فلعدم تناول ما دل على الضرورة المسوغة لغير المماثل لمثل ذلك، لظهورها أو صريحها في معلوم الرجولية و الأنوثية، و دعوى أن المخالفة مانع لا أن المماثلة شرط في غاية الوهن مخالفة لصريح كلام الخصم، و منه يظهر فساد التمسك بالعمومات، لكونها مخصصة عند الخصم بما دل على اشتراط المماثلة إلا مع التعذر في خصوص المحارم، و لذلك احتاج هنا إلى التعليل بالضرورة، مع أن قضيتها عدم الاقتصار على المحارم، كالتمسك باستصحاب جواز النظر و اللمس، إذ هما غير صالحين لإثبات العبادة التوقيفية. و أما (الثاني) فمع ابتنائه على ما تقدم سابقا غير مطرد إذ قد لا تكون عنده أمة، و احتمال التكليف بشراء أمة له من تركته، فان لم يكن

ج 4، ص: 79

عنده تركة فمن بيت المال كما عن أحد وجوده الشافعية مما لا ينبغي أن يصغى اليه بعد فرض عدم الدليل عليه. و أما (الثالث) فلا دليل على وجوب التيمم مع لزوم المحذور أيضا، فلعل الأحوط تكرير الغسل مرتين من كل من الرجال و النساء و إن كان لا يلزمون بذلك، لأصالة براءة ذمة كل منهما، و المقدمة بالنسبة إليهما غير معقولة، فهما كواجدي المني في الثوب المشترك. لا يقال: إنه كيف يتصور نية التقرب من كل منهما، لأنا نقول: إنه كسائر أنواع الاحتياط يكفي فيه احتمال التكليف.

هذا كله مع وجود المحارم، أما مع العدم ففي التذكرة أن الوجه دفنه من غير غسل، و في المنتهى «أن الأقرب جواز صب الماء عليه للرجل و المرأة من فوق الثياب، و ليس لأحدهما أن يغسله مجردا، لجواز أن يكون رجلا إن كان الغاسل امرأة، و امرأة ان كان الغاسل رجلا» انتهى. قلت: و أنت لا يخفى عليك أنه بناء على جواز تغسيل الأجانب عند التعذر فلا إشكال في الجواز هنا إن قلنا بشموله لمثل ما نحن فيه من التعذر، و أما بناء على العدم فلعل ما ذكرناه من الاحتياط السابق جار هنا، و إلا فدعوى الوجوب على أحدهما كما هو ظاهر المنتهى قد يناقش فيه بعدم دليل عليه، اللهم إلا أن يستند في ذلك إلى عموم ما دل على وجوب غسل كل ميت مع تنزيل اشتراط المماثلة على معلومية حال الميت، لكن قضية ذلك عدم الالتزام بتغسيله من وراء الثياب، للأصل المسوغ للنظر و اللمس من كل من الرجال و النساء، كما أن قضية ذلك عدم الالتزام بتقديم المحارم مع وجودهم، نعم لعل ذلك أولى و أقرب للاحتياط، و ربما يحمل عليه كلام من سمعت من الأصحاب و ان بعد ذلك جدا في كلام بعضهم، و هو الذي يقوى في نفسي، و المحكي عن أحد وجوه الشافعية إلا أنهم استندوا له باستصحاب حاله في الصغر، و لا ريب في ضعف ذلك لاختلاف الموضوع، و الأولى الاستناد إلى ما ذكرنا من العمومات، و منه يظهر الكلام فيما لو وجد ميت أو بعضه مما يجب تغسيله و اشتبه ذكوريته و أنوثيته لظهور كونهما من واد واحد، فتأمل.

ج 4، ص: 80

[في وجوب غسل المخالف و عدمه]

و كل مظهر للشهادتين و لم يعلم منه عدم الإذعان بهما أو بإحداهما و إن لم يكن معتقدا للحق الذي لا يخرجه عن حكم الإسلام في الدنيا كالامامة و نحوها يجوز تغسيله أي يجب عدا الخوارج و المعروف منهم من خرج على علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لتحكيم الحكمين و الغلاة جمع غال، و هو من اعتقد إلهية أحد من الناس كما في الروض، و المعروف من ذلك من اعتقد إلهية علي (عليه السلام)، و كذا كل من ارتكب ما يحكم بسببه بالكفر من قول أو فعل أو غيرهما، فالنواصب و المجسمة و منكروا شي ء من ضروريات الدين و نحوهم لا يجوز تغسيلهم، للحكم بكفرهم.

و لا يغسل الكافر إجماعا محصلا منقولا على لسان مثل الشيخ و العلامة و الشهيد و غيرهم، و للأصل مع ظهور الأدلة في غيره، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(1)«النصراني يموت مع المسلمين لا تغسله و لا كرامة، و لا تدفنه، و لا تقم على قبره و إن كان أبا»

فلا إشكال حينئذ في ذلك، كما أنه لا إشكال في وجوب غسل المؤمن أي الإمامي المعتقد لامامة الأئمة الاثنى عشر (ع) ما لم يحصل منه سبب الكفر، بل هو إجماعي إن لم يكن ضروريا، و أما من لم يكن كذلك كالعامة و قد يلحق بهم فرق الإمامية المبطلة كالواقفية و الفطحية و الناووسية فالمشهور تحصيلا و نقلا في الذكرى و الروض و الحدائق و الرياض التغسيل، بل عن التذكرة و نهاية الأحكام الإجماع على وجوب تغسيل الميت المسلم، قيل: و هو الظاهر من المنتهى، حيث حمل قول المفيد (رحمه الله) بعدم الجواز على من علم نصبه، و في مجمع البرهان «و أما وجوب غسل كل مسلم فلعل دليله الإجماع- إلى أن قال-: و الظاهر أنه لا نزاع فيه لأحد من المسلمين كما في المنتهى- و قال أيضا-: و لعل عبارات بعض الأصحاب مثل الشيخ المفيد في عدم غسل المخالف مبني على أنه ليس بمسلم عنده، كما يدل عليه دليله في التهذيب و لكنه بعيد» انتهى.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 81

قلت: و قد يستدل عليه- مضافا إلى ما ذكرنا، و إلى استصحاب جريان أحكام المسلم عليه، و إلى ما يظهر من المشهور في باب الصلاة على الميت من الصلاة عليه و إن دعي عليه فيها، حتى قال في المنتهى: «و تجب الصلاة على الميت البالغ من المسلمين بلا خلاف» الى أن استدل عليه أيضا بما رواه

الشيخ عن طلحة بن زيد(1)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) قال: «صل على من مات من أهل القبلة، و حسابه على الله تعالى»

ثم قال: «المسلم ها هنا كل مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة من الدين» انتهى. إذ لا قائل بالفرق سيما مع اشتراط الصلاة بالغسل، بل لعل الصلاة أولى بالمنع، فحينئذ يصح الاستدلال بكل ما يصلح لذلك من العمومات و غيرها، و إلى ما عساه يشعر به فحوى أخبار الباب و كلام الأصحاب من إيجاب تغسيل الميت في بلاد الإسلام بل أبعاضه و ان لم يعرف مذهبه و لا أصل يلحقه بالامامي- بإطلاق الأدلة أو عمومها ك

قوله (عليه السلام)(2): «غسل الميت واجب»

و في

مضمر أبي خالد(3)«أغسل كل الموتى الغريق و أكيل السبع و كل شي ء إلا ما قتل بين الصفين»

و نحو ذلك (4)من الإطلاقات في الزوج و الزوجة و المحارم، و نحو

قوله (عليه السلام)(5): «بغسله الولي أو من يأمره بذلك»

و غيرها مع انجبار ما في بعضها من الضعف في السند أو الدلالة بما تقدم، كما انه لا ينافيها نحو

قوله (عليه السلام)(6): «أيما مؤمن غسل مؤمنا»


1- 1 الاستبصار- الباب- 1- من أبواب الصلاة على الأموات- حديث 2 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب غسل الميت.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 82

إذ أقصاه بعد اعتبار المفهوم و كون لفظ المؤمن لا يشمل المخالف عدم حصول ذلك الموظف من الثواب على تغسيل غير المؤمن، و هو مسلم لك، بل ستعرف انه مكروه على ما ذكر جماعة من الأصحاب.

و الأصل في الخلاف في المقام المفيد في المقنعة، حيث قال: «و لا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية، و لا يصلي عليه إلا أن تدعوه ضرورة الى ذلك من جهة التقية» انتهى و ربما ظهر من الشيخ في التهذيب موافقته عليه، حيث استدل عليه بأنه كافر، و لا يجوز تغسيل الكافر بإجماع الأمة كالمحكي عن المراسم و المهذب من ان المخالف لا يغسل، و لعله الظاهر من السرائر أيضا، و اختاره جماعة من متأخري المتأخرين، و جعل في الحدائق منشأ القولين هو الحكم بإسلامه و كفره، فلا إشكال في وجوب الغسل بناء على الأول و ان لم يدل عليه دليل بالخصوص تمسكا بالعمومات، كما انه لا إشكال في عدمه بناء على الثاني، و من هنا أنكر على الذخيرة و المدارك حيث ظهر منهما التوقف في الوجوب، بل حكما بعدمه مع البناء على الأول، حتى قال: إنه إحداث قول ثالث و لا وجه له.

قلت: لعل وجهه هو إلحاق أحكامه بعد الموت بأحكامه في الآخرة، إذ لا إشكال في كونه كالكافر بالنسبة إليها و ان حكم بإسلامه و أجري عليه جميع أحكام الإسلام من الطهارة و احترام ما له و نفسه و غير ذلك في الدنيا، و لا تلازم بينهما، أو ان وجهه الشك في عمومات تشمل كل مسلم، فالأصل البراءة، بل قد يظهر من ملاحظة جملة منها إرادة المؤمن لا أقل من عدم انصراف الإطلاق إليه، سيما بعد ما ظهر من بعض الأخبار(1)ان التغسيل احترام للميت و تكرمة له، و لا يصلح له إلا المؤمن.

و من ذلك كله ظهر لك ما يمكن الاستدلال به الثاني، و لا ريب في ضعفه


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 83

في جنب ما تقدم، إذ هو إما البناء على كفر المخالف، و هو معلوم الفساد، للأخبار(1)المعتبرة المنجبرة بعمل الأصحاب و بالسيرة القاطعة الدالة على تحقق الإسلام بالشهادتين، و انه الذي عليه جماعة الناس، و به تحقن الدماء و تنكح النساء و تحل المواريث و غير ذلك، و إما دعوى إلحاقه بالكافر في هذا الحال و ان كان مسلما قبله، و هو أضعف من سابقه لخلوه عن الدليل، بل قد عرفت قيامه على خلافه، و إما إنكار دليل يدل على وجوب تغسيل كل مسلم و قد عرفت وجوده من العمومات و غيرها، و إما ما عساه يظهر من بعض الأخبار(2)ان ذلك كرامة له و احترام، و لا احترام للمخالف، و فيه- مع أن الموجود في كثير من الأخبار(3)المعتبرة تعليله بخروج النطفة التي خلق منها منه عند الموت، و لأجله كان كغسل الجنابة، و في آخر(4)تعليله بلقياه لأهل الآخرة من الملائكة و غيرها، فينبغي أن يكون طاهرا- انه لا مانع من جريانه أيضا بالنسبة للمخالف باعتبار إظهاره الشهادتين، فالإكرام في الحقيقة لهما، كما أنهما من أجلهما روعيت أمور كثيرة، هذا.

و قد وقع في كشف اللثام تفصيل لا نعرف له موافقا عليه، بل و لا وجها معتبرا يركن اليه، فحكم بحرمة لتغسيل للمخالف مع قصد الإكرام له لنحلته أو لإسلامه، و حمل كلام من صرح بالحرمة من الأصحاب على ذلك، قال: «و حينئذ لا استثناء للتقية أو غيرها، و من التقية هنا حضور أحد من أهل نحلته لئلا يشيع عندهم أنا لا نغسل موتاهم، فيدعو ذلك الى تعسر تغسيل موتانا أو تعذره، و يمكن تنزيل الوجوب الذي


1- 1 أصول الكافي باب ان الايمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الايمان من كتاب الايمان و الكفر.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 84

قال به المصنف على ذلك، و حكم بالجواز مع إرادة تغسيله كتغسيل الجمادات لا بقصد الإكرام و الاحترام- قال-: و عسى أن يكون ذلك مكروها لتشبيهه بالمؤمن، و كذا إن أريد إكرامه لرحم أو صداقة أو محبة، و ان أريد إكرامه لإقراره بالشهادتين احتمل الجواز، أما إذا أريد إكرامه لكونه أهلا له لخصوص نحلته أو لأنها لا تخرجها عن الإسلام و الناجين حقيقة فهو حرام- و قال بعد ان حكى عن الشرائع الجواز، و عن المبسوط و النهاية و الجامع الكراهة-: لا خلاف بين القول بالجواز و الحرمة إذا نزلت الحرمة على ما ذكرناه، و لا ينافيه استثناء التقية، لجواز أن يكون الدلالة على المراد» انتهى.

و في كلامه مواضع للنظر لا تخفى، و كأن الذي دعاه الى ذلك تعبير بعض الأصحاب كالمصنف (رحمه الله) بالجواز و آخر بالكراهة، و ثالث بالحرمة، و رابع بالوجوب، فأراد الجمع بين الجميع بعد ان ثبت عنده ان سبب منع التغسيل للمخالف انما هو من جهة عدم استحقاقه للإكرام و الاحترام، و الفرض ان وجوب غسل الميت لذلك، و لعله يرتكب مثل هذا التفصيل في الكافر أيضا، و يحتمل أنه يفرق بينهما، و من المعلوم أن من عبر بالجواز كالمصنف لم يرد ذلك، بل الظاهر إرادة إثبات أصل الجواز في مقابلة القول بالمنع، و إلا فمتى جاز وجب لعدم معقولية غيره، و يشعر بذلك تعبيره به عن المؤمن و المسلم، حيث قال: كل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله، و من المعلوم وجوبه بالنسبة للأول، فلا ينبغي الإشكال في ذلك من هذه الجهة على ما وقع من بعض متأخري المتأخرين حتى بالغ في الإنكار، كما أنه لا ينبغي الإشكال فيه من جهة التعبير بالكراهة أيضا على ما ستعرف، ثم لم نعلم أنه ما يريد بالجواز في الصورة التي جوزها فيه هل هو بمعنى الإباحة الخاصة أو المندوب في مقابلة الحرمة؟ كالكراهة التي ذكرها بمعنى أقلية الثواب أو المصطلحة، و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في خروج ما ذكره عن أخبار الباب و كلام الأصحاب، و لعله عند التأمل يرجع الى إنكار التغسيل

ج 4، ص: 85

و ان الذي ذكر جوازه ليس من التغسيل المعروف الذي هو عبادة.

نعم بقي شي ء و هو انه قد صرح جماعة من الأصحاب منهم المصنف فيما يأتي بعد القول بالوجوب بأن ذلك مكروه، فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف، و صرح بعضهم بأنه ان لم يعرفه غسله كتغسيل أهل الحق، و قد يشكل ذلك بالتنافي بين الكراهة و الوجوب أولا، و بعدم الاجتزاء بغسل أهل الخلاف بعد أن قام الدليل على وجوب التغسيل المنصرف الى التغسيل الحقيقي ثانيا، و بعدم الدليل على الانتقال الى غسل أهل الحق بعد فرض وجوب الأول عند تعذره، بل قضيته السقوط حينئذ ثالثا.

و قد يدفع الأول بما تكرر غير مرة من بيان المكروه في العبادة، و خصوصا في المقام، لظهور كون المراد كراهة تولي مباشرة المخالف مع وجود غيره نظير ما قلناه في استحباب مباشرة الولي بخصوصه للميت، إذ لا فرق بين الكراهة و بين المستحب في منافاة الواجب، و الثاني بما دل (1)من الأمر بإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، و الثالث بوجوب أصل التغسيل، لكن قد يناقش في الثاني بعدم شمول ما دل على ذلك لمثل المقام، لكون التغسيل خطابا للغسل لا الميت، فلا يبعد القول بوجوب تغسيل أهل الحق مع عدم التقية، و إلا فمعها يغسل أهل الحق كتغسيلهم فضلا عنهم للأمر بالتقية لا لدليل الإلزام، و يؤيد ذلك انه لا يعقل الأمر بالعبادة الفاسدة لغير التقية، مضافا الى أن قضية ما ذكرناه من الأدلة مساواتهم لأهل الحق في ذلك، و قد يحمل قولهم:

فان اضطر غسله كغسل أهل الخلاف على إرادة التقية، إذ هي أغلب أفراد الاضطرار.

[تبعية ولد المسلم و الكافر لهما]

ثم انه لا إشكال في تبعية ولد المسلم للمسلم، كما أنه لا إشكال فيه بالنسبة للكافر، نعم قد يشكل في ولد الزنا من كل منهما، و لا يبعد عدم جريان حكم الإسلام عليهما و ان قلنا بطهارتهما، لكن قد يقال بوجوب تغسيلهما لا للحكم بإسلامهما بل لعدم


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه- حديث 5 و 6.

ج 4، ص: 86

الحكم بكفرهما، فتشملهما حينئذ العمومات الدالة على تغسيل كل ميت، سيما مع ما دل (1)على أن كل مولود يولد على الفطرة، و في الخلاف الإجماع على أن ولد الزنا يغسل و يصلى عليه، و احتمال التفصيل بين ولد الزنا من المسلم و بينه من الكافر فيلحق الأول بأبيه لغة دون الثاني ضعيف، بل لعل العكس أولى منه، لنفي ولد الزنا من المسلم شرعا. و عدم ثبوت ذلك في حق الكفار، و المجنون البالغ من الكفار و المسلمين بعد وصف الإسلام و الكفر ملحق بهما على الظاهر، و كذا لو بلغا مجنونين على إشكال لثبوت التبعية في حق الطفل دون غيره، فقد يقال حينئذ بعدم الحكم عليهما بشي ء منهما، فيجري عليهما ما تقدم من وجوب التغسيل، إلا أنه كما ترى بالنسبة إلى ولد الكافر، و المسبي يتبع السابي، فيحكم بإسلامه حينئذ، لكن قد استشكل فيه بعضهم من عدم قيام دليل التبعية في غير الطهارة، و يأتي تحقيق القول فيه ان شاء الله كما أنه يأتي تحقيق القول في لقيط دار الإسلام بل و دار الكفر مع إمكان التولد من مسلم، و ان حكم فيه بعضهم هنا بجريان حكم الإسلام عليهما، لكنه لا يخلو من نظر بالنسبة للأخير، و الذي ينبغي تحقيقه في المقام هو ما أشرنا إليه سابقا من أن المدار في وجوب التغسيل على الإسلام و ما في حكمه أو على عدم ثبوت الكفر، و لعل الأقوى الثاني قضاء للعمومات و ان ظهر من كلام الأصحاب الأول، فتأمل جيدا.

[في الشهيد]

و الشهيد و المراد به هنا هو الذي قتل بين يدي الإمام (عليه السلام) كما في المقنعة و القواعد و التحرير و عن المراسم أو نائبه كما في الوسيلة و السرائر و الجامع و المنتهى و عن المبسوط و النهاية، و لعل الثاني مراد الأولين، و لذا قال في مجمع البرهان:

المشهور أن المراد بالشهيد هنا من قتل في المعركة بين يدي النبي (صلى الله عليه و آله)


1- 1 أصول الكافي- باب فطرة الخلق على التوحيد- حديث 4 من كتاب الايمان و الكفر.

ج 4، ص: 87

أو الإمام (عليه السلام) أو النائب الخاص و غيره، و أنه مذهب الأكثر، بل في الذخيرة ان الأصحاب اشترطوا النبي (صلى الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) و ألحق به النائب الخاص، كما أن الظاهر إرادة الجميع بالإمام (عليه السلام) ما يعم النبي (صلى الله عليه و آله) أو في جهاد بحق و لو بدونهما، كما لو دهم المسلمين عدو يخاف منه على بيضة الإسلام كما في ظاهر الغنية أو صريحها و كذا إشارة السبق و صريح المعتبر و الذكرى و الدروس و المدارك و الذخيرة و الحدائق و ظاهر الروضة و الروض و عن ظاهر الخلاف و محتمل التذكرة و نهاية الأحكام، بل في ظاهر الأول أو صريحه الإجماع عليه، و لعله الأقوى

للحسن كالصحيح (1)عن أبان بن تغلب قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه و لا يغسل إلا ان يدركه المسلمون و به رمق ثم يموت بعد، فإنه يغسل و يكفن و يحنط، ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كفن حمزة في ثيابه و لم يغسله و لكنه صلى عليه»

و نحوه في ذلك

خبره الآخر(2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يقتل في سبيل الله أ يغسل و يكفن و يحنط؟ قال: يدفن كما هو في ثيابه إلا أن يكون به رمق»

الى آخره و

مضمر أبي خالد(3)قال: «اغسل الموتى الغريق و أكيل السبع و كل شي ء إلا ما قتل بين الصفين، و إن كان به رمق غسل و إلا فلا».

و لا ينافي ذلك تعليق الحكم على الشهيد في غيرها من الأخبار(4)بدعوى اعتبار الامام (عليه السلام) أو نائبه في مسماه، لا أقل من الشك سيما بعد الاعتضاد بفتوى من عرفت من الأصحاب، فيبقى حينئذ عموم ما دل على تغسيل كل ميت محكما مع إمكان دعوى انصراف تلك الأخبار الى المقتول بين يدي الإمام (ع) أو نائبه، لمنع


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 88

اعتبار ذلك فيه شرعا و غيره و لعل الخصم انما ينازع في الحكم مع تسليم دخوله في الشهيد حقيقة، كما هو ظاهر عبارة المصنف (رحمه الله) من كون الوصف مخصصا، فحينئذ يكون ما علق فيه الحكم على الشهيد شاهدا للمختار لا عليه، و من هنا قد استدل في الذكرى بعموم لفظ الشهيد، و ما في كشف اللثام من انه قد يمنع ممنوع، قال في القاموس: «الشهيد القتيل في سبيل الله تعالى لأن ملائكة الرحمن تشهده، أو لأن الله تعالى و ملائكته شهود له بالجنة، أو لأنه ممن يستشهد به يوم القيامة على الأمم الخالية، أو لسقوطه على الشهادة أي الأرض، أو لأنه حي عند ربه حاضر، أو لأنه يشهد ملكوت الله و ملكه» انتهى. و في المغرب «قال النضر: الشهيد الحي، كأنه تأول قوله تعالى (1)«وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ» كأن أرواحهم احتضرت دار السلام، و أرواح غيرهم لا تشهدها الى يوم القيمة، و قال أبو بكر: سموا شهداء لأن الله تعالى و ملائكته شهود له بالجنة، و قال غيره سموا شهداء لأنهم ممن يستشهد به يوم القيامة مع النبي (صلى الله عليه و آله) على الأمم الخالية» انتهى، هذا.

مع انه لا ريب في ثبوت الاستعمال للفظ الشهيد فيما نحن فيه، و الأصل فيه هنا الحقيقة بدعوى الوضع للكلي الشامل له و للمقتول بين يدي الإمام (عليه السلام) إذ هو خير من المجاز، و يؤيد ذلك أيضا الصدق العرفي حقيقة، و هو كاشف عن غيره حتى لو كان المعنى شرعيا من غير فرق بين القول بوضعه له شرعا أولا، إذ العرف المتشرعي ضابط للمراد الشرعي مجازا كان أو حقيقة، فتأمل جيدا. نعم قد يشعر

قوله (عليه السلام) في مضمر أبي خالد: «إلا ما قتل بين الصفين»

باعتبار تقابل العسكرين في جريان خصوص هذا الحكم على الشهيد، فلا يشمل من قتل من المسلمين بدون ذلك


1- 1 سورة آل عمران- الآية 163.

ج 4، ص: 89

كالمقتول اتفاقا(1)أو كان عينا من عيونهم أو نحو ذلك، إلا أن غيره من الأخبار مما اشتملت على التعبير بالقتل في سبيل الله شاملة له، و لعله الأقوى، لإطلاق جميع الأصحاب بالنسبة الى ذلك، فيمكن حينئذ تنزيل قوله: «ما بين الصفين» على ما لا ينافيه و ان كان هو أخص منه، فتأمل.

و يشترط مضافا الى ما ذكرنا من معنى الشهيد أن يكون قد مات في المعركة كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل نسبه غير واحد إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل في مجمع البرهان كان دليله الإجماع، و في التذكرة «الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل و لا يكفن، ذهب إليه علماؤنا أجمع» و نحوه في ذلك المعتبر و الغنية و الخلاف بل صرح في الأخير بأنه إذا خرج من المعركة ثم مات بعد ساعة أو ساعتين قبل تقضي الحرب حكمه حكم الشهيد، و استحسنه في المنتهى، و قضية هذا الإطلاق عدم الفرق في ذلك بين أن يدركه المسلمون و به رمق الحياة أولا.

و يؤيده- بعد ما عرفت من إطلاق معقد الإجماع و إطلاق الشهيد و القتيل في سبيل الله و ما قتل بين الصفين و أصالة البراءة و نحوها، مضافا إلى غلبة عدم الموت بأول الجراحة بل غالبا يبقى آنا ما معها، على أنه لو اعتبر ذلك لوجب تغسيل جميع القتلى من باب المقدمة، إذ لا ظهور يستند إليه في ذلك، مع ما في ذلك من العسر و الحرج سيما إذا أدرك و حياته غير مستقرة مع عدم انقضاء الحرب-

الخبر المروي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(2)انه قال يوم أحد: «من ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع؟ فقال رجل:

أنا أنظر لك يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فنظر فوجده جريحا و به رمق، فقال له:

إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات،


1- 1 أي مع عدم عسكر للمسلمين منه رحمه الله.
2- 2 سيرة ابن هشام على هامش الروض الأنف ج- 2- ص 141.

ج 4، ص: 90

فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله (صلى الله عليه و آله) عني السلام، قال:

ثم لم أبرح إلى أن مات»

و لم يأمر النبي (صلى الله عليه و آله) بتغسيل أحد منهم، و كذا

خبر عمرو بن خالد(1)عن زيد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه، و إن بقي أياما حتى تتغير جراحته غسل»

بعد تنزيله على إرادة البقاء في المعركة. لكنه بعيد بل غير متجه، فلعل الأولى حمله على التقية كما عن الشيخ و غيره، سيما بعد ضعف سنده.

و خالف في ذلك بعضهم كالمفيد في ظاهر المقنعة و الشهيدين في ظاهر الذكرى و الروض، و حكي عن مهذب ابن البراج، و تبعهم جماعة من متأخري المتأخرين، فاكتفوا في وجوب التغسيل بمجرد إدراكه حيا، لما تقدم من خبري أبان بن تغلب و مضمر أبي خالد، و

خبر أبي مريم عن الصادق (عليه السلام)(2)«الشهيد إذا كان به رمق غسل و كفن و حنط و صلي عليه، و إن لم يكن به رمق كفن في أثوابه»

و لعل الأقوى في النظر الأول لما عرفت، مع تنزيل ما في هذه الأخبار على إرادة الإدراك بعد انقضاء الحرب، إذ هو المتعارف في تفقد القتلى، لا يقال: إن ذلك أيضا مشمول للإطلاق الأول، إذ يصدق عليه أنه مات في المعركة، لأنا نقول: قد صرح جماعة أنه يخرج بتقييد الأصحاب الموت فيها ما إذا نقل عنها و به رمق أو انقضى الحرب و به رمق، و إلا فمتى كان كذلك وجب تغسيله، و يشهد له عدم صدق القتل بين الصفين مع الأول، و الثاني ما في الخلاف من إجماع الفرقة، على أنه إذا مات بعد تقضي الحرب يجب غسله حتى لو كان غير مستقل الحياة، كما يشعر به أيضا ما في الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 91

السابقة من الاكتفاء برمق الحياة، لكنه لا يخلو من تأمل.

و كيف كان فالشهيد بعد وجود ما عرفت فيه لا يغسل و لا يكفن و يصلى عليه إجماعا في الجميع محصلا و منقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالأخبار(1)نعم يعتبر في الثاني عدم تجريده من الثياب، أما لو جرد فالظاهر وجوب تكفينه كما صرح به جماعة من الأصحاب، و يدل عليه ما في

خبر أبان بن تغلب (2)«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كفن حمزة و حنطه لأنه كان قد جرد»

كما يشعر به أيضا ما في غيره من الأمر(3)بدفن الشهيد بثيابه.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من حكم الشهيد بين الحر و العبد، و لا بين المقتول بحديد أو غيره، و لا بين المقتول بسلاحه أو غيره، و لا بين المقتول خطأ أو عمدا بلا خلاف يعرف، لإطلاق الأدلة أو عمومها، بل و كذا لو داسته خيول المسلمين أو رمته فرسه في نهر أو بئر بسبب جهاد الكفار، لصدق كونه قتيلا في سبيل الله و غيره، بل صرح جماعة من الأصحاب بعدم الفرق بين البالغ و غيره، و بين الرجل و المرأة، بل قد يظهر من كشف اللثام في آخر الباب دعوى الإجماع على ذلك بالنسبة إلى الصبي و المجنون للإطلاق و الصدق، و لما

روي (4)أنه «قد كان في شهداء بدر و أحد حارثة بن.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 8 و 9 و 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 5 و 7 و 9.
4- 4 في الاستيعاب على الإصابة ج 1 ص 283 حارثة بن النعمان بن نقع شهد البدر و الأحد و الخندق و المشاهد كلها و في الإصابة ج- 1- ص 298 أدرك حارثة خلافة معاوية و مات بعد أن ذهب بصره. و أما عمير بن أبى وقاص ففي الإصابة ج- 3- ص 36 ترجمة عمير بن أبي وقاص قسم الأول «عرض جيش بدر على رسول الله ص فاستصغر عمير فرده فبكى فأجازه و قال أخوه أسعد: كنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل و هو ست عشرة سنة قتله عمرو ابن عبدود العامري الذي قتله علي عليه السلام يوم الخندق».

ج 4، ص: 92

النعمان و عمرو بن أبي وقاص أخو سعد، و هما صغيران و لم يأمر النبي (صلى الله عليه و آله) بتغسيل أحد منهم»

و ما روي أيضا(1)من استشهاد الرضيع ولد الحسين (عليه السلام) في وقعة كربلاء و لم ينقل عن أحد تغسيلهم.

و مع ذلك كله فللنظر في كل من لم يكن مخاطبا بالجهاد مجال للشك في تناول الأدلة، اللهم إلا أن يكون المسلمون مخاطبين بمحاربة العدو بأطفالهم و نسائهم و مجانينهم كما إذا عظم أمر الكافرين، فيصدق حينئذ القتل في سبيل الله و نحوه، و لا دلالة في

خبر طلحة بن زيد عن جعفر (عليه السلام)(2)عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: «سئل النبي (صلى الله عليه و آله) عن امرأة أسرها العدو فأصابوها حتى ماتت أ هي بمنزلة الشهداء؟ قال: نعم إلا أن تكون أعانت على نفسها»

لظهور أن المراد بمنزلتهم في الثواب و نحوه لا في هذا الحكم، و نحوها غيرها من المقتولين ظلما و المدافعين عن أنفسهم أو مالهم أو عرضهم أو الميتين بالبطن أو الطاعون أو النفاس ممن أطلق عليهم الشهداء، فإنه يجب تغسيلهم إجماعا على ما نقله غير واحد من الأصحاب، و لعموم ما دل على وجوب تغسيل الميت مع ظهور أدلة الشهيد في غير هؤلاء.

و لا فرق أيضا على المشهور فيما ذكرنا من الشهيد بين كونه جنبا و غيره للإطلاق المتقدم، خلافا للمنقول عن ابن الجنيد و المرتضى فأوجبا غسله، و هو ضعيف كمستندهما مما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)أنه قال لما قتل حنظلة ابن الراهب:

«ما شأن حنظلة فإني رأيت ملائكة تغسله، فقالوا له: إنه جامع فسمع الصيحة فخرج إلى القتال»

و من أنه غسل واجب لغير الموت فلا يسقط بالموت، إذ في الأول أنه لا دلالة


1- 1 الإرشاد للمفيد عليه الرحمة ص 224 المطبوعة بطهران سنة 1377.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 6.
3- 3 المستدرك- الباب- 30- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 93

فيه إن لم يكن دالا على العكس، لأنه لو وجب لم يسقط عنا بفعل الملائكة، مع عدم الدلالة في فعلهم على الوجوب علينا، و في الثاني بعد تسليم أن غسل الجنابة مما يجب لنفسه أنه كسائر التكاليف التي تسقط بالموت عمن كلف بها، و لا تنتقل إلى غيره، على أن الكلام في غسل الميت، و أيضا فهو اجتهاد في مقابلة النص.

كما أنه لا فرق أيضا في الشهيد بين قتيل المشركين و قتيل أهل البغي، و نسبه في المنتهى و التذكرة إلى فتوى علمائنا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك و إلى تناول أخبار الشهيد له خصوص

خبر عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)(1)«إن عليا (عليه السلام) لم يغسل عمار بن ياسر و لا هاشم بن عتبة، و هو المرقال، و دفنهما في ثيابهما»

و لا ينافي ذلك ما في ذيله من عدم الصلاة عليهما لوجوب حمله بالنسبة إليه خاصة على التقية كما عن الشيخ، أو أنه وهم من الراوي.

ثم انه لا إشكال عند الأصحاب على الظاهر في إجراء أحكام الشهيد على كل من وجد فيه أثر القتل من المسلمين، أما من لم يوجد فيه ذلك فعن الشيخ و تبعه الفاضلان أنه كذلك عملا بالظاهر لعدم انحصار القتل بما ظهر أثره، و عن ابن الجنيد عدمه، و لعله لأصالة وجوب تغسيل الأموات مع الشك في تحقق الشرط هنا، و هو لا يخلو من قوة، فتأمل.

[في حكم من وجب عليه القتل]

و كذلك يسقط وجوب تغسيل من وجب عليه القتل قودا أو حدا بعد موته كما في القواعد و الجامع و الإرشاد من غير فرق بين كون الحد رجما أو غيره كما صرح به في الذكرى و جامع المقاصد و الروض و غيرها، بل في الروض نسبته إلى الأصحاب كالحدائق إلى ظاهرهم، و كالمحكي من عبارة مجمع البرهان، قال بعد ذكره عبارة الإرشاد: و كان دليله الإجماع، و قد عرفت أنها مطلقة، لكن مع ذلك كله لا يخلو


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 4.

ج 4، ص: 94

من تأمل بل منع وفاقا لصريح المنتهى و كشف اللثام و الحدائق و عن نهاية الأحكام و ظاهر غيرهم، فاقتصروا على المقتول قودا و خصوص المرجوم من أنواع الحد وقوفا فيما خالف الأصل على محل النص الذي هو مستند الحكم، و تعليل الأول في الذكرى بالمشاركة بالسبب مما لا محصل له بحيث ينطبق على مذهبنا من حرمة القياس، و على كل حال ف يؤمر من وجب عليه ذلك بالاغتسال قبل قتله ثم لا يغسل بعد ذلك و الأصل في هذا الحكم ما رواه الكليني بسند ضعيف جدا عن

مسمع كردين (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان قبل ذلك ثم يرجمان و يصلى عليهما، و المقتص منه بمنزلة ذلك يغسل و يحنط و يلبس الكفن ثم يقاد و يصلى عليه»

و رواه الصدوق مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و بإسناد ثان فيه إرسال و غيره، لكن في التهذيب يغتسلان من الافتعال بخلاف ما في الكافي، فإنه فيه يغسل بالتشديد مع البناء للمجهول.

و كيف كان فلا إشكال فيما تضمنه من الحكم بالغسل قبل الموت و إن ضعف السند لانجباره بفتوى الأصحاب به من غير خلاف يعرف كما اعترف به في المعتبر، حيث قال: إن الخمسة و أتباعهم أفتوا بذلك، و لم أعرف لأصحابنا فيه خلافا و لا طعنا بالإرسال مع العمل، و نحوه ما في الذكرى و الحدائق، و في مجمع البرهان كان دليله الإجماع، و قال في الخلاف: «المرجوم و المرجومة يؤمران بالاغتسال ثم يقام عليهما الحد، و لا يغسلان بعد ذلك، و يصلي عليهما الامام (عليه السلام) و غيره و كذلك حكم المقتول قودا» ثم نقل مذهب الشافعي من تغسيلهما بعد الموت، و الزهري من عدم الصلاة على المرجوم، و مالك لا يصلي عليهما الامام (عليه السلام) و يصلي غيره، و قال:

«دليلنا إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه» انتهى. و لا إشعار في اقتصار المفيد كما


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 95

عن سلار على المقتول قودا بالخلاف في المرجوم، و لئن سلم فهو لجوج بما ندم.

ثم ان ظاهر النص أو صريحه كالفتوى بل صرح به جماعة أن هذا الغسل انما هو غسل ميت قدم، فيعتبر فيه حينئذ ما يعتبر فيه من الأغسال الثلاثة مع مزج الخليطين في الاثنين منها و نحو ذلك من غير خلاف أجده فيه سوى العلامة في القواعد، و تبعه بعض من تأخر عنه حيث استشكل في وجوب الثلاثة، و علله بعضهم بأصالة البراءة، و بأن المعهود الوحدة، في غسل الأحياء، و بإطلاق الأمر بالاغتسال في النص و الفتوى فيتحقق مع الوحدة، و ضعف الجميع واضح، و كذا لا إشكال في الاجتزاء به عن الغسل بعد الموت، و أنه به ترتفع النجاسة الحاصلة بسبب الموت في غيره، و كذا سائر ما يترتب على غسل الميت من عدم وجوب الاغتسال بالمس و نحوه، و لا وجه لاستبعاد ذلك من حيث تقديم الغسل على سبب النجاسة بعد فرض ثبوت ذلك من النص و الفتوى، إذ الأحكام الشرعية موكولة إلى صاحبها، و ربما أيده بعضهم بما نحن في غنية عنه من

خبر محمد بن قيس الثقة عن أبي جعفر (عليه السلام)(1)«ان رجلا أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال اني زنيت فطهرني- إلى أن ذكر أنه (عليه السلام) رجمه- فلما مات أخرجه فصلى عليه و دفنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لم لا تغسله؟

قال: قد اغتسل بما هو منه طاهر إلى يوم القيامة»

فلا حاجة للمناقشة فيه بعدم ظهوره فيما نحن فيه من تقدم التغسيل، مع إمكان تكلف دفعها، فتأمل.

و الظاهر أنه لا يقدح الحدث الأصغر بعده للامتثال، بل و لا في أثنائه كما صرح به بعضهم، و إن احتمل في الذكرى مساواته حينئذ لغسل الجنابة، لما دل (2)على تشبيهه


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب حد الزنا- حديث 4 من كتاب الحدود و التعزيرات و هو مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 96

به و انه بمنزلته، بل في بعضها(1)تعليل أصل غسل الميت بخروج النطفة منه، لكنه ضعيف لعدم تناول ذلك كله لمثله، بل و لا للاجتزاء به عن الوضوء مع تقدم الحدث الأصغر عليه على إشكال فيه، و كذا لا يقدح الحدث الأكبر بعده و في أثنائه و لو كان جنابة، و إن أوجبنا الاغتسال له إذا تحقق وجوب غايته أو مطلقا بناء على النفسية أو الغيرية، و لا يدخل فيه شي ء من الأغسال مع تقدم أسبابها على ما في جامع المقاصد و الروض، لكن في الذكرى (فيه نظر من فحوى الأخبار السابقة، كما

في خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام)(2)«في الميت جنبا يغسل غسلا واحدا يجزي للجنابة و لغسل الميت، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة»

انتهى. و ربما يؤيده غيره من الأخبار الدالة على الاجتزاء(3)بغسل واحد للحائض و النفساء إذا ماتت، فكذا ما كان بمنزلته.

و ما يقال-: إن الجنابة و الحيض و النفاس و نحوها لا توجب غسلا بعد الموت حتى تدخل في غسل الميت حتى لو قلنا بوجوبها لنفسها، لسقوط سائر التكاليف بالموت فلا بد من صرف ما ينافي ذلك من الأخبار السابقة عن ظاهره، فلا يصح الاستدلال بها على المطلوب- قد يدفع بأن سقوط التكليف بالغسل لمكان الموت لا ينافي بقاء أثر حدث الجنابة مثلا و وصفه بحيث لا يرتفع إلا بالغسل كما هو ظاهر الصحيح المتقدم المشتمل على التعليل بأنهما حرمتان قد اجتمعتا في حرمة واحدة، و مثله في ذلك الحسن كالصحيح عن الباقر (عليه السلام)(4)أيضا، و ربما يشعر به خبر تغسيل الملائكة عمر بن حنظلة لمكان جنابته، كما انه يقتضيه جميع ما دل على تحقق وصف الجنابة و الحيض و نحوهما بمجرد


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 97

حصول أسبابها، نعم لا دليل على وجوب الغسل على الغير لرفعها إن لم تدخل تحت غسل الميت، مع إمكان التأمل فيه أيضا من حيث ما ورد من تعليل غسل الميت بأنه لأجل أن يلقى الله تعالى و ملائكته طاهرا، فإذا كان الأمر كما ذكرنا من أن غسل الميت يرفع آثار تلك الأحداث صح أن يقال ذلك أيضا في المقام حينئذ لأنه بمنزلته بل هو أولى، هذا. مع إمكان تأييده في خصوص ما نحن فيه من المرجوم و المرجومة بشمول ما دل على التداخل هناك من

قوله (عليه السلام)(1): «إذا كان عليك الله حقوق أجزأك عنها غسل واحد»

لمثله.

و ما يقال: من أن التداخل لا يتصور في المقام من حيث اختلاف كيفية غسل الميت مع غسل الجنابة قد يدفع بأنه لا مانع من أن يدخل تمام رافع الجنابة مثلا في بعض غسل الميت لو سلمنا أن غسل الميت مركب من الأغسال الثلاثة بحيث يكون كل واحد جزءا. و كذا ما يقال: إن غسل الميت ليس من الأغسال الرافعة لحدث أو مبيحة لصلاة فلا يتصور دخول ما كان كذلك فيه، لأنا نقول: لا دليل على اشتراط التداخل بذلك، بل قد يظهر منه خلافه، نعم قد يستشكل في شمول خبر الحقوق لمثل هذا الفرد سيما مع عدم العموم اللغوي فيها، كما أنه قد يستشكل في صحته لو قدم على غسل الميت من حيث نجاسة بدن الميت، و يستشكل أيضا في كون هذا التداخل بالنسبة إلى غسل الميت قهريا أولا، بل يتبع نية المكلف كما هو المختار فيما تقدم من تداخل الأغسال من ظاهر الأخبار(2)و من أصالة عدم التداخل فيقتصر على المتيقن، و قد يؤيد الثاني أنه وجه الجمع بين ما دل (3)من الأخبار على الاجتزاء بغسل واحد للجنب و الحائض و نحوهما و بين ما دل على التعدد، ك

خبر العيص (4)قال: «قلت لأبي عبد الله (ع)


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 0.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت- حديث 7.

ج 4، ص: 98

الرجل يموت و هو جنب، قال: يغسل من الجنابة ثم يغسل بعد غسل الميت»

و نحوه في الدلالة على ذلك خبراه الآخران (1)و قال الشيخ بعد ذكر هذه الأخبار:

هذه الروايات الثلاثة لا تنافي ما قدمنا من الأخبار، لأن أول ما فيها أن الأصل فيها واحد، و هو عيص بن القاسم، و لا يجوز أن يعارض بواحد جماعة كثيرة، و لو صح لاحتمل أن تكون محمولة على ضرب من الاستحباب دون الفرض و الإيجاب، ثم ذكر غير ذلك، فتأمل. لكن مع ذلك كله فالأحوط في خصوص المقام تعدد الأغسال للجنابة أو للحيض أو نحوهما قبل أن يقتل و إن كان في ثبوت مثل ذلك بالنسبة إلى الميت نظر بل منع، حتى أن المصنف في المعتبر نفى التعدد وجوبا و استحبابا في الجنب و الحائض إذا ماتا مدعيا أنه مذهب أهل العلم، و تحرير المسألة محتاج إلى إطناب تام لا يسعه المقام.

لكن بقي شي ء و هو أنه بناء على المختار من عدم وجوب رفع الأحداث لنفسها و لما تكن غاية تجب لها فهل يجب على المكلف رفع الجنابة بناء على عدم التداخل أولا؟

لعل الثاني أقوى للأصل مع عدم وضوح دليل معتبر على وجوب الطهارة من ذلك بالنسبة للموت، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر النص و الفتوى الاجتزاء بهذا الغسل عنه بعد الموت إذا قتل بذلك، أما إذا مات حتف أنفه وجب تغسيله قطعا اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و كذا إذا قتل بغير السبب الذي اغتسل لأن يقتل به، نعم قد يستشكل في وجوب التجديد لو عدل عن قتله بذلك السبب إلى آخر سيما فيما لو كان موافقا للأول، كما لو كان القصاص مثلا عليه بسبب قتل شخصين فأراد ولي أحدهما القصاص منه فاغتسل لذلك، ثم أنه عفي عنه مثلا فأراده الآخر، و إن استظهره جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني، بل لعل الأقوى عدمه و إن كان الأحوط الأول سيما مع اختلاف السبب كالقود


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت- حديث 5 و 6.

ج 4، ص: 99

و الرجم، فتأمل. و كذا يظهر من فتاوى أكثر الأصحاب بل عن سلار و ابن إدريس التصريح به وجوب الأمر بالغسل قبل القتل، و ربما ظهر من بعض المتأخرين خلافه فخير بينه و بين الغسل بعده، لكونه قائما مقامه فهو أولى بالاجتزاء به، و فيه أن ظاهر النص و الفتوى بل معقد الإجماع السابق أن تقدم هذا الغسل عزيمة لا رخصة، نعم قد يستشكل في أصل وجوب الأمر للأصل مع عدم انتهاض الدليل، و هو غير وجوب الغسل، لكن قد يدفع ذلك- بعد ظهور اتفاق عبارات الأصحاب عليه بل هو معقد إجماع الخلاف- بأنه هو الذي يتصور بدليته عن غسل الميت المخاطب به غير الميت، فيكون الأمر حينئذ من المكلف قائما مقام تغسيله له بعد موته، و ربما يؤيده أيضا ما سمعته من رواية الكافي يغسل بالبناء للمجهول بعد القطع بعدم إرادة مباشرة الغير تغسيله، فيحمل على أقرب المجازات إليه حينئذ، و لا ينافيها قوله يغتسل في غيرها، بل قد يدعى بناء على ما ذكرنا اشتراط صحة هذا الغسل بتحقق الأمر، فلو اغتسل من دون أمر به لم يكن مجزئا، فليس الأمر حينئذ هنا للتعليم حتى يختص بصورة الجاهل كما ظن، لكن هل يعتبر في الآمر أن يكون الامام (ع) أو نائبه كما عساه يظهر من المحقق الثاني و تبعه في الروض أولا يعتبر؟ كما لعله الأقوى للأصل من غير معارض.

نعم قد يقال باعتبار الأمر ممن يجوز له التغسيل بعد الموت، فلا يأمر الامرأة أجنبي كالعكس، لما عرفت من بدليته عن الغسل، فيعتبر فيه ذلك ممن هو مخاطب به، لكن الأقوى عدمه تبعا لإطلاق الأصحاب، فتأمل.

و لو ترك الأمر لغفلة أو غيرها احتمل وجوب التغسيل بعد ذلك للعمومات، و عدمه لظهور الأدلة في انحصار مشروعية غسل مثل ذلك قبل القتل كما عساه صريح السرائر، و لعل الأقوى الأول سيما إذا ترك الغسل مع الأمر، و نحوه في ذلك ما لو أمر فلم يمتثل لنسيان أو غيره، لظهور أن القائم مقام الغسل انما هو الأمر مع وقوع

ج 4، ص: 100

الغسل لا أحدهما، و ليعلم أن المصنف و إن اقتصر على ذكر الغسل كالشيخ في الخلاف و كما عن المبسوط في ترك التكفين و عن الجامع ترك التحنيط لكن الظاهر منهم إرادة الاختصار، لما عرفت من اشتمال الرواية(1)التي هي مستند المقام على الثلاثة، و كذا كثير من عبارات الأصحاب. نعم لا إشكال عند الأصحاب على الظاهر في تأخر الصلاة عليه بعد الموت كما هو نص الخبر السابق (2)بالنسبة للمرجوم و المرجومة، لكنه لا صراحة فيه في المقتص منه، بل قد يشعر بخلافه، إلا أنه يجب تنزيله على الأول بقرينة

قوله (عليه السلام) فيه: «و المقتص منه بمنزلة ذلك»

أي المرجوم و المرجومة، و لم أجد أحدا من الأصحاب تعرض لغسل ما يخرج منه من الدم على الكفن، و لا لكيفية تكفينه إذا أريد القصاص منه، و لعله يترك موضع القصاص ظاهرا، و الأمر في ذا سهل.

[في حكم أجزاء الميت]

و إذا وجد بعض الميت فان كان فيه الصدر أو الصدر وحده غسل و كفن و صلي عليه و دفن بلا خلاف محقق أجده في شي ء من ذلك بين المتقدمين و المتأخرين، و إن ترك ذكر الدفن في المبسوط و النهاية و المراسم على ما حكي، إذ لعله لوضوحه كما هو الظاهر و كذا ترك ما عدا الصلاة في جملة من الكتب لظهور أولوية وجوب ما عداها، و كذا ما في السرائر و النافع من الاقتصار على ما فيه الصدر، و الوسيلة و الغنية و عن المبسوط و النهاية من التعبير بموضع الصدر، و عن الخلاف إذا وجد قطعة من ميت فيه عظم وجب غسله، و إن كان صدره و ما فيه القلب وجب الصلاة عليه، و في الجامع إن قطع نصفين فعل بما فيه القلب كذلك يعني الغسل و الكفن و الصلاة، و لم يذكر غير ذلك، لإمكان اتحاد الجميع عند التأمل كما هو واضح، نعم قد يظهر من المعتبر حيث اقتصر في الصلاة على ما فيه القلب أو الصدر و اليدان و لعظام الميت جميعها الخلاف في ذلك بالنسبة للصلاة على الصدر وحده، لكنه ضعيف.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 101

و كيف كان فيدل على تلك الأحكام- بعد الاستصحاب في وجه لعدم العلم باشتراط اجتماع الجملة في شي ء من ذلك، و قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور، و ما لا يدرك كله لا يترك كله، و فحوى ما ستعرفه من الأدلة على وجوب الغسل للقطعة ذات العظم من الإجماع و غيره، و الإجماع على الحكم الأول هنا في الغنية كنفي الخلاف المستفاد من ظاهر المنتهى هنا بالنسبة إليه، و في مجمع البرهان «لعلهم أخذوا الحكم بمساواة صدر الميت للميت من النصف الذي فيه القلب كما وقع في الأخبار أو من الإجماع أو خبر لم نعرفه» انتهى. و إجماعي التذكرة و نهاية الأحكام على الثالث المستلزم غيره أو يتمم بعدم القول بالفصل، حيث قال في الأول: «و يصلى على البعض

الذي فيه الصدر و القلب أو الصدر نفسه عند علمائنا، و في الثاني يصلى على الصدر و القلب أو الصدر وحده عند جميع علمائنا» انتهى. و ما في الخلاف «إذا وجد قطعة من ميت فيه عظم وجب غسله، و إن كان صدره و ما فيه قلبه وجب الصلاة عليه- إلى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم» انتهى. و إمكان تعليله مع ذلك باشتماله على القلب الذي هو رئيس الأعضاء و محل الاعتقادات التي بها تمتاز الدرجات، فكأنه الإنسان حقيقة، إلى غير ذلك مما دل (1)مفرقا على دفن أجزاء الميت و لو يسيرة و نحوه-

خبر الفضل بن عثمان الأعور المروي في الفقيه (2)و التهذيب عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) «في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة، و صدره و يداه في قبيلة، فقال: ديته على من وجد في قبيلته صدره و يداه، و الصلاة عليه».

و المناقشة في سنده كالمناقشة في متنه بعدم استلزام الصلاة غيرها من الأحكام و انضمام اليدين إلى الصدر مدفوعة بالانجبار بما عرفت، مع أن طريق الصدوق (رحمه الله) إلى الفضيل بن عثمان صحيح في قول على ما في بعض كتب الرجال المعتمدة، و ثبوت


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 4.

ج 4، ص: 102

التلازم المذكور سيما في المقام، و ذلك لما ستعرفه من الإجماع على وجوب الغسل في القطعة ذات العظم، و ربما يشعر بها ظهور اتفاقهم فيما يأتي من اشتراط تقدم الغسل على الصلاة في غير الشهيد، كما أنه يومي إليها استقراء حكم الميت، فلم نجد من وجب الصلاة عليه و لم يجب تغسيله، مع توقف طهارته عليه و التمكن منه، كل ذا مع إمكان التتميم بعدم القول بالفصل، كما أنه يمكن دفع الثانية بالإجماع منقولا و محصلا على الظاهر على عدم اشتراط شي ء من هذه الأحكام بوجود اليدين مع الصدر، و كأنه ذكره في الجواب للتطابق مع السؤال، فما عساه يظهر من المعتبر من اشتراط الصلاة على الصدر بوجود اليدين في غير محله.

و

مرفوعة البزنطي المروية(1)في المعتبر قال: «المقتول إذا قطع بعض أعضائه يصلى على العضو الذي فيه القلب»

و نحوه المرسل الآخر عن الصادق (عليه السلام)(2)و يقرب منهما غيرهما مما دل (3)على الأمر بالصلاة على النصف الذي فيه القلب، و فيها الصحيح و غيره بتقريب أن الصدر هو المشتمل على القلب سيما بعد الانجبار بما عرفت، و به يندفع ما عساه يلوح منها من اشتراط ذلك باشتماله عليه فعلا، حتى لو لم يكن فيه لم يصل عليه، مع إمكان إنكار الاشعار بإرادة محل القلب و إن لم يكن معه، لكن الإنصاف أن الاستدلال بها على ذلك بحيث يفيد تمام المطلوب لا يخلو من اعتساف، نعم يمكن القول بمضمونها، فيصلي على ما فيه القلب مطلقا صدرا كان أو غيره أو بعض الصدر، بل قد تشعر بأن القلب منفردا يصلى عليه كما عساه يظهر من بعض العبارات، لكنه مناف لما تسمعه منهم من عدم الصلاة على نحو اللحم مجردا، و كذا العظم غير الصدر، فتأمل.

و

خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام)(4)قال: «لا يصلى على


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 5 و 10.

ج 4، ص: 103

عضو رجل من رجل أو يد أو رأس، فإذا كان البدن فصل عليه و إن كان ناقصا من الرأس و اليد و الرجل»

بتقريب صدقه على تمام الصدر، لكنه كما ترى.

و

صحيح محمد بن خالد(1)عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«إذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو من أعضائه تام صلي على ذلك العضو و دفن، و إن لم يوجد له عضو لم يصل عليه و دفن»

بدعوى صدق العضو التام على الصدر، و اشتماله على ما لا نقول به لا يخرجه عن الاستدلال به للمطلوب، كالذي في

صحيح علي ابن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليهما السلام)(2)قال: «سألته عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال: يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن»

و دعوى ظهوره في إرادة مجموع العظام فلا يصدق على الصدر وحده من حيث إفادة إضافة الجمع العموم قد تدفع بعدم صراحته في ذلك، سيما بعد غلبة عدم بقاء تمام العظام من أكيل السبع و الطير، فيصدق على عظام الصدر، و العمدة في الاستدلال على المطلوب ما عرفته أولا ثم انه قد يظهر من جماعة من الأصحاب ممن أطلق مساواة الصدر أو ما فيه الصدر للميت وجوب الحنوط كما عن صريح الشيخ و سلار، و في القواعد فيه إشكال كما عن النهاية و التذكرة، و في الأخير «ينشأ من اختصاصه بالمساجد و من الحكم بالمساواة» انتهى. قلت قد يناقش فيه بعدم ثبوت هذه المساواة في شي ء من النصوص حتى بتمسك بإطلاقها، و كيف مع اختصاص التحنيط بالمساجد، بل قد يشعر الاقتصار على التغسيل و التكفين و الدفن و الصلاة فيما سمعت من النصوص بعدم وجوب التحنيط، فمن هنا اتجه ما عن الشهيد و تبعه جماعة ممن تأخر عنه من أنه لا إشكال في الوجوب مع وجود المحل، كما لا إشكال في عدمه مع عدمه، و لعله على الأول ينزل ما عن الشيخ و سلار


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1.

ج 4، ص: 104

كما استظهره بعضهم منهما، نعم لا يشترط اجتماع جميعها فيوضع الحنوط على الموجود منها، بل في جامع المقاصد أنه لو وجد عضو من المساجد كاليد حنطت.

و هل يعتبر التكفين بالقطع الثلاثة كما هو المنساق من إطلاق التكفين في النص و الفتوى، أو ما عدا المئزر باعتبار عدم مدخلية الصدر فيه لعدم وصوله إليه؟ ظاهر الأصحاب الأول، و هو لا يخلو من تأمل بالنسبة إلى المئزر إن لم يثبت إجماع عليه، و ذلك لعدم وضوح دليل على تشبيهه بالميت بحيث يشمل ذلك، سيما إن أريد وضع مئزر له على هيئة الميت، بل لعله مقطوع بعدمه عند التأمل و الانتقال إلى إرادة القطع الثلاثة و إن لم يكن بتلك الكيفية لا دليل عليه، و الاستصحاب و قاعدة الميسور لا يصلحان لا ثبات ذلك عند التأمل التام، و من هنا استشكل في الروض في وجوب المئزر لعدم وصوله إلى الصدر في السابق، فتأمل.

و هل يلحق بالصدر بعضه كما هو قضية بعض الأدلة السابقة من الاستصحاب، و عدم سقوط الميسور بالمعسور، و كونه من جملة كذلك و به صرح بعضهم، أولا؟

كما يشعر به تعليق الحكم في العبارة و غيرها من عبارات الأصحاب على الصدر الذي لا يصدق على البعض، و لعله الأقوى إذا لم يكن البعض المشتمل على القلب، و إلا كان الأقوى الأول للإطلاق المتقدم، فتأمل.

هذا كله إذا كان بعض الميت صدرا أو فيه الصدر، و أما إن لم يكن كذلك و كان فيه عظم غسل بغير خلاف بين علمائنا كما في المنتهى، و إجماعا كما في الخلاف و الغنية، و ذكره الأصحاب كما في جامع المقاصد، قلت: و لم أعثر فيه على مخالف من الأصحاب، فما عساه يشعر بوجوده من نسبته إلى الشهرة في كلام جماعة في غير محله، نعم ربما وقع فيه تردد من بعض متأخري المتأخرين من حيث انحصار

ج 4، ص: 105

المدرك في الإجماع المنقول مع المناقشة فيه، و لا ريب في ضعفه عندنا. مع إمكان تأييده أيضا- بعد قاعدة الميسور و الاستصحاب في وجه، إذ هو كما يجب تغسيله متصلا فكذا منفصلا- بما في الخلاف و المنتهى و غيرهما من أنه

روي (1)«ان طائرا ألقى بمكة في وقعة الجمل يدا فعرفت بالخاتم، و كانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فغسلها أهل مكة»

و بما في الذكرى من أنه يلوح مما ذكره الشيخان من صحيح علي بن جعفر المتقدم في المسألة السابقة، لصدق العظام على التامة و الناقصة سيما بعد غلبة التفريق و النقصان فيها في مثل أكيل السبع و نحوه.

لكن الإنصاف أن العمدة في الاستدلال الأول، لإمكان المناقشة في ذلك بعدم ثبوت الرواية الأولى من طرقنا مع عدم الحجة في فعل أهل مكة، و بظهور الصحيح في وجود تمام العظام أو أكثرها، فتأمل. نعم قد يرشد إليه فحوى ما قد ورد في القطعة المبانة من الرجل، ك

صحيح أيوب بن نوح (2)عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فكلما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»

بتقريب اقتضاء الحكم بالميتة جريان أحكامها عليها، و لا ينافيه ذكر وجوب الغسل بالمس إن لم يؤكده، فتأمل.

و منه حينئذ يستفاد إلحاق القطعة المبانة من حي بالمبانة من ميت، كالإجماع في الخلاف على وجوب الغسل بمس قطعة فيها عظم سواء كانت من حي أو ميت، لظهور التلازم بين الحكمين كما اعترف به في الذكرى، بل نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب وفاقا لصريح السرائر و المنتهى و التذكرة و الذكرى و الدروس و غيرها، بل في الحدائق أنه ظاهر الأكثر، و في المسالك أنه أشهر القولين، بل قد يقضي التدبر


1- 1 الإصابة- ج 2- ص 72.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل المس- حديث 1.

ج 4، ص: 106

في عبارة المنتهى أنه لا خلاف فيه بين علمائنا، فلاحظ و تأمل، كما أنه قد يقضي ظاهر ما حضرني من نسخة الغنية بالإجماع عليه، حيث أطلق فيه حكم الأبعاض، و خلافا لصريح المعتبر و الروض و مجمع البرهان و المدارك و الرياض و ظاهر المصنف هنا، فلم يوجبوا تغسيلها للأصل و كونها من جملة لا تغسل، و قد يمنع التعليل بأن الجملة لم يحصل فيها الموت بخلاف القطعة، كما أنه يمكن تأييد الأول بأنه لو لم يجب تغسيلها لم يجب تغسيل من قطع حيا إذا وجدت قطعة متفرقة، لأن كل قطعة لا يتعلق بها الوجوب، و بإمكان استفادته من فحوى أخبار المقام أيضا حيث لم يراع فيها احتمال اقتطاع الأعضاء منه و هو حي في أكيل السبع و الطير و غيره، و لا ريب أنه أحوط إن لم يكن أظهر.

و حيث ظهر لك وجوب تغسيل البعض ذي العظم من الميت فكذا يجب أن يلف في خرقة و يدفن بلا خلاف أجده في الثاني بل و الأول و إن اختلفت عبارات الأصحاب في التعبير عنه باللف في خرقة كما هنا و في التحرير و عن التذكرة و نهاية الأحكام، و بالتكفين كما في المقنعة و السرائر و الجامع و النافع و الإرشاد و عن المبسوط و المنتهى و النهاية و التبصرة و التلخيص، و كما يحتمل إرجاع الأول إلى الثاني بإرادة اللف من التكفين يحتمل إرجاع الثاني إلى الأول، بل لعله أظهر، و إن قيل الأظهر التفصيل بأنه إن كان مما يتناوله القطع الثلاث حال الاتصال وجب و إن لم يكن بتلك الخصوصيات، و إلا فاثنتان، و إلا فواحدة، و ربما ينزل عليه إطلاق الجماعة التكفين

لقاعدة الميسور و الاستصحاب و فيه أنهما لا يقضيان بوجوب القطع الثلاث بعد القطع بانتفاء الخصوصية السابقة، إذ الانتقال من المئزر و القميص إلى قطعتين و أن بالقطعة يكونان كذلك محتاج إلى دليل غيرهما، لعدم دخول ذلك تحت الميسور من المكلف به، و تغير الموضوع، فتأمل جيدا. و يظهر مما سبق البحث في التحنيط أيضا، فيجب حينئذ مع وجود شي ء من محاله و إلا فلا، و لعله على هذا ينزل ما عن الشيخين و سلار من إطلاق التحنيط كما يومي

ج 4، ص: 107

إليه ما عن التذكرة، حيث قال بعد نقله ذلك: «و هو حسن إن كان أحد المساجد وجوبا و إلا فلا».

ثم ان الظاهر إلحاق العظم المجرد بذات العظم في جميع ما تقدم كما هو ظاهر بعض عبارات الأصحاب و عن صريح ابن الجنيد و غيره، و قد يحمل عليه عبارات الأصحاب بالقطعة ذات العظم، كما عساه يشعر به المقابلة بذكر اللحم بلا عظم، بل قد يقال بشمول ما ذكر من القطعة ذات العظم لما إذا كانت مستصحبة للعظم و لو كان مجردا، و من هنا لم نجد أحدا ممن أوجب تغسيل القطعة ذات العظم صرح بعدم الوجوب فيه، و كأن ما نقله بعض المتأخرين من القول به أراد به من أنكر وجوب التغسيل للقطعة ذات العظم.

نعم قال في كشف اللثام: «إن فيه وجهين ينشئان من الدوران، و

قول الكاظم (عليه السلام) لأخيه في الصحيح (1)«في الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم، قال: يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن»

و

قول الباقر (عليه السلام) في خبر القلانسي (2)«في من يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم، قال: يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن»

و إن لم يتضمنا إلا جميع العظام فان كل عظم منها بعض من جملة تغسل، و لا فرق بين الاتصال و الانفصال للاستصحاب، مع أن الظاهر تفرقها و هو خيرة الشهيد، و من ضعف الدوران و عدم تنجس العظم بالموت إلا نجاسة عرضية بمجاورة اللحم و نحوه، و احتمال «يغسل» في الخبرين التخفيف من الغسل للنجاسة العرضية» انتهى. و لا يخفى عليك ضعف منشأ الوجه الثاني سيما ما في آخره من احتمال التخفيف في «يغسل»، كما أنه قد يدعى الإجماع على وجوب تغسيل الميت مع بقائه تماما عظاما من غير لحم، فما عساه يشعر به ما ذكره في ذلك من أن التغسيل للميت انما هو إذا كان مع اللحم في غير محله، بل قضيته أنه لا يجب التغسيل للعظم المكشوف من الميت،


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 5.

ج 4، ص: 108

فيختص حينئذ بغيره من المستور باللحم أو اللحم، و هو كما ترى.

و ربما يرشد إلى ما قلناه زيادة على ما سمعت

الحسن كالصحيح (1)قال: «إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه، فان وجد عظم بلا لحم فصلي عليه»

بعد حمله كما هو الظاهر منه على إرادة وجدانه تاما أو يقرب منه عظما بلا لحم، لاستلزام الصلاة الغسل كما ذكرنا سابقا، و إذ قد ظهر لك من ذلك كله وجوب التغسيل مع بقائه عظاما تاما اتجه حينئذ الاستدلال على وجوب ذلك في بعض العظام بالاستصحاب، و قاعدة الميسور، و نحو ذلك، فتأمل جيدا. لكن ينبغي أن يستثنى من ذلك السن و الظفر و نحوهما للسيرة القاطعة على عدم وجوب شي ء من ذلك فيهما، بل و لو قطع معهما شي ء من اللحم اليسير، لظهور قولهم: «قطعة ذات عظم» في غير ذلك، فتأمل.

بقي شي ء و هو أن الظاهر من الأصحاب هنا عدم اعتبار تحقق كون القطع من رجل لو أراد التغسيل الرجل، و لا من امرأة لو أرادت ذلك الأنثى، و هو مناف لما تقدم من ظاهر بعضهم و صريح آخر من اشتراط التماثل، و أصالة البراءة من حرمة اللمس و النظر لا تحقق ذلك، نعم يتجه ذلك بناء على ما أشرنا إليه سابقا من أن اعتبار المماثلة انما هو بعد تحقق حال الميت، فتأمل جيدا. كما أن الظاهر عدم وجوب مراعاة الترتيب بالنسبة إلى الجانبين مع تفرق الأعضاء، فيجوز تغسيل اليد اليسرى مثلا قبل اليمنى مع احتماله، نعم يسقط وجوب مراعاة ذلك مع الاشتباه، فلا يجب تكرير غسل اليدين تحصيلا لذلك مع احتماله أيضا، و الظاهر وجوب مراعاة الترتيب إذا أمكن جمع أعضائه المفرقة كما يشير إليه

قول الصادق (عليه السلام) في خبر العلاء ابن سيابة(2)بعد أن سأل عن القتيل في معصية الله إلى أن قال: «قلت: فان كان


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 109

الرأس قد بان من الجسد و هو معه كيف يغسل؟ فقال: يغسل الرأس إذا غسل اليدين و السفلة بدئ بالرأس ثم بالجسد، ثم يوضع القطن فوق الرقبة و يضم إليه الرأس و يجعل في الكفن، و كذلك إذا صرت إلى القبر تناولته مع الجسد و أدخلته اللحد و وجهته للقبلة»

ثم إن ظاهر المصنف بل صريحه كما هو صريح جماعة عدم وجوب الصلاة على القطعة ذات العظم و إن كان عضوا تاما كالرجل و الرأس و نحوهما، بل قد يظهر من الخلاف إن لم يكن صريحه الإجماع عليه كجامع المقاصد و الروض و غيرهما، بل لعله محصل لتعليق وجوب الصلاة في كلامهم على الصدر أو ما فيه القلب، خلافا

للمنقول عن ابن الجنيد، حيث قال: و لا يصلى على عضو الميت و القتيل إلا أن يكون عضوا تاما بعظامه أو يكون عظما مفردا و لم يفصل في ذلك بين الصدر و غيره، كالمنقول عن علي بن بابويه حيث قال: «فان كان الميت أكيل السبع فاغسل ما بقي منه، و إن لم يبق منه إلا عظام جمعتها و غسلتها و صليت عليها و دفنتها» إلا أنه يحتمل أن يكون مراده تمام عظامه أو أكثرها، فيخرج عن محل البحث.

و كيف كان فيؤيد ما ذهب إليه الإسكافي- بعد الاستصحاب و قاعدة الميسور و كونه من جملة كذلك-

بالمرسل عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «إذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام صلي عليه و دفن، و إن لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه و دفن»

و بما

عن الكليني (2)انه قال: «روي أنه يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد»

و بما

عن ابن المغيرة(3)انه قال: «بلغني عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه يصلي على كل عضو رجلا كان أو يدا و الرأس جزء فما زاد، فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه»

كما أنه قد يؤيد ما ذهب إليه ابن بابويه بعد الاستصحاب


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 12.

ج 4، ص: 110

و القاعدة أيضا ب

صحيح إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام)(1)«إن عليا (عليه السلام) و جد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها فدفنت».

لكن لا يخفى عليك ضعف جميع ذلك في مقابلة ما تقدم، إذ هي- مع معارضتها لما هو مجمع عليه بين الأصحاب أو كالمجمع عليه من اختصاص الصلاة بالصدر أو ما فيه القلب و للأخبار الظاهرة في اختصاصها أيضا بالذي فيه القلب، و لخصوص

خبر طلحة ابن زيد عن الصادق (عليه السلام)(2)«لا يصلى على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا، فإذا كان البدن فصلي عليه و إن كان ناقصا من الرأس و اليد و الرجل»

و

للمرسل أنه (3)«إن لم يوجد من الميت إلا الرأس لم يصل عليه»

- غير جامعة لشرائط الحجية، لأنها بين ما هو محتاج إلى الجابر و هو مفقود، بل الموهن من إعراض الأصحاب موجود، و بين ما هو صحيح لكنه قاصر الدلالة كالصحيح الأخير، إذ هو حكاية حال لا عموم فيه و لا إطلاق، و نحوه

الحسن كالصحيح المتقدم عن الباقر (عليه السلام)(4)«إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه، فان وجد عظم بلا لحم فصلي عليه»

لظهور إرادة وجدان القتيل كذلك، و هو إما تمامه أو أكثره، و بذلك كله تعرف انقطاع الاستصحاب و القاعدة المتقدمة، لكن الاحتياط لا يترك، بل عن بعض الأصحاب حمل أخبار ابن الجنيد على الاستحباب، و لعل الأولى حملها على التقية كما قيل، فتأمل جيدا.

و كذا السقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعدا يغسل و يلف في خرقة و يدفن و لا يصلى عليه، أما (الأول) فلم أجد فيه خلافا بين الأصحاب، بل في الخلاف الإجماع عليه، و في المعتبر نسبته إلى علمائنا، و في المنتهى إلى أكثر أهل العلم، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 7.

ج 4، ص: 111

الذكرى و جامع المقاصد و الروض إلى الأصحاب، و في كشف اللثام لا نعرف فيه خلافا إلا من العامة، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

خبر زرارة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل»

و نحوه مرفوعة أحمد بن محمد(2)و لا يقدح في ذلك ما في سندهما من الطعن بعد الانجبار بما عرفت، و استدل عليه في المعتبر و غيره ب

موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3)قال: «سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن، قال: نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى».

و أشكل ذلك في المدارك بأن الحكم فيها قد علق على الاستواء لا الأربعة، اللهم إلا أن يدعى التلازم، و هو مشكل و تبعه في الذخيرة، و قد يدفع ذلك- مع خلو رواية الكليني عن هذا القيد و احتمال عدم إرادة التقييد في الرواية التي قيدت به، بل هو إعادة لما في السؤال، و تصريح الفقه الرضوي (4)على ما نقل عنه كالفقيه بأن حد تمام الولد أربعة أشهر- بما في الحدائق من دلالة الأخبار على ذلك، (منها)

الموثق عن الحسن بن الجهم (5)قال: «سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول:

قال أبو جعفر (عليه السلام): إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما، ثم تصير مضغة أربعين يوما، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى فيؤمران»

الحديث و (منها)

خبر محمد بن إسماعيل أو غيره (6)قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك ندعو للحبلي أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا، قال: تدعو ما بينه و بين أربعة أشهر، فإنه أربعين ليلة نطفة، و أربعين ليلة علقة، و أربعين مضغة، فذلك تمام أربعة أشهر، ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 12- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
5- 5 الكافي- الباب- 6- من كتاب العقيقة- حديث 3.
6- 6 الكافي- الباب- 6- من كتاب العقيقة- حديث 6.

ج 4، ص: 112

يبعث الله ملكين خلاقين»

الحديث. و نحو ذلك صحيحة زرارة(1)ثم قال: و هذه الأخبار كما ترى صريحة في أنه بتمام الأربعة تتم خلقته، انتهى و تبعه على ذلك في الرياض.

قلت: و قد يناقش فيه بأنه لا دلالة في استئذان الملكين على التمامية، سيما بعد ما عساه يظهر من

خبر زرارة عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «إذا سقط لستة أشهر فهو تام، و ذلك أن الحسين بن علي (عليهما السلام) ولد و هو ابن ستة أشهر»

و ذيل مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة، فإنه قال بعد أن ذكر أن السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل و قال إذا تم له ستة أشهر فهو تام، فهي كالصريحة في عدم دوران وجوب الغسل على التمام، فلعل الأقوى حينئذ القول بوجوب التغسيل إذا بلغ الأربعة سواء قلنا بلزومها للتمامية أولا تمسكا بما عرفت من الإجماع و الأخبار، بل يظهر من المنتهى عدم التلازم بينهما، كما أن الأقوى ذلك أيضا و ان لم نقل بحلول الحياة فيه إذا بلغ هذه المدة، و ان أشعر بذلك تعليل كشف اللثام وجوب التغسيل لذي الأربعة بحلول الحياة كالذكرى، بل فيها «أن في الخلاف اعتبر الحياة في وجوب الغسل، و الظاهر أن الأربعة مظنتها، و يلوح ذلك من

خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(3) - الى أن قال-: و روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) «إذا بقي أربعة أشهر ينفخ فيه الروح»

و في خبر الديلمي عن الصادق (عليه السلام)(4)إشارة اليه» انتهى.

قلت: قد ينافي ذلك كله ما في

خبر يونس الشيباني (5)عن الصادق (عليه السلام)


1- 1 الكافي- الباب- 6- من كتاب العقيقة- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء- حديث 4 من كتاب الديات.
4- 4 الكافي باب العلة في غسل الميت غسل الجنابة- حديث 1 من كتاب الجنائز.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ديات الأعضاء- حديث 6 من كتاب الديات.

ج 4، ص: 113

«إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة»

فالمتجه حينئذ ما ذكرنا استنادا إلى الإطلاق السابق، مع أن عبارة ما عندنا من الخلاف ليست بصريحة فيما نقله عنه، بل و لا ظاهرة عند التأمل و التدبر فيها و فيما ذكره بعدها، لظهور إرادة ذلك في مقابلة العامة من حيث وجوب الصلاة، فلاحظ و تأمل.

و أما (الثاني) فظاهر المصنف كالتحرير عدم وجوب التكفين للتعبير باللف بناء على إرادة التشبيه بما في العبارة السابقة لا بالصدر، و ان نقل عن المسالك ذلك، لكنه بعيد جدا سيما مع ملاحظة ما بعده و عدم استثناء الصلاة، و كيف كان فالأقوى وجوب التكفين المعهود كما هو المنساق من التعبير به في الموثق السابق و في المقنعة و الجامع و المنتهى و الإرشاد و عن المبسوط و النهاية و المراسم و التلخيص و مقتضى التذكرة و نهاية الأحكام، بل يمكن إرجاع ما في العبارة و التحرير اليه، و يؤيده مضافا إلى ذلك ما عن الفقه الرضوي أيضا(1)و إمكان اندراجه تحت ما دل على الكفن سيما بعد القول بحلول الحياة فيه، و لعله لذلك و للرضوي صرح بعضهم بوجوب التحنيط كما هو ظاهر آخر، و هو أحوط إن لم يكن أقوى. و أما (الثالث) فلا خلاف و لا إشكال فيه كالرابع أي عدم الصلاة، بل حكى عليه الإجماع في الخلاف و المعتبر و لعله كذلك، و قد يرشد إليه أيضا ترك التعرض لها في الموثقة السابقة.

فان لم يكن له أي للبعض الذي وجد من الميت عظم بل كان لحما مجردا فلا يجب تغسيله إجماعا كما في الغنية و الحدائق و كذا الخلاف، بل في الثاني عليه و على نفي التكفين المعهود و الصلاة، و هو الحجة، مضافا إلى ما دل من المعتبرة على عدم الصلاة عليه، و إلى ما تقدم من فحوى عدم وجوبها على ذي العظم، و به ينقطع ما عساه يقرر هنا من اقتضاء قاعدة الميسور و الاستصحاب و كونه من جملة كذلك وجوب التغسيل


1- 1 المستدرك- الباب- 12- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 114

و التكفين، بل و الصلاة لو سلم صحتها، نعم ربما قيل بوجوب اللف في خرقة كما في النافع و القواعد، و هو خيرة المصنف في الكتاب، حيث قال اقتصر على لفه في خرقة و دفنه و حكاه في المعتبر عن المراسم و لم يثبت، و قد يؤيده ما سمعت من القاعدة السابقة لعدم معارضة الإجماع لها هنا، إذ أقصاه عدم وجوب التكفين بالقطع الثلاثة، و لا يستلزم ذلك الإجماع على عدم القطعة الواحدة، فيقتصر في تخصيصها به حينئذ على غير ذلك، و لا ريب في كونه أحوط و إن كان في تعينه نظر كما لا يخفى، و لذا اختار في المعتبر عدم الوجوب، و تبعه جماعة ممن تأخر عنه للأصل.

و كذا السقط إذا لم تلجه الروح بأن يكون لدون أربعة أشهر فلا يغسل و لا يكفن و لا يصلى عليه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المعتبر «و لو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل و لم يكفن و لم يصل عليه بل يلف في خرقة و يدفن، ذكر ذلك في النهاية و المبسوط و المقنعة، و هو مذهب العلماء إلا ابن سيرين، و لا عبرة بخلافه، و لأن المعنى الموجب للغسل و هو الموت مفقود» انتهى. و نحوه المحكي من عبارة التذكرة «لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل و لم يكفن و لم يصل عليه و لف في خرقة و دفن، و هو مذهب العلماء كافة» انتهى. و يؤيده- مضافا إلى ذلك و إلى الأصل و إلى إجماعي الخلاف و الغنية على عدم وجوب الغسل أيضا و إلى مفهوم الأخبار السابقة-

مكاتبة محمد بن الفضيل (1)سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن السقط كيف يصنع به؟ فكتب إليه «السقط يدفن بدمه في موضعه»

و لا خفاء في دلالته بعد تقييده بما دون الأربعة أشهر للأخبار السابقة، نعم لا تعرض فيه للف في خرقة، بل هو مشعر بعدمه، و من هنا قال في الرياض تبعا للمدارك و الذخيرة: «إن مستند اللف غير واضح، بل في الرضوي المتقدم و غيره الاقتصار على الدفن بدمه، و لذا خلا عنه كلام الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 115

و غيره، و لكنه منقول عن المفيد و سلار و القاضي و الكيدري، و هو أحوط» انتهى.

قلت: لعله لم يلتفت إلى معقد الإجماعين السابقين، و في المحكي عن مجمع البرهان نفي الخلاف عنه على الظاهر، و في الروض بعد نسبته إلى المتأخرين أنه يظهر من العلامة الإجماع عليه، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة كوجوب الدفن فيه و في سابقه و إن لم يتضح لنا دليل عليه بالنسبة إلى الأول، لكنه قد يشعر به ما في بعض المعتبرة(1)من الأمر بوضع شعر الميت و ما سقط منه في كفنه مع عدم ظهور الاشكال فيه من أحد من الأصحاب، و إذ قد ظهر لك حكم السقط بان لك حكم أبعاضه أيضا بأدنى تأمل.

و إذا لم يحضر الميت مسلم و لا كافر يؤمر بتغسيله و لا محرم من النساء دفن بغير غسل و لا تيمم و لا تقربه الكافرة و لا المسلمة الأجنبية و كذا المرأة، و روي أنهم يغسلون وجهها و يديها(2)كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا، و الحمد لله كما هو أهله.

[في وجوب إزالة النجاسة قبل الغسل]

و يجب إزالة النجاسة العارضية عن بدنه أولا قبل الشروع في الغسل كما في القواعد و المعتبر و المنتهى، بل في الأخير نفي الخلاف فيه كما أن في التذكرة و نهاية الأحكام الإجماع على وجوب البدأة بإزالة النجاسة عن بدنه، و في المدارك أن هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب كما أن في مجمع البرهان و الذخيرة أن الظاهر أنه لا

خلاف فيه، و عن المفاتيح الإجماع عليه أيضا، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى ما تقدم منا سابقا في غسل الجنابة بضميمة ما دل (3)على المساواة بينهما و إلى توقف البراءة اليقينية عليه بناء على اعتبار مثل ذلك في مثله- ما في

خبر الفضل بن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام)(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل الميت.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 9.

ج 4، ص: 116

قال: «سألته عن الميت، فقال: أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا، ثم طهره من غمز البطن، ثم تضجعه ثم تغسله»

الحديث. و

معاوية بن عمار(1)قال: «أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أعصر بطنه، ثم أوضأه بالأشنان، ثم أغسل رأسه»

الحديث.

و ما في خبر يونس (2)من الأمر بغسل الفرج و تنقيته مقدما على التغسيل، و ما في خبر الكاهلي (3)أيضا من الأمر بذلك لكن بماء السدر، و ما في المستفيضة(4)في باب الجنابة من الأمر بغسل الفرج مقدما في غسلها بضميمة ما دل على المساواة، بل في بعضها أنه عينه (5)، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر العلاء بن سيابة(6)بعد أن سئل عن رجل قتل فقطع رأسه في معصية الله: «إذا قتل في معصية يغسل أولا منه الدم، ثم يصب عليه الماء صبا»

إلى آخره. و مع ذلك كله فقد علله بعضهم أيضا بأنه لما وجب إزالة الحكمية عن الميت فالعينية أولى، و بصون ماء الغسل عن النجاسة.

لكن قد يناقش في الأول بعد تسليمه أنه لا يقضي بالمدعى من وجوب التقديم على الغسل، و في الثاني بذلك أيضا، و بأن النجاسة لازمة للماء لا تنفك عنه بسبب المباشرة لبدن الميت، نعم لو لم نقل بنجاسة بدن الميت كما عن بعضهم اتجه ذلك، إذ يكون حينئذ كالجنب، لكن يبقى فيه إشكال ذكرناه في باب الجنابة، فلاحظ و تأمل.

و ربما يدفع ما أورد على الثاني بأنه قد يقال: لا تلازم بين العفو عن خصوص نجاسة الميت و بين النجاسة العارضية، بل عدمه ثابت لمكان الضرورة في الأولى دون الثانية، نعم قد يتوجه النظر في أصل اعتبار عدم نجاسة الماء بعد وضعه على بدن الميت و لو بالنجاسة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الجنابة.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 117

العارضية، إذ الثابت من الإجماع انما هو اعتبار طهارة الماء قبل الشروع لا بعده، كما أنه قد يتوجه أنه لا يتصور تطهير بدن الميت عن النجاسة قبل الغسل لمكان نجاسته، و لا وجه لرفع نجاسة حال ثبوت أخرى.

و من هنا استظهر في كشف اللثام أن مراد الفاضلين و كل من ذكر تقديم الإزالة أو التنجية مجرد إزالة العين لئلا يمتزج بماء الغسل و إن لم يحصل التطهير، و قد يدفع ذلك كله بثبوت الإجماع على اعتبار طهارة الماء من النجاسة العارضية و لو بعد الشروع، بل لا يكتفى بالغسلة الواحدة عنهما لأصالة عدم التداخل، و بأنه لا مانع من ثبوت الطهارة من نجاسة خاصة مع ثبوت نجاسة الأخرى، إذ هما من الأحكام الشرعية التعبدية التي ليس للعقل فيها مدخلية، نعم هي تدور مدار التوقيف من الشارع، فلا ينبغي الإشكال فيه بعد ثبوته من الشارع، و لا إشكال في الثبوت في الجملة، أي عند إرادة غسل كل جزء، أما وجوب التقديم على أصل الغسل فلا يخلو من نظر و تأمل و إن كان لا يخلو من قوة تمسكا بما سمعت من الإجماع المعتضد بنفي الخلاف و غيره، و بما عساه تشعر به الأخبار السابقة و إن كان في استفادته من بعضها نظر سيما ما اشتمل منها على غسل الفرج، لظهور كون المراد منه استحباب ذلك في التغسيل لا للنجاسة كما يومي إليه الأمر بفعل ذلك أيضا عند الغسل بماء الكافور و ماء القراح أيضا، فالعمدة حينئذ الإجماعات السابقة مع إمكان المناقشة فيها أيضا بخلو كثير من عبارات الأصحاب عن التعرض لذلك، بل قضية تشبيهه بغسل الجنابة عدمه إلا أن يشترط به فيه أيضا أو أنه يراد من التشبيه الكيفية فعن المهذب ليس إلا تقديم إزالة النجاسة من غير نص على الوجوب، و لا في الوسيلة إلا وجوب التنجية من غير نص على القبلية، كما عن الكافي ليس إلا تقديمها من غير نص على الوجوب، و لا في النافع إلا وجوب الإزالة من غير نص على التقديم، و لا في المقنعة و السرائر و الإشارة و عن النهاية و المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم

ج 4، ص: 118

إلا تقديم تنجيته أو غسل فرجه بالسدر و الأشنان أو أحدهما مع ظهور عدم إرادتهم ما نحن فيه، بل هو مستحب من المستحبات كما نص عليه بعضهم، و لا في الغنية إلا وجوب غسل فرجه و يديه مع النجاسة و الإجماع عليه، و لكن الاحتياط لا يترك سيما في المقام، بل جعله بعضهم مدرك الحكم فيه لوجوب مراعاته في كل ما اشتغلت به

الذمة يقينا مع عدم ثبوت خصوص المبرئ شرعا، و فيه أنه مبني على أصل لا نقول به سيما فيما شك في شرطيته و فيما نحن فيه من غسل الأموات التي كثرت الأخبار ببيانه، و قد تقدم في غسل الجنابة ما له نفع تام في المقام، فلاحظ و تأمل.

[في لزوم الغسل بماء السدر]
اشاره

ثم يغسل بماء السدر على كيفية غسل الجنابة ف يبدأ برأسه ثم جانبه الأيمن ثم الأيسر مع نية التقرب لاشتراطها في غسل الميت على الأقوى وفاقا للمشهور نقلا و تحصيلا، بل نسبه في جامع المقاصد تارة إلى ظاهر المذهب و أخرى إلى المتأخرين عدا المصنف في المعتبر بل فيه أيضا، و المعتبر و الذكرى عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه لكن لم نتحققه، إذ الموجود فيما حضرني من نسخته «مسألة، غسل الميت يحتاج إلى نية- ثم نقل عن الشافعي و أصحابه قولين ثانيهما عدم الاحتياج إلى أن قال-: دليلنا طريقة الإمامية، لأنه لا خلاف في أنه إذا نوى الغسل يجزئ دون ما إذا لم ينو» انتهى. و هو كما ترى، و كيف كان فنحن في غنية عنه لأصالة العبادة في كل ما أمر به لقوله تعالى (1)«وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» مع توقف صدق الامتثال عليها، و لعموم ما دل (2)على اعتبارها في كل عمل، و أنه لا عمل بدونها(3)بدعوى إرادة التقرب من النية فيها، مع أنه لم يقل أحد هنا باشتراط القصد فقط بحيث لا يحكم بصحة فعل الساهي مثلا دون التقرب، إذ الناس بين قائل بأنه عبادة فيجزي


1- 1 سورة البينة- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.

ج 4، ص: 119

عليه حكمها، و بين قائل بكونه كإزالة النجاسة فيجزي عليه حكمها أيضا، هذا كله مضافا إلى الاحتياط في وجه و إلى ما ورد في المستفيضة من تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة، بل في بعضها التعليل بخروج النطفة منه عند الموت، إذ لا يحسن تشبيه إزالة النجاسة به، بل مراعاة الترتيب فيه يومي الى كون هذا الغسل عبادة، و أنه ليس كإزالة النجاسة، فتأمل.

خلافا للمنقول عن المرتضى في المصريات، و اختاره في موضع من المنتهى، و ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين للأصل، و منع كونه عبادة لا تصح إلا مع النية، لاحتمال كونه إزالة نجاسة، و إطلاق الأدلة من دون ذكر النية في شي ء منها، و أصالة عدم التخصيص و التقييد، و لا يخفى عليك ضعف الجميع بعد ما عرفت سيما الأخير، و ذلك لما عرفت من أن أكثر العبادات قد خلت خصوص أخبارها عن التعرض للنية، و ما ذاك إلا للاعتماد على تلك الأخبار و على ظهور الأمر في ذلك، و منه يظهر لك أنه لا وجه للتردد في ذلك كما وقع في المعتبر و عن التذكرة و نهاية الأحكام.

و الكلام في وجوب التعرض للوجه كالكلام في غيره من الواجبات، و قد عرفت في باب الوضوء أن الأقوى عدمه، نعم لعل الأمر هنا اتفاقي بالنسبة إلى عدم وجوب نية الرفع أو الاستباحة، لعدم المقتضي و ان أمكن المناقشة في ذلك بالتعليل في غسل الميت بخروج النطفة، فينبغي أن ينوي الرفع، كاحتمال القول أيضا باشتراط التكفين و الصلاة به، فينبغي أن تنوي الاستباحة، لاندفاع الأولى بظهور إرادة الحكمة في ذلك، و الثانية بأنها أمور واجبة مترتبة، و ليست من ذلك في شي ء، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر الاجتزاء بنية واحدة للأغسال الثلاثة وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، و خلافا لصريح الروض و الروضة و الرياض فأوجبوا تعددها للأغسال الثلاثة،

ج 4، ص: 120

و كأنه لعموم

ما دل (1)على أنه «لا عمل إلا بنية»

و نحوه، فالأصل حينئذ يقتضي إيجابها لكل عمل، بل ما شك في كونه عملا واحدا أو أعمالا متعددة، بل لو لا الإجماع على عدم وجوب تجديدها في أجزاء العمل الواحد لكان المتجه ذلك فيه أيضا، فكيف مع ظهور الأعمال المتعددة المستقلة في المقام كما يومي اليه تشبيه كل واحد منها بغسل الجنابة في النص و الفتوى، و ما سيأتي من عدم سقوط بعضها عند تعذر الآخر، و مع ذلك فهو الموافق للاحتياط.

لكن قد يدفع ذلك كله بظهور الأدلة في كونه عملا واحدا من حيث إطلاق اسم غسل الميت عليه، و إشعار كثير من الأخبار به (2)كالمشتملة على بيان كيفيته بعد السؤال عن غسل الميت و نحوها المشتملة على تعدد الأغسال و عدم ترتب الآثار إلا عليه جميعه، و ل

قوله (عليه السلام) في المستفيض (3)بعد أن سئل عن الجنب إذا مات: «اغسله غسلا واحدا يجزى عن الجنابة و الموت»

إذ من المعلوم إرادة غسل الميت، و عبر عنه بالوحدة، و من هنا قال في المختلف فيما يأتي: «عندنا أن غسل الميت غسل واحد و ان اشتمل على ثلاثة أغسال» انتهى. فلعل الأقوى حينئذ ما ذكرناه، و من العجيب ما في جامع المقاصد من التخيير بين النية الواحدة و التثليث عملا بالامارتين الموجبتين للتعدد و الاتحاد، و فيه منع واضح، بل هو كالمتدافع عند التأمل سيما مع تصريحه هنا بعدم جواز تجديد النية في أجزاء العمل الواحد، كما هو الأقوى أيضا إن أريد بتجديدها إرادة التقرب بالجزء لنفسه لا من حيث الجزئية، نعم لا يضر نية التقرب بالأجزاء من حيث الجزئية أو مع عدم قصد شي ء من ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 121

و من ذلك تعرف إمكان الاحتياط هنا بتجديد النية من دون تعرض للجزئية و عدمها، فتأمل جيدا. كما أنك تعرف أيضا عدم منافاة ما اخترناه لتوزيع العمل على المكلفين، بل إجزاء الغسلة الواحدة و إن أوجبنا تجديد النية على كل واحد منهم، لكنها من حيث الجزئية أو من دون تعرض.

ثم من المعلوم أن النية انما تعتبر من الغاسل حقيقة سواء كان متحدا أو متعددا لكونه الفاعل للتغسيل المأمور به، فلا عبرة بنية غيرة، فما في الذكرى من الاجتزاء بنية المقلب لكون الصاب كالآلة حينئذ ضعيف إن أراد صحة النية منه و إن لم يصدق عليه اسم الغاسل، و كذا إن ادعى أنه الغاسل حقيقة، لظهور ان الغسل انما هو إجراء الماء، و لا مدخلية للمقلب فيه، نعم لو فرض إمكان تعدد الغاسل بحيث يصدق على كل واحد منهم أنه غاسل حقيقة لم يبعد الاجتزاء بنية أحدهم، و لا يقدح حينئذ كون أحدهم ليس من ذوي النيات المعتبرة كالمجنون، و إن قدح ذلك فيما لو اشترك الغسل بحيث يسند إلى المجموع لا إلى كل واحد، فتأمل.

و لو ترتب الغاسلون في فعل غسلة واحدة كما لو غسل كل واحد جزءا أو في الغسلات المتعددة كما لو غسله شخص بالسدر و آخر بالكافور اعتبرت النية من كل منهما لكن من حيث الجزئية أو مع عدم التعرض على حسب ما تقدم، و لا يجوز الاكتفاء بنية الأول لامتناع ابتناء فعل كل مكلف على نية مكلف آخر، و احتمال الإشكال في أصل هذا الحكم سيما إجزاء الغسل الواحد من حيث ظهور الأدلة في اتحاد المباشر و أنه لا وجه للاشتراك في العمل الواحد سيما مع القصد إلى ذلك من أول الأمر ضعيف، لإطلاق الأدلة و ظهورها في إرادة بروز غسل بدن الميت من سائر المكلفين من غير اشتراط بشي ء آخر، و ما عساه يترائى من الاتحاد المفهوم من الأخبار لا ظهور فيه بكونه شرطا، بل هو من قبيل مورد الخطابات كما هو واضح، و مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي أن يترك،

ج 4، ص: 122

فتأمل. و تقدم لنا سابقا في الأبواب المتقدمة ما له نفع تام في المقام.

ثم ان ما ذكره المصنف هنا مع ما بعده من وجوب ثلاثة أغسال مما لم أجد فيه خلافا بين الأصحاب عدا سلار كما اعترف به جماعة منهم المصنف في المعتبر، بل في الخلاف و الغنية الإجماع على خلافه، حيث قال في الأول: «يغسل الميت ثلاث غسلات:

الأولى بماء السدر، و الثانية بماء جلال الكافور، و الثالثة بماء القراح، و به قال الشافعي، و قال أبو إسحاق: الأولى يعتد بها، و الأخيرتان سنة، و قال باقي أصحابه: الأخيرة هي المعتد بها لأنها بالماء القراح، و الأولى و الثانية بالماء المضاف فلا يعتد بهما، و قال أبو حنيفة: ماء الكافور لا أعرفه، دليلنا إجماع الفرقة» انتهى. و هو صريح أو كالصريح فيما نحن فيه، فما في كشف اللثام من أنه ليس فيه إلا التثليث من غير تصريح بالوجوب كما ترى، و قال في الثاني: «و وجب بعد ذلك أن يغسل على هيئة غسل الجنابة ثلاث غسلات: الأولى بماء السدر، و الثانية بماء جلال الكافور، و الثالثة بماء القراح، و لا يجوز أن يقعد بل يستحب أن يمسح بطنه مسحا رفيقا في الغسلتين الأوليين بدليل الإجماع المشار اليه» انتهى. و احتمال رجوعه إلى الأخير خاصة بعيد، و مع ذلك فنحن في غنية عنهما بالمعتبرة المستفيضة(1)المشتملة على الأمر بذلك المؤيدة بالتأسي لما في الوسائل أنه روى العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال:

تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام)(2)«إن عليا (عليه السلام) غسل رسول الله (صلى الله عليه و آله) ثلاث غسلات في قميصه»

و باستمرار العمل عليه، و لا شي ء من المستحب كذلك، و بالاحتياط الواجب المراعاة هنا في وجه مع ضعف دليل الخصم، إذ ليس هو إلا الأصل، و هو مع تسليم جريانه هنا مقطوع بما عرفت، و التشبيه بغسل الجنابة حتى أن في بعضها التعليل بخروج النطفة، و هو منصرف إلى إرادة الكيفية،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 14.

ج 4، ص: 123

على أنه لا يصلح لمعارضة ما ذكرنا، و ما في جملة من الأخبار من الأمر بغسل واحد لمن مات جنبا فهو محمول كما هو الظاهر منه على إرادة عدم تعدد الغسل للجنابة و الموت، بل يغسل غسل الميت فقط، و هو غسل واحد و إن كان مشتملا على أغسال متعددة، إذ كل واحد منها كغسل عضو من البدن بناء على ما اخترناه سابقا، و لذا قال في المختلف بعد ذكره ذلك مستندا لسلار: «و ليس بدال على صورة النزاع، لأن غسل الميت عندنا واحد إلا أنه يشتمل على ثلاثة أغسال» انتهى.

فلا ينبغي الإشكال حينئذ في ضعف ما ذهب إليه سلار كضعف ما ذهب إليه ابنا حمزة و سعيد على ما يظهر لي من عبارتهما من استحباب الخليطين، حيث قال الأول:

«و ما يتعلق به الغسل فأربعة أضرب: واجب و مندوب و محظور و مكروه، فالواجب ستة أشياء- إلى أن قال-: و تغسيله ثلاث مرات على ترتيب غسل الجنابة و هيئته- ثم قال-: و المندوب سبعة و عشرون شيئا- إلى أن قال-: و غسله أولا بماء السدر، و ثانيا بماء جلال الكافور، و ثالثا بماء القراح» انتهى. و أصرح منه عبارة الثاني حيث قال بعد ذكره ما ذكره الأول من الأمور الأربعة الواجب و المندوب و المكروه و المحظور: «و إن من الواجب غسله ثلاثة أغسال على صفة غسل الجنابة- إلى أن قال-:

و يستحب إضافة قليل سدر إلى الماء الأول و نصف مثقال من كافور إلى الثاني» انتهى.

و من هنا حكى عنهما كاشف اللثام ما ذكرناه، لكن في المختلف و الذكرى أنه يلوح من ابن حمزة الخلاف في الترتيب، و هو و إن كان ما نقلاه لازما لما ذكرنا إلا أنه ظاهر في كونهما موجبين للخليطين، لكنهما لم يوجبا الترتيب، و هو عين ما سمعته من عبارتيهما.

و كيف كان فلا ريب أن الأقوى وجوب الخليطين و الترتيب، بل لم نجد خلافا في الثاني عدا ما سمعته من المحكي عن ابن حمزة، و قد عرفت ما فيه، و يدل عليهما- مضافا إلى الإجماعين السابقين المعتضدين بالتتبع لكلمات الأصحاب، و بالاحتياط

ج 4، ص: 124

في وجه، و التأسي- الأخبار المعتبرة المستفيضة الصريحة فيهما معا، (منها)

صحيح ابن مسكان عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «سألته عن غسل الميت فقال: اغسله بماء و سدر، ثم اغسله على أثر ذلك غسلة أخرى بماء و كافور و ذريرة إن كانت، و اغسله الثالثة بماء قراح»

الحديث. و (منها)

الحسن كالصحيح عنه (عليه السلام)(2)أيضا قال: «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عنك عورته إما قميص أو غيره، ثم تبدأ بكفيه و رأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده، و ابدأ بشقه الأيمن- إلى أن قال-: فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء و كافور و شي ء من حنوط، ثم اغسله بماء بحت مرة أخرى»

و نحوهما غيرهما (3).

فما عساه يستند للخصم- من

خبر معاوية بن عمار(4)قال: «أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أعصر بطنه ثم أوضأه بالأشنان، ثم أغسل رأسه بالسدر و لحيته، ثم أفيض على جسده منه، ثم أدلك به جسده، ثم أفيض عليه ثلاثا، ثم أغسله بالماء القراح، ثم أفيض عليه الماء بالكافور و بالماء القراح، و أطرح فيه سبع ورقات سدر»

و

صحيح يعقوب بن يقطين (5)عن العبد الصالح (عليه السلام) أنه قال:

«يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر، ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات، و لا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده، و يصب عليه من فوقه، و يجعل في الماء شي ء من سدر و شي ء من كافور»

و

خبر الفضل بن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام)(6)قال: «سألته عن الميت، فقال: أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا، ثم طهره من غمز البطن، ثم تضجعه، ثم تغسله تبدأ بميامنه و تغسله بالماء و الحرض،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 9.

ج 4، ص: 125

ثم بماء و كافور، ثم تغسله بماء القراح، و اجعله في أكفانه»

- في غير محله، إذ لا بد من طرحها أو حملها على ما لا ينافي ما ذكرنا بعدم إرادة الغسل بماء القراح في الأول الغسل المطلوب، بل المراد غسله عن رغوة السدر و نحوها، و إمكان تنزيل الثاني على المختار، إذ هو مجمل لا ينافي الحمل عليه كالثالث، إذ هو مع اشتماله على غرائب كما اعترف به بعضهم محتمل لإرادة السدر مع الحرض، لمكان غيره من الأخبار، أو غير ذلك، لقصورها عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه غير خفية، كالاستدلال أيضا بالأصل و التشبيه بغسل الجنابة، فلا إشكال حينئذ في ضعف القول بعدم الترتيب أو عدم وجوب الخليط أصلا.

و كذا ما عساه يظهر من المنقول عن الشيخ في المبسوط و النهاية من عدم إيجاب السدر لما عدا الرأس من البدن، حيث لم يصرح بالغسل بالسدر في الغسل الأول إلا في غسل الرأس لظهور الأدلة بل صريحها في خلافه كما عرفت، و من العجيب ما عن التذكرة و نهاية الأحكام من أنه لو أخل بالترتيب فقدم الكافور أو القراح ففي الاجزاء و عدمه وجهان، من حصول الإنقاء، و من مخالفة الأمر، إذ ذلك لا يجامع شرطية الترتيب، و احتمال القول بوجوبه تعبدا لا شرطا ضعيف جدا مخالف لظاهر الأدلة أو صريحها، فالمتعين حينئذ الوجه الثاني من غير فرق بين العمد و عدمه، فتأمل.

[في بيان ما يكفي من السدر]

و أقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم أي اسم السدر كما هو ظاهر العبارة، و أظهر منها بل كادت تكون صريحة عبارة القواعد، حيث قال: و يطرح فيه من السدر ما يقع عليه اسمه، كالمحكي عن المبسوط و النهاية و الاقتصاد و المنتهى و نهاية الأحكام من التعبير بشي ء من السدر، و كذا السرائر، و في الجامع قليل سدر، بل في المدارك أنه المشهور، قلت: و لعله لتحقيق اسم السدر المأمور بالغسل به في الأخبار إذ لا مقدر له، و لما في

صحيح ابن يقطين (1)«و يجعل في الماء شي ء من سدر و شي ء من كافور».


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 7.

ج 4، ص: 126

و قيل مقدار سبع ورقات و لم نعرف قائله و لا من نسب إليه ذلك، نعم قد صرح به في خبر معاوية بن عمار المتقدم سابقا، مع أن ظاهره طرح ذلك في الماء القراح، ك

خبر عبد الله بن عبيد(1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الميت، قال: يطرح عليه خرقة، ثم يغسل فرجه و يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه بالسدر و الأشنان، ثم بماء الكافور، ثم بماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح»

و هما- بعد الغض عن السند، و خروج ظاهرهما عما نحن فيه، مع اشتمال الأولى على غرائب، و معارضتهما بإطلاق غيرهما من الروايات و معقد الإجماعات- لا بد من تنزيلهما على عدم إرادة الخصوصية، لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عدم الالتزام بمقدار خاص لذلك، نعم وقع في المقنعة الأمر بأخذ رطل من السدر المسحوق، و في المهذب رطل و نصف، و لا ريب في ضعفهما إن أراد الوجوب، مع أنه لا ظهور في عبارتيهما به. و كيف و لم نعثر على ما يقضي باستحبابه فضلا عن وجوبه، بل ظاهر الأدلة خلافه كما أنها ظاهرة أيضا في خلاف ما تقدم من ظاهر العبارة و صريح غيرها من الاجتزاء بمسمى السدر و إن قل جدا، و ذلك لاشتمالها على الغسل بماء السدر و بالسدر و بماء و سدر، و لا ريب في عدم صدق الأول بذلك كالثاني، بل هو أولى لوجوب الحمل على أقرب المجازات بعد تعذر الحقيقة، و احتمال كون الباء فيه للاستعانة مع أنه خلاف المنساق لا يقتضي أيضا الاجتزاء بمسمى السدر، لعدم تحقق الاستعانة بمثله، و كذا الثالث لعدم صدق الغسل به بطرح مسماه.

فمن هنا كان الأولى إناطة الحكم بصدق ماء السدر و نحوه كما عبر بذلك في الخلاف و الغنية، بل قد عرفت فيما تقدم من عبارتيهما أنه معقد الإجماع، و الجمل و العقود و المعتبر و النافع و الإرشاد و عن المصباح و مختصره و الفقيه و الهداية و المقنع و الوسيلة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 127

و الإصباح و الكافي و التبصرة، و لعله الظاهر من التحرير، حيث قال: «و أقل ما يلقى في الماء من السدر ما يحصل به الاسم» و يحتمل تنزيل عبارة المصنف عليه، و هو الذي صرح به جماعة من متأخري المتأخرين، و هو الأقوى لما عرفت، مع تأييده بالأصل في وجه و عدم معارض سوى الصحيح المتقدم، و هو مع أنه في غاية الإجمال كما لا يخفى على من لاحظه لا يأبى التنزيل على المختار، فتأمل. إذ هو من باب المطلق الواجب حمله على المقيد، هذا.

لكن صرح جماعة منهم الحلبي في الإشارة و العلامة في القواعد و الشهيد الثاني في روضته و غيرهم بل قيل الظاهر أنه المشهور بأنه متى خرج عن الإطلاق بسبب المزج و الخلط لم يجز، للشك في الامتثال معه، و عدم صلاحية المضاف للطهورية، و ل

قوله (عليه السلام)(1): «يغسل الميت بماء و سدر»

و مع الخروج لم يصدق ذلك، و للتشبيه بغسل الجنابة. قلت: و مع ذلك كله فللنظر فيه مجال، و منه كان الظاهر من الشهيد في الذكرى التوقف كما عن البهائي، لعدم الدليل على هذا الاشتراط، بل لعل ظاهر الأدلة خلافه، كالأمر بالغسل بماء السدر، إذ هو إن لم يرد منه خصوصية المضاف فلا إشكال في شموله له، و دعوى إرادة خصوص ما لم يخرج عن الإطلاق منه لا شاهد لها لو سلم تناول ماء السدر حقيقة لمثله، و كذا الكلام فيما اشتمل منها على الغسل بالسدر، إذ بعد عدم إرادة الحقيقة فأقرب المجازات إليه ماؤه، و لا ينافي ذلك ما اشتمل منها على الأمر بغسله بماء و سدر، إذ لا إشعار فيه باشتراط بقاء المائية على الإطلاق فضلا عن الظهور، لوضوح صدق ذلك على الخارج عن الإطلاق و إن كان في صدقه على وجه الحقيقة منع، لعدم تحقق المائية حينئذ، لكن لا بأس بإرادته منه بقرينة الأخبار السابقة، و جعله قرينة على إرجاعها إليه ليس بأولى من العكس، بل لعله أولى لكثرتها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 6.

ج 4، ص: 128

و اعتضادها بظاهر عبارات من عرفت من الأصحاب، و احتمال إرادتهم غير الخارج عن الإطلاق خاصة لا شاهد له، و لذا لم نعثر على من صرح بإرادة ذلك ممن عبر بما تقدم في الكتب السالفة، نعم قد وقع ذلك ممن اجتزأ بالمسمى، لكن لما كان من المقطوع به عدم إرادة الالتزام بخصوص الخارج عن الإطلاق في النص و الفتوى وجب حمل ماء السدر فيهما على ما يشملهما، بل قد يقال ببقائه على حقيقته و ثبوت غيره بإجماع و نحوه، فلا تجوز حينئذ، هذا إن لم نقل بصدق ماء السدر على الخارج و غيره حقيقة.

و منه ينقدح جواب آخر عما دل على الأمر بغسله بماء و سدر، بأن يقال: إن المتجه حينئذ التخيير بين ذلك و بين ماء السدر، إذ هو من قبيل الأمر بمقيدين مع اتحاد المكلف به، و يمكن أن يجاب عنه أيضا بأن المراد تناول ماء و سدر و إن لم يشترط ذلك حين التغسيل، و مما يرشد إلى ما ذكرنا أيضا ما في الذكرى بعد أن حكى عن العلامة اشتراط عدم إخراج السدر و الكافور الماء عن الإطلاق قال: «و المفيد قدر السدر برطل، و ابن البراج برطل و نصف، و اتفق الأصحاب على ترغيته، و هما يوهمان الإضافة و يكون المطهر هو القراح، و الغرض بالأولين التنظيف و حفظ البدن من الهوام بالكافور لأن رائحته تطردها» انتهى.

قلت و منه ينقدح الاستدلال

بالمرسل (1)الدال على غسل رأسه بالرغوة، حيث قال فيه: «و اعمد إلى السدر فصيره في طشت، و صب عليه الماء و اضربه بيدك حتى ترتفع رغوته، و اعزل الرغوة في شي ء، و صب الآخر في الإجانة التي فيه الماء، ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع، ثم اغسل فرجه و نقه،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 129

ثم اغسل رأسه بالرغوة، و بالغ في ذلك و اجتهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه، ثم أضجعه على جانبه الأيسر و صب الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات، و ادلك بدنه دلكا رفيقا و كذلك ظهره»

الحديث لظهوره بالغسل الواجب للرأس في الرغوة كما يشعر به الاقتصار على غسل الجانبين خاصة بعد ذلك و إن قال: من نصف رأسه، و لا ريب في خروجها عن الإطلاق، و ظن في الرياض أن الاستدلال به انما هو بالتغسيل بما يبقى من الماء بعد الإرغاء، فأجاب عنه بعدم استلزام الإرغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة، و خصوصا مع صبه في الماء المطلق الذي في الإجانة الأخرى كما في الخبر، و ليس فيه مع ذلك إيماء إلى غسله بالرغوة، بل مصرح بغسله بما تحتها مع الماء المطلق الذي في الإجانة الأخرى، و ان الرغوة إنما يغسل بها الرأس خاصة، و في الخبر حينئذ إشعار بذلك، بل دلالة لما ذكرناه لا لما ذكره، انتهى.

قلت: و لا يخفى عليك ما فيه بعد تسليم غسل الرأس بالرغوة التي هي خارجة عن الإطلاق، إذ بضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب، نعم لو أنكر إرادة الغسل الواجب للرأس بذلك لاتجه حينئذ ما ذكره، لكنه مع ان ظاهر كلامه تسليمه قد صرح عند ذكر المصنف استحباب غسل الرأس بالرغوة مقدما على الغسل بأنه لا دلالة في المرسل كغيره من الأخبار عليه، بل هو ظاهر في أنه أول الغسل، و مع ذلك كله فقد يناقش فيما ذكره أيضا بغلبة خروج ما تحت الرغوة عن الإطلاق، و عدم استلزام رده إلى الإجانة التي فيها الماء صيرورته مطلقا لاحتمال قلة الماء.

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله قوة القول بالاجتزاء به و إن خرج عن الإطلاق كما اختاره بعض متأخري المتأخرين، كما أنه ظهر لك الجواب عما ذكر مستندا للأول من الشك في الامتثال، إذ على تقدير اعتبار مثل ذلك في المقام قد يمنع الشك بعد ملاحظة ما ذكرنا، و كذا الثاني بما سمعته من الذكرى من الطهارة بماء القراح خاصة،

ج 4، ص: 130

و بمنع توقف الطهورية في المقام على الإطلاق بعد ظهور الأدلة فيه، و كذا الثالث لما عرفته مفصلا، و مثله الرابع لانصراف التشبيه إلى إرادة الكيفية، كما هو الظاهر منه، إلا أنه مع ذلك كله فالأحوط الأول إن لم يكن أولى و أقوى، بناء على تنزيل كلمات الأصحاب و أخبار الباب على عدم وجوب الخارج عن الإطلاق، و إن كان لا بد من صدق ماء السدر عليه، و لعله لا تنافي عند التأمل فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر اعتبار كون السدر مما يصح مزجه مع الماء، و لذا قال في جامع المقاصد: «و يعتبر كونه مطحونا، لأن المراد به التنظيف، و لا يتحقق بدون طحنه، نعم لو مرس الورق الأخضر بالماء حتى استهلك أجزاؤه كفى ذلك» انتهى و هو جيد.

[في وجوب الغسل بماء الكافور]

و إذا فرغ من ماء السدر غسله بعده بماء الكافور على الصفة السابقة و فيه جميع ما مر في ماء السدر من اعتبار اسم الكافور أو اسم مائه و البقاء على الإطلاق و الترتيب و غير ذلك، لكن قدر المفيد و ابن سعيد كما عن سلار الكافور بنصف مثقال، إلا أنه لم يعلم منهم إرادة الوجوب، كيف و ابن سعيد لا يوجب الخليط على ما عرفت كما عن سلار من انه لا يجب إلا غسل واحد بالقراح، و في

خبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(1)«نصف حبة»

و في

خبر مغيرة مؤذن بني عدي (2)عنه (عليه السلام) «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالسدر، ثم بثلاثة مثاقيل من الكافور»

و في

خبر يونس عنهم (عليهم السلام)(3)«و ألق فيه حبات كافور»

إلا أنها لا تصريح في شي ء منها بالوجوب.

فالأقوى اعتبار الصدق المتقدم في السدر، و قضية إطلاق الأخبار و كثير من الأصحاب سيما المتأخرين بل معقد الإجماعات السابقة الاكتفاء بمصداق الكافور من غير


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 131

فرق بين جلاله و غيره، لكنه يظهر من بعض قدماء الأصحاب وجوب كونه من الأول، بل ربما حكي عن أكثر القدماء، و المراد به كما قيل الخام الذي لم يطبخ، و أرسل عن أبي علي ولد الشيخ «أن الكافور صمغ يقع من شجر، و كلما كان جلالا و هو الكبار من قطعه لا حاجة له إلى النار، و يقال له الخام، و ما يقع من صغاره في التراب فيؤخذ فيطرح في قدر و يغلى فذلك لا يجزى عن الحنوط» انتهى. قيل: و لعل منشأ ذلك ما يقال: إن مطبوخه يطبخ بلبن الخنزير ليشتد بياضه به أو بالطبخ، و ربما يحصل العلم العادي بالنجاسة من حيث أن الطابخ من الكفار، قلت: لكن ظاهر الأخبار إجزاء المطبوخ، و وجهه عدم حصول اليقين بالنجاسة، و الأصل الطهارة، و لذا ما فصل المتأخرون، نعم قد يقال باستحباب الخام للخروج عن شبهة الخلاف و عن شبهة النجاسة.

[في وجوب الغسل بماء القراح أخيرا]

و إذا فرغ من تغسيله بماء الكافور فليغسله بماء القراح أخيرا إجماعا محصلا و منقولا و سنة مستفيضة(1)أو متواترة، و المراد بالقراح الماء الذي لا يخالطه ثفل من سويق و غيره، و الخالص كالقريح على ما في القاموس، و عن الصحاح أنه الذي لا يشوبه شي ء، و ربما ظن من ذلك أنه لا يجزي التغسيل بماء السيل و نحوه مما مازجه شي ء من الطين و نحوه و إن كان بحيث لا ينافي إطلاقية الماء، و لعله الظاهر من السرائر، حيث قال: «القراح الخالص من إضافة شي ء إليه» كالذكرى «القراح الخالص البحت» اللهم إلا أن يريدا مجرد تفسير اللفظ لا اعتبار ذلك فيه.

و كيف كان فلا ريب في ضعفه، إذ- مع منافاته لتعليق الحكم على الماء في بعض الأخبار، و غلبة عدم خلو الماء من ذلك سيما الفرات في بعض الأحيان، و معلومية بقاء مطهرية مثل هذا الماء من الأحداث و النجاسات مع بعد احتمال الشرطية في خصوص المقام تعبدا و ان اختص بجملة من الأحكام كذلك- لا دليل عليه سوى وقوع هذا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 132

القيد في المعتبر من الأخبار(1)و معقد الإجماع، و فيه أن مقابلته بماء السدر و الكافور تشعر بإرادة كونه ليس بماء سدر و كافور، بل هو المنساق للفهم منها، فمن هنا لم يصح تحكيمها على ما دل على الاجتزاء بمطلق الماء، نعم لا إشكال في ظهورها بما ذكرنا، فلا يجتزى بالغسل به في الثالثة مع صدق ماء السدر عليه و إن لم يخرج عن الاطلاقية، فما في الروضة من أن المراد بالماء القراح المطلق الخالص من الخليط بمعنى كونه غير معتبر فيه لا أن سلبه عنه معتبر، و انما المعتبر كونه ماء مطلقا ليس في محله، بل هو عجيب مخالف لظاهر الأدلة أو صريحها.

نعم قد يقع الإشكال في اعتبار خلوه من الخليط رأسا و إن لم يصدق معه ماء السدر أو الكافور كما عساه يشعر به العدول عن الإطلاق و الماء المطلق إلى قيد البحث أو القراح في الفتاوى و أكثر الأخبار(2)و الأمر في خبر يونس (3)بغسل الآنية قبل صب القراح فيها، مضافا إلى وجوب الاحتياط في وجه أو ان المعتبر عدم صدق ماء السدر، فلا يقدح الخليط حينئذ مع عدم تحقق صدق ذلك كما هو قضية الأصل بناء على الأقوى من جريانه في مثله، و إطلاق الماء في خبر سليمان بن خالد(4)و الأمر بطرح سبع ورقات سدر في الخبرين المتقدمين (5)و تطهير المطلق للأحداث و الأخباث، و لعل الأول هو الأقوى في غير ما لا ينافي الخلوص عرفا كما لو كان قليلا جدا، و لعله منه ما طرح فيه بعض الورقات الصحاح من غير مزج، فيحمل عليه حينئذ الخبران المتقدمان مع ما عرفته سابقا فيهما، و يسقط الاستدلال بهما للثاني كالأصل و الإطلاق، لوجوب الخروج عنهما بالمقيد، و دعوى انصرافه إلى إرادة عدم صدق اسمي ماء السدر و الكافور


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 8 و الباب 6- حديث 2.

ج 4، ص: 133

تقييد و تحوز لا شاهد عليه، كحمل الأمر في مرسل يونس بغسل الآنية على الاستحباب بمجرد اشتماله على ذكر كثير من المستحبات، و لا استبعاد في اشتراط ذلك بالنسبة إلى غسل الأموات كما اعتبر فيه غيره من ماء السدر و نحوه، و منه يظهر الجواب عن الأخير، ثم انه ينبغي القطع بما ذكرناه بناء على الاجتزاء بالغسلتين الأولتين بمسمى السدر و الكافور، لظهور الأدلة في تضاد ما يجتزى به في الغسلة الثالثة و سابقتيها بحيث لا يجتمعان في فرد، فلو لم يقدح مطلق الخليط في ذلك لجاز اجتماعهما في مثل الماء الممزوج معه مسمى السدر و الكافور، فتأمل جيدا.

ثم انه يجب أن تكون كيفية الغسل به كما يغسل من الجنابة، فيبدأ بالرأس ثم الجانب الأيمن ثم الأيسر كالغسل بالماءين السابقين من غير خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف و المعتبر و الذكرى و غيرها، و في التذكرة نسبته إلى علمائنا، كما أنه في الأولين و الثالث ان كل موجب للترتيب في غسل الجنابة موجب له في غسل الأموات، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى الأمر به في النصوص المستفيضة(1)و بها يحكم على غيرها من المطلقات، و لا ينافيه اشتمالها على كثير من المستحبات سيما بعد اعتضادها بما عرفت، كما أنه لا ينافيه الأمر في مرسل يونس و غيره بإفاضة الماء على الجانب الأيمن من القرن إلى القدم، و كذا الأيسر بعد غسل الرأس و ان نقل عن الصدوق و الشيخ في الفقيه و المبسوط وجوب ذلك، إلا أنه مع عدم منافاته للترتيب إذ هو أمر زائد ضعيف جدا، لمعارضته بما هو أقوى منه، نعم قد يحكم بالاستحباب من جهة ذلك، فتأمل- الأخبار المستفيضة(2)المشبهة له بغسل الجنابة، بل في بعضها(3)التعليل بأنه جنب بخروج النطفة منه عند الموت.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل الميت.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 134

و منه انقدح لجماعة من المتأخرين منهم العلامة في القواعد و الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني في ظاهر جامع المقاصد و الفاضل المعاصر في الرياض سقوط الترتيب عند تغسيله ارتماسا كالجنب، و هو لا يخلو من نظر، للأصل و التأسي و الاحتياط و ظاهر الفتاوى و معقد الإجماعات و الأخبار المفصلة(1)لكيفياتها، و احتمال التشبيه بغسل الجنابة في الترتيب بل ظهوره، سيما بعد معروفية الترتيب في غسل الجنابة في تلك الأزمان، و لعله لذا استشكل فيه في التذكرة، بل في كشف اللثام الأقوى العدم، و هو الأظهر، لكن ينبغي أن يعلم أنه بناء على الاجتزاء به فالمراد الاجتزاء عن الترتيب في كل غسلة لا في نفس الأغسال، فيجب حينئذ الارتماس بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بالقراح، و يعتبر حينئذ كثرة الماء المرتمس فيه لتنجس القليل بالملاقاة، و خروج الوارد منه لا يستلزم العكس، نعم قد يقال: بعدم اشتراط ذلك في الأولين بناء على عدم اشتراط الإطلاق فيهما، كما أنه ينبغي أن يعلم أيضا انا و إن قلنا: إن الأظهر عدم الاجتزاء بالارتماس، لكن المراد عدم الاجتزاء به عن الترتيب لا عدم جواز الترتيب ارتماسا، فيجوز حينئذ غسل الرأس ارتماسا، و كذا الجانب الأيمن و كذا الأيسر فتأمل.

[في وجوب وضوء الميت و عدمه]

و في وجوب وضوء الميت تردد من

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن عبيد(2)بعد أن سأله عن غسل الميت: «تطرح خرقة، ثم يغسل فرجه و يوضأ وضوء الصلاة»

الحديث. و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر حريز(3)«الميت يبدأ بفرجه، ثم يوضأ وضوء الصلاة»

الحديث. و قوله (عليه السلام) أيضا في

المرسل عن أبي خثيمة(4)«ان أبي أمرني أن أغسله إذا توفي، و قال لي اكتب يا بني، ثم قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل الميت- حديث 4.

ج 4، ص: 135

إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع، فقل لهم: هذا كتاب أبي، و لست أعدو قوله، ثم قال: تبدأ فتغسل يديه، ثم توضأه وضوء الصلاة، ثم تأخذ ماءا و سدرا»

الحديث.

و عموم

قوله (عليه السلام)(1): «في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة».

و من الأصل السالم عن معارضة الاحتياط هنا، لظهور إرادة القائل الوجوب الشرعي لا الشرطي، و على تقديره فقد عرفت أن الأقوى التمسك به سيما فيما شك في شرطيته، و خلو أكثر الأخبار المعتبرة عنه مع أنها في مقام البيان، و لم تخل عن جملة من المستحبات فضلا عن الواجبات، و التشبيه بغسل الجنابة في المستفيضة، و ترك

الرضا (عليه السلام) جواب ابن يقطين في الصحيح (2)حيث سأله «عن غسل الميت أ فيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: يبدأ بمرافقه، فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر»

الحديث. و وجوب الوضوء لغيره، و غير ذلك، كل ذا مضافا إلى قصور تلك الأدلة عن إفادة الوجوب سندا و دلالة مع إعراض المشهور نقلا و تحصيلا عنها، بل عن بعض الفضلاء إنكار قائل صريح بالوجوب، و كأنه لعدم صراحة عبارة من نسب اليه ذلك فيه، كالمقنعة و المهذب كما اعترف به في المختلف و كشف اللثام، نعم حكاه في الأخير عن صريح النزهة و ظاهر الاستبصار و الكافي، و أرسله عن المحقق الطوسي، و كيف كان فلا ريب في ضعفه بعد ما عرفت من مستنده و ما فيه، بل في السرائر نسبة الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ، و في المبسوط أن عمل الطائفة على ترك ذلك كالخلاف أيضا، بل قد يظهر من الأخير عدم المشروعية فضلا عن الوجوب، هذا مع موافقة تلك الأخبار إلى عامة العامة، و عمومية البلوى بالحكم مع


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 7 و هو خبر ابن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام.

ج 4، ص: 136

كثرة وقوع الموت، فمن المستبعد بل من المقطوع بعدمه خفاؤه على عامة الشيعة خصوصا الخواص.

و من هنا كان الأشبه أنه لا يجب بل قد يتردد في أصل مشروعيته كما عن ظاهر التذكرة و نهاية الأحكام، بل ظاهر الخلاف أو صريحه عدمها كظاهر السرائر، و يحتمله المحكي عن سلار، و لعله لبعض ما قدمناه من التشبيه بغسل الجنابة، و استمرار الترك من سائر الطائفة مع ملازمتهم لغيره من المستحبات، و قصور تلك الأخبار عن إفادته بعد موافقتها للعامة، لكن قد يدفع ذلك بانجبارها بالشهرة المحكية بين المتأخرين على الاستحباب، و ربما كان أحوط أيضا لما عرفته من شبهة الوجوب و إن ضعفت التي لا يعارضها احتمال الحرمة التي منشأها التشريع، و إلا فلا نهي صريح في الأخبار عنه، فتأمل.

[في وجوب التيمم بدل الفائت من الأغسال]

و لا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة خلافا للمحكي عن سلار كما مر الكلام عليه مفصلا إلا عند الضرورة كما لو لم يجد إلا ماء غسلة واحدة أو غسلتين، فيقتصر حينئذ و لا يسقط الغسل بفوات ذلك حتى على القول بأنه عمل واحد، و كأنه لقاعدة الميسور و الاستصحاب على بعض الوجوه المعتضدين بفتوى من تعرض لهذا الفرع من الأصحاب كالشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم، و لمشابهته الأعمال المتعددة من جهات متعددة، و إطلاق ما دل على وجوب كل غسلة من دون ظهور باشتراط الاجتماع، و مع ذلك كله فقد يستأنس بما بعده من المسألة الآتية حيث اتفقوا ظاهرا على وجوب الغسل بماء القراح و إن انعدم السدر و الكافور.

ثم انه هل يجب اختيار ماء القراح كما في الذكرى لظهور الأدلة في أهميته بالنسبة إلى أخويه و انه الذي به يحصل رفع الحدث بل قد يظهر منها أن غيره انما هو لتنظيف

ج 4، ص: 137

البدن أو حفظه من الهوام، فهو أقوى من غيره في التطهير، و لعدم احتياجه إلى جزء آخر، نعم لو وجد ماء الغسلتين فالسدر حينئذ مقدم على الكافور، لوجوب البدأة به، و يمكن الكافور لكثرة نفعه، أو السابق فالسابق كما في جامع المقاصد و الروض و عن غيرهما، لوجوب البدأة به المستفاد من الأدلة مع ظهور عدم تقييد ذلك بالتمكن مما بعده، كظهورها في اشتراط الترتيب القاضي بعدم صحة القراح حتى يسبق بالغسلين، فالأصل يقضي بسقوطه عند تعذر شرطه من غير فرق بين الاختيار و الاضطرار، و للاستصحاب في بعض الوجوه، بل قاعدة الميسور عند التأمل، لأنه هو الميسور من المكلف به، كل ذا مع ضعف ما سمعته في الوجه الأول، إذ هي بين دعوى فاقدة للدليل و بين اعتبار لا يصلح مدركا لحكم شرعي، و من هنا عدل الشهيد عما ذكره في الذكرى و البيان، و هو الأقوى.

و يجب التيمم بدل الفائت على ما في البيان و جامع المقاصد و الروض و عن المسالك، لعموم بدلية التراب، و لاستقلاله بالاسم و الحكم، و لأن وجوب التعدد في المبدل منه، و عدم إجزاء أحد أقسامه أو القسمين عنه يوجب عدم إجزائها أو أحدها عن بدله.

قلت: و قد يشكل ذلك بناء على المختار من أن غسل الميت عمل واحد، لعدم ظهور أدلة التيمم في بدليته عن الجزء، و لعله لذا حكم في الذكرى بعدم التيمم معللا له بحصول مسمى الغسل، إذ مآله عند التأمل إلى عدم ثبوت تلفيق من التراب و الماء، كما أنه قد يشكل بدليته أيضا عن الكافور بناء على الاكتفاء بالمضاف منه، لظهورها أيضا في بدلية ما كان الماء شرطا فيه، لكن قد يدفع الأول بعموم البدلية، و بأنه و إن كان عملا واحدا إلا أن له شبها بالأعمال المتعددة، كما أنه قد يدفع الثاني بالعموم أيضا لما صح رفعه بالماء و إن لم يكن شرطا فيه، و مع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من إشكال

ج 4، ص: 138

و إن كان الذي يقوى الآن في النظر سقوط التيمم، إلا أن الاحتياط هنا كاللازم، خصوصا و المفقود في المقام ماء القراح بناء على ما سمعته من المختار، و ينبغي الاجتزاء بتيمم واحد و إن كان الفائت غسلين بناء على الاجتزاء به عند فوات الثلاث على ما ستعرف ففيه أولى، نعم قد يتجه التعدد بناء على تعدده عند فوات الثلاث، و يأتي الكلام فيه.

[في كفاية غسل واحد إذا عدم السدر و الكافور]

و لو عدم الكافور و السدر غسل بالماء القراح بلا إشكال و لا خلاف أجده بين كل من تعرض لذلك من الأصحاب كالشيخ و الحلي و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم من متأخري المتأخرين، فاحتمال القول حينئذ بالانتقال إلى التيمم بناء على أن غسل الميت عمل واحد و قد تعذر بتعذر جزئية لا التفات اليه، سيما بعد ما سمعته في المسألة السابقة من القاعدة و غيرها، مع اعتضادها بما سمعته هنا أيضا، و لا إشعار فيما في المبسوط و السرائر بعدم وجوب ذلك و إن قالا لا بأس بالغسل بماء القراح، إذ الظاهر إرادة الوجوب، لأنه متى جاز هنا وجب، فتأمل. نعم صريح المعتبر و النافع و مجمع البرهان و المدارك و ظاهر الذكرى و محتمل المبسوط كما عن النهاية سقوط ما عدا المرة الواحدة و كأنه لجزئية الخليطين، فيفوت بفواتهما، و لأن المراد بالسدر الاستعانة على إزالة الدرن، و بالكافور تطيب الميت و حفظه بخاصية الكافور من إسراع التغيير و حفظ الهوام، و مع عدمهما فلا فائدة في تكرار الماء.

خلافا للعلامة و المحقق الثاني و الشهيد الثاني، فأوجبوا ثلاث غسلات، و لعله الظاهر من السرائر كما عرفت، و إليه أشار المصنف بقوله و قيل لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها و كأنه لظهور كثير من الأخبار بكونه واجبا مستقلا لا جزئا، ك

قوله (عليه السلام):

«غسله بماء و سدر»

فالمأمور به شيئان متمايزان و إن امتزجا في الخارج، و ليس الاعتماد في إيجاب الخليط على ما دل على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصة حتى يرتفع الأمر بالمضاف

ج 4، ص: 139

بارتفاع المضاف اليه، و بعد تسليمه لا نسلم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة المنجبرة بعمل الأصحاب في الجملة، و بعدم سقوط الميسور بالمعسور، بل قد يظهر من المختلف في المقام الحكم بوجوب الجزء و إن انتفى الكل مع قطع النظر عن هذه القاعدة، و لعله لثبوت وجوبه بوجوب الكل، ضرورة استلزام وجوب المركب وجوب أجزائه، و لم يعلم سقوط ذلك بعد انتفائه، فيستصحب وجوبه حينئذ.

و مما سمعته في بيان الوجهين قال المصنف فيه تردد و إن كان قد يناقش فيما ذكر من مدرك الثاني، إذ هو إما مبني على إنكار جزئية السدر من المكلف به، و لا ريب في فساده، لظهور قوله ماء السدر و السدر فيه، و لا ينافيه ماء و سدر، إذ هو مع إمكان تنزيله على الأول مراد منه الاجتماع قطعا، و ليس هو من قبيل اضرب زيدا و عمروا كما هو واضح، و إما مبني على المناقشة في قاعدة انتفاء الكل بانتفاء الجزء، لقاعدة الميسور أو لما سمعته من المختلف، و هما معا محل للنظر، أما الأولى فقد يمنع شمولها لمثل المقام الذي هو من قبيل الأجزاء المتصلة التي يحللها العقل، إذ من الظاهر عدم تناولها لما لو كان المكلف به شخصا خاصا فينتقل منه مثلا إلى نوعه، و لا ريب أن المكلف به هنا ماء السدر، و بعد انتفاء السدر لا ينتقل منه إلى مطلق الماء، مع أنه يمكن أن نخص هذه القاعدة بالمركبات الشرعية دون غيرها، لكن قد يقال: إن المكلف به هنا ماء و سدر كما هو مضمون بعض الأخبار(1)فيتمشى فيه القاعدة، و فيه أنه بعد التسليم فقد يمنع حينئذ التمسك بها من دون جابر يجبرها في خصوص المقام، و وجوده في غيره غير مجد، إذ لعل العمل بما يوافق بعض مضمونها فيه لغيرها من الأخبار المنطبقة على ذلك المقام و إن لم نعثر عليها، و لا يلزم من ذلك عدم جواز العمل بها عند وجدان الشهرة مع عدم دليل غير هذه الأخبار مثلا، للاكتفاء بوجود الشاهد من


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 1 و 6.

ج 4، ص: 140

أخبار أهل البيت (عليهم السلام) في العمل و إن لم نعلم أن منشأ حكم المشهور تلك الاخبار نفسها، نعم قد يقال بالاكتفاء في الجبر بمقام عن سائر المقامات إذا علم أن منشأ عملهم بالحكم انما هو خصوص هذه الأخبار، و لم يثبت، و لتحرير المسألة مقام آخر، و أما الثانية فأوضح فسادا، ضرورة أنه لا وجه لاستصحاب وجوب الجزء الثابت وجوبه من تلك الحيثية بعد انتفاء الكل، فمن ذلك كان الأول لا يخلو من قوة و إن كان الثاني أحوط إن لم يكن أولى، لا لما ذكر بل لما سيأتي مما دل (1)على كون المحرم كالمحل غسلا و غيره إلا أنه لا يقربه كافور، إذ المتعذر عقلا كالمتعذر شرعا.

ثم انه ذكر في جامع المقاصد انه بناء عليه يجب التمييز بين الغسلات بالنية محافظة على الترتيب، و فيه تأمل بل منع، كما أنه كذلك أيضا بالنسبة إلى وجوب التيمم بناء على المختار، لعدم ظهور تناول أدلة مشروعيته لمثل المقام كما هو واضح.

ثم ان الظاهر وجوب إعادة الغسل لو وجد الخليطان قبل الدفن على كل من القولين وفاقا للذكرى و جامع المقاصد و الروض، و خلافا لصريح المدارك و ظاهر مجمع البرهان، لعدم ظهور الأخبار في بدلية الممكن عن المتعذر حتى يقتضي الاجزاء فهو من قبيل الأعذار، بخلافه بعده قطعا مع استلزامه النبش، و على احتمال في غيره كما لو اتفق خروجه لأمر ما، لانصراف إطلاقات (2)الأخبار إلى غيره، فالأصل البراءة، و لإطلاق ما حكاه في الرياض من الإجماع، و هو لا يخلو من نظر بناء على وجوب

إعادته قبل الدفن، لابتنائه على ما عرفت من عذرية الغسل الأول، لا إجزائه، فهو كمن دفن بغير غسل ثم اتفق خروجه، اللهم إلا أن يفرق بين الأجزاء قبل الدفن و بعده تنزيلا لما بعد الدفن منزلة انتهاء زمان التكليف بخلافه قبل الدفن، و هو لا يخلو من وجه.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 141

كما أن المتجه بناء على المختار وجوب الغسل بمسه على ما صرح به في الكتب السابقة، بل صرح في بعضها بذلك أيضا في كل غسل شرع للضرورة، قال: و بالأولى التيمم، و كأنه للاستصحاب و عدم إفادة مثل ذلك طهارة للميت، لكن قد يناقش فيه بظهور الأدلة في قيام الاضطراري من الطهارات مقام الاختياري، كما في وضوء الجبائر و الأقطع و غسلهما و نحو ذلك، و خصوصا في التيمم،

لما دل على «أنه بمنزلة الماء»(1)

و

«انه أحد الطهورين»(2)

و نحوهما، لكن قد يدفع الأخير بأن وجوب الغسل بالمس انما هو للنجاسة التي لا ترتفع بالتيمم، على أن مبدل التيمم هنا ليس ماءا فقط، بل هو مع ماء السدر و الكافور، و لا دليل على حصول حكمهما بعد تعذرهما بالتيمم، و هو قوي، و منه ينقدح الفرق بين الميمّم و غيره، فيجب الغسل بمس الأول دون الثاني بشرط عدم حصول التمكن قبل الدفن، و إلا فيجب أيضا، لانكشاف عدم الاجتزاء به حينئذ، إلا انا لم نقف على هذا التفصيل لأحد من الأصحاب، و لعله لعموم أو إطلاق ما دل (3)على وجوب الغسل بمس الميت حتى يغسل، و هو منصرف إلى المتعارف المعهود، و هو الغسل الاختياري دون غيره مما لم يظهر من الأدلة قيامه مقامه في جميع ثمراته و أحكامه، و مجرد الإلزام بوجوبه و عدم السقوط بتعذر البعض لا يقضي بذلك، فمن هنا كان الأولى ما عليه من عرفت من الأصحاب و إن كان ما سبق منا لا يخلو من قوة، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر الأصحاب و الأخبار(4)أنه لا يقوم شي ء مقام السدر في الاختيار و الاضطرار، لكن حكي عن العلامة في التذكرة و النهاية أنه قال: «إذا تعذر السدر


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 142

ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي إشكال، من عدم النص، و حصول الغرض» انتهى. و عندي لا إشكال في الجواز و عدم الوجوب، و لا ينافيه ما في الوسائل عن

الصدوق بإسناده إلى عمار الساباطي (1)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا غسلت رأس الميت و لحيته بالخطمي فلا بأس»

قال: «و ذكر هذا في حديث طويل يصف فيه غسل الميت» انتهى.

[في كيفية تيمم الميت لو خيف من تغسيله]

و لو خيف من تغسيله أي الميت و لو صبا تناثر جلده كالمحترق و المجدور يتيمم بالتراب بلا خلاف أجده بين رؤساء الأصحاب، بل عليه إجماع العلماء كما في التذكرة، بل في الخلاف «إذا مات إنسان و لم يمكن غسله يمم بالتراب مثل الحي، قاله جميع الفقهاء إلا ما حكاه الساباطي عن الأوزاعي أنه قال: يدفن من غير غسل و لم يذكر التيمم، دليلنا إجماع الفرقة» و نحوه حكاه في المدارك عن التهذيب، كما أن فيها و عن الذخيرة نسبة الحكم أيضا إلى الأصحاب، و يدل عليه مضافا إلى ذلك الخبر المجبور سنده بما سمعت عن

زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام)(2)قال: «إن قوما أتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: يا رسول الله مات صاحب لنا و هو مجدور، فان غسلناه انسلخ، فقال: يمموه»

فلا وجه للمناقشة في الحكم بعد ذلك كما في المدارك بالأصل، و ب

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام)(3)«عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب، و الثاني ميت، و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة و معهم ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء و يغتسل به؟ و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب و يدفن الميت و يتيمم الذي عليه وضوء، لأن الغسل من الجنابة فريضة، و غسل الميت سنة، و التيمم للآخر جائز»

لوجوب الخروج عنهما بما عرفت لو سلم ظهور الثانية


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التيمم- حديث 1.

ج 4، ص: 143

فيما نحن فيه، مع أنا لم نقف على هذه الرواية بهذا المتن و السند في شي ء من الأصول المشهورة، نعم هي في التهذيب بهذا المتن، لكن عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن رجل حدثه قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فهي مرسلة، و في الفقيه بالسند المذكور من غير إرسال، لكن فيها بعد قوله: «و يدفن الميت بتيمم و يتيمم الذي عليه وضوء» فهي لنا لا علينا، إذ لعله سقط ذلك من قلم الشيخ أو النساخ لتوهم التكرار، فتأمل جيدا.

كما انه لا حاجة بعد ما عرفت إلى التمسك على الحكم بعموم بدلية التراب عن الماء لا مكان توجه المناقشة فيه بما سمعته سابقا من ظهورها في غير المقام من حيث شركة غير الماء مع الماء في المقام، و من ظهورها أيضا في رفع الأحداث خاصة، لا في مثل ما نحن فيه من الغسل الذي يحصل به رفع الخبث و غيره، إلى غير ذلك.

و كيف كان فقضية ما عرفته من أدلة الحكم عدم وجوب أزيد من تيمم واحد، بل قد يشعر نسبته إلى الأصحاب في الذكرى و كشف اللثام بالإجماع، قلت: و ينبغي القطع به إذا جعلنا التطهير بماء القراح، و مثله أيضا على المختار من أن غسل الميت عمل واحد، نعم قد يشكل ذلك بناء على أنها أغسال متعددة، و من هنا اختار في التذكرة وجوب الثلاث و تبعه في جامع المقاصد معللا له في الأخير بأنه بدل عن ثلاثة أغسال، و كونها في قوة واحد لا يخرجها عن التعدد، و إذا وجب التعدد في المبدل منه مع قوته ففي البدل الضعيف بطريق أولى انتهى. و هو كما ترى مع مخالفته لإطلاق النص و الفتوى لا محصل له بحيث يصلح مدركا شرعيا، بل ظاهره وجوب ذلك حتى على البناء على كونه عملا واحدا، و هو عجيب، إذ كيفية المبدل منه لا تنسحب إلى البدل كما هو واضح.

و كيف كان فكيفية تيممه كما يتيمم الحي العاجز رأسا الذي لا قابلية له بأن يتولى شيئا من الفعل و لو بمعين، فإنه حينئذ يتولاه بتمامه الأجنبي عدا النية، و بها يفترق عن الميت، لوجوبها على المباشر، إذ هو المكلف بالتيمم بخلاف الحي، و انما

ج 4، ص: 144

قيدنا الحي بما سمعت حذرا من احتمال اقتضاء التشبيه الضرب بيدي الميت الأرض و المسح بهما جبهته و يديه كما يصنع بالحي المتمكن من ذلك، و هو مناف لما صرح به بعض الأصحاب من كيفية تيمم الميت، و يؤيده الاعتبار، لكون التيمم بدل الغسل المكلف به الحي، فلا مدخلية لضرب الأرض بيد الميت، لكن قد يوهم ذلك عبارة المقنعة فلاحظها، و يحتمل أن يراد بالعبارة و غيرها كمعقد إجماع الخلاف إرادة بيان أصل كيفية التيمم، و انه لا خصوصية لتيمم الميت و إن كان لا يخلو ذلك من بعد في نحو عبارة المصنف، للوصف فيها بالعاجز، و الأمر سهل.

[و سنن الغسل]
اشاره

و سنن الغسل ان يوضع الميت على ساجة أو سرير بلا خلاف كما في المنتهى، أو مطلق ما يرفعه عن الأرض كما في الغنية مدعيا الإجماع عليه، و يرشد إليه- مضافا إلى ذلك و إلى ما عساه يشعر به ما في بعض الأخبار(1)من الأمر بوضعه على المغتسل- أنه أحفظ لبدن الميت من التلطخ إلا أن ذلك لا يخص الساج بل و لا الخشب، لكن الأولى تقديمه على الخشب، ثم الخشب على غيره، و كيف كان فينبغي حينئذ أن يكون مكان الرجلين منحدرا عن موضع الرأس كما نص عليه بعضهم، و في كشف اللثام «و الساج خشب أسود يجلب من الهند، و الساجة الخشبة المربعة منها» انتهى.

[في استحباب وضع الميت على المغتسل مستقبل القبلة]

و يستحب وضعه مستقبل القبلة على هيئة المستحضر، فيستقبل بباطن قدميه و وجهه القبلة بلا خلاف أجده بين أصحابنا في الكيفية، نعم هو واقع بالنسبة للاستحباب و الوجوب، فالأول خيرة المصنف في كتبه، و العلامة في القواعد و الإرشاد و المختلف،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 145

و الشهيدين في البيان و الروض، و الشيخ في الخلاف و الجمل و العقود، و ابن زهرة في الغنية، و ابن سعيد في الجامع، و هو المحكي عن مصريات السيد و الوسيلة و الإصباح، و في المدارك نسبته إلى الأكثر، و الثاني ظاهر المبسوط أو صريحه كظاهر المنتهى و صريح المحقق الثاني، و اختاره بعض متأخري المتأخرين، و الأقوى الأول، للأصل و إطلاق أكثر الأدلة، و

صحيح ابن يقطين (1)سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) «عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه و وجهه إلى القبلة؟ قال: يوضع كيف تيسر، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره»

المعتضدين بالشهرة بين الأصحاب، و استبعاد خفاء مثله، بل في الغنية بعد نصه على استحباب ذلك و غيره كل ذلك بدليل الإجماع، و ربما يظهر ذلك من الخلاف أيضا في وجه، بل في المدارك بعد نسبة ذلك إلى الشيخ و أكثر الأصحاب حكى عن المعتبر دعوى اتفاق أهل العلم عليه، قلت: لكن الموجود فيه «و سنن الغسل يشتمل على مسائل: الأولى أن يوضع الميت على مرتفع موجها إلى القبلة- إلى أن قال-: و أما الاستقبال في التغسيل فهو اتفاق أهل العلم، لكن عندنا يستقبل بباطن قدميه ليكون وجهه إلى القبلة، و يدل عليه من طريق أهل البيت (عليهم السلام) روايات» انتهى. و هو محتمل لإرادة الاتفاق على الاستقبال من دون تعرض للاستحباب، و لعل رجوعه إلى ما قدمه سابقا من استحباب الاستقبال فتكون اللام للعهد أولى، فتأمل.

و كيف كان فلا وجه للمناقشة في الصحيح بعد ذلك بخروجه عما نحن فيه، لعدم وجوب ما لا يتيسر قطعا، مع إمكان اندفاعها أولا بظهور المراد منه عرفا، و بدلالتها على التخيير أيضا مع تيسر الحالتين كدلالتها على عدم وجوب نقله عن ذلك المكان إذا تعسر توجيه وجهه إلى القبلة، كل ذا مع عدم قوة ما يصلح لإفادة الوجوب حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 146

يرتكب له مثل ذلك، إذ ليس هو إلا الأمر بوضعه مستقبل القبلة عند إرادة تغسيله في مرسل يونس (1)و خبر الكاهلي (2)و هما- مع القصور في السند و اشتهار «افعل» في الندب- قد يظن أو يقطع بإرادته منه هنا بعد ما سمعت، و خصوصا مع اشتمالهما على كثير من المستحبات، فكأنها مساقة لبيان مطلق الرجحان، و

الحسن بإبراهيم (3)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة»

و هو مع تسليم ظهوره لا يقاوم ما عرفت، فتأمل جيدا.

[في استحباب الاغتسال تحت الظلال]

و كذا يستحب ان يغسل تحت الظلال قاله الأصحاب كما في جامع المقاصد سقفا كان أو غيره

للصحيح (4)عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن الميت هل يغسل في الفضاء؟ قال: لا بأس، و إن ستر فهو أحب إلى»

و

خبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام)(5)«ان أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت و بين السماء الستر يعني إذا غسل»

و هما يفيدان استحباب مطلق الستر، لكن قال في المعتبر: «و يستحب أن يغسل تحت سقف- إلى أن قال بعد ذكره الرواية الثانية-:

إن طلحة بن زيد بتري، لكنها منجبرة برواية علي بن جعفر (عليه السلام)(6)و اتفاق الأصحاب» انتهى. و في التذكرة «و يستحب أن يكون تحت سقف، و لا يكون تحت السماء، قاله علماؤنا» انتهى. و لعلهما يريدان ما ذكرنا خصوصا الثاني بقرينة ما سمعته من جامع المقاصد و ظهور قوله في التذكرة «و لا يكون» في تفسير المراد بالأول، و إلا لأفاد كراهية ذلك، مع ظهور الصحيح في عدمه كما عرفت، و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 30- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 147

[في استحباب جعل الحفيرة لماء الغسل]

و كذا يستحب أن يجعل لماء الغسل حفيرة تختص به إجماعا كما في الغنية، و

للحسن السابق «و كذا إذا غسل يحفر له موضع الغسل».

و يكره إرساله في الكنيف المعد لقضاء الحاجة، لما في الذكرى «أجمعنا على كراهية إرسال الماء في الكنيف دون البالوعة» انتهى. و ل

مكاتبة الصفار(1)في الصحيح أبا محمد (عليه السلام) «هل يجوز أن يغسل الميت و ماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع (عليه السلام) يكون ذلك في بلاليع»

و هو مع اعتضاده بالإجماع السابق كاف في إثبات ذلك، و مع الأصل كاف في نفي الحرمة، فما عن

الفقيه كالرضوي (2)«لا يجوز ذلك»

مراد به ما ذكرنا، و إلا كان كما ترى. و لا بأس بالبالوعة و ان اشتملت على نجاسة، لإطلاق الصحيح المتقدم، و ما سمعته من الذكرى، بل و إن تمكن من الحفيرة لاطلاقهما أيضا، فما عن جماعة من اشتراط ذلك بتعذرها لا يخلو من نظر.

[في استحباب فتق قميص الميت]

و يستحب ان يفتق قميصه ان افتقر إليه النزع من تحته باذن الوارث البالغ الرشيد، فلو تعذر لصغر أو غيبة لم يجز كما نص عليه في جامع المقاصد و المدارك، و لعله لضعف ما دل (3)عليه عن مقاومة ما دل (4)على النهي عن التصرف في مال الغير بغير إذنه و إن كان لحكم مستحب، و لكن قد يتأمل فيه لإطلاق

خبر عبد الله بن سنان (5)«ثم يخرق القميص إذا فرغ من غسله و ينزع من رجليه»

مع انجباره بإطلاق عبارات الأصحاب و ملاحظة غالب أحوال الناس في ذلك من استنكار طلب الاذن و عدم تيسره غالبا، فلعل الأقوى حينئذ القول به مطلقا سيما مع عدم تحقق النهي عنه.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 25- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب عقد البيع و شرائطه من كتاب التجارة.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8.

ج 4، ص: 148

و إذا فتق قميصه ينزع من تحته لما سمعته من الخبر المنجبر بفتوى كثير من الأصحاب به، بل في جامع المقاصد أنه «لا كلام بين الأصحاب في استحباب نزع القميص من تحت الميت» انتهى. و يؤيده مع ذلك أنه أحرى لسلامة الأعالي من تلطخ النجاسة التي هي مظنة وقوعها من المريض، انما البحث في أنه هل المستحب تغسيله عريانا مستور العورة كما هو صريح المعتبر و غيره، بل في المختلف و عن غيره أنه المشهور، و لعله لأنه أمكن في التطهير من التغسيل بالقميص، و لأن الحي يغتسل مجردا فالميت أولى، و في المعتبر و التذكرة «تعليله بأن الثوب ينجس بذلك و لا يطهر بصب الماء فينجس الميت و الغاسل» انتهى. أو المستحب تغسيله في قميصه كما هو المحكي عن ابن أبي عقيل و المنسوب إلى ظاهر الصدوق، و اختاره بعض متأخري المتأخرين لما في

صحيحي ابن مسكان (1)و ابن خالد(2)«إن استطعت أن يكون عليه قميص فتغسله من تحته»

و

صحيح ابن يقطين (3)«و لا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه»

و المروي (4)من تغسيل أمير المؤمنين (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه و آله) في قميصه، بل عن ابن أبي عقيل دعوى تواتر الأخبار في ذلك، أو أنه مخير بين الأمرين كما هو ظاهر المحقق الثاني أو صريحه كالخلاف، جمعا بين هذه الأخبار و بين ما دل عليه عريانا مستور العورة خاصة ك

مرسل يونس عنهم (عليهم السلام)(5)«فان كان عليه قميص فأخرج يده من القميص، و اجمع قميصه على عورته، و ارفعه من رجليه إلى ركبتيه، و إن لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة»

و

الحسن كالصحيح عن الصادق (عليه السلام)(6)قال: «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عنك عورته إما قميص أو


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 14.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 149

غيره، ثم تبدأ»

إلى آخره. و في الخلاف «يستحب أن يغسل الميت عريانا مستور العورة، إما بأن يترك قميصه على عورته، أو ينزع قميصه و يترك على عورته خرقة، و قال الشافعي: يغسل في قميصه، و أبو حنيفة ينزع قميصه و يترك على عورته خرقة، دليلنا إجماع الفرقة و عملهم أنه مخير بين الأمرين» انتهى. و الظاهر أن مراده بالأمرين التغسيل بالقميص و عريانا مستور العورة، لا ما ذكرهما أولا من الستر بالقميص أو الخرقة، اللهم إلا أن يراد بالتغسيل في القميص ذلك.

و منه ينقدح حينئذ إمكان تنزيل الأخبار السابقة الآمرة بالتغسيل في القميص على إرادة ذلك، فلا ينافي استحباب النزع الذي حكيت عليه الشهرة، لكنه بعيد كاحتمال حملها على إرادة الجواز، فلا تنافيه أيضا سيما في بعضها نحو

قوله (عليه السلام): «و لا يغسل إلا في قميص و غيره»

و لعل الأقوى التخيير، و من جميع ما ذكرنا يستفاد ضعف ما يظهر من ابن حمزة من إيجاب تغسيله مجردا عن ثيابه، لما عرفت من الإجماع و الأخبار، و كذا ما عساه يظهر من التعليل السابق في المعتبر و التذكرة من نجاسة الثوب بذلك و عدم طهارته بالصب فيتنجس الميت و الغاسل، لظهور الأخبار في الأمر به، و هو إما لعدم احتياج طهارته هنا إلى العصر، أو عدم تنجس الميت به و إن أوجبنا عصره بالنسبة إلى طهارته نفسه بعد ذلك، أو غيرهما، فتأمل جيدا.

[في استحباب ستر عورة الميت]

و كذا يستحب أن يستر عورته حيث لا يوجد ما يقتضي الوجوب كما لو كان المغسل أعمى، أو واثقا من نفسه بعدم النظر، أو كان المغسل بالفتح ممن يجوز النظر إلى عورته، كما لو كان طفلا أو زوجا، و إلا فلا إشكال في وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم، قلت: قد يناقش حينئذ في ثبوت الاستحباب في بعض ما تقدم ان لم يكن الجميع، إذ الوجوه الاعتبارية لا تصلح مدركا للأحكام الشرعية، و الأمر في الأخبار بستر العورة ظاهره الوجوب فهو محمول على غيرها، نعم قد يقال: إن

ج 4، ص: 150

وجوب الستر انما هو على المنظور، و إلا فالناظر انما يحرم عليه النظر، و بعد فرض سقوط الأول هنا بالموت فلم يبق إلا الثاني، و هو لا يستلزم وجوب الستر، لعدم التوقف عليه، فيستحب خصوص الستر حينئذ استظهارا و حذرا من الغفلة و نحوها، و حينئذ فلا ينبغي أن يخص الحكم بما ذكر، بل هو على إطلاقه، فتأمل جيدا.

[في استحباب تليين أصابعه برفق]

و كذا يستحب تلين أصابعه برفق فان تعسر تركها، و هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كما في المعتبر، و كفى به حجة لمثله، و كيف مع ما في الخلاف من إجماع الفرقة و عملهم على استحباب تليين أصابع الميت، و في

خبر الكاهلي (1)«ثم تلين مفاصله، فان امتنعت عليك فدعها، ثم ابدأ بفرجه»

إلى آخره. و عن

الفقه الرضوي (2)«و تلين أصابعه و مفاصله ما قدرت بالرفق، و إن كان يصعب عليك فدعها»

إلى آخره. مع انجبار ذلك كله بالشهرة المحكية في المختلف، و لعلها محصلة، فما عن ابن أبي عقيل- أنه لا يغمز له مفصلا مدعيا تواتر الأخبار عنهم (ع) بذلك، و ل

خبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام)(3)«كره أن يغمز له مفصل»

- واضح الضعف، و عن الشيخ حمله على ما بعد الغسل، و فيه أنه لا يتجه في مثل

حسنة حمران بن أعين عن الصادق (عليه السلام) (4)«إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به و لا تعصروه و لا تغمزوا له مفصلا»

لظهوره عند التغسيل، فلعل الأولى حملها على إرادة ما ينافي الرفق، فلا ينافي ما ذكرنا، فتأمل.

[في استحباب غسل رأس الميت برغوة السدر]

و كذا يستحب أن يغسل رأسه برغوة السدر باتفاق فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) كما في المعتبر مع زيادة الجسد، و هو الحجة، مضافا إلى ما في

مرسل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 6.

ج 4، ص: 151

يونس (1)«ثم اغسل رأسه بالرغوة و بالغ في ذلك و اجتهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه، ثم أضجعه على جانبه الأيسر»

إلى آخره. لكن لا دلالة فيهما على كون ذلك أمام الغسل و ان ذكر ذلك المصنف هنا و العلامة في جملة من كتبه، فمن العجيب ما في الرياض من جعله مستند الحكم في المقام إجماع المعتبر، بل ظاهر المرسل كونه من الغسل الواجب كما اعترف به جماعة، و ليس في غيره تعرض لذكر الرغوة فضلا عن الغسل بها مقدما على الغسل، نعم قد يشعر به

صحيح ابن يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام)(2)«غسل الميت يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر، ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات، و لا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه، و يجعل في الماء شي ء من سدر و شي ء من كافور»

إلى آخره.

على أن يراد بالسدر رغوته بقرينة ما بعده، لكنه كما ترى، و لعل القول باستحباب ذلك و جعله من أجزاء الغسل بناء على ما تقدم سابقا من عدم اشتراط بقاء الإطلاق في غسلة السدر لا يخلو من قوة، و لا يأبى ذلك كثير من كلمات الأصحاب، قال في كشف اللثام بعد أن قال العلامة: و يستحب غسل رأسه برغوة السدر أولا، و ذكر الاستدلال عليه بمرسل يونس السابق: «و لا دلالة له على خروجه عن الغسل، بل الظاهر أنه أوله، و كذا سائر الأخبار و عبارات الأصحاب، و عبارة الكتاب و ان احتملت ذلك كعبارات أكثر كتبه لكنه لما اشترط في ماء السدر البقاء على الإطلاق دل ذلك على إرادته ما قدمناه» انتهى. و هو ظاهر فيما ذكرنا، فتأمل جيدا. و إن تعذر السدر فالخطمي و شبهه في التنظيف كما عن التذكرة و المنتهى و التحرير، و لم نقف له على دليل صريح فيه، نعم قد يشهد له ما في

خبر عمار(3)«و ان غسلت رأسه و لحيته بالخطمي فلا بأس».


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 10.

ج 4، ص: 152

[في استحباب غسل فرجه بماء السدر و الحرض]

و كذا يستحب أن يغسل فرجه ب ماء السدر و الحرض أي الأشنان سابقا على الغسل كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذب و الجامع و القواعد، لخبر الكاهلي (1)و فيه تثليث غسله، و الإكثار من الماء، و الأمر بغسله كذلك في ماء الكافور و القراح، و لذا قال في الذكرى: «و يستحب غسل يديه و فرجيه مع كل غسلة كما في الخبر و فتوى الأصحاب» انتهى. و عن المقنعة و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم و السرائر الاقتصار على الحرض خاصة، و لعله ل

خبر معاوية بن عمار(2)قال:

«أمرني أبو عبد الله (ع) أن أعصر بطنه ثم أوضأه بالأشنان ثم أغسل رأسه بالسدر»

إلى آخره. و من العجيب ما في الرياض حيث قال بعد أن نقل ما ذكرناه عن الكتب السالفة:

«و لم أقف على مستندهما سوى رواية الكاهلي، و ليس فيها إلا غسله بالسدر خاصة» انتهى. إذ صريح خبر الكاهلي السدر و الحرض، كما أن في خبر معاوية ما عرفت.

[في استحباب غسل يدي الميت]

و كذا يستحب أن تغسل يداه إجماعا كما في الغنية ان خلت من النجاسة و إلا فيجب، و نسبه في الذكرى إلى الأصحاب، و ستسمع ما في المعتبر و التذكرة في المسألة الآتية، و كيف كان فالحجة فيه مضافا إلى ذلك ما في

مرسل يونس (3)«ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع»

و منه يستفاد استحباب التثليث كما عن الاقتصاد و المصباح و مختصره و السرائر، كما أنه يستفاد من سياقه كون ذلك بماء السدر كما عن الفقيه النص عليه، و لا بأس به كما لا بأس بما عن الدروس من التحديد لليدين برؤوس الأصابع إلى نصف الذراع، لما عرفته من المرسل السابق، لكن قد يناقش فيه بما في

الحسن كالصحيح (4)«ثم تبدأ بكفيه»

اللهم إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 4، ص: 153

أن يحمل الكف فيه على ما يعم الذراعين، أو يجمع بينه و بين السابق بالحمل على الاختلاف في الفضل، كما أنه يحتمل ذلك أيضا في

صحيح ابن يقطين (1)«غسل الميت يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض»

فتأمل جيدا.

[في استحباب غسل شق رأسه الأيمن بعد غسل يدي الميت]

و يستحب أن يبدأ بعد ذلك بشق رأسه الأيمن لما في

خبر الكاهلي (2)«ثم تحول إلى رأسه و ابدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه»

و ما في سنده من الطعن لو سلم لا ينافي إثبات مثله، على أنها مجبورة بما في المعتبر و التذكرة، قال في الأول:

«و يبدأ بغسل يديه قبل رأسه ثم يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر، و يغسل كل عضو ثلاثا في كل غسلة، و هو مذهب فقهائنا أجمع- إلى أن ذكر خبر الكاهلي و قال-: عمل الأصحاب على مضمونه» و قال في الثاني: «يستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل رأسه ثم غسل رأسه يبدأ بشقة الأيمن ثم الأيسر، و يغسل كل عضو منه ثلاث مرات، قاله

علماؤنا» انتهى. و منهما يستفاد استحباب ما ذكره المصنف من أنه يغسل كل عضو منه ثلاث مرات في كل غسلة مع ما في الذكرى من الإجماع أيضا على تثليث غسل أعضائه كلها من اليدين و الفرجين و الرأس و الجنبين، و مرسل يونس

[في استحباب مسح بطن الميت في الغسلتين الأوليين]

و يستحب أيضا مسح بطنه برفق في الغسلتين الأوليين أي قبلهما حذرا من خروج شي ء بعد الغسل، و لخبر الكاهلي و غيره كالإجماع في الغنية على استحباب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين، و نحوه المصنف في المعتبر، و الظاهر دخوله تحت معقد إجماع الخلاف أيضا إلا أن يكون الميت امرأة حاملا فلا يستحب بل يكره، كما عن الوسيلة و الجامع و المنتهى النص عليه حذرا من الإجهاض، و ل

خبر أم أنس بن مالك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 154

عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «إذا توفيت المرأة فإن أرادوا أن يغسلوها فليبدؤوا ببطنها و تمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، و إن كانت حبلى فلا تحركيها»

و ظاهره الحرمة كما عساه الظاهر من المصنف في المعتبر، حيث قال: إنه لا يؤمن معه الإجهاض، و هو غير جائز كما لا يجوز التعرض له في الحية، و يحتمله ما في الذكرى و جامع المقاصد، مع ما في الأخير «أنها لو أجهضت فعشر دية أمه، نبّه على ذلك في البيان» انتهى.

لكن الذي يقوى في النظر عدم الحرمة في نحو المسح الرفيق، لقصور الخبر عن إفادته فيبقى الأصل سالما، نعم قد يقال بها مع العنف كما في الحية للاستصحاب، و لحرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فتأمل.

ثم ان ظاهر اقتصار المصنف و غيره على استحباب المسح في الغسلتين عدمه في الثالثة و هو كذلك إجماعا كما في المعتبر و التذكرة و الذكرى، و يعضده الأصل و خلو الأخبار، بل في الخلاف و عن غيره النص على كراهيته، بل ربما يشمله إجماعه فيه، فلاحظ و تأمل.

[في استحباب كون الغاسل عن يمين الميت]

و ان يكون الغاسل له عن يمينه كما عن النهاية و المصباح و مختصره و الجمل و العقود و المهذب و الوسيلة و السرائر و الجامع، بل في الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة فيه بعد المسامحة مع عموم التيامن المندوب اليه، فما عن المقنعة و المبسوط و المراسم و المنتهى من عدم التقييد بالأيمن للأصل و خلوا النصوص لا يخلو من نظر لما عرفت، نعم قد يقال باستحباب مطلق الجانب مع زيادة الفضيلة في الأيمن، فتأمل.

[في استحباب غسل الغاسل يديه مع كل غسلة]

و يستحب أن يغسل الغاسل يديه مع كل غسلة أي بعدها بلا خلاف أجده في الجملة، لما في مرسل يونس (1)من الأمر بغسلهما إلى المرفقين بعد كل غسلة من الغسلتين الأولتين، و لعله لذا حكي عن ابن البراج الاقتصار على ذلك، لكن في

خبر عمار(2)«ثم تغسل يديك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين»

إلا أنه ظاهر في


1- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 155

كون ذلك بعد الفراغ من الغسلات الثلاث، ك

صحيح يعقوب بن يقطين (1)«ثم يغسل الذي غسله قبل أن يكفنه يديه إلى المنكبين ثلاث مرات»

الحديث. و لعله لذا حكي عن جماعة عدم ذكر استحباب ذلك إلا بعد الفراغ من الغسلات الثلاثة، و لكن لا بأس بما ذكره المصنف لعدم المنافاة بين الأخبار، فيثبت حينئذ استحبابه بعد كل غسلة، نعم كان ينبغي تقييده بالمرفقين، كما هو المحكي عن جماعة لما عرفت، و لعله أراد تمام اليد، فيكون موافقا لما في صحيح ابن يقطين، إلا أني لم أعثر على من صرح به، كما أني لم أعثر على ما فيه أيضا من التثليث لأحد من الأصحاب، إلا أنه لا بأس به فتأمل.

ثم ينشفه بثوب بعد الفراغ من الأغسال الثلاثة للأخبار(2)و في المعتبر و التذكرة و عن نهاية الأحكام الإجماع عليه، كما في المنتهى لا نعلم فيه مخالفا، انتهى. نعم لم أجد ما يشهد لما عساه يظهر من العبارة من كون استحباب ذلك بعد غسل الغاسل يديه، بل ظاهر خبر عمار(3)خلافه، لكن قد يؤيده الاعتبار، فتأمل.

[مكروهات الغسل]

و يكره ان يجعل الميت بين رجليه وفاقا للمحكي عن الأكثر، بل لم أقف على من حكي الخلاف فيه فضلا عن الوقوف عليه، و استدل عليه جماعة ب

خبر عمار(4)«و لا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من جانبه»

و هو حسن لقصوره عن إفادة الحرمة، سيما بعد معارضته بما في

خبر ابن سيابة(5)«لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك و أن تقوم فوقه، فتغسله إذا قلبته يمينا و شمالا، تضبطه برجليك لئلا يسقط لوجهه»

فجمع بينهما بحمل الأول على الكراهة، و الثاني على أصل الجواز، و في الغنية


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 10.
4- 4 المعتبر- ص 74.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 156

الإجماع على أنه يستحب أن لا يتخطاه، فتأمل.

و يكره أيضا أن يقعده وفاقا للمحكي عن المعظم، و في الخلاف إجماع الفرقة و عملهم عليه، و في التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في

خبر الكاهلي (1)«إياك أن تقعده»

و لأنه ضد الرفق المأمور به عموما و خصوصا في الميت، فما في

صحيح الفضل عن الصادق (عليه السلام)(2)حيث سأله «عن الميت فقال: أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا»

الحديث. محمول على التقية، كما هو المحكي عن عامة العامة، أو على أصل الجواز، أو لكونه في مقام توهم الحظر للنهي عنه في غيره، أو غير ذلك، و لم نعثر على غيره فيما وصل إلينا من الأخبار و إن ظهر من صاحب المدارك و غيره العثور على غيره، و كيف كان فلا إشكال فيما ذكرنا لما عرفت، فما في الغنية انه لا يجوز و عن ابن سعيد من النص على حرمته للنهي المتقدم ضعيف، لوجوب الخروج عنه بما سمعت من الأصل و الإجماع المنجبر بالشهرة، و ما أبعد ما بينهما و بين المصنف في المعتبر من التأمل في أصل الكراهة للصحيح المتقدم، و هو ضعيف.

و كذا يكره أن يقص شي ء من أظفاره و أن يرجل شعره وفاقا للمحكي عن الأكثر، بل في المعتبر و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر غياث (3)«كره أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يحلق عانة الميت إذا غسل، أو يقلم له ظفر، أو يجز له شعر»

و في

خبر طلحة بن زيد(4)«كره أن يقص من الميت ظفر، أو يقص له شعر، أو يحلق له عانة، أو يغمز له مفصل»

و على ذلك يحمل النهي في

مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام)(5)أيضا «لا يمس من الميت شعر و لا ظفر، و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه»

و في

خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 157

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)بعد أن سأله عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم ظفره «لا يمس منه شي ء، اغسله و ادفنه»

و

في خبر أبي الجارود(2)حيث سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن الرجل يتوفى أ تقلم أظافيره و ينتف إبطه و تحلق عانته إن طال به المرض؟ فقال: لا»

لقصورها عن إفادة الحرمة حتى المرسل، و ان أجراه الأصحاب في القبول مجرى الصحيح في غير المقام، إلا أنك قد عرفت حكاية الإجماع منهم هنا على الكراهة، فهو بالنسبة للحرمة لا جابر له.

لكن مع ذلك كله فقد يناقش فيه بمعارضة الإجماعين بمثلهما على الحرمة من الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية، قال في الأول: «لا يجوز تقليم أظافير الميت و لا تنظيفها من الوسخ بالخلال- إلى أن قال بعد أن حكى عن الشافعي قوليه الإباحة و الكراهة مفرعا على الثاني-: انه إذا قال: مكروه استحب تخليل الأظافير بأخلة تنظف ما تحتها، دليلنا الإجماع المتردد، و لأن الأصل براءة الذمة، و إثبات ما قالوه مستحبا يحتاج إلى دليل و ليس» إلى آخره. و قال أيضا: «مسألة لا يجوز تسريح لحيته كثيفة كانت أو خفيفة، و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: إن كانت كثيفة يستحب تسريحها، دليلنا إجماع الفرقة» انتهى. و قال ابن زهرة في الغنية: «لا يجوز قص أظفاره و لا إزالة شي ء من شعره بدليل الإجماع المشار اليه» انتهى. و قال في المنتهى: «قال علماؤنا لا يجوز قص شي ء من شعر الميت و لا من ظفره و لا يسرح رأسه و لا لحيته، و متى سقط منه شي ء جعل في أكفانه» انتهى. فلا مانع حينئذ من انجبار أخبار النهي بذلك سيما مع عدم ظهور لفظ الكراهة في الخبرين السابقين في المعنى المصطلح، و عدم اشتمالهما على ترجيل الشعر أي تسريحه، و احتمال إرادة مطلق المرجوحية من الكراهة في معقد إجماعي التذكرة و المعتبر كما عساه يلوح ذلك عند التأمل في عبارة الأول، و من ذلك كله نص


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 158

ابنا حمزة و سعيد على حرمة قص الظفر و تسريح الرأس و اللحية في الوسيلة و الجامع، و مال اليه بعض متأخري المتأخرين.

لكن الأقوى في النظر الأول، إذ أقصى ذلك تصادم الأدلة من الجانبين، فيبقى الأصل سالما عن المعارض، و كيف مع إمكان ترجيح أدلة الأول بالشهرة المحكية و ضعف احتمال إرادة الكراهة بالمعنى الأعم في الخبرين السابقين، سيما فيما اشتمل منها على ذكر الغمز، للقطع بإرادتها فيه بالمعنى الأخص و احتمال إرادة الخلاف و الغنية و المنتهى من عدم الجواز شدة الكراهة سيما الأول، لأنه قال بعد ذلك فيه أيضا:

«مسألة حلق شعر العانة و الإبط و حف الشارب و تقليم الأظفار للميت مكروه- إلى أن قال بعد أن حكى بعض مذاهب العامة-: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، فإنهم لا يختلفون في ذلك» انتهى. و قال في المنتهى بعد ما حكيناه عنه: «فروع- إلى أن قال-: الثاني لا فرق بين أن تكون الأظفار طويلة أو قصيرة، و بين أن يكون تحتها وسخ أو لا يكون في كراهية القص» انتهى. فهو كالصريح في إرادة ما ذكرنا، فتأمل جيدا.

و كذا يكره ان يغسل مخالفا فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا، و قد ترك المصنف هنا التعرض لجملة من المندوبات و المكروهات، بل من الأصحاب من ذهب إلى حرمة بعضها، و لتفصيل ذلك مقام آخر و الله الهادي.

[الثالث في تكفينه]
اشاره

الثالث من أحكام الأموات في تكفينه

[واجباته]
اشاره

و هو كالتغسيل و غيره من أحكامه لا خلاف فتوى و نصا في وجوبه، و فيه فضل جزيل و ثواب جسيم

[في أن الواجب من الكفن ثلاثة أقطاع]

و يجب أن يكفن في ثلاثة أقطاع لا أقل بلا خلاف أجده بين

ج 4، ص: 159

المتقدمين و المتأخرين عدا سلار، فاجتزى بالثوب الواحد، و هو ضعيف، للإجماع المنقول مستفيضا أو متواترا كالسنة(1)على خلافه، و لا مستند له سوى الأصل ان قلنا به في نحو المقام، و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح(2): «انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله، فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة، فما زاد مبتدع»

و الأصل مقطوع بما عرفت، و الصحيح- مع أنه مستلزم للتخيير بين الأقل و الأكثر، و في الكافي بالواو، بل و كذا عن بعض نسخ التهذيب، كما انه عن أكثرها حذف الثوب، «انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام»- محتمل للحمل على التقية، أو ان «أو» من الراوي، أو على حالتي الاختيار و الاضطرار، أو انها بمعنى الواو على ان

يكون المراد بقوله «أو ثوب» بمعنى «و ثوب منها» أو من عطف الخاص على العام، أو غير ذلك، فلا يصلح لمقاومة بعض ما ذكرنا، و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة لإطلاق الأدلة، و خصوص بعضها، بل ادعي الإجماع عليه، فما في بعض الأخبار(3)مما ينافيه مطرح أو مؤل.

كما انه ينبغي القطع أيضا بعدم اعتبار النية فيه و في التحنيط و نحوهما من أحكام الميت كحمله و دفنه، و لعله بعد ظهور الإجماع من الأصحاب على ذلك، لأن المفهوم من الأدلة بروز هذه الأمور إلى الخارج من غير اعتبار لها، و لظهور وجه الحكمة فيها، و انها ليست من الأمور التي يقصد بها تكميل النفس و رياضتها و القرب و نحو ذلك، نعم تعتبر النية في حصول الثواب كما في غيرها من الأفعال التي هي كذلك، و ليس ذا معنى اعتبار النية في العبادة، مع احتمال ان يقال هنا بحصول الثواب مع عدم النية، لظواهر الأدلة ما لم ينو العدم، بل ربما ظهر من المحكي عن الأردبيلي


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 7 و 9 و 18.

ج 4، ص: 160

حصوله معه أيضا، و هو لا يخلو من وجه.

و من العجيب ما وقع في الروض حيث قال بعد ذكره أحكام الكفن و الحنوط:

«و النية معتبرة فيهما، لأنهما فعلان واجبان، لكن لو أخل لم يبطل الفعل، و هل يأثم بتركها يحتمله، لوجوب العمل و لا يتم إلا بالنية، ل

قوله (عليه السلام) : «لا عمل إلا بالنية»

و عدمه، و هو أقوى، لأن القصد بروزهما للوجود- إلى أن قال-:

و لكن لا يستتبع الثواب إلا إذا أريد بها التقرب» انتهى. و لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت، فتأمل.

و كيف كان فالواجب في الإقطاع الثلاثة على المشهور نقلا و تحصيلا بل هو معقد إجماع الخلاف و الغنية و غيرهما مئزر بكسر الميم، ثم الهمزة الساكنة، و يقال له إزار في اللغة و الأخبار، و يجزئ فيه مسماه عرفا، وحده في جامع المقاصد من السرة إلى الركبة بحيث يسترهما معللا له بأنه المفهوم منه، و قد يمنع بتحقق الصدق بأقل من ذلك، و كذا ما في الروضة و الروض ما يستر ما بين السرة و الركبة، و إن كان أقرب من الأول، نعم لا يجتزى بما يستر العورة خاصة، و ان احتمله في الأخير، و أبعد منها ما في المقنعة و عن المراسم من سرته إلى حيث يبلغ من ساقيه، و كذا ما في المصباح يؤزره من سرته إلى حيث يبلغ المئزر، و إن كان أقرب من سابقه، لعدم توقف صدق اسم المئزر على الستر من السرة، نعم قد يقال باستحباب كونه من الصدر إلى الساقين، كما في الوسيلة و الجامع، بل ستره الصدر و الرجلين كما عن الذكرى ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار : «ثم الإزار طولا حتى يغطى الصدر و الرجلين»

و يحتملهما ما في المبسوط

ج 4، ص: 161

«و يكون عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين، فان نقص عنه لم يكن به بأس» انتهى.

لكن صرح في جامع المقاصد و تبعه عليه غيره أنه متى زيد على الواجب اعتبر فيه رضا الورثة أو الوصية به، و قد يناقش فيه بأن المستحب مما ذكرنا انما هو أحد أفراد الواجب المخير لا مستحبا صرفا، فيتخير حينئذ المكلف بإخراجه من أصل الماء من غير اعتراض لأحد عليه، كما عساه يظهر من التأمل في نحو وصية الميت لشخص و كان الوصي غير الوارث مثلا، اللهم إلا أن يكون ذلك المكلف في المقام هو الوارث، فيعتبر حينئذ رضاه سيما مع ثبوت السلطنة للوارث على سائر تركة الميت، فالواجب عليه حينئذ أقل ما يصدق عليه، لكن و مع ذلك فللنظر فيه مجال، لعدم انحصار التكليف في الوارث إما لصغره أو جنونه، بل لعل التكليف انما هو للولي دون سائر الورثة، كما أنه قد يقال بالالتزام بالخروج من أصل المال حيث يوصي، إذ الوصية تمنع تخيير المكلف في أفراد المطلق، كما تمنعه لو أوصى بتكفينه في خام خاص مثلا، كل ذا لما دل (1)على خروج الواجب من الكفن من أصل المال الشامل للفرد الفضلي و غيره، فتأمل جيدا عسى يندفع جميع ذلك، و للتفصيل مقام مذكور في مسألة انتقال التركة للوارث أو تبقى على حكم مال الميت أو غير ذلك، و منه يعلم بطلان المناقشة المزبورة، و الله العالم.

و كيف كان فيدل على اعتباره في الكفن- مضافا إلى ما عرفت و إلى ما في المنتهى «المئزر واجب عند علمائنا» و إلى الاحتياط في وجه- قول الصادق (عليه السلام) في

خبر معاوية بن وهب (2): «يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه، و إزار، و خرقة يعصب بها وسطه، و برد يلف فيه، و عمامة يعتم بها و يلقى فضلها على صدره»


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 162

إذ بعد معلومية استحباب الخرقة و العمامة ينحصر الواجب في الثلاثة، و المراد بالإزار منها المئزر كما عن الصحاح و غيره، و يستفاد أيضا من الغريبين، و عن الكنز أن الإزار «لنك كوچك» و في مجمع البحرين «الإزار بالكسر معروف يذكر و يؤنث، و معقد الإزار الحقوين» انتهى. و يرشد إليه كثرة إطلاقه مرادا به المئزر على وجه يقطع أو يظن بكونه حقيقة فيه كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في ستر العورة عند دخول الحمام و في أثواب المحرم و غيرهما، و لا ينافيه مقابلته للمئزر في كتب الفقه، و كذا ما يحكى من كلام بعض أهل اللغة أنه ثوب شامل لجميع البدن، و يؤيده عرف زماننا هذا، إذ لعل ما في كتب الفقه مبني على العرف المذكور، كما أنه

يمكن منع المحكي من كلام البعض إن أراد الحقيقة، و لا يجدي المجاز، و مع التسليم فلا أقل من الاشتراك، فيجعل كلمات الأصحاب و معقد إجماعاتهم و غير ذلك و ما تسمعه فيما يأتي قرينة على التعيين، بل قد يشعر قوله (عليه السلام): «و برد يلف فيه» عدم حصول ذلك أي لف تمام الميت بغير البرد، فيتعين المئزر، فتأمل جيدا.

و مما ذكرنا يظهر لك وجه الاستدلال

بالصحيح (1)«كيف أصنع بالكفن؟ قال:

خذ خرقة فشد على مقعدته و رجليه، قلت: فما الإزار؟ قال: انها لا تقعد شيئا، إنما تصنع لتضم ما هناك و أن لا يخرج منه شي ء»

الحديث. مع أنه هو اللائق بتوهم الاستغناء به عن الخرقة بخلاف ما لو أريد به اللفافة، و كذلك يظهر دلالة

الموثق (2)أيضا «ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا، ثم تذر عليها من الذريرة، ثم الإزار طولا حتى تغطي الصدر و الرجلين، ثم الخرقة عرضها قدر شبر و نصف، ثم القميص»

مضافا إلى ظهور كون الإزار فيه بمعنى المئزر للتصريح بتغطيته الصدر و الرجلين خاصة، و اللفافة


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب التكفين.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 13.

ج 4، ص: 163

يعم البدن و نحوه على تأمل تعرفه فيما يأتي، و

المرسل (1)«ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار، ثم ابسط القميص عليه»

قيل و أظهر منهما

الرضوي (2)«يكفن بثلاثة أثواب لفافة و قميص و إزار»

إذ لو كان المراد بالإزار اللفافة لكان اللازم أن يقال:

قميص و لفافتان.

و قد يستدل أيضا ب

صحيح ابن مسلم (3)«يكفن المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفافتين»

للتصريح فيه بالدرع الذي هو قميص، و المنطق الذي هو الإزار، و لا فرق بينها و بين الرجل في ذلك إجماعا، و الزائد لها انما هو الخمار و اللفافة الثانية، و

بالصحيح (4)«كان ثوبا رسول الله (صلى الله عليه و آله) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري و أظفار، و فيهما كفن»

و

الخبر عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)(5)«اني كفنت أبي (عليه السلام) في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، و في قميص من قمصه»

بمعونة ما يأتي في باب الحج إن شاء الله من أن ثوبي الإحرام إزار يتزر به، و رداء يتردى فيه، كل ذا مع عدم معارض في الأخبار لما ذكرنا سوى إطلاق ما دل (6)على التكفين بالأثواب الثلاثة، أو الثوبين و القميص، فيجب حمله على ذلك كما هو الأصل المقرر في المطلق و المقيد، و دعوى عدم تناول اسم الثوب للمئزر واضحة البطلان كدعوى قصوره عن إفادة وجوب الإزار، و حمل المطلق موقوف عليه، لإمكان منعه في نفسه في بعضها أولا و بالانجبار بفتوى الأصحاب و معقد إجماعاتهم في جميعها ثانيا،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الكفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التكفين- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التكفين- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 164

سيما مع تأيد ذلك بالاحتياط الواجب المراعاة هنا في وجه، و بأن ما ذكرناه أخيرا من الأخبار مفصحة أن المئزر من جملة الأثواب التي وقعت متعلق الأمر ثالثا، مضافا إلى ظهور بعض ما قدمناه سابقا منها في معروفية الإزار من قطع الكفن في ذلك الزمان بحيث ينصرف المطلق اليه.

و كأن الشبهة نشأت لصاحب المدارك و من تبعه من عدم تنزيله الإزار فيما تقدم من الأخبار على المئزر، و من هنا قال: «المئزر قد ذكره الشيخان و أتباعهما، و جعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة، و لم أقف في الروايات على ما يقضي بذلك، بل المستفاد منها اعتبار القميص و الثوبين الشاملين للجسد أو الأثواب الثلاثة، و بمضمونها أفتى ابن الجنيد في كتابه- إلى أن قال-: و المسألة قوية الاشكال، و لا ريب أن الاقتصار على القميص و اللفافتين أو الأثواب الثلاثة الشاملة للجسد مع العمامة و الخرقة التي يشهد بها الفخذ أولى» انتهى. و ظاهره أو صريحه ما ذكرنا، و مآله حينئذ إلى منع كون المئزر أحد الثلاثة، فلا يجتزى به فضلا عن أن يلزم به، فاتضح الرد عليه بجميع ما تقدم من الأخبار، مع أنه عجيب في نفسه، إذ لا شك في صدق اسم الثوب عليه لغة و عرفا، و ليس فيها قيد الشمول و لا ظهور بلفظ الإدراج في بعضها فيه، فإطلاقها حينئذ يعمه، نعم قد يقال: إن قضية الجمع بين أخبار الإزار بمعنى المئزر و بين غيرها- مما عساه يشعر بالاجتزاء بغيره ك

الحسن (1)«قلت: فالكفن، قال: يؤخذ خرقة فيشهد بها سفله، و يضم فخذيه بها ليضم ما هناك، و ما يصنع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص و لفافة و برد يجمع به الكفن»

من حيث ظهور اللفافة في شمول تمام الميت، سيما مع قصور أدلة الإزار على الوجوب، و كثرة المطلقات و نحو ذلك،- التخيير بين المئزر و غيره، و لعله الظاهر من المحكي عن ابن الجنيد، كما أنه عساه يظهر من المصنف في المعتبر، أو القول باستحباب المئزر.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.

ج 4، ص: 165

و لا يخفي عليك ضعف ذلك كله بعد ما عرفت، و أما الحسن فهو مع قصوره عن معارضة ما قدمناه محتمل لإرادة الفرد الأكمل من المئزر، و هو الذي يغطي الصدر و الرجلين، و مثله يصدق عليه اسم اللفافة، و يؤيده أنه لو أراد به الشامل لجميع الجسد لقال: لفافتان، بل قد يشعر قوله (عليه السلام): «برد يجمع به الكفن» باختصاص الشمول به، فتأمل.

و قميص و الواجب منه مسماه عرفا و لم يكن من الأفراد النادرة، و قدره بعضهم بما يصل إلى نصف الساق، و لا بأس به، و قال: إنه يستحب إلى القدم و لم يثبت، و ربما احتمل الاكتفاء به و إن لم يبلغ نصف الساق، و هو مشكل لندرته في زمان صدور الأخبار، و تقدم في المئزر ما له نفع في المقام، فلاحظ.

ثم ان وجوب كون أحد القطع الثلاث قميصا هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل هو معقد إجماع الخلاف و الغنية و عن غيرهما، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى الاحتياط في وجه- ما في

صحيح ابن سنان (1)«ثم الكفن قميص غير مزرور و لا مكفوف، و عمامة يعصب بها رأسه و يرد فضلها على رجليه»

و

صحيح ابن مسلم (2)عن الباقر (عليه السلام) «تكفن المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار»

الخبر.

و

خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(3)«كتب أبي (عليه السلام) في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب، أحدها برداء له حبرة كان يصلى فيه الجمعة، و ثوب آخر و قميص»

الحديث.

و نحوه خبره الآخر(4)و

معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام)(5)«يكفن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه، و إزار»

إلى آخره. و

خبر يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)(6)«سمعته يقول: إني كفنت


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 14.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 13.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 15.

ج 4، ص: 166

أبي (عليه السلام) في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، و في قميص من قمصه»

الحديث.

و

خبر حمران بن أعين عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «قلت: فالكفن، قال:

يؤخذ خرقة فيشهد بها سفله، و يضم بها فخذيه ليضم ما هناك، و ما يصنع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص و لفافة و برد يجمع فيه الكفن»

إلى غير ذلك من الأخبار، و قد تقدم بعض منها في المسألة السابقة، و فيها ما يشعر بمعروفية كون القميص من أجزاء الكفن بحيث ينصرف الإطلاق إليه.

و المناقشة في جملة مما ذكرنا منها بالنسبة للوجوب سندا و دلالة قد تدفع بالانجبار بالشهرة المحصلة و المنقولة، بل الإجماع المنقول، فما عن ابن الجنيد من عدم وجوب القميص فخير بينه و بين إبداله بثوب آخر يدرج فيه الميت، و تبعه عليه المصنف في المعتبر و بعض من تأخر عنه كالشهيد الثاني في روضته، للأصل الذي يجب الخروج عنه ببعض ما مر لو سلم جريانه، و كذا إطلاق الأثواب في كثير من الأخبار ضعيف، نعم قد يستدل لهم ب

خبر محمد بن سهل عن أبيه (2)قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثياب التي يصلي فيها الرجل و يصوم أ يكفن فيها؟ قال: ذلك الكفن، يعني قميصا، قلت: يدرج في ثلاثة أثواب، قال لا بأس به، و القميص أحب إلى»

و لعل هذه

الرواية التي أرسلها في الفقيه حيث قال: «سئل موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يموت أ يكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال: لا بأس به، و القميص أحب إلىّ»

لكن- مع قصوره سندا بل قيل و دلالة لاحتمال كون الألف و اللام في القميص للعهد أي القميص الذي يصلى فيه أحب إلى لا مطلق القميص- لا يقاوم بعض ما ذكرنا، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 5.

ج 4، ص: 167

و إزار أي ثوب يشمل جميع بدنه طولا و عرضا بلا خلاف أجده، و في السنة(1)ما يغني عن الاستدلال بغيرها عليه، و هل يستحب زيادته طولا بحيث يشد كما صرح به بعضهم أو يجب كما في جامع المقاصد و الروض؟ و لعله لعدم تبادر غيره من الأخبار و اختاره في الرياض و هو لا يخلو من وجه و إن كان لا يخلو من نظر مع تحقق الشمول بدونه، و أما زيادته عرضا بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر فلم أعرف من نص على وجوبها، بل صرح بعضهم بالاكتفاء بشموله و لو بالخياطة للصدق، لكنه اختاره في الرياض حاكيا له عن الروض و غيره معللا له بالعلة السابقة، و لعله أراد بغيره جامع المقاصد، إلا أن ظاهرهما أو صريحهما الاستحباب و إن أوجبا ذلك في الطول، و الأحوط ما ذكره و إن كان في تعينه تأمل.

ثم ان المشهور في كيفية تكفينه على ما حكاه جماعة بل في المحكي من عبارة الذكرى نسبته إلى الأصحاب، كما ان فيه عن الشيخ حكاية الإجماع عليه أن يبدأ أولا بلفافة الفخذين، ثم المئزر ثم القميص، و لا بأس به إلا أني لم أقف فيما وصلني من الأخبار على تمام هذه الكيفية، إذ لم يتعرض في شي ء منها لها إلا

مرسل يونس عنهم (عليهم السلام)(2)و موثقة عمار(3)عن الصادق (عليه السلام) و في الأول «ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ثم ابسط القميص عليه، و ترد مقدم القميص عليه، ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده، و امسح بالكافور على جميع مفاصله- إلى أن قال بعد أن ذكر التحنيط-: ثم يحمل فيوضع على قميصه، و يرد مقدم القميص ليه»

إلى آخره. و لا ريب في منافاته للمشهور لو أريد بالإزار فيه المئزر على حسب ما قدمنا، لانه يكون حينئذ فوق القميص، و من هنا أمكن أن يراد به هنا اللفافة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 168

الأولى و تكون الحبرة حينئذ اللفافة الثانية المستحبة كما سيأتي، و على هذا لم يكن حينئذ فيه تعرض للخرقة و المئزر، و لعله يشد فخذاه ثم يؤزر، و بعد ذلك ينقل إلى أكفانه كما عساه يشعر به قوله (عليه السلام): «ثم يحمل فيوضع» فلا ينافي المشهور حينئذ.

و في الموثق «تبدأ و تجعل على مقعدته شيئا من القطن و ذريرة، و تضم فخذيه ضما شديدا، و جمر ثيابه بثلاثة أعواد، ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا، ثم الإزار طولا حتى يغطي الصدر و الرجلين، ثم الخرقة عرضها قدر شبر و نصف، ثم القميص تشد الخرقة على القميص بحيال العورة و الفرج حتى لا يظهر منه شي ء، و اجعل الكافور في مسامعه- إلى أن قال-: و التكفين أن تبدأ بالقميص، ثم بالخرقة فوق القميص على إليتيه و فخذيه و عورته، و يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع، و عرضها شبر و نصف، ثم تشد الإزار»

إلى آخره. و لا ريب في منافاته للمشهور من جعل الخرقة تحت المئزر و القميص فوقه، و لما يستفاد من غيره من الأخبار من تقدم الخرقة، ك

خبر حمران بن أعين عن الصادق (عليه السلام)(1)قال فيه: «قلت فالكفن، قال: تؤخذ خرقة فيشد بها سفله، و يضم فخذيه بها، ليضم ما هناك، و ما يصنع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص و لفافة و برد يجمع فيه الكفن»

و لعل الوقوف مع المشهور أولى، لظهور إعراض جميع الأصحاب عن هذه الموثقة بالنسبة إلى ذلك، بل قد عرفت عن الشيخ حكاية الإجماع على خلافها، نعم يحكى عن العماني تقدم القميص على المئزر، و لعله لها، و هو ضعيف، فتأمل.

و يجزى عند الضرورة عقلا أو شرعا قطعة من القطع الثلاثة بلا خلاف أجده، بل في المحكي عن التذكرة الإجماع عليه، و المراد بالاجزاء في العبارة و غيرها وجوب التكفين بالمتيسر منها، للأصل و عدم سقوط الميسور بالمعسور لو قلنا بكونه من


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.

ج 4، ص: 169

المركبات، مع أن الظاهر خلافه، نعم قد يشكل وجوب القطعة من كل قطعة التي لا تدخل تحت اسم أحدها في غير ما يستر العورة، و أما فيها فالظاهر وجوبه مع التمكن، كما أنه يشكل وجوب تقديم الإزار على القميص، ثم القميص على المئزر مع الدوران و إن نص عليه في جامع المقاصد، و يشهد له الاعتبار بالنسبة إلى الأول خاصة، لكن بحيث يصل إلى حد الوجوب قد يتأمل فيه، بل قد يمنع بالنسبة إلى تقديم القميص على المئزر، إلا أن الاحتياط بما ذكر.

و لا يجوز التكفين بالمغصوب إجماعا محصلا و منقولا، و للنهي عن التصرف، و لا بالنجس و لو عرضية إجماعا كما في الذكرى كالإجماع في المعتبر على اشتراط طهارة الأكفان و الغنية على عدم جوازه فيما لا تجوز فيه الصلاة، و قضية إطلاق الأولين عدمه حتى فيما عفي عنه بالنسبة إلى الصلاة، و لعله يرشد إليه وجوب إزالتها عن الكفن بعد التكفين، فقبله بطريق أولى.

و لا بالحرير المحض إجماعا سواء كان رجلا أو امرأة كما في المعتبر و التذكرة، و للرجل و المرأة باتفاقنا كما في الذكرى، و صريح الأخير المساواة في الإجماع كظاهر الأولين، و ربما يشعر به

مرسل سهل (1)قال: «سألته كيف تكفن المرأة؟ قال:

كما يكفن الرجل»

و كيف كان فالحجة على أصل الحكم ما عرفت، مضافا إلى الاحتياط في وجه، و استصحاب المنع عنه في الرجل في آخر على إشكال في جريانه في نحو المقام، لانقطاع التكاليف بالموت، و عدم ثبوت تكليف غيره، فتأمل. و إعراض السلف عنه مع الأمر بجودة الكفن و المغالاة فيه، و

مضمر الحسن بن راشد(2)في الكافي، و عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) مرسلا في الفقيه «عن ثياب تعمل بالبصرة على


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 170

عمل العصب اليماني من قز و قطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال: إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس»

و المناقشة في سنده كالمناقشة في متنه بعدم اقتضاء البأس الحرمة سيما مع القطع بعدمها في بعض أفراد المفهوم، بل لعله الظاهر منه لو سلم العموم فيه مدفوعة بالانجبار بما عرفت، و النهي عن التكفين بكسوة الكعبة في عدة أخبار(1)مع الاذن ببيع ما أراد منه، و طلب بركته في بعضها(2)و ما ذاك إلا لكونه حريرا كما استظهره بعضهم، و إلا كان مستحبا طلبا للتبرك به، و

المرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(3)عن بعض الكتب «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى أن يكفن الرجال في ثياب الحرير»

و لا مفهوم له ينافي ما قدمناه في المرأة مع وجوب الغاية في جنبه لو كان، فما عن المنتهى و نهاية الأحكام من احتمال جواز تكفين النساء فيه استصحابا لحال الحياة ضعيف بعد ما عرفت، كما أنه يجب حمل ما في

خبر إسماعيل بن أبي زياد(4)عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): نعم الكفن الحلة، و نعم الأضحية الكبش الأقرن»

على التقية كما عن الشيخ لو أريد بالحلة الإبريسم و ليس بمتعين، لما عن القاموس «أن الحلة إزار و رداء برد أو غيره، و لا يكون إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة» انتهى.

ثم انه قد يشعر اقتصار المصنف على المنع من الحرير بالنسبة إلى جنس الكفن كما عن المبسوط و النهاية و الاقتصاد و الجامع و التحرير و المعتبر و التذكرة و نهاية الأحكام بجواز التكفين بغيره مطلقا و إن كان مما يمنع من الصلاة به، و لعله لعدم استفادة اعتبار أزيد من ذلك من الأخبار، و عدم ثبوت مسمى شرعي للكفن، و على تقديره فإطلاق


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب التكفين.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب التكفين- حديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 19- من أبواب التكفين- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التكفين- حديث 2.

ج 4، ص: 171

الأدلة كاف في بيانه، و ما ورد(1)من النهي عن الكتان و انه كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لأمة محمد (صلى الله عليه و آله) محمول على الكراهة و الندب قطعا، و إن كان ربما يظهر من الخلاف وجوب ذلك، بل دعوى الإجماع عليه.

و قد يناقش في ذلك أولا بعدم انحصار الأدلة في الأخبار، ففي الغنية لا يجوز أن يكون مما لا تجوز فيه الصلاة من اللباس، و أفضله الثياب البياض من القطن أو الكتان، كل ذلك بدليل الإجماع، و ثانيا بمنع بقاء التكفين على المعنى اللغوي، بل الظاهر ثبوت المراد الشرعي منه و لو مجازا، و يكفي ذلك في ثبوت إجماله فيستصحب الشغل إلى البراءة اليقينية، و لا أقل من حصول الشك في الاجتزاء بما منع من الصلاة به للإجماع المتقدم، أو لاشتراط جماعة في الكفن ذلك، منهم المصنف في النافع و العلامة في القواعد، فاشترطا كونه مما تجوز فيه الصلاة للرجال اختيارا، و لعله الظاهر أيضا ممن عبر بأن كل ما جازت الصلاة فيه جاز التكفين فيه كالسرائر و غيرها، و في جامع المقاصد لا يجوز التكفين بجلد و وبر ما لا يؤكل لحمه قطعا، و قد عرفت غير مرة أنها ممن لا يعمل بالظنيات تجري مجرى الإجماع، و لعله يشعر به أيضا عدم نقل خلاف فيه ممن عادته التعرض لمثل ذلك، و في المحكي من مجمع البرهان «و أما اشتراطهم كون الكفن من جنس ما يصلى فيه و كونه غير جلد فكأن دليله الإجماع» انتهى.

و كيف كان فالذي يقوى في النظر عدم جواز التكفين بجنس ما يمنع من الصلاة فيه كسائر ما لا يؤكل لحمه، نعم قد يناقش في الكلية الثانية، و هو جوازه بكل ما جازت الصلاة فيه بظهور الأدلة في اشتراط كون الكفن من مصداق الثياب، و احتمال المناقشة فيها بحمل التقييد فيها بذلك على الغالب ضعيفة، و لا ريب في عدم التلازم بين ما يصلى فيه و بين الثوبية، إذ لا إشكال في تحقق الأول بما لا يدخل تحت مسمى الثوب


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 172

من جلد ما يؤكل لحمه و نحوه بخلاف الثاني، و لعله لذا صرح جماعة بعدم جواز التكفين بالجلود و إن كانت مما يؤكل لحمه، و يرشد إليه مضافا إلى ذلك نزعه عن الشهيد مع أنه يجمع ما عليه في الدفن معه، و احتمال المناقشة- بمنع عدم صدق اسم الثياب على الجلود سيما في مثل الفراء و نحوها أو مما خيط منها على صورة الثياب، و ربما يشعر به الاجتزاء به في الكفارة على ما قيل- مدفوعة بانصراف الثياب في المقام إلى غيرها لو سلم أصل الصدق.

و مما ذكرنا يظهر لك عدم جواز التكفين بنحو ذلك حتى لو قلنا ببقاء التكفين على المعنى اللغوي من المواراة كما هو التحقيق في النظر، يقال: كفن الخبزة بالملة أي واراها، و ذلك لظهور الأدلة في اشتراط كونه من مسمى الثياب، فلا يتفاوت الحال حينئذ في ذلك، نعم لا يشترط فيه أزيد مما ذكرنا من الطهارة و عدم الحريرية و الغصبية و كونه ثوبا، فلا إشكال في جواز التكفين بعد إحرازها و إن كان شعر و وبر ما يؤكل لحمه كما هو المشهور، بل لعله مجمع عليه بين الأصحاب، بل في الرياض أنه أجمع على جوازه بالصوف مما يؤكل لحمه، و على كل حال فلا أعرف فيه خلافا سوى ما يحكى عن الإسكافي، حيث أطلق المنع من التكفين بالشعر و الوبر، و هو ضعيف، مع احتمال تنزيله على غيره.

نعم هل يعتبر الساترية في كل قطعة من القطع الثلاثة أو يكفي حصول الستر بالمجموع؟ صرح في جامع المقاصد و الروض و الروضة بالأول، لأنه المتبادر من الأثواب، و قد يمنع، و لأنه أحوط، و هو مبني على وجوب مراعاته في المقام، و قد يمنع أيضا سيما بعد إطلاق الأدلة بالاجتزاء بثلاثة أثواب، و من هنا مال في الحدائق إلى الثاني تمسكا بأصالة العدم، لخلو المسألة عن النص، بل قد يشعر

قوله (عليه السلام) في الصحيح (1): «إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 173

منه يواري فيه جسده كله»

بالاكتفاء بساترية المجموع بجعل ضمير «فيه» إلى الكفن من غير فرق في ذلك على نسختي الواو و أو، و تبادر إرادة شمول تمام البدن لا أنه لا يحكي ما تحته لا ينافي إرادته منه معه كما يشعر به ما عرفته سابقا من بقاء التكفين على المعنى اللغوي من المواراة، فيراد حينئذ مواراته بثلاثة أثواب، فيجزي و إن حصل ذلك بمجموعها، و دعوى صدق المواراة و إن حكى ما تحته ممنوعة، لكن قد يناقش في ذلك بما عرفته من الإجماع في الغنية على عدم جواز التكفين بما لا تجوز فيه الصلاة، و ظاهره اشتراط ذلك في كل قطعة، فلا يثمر الاجتزاء حينئذ بساترية المجموع في الصلاة، إلا أنه قد ينزل على إرادة ما يمنع فيه من الصلاة لجنسه لا لوصفه، و إلا فقد يمنع حصول الظن منه بالنسبة إلى ذلك، لخلو كلام الأصحاب عن النص على شي ء من ذلك نفيا و إثباتا كما اعترف به في جامع المقاصد و الروض.

و من هنا تعرف أن الثاني لا يخلو من قوة و إن كان الأحوط الأول، و أما احتمال عدم اشتراط مطلق الساترية حتى بالمجموع فمما ينبغي القطع بعدمه، لمنافاته لحكمة التكفين بل معناه، نعم ربما يحتمل اشتراط الساترية بالنسبة إلى كل قطعة لما يخصها من البدن دون غيره، فلا يجب في القميص مثلا ساترية ما تحته مما ستر بالمئزر و هكذا، لكن لا أعرف أحدا ذكره، فتأمل.

ثم اعلم أن ما ذكرناه سابقا مما منع من التكفين كالحرير و النجس و الجلد و غيرها انما هو في حال الاختيار أي وجود غيرها، أما مع الاضطرار فمنها ما هو غير جائز قطعا كالمغصوب، و أما غيره فقد قال في الذكرى: «إن فيه وجوها ثلاثة: المنع لإطلاقه، و الجواز لئلا يدفن عاريا مع وجوب ستره و لو بالحجر، و وجوب ستره العورة حالة الصلاة ثم ينزع بعد، و حينئذ فالجلد مقدم لعدم صريح النهي فيه، ثم النجس لعروض المانع، ثم الحرير لجواز صلاة النساء فيه، ثم وبر غير المأكول، و في هذا

ج 4، ص: 174

الترتيب للنظر مجال، إذ يمكن أولوية الحرير على النجس لجواز صلاتهن فيه اختيارا» انتهى. و فرق في البيان بين الجلد الذي تجوز فيه الصلاة و بين غيره من الحرير و الجلود التي لا تصح فيها الصلاة و الأشعار و الأوبار و النجس، فأجاز الأول مع التعذر، و نظر في غيره، و استظهر في جامع المقاصد الفرق بين النجس و غيره، فأجاز الأول لعدم وجوب نزعه عن الميت لو استوعبت النجاسة و تعذر غسلها و قرضه، و لأنه آئل إلى النجاسة عن قريب، فأمره أخف، و منع في الثاني تمسكا بإطلاق ما دل على المنع منهما من مفهوم الموافقة الحاصل من الأمر بالنزع عن الشهيد في الجلود، و مما عرفته سابقا في الحرير قال: «و جواز صلاة النساء فيه لا يقتضي جواز التكفين به، لعدم الملازمة، على أنه لو تم لزم اختصاص الحكم بالنساء، و وبر غير المأكول أبعد من الجميع- إلى أن قال-: و لو اضطر إلى ستر عورته حال الصلاة و لم يوجد غير الممنوع منه أمكن الستر بأحد الأشياء الممنوعة من غير ترتب، لعدم الدليل عليه، مع احتمال وضعه في القبر على وجه لا ترى عورته، ثم يصلى عليه» انتهى.

و فرق في الرياض بين ما منع منه للنهي كالحرير و بين غيره مما منع منه لعدم الدليل، فاستوجبه المنع في الأول لإطلاق النهي، و في الثاني الجواز للأصل، و انتفاء المانع لاختصاصه بصورة وجود غيره مما يجوز التكفين به، ثم قال: «و أما الوجوب فمشكل، لعدم الدليل لعدم الإجماع فيه، و اختصاص الأمر بالتكفين في الأخبار بحكم التبادر بغيره» انتهى. قلت: و لعل هذا بناء منه على إجمال التكفين و إن له مسمى شرعيا ليتوجه جريان أصالة البراءة حينئذ مع الشك في اندراجه تحت الكفن، و لا وجوب للاحتياط هنا لفرض وقوع الشك في الشغل لا في المشغول به، و إلا فبناء على ما ذكرنا من التحقيق من بقائه على المعنى اللغوي و ان ما اعتبر فيه من قبيل الشرائط فمع فرض ظهور ما دل على اشتراطها بصورة الاختيار لا مناص حينئذ عن الوجوب، للأمر به،

ج 4، ص: 175

و دعوى انصرافه إلى غير ذلك فيتمسك بأصالة البراءة حينئذ كالأول ممنوعة.

نعم قد يستشكل في وجوب ذلك الترتيب المتقدم و إن كان ربما يقوى في النفس التخيير بين المتنجس و بين جلد ما يؤكل لحمه، و تقديمهما معا على الحرير و جلد ما لا يؤكل لحمه و شعره و وبره، و التخيير بينهما، مع احتمال تقديم الحرير فيهما خاصة، كاحتمال تقديم المتنجس في الأولين، سيما مع قلة النجاسة و عدم تلويثها. و ينبغي القطع بوجوب ستر العورة في سائر ما ذكر و ان قلنا بالمنع من التكفين بها بناء على وجوب سترها لو تمكن منه خاصة بالاختياري كما تقدم، إذ ليس ذا من التكفين بشي ء حتى يمنع منه، و لا يدخل تحت النهي عن لبس الحرير، كما أنه ينبغي القطع بجواز تكفينه في تلك الأمور و إن لم نقل بوجوبه و لا بدخوله تحت الكفن المأمور به، و دعوى أنها إضاعة مال و إتلافه من غير إذن مدفوعة بالغرض الدنيوي و احتمال إصابة الغرض الأخروي، نعم قد يستشكل في خصوص ما ورد النهي عنه كالحرير مثلا لو سلم فيه ذلك و قلنا إن المراد بالنهي عنه الحرمة لا عدم الاجتزاء به عن الكفن المطلوب خاصة. فتأمل.

و يجب الحنوط على المشهور بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن سلار و لم يثبت بل المحكي من ظاهر أول كلامه الوجوب، بل في الخلاف و المنتهى و التذكرة و الروض و المفاتيح و عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة، مع التأسي و الأمر به في عدة أخبار(1)و إن كان ربما يناقش في إفادتها كلها أو بعضها ذلك، و ذلك لاختلافها و اشتمالها على كثير من المندوبات، و وقوع بعضها بعد السؤال عن كيفية التحنيط و غير ذلك، إلا أنه يندفع بضميمة ما عرفت ما يمكن اندفاعه منها، كما أنه يستغنى به عما لا يمكن.

و هل هو قبل التكفين كما في القواعد و عن غيره ل

قول الباقر و الصادق (عليهما السلام) في صحيح زرارة(2): «إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود»


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 6.

ج 4، ص: 176

قيل: و ل

قولهم (عليهم السلام) في خبر يونس (1): «ابسط الحبرة بسطا، ثم ابسط عليها الإزار، ثم ابسط القميص عليه، و ترد مقدم القميص عليه، ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته- إلى قولهم (عليهم السلام)-: ثم يحمل فيوضع على قميصه»

و لا صراحة فيه بل و لا ظهور على تقديمه على المئزر، بناء على ما عرفته سابقا فيها من عدم التعرض لذكر المئزر بحمل الإزار فيها على غيره، نعم هو صريح في تقديمه على إلباسه القميص، أو بعد التكفين كما هو ظاهر الفقيه، فإذا فرغ من تكفينه حنطه بما ذكرته، و لا أعرف له شاهدا إن أراد الإلزام أو الاستحباب، بل فيما عرفت شهادة عليه، كما أني لا أعرفه أيضا، لما في المنتهى و عن صريح المراسم و التحرير و نهاية الأحكام و ظاهر المقنعة و المبسوط و الوسيلة من كونه بعد التأزير بالمئزر، بل عن المقنعة و المراسم كما في المنتهى بعد ذلك ما يعطي التأخير عن إلباس القميص، و قد عرفت أن خبر يونس و غيره يشهد بخلافه بالنسبة إليه، بل في الأخير ما هو كالصريح في خلاف ما أعطاه سابقا بعد ذلك أيضا، حيث رتب إلباس القميص بعد التأزير و التحنيط، و لعل الأقوى جواز الكل وفاقا لكاشف اللثام، للأصل و إطلاق كثير من الأدلة، و إن كان الأولى تقديمه على الكفن، للصحيح المتقدم، خصوصا القميص لما تقدم، و العمامة له أيضا، و لما في

خبر عمار(2)«و اجعل الكافور- إلى أن قال-: ثم عممه»

أو عما عدا الخامسة لما تشعر به بعض الأخبار، و لئلا يخرج منه شي ء بعده، و لا طريق للاحتياط بعد ما عرفت من كلام الأصحاب.

[في وجوب مسح المساجد بالحنوط]

و كيف كان ف يجب أن يمسح أي يحنط مساجده السبعة بالحنوط إجماعا محصلا و منقولا و نصوصا(3)و منها طرف إبهامي الرجلين، و لعله يرجع إليه ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 177

المقنعة و المبسوط، و عن الإصباح ظاهر أصابع قدميه، و كذا ما في السرائر، و عن المصباح و مختصره و غيرهما طرف أصابع الرجلين، و إلا فلا دليل عليهما، إذ الموجود في كثير من الأخبار المساجد(1).

ثم ان ظاهر المصنف و غيره بل هو معقد إجماع التذكرة و غيرها إيجاب المسح في تحنيط المساجد، و لعله للأمر به في بعض الأخبار الآتية مع ما عرفت من كونه معقد إجماع التذكرة و الروض، بل كاد يكون صريح الأول، لكن يظهر من جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في جمله و الحلي في سرائره و ابن حمزة في وسيلته و ابن زهرة في غنيته و المصنف في نافعة و العلامة في منتهاه ان الواجب الوضع و الإمساس، بل لعل صريح الجمل و الوسيلة استحباب المسح، و لعله لإطلاق الأمر بالجعل في جملة من الأخبار الآتية، مع أن معقد إجماع الخلاف الوضع أيضا، لكن قد يقال إنه يجب تنزيل هذا المطلق على المقيد، و هو المسح للقاعدة المعلومة فيهما، و منه تعرف قوة الأول، و لم أعثر على تنقيح لذلك في كلمات الأصحاب، فلاحظ و تأمل. و ربما ظهر من بعضهم كالشيخ في المبسوط الفرق بين الراحة و غيرها من المساجد، فتمسح الأولى دون الثانية.

و على كل حال فظاهر المصنف أو صريحه أيضا كغيره من الأصحاب عدم وجوب الزائد على ذلك، للأصل و الاقتصار على الأمر بجعل الحنوط في المساجد

من الصادق (عليه السلام) بعد أن سئل عن الحنوط للميت فقال: «اجعله في مساجده»

و الإجماع من الفرقة و عملهم في الخلاف على أن لا يترك على أنفه و لا أذنيه و لا عينيه و لا فيه شي ء من الكافور، مع الإجماع فيه أيضا على ترك ما زاد من الكافور على المساجد على صدر الميت ردا على الشافعي، حيث استحب مسح جميع بدنه به، و النهي عن مس


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 1 و 5.

ج 4، ص: 178

مسامعه بكافور في

خبر عثمان النواء (1) و عن جعل الحنوط فيها في خبر عبد الرحمن (2)، «و لا تقرب أذنيه شيئا من الكافور»

في خبر حمران بن أعين (3)

و المرسل (4)

«إياك أن تحشو مسامعه شيئا، فإن خفت أن يظهر من المنخرين شي ء فلا عليك أن تصير قطنا، و إن لم تخف فلا تجعل فيه شيئا»

و ما في

مرسل يونس عنهم (عليهم السلام) (5)

«و لا تجعل في منخريه و لا في بصره و لا في مسامعه و لا على وجهه قطنا و لا كافورا».

هذا مع شدة اختلاف الأدلة الدالة على الزائد بحيث تقصر عن إفادة الوجوب معه، سيما مع قصور سند بعضها و إعراض الأصحاب عدا النادر عنها، و موافقتها للعامة، إذ فيها مضافا إلى ما ذكرنا الأمر بالمسح بالكافور آثار السجود منه و مفاصله كلها و رأسه و لحيته و على صدره من الحنوط، كما في حسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (6)

و قال أيضا في خبر عمار (7): «و اجعل الكافور في مسامعه و أثر سجوده منه و فيه»

الحديث.

و لعبد الله بن سنان (8) بعد أن سأله كيف أصنع بالحنوط؟: «تضع في فمه و مسامعه و آثار السجود من وجهه و يديه و ركبتيه»

و ل

حمران (9) إذ سأله عن الحنوط أيضا: «يوضع في منخره و موضع سجوده و مفاصله»

و في

خبر سماعة (10)

«و تجعل شيئا من الحنوط على مسامعه و مساجده، و شيئا على ظهر الكفين»

و الحسين بن المختار (11)


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.
10- 10 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التكفين- حديث 2.
11- 11 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 5.

ج 4، ص: 179

«يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد و على اللبة و باطن القدمين و موضع الشراك من القدمين و على الركبتين و الراحتين و الجبهة و اللبة»

و في صحيح زرارة(1)عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود و مفاصله كلها، و اجعل في فيه و مسامعه و رأسه و لحيته من الحنوط و على صدره و فرجه، و قال: حنوط الرجل و المرأة سواء»

و في مرسل يونس عنهم (عليهم السلام)(2)«ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته و موضع سجوده، و امسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه و في رأسه و عنقه و منكبيه و مرافقه و في كل مفصل من مفاصله من اليدين و الرجلين و في وسط راحتيه- إلى قولهم (ع)-: و لا تجعل في منخريه و لا بصره و لا مسامعه و لا على وجهه قطنا و لا كافورا»

كذا عن الكافي في كشف اللثام، و فيما حضرني من نسختي الوسائل و الوافي بل الثاني رواه عن الشيخ كذلك أيضا، لكن الأول قال: «و في التهذيب و امسح بالكافور على جميع مغابنه من اليدين و الرجلين و من وسط راحتيه» إلى غير ذلك.

و هي مع اختلافها هذا الاختلاف لا تعرض في شي ء منها للوضع منه على الأنف، لكن المفيد و العلامة في المنتهى زادا على المساجد طرف الأنف كما عن الحسن و الحلبي و القاضي، بل قد يظهر من الثاني أنه لا خلاف فيه، حيث قال: «مسألة ثم يعمد إلى الكافور الذي أعده أولا لحنوطه، فيسحقه بيده و يضع منه على مساجده السبعة و طرف أنفه، فإن فضل من الكافور شي ء كشف قميصه و ألقاه على صدره، و لا خلاف في ذلك» إلى آخره. و لعلهم أخذوه من لفظ المساجد في الأخبار من حيث استحباب إرغامه في السجود.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.

ج 4، ص: 180

و لا ريب في ضعف الوجوب، للأصل و تبادر السبعة من المساجد في النص و الفتوى، بل قد عرفت أنه في الخلاف ادعى الإجماع على ترك ما زاد على السبعة على الصدر، و منه مع التتبع لكلمات الأصحاب يعرف ما في نفي الخلاف عنه في المنتهى، هذا مع خلو الأخبار المتقدمة على كثرة ما اشتملت عليه عنه، و كذا ضعف ما في الفقيه «و يجعل الكافور على بصره و أنفه و في مسامعه و فيه و يديه و ركبتيه و مفاصله كلها و على أثر السجود منه، فإن بقي منه شي ء جعله على صدره» و إن شهد له بأكثر ما ذكر بعض الأخبار المتقدمة، لكنك قد عرفت قصورها عن إفادة الوجوب، سيما مع معارضتها بالنهي في بعض ذلك، و الإجماع من الخلاف كذلك، و إعراض الأصحاب و غير ذلك مما مضى مفصلا.

نعم قد يقال قويا باستحباب تطييب هذه المواضع من الميت سيما ما كان منها محلا للرائحة و العرق المستكرهين، لكن غير ما نهي عنه فيما تقدم كالمسامع و نحوها، أو حكي الإجماع على عدم وضع شي ء فيه، بل قد يقال باستحبابها أيضا بحمل النهي على إرادة الوضع فيها و حشوها، و إن كان في بعضها(1)بلفظ «على» لكنه يصح كونها بمعنى «في» كالعكس كقوله تعالى (2)«لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» و حمل الأمر على إرادة الوضع عليها، و لعل ذلك قضية كلام الشيخ في التهذيب و الاستبصار، و لا يأباه كلام الفقيه المتقدم كالمحكي عن المقنع «يجعل على جبينه و على فيه و موضع مسامعه» و ربما احتمل حمل هذه الأخبار على التقية، و قد يؤيده ترك ذكر الاستحباب لذلك في أكثر كلام الأصحاب، و ما عرفته من الإجماع و نفي الخلاف على وضع الفاضل على الصدر، إلا أن ما ذكرناه أولى، و لا يذهب عليك أن قضية هذا الإجماع من الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 5.
2- 2 سورة طه- الآية 74.

ج 4، ص: 181

مع نفي الخلاف السابق في المنتهى إيجاب تحنيط الصدر أو إيجاب وضع الزائد عليه، لكنه لا يخفى عليك ضعفه إن أراده سيما الأول، بل ينبغي القطع بعدم إرادتهما له، لاناطتهما له بالزيادة الغير اللازمة، فتأمل جيدا.

و المراد بالمسح بالحنوط هو المسح بما تيسر من الكافور مما يصدق معه المسح به، و لا مقدر للواجب فيه على المشهور بين المتأخرين، للأصل و إطلاق كثير من الأدلة مع قصور أكثر ما دل (1)على التقدير سندا بل و دلالة في جملة منها على الوجوب مع التصريح بالفضل في بعضها، و اختلاف الجميع في المقادير قلة و كثرة، كاختلاف الأصحاب، فيتجه حينئذ حملها على الاستحباب، لقصورها عن تقييد تلك المطلقات المنجبرة بالشهرة بين المتأخرين، بل قد يظهر من جماعة من متأخريهم كما هو صريح

الرياض أنه ليس محل خلاف يعرف، و ربما يؤيده دخوله تحت معقد جملة من الإجماعات خصوصا إجماع التذكرة و إن كانت ليست مساقة لبيانه، انما هي لوجوب الحنوط، و كأنهم حملوا خلاف الأصحاب فيما يأتي بالنسبة للأقل درهم أو مثقال أو مثقال و ثلث على إرادة أقل الفضل كما هو ظاهر المتن و القواعد و غيرهما، بل هو ظاهر معقد نفي علم الخلاف عنه في المعتبر، لكن قد يأبى ذلك بعض عبارات من نسب إليه الخلاف، لظهورها في عدم الاجتزاء بالأقل من مقدار الأقل سواء كان ذلك منهم تقديرا للمسمى أو أنه تقدير شرعي و إن تحقق المسمى بأقل منه، منها عبارة الصدوق في الفقيه، قال:

ما حاصله «و الكافور السائغ للميت وزن ثلاثة عشر درهما و ثلث، فمن لم يقدر فأربعة مثاقيل، فان لم يقدر فمثقال لا أقل منه لمن وجده» و أصرح منه ما حكاه في المعتبر عن المفيد في الأعلام و أقل ما يحنط به الميت درهم، إلى غير ذلك. و يؤيده ما في الذكرى و جامع المقاصد و الروض، حيث فهموا النزاع في ذلك بالنسبة للواجب، قال في الأول:


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 182

«و أقله مسماه لصدق الامتثال، و اختلف الأصحاب في تقديره فالشيخان و الصدوق أقله مثقال، و أوسطه أربعة، و الجعفي مثقال و ثلث، و ابن الجنيد أقله مثقال» إلى آخره، و نحوه الآخران.

و كيف كان فلا إشكال في ضعف القول بوجوب المقدر للأصل و الإطلاقات و قصور الأدلة عن إفادته كما عرفته سابقا و تعرفه لاحقا إن شاء الله، كما أنه لا إشكال في عدم الفرق فيما ذكرنا من التحنيط بالنسبة إلى سائر الأموات رجالا و نساء إلا أن يكون الميت محرما فلا يقربه الكافور بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى بل في الخلاف الإجماع عليه، و أنه يفعل به ما عدا ذلك جميع ما يفعل بالحلال و يغطى رأسه، و في الغنية الإجماع أيضا على عدم جواز تطييبه به و بغيره من الطيب، و إطلاق ذلك كإطلاق ما تسمعه من الأدلة يقتضي عدم الفرق فيه بين الغسل و التحنيط و غيرهما كما هو نص معقد إجماع جامع المقاصد، حيث حكاه على عبارة القواعد و لا يجوز تقريبهما أي الكافور و الذريرة و لا غيرهما من الطيب في غسل و لا حنوط، كما أنه نسبها في كشف اللثام إلى المعروف بين الأصحاب، و في المنتهى الإجماع على أن غسل المحرم كالحلال إلا أنه لا يقرب طيبا و لا كافورا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)بعد أن سأله عن المحرم يموت كيف يصنع به؟: «إن عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين (عليه السلام) و هو محرم، و مع الحسين (عليه السلام) عبد الله بن العباس و عبد الله بن جعفر، فصنع به كما يصنع بالميت و غطى وجهه و لم يمسه طيبا، قال: و ذلك في كتاب علي (عليه السلام)»

و مثله صحيح عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام)(2)أيضا، و في

موثق أبي خديجة(3)«فغسلوه و كفنوه و لم يحنطوه و خمروا وجهه و رأسه و دفنوه»


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 5 لكن رواه عن أبي مريم.

ج 4، ص: 183

و زاد في

خبره الآخر(1)و قال: «هكذا في كتاب علي (عليه السلام)»

و في

صحيح ابن مسلم (2)سألته «عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: قال يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا»

كخبره الآخر(3)عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) و في

موثق سماعة(4)سألته «عن المحرم يموت، فقال: يغسل و يكفن بالثياب كلها، و يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يمس الطيب»

و

قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر أبي حمزة(5)في المحرم يموت: «يغسل و يكفن و يغطى وجهه و لا يحنط و لا يمس شيئا من الطيب»

و

الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق ابن عمار(6)بعد أن سأله عن المرأة المحرمة تموت و هي طامث: «لا تمس الطيب و إن كن معها نسوة حلال».

و منها مع إجماع الخلاف السابق يستفاد بطلان ما يحكى عن السيد و الحسن بن أبي عقيل و الجعفي من عدم تغطية رأس المحرم، مع ضعف مستندهم في ذلك من أن النهي عن تطييبه دليل بقاء إحرامه، إذ هو اجتهاد في مقابلة النص، و من

قول الصادق (عليه السلام)(7): «من مات محرما بعثه الله ملبيا»

إذ لا دلالة فيه على المطلوب، و

الخبر(8)«لا تخمروا رأسه»

و لم يثبت عندنا، كما أنه يستفاد من إطلاقها عدم الفرق بين إحرام الحج بأقسامه، و العمرة مفردة أو غيرها، و بين موته قبل الحلق أو التقصير و بعده قبل طواف الزيارة، لأن تحريم الطيب انما يزول به، و احتمال دوران الحكم على


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 8 لكن رواه عن أبى مريم.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 7 و هو خبر ابن أبي حمزة.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 6.
8- 8 المستدرك- الباب- 13- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 184

الأول لخروجه عن صورة المحرمين بلبسه و أكله ما لا يلبسه و يأكله المحرم، و للاقتصار على ما خرج عن عموم الغسل بالكافور و التحنيط به على المتيقن بعيد، نعم قد يحتمل ذلك فيما لو مات بعد طواف الزيارة و إن صدق عليه اسم المحرم حينئذ، لحلية الطيب له حينئذ حيا، فميتا أولى، و اختاره العلامة في نهاية الأحكام، و هو لا يخلو من قرب، فتأمل.

و لا يلحق بالمحرم في هذا الحكم المعتدة للوفاة و المعتكف من حيث تحريم الطيب عليهما، للأصل و العمومات و بطلان القياس عندنا و بطلان الاعتداد و الاعتكاف بالموت كما هو واضح.

ثم انك قد عرفت أنه لا إشكال في ظهور الأدلة بل صراحتها في مساواة المحرم للمحل فيما عدا ما ذكرنا، فيغسل حينئذ ثلاث غسلات و إن كانت الثانية لا كافور فيها، و منه يستفاد قوة ما تقدم سابقا من عدم سقوط الغسل بتعذر الخليطين، إذ الممتنع عقلا كالممتنع شرعا.

و أقل الفضل في مقداره أي الحنوط للتحنيط من دون مشاركة الغسل في جميع هذه التقادير كما هو ظاهر المصنف و الأكثر و صريح جماعة، بل هو الظاهر من معقد إجماع الغنية و نفي علم الخلاف فيه في المعتبر، و لعل الأمر فيه كما ذكرا، إذ لم يعرف القائل بشركة الغسل معه في ذلك، و إن حكاه في السرائر عن بعض الأصحاب و عن بعض متأخري المتأخرين الميل إليه، و كأنه لإطلاق ما دل على تقدير ذلك بالنسبة إلى الميت من غير تعرض للتحنيط، و ربما يؤيده استبعاد تغسيل النبي (صلى الله عليه و آله) بماء فيه كافور(1)غير الذي أنزله له جبرائيل (عليه السلام) من الجنة و كان أربعين


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 6.

ج 4، ص: 185

درهما، فقسمه (صلى الله عليه و آله) أثلاثا بينه و بين علي و فاطمة (صلوات الله عليهم) فكان نصيبه ثلاثة عشر درهما و ثلث، و هو مقدار الأكثر، فالظاهر أنه غسل ببعضه أيضا، لكن يدفعه ان الإطلاق لا يعارض المقيد، ك

قوله (عليه السلام) في مرفوعة إبراهيم بن هاشم(1): «السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث أكثره»

و نحوها مرفوعة ابن سنان (2)سيما بعد ما عرفت من أنه ظاهر الأكثر، و احتمال كون المراد بالحنوط الكافور فيشمل الممزوج مع الماء أيضا مخالف للمنساق إلى الذهن، و إن كان ربما يشهد له إطلاق الحنوط في جملة من (3)مرادا به الكافور لا ما يحنط به منه، و لعله لأن المقصد الأهم منه التحنيط، أو لأن أغلبه يحنط به، أو غير ذلك فتأمل جيدا. و لا استبعاد فيما ذكرناه سابقا سيما مع أن المقصد الأهم بالكافور انما هو التحنيط، مع أنه مختص بمقدر الأكثر خاصة، و معارض باستبعاد المشاركة بالأقل بناء على ما ذكرنا من عدم الاجتزاء بالمسمى في الغسل، و لعله لما ذكرنا من الأمرين تردد العلامة في التحرير و ظاهر التذكرة و نهاية الأحكام على ما حكي عنه، لكن الأحوط بل الأقوى القول بالاختصاص سيما بالنسبة إلى مقدر الوسط و الأقل، و يؤيده مضافا إلى ما ذكرنا ما عن

الفقه الرضوي (4)«إذا فرغت من غسله فحنطه بثلاثة عشر درهما»

إلى آخره.

مقداره درهم كما في الجمل و العقود و السرائر و الوسيلة و النافع و المعتبر و القواعد و عن النهاية و المصباح و مختصره و الجامع بل في المعتبر نفي علم الخلاف عنه و عن التقديرين الآخرين، و لعله الحجة عليه. مع ما عساه يظهر من مقدر الأكثر بثلاثة عشر درهما و ثلث ان


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 4 و 7 و 8.
4- 4 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الكفن- حديث 2.

ج 4، ص: 186

أقل الفضل في الدرهم للتوزيع، و متى نقص عنه كان المسمى الذي هو واجب، و إلا فلم أعرف له شاهدا في الأخبار، بل في

المرسل عن الصادق (عليه السلام)(1)«أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال»

و في

آخر(2)«مثقال و نصف»

كما أنه لم أتحقق ما سمعته من المعتبر، إذ في المقنعة و الخلاف و الفقيه و كذا الغنية و عن الاقتصاد و جمل العلم و المراسم و الكافي و كتب الصدوق التحديد بالمثقال، بل في الخلاف الإجماع عليه كظاهر معقده في الغنية، فالأقوى حينئذ ذلك، اللهم إلا أن يثبت ما ادعاه في المنتهى أن المراد بالمثقال ها هنا الدرهم نحو ما ادعاه في السرائر بالنسبة إلى مقدر الوسط بأربعة دراهم، حيث قال: و في بعض الكتب مثاقيل، و المراد بها الدراهم، و علل في الذكرى ما في السرائر بالنظر إلى قول الأصحاب، لكن عن ابن طاوس مطالبته بالمستند، و هو في محله، لأن المثقال الشرعي على ما قيل درهم و ثلاثة أسباع الدرهم، فالدرهم نصف المثقال و خمسه، و لذا كانت العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، و الصيرفي على ما قيل مثقال و ثلث من الشرعي، فالمثقال الشرعي حينئذ ثلاثة أرباع الصيرفي، فدعوى أن المراد بالمثقال هنا الدرهم لا مأخذ لها، فظهر من ذلك كله أن تحديد الأقل بالدرهم لا مستند له إلا ما عرفت كالمحكي عن الجعفي أنه مثقال و ثلث و إن قرب منه مرسل المثقال و النصف المتقدم، لكن قد يقال لا بأس بالجميع مع التفاوت في الفضيلة.

و كذا لم نجد شاهدا للمقدار الآخر الذي ذكره المصنف بقوله و أفضل منه أربعة دراهم سوى ما عرفته من نفي الخلاف في المعتبر و الاستظهار من مقدر الأكثر الذي سمعته سابقا، نعم في المحكي من عبارة

الفقه الرضوي (3)أنه «إن لم يقدر على مقدار الأكثر فأربعة دراهم»

و إلا فالموجود في

الحسن عن الصادق (عليه السلام)(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الكفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 187

«القصد من الكافور أربعة مثاقيل»

و عن نسخة أخرى «الفضل» و حكيت الفتوى به عن كتب الصدوق و سائر كتب الشيخ و الوسيلة و الإصباح و الجامع، بل هو معقد إجماع الخلاف، و من ذلك يظهر ما في نفي الخلاف المتقدم في المعتبر، اللهم إلا أن يثبت ما سمعته من السرائر، و فيه ما عرفت، لكن قد يقال: إنه لا غبار على نحو عبارة المصنف، للقطع بأن الأربعة دراهم أفضل من السابق بعد ثبوت الأقل المذكور سواء قلنا مثقالا أو درهما قضاء للتوزيع، فتأمل.

و أكمله ثلاثة عشر درهما و ثلث للإجماع المنقول في الخلاف و غيره المؤيد بنفي الخلاف في المعتبر، و للأخبار(1)الدالة على أن الحنوط الذي نزل للنبي (صلى الله عليه و آله) أربعون درهما، و قسمه أثلاثا بينه و بين علي و فاطمة (صلوات الله عليهم).

و لما في

مرفوعة إبراهيم بن هاشم (2)«السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث أكثره»

و من لفظ الأكثر فيها يستفاد وجود مرتبة أخرى للفضل و الاستحباب، بل قد يستفاد المرتبتان الوسط و الأقل، و يرجع في تعيينهما إلى ما عرفت من كلام الأصحاب و غيره كل على مختاره، فما يقال: إنه لا يستفاد من الأخبار إلا المرتبة العليا لعله لا يخلو من نظر، و من العجيب ما يحكى عن ابن البراج من تحديد الأكثر بثلاثة عشر درهما و نصف، إذ هو مع مخالفته لما سمعته من الأدلة خال عن المستند، كالذي وقع في الحدائق من الاشكال فيما ذكره الأصحاب من حمل هذه الأخبار بالنسبة إلى هذه التقادير على الفضل و الاستحباب، و ان الواجب الاجتزاء بالمسمى، مع أنها ظاهرة في الوجوب، و أنه لا يصار إلى المرتبة الوسطى إلا مع تعذر العليا، و لا إلى الدنيا إلا مع تعذر الوسطى، إذ بعد وضوح منع دلالتها على ما ذكر، و حكاية الإجماع على ذلك من بعضهم، و نفي


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 1 و 6 و 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 188

الخلاف من آخر ان قصور أسانيد أكثرها و ضعف دلالة الباقي على الوجوب، مع التصريح بالفضل في بعضها، و اختلاف الجمع في المقادير قلة و كثرة أوضح قرينة على إرادة الاستحباب، كما هو واضح، فتأمل جيدا.

هذا كله مع الاختيار و التمكن و أما عند الضرورة عقلا أو شرعا يدفن بغير كافور قطعا كما هو واضح، و لا بدل له شرعا، للأصل مع خلو الأدلة عن ذلك، بل قد يظهر من المحكي عن التذكرة الإجماع عليه، كما أن ظاهر الأدلة حصر الحنوط بالكافور، ك

قول الصادق (عليه السلام)(1): «الكافور هو الحنوط»

و

قوله (عليه السلام)(2): «انما الحنوط الكافور»

و نحو ذلك، و لا ينافي ذلك جواز تطييبه بالذريرة أو بالمسك إن قلنا به، لعدم التلازم بين جوازه في نفسه و بدليته عن الكافور في التحنيط بحيث يجب مع فقده أو يستحب، كما هو واضح.

و لا يجوز تطييبه أي الميت بغير الذريرة و الكافور كما في القواعد و الدروس و عن التحرير و نهاية الأحكام و البيان و ظاهر الذكرى و في المبسوط لا يخلط بالكافور مسك أصلا و لا شي ء من أنواع الطيب، و عن النهاية لا يكون مع الكافور أصلا، و في الجامع لا يحنط بالمسك، و في الغنية الإجماع على أنه لا يجوز أن يطيب بغير الكافور، و هو الحجة لما في المتن، و قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (3)و

خبره أيضا مع أبي بصير(4)«لا تجمروا الأكفان و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور، فان الميت بمنزلة المحرم»

و

الصادق (عليه السلام) في خبر يعقوب بن يزيد(5)عن عدة من أصحابنا «لا يسخن للميت الماء، لا تعجل له النار، و لا يحنط بمسك»

و ما دل على


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 6.

ج 4، ص: 189

انحصار الحنوط بالكافور في جملة من الأخبار، و ربما يشعر به بل يدل عليه إن أريد بما في العبارة ما يشمل الكفن و نحوه النهي عن تجمير الكفن في مرسل ابن أبي عمير(1)و تقريب النار إلى الميت يعني الدخنة في خبر أبي حمزة(2)و اتباع الجنازة بمجمرة في خبر السكوني (3)و

خبر إبراهيم بن محمد الجعفري (4)قال: «رأيت جعفر بن محمد (عليهما السلام) ينفض بكمه المسك عن الكفن، و يقول: ليس هذا من الحنوط في شي ء»

هذا مع ما فيه من تضييع المال و إتلافه من غير غرض يعتد به، و موافقة العامة العمياء التي جعل الله الرشد في خلافها، إذ يستحب عندهم على ما حكي التطيب بالمسك، في أخبار المقام (5)تصريح بذلك، و لا ينافي جميع ما ذكرنا خروج الذريرة كما استثناها المصنف و غيره، لما ستعرفه من الأدلة المخرجة لها عن العموم و الإطلاق.

نعم قد يناقش في جميع ذلك، أما الإجماع فبموهونيته بفتوى كثير من الأصحاب بخلافه من الكراهة، بل في المختلف أن المشهور كراهة أن يجعل مع الكافور مسك، و في الخلاف و عن الإصباح الإجماع على كراهية جعل المسك و العنبر مع الكافور، كما أن في الأول الإجماع أيضا على كراهية تجمير الأكفان بالعود، و فيه أيضا الإجماع على كراهية أن يكون عند غسل الميت مجمرة يبخر فيها، و عن التذكرة كره علماؤنا أجمع تجمير الأكفان، و هو تجميرها بالبخور، و في المعتبر إجماع علمائنا على كراهية تجمير أكفان الميت، و على تطييبه بغير الكافور و الذريرة، و قضية ذلك كله مع الأصل الجواز على كراهيته، و احتمال تنزيل هذه الإجماعات على إرادة مطلق المرجوحية في مقابلة القول بالاستحباب من العامة و بعض الخاصة ليس بأولى من أن يراد بعدم الجواز في معقد إجماع الغنية الكراهة و إن بعد، كاحتمال القول أنه متى كان ذلك مكروها كان


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 9 و 10 و 14.

ج 4، ص: 190

ممنوعا، لاستلزامه تضييع المال المحترم و إتلافه بدون غرض صحيح، إذ هو- مع خروجه عن محل البحث من الحرمة من حيث كونه تطييبا للميت و لا يجري حينئذ فيما لو أريد تكفينه بثياب كانت مطيبة بذلك سابقا- قد يدفع بالاكتفاء بظهور طيب رائحته لمن يشمه من المشيعين مثلا في كونه غرضا صحيحا و نحو ذلك.

و أما الأخبار فمع وهنها بما عرفت أيضا و الطعن في أسانيدها حتى الأخير لما في سنده من الإرسال و إن كان عن عدة من أصحابنا و سهل، و الكلام فيه معروف، مضافا إلى ما في دلالته من حيث إشعار سياقه بالكراهة كسياق غيره بها من خبر أبي حمزة و غيره، و احتمال إرادة التحنيط فيه عوض الكافور أو على نحوه لا مطلق التطيب و نحو ذلك يجري في بعضها أيضا، كجريان احتمال إرادة التعريض بذلك بالعامة حيث يجعلون الحنوط مخلوطا بأنواع الطيب من الكافور و غيره، و منه يعرف

وجه انحصار الحنوط بالكافور فيما تقدم من أخبار الخصم، مضافا إلى إمكان المناقشة في دلالة مثل هذا الحصر علي المطلوب من إرادة مطلق التطيب، كالمناقشة في عدم دلالة النهي عن اتباع الجنازة بالمجمرة على ذلك أيضا، إذ الاتباع خارج عما نحن فيه، مع ما في

الصحيح أو الحسن (1)و غيره «اني أكره أن يتبع بمجمرة»

معارضة

بالمرسل (2)قال: «سئل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) هل يقرب إلى الميت المسك أو البخور؟

قال: نعم»

و آخر

في الفقيه (3)أنه «روي أن النبي (صلى الله عليه و آله) حنط بمثقال مسك سوى الكافور»

و

خبر عبد الله بن سنان (4)عن الصادق (عليه السلام) «لا بأس بدخنة كفن الميت، و ينبغي للمرء المسلم أن يدخن ثيابه إذا كان يقدر»

و

خبر غياث ابن إبراهيم عنه (ع)(5)أيضا «انه كان يجمر الميت بالعود فيه المسك، و ربما جعل على


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 13.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 14.

ج 4، ص: 191

النعش الحنوط، و ربما لم يجعله، و كان يكره أن يتبع الميت بالمجمرة»

و في

خبر عمار(1)«و جمر ثيابه بثلاثة أعواد»

و احتمال حملها جميعها على التقية و خصوص الثاني على كون ذلك من خواصه ليس بأولى من حملها على بيان الجواز و الرخصة، و تلك على الكراهة جمعا بشهادة ما عرفت، بل لعله أقوى من غير فرق في ذلك بين بدن الميت و ثيابه، و يكفي ذلك في حصول الرشد بالنسبة إلى مخالفة العامة، نعم قد وضح لك من جميع ذلك ضعف ما يحكى عن الفقيه من الأمر بتجمير الأكفان مرادا به الاستحباب على الظاهر و إن كان ربما يشهد له بعض هذه الأخبار، سيما مع إمكان الجمع بينها و بين ما تضمن النهي عن ذلك بما إذا كانت عليه لا فيما إذا جمرت سابقا ثم كفن بها إن كان مراده ذلك، لكنها لا تقاوم ما عرفت من الإجماعات و غيرها لوجوه عديدة لا تخفى، فتأمل جيدا.

[سنن هذا القسم]
اشاره

و من سنن هذا القسم

[في استحباب اغتسال الغاسل أو الوضوء قبل التكفين]

أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه إن أراده أو يتوضأ وضوء الصلاة كما في النافع و المعتبر و القواعد و الإرشاد و الذكرى و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و الروضة و عن النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و غيرها، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب، و لم أقف له على مستند، نعم علله في المعتبر بأن الاغتسال و الوضوء على من غسل ميتا واجب أو مستحب، و كيف ما كان فإن الأمر به على الفور، فيكون التعجيل أفضل، و هو كما ترى، على أنه لا ينطبق على التخيير بين الاغتسال و الوضوء، و نحوه ما عن التذكرة بالنسبة للاغتسال خاصة، و لم يعلل الوضوء بشي ء، و في المنتهى ليكون على أبلغ أحواله من الطهارة المزيلة للنجاسة العينية و الحكمية عند تكفين البالغ في الطهارة، فان لم يتمكن من الغسل استحب له أن يتوضأ لأنه إحدى الطهارتين، فكان مستحبا كالآخر، و مرتبا عليه لنقصانه عنه، و هو-


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 192

مع أنه لا ينطبق على التخيير المذكور، و قضيته في المرتبة الأولى الاغتسال و الوضوء كما هو المحكي عن الصدوق و أنه وجه اعتباري لا يصلح أن يكون بمجرده مدركا لحكم شرعي- معارض باستحباب التعجيل في تجهيز الميت و بغير ذلك، كل ذا مع ظهور الروايات المعتبرة في خلاف ذلك، ففي

صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(1)قلت:

«فالذي يغسله يغتسل، قال: نعم، قلت: فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل، قال: يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل»

و في

صحيح يعقوب ابن يقطين عن الرضا (عليه السلام)(2)«ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات، ثم إذا كفنه اغتسل»

و في

خبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(3)«تغسل يديك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين ثم تكفنه»

و عن الخصال عن

أبي بصير و ابن مسلم عن الصادق (عليه السلام)(4)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «من غسل منكم ميتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه».

و تنزيل هذه الأخبار- على إرادة الترتيب في المستحب بالنسبة إلى قلة الثواب و عدمه، فما فيها دون الاغتسال أو الوضوء و إن كان مختلفا في نفسه أيضا، إذ غسل اليد من العاتق أفضل من كونه من المرفق، و هو مع الركبتين أفضل منه مجردا، أو على عدم التمكن من الاغتسال إما لخوف فساد الميت أو غير ذلك- تصرف لا شاهد عليه، و لا معارض يلجأ إليه، كدعوى إضافة ما فيها إلى ذلك مخيرا بينها، فيكون المستحب أحد أمور ثلاثة: الاغتسال أو الوضوء أو غسل اليدين إلى المنكبين، و لعله


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 7 و هو خبر يعقوب عن العبد الصالح عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب التكفين- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- حديث 13.

ج 4، ص: 193

لما ذكرنا لم يذكر في المقنعة و المقنع و المراسم و الكافي على ما حكي إلا غسل اليدين إلى المرفقين.

لكنك خبير أن ذلك قد تضمنه خبر عمار، فكان عليهم أن يذكروا حينئذ غسل الرجلين إلى الركبتين، كما أنه كان على العلامة في المنتهى ذلك أيضا، حيث قال بعد ذكره استحباب الغسل و الوضوء إن لم يتمكن منه: «و يكفيه أن يغسل يديه إلى المرفقين ثم يكفنه» و من الغريب ما في المعتبر و عن التذكرة و نهاية الأحكام من غسلهما إلى الذراعين إن لم يتفق الوضوء مستدلين عليه بالاستظهار، و بصحيح ابن يقطين المتقدم، و قد عرفت ان الموجود فيه إلى المنكبين، و احتمال إرادتهما بالذراع منتهاه مع حمل الصحيح على القريب من المنكبين كما ترى، مع أنه لا داعي إليه، و عن الصدوق في الفقيه أنه استحب غسل اليدين من المرفقين قبل تنشيف الميت ثم الوضوء و الغسل بعده قبل التكفين، و مما تقدم يظهر لك ما فيه، فلعل الأقوى الاقتصار على ما عرفته من تلك الأخبار مع التعدي عن مضمونها باستحباب غسل مظان ما يتنجس من بدن المغسل، لما عساه يشعر به بعضها عند التأمل، ثم الاغتسال بعد ذلك، نعم قد يقال باستحباب المسارعة للاغتسال في نفسه لا من حيث السبق على التكفين عند إرادة تأخير التكفين لغرض أو لعدم وجوده أو نحو ذلك، و هو أمر خارج عما نحن فيه.

ثم ظاهر الأصحاب أن الغسل غسل المس كما يشعر به تعليلاتهم، و به صرح بعضهم، لكنه حكى في كشف اللثام عن الذكرى أن من الأغسال المسنونة الغسل للتكفين، و عن النزهة ان به رواية(1)قلت: و قد يحتمله عبارة المصنف، و الظاهر ان ما حكاه عن الذكرى في غير المقام، و إلا فقد صرح فيها هنا بأنه غسل المس، و على كل حال فلعل ذلك منهما نظر إلى

قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (2):


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- حديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- حديث 11.

ج 4، ص: 194

«الغسل في سبعة عشر موطنا- إلى قوله (ع)-: و إذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد»

و نحوه في حسنه عن الباقر (عليه السلام)(1)لكن بإبدال «أو» بالواو على ما حضرني من نسخة الوسائل، فيقوى حينئذ جعلها في الصحيح بمعنى الواو فلا ينافي إرادة غسل المس، مضافا إلى أن ظاهره وقوع الغسل بعد التكفين، فتأمل جيدا.

و كذا الظاهر من فحاوي بعض كلمات الأصحاب أيضا أن هذا الوضوء انما هو الوضوء الذي يفعل مع غسل المس لرفع الأصغر بناء على توزيع الفعلين على الحدثين، فالغسل للأكبر، و الوضوء للأصغر، فحينئذ لا ينبغي الإشكال في صحة استباحة الصلاة به و غيرها مما يشترط بالطهارة إذا تعقبه بعد ذلك ما يرفع الحدث الآخر، و لا حاجة إلى نية الرفع أو الاستباحة به بناء على ما هو التحقيق من الاكتفاء بنية القربة، و أما بناء على اعتبارهما فلا يحصل للوضوء حينئذ صحة بحيث يترتب عليه إتيان التكفين على الوجه الأكمل بدون نيتهما، اللهم إلا أن يقال: إن نية التكفين تقوم مقام نية رفع الحدث أو الإباحة، لانصرافها إلى أراه وقوعه على الوجه الأكمل الذي لا يحصل إلا بذلك، نظير ما قالوه في الوضوء لقراءة القرآن و نحوها مما يستحب لها الطهارة.

لكن قال العلامة في القواعد: و الأقرب عدم الاكتفاء بهذا الوضوء في الصلاة إذا لم ينوبه ما يتضمن رفع الحدث، و علله بعض شارحي كلامه أن التكفين مشروع بدونه، فلا يستلزم نيته نية رفع الحدث، و فيه نظر من وجهين: الأول أنه لا وجه حينئذ للحكم بصحة الوضوء حتى بالنسبة للتكفين بناء على القول باشتراط صحته بنية الرفع أو ما يستلزمها، و الثاني أن مشروعيته بدون الوضوء لا ينافي ما ذكرناه من الانصراف الذي يكتفي بمثله كما في قراءة القرآن، و ربما يدفع ذلك بأن المراد بهذا الوضوء وضوء خاص للتكفين، فيكتفى به حتى لو كان صوريا لا الوضوء الذي يشترط فيه ذلك، إذ هو


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة- حديث 4.

ج 4، ص: 195

موقوف على دليل يدل على اعتبار الطهارة فيه التي هي عبارة عن رفع الحدث و ليس، انما المذكور في كلام الجماعة الوضوء، و هو أعم من الطهارة، و بذلك حصل الفرق بينه و بين قراءة القرآن و نحوها من المستحبات التي يعتبر فيها الطهارة.

و لا ينافي ذلك ما في عبارة المصنف و نحوها من قولهم «وضوء الصلاة»، إذ لا يراد به مبيح الصلاة، بل المراد صورة وضوء الصلاة، كما أنه لا ينافيه اشتراطهم صحة الوضوء بنية الرفع أو الاستباحة، لأن المراد بتلك الصحة انما هي صحة الدخول في الصلاة لا مطلق الاعتبار في الجملة، فيتجه لك حينئذ ما قربه العلامة من عدم الاكتفاء بهذا الوضوء مع عدم تلك النية، لعدم استلزام نية التكفين نية الرفع حينئذ، و هو موقوف على نيته أو ما يستلزمه، نعم يتجه بناء على مختارنا من أن رفع الوضوء للحدث قهري حيث لا مانع من الاكتفاء به، فتأمل. هذا كله فيما لو أراد من باشر تغسيله تكفينه، أما إذا كفنه شخص آخر غيره فقد يقال بناء على ما عرفت من كلام الأصحاب باستحباب رفع حدثه أصغر أو أكبر، لما يستفاد من فحوى استحباب الغسل للمس و الوضوء إن قلنا ان الوضوء لذلك لا على ما ذكرناه آنفا، فتأمل.

[في استحباب الحبرة العبرية للرجل]

و يستحب إجماعا في الغنية و ظاهر الخلاف أو صريحه، و عند علمائنا في التذكرة و المعتبر، و عندنا في الذكرى أن يزاد للرجل بل و المرأة كما هو معقد ما في الأخير و قضية إطلاق الأولين، و تركها المصنف لدلالة ما سيأتي عليها، لأصالة الاشتراك، و قوله في

مرسل سهل (1)مضمرا بعد أن سأله «كيف تكفن المرأة؟ فقال: كما يكفن الرجل غير أنها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر، و تشد على ظهرها و يصنع لها القطن أكثر مما يصنع للرجال»

الحديث. فما قد تعطيه عبارة الوسيلة و عن الإصباح و التلخيص من اختصاص ذلك بالرجل لاختصاص به (2)ضعيف،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 3 و 6 و 10.

ج 4، ص: 196

إذ هو اختصاص مورد كما في أكثر الأحكام لا اختصاص خصوصية حبرة بكسر الحاء و فتح الباء الموحدة كعنبة ضرب من برود تصنع باليمن من قطن أو كتان من التحبير و هو التزيين و التحسين، قيل و يقال ثوب حبرة على الوصف و الإضافة إلى الوشي لا على أن حبرة موضع أو شي ء معلوم، بل هو شي ء أضيف إليه الثوب، كما قيل «ثوب قرمز» و القرمز صبغه.

و زاد المصنف كونها عبرية كما في المبسوط و الوسيلة و النافع و القواعد و التحرير و عن النهاية و الإصباح و غيرها، بل هو معقد إجماعي المعتبر و التذكرة بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى العبر جانب الوادي أو موضع، و كونها غير مطرزة بالذهب كما في الكتب السابقة أيضا و الجامع، بل هو في معقد إجماعي الكتابين، و لا بالحرير كما نص عليه جماعة و صريح المصنف كغيره من الأصحاب، بل في الذكرى و جامع المقاصد نسبته إلى عمل الأصحاب، مضافا إلى ما سمعته من الإجماعات السابقة كون الحبرة زائدة على الثياب الثلاثة المفروضة، و أنكره جماعة من متأخري المتأخرين، و تبعهم عليه الفاضل المعاصر في الرياض، لعدم ظهور دليل على ذلك من أخبار الباب، بل في كشف اللثام ظاهر أكثرها كونها اللفافة المفروضة، ك

قول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي مريم(1):

«كفن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ثلاثة أثواب: برد أحمر حبرة و ثوبين أبيضين صحاريين»

و في

مضمر سماعة(2)بعد أن سأله «عما يكفن به الميت، فقال:

ثلاثة أثواب، و انما كفن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين و ثوب حبرة»

بل في

حسن الحلبي بإبراهيم عن الصادق (عليه السلام)(3)ما يعطي أن الزائد على الثلاثة موافق للعامة، حيث قال: «كتب أبي (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 10.

ج 4، ص: 197

في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة، و ثوب آخر و قميص، فقلت لأبي (عليه السلام): لم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، و إن قالوا كفنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل، قال: و عممته بعد بعمامة، و ليس تعد العمامة من الكفن، انما يعد ما يلف به الجسد».

و أيده أيضا في الرياض بما في بعض المعتبرة(1)المتضمنة لذكر الثلاثة، و ان ما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب، فما زاد فمبتدع، و العمامة سنة، قال:

و لا ريب أن الزائد على الثلاثة الذي هو سنة هو العمامة و الخرقة المعبر عنها بالخامسة، و بما في الزيادة من إتلاف المال و إضاعته المنتهى عنهما في الشريعة.

و أنت خبير بجميع ما في ذلك، إذ الأدلة سيما بالنسبة للمستحبات غير منحصرة في الأخبار، و كفى بما سمعت من الإجماعات المنقولة التي يشهد لها التتبع لكلمات الأصحاب إلا من ندر كالمحكي عن الحسن بن أبي عقيل و من وافقه من متأخري المتأخرين كصاحبي المدارك و الذخيرة دليلا لمثله، على أنه قد تشعر به بعض المعتبرة(2)أيضا ك

قول أبي الحسن الأول (عليه السلام): «إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، و في قميص من قمصه، و عمامة كانت لعلي بن الحسين (عليهما السلام)، و في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربع ماءة دينار»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حمران بن أعين (3)على أحد الاحتمالين أو أظهرهما بعد أن سأله عن الكفن، فقال: «يؤخذ خرقة فيشد بها سفله، و يضم فخذيه بها ليضم ما هناك، و ما يصنع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص و لفافة و برد يجمع فيه الكفن»

ك

خبر يونس عنهم (عليهم السلام)(4)«ابسط الحبرة بسطا، ثم ابسط عليها الإزار، ثم ابسط القميص عليه»

و

قول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم(5): «يكفن الرجل في ثلاثة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 9.

ج 4، ص: 198

أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفافتين»

لظهور اللفافة فيما يشمل الجسد مع عدم القول بالفصل بين المرأة و الرجل بالنسبة إلى ذلك، و احتمال إرادة لفافة الثديين من إحدى اللفافتين بعيد، و الأظهر ما قلناه، و عليه حينئذ تحمل الخمسة في

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم تكفن المرأة؟ قال: تكفن في خمسة أثواب، أحدهما الخمار»

و احتمال إرادة الخرقة من إحدى اللفافتين يدفعه مع ما عرفت ما في

خبر عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام)(2)«ان العمامة و الخرقة لا بد منهما، و ليستا من الكفن»

فيعلم منه حينئذ أنه عند الإطلاق في كلامهم ينصرف إلى غيرها.

و يؤيده ما في أكثر الأخبار من تثليث الكفن، و من المستبعد عدم الخرقة، و منه مع ما في حسن الحلبي السابق يعرف ما في التأييد المتقدم ب

قوله (ع)(3): «إلى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع، و العمامة سنة»

حيث جعل العمامة و الخرقة تتمة الخمسة، إذ قد عرفت أن العمامة ليست من الكفن، فلا ينصرف إليها الإطلاق، مضافا إلى ظهور قوله (ع) فيه: «و العمامة سنة» في إرادة الخمسة ما عداها، و لو لا القطع بكون الخرقة من جملتها في خصوص هذه الرواية لأمكن المناقشة فيها بما عرفت، و بذلك يتضح أن تأييد المطلوب

بقوله (ع): «إلى أن يبلغ خمسة»

أولى من التأييد به لخلافه، كما أنه يتضح أيضا بما عرفت من هذه الأخبار، مع أن المحكي عن العامة عدم الزيادة على الثلاثة حمل الصحيح المتقدم المتضمن للوصية على وجه آخر لا ينافي المطلوب، و يتضح أيضا أنه لا وجه للتأييد بما عرفته آنفا من أنه إضاعة مال، إذ لا وجه لذلك بعد ثبوت الاستحباب.

لكن الإنصاف أن العمدة في إثبات الحكم عمل الأصحاب و إجماعاتهم، و إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 199

فليس في الروايات ما يفيد تمام المطلوب من كل وجه، إذ أقصى ما تفيده تلك الأخبار بعد التسليم عدا خبر يونس أن المستحب زيادة لفافة، و أما أنها حبرة عبرية و نحو ذلك فلا، اللهم إلا أن يتمم بالإجماع المركب، لكنه محل منع، بل لعل الأقوى في نظري أن استحباب الحبرة ليس مخصوصا بالثوب الرابع، بل يجزئ لو كان هو الثالث مع الاقتصار على الثلاثة على ما صرح به كاشف اللثام، و يدل عليه كثير من الأخبار المتقدمة، بل و مع عدم الاقتصار عليها بأن زيد لفافة غير حبرة، و جعل الحبرة هي الثالثة، و إن كان الأولى مع وجود الحبرة أن تجعل اللفافة الثانية، كما يشعر به خبر يونس في أحد الاحتمالين.

و مما ذكرنا يظهر لك أن استحباب اللفافة الثانية ليس مشروطا بالحبرة، بل هي في نفسها مستحبة، فمع عدم وجود الحبرة يستحب حينئذ لفافة ثانية على ما يشعر به خبر البرد و غيره، و صرح به بعضهم، و إن كان قضية بعض عبارات الأصحاب ذلك من حيث تقييد اللفافة الزائدة بالحبرة، لكن التأمل قاض بأن مرادهم المستحب في المستحب، و كذا التقييد بالعبرية، فلا ينتفي حينئذ الخطاب بالاستحباب عند انتفاء العبرية، على أنهم لا دليل لهم واضح من الروايات على استحباب العبرية في الزائدة، إذ ليس إلا نحو

قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة(1): «كفن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، و ثوب يمنية عبري أو أظفار»

و هو مع اشتماله على الترديد كما ترى لا دلالة فيه على اعتبار ذلك فيما نحن فيه من اللفافة الثانية.

لكنك قد عرفت أنه معقد إجماعي المعتبر و التذكرة، و كأن الأصحاب جعلوا ما يستفاد من الأخبار من استحباب كون الثوب الثالث حبرة عبرية لما ذكروه من اللفافة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 200

الثانية، و لعلهم لأنهم فهموا منها إرادة الرابعة بترك ذكر المئزر في قطع الكفن، كما وقع نظيره في الأخبار و كلام بعض قدماء الأصحاب حيث لا يجعلونه من جملة الكفن، بل يذكرونه ذكرا مستقلا كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم في نحو المقام، و من ذلك قوله (عليه السلام): «ابسط الحبرة» إلى آخره في أحد الاحتمالين، لكن كان عليهم حينئذ أن يذكروا استحباب كون الحبرة حمراء لاستفاضة الأخبار بذلك، فتأمل.

و لو لا ظهور اتفاق الأصحاب على أن المستحب حبرة واحدة لأمكن القول باستحباب حبرتين، أحدهما اللفافة الأولى الواجبة، و الثانية الزائدة، أما الأولى فللأخبار، و أما الثانية فللاجماعات السابقة، كما أنه لو لا ظهور عبارات جملة منهم كبعض الأخبار أن الزائدة لفافة لأمكن القول بأن المستحب زيادة ثوب رابع يطرح عليه، و لا يلف به الميت، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان (1):

«البرد لا يلف به و لكن يطرح عليه طرحا، فإذا أدخل القبر وضع تحت خده و تحت جنبه»

و يؤيده- مضافا إلى كثرة ما دل على تثليث الكفن، إذ لا يكون البرد الزائد حينئذ بناء على ذلك من الكفن- ما قيل: إنه

ورد(2)«أن شقران مولى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فرش تحت رسول الله (صلى الله عليه و آله) في قبره قطيفة»

و لعله لا يأبى الحمل على ذلك جملة من عبارات الأصحاب، بل عن الفقيه أنه قال:

«و إن شاء لم يجعل الحبرة معه حتى يدخله قبره فيلقيه عليه» فتأمل جيدا.

و كيف كان فالظاهر أن استحباب الحبرة لا ينحصر في المصنوعة باليمن، و إن كان ربما يقال: إن ذلك أفضل، بل قد يقال باستحباب مطلق الثوب المزين المحسن كما يومي إليه بعض الأخبار(3)فتأمل. و أما ما ذكره المصنف و غيره من كونها غير


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 201

مطرزة بالذهب فيدل عليه- مضافا إلى ما عرفت من أنه معقد إجماعي المعتبر و التذكرة و إلى أنه إتلاف مال غير مأذون فيه- ما في جامع المقاصد من تعليله بامتناع الصلاة، نعم قد يناقش فيما ألحقه به بعضهم من المنع أيضا بالمطرز بالحرير، لأنه إتلاف مال غير مأذون فيه بأنه يكفي في الاذن إطلاق الحبرة، نعم قد يستشكل في خصوص التطريز بالحرير إذا لم يكن من قبيل مزج السداء و اللحمة تبعا للإشكال في الصلاة فيه.

و حاصل الكلام فيه و في سابقه أن ما منع من الصلاة فيه منع من التكفين فيه، لما عرفت سابقا، و إلا كان كل ما يدخل تحت مسمى الحبرة يستحب التكفين به مزج بحرير أو غيره أولا، سيما بعد ما ورد من استحباب المغالاة في الكفن، و قد تقدم خبر البرد و تسمع غيره، نعم لو حسنت الحبرة بأمور خارجة عن مادتها كأن أضيف إليها شي ء من الذهب و نحوه اتجه المنع للإتلاف.

ثم إنه قد ظهر لك أن قضية ما سمعته من تعليل المطرز بالذهب المنع من التكفين به، فما في الرياض من جعل ذلك مستحبا مع تعليله بما يقضي بمنعه لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا.

[في استحباب الخرقة للفخذين]

و كذا يستحب زيادة خرقة لفخذيه إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كالنصوص (1)و إن اشتملت على الأمر الظاهر في الوجوب، بل

في بعضها «أن الخرقة و العمامة لا بد منهما و ليستا من الكفن»

لكن صرف ذلك إلى إرادة الاستحباب لازم في المقام كما لا يخفى، خصوصا بعد

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله ابن سنان (2): «إن الخرقة لا تعد شيئا، إنما تصنع لتضم ما هناك، و ما يصنع من القطن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8 و 12 و 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8 و نصه «تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته و رجليه، قلت: فالإزار؟ قال: لا، أنها لا تعد شيئا» إلخ قال في الوافي في بيان هذا الحديث: «إذا كانت الخرقة تواري العورة فما تصنع بالإزار؟ فقال عليه السلام: «إنها لا تعد شيئا» ، يعني أن الخرقة لا تعد من الكفن، و لا تغني من الإزار و الإزار لا بد منه».

ج 4، ص: 202

أفضل منها»

و نحوه خبر حمران بن أعين (1)و في هذا الصحيح كخبر عمار(2)تصريح بكون هذه الخرقة غير المئزر، فما عساه يظهر من الفقيه كما عن المقنع من أنها المئزر ليس بشي ء.

ثم إنه لا فرق في استحباب الخرقة بين الرجل و المرأة للأصل و اتحاد المقتضي و

المرسل المرفوع (3)الدال على اتحاد كفنهما غير أنها تزاد لفافة لثدييها، إلى أن قال:

«ثم تشد عليها الخرقة شدا شديدا»

و تسمى هذه الخرقة عندهم الخامسة، و كأنه لأنها كذلك من حيث زيادة الحبرة على الثلاثة الواجبة، أو لأنها خامسة الأكفان المشتركة بين الرجل و المرأة، و قد يناقش في الأول بزيادة العمامة، و احتمال القول إن العمامة ليست من الكفن يدفعه مع أن الخرقة أيضا كذلك أن ظاهر الصحيح و غيره كونها منه، و من هنا قيل كونها من المندوب دون المفروض طريق الجمع و تظهر الثمرة في الدخول و الخروج بنذر الكفن المندوب، قلت: لكن قد يناقش فيه بأنه يأباه

قول الصادق (عليه السلام):

«كتب أبي في وصيته- إلى أن قال-: و عممني بعمامة و ليس تعد العمامة من الكفن إنما يعد ما يلف به الجسد»

من حيث اشتماله على التعليل المنافي لجعلها من الواجب و المندوب، فلعل الأولى عدم كونها منه شرعا، و صرف ما دل على ذلك إلى نوع من المجاز، نعم قد يشعر هذا التعليل كظاهر غيره بكون الخرقة منه، فيتجه حينئذ الجمع المتقدم بالنسبة إليها، لكن و مع ذلك لا يخلو عدها من جملة أجزاء الكفن من تأمل و نظر.

ثم الخرقة ينبغي أن يكون طولها ثلاثة أذرع و نصفا في عرض شبر و نصف كما في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(4)و في عرض شبر في

خبر يونس عنهم


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 203

(عليهم السلام)(1)لكن ليس فيه تقدير الطول، إنما فيه خرقة طويلة، و في آخره «و تكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا»

و لعله لذا قال المصنف تقريبا جمعا بينهما، فيجزئ كل منهما كما أنه يجزئ الأقل و الأزيد ما لم يؤد إلى الإسراف، بل و كذا الطول، و لعل التقريب في المتن راجع إلى الجميع، فتأمل.

و ذكر المصنف في كيفية لف الخرقة المذكورة أن يشد طرفاها على حقويه، و يلف بما استرسل منها فخذاه لفا شديدا و في المعتبر و خرقة لشد فخذيه لفا شديدا ثم يخرج طرفها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، و يغمزه في الموضع الذي شدها فيه، و لم أعثر على كيفية ذلك في شي ء من كلمات قدماء الأصحاب، بل قضيتها سيما معقد إجماع الغنية و غيرها كالمحكي عن أكثر عبارات الأصحاب تأدي السنة بشدها من الحقوين و لفها على الفخذين بأي وجه اتفق، و يؤيده ما صرح به في (2)من أن الغرض منها كي لا يبدوا من ما هناك شي ء، فجعل المدار حينئذ على ذلك لا يخلو من قوة، و إن كان الموجود في

مرسل يونس عنهم (عليهم السلام)(3)«فشدها من حقويه، و ضم فخذيه ضما شديدا، و لفها في فخذيه، ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، و اغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة، و تكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا»

و الظاهر أن «في» في قوله (عليه السلام): «في فخذيه» بمعنى «على» كما أن الظاهر إرادة الغمز في الموضع الذي انتهى عنده اللف منه، و قد يحمل ما سمعته من المعتبر على ذلك، فتأمل. و في

خبر الكاهلي (4)«ثم أزره بالخرقة، و يكون تحتها القطن، تذفره به إذفارا قطنا كثيرا، ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة شدا شديدا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8 و 12 و الباب 14 حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 204

حتى لا تخاف أن يظهر شي ء»

كذا فيما حضرني من نسختي الوسائل و الوافي، قال في الثاني: «و الذفر بتقديم المعجمة الجمع الشديد و الشد، و في بعض النسخ «أذفره» و كأنه بمعناه، و الإذفار كأنه لغة في الاثفار بالثاء المثلثة، و هو الشد بالثفر أعني السير» انتهى.

و قد يقال: إن الأوجه من ذلك قرائتها أزره بالخرقة بالزاء المعجمة، و الإذفار إنما هو بالقطن بمعنى الاثفار، ثم يؤزر بالخرقة عليه، قال في كشف اللثام بعد هذه الرواية: «فيحتمل أن يكون أذفره بالفاء و إعجام الذال، أي طيب الميت بالخرقة التي تحتها القطن، و تطييب الميت بالقطن بنشر الذريرة عليه، و أن يكون بالقاف و إهمال الدال، أي أملاه أي ما بين إليتيه بالخرقة و القطن أي بالقطن، و لذا أعاد قوله:

«تذفره به» أي القطن، و في الذكرى هكذا وجد في الرواية، و المعروف يثفر بها من أثفرت الدابة إثفارا، قلت: فإن أريد به الاثفار فلعله إثفاره برأسها حين يخرج و يغمز في الموضع الذي لفت به» انتهى ما في كشف اللثام. و لا يخفى عليك بعد ما ذكره بل عدم استقامته سيما الثاني، قلت: و كأن ما ذكره في المدارك تبعا لجده في الروض و غيره من الكيفية قد أخذه من هذه الرواية كما صرح به في الروض بناء على أن الموجود فيها الإذفار، و أنه بمعنى الأثفار، و هي بأن يربط أحد طرفي الخرقة على وسط الميت إما بأن يشق رأسها أو يجعل فيها خيط و نحوه، ثم يدخل الخرقة بين فخذيه و يضم بها عورته ضما شديدا، و يخرجها من تحت الشداد الذي على وسطه، ثم يلف حقويه و فخذيه بما بقي لفا شديدا، فإذا انتهت فأدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت عنده، انتهى.

و أنت خبير بعدم استفادة تمام ما ذكره من الأخبار، بل خبر يونس ينافي بعض ذلك، لكن لا بأس بذلك كما لا بأس بغيرها من الكيفيات لما عرفت، و لخلو جملة من

ج 4، ص: 205

الأخبار عن التعرض للكيفية، بل قضية إطلاقها ما سمعته منا سابقا، ففي

خبر عمار(1)«التكفين أن تبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه و فخذيه و عورته»

و لعل المراد شدها تحت القميص، و لكن بعد إلباسه إياه استظهارا في التحفظ من انكشاف عورته، و في

خبر حمران (2)«يؤخذ خرقة فيشد بها سفله، و يضم فخذيه بها ليضم ما هناك»

و في

خبر معاوية بن وهب (3)«و خرقة تعصب بها وسطه»

إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة فيما ذكرنا، و إن كان الأولى المحافظة على ما في خبر يونس، و أما ما ذكره المصنف من شد الطرفين على الحقوين فلم أعثر على ما يشهد له، بل قد يصعب تصوره إن أريد ظاهره بحيث ينطبق على ما عرفت، فتأمل.

ثم إن المستفاد من النص و الفتوى كون وضع الخرقة بعد أن يجعل بين ألييه شي ء من القطن مثلا و إن لم يكن شرطا في استحبابها كالعكس على الظاهر لكن الأحوط في مراعاة المستحب ذلك، لما يظهر من بعض الأخبار(4)و المراد بما بين إليتيه في العبارة و غيرها الوضع على دبره كما صرح به جماعة، و قضيته إجماع الخلاف، و حكي عن آخرين، بل لا أجد فيه خلافا في الجملة، إذ لا ينافيه الاقتصار على حشو الدبر من غير تعرض للوضع عليه كما حكي عن جماعة، و هو الحجة بعد

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(5): «تبدأ فتجعل على مقعدته شيئا من القطن و ذريرة»

و نحوه في إفادة ذلك غيره، و لعله يرجع إليه المحكي عن القاضي «و يسد دبره بالقطن سدا جيدا» بل المستفاد من

خبر يونس عنهم (عليهم السلام)(6)و غيره استحباب وضعه على القبل


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3 و 5 و 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 206

أيضا، قال فيه: «و اعمد إلى قطن تذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجيه قبل و دبر»

و حكي التصريح به عن جماعة، بل قيل يمكن تعميم ما بين الأليتين لهما خصوصا في المرأة، و عن التذكرة و نهاية الأحكام وصف القطن بنزع الحب، و لا بأس به كما لا بأس بالتعدي من القطن إلى غيره بعد حصول الغرض به، فتأمل.

و إن خشي خروج شي ء فلا بأس أن يحشى في دبره كما في القواعد و المنتهى، و تعطيه عبارة الخلاف و الجامع و غيرهما، بل الظاهر أنه مراد كل من أطلق حشوه من دون اشتراط ذلك كما لا يخفى على من لاحظ عباراتهم، إذ فيها شواهد عليه، فما ظنه بعض متأخري المتأخرين من كون ذلك قولا مقابلا لما في المتن في غير محله، نعم ظاهر السرائر أو صريحه كالمحكي عن نهاية الأحكام منع ذلك مطلقا مراعاة لحرمته ميتا كحرمته حيا، و هو ضعيف، بل لعل مراعاة الحرمة تقتضي العكس سيما بعد قيام الدليل عليه من إجماع الفرقة و عملهم عليه في الخلاف المؤيد بالتتبع لكلمات الأصحاب، و

المرسل المرفوع (1)«و يصنع لها القطن أكثر مما يصنع للرجال، و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(2)«و تدخل في مقعدته من القطن ما دخل»

و

خبر يونس عنهم (عليهم السلام)(3)«و احشوا القطن في دبره لئلا يخرج منه شي ء»

و حملها على إرادة الحشو فيما بين الأليتين و نحو ذلك مجاز بعيد لا مقتضي له، نعم يتجه الاقتصار على ما ذكره المصنف من الاشتراط كما يشعر به ما في الأخير، و يؤيده مراعاة حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، كما أنه يستفاد أيضا من خبر عمار استحباب حشوه مع وضع القطن عليه أيضا، فالاقتصار على الأول خاصة كما عن بعضهم لا يخلو من نظر.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 207

ثم الظاهر إرادة المصنف من نفي البأس الاستحباب كما هو ظاهر الأصحاب و الأخبار و صريح معقد إجماع الخلاف، و لا تقدير للقطن المحشو في الفتاوى و أكثر النصوص، لكن في

خبر عمار(1)«تحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من».

[في استحباب العمامة]

و كذا يستحب زيادة عمامة يعمم بها إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كالنصوص (2)و ما في بعضها من ظهور الوجوب لا بد من صرفه إليه، و لا مقدر لها في النصوص و الفتاوى، فيكون المدار على ما يحصل به اسمها، لكن صرح جماعة أنه يعتبر فيها بالنسبة إلى الطول ما يؤدي الهيئة التي ستأتي بأن يلف بها رأسه، و يكون لها ذؤابتان من الجانبين يلقيان على صدره، و في العرض ما يطلق معه اسم العمامة، قلت:

قد يناقش فيه بالنسبة إلى الأول بأن ذلك مستحب في مستحب، و إلا فلا يعتبر فيها ذلك، فالأولى حينئذ جعل المدار فيهما معا على صدق اسمها، نعم ينبغي أن يكون لها حنك للنهي (3)في بعض أخبار المقام عن عمة الأعرابي، و الظاهر أنها التي لم تشتمل على الحنك كما في الحدائق، مع أن هذا في الحقيقة راجع إلى كيفية التعميم لا إلى العمامة، فتأمل.

و قد تقدم سابقا أن الأقوى أن العمامة ليست من الكفن واجبة و مندوبه كما صرح به جماعة، بل حكاه في كشف اللثام عن المعظم، و عن كشف الالتباس نسبته إلى الأصحاب، و يدل عليه- مضافا إلى ما يشعر به أخبار تكفينه (صلى الله عليه و آله) بثلاثة أثواب (4)مع ظهور أنه عمم- نفي كونها منه في عدة أخبار(5)بل في بعضها


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 1 و 8 و 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 3 و 4 و 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 1 و 10 و 12.

ج 4، ص: 208

ما هو كالصريح في ذلك، للتعليل فيه بأنه انما يعد من الكفن ما يلف به الجسد، و فرع بعضهم على ذلك أنه لا يقطع سارقها من القبر، لكونه حرزا للكفن، و آخر انها لا تدخل في الوصية بالكفن المندوب، و كذا النذر، و للنظر فيهما مجال سيما الأول، لكن الأمر في الثمرة سهل، إذ هي إن لم تظهر في ذلك تظهر في أمور أخر كعدم اشتراط ما يشترط في الكفن فيها، و نحو ذلك.

و في الذكرى و جامع المقاصد و الروضة في كتاب الحدود انها ليست من واجبة لكنها من مندوبه جمعا بين تلك الأخبار و بين ما دل على أنها منه، ك

قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1)«ثم الكفن قميص غير مزرور و لا مكفوف، و عمامة يعصب بها رأسه»

و في

خبر معاوية بن وهب (2)«يكفن الميت في خمسة- إلى أن قال-:

و عمامة يعمم بها»

و في

خبر يونس بن يعقوب (3)«ان أباه أوصاه فقال: اشتر لي بردا واحدا و عمامة و أجدهما فإن الموتى يتباهون بأكفانهم»

و قد يقال: إن الجمع بحمل هذه الأخبار على نوع من المجاز أولى لما عرفت، فتأمل.

و هيئته وضع العمامة أن يعمم بها محنكا بالإجماع على الظاهر كما في كشف اللثام و عليه الأصحاب في المعتبر، و ذهب إليه علماؤنا في التذكرة، و الظاهر أنه لا خلاف فيه في الذخيرة، و مجمع عليه في الحدائق، و يدل عليه مضافا إلى ذلك قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير(4)في العمامة للميت: «حنكه» قيل و يفيده

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عثمان النواء(5): «و إذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التكفين- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 2- 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 2.

ج 4، ص: 209

قلت: كيف أصنع؟ قال: خذ العمامة من وسطها و انشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه و اطرح طرفيها على صدره»

كذا عن التهذيب و أكثر نسخ الكافي، و عن بعضها «و أطرح طرفيها على ظهره» و المراد بعمة الأعرابي من غير حنك كما في الحدائق و ظاهر المبسوط.

و من المعروف في رواية خبر عثمان النواء يستفاد ما ذكره المصنف من أنه يلف بها رأسه لفا و يخرج طرفاها من تحت الحنك و يلقيان على صدره و أتم منه في ذلك

خبر يونس عنهم (عليهم السلام)(1)«ثم يعمم و يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير، ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر، و الأيسر على الأيمن، ثم يلقى على صدره»

و نحوه المحكي عن الفقه الرضوي (2)هذا مع انا لا نعرف في ذلك خلافا، بل في التذكرة «و يستحب العمامة للرجل تثنى عليه محنكا، و يخرج طرفاها من الحنك، و يلقيان على صدره، ذهب إليه علماؤنا» انتهى. نعم في خبر عثمان النواء على ما عن بعض نسخ الكافي ما ينافي ذلك، ك

خبر حمران بن أعين (3)«ثم خذوا عمامته فانشروها مثنية على رأسه، و أطرح طرفيها من خلفه، و أبرز جبهته»

لكن لم أعثر على عامل بهما غير أنه قال في كشف اللثام: «يمكن التخيير بينهما» انتهى. و لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت، بل المتجه طرحهما أو تأويلهما بما لا ينافي المطلوب، ك

خبر معاوية بن وهب (4)«و يلقى فضلها على وجهه» مع أن المحكي عن الكافي «على صدره»

و هو أضبط من الشيخ. و

خبر عمار(5)«و ليكن طرفا العمامة متدليا على جانبه الأيسر


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 12- من أبواب الكفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الكفن- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 13.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الكفن- حديث 4.

ج 4، ص: 210

قدر شبر يرمى بها على وجهه»

و

صحيح ابن سنان (1)«و يرد فضلها على وجهه»

و عن التهذيب رواية «على رجليه» و يمكن اتحاد الوجه و الصدر، و تأويل الرجلين بجهتهما، لكنه بعيد.

[في استحباب ازدياد لفافة لشد ثديي المرأة]

و يستحب أن يزاد للمرأة لفافة لثدييها كما في المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع و النافع و المعتبر و القواعد و الإرشاد و التحرير و المنتهى و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا، فما عساه يشعر نسبته إلى الشهرة في كلام بعضهم بوجوده في غير محله، كالتوقف فيه من آخر نظرا إلى ضعف مستنده من

مرفوع سهل المضمر(2)«سألته كيف تكفن المرأة؟ قال: كما يكفن الرجل غير أنه يشد على ثدييها خرقة تضم الثدي و تشد إلى ظهرها»

الحديث. إذ هو مع عدم قدح ذلك فيه بعد انجباره بما عرفت حكم مستحب يتسامح في دليله.

و ما في الرياض من عدم جواز المسامحة في مثله لاستلزامه تضييع المال المحترم يدفعه أولا عدم انحصار فوائد المال في الأغراض الأخروية حسب بل يكفي في عدم كونه تضييعا مثل إرادة عدم بدو حجم الثديين و عدم انتشار الأكفان بهما مثلا. و ثانيا أن بذل المال في احتمال ترتب النفع الأخروي لا يعد تضييعا لا لغة و لا عرفا و لا شرعا إذا كان الاحتمال معتدا به ناشئا من شهرة بين الأصحاب أو خبر في الباب أو نحو ذلك. و ثالثا أن حرمة التضييع لا تعارض ما دل (3)على التسامح في أدلة السنن، بل هي كحرمة التشريع يرتفع موضوعهما بثبوت المستحب و لو بخبر ضعيف بعد أن دل الدليل المعتبر على اعتباره في مثله. و رابعا قد يقال و إن بعد بل منع عند التأمل: إن الخبر الضعيف المثبت لحكم خاص استحبابي يحكم به على العام القاضي بحرمته، لشمول ما دل على التسامح لمثله،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 4، ص: 211

فالحاكم حقيقة ما دل على اعتباره في مثل المقام لا هو نفسه، لكن لا يلحظ التعارض ابتداء بينه و بين ذلك العام كسائر الأدلة، فإنه لا ينظر في حال تعارضها إلى دليل حجيتها، و من هنا يحكم بالخاص الاستصحابي على العام و إن كان كتابيا.

لا يقال: إنه يعارضه في المقام حينئذ الأمر بالاحتياط، لأنا نقول حال الخبر الضعيف مثلا في المقام بعد قيام الأدلة المعتبرة على اعتباره كالخبر الصحيح المعتبر إذا دل على استحباب فرد من أفراد العام المحرم، فما يقال فيه يقال هنا، نعم قد ينازع في شمول ما دل على التسامح ك

قوله (عليه السلام): «من بلغه ثواب على عمل»

لما إذا عارض عموم تحريم، فتأمل جيدا، فإن المسألة كثيرة الفوائد جدا.

[في استحباب النمط للمرأة]

و كذا يستحب أن تزاد المرأة أيضا نمطا كما في النافع و القواعد و عن الكامل و المهذب، و ظاهر المصنف و غيره أن ذلك مستحب مع الحبرة، فيكون لها حينئذ بناء على كون النمط مما تلف به ثلاث لفائف: أحدها الواجب لظهور إرادة زيادتها على أكفان الرجل واجبة و مندوبه عدا العمامة، فتعوض عنها قناعا، و إلا لم تكن الحبرة مستحبة للنساء، و لا لفافة الفخذين عند المصنف و من مائلة، و قد عرفت سابقا ظهور الإجماع على استحبابهما معا بالنسبة إليها، و في الوسيلة أن المسنون ستة أشياء أن يزاد للرجل ثوبان حبرة و خرقة و عمامة، و للمرأة لفافتان أو لفافة و نمط و خرقة تشد بها ثدياها، و من العجيب أن الأستاد الأعظم في حاشية المدارك أنكر وجود قائل باستحباب الثلاث.

قلت: بل قد يظهر من المقنعة و الخلاف و المبسوط و محكي المراسم و النهاية استحباب أربعة، قال في الأول بعد ذكره زيادة الحبرة و الخامسة في أكفان الرجل، و أكفانها مثل أكفانه: «و يستحب أن تزاد ثوبان، و هما لفافتان أو لفافة و نمط» و نحوه ما عن النهاية، اللهم إلا أن يريدا بأحدهما لفافة الثديين، و قال في الثاني: «و المسنون خمسة:

ج 4، ص: 212

إزاران أحدهما حبرة و قميص و مئزر و خرقة، و يضاف إلى ذلك العمامة، و تزاد المرأة إزارين آخرين- إلى أن قال-: دليلنا إجماع الفرقة» و قال في الثالث بعد ذكره أكفان الرجل الواجب و المندوب: «و يستحب للمرأة أن تزاد لفافتين على ما قدمناه، و يستحب أن تزاد خرقة تشد بها ثدياها إلى صدرها» و نحوه المحكي عن المراسم، لكنه لم ينقل عنه ذكر لفافة الثديين، فيحتمل فيه حينئذ ما سمعته في عبارة المقنعة، و قال في كشف اللثام: «لعلهم أرادوا الزيادة على اللفافة المفروضة أي يستحب أن يزاد للرجل لفافة هي الحبرة إن وجدت، و للمرأة لفافتين» انتهى. قلت: و فيه بعد أو منع فلاحظ.

و عن الاقتصاد تزاد لفافة أخرى إما حبرة أو ما يقوم مقامها، ثم قال: و إن كان امرأة زيد لفافة أخرى، و روي أيضا نمط و ظاهره التربيع إن كان عاملا برواية النمط، و إلا فالتثليث، و على كل حال فالثلاثة متيقنة الإرادة في كلامهم، بل في الغنية ما يقضي باستحباب الثلاث حتى للرجال حيث أطلق بعد ذكره الواجب استحباب زيادة لفافتين أحدهما الحبرة و خرقة للفخذين، إلى أن قال: كل ذلك بدليل الإجماع كالمحكي عن القاضي من استحباب التثليث كذلك مع كون أحدها حبرة و كون إحداها نمط إن كانت امرأة، و إن لم توجد حبرة و لا نمط فازاران، بل قد يظهر من الفقيه و الهداية كما عن رسالة علي بن بابويه والده و الحلبي استحباب النمط للرجال و النساء، لذكرهم له مطلقا، قال في الأول: «تبدأ بالنمط و تبسطه و تبسط عليه الحبرة، و تبسط الإزار على الحبرة، و تبسط القميص على الإزار» و نحوه عن رسالة أبيه، و في الذكرى أنه «قال في المقنع بقول أبيه بلفظ الخبر» انتهى. و زيد في الهداية بعد ذلك و يعد مئزرا، و هو دليل على التثليث، لكن قد يقال: إن الظاهر منهما كون النمط شيئا يفرش تحت كفن الميت لا أنه يلف به الميت، و عن الحلبي أنه قال: ثم تكفنه في درعين

ج 4، ص: 213

و مئزر و لفافة و نمط، و تعممه إلى أن قال: و الأفضل أن تكون الملاف ثلاثة إحداهن حبرة يمنية، و تجزى واحدة، إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب.

و قد نقل في الذكرى جملة وافية منها، ثم قال بعدها: «فظهر أن النمط مغاير للحبرة في كلام الأكثر و ان بعض الأصحاب على استحباب لفافتين فوق الإزار الواجب للرجل و المرأة و إن كانت تسمى إحداهما نمطا. و ان الخمسة في كلام الأكثر غير الخرقة و العمامة، و السبعة للمرأة غير القناع» انتهى. و هو صريح فيما قلنا، و كأن غرضه بما استظهره من الأكثر من مغايرة الحبرة للنمط الرد على ما في السرائر «و إن كانت امرأة زيدت على مستحب الرجال لفافة أخرى لشد ثدييها، و روي نمط، و الصحيح الأول، و هو مذهب شيخنا أبي جعفر (رحمه الله) في كتاب الاقتصاد، لأن النمط هو الحبرة، و قد زيدت على أكفانها، لأن الحبرة مشتقة من التحبير، و هو التزيين و التحسين، و كذلك النمط هو الطريقة، و حقيقته الأكسية و الفرش ذوات الطرائق، و منه سوق الأنماط بالكوفة» انتهى و ظاهره عدم استحباب لفافة أخرى شاملة للجسد، و لا يخفى عليك بعد ما فهمه من الاقتصاد بل امتناعه على ما سمعت من عبارته، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد يستدل على استحباب الثلاث بالنسبة للرجل و المرأة بإجماع الغنية المؤيد بفتوى من عرفت، بل على الأربع بالنسبة للمرأة بإجماع الخلاف المؤيد أيضا بذلك، و بما رواه في

البحار(1)عن مصباح الأنوار عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «أن فاطمة (عليها السلام) كفنت في سبعة أثواب»

و عن

إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر(2)«ان عليا (عليه السلام) كفن فاطمة (عليها السلام) في سبعة أثواب»

بضميمة ظهور كون السبعة غير الخرقتين أو غير القناع و خرقة الفخذين و على خصوص كون أحدها نمطا بما أرسله من الرواية في السرائر و عن الاقتصاد و المقنع


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الكفن- حديث 9.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الكفن- حديث 10.

ج 4، ص: 214

مع التأييد بفتوى كثير من الأصحاب، بل في المدارك نسبة استحبابه للمرأة إلى قطع الأصحاب، و في حاشية الكتاب للشيخ علي «النمط بالتحريك ثوب فيه خطط معد للزينة، فان لم يوجد جعل بدله لفافة كما يجعل بدل الحبرة لفافة أخرى عند فقدها، قاله الأصحاب» انتهى.

و يؤيده مع ذلك كله وقوعه في نحو عبارة الصدوقين التي هي متون أخبار، بل قيل إنهم كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إلى فتاوى علي بن بابويه، كل ذا مع التسامح في أدلة السنن، و قد عرفت اندفاع المناقشة في جريان التسامح في نحو المقام، فيكفي ذلك في ثبوت ما قلناه، و في تخصيص ما

في الصحيح (1)«ان ما زاد سنة إلى أن يبلغ خمسة، فما زاد فمبتدع»

ان نافاه، و إن كنا لم نقف في شي ء من أخبارنا الموجودة في الوسائل و الوافي على ذكر النمط، بل و لا على ما يدل على استحباب تثليث اللفائف في المرأة فضلا عن الرجل، و فضلا عن الأربعة، إذ ليس إلا ما سمعته مما دل على استحباب الخمس، و ما في

مرسل يونس (2)«الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، و العمامة و الخرقة سنة، و أما النساء ففريضة خمسة أثواب»

فإنه مع تسليم كون المراد بالخمسة ما عدا العمامة و خرقة الفخذين و خمار المرأة و لفافة الثديين لا دلالة فيه إلا على الإزار الواجب و لفافة فوقه، و قد تكون الحبرة، اللهم إلا أن يقال ان الأصل عدم تداخل الأمر بالحبرة في الأمر بهذه اللفافة، فيستفاد حينئذ لفائف ثلاث، و بمثله يندفع احتمال إرادة لفافة الثديين أو الخرقة بإحداهما، و حمل المطلق على المقيد مشروط باتحاد المكلف به، و تنقيح ذلك بأصالة عدم تعدد التكليف قد يدفعه ظهور الخطاب فيه.

و بهذا التقرير يظهر أنه لا ينافي الاستدلال حينئذ به و نظائره

قول الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 7.

ج 4، ص: 215

(عليه السلام)(1)بعد أن سأله عبد الرحمن في كم تكفن المرأة؟: «في خمسة أثواب أحدها الخمار»

و

الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم(2): «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفافتين»

من حيث دخول الخمار في الخمسة، بل لعل بعضها يكون حينئذ شاهدا للمطلوب فتأمل. نعم قال في المدارك في خصوص الخبر الأخير بعد أن ذكر الاستدلال به للأصحاب على التثليث: «و انه نمط و ليس فيه دلالة على المطلوب بوجه، فان المراد بالدرع القميص، و المنطق بكسر الميم ما يشد به الوسط، و لعل المراد به هنا ما يشد به الثديان- إلى أن قال-: و ليس فيها ذكر للنمط، بل و لا دلالة على استحباب زيادة المرأة لفافة عن كفن الرجل كما بيناه فيما سبق من مفاد الأخبار اعتبار الدرع و اللفافتين أو الثلاث لفائف في مطلق الكفن» انتهى.

و فيه من البعد في إرادة المنطق بما ذكر ما لا يخفى، لعدم مناسبة المعنى اللغوي، إذ الناطقة الخاصرة لغة، فالمنطق و المنطقة و النطاق ما يشد عليها، و في القاموس «المنطق شقة تلبسها المرأة، و تشد وسطها فيرسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض، و الأسفل ينجر على الأرض، ليس لها حجرة و لا ساقان» انتهى. بل لعل إرادة المئزر منه حينئذ أقرب كما في الذكرى و عن الحبل المتين، فحينئذ لا يتوجه ما ذكر، فتأمل. و من جميع ما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جماعة من متأخري المتأخرين، تركنا التعرض له خوف الإطالة، فلاحظ.

و أما النمط فعن الصحاح أنه ضرب من البسط، و عن شمس العلوم فراش منقوش بالعهن، و عن العين و المحيط طهارة الفراش، و عن النهاية الأثيرية ضرب من البسط له خمل رقيق، و عن فقه اللغة للثعالبي و السامي أنه الستر، و عن الأساس و المغرب أنه ثوب من صوف، و عن موضع من المعرب المهمل ثوب من صوف يطرح على الهودج،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 9.

ج 4، ص: 216

و عن موضع آخر منه قيل و هو بالفارسية نهالي، و عن المصباح المنير ثوب من صوف ذو لون من الألوان، و لا يكاد يقال للأبيض نمط، و عن تهذيب الأزهري النمط عند العرب و الزوج ضرب من الثياب المصبوغة، و لا يكادون يقولون النمط و الزوج إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة، فأما البياض فلا يقال له نمط، و في القاموس النمط طهارة فراش ما، أو ضرب من البسط و الطريقة و النوع من الشي ء و ثوب صوف يطرح على الهودج.

قلت: لا يخفى بعد بعض ما في هذه الكتب عن كونه لفافة، و لعله يوافق حينئذ ما عساه يظهر من بعض الأصحاب من عدم كونه لفافة، لعطفه عليها تزاد لفافة و نمطا، لكن المعروف في تفسيره عند الأصحاب على ما نص عليه في المعتبر و عن التذكرة و المنتهى و السرائر و غيرها أنه ثوب فيه خطط، بل في جامع المقاصد بعد أن حكى عن جماعة من الأصحاب ذلك «الظاهر أنه لا خلاف في أن النمط ثوب كبير شامل للبدن كاللفافة و الحبرة» انتهى. و قد سمعت سابقا ما حكيناه عنه في حاشية الكتاب، فتأمل جيدا.

[في استحباب وضع القناع للمرأة بدلا عن العمامة]

و كذا يستحب أن يوضع لها بدلا عن العمامة قناع أي خمار بلا خلاف أجده بين المتأخرين، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و يدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة محمد بن مسلم (1)و خبر عبد الرحمن (2)المتقدمان، و عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام «ان الخنثى المشكل يكتفى فيها بالقناع، لأن الخنثى المشكل حكمه في الدنيا الاستتار بالقناع و عدم العمامة، و جسده عورة، و في الإحرام حكمه حكم المرأة» انتهى. و للنظر فيه مجال، و لعل الاحتياط في تحصيل المستحب يقضي بالعمامة و القناع، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 18.

ج 4، ص: 217

[في استحباب كون الكفن قطنا]

و يستحب ان يكون الكفن قطنا أبيضا و هو مذهب العلماء على ما في المعتبر، و بزيادة «كافة» في التذكرة، كما عن النهاية الإجماع عليه، و في الخلاف نفي الخلاف عن استحباب البياض من الألوان، و يدل على المطلوب- مضافا إلى ما سمعت و إلى التأسي لما نقل في المعتبر و التذكرة أن النبي (صلى الله عليه و آله) كفن بالقطن الأبيض-

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة(1): «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لأمة محمد (صلى الله عليه و آله)»

و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر مثنى الحناط(2)و

خبر أبي القداح(3): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

البسوا البياض، فإنه أطيب و أطهر، و كفنوا فيه موتاكم»

و

الباقر (عليه السلام) في خبر جابر(4): «قال النبي (صلى الله عليه و آله): ليس من لباسكم شي ء أحسن من البياض، فالبسوه و كفنوا فيه موتاكم»

و لقصورها عن إفادة الوجوب في الأمرين معا لأمور عديدة تعين حملها على الاستحباب، فما عساه يظهر من الخلاف من وجوب كونه قطنا ضعيف أو محمول على إرادة الاستحباب.

ثم ان قضية ما سمعت من معقد الإجماع تقييد استحباب القطن بالبياض و بالعكس، و ربما يقال بمنافاته لما سمعته من الأدلة من حيث الأمر بالقطن مستقلا كالأمر بالبياض، و بينهما عموم من وجه، فمن كفن بقطن غير أبيض أو بالعكس جاء بالمستحب من جهة و تركه من أخرى، فإذا أرادهما معا جاء بهما معا، لكن قد يدفع ذلك بأن المتجه في مثله بعد حصول شرط حمل المطلق على المقيد تقييد كل منهما بالآخر، فيحصل المطلوب من أن المستحب القطن الأبيض سيما بعد ما عرفت من معقد الإجماع، و حمله على إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التكفين- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التكفين- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب التكفين- حديث 2.

ج 4، ص: 218

استحباب كل منهما من دون تقييد، كما عساه يظهر من بعضهم خلاف الظاهر، فتأمل جيدا. كما أن قضية أخبار الباب و كلام الأصحاب عدم استحباب ما خالفهما لا كراهته، نعم قد يقال ذلك في خصوص الكتان لما تعرفه إن شاء الله عند ذكر المصنف له، و في خصوص السواد للإجماع في المعتبر و التذكرة و عن نهاية الأحكام عليه، و في المنتهى لا نعرف فيه خلافا، و للنهي عن التكفين به في خبر الحسين بن المختار عن الصادق (عليه السلام)(1)فما عن المشهور من كراهة غير الأبيض مطلقا مع انا لم نتحققه لا دليل عليه، كما أنه لا دليل على ما في الذكرى من كراهة مطلق الصبغ، اللهم إلا أن يراد بالسواد في الخبر المتقدم المصبوغ أو غير الأبيض، و هو ممنوع، و أضعف من ذلك ما عن البراج من المنع من التكفين بالمصبوغ، و كأنه حمل الأمر بالبياض على حقيقته من الوجوب، و فيه ما عرفت، مع أن قضية ذلك إيجابه خصوص الأبيض لا تحريمه المصبوغ فقط.

ثم انه ينبغي استثناء الحبرة من استحباب البياض كما نص عليه بعضهم، لما قد عرفت سابقا من دلالة الأخبار(2)المستفيضة على رجحان كونها حمراء، بل ربما يظهر من

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار بن يونس(3): «الكفن برد، فان لم يكن بردا فاجعله كله قطنا، فان لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا»

مغايرة البرد للقطن، و أفضليته عليه، و لعله الممتزج بالإبريسم، و ربما يؤيده

قول الكاظم (عليه السلام)(4):

«و كفنت أبي في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار»

لاستبعاد بلوغ قيمته هذا المبلغ و هو قطن محض، فبناء على كون الحبرة بهذه الصفة ينبغي


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 3 و الباب 13 حديث 2 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4 و هو خبر عمار بن موسى.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التكفين- حديث 5.

ج 4، ص: 219

استثناؤها حينئذ من استحباب القطن أيضا، كما أنه ينبغي استثناء النمط منهما أيضا بناء على بعض ما تقدم في تفسيره، و يستفاد من خبر عمار المتقدم شمول استحباب كون الكفن قطنا للعمامة، و بالأولى الخرقة، فما عساه يستشكل في ذلك بناء على كونها ليست من الكفن فلا تشملها الأدلة ضعيف، نعم قد يستشكل في اعتبار البياض فيها لذلك، مع أن الأقوى خلافه من حيث ظهور أدلته في شمولها، كاللبس في حال الحياة، فتأمل.

[في استحباب نتر الذريرة على الحبرة و اللفافة و القميص]

و يستحب أن تنثر على الحبرة و اللفافة و القميص ذريرة بل على سائر الكفن، لما في المعتبر و التذكرة من الإجماع على استحباب تطييبه بها، بل عن الأخير الإجماع أيضا على استحباب تطييب الميت بها أيضا، و في

خبر عمار(1)«و ألق على وجهه ذريرة»

و ل

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق (2): «إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة و كافور»

و في

موثق عمار(3)«ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا، ثم تذر عليها من الذريرة- إلى أن قال-: و يجعل على كفنه ذريرة»

بل الظاهر استحباب وضعها على القطن الذي يوضع على فرج الميت كما نسبه في كشف اللثام إلى الأصحاب، بل ظاهر المنتهى نفي الخلاف عنه، لما في

خبر عمار(4)«فتجعل على مقعدته شيئا من القطن و ذريرة»

و ربما يحتمله

مرسل يونس عنهم (عليهم السلام)(5)«و اعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط فضعه على فرجه قبل و دبر».

و مما سمعت يظهر لك ما في المنتهى من عدم استحبابها على اللفافة الظاهرة، و كذا ما عساه يشعر به الاقتصار على أولي ما في العبارة عن المقنعة و المبسوط و النهاية و الوسيلة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب التكفين- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 220

و التحرير و البيان من عدم استحباب غيرهما كالذي عساه يشعر به الاقتصار في العبارة و القواعد على الثلاثة من عدم استحباب ما عداها، فتأمل.

و المراد بالذريرة الطيب المسحوق على ما في المعتبر و التذكرة، بل يظهر من الأول أنه المعروف بين العلماء حيث نسب ما قاله بعض الأصحاب من أنه نبات يعرف بالقمحان إلى خلاف المعروف بين العلماء، و يرجع اليه ما عن الصنعاني أنها فعيلة بمعنى مفعولة، و هي ما يذر على الشي ء، و اختاره من متأخري المتأخرين المحقق الثاني و الشهيد الثاني معللا له في الأول بأن اللفظ انما يحمل على المتعارف الشائع الكثير، إذ يبعد استحباب ما لا يعرف أو لا يعرفه إلا أفراد من الناس، و كأنهم لاحظوا فيه المعنى الوضعي من أنها فعيلة بمعنى مفعولة، أي ما يذر على الشي ء، و لا يخفى عليك ما فيه من البعد، و عليه ينبغي أن يقيد حينئذ ما تقدم من كراهة تطييب الميت به من المسك و العنبر و نحوهما بما إذا لم يسحقا، و إلا كانا من الذريرة، مع أن ما في بعض الأخبار السابقة(1)من نفض ما على الكفن من المسك بكمه (ع) قائلا أنه ليس من الحنوط يشعر بأنه كان ذريرة بالمعنى الوضعي، و الحاصل أنه لا ينبغي الشك في بعد ما ذكر من إرادة المسحوق من كل طيب لمعروفية العلمية منها، نعم قد يقال: إنها عبارة عما حكاه الصنعاني من أنه باليمن يجعلون أخلاطا من الطيب، يسمونها الذريرة، و ما حكاه في الذكرى من أنها الورد و السنبل و القرنفل و القسط و الأشنة و كلها نبات، و يجعل فيها اللاذن، و يدق جميع ذلك لاجتماع الوصفية و العلمية حينئذ، و ربما يرجع اليه سابقه، كما أنه في عرفنا الآن كذلك نوع خاص من الطيب مسحوق يسمى ذريرة، و لعله هو الذي أراده في المدارك بأنه طيب مخصوص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد و ما والاها، لكن نص في المقنعة و المبسوط و عن النهاية و المصباح و مختصره و الإصباح أنها القمحة، و عن التذكرة أنه قال بضم القاف


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب التكفين- حديث 11.

ج 4، ص: 221

و تشديد الميم المفتوحة و الحاء المهملة أو بفتح القاف و التخفيف كواحدة القمح، و سماها به أيضا الجعفي.

قلت: و عن القاضي و كأنها حينئذ ما حكي عن الراوندي أنه قيل إنها حبوب تشبه حب الحنطة التي تسمى بالقمح تدق تلك الحبوب كالدقيق، لها ريح طيبة، لكن حكى في الروض أنه «وجد بخط الشهيد (رحمه الله) نقلا عن بعض الفضلاء ان قصب الذريرة هي القمحة التي يؤتى بها من ناحية «نهاوند» و أصلها قصب نابت في أجمة بعض الرساتيق، يحيط بها حيات، و الطريق إليها على عدة عقبات، فإذا طال ذلك ترك حتى يجف ثم يقطع عقدا و كعابا، ثم يعبى في الجوالقات، فإذا أخذ على عقبة من تلك العقبات المعروفة عفن و صار ذريرة، و يسمى قمحة، و إن سلك به على غير تلك العقبات بقي قصابا لا يصلح إلا للوقود» انتهى.

قلت: لعل المراد بالقمحة حينئذ في كلام أولئك ذلك، كما أنه ربما يرجع إليه أيضا ما عن الشيخ في التبيان أن الذريرة فتاة قصب الطيب، و هو قصب يؤتى به من الهند يشابه قصب النشاب، بل و كذا ما في السرائر «ان الذي أراه أنها نبات طيب غير الطيب المعهود، يقال لها القمحان، نبات يجعلونه على رأس دن الخمر ليكسبها الريح الطيبة» انتهى. لكنه بعيد، لأن المحكي عن العين أن القمحان يقال ورس، و يقال زعفران، و عن تهذيب الأزهري عن أبي عبيد زبد الخمر، و يقال طيب، و عن المحيط الزعفران و الورس، و قيل ذريرة تعلو الخمر، و عن المقاييس الورس أو الزعفران أو الذريرة كل ذلك يقال، و عن الجمل الورس و يقال للزعفران و الذريرة، اللهم إلا أن يدعى أن ما ذكرناه أقرب، و كيف كان فلعل الاجتزاء بما سمعت من المعروف عندنا الآن لا يخلو من قوة، كما أن القول بأنها صنف شامل لجميع ذلك من فتاة قصب الطيب و من القمحة و من الأجزاء اليمانية و غير ذلك مما تقدم، فليست هي كل طيب مسحوق و لا شخص خاص لا يخلو أيضا من قوة، و به يجمع بين تلك الكلمات المتفرقة،

ج 4، ص: 222

لكون المثبت مقدما على النافي، فلا يسمع من أحد منهم الحصر، فتأمل جيدا.

[في استحباب كون الحبرة فوق اللفافة]

و كذا يستحب أن تكون الحبرة فوق اللفافة الواجبة بلا خلاف أجده فيه بين الأصحاب كما ذكروه في كيفية التكفين، و يدل عليه

رواية يونس (1)«ابسط الحبرة بسطا، ثم ابسط الإزار»

إلى آخرها. بناء على أحد الاحتمالين أو أظهرهما، نعم قوله و القميص باطنها أي باطن اللفافة الواجبة ظاهر في استحبابه أيضا كالأول، و هو محل نظر و تأمل لما عرفت من الوجوب، اللهم إلا أن يريد الهيئة المركبة من الحبرة و اللفافة، كما أنه قد عرفت سابقا ما يشهد للأول من عدم اشتراط استحباب أصل الحبرة بكونها الرابعة، بل يكفي إذا كانت الثالثة الواجبة للأخبار المتقدمة، نعم يستحب فيها أن تكون الرابعة كما مضى الكلام فيه مفصلا، فتأمل.

[في استحباب كتابة اسم الميت و شهادته على الكفن]

و من السنن أيضا أن يكتب على الحبرة و القميص و الإزار و الجريدتين كما في الهداية و المبسوط و المعتبر و القواعد و كذا الإرشاد و عن الفقيه و المراسم و المفيد مع ترك الأخير الإزار كابن زهرة فترك الحبرة، و زيد العمامة في المبسوط و الدروس و عن النهاية و الوسيلة و الإصباح و كذا التحرير مع إسقاط الجريدتين، و في السرائر كما عن المهذب و الاقتصاد إطلاق الأكفان، و عن المصباح و مختصره الأكفان، و لعله يرجع إلى ما في الجامع و يكتب على الجريدتين و الحبرة و الأكفان و العمامة، كالدروس و يكتب على الجريدتين و القميص و الإزار و الحبرة و اللفافة و العمامة، هذا كله بالنسبة إلى المكتوب عليه و إن اختلفت في مقدار المكتوب، و لم أقف في شي ء من الأدلة على هذا التعميم سوى ما في الغنية من الإجماع على ما في المتن، لكن قد عرفت انه ترك الحبرة و إلا فالموجود في

خبر أبي كهمس (2)«ان الصادق (عليه السلام) كتب على حاشية كفن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 223

إسماعيل»

بل في

الخبر المنقول (1)عن الاحتجاج «أنه كتب على إزار ابنه إسماعيل»،

و من هنا قد يتأمل في استحباب غير الثابت من الإجماع و الخبر كالعمامة و نحوها، سيما مع عدم ظهور فائدة في تكرار المكتوب على القطع الزائدة على ما عرفت، للاكتفاء بترتب ما يتصور من الفوائد كالتبرك و نحوها بها، فلا حاجة إلى الزائد، اللهم إلا أن يقال- بعد ثبوت الجواز من الأصل السالم عن المعارض، للقطع بعدم الإهانة بمثل ذلك، بل هو تعظيم عند التأمل، و احتمال ترتب النفع المقصود بالتكرير عليه سيما بعد ذكر بعض الأصحاب استحبابه و ثبوته فيما عرفت من القطع الثابتة-: لا بأس بفعله و لا مانع منه، و ما عساه يقال-: إنه لم يعلم ترتب النفع على الفعل الذي لم يحرز المكلف النفع عليه و إن كان في الواقع هو كذلك، لعدم تأثير المصادفة الاتفاقية- مدفوع في أمثال المقام مما كان ترتب النفع عليه انما هو من الخواص التي لا مدخلية للقصد و النية فيها، و كذا ما يقال من احتمال تلوث ما يجب احترامه من المكتوب بالنجاسة و نحوها، إذ هو مع أنه ينفى بأصالة عدمه يمكن القول به حتى مع العلم بالتلوث، لانتفاء تحقق الإهانة المنافية للتعظيم التي هي منشأ الحرمة في أمثال ذلك، مع قصد التبرك و استدفاع العذاب و جلب الرحمة و الرضوان.

و احتمال القول- ان المدار في الإهانة و هتك الحرمة و نحوهما على الفعل الظاهر فيها عرفا في حد ذاته و لا مدخلية لقصد التبرك و نحوه في رفع ذلك، إذ لا ريب في تحققها بوضع شي ء من المحترمات في الدبر و نحوه و إن قصد الاستشفاء و التبرك، أو القول بان تجنيب هذه المحترمات النجاسة و نحوها غير منحصر في هتك الحرمة و منافاة التعظيم و إن كان ربما كان ذلك حكمة، بل لها أدلة أخر شاملة بظاهرها لما قصد به التبرك و عدمه، فيكون التعارض حينئذ بينها و بين ما دل على التبرك و نحوه بها تعارض


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب التكفين- حديث 3.

ج 4، ص: 224

العموم من وجه- ضعيف بل ممنوع، أما أولا فلتبعية الأفعال للقصود قطعا كما هو المشاهد في العرف، و أما ثانيا فللحكم بالخصوص فيما نحن فيه من أهل العرف أنه لا شي ء فيه من التحقير و الإهانة بل هو تعظيم و زيادة احترام، و لعل ما ذكر من المثال انما هو لعدم التبرك بها على النحو المتعارف فيه من الأكل و نحوه، لكون الانتفاع بها انما هو بالخاصية، فلا حاجة إلى وضعها حينئذ في هذه الأماكن الردية، أو لأن قبح هذه الصورة بخصوصها لا يضمحل بقصد التبرك و الاستشفاء و نحوهما، و أما ثالثا فقد تقدم في محله أنه لا دليل يعتمد عليه في وجوب تجنيب هذه الأمور المحترمة النجاسات و نحوها غير التعظيم و الاحترام و حرمة التحقير و الإهانة، على أنه بعد التسليم يمكن القول بترجيح ما نحن فيه بوجوه غير خفية، فتأمل جيدا فإن المسألة غير خاصة بنحو المقام، بل هي فيه و فيما سيأتي من المكتوب و ما يكتب به و غيرهما، فظهر من ذلك كله أنه لا مانع من فعله حينئذ، بل ربما قيل انه راجح و مستحب عارضا للقطع العقلي برجحانية ما يفعله العبد لاحتمال حصول رضا سيده و طلبه لذلك، و عليه بني التسامح في أدلة السنن، و لنا فيه بحث مذكور في محله، نعم قد يقال بالاستحباب إن قلنا بأن فتوى الفقيه نوع من البلوغ حتى يشمله عموم «من بلغه» أو لعمومات التبرك و استدفاع البلاء بها إن كانت موجودة و إلا كان للتأمل في استحبابه مجال، بل و في جواز ما يقطع بتلوثه مما يجب احترامه منه بما ينافيه، و كذا جواز ما كان فيه إساءة للأدب مما يقبحه العقل كالكتابة على ما يحاذي العورة من المئزر، فتأمل جيدا، هذا كله في المكتوب عليه و إن كان كثير مما تقدم منا يتأتى فيه و في غيره مما يأتي بعده.

و أما المكتوب ف اسمه و زيد في الهداية كما عن سلار اسم أبيه و لم أقف على ما يدل عليه و انه يشهد الشهادتين أي كتبة فلان يشهد ان لا إله إلا الله، و لا بأس

ج 4، ص: 225

بزيادة وحده لا شريك له كما في المبسوط، و عن النهاية و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و اقتصر ابن إدريس كما عن ابن الجنيد عليهما، و الصدوق في الهداية كما عن الفقيه و المراسم و المقنعة و الغرية على الأولى، و لعله للاقتصار على ما جاء من الأخبار بكتابة الصادق (عليه السلام) على حاشية كفن ابنه إسماعيل، و عن كتاب الغيبة للشيخ و الاحتجاج للطبرسي على إزاره إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله، و كان ما عليه الأصحاب من ذكر الشهادة الثانية أولى، إذ هو- مع كونه مشهورا فيما بينهم بل هو معقد بعض إجماعي الخلاف و الغنية الآتيين و كونها خيرا محضا و اشتراكها مع الأولى في كل ما يتصور من جلب النفع و دفع الضرر و غير ذلك- يؤيده ما رواه المجلسي في البحار نقلا عن مصباح الأنوار عن

عبد الله بن محمد بن عقيل (1)قال: «لما حضرت فاطمة صلوات الله و سلامه عليها الوفاة دعت بماء فاغتسلت ثم دعت بطيب فتحنطت به- إلى أن قال-: فقلت هل شهد معك ذلك أحد، قال: نعم شهد كثير بن عباس، و كتب في أطراف كفنها كثير بن عباس تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

سيما مع ضميمة ظهور علم أمير المؤمنين و الحسنين (عليهم السلام) بذلك.

و لعله منه و من غيره مما تقدم يظهر أنه ان ذكر الأئمة (عليهم السلام) مع ذلك و عددهم إلى آخرهم كان حسنا كما عليه الأصحاب، أما بذكر أسمائهم فحسب تبركا أو بإضافة الإقرار بكونهم أئمة على نحو الشهادتين، بل لعله أولى، و في الخلاف و الغنية الإجماع عليه، قال في الأول: «الكتابة بالشهادتين و الإقرار بالنبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و وضع التربة في حال الدفن انفراد محض لا يوافقنا أحد من الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة و عملهم عليه» و قال في الثاني: «و يستحب أن يكتب على الجريدتين و على القميص و الإزار ما يستحب أن يلقنه الميت من الإقرار بالشهادتين


1- 1 ذكر صدرها في المستدرك في الباب- 28- من أبواب الكفن- حديث 5 و ذيلها في الباب- 23- حديث 1.

ج 4، ص: 226

و بالأئمة و بالبعث و العقاب و الثواب- إلى أن قال-: كل ذلك بدليل الإجماع» انتهى.

و كفى بذلك دليلا لمثله مضافا إلى ما سمعته سابقا خصوصا ما تقدم منا في المكتوب عليه، فلا يقدح حينئذ ما ذكره جماعة من متأخري المتأخرين من عدم الوقوف له على نص، و أنه شي ء ذكره الأصحاب.

على أنه قد يستأنس له بما حكاه في البحار نقلا عن فلاح السائل إلى أن قال: «و كان جدي ورام بن أبي فارس قدس الله جل جلاله روحه و هو ممن يقتدى بفعله قد أوصى أن يجعل في فمه بعد وفاته فص عقيق، عليه أسماء أئمته (ع)، فنقشت أنا فصا عقيقا عليه الله ربي و محمد نبيي و علي و سميت الأئمة (عليهم السلام) أئمتي و وسيلتي، و أوصيت أن يجعل في فمي بعد الموت ليكون جواب الملكين عند المسائلة في القبر سهلا إن شاء الله» و رأيت في كتاب ربيع الأنوار للزمخشري في باب اللباس و الحلي عن بعض أنه كتب على فص شهادة أن لا إله إلا الله و أوصى أن يجعل في فمه عند موته إلى آخره. و بما حكاه الأستاذ الأعظم عن كشف الغمة «أن بعض الأمراء السامانية كتب الحديث الذي رواه الرضا (عليه السلام)(1)لأهل نيشابور بسنده عن آبائه (عليهم السلام) إلى الرب تعالى بالذهب، و أمر بأن يدفن معه، فلما مات رئي في المنام فقال: غفر الله لي بتلفظي بلا إله إلا الله، و تصديقى بمحمد (صلى الله عليه و آله) و اني كتبت هذا الحديث تعظيما و احتراما» انتهى.(2)و بما نقله غير واحد عن غيبة الشيخ عن أبي الحسن القمي أنه «دخل على أبي جعفر


1- 1 البحار- ج 12 من طبعة الكمباني باب ورود الرضا عليه السلام نيشابور.
2- 2 قلت: و لعله لذا سمى بسلسلة الذهب، و انى كثيرا ما اكتبه في كأس و أمحوه بماء و أضع عليه شيئا من تربة الحسين عليه السلام فأرى تأثيره سريعا و الحمد لله، ولي فيه رؤيا عن أمير المؤمنين عليه السلام تصدق ذلك، لكنها مشروطة بالصدقة بخمسة قروش، و نسأل الله التوفيق منه رحمه الله.

ج 4، ص: 227

محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) و هو من النواب الأربعة و صفراء الصاحب (عليه السلام) فوجده و بين يديه ساجة و نقاش ينقش عليها آيات من القرآن و أسماء الأئمة (عليهم السلام) على حواشيها، فقلت: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال: لقبري تكون فيه و أوضع عليها، أو قال: أسند إليها و فرغت منه و أنا كل يوم أنزل إليه و أقرأ فيه أجزاء من القرآن» قلت: و منه يستفاد ما هو مشهور في زماننا حتى صار ذلك فيه من الأمور التي لا يعتريها شوب الاشكال، و عليه أعاظم علماء العصر من استحباب كتابة القرآن على الكفن.

و يؤيده مضافا إلى ما سمعته سابقا، و ما يظهر من فحاوي الأدلة من مشروعية الاستعاذة و التبرك و طلاب الرحمة و المغفرة بما هو مظنتها، و ليس شي ء أعظم من القرآن سيما بعد شهرة ورود الأمر بأخذ ما شئت منه لما شئت- ما رواه في

الوسائل عن عيون الأخبار و كتاب إكمال الدين عن الحسن بن عبد الله الصيرفي (1)عن أبيه في حديث «أن موسى بن جعفر (عليهما السلام) كفن بكفن فيه حبرة استعملت له تبلغ ألفين و خمسمائة دينار، كان عليها القرآن كله»

انتهى. قلت: و ظاهره أن الحبرة استعملت للكاظم (عليه السلام) لكن الذي رأيته في البحار نقلا عن العيون مسندا إلى

الحسن بن عبد الله عن أبيه (2)قال: «توفي موسى بن جعفر (عليهما السلام) في يدي سندي بن شاهك، فحمل على نعش و نودي عليه هذا إمام الرافضة، فسمع سليمان بن أبي جعفر الصياح و نزل عن قصره و حضر جنازته و غسله و حنطه بحنوط فأخر، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمسمائة دينار عليها القرآن كله»

الخبر. و هو ظاهر في كون الحبرة مستعملة لسليمان، و من هنا قال في البحار: «الاستدلال بهذا الخبر على استحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 البحار- ج 11 من طبعة الكمباني باب أحوال الكاظم عليه السلام في الحبس الى شهادته.

ج 4، ص: 228

كتابة القرآن بعيد، إذ ليس من فعل المعصوم و لا تقرير منه فيه، إلا أن يقال ورد في حضور الرضا (عليه السلام)، فيتضمن تقريره و لا يخفى ما فيه» انتهى.

قلت: لكنها في غنية عن إقامة الدليل بالخصوص عليه بعد ثبوت الجواز بأصالته و عدم حصول التحقير و الإهانة له بذلك بعد كتابته بقصد التبرك و استدفاع الشر و استجلاب الخير مع احتمال أو ظن ترتب ذلك جميعه عليه، و لا استبعاد فيه من حيث عدم ورود نص بالخصوص به مع ما نراه من زيادة اهتمام أئمتنا (عليهم السلام) بذكر ما له أدنى نفع في أمثال هذا المقام، و ذلك إما لاكتفائهم (عليهم السلام) بهذه التلويحات اعتمادا على حسن أنظار علماء شيعتهم، أو لأنه لم يصل إلينا من أخبارهم إلا القليل، أو لغير ذلك.

فما عساه يظهر من الشهيد في الذكرى من التوقف في نحوه لا يخلو من نظر، و كذا المحقق الثاني في جامع المقاصد، بل قد يظهر من الثاني الميل إلى منعه، حيث قال بعد ذكر الشهادتين و أسماء الأئمة (عليهم السلام): «و لم يذكر الأصحاب استحباب كتبة شي ء غير ما ذكروا، و لم ينقل شي ء يعتد به يدل على الزيادة، و إعراض الأصحاب عن التعرض للزيادة يشعر بعدم تجويزه، مع أن هذا الباب لا مجال للرأي فيه، فيمكن المنع» انتهى. و فيه ما عرفت، بل لعل تعدي الأصحاب من مضمون خبر أبي كهمس إلى ما ذكروه مع اعترافهم بعدم ورود شي ء فيه مشعر بجواز مثل ذلك من أنواع الخير في دفع مثل هذا الضرر و جلب مثل هذا النفع العظيم، لكن الإنصاف يقضي بأنه ينبغي أن يتجنب في مثل ذلك مظان وصول النجاسة و نحوها اليه، و لعل كتابته في شي ء يستصحب مع الميت بحيث لا يصل شي ء من قذاراته إليه أولى، و لعلي أوصي بفعل ذلك لي في قبر إن شاء الله، و من الله أسأل التوفيق.

هذا كله مع أنه نقل في البحار و غيره

عن جنة الأمان للكفعمي (1)عن السجاد


1- 1 المستدرك- الباب- 28- من أبواب الكفن- حديث 1.

ج 4، ص: 229

زين العابدين عن أبيه عن جده (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال:

«نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه و آله) في بعض غزواته و عليه جوشن ثقيل، آلمه ثقله، فقال: يا محمد (صلى الله عليه و آله) ربك يقرؤك السلام و يقول لك اخلع هذا الجوشن و اقرأ هذا الدعاء، فهو أمان لك و لأمتك- و ساق إلى أن قال-: و من كتبه على كفنه أستحيي الله أن يعذبه بالنار- و ساق الحديث إلى أن قال-: قال الحسين (عليه السلام): أوصاني أبي (عليه السلام) بحفظ هذا الدعاء و تعظيمه، و أن أكتبه على كفنه، و أن أعلمه أهلي و أحثهم، ثم ذكر الجوشن الكبير».

قال في البحار: «رواه في البلد الأمين أيضا بهذا السند، و زاد فيه «و من كتبه في جام بكافور أو مسك ثم غسله و رشه على كفن أنزل الله تعالى في قبره ألف نور، و آمنه من هول منكر و نكير، و رفع عنه عذاب القبر، و يدخل كل يوم سبعون ألف ملك إلى قبره يبشرونه بالجنة، و يوسع عليه قبره مد بصره» ثم قال-: و من الغرائب أن السيد ابن طاوس قدس الله روحه بعد ما أورد الجوشن الصغير المفتتح بقوله: إلهي كم من عدو انتضى على سيف عداوته في كتاب مهج الدعوات قال: خير دعاء الجوشن و فضله و ما لقارئه و حامله من الثواب بحذف الاسناد عن مولانا و سيدنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عن أبيه الحسين بن علي أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين و ذكر نحوا مما رواه الكفعمي في فضل الجوشن الكبير و ساق الحديث إلى أن قال: قال جبرئيل (عليه السلام): يا نبي الله لو كتب انسان هذا الدعاء في جام بكافور و مسك و غسله و رش ذلك على كفن ميت أنزل الله تعالى على قبره مائة ألف نور، و يدفع الله عنه هول منكر و نكير، و يأمن من عذاب القبر، و يبعث الله إليه في قبره سبعين ألف ملك مع كل ملك طبق من النور ينثرونه عليه و يحملونه إلى الجنة، و يقولون له إن الله تبارك و تعالى أمرنا بهذا و نؤنسك إلى يوم القيامة، و يوسع الله عليه في قبره

ج 4، ص: 230

مد بصره، و يفتح له بابا إلى الجنة، و يوسدونه مثل العروس في حجلتها من حرمة هذا الدعاء و عظمته، و يقول الله تعالى انني أستحيي من عبد يكون هذا الدعاء على كفنه، و ساقه إلى قوله قال الحسين بن علي (عليهما السلام): أوصاني أبي أمير المؤمنين (عليه السلام) وصية عظيمة بهذا الدعاء، و قال يا بني اكتب هذا الدعاء على كفني، و قال الحسين (عليه السلام) فعلت كما أمرني أبي

- ثم قال بعد ذلك-: أقول: ظهر لي من بعض القرائن أن هذا ليس من السيد قدس روحه، و ليس هذا إلا شرح الجوشن الكبير، و كان كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جده السعيد تقي الدين الحسن بن داود لمناسبة لفظه و اشتراكهما في هذا اللقب في حاشية، فأدخله النساخ في المتن» انتهى.

ثم روى في

البحار أيضا عن البلد الأمين عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)قال:

«من جعل هذا الدعاء في كفنه شهد له عند الله أنه وفى بعهده، و يكفي منكرا و نكيرا، و تحفة الملائكة عن يمينه و شماله و يبشرونه بالولدان و الحور، و يجعل في أعلى عليين، و يبنى له بيت في الجنة»

إلى آخر ما سيأتي، و هو هذا الدعاء «بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنك حميد مجيد ودود شكور كريم وفي ملي» إلى آخر ما سيأتي في كتاب الدعاء، انتهى.

قلت و من ذلك كله يظهر لك قوة ما تقدم لنا سابقا من جواز كتابة القرآن و نحوه من الأدعية و الأذكار مما يرجى به دفع الضرر و جلب النفع، و انه لا وجه لاستبعاد ذلك من حيث هتك الحرمة و نحوها سيما إذا لم يفعل ذلك و نحوه مما لم يقم عليه دليل معتبر بعنوان الاستحباب الخصوصي، بل لرجاء ترتب النفع عليه، فلا يتصور فيه تشريع حينئذ.


1- 1 المستدرك- الباب- 28- من أبواب الكفن- حديث 2.

ج 4، ص: 231

[في استحباب أن يكون الكتابة بتربة الحسين (ع)]

و مما ذكرنا يظهر لك وجه ما ذكره غير واحد من الأصحاب بل نسب إليهم في جامع المقاصد و كشف اللثام من استحباب أن يكون ذلك أي الكتابة بتربة الحسين (عليه السلام) جمعا بين الوظيفتين الكتابة و التربة، و رجاء لترتب المقصود، و في المحكي عن

الاحتجاج و غيبة الشيخ فيما كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (1)إلى القائم (عليه السلام) «سأل عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) يوضع مع الميت في قبره، و يخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى»

و

سأل روي لنا عن الصادق (عليه السلام)(2)«أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله، و هل يجوز أن يكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره؟ فأجاب (عليه السلام) يجوز ذلك»

و لا صراحة فيه باستحباب طين القبر مقدما على طين غيره، بل ظاهره موافقة المحكي في الذكرى عن المفيد في الرسالة من التخيير بين التربة و غيرها من الطين، و ما عن ابن الجنيد من إطلاقه الطين و الماء، و لعله قضية عدم تعيين ما يكتب به من ابن بابويه.

بل و كذا لا دلالة فيه على ما ذكره المصنف و غيره، بل نسبه في المختلف و كشف اللثام إلى المشهور من أنه إن لم توجد أي التربة فبالإصبع و لعله لذا حكي عن الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم التخيير بين الكتابة بما سبق و بينه، بل في المقنعة الأمر بالكتابة بالإصبع، ثم قال: و لو كتب بالتربة الحسينية ففيه فضل كثير،

و في الذكرى و جامع المقاصد و الروض و كشف اللثام حاكيا له في الأخير عن أبي علي و غرية المفيد الأمر بالتربة الحسينية أولا، فان لم توجد فبالطين و الماء، و مع عدمه فبالإصبع، بل في الأخير أنه لو قيل بالكتابة المؤثرة قبل ذلك و لو بالماء كان حسنا.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب التكفين- حديث 3.

ج 4، ص: 232

قلت: و لعل الوجه فيما ذكروه ان الظاهر من الكتابة المؤثرة، لأنها حقيقة في ذلك، و من هنا حكي عن المفيد في الرسالة، و نص عليه في السرائر و المنتهى و المختلف و غيرها أنه تبل التربة بالماء و يكتب، و لعله عليه يحمل المحكي من إطلاق الأكثر الكتابة، بل لو لا ما يشعر ما في جامع المقاصد و الروض من نسبة الكتابة بالإصبع إلى الأصحاب بالإجماع عليه لأمكن منعه، فلا ريب حينئذ في تقديم تلك الكتابة عليه حينئذ حتى ما سمعته من كشف اللثام من تقديمها و لو بالماء، كما أنه لا ريب في رجحان التربة الحسينية على غيرها، اللهم إلا أن يقال: إن ما كان غير مؤثر أولى في المقام من المؤثر جمعا بين التبرك و المحافظة على المكتوب من التلويث سيما المؤثر تأثيرا مميزا كالمكتوب في القرطاس كما هو المتعارف في زماننا هذا، و هو لا يخلو من قرب عند التأمل في مثل كتابة القرآن و نحوه سيما الكتابة على مظان التلويث.

و من ذلك كله ظهر لك أن المراد بالكتابة بالإصبع من غير تأثير كما نص عليه في كشف اللثام و غيره، و لم أعرف نصا بالخصوص لما هو متعارف الآن في عصرنا من كتابة الجريدتين بسكين و نحوها، بل ربما يشكل الاجتزاء به من حيث ظهور كلام الأصحاب في الحصر بتلك المراتب الثلاثة، اللهم إلا أن يقال: الظاهر مرادهم بذلك استحبابا في استحباب، و إلا فالمدار على تحقق الكتابة بأي وجه يكون، نعم يكره بالسواد أو مطلق الصبغ على ما سيأتي، و منه يعرف حينئذ القطع بالاجتزاء بكتابة الإصبع ابتداء أي مع التمكن من غيره.

ثم انه قد عرفت سابقا استحباب الحبرة، فإن فقدت الحبرة استحب أن يجعل بدلها لفافة أخرى كما نص عليه كثير من الأصحاب قدمائهم و متأخريهم، بل ربما ظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه، و لعل ذلك كاف فيه، و إلا فلم أعثر

ج 4، ص: 233

على ما يدل عليه في شي ء من الأدلة، نعم ربما يستفاد من

خبر زرارة(1)«فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة»

إلى آخره. و غيره من المطلقات استحباب مطلق اللفافة من غير اشتراط لذلك بفقد الحبرة كما ذكرناه عند البحث عليها، و هو ظاهر السرائر، و لعل الأصحاب لم يريدوا التقييد، بل المراد أنه مع وجود الحبرة لا ينبغي أن يعدل إلى غيرها لما فيه من الجمع بين المندوبين اللفافة و كونها حبرة، و قد تقدم سابقا ما له نفع تام في المقام، فلاحظ و تأمل.

[في استحباب خياطة الكفن بخيوط منه]

و من السنن أيضا أن يخاط الكفن بخيوط منه بلا خلاف أجده بين الأصحاب بل نسبه في الذكرى و جامع المقاصد إلى الشيخ و إليهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه، و لعله الحجة مع ما فيه من التجنب عما لم يبلغ مبلغه في حله و طهره، و إلا فلم نقف على ما يدل عليه في شي ء من الأدلة. و نحوه قوله بعده لا تبل بالريق و إن كان لا خلاف في كراهته أيضا عندهم، و حكاه في المعتبر عن الشيخ في المبسوط و النهاية، ثم قال:

«و رأيت الأصحاب يجتنبونه و لا بأس بمتابعتهم، لازالة الاحتمال و وقوفا على الأولى و هو موضع الوفاق» انتهى. و هو جيد مع أنه أيضا قد يندرج في فضلات ما لا يؤكل لحمه، و الظاهر أنه لا بأس ببلها بغيره للأصل كما صرح به غير واحد، بل لعله يشعر به الاقتصار على الريق فيها في كلامهم.

[في استحباب جعل الجريدتين مع الميت من سعف النخل]

و من السنن أن يجعل معه جريدتان من سعف النخل إجماعا من الفرقة المحققة محصلا و منقولا مستفيضا بل متواترا كالنصوص [2929](2)خلافا لغيرهم من أهل الباطل، و الحمد لله على عدم توفيقهم لذلك سيما بعد ما ورد أنها تنفع المؤمن و الكافر و المحسن و المسي ء، و انها يتجافى عن الميت العذاب و الحساب بسببها ما دامت رطبة،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 234

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)بعد أن سأله عن علة وضع الجريدة مع الميت: «يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا، انما العذاب و الحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر و يرجع القوم، و انما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله»

و منها يظهر المناقشة فيما ذكره جماعة من متأخري المتأخرين من استحباب وضع القطن على الجريدتين ناسبين له إلى الأصحاب، و عللوه بالمحافظة على بقاء الرطوبة، اللهم إلا أن يقال باستحبابه تعبدا لا لما ذكروه من العلة، و هو حسن إن ثبتت النسبة إلى الأصحاب، كما أنه يستفاد منه أيضا كصريح غيره من الأخبار و معقد إجماعي الانتصار و الخلاف و غيرهما اعتبار كونهما رطبتين أي خضراوين مضافا إلى

قول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في خبر محمد بن علي بن عيسى (2)بعد أن سأله عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده، هل يجوز للميت أن توضع معه في حفرته؟: «لا يجوز اليابس»

بل عن العين و المحيط و تهذيب اللغة اعتبار الرطوبة في مفهوم الجريدة، و لعله لمعلوميته أو لذا تركه المصنف و إن كان الأول بعيدا منافيا للإطلاق العرفي، نعم قد يقال: إن خرط الخوص معتبر في مفهوم الجريدة و إلا سميت بالسعفة كما نص عليه في الروض، مع أن الذي سمعته في الصحيح المتقدم ظاهر في الاجتزاء بالسعفة أيضا، و إن كان الأحوط إن لم يكن أقوى الاقتصار على المخروطة.

ثم ان ظاهر الصحيح المتقدم كغيره من الأخبار(3)عدم مشروعية الجريدة لمن يؤمن عليه من عذاب القبر، فلا تشرع للصبي و المجنون و غيرهما، لكن نص بعض المتأخرين على استحباب ذلك لكل ميت صبي و غيره ناسبا له إلى إطلاق الأخبار(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب التكفين- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 235

و الأصحاب، بل في الذكرى قال الأصحاب: «و يوضع مع جميع أموات المسلمين حتى الصغار لإطلاق الأمر» انتهى. و ربما يؤيده

ما رواه (1)في المقنعة و غيرها من «أن الأصل في مشروعية الجريدة وصية آدم (عليه السلام) ولده بفعل ذلك له، ثم فعلته الأنبياء (عليهم السلام) بعده، ثم اندرس في الجاهلية، فأحياه النبي (صلى الله عليه و آله)، (»

قال في المقنعة: «و وصى (ص) أهل بيته (عليهم السلام) باستعماله و صار سنة إلى أن تقوم الساعة» انتهى. إذ لا ريب في تنزيه الأنبياء عن عذاب القبر، فربما يحمل حينئذ ما سمعت على إرادة بيان الحكمة، و هو حسن، فتأمل.

ثم ان الأحوط في تحصيل هذا المستحب و ترتب هذه الثمرات العظيمة وضع جريدتين، و من العجيب ما يحكى عن العماني من أن المستحب جريدة واحدة، فإنه كاد يكون مخالفا للمتواتر من الأخبار فضلا عن الإجماع بقسميه، بل قد يستشكل في مشروعية واحدة فقط من حيث ظهور التثنية في كلام الأصحاب و كثير من الأخبار سيما ما ورد(2)من شق النبي (عليه السلام) الجريدة، إذ كأنه محافظة على التعدد في مدخلية هيئة الاثنينية في ذلك، و ما عساه يقال-: إنه لا ظهور في التثنية في ذلك، بل هي دالة على كل من الفردين على نحو دلالة العام على أفراده لا مدخلية لأحدهما في ثبوت الحكم للآخر، فيمكن القول حينئذ باستحباب الواحدة حتى لو قلنا إن التعدد من حيث كونه تعددا له وظيفة خاصة غير ما على الفردين- يدفعه بعد التسليم ظهورها في خصوص المقام فيما ذكرنا كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه في التأمل في الأخبار.

نعم ربما يظهر من

قول الصادق (عليه السلام) في الحسن كالصحيح(3): «ان


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التكفين- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 5.

ج 4، ص: 236

رجلا من الأنصار مات فشهده رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: خضروه ما أقل المخضرين يوم القيامة، فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): و أي شي ء التخضير؟ قال:

تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع، و أشار بيده إلى عند ترقوته تلف مع ثيابه»

الاجتزاء بالواحدة، و من هنا قال في الوسائل: «إن هذا محمول على جواز الاقتصار على الواحدة، و يأتي مثله كثيرا» انتهى. لكنه حكي عن الصدوق أنه قال بعد ذكره الحديث: «جاء هذا الخبر هكذا، و الذي يجب استعماله أن يجعل للميت جريدتان من النخل خضراوتان» قلت: و هو كالصريح فيما ذكرنا، و ظني أن المراد بالخبر انما هو أصل بيان التخضير من غير نظر إلى الاتحاد أو التعدد، كما أن الظاهر من كثير من تلك الأخبار التي أشار إليها في الوسائل منها

الحسن كالصحيح (1)«قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي شي ء توضع مع الميت الجريدة؟»

و

الموثق عنه (ع) أيضا(2)«يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة»

و غيرها(3)إرادة الجنس لا الواحدة، فلا منافاة، و به تشعر بعض الأخبار أيضا(4)حيث نص فيها على الجريدتين، ثم يقول بعد ذلك:

و أما الجريدة إما اعتمادا على ما سبق له أو على معروفية الأمر بين الشيعة حتى امتازوا به عن مخالفيهم، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر إطلاق المصنف كإطلاق كثير من الأخبار الاجتزاء بالجريدة سواء كانت ذراعا أو عظمه أو شبرا أو أربع أصابع، و به صرح في الذكرى، و تبعه بعض متأخري المتأخرين معللا له بثبوت أصل المشروعية مع عدم قاطع على قدر معين، قلت: لكن المشهور كما في الذكرى و جامع المقاصد و غيرهما تقدير كل واحدة منهما بعظم الذراع، إلا أنه اعترف بعضهم بعدم الوقوف له على مستند، و ربما يحتج له بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 237

احتمال كفاية الشهرة في مثله سيما مع وجوده في رسالة علي بن بابويه و نهاية الشيخ كما نقل عنهما بأنه معقد إجماع الانتصار و عن الغنية، و إن كان ما حضرني من نسختها يصعب اندراجه في معقد إجماعه، و بما في الفقه الرضوي (1)من نسبته إلى الرواية و ب

قول الصادق (عليه السلام) في المرسل عن يحيى بن عبادة(2): «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع»

الحديث. و ب

خبر إبراهيم عن رجاله عن يونس عنهم (عليهم السلام)(3)«و تجعل له يعني الميت قطعتين من جريد النخل رطبا قدر ذراع»

الحديث. بناء على أن المراد بالذراع فيهما عظمه إن قلنا أنه المعنى الحقيقي له كما في كشف اللثام، و إلا كان ما ذكرناه سابقا قرينة على إرادته و لو مجازا، سيما مع قربه لما في

الحسن كالصحيح عن جميل بن دراج (4)قال: «قال: إن الجريدة قدر شبر توضع»

إلى آخره. إذ عظم الذراع شبر تقريبا كما يعرف بالاختبار.

و يؤيده أيضا عدم التقدير بالذراع من أحد من الأصحاب فيما أعلم، نعم قال الصدوق: «طول كل واحدة قدر عظم الذراع، و إن كانت قدر ذراع فلا بأس أو شبر فلا بأس» مع ظهوره في استحباب الأول و ان الآخرين رخصة، و لعلنا نوافقه عليه إذ لا نريد بالتقدير المذكور شرطية مشروعية استحباب الجريدة به بحيث ينتفي الاستحباب بالزيادة و النقصان، لما فيه من تقييد المطلقات الكثيرة من النصوص و معقد الإجماعات بما لا ينهض لذلك، سيما مع عدم صراحة كلمات المشهور بذلك، و ما في أصل تحكيم المقيد على المطلق في المستحبات فضلا عن خصوص المقام، بل ربما ادعي استفادة استحباب المطلق مما ورد مقيدا و إن لم يرد مطلق، فالأولى إرادة كونه المستحب في المستحب، و لعله على


1- 1 المستدرك- الباب- 8- من أبواب الكفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 2.

ج 4، ص: 238

ذلك تجتمع كلمات الأصحاب سوى ما ينقل عن العماني من التقدير بأربع أصابع، و هو مع أنه لا دليل عليه عدا ما يقال من إمكان فهمه من

قول الباقر (عليه السلام) في خبر يحيى ابن عبادة(1): «توضع من أصل اليدين إلى الترقوة»

محتمل لإرادته كونه مما يجتزى به من حيث تحقق المطلق فيه، و نص عليه لخفائه في الجملة، و لعل ما ذكرناه مما سمعته أولى من تنزيل ذلك على تفاوت مراتب الاستحباب، فالأول عظم الذراع، ثم الشبر، ثم الأربع أصابع.

و من العجيب ما في الروضة من نسبة ذلك إلى الشهرة حيث قال: «و المشهور ان قدر كل واحدة طول عظم ذراع الميت، ثم قدر شبر، ثم أربع أصابع» انتهى. و التتبع أعدل شاهد، مع أنا لم نعرف غيره ذكر التقييد بالميت، ثم أنه قد يشعر ترك المصنف كغيره من الأصحاب استحباب الشق بعدمه كما نص عليه بعض المتأخرين، بل لعله ينافي ما ذكر من استبقاء الرطوبة، لكن الموجود في

الخبر المروي (2)في المقنعة و غيرها عن آدم (عليه السلام) أنه قال: «فإذا مت فخذوا جريدا و شقوه نصفين و ضعوهما معي»

إلى آخره. و في

المرسل (3)«مر رسول الله (صلى الله عليه و آله) على قبر يعذب صاحبه فدعى بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه و الأخرى عند رجليه»

الحديث.

و كيف كان فان لم يوجد النخل فلا يسقط أصل الاستحباب، بل يعوض من غيره بلا خلاف أجده في ذلك، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، فما عساه يظهر من المصنف (رحمه الله) في النافع و المعتبر من التوقف فيه استضعافا لما تسمعه من


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 239

الأخبار في غير محله، بل يحتمل كلامه وجها آخر، و هو التخيير بين الأشجار حينئذ فلاحظ و تأمل، كما أنه لا ينبغي الإشكال في تقديم الجريدة مع وجودها على غيرها من الأشجار بلا خلاف أجده فيه سوى ما يظهر من الشيخ في الخلاف من التخيير بينه و بين غيره، حيث قال: «يستحب أن يوضع مع الميت جريدتان خضروان من النخل أو غيرها من الأشجار،- ثم قال-: دليلنا إجماع الفرقة» قلت: و لعل دعواه الإجماع يرشد إلى إرادته ثبوت أصل الاستحباب في مقابلة العامة، و إلا كان التتبع لكلمات الأصحاب يشهد بخلافه، إذ لم أعرف له موافقا بالنسبة إلى ذلك و إن حكاه في المختلف عن السرائر، لكن الموجود فيما حضرني من نسختها ظاهر في خلاف ذلك، و كيف كان فلا ريب في ضعفه لمخالفته النصوص و الفتاوى من غير دليل.

نعم هل يخير بين سائر الأشجار إذا لم يوجد النخل كما في السرائر و إشارة السبق و عن ابن البراج، و لعله ل

مكاتبة علي بن بلال المروية(1)في الفقيه في الحسن أبا الحسن الثالث (عليه السلام) «الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شي ء من الشجر غير النخل؟ فإنه روي عن آبائك (عليهم السلام) أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين و انها تنفع المؤمن و الكافر، فأجاب (عليه السلام) يجوز من شجر آخر رطب»

و رواها الكليني عن علي بن بلال أيضا لكن بجهالة المكتوب اليه، قال: «كتب إليه يسأله عن الجريدة إذا لم تجد يجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل، فكتب يجوز إذا أعوزت الجريدة و الجريدة أفضل، و به جاءت الرواية»

أو انه إن لم يوجد النخل فمن السدر و إلا فمن الخلاف كما في المبسوط و الوسيلة و المنتهى و الإرشاد و القواعد و غيرها و عن النهاية و الإصباح، بل في المدارك أنه المشهور، بل ربما يظهر من المحكي من معقد إجماع المفاتيح لما رواه

سهل (2)عن غير واحد من أصحابنا


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التكفين- حديث 3.

ج 4، ص: 240

قالوا: «قلنا له جعلنا فداك إن لم نقدر على الجريدة فقال: عود السدر قيل: فان لم نقدر على عود السدر فقال عود الخلاف»

و في المقنعة و الجامع و عن المراسم عكس ذلك و لم نعرف له شاهدا، و إلا فمن شجر رطب كما في الكتب السابقة و غيرها بل في جامع المقاصد و الروض نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع، و هو كذلك.

نعم قال الشهيد في الدروس و البيان و تبعه جماعة ممن تأخر عنه بتقديم عود الرمان عليه مؤخرا عن سابقيه لما في الكافي أنه

روى علي بن إبراهيم (1)قال: «يجعل بدلها- أي الجريدة- عود الرمان»

و فيه أن الجمع بينها و بين الرواية السابقة يقتضي التخيير بين عود السدر و عود الرمان لا تأخيره عنه و عن الخلاف، اللهم إلا أن يكون قد لاحظ عدم مقاومتها لرواية السدر، فرجحت عليها كما أنها رجحت على مطلق الشجر فقدمت عليه، و كذا لو لا ظهور اتفاق الأصحاب على الانتقال للشجر الرطب عند تعذر الاثنين أو الثلاثة لأمكن المناقشة بأن قضية الإطلاق و التقييد سقوط المستحب عند تعذرهما أو تعذرها لا الانتقال إلى مطلق الشجر الرطب، فكأنهم نظروا إلى إطلاق الترتيب أي ترتيب الانتقال من النخل إلى غيره، فقيدوه بالسدر فالخلاف، و اجتزوا بمطلق الشجر عند تعذرهما دون إطلاق المرتب الذي هو نفس الشجر، و الظاهر الثاني دون الأول، فلاحظ نظائره و تأمل.

ثم ان ظاهر النص و الفتوى تقييد مشروعية الخلاف بتعذر السدر، و الشجر الرطب بالخلاف، لكن ظاهر الذكرى و غيرها أو صريحها ان ذلك أفضل، و إلا فيجزي كل منهما مع التمكن من الآخر، بل يظهر منه في الدروس و البيان ذلك بالنسبة للسدر و النخل فضلا عن غيره، و ربما يشهد له مع إطلاق التخضير في بعض الأخبار ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 241

المكاتبة السابقة على ما في الكافي «و الجريدة أفضل» و بالأولى يستفاد غيره، و هو لا يخلو من تأمل بعد بيان التخضير في الأخبار بالجريدة، و معارضة إشعار الأفضلية بما في هذا الخبر نفسه من تقييد الجواز بالإعواز فضلا عن ظهور غيره فيه أيضا، فتأمل.

و كيفية وضع الجريدتين أن تجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع الترقوة و يلصقها بجلده على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في الغنية الإجماع عليه، و كذا وضع الأخرى مع الترقوة من الجانب الأيسر إلا أنها بين القميص و الإزار و إن لم ينص على الترقوة في المتن ككثير من عبارات الأصحاب، لكن ظاهرهم ذلك كما نص عليه بعضهم و دل عليه الصحيح الآتي، بل هو معقد الشهرة في الذكرى، بل الإجماع في الغنية، قال فيها: «و يجعل إحداهما مع جانب الميت الأيمن قائمة من ترقوته ملصقة بجلده، و الأخرى من الجانب الأيسر كذلك إلا أنها بين الدرع و الإزار، كل ذلك بدليل الإجماع» انتهى. و هو مع شهادة التتبع له مستند الحكم أيضا، مضافا إلى

الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج (1)قال: «قال: إن الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت مما يلي الجلد الأيمن، و الأخرى في الأيسر عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص»

و هي مع صحتها و اعتضادها بالشهرة بل بالإجماع المحكي صريحة في المطلوب، و لا يقدح ما فيها من الإضمار كما مر غير مرة، و عليها يحمل إطلاق خبري الفضيل (2)و الحسن بن زياد الصيقل(3) .

و ربما يشهد للتحديد بالترقوة أيضا

قول الصادق (عليه السلام) في المرسل (4)عن يحيى بن عبادة: «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع و أشار بيده من عند ترقوته إلى يده تلف مع ثيابه»

و نحوه عن

معاني الأخبار(5)بطريق صحيح، قال فيه:


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 5.

ج 4، ص: 242

«و أشار بيده إلى عند ترقوته تلف مع ثيابه»

و

قول أبي جعفر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر يحيى بن عبادة(1)بعد أن سأل عن التخضير: «جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى الترقوة»

و ما عساه يظهر منها كسابقها من الاجتزاء بالواحدة مع أنه لا ينافي الاستدلال على المطلوب محمول على إرادة الجنس أو مجرد كيفية الوضع أو الضرورة أو غير ذلك كما تقدم الكلام فيه، كما أنه لا دلالة فيه على عدم الإلصاق بالجلد، نعم قد يقال: إنها عدا رواية معاني الأخبار منافية لما تقدم من معقد إجماع الغنية من وضع الجريدة قائمة و إن أطلق غيره من الأصحاب، فتأمل.

و كيف كان فهي مع ما تقدم حجة على المحكي عن الاقتصاد و المصباح و مختصره أن اليمنى على الجلد عند حقوه من الأيمن و اليسرى على الأيسر بين القميص و الإزار، مع أنا لم نعرف له شاهدا، اللهم إلا أن يحتج له ب

مضمر جميل في الصحيح (2)«عن الجريدة توضع من دون الثياب أو فوقها؟ قال: فوق القميص و دون الخاصرة، فسألته من أي جانب؟ فقال: من الجانب الأيمن»

و هو مع ظهوره في الاجتزاء بالجريدة الواحدة و مخالفته لما ذكر من وضع اليمنى على الجلد و عدم صراحة لفظ الدون فيما أراد محتمل لقراءة الخاصرة بالحاء المهملة أي اللفافة المحيطة كما في كشف اللثام فلا يكون له شاهد فيه.

و بالمحكي من عبارة

الفقه الرضوي «و اجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده، ثم تمد على قميصه، و الأخرى عند وركه»

و هو كما ترى غير منطبق على تمام المدعى، نعم هو موافق لما يحكى عن الصدوقين من جعل اليسرى عند وركه ما بين القميص و الإزار، و اليمنى عند ترقوته ملاصقة للجلد» و إن كان فيه قصور أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التكفين- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 3.

ج 4، ص: 243

في الجملة، كما أنه قاصر عن معارضة ما تقدم لو قلنا بحجيته.

و من العجيب استدلاله في المختلف للصدوقين ب

خبر يونس (1)عنهم (عليهم السلام) «و يجعل له قطعتين من جريد النخل تجعل له واحدة بين ركبتيه نصف مما يلي الساق و نصف مما يلي الفخذ، و يجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن»

و هو كما ترى بمعزل عن ذلك، نعم هو منطبق على تمام ما يحكى عن الجعفي كانطباق عجزه على المحكي عن ابن أبي عقيل من جعل واحدة تحت إبطه الأيمن مقتصرا عليها، لكنه قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، و مع الإغضاء عن ذلك فالمتجه حينئذ التخيير بين الكيفيتين، أو الحمل على تفاوت مراتب الفضيلة، إلا أنا لم نعرف قائلا بشي ء من ذلك، نعم قال المصنف في المعتبر بعد ذكره مستند المشهور خبر جميل المتقدم و خبر يحيى بن عبادة: و الروايتان ضعيفتان، لأن القائل في الأولى مجهول، و الثانية مقطوعة السند، و مع اختلاف الروايات و الأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك بينها، و هو استحباب وضعها مع الميت أو قبره بأي هذه الصور شئت، و استحسنه جماعة ممن تأخر عنه، و فيه نظر من وجوه لا تخفى بعد ملاحظة ما ذكرناه، فلا ريب أن الأقوى ما عليه المشهور لكن مع الاختيار، أما مع التقية فلتوضع حيث يمكن و لو في القبر، لمرفوعة سهل بن زياد(2)و عليه يحمل إطلاق نفي البأس عن الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3)

و المرسل (4)بعد أن سئل فيهما عن الجريدة توضع في القبر؟ قال: «لا بأس»

و لو نسيت أو تركت فالأولى جواز وضعها فوق القبر للنبوي المتقدم (5)و إن كان في تناوله لما ترك عمدا تأمل، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التكفين- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التكفين- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التكفين- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التكفين- حديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التكفين- حديث 4.

ج 4، ص: 244

[في استحباب سحق الكافور بيده]

و من جملة السنن أن يسحق الكافور بيده كما في المقنعة و القواعد و المنتهى و عن غيرها، لما في

خبر يونس (1)عنهم (عليهم السلام) «ثم اعمد إلى كافور مسحوق»

الحديث. و لا دلالة فيه على استحباب كون السحق باليد، و لذا حكاه المصنف في المعتبر عن الشيخين، و قال لم أتحقق مستنده، و في المدارك إليهما و أتباعهما، و علله في الذكرى بخوف الضياع، و هو كما ترى غير صالح لإثبات حكم شرعي، فللتوقف فيه حينئذ مجال، و أولى منه ما في المبسوط من كراهة أن يسحق بحجر أو غير ذلك و إن كان الاحتياط يقضي بهما، فتأمل.

[في استحباب جعل ما يفضل من مساجده على صدره]

و من جملتها أيضا أن يجعل ما يفضل من الكافور من مساجده على صدره على المشهور كما في كشف اللثام، بل في الخلاف الإجماع على وضع الفاضل على صدره، و في ظاهر المنتهى نفي الخلاف عنه، لكن زاد على المساجد طرف الأنف كما تقدم سابقا، و لم أقف على ما يدل عليه من الأخبار و إن استدل عليه ب

حسنة الحلبي (2)«فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه و مفاصله كلها و لحيته و على صدره من الحنوط»

و

خبر زرارة(3)«و اجعل في فمه- إلى أن قال-: و على صدره»

لكنهما لا دلالة فيهما على أزيد من استحباب تحنيطه لا وضع الفاضل عليه، نعم ما يحكي عن عبارة

الفقه الرضوي (4)صريح فيه «تبدأ بجبهته و تمسح مفاصله كلها به، و تلقي ما بقي على صدره»

و إن كان فيه مخالفة أيضا من حيث عدم الاقتصار على المساجد، و لعل الإجماع السابق المؤيد بنفي الخلاف إن لم يريدا الوجوب و بالرضوي كاف في استحبابه، لكنك خبير بأنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم نقل باستحباب تحنيط غير المساجد مما تقدم سابقا، و إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب التكفين- حديث 6.
4- 4 المستدرك- الباب- 13- من أبواب الكفن- حديث 1.

ج 4، ص: 245

اتجه إرادة الفاضل عنها و عن المساجد حينئذ، أو يقال حينئذ بالتخيير في المستحب بين وضع تمام الباقي على الصدر و تحنيطها، فتأمل جيدا.

[من جملة السنن ان يطوي جانب اللفافة الأيسر على الجانب الأيمن]

و منها ان يطوي جانب اللفافة الأيسر على الجانب الأيمن من الميت و الأيمن منها على الأيسر منها أو منه كما في المقنعة و المبسوط و الخلاف و الوسيلة و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا، بل في الخلاف إجماع الفرقة و عملهم عليه، كظاهر الذكرى حيث نسبه إلى الأصحاب، و كفى بذلك مستندا لمثله، و علله بعضهم بالتيمن بالتيامن، و فيه أنه أوضح في صورة العكس، و الظاهر أن خلاف المستحب العكس، أو هو و جمعهما من غير وضع فقط، و إن كان في شمول نحو العبارة للثاني تأمل لا ترك اللف أصلا، أو من جانب سيما الأول لعدم صدق اللفافة حينئذ، و لا الجمع فقط، فيكون المستحب حينئذ السعة، فتأمل.

و في التعبير باللفافة تعميم للحكم بجميع اللفائف كما عن المهذب، و منها الحبرة كما نص عليها بعضهم و النمط إن قلنا أنه لفافة، لكن حيث يجتمع اللفافتان مثلا فهل يصنع بكل واحدة مستقلة الهيئة المذكورة أو يجمع جانبهما معا فيطويان؟ وجهان، و الظاهر جوازهما معا، لكن قد يظهر من عبارة الذكرى الثاني، قال: قال الأصحاب:

و نقل الشيخ فيه الإجماع يطوي اللفافتان جانبهما الأيسر على جانبه الأيمن، و جانبه الأيمن على جانبهما الأيسر، مع احتمال إرادته الأول أيضا، و الأمر سهل، و لمَّا فرغ من ذكر مسنون هذا القسم شرع في مكروهة، لكن كان ينبغي ذكر ما ذكره بعض الأصحاب من استحباب إعداد الإنسان كفنه، و إجادة الأكفان و التنوق فيها خصوصا الثاني، لاستفاضة به (1)اللهم إلا أن يدعى خروجهما عما نحن فيه.

[في كراهة تكفين الميت بالكتان]

و يكره تكفينه بكتان عند علمائنا كما في التذكرة و جامع المقاصد و عن نهاية


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب التكفين.

ج 4، ص: 246

الأحكام، و ذلك ظاهر في دعوى الإجماع، و لعله كذلك، إذ لا أعرف فيه خلافا إلا من الصدوق، فلا يجوز مع احتمال إرادته ذلك أيضا كما وقع منه في غير المقام مما يبعد إرادة الحرمة فيه، و من ابن زهرة في الغنية، و أفضل الثياب البيض من القطن و الكتان مدعيا الإجماع عليه، و نحوه عن الكافي من دون دعواه، و لعل ذكره الإجماع شاهد على إرادته اللون بناء على استحبابه مستقلا عن القطن، و إلا فتتبع كلام الأصحاب يشهد بخلافه، و في

خبر أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام)(1)«الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لأمة محمد (صلى اللَّه عليه و آله)»

و هو لا يخلو من إشعار بالكراهة بعد القطع باستحباب القطن لما تقدم، و إن قال في كشف اللثام: إنما يدل على فضل القطن، و في

مرسل يعقوب بن يزيد(2)عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) «لا يكفن الميت في كتان»

كالمحكي عن

الرضوي (3)«لا تكفنه في كتان و لا ثوب إبريسم»

و هما و إن كانا ظاهرين فيما ذكره الصدوق لكن عدم القول بحجية الثاني و ضعف سند الأول و إن كان الإرسال فيه عن عدة مع ما عرفت من إعراض من عداه عنه يوجب الحمل على الكراهة، سيما بعد ظهور إجماع الغنية كظاهر الإجماعات السابقة و الأصل بناء على جريانه في مثله و إطلاق الأدلة في الجواز.

[و يكره أن يعمل للأكفان المبتدأة أكمام]

و كذا يكره أن يعمل للأكفان المبتدأة أكمام على المشهور بين الأصحاب بل نسبه جماعة إليهم، و كاشف اللثام إلى قطعهم،

للمرسل عن الصادق (عليه السلام)(4)قال: «قلت له الرجل يكون له القميص أ يكفن فيه؟ فقال: اقطع أزراره، قلت:

و كمه، قال: لا، انما ذاك إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كما، فأما إذا كان ثوبا


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التكفين- حديث 2.
3- 3 فقه الرضا عليه السلام ص 18.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب التكفين- حديث 2.

ج 4، ص: 247

لبيسا فلا تقطع منه إلا أزراره»

و ضعف سنده مع ما عرفت يوجب حمله على الكراهة، فما عن المهذب لا يجوز ضعيف، و منه كغيره من الأخبار المشتملة على الصحيح يستفاد عدم كراهة ذلك في ذي كم كان يلبسه هو أو غيره، مع ما في التذكرة من نسبته إلى علمائنا، و كشف اللثام إلى قطع الأصحاب، و من هنا قيد المصنف كغيره من الأصحاب بالمبتدأة، نعم هو صريح كصحيح ابن بزيع في قطع أزراره، و ظاهره الوجوب، فالمتجه القول به إن لم يكن إجماع على عدمه، و إلا فالأصل و الإطلاق لا يعارضان، و عدم التعرض له فيما ورد من تكفين فاطمة بنت أسد بقميص النبي (صلى الله عليه و آله) لا دلالة فيه على الجواز بدونه فتأمل.

[في كراهة الكتابة بالسواد]

و كذا يكره أن يكتب عليها أي الأكفان بالسواد كما في الوسيلة و الجامع و المعتبر و النافع و كثير من كتب المتأخرين، و في المبسوط «لا يكتب» كما عن النهاية «لا يجوز» و لم نقف على دليل يقتضي الكراهة فضلا عن الحرمة سوى دعوى تناول النهي عن التكفين بالسواد له، و هو مع تسليم التناول سيما لما كتب عليه القليل كالشهادتين فقط إنما يفيد الكراهة، لقصوره عن إفادة الحرمة كما تقدم سابقا، و علل في المعتبر الكراهة بالاستبشاع، و بأن وظائف الميت متلقاة فتتوقف على الدلالة، و

الأول اعتبار محض، و الثاني- مع أنه لو تم لاقتضى المنع- يتجه لو كان المدعى التوظيف فيه، و عدم الكراهة أعم منه و من الجواز كما هو قضية إطلاق دليل استحباب الكتابة، و مما ذكرنا يعرف ما في إلحاق مطلق الأصباغ بالسواد كما عن بعضهم، لعدم الدليل عليه إلا دعوى تناول السواد له، و هو كما ترى، ثم إن الحكم من الأصحاب بالكراهة في خصوص الأسود في المقام قاض بأن مرادهم في الترتيب السابق بالنسبة للتربة و الطين و الماء و الإصبع إنما هو في الفضيلة، فتأمل.

[في كراهة جعل الكافور في سمع الميت أو البصر]

و كذا يكره أن يجعل في سمعه أو بصره شيئا من الكافور كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

ج 4، ص: 248

[مسائل ثلاث]
اشاره

مسائل ثلاث

[المسألة الأولى إذا خرج من الميت نجاسة]

(الأولى) إذا خرج من الميت نجاسة قبل تكفينه تنجس بها بدنه وجب إزالتها عنه من غير فرق في ذلك بين كونها بعد تمام الغسل أو في أثنائه بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر الأصحاب الإجماع عليه كما اعترف به في كشف اللثام، و هو الظاهر من غيره، و يدل عليه في الجملة- مضافا إلى فحوى ما دل (1)على قرض الكفن عند تنجسه و الى ما في بعض الأخبار(2)من مطلوبية ملاقاته لربه طاهر الجسد، و إشعار جملة منها(3)أيضا بالتحفظ عليه من النجاسة-

قول الصادق (عليه السلام) في موثق روح بن عبد الرحمن(4): «إن بدا من الميت شي ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه، و لا تعد الغسل»

و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر الكاهلي و الحسين بن المختار(5)بعد أن سألاه عن الميت يخرج منه شي ء بعد ما يفرغ من غسله: «يغسل ذلك و لا يعاد عليه الغسل»

و

خبر سهل (6)عن بعض أصحابه رفعه، قال: «إذا غسل الميت ثم أحدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث و لا يعاد الغسل».

نعم قد يستشكل في وجوب إزالتها لو كانت في الأثناء قبل الشروع في الباقي منه أو عند إرادة غسل محلها على نحو ما تقدم في النجاسة السابقة على أصل الغسل، لكن ينبغي القطع بعدم وجوب إزالتها عن العضو الذي غسل، فتنجس بعد غسله سابقا


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب التكفين.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3 و 5 و الباب 14 من أبواب التكفين- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب غسل الميت- حديث 1 لكن رواه عن روح بن عبد الرحيم.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب غسل الميت- حديث 5.

ج 4، ص: 249

على تمام تلك الغسلة، و إن احتمل وجوبه بالنسبة إلى أصل الشروع في الغسلة التي بعدها إن كانت، و إلا كان له تأخير الإزالة بعد تمامها للأصل و إطلاق الأدلة السالمين عن المعارض، و هو واضح، كما أنه ينبغي القطع أيضا بعدم إعادة الغسل لو كانت النجاسة غير حدثية مطلقا، و كذا الحدثية لو كانت بعد تمام الغسل للأصل و ما سمعته من الأخبار السابقة المؤيدة بإطلاق غيرها منها و من فتاوى أكثر الأصحاب، بل في الخلاف الإجماع عليه، و لعله كذلك، إذ لا خلاف فيه من أحد حتى ابن أبي عقيل، لظهور لفظ الاستقبال في المحكي عنه في الأثناء كما تسمعه، و إن حكاه بعضهم عنه أيضا، و إلا كان محجوجا بما عرفت، مضافا إلى عدم المستند له كالذي حكاه في الذكرى عن بعض المنتمين إلى الشيعة أنه إن حدث في أثناء الثلاث لم يلتفت إليه، و إن حدث بعد إكمالها تممت خمسا، و بعد الخمس يكمل سبعا، و بعد السبع لم يلتفت إليه، و لقد أجاد الشهيد حيث قال بعد نقله ذلك: «و هذا مبني على ما لم يثبت عن أهل البيت (عليهم السلام)» و كذا لو كانت حدثية في الأثناء على المشهور بين الأصحاب كما في كشف اللثام و غيره، بل قد يظهر من بعضهم انحصار المخالف في ابن أبي عقيل، حيث قال:

فان انتقض منه شي ء استقبل به الغسل استقبالا، و لعله لكونه كغسل الجنابة أو نفسه، و هو ينتقض بالحدث، و لإرادة خروجه من الدنيا طاهرا، و لما يشعر به تقييد عدم الإعادة في خبر روح و غيره بالخروج بعده، و فيه- مع أن الأول مبني على إعادة غسل الجنابة بذلك، و هو خلاف التحقيق كما عرفت- قد يدفع بانصراف التشبيه بالأخبار إلى إرادة الكيفية، كما أن الذي دل منها على كونه غسل جنابة حقيقة ظاهر في إرادة الحكمة، أو محمول على ما لا يعرفه إلا الإمام (عليه السلام) من الأمور التي لا يناط التكليف الظاهري بها، مضافا إلى عدم تناول ما دل على انتقاض غسل الجنابة من المرسلة السابقة هناك و غيرها لمثل ذلك، كما هو واضح عند التأمل، و الثاني- مع أنه مبني

ج 4، ص: 250

على أن الموت من الأحداث- مصادرة محضة، و الثالث- مع أنه معارض بما يشعر به الأمر بمسح بطنه قبل كل غسلة من الغسلات الثلاثة من غير أمر بإعادة الغسل لو خرج منه شي ء مثلا قبل غسلة الكافور أو بعدها بل ظاهرها عدمه، بل لعله صريح

خبر يونس (1)لقوله (عليه السلام): «فان خرج منه شي ء فأنقه ثم اغسل»

إلى آخره- إن أقصاه بعد تنقيح تقريره فيها مفهوم غير دال على الوجوب لا يصلح لأن يحكم به على الأصل بمعنييه و إطلاق الأدلة الظاهرة في الاجتزاء مطلقا المؤيدين بالشهرة المحكية و إن كان في تحققها نظر، لقلة من تعرض لخصوص المسألة من الأصحاب، بل قد يشعر اقتصار جملة منهم على ذكر الخروج بعد الغسلات الثلاثة بالخلاف في المقام، و من هنا كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك هنا سيما على القول بوجوب مراعاته في مثله، و سيما لو كان الحدث في أثناء غسل القراح، و مما ذكرنا يظهر لك عدم إعادة الوضوء لو كان قد فعله سابقا، للأصل و اقتضاء الأمر الإجزاء المؤيدين يخلو بالنصوص و أكثر الفتاوى منه، بل في الخلاف الإجماع عليه لو كان الحدث بعد الثالثة.

هذا كله قبل التكفين، و أما إذا كان خروج النجاسة بعد تكفينه ف لا إشكال في عدم وجوب إعادة الغسل أيضا لما عرفت، و إن لاقت جسده غسلت بالماء لما عرفت من وجوب إزالة النجاسة عنه، لكن ظاهره كغيره بل كاد يكون صريح الذكرى أنه لا فرق في ذلك بين طرحه في القبر و عدمه بل و لو توقف إزالتها على خروجه منه، و لعله لإطلاق الأدلة السابقة، إلا أن شمولها لبعض ذلك كما لو كان بعد الوضع في القبر أو التوقف على الخروج منه نظر و تأمل، لظهور سياقها فيما قبل الوضع في القبر كما في الحدائق، بل قد يشعر أمرهم بقرض الكفن في مثل هذين الحالين كما ستعرف من غير تعرض لغسل البدن مع تلازمهما غالبا بالعفو عنها، و من هنا قال في الحدائق:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب غسل الميت- حديث 3.

ج 4، ص: 251

إن الظاهر من كلامهم اغتفارها في مثل ذلك، اللهم إلا أن يحمل ذلك منهم على غلبة تعذر غسل البدن المعتبر شرعا حينئذ فيه، و إخراجه منه لذلك هتك لحرمته و أذية له من غير دليل، نعم لو تمكن من الإزالة فيه على الوجه المعتبر شرعا بحيث لا يتنجس الميت أو كفنه أمكن القول حينئذ بالوجوب، لإطلاق أو عموم ما دل على وجوب إزالتها عنه، و لقد أجاد المحقق الثاني حيث قال: «تجب إزالة النجاسة على كل حال و إن وضع في القبر، إلا مع التعذر و لا يجوز إخراجه بحال لما فيه من هتك الميت، مع أن القبر محل النجاسة» انتهى. و ربما يظهر من المحكي عن الأردبيلي الإجماع على وجوب إزالة النجاسة عن البدن قبل الدفن مطلقا.

و أما إن لاقت النجاسة كفنه ف ظاهر الأصحاب وجوب الإزالة، و يؤيده أوامر القرض، و ما تقدم سابقا من عدم جواز التكفين بالنجس، و احتمال قصره على النجاسة السابقة على التكفين ممنوع، فما عن ابن حمزة من الاستحباب ضعيف، نعم خيرة المصنف ككثير من المتأخرين بل في المدارك نسبته إلى الصدوقين و أكثر الأصحاب، و في مجمع البرهان إلى الأصحاب إزالتها كذلك أي كالبدن تغسيل بالماء إلا أن يكون بعد طرحه في القبر، فإنها تقرض بل قيده المحقق الثاني تبعا للشهيد في البيان بما إذا لم يتمكن من الغسل في القبر، و لعله مراد من أطلق، تنزيلا لإطلاقهم على غلبة التعذر فيه، خلافا للشيخ و ابني حمزة و سعيد و عن ابن البراج من إطلاق القرض من غير فرق بين الوضع في القبر و عدمه.

و اليه أشار المصنف بقوله و منهم من أوجب قرضا مطلقا و كأنه ل

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح إلى ابن أبي عمير(1)و ابن أبي نصر(2)عن غير واحد:

«إذا خرج من الميت شي ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن»

و

قوله (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب غسل الميت- حديث 4.

ج 4، ص: 252

في خبر الكاهلي(1): «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض»

و المناقشة في سند الأولى بالإرسال و الثانية بعدم توثيق الكاهلي في غير محلها بعد كون المرسل ابن أبي عمير، سيما بعد ضميمة ابن أبي نصر معه و إرساله عن غير واحد و مدح الكاهلي، بل لعله ثقة بناء على الظنون الاجتهادية مضافا إلى عمل الأصحاب بها في الجملة، كما أنه لا وجه لدعوى معارضتها بالأخبار السابقة الآمرة بالغسل، و بالنهي عن إتلاف المال، مع استلزام القرض انتفاء الساترية عن الكفن أو أحد أثوابه بناء على اعتبارها في كل واحد منها، فتنزل حينئذ هذه على الوضع في القبر مطلقا أو مع قيد عدم التمكن من الغسل.

و من هنا قال المصنف: إن الأول أولى إذ ذلك- بعد تسليم ظهور تلك فيما يشمل الكفن و عدم ظهور هذه فيما قبل الوضع في القبر- من تعارض الإطلاق و التقييد، على أنه لا شاهد له سوى ما يحكى عن

الفقه الرضوي (2)على نحو عبارة الصدوق «فان خرج منه شي ء بعد الغسل فلا تعد غسله لكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده، فإن خرج منه شي ء في لحده لم تغسل كفنه لكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه، و مددت أحد الثوبين على الآخر»

و هو مبني على حجيته في نفسه، و يقوى في النفس أن المراد بأوامر القرض الإرشاد و التعليم و التنبيه على العلاج الذي لا ينتقل إليه الذهن عند الابتلاء بذلك، و إلا فالمطلوب الإزالة على أي نحو كان مع المحافظة على ما ثبت اشتراطه فيه في هذا الحال، فالمتبع فيه حينئذ الترجيح الذي لا ينفك عنه غالب أفعال العقلاء، فربما يكون القرض أرجح من الغسل قبل الوضع، كما لو كان المتنجس من الكفن مثلا قليلا من أطرافه و كان الغسل محتاجا


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 28- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 253

إلى تكلف مع خوف عدم الإزالة على الوجه المعتبر و نحو ذلك، و قد ينعكس الحال على حسب أثواب الحي و إن ورد الأمر بغسلها، نعم قد يقال برجحان القرض على الغسل في خصوص الميت عند تساوي مصلحتيهما، لأن مآل كفنه إلى التلف، و لأنه أبلغ في الإزالة من الغسل و نحو ذلك، و لعله لذا عد في الوسيلة من المندوبات قرض ما أصاب الكفن من النجاسة، و الا فلا يريد استحباب أصل الإزالة، لمخالفته لظاهر اتفاق الأصحاب و إن فهمه منه في كشف اللثام كما سمعته سابقا، و ما يقال- إن القرض قد يؤدي الى انتفاء الساترية في الكفن أو أحد أثوابه- فيه- مع أنه مبني على اعتبار الاستدامة في ذلك كالابتداء، و انه لا يكتفي بالمواراة فيه و لو بمخالفة الأثواب أو نحو ذلك- أنه لا يقضي بتعين الغسل مطلقا، فلعلنا نلتزمه حينئذ مع التمكن منه، كما أنه قد يتعين القرض عند تعذر الغسل مثلا، فتأمل جيدا.

و لو تنجس معظم الكفن بحيث يفحش قرضه و مع ذلك تعذر غسله فقد يظهر من الذكرى حينئذ كجامع المقاصد سقوطهما للحرج، و قد ينظر فيه بعد فرض عدم تناول أدلة القرض لمثله حتى يجتزى به بأن المتجه وجوب إبداله على الولي، اللهم إلا أن يقال:

إن قضية الأصل وجوب مهية التكفين على الولي مثلا و قد حصل، و 7 ن هذه تكاليف أخر مستقلة، فتسقط بالتعذر، و ليست هي من شرائط الكفن، المجزئ شرعا، و المقام يحتاج إلى التأمل، و منه تحصل للمسألة شعوب كثيرة غير منقحة في كلامهم، فتأمل جيدا، و اللَّه أعلم.

[المسألة الثانية كفن المرأة على زوجها]
اشاره

المسألة الثانية كفن المرأة على زوجها إجماعا كما في الخلاف و التنقيح و عن نهاية الأحكام و إن كانت ذا مال كما عليه فتوى الأصحاب في المعتبر و الذكرى، و عند علمائنا في المنتهى و التذكرة، و هو الحجة، مضافا إلى

خبر السكوني (1)عن جعفر


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب التكفين- حديث 2.

ج 4، ص: 254

عن أبيه (عليهما السلام) «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: على الزوج كفن امرأته أن ماتت»

و

الصحيح المروي في الفقيه عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «ثمن الكفن من جميع المال و قال (عليه السلام): كفن المرأة على زوجها إذا ماتت»

كما استدل به جماعة من متأخري المتأخرين، لكن احتمل بعضهم أنه ليس من جملة الصحيح، بل من مراسيل الصدوق مؤيدا لذلك بالمتعارف من عادة الصدوق، و يخلوها عن ذلك في رواية الكافي و التهذيب بهذا السند أو قريب منه، و بعدم استدلال أحد به إلى زمان صاحب المدارك.

قلت: لو سلم ذلك فلا ريب في حجيته بعد الانجبار بما عرفت، و لعل ما ذكرنا هو الحجة في المقام أو من التعليل بأنه من الإنفاق الواجب على الزوج لبقاء الزوجية بعد الموت، و لذا جاز له تغسيلها و النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه إلا به، و لقوله تعالى (2):

«وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ» فسماهن أزواجا بعد الترك، قال في المعتبر: «و إذا ثبت تسميتها زوجة لزم كفنها» و لأن سقوط أحكام الزوجية إنما تتحقق متأخرة عن الوفاة، و الكفن يجب عند الوفاة مقارنا لا متأخرا، و فيه بعد تسليم صدق اسم الزوجة في هذا الحال منع دوران وجوب النفقة عليه، لمكان ظهور أدلتها في غيره، بل لعله لا يدخل تحت مسمى النفقة التي أمر بها، و من هنا يسقط وجوب نفقة من وجب الإنفاق عليه من الأقارب بموته و إن بقي الاسم، فما ذكر من بقاء تلك الأمور من النظر و اللمس و نحوهما لا يجدي حينئذ في إثبات المدعى، مع إمكان القول بأن المقتضي لها الزوجية السابقة المستمرة إلى الموت، و إمكان معارضتها أيضا بثبوت ما ينافيها من حلية نكاح الأخت و الخامسة و نحو ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 31 و 32- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 سورة النساء- الآية 13.

ج 4، ص: 255

فالعمدة ما سمعته من إطلاق النص المنجبر بمعقد الإجماعات المتقدمة، فكل ما اندرج فيها جرى الحكم عليه، فلا فرق حينئذ بين المدخول بها و غيرها و لا بين الصغيرة و الكبيرة و لا بين الحرة و الأمة و إن كان بين ما دل على كون الكفن على السيد و الزوج عموم من وجه، لظهور حكم ما نحن فيه عليه كالنفقة، و لا بين الناشزة و المطيعة، و لا بين العاقلة و المجنونة، و لا بين الدائمة و المتمتع بها إلا ما شك في اندراجه فيه كما احتمله في المدارك أو غيرها في الأخيرة معللا له بأن المنصرف إلى الذهن عند الإطلاق الدائمة، و عساه الظاهر من البيان و الدروس أيضا، و فيه منع، سيما في التي استعدها الرجل أهلا، و جعل مدة عقدها سنينا متعددة، و أولى منه في المنع ما في الرياض من دعوى عدم انصراف الإطلاق للناشز أيضا، إذ نشوزها لا يقضي بذلك قطعا، نعم ذكر جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني في جامع المقاصد أنه بناء على الاستدلال للحكم بالتعليل السابق يتجه حينئذ عدم الوجوب فيها و في سابقتها، بل قال في الأخير: «إن عدم تعلق النفقة في حال الحياة

لعدم صلاحية الزوجية في المتمتع بها لذلك، و لثبوت المانع في الناشز يقتضي عدم تعلق الكفن بعد الموت بطريق أولى، لزوال الزوجية حينئذ أو ضعفها، و لذا تحل له أختها و الخامسة، فيقيد بذلك إطلاق الخبر مع ضعفه، و لعل عدم الوجوب أظهر» انتهى.

و أنت خبير بما في ذلك كله بعد ما عرفت أن المستند إطلاق النص المنجبر بما تقدم على تقدير ضعفه، و إطلاق معقد الإجماعات السابقة، على أنا نقول: إن الاستدلال بالتعليل السابق لا يمنع من الاستدلال بما قلنا في المقام الذي لا يجري فيه، كما أن وجود غيره مما ذكرنا لا يمنع من الاستدلال به في المحل الذي يجري فيه، إذ لا مانع من تعدد الأدلة، فيتجه حينئذ الاستدلال به على ما نص عليه جماعة من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا من إيجاب باقي مؤن التجهيز كثمن السدر و الكافور و نحوهما و إن لم تنهض

ج 4، ص: 256

الإطلاقات عليه، لكنه لا يخلو من نظر، لما عرفته من المناقشة السابقة في التعليل، فيبقى الأصل حينئذ محكما، و لعله من هنا توقف فيه جماعة من متأخري المتأخرين، اللهم إلا أن يستفاد ذلك من فحوى وجوب الكفن، فتأمل جيدا.

ثم إنه مما تقدم من الإطلاق في الزوجة تعرف الإطلاق أيضا في الزوج من عدم الفرق بين صغيره و كبيره و مجنونه و عاقله و نحو ذلك و إن تعلق الخطاب حينئذ بالولي، و يلحق بالزوجة المطلقة رجعية بخلاف البائن، و في المحللة وجهان، أقواهما العدم.

هذا كله إذا كان الزوج مؤسرا، و أما إذا كان معسرا لا يملك بعد المستثنيات في الدين أزيد من قوت يوم و ليلة له و لعياله حتى بملاحظة ما انتقل منها إليه أو كان العقد متعة لا إرث فيه فقد صرح جماعة بل في الذخيرة نسبته إلى الأصحاب، و في المدارك إلى قطعهم بأنها تكون حينئذ من تركتها، و ظاهرهم سقوطها عن الزوج حتى لو أيسر بعد الدفن، و ربما علل أصل الحكم بأن الإرث إنما هو بعد الكفن، و هو لا يرجع إلى محصل عند التأمل إلا أن يراد أن ما دل على كون الكفن من أصل المال ظاهر في تناوله للرجل و المرأة، و المتيقن من خروجه عند بالنسبة للزوجة إنما هو مع يسار الزوج، لكن لو لا عدم معروفية الخلاف فيه و انجبار تلك العمومات بذلك مع معلومية زيادة أمر الكفن على النفقة و الدين لأمكن المناقشة فيه بإطلاق ما دل على لزوم الزوج القاضي بتحكيمه على الأول بفرديه، فيجب عليه مع التمكن، و لو كان معسرا كما احتمله في المدارك و غيرها، و القياس على الدين و النفقة لا نقول به، بل و مع عدمه ينبغي أن تكون كفاقد الكفن تدفن عارية أو تكفن من بيت المال أو نحو ذلك، إذ سقوط الخطاب عنه حينئذ لعدم قدرته لا يقضي بالانتقال إلى تركتها، كما أن عصيانه بعدم أدائه حال يساره و عدم التمكن من إجباره لا يقضي بذلك أيضا، لكن ذلك كله مدفوع بما عرفت، فتأمل.

ج 4، ص: 257

و لو أعسر عن البعض وجب ما تيسر، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، و لأن إيجاب الكفن يقتضي جميع أجزائه، و احتمال سقوطه بتعذر الكل ضعيف، و هل يزاحم وجوب الكفن حق الديان أو النفقة الواجبة و نحوهما من الحقوق المالية أو يقدم عليها؟ احتمالان، أقواهما الأول، و لو كان قد تعلق به حق الديانة بحجر لفلس قبل موت الزوجة سقط وجوب الكفن على الظاهر، و كذا لو كان مال الزوج مرهونا لم يجب تكفينها، لامتناع تصرفه به إلا أن يبقى بعد الدين بقية، فيجب التوصل إلى صرفها بحسب الممكن شرعا كالنفقة، و لو اقترن موت الزوجة و الزوج فالظاهر السقوط للأصل، مع ظهور انصراف الأدلة لغيره نعم لو مات بعدها لم يسقط، لكونه من الواجبات المالية، و لو لم يكن عنده إلا كفن واحد فالظاهر تقديمه عليها لما دل على تقديم الكفن على سائر الحقوق، و احتمال تقديمها عليه لسبق التعلق ضعيف حتى لو كان قد وضع عليها، لعدم زوال ملكه عنه بذلك، و لذا كان له إبداله، نعم لو دفنت فلا إشكال في اختصاصها به و إن لم نقل بخروجه عن ملكه أيضا بذلك، مع أنه محتمل لثبوت استحقاقها له، لكنه ضعيف لعدم صلاحية الميت للملك ابتداء، و ما يشعر به

قول الكاظم (عليه السلام) في خبر الفضل بن يونس (1)بعد أن سأله «عن الميت الذي لم يخلف شيئا أجهزه من مال الزكاة؟- إلى أن قال له أيضا-: فإن اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر و كان عليه دين أ يجعل الدين؟ قال: لا، ليس هذا ميراثا إنما هذا شي ء صار إليه بعد وفاته»

الحديث.

و تظهر الثمرة فيما لو اتفق وجود الكفن و يئس من الميت بأن أخذه السيل أو السبع و نحوهما، فعلى الأول يختص الزوج به، كما لو كان الكفن مأخوذا من بيت المال مثلا أو تبرع به متبرع فإنه يعود إليهما، و على الثاني يكون ميراثا، و قد يحتمل أن يكون


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 4، ص: 258

الناس فيه شرعا سواء، لزوال ملك الزوج عنه بالاعراض، و عدم ملك الميت له حتى يكون إرثا، فتأمل.

و لا يلحق بالزوجة في وجوب الكفن من وجبت نفقته من الأقارب و الأباعد إلا المملوك على ما صرح به الفاضلان و الشهيدان و المحقق الثاني و صاحبو المدارك و الذخيرة و الحدائق و الرياض، بل لا أجد خلافا في كل من الحكمين، بل في المعتبر و التذكرة و الذكرى و الروض و المدارك الإجماع عليه بالنسبة للمملوك، و قضية الإطلاق أنه لا فرق بين القن و المدبر و أم الولد و المكاتب مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شي ء، أما لو تحرر منه شي ء فبالنسبة، بل قد يظهر من الذكرى و غيرها اندراج ذلك كله تحت ما ادعاه من الإجماع، و كفى بذلك حجة عليه، و أما الحكم الأول فلم أجد من توقف فيه ممن عادته ذلك فضلا عن المخالف، كما هو الظاهر من العلامة حيث لم ينقل فيه خلافا إلا من الشافعي، حيث أوجبه على من وجبت عليه النفقة، بل قد يظهر من الروض كون ذلك من المسلمات حيث جعله إلزاما على تعليل وجوب كفن الزوجة بالنفقة.

و كيف كان فمستندهم كما صرح به جماعة الأصل مع فقد المعارض، و القياس على الزوجة لا نقول به، قلت: و ما عساه يتخيل من أن قضية إطلاق الأوامر بالتكفين يقتضي إيجاب المقدمات التي منها بذل الكفن مدفوع- بعد تسليم اقتضائها ذلك، و إلا فقد يقال إنها إنما تقتضي عمل التكفين فقط بالكفن مع وجوده لا بذل الكفن، فتأمل- بأن الإجماع محصل أو منقول كما ستعرفه على كون الكفن من صلب المال، فمنه يظهر أن المراد بتلك المطلقات إنما هو ذلك أي عمل التكفين، فحيث لا يكون له مال يتجه حينئذ سقوطه، للأصل مع عدم الدليل على الانتقال، لمكان تنزيل تلك المطلقات على ما عرفت، فهي لا دلالة فيها و ليس غيرها، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع فيما يأتي، و كذا الكلام في مؤن التجهيز كقيمة السدر و الكافور و نحوهما مما يرجع إلى المال، و لا استبعاد في

ج 4، ص: 259

ذلك كله بعد قيادة الدليل إليه من غير فرق فيه بين القليل و الكثير و شدة قرب الميت و عدمها، و قابليته للملك و عدمه كالسقط.

[و يؤخذ كفن الرجل من أصل تركته]

و يؤخذ كفن الرجل من أصل تركته دون ثلثه بإجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك كما في الخلاف، و مذهب أهل العلم إلا شذاذ من الجمهور كما في المعتبر، و نحوه في التذكرة، لكن مع وصف الكفن بالواجب، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح(1): «الكفن من جميع المال»

و المراد بأصل المال و جميعه أنه يبدأ به مقدما على الديون كما يكشف عنه

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر السكوني(2):

«أول شي ء يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الميراث»

و في

صحيح زرارة المضمر(3)«سألته عن رجل مات و عليه دين بقدر ثمن الكفن، قال: يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلا أن يتجر عليه بعض الناس، فيكفنوه و يقضي ما عليه مما ترك»

هذا كله مع حكاية الإجماع عليه أيضا من جماعة، و بالأولى يستفاد تقديمه أيضا على الوصايا و الإرث، بل في كشف اللثام و الروض و غيرهما الإجماع عليه أيضا، و إطلاق النص و الفتوى و معاقد الإجماعات يقتضي تقديمه على حق المرتهن و المجني عليه و غرماء المفلس، بل لم أعرف فيه خلافا بالنسبة إلى الأخير، بل في الروض أنه يقدم عليه قطعا.

قلت: و لعله كذلك، و دعوى الشك في شمول الأدلة ممنوعة، نعم قد يتردد فيه بالنسبة إلى الرهن لسبق التعلق بالعين، و تقدمه على النفقة في الحياة، و أولى منه حق الجناية في العبد الجاني مع سبقها على الموت، بل في الذكرى تقديم حق المرتهن إلا أنه قد يقوى الفرق بين الرهن و الجناية، فيقدم على الأول بدعوى تناول الأدلة له بخلاف الثاني، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من كتاب الوصايا- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من كتاب الوصايا- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من كتاب الوصايا- حديث 2.

ج 4، ص: 260

ثم إن الظاهر من تقييد الكفن بالواجب كما في التذكرة خروج المندوب عنه إلا برضا الوارث، و به صرح في المعتبر و جامع المقاصد، بل في أولهما أنه لو كان هناك دين مستوعب منع من الندب، و إن كنا لا نبيع ثياب التجمل للمفلس لحاجته إلى التجمل بخلاف الميت فإنه أحوج إلى براءة ذمته، و لو أوصى بالندب فهو من الثلث إلا مع الإجازة. قلت: و الظاهر أن مرادهم بالندب ما يشمل الزيادات المستحبة في القطع الواجبة، و لكن قد تقدم سابقا لنا بحث في ذلك، و لعله يتأتى في المستحب الصرف أيضا كالحبرة، بناء على أن ذلك من المستحبات المالية مخاطب به الولي مثلا، فيتبع اختياره من غير نظر إلى غيره من الوراث صغارا كانوا أم كبارا، فيكون من قبيل استحباب خروج الزكاة من مال الطفل، و يؤيده إطلاق ما دل على أن الكفن من صلب المال من غير تخصيص له بالواجب و المندوب، فالواجب منه واجب، و المندوب منه مندوب، بل لعل حق الدين أيضا لا يزاحم ذلك، لما دل على تعلق الدين بعده، نعم لو كان المخاطب بالندب نفس الوارث كان اعتبار رضاه متجها، فتأمل جيدا، و لو أوصى بعدم الندب احتمل إلغاء ذلك و نفوذه، و لعل التفصيل بملاحظة المصلحة إما رفقا بالورثة أو حصول الغضاضة عليه بتبرع متبرع فتنفذ، و إلا فلا- لا يخلو من قوة.

فان لم يكن له كفن دفن جوازا عاريا، و لا يجب على أحد من المسلمين بذل كفنه كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل نسبه في جامع المقاصد إلى كثير منهم، بل في المدارك أنه لا خلاف فيه بين العلماء، كما استظهر نفيه أيضا في الذخيرة و أرسل بعضهم عن نهاية الأحكام الإجماع عليه، بل يستحب اتفاقا كما في كشف اللثام، و لا خلاف فيه كما في المدارك، و استظهره أيضا في الذخيرة، كما أنه أرسل عن نهاية الأحكام الإجماع عليه، و يدل عليه أيضا

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح سعد بن طريف (1)قال: «من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة»


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 261

و ذلك كله يؤيد الحكم الأول، إذ ثبوت الاستحباب لازم لعدم الوجوب، كما أنه قد يؤيد أيضا مضافا إلى ذلك و إلى الأصل ب

خبر الفضل بن يونس الكاتب (1)«سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن رجل من أصحابنا يموت و لم يترك ما يكفن به، أشتري كفنه من الزكاة؟ فقال له: أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه، فيكونون هم الذين يجزونه، قال: فان لم يكن له ولد و لا من يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال (عليه السلام): كان أبي يقول إن حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمة حيا، فوار بدنه و عورته و كفنه و حنطه و احتسب بذلك من الزكاة و شيع جنازته، قلت: فان اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر و كان عليه دين أ يكفن بواحد و يقضي دينه بالآخر؟

قال: لا ليس هذا ميراثا، إنما هذا شي ء صار إليه بعد وفاته، فليكفنوه بالذي اتجر عليه، و يكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم».

و فيها مواضع الدلالة على المطلوب، نعم هي دالة على تكفينه من الزكاة كما صرح به جماعة سواء كان بالاحتساب على أهله أو عليه و إن كان ظاهرها إيجاب الأول مع التمكن منه، لكن الأولى حملها على الندب بالنسبة إلى ذلك، لعدم القائل به كما اعترف به في الروض، و لعل من هذا الخبر يستفاد ما ذكره جماعة منهم العلامة و الشهيدان وجوب تكفينه من بيت المال مع وجوده، إذ المراد ببيت المال على ما في جامع المقاصد الأموال التي تستفاد من خراج الأرضين المفتوحة عنوة، و سهم سبيل اللَّه من الزكاة على القول بأن المراد به كل قربة لا الجهاد وحده، ثم قال: و لو أمكن الأخذ من سهم الفقراء و المساكين من الزكاة جاز، لأن الميت أشد فقرا من غيره.

ثم إن الظاهر من النص المتقدم كظاهر من تعرض لذلك من الأصحاب وجوب ذلك، نعم احتمل الندب في كشف اللثام للأصل، و هو ضعيف كضعف التوقف


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب التكفين- حديث 1.

ج 4، ص: 262

من صاحب المدارك في أصل الحكم معللا له بنص الشيخ على واقفية الفضل، إذ ذلك لا يمنع من العمل به عندنا، مع أنه قد يقال: إن قضاء الدين من الزكاة يقضي بالأولوية في الكفن، فتأمل.

و كذا ما يحتاج إليه الميت من كافور و سدر و غيره من مؤنة، فإنها تؤخذ من أصل المال، و إن لم يكن له مال دفن بدونها إلا أن يكون بيت مال، و لا يجب على أحد من المسلمين بذلها، بل يستحب كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب منهم العلامة و الشهيد الأول و المحقق الثاني و غيرهم، بل في الخلاف الإجماع على الكفن و مئونة الميت من أصل التركة، و في المدارك «أما الوجوب من أصل المال فظاهر، لأن الوجوب متحقق، و لا تحل له سوى التركة إجماعا» انتهى. قلت: و منهما سيما الأخير و مما تقدم في الكفن لعدم ظهور قائل بالفرق يستفاد عدم وجوب شي ء من ذلك على أحد مع فقد التركة، كما أنه بالتأمل في جميع ما ذكرنا يظهر لك أنه لا مجال لاحتمال وجوب شي ء من المؤن على أحد تمسكا بإطلاق الأوامر، فتجب حينئذ من باب المقدمة، إذ قد اتضح لك أن المراد بهذه الأوامر كلها إنما هو مجرد العمل من دون بذل شي ء من المال من غير فرق بين القليل كأجرة القدوم و نحوه و الكثير و القريب و البعيد، لكن ليعلم أن المراد بالمؤن التي تؤخذ من أصل المال إنما هي المؤن التي لم تحصل بسبب مخالفة الشارع كالسدر و الكافور و نحوهما، أما ما كان كذلك كما لو منع الظالم من مطلق دفن الميت أو في أرض مخصوصة مع عدم التمكن من غيرها إلا بدراهم أو امتنع من يجب عليه تغسيله إلا بأجرة و نحو ذلك فلعل الأقوى عدم أخذها من أصل المال، للأصل مع عدم الدليل، و يحتمل ذلك تمسكا بإطلاق المئونة في معقد الإجماع، و هو ضعيف لانصرافها إلى غير ذلك، أما لو كان المنع أو الامتناع السابقان عن خاص و إلا فيمكن غيرهما فلا يجب من أصل المال قطعا، و لم أجد نصا من الأصحاب في خصوص ما نحن فيه،

ج 4، ص: 263

نعم عد في كشف اللثام من جملة المؤن التي تخرج من أصل المال قيمة الأرض للدفن و أجرة التغسيل و الدفن إن لم يوجد متبرع، و يمكن إرادته غير ذلك خصوصا في الأول بحمل الأرض فيه على المملوكة مع عدم إمكان غيرها، فتأمل.

[المسألة الثالثة إذا سقط من الميت شي ء من شعره أو جسمه]

المسألة الثالثة إذا سقط من الميت شي ء من شعره أو جسمه وجب أن يطرح معه في كفنه كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين، بل في الذخيرة لا أعلم فيه خلافا، و في التذكرة «و إن سقط من الميت شي ء غسل و جعل معه في أكفانه بإجماع العلماء، لأن جميع أجزاء الميت في موضع واحد أولى» انتهى. و نحوه عن النهاية، و فهم جماعة ممن تأخر عنه الوجوب، لكن قد يشعر تعليله بالاستحباب كما عن صريح الجامع، و كيف كان فيدل على وجوب ذلك مضافا إلى ما عرفت

مرسل ابن أبي عمير في الصحيح عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «لا يمس من الميت شعر و لا ظفر، و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه»

ثم أن عبارة التذكرة السابقة تقتضي التغسيل، ثم الطرح في الأكفان، و به صرح بعضهم، و هو كذلك.

[الرابع مواراته]
اشاره

الحكم الرابع من أحكام الأموات مواراته و دفنه في الأرض و له

[مقدمات مسنونة كلها]
اشاره

مقدمات تقدم عليه و إن كان لا ارتباط بينها و بينه و لا توقف مسنونة كلها.

(منها) التشييع للجنازة

فان استحبابه إجماعي إن لم يكن ضروريا، و به (2)مستفيضة إن لم تكن متواترة، و المراد به اتباع الجنازة و الخروج معها، قال في القاموس: «شيع فلان فلانا خرج معه ليودعه و يبلغه منزله» و لا يتوهم منه أنه يعتبر فيه تبعيته حتى يدفن و إن كان ذلك أفضل و دونه إلى الصلاة عليه، لظهور بعض الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 264

في تحقق مسماه و استحقاقه الأجر بدون ذلك، ك

قول أبي جعفر (عليه السلام)(1)لما قيل له بعد أن صلى على الجنازة: ارجع يا أبا جعفر (عليه السلام) مأجورا و لا تعنى لأنك تضعف عن المشي: «إنما هو فضل و أجر فبقدر ما يمشى مع الجنازة يؤجر الذي يتبعها»

لكن قال في المنتهى «إن أدنى مراتب التشييع أن يتبعها إلى المصلى فيصلي عليها ثم ينصرف، و أوسطه إلى القبر ثم يقف حتى يدفن، و أكمله الوقوف بعد الدفن ليستغفر له و يسأل الله له» و ظاهره عدم حصوله إذا لم يتبعها إلى المصلى، و فيه نظر، و من العجيب استدلاله على ما ذكر بالرواية السابقة، و هي في خلافه أظهر، فتأمل.

ثم إنه لا يبعد دخول ما هو متعارف في مثل زماننا من تبعية جملة من الناس للجنازة عند إرادة نقلها من بلد إلى أحد المشاهد المشرفة تحت اسم التشييع، على أن جملة من الأخبار(2)قد اشتملت على مطلق التبعية، و في

المرسل (3)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «ضمنت لستة على الله الجنة، رجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنة»

كما أنه لا يبعد حينئذ عدم اعتبار ما يعتبر في المشيعين غيرهم من المشي، و أن يكون خلف الجنازة أو أحد جانبيها و نحو ذلك مما تسمعه في مثلهم، لظهور انصراف غيرهم، فتأمل.

و الظاهر المنساق إلى الذهن من (4)ان استحباب التشييع إنما هو فيما إذا كان محل الدفن محتاجا إلى النقل، أما إذا لم يكن كذلك كما لو كان مثلا في محل تجهيزه فلا يستحب إخراجه و نقله للتشييع، ثم إرجاعه إليه كما ينبئ عن ذلك فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في دفن النبي (صلى الله عليه و آله)(5).


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدفن- حديث 1 و الباب 3 حديث 1 و 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدفن- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدفن.
5- 5 الإرشاد للمفيد عليه الرحمة ص 89 طبعة الطهران سنة 1377.

ج 4، ص: 265

[منها استحباب المشي في تشييع الجنازة]

و (منها) أن يمشي المشيع كما هو صريح بعضهم و ظاهر آخرين، بل ربما يظهر من الغنية الإجماع عليه كالمنتهى على ما تسمعه من عبارته، و يؤيده- مضافا إلى ذلك و إلى ما عساه يظهر من بعض أخبار المقام (1)حيث اشتملت على الأمر بالمشي خلف الجنازة و نحو ذلك، و إن لم تكن مساقة لبيان حكمه، و إنما هي لبيان حكم الخلف و الإمام و الجانبين، و كذا غيرها، و إلى التأسي بالنبي (صلى الله عليه و آله) و غيره من الأئمة (عليهم السلام)- إن ذلك عبادة و طاعة و المشي فيها أشق، و قد ورد أن أفضل الأعمال أحمزها، بل يقوي في النظر كراهة الركوب كما صرح به في المعتبر و المنتهى و عن غيرهما، قال في الثاني: و يستحب المشي مع الجنائز، و يكره الركوب، و هو قول العلماء كافة، و هو الحجة فيه، مضافا إلى

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) يمشي، فقال له بعض أصحابه: ألا تركب يا رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ فقال: إني لأكره أن أركب و الملائكة يمشون»

و

خبر غياث عنه (3)أيضا عن أبيه عن علي أمير المؤمنين (عليهم السلام) «إنه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدية إلا من عذر، و قال:

يركب إذا رجع»

و

مرسل ابن أبي عمير عنه (عليه السلام)(4)أيضا قال: «رأى رسول الله (صلى الله عليه و آله) قوما خلف جنازة ركبانا، فقال: أما استحى هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركبانا و قد أسلموه على هذا الحال»

و بذلك كله يقيد إطلاق غيرها


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الدفن.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 266

من (1)الدالة على استحباب مطلق التبعية و التشييع لا على إرادة خروجه عن استحباب التشييع مع الركوب، إذ الظاهر أن المشي مستحب في مستحب، و من خبر غياث يستفاد زوال الكراهة مع العذر كالحاجة إلى الركوب كما عن بعضهم التصريح به، بل عن التذكرة و نهاية الأحكام الإجماع عليه، كما أنه يستفاد منه و من الأصل أيضا زوالها مع الرجوع، فتأمل جيدا.

[في كراهة المشي أمام الجنازة]

و (منها) على ما هو المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك و البحار و عن غيرهما أن يكون مشي المشيع وراء الجنازة أو إلى أحد جانبيها فإنه أفضل من الإمام، و في المعتبر و التذكرة نسبته إلى فقهائنا، بل في جامع المقاصد أنه يستحب أن يكون مشي المشيع خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها لا أمامها بإجماع علمائنا، و ظاهره أنه لا فضل في الإمام و لعله يرجع إليه سابقه و إن جي ء فيه بصيغة التفضيل الظاهرة في وجوده فيه أيضا، لكنه صرح في المعتبر بأنه مباح، فيكون قرينة على صرف ذلك، و كيف كان فلا إشكال في رجحان المشي خلف الجنازة أو إلى أحد الجانبين على الإمام، و يدل عليه- مضافا إلى ما سمعت و إلى أنه أنسب بمعنى التشييع و الاتباع الواردين في كثير من الأخبار-

قول الصادق (عليه السلام) في موثق إسحاق بن عمار(2): «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها»

و زاد في التهذيب

«و لا بأس أن يمشي بين يديها»

و

خبر جابر عن الباقر (عليه السلام)(3)قال: «مشى النبي (صلى الله عليه و آله) خلف جنازة، فقيل يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما لك تمشي خلفها؟ فقال: إن الملائكة رأيتهم يمشون أمامها، و نحن نتبع لهم»

و لا دلالة فيهما على أفضليته على المشي الى أحد الجانبين، فلا ينافي حينئذ ما دل عليه مما تقدم، و من

قول الباقر (عليه السلام) في خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الدفن.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 267

سدير(1): «من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير»

و كذا لا ينافيه أيضا

خبر السكوني (2)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: «سمعت النبي (صلى الله عليه و آله) يقول: اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب»

و

عن المقنع (3)أنه «روي اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، فإنه من عمل المجوس»

إذ الأمر بالاتباع بعد تسليم عدم شموله للمشي إلى أحد الجانبين لا ينافي ثبوته بأمر آخر، سيما مع ظهور كون المقصود هنا إنما هو النهي عن اتباع الجنازة لهم.

و من هنا يظهر أنه لا يستفاد من اقتصار الشيخ في الخلاف كما عن الصدوق في المقنع على ذكر أفضلية المشي خلفها من دون تعرض لغيره مستدلا عليه بإجماع الفرقة و أخبارهم خلاف ما ذكرنا، مع احتمال إرادة ما يعم المشي إلى الجانبين كما عساه تشعر به المقابلة له بالإمام، فظهر من ذلك كله أنه لا كلام في رجحان المشي خلفها أو إلى أحد الجانبين على غيرهما، و انه ربما يستفاد من ملاحظة ما تقدم رجحان الأول على الثاني سيما بعد فعل النبي (صلى الله عليه و آله) له، لكن قد يستفاد من المحكي عن الفقه الرضوي (4)العكس، و الأمر سهل.

إنما الكلام بعد أن عرفت مرجوحية المشي أمام الجنازة بالنسبة إليهما فهل ذلك على سبيل الكراهة كما صرح به بعضهم، و حكي عن ظاهر آخرين، بل في الذكرى نسبه إلى كثير من الأصحاب، بل قد يظهر من الروض دعوى الإجماع عليه، حيث قال:

«و يكره تقدمها عندنا» كالمنتهى حيث قال: «و يكره المشي أمام الجنائز للماشي و الراكب معا، بل المستحب أن يمشى خلفها أو من أحد جانبيها، و هو مذهب علمائنا أجمع» ثم نقل خلاف العامة في ذلك، قلت: و يشهد له مع ذلك النهي


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الدفن- حديث 6.
4- 4 المستدرك- الباب- 4- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 268

المتقدم عن التبعية مع التعليل بأنه من عمل المجوس و أهل الكتاب، و الضعف منجبر بما عرفت، على أن أمر الكراهة أسهل من ذلك، و كذا ما عن

الفقه الرضوي (1)«إذا حضرت جنازة فامش خلفها و لا تمش أمامها، و إنما يؤجر من تبعها لا من تبعته»

خلافا لصريح المعتبر و الذكرى و عن ظاهر النهاية و المبسوط، فلا كراهة مطلقا و إن كان الأولان أفضل منه، و لعله ل

خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(2)بعد أن سأله «عن المشي مع الجنازة، فقال: بين يديها و عن يمينها و عن شمالها و خلفها»

و يقرب منه خبره الآخر(3)عن الباقر (عليه السلام) و لما يشعر به التفضيل في الموثق السابق (4)مع نصه بأنه لا بأس في المشي بين يديها، و لما في

خبر الحسين بن عثمان (5)«إن الصادق (عليه السلام) تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء و لا رداء»

و للأخبار(6)الكثيرة المشتملة على الأمر بالمشي أمام جنازة المؤمن، و في بعضها(7)التعليل بأن الرحمة تستقبله دون غيره، فإن اللعنة و ملائكة العذاب يستقبلونه، و من هنا استوجه بعضهم هذا التفصيل، و اختاره كاشف اللثام بعدم الكراهة بالنسبة إلى جنازة المؤمن، بخلاف غيره استنادا لهذه الأخبار الفارقة، بل عن العماني المنع من تقديم جنازة المعادي لذي القربى لمكان هذه الأخبار المفصلة، كما عن ابن الجنيد التفصيل بين صاحب الجنازة و غيره، فيقدم الأول دون غيره، و لعله لخبر تقدم الصادق (عليه السلام) سرير ابنه إسماعيل.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 4- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الدفن- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الاحتضار- حديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الدفن.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الدفن- حديث 7.

ج 4، ص: 269

و في الكل نظر إذ مع احتمال خبر ابن مسلم التقية- أو إرادة بيان مطلق الجواز لاحتمال السؤال عنه، كنفي البأس في الموثق، و كذا تقدم الصادق (عليه السلام) سرير إسماعيل، مع أنه قضية في واقعة، و إلا فلا إشكال في رجحانية الخلف أو أحد الجانبين عليه حتى كان يعرفه العامة منا، فنسبوه إلى أهل البيت (عليهم السلام) على ما قيل، و

عن بعض شراح مسلم أنه قال: «كون المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها قول علي بن أبي طالب (عليه السلام)

و مذهب الأوزاعي و أبي حنيفة، و قال جمهور الصحابة و التابعين و مالك و الشافعي و جماهير العلماء: المشي قدامها أفضل، و قال الثوري و طائفة هما سواء» انتهى- قاصر عن مقاومة ما تقدم سيما بعد مشهورية الحكم بذلك بين الأصحاب، و الاستدلال بأخبار التفصيل بين المؤمن و غيره ليس بأولى من الاستدلال بها على العكس من حيث صراحتها في النهي عن تقدم جنازة غير المؤمن، إذ لا تفصيل في كلام الخصم، بل لعل ذلك أولى من حيث معارضتها بالنسبة للمؤمن بما عرفته سابقا سيما النهي عن التبعية المشتمل على التعليل بمخالفة أهل الكتاب الذي هو كالصريح في عدم الفرق في ذلك بينهما، فلا بد حينئذ من حملها على شدة الكراهة بالنسبة لغير المؤمن دونه، للقطع بعدم إرادة ظاهرها من عدم المرجوحية في المشي أمام جنازة المؤمن.

و بذلك كله يظهر لك ما في كلام كشف اللثام كابن الجنيد من الفرق بين صاحب الجنازة و غيره، محتجا بما سمعته من فعل الصادق (عليه السلام)، و لا ريب في ضعفه كما عرفت، و كذا ما سمعته من العماني من القول بالمنع فيه لأخبار التفصيل، إذ هي مع ضعفها و إعراض الأصحاب عنها بالنسبة إلى ذلك معارضة بغيرها مما دل على الجواز كما سمعت، هذا.

و يمكن القول بأن المراد بالكراهة عند الأصحاب هنا كراهة العبادة بمعنى أقلية الثواب، و عليه يرتفع الخلاف حينئذ بين القولين الأولين، و هو قريب جدا، فتأمل جيدا.

ج 4، ص: 270

ثم إنه يستحب للمشيع التفكر في مآله و الاتعاظ بالموت و التخشع، كما أنه يكره له الضحك و اللعب و اللهو، ل

خبر عجلان أبي صالح (1)قال: «قال لي الصادق (عليه السلام): يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فاذكر كأنك المحمول، و كأنك سألت الرجوع إلى الدنيا ففعل، فانظر ماذا تستأنف، قال: ثم قال: عجيب لقوم حبس أولهم عن آخرهم، ثم نودي فيهم بالرحيل و هم يلعبون»

و

روي (2)«ان عليا (عليه السلام) شيع جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال: كأن الموت فيها على غيرنا كتب»

و حكى المصنف (رحمه الله) في المعتبر عن علي بن بابويه في رسالته أنه قال: «إياك أن تقول:

ارفقوا به أو ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك» و بعينه حكاه في الحدائق عن الفقه الرضوي (3)و لعله هو المستند له، و في

خبر السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام)(4)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما: الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء، و الذي يقول قفوا، و الذي يقول استغفروا له غفر الله لكم»

و عن

الخصال بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه السلام)(5)أيضا «ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرما الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة بغير رداء، و الذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة، و الذي يقول ارفقوا به و ترحموا عليه يرحمكم الله تعالى»

و لعل ما في خبر السكوني من قوله (عليه السلام): «قفوا» مصحف «ارفقوا» أو لأنه مناف للتعجيل، أو لأن المراد قفوا به لإنشاد المراثي و ذكر أحوال الميت كما هو الشائع على ما قيل، فينافي التعزي


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 53- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 69- من أبواب الدفن- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار- حديث 3.

ج 4، ص: 271

و التصبر، و كان الوجه في كراهة قول: «ترحموا» و نحوه ما فيه من الاشعار بذنب الميت و تحقيره، و كيف كان فلا ريب أن الاحتياط في ترك ذلك كله تفصيا من الوقوع في المكروه، و إن كان الوجه في بعضها لا يخلو من غموض.

نعم يستثنى من كراهة وضع الرداء صاحب المصيبة، ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير(1): «ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة»

و في

خبر أبي بصير(2): «ينبغي لصاحب المصيبة ان لا يلبس رداء، و إن يكون في قميص حتى يعرف»

و في

خبر حسين (3)«لما مات إسماعيل بن أبي عبد الله خرج أبو عبد الله (عليه السلام) فتقدم السرير بلا رداء و لا حذاء»

و المراد بوضعه عدم نزعه إن كان ملبوسا، و عدم لبسه إن كان منزوعا، بل يقتضي التعليل المذكور استحباب تغيير هيئة اللباس سيما في البلاد التي لا يعتاد فيها لبس الرداء.

بل قد يستفاد من

مرسل الفقيه (4)وضع رسول الله (صلى الله عليه و آله) رداءه في جنازة سعد بن معاذ، فسئل عن ذلك، فقال: «إني رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت ردائي»

استحباب نزعه لغيره في جنازة الأعاظم من الأولياء و العلماء، و عن ابن الجنيد التمييز بطرح بعض الزي بإرسال طرف العمامة، و أخذ مئزر من فوقها على الأب و الأخ، و لا يجوز على غيرهما، و فيه أنه لا دليل على الخصوصية، و لعله لذا منعه ابن إدريس، كما أن ما عن ابن حمزة من المنع هنا مع تجويزه الامتياز واضح الضعف، ضرورة أولويتهما بذلك من غيرهما، و كذا ما عن أبي الصلاح من أنه يتخلى و يحل أزراره في جنازة أبيه و جده خاصة، لما سمعته من إطلاق النصوص (5)التي منها أيضا يستفاد استحباب الحفاء لصاحب المصيبة و لا بأس به و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الاحتضار- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الاحتضار- حديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الاحتضار- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الاحتضار.

ج 4، ص: 272

و كذا يكره للمشيع الجلوس حتى يوضع الميت في لحده كما صرح به بعضهم،

للصحيح عن الصادق (عليه السلام)(1)«ينبغي لمن شيع جنازة أن لا يجلس حتى يوضع في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس»

خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف، فلا كراهة للأصل، و هو مقطوع بما عرفت، و

خبر عبادة بن الصامت (2)«إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد، فاعترض بعض اليهود و قال إنا نفعل ذلك، فجلس و قال: خالفوهم»

و دلالته على المطلوب أولى من العكس، لأن «كان» تدل على الدوام، و الجلوس لمجرد إظهار المخالفة، و رده في الذكرى أيضا بأن الفعل لا عموم له، فجاز وقوع الجلوس تلك المرة، و القول أقوى من الفعل عند التعارض، فتأمل.

و كذا يكره اتباع النساء الجنائز، ل

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(3): «ارجعن مأزورات غير مأجورات»

و لقول أم عطية نهانا عن اتباع الجنائز، و لأنه تبرج و مناف للستر و التخدير، لكن قد يستثنى من ذلك العجائز، ل

خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)(4)أنه قال: «لا ينبغي للمرأة الشابة أن تخرج إلى الجنازة تصلي عليها إلا أن تكون امرأة دخلت في السن»

كما أنه يحتمل تقييد الكراهة بما إذا لم تكن الميت امرأة، لما

روي (5)أن «زينب بنت النبي (صلى الله عليه و آله) لما توفت خرجت فاطمة (عليها السلام) في نسائها و صلّت على أختها»

أو يقال: إن أمر الصلاة غير التشييع، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 كنز العمال- ج 8 ص- 116- الرقم 2181.
3- 3 الوسائل- الباب- 69- من أبواب الدفن- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1.

ج 4، ص: 273

و كذا يكره الإسراع بالجنازة، و عن الشيخ الإجماع عليه، و هو المناسب لاستحباب الرفق بالميت و عن الجعفي ان السعي بها أفضل، و عن ابن الجنيد يمشي بها خببا قيل و السعي العدو و الخبب ضرب منه، و هما موافقان للمحكي عن العامة، و ربما يشهد لهما ما عن الصدوق روايته

عن الصادق (عليه السلام)(1)«إن الميت إذا كان من أهل الجنة نادى عجلوني، و إن كان من أهل النار نادى ردوني».

[من المقدمات المسنونة إن تربع الجنازة]

و من المقدمات المسنونة إن تربع الجنازة بكسر الجيم السرير، و يفتحها الميت على ما حكي، و في الذكرى «الجنازة بالكسر الميت على السرير، و الخالي عن الميت سرير لا غير» انتهى، و لا خلاف أجده بين أصحابنا في استحباب التربيع بمعنييه، بل لعله عندنا مجمع عليه كما ادعاه بعضهم، (الأول) حمل السرير بأربعة رجال، لأنه أدخل في توقير الميت، و أسهل من الحمل بين العمودين، سيما بالنسبة للمؤخر، و يحتمله

قول الباقر (عليه السلام) في خبر جابر(2): «السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع»

و وافقنا عليه من العامة النخعي و الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و أحمد على ما حكي عنهم، خلافا للمنقول عن الشافعي، فجعل حمل الجنازة بين العمودين أولى من حملها من الجوانب الأربع، و لا ريب في ضعفه عندنا و (الثاني) حمل الواحد كلا من جوانبه الأربع، و كأن استحبابه اتفاقي كما حكاه بعضهم، و الأخبار به (3)متظافرة، و

في بعضها(4)أن «من ربع خرج من الذنوب»

و

في آخر(5)«محيت عنه أربعون كبيرة»

إلى غير ذلك.

و لعل الأول يستفاد منه أيضا، و الظاهر حصول فضل التربيع بمجرد حصوله


1- 1 الفقيه ج 1 ص 123 من طبعة النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الدفن.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الدفن- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الدفن- حديث 6.

ج 4، ص: 274

كيف ما اتفق الابتداء كما يقتضيه

قول الباقر (عليه السلام) في أحد الاحتمالين: «السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع»

و

كتابة الحسين ابن سعيد إلى الرضا (عليه السلام) في الصحيح (1)«يسأله عن سرير الميت إله جانب يبدأ به في الحمل من الجوانب الأربعة أو ما خف على الرجل يحمل من أي الجوانب شاء؟

فكتب من أيها شاء»

و لا منافاة فيه لما تسمعه من استحباب البدأة بما يأتي، و على تقديره فهو معارض بما هو أقوى منه من وجوه، فما عن ابن الجنيد من العمل به في ذلك كما عساه يلوح من المدارك أيضا ليس في محله.

و لكن الأفضل فيه أن يبدأ بمقدمها الأيمن أي الجنازة التي هي عبارة عن الميت، فيضعه على عاتقه الأيمن و يخرج باقي بدنه، ثم يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر بعد أن يحمل مؤخرها الأيمن كالمقدم، فيضع مؤخرها الأيسر على عاتقه الأيسر، ثم ينتقل منه إلى المقدم واضعا له على العاتق الأيسر، أو يراد بالجنازة السرير على أن يكون الأيمن منه هو الذي يلي يمين الميت، فيوافق الهيئة السابقة، و هو المشهور بين الأصحاب على ما حكاه في كشف اللثام، قلت: و لعله كذلك و إن وقع في كثير من عبارات الأصحاب وصف مقدم السرير الذي يبتدأ به بالأيمن، و هو موهم لما كان يلي يسار الميت، و يساره لما كان يلي يمين الميت، و من هنا وقع الاضطراب في كثير من كلماتهم حتى جعلوا المسألة خلافية، فذكروا أن الشيخ في المبسوط و النهاية و باقي الأصحاب على الابتداء بيمين السرير المقدم، ثم بمؤخره، ثم بمؤخر الأيسر، ثم بمقدمة كذلك، خلافا له في الخلاف، فجعل البدأة بيسار السرير، و هو الذي يلي يمين الميت، ثم بمؤخره، و هكذا إلى المقدم، مع نقله الإجماع من الفرقة و عملهم عليه فيه، و اختاره جماعة من متأخري المتأخرين مرجحين له بعد ظهوره من


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 275

الأخبار بالموافقة فيه بين يمين الميت و الحامل، فينطبق حينئذ على ما دل على استحباب البدأة باليمين.

ظني أن ما نقلوه عن الشيخ في المبسوط و النهاية و كذا باقي الأصحاب راجع إلى ما قاله في الخلاف، على أن يكون المراد بمقدم السرير الأيمن هو الذي يلي يمين الميت كما فسره به في كشف اللثام، إذ كما يمكن أن يقال: إن يمين السرير هو الذي يلي يسار الميت بأن يعتبر السرير رجلا ماشيا خلف السرير، أو دابة مقدمها ما يلي رأس الميت، فيكون الميت حينئذ كالمستلقى على ظهرها، يمكن أن يقال: إن يمين السرير و يساره بحسب ما جاور من جانبي الميت، سيما فيما كان مستعملا في ذلك الزمان من العمودين، بل يمكن أن يعتبر شخصا مستلقيا على قفاه كالميت، و بذلك تنطبق عبارات الأصحاب، فقد يطلق يسار الجنازة و يراد به ما يلي يمين الميت كما في عبارة الخلاف بالاعتبار الأول، و قد يطلق على هذا بخصوصه أنه يمين السرير بالاعتبار الثاني كما في عبارة المبسوط و غيره من عبارات الأصحاب، بل كاد يكون صريح عبارة المنتهى و غيره، فلاحظ، و للمتأمل في كلماتهم أمارات على ذلك، (منها) نقله في الخلاف الإجماع على ذلك، و هو بنفسه قد ذكر في المبسوط و عن النهاية الابتداء بيمنى السرير كعبارات كثير من الأصحاب، و (منها) أنه لو أريد بيمنى السرير الذي يلي يسار الميت لم يتيسر وضعه على العاتق الأيمن للحامل إلا بمشقة و المشي بالقهقرى، سيما في مثل التوابيت المستعملة في زماننا، و لعلها كانت قديمة. و (منها) أن الذي ذكرناه كاد يكون صريح

خبر الفضل بن يونس (1)قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن تربيع الجنازة، قال: إذا كنت في موضع تقية فابدأ باليد اليمنى، ثم بالرجل اليمنى، ثم ارجع من مكانك إلى ميامن الميت، لا تمر خلف رجليه البتة حتى تستقبل الجنازة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 276

فتأخذ يده اليسرى، ثم رجله اليسرى، ثم ارجع من مكانك خلف الجنازة البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا، فان لم تكن تتقي فيه فان تربيع الجنازة التي جرت به السنة أن تبدأ باليد اليمنى، ثم بالرجل اليمنى، ثم بالرجل اليسرى، ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها».

إذ لا ريب أن المراد باليد و الرجل فيه إنما هو بالنسبة إلى الميت، و هو بعينه ما ذكرناه، و غيره من الأخبار و إن لم يكن بهذه الصراحة إلا أنه يمكن إرجاعه إليه بخلاف العكس، ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر العلاء بن سيابة(1)«تبدأ في حمل السرير من الجانب الأيمن، ثم تمر عليه من خلفه إلى الجانب الآخر، ثم تمر حتى ترجع إلى المقدم كذلك دوران الرحى عليه»

إذ يمكن حمل الأيمن فيه على أيمن الميت أو السرير بالاعتبار الذي ذكرناه.

و ك

قول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر علي بن يقطين(2) : «السنة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك الأيمن، ثم تمر عليه إلى الجانب الآخر، و تدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك»

و هو كالصريح فيما قلنا، و يراد بالأيسر فيه من السرير بالاعتبار المعروف، و لا حاجة إلى ما تكلفه في كشف اللثام في رفع المنافاة بينها و بين كلام المشهور مع ما فيه من النظر، فتأمل جيدا.

و ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور المروي في السرائر نقلا من جامع البزنطي (3): «السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن، و هو مما يلي يسارك، ثم تصير إلى مؤخره، و تدور عليه حتى ترجع إلى مقدمه»

إذ كما يحتمل أن يكون مما يلي يسارك لو كنت ماشيا في جانب السرير الذي يليه يحتمل أن يكون المراد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 277

لو كنت ماشيا خلفه، و إن حمل على حالة الاستقبال فهو و إن كان يمين الميت يحاذي يمينه حينئذ، لكن إذا جاوزه مائلا إلى يمين الميت ليأخذ السرير يلي يمين الميت حينئذ يساره، و هذا و إن كان لا يخلو من بعد في الجملة لكن لا بأس به بعد ما عرفت.

و كما في

الفقه الرضوي (1)[2036] «إذا أردت أن تربعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه بيمينك، ثم تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك، ثم تدور إلى المؤخر الثاني فتأخذه بيسارك ثم تدور إلى المقدم الأيسر فتأخذه بيسارك، ثم تدور كدور كفي الرحى»

و كأنه يريد كدور الكفين الآخذتين بخشبة الرحى.

لا يقال: إن ما ذكرته من كيفية التربيع لا ينطبق على المعروف في النص و الفتوى من تشبيهه بدوران الرحى، بخلاف ما لو كانت البدأة بيمين السرير المعروف، لأنا نقول: أما أولا فالظاهر تحققه بما قلناه، بل لعله أولى من غيره، و إن كانا معا يستعملان كما هو المشاهد في دور الرحى، و أما ثانيا فالظاهر أن المراد بالتشبيه المذكور إنما هو الرد على العامة كما كشف ذلك مفصلا خبر الفضل بن يونس المتقدم سابقا، فتأمل هذا.

و ربما يشهد لما ذكرناه مضافا إلى ما سمعت ما حكاه الشهيد في الذكرى عن الراوندي انه حكى كلام النهاية و الخلاف و قال: معناهما لا يتغير، و ما في المنتهى حيث لم يتعرض فيه لخلاف، بل قال: «المستحب عندنا أن يبدأ الحامل بمقدم السرير، ثم يمر معه و يدور من خلفه إلى الجانب الأيسر فيأخذ رجله اليسرى، و يمر معه إلى أن يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحى، و حاصل ما ذكرناه أن يبدأ فيضع قائمة السرير التي تلي اليد اليمنى للميت فيضعها على كتفه الأيسر، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليمنى على كتفه الأيسر، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليسرى على كتفه


1- 1 المستدرك- الباب- 8- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 278

الأيمن، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي يده اليسرى على كتفه الأيمن، و هكذا» انتهى. و لقد أحسن فيما ذكره لكن كان عليه أن يقول كتفه الأيمن بدل الأيسر و بالعكس، و إلا فلا يكاد يتم إلا مع جعل الجنازة بين عمودين و دخول الحامل بينهما، أو يمشى بالميت على رجليه، و نحو ذلك.

و ليعلم أنه ليس المقصود مما ذكرناه تنزيل سائر كلمات الأصحاب على ما اخترناه بل المراد إمكان تنزيل كثير من كلماتهم، و إلا فكلام بعض المتأخرين لا يمكن تنزيله على ما ذكرنا ككلام الشهيد في روضته، حيث قال: «و أفضله أن يبدأ في الحمل بجانب السرير الأيمن، و هو الذي يلي يسار الميت فيحمله بكتفه الأيمن، ثم ينتقل إلى مؤخره الأيمن فيحمله بالأيمن كذلك، ثم ينتقل إلى مؤخره الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر، ثم ينتقل إلى مقدمة الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر كذلك» انتهى.

و قد عرفت صعوبة ما ذكره في كثير من الجنائز بل تعذره في بعضها، نعم يمكن أن يقال بالتخيير بين الابتداء بيمين الميت أو يمين السرير، لكن لا على الحمل بالكتف الأيمن على الثاني مراعاة لصحيحة ابن أبي يعفور السابقة، سيما مع اعتضادها بظاهر بعض الأخبار السابقة أن حمل فيها اليمنى من السرير على المعنى المتعارف، و هو الذي يلي يسار الميت، و كذا ظاهر عبارات كثير من الأصحاب، و بالشهرة المحكية على ذلك في المدارك، فتقاوم حينئذ الرواية الأخرى المعتضدة بما عرفته، فينبغي التخيير حينئذ، و الاحتياط غير خفي، فتأمل جيدا، و الله أعلم بحقائق أحكامه.

[ (منها) أن يعلم المؤمنون بموت المؤمن]

و منها أن يعلم بالبناء للمجهول المؤمنون بموت المؤمن بلا خلاف أجده في استحباب ذلك، سوى ما عن الجعفي من أنه يكره النعي إلا أن يرسل صاحب المصيبة إلى من يختص به، و لعله غير ما نحن فيه، و إلا كان محجوجا بالإجماع عن الخلاف عليه، مضافا إلى النصوص ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان

ج 4، ص: 279

أو حسنه(1): «ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت فيشهدون جنازته، و يصلون عليه، و يستغفرون له، ليكتب لهم الأجر، و يكتب للميت الاستغفار، و يكتسب هو الأجر فيهم و فيما اكتسب لميتهم من الاستغفار»

و في

خبر ذريح (2)«عن الجنازة يؤذن بها الناس، قال: نعم»

و في

مرسل القاسم بن محمد(3)«إن الجنازة يؤذن بها الناس»

و ظاهر الأخيرين استحباب ذلك حتى لغير الولي و لا ينافيه الأول.

و يؤيده ترتب الفوائد العظيمة على هذا الاعلام الحاصلة بسبب التشييع و الحمل و التربيع و الصلاة و الاستغفار و الترحم، و ربما يصيبه ألم فيسترجع، فيدخل تحت عموم الآية(4)و التذكر لأمور الآخرة و الاتعاظ و تنبيه القلب القاسي، و كذا ما يحصل للميت من الفوائد أيضا من كثرة المصلين و المستغفرين، مع ما فيه من إكرام الميت و إدخال السرور على الحي و نحو ذلك، فلا ريب في رجحان هذا الاعلام لمكان سببيته لهذه الأمور العظام، و الظاهر أنه لا بأس في النداء لذلك، بل يشمله الأمر بالايذان فيما سمعت من الأخبار، و ما في الخلاف أنه لم يعرف فيه نصا إن أراد بالخصوص فمسلم، لكنه غير قادح، و إن أراد بالعموم فممنوع، على أنه لا يتوقف على شي ء من ذلك بعد ما عرفت، كما ظهر لك استحباب الإجابة و الإسراع بعد أن يؤذن، مع استفاضة الأخبار(5)بذلك، و أنه يقدمه على الوليمة إذا دعي إليهما لما فيه من تذكر الآخرة بخلافها فتذكر الدنيا.

[و (منها) إن يقول المشاهد للجنازة الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم]

و (منها) إن يقول المشاهد للجنازة الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم ل

خبر أبي حمزة(6)قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا رأى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب صلاة الجنائز- حديث 4.
4- 4 سورة البقرة الآية 151.
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الاحتضار.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 280

جنازة قد أقبلت قال: الحمد لله»

إلى آخره، و نحوه مرفوعة أبي الحسن النهدي (1)عن الباقر (عليه السلام).

و يستحب أن يقول أيضا ما في

خبر عنبسة بن مصعب عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من استقبل جنازة أو رآها فقال:

الله أكبر هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله، اللهم زدنا ايمانا و تسليما، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة، و قهر العباد بالموت لم يبق ملك في السماء إلا بكى رحمة لصوته»

و كذا يستحب أن يقول عند حملها: ما في

خبر عمار عن الصادق (عليه السلام)(3)قال: «سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول الذي يحملها؟ قال: يقول بسم الله و بالله، و صلى الله على محمد و آل محمد، اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات»

و المراد بالسواد الشخص، قيل و يطلق على عامة الناس، و عن بعضهم زيادة القرية أيضا، و المحترم الهالك، أو المستأصل، و المراد هنا الجنس، أي لم يجعلني من هذا القبيل، و لا ينافي هذا حب لقاء الله تعالى لأنه غير مقيد بوقت، فيحمل على حال الاحتضار و معاينته ما يحب، كما رويناه عن الصادق (عليه السلام)(4)، و

عن العامة روايته (5)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «أنه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، و من كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقيل له (صلى الله عليه و آله) إنا لنكره الموت، فقال: ليس ذلك، و لكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله و كرامته، فليس شي ء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله و أحب الله لقاءه، و إن الكافر إذا حضر بشر بعذاب


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدفن- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الاحتضار- حديث 2.
5- 5 كنز العمال- ح 8 ص 80 الرقم 1495.

ج 4، ص: 281

الله فليس شي ء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله و كره الله لقاءه»

و بقية عمر المؤمن نفيسته، كما أشار إليه

النبي (صلى الله عليه و آله) في الصحاح على ما قيل (1)«لا يتمنى أحدكم الموت و لا يدع به من قبل أن يأتيه، أنه إذا مات انقطع عمله و إنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا»

و

عن علي (عليه السلام) «بقية عمر المؤمن لا ثمن لها يدرك بها ما فات، و يحيي بها ما مات»

أو يقال: إن المحترم كناية عن الكافر لأنه الهالك حقيقة فيكون الحمد حينئذ في محله، و يمكن أن يراد به الهالك قبل الأربعين سنة، و الأمر سهل.

[و (منها) أن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل إلى القبر]

و (منها) أن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل إلى القبر بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى النصوص ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2): «ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة، ثم وراه»

و نحوه غيره (3)و ليكن دون القبر بذراعين أو ثلاثة ل

خبر محمد بن عجلان عن الصادق (عليه السلام)(4)أيضا «إذا جئت بالميت إلى قبره فلا تفدحه بقبره، و لكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة، و دعه حتى يتأهب للقبر، و لا تفدحه به»

و في

خبره الآخر عنه (عليه السلام)(5)أيضا «لا تفدح ميتك بالقبر و لكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة، و دعه حتى يأخذ أهبه»

و نحوه، مضمر ابن عطية(6).

[ (منها) استحباب أن يكون الوضع مما يلي رجليه]

و (منها) يستفاد استحباب أن يكون الوضع مما يلي رجليه إذ المراد بالأسفل ذلك، مضافا إلى ما في الغنية من الإجماع عليه أيضا، مع أنه قد يدل عليه أيضا

قوله (عليه السلام) في حسن الحلبي (7): «إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه»

أي في القبر، إذ


1- 1 سنن البيهقي- ج 3 ص 277.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 282

أخذه منه مقتض لوضعه فيه، و بذلك يتضح الاستدلال حينئذ بما في عدة أخبار(1)بأن لكل شي ء بابا و باب القبر مما يلي الرجلين، لكن ليس في شي ء من هذه الأخبار التفصيل بين الرجل و المرأة، فقضيته تساويها مع الرجل في الوضع مما يلي الرجلين.

و لكن ذكر المصنف و غيره بل في الغنية و ظاهر المنتهى و عن ظاهر التذكرة و النهاية الإجماع عليه أن المرأة توضع مما يلي القبلة مع زيارة أمام القبر في معقد إجماع الغنية، و لعل ذلك كاف في إثبات ذلك، مع إمكان الاستدلال عليه ب

خبر الأعمش المروي (2)عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: «و الميت يسل من قبل رجليه سلا، و المرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد»

و نحوه ما عن الفقه الرضوي (3)لظهورهما في وضع المرأة من قبل اللحد، و اللحد إنما يكون في القبلة، على أن قضية الأخذ من ذلك المكان الوضع فيه عند انتهاء الجنازة، كل ذا مع إمكان تأييده أيضا في الرجل و المرأة بأن هذه الكيفية من الوضع فيهما أيسر في فعل ما هو الأولى بهما من إرسال الرجل سابقا برأسه و المرأة عرضا، و أما اختيار جهة القبلة فلشرفها.

[و (منها) أن ينقله في ثلاث دفعات]

و (منها) أن ينقله أي الميت رجلا كان أو امرأة لإطلاق الدليل، فتخصيص بعضهم هذا الحكم به دونها في غير محله في ثلاث دفعات بإدخال النقل الأول السابق على وضعه قريب القبر فيها، أو يدعى فهم ذلك من

الخبر المروي (4)عن العلل الذي هو مستند هذا الحكم «إذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر، فان للقبر أهوالا عظيمة، و تعوذ من هول المطلع، و لكن ضعه قرب شفير القبر، و اصبر عليه هنيئة، ثم قدمه قليلا، و اصبر عليه ليأخذ أهبته، ثم قدمه إلى شفير القبر»

كالمحكي عن الفقه


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 4 و 6 و 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 6.

ج 4، ص: 283

الرضوي (1)و مثله عبر في المبسوط و الفقيه على ما حكي عنهما بأن يراد وضعه عند شفير القبر أيضا، ثم ينزل بعده برفع آخر، فيتكرر النقل حينئذ ثلاثا، و في الثالثة النزول، و لا يخفى بعده، إذ الظاهر منه أن التقديم إلى شفير القبر هو نقل النزول، فيكون الرفع حينئذ دفعتين، نعم يتثلث الوضع بإدخال الوضع الذي على شفير القبر المتعقب له النزول فيها.

و كيف كان فلا ريب في الحكم بمضمون الخبر المتقدم، و الظاهر إرادة المصنف ذلك و إن كانت العبارة لا تخلو من قصور، و بما سمعته من خبر العلل اندفع ما أشكل على جملة من متأخري المتأخرين من عدم الوقوف لما ذكره المصنف و غيره على دليل، بل الموجود في صحيح عبد الله بن سنان (2)و روايتي محمد بن عطية(3)و محمد بن عجلان (4)و غيرها إنما هو وضعه دون القبر هنيئة ثم دفنه، و عن ابن الجنيد الفتوى بمضمونها كظاهر المصنف في المعتبر، و اعتمده في المدارك، و قد عرفت ما في الجميع، فتأمل.

[و (منها) أن يرسله إلى القبر سابقا برأسه]

و (منها) أن يرسله إلى القبر سابقا برأسه إن كان رجلا كما خرج إلى الدنيا بلا خلاف أجده، بل في الغنية و الخلاف و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، كما عن شرح الجمل للقاضي نفي الخلاف عنه، و أما المرأة فترسل عرضا بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل في صريح الغنية و الخلاف و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه أيضا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

مرفوع عبد الصمد بن هارون عن الصادق (عليه السلام)(5)«إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا فسله سلا، و المرأة تؤخذ عرضا فإنه أستر»

و

خبر عمرو بن خالد(6)عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام)


1- 1 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الدفن- حديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الدفن- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 284

قال: «يسل الرجل سلا، و تستقبل المرأة استقبالا، و يكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها»

و خبر الأعمش (1)السابق على نحو المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(2)و بها مع اعتضادها بما عرفت يقيد إطلاق غيرها من الأخبار الآمرة(3)بسل الميت من قبل رجليه، أي لو كان في القبر، كصحيح الحلبي (4)و غيره من غير فرق بين الرجل و المرأة، فتنزل حينئذ على الأول، فلا وجه للتوقف في ذلك من هذه الجهة كما وقع لبعض متأخري المتأخرين.

ثم إنه قد استفاض في الأخبار الأمر بالسل من قبل الرجلين، و الظاهر منه إرادة أن لا ينكس برأسه في القبر، و ينبغي أن يكون ذلك برفق كما في خبر محمد بن عجلان و غيره.

[و (منها) أن ينزل من يتناوله حافيا و يكشف رأسه و يحل أزراره]

و (منها) عند الأصحاب كما في المعتبر و المدارك أن ينزل من يتناوله حافيا و يكشف رأسه و يحل أزراره لكونه مقام اتعاظ و خشوع، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(5): «لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين و لا خفين و لا عمامة و لا رداء و لا قلنسوة»

و ظاهره كراهة ذلك لو فعل، ك

خبر الحضرمي عنه (عليه السلام)(6)أيضا «لا تنزل في القبر و عليك العمامة و لا القلنسوة و لا رداء و لا حذاء و حلل أزرارك، قال: قلت: فالخف قال: لا بأس بالخف وقت الضرورة و التقية، و ليجهد في ذلك جهده»

و نحوه خبر علي بن يقطين (7)و

سيف بن عميرة(8)إلا أنه لم يتعرض في الأخير لحل الأزرار، و قال فيه: «قلت: فالخف، قال: لا بأس


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الدفن- حديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الدفن- حديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الدفن- حديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الدفن- حديث 5.

ج 4، ص: 285

بالخف، فان في خلع الخف شناعة»

و في

المروي عن العلل (1)على نحو ما تقدم، لكن فيه أيضا «قلت: فالخف، قال: لا أرى به بأسا، قلت: لم يكره الحذاء؟ قال:

مخافة أن يعثر برجله فيهدم»

و كان الأصحاب حملوا ذلك على السابق، فاعتبروا نزع الخف إلا مع الضرورة أو التقية، و من هنا جعلوا المستحب التحفي، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد فأطلق نفي البأس عن الخف، و الأول أولى كما أنهم فهموا من النهي في تلك الأخبار الأمر بالنزع للقلنسوة و النعل، فلذلك ذكروا أنه مستحب، بل لم يذكروا الكراهة.

ثم إنه لا ريب في عدم وجوب شي ء من ذلك، للإجماع في الذكري، و ل

خبر إسماعيل بن بزيع (2)قال: «رأيت أبا الحسن (عليه السلام) دخل القبر و لم يحل أزراره»

المحمول على بيان الجواز.

و يكره أن يتولى ذلك أي الإنزال في القبر الأقارب في الرجل كما في المبسوط و الوسيلة و المعتبر و التذكرة و المنتهى و غيرها، و لعله يرجع إليه من عبر عن ذلك باستحباب كون النازل أجنبيا كما في القواعد و غيرها، و من هنا نسب بعضهم الكراهة إلى الأصحاب، و لو لا ذلك لأمكن المناقشة فيه، بعدم الدليل عليه في شي ء مما عثرنا عليه من الأخبار، نعم علله غير واحد منهم بأنه يورث قسوة القلب، كما أنه استند بعضهم إلى المستفيضة(3)جدا عن إدخال الوالد قبر ولده و دفنه، و في

بعضها(4)أن «رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: أيها الناس أنه ليس عليكم بحرام أن


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الدفن- حديث 6 و هو عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن- حديث 4.

ج 4، ص: 286

تنزلوا في قبور أولادكم، لكن لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان، فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره»

و هما كما ترى يمكن منع الأول، إلا أن يدعى استفادته من بعض الأخبار(1)و إمكان معارضته أيضا بأنه أرفق للميت و أشفق عليه، و لا عموم في الثاني، بل قد يظهر من بعض الأخبار هنا نفي البأس عن دفن الولد أباه ك

خبر العنبري (2)«سأله الرجل يدفن ابنه؟ فقال: لا يدفن في التراب، قال: فالابن يدفن أباه قال: نعم لا بأس»

و لذا استثنى ابن سعيد الولد، و يظهر من المنتهى الميل إليه. لكن حمله غير واحد من الأصحاب على خفة الكراهة بالنسبة إليه، و هو حسن لو وجد المعارض، و لم نقف عليه فيما وصل إلينا من الأخبار، نعم روى في الذكرى

خبر عبد الله بن محمد بن خالد عن الصادق (عليه السلام)(3)«الوالد لا ينزل في قبر ولده، و الولد لا ينزل في قبر والده»

و لم نقف على لفظ «لا» في الأخير في كتب الأخبار، فيكون حينئذ نصا في الفرق، و مؤبدا للخبر السالف ك

خبر عبد الله بن راشد عن الصادق (عليه السلام)(4)لما مات إسماعيل، إلى أن قال: «إن الرجل ينزل في قبر والده و لا ينزل في قبر ولده».

و ربما يؤيد أيضا بالنسبة إلى دخول بعض الأرحام بما هو المشهور من دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) و العباس النبي (صلى الله عليه و آله)، و في رواية أخرى (5)أنه أدخل معه الفضل بن العباس، و ب

خبر علي بن عبد الله (6)قال: «سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) قال- في حديث-: لما قبض إبراهيم بن رسول الله (صلى الله


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الدفن- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن- حديث 4.

ج 4، ص: 287

عليه و آله) قال: يا علي (عليه السلام) انزل فألحد إبراهيم في لحده»

الحديث. اللهم إلا أن يقال: إنه (عليه السلام) مأمون من الجزع، هذا، مع إطلاق بعضهم كالمبسوط و المنتهى و غيرهما استحباب نزول الولي القبر أو من يأمره، بل نص بعضهم في خصوص ذلك على الرجل، بل قد يظهر من المنتهى دعوى الإجماع عليه، قال فيه: «و يستحب أن ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي إن كان رجلا، و إن كان امرأة لا ينزل إلى قبرها إلا زوجها أو ذو رحم لها، و هو وفاق العلماء» انتهى، هذا، مع نصهم هنا على الكراهة، و هو كالمتدافع، و نحوه عن التذكرة و في

خبر محمد بن عجلان (1)«فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به مما يلي رأسه»

الخبر، و نحوه خبر محمد ابن عطية(2)و في

خبر ابن عجلان الآخر عن الصادق (عليه السلام)(3)أيضا «فإذا أدخلته إلى قبره فليكن أولى الناس به عند رأسه، و ليحسر عن خده و ليلصق خده بالأرض، و ليذكر اسم الله»

إلى آخره، إلى غير ذلك مما يدل على دخول الأرحام قبور أرحامهم، و لعله لذا مال إلى القول بعدم الكراهة في البحار، لكن قد يقال:

إن ذلك كله إنما يدل على نزول القبر و دخوله لا إنزال الميت، و الكلام فيه، و من ثم كان الوقوف مع الأصحاب لعله الأقرب إلى الصواب.

و ربما يستأنس له بعد ظهور اتفاقهم عليه هنا كما تظهر دعواه من بعضهم، و بعد ما سمعته من أخبار الولد مع التعليل في بعضها بما قد يدعى جريانه في غيره بفحوى ما

ورد من النهي (4)عن إهالة التراب على الولد و ذي الرحم معللا بأن ذلك يورث القسوة في القلب، قال فيه: «و من قسى قلبه بعد عن الله تعالى»

و لعله لذا علل الكراهة بذلك في المبسوط و المعتبر و المنتهى و التذكرة و عن النهايتين.

و كيف كان فلا ريب أنه ينبغي استثناء المرأة من هذا الحكم، و لذا قال المصنف:


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 288

إلا في المرأة فيتولى ذلك فيها الزوج أو الأرحام، بل فيما سمعته من المنتهى الإجماع عليه، كالتذكرة على أولوية الأرحام، و يؤيده مع أنها عورة

قول علي (عليه السلام) في خبر السكوني(1): «مضت السنة من رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حال حياتها»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق ابن عمار(2): «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها»

و في

خبر زيد بن علي (3)عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «يكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها»

و قد يشعر اختصاص ذلك في خصوص المؤخر كعبارة المفيد المحكية عنه «و ينزلها القبر اثنان يجعل أحدهما يديه تحت كتفيها، و الآخر يديه تحت حقويها، و ينبغي أن يكون الذي يتناولها من قبل وركيها زوجها أو بعض ذوي أرحامها كابنها أو أخيها أو أبيها إن لم يكن لها زوج» انتهى. و ربما يحمل الخبر على فرض عدم تعدد الرحم، و عبارة المفيد على ما يقرب من ذلك أو على إرادة بيان أهمية ذلك، أو تفاوت الأرحام بالنسبة إليه، فتأمل.

ثم إن الظاهر ترتب الأولياء هنا الأقرب فالأقرب، لأنها ولاية، كما أن الظاهر تقديم الزوج عليهم، للخبر المتقدم، نعم الجميع أولى من النساء هنا و إن كان أرحاما، خلافا لأحمد فجعل النساء أولى، و هو ضعيف لاحتياج الدفن إلى مباشرة ما تضعف النساء عنه غالبا، و إلى ما يمنعن منه من جهة حضور الرجال غالبا ككشف الوجه و الساعد، نعم إن لم يكن زوج و لا رحم من الرجال فالنساء، فان تعذرن فالأجانب الصلحاء، و إن كانوا شيوخا فهم أولى، قاله الفاضل في التذكرة و تبعه عليه غيره.

بقي شي ء و هو أنه قال في كشف اللثام بعد تمام الكلام: «ثم إنه هل يتعين


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 289

الزوج أو الرحم؟ ظاهر العبارة و التذكرة و النهاية و صريح المعتبر و الذكرى الاستحباب، للأصل و ضعف الخبر، و ظاهر جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و المنتهى الوجوب» انتهى. قلت: لا ينبغي الإشكال في جواز تولي النساء لذلك، و لا ينافيه الخبر، نعم قد يشكل الحال بالنسبة للأجانب، و لا ريب أن الأحوط تركه و إن كان في تحريمه نظر و تأمل بل منع، فتأمل جيدا.

[و (منها) انه يستحب أن يدعو بالمأثور عند إنزاله القبر]

و (منها) انه يستحب أن يدعو بالمأثور عند إنزاله القبر باتفاق العلماء كما في المعتبر،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة(1): «إذا وضعت الميت على القبر قل اللهم عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك، نزل بك و أنت خير منزول به، فان سللته من قبل الرجلين و دليته قل بسم الله و بالله و على ملة رسول الله (صلى الله عليه و آله) اللهم إلى رحمتك لا إلى عذابك، اللهم افسح له في قبره، و لقنه في حجته، و ثبته بالقول الثابت، و قنا و إياه عذاب القبر»

الخبر و عن النهاية و المقنعة و المبسوط و المصباح و مختصره و التذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام أنه

«يقول إذا تناوله: «بسم الله و بالله و على ملة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك، هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله، اللهم زدنا إيمانا و تسليما»

و في

حسن الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا أدخل الميت القبر قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و صاعد عمله، و لقه منك رضوانا»

و الظاهر أنه بناء «أدخل» للمجهول، و يحتمل خروج هذا الخبر عما نحن فيه بناء على كون هذا الدعاء بعد وضعه لا حين إنزاله، كظاهر كثير من أخبار المقام، للتعليق فيها على الوضع و نحوه فلاحظ و تأمل حتى لا يشتبه عليك دلالتها على المطلوب

[في الدفن فروض و سنن]
اشاره

و في الدفن فروض و سنن،

[فالفروض]

فالفروض أولا الدفن إجماعا منا بل من المسلمين إن لم يكن ضروريا كما حكاه جماعة منهم الفاضلان،


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 290

و تأسيا بالنبي و عترته (صلوات الله عليهم) و المسلمين بعده، و سنة(1)بل و كتابا كقوله تعالى (2)«أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً» على أظهر الوجهين فيها بأن يكون «أحياء» منصوبا بسابقه، و الكفت الضم، و قوله تعالى أيضا(3)«مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ» إلى غير ذلك، بل هو غني عن الاستدلال، و هو لغة و عرفا و شرعا مواراته في الأرض بأن يحفر له حفيرة فيدفن فيها، لكن نص جماعة على كون الحفيرة تحرسه من السباع و تكتم رائحته عن الناس، بل في المدارك أنه «قد قطع الأصحاب و غيرهم بأن الواجب وضعه في حفيرة تستر عن الإنس ريحه و عن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالبا» انتهى. قلت و لعله لتوقف فائدة الدفن على ذلك إن لم يدّع توقف مسماه كما أشار إليه

الرضا (عليه السلام) على ما عن علل ابن شاذان (4)«أنه يدفن لئلا يظهر الناس على فساد جسده و قبح منظره و تغير ريحه، و لا يتأذى به الأحياء و بريحه و بما يدخل عليه من الآفة و الدنس و الفساد، و ليكون مستورا عن الأولياء و الأعداء، فلا يشمت عدوه و لا يحزن صديقه».

و كأنه أشار إلى ذلك في الذكرى و تبعه عليه غيره حيث قال: و الوصفان في الغالب متلازمان، و لو قدر وجود أحدهما وجب مراعاة الآخر للإجماع على وجوب الدفن، و لا يتم فائدته إلا بهما، هذا كله مع إمكان دعوى توقف اليقين بالبراءة من التكليف بالدفن شرعا أو لغة و عرفا عليه، سيما مع كون المعهود و المتعارف في القبور ذلك، لكن مع ذا كله فللنظر و التأمل فيه مجال، كالتأمل في دعوى ثبوت الإجماع عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الدفن.
2- 2 سورة المرسلات- الآية- 25.
3- 3 سورة طه- الآية- 57.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 291

لخلو كثير من كلمات الأصحاب عن التعرض لذلك، و من هنا لم أعثر على من ادعاه قبل سيد المدارك، و من العجيب ما في الرياض حيث حكى معقد إجماعي الفاضلين على الوصفين المذكورين، و هما ليسا كذلك كما لا يخفى على من لاحظهما، و كذا التأمل في دعوى توقف مسمى الدفن عليه شرعا، لعدم ثبوت حقيقة شرعية فيه، بل و لا مجاز شرعي، و أضعف منه دعوى العرفي، و منه يظهر لك أنه لا وجه للتمسك بتوقف البراءة اليقينية عليه، فيبقى أصالة البراءة حينئذ سالما عن المعارض.

و أما دعوى توقف فائدة الدفن عليه فمع أنه غير مطرد فيما لو دفن في مكان يؤمن عليه من السباع و ظهور الرائحة لعدم الناس مثلا أو غير ذلك و لا تنحصر فوائده فيهما لا محصل لها بحيث ترجع إلى أحد الأدلة المعتبرة، فلذا كان الاجتزاء بمسمى الدفن مع الأمن من ذينك الأمرين من غير الحفيرة لا يخلو من قوة، إلا أن الأحوط الأول.

نعم لا يجتزى بما لا يصدق معه مسمى الدفن و إن حصل الفرضان السابقان، فلا يجزئ البناء عليه و لا وضعه في تابوت من صخر أو غيره مغطى أو مكشوف و لا غير ذلك، لكن مع القدرة على المواراة في الأرض كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل في المدارك أن ظاهرهم تعين الحفيرة مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و علله أيضا بأنه مخالف لما أمر به النبي (صلى الله عليه و آله) من الحفر، و لأنه (صلى الله عليه و آله) دفن و دفن كذلك، و هو عمل الصحابة و التابعين، أما لو دفن بالتابوت في الأرض جاز لكنه مكروه إجماعا كما عن الشيخ، نعم لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو كثرة الثلج و نحو ذلك أجزأ، بل وجب مواراته بنحو ذلك مراعيا للوصفين بحسب الإمكان بناء على اعتبارهما، و احتمال الإشكال في وجوبه بعد فرض عدم صدق مسمى الدفن عليه لعدم الدليل على الانتقال منه بعد تعذره اليه مدفوع- بعد إمكان دعوى الإجماع عليه- بما يظهر للمتأمل في الأدلة و في حكمة الدفن و مراعاة حرمة المؤمن، و فيما ورد(1)من التغسيل و الإلقاء


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 292

في البحر، و نحو ذلك مما يشرف الفقيه على القطع بالوجوب، و هل يعتبر الأقرب فالأقرب إلى مسمى الدفن؟ وجهان.

كل ذا أن لم يمكن نقله إلى ما يمكن حفره، أما إذا أمكن وجب للمقدمة، و لذا قال في الذكرى و تبعه عليه غيره: «إنه لو أمكن نقله إلى أرض يمكن حفرها وجب» قلت: و نحوه الانتظار به إلى وقت الإمكان، إلا أنه لم أقف على نص هنا من أخبار الباب و كلام الأصحاب على تحديد عدم الإمكان، فهل هو مخافة تغيره و ظهور رائحته أو حصول العسر و المشقة و نحوهما بنقله، أو غير ذلك؟ و كذا الكلام بالنسبة إلى فقد سائر الواجبات من الكافور و الغسل و الكفن و نحوها، عدا ما في كشف اللثام حيث قال: «و لو تعذر الحفر و أمكن النقل إلى ما يمكن حفره قبل أن يحدث بالميت شي ء وجب» انتهى، و ربما يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، بل ربما يظهر منها كون ذلك من المسلمات، أي تقديم الدفن على سائر الواجبات عند خوف الفساد و هتك الحرمة، و ربما يظهر لك قوة ذلك فيما يأتي إن شاء الله عند الكلام في نقل الموتى إلى المشاهد المشرفة، و لكن مع ذلك قد يقال: إن الذي يقتضيه النظر مراعاة هذه التكاليف و عدم سقوطها إلا بما يسقط غيرها من الضرر و العسر و الحرج و نحوها، فتأمل جيدا، و الظاهر تقديم البناء و التابوت و نحوهما على التثقيل و الإلقاء في البحر مع إمكانه، و يحتمل عدمه لما ستعرفه، فتأمل.

و راكب سفن البحر أو الأنهار العظيمة و نحوها إذا مات يفعل به ما يفعل بغيره من التغسيل و التكفين و التحنيط و الصلاة عليه و نحو ذلك و يلقى فيه إجماعا محصلا و منقولا و سنة مستفيضة(1)و فيها الصحيح و غيره، لكن يخير بين إلقائه إما مثقلا بحجر أو حديد و نحوهما مما يمنع ظهوره على وجه الماء أو مستورا في وعاء ثقيل يرسب


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 293

في الماء كالخابية و نحوها لا صندوقا و شبهه مما يظهر على وجه الماء على المشهور بين الأصحاب على ما حكاه بعض، بل نسبه آخر إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعله كذلك، و إن اقتصر في المقنعة و المبسوط و الوسيلة و السرائر كما عن الفقيه و النهاية على الأول، و في الخلاف و مال إليه في المدارك و كذا كشف اللثام و الرياض على الثاني، لكن يبعد من الأولين إرادة التخصيص بذلك، مع ما في الثاني من

الرواية الصحيحة(1)بل لا صحيح في المقام سواها، قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات و هو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال: يوضع في خابية و يوكى رأسها و تطرح في الماء»

سيما بعد اعتضادها بما في الخلاف من نسبة ذلك إلى إجماع الفرقة و أخبارهم، و باحتمال أولويتها من التثقيل، لما فيها من صيانة الميت عن الحيوانات و هتك حرمته و غير ذلك، و بما عرفته من المشهور من جعلها أحد فردي المخير فيه، كما أنه يبعد على مثل الشيخ في الخلاف عدم الاكتفاء بالتثقيل، مع فتواه به مقتصرا عليه في غيره كغيره ممن عرفت من الأصحاب منضمين إلى غيرهم أيضا ممن جعله أحد فردي المخير، بل لا أعرف أحدا ممن تقدمه اقتصر عليه، و لا هو في غير هذا الكتاب، فلعل نقله الإجماع أقوى إمارة على إرادة أحد الفردين، و كذا نسبته إلى الأخبار، إذ لم نعثر على غير تلك الرواية مشتملا على الخابية، بل الموجود فيها التثقيل، ك

خبر وهب بن وهب عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا مات الميت في البحر غسل و كفن و حنط، ثم يصلى عليه، ثم يوثق في رجله حجر و يرمى به في الماء».

و يقرب منه

مرسل أبان عن الصادق (عليه السلام)(3)إلى أن قال: «و يثقل


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 294

و يرمى به في البحر»

و نحوهما الرضوي (1)و لا يقدح ما في سندهما بعد الانجبار بما عرفت، مع إمكان تأييده أيضا ب

خبر سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «ما دعاكم إلى الموضع الذي وضعتم زيد- إلى أن قال-: كم إلى الفرات من الموضع الذي وضعتموه فيه، فقلت: قذفة حجر، فقال: سبحان الله أ فلا كنتم أوقرتموه حديدا و قذفتموه في الفرات؟ و كان أفضل»

و نحوه خبره الآخر(3)و هما و إن كانا ليسا مما نحن فيه من الموت في السفينة و نحوها، و إنما هو عند الخوف عليه من النبش لو دفن في الأرض، لكن لا مدخلية لذلك في نفس كيفية الدفن في البحر، فلا بأس في الاستدلال بهما على ذلك، كما لا بأس في العمل بمضمونهما كما نص عليه في كشف اللثام حاكيا له عن المنتهى، لكن ظاهرهما الوجوب كما يقتضيه اللوم في الخبرين و غيره، إلا أن قوله (عليه السلام) في أولهما: «و كان أفضل» كالصريح في عدمه، و الأول أحوط.

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أن القول بالتخيير بين الأمرين هو الأقوى إن لم يكن مجمعا عليه جمعا بين الأدلة، و احتمال حمل أخبار التثقيل على صورة تعذر الخابية أو تعسرها كما هو الأغلب و إن كان لا يخلو من وجه، لكن لا التفات إليه بعد ما عرفت، كاحتمال حملها على التثقيل بالخابية بدعوى الإطلاق و التقييد لما فيها من صريح المنافاة لذلك، مضافا إلى ما فيه من الحمل على الأفراد النادرة، إذ قل ما توجد خابية في السفينة غير مضطر إلى بقائها بحيث تضم بدن الميت من غير هتك لحرمته بقطع أو كسر بعض أعضائه، فلا ريب حينئذ بما ذكرنا من التخيير، بل قد يقوى في النظر عدم الانحصار بهما، فيجتزى بكل ما يفيد الميت رسوبا في الماء، حتى لو فرض عدم احتياجه إلى ذلك لم يجب، نعم ينبغي أن يراعى ما لا هتك فيه لحرمته.


1- 1 المستدرك- الباب- 37- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 295

و هل يجب الاستقبال به حال الرمي لأنه دفن أو كالدفن كما عن ابن الجنيد و اختاره جماعة، أو لا يجب للأصل مع خلو أدلة المقام بل إطلاقها، و عدم تناول ما دل على وجوبه لمثله، و اختاره في الحدائق و غيرها، و لعله الأقوى و إن كان الأحوط الأول، و لا يخفى أن الكلام في الوعاء و آله التثقيل بالنسبة إلى خروجهما من أصل التركة أو الثلث كالكلام في غيرهما من مؤن التجهيز، لظهور كونهما منه.

ثم من المعلوم أن ذلك كله إنما هو مع تعذر الوصول إلى البر أو تعسره بلا خلاف أجده، و لا حكاه أحد عن أحد سوى ما في المدارك من أن ظاهر المفيد في المقنعة و المصنف في المعتبر جواز ذلك ابتداء و إن لم يتعذر البر، و فيه أنه لا ظهور فيهما بذلك سيما الأول، فإنه قيد الحكم المذكور بما إذا لم يوجد أرض يدفن فيها، و كيف يتوهم منهما ذلك مع أن الدفن كاد يكون من ضروريات ديننا، بل دين اليهود و النصارى و أكثر الكفار، و لعله لذا ترك التقييد به في أكثر الأخبار، فلا وجه للإشكال فيه من جهة ترك الاستفصال فيها، و ذلك لأنه من المعلوم من السائل أن سؤاله إنما هو لمكان تعذر الأرض عليه، أ تراه يسأل عن الميت لو مات في سطح أو غرفة كيف يصنع به، هذا. مع أن

الصادق (عليه السلام) قيده في مرفوع سهل بن زياد(1)حيث قال: «إذا مات الرجل في السفينة و لم يقدر على الشط قال: يكفن و يحنط في ثوب و يصلى عليه و يلقى في الماء»

و به مع انجباره بفتوى الأصحاب يقيد غيره فلا ينبغي الإشكال فيه حينئذ.

نعم قد يشكل الحال بالنسبة إلى وجوب الصبر مع رجاء التمكن من الأرض في زمان قصير أو قبل فساد الميت، من إطلاق الأدلة، و عدم العلم بتعذر الدفن، و لعله من هنا تردد فيه في جامع المقاصد، لكن ظاهر الذكرى و غيرها عدم التربص به، و لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الدفن- حديث 4.

ج 4، ص: 296

الأقوى الوجوب، أما لو علم بالتمكن وجب قطعا.

و من الفرض أن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة كما نص عليه جماعة من الأصحاب، بل لا أعرف فيه خلافا محققا بين المتقدمين و المتأخرين عدا ابن حمزة في وسيلته، حيث عده من المستحبات، و إن احتمل ذلك بعض عباراتهم أيضا، كما أنه لعله الظاهر من حصر الشيخ في جمله الواجب في واحد، و هو دفنه، و مال إليه بعض متأخري المتأخرين، و ربما ظهر من ابن سعيد في الجامع الوفاق في الثاني، و النزاع في الأول حيث قال: الواجب دفنه مستقبل القبلة، و السنة أن تكون رجلاه شرقيا و رأسه غربيا على جانبه الأيمن» انتهى.

و كيف كان فلا ريب أن الأقوى الأول، للإجماع المحكي في ظاهر الغنية بل صريحها المعتضد بنفي الخلاف فيه عن شرح الجمل للقاضي، و بما في المعتبر و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها من أن عليه عمل الصحابة و التابعين كالتذكرة، إلا أنه أبدل الصحابة بالأصحاب و بالتأسي بالنبي المختار (صلى الله عليه و آله) و الأئمة الأطهار (عليهم السلام) و

بالصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدنية و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) بمكة و أنه حضره الموت، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) و المسلمون يصلون إلى بيت المقدس، فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى القبلة، فجرت به السنة»

الحديث.

و ظاهر السنة فيه الطريقة اللازمة لا الاستحباب، و

المروي عن دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام)(2)أنه «شهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) جنازة رجل من بني عبد المطلب، فلما أنزلوه قبره قال: أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة،


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 51- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 297

و لا تكبوه لوجهه، و لا تلقوه لظهره»

و ما رواه

العلاء بن سيابة(1)في حديث القتيل الذي أتي برأسه «إذا أنت صرت إلى القبر تناولته مع الجسد، و أدخلته اللحد، و وجهته للقبلة»

و بما أرسله

الصدوق في هدايته عن الصادق (عليه السلام)(2)أنه قال:

«إذا وضعت الميت في لحده فضعه على يمينه مستقبل القبلة»

إلى آخره. و بفحوى ما تسمعه في كيفية دفن الذمية الحامل من المسلم، و

بالرضوي (3)«ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة»

و بأنه أولى من حال الاحتضار الذي قد مر وجوبه، و باشتداد حاجته في هذا الحال إلى كل ما يرجى فيه صلاح و نفع له أشد من غيره من الأحوال.

هذا كله و المسألة بعده لا تخلو من شوب الاشكال، خصوصا بالنسبة إلى وجوب الحكم الأول، كما أنه يشكل بعد القول بالوجوب تعدية ذلك إلى الأجزاء المفرقة غير الرأس بحيث يراعى فيها حال الاتصال، و إن كان قد يقال: إنه قضية عدم ترك الميسور بالمعسور، نعم قد يقوى وجوب الاستقبال بالرأس كما عساه يشعر به خبر ابن سيابة، و إنه الجزء المهم في الاستقبال، و كذا الجسد المبان منه الرأس، بل لو لم يبق إلا الصدر فإنه يجب الاستقبال بالجميع، كما هو واضح، و كذا يجب جمع الأجزاء مع التمكن بحيث يلتم منه شخص مستقبل منه، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد استثنى المصنف من الحكم المذكور- فقال إلا أن يكون امرأة غير مسلمة ذمية كانت أو لا حاملا من مسلم و لو بزناء و نحوه، سبق إسلامه على الحمل أو تأخر، كأن أسلم عليها و هي حامل، فيستدبر بها القبلة حينئذ- استثناء انقطاع لعدم دخول المستثنى في المستثنى منه، إذ لا يجب الاستقبال في حال الدفن لغير أهل القبلة، نعم لا بأس باستثناء ذلك حقيقة من حرمة دفن غير المسلمين في مقابر المسلمين


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 19- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 19- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 298

المجمع عليها في التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و الروض و عن نهاية الأحكام لئلا يتأذى المسلمون بعذابهم، بل قال الشهيد: إنه لو دفن نبش إن كان في الوقف، و لا يبالي بالمثلة، فإنه لا حرمة له، و لو كان في غيره أمكن صرفا للأذى عن المسلمين، و لأنه كالمدفون في الأرض المغصوبة بخلاف الذمية الحامل من مسلم، فإنها تدفن في مقابرهم احتراما لولدها بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف الإجماع، و في التذكرة قاله علماؤنا.

قلت: و هو الحجة، مضافا إلى الحكم بإسلام الولد بمعنى جريان أحكام المسلمين عليه، فلا يجوز حينئذ دفنه في مقابر الكفار، و لا وجه لشق بطن أنه و إخراجه لما فيه من هتك حرمة الميت و إن كان ذميا لغرض ضعيف، بل لعله هتك لحرمة الولد، فلم يبق حينئذ إلا دفنها في مقابر المسلمين، هذا.

و ربما استدل عليه أيضا ب

خبر يونس (1)قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل تكون له الجارية اليهودية أو النصرانية، و حملت منه ثم ماتت و الولد في بطنها و مات الولد، أ يدفن معها على النصرانية أو يخرج منها و يدفن على فطرة الإسلام؟

فكتب يدفن معها»

و اعترضه في المعتبر بضعف السند و الدلالة، إذ لا إشعار فيها بكون الدفن في مقبرة المسلمين، و قد يدفع بالانجبار بما عرفت، و بما في جامع المقاصد من أن الأصل في الدفن الحقيقة شرعا، و فيه أنه لو سلم الحقيقة الشرعية لم يكن للمحل مدخلية في ذلك و إن قلنا بعدم جواز دفن المسلم في مقابر أهل الذمة.

ثم إن ظاهر المصنف و العلامة كما عن المفيد عدم اعتبار موت الولد بعد ولوج الروح، خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخ و ابن إدريس، و لعل الأقوى الأول و إن كان ربما يظهر من مورد الرواية الثاني، إلا أن الاحترام في كل منهما متحقق كما لو سقط، نعم قد يظهر من فحوى جملة من عبائر الأصحاب عدم الإكتفاء بمطلق الحمل


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 299

و لو قبل تماميته، و هو كذلك على الظاهر و إن كان إطلاق العبارة و غيرها يتناوله، و لعله للاحترام كما في أم الولد مع عدم الإجماع على حرمة الدفن في هذا الحال.

و هل الحمل من زناء المسلم كذلك كما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها، و تغليب جانب الإسلام للولادة على الفطرة، أولا كما يشعر به دليلهم، إذ لا تبعية في مثله فلا احترام، و اختصاص الخبر بجارية المسلم؟ الأقوى الثاني، بل لعله المتبادر من إطلاق المصنف و العلامة و غيرهما كمعقد إجماع الخلاف و التذكرة، فلا يتحقق حينئذ خلاف، نعم الأقوى إلحاق وطء الشبهة بالحلال، و كذا ظاهر المصنف و معقد إجماع الخلاف حيث عبر بالمشركة عدم الفرق بين الذمية و غيرها، و إن كان مورد الخبر الأولى، كجملة من عبارات الأصحاب، بل المحكي عن ظاهر الأكثر اقتصارا على المتيقن، و لعل الأول أقوى تمسكا بعموم العلة المؤمى إليها، و بمعقد إجماع الخلاف، و احتمال الفرق بين الكتابية و غيرها فيشق بطن الثانية دون الأولى ضعيف جدا.

هذا كله بالنسبة إلى أصل دفنها في مقابر المسلمين، و أما كيفيته فقد ذكر المصنف و غيره أنه يستدبر بها القبلة ليكون الجنين وجهه إليها بلا خلاف نعرفه فيه، بل هو بعض معقد إجماع الخلاف، و في المنتهى قاله علماؤنا، و في التذكرة «يستدبرها القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن، و هو وفاق» انتهى.

و ظاهرهم الوجوب إلا أنه أطلق كثير منهم الاستدبار من غير تقييد بكونه على الجانب الأيسر، و لعل التقييد به أولى مراعاة للكيفية السابقة التي مر الاستدلال على وجوبها، و احتمال سقوطها في خصوص المقام للأصل مع عدم ظهور تناول الأدلة ضعيف، إذ الأم في الحقيقة كالغلاف و التابوت، بل لو لا احترامها به لشققنا بطنها و نزعناه منها لتغسيله و نحوه، فيقتصر حينئذ على سقوط ما ينافي الاحترام دون غيره، فتأمل.

[و أما السنن]
اشاره

و أما السنن

[فمنها أن يحفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة]

فمنها أن يحفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة عند علمائنا أجمع

ج 4، ص: 300

كما في التذكرة و جامع المقاصد، و قطع به الأصحاب في كشف اللثام، و مذهبهم في المدارك، و لعله يرجع إليه ما في الخلاف أيضا من الإجماع من الفرقة و العمل منهم على استحباب حفر القبر قدر قامة، و أقله إلى الترقوة، قلت: و يؤيد دعوى الإجماع في المقام هو أنا لم نعثر على مخالف محقق من الأعلام، و ما في الغنية من الاقتصار على ذكر استحباب أن يكون عمق القبر قدر قامة إلى أن ادعى الإجماع من دون ذكر للفرد الآخر ليس خلافا عند التأمل، كما أن الاقتصار فيما ورد(1)من الأخبار على الترقوة لا ينافي ما سمعت من معاقد الإجماعات على التخيير ك

خبر ابن أبي عمير(2)عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) قال: «حد القبر إلى الترقوة، و قال بعضهم:

إلى الثدي، و قال بعضهم: قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر، و أما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس، قال: و لما حضر علي بن الحسين (عليهما السلام) الوفاة قال: احفروا لي حتى تبلغوا الرشيح»

قيل و الظاهر أن ذلك من محكي ابن أبي عمير لأن الإمام (عليه السلام) لا يحكي قول أحد، قلت: فيحتمل حينئذ إرادته بالبعض أحد الأئمة (عليهم السلام) أو بعض أصحابه عنهم (عليهم السلام)، بل لعله الظاهر إذ احتمال إرادته بعض العامة ضعيف، مع أنه قد يشهد له أيضا ما رواه

الكليني عن سهل ابن زياد(3)قال: «روى أصحابنا أن حد القبر»

و ذكر نحوه، و هو كالصريح فيما قلناه، و يحتمل أن يكون ذلك من محكي الصادق (عليه السلام) كما عساه يؤيده ما عن الصدوق أنه رواه عن الصادق (عليه السلام) مرسلا إلى قوله فيه الجلوس، و لا ضير في حكاية الإمام (عليه السلام) أقوال بعض العامة.

و كيف كان فالعمدة في الاستدلال ما عرفته من الإجماعات السابقة، و لا ينافيها


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 301

ما سمعت من أمر علي بن الحسين (عليهما السلام) بالحفر إلى الرشيح، إذ لعل بلوغه ذلك يحصل بالمقدار المزبور، و يؤيده ما قيل إن أرض البقيع كذلك، كما أنه لا ينافيه أيضا ما في

خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام)(1)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) نهى أن يعمق القبر فوق ثلاث أذرع»

بل لعله يؤيده لظهور تقارب الثلاث للمقدار المتقدم، فيستفاد منه حينئذ كراهة التعميق زائدا على ذلك لحمل النهي عليه قطعا، أو يقال باختصاص ذلك في أرض المدينة لبلوغ الرشيح فيها، أو غير ذلك.

نعم قد ينافيه ما في

خبر أبي الصلت عن الرضا (عليه السلام)(2)في حديث أنه قال: «سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل، و أن يشق لي ضريحة، فإن أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا، فان الله ليوسعه إلى ما يشاء»

من حيث ظهور زيادة ذلك على القامة، اللهم الا أن يحمل على ذلك بتقارب المراقي بعضها من بعض، أو على وجه آخر، فتأمل.

ثم الظاهر إنه لا فرق في ما ذكرنا بين الرجل و المرأة، و في المنتهى نفي الخلاف عنه، كما أن الظاهر إرادة مستوي الخلقة من القامة و الترقوة، و احتمال الاجتزاء بأقل ما يصدق عليه أحدهما ضعيف.

[و منها أن يجعل له لحد]

و منها أن يجعل له لحد فإنه أفضل من الشق مع صلابة الأرض بلا خلاف معتبر أجده، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه مع زيادة عمل الفرقة عليه في الأول، و في التذكرة و المنتهى ذهب إليه علماؤنا، و في الذكرى و جامع المقاصد و الروض عندنا و في الحدائق أن عليه اتفاق ظاهر كلام الأصحاب، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

الصحيح عن الصادق (عليه السلام)(3)«أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لحد له أبو طلحة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 302

الأنصاري»

و المناقشة فيه- بأنه لا يدل على أمره به، فلعل فعله إنما هو لكونه أحد الفردين- مدفوعة بظهور كونه بإذن أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأنه المتولي، كظهور العدول عن الشق إليه مع ما فيه من زيادة الكلفة في أفضليته عليه، و

خبر علي بن عبد الله عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)(1)قال في حديث: «لما قبض إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا علي (عليه السلام) انزل فألحد إبراهيم في لحده»

و فيه إشعار بمعروفيته في ذلك الوقت، ك

صحيح أبي بصير(2)«فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه»

الخبر. و احتج عليه بعضهم

بالنبوي (3)«اللحد لنا و الشق لغيرنا»

لكن لم نعثر عليه من طرقنا، بل ظاهر المعتبر و غيره أنه من طرق العامة، إلا أنه لا بأس بذكره مؤيدا بعد التثبت فيه بموافقة مضمونه لما تقدم من الإجماعات و غيرها المعتضدة بعدم ظهور خلاف من أحد فيه، و من هنا وجب صرف ما عساه يظهر منه أفضلية الشق، ك

خبر إسماعيل بن همام (4)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) حين أحضر: إذا أنا مت فاحفروا لي و شقوا لي شقا، فان قيل لكم ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) لحد له فقد صدقوا»

و

الحلبي (5)في حديث عن الصادق (عليه السلام) «إن أبي كتب في وصية- إلى أن قال-: و شققنا له الأرض شقا من أجل أنه كان بادنا»

و أبي الصلت المروي عن العلل و الأمالي الذي سمعته آنفا إلى غيره، بل لعل ظاهر الخبرين الأولين بل صريح الثاني أنه إنما لم يلحد للباقر (عليه السلام) لكونه بدينا، و كأنه لعدم إمكان


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 3.
3- 3 كنز العمال- ج- 8- ص 88 الرقم- 1681.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الدفن- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 303

توسيع اللحد بحيث يسعه لرخاوة أرض المدينة كما قيل، بل هما عند التأمل دالان على المطلوب.

و من هنا قيد في معقد إجماع الخلاف استحباب اللحد بالصلبة بل نص جماعة منهم الفاضل و الشهيد على استحباب الشق في الرخوة، و يشهد له حينئذ الخبران بناء على ما ذكرناك لاعتبار فإنه يخشى عليه حينئذ من الانهدام، لكن قال المصنف في المعتبر:

«إنه يعمل له في الأرض الرخوة شبه اللحد من بناء تحصيلا للفضيلة» و هو لا يخلو من تأمل، لعدم صدق اللحد عليه، و المراد باللحد أنه إذا انتهى إلى أرض القبر حفر في جانبه مكانا يوضع فيه الميت، و الشق أن يحفر في قعره شبه النهر يوضع فيه الميت ثم يسقف عليه.

و ليكن اللحد مما يلي القبلة كما نص عليه جماعة، بل ربما يظهر من بعضهم خصوصا الفاضل في التذكرة دخوله في مسمى اللحد، كما أنه يظهر منه دخوله في معقد إجماعه، و في جامع المقاصد و عن الروض أنه قاله الأصحاب، و كفى بذلك حجة لمثله، مع إمكان الاستئناس له بغيره أيضا، فتأمل.

و كذا ينبغي أن يكون اللحد واسعا بقدر ما يمكن فيه الجلوس للرجل، لمرسل ابن أبي عمير المتقدم (1)و معقد إجماع الخلاف، و ليسهل عليه الجلوس لمنكر و نكير، كاستحباب أن يكون ذراعين و شبرا لخبر أبي الصلت.

[منها ان تحل عقد الأكفان]

و منها ان تحل عقد الأكفان إذا وضع في القبر من قبل رأسه و رجليه و غيرهما إن كانت للأخبار(2)و إجماعي الغنية و المعتبر، و ليسهل عليه الجلوس للمسائلة و لأن شدها كان لخوف الانتشار، و في خبر حفص(3)

و مرسل ابن أبي عمير عن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الدفن.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 304

الصادق (عليه السلام)(1)«يشق الكفن من قبل رأسه»

قال في المعتبر: «هذا مخالف لما عليه الأصحاب، و إفساد للمال على وجه غير مشروع، و الصواب الاقتصار على الحل» قلت: يمكن أن يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه.

[منها أن يجعل معه شي ء من تربة الحسين (عليه السلام)]

و منها أن يجعل معه شي ء من تربة الحسين (عليه السلام) على ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه، فلعل شهرته بينهم و التبرك بها و كونها أمانا من كل خوف، و ما في

الفقه الرضوي (2)«و يجعل في أكفانه شي ء من طين القبر و تربة الحسين (عليه السلام)»

كاف في ثبوته، مضافا إلى

الصحيح المروي عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (3)قال: «كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) و قرأت التوقيع و منه نسخت يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء الله»

و عن الاحتجاج روايته عن محمد ابن عبد الله عن أبيه عن صاحب الزمان (عليه السلام)، و

خبر جعفر بن عيسى (4)المروي عن مصباح الشيخ انه سمع أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «ما على أحدكم إذا دفن الميت و وسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين، و لا يضعها تحت خده و رأسه»

بناء على أن المراد بالطين فيه طين قبر الحسين (عليه السلام)، و لذلك لم يذكر أحد استحباب ذلك بدونه، و لعل إجمال العبارة للتقية أو شيوع هذا الإطلاق يومئذ فيه.

و ربما يستأنس له زيادة على ذلك بما رواه في

المنتهى (5)و غيره «أن امرأة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الدفن- حديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 10- من أبواب الكفن- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التكفين- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التكفين- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التكفين- حديث 2.

ج 4، ص: 305

كانت تزني فتضع أولادها فتحرقهم بالنار خوفا من أهلها، و لم يعلم بها غير أمها، فلما ماتت دفنت و انكشفت التراب عنها و لم تقبلها الأرض، فنقلت عن ذلك الموضع إلى غيره فجرى لها ذلك، فجاء أهلها إلى الصادق (عليه السلام) و حكوا له القصة، فقال لأمها فما كانت تضع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها، فقال الصادق (عليه السلام): إن الأرض لا تقبل هذه، لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين (عليه السلام) ففعل ذلك، فسترها الله تعالى».

ثم إن ظاهر العبارة كالمبسوط و القواعد و المنتهى بل عن أكثر العبارات كالصحيح المتقدم و القصة الأخيرة الاكتفاء بمطلق استصحابها، سواء كانت تحت خده أو تلقاء وجهه في اللحد أو غير ذلك كما عن المختلف التصريح به، و تبعه عليه غيره. و عن المفيد و اختاره جماعة جعلها تحت خده، و لم نقف له على مأخذ كالمحكي في المعتبر

من الوضع في الأكفان، بل في الخبر الثاني النهي عن الوضع تحت الخد على ما عن بعض النسخ، نعم هو دال على الوضع مقابل الوجه كما عن الشيخ، و لعله يرجع إليه ما عن الاقتصاد تجعل في وجهه، لكن ظاهر السرائر مغايرته للأول، و ربما يؤيده الاحتياط عن وصول النجاسة إليها، و لعله أولى و إن كان الاكتفاء بالجميع لا يخلو من قوة.

[و منها أن يلقنه بعد وضعه في لحده]

و منها أن يلقنه بعد وضعه في لحده قبل تشريح الابن بلا خلاف أعرفه فيه، بل في الغنية الإجماع عليه، و الأخبار به كادت تكون متواترة كما في الذكرى، و هو كذلك، ففي

صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام)(1)«إذا وضعت الميت في القبر فقل بسم الله- إلى أن قال-: و اضرب بيدك على منكبه الأيمن، ثم قل يا فلان قل قد رضيت بالله ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد (صلى الله عليه و آله) رسولا، و بعلي (عليه السلام) إماما، و تسمي إمام زمانه»

الحديث. و

في حسنه (2)«و سمّ حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 306

إمام زمانه»

و في

خبر محفوظ الإسكاف عن الصادق (عليه السلام)(1)«و يدني فمه إلى سمعه و يقول: اسمع افهم ثلاث مرات، الله ربك، و محمد (صلى الله عليه و آله) نبيك و الإسلام دينك، و فلان إمامك، اسمع و افهم، و أعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين»

و في

خبر أبي بصير عنه (عليه السلام)(2)أيضا «فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه و قل الله ربك، و الإسلام دينك، و محمد (صلى الله عليه و آله) نبيك، و القرآن كتابك، و علي (عليه السلام) إمامك»

و عن

خبر آخر له (3)«فضع يدك على أذنه و قل الله ربك»

إلى آخر ما مر.

و في

خبر إسحاق بن عمار(4)«ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر، و تحركه تحريكا شديدا، ثم تقول يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل الله ربي، و محمد (صلى الله عليه و آله) نبيي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و علي (عليه السلام) إمامي، حتى تسوق الأئمة (عليهم السلام) ثم تعيد عليه القول، ثم تقول فهمت يا فلان، و قال (عليه السلام) فإنه يجيب و يقول: نعم ثم تقول: ثبتك الله بالقول الثابت، هداك الله إلى صراط مستقيم، عرف الله بينك و بين أوليائك في مستقر من رحمته، ثم تقول:

اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد روحه إليك و لقنه منك برهانا، اللهم عفوك عفوك، ثم تضع الطين و اللبن، فما دمت تضع الطين و اللبن تقول: اللهم صل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته، و أسكنه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، فإنما رحمتك للظالمين، ثم تخرج من القبر و تقول: إنا لله و إنا إليه راجعون، اللهم ارفع درجته في أعلى عليين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و عندك نحتسبه يا رب


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الدفن- حديث 3.
3- 3 الكافي- باب سل الميت و ما يقال عند دخول القبر- حديث 2 من كتاب الجنائز.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 6.

ج 4، ص: 307

العالمين»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المشتملة على كثير من المستحبات التي لم يذكرها المصنف كقراءة آية الكرسي و الفاتحة و المعوذتين و قل هو الله أحد و التعوذ من الشيطان و غير ذلك فلاحظ.

و هذه الأخبار و إن اختلفت في الجملة بالنسبة إلى كيفية التلقين، لكن لا بأس في العمل بالجميع، لظهورها في كون المراد تذكير الميت و تفهيمه في هذه الحال ذلك، و منه ما ذكره الشيخان و العلامة في المنتهى

«يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمدا (صلى الله عليه و آله) عبده و رسوله، و أن عليا أمير المؤمنين، و الحسن و الحسين (عليهم السلام) و يذكر الأئمة إلى آخرهم أئمتك أئمة هدى أبرار»

كذا في المقنعة بالتنكير، و غيره ذكر أئمة الهدى بالتعريف، قال المفيد: فإنه إذا لقنه ذلك كفى المسألة بعد الدفن إن شاء الله، فتأمل.

ثم إن هذا التلقين هو التلقين الثاني، و عن بعضهم جعله ثالثا بدعوى استحباب التلقين عند التكفين، و لم نقف له على مستند.

و مما سمعته من خبر إسحاق بن عمار يستفاد استحباب أن يدعو له بعد التلقين بما عرفت، و في

خبر سماعة(1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

ماذا أقول إذا أدخلت الميت منا قبره؟ قال: قل: اللهم هذا عبدك»

إلى آخره.

و في

خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(2)«إذا وضع الميت في لحده فقل:

بسم الله و في سبيل الله و على ملة رسول الله (صلى الله عليه و آله)، اللهم عبدك و ابن عبدك نزل بك و أنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره، و ألحقه بنبيه، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا و أنت أعلم به منا»

الخبر، إلى غير ذلك من الأخبار التي يشبه بعضها بعضا، و قد تقدم استحباب الدعاء له عند نزوله، كما أنه في

خبر آخر لسماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 308

عن الصادق (عليه السلام)(1)«فإذا سويت عليه التراب قل اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و صعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، و ألحقه بالصالحين».

و كما أنه يستحب أيضا الدعاء له عند معاينة القبر بقوله:

«اللهم اجعله روضة من رياض الجنة، و لا تجعله حفرة من حفر النار»

و الغرض أنه يستفاد من ملاحظة الأخبار استحباب الدعاء للميت في أكثر أحواله كانزاله و وضعه في لحده و تشريحه اللبن و الخروج منه و تسوية التراب عليه و نحو ذلك.

ثم يشرج اللبن عليه أي ينضد به لحده لئلا يصل إليه التراب، و لا نعلم في استحبابه خلافا كما اعترف به في المنتهى، و في الغنية و المدارك و المفاتيح الإجماع عليه، و في المعتبر مذهب فقهائنا، و هو الحجة، مضافا إلى إشعار المعتبرة(2)بالمداومة عليه في الأزمنة السابقة،

كالحسن (3)«إذا وضعت عليه اللبن تقول»

إلى آخره.

و نحوه غيره (4)و إلى

الصحيح (5)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

جعل علي (عليه السلام) على قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) لبنا، فقلت: أ رأيت أن جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ فقال: لا»

و إلى خبر إسحاق بن عمار(6)المتقدم.

و منه يستفاد استحباب الترتيب الذي في العبارة و كذا تسويته بالطين ليكون أبلغ في منع التراب، ك

خبر عبد الله بن سنان المروي (7)عن العلل عن الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 2 و 6 و الباب 28 منها.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الدفن- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 6.
7- 7 المجالس للصدوق- المجلس الحادي و الستون- الحديث 2.

ج 4، ص: 309

(عليه السلام) «أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يأخذ يمنة سرير سعد بن معاذ مرة و يسرته مرة حتى انتهى به إلى القبر، فنزل حتى لحده و سوى عليه اللبن، و جعل يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا نسد به ما بين اللبن، فلما أن فرغ و حثى التراب عليه و سوى قبره قال النبي (صلى الله عليه و آله): إني لأعلم أنه سيبلى و يصل إليه البلى و لكن الله عز و جل يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه»

إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على استحباب اللحد، و معروفيته في ذلك الزمان، و في المنتهى و عن غيره «انه يقوم مقام اللبن مساوية في المنع من تعدي التراب كالحجر و القصب و الخشب» انتهى.

و لا بأس به، بل قد يشعر به الخبر المتقدم، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالحجر فيه اللبن، كما أنه لا بأس فيما ذكره فيه أن اللبن أولى من غيره، لأنه المنقول عن السلف المعروف في الاستعمال، و فيما حكي عن الراوندي عمل العارفين من الطائفة على ابتداء التشريج من الرأس، و لعله لأنه الأهم من غيره.

[و منها أن يخرج من قبل رجل القبر]

و منها أن يخرج من قبل رجل القبر لقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مرسل الكليني (1)و خبر جبير بن نفير الحضرمي (2)

و الصادق (عليه السلام) في موثق عمار(3)مع تفاوت يسير: «لكل بيت باب، و باب القبر من قبل الرجلين»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (4): «من دخل القبر فلا يخرج منه إلا من قبل الرجلين»

و هو دال على كراهة الخروج من غيره، ك

مرفوع سهل بن زياد(5)المضمر «يدخل القبر من حيث يشاء، و لا يخرج إلا من قبل رجليه»

و قضية إطلاق هذه الأخبار كعبارات أكثر الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين الرجل و المرأة كما صرح


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الدفن- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 310

به بعضهم، فما عن ابن الجنيد من الموافقة في الرجل و من عند الرأس في المرأة ضعيف جدا، كما أن قضية ما اشتمل منها على أن باب القبر من قبل الرجلين استحباب الدخول منها أيضا كما عن المنتهى، و رده بعض متأخري المتأخرين لخبر السكوني و مرفوعة سهل المتقدمين، و فيه- مع أنه لا دلالة في الأول، و إمكان حمل الثانية على إرادة بيان الجواز- يمكن إرادة الفرق فيها بين الدخول و الخروج بالنسبة للكراهة و عدمها لا الاستحباب و عدمه، فتأمل.

[و منها في استحباب إهالة التراب بظهور الأكف]

و منها أن يهيل و يصب الحاضرون غير أولى الرحم التراب بظهور الأكف ل

مرسل محمد بن الأصبغ (1)«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) و هو في جنازة فحثا على القبر بظهر كفيه»

و في

المحكي عن الرضا (عليه السلام)(2)«ثم أحث التراب عليه بظهر كفك ثلاث مرات، و قل اللهم إيمانا بك و تصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله، فإنه من فعل ذلك و قال هذه الكلمات كتب الله له بكل ذرة حسنة»

و بعينه عبر عنه في الهداية، و ربما احتملت عبارتها دخول ذلك كله تحت ما نسبه إلى الصادق (عليه السلام) فيها قبل ذلك كما ستسمعها، و كذا في الفقيه، فلاحظ و تأمل، هذا مع ما في المعتبر من نسبة المذكور مقيدا بما يأتي من الاسترجاع إلى الشيخين و ابن بابويه، و إن عليه فتوى الأصحاب، فهو مشعر بالإجماع كالمدارك أيضا، فلعل ذلك كاف في استحبابه، كاستحباب كونهم قائلين: إنا لله و إنا إليه راجعون المنسوب في الذكرى إلى الأصحاب أيضا، و إلا فلم نعثر على خبر مشتمل على تمام هذه الكيفية.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 28- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 311

نعم قد سمعت في

خبر إسحاق بن عمار(1)«أنه يخرج من القبر و يقول إنا لله»

إلى آخره و

في الهداية(2)قال الصادق (عليه السلام): «إذا خرجت من القبر فقل و أنت تنفض يدك من التراب: إنا لله و إنا إليه راجعون، ثم أحث التراب»

إلى آخر ما سمعته من الرضوي المتقدم، بل ربما كان ظاهر

خبر عمر بن أذينة(3)أو صريحه خلاف الحكم الأول، قال: «رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يطرح التراب على الميت، فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه، و لا يزيد على ثلاثة أكف، قال: فسألته عن ذلك فقال: يا عمر كنت أقول: إيمانا بك و تصديقا ببعثك، هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله (صلى الله عليه و آله) اللهم زدنا إيمانا و تسليما»

اللهم إلا أن يدعى أن هذه كيفية أخرى غير الإهالة، فيمكن حينئذ دعوى التخيير بين الكيفيتين، فلا منافاة بينه و بين ما تقدم، و كذا ما في

خبر داود بن النعمان (4)عن أبي الحسن (عليه السلام) «فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده»

و

محمد بن مسلم (5)عن الباقر (عليه السلام) «فحثا عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفيه، ثم بسط كفه على القبر و قال:

اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد إليك روحه، و لقه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك»

لما عرفت مع احتمال ظاهر الكف أيضا و الجواز الخالي عن الاستحباب، مع كونهما فعلا على وفق الأفعال المعتادة، فيبعد دعوى الرجحان فيها، و الأمر سهل.

و مما عرفت ظهر لك أنه يستحب أيضا الدعاء زيادة على الاسترجاع بما تقدم،


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 28- من أبواب الدفن- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الدفن- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 312

و لذا لم يقتصر الشيخان و العلامة و عن غيرهما عليه، بل زادوا قول:

«هذا ما وعدنا الله و رسوله (صلى الله عليه و آله) و صدق الله و رسوله (صلى الله عليه و آله) اللهم زدنا إيمانا و تسليما»

و في

خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام)(1)«إذا حثوت التراب على الميت فقل: إيمانا بك و تصديقا ببعثك، هذا ما وعدنا الله و رسوله (صلى الله عليه و آله) قال: و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: من حثى على ميت و قال: هذا القول أعطاه الله بكل ذرة حسنة»

و قد سمعت ما في حسنة ابن أذينة و غيرها، و كذا تثليث الحثيات كما عن الهداية و الفقيه و الاقتصاد و السرائر و الإصباح، و لا بأس به، فتأمل جيدا.

[و منها أن يرفع القبر]

و منها أن يرفع القبر عن الأرض ليعرف فيزار و يحترم و يترحم على صاحبه و لا ينبش، و ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر قدامة بن زائدة(2): «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) رفع قبر إبراهيم»

و لم أقف على غيرها مما أطلق فيه الرفع على كثرة أخبار المقام بل أكثرها مقيدة بمقدار أربع أصابع كعبارات الأصحاب و معاقد الإجماعات، فالقول حينئذ باستحباب مطلق الرفع و جعل المقدار مستحبا في مستحب لمكان هذه الرواية، مع أنه لا إطلاق فيها كما عساه يظهر من كشف اللثام لا يخلو من نظر، و أعجب منه نسبته له مع ذلك إلى الإجماع و النصوص، اللهم إلا أن يكون قد يدعى استفادته من المقيدات أنفسها.

ثم إن قضية إطلاق المتن كغيره من عبارات بعض الأصحاب بل عن أكثرهم بل هو معقد إجماع المعتبر و المدارك التخيير بين كون الأصابع مضمومة أو مفرجة كما نص عليه في المنتهى و الذكرى، و يؤيده مع ذلك إطلاق كثير من الأخبار، منها


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 313

قول الباقر (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (1): «و يرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع»

و نحوه غيره (2)و فيها ما اشتمل على وصية النبي (صلى الله عليه و آله)(3)و الباقر (عليه السلام)(4)بذلك، و الجمع بين المقيد منها بالمضمومة كما في خبر سماعة(5)بل قد يدعى انصراف المطلقات إليه لشيوعه في المقدار، و المقيد بالمفرجات كما في

خبر علي بن رئاب عن الصادق (عليه السلام)(6)«إن أبي أمرني أن أرفع القبر من الأرض أربع أصابع مفرجات»

الخبر و نحوه خبر الحلبي و ابن مسلم (7)عنه (عليه السلام) أيضا، و خبر محمد بن مسلم (8)عن أحدهما (عليهما السلام)، و عمر بن واقد(9)عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) المروي عن العلل.

و لعله الأقوى في النظر لو كان فيه مخالف، لاحتمال عدمه، و إن اقتصر المفيد و ابنا إدريس و حمزة كما عن سلار و الشيخ في الاقتصاد و الحلبيين على المفرجات، كظاهر التذكرة و نهاية الأحكام كما عن ابن أبي عقيل الاقتصار على المضمومة لكنه محتمل لارادتهم بيان الأعلى و الأقل، و لذا نص الأولان على عدم الزيادة على ذلك كما عن الاقتصاد و الكافي، و لعل المراد الكراهة كما في المنتهى و عن التذكرة و النهاية ناسبا له في الأول إلى فتوى العلماء، و به يصرف النهي عن الرفع أزيد من أربع أصابع مفرجات في خبر عمر بن واقد(10)عن أبي الحسن (عليه السلام) المروي عن العلل، كالأمر بلزق القبر إلى الأرض إلا عن قدر أربع أصابع مفرجات في خبر محمد بن مسلم (11)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 6 و هو عن الحلبي.
7- 7 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 2.
9- 9 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 11.
10- 10 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 11.
11- 11 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 314

أحدهما (عليهما السلام)، و الجميع حجة على ابن زهرة حيث خير في المستحب بين الأربع مفرجات و الشبر كما عن القاضي، بل عن جامع المقاصد التخيير بينه و بينها مضمومة أو مفرجة، و الأحوط ما ذكرنا إن لم يكن أقوى و أولى، و إن كان خبرا إبراهيم بن علي (1)

و الحسين بن علي الرافقي (2)عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «إن قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) رفع شبرا من الأرض»

لكنه- مع احتماله التقية و معارضته ب

قول الباقر (عليه السلام) في خبر عقبة بن بشير(3)عن النبي (صلى الله عليه و آله): «انه قال لعلي (عليه السلام): يا علي ادفني في هذا المكان، و ارفع قبري من الأرض أربع أصابع»

الحديث- قاصر عن مقاومة ما عرفت، مع أنه لا دلالة فيه على أنه فعل من يجب اتباعه، فطرحها حينئذ متجه، أو يراد بالشبر فيها الأربع أصابع مفرجات، تقريبا أو غير ذلك، ك

خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام)(4)«إن قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) رفع من الأرض قدر شبر و أربع أصابع»

فتأمل.

[و منها أن يربع القبر]

و منها أن يربع للإجماع المحكي في الغنية و المعتبر و المدارك و غيرها، و

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر محمد بن مسلم (5): «و يربع قبره»

و

الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الأعلى مولى آل سام المروي في إرشاد المفيد(6)«أن أبي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودا، فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه، يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 9 مع تقطيع في الوسائل.

ج 4، ص: 315

لَكُمُ الدِّينَ حنيفا فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، و أوصى محمد بن علي ابنه جعفر بن محمد (عليهم السلام)، و أمره أن يكفنه في دبره الذي كان يصلي فيه الجمعة، و أن يعممه بعمامة، و أن يربع قبره و يرفعه من الأرض أربع أصابع»

إلى آخره و

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر الأعمش المروي عن الخصال (1): «و القبور تربع و لا تسنم»

و

قوله (عليه السلام) في مرسل الحسين بن وليد(2)المروي عن العلل جواب سؤال لأي علة يربع القبر؟ قال: «لعلة البيت، لأنه نزل مربعا»

بل في سؤاله إشعار بكونه معروفا في السابق.

و المراد بالتربيع هنا خلاف التدوير و التسديس ما كانت له أربع زوايا قائمة، لا المربع المتساوي الأضلاع، قيل لتعطيل كثير من الأرض و عدم كونه معهودا في الزمن السالف كما نرى فيما بقي آثارها من القبور، و عن بعضهم أن المراد بالتربيع خلاف التسنيم، و ربما استظهر ذلك من التذكرة، و لا ريب في بعده، و كذا ما لعله يقال أو قيل من استحباب التربيع يستفاد استحباب تسطيح القبر، إلا أنا في غنية عن ذلك بما في صريح الخلاف و التذكرة و جامع المقاصد كظاهر غيرها من الإجماع عليه، مع معروفية ذلك عند الشيعة، بل عن ابن أبي هريرة أنه قال: «السنة التسطيح، إلا أن الشيعة استعملته فعدلنا عنه إلى التسنيم» بل الظاهر كراهة التسنيم لما في التذكرة من الإجماع عليه، كالغنية لا يسنم، و النهي في خبر الأعمش المتقدم، و عن

فقه الرضا (عليه السلام)(3)«و يكون مسطحا لا مسنما»

و ربما يشهد له أيضا

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ(4): «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام»

إن كان بالحاء


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 12.
3- 3 المستدرك- الباب- 38- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 316

المهملة أي سنم، و في

خبر السكوني (1)المروي عن المحاسن مسندا قال: «بعثني رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة، فقال: لا تدع صورة إلا محوتها، و لا قبرا إلا سويته، و لا كلبا إلا قتلته»

و

لأبي الهياج الأسدي (2)«أ لا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، و لا قبرا مشرفا إلا سويته؟»

إن كان المراد التسنيم، بل ربما كان التسنيم حراما في بعض الوجوه لكونه بدعة كما عن جماعة التصريح به، و يقتضيه ما سمعته من ابن أبي هريرة، لكن قال في المنتهى: «إن التسطيح أفضل من التسنيم، و عليه علماؤنا» انتهى. و ظاهره المنافاة للكراهة، بل و للإباحة أيضا لمكان أفعل التفضيل، اللهم إلا أن يحمل على غير ذلك في مقابلة العامة.

[و منها أن يصب عليه الماء]

و منها أن يصب عليه أي على القبر الماء بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى عليه فتوى علماؤنا، و يشهد له مع ذلك الاعتبار من حيث إفادته استمساكا للتراب، فلا يفرقه الريح و نحوه، و تذهب آثار القبرية عنه، و الأخبار المستفيضة(3)حد الاستفاضة، بل كادت تكون متواترة، و فيه أنه يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب، ثم أن أكثرها أطلقت الرش و النضح، و ظاهرها استحباب ذلك كيف وقع، و هو كذلك كما لا يخفى على من لاحظها.

و ما عساه يظهر من المتن- كبعض عبارات الأصحاب بل معقد إجماع الغنية و المعتبر من تقييد الاستحباب يكون الصب من قبل رأسه ثم يدور عليه مع اختلاف يسير في التعبير عن ذلك- غير مراد قطعا.

نعم لا بأس به مستحبا في مستحب ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر موسى


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 صحيح مسلم ج 1 ص 357.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 317

ابن أكيل النميري (1)«السنة في رش الماء على القبر أن تستقبل القبلة و تبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، ثم تدور على القبر من الجانب الآخر ثم ترش على وسط القبر فذلك السنة»

و منه يستفاد استحباب استقبال الصاب القبلة كما في المنتهى.

و

خبر سالم بن مكرم (2)المروي في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) إلى أن قال: «فإذا سوي قبره تصب على قبره الماء و تجعل القبر أمامك و أنت مستقبل القبلة، و تبدأ بصب الماء عند رأسه و تدور به على قبره من أربع جوانبه حتى ترجع إلى الرأس من غير أن تقطع الماء، فان فضل من الماء شي ء فصب على وسط القبر»

إلى آخره لكن الظاهر أن ذلك من عبارة الصدوق لا من تتمة خبر سالم كما لا يخفى على من لاحظ، سيما و لم يذكره أحد في المقام مع اشتماله على جملة وافية من الأحكام، نعم قد يظهر من صاحب الوسائل ذلك، و ربما يؤيد ما قلنا أيضا أنه بعينه عبر في المحكي عن الفقه الرضوي (3)و الممارس العالم بغلبة اتحاد تعبيرهما معه يكاد

يقطع أن ذلك ليس من تتمة الرواية، فالعمدة حينئذ الرواية الأولى إلا أن في عبارة المصنف قصورا عن إفادة تمام مضمونها و كذا ليس فيها ما يدل على قوله فان فضل من الماء شي ء ألقاه على وسط القبر نعم هو بعينه قد سمعته في محتمل خبر سالم و الرضوي و ذكره غير واحد من الأصحاب، بل نسبه في المعتبر إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعله لذا كان لا يبعد استحباب رش الوسط ابتداء كغيره من الجوانب لخبر موسى، و استحباب وضع ما يفضل من الماء عليه أيضا لما عرفت، و كذا يستفاد من خبر سالم و فقه الرضا (عليه السلام) أن لا يقطع الماء، و قد يدعي دلالة خبر موسى عليه أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 30- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 318

ثم إنه هل استحباب الرش مخصوص بما بعد الدفن خاصة أو فيه و في كل زمان و إن تأخر عنه؟ قد ينساق إلى الذهن من فتاوى الأصحاب و كثير من الأخبار الأول، لكن عن

الكشي في رجاله (1)أنه «روي عن علي بن الحسن عن محمد بن الوليد أن صاحب المقبرة سأله عن قبر يونس بن يعقوب و قال: من صاحب هذا القبر؟ فإن أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) أوصاني و أمرني أن أرش قبره أربعين شهرا أو أربعين يوما كل يوم مرة»

و الشك من علي بن الحسن، و فيه دلالة على خلاف الأول، فتأمل.

[و منها أن يوضع اليد مفرجة الأصابع غامزا بها على القبر]

و منها أن يوضع اليد مفرجة الأصابع غامزا بها على القبر عند رأسه بعد نضحه بالماء تأسيا

بالنبي (صلى الله عليه و آله) حيث وضع يده عند رأس إبراهيم غامزا بها حتى بلغت الكوع، و قال: «بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك» كما رواه في البحار(2)عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرسلا.

و منه يستفاد حكم تأثير اليد ل

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(3): «إذا حثي عليه التراب و سوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه و فرج أصابعك و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء»

و

الصادق (عليه السلام)(4)في حسنه «إذا فرغت من القبر فانضحه، ثم ضع يدك عند رأسه و تغمز كفك عليه بعد النضح»

و ظاهر الثاني كالأول إن علق الظرف فيه بجواب الشرط كون الوضع بعد النضح، و كذا الغمز للكف كما هو صريح الثاني، بل و الأول أيضا، كما أن ظاهرهما كون الوضع عند الرأس لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الدفن- حديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الدفن- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الدفن- حديث 4.

ج 4، ص: 319

قد يقوى في النظر كونه مستحبا في مستحب، كما عساه يحتمل في الأول أيضا، فيستحب الوضع حينئذ عند غير الرأس و بدون النضح.

و يتأكد استحباب الوضع لمن لم يحضر الصلاة، ل

قول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار(1)بعد أن قال له: «إن أصحابنا يصنعون شيئا إذا حضروا الجنازة و دفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر، أ فسنة ذلك أم بدعة؟ فقال: إن ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة»

و على عدم التأكد يحمل النفي أو النهي في

خبر محمد بن إسحاق عن الرضا (عليه السلام)(2)بعد أن سأل بما يقرب من سؤال الأول فقال: «إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة، فأما من أدرك الصلاة فلا»

و ذلك لإطلاق الأصحاب و الأخبار الحكم المذكور إطلاقا كاد يكون كالصريح في خلاف ذلك، بل فيما تسمعه من الصحيح الآتي المشتمل على فعل النبي (صلى الله عليه و آله) تصريح به، و أيضا فأخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجة في نفسه، سيما مع تقرير الامام (عليه السلام)، بل لم أعثر على من نص على التأكد و عدمه كما قلناه قبل الشهيد، و تبعه بعض من تأخر عنه، لكن لا بأس به، كما أنه لا بأس بالقول باستحباب زيادة تأثير اليد بزيادة الغمز إذا كان القبر لهاشمي، و إن لم يذكره أحد من الأصحاب تأسيا بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) في قبر إبراهيم كما سمعت، و

قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(3): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين، كان إذا صلى على الهاشمي و نضح قبره بالماء وضع كفه على القبر حتى يغمز أصابعه في الطين، فكان القريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة و يرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الدفن- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الدفن- حديث 4.

ج 4، ص: 320

(صلى الله عليه و آله) فيقول: من مات من آل محمد (صلوات الله عليهم)؟».

و يحتمل أن يكون صنيعة المختص بهم أصل الوضع لمكان كرامة بني هاشم، لا لعدم مشروعيته لغيره، لكن عن البحار أنه

روي عن العلل عن محمد بن علي بن إبراهيم ابن هاشم (1)قال: «إن النبي (صلى الله عليه و آله) كان إذا مات رجل من أهل بيته يرش قبره و يضع يده على قبره ليعرف أنه من العلوية و بني هاشم من آل محمد (صلى الله عليه و آله) فصارت بدعة في الناس كلهم. و لا يجوز ذلك»

و لا بد من طرحه أو تأويله بما لا ينافي ذلك لقصوره عنها جدا، هذا.

و عن بعضهم أنه يستحب الاستقبال حينئذ، و لعله لأنه خير المجالس، و أقرب إلى استجابة الدعاء للميت، و ل

خبر عبد الرحمن (2)سأل الصادق (عليه السلام) «كيف أضع يدي على قبور المؤمنين؟ فأشار بيده إلى الأرض و وضعها عليه و رفعها و هو مقابل القبلة»

لكن لا صراحة فيه بكون الاستقبال منه كان لذلك، اللهم إلا أن يستشعر من حكاية السائل أنه فهم منه ذلك، نعم في

الفقه الرضوي (3)«ضع يدك على القبر و أنت مستقبل القبلة، و قل اللهم»

إلى آخره. و ربما يشهد له أيضا ما ستعرفه من خبر ابن بزيع(4).

و هل استحباب الوضع المذكور كل ما يزار القبر أو يختص بحال الدفن؟ ظاهر الأخبار الأول، لكن قال في الذكرى بعد ذكره الخبر المتقدم: «إنه يشمل حالة الدفن و غيره» و فيه أنه لا إطلاق مساق لذلك فيه، كما هو واضح، نعم قد يستدل عليه


1- 1 المستدرك- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الدفن- حديث 5.
3- 3 المستدرك- الباب- 31- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 321

ب

خبر محمد بن أحمد(1)المروي عن الكافي قال: «كنت بقيد فمشيت مع علي ابن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع، فقال لي ابن بلال: قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا (عليه السلام): من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر و قرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع»

فإنه دال على استحباب وضع اليد و لو في غير حال الدفن كما أنه دال على استحباب قراءة إنا أنزلناه، و على استحباب زيارة قبور الاخوان كما استفاضت به (2)و تداولته الطائفة الأخيار، و قد حكى الإجماع عليه العلامة و الشهيد بالنسبة للرجال، و يتأكد استحباب ذلك يوم الاثنين و غداة السبت تأسيا بالمحكي من فعل فاطمة (عليها السلام) في زيارتها قبور الشهداء.

و منه يعلم

استحباب زيارة النساء للقبور

كما نص عليه بعضهم خلافا للمصنف في المعتبر، فكرهه لهن، بل ظاهره أو صريحه نسبته ذلك فيه إلى أهل العلم، و لكن علله بمنافاته للستر و الصيانة، و هو يومي إلى أن كراهته لأمر خارج عنه، و هو حسن مع استلزامه ذلك، و كذا استلزام الجزع و عدم الصبر لقضاء الله، بل ربما يصل إلى حد الحرمة، و أما بدون ذلك فالظاهر الاستحباب للعموم و خصوص بعض الأخبار [3467](3)و من العجيب دعواه الكراهة حتى بالنسبة إلى زيارة الأئمة (عليهم السلام) مع كثرة العمومات الدالة على رجحانها المنجبرة بعمل الأصحاب و غير ذلك، فتأمل جيدا.

و يتأكد استحباب الزيارة في الخميس

تأسيا بفعل فاطمة (عليها السلام)(4)أيضا، و في خصوص العشية منه

تأسيا بالنبي (صلى الله عليه و آله)(5)فإنه كان يخرج في ملأ من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المؤمنين، فيقول: «السلام عليكم يا أهل الديار


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الدفن.
3- 3 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الدفن- حديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الدفن- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 322

ثلاثا»،

و ربما يفهم من التأمل في الأخبار الفرق بين زيارة القبر الواحد و شبهه و بين زيارة المقبرة، فيستحب وضع اليد على القبر و قراءة إنا أنزلناه سبعا في الأول لما عرفت، و

للمرسل عن الرضا (عليه السلام)(1)«ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات إلا غفر الله له و لصاحب القبر، و السلام»

و نحوه في الثاني.

و يستحب أن يكون مستقبل القبلة عند زيارة القبر

أيضا، لأنها خير المجالس و أقرب إلى استجابة الدعاء، و للمحكي عن

الكشي (2)نقلا من كتاب محمد بن الحسين ابن بندار بخطه إلى أن قال: «أخبرني صاحب هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره و استقبل القبلة و وضع يده على القبر فقرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن من الفزع الأكبر»

و لا منافاة بينه و بين الخبر السابق، فيكون الحاصل حينئذ أنه ينبغي أن يضع يده على القبر مستقبل القبلة و يقرأ إنا أنزلناه سبعا، و يدعو للميت بدعاء الباقر (عليه السلام) الآتي.

و من رجحان الاستقبال هنا يفرق به بين زيارة المعصوم (عليه السلام) و غيره، فيجعل القبلة بين كتفيه في الأول، و في وجهه في الثاني، و عن مجمع البرهان أني رأيت في بعض الروايات (3)أن زيارة غير المعصوم مستقبل القبلة، و زيارته مستقبلها و مستدبرها، قلت: لكن الذي عليه العمل الآن بالنسبة إلى زيارة العباس و علي بن الحسين (عليهم السلام) و نحوهما على نحو زيارة المعصوم و لعله لعدم اندراجهم في الأولين،


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الدفن- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الدفن و الباب 6 و 29 و 62 و غيرها من كتاب المزار.

ج 4، ص: 323

و لذا لم نر أحدا عاملهم بالنسبة إلى قراءة الفاتحة و إنا أنزلناه و نحو ذلك معاملتهم، مع اعتياد مقابلة الزائر للمزور، و هو لا يخلو من قرب، و الله أعلم.

[و منها أنه يستحب أن يترحم على الميت]

و منها أنه يستحب أن يترحم على الميت كما ذكره الأصحاب على ما في كشف اللثام، و أفضله ب

ما دعى به الباقر (عليه السلام) على قبر رجل من أصحابنا كما في خبر محمد بن مسلم (1)بعد أن حثى عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه ثم بسط كفه على القبر، ثم قال: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و أصعد إليك روحه، و لقه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك» ثم مضى.

و في

خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام)(2)«إذا سويت عليه التراب فقل: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و صعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، و ألحقه بالصالحين»

و في

خبر سالم بن مكرم السابق (3)مع ما فيه من احتماله أنه من عبارة الصدوق «ثم ضع يدك على القبر، و ادع للميت و استغفر له»

و في

الفقه الرضوي (4)«ثم ضع يدك على القبر و أنت مستقبل القبلة، و قل: اللهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته، و أفض عليه من رحمتك، و أسكن إليه من برد عفوك و سعة غفرانك و رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، و احشره مع من كان يتولاه، و متى زرت قبره فادع بهذا الدعاء و أنت مستقبل القبلة».

و منه يستفاد استحباب القبلة حينئذ في كل وقت تزوره داعيا له بهذا الدعاء.

و مما ذكرنا يظهر لك أن استحباب الترحم لا مدخلية له بوضع اليد بل كل منهما مستحب برأسه، كما عساه الظاهر من العبارة و غيرها كالأخبار، لكنه قال في المعتبر:


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الدفن- حديث 5.
4- 4 فقه الرضا عليه السلام ص 18.

ج 4، ص: 324

«انه يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين، و هو مذهب أصحابنا» و لعله يريد ما قلناه و إن كان في العبارة نوع قصور أو أن ذلك مستحب أيضا كما عساه يظهر من خبر محمد ابن مسلم المتقدم آنفا.

[و منها أن يلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه]

و منها أن يلقنه الولي بالمأثور في خبر يحيى بن عبد الله عن الصادق (عليه السلام)(1)أو جابر بن يزيد عن الباقر (عليه السلام)(2)بعد انصراف الناس عنه إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا بل كاد يكون متواترا، و أخبارا(3)و هو التلقين الثالث، و به يندفع سؤال منكر و نكير كما نطقت به الأخبار(4)و الظاهر عدم الالتزام بخصوص الأقوال الواردة و إن كان أولى، بل المراد تلقينه و تفهيمه ما يفيد الاعتراف بأصول دينه و مذهبه، كما أن الظاهر عدم التزام كونه من الولي، بل الظاهر الاكتفاء بمن يأمره الولي أيضا كما في معقد إجماع الذكرى، و الاجتزاء بالمتبرع من غيرهما لا دليل عليه، و إن قال في الجامع: يلقنه الولي أو غيره.

و ليكن تلقينه بأرفع صوته كما في خبر يحيى بن عبد الله، و به عبر الشيخان و جماعة على ما حكي و نسبه في جامع المقاصد و عن الروض إلى الأصحاب، و لعله يرجع إليه ما عن الحلبي برفيع صوته كما في خبر إبراهيم بن هاشم (5)هذا إن لم يمنع منه مانع من تقية، و إلا أجزأ سرا كما عن المهذب و الجامع، بل في ظاهر مجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب، و لعله لأن وصوله إليه و إن كان إنما يحصل عادة برفع الصوت لكنه في الحقيقة بتوفيق الله، فالسر حينئذ مع المانع كالجهر إن شاء الله.

و في استقبال القبلة و القبر للملقن أو استدبارها و استقبال الميت قولان ينشئان


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الدفن.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الدفن.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الدفن- حديث 3.

ج 4، ص: 325

من أنها خير المجالس، و من أنه أدخل في مقابلة الميت للخطاب معه، و حيث كان نحو ذلك منشئا لهما كان المتجه جواز كل منهما، لإطلاق الأدلة، نعم في

خبر يحيى ابن عبد الله (1)أنه «يضع الملقن فمه عند رأس الميت ثم ينادي»

و لا بأس به كما أنه لا بأس بما في

مرسل علي بن إبراهيم (2)المروي عن العلل أنه «يقبض على التراب بكفيه و يلقنه برفيع صوته»

إلى آخره.

ثم إن المنساق إلى الذهن من الأخبار و التعليل الذي فيها اختصاص هذا الحكم و نظائره بالكبير دون الصغير، لكنه صرح في جامع المقاصد بعدم الفرق كالجريدتين، و لا بأس به لو كان هناك عموم واضح يتناوله.

[الصلاة ليلة الدفن]

و منها ما

عن مصباح الكفعمي من الصلاة ليلة الدفن (3)قال: «صلاة الهدية ليلة الدفن ركعتان، في الأولى الحمد و آية الكرسي، و في الثانية الحمد و القدر عشرا، فإذا سلم قال: اللهم صل على محمد و آل محمد، و ابعث ثوابها إلى قبر فلان»

قال:

و

في رواية أخرى (4)«بعد الحمد التوحيد مرتين في الأولى، و في الثانية إلهكم التكاثر عشرا، ثم الدعاء المذكور».

[و التعزية مستحبة]

و التعزية مستحبة بلا خلاف بين المسلمين، بل لعله من ضروريات الدين، و قد فعلها سيد المرسلين (صلى الله عليه و آله)، و كذلك الأئمة الطاهرون (عليهم السلام)، بل و الملائكة المقربون يوم موت النبي (صلى الله عليه و آله) و فيها أجر عظيم و فضل جسيم حتى ورد أنها تورث الجنة، كما في خبر السكوني (5)و في

خبر وهب عن الصادق (عليه السلام)(6)«إن من غري مصابا كان له مثل أجره»

و في

غيره من الأخبار(7)أن «من عزى حزينا كسي يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الدفن- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب بقية الصلوات المندوبة- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الدفن- حديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الدفن- حديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الدفن- حديث 1 و 7 و 9.

ج 4، ص: 326

الموقف حلة يحبر بها»

و ربما اختلفت باعتبار العوارض من جهة شدة المصاب و عدمه و غير ذلك، و من هنا قد

ورد(1)أن «من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله»

و المراد بها على الظاهر المرأة التي فقدت ولدها أو حميمها، و كأنه لعظم مصابها باعتبار ضعف عقول النساء، و احتمال إرادة الطائفة الثكلى أعم من الرجال و النساء بعيد، و كيف كان فلا حاجة للتعرض لأصل استحبابها و رجحانها، كما أنه لا حاجة إلى التعرض لذكر معناها لكفاية العرف فيه، و لا ريب في حصولها بطلب تسلي المصاب و التصبر عن الحزن و الاكتئاب بإسناد الأمر إلى الله عز و جل و نسبته إلى عدله و حكمته، و ذكر لقاء الله و وعده على الصبر مع الدعاء للميت و المصاب لتسليته عن مصيبة و نحو ذلك، و هي تتبع المقامات لا تتوقف على كيفية خاصة أو عبارة خاصة، و احتمال الوقوف على ما كتبه النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) أو قالوه في هذا المنوال خاصة لا وجه له، بل دعوى رجحانية خصوصية له لا تخلو من إشكال ظاهر.

و هي جائزة مشروعة قبل الدفن و بعده إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا منا، بل و عن غيرنا عدا الثوري، فكرهها بعد الدفن، لأنه خاتمة أمر الميت، و فيه أنه خاتمة أمره لا خاتمة أمر أهله، و ما حكاه في الذكرى عن ظاهر ابن البراج منا مما يقرب من المحكي عن الثوري، و لا ريب في ضعفه، إذ النصوص (2)و ما وقع من النبي (صلى الله عليه و آله)(3)و الأئمة (عليهم السلام)(4)من التعزية بعد الدفن لأصحابهم شاهدة بخلافه، فضلا عن ظاهر الإجماعات المحكية بل صريحه إن لم يدع تحصيله، بل هي بعد الدفن أفضل منه قبله وفاقا لصريح الشيخ و المصنف و العلامة و غيرهم


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الدفن- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الدفن.
3- 3 المستدرك- الباب- 42- من أبواب الدفن- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 327

و ظاهر الشهيد و المحقق الثاني، بل في المدارك أنه مذهب الأكثر بشهادة الاعتبار من حيث غيبوبة شخص المتوفى و انقطاع العلقة في ذلك الوقت مع اشتغالهم قبل الدفن بتجهيزه، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير(1): «التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن»

و في

مرسل خالد الآخر(2)و غيره عنه (عليه السلام) (3) أيضا «التعزية الواجبة بعد الدفن»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار(4):

«ليس التعزية إلا عند القبر، ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت»

- مع أنه لا صراحة فيه بل و لا ظهور بما قبل الدفن، بل لعله فيما بعده أظهر، فيحمل حينئذ على تفاوت مراتب الفضل فيما بعده، فأفضله عند القبر لاشتداد الحاجة إليها في ذلك الوقت- محمول على ضرب من التأويل، منه ما ذكره في الذكرى من الحمل على تعزية خاصة، كأقل التعزية كما

قال (عليه السلام)(5): «كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة»

فيكون المراد حينئذ إنه لا تحتاج هذه التعزية إلى اجتماع آخر غير الاجتماع الأول، بل ينبغي حينئذ الانصراف و لا يقيموا بعد الدفن عند القبر لأجل التعزية خوف أن يحدث حدث بالميت، فيسمعوه و يفزعوا من ذلك و يكرهوه، أو غير ذلك ثم إنه لأحد لها شرعا لإطلاق الأدلة، لكن قد يقال برجوع تحديدها إلى العرف، كما لو طالت المدة و انقضى المصاب بحيث يستنكر التعزية عليه، و ربما اختلف باختلاف الميت جلالة و ضعة و نحوهما، و لعله يومي إلى ذلك ما في الذكرى حيث قال: «و لا حد لزمانها عملا بالعموم، نعم لو أدت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى» انتهى.


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الدفن- حديث 3 و هو مرسل ابن خالد.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الدفن- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الدفن- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الدفن- حديث 4.

ج 4، ص: 328

و ليس في

مرسل الصدوق (1)و الحسن (2)كالصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) «يصنع للميت مأتم ثلاثة أيَّام من يوم مات»

و لا فيما دل (3)من الأمر بصنع الطعام ثلاثا لأهل الميت من النبي (صلى الله عليه و آله) لفاطمة (عليها السلام) يوم قتل جعفر أن تفعل ذلك لأسماء بنت عميس، و أن تمضي إليها هي و نسائها كذلك، و غيره من الأخبار (4)، و

قول الصادق (عليه السلام)(5)أيضا: «ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها»

دلالة على التحديد بالثلاثة، لعدم التلازم بينها و بين المأتم، و لعل ما عن التقي من السنة تعزية أهله ثلاثة أيَّام و حمل الطعام إليهم لا يريد به تحديدها بذلك، بل يريد إما التأكد أو التعزية تمام الثلاثة كما فعلته فاطمة (عليها السلام)، أو التكرير و لو من الشخص الواحد، أو نحو ذلك.

نعم قد يشعر ذكر المأتم ثلاثة فيها كغيرها من

الحسن كالصحيح (6)قال:

«أوصى أبو جعفر (عليه السلام) بثمان مائة درهم لمأتمه، و كان يرى ذلك من السنة، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا»

بعدم كراهة الجلوس و الاجتماع للتعزية، كما عساه يشعر به أيضا إطعام الطعام عنه، ك

قول أبي جعفر (عليه السلام)(7): «ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا عنه الطعام ثلاثة أيام»

و نحوه (8)من حيث ظهور المأتم و الإطعام عنه بحصول الاجتماع، مضافا


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن- حديث 0.
5- 5 الوسائل- الباب- 82- من أبواب الدفن- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 68- من أبواب الدفن- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن- حديث 5 رواه عن الصادق عليه السلام.
8- 8 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 329

إلى إطلاق الأمر بالتعزي و التزاور و غيرهما، فما في المبسوط من أنه يكره الجلوس للتعزية إجماعا و تبعه ابن حمزة و المصنف في ظاهر المعتبر كما عن العلامة في المختلف لا يخلو من ضعف، مع أنا لم نعرف أحدا ممن تقدم نص على الكراهة، و لا أشير إليها في رواية.

و ما يقال من أن في ذلك منافاة للرضا بقضاء الله و الصبر و نحوهما كما ترى لا وجه له، و لا اقتضاء فيه، بل ربما كان الأمر بالعكس، و أوامر المأتم تشهد بعدمه أيضا، و

روى الصدوق (1)«أنه أوصى أبو جعفر (عليه السلام) أن يندب في المواسم عشر سنين»

و في

خبر الكاهلي عن أبي الحسن (عليه السلام)(2)«كان أبي يبعث أمي و أم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة»

إلى غير ذلك.

و من هنا أنكر ابن إدريس على الشيخ إجماعه، و قال: «إنه لم يذهب أحد من أصحابنا المصنفين إلى ذلك، و لا وضعه في كتاب، و إنما هذا من فروع المخالفين و تخريجاتهم، و أي كراهة في جلوس الإنسان للقاء إخوانه و الدعاء و التسليم عليهم، و استجلاب الثواب لهم في لقائه و عزائه» و مال إليه جماعة ممن تأخر عنه منهم الشهيد في دروسه و ذكراه و بيانه، و اعترضه المصنف في المعتبر بأن الاجتماع و التزاور من حيث هو مستحب، أما إذا جعل لهذا الوجه و اعتقد شرعيته فإنه يفتقر إلى الدلالة، و استدل بالإجماع على كراهيته، إذ لم ينقل عن أحد من الصحابة الجلوس لذلك، فاتخاذه مخالف لسنة السلف، لكن لا يبلغ أن يكون حراما، و فيه أن عدم فعل السلف له لا يقتضي الكراهة، فلعله مباح النظر إلى خصوصيته كما لعله الأقوى، إذ لا رجحان لهذه الهيئة بخصوصها و إن كان ربما ترجح بالعارض، كما أنه قد تكون مرجوحة، بل قد يصلان إلى حد الوجوب و الحرمة كما في مثل زماننا الآن بحسب الجهات و الاعتبارات، و ذلك أمر خارج عن محل النزاع، إنما الكلام في الجلوس للتعزية من حيث هو،


1- 1 الوسائل- الباب- 69- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 69- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 330

و الظاهر عدم كراهيته، و أما استحبابه ففيه نظر، و لا تلازم بين استحباب التعزية و الجلوس لها كما أنه لا دلالة في أخبار المأتم عليه، لكونه معدا لاجتماع النساء، هذا.

و قد تعارف في بلادنا المشهد الغروي على مشرفه أفضل السلام الجلوس لذلك و صرف القهوة و التتن و بذل الطعام بالنسبة إلى بعض الناس، و آخر ببذل بعضه كل على مرتبته، حتى صار تاركه معرضا نفسه للاغتياب، و أشد منه الجالس التارك لبذل تلك الأمور إذا كان ممن يرجى منه ذلك، و قد يصل إلى هتك الحرمة، و ربما انتهى إلى بذل مال خطير إذا كان الميت و المعزى شريفين عظيمين، و لا بأس به الآن، بل قد يجب لما عرفته من هتك عرض المعزى و المتوفى بتركه.

نعم ربما كان أصله مرجوحا كما عساه يومي إليه

قول الصادق (عليه السلام)(1):

«الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية»

و غيره (2)مما يفيد عدم التكلف لأهل المصيبة لما هم فيه من الشغل، فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر الأدلة عدم الفرق في استحباب التعزية بين سائر أهل المصاب ذكورهم و إناثهم صغارهم و كبارهم، بل ربما كانت الأنثى أرجح لما هي فيه من شدة الحزن و الاكتئاب، كما يومي إليه خبر الثكلى المتقدم، و تعزية النبي (صلى الله عليه و آله) عيال جعفر، و إن كان كيفية تعزية كل منهم يختلف بحسب حاله مما يسليه و يناسبه، فالصغير يمسح رأسه و نحوه، و غيره بغيره، ففي

الخبر عن سيد البشر (صلى الله عليه و آله)(3)«إن من مسح على رأس يتيم ترحما له كتب الله له بعدد كل شعرة مرت عليها يده حسنة»

و عن

العالم (عليه السلام)(4)«إذا بكى اليتيم اهتز له العرش، فيقول الله تبارك


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الدفن.
3- 3 الوسائل- الباب- 91- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 91- من أبواب الدفن- حديث 5.

ج 4، ص: 331

و تعالى من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه، فوعزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لا يسكته عبد إلا وجبت له الجنة»

و هما و إن كانا ليسا في خصوص ما نحن فيه من التعزية لكنهما لا يخلو أن من نوع تأييد له إلا أنه نص بعضهم على كراهة تعزية النساء الشابات معللا له بخوف الفتنة، كما عن آخر أنه لا سنة في تعزية النساء، و فيه مع ما عرفت مضافا إلى العمومات أن التعزية لا تختص بالمشافهة، بل تكون بالمكاتبة و الإرسال و نحوهما مما لا فتنة فيه.

و هل تستحب التعزية حتى لأهل العزاء بعضهم بعضا؟ ربما يصعب انصراف الأدلة إليه في بادئ النظر، لكن التأمل فيها قاض به سيما من كبير العشيرة و سيدها، و قد يومي إلى ذلك تعزية رسول الله (صلى الله عليه و آله) عيال جعفر، مع أنه هو من أهل العزاء، نعم لا ريب في عدم انصرافها لأعداء الدين من أهل الذمة و غيرهم، بل و كذا المخالفين مع عدم العوارض الخارجية، و إلا فربما تجب حينئذ، كما أنها قد تحرم إذا استلزمت مودة و دعاء بما نهي عنه، و أما مع عدم العوارض فالظاهر الإباحة لعدم دليل على الاستحباب و الكراهة، و لعله عليه يحمل ما في التذكرة من أن الأقرب جواز تعزية أهل الذمة، لأنها كالعيادة، و قد عاد النبي (صلى الله عليه و آله) غلاما من اليهود، و إلا فلا وجه لحمله على إرادة الاستحباب، و العيادة منه (صلى الله عليه و آله) مع أنها قد تكون لرجاء الإسلام و الدعاء له كما حكي أنه أسلم الولد بتلك العيادة لا تستلزم استحباب التعزية، كما أنه على منع الاستحباب ينبغي أن يحمل ما في المعتبر من منع التعزية لهم، أو على ما إذا استلزمت موادة و نحوها كما يشعر به تعليله، و إلا فلا قاطع للأصل.

ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا حتى لو كان الميت مسلما، نعم لو كان العكس احتمل الاستحباب و الدعاء للمسلم، قيل و ينبغي أن يكون دعاؤه حيث يعزي المخالف للحق بإلهام الصبر لا بالأجر، و يجوز لهم الدعاء بالبقاء، لما ثبت من جواز الدعاء لهم،

ج 4، ص: 332

قلت: هو لا يخلو من تأمل، نعم قد يجوز في تعزية الذمي، كما أنه يجوز أخلف الله عليك، و لا نقص عددك، قاصدا به كثرة الجزية كما قيل، فتأمل.

و إذ قد ظهر لك تمام الكلام في التعزية بقي شي ء نبه المصنف عليه كجماعة من الأصحاب منهم الشيخ و ابن إدريس، و هو انه يكفي في حصول ثواب التعزية أن يراه صاحبها ل

ما أرسله الصدوق (1)عن الصادق (عليه السلام) «كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة»

و لو لا ذلك لأمكن المناقشة فيه لعدم صدق اسم التعزية عليه، و المراد بكفايته إنما هو حصول ثواب التعزية في الجملة لحضوره و إن لم يتكلم، و إلا فلا ريب في عدم حصول ثواب الفرد الأفضل منها بذلك، كما هو واضح.

[في المكروهات]
اشاره

و لما فرغ من الكلام على المسنونات شرع في الكلام في المكروهات، (فمنها) أنه

يكره فرش القبر بالساج إلا لضرورة

بلا خلاف أجده، بل في الذكرى و مجمع البرهان و عن جامع المقاصد و روض الجنان نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع، و لعل ذلك- مع ما عساه يشعر به إجماع المبسوط على كراهة التابوت أي دفنه في التابوت، و سؤال

مكاتبة علي ابن بلال أبا الحسن (عليه السلام)(2)«أنه ربما مات الميت عندنا و تكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج، أو يطبق عليه، فهل يجوز ذلك؟ فكتب ذلك جائز»

كاشعار التعليل

المروي عن دعائم الإسلام (3)عن علي (عليه السلام) «أنه فرش في لحد رسول الله (صلى الله عليه و آله) قطيفة لأن الأرض كان نديا سبخا»

و استحباب وضع الخد على الأرض، و ما في وضعه على الأرض من الخشوع و الخضوع ما يرجى بسببه الرحمة له، و ما عساه يظهر من فحاوي الكتاب و السنة من


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الدفن- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 27- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 333

وضع الأموات على الأرض، و انهم خلقوا منها و عادوا إليها، و التسامح فيه- كاف في ثبوتها و الحكم بها، و إلا فلم نقف على ما يقتضيها صريحا في شي ء من الأدلة، بل

قال الصدوق: «إنه روي عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام)(1)إطلاق في أن يفرش القبر بالساج، و يطبق على الميت بالساج»

نعم عللها بعضهم بأنه إتلاف مال غير مأذون فيه، و فيه أنه لو تم اقتضى الحرمة، مع أنك قد عرفت فيما مضى أن بذل المال لا يتوقف على الإذن الشرعية، بل يكفي في جوازه عدم السفه فيه، و ذلك يحصل بأدنى غرض.

و كيف كان فقد عرفت مما مضى وجه ما استثناه المصنف من الضرورة كنداوة الأرض و نحوها، فإنه لا كراهة فيه كما لا كراهة في تطبيق اللحد به كما صرح به بعضهم لظهور المصلحة فيه مع عدم الدليل على الكراهة، و ظاهر العبارة كغيرها أنه لا يكفي في رفع الكراهة حصول المصلحة، بل لا بد من دفع المفسدة، و فيه نظر يعرف مما مر الآن، كما مر سابقا خبر أبي جعفر محمد بن عثمان أحد النواب (2)و اتخاذه الساجة ليوضع عليها أو قال أستند إليها، فلاحظه.

ثم إن الظاهر تعدية الحكم من الساج إلى ما شابهه كما صرح به غير واحد منهم، و يقتضيه الاشتراك في العلة المذكورة، بل و كذا الفرش و المخدة و نحوهما، و في الذكرى و جامع المقاصد أنه لا نص فيه عندنا، فتركه أولى لأنه إتلاف مال. و هو مع أن قضيته الحرمة كما عن الشهيد و غيره قد يخدش ب

خبر يحيى بن أبي العلاء المروي (3)في الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال: «ألقى شقران مولى رسول الله (صلى الله عليه و آله) في قبره القطيفة»

موافقا

للمروي من غير طريقنا عن ابن عباس (4)أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 27- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الدفن- حديث 2.
4- 4 سنن البيهقي ج- 3- ص 308.

ج 4، ص: 334

قال: «جعل في قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) قطيفة حمراء»

نعم قد يقال:

إنه مبني على التعليل السابق في رواية دعائم الإسلام، فلا يفيد رخصة مطلقة، لكن قد يستند فيها إلى ما تقدم من

خبر عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام)(1)«البرد لا يلف به و لكن يطرح عليه طرحا، فإذا أدخل القبر وضع تحت خده و تحت جنبه»

إلا أنه لم نعثر على عامل بها بالنسبة إلى ذلك، بل عمل الطائفة على خلافها، و الحاصل أن ثبوت الكراهة بما عرفت كما أن ثبوت الندب بهذه لا يخلو من تأمل لكن لا يبعد رجحان الوضع على الأرض و إن كان لا كراهة في وضعها حيث يسوغ، كما عن ابن الجنيد نفي البأس عن الوطء في القبر و إطباق اللحد بالساج، فتأمل.

[و (منها) ان يهيل ذو الرحم على رحمه التراب]

و (منها) ان يهيل ذو الرحم على رحمه التراب، ل

قول الصادق (عليه السلام) في موثق عبيد بن زرارة لأبي الميت(2) : «لا تطرح عليه التراب، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى أن يطرح الوالد، أو ذو رحم على ميته التراب، ثم قال: أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم، فإن ذلك يورث القسوة في القلب، و من قسى قلبه بعد عن ربه»

و لما في المعتبر و الذكرى من نسبته إلى الأصحاب

[ (منها) تجصيص القبور]

و (منها) تجصيص القبور للإجماع المحكي في صريح المبسوط و التذكرة و عن نهاية الأحكام و المفاتيح و ظاهر المنتهى عليه، مضافا إلى

قول الكاظم (عليه السلام) في خبر أخيه (3): «لا يصلح البناء عليه، و لا الجلوس، و لا تطيينه»

و

خبر الحسين ابن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام)(4)عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في حديث المناهي أنه «نهى أن تجصص المقابر»

و نحو

ه خبر القاسم بن عبيد(5)المروي


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب التكفين- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الدفن- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الدفن- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الدفن- حديث 5.

ج 4، ص: 335

عن معاني الأخبار رفعه عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه «نهى عن تقصيص القبور قال: و هو التجصيص».

و ربما يشعر به أيضا

خبر ابن القداح عن الصادق (عليه السلام)(1)قال:

«قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بعثني رسول الله (صلى الله عليه و آله) في هدم القبور و كسر الصور»

و قد سبق في

حديث آخر(2)«لا تدع صورة إلا محوتها، و لا قبرا إلا سويته»

و كذا

قول الصادق (عليه السلام)(3): «كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت».

و قضية ما سمعت عدم الفرق بين التجصيص ابتداء أو بعد الاندراس، إلا أنه حكي عن جماعة منهم المصنف و الشهيد و المحقق الثاني عن الشيخ ذلك، فكره الثاني دون الأول، و مال إليه جماعة جمعا بين ما تقدم و بين

خبر يونس بن يعقوب (4)قال:

«لما رجع أبو الحسن موسى (عليه السلام) من بغداد و مضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها، و أمر بعض مواليه أن يجصص قبرها، و يكتب على لوح اسمها، و يجعله في القبر».

قلت: الذي رأيته في المبسوط كالمحكي عنه في النهاية و المصباح و مختصره أنه لا بأس بالتطيين ابتداء بعد إطلاقه كراهة التجصيص، و كأنه لذا لم ينقل ذلك في المختلف عن الشيخ، لكنهم لعلهم فهموا الاتحاد بين التطيين و التجصيص، كما عن التذكرة و المنتهى، و قد يؤيد ببعد وجدان الجص بقلعة قيد التي هي في طريق مكة، و لا ريب


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الدفن- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الدفن- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 336

في بعده بالنسبة إلى عبارات الشيخ من حيث ذكره كلا منهما مستقلا برأسه، على أنه قد يدعى دخوله حينئذ بالتجديد الذي ذكره مستقلا، و كيف كان فلا إشكال في كراهة التجصيص بقسميه للإطلاق المتقدم مع قصور المعارض له من وجوه، و عدم الشاهد على الجمع المذكور، كاحتمال الجمع بينهما بإرادة تجصيص باطن القبر في الأول و ظاهره في الثاني، بل هو أولى بالبطلان من سابقه كما لا يخفى، فالأولى الحكم بكراهة التجصيص مطلقا، و حمل الخبر على إرادة الجواز أو على أن المراد به التطيين بطين القبر بناء على عدم كراهته حملا لما دل على النهي (1)عنه على التطيين بغير طين القبر أو غير ذلك من الأعراض التي لا نعلمها، و ربما يقوى في الظن أنه لمخافة نبش بعض الحيوانات للقبر كما يتفق وقوعه كثيرا، إذ لا ريب في ارتفاع الكراهة حينئذ، و لعله لذا كان ذلك في بلادنا و هو النجف متعارفا الآن، أو يقال: إن هذا من خصائص الأئمة و أولادهم (عليهم السلام) لئلا تندرس قبورهم، فيحرم الناس من فضل زيارتهم، و لعله لذا قال في المدارك تبعا لغيره بعد أن ذكر كراهة التجصيص ينبغي أن يستثنى من ذلك قبور الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام)، و ستسمع فيما يأتي تمام الكلام إن شاء الله تعالى.

ثم أنه لا فرق فيما ذكرنا من الكراهة بين كون القبور في الأرض المباحة و المملوكة و إن كان ربما استظهر من معقد إجماع المبسوط تخصيصها بالأول، كما عن المنتهى فيه أو فيما يشبهه مع زيادة الوصف بالمسبلة، إلا أن الأقوى خلافهما إن كان كذلك لإطلاق الأدلة من غير معارض.

[و (منها) تجديدها بعد اندراسها]

و (منها) تجديدها بعد اندراسهاكما في المبسوط و الوسيلة و السرائر و التحرير


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 337

و القواعد و غيرها و عن النهاية و المصباح و مختصره و غيرها، قلت: لا أعرف له دليلا سوى

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ بن نباتة(1)المروي على لسان الصدوق و الشيخ و عن البرقي: «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام»

و هو موقوف على كون المروي عنه بالجيم و الدالين، و أن المراد به حينئذ ذلك، و هما معا محل للتأمل.

أما الأول فلما

في الفقيه عن سعد بن عبد الله أنه كان يقول: «أنه من حدد قبرا»

بالحاء المهملة غير المعجمة أي من سنم قبرا، و يؤيده أنه

ورد نحوه (2)من طريق أبي الهياج كما نقله الشيخ في الخلاف، و هو من صحاح العامة على ما قيل، قال: «قال لي علي (عليه السلام): أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا أرى قبرا مشرفا إلا سويته، و لا تمثالا إلا طمسته»

و روي ما يقرب منه من طرقنا كخبر السكوني عن الصادق (عليه السلام)(3)، و هذا يعطي أن الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف و التسوية عليه، و لا ينافيه كما لا ينافيه الخروج عن الإسلام بفعله لما تعارف من الزجر عن المكروهات كالحث على المندوبات بما يلحقه بالمحرمات و الواجبات، أو يراد الاستحلال و نحوه مما يؤدي إلى الكفر، فتأمل. و ما فيه

عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي أنه كان يقول: «إنما هو من جدث قبرا بالجيم و الثاء المثلثة- و قال بعد نقله- و الجدث القبر، و ما ندري ما عني به».

قلت: يمكن أن يكون المراد به حينئذ كما في التهذيب أن يجعل دفعة أخرى قبرا لإنسان آخر فقد يكون حينئذ محرما مع استلزامه النبش المحرم، و ما في التهذيب عن شيخه محمد بن النعمان أن الخدد بالخاء المعجمة و دالين من الخد و هو الشق، يقال: خددت


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الدفن- حديث 1.
2- 2 صحيح مسلم ج- 1- ص 357.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الدفن- حديث 2.

ج 4، ص: 338

الأرض خدا أي شققتها، فيكون المراد حينئذ النهي عن شق القبر الدفن فيه أو غيره لحرمة النبش، و في التنقيح بعد أن نسب الخاء المعجمة للمفيد قال: أي جعل خدا للميت لا لحدا، و الخد لغة الشق.

و أما الثاني فلاحتمال أن يراد به ما اختاره الصدوق في الفقيه مع كونه بالجيم و دالين النبش، قال: «لأن من نبش قبرا فقد جدده، و أحوج إلى تجديده، و قد جعله جدثا محفورا» انتهى. أو قتل المؤمن عدوانا، لأن من قتله فقد جدد قبرا مجددا بين القبور، و هو مستقل في هذا التجديد، فيجوز إسناده إليه، بخلاف ما لو قتل بحكم الشرع، و هو المناسب للمبالغة بالخروج عن الإسلام، أو يراد به الإشارة منه (عليه السلام) إلى القبور و الصور التي أرسله رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى تخريبها و تسويتها و إطماسها و محوها، أي من جدد قبرا من تلك القبور أو مثل مثالا بعد أن أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بذلك فقد خرج عن الإسلام و خالف رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و لعله يدخل فيه حينئذ من صنع قبرا مثلها و إن لم يكن منها على عموم المجاز بإرادة القدر المشترك بينه و بين تجديد ما أذهبه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أماته من هذه الطريقة، أو يراد بتجديد القبور إنما هو البناء الذي يكون عليها من القباب و نحوها، كما عساه يشعر به استثناء قبور الأئمة (عليهم السلام) منه في جامع المقاصد و غيره، و كون ذلك مكروها ابتداء مع إمكان فرضه فيما لا يكره ابتداؤه كما في الأرض المملوكة لو قلنا به لا ينافيه عند التأمل، أو غير ذلك.

كل ذا مع بعد إرادة التجديد المطلوب هنا و إن ذكره الصفار على ما حكي عنه في الخبر المتقدم، حيث قال: «هو بالجيم لا غير» و عن محمد بن أحمد بن الوليد أنه قال:

لا يجوز تجديد القبر و لا تطيين جميعه بعد مرور الأيام و بعد ما طين في الأول، و لكن إذا مات ميت و طين قبره فجائز أن يرم سائر القبور من غير أن تجدد إلا أنه لم يكن ذلك

ج 4، ص: 339

مستعملا في ذلك الوقت حتى يبالغ هذه المبالغة في النهي عنه، على أن المراد بتجديدها بحسب الظاهر إنما هو ظاهرها، و ليس لظاهرها حالة سابقه معتد بها حتى ينهى من تجديدها لكراهة التجصيص و البناء عليها و التظليل و نحو ذلك ابتداء من دون تجديد، بل و كذا التطيين بغير ترابها، بل و بترابها إلا على قول، فلا كراهة فيها فلم يكن ثم حالة كان عليها ينهى عن تجديدها، اللهم إلا أن يقال: إنه لا ريب في تفاوت القبر الجديد لغيره بارتفاعه عن الأرض مثلا، و العلامة و التطيين بطينه و نحو ذلك مما يفيد الناظر إليه أنه قبر جديد، و مرجعه الحقيقي العرف أيضا، فلا ينبغي إطلاق الكراهة، إذ التجديد بهذا المعنى قد يكون محرما، و هو ما إذا كان في الأرض المسبلة و قد اندرس الميت، و كان ذلك المكان محتاجا إليه، لسقوط حقه منه و تعلق حق غيره به، فاللازم حينئذ تقييد الكراهة بما يحترز عن هذا و شبهه.

و أيضا هذا كله مضافا إلى ما ذكره المصنف في المعتبر من الطعن في سند هذه الرواية بضعف محمد بن سنان و أبي الجارود، قال: «فالرواية ساقطة، فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق نقلها» و تبعه عليه في المدارك، إلا أنه قد يدفع هذا بانجبارها بالشهرة المحكية إن لم تكن محصلة، و بأن الحكم مكروه، فلا يقدح فيه ذلك، و بأن اشتغال الأفاضل مثل الصفار و سعد بن عبد الله و أحمد بن أبي عبد الله البرقي و الصدوق و الشيخين في تحقيق هذه اللفظة مؤذن بصحة هذا الحديث عندهم و إن كان طريقه ضعيفا كما في أحاديث كثيرة اشتهرت و علم موردها و إن ضعف أسنادها، كما أنه قد يدفع ما تقدم بأنه يكفي في ثبوت الكراهة كون ذلك أحد الأمور المذكورة، سيما مع احتمال صحة ما ذكره أولئك الأفاضل جميعه، و تعدد الرواية، و لعله لذا قال في الدروس: و يكره تجديده بالجيم و الحاء و الخاء لكن ينبغي أن يقيد الأخير بما لا يستلزم النبش المحرم، و إلا كان حراما لا مكروها، إلا أن لنا في الاكتفاء بمثل هذه الاحتمالات في المندوبات

ج 4، ص: 340

و المكروهات مع عدم القول بالاحتياط العقلي بحثا ليس هذا محل ذكره، فتأمل.

ثم إنه قد استثنى في جامع المقاصد من كراهة التجصيص و التجديد قبور الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) كالمدارك قالا: «لإطباق السلف و الخلف على فعل ذلك بها» بل في المدارك و لاستفاضة الروايات بالترغيب في ذلك، كما أنه فيها أيضا لا يبعد استثناء قبور العلماء و الصلحاء استضعافا لخبر المنع، و التفاتا إلى تعظيم الشعائر، و لكثير من المصالح الدينية.

قلت: قد يقال: إن قبور الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) لا تندرج في تلك الإطلاقات حتى تحتاج إلى استثناء، كما هو واضح، و أيضا فاللائق استثناؤها من كراهة البناء على القبور كما في الذكرى و غيرها و المقام عندها لا التجصيص و التجديد، اللهم إلا أن يراد منهما ذلك، إذ لا إطباق من الناس عليهما، و لا استفاضة للأخبار فيهما، و لا مصالح دنيوية و لا أخروية في كل منهما، لحصول الغرض و المراد بمعرفة مكان القبر ثم اتخاذ قبة و نحوها، فيبقى معروفا لمن أراد الزيارة و التوسل و الدعاء و

غير ذلك، و هذا الذي قد أطبقت الناس عليه، و كان معروفا حتى في زمان الأئمة (عليهم السلام) كما في قبر النبي (صلى الله عليه و آله) و غيره، و هو المراد بعمارة القبر في

خبر عمار البناني (1)عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) «يا أبا الحسن إن الله تعالى جعل قبرك و قبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة و عرصة من عرصاتها، و ان الله تعالى جعل قلوب نجباء من خلقه و صفوة من عباده تحن إليكم، و يحمل المذلة و الأذى فيكم، و يعمرون قبوركم و يكثرون زيارتها تقربا منهم إلى الله تعالى و مودة منهم لرسوله، يا علي أولئك المخصوصون بشفاعتي الواردون


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من كتاب المزار- حديث 1 لكن رواه عن أبي عامر الكناني.

ج 4، ص: 341

حوضي، و هم زواري غدا في الجنة، يا علي من عمر قبوركم و تعاهدها فكأنما أعان سليمان على بناء بيت المقدس، و من زار قبوركم عدل له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، و خرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر و بشر أوليائك و محبيك منا السلام و قرة العين بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، و لكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي، لا ينالهم شفاعتي، و لا يردون حوضي».

و حاصل الكلام أن استحباب ذلك فيها كاستحباب المقام عندها و زيارتها و تعاهدها كاد يكون من ضروريات المذهب إن لم يكن الدين، فلا حاجة للاستدلال على ذلك، نعم قد يلحق بقبور الأئمة (عليهم السلام) قبور العلماء و الصلحاء و أولاد الأئمة (عليهم السلام) و الشهداء و نحوهم فتستثنى أيضا من كراهة البناء و نحوه كما تقضي به السيرة المستمرة مع ما فيه من كثير من المصالح الأخروية، لكنه لا يخلو من تأمل لإطلاق أجلاء الأصحاب من دون استثناء.

[و (منها) دفن متين ابتداء في قبر واحد]

و (منها) دفن متين ابتداء في قبر واحد بلا خلاف أجده بين من تعرض له من ابن حمزة و الفاضلين و الشهيد و غيرهم عدا ابن سعيد في الجامع فنهى، و لعله يريدها للأصل و ضعف

المرسل عنهم (عليهم السلام) «لا يدفن في قبر واحد اثنان»

عن إفادة غير الكراهة، فلا وجه للحرمة حينئذ، كما لا وجه للتوقف في الكراهة بعد ما عرفت، مع إمكان تأيده زيادة على المسامحة فيه بأولويته من كراهة جمعهما في جنازة واحدة المنصوص عليها في الوسيلة و المعتبر و عن المبسوط و النهاية و غيرهما، المدلول عليها في الجملة بمكاتبة الصفار(1)لأبي محمد (عليه السلام) و باحتمال تأذي أحدهما بالآخر، و افتضاحه عنده.


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الدفن- حديث 1.

ج 4، ص: 342

هذا إذا كان ابتداء، و أما لو أريد حفر قبر فيه ميت مع العلم ليدفن فيه ميت آخر ففي المبسوط و عن النهاية كراهيته، كما هو قضية إطلاق العبارة و القواعد، مع أنه صرح فيه أيضا بما يقتضي حرمة ذلك كما اختاره جماعة، بل في الذكرى أن عليه إجماع المسلمين.

قلت: و لعله كذلك لحرمة النبش، و لأنه صار حقا للأول خاصة، كما عساه يومي إليه ما دل على قطع يد السارق منه، لكونه حرزا له، و عدم جواز تحويله منه إلى غيره، و من هنا حمل المصنف في المعتبر الكراهة فيه على الحرمة، لكن قد يناقش بأن النبش أمر خارج عما نحن فيه من كراهة الدفن بعد النبش و عدمها، و بأن دعوى أحقيته به بحيث يمنع من مثل هذا التصرف حتى لو كان مالكا للأرض ممنوع، و لا دلالة لأخبار القطع عليه عند التأمل، كما أن عدم جواز تحويله لو سلم لا يقضي بمنع دفن غيره معه، و لعله لذا كان الأقوى الكراهة مطلقا من غير فرق بين المقامين على حسب ما عرفت، و لا بين الأزج أي البيت الذي يبنى طولا و غيره، و إن كان الأول قد لا يسمى نبشا.

هذا كله مع الاختيار، أما مع الضرورة فلا ريب في ارتفاع الكراهة، كما قد

«روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)يوم أحد يجعل اثنين و ثلاثة في قبر، و تقديم أكثرهم قرآنا،»

و في المعتبر و التذكرة و نهاية الأحكام تقديم الأفضل، و أنه ينبغي جعل حاجز بين كل اثنين ليشبها المنفردين، و عن المهذب جعل الخنثى خلف الرجل و أمام المرأة، و جعل تراب حاجزا بينهما.

قلت: لم أعثر على خبر يدل على هذا التفصيل كغيره من التفصيل المذكور عند الأصحاب، فليس إلا مراعاة الجهات العامة كالأبوة و نحوها، و الاستئناس


1- 1 كنز العمال ج- 8- ص- 119- الرقم 2214.

ج 4، ص: 343

بالأشباه و النظائر لكون الحكم استحبابا، فلاحظ و تأمل.

[و (منها) أن ينقل من بلد مات فيه إلى الآخر]

و (منها) أن ينقل من بلد مات فيه إلى الآخر بلا خلاف أجده فيه، بل في المعتبر و التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و عن نهاية الأحكام و غيرها الإجماع عليه، و كفى بذلك حجة عليها، و على ما تضمنته، من الجواز المقابر للحرمة مع الأصل و إطلاق الأدلة بعد الإجماع السابق على حمل أوامر التعجيل على الاستحباب، فتبقى حينئذ لا معارض لها، و نقل يوسف يعقوب (على نبينا و آله و عليهما السلام) إلى أرض الشام، و نوح عظام آدم (على نبينا و آله و عليهما السلام) و موسى عظام يوسف (على نبينا و آله و عليهما السلام) و خبر اليماني و غيرها مما سنشير إليه في ما يأتي (1) كما قد يشهد أيضا للكراهة المروي عن

دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام)(2)أنه رفع إليه «أن رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة، فأنهكهم عقوبة، و قال ادفنوا الأجساد في مصارعها، و لا تفعلوا كفعل اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس، و قال: إنه لما كان يوم أحد أقبلت الأنصار لتحمل قتلاها إلى دورها فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) مناديا ينادي فنادى ادفنوا الأجساد في مصارعها»

لوجوب تنزيله على ذلك بعد ما عرفت.

و ربما استدل عليها أيضا بمنافاته للتعجيل المدلول عليه بأدلته السابقة، و قد يخدش بعدم اقتضائه الكراهة أولا، اللهم إلا أن يراد ما دل على النهي (3)عن الانتظار و نحوه منها، و بعدم اقتضائه لو سلم كراهة النقل من حيث كونه نقلا كما هو ظاهر الفتوى ثانيا إلا إلى أحد المشاهد المشرفة فلا يكره بل يستحب بلا خلاف فيه أيضا، بل في المعتبر أنه مذهب علمائنا خاصة، و فيه أيضا و التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و عن غيرها أن عليه عمل الإمامية من زمن الأئمة (عليهم السلام) إلى الآن من غير تناكر،


1- 1 في الصحيفة 344.
2- 2 المستدرك- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 344

قال في الذكرى: فكان إجماعا.

قلت: بل أقوى منه بمراتب، و هو كاف في ثبوت الحكم المذكور، سيما بعد اعتضاده بفحوى

خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(1)المروي عن مجمع البيان و قصص الأنبياء للراوندوي مسندا في الثاني إليه، قال: «لما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام، فدفنه في بيت المقدس».

و

الحسن بن علي بن فضال (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) المروي في البحار عن العيون و الخصال و العلل، و في كشف اللثام عنها و عن الكافي و الفقيه أيضا، لكن قال: عن الصادقين (عليهما السلام) «إن الله أوحى إلى موسى (عليه السلام) أن أخرج عظام يوسف (عليه السلام) من مصر- إلى أن قال-: فاستخرجه موسى من شاطئ النيل في صندوق مرمر، و حمله إلى الشام»

و لا ريب أن ما نحن فيه من النقل قبل الدفن أولى منه.

و

المفضل عن الصادق (عليه السلام)(3)المروي عن كامل الزيارة «أن نوحا (عليه السلام) نزل في الماء إلى ركبتيه بعد أن طاف بالبيت، و استخرج تابوتا فيه عظام آدم (عليه السلام) و حملها حتى دفنها بعد أن بلعت الأرض الماء في أرض الغري»

و خبر اليماني (4)المروي عن إرشاد القلوب و فرحة الغري عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو مشهور، و

خبر علي بن سليمان (5)قال: «كتبت إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم، فأيهما أفضل؟ فكتب يحمل إلى الحرم و يدفن فهو أفضل»

و مثله

خبر سليمان (6)إلا أنه قال فيه: «كتبت إلى أبي الحسن


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب مقدمات الطواف- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 44- من أبواب مقدمات الطواف- حديث 3.

ج 4، ص: 345

(عليه السلام) أسأله عن الميت يموت بمنى أو عرفات، الوهم مني»

ثم ذكر مثله، و في

خبر هارون بن خارجة عن الصادق (عليه السلام)(1)«من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، فقلت له: من بر الناس و فاجرهم قال: من بر الناس و فاجرهم»

و بها أفتى في الجامع، فقال: «لو مات في عرفة فالأفضل نقله إلى الحرم» و بما في الذكرى عن الغرية قد جاء حديث (2)يدل على الرخصة في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول (صلوات الله عليهم) إن أوصى الميت بذلك، و يقرب منه ما عن المصباح، و بما أرسل في المبسوط و عن النهاية من الرواية(3)الدالة على الرخصة في نقله بعد دفنه، بناء على العمل بها، إذ ما نحن فيه أولى.

و الاشكال في الاستدلال بهذه الأخبار- بأنه فعل بشريعة سابقه، و ليس حجة علينا، بل لعل خلافها هو المطلوب، كما يرشد إليه

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(4)لما قال له اليهودي هكذا نحن نصنع: «خالفوهم،» و فعل خلافه

- مدفوع بعد تسليم ذلك حتى فيما ينقل عن الأنبياء أنفسهم بأن الاستدلال بها إنما هو بما يظهر من ذكر أئمتنا (عليهم السلام) لها من إرادة العمل بمضمونها، فتأمل.

و يؤيد أيضا بما فيه من التمسك بمن له أهلية الشفاعة، و هو حسن بين الأحياء توصلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى، و القول إنه لا دليل يدل على حصول ذلك بمجرد القرب المكاني من قبره لا يصغى إليه، إذ هو- مع إمكان دعوى استغنائه عن الدليل، لأن حرمتهم أمواتا كحرمتهم إحياء- في خبر اليماني و غيره إشارة


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب مقدمات الطواف- حديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 4.
4- 4 كنز العمال- ج- 8- ص- 116- الرقم 2181.

ج 4، ص: 346

إليه، و قال في البحار: «إنه قد وردت أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد المشرفة لا سيما الغري و الحائر».

قلت: و الأمر بالشي ء ندبا أمر بمقدمته كذلك، فيستحب النقل حينئذ، و حكى في

كتاب المزار منه (1)عن إرشاد القلوب الديلمي أنه قال: «من خواص تربة الغري إسقاط عذاب القبر و ترك محاسبة منكر و نكير للدفن هناك، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت (عليهم السلام)»

ثم نقل رؤيا عن بعض الصلحاء تناسب ذلك، و خبر اليماني المشهور، قلت: و في بالي إني سمعت من بعض مشايخي ناقلا له عن المقداد أنه قال: «قد تواترت الأخبار أن الدفن في سائر مشاهد الأئمة (عليهم السلام) مسقط لسؤال منكر و نكير» هذا كله مع قطع النظر عما فيه من ملاحظة نفس الأرض و ما ورد فيها من الفضل و البركة(2)فإن لذلك مدخلية أيضا في مسألة الدفن.

كما يشعر بذلك

المرسل عن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)«إن موسى (عليه السلام) لما حضرته الوفاة سأل ربه أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، و قال (صلى الله عليه و آله):

لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر»

و

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)عند إرادة دفنه للنبي (صلى الله عليه و آله) في بيته بأنه (صلى الله عليه و آله) قبض في أشرف البقاع، فليدفن فيها،

و

قوله (عليه السلام)(5)أيضا لما نظر إلى ظهر الكوفة:

«ما أحسن منظرك، و أطيب قعرك، اللهم اجعله قبري»

و إصرار أبي الحسن الرضا


1- 1 البحار ج- 22- ص 37 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 16 و 68 و 84 من كتاب المزار.
3- 3 صحيح البخاري ج- 2- ص 98 المطبوعة بمصر سنة 1313.
4- 4 البحار ج- 6- ص 1044 من طبعة الحروفي.
5- 5 البحار ج- 22- ص 37 من طبعة الكمباني.

ج 4، ص: 347

(عليه السلام)(1)على دفن يونس بن يعقوب بالبقيع، و حكاية دفن الحسن (عليه السلام) مع جده (صلى الله عليه و آله)(2)إلى غير ذلك، و قد ورد(3)في فضل الغري مع قطع النظر عن دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه، و شراء إبراهيم له (4)معللا ذلك بأنه يحشر منه سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع كل واحد منهم لكذا و كذا، و كذلك اشتراه أمير المؤمنين (عليه السلام)(5)معللا له بمثل ذلك من أنه يحشر منه سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، و غير ذلك مما هو غني عن البيان، كما قد يشعر ما مر من خبر الزانية(6)التي لم تقبلها الأرض حتى وضع معها شي ء من أرض كربلاء، و غيره بفضل كربلاء كذلك أيضا، فضلا عما ورد فيها من الأخبار(7).

و الحاصل أن من أيقظته أخبار الأئمة الهداة (عليهم السلام) لا يحتاج إلى خصوص أخبار في التمسك على رجاء النفع للميت و دفع الضرر عنه بالدفن قرب من له أهلية الشفاعة لذلك، و الأرض المباركة المشرفة بدفنهم بها أو بغيره، سيما ما كان لفضلها تعلق بالدفن و نحوه كمقبرة براثا، لما في

خبر أبي الحسن الحذاء عن الصادق (عليه السلام)(8)«إن إلى جانبكم مقبرة يقال لها براثا يحشر بها عشرون و مائة ألف شهيد كشهداء بدر»

قلت:


1- 1 البحار- الجزء الأول من المجلد- 15- ص 292 من طبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الدفن- حديث 6 و 8 و 10.
3- 3 البحار ج- 22- ص 35 من طبعة الكمباني.
4- 4 البحار ج- 22- ص 35 من طبعة الكمباني.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الدفن- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب التكفين- حديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 68- من كتاب المزار.
8- 8 البحار ج- 22- ص 36 من طبعة الكمباني.

ج 4، ص: 348

لكن كأنه يظهر من المجلسي في البحار أنه فهم منه مقبرة الغري حيث رواه عن سهل في هذا المضمار.

و كيف كان فمما ذكرنا ينقدح وجه ما ذكره الشهيد، و تبعه عليه بعض من تأخر عنه من إلحاق نحو المقبرة التي فيها قوم صالحون بمشاهد الأئمة (عليهم السلام) في رجحان النقل إليها لتناله بركتهم، و كذا الشيخ في المبسوط قال: «و يستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع، فان كان بمكة فبمقبرتها، و كذلك المدينة و المسجد الأقصى و مشاهد الأئمة (عليهم السلام)، و كذا كل مقبرة تذكر بخير من شهداء و صلحاء و غيرهم» انتهى.

فظهر من ذلك كله أنه لا جهة للإشكال في أصل رجحان ذلك رجاء للنفع و دفعا للضرر، و خبر دعائم الإسلام مع الطعن في مصنفه قد عرفت حمله على الكراهة، بل كاد يكون إيصاء الميت بذلك عليه كاللازم، نعم قد يستثنى من الرجحان المذكور الشهيد لأمر النبي (صلى الله عليه و آله) بدفنهم في مصارعهم عند إرادة أصحابه نقلهم، و من هنا نص عليه في الذكرى بل في الدروس أنه المشهور، إنما الإشكال في بعض أفراد النقل، منها ما هو مستعمل في مثل زماننا من الأمكنة البعيدة جدا بحيث لا يجي ء الميت إلا متغيرا كمال التغيير حتى يكاد لا يستطيع أن يقرب إليه أحد، و ربما تقطعت أوصاله و جرى قيحه و نحو ذلك، و لم أعثر على من نص على جواز حمله، إلا أنه كان يفتي به الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر تغمده الله برحمته، حتى ترقى إلى أنه قال: «إنه لو توقف نقله على تقطيعه إربا إربا جاز، و لا هتك فيه للحرمة إذا كان بعنوان النفع له و دفع الضرر عنه كما يصنع مثله في الحي».

و قد يستدل له بالأصل أولا و بفحوى خبر اليماني و غيره مما تقدم ثانيا، و بما أشار إليه من الرجحان القطعي العقلي، و بأولويته من النقل بعد الدفن الآتي، و بإطلاق

ج 4، ص: 349

الأصحاب استحباب النقل إلى المشاهد، بل عن الفاضل الميسي أنه صرح بعدم الفرق بين القرب إليها و البعد مع إطلاق الأدلة في الدفن، لحمل ما دل على التعجيل على الاستحباب.

و فيه أن الأصل مقطوع بما دل على وجوب احترام المسلم و أن حرمته ميتا كحرمته حيا، و أن الأصل في حكمة الدفن إنما هو ستر مثل هذه الأمور منه مراعاة لحرمته، و دعوى أن مثل ذلك بهذا العنوان لا يعد هتكا ممنوعة، و المحكم فيه العرف، و به يفرق بين الحي و الميت، سيما مع عدم علمنا بوجود مصلحة في نقله تقابل هذه المفسدة المحققة و غيرها مما يعلمه الله دوننا حتى يضمحل هذا الهتك في جانبها، إذ لا يوزن ذلك إلا علام الغيوب و من أودعهم إسراره و حكمته، و لم نقف على ما يدل على خصوص ذلك منهم، بل لعل ترك السلف الماضين له من الصحابة و التابعين و غيرهم مع محافظتهم و شدة اعتناء الأئمة (عليهم السلام) ببيان ما هو أقل من ذلك كاد يشرف الفقيه على القطع بعدم مشروعيته.

و أما خبر اليماني فهو- مع أنه فعل غير معصوم و عدم ظهور الرضا من أمير المؤمنين (عليه السلام) به، و لم يعلم كونه في الحال المتنازع فيه- لا يجوز التمسك به في إثبات مثل هذا الحكم مع عدم الجابر و العاضد له.

و أما دعوى القطع العقلي بالرجحان المذكور فهي في حيز المنع عند تزوي العقل و معرفته بقصوره عن إدراك أحوال ذلك العالم من مصالحه و مفاسده.

و أما إطلاق الأصحاب ففيه مع انصرافه إلى غير ذلك قطعا لا إطلاق في مثل قول المصنف و نحوه: «و يكره النقل إلا إلى المشاهد» إذ هو استثناء من النقل الجائز على كراهة، فلا شمول فيه لما لو كان النقل محرما، إذ لا ريب في حرمة مثل هذا النقل لو كان لغير المشاهد، فتأمل جيدا.

و تصريح الفاضل الميسي بعدم الفرق المذكور لا يستلزم ما نحن فيه، مع أنه صرح

ج 4، ص: 350

الشهيد في الذكرى بتقييد استحباب النقل إلى المشاهد بالقرب و عدم خوف الهتك، كما أنه صرح بتقييده أيضا بما لم يخش فساده ابن إدريس و المحقق الثاني و عن الشهيد الثاني و استجوده في الحدائق.

و أما الأولوية المذكورة فبعد تسليمها إنما تثمر لو قلنا بذلك، و ستعرف الكلام فيه إن شاء الله.

و أما إطلاق الأدلة فهو و إن كان كذلك لا يعارضها أوامر التعجيل بعد حملها على الاستحباب، إلا أنه لا يكاد يخفى على الممارس لكلمات الأصحاب في مقامات و أخبار الباب ظهور الاتفاق منهم على تقييد تلك المطلقات بما إذا لم يؤد التعطيل فيه إلى ظهور رائحته و انتهاك حرمته، بل لم يسوغوا على الظاهر الانتظار به بحيث يصل إلى بعض هذا للكفن و الغسل و الكافور و نحوها، فأوجبوا دفنه بدونها، بل و كذا الدفن في الأرض على ما صرح به بعضهم هناك، فيلقى في الماء، إلى غير ذلك، فالمراد بمقابل التعجيل المحكوم بجوازه و عدم استحبابه إنما هو غير المؤدي إلى ذلك.

و احتمال القول- بأن المعلوم من تقييد تلك المطلقات إنما هو إذا فسد بدون النقل إلى تلك الأراضي المشرفة، و أما فيها فلا تعسف و تهجم- يدفعه التأمل و التتبع لكلمات الأصحاب و أخبار الباب، بل قد يقال قويا: إن الإطلاقات قد تشهد للمطلوب باعتبار ظهور كون المراد منها و المطلوب استمرار الدفن و دوامه في سائر الأوقات، إذ ليست هي كالأمر بالضرب و نحوه مما يحصل الامتثال بإيجاد الطبيعة قطعا، و من هنا يجب دفنه لو اتفق ظهوره، و هكذا. فحينئذ يكون المأمور به الدفن و التغطية من وقت حصول الموت إلى حد خروج الميت عن حاله و صيرورته ترابا و شبهه، نعم أقصى ما هناك خروج أن يقطع بعدم شموله لمثل ما نحن فيه، لا أقل من الشك، فيبقى ما ذكرناه سالما، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و مع ذلك كله فبين إطلاق استحباب النقل و حرمة الهتك و المثلة

ج 4، ص: 351

تعارض العموم من وجه، و لا ريب في رجحانها عليها سيما بعد القطع بعدم تقديم شي ء من المندوبات عدا ذلك، كالانتظار به للجرائد و نحوها عليه، فتأمل. فظهر لك حينئذ من ذلك كله وجه الإشكال في هذا النوع من النقل، و لا ريب أن الاحتياط يقضي بتركه، نسأل الله تعالى أن لا يحوجنا إليه، فإنه المنان العظيم الرحمن الرحيم.

و

(منها) النقل بعد الدفن

، و سيأتي الكلام عليه إن شاء الله عند تعرض المصنف له.

[و (منها) أن يستند إلى القبر أو يمشى عليه]

و (منها) أن يستند إلى القبر أو يمشى عليه أو يجلس عند علمائنا أجمع و أكثر أهل العلم كما في التذكرة، و قول العلماء كما في المعتبر، و في المدارك نسب ما في المتن إلى الأصحاب من دون علم خلاف فيه، بل حكى عن الخلاف الإجماع عليه، قلت: و كفى بذلك حجة لمثله، مضافا إلى ما فيها من الاستهانة بالميت مع اتحاد حرمتيه كما لعله يومي إليه ما ذكر من استحباب نزع النعال عند زيارة القبور، و إلى ما عساه يشعر به أو يشمله

قول الصادق (عليه السلام)(1)فيما تقدم: «كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت»

و

قول الكاظم (عليه السلام)(2): «لا يصلح البناء على القبر و لا الجلوس عليه»

و إلى ما احتج عليه في الخلاف بما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)أنه قال: «لأن يجلس أحدكم على جمر فتحترق ثيابه و تصل النار إلى بدنه أحب إلى من أن يجلس على قبر»

و في المنتهى بعد أن نسب إلى الشيخ كراهة الجلوس على القبر قال: و

روي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)(4)أنه قال: «لأن أمشي على جمرة أو سيف أو خصف و نعلي برجلي أحب إلى من أن أمشي على قبر مسلم»

و في


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الدفن- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 كنز العمال ج- 8- ص 99 الرقم 1871.
4- 4 كنز العمال ج- 8- ص 98- الرقم 1869.

ج 4، ص: 352

كشف اللثام (1)عنه (صلى الله عليه و آله) «لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلى من أن أطأ على قبر مسلم».

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في كراهة الأمور الثلاثة المتقدمة بعد ما عرفت، فما يظهر من بعض متأخري المتأخرين- من الاقتصار على كراهية الجلوس عليه خاصة عملا بقول الكاظم (عليه السلام) و لا دليل سواه، سيما بعد

قول الكاظم (عليه السلام) أيضا(2): «إذا دخلت المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استراح، و من كان منافقا وجد ألمه»

- ضعيف جدا بعد ما عرفت، و من هنا حمل هذه الرواية في الذكرى على القاصد لزيارتهم بحيث لا يتوصل إلى قبر إلا بالمشي على آخر، و هو جيد، و لعله يلحق به سائر أنواع الضرورة و لو توقف مستحب عليه، كما بلينا به في عصرنا هذا بالنسبة إلى زيارة قبر سيدنا و مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه لا يتوصل إليه إلا بوطء القبور.

و

(منها) تزيين النعش بوضع الثوب الأحمر أو الأصفر عليه

كما أشار إليه العلامة الطباطبائي في منظومته، لما في

الدعائم عن علي (عليه السلام)(3)«انه نظر إلى نعش ربطت عليه حلتان: أحمر أصفر تزين بهما، فأمر بها فنزعت، و قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول أول عدل الآخرة القبور، لا يعرف فيها غني من فقير»

و حينئذ فما يفعله الناس في هذا الزمان من وضع البرد الفاخرة عليه في غير محله، و الله العالم.


1- 1 كنز العمال ج- 8- ص 98 الرقم 1868.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 79- من أبواب الدفن- حديث 6.

ج 4، ص: 353

[الخامس في اللواحق]
اشاره

الفصل الخامس من الفصول الخمسة في اللواحق و هي مسائل أربع:

[ (الأولى) لا يجوز نبش القبور]
اشارة

(الأولى) لا يجوز نبش القبور من غير خلاف فيه كما اعترف به بعضهم، بل هو مجمع عليه بيننا كما في التذكرة و موضع من الذكرى و جامع المقاصد و مجمع البرهان و عن كشف الالتباس، بل و بين المسلمين كما في المعتبر و عن نهاية الأحكام و موضع آخر من الذكرى إلا في مواضع، و لعله يرجع إليه ما في السرائر في المسألة الآتية، و هي نقل الميت بعد دفنه أنه بدعة في شريعة الإسلام، و هو الحجة، مضافا إلى ما سمعته سابقا من الكلام في قوله: «من جدد» بالجيم و الخاء المعجمة، و إلى ما عساه يستفاد من التأمل في الأخبار المستفيضة [34754](1)الدالة على قطع يد النباش المذكورة في الحدود سيما بعد الانجبار بما عرفت، و إلى ما فيه من المثلة بالميت و هتك الحرمة، و اتفاق الاطلاع على بعض ما صنع به في القبر، و إلى ما عرفته سابقا من شمول أوامر الدفن لسائر الأوقات التي منها آن النبش، بل الظاهر كون المراد منها بعد تحقق الدفن إنما هو إبقاؤه مدفونا، كما أنه قبله وجوده و بروزه، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.

نعم قد

يستثنى من ذلك مواضع
، (منها)

ما لو يلي الميت و صار رميما كما نص عليه جماعة، و إلا لزم تعطيل كثير من الأراضي، بل لعله اتفاقي كما صرح به في جامع المقاصد، و يقرب منه ما في كشف اللثام من القطع به، قلت: و لعله كذلك لأنه لا يدخل تحت مسمى نبش القبر، ثم انه يختلف ذلك باختلاف الأراضي و الأهوية، و مع الشك فالظاهر الرجوع فيه إلى أهل الخبرة و إن كان في الاكتفاء به أيضا إن لم يحصل العلم و القطع به نظر و تأمل، و أولى منه في الاشكال ما لو حصل الظن باندراسه من دون إخبارهم، و إن صرح بعض الأصحاب أن له النبش، حينئذ، فإن وجد فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب حد السرقة من كتاب الحدود.

ج 4، ص: 354

شيئا طمه، و ذلك لاستصحاب عدم الاندراس و حرمة النبش، فالأقوى العدم، و ينبغي استثناء قبور الأنبياء و الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من ذلك، كما أنه ينبغي استثناؤه أيضا من كثير من الصور التي تسمعها، لمنافاته للتعظيم و ما فيه من الهتك بالنسبة إلى أمثالهم مع عدم معلومية اندراس أجسادهم (عليهم السلام)، بل لا يبعد إلحاق قبور العلماء و الصلحاء و الشهداء، و كل ما كان في نبشه ذلك و لو بالأخرة كأولاد الأنبياء و نحوهم، سيما ما اتخذ منها مزارا و ملاذا و حف بأنواع التعظيم و التبجيل.

و (منها)

أن يدفن في أرض مغصوبة و لو للاشتراك فيها كما صرح به جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان و الشهيد، بل لا أعرف فيه خلافا، بل قد يظهر من كشف اللثام و غيره أنه مقطوع به، فللمالك حينئذ نبشه و قلعه إن لم يرض ببقائه، كما أنه لا يجب عليه قبول القيمة لو بذلت له، نعم قد يقال بالوجوب حينئذ مع تعذر الدفن في غيرها بناء على وجوب ذلك عليه ابتداء، و إلا لم يجب أيضا كما هو قضية الأصل، و توقف التجارة على التراضي، و لعله لا يخلو من قوة، و لا فرق فيما ذكرنا بين زيادة هتك حرمة الميت من تقطيع و نحوه و عدمه، و لا بين قلة الضرر على المالك و كثرته، و لا بين الوراث و الأرحام و غيرهم، و لو لا ظهور اتفاق من تعرض لذلك عليه إن لم يكن اتفاقا مطلقا لأمكن المناقشة في إطلاق هذا الحكم من حيث عدم ذكر دليل له سوى أنه مراعاة حرمة الحي، و حقه الذي هو مبني على الضيق. و فيه أنه معارض بحرمة الميت التي هي كحرمته، و فعل الغاصب إنما يسقط حرمة نفسه لا حرمة غيره التي يجب مراعاتها عليه و على المالك، فالمتجه حينئذ بعد مراعاة الميزان في الحرمتين و فرض التساوي فيهما الجمع بين الحقين ببذل القيمة و لو من تركة الميت أو من ثلثه أو بيت المال، و لا تتعين على الغاصب.

و كيف كان فلا ريب أن الأولى بل الأفضل كما صرح به غير واحد قبول

ج 4، ص: 355

القيمة من المالك، سيما إذا كان وارثا أو رحما، و في إلحاق ملك المنفعة دون العين بمالكها في الحكم المذكور وجه قوي إن لم يكن متعينا و إن كانت ملكا للغاصب، كما يقوى إلحاق من كان ابتداء وضعه بحق شرعي دون الاستدامة بالغاصب العادي، كمن استأجر أرضا مدة يدفن فيها ميتا ثم انقضت المدة و إن كان غير عاد في وضعه، و يحتمل العدم، فيساوي كل ما ليس بعاد و غاصب كالمشتبه و الغافل و نحوهما، فيجمع بين الحقين بالإلزام بالقيمة، فتأمل.

و (منها)

لو كفن بثوب مغصوب من غير خلاف أجده فيه، بل قد يظهر من كشف اللثام كونه مقطوعا به أيضا إلا من العلامة في المنتهى، حيث فرق بينه و بين السابق بتعذر تقويم الأرض إلى بلى الميت بخلافه هنا، و فيه أنه ممكن بتقويمها مدة يقطع فيها ببلاء الميت، و كذا الفرق بإشراف الثوب على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض لأن الفرض قيامه، نعم قال في الذكرى و تبعه عليه غيره: «ربما احتمل أنه إن أدى إلى هتك الميت بظهور ما ينفر منه لم ينبش، و إلا نبش، لما دل (1)على تساوي حرمتيه» قلت: و مثله يأتي في سابقه أيضا، و هو مما يؤيد ما قدمناه آنفا.

و (منها)

لو وقع في القبر ماله قيمة فإنه يجوز نبشه لأخذه بلا خلاف أجده فيه أيضا، و به صرح في المعتبر و التذكرة و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها من غير فرق فيه بين القليل و الكثير، و لا بين ما إذا بذل قيمته أو لا كما نص عليهما بعضهم، و في

الذكرى أنه روي (2)«أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) ثم طلبه، ففتح موضعا منه فأخذه، و كان يقول: أنا آخركم عهدا برسول الله (صلى الله عليه و آله)

قلت: و لا يخفى عليك أولوية جريان ما سبق من الإشكال في المقام سيما


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب التكفين- حديث 1.
2- 2 المهذب ج- 1- ص 138.

ج 4، ص: 356

بعض أفراده، و أما الرواية فلا ريب أنها عامية كما قطع بذلك في الحدائق، مع ما فيها أولا من ظهور كون الطرح عمدا، و ينبغي القطع بعدم جوازه في مثله، لكونه المضيع لما له، و ثانيا أنه لا يجري الحكم المذكور في مثل قبر النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) و إن أطلق الأصحاب، و أيضا قال في الحدائق: «و قد

ورد في بعض الأخبار(1)التي لا يحضرني الآن موضعها عن علي (عليه السلام) تكذيبه في دعواه ذلك»

قلت: و هو الصواب، فإن المغيرة و أمثاله من المنافقين في السقيفة يومئذ، و أين هم من حضور دفنه (صلى الله عليه و آله)؟.

و (منها)

ما ذكره في الذكرى و تبعه عليه غيره من أنه يجوز النبش عليه أيضا للشهادة على عينه، ليضمن المال المتلف، أو لقسمة ميراثه و اعتداد زوجته، لأنه موضع ضرورة، و هو- مع أنه إنما يتم لو علم أن النبش محصل لذلك و كان متوقفا عليه، و إلا فبدونه يحرم قطعا- قد يناقش فيه بإطلاق الإجماع المحكي على حرمة النبش سيما ما في المعتبر، حيث حكاه على ما عدا أربع صور، و ليست هذه منها.

و (منها)

ما ذكره الشيخ في المبسوط، و هو ما لو دفن في أرض ثم بيعت فإنه يجوز للمشتري حينئذ قلعه، و لعل وجهه أنه لم تسبق منه إذن، فكانت كالمغصوبة بالنسبة إليه، و فيه منع واضح، إذ لا ينتقل للمشتري إلا السلطنة التي كانت للبائع دون غيرها، إذ هو فرعه، و لم يكن ذلك جائزا له و إن كان بعنوان العارية، للزومها في مثل المقام إلى أن يبلى الميت، لمكان ابتنائها في نحوه عليه، فالمشتري تابع له حينئذ.

نعم إنما يتم ما ذكره لو فرض غصبية الأرض فباعها المالك الأصلي، إذ يكون حينئذ كالصورة الثانية. و ما يقال: إن حرمة النبش منشأها الإجماع المفقود في المقام، فالأصل الجواز في غاية الضعف، إذ بعد التسليم فخروج الشيخ لا يقدح في المحصل


1- 1 كنز العمال ج- 4- ص 56 الرقم 1128 و 1129.

ج 4، ص: 357

منه فضلا عن المنقول، و من هنا أنكره عليه من تأخر عنه كالفاضلين و الشهيد و المحقق الثاني، و هو كذلك.

و (منها)

ما لو دفن بغير غسل، فيجوز نبشه حينئذ كما في المنتهى محافظة على الواجب الذي يمكن تداركه، و لا دليل على سقوطه بذلك، فاستصحابه محكم، كما أنه لا دليل على حرمة النبش في مثل المقام، فأصالة البراءة فيه محكمة، على أنه قد يقال: إنه لا احترام لمثل هذا الدفن، لكونه منهيا عنه من حيث تأخر الأمر به عن الغسل أو ما يقوم مقامه، فلا اعتبار به، لانصراف حرمة النبش إلى الإقبار الشرعي، و الظاهر إرادته ما إذا لم يخش فساد الميت بقرينة نصه على عدم النبش مع التقطيع في القبر، و نسبته ما اختاره أولا للشافعي، و المنقول عنه التقييد الذي ذكرناه، و لذا قال في المدارك: «و الذي يظهر لي قوة ما ذهب إليه الشافعي من وجوب النبش لاستدراك الغسل إذا لم يخش فساد الميت، لتوقف الواجب عليه، و المثلة مع عدم خوف الفساد لم يثبت كونها مسقطة لذلك» انتهى و خالف في ذلك الشيخ في الخلاف، و تبعه المصنف في المعتبر و العلامة في التذكرة و إن احتمل الأول فيها أيضا و الذكرى و جامع المقاصد و غيرها، لأنه مثلة فيسقط الغسل معها، و لإطلاق الفتاوى بحرمة النبش من دون استثناء ذلك، بل لعله بعض معاقد الإجماعات المحكية كذلك، و في الخلاف أنه يدل عليه عموم كل خبر يتضمن النهي عن نبش القبور، و لعله وقف على ما لم نقف عليه، كما هو مظنة ذلك.

و قد يقوى في النظر التفصيل بين كون الإخلال بالغسل لعذر شرعي كعدم الماء مثلا و نحوه و بين عدمه بل كان عصيانا و نحوه، فالأول لا ينبش بخلاف الثاني تحكيما لما دل على كل منهما فيهما مع عدم انصراف شي ء منهما إلى مفروض الآخر، فلا تشمل أدلة الغسل للمدفون بعد تعذره، و لا أدلة النبش للمدفون مع التمكن منه، بل لعله ليس دفنا، كل ذا مع عدم انهتاك الحرمة من جهة أخرى كالفساد الطاري و نحوه، و إلا وجب

ج 4، ص: 358

مراعاتها، فتأمل جيدا. و قد يلحق بالأول مختل الغسل بما يفسده و لم يعلم به حتى دفن فلا ينبش، كما أنه يلحق بالثاني معلوم الفساد قبله فينبش.

و ليس ترك الكفن و الصلاة كترك الغسل، و لذا صرح في المنتهى هنا بعدم النبش لهما، بل لا أجد فيه خلافا إلا من البيان و المدارك في خصوص التكفين، فجعلاه كالغسل في النبش له، و كأنه لاتحاد طريق المسألتين و عدم الفرق في البين، لكن ذكر غير واحد من الأصحاب الفرق بإمكان تدارك الصلاة من غير نبش، لأن لها وجه مشروعية من فوق القبر، و بإغناء القبر عن ستر الكفن، و هو لا يخلو من قوة بالنسبة للصلاة، و من وجه في الكفن، إلا أن الأقوى منه مساواة الكفن للغسل، فيجري فيه ما تقدم.

و أما الاستقبال في القبر ففي البيان أنه ينبش له، و فيه تأمل، و قد تبنى المسألة فيما نحن فيه و نظائره على تعارض الواجب و المحرم، فيفزع إلى الترجيح بالمرجحات الخارجية و مع عدمها فالأحوط ترجيح جانب الحرمة، و إن كان الأقوى التخيير حينئذ، و مبنى الحكم في كثير من المسائل السابقة أن النبش محرم إلا ما علم خروجه، أو جائز إلا ما علم حرمته، كما أن مبناه في جملة منها أيضا على تقديم مراعاة حق الحي على حرمة الميت و عدمه، فتأمل جيدا.

و لو كفن في حرير و دفن فالأقوى أنه كالمدفون عريانا، فقد يتأتى حينئذ بناء على النبش فيه هناك جوازه أو وجوبه هنا، لكن الذي صرح به الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم حرمة النبش له، و في كشف اللثام أن فيه وجهين، من كونه كالمغصوب و كذي القيمة الواقع في القبر فإنه غير مشروع، و من أن الحق فيه لله، و حقوق الآدميين أضيق. قلت: قد يفرق بينه و بين المغصوب بكونه هو المتلف له حقيقة هنا بخلافه هناك، كما أنه قد يقال بالنسبة للوجه الثاني أن معه حق آدمي أيضا لعدم ذهاب ماليته

ج 4، ص: 359

و خروجه عن المملوكية بذلك، و كيف كان فالمتجه ما عرفت، فتأمل.

و لو ابتلع ما له قيمة كجوهرة و نحوها و مات ثم دفن فجواز النبش عليه موقوف على جواز شق جوفه، و الذي صرح به الشيخ في الخلاف العدم، لأن حرمته ميتا كحرمته حيا، و لا يجوز شقها في الحي لذلك فكذا الميت، و لا فرق فيه بين كون المال له فانتقل إلى الورثة بموته و بين كونه لغيره، و في المحكي من عبارة التذكرة الفرق بينهما، فاستوجه الشق وفاقا للشافعي في الثاني، لما فيه من دفع الضرر عن المالك بردّ ماله إليه، و عن الميت بإبراء ذمته، و عن الورثة بحفظ التركة لهم، و ظاهره التوقف في الأول من كونه مالا له و استهلكه في حياته فلم يثبت للورثة فيه حق، و من أنها صارت ملكهم بموته فهي كالمغصوبة، قلت: و لعل التوقف في السابق أيضا، كما هو ظاهر المعتبر و غيره، لما سمعت من التذكرة و مما تقدم من الخلاف، و احتمال القول بأنه أسقط حرمته بابتلاعه كاحتمال تقديم حق الآدمي الحي عليه كما مر نظيره لا يفيد النفس اطمئنانا تعذر به عند بارئها، سيما بعد المعارضة باحتمال مثلها، كعدم الضرر على المالك ببذل القيمة أو المثل، مع ما فيه من الجمع بين الحقين و مراعاة الحرمتين، بل لعل حفظ حرمة المؤمن أهم في نظر الشارع من حرمة المال، فتأمل.

ثم إنه إذا لم ينبش تؤخذ القيمة من تركته كما صرح به في الذكرى لأنه كما لو أتلفه في حياته، إلا أن الفرق بينهما أنه لو اتفق خروجه إما بأن يبلى و تنتفي المثلة بنبش قبره فنبش و وجد أو بغير ذلك يرجع ما أخذه، لرجوع ماله إليه و عدم زوال ملكه عنه، و يأتي تحقيقه في الغصب إن شاء الله.

و لو وجد بعض أجزاء الميت بعد دفنه لم ينبش، بل دفنت في جانبه كما في المعتبر و الذكرى، أو نبش من القبر و دفن كما في الأول خاصة، لما في النبش من المثلة التي ليست في تفرق الأجزاء، نعم قال في الذكرى: «إنه لو أمكن إيصاله بفتح

ج 4، ص: 360

موضع من القبر بحيث لا يؤدي إلى ظهور الميت أمكن الجواز، لأن فيه جمعا بين أجزائه و عدم هتكه» انتهى. قلت: و لعله من ذلك و مما تقدم من المعتبر كفحاوي كلمات الأصحاب و تعليلاتهم ينقدح أن المراد بالنبش المحرم إنما هو ما يؤدي إلى ظهور الميت و بروزه لا ما إذا لم يكن كذلك، فعلى هذا لو كان الميت في لحد مطبوق عليه جاز نبش تمام القبر، و كذا لو كان في أسفل القبر و أردنا دفن ميت آخر دونه و هكذا لم يكن بذلك بأس، فتأمل جيدا.

[في عدم جواز نقل الموتى بعد الدفن]

و كذا لا يجوز نقل الموتى بعد دفنهم إلى غير المشاهد المشرفة إجماعا كما في المسالك و الرياض، و لعله كذلك من حيث النظر إلى تحريم النبش، و إلى ما هنا من التتبع، فلم نعثر على مخالف عدا ما عساه يظهر من الوسيلة، حيث قال: «يكره تحويله من قبر إلى آخر» و هو مع إمكان تنزيله على غير محل البحث لا يقدح في ذلك، و لا أحد حكي عنه سوى ابن الجنيد، حيث أنه أطلق نفي البأس عن التحويل لصلاح يراد بالميت، و يجري فيه ما تقدم أيضا و غيره.

بل و إلى المشاهد المشرفة على المشهور كما في الروض و الحدائق و عن المسالك و الكفاية، بل لعلها محصلة، إذ هو خيرة السرائر و النافع و التذكرة و القواعد و المنتهى و المختلف و الذكرى و البيان و كشف اللثام و عن الغرية و نهاية الأحكام و الإصباح و ظاهر المسالك، بل في السرائر أنه بدعة في شريعة الإسلام.

خلافا لظاهر الروض و المدارك و المحكي عن أبي العباس في الموجز، و المحقق الثاني في الجعفرية، و الشهيد الثاني في الروض، و في جامع المقاصد أن الجواز لا يخلو من قوة كما عن فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد و شرح الجعفرية، إلا أنه قيد فيه كالروض قوة الجواز بأن لا يبلغ الميت حالة يلزم من نقله هتكه و مثلته بأن يصير متقطعا و نحوه، و في المبسوط و عن النهاية و مختصر المصباح ورود رخصة بالجواز سمعناها مذاكرة

ج 4، ص: 361

إلا أنه قال في الأول: الأفضل العدم، كما أنه في الثاني و الأصل ما قدمناه، و الثالث الأحوط العدم، و لعله يستفاد منه في غير النهاية الجواز، و في الجامع يحرم نبشه بعد الدفن، و رويت رخصة في جواز نقله إلى بعض المشاهد سمعت مذاكرة، و في المصباح و إذا دفن فلا ينبغي نقله، و قد رويت رواية بجواز نقله إلى بعض المشاهد، و الأول أفضل، و قد تقدم ما سمعته من ابني الجنيد و حمزة.

و الأقوى الأول لإطلاق أو عموم ما دل على حرمة النبش من الإجماعات السابقة و غيرها سيما ما في المعتبر من دعوى إجماع المسلمين على حرمته إلا في صور أربع، و لم تكن هذه منها، و لعل غيره كذلك أيضا، هذا إن لم نقل إنه الموافق لأوامر الدفن المراد منها بعده استدامته كما تقدم تحقيقه سابقا، فلاحظ.

و قد استدل بذلك أي بحرمة النبش جماعة من الأصحاب منهم العلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم، بل لا دليل لهم سواه كما اعترف به بعضهم، و اعترضه في المدارك و الرياض تبعا لمجمع البرهان بخروجه عن محل النزاع، إذ المراد هنا النقل بعد الدفن من حيث هو كذلك من دون نظر إلى النبش، فربما يقع منه و هو محرم، و قد لا يكون كذلك كما إذا وقع بفعل غير المكلف أو بفعله خطاء أو نسيانا.

و فيه انه لا يخفى على الملاحظ لكلمات الأصحاب أن محل النزاع في ذلك إنما هو من حيث النبش كما يشعر به استدلالهم عليه به، بل جعله بعضهم من الصور المستثناة منه.

نعم قد يظهر من عبارة المتن كالقواعد كون حرمته لنفسه لا من حيث النبش لمكان عطفهما له عليه، و لعلهما أرادا التنصيص عليه، لوقوع الجواز في كلام بعض من تقدمهما، فيكون حينئذ من عطف الخاص على العام، أي لا يجوز مطلق النبش و لا النبش للنقل، كما أن مراد من أطلق حرمة النقل بعد الدفن إنما هو الغالب من توقفه

ج 4، ص: 362

على النبش غالبا، و إن من جوز أراد جواز النبش لذلك، و إلا فلم نقف على ما يدل على المنع منه بحيث يختص به على النقل سابقه حتى يحصل الفرق بينهما في الجواز و عدمه، إذ هو مع قطع النظر عن النبش ميت لم يدفن، فيجري ما يجري فيه من الأحكام، و مجرد وضعه في حفرة آنا ما ثم أخرج منها و بقي مكشوفا لم يقلب حكمه.

اللهم إلا أن يقال: إنه لما دفن لم تبق مصلحة في نقله من حيث وقوع السؤال له و رؤيته تلك الأحوال و نحو ذلك، و فيه- مع أنه لا يقضي بالحرمة، إذ أقصاه أنه يكون كالنقل قبل الدفن إلى ما لا صلاح للميت فيه في الكراهة- لا تنحصر المصالح و المفاسد بذلك، و كيف و منها الشفاعة في يوم القيامة، أو تخفيف ما هو فيه و نحو ذلك، أو يقال إن في نقله من نفس القبر هتكا للحرمة و مثلة به بخلافه قبل الدفن، فلذا يحكم بالحرمة من دون نظر إلى النبش، و فيه- مع أنه ممنوع بل هو مساو له قبله في كل ما يفرض- أنه ينبغي أن تخص حينئذ الحرمة بما إذا كان النقل من نفس القبر، أما لو كان من غيره كما لو اتفق أنه نبشه نابش فأخرجه عن قبره فلا، بل اللازم اختصاصها بذلك الآن الذي أخرج منه، أما بعد خروجه و إرادة نقله فلا.

و كيف كان فالأقوى الجواز مع قطع النظر عن النبش، فيكون كما لو لم يدفن.

فيقيد عندنا حينئذ بما لم يكن فيه هتك لحرمته من خروج رائحة و نحوها، كما أن الأقوى العدم مع النظر إليه، لما عرفت من الأدلة على حرمته، و ما يقال-: إن دليله الإجماع و هو مفقود في محل النزاع، فالأصل الجواز- ضعيف، لما عرفته من إطلاق الإجماعات المنقولة، بل إطلاق أوامر الدفن و غير ذلك.

و مثله ما يقال من تقييد هذه الأدلة في خصوص ما نحن فيه بالرواية المرسلة على لسان من عرفت، و بالأخبار السابقة المتضمنة لنقل نوح عظام آدم (على نبينا و آله و عليهما السلام) إلى الغري، و موسى يوسف (على نبينا و آله و عليهما السلام) إلى الشام،

ج 4، ص: 363

و كونه فعل الشرع السابق قد عرفت دفعه، كل ذا مع التأييد بما فيه من صلاح الميت و دفع الضرر عنه بمجاورته من هو أهل لجلبه و دفعه، بل قد يتمسك بإطلاق ما دل على استحباب الدفن في أراضيهم و جوارهم الشامل لما بعد الدفن أيضا، و هو إما خاص بالنسبة إلى حرمة النبش أو من وجه، و الترجيح له بما عرفت، و بما نقل عن جملة من علمائنا أنهم دفنوا ثم نقلوا كالمفيد من داره بعد مدة إلى جوار الكاظمين (عليهما السلام) و المرتضى من داره إلى جوار الحسين (عليه السلام)، و البهائي من أصبهان إلى المشهد الرضوي على مشرفه السلام، و قد كان في مثل هذه الأوقات من الفضلاء ما لا يحصى عددهم إلا الله، سيما في زمن المفيد و المرتضى مع شدة قربه أيضا لزمان الأئمة (عليهم السلام) و المعاصرين للمعاصرين لهم.

و فيه أنه لا ينطبق على أصولنا، إذ تقييد تلك الأدلة مع تعددها و تأيدها بمثل هذه الرواية المرسلة التي لا جابر لها، بل عرفت عمل المشهور على خلافها، بل ظاهر من أرسلها عدم الالتفات إليها في النهاية، كما أنه في غيرها جعل العدم أفضل و أحوط، و كذا الخبران الآخران، مع إمكان اختصاصهما بمضمونهما، و عدم القصد من النقل التعليم، كما لعله الظاهر في خصوص المقام، و احتمال تنزيل خبر نوح (عليه السلام) على عدم النبش، بل كان أخرجه الماء أو حذرا من إظهار الماء له فيخرج عن الدفن حينئذ، و هو مناف لحرمة مثله إلى غير ذلك، و العلم بأن ذلك صلاح للميت أو فساد مختص بعلام الغيوب، فلعل في النبش مفسدة تقابل المصلحة و تفضل عليها، بل عرفت أن الشيخ في المصباح صرح بأن الأفضل العدم، فلا طريق لنا إلا التعبد بظاهر الأدلة، و من الغريب التمسك بما ذكر على استحباب الدفن في المشاهد و نحوها، إذ هي بعد تسليم الترجيح لها على فرض العموم من وجه صريحة أو كالصريحة في غير المدفون لا فيه على أن ينبش فيدفن فيها، كما هو واضح، و نقل أولئك العلماء مع عدم ثبوته

ج 4، ص: 364

لا يقضي بكون ذلك رأي فضلاء الوقت، بل يكفي فيه تقليد الولي لواحد و إن كان الباقي على خلافه، على أن ذلك ليس من الحجج الشرعية.

فلا ريب أن الأقوى العدم حينئذ، سيما إذا كان مع ذلك متضمنا لهتك جرمته و مثلته من خروج رائحة و قبيح و تغير أحوال بحيث يتجنبه كل من يراه و تقطع أوصال، بل لعل حرمة ذلك متفق عليه بين الجميع، كما يشير إليه ما عرفته من التقييد في جامع المقاصد و الروض هنا، و كيف و قد عرفت اشتراط النقل قبل الدفن به عند جماعة، فبعده أولى، بل ربما ظهر من الأردبيلي كون ذلك مجمعا عليه بينهم، و لعل اشتراط جواز النقل قبل الدفن بما لم يكن فيه هتك للحرمة مناف لجوازه بعد الدفن، لما في النبش نفسه من هتكها، اللهم إلا أن يقال: إنه لا هتك في نفس النبش و إن ذكر فيه ذلك، فتأمل جيدا.

[في جواز البكاء على الميت]

ثم إنه لا ريب في جواز البكاء على الميت نصا(1)و فتوى للأصل، و الأخبار التي لا تقصر عن التواتر معنى من بكاء النبي (صلى الله عليه و آله) على حمزة(2)و إبراهيم (عليه السلام)(3)و غيرهما(4)و فاطمة (عليها السلام) على أبيها(5)و أختها(6)و علي بن الحسين (عليهما السلام) على أبيه (7)حتى عدّ هو و فاطمة (عليهما السلام) من البكائين الأربعة، إلى غير ذلك مما لا حاجة لنا بذكره، بل ربما يظهر من بعض الأخبار استحبابه عند اشتداد الوجد، و

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن وهب (8)المروي عن أمالي الحسن بن محمد الطوسي: «كل الجزع و البكاء مكروه ما خلا الجزع و البكاء لقتل


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب الدفن.
2- 2 سير الحلبية ج- 2- ص 323.
3- 3 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 10.
8- 8 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 9.

ج 4، ص: 365

الحسين (عليه السلام)»

محمول على ضرب من التأويل، و أما ما

روي (1)- من «أن الميت يعذب ببكاء أهله»

فمع الطعن فيها بالعامية كما عن عائشة أولا، و بوهم الراوي و اشتباهه ثانيا، و قصورها عن معارضة غيرها من وجوه عديدة ثالثا، و منافاتها للعقل و النقل على أن لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى رابعا، إلى غير ذلك- فقد أجاد في الذكرى في الكلام عليها، فلاحظ، و كذا بعض الأخبار الدالة(2)بظاهرها على النهي عن البكاء فلتحمل على المشتمل على علو الصوت و الشق و اللطم أو المتضمن للجزع و عدم الرضا بقضاء الله تعالى أو غير ذلك، كما في الأخبار(3)إشارة إليه حيث اعترض على النبي (صلى الله عليه و آله) في بكائه على إبراهيم بأنك قد نهيت عن البكاء، فتأمل جيدا.

و لعله من جواز البكاء يستفاد جواز النوح عليه أيضا لملازمته له غالبا، مضافا إلى الأخبار(4)المستفيضة حد الاستفاضة المعمول بها في المشهور بين أصحابنا، بل في المنتهى الإجماع على جوازه إذا كان بحق، كالإجماع على حرمته إذا كان بباطل، و

روي (5)«أن فاطمة (عليها السلام) ناحت على أبيها، فقالت:

يا أبتاه من ربه ما أدناه،يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه،

يا أبتاه أجاب ربا دعاه»

كما

روي عن علي (عليه السلام)(6)«أنه أخذت قبضة من تراب قبر النبي (صلى الله عليه و آله) فوضعتها على عينها ثم قالت:

ما ذا على المشم تربة أحمدأن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنهاصبت على الأيام صرن لياليا


1- 1 كنز العمال ج- 8- ص 90 الرقم 1725.
2- 2 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 70- من أبواب الدفن.
5- 5 البحار ج- 6- ص 1042 من طبعة الحروفي.
6- 6 المغني لابن قدامة- ج 2 ص 547.

ج 4، ص: 366

و

روي (1)«إن أم سلمة ندبت ابن عمها المغيرة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعد أن استأذنت منه للمضي إلى أهله، لأنهم أقاموا مناحة، و قالت:

أنعى الوليد بن الوليدأبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجدايسمو إلى طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين و جعفرا غدقا و ميرة

فلم ينكر عليها»

و عن

الصادق (عليه السلام) في الصحيح (2)أنه «قال أبي:

يا جعفر أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى»

و قد يستفاد منه استحباب ذلك إذا كان المندوب ذا صفات تستحق النشر ليقتدى بها.

و

عن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)«لما انصرف من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا، و لم يسمع من دار عمه حمزة، فقال (صلى الله عليه و آله): لكن حمزة لا بواكي له فالى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت و لا يبكوه حتى يبدأوا بحمزة و ينوحوا عليه و يبكوا، فهم إلى اليوم على ذلك»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الصريحة في المطلوب، و هي و إن كانت هناك أخبار(4)في مقابلها تدل على خلافها، بل الشيخ و ابن حمزة في المحكي عنه عملا بمضمونها من عدم الجواز، مدعيا الأول منهما الإجماع، لكنها مع ضعفها و عدم صراحتها محتملة للتقية، و للنوح بالباطل المشتمل على لطم الوجه و الضرب و قول الهجر و نحو ذلك، كما يفهم من بعضها،


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما يكتسب به- حديث 2- 1 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما يكتسب به- حديث 2- 1 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 88- من أبواب الدفن- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الدفن.

ج 4، ص: 367

و يقتضيه قواعد الإطلاق و التقييد، بل يحتمل تنزيل كلامهما عليه أيضا، و يرشد إليه دعوى الإجماع منه، لما عرفت من أن ما نحن فيه مظنة الإجماع لا العكس، و بذلك يظهر أنه لا بأس بأجر النائحة نوحا محللا كما دلت عليه بعض الأخبار(1)و تقتضيه الأصول و القواعد، و يأتي الكلام فيه في المكاسب إن شاء الله، لكن يكره النوح بالليل ل

خبر خديجة(2)بنت علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (عليهم السلام) قالت:

«سمعت محمد بن علي (عليهما السلام) يقول إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها، و لا ينبغي لها أن تقول هجرا، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة»

نعم لا يجوز اللطم و الخدش و جز الشعر إجماعا حكاه في المبسوط، و لما فيه من السخط لقضاء الله تعالى، و

خبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام)(3)«لا شي ء في لطم الخدود سوى الاستغفار و التوبة»

بل في الأخيرين الكفارة كما يأتي في محله إن شاء الله.

[في عدم جواز شق الثوب على غير الأب و الأخ]

و لا شق الثوب على غير الأب و الأخ كما في الوسيلة و المنتهى و الإرشاد، و نسبه في المبسوط إلى الرواية، و في ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب، و قضية هذا الإطلاق عدم الفرق فيه بين الرجل و المرأة، لكنه قد يشعر اقتصار العلامة في القواعد على الأول كما عن الشيخين بجوازه للمرأة، بل على جميع الأقارب، و عنه في النهاية التصريح به، و مال إليه في المدارك و كذا الذكرى، كما عن المحقق الثاني في فوائد الكتاب اختياره.

و كيف كان فلا أعرف خلافا معتدا به في حرمته بالنسبة للرجل في غير الأب و الأخ، بل في المحكي عن مجمع البرهان دعوى الإجماع عليه كظاهر غيره، سوى ما يحكى عن كفارات الجامع «لا بأس بشق الإنسان ثوبه لموت أخيه و والديه و قريبه،


1- 1 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الدفن- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الكفارات- حديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 4، ص: 368

و المرأة لموت زوجها» لكنه ضعيف محجوج بما عرفت من الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا الذي قد يشهد له التتبع المؤيد بكونه إتلافا للمال و تضييعا له و منافيا للصبر و الرضا بقضاء الله تعالى، و بالمرسلة المروية في المبسوط المنجبرة به و بغيره مما ستسمعه إن شاء الله في المرأة، و بالمعلوم من وصايا النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) عند الموت و نهيهم (1)عن الشق عليهم و الخمش.

فلا وجه حينئذ للتمسك بالأصل بعد انقطاعه بما عرفت، ك

خبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام)(2)بعد أن سأله عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له «لا بأس بشق الجيوب، قد شق موسى على أخيه هارون، و لا يشق الوالد على ولده، و لا زوج على امرأته، و تشق المرأة على زوجها، و إذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك- إلى أن قال بعد ذكر الكفارة على الجز و الخدش-: و لا شي ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة، و لقد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام)، و على مثله تلطم الخدود و تشق الجيوب»

إذ هو و إن أطلق فيه نفي البأس أولا لكن المراد منه بقرينة ما بعده- مع الطعن في سنده و لا جابر- أنه لا بأس به في الجملة، فلذا كان الاستدلال به عليه من حيث تضمنه النهي عن شق الوالد على الولد متمما بعدم القول بالفصل أولى من العكس.


1- 1 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الدفن- حديث 5 و المستدرك- الباب 72 من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الكفارات- حديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 4، ص: 369

و كذا ما عساه يستدل له به أيضا من

خبر الحسن الصيقل (1)«لا ينبغي الصياح على الميت، و لا شق الثياب»

من حيث ظهور «لا ينبغي» في الكراهة لوجوب إرادة الحرمة منه هنا بقرينة ما عرفت إن لم نقل بظهورها فيها بنفسها، بل قيل إنها شائعة في الأخبار بذلك، مضافا إلى ما في الحدائق من أن الظاهر من الأخبار و كلام الأصحاب حرمة الصراخ، و إنما الجائز النوح بالصوت المعتدل، فيجب حينئذ إرادة الحرمة منها بالنسبة إليه، فيتبعه

الشق، و إلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه أو المشترك في معنييه أو غيرهما، مما هو موقوف على القرينة و ليست. قلت: و مع ذلك فالموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل «و لا تشق الثياب» فيكون حينئذ نهيا مستقلا، كما أن الموجود فيها بالنظر إلى السند عن امرأة الحسن الصيقل، إلا أن المعروف في كتب الفروع عن الحسن الصيقل، و في الذكرى الصفار بدل الصيقل، و الأمر سهل.

و من استدلال الصادق (عليه السلام) بشق موسى على أخيه هارون (على نبينا و آله و عليهما السلام) و مرسلة المبسوط المتقدمة المنجبرة بفتوى الأصحاب عدا النادر، بل نسبه غير واحد إليهم بدون استثناء يستفاد حكم المستثنى أي جواز الشق على الأب و الأخ، مضافا إلى ما حكى

في الفقيه و غيره مرسلا من شق العسكري (عليه السلام)(2)قميصه من خلف و قدام عند موت أبيه (عليه السلام)

و عن

كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن أبي هاشم الجعفري (3)قال: «خرج أبو محمد (عليه السلام) في جنازة أبي الحسن (عليه السلام) و قميصه مشقوق، فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة (عليهم السلام) شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام) يا أحمق و ما


1- 1 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الدفن- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الدفن- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الدفن- حديث 5.

ج 4، ص: 370

يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارون»

و نحوه المحكي عن الكشي في كتاب الرجال مسندا، فما عن ابن إدريس من القول بالحرمة فيهما ضعيف، بل لا يبعد القول حينئذ بالاستحباب للتأسي.

كما أنه من ذلك و ما تقدم بل أولى منه يستفاد جوازه للمرأة أيضا فيهما، مع أنه لا خلاف فيه إلا منه أيضا، و هو ضعيف كسابقه، لما عرفت مما تقدم، مضافا إلى ما في

خبر خالد بن سدير(1)عن الصادق (عليه السلام) «و لقد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام)، و على مثله تلطم الخدود و تشق الجيوب»

إذ من المعلوم فيهن بناته و أخواته.

و أما شقها في غيرهما فالأحوط و الأولى تركه إن لم يكن أقوى، لأصالة لاشتراك في الحكم، و لمرسلة المبسوط السابقة المنجبرة بإطلاق فتوى كثير من الأصحاب، و بمنافاته للصبر و الرضا بقضاء الله، و بأنه تضييع، و بخبر الصفار بناء على ما وجدناه، و بما رواه في

البحار عن دعائم الإسلام (2)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «أنه أوصى عند ما احتضر، فقال: لا يلطمن عليَّ خد و لا يشقن عليَّ جيب، فما من امرأة تشق جيبها إلا صدع لها في جهنم صدع، كل ما زادت زيدت»

و بما رواه في

البحار أيضا عن مسكن الفؤاد عن ابن مسعود(3)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ليس منا من ضرب الخدود و شق الجيوب»

و

عن أبي أمامة(4)«إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعن الخامسة وجهها، و الشاقة جيبها، و الداعية بالويل و الثبور»

و بما رواه فيه أيضا عن

مشكاة الأنوار نقلا عن كتاب المحاسن (5)عن الصادق (عليه السلام) في قول


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الكفارات- حديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 المستدرك- الباب- 72- من أبواب الدفن- حديث 2.
3- 3 المستدرك- الباب- 71- من أبواب الدفن- حديث 12.
4- 4 المستدرك- الباب- 71- من أبواب الدفن- حديث 13.
5- 5 المستدرك- الباب- 71- من أبواب الدفن- حديث 6.

ج 4، ص: 371

الله عز و جل (1)«وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ» المعروف أن لا يشققن جيبا، و لا يلطمن وجها، و لا يدعون ويلا»

الحديث.

كل ذا مع أنه لا دليل على الجواز سوى الأصل الذي لا يصلح للمعارضة، و رواية الصفار «لا ينبغي» و قد تقدم الكلام فيه، و ما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) بل ربما قيل إنه متواتر، و هو موقوف على فعل ذلك من غير ذات الأب و الأخ و على علم علي بن الحسين (عليه السلام) و تقريره المفيد رضاه به، و دونه خرط القتاد، على أنه قد يستثنى من ذلك الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) أو خصوص سيدي و مولاي الحسين بن علي (عليهما السلام) كما يشعر به الخبر المتقدم، و كذا غيره من الأخبار التي منها

حسن معاوية السابق (2)عن الصادق (عليه السلام) «كل الجزع و البكاء مكروه ما خلا الجزع و البكاء لقتل الحسين (عليه السلام)»

المراد به فعل ما يقع من الجازع من لطم الوجه و الصدر و الصراخ و نحوها، و لو بقرينة ما رواه

جابر عن الباقر (عليه السلام)(3)«أشد الجزع الصراخ بالويل و العويل و لطم الوجه و الصدر و جز الشعر»

إلى آخره مضافا إلى السيرة في اللطم و العويل و نحوهما مما هو حرام في غيره قطعا، فتأمل. و ما في خبر خالد المتقدم من جواز شق المرأة على زوجها، و لا قائل بالفصل، و هو- مع ضعفه و لا جابر له و استبعاد تحقق الإجماع المركب في المقام- قاصر عن معارضة ما سمعت، فتأمل جيدا.

[الثانية الشهيد يدفن بثيابه]

المسألة الثانية الشهيد الذي سبق الكلام في بيان موضوعه يدفن وجوبا بثيابه عدا ما ستعرف إن قلنا إنها ثياب إجماعا بقسميه و نصوصا(4)أصابها الدم


1- 1 سورة الممتحنة- الآية 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 87- من أبواب الدفن- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الدفن- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت.

ج 4، ص: 372

أولا، و عن الشافعي و أحمد جواز التكفين بغيرها، لكن المصنف في المعتبر حكى إجماع المسلمين على أنه يدفن مع الشهيد جميع ثيابه أصابها الدم أو لا، و كذا المحقق الثاني، و في التذكرة و المدارك إجماع العلماء، فيحتمل عدم ثبوت النقل المذكور عن الشافعي و أحمد أو يريدوا بمعقد إجماعاتهم الجواز لا الوجوب، و من الثياب عرفا السراويل، فيجب حينئذ دفنها معه و إن لم يصبها دم وفاقا للأكثر، و خلافا للمفيد و سلار و ابن زهرة و عن أبي علي، فتنزع إن لم يصبها الدم، بل ظاهر الثالث دخوله تحت ما حكاه من الإجماع، و لعله الحجة لهم، مضافا إلى

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)في خبر الزيدية: «ينزع عن الشهيد الفرو و الخف و القلنسوة و العمامة و المنطقة و السراويل إلا أن يكون أصابه دم، فإن أصابه دم ترك»

و يدفعه مع عدم صراحة عبارة الغنية في الإجماع أنه معارض بإجماع الخلاف على أن لا ينزع منه إلا الجلود و غيره من الإجماعات على الدفن بالثياب، سيما بعد شهادة فتوى الأكثر لها.

و منه يقوى في الظن الوهم في دعوى الإجماع إن اندرجت فيه، كما أنه بملاحظة ذلك و النصوص بدفن الثياب مع ضعف الخبر المتقدم و إعراض المشهور عنه يقوى عدم الالتفات إليه، إذ لا مقاومة له، فلا يحكم به عليه، و كذا الكلام فيما تضمنه أيضا من القلنسوة و العمامة و المنطقة إن كانت من الثياب، و إن نص في المقنعة و الغنية و المراسم و السرائر على نزع الأولى إذا لم يصبها الدم كما عن ابن بابويه، بل الظاهر دخوله في معقد إجماع الثانية، و أما الأخيران فلم أعرف أحدا نص على نزعهما عنه، سوى ما يحكى عن علي بن بابويه «لا ينزع منه شيئا إلا الخف و المنطقة و القلنسوة و العمامة و السراويل، فإن أصاب شيئا من ثيابه دم لم ينزع عنه» و هو محتمل لعموم ثيابه في كلامه للستة، و اختصاصه بما عدا الأول أو الأولين أو الثلاثة الأول و لغير ذلك أيضا، و ما عن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 10.

ج 4، ص: 373

المفيد من النص على أن العمامة ليست من الثياب، قيل و لم يدخلها الأصحاب في الكسوة في الكفارة، و اختلفوا فيها في الحبوة.

قلت: و كيف كان فالأقوى أن القلنسوة و العمامة من الثياب، فيجري فيهما حينئذ ما تقدم، و عدم دخول الثانية في الكسوة لو سلم لا ينافيه، إذ لا منافاة بين ذلك و بين صدق كونها من الثياب بعد وجودها في جملتها، و كذا القلنسوة بل و بعض أفراد المنطقة، و لذا حكي عن المسالك دعوى الشهرة على أن العمامة و القلنسوة من الثياب، و تقدم ما في الخلاف من الإجماع على أنه لا ينزع منه إلا الجلود، و هو كذلك حينئذ، على أنه قد يقال إنها و إن لم تدخل تحت اسم الثياب حقيقة لكنها تدخل و تفهم عند الأمر بالدفن بثيابه تبعا لها، كدخول طريق الدار و رسن الدابة و نحو ذلك عند بيع كل منهما.

و على كل حال فلا ينزع شي ء منها، و إجماع الغنية و الرواية قد سمعت الكلام فيهما، نعم ينزع عنه الخفان و الفرو أصابهما الدم أو لم يصبهما على الأظهر الأشهر، بل لا خلاف فيه بالنسبة إلى الأولين إذا لم يصبهما الدم، بل الإجماع بقسميه عليه، و أما إذا أصابهما الدم فالمشهور كذلك، بل في الغنية الإجماع عليه، كما أنه يدخل أيضا في معقد إجماع الخلاف أنه لا ينزع منه إلا الجلود، كل ذا مع عدم صدق اسم الثياب عليه قطعا، فيكون دفنه تضييعا للمال، و دعوى فهم ما عليه من الأخبار مع إصابة الدم و إن لم تسم ثيابا ك

قوله (عليه السلام)(1): «يدفن بدمائه»

و

في آخر(2)«يدفن كما هو بدمائه»

كالاستدلال عليه بقول أمير المؤمنين (عليه السلام)(3)المتقدم سابقا ممنوعة، إذ المفهوم من الأول إرادة نفي وجوب الغسل و التغسيل، و قد عرفت ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب غسل الميت- حديث 10.

ج 4، ص: 374

الثاني، على أنه محتمل لأن يكون الشرط فيه للأخير، فما في الوسيلة و السرائر و المراسم كما عن نهاية الأحكام من الدفن معه إذا أصابه الدم ضعيف.

و أما الفرو فالشبهة فيها من حيث صدق اسم الثياب عليها و عدمه، و إلا فلم نقف على ما يدل عليها بالخصوص، فلا تنزع على الأول، و تنزع على الثاني، لكن بناء على ذلك ينبغي عدم الفرق بين إصابة الدم و عدمه، لكن قيده به الخصم في المقام كابني زهرة و إدريس و عن أبي علي، فينزع الفرو إذا لم يصبها الدم، بل ظاهر الأول الإجماع عليه، و لعل ذلك منهم ينبئ على أنها ليست بثياب عندهم، و إنما أوجبوا دفنها معه عند إصابتها الدم، لأنهم فهموا من الأخبار دفن ما أصابه الدم و إن لم يكن ثوبا كما سمعته في الخف، و إلا لم يتجه التقييد بذلك لدفن الثياب معه مطلقا، فيتحصل حينئذ من ذلك الاتفاق منهم على أنها ليست من الثياب، و إن النزاع فيها ليس من هذه الجهة، و قد عرفت في الخف أنه لا دلالة في أخبار الدفن بدمائه على ذلك، فلا إشكال حينئذ في خروج الفرو بناء على أنها ليست من الثياب، لانصراف الثوب إلى المنسوج كما قيل، مضافا إلى إجماع الخلاف على نزع الجلود، لكن و مع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من إشكال من حيث احتمال صدق اسم الثياب عليها و عدم اختصاصها بالمنسوج، سيما بعض الفراء، و سيما إذا كانت بهيئة المنسوج، على أنه قد لا يكون عليه إلا الفراء، و دخول مثله تحت المجرد فيكفن كما ترى، كدعوى دفنه مجردا، فتأمل جيدا.

و لا فرق في الشهيد بين أن يقتل بحديد أو غيره كما تقدم الكلام فيه

[الثالثة حكم الصبي و المجنون إذا قتل شهيدا]

و فيما ذكره المصنف هنا من المسألة الثالثة و هي أن حكم الصبي و المجنون إذا قتل شهيدا حكم البالغ العاقل.

[الرابعة إذا علم أنه قد مات ولد الحامل قطع و أخرج]

المسألة الرابعة إذا علم أنه قد مات ولد الحامل في بطنها و لما يخرج صحيحا أدخل اليد في الفرج و قطع و أخرج إجماعا كما في الخلاف، و مذهب الأصحاب كما

ج 4، ص: 375

في المدارك، و يشهد له مع ذلك الاعتبار، و ما رواه

في الكافي (1)و عن قرب الاسناد للحميري من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر وهب بن وهب عن الصادق (عليه السلام) «في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها، قال: لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه» قلت: و رواه في موضع آخر من الكافي أيضا كذلك إلا أنه زاد في آخره «إذا لم ترفق به النساء»

و ما في المحكي من

فقه الرضا (عليه السلام)(2)«و إن مات الولد في جوفها أدخل إنسان يده في فرجها و قطع الولد بيده و أخرجه»

و ضعف الأولى بوهب بن وهب غير قادح بعد الانجبار بما عرفت من دعوى الإجماع صريحا و ظاهرا الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، إذ لم يعرف من أحد التوقف في هذا الحكم، نعم قال المصنف في المعتبر بعد ذكر مستند الحكم من الخبر المتقدم:

«و وهب هذا عامي ضعيف لا يعمل بما ينفرد به، فالوجه أنه إن أمكن التوصل إلى إسقاطه صحيحا بشي ء من العلاجات و إلا توصل إلى إخراجه بالأرفق فالأرفق، و يتولى ذلك النساء، فان تعذرن فالرجال المحارم، فان تعذر فغيرهم دفعا عن نفس الحي» انتهى.

و استوجهه في التنقيح و المدارك و كشف اللثام، و في الذكرى و غيرها أن الرواية لا تنافي ذلك، بل في كشف اللثام أنه لعله مراد الأصحاب و إن لم يصرحوا به.

قلت: كأن المصنف ظن أن ذلك مناف لإطلاق الرواية، و فيه أن التقييد بذلك من المعلوم الواضح الذي تقتضيه أصول المذهب، و في الزيادة السابقة في الخبر إشارة إلى بعضه، سيما بناء على ما روي في بعض كتب الفروع إذا لم تتفق له النساء، و كذا في كلام بعض الأصحاب كمعقد إجماع الشيخ في الخلاف «فان مات الجنين و لم يخرج و الأم حية جاز للقابلة و من تقوم مقامها أن تدخل يدها فتقطع الجنين و تخرجه» انتهى. و نحوه غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الاحتضار- حديث 3.
2- 2 المستدرك- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 376

هذا كله ان مات و هي حية، و أما ان ماتت هي دونه أي و قد علم أنه حي بحركة و نحوها و لم يخرج أيضا شق جوفها و انتزع إذا لم يمكن خروجه بدون الشق بلا خلاف أجده فيه عندنا كما اعترف به في الخلاف، بل ظاهره فيه بين العلماء، و في التذكرة نسبته إلى علمائنا، قلت: و هو كذلك، و يشهد له الاعتبار، و الأخبار(1)المستفيضة بل و فوق الاستفاضة المروية في الكافي و التهذيب، بل روي في الوسائل عن الكشي (2)في كتاب الرجال عن الباقر (عليه السلام) نحوها أيضا، لكنها ليس في شي ء منها تعين موضع الشق كعبارة المصنف و معقد إجماع الخلاف، و مقتضاه حينئذ عدم الفرق بين الجانبين، إلا أنه في الفقيه و المقنعة و المبسوط و الجامع و التذكرة و التحرير و جامع المقاصد و غيرها من كتب المتقدمين و المتأخرين التقييد بالأيسر، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا و يشهد له مع ذلك ما في فقه الرضا (عليه السلام)(3)من التقييد به أيضا، مع أنه لعل له مدخلية في المخرج أو المخرج منه.

كل ذا مع موافقته للاحتياط و الاقتصار على المتيقن و وقوعه أي التقييد أيضا في مثل الفقيه و المقنعة و نحوهما، بل نقل عن النهاية التي هي متون أخبار و عن السرائر الذي لا يعمل إلا بالقطعيات إلى غير ذلك، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة، فما عساه يظهر من المصنف في المعتبر و تبعه عليه غيره من الميل إلى العدم لعل الأقوى خلافه.

و كذا ما ذكره المصنف بقوله و خيط الموضع كما صرح به كثير من الأصحاب بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في النافع إلى رواية، قال في المعتبر: و إنما قلنا في رواية لأنها رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة(4)و هي موقوفة، فلا تكون حجة و لا ضرورة إليه لأن مصيرها إلى البلاء، و استحسنه في المدارك، قلت: كأنه لم يقف


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الاحتضار.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الاحتضار- حديث 8.
3- 3 المستدرك- الباب- 35- من أبواب الاحتضار- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الاحتضار- حديث 7.

ج 4، ص: 377

إلا على ما في التهذيب حيث قال: و في

رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة «يخرج الولد و يخاط بطنها»

و كذا ما في

الكافي أيضا بعد أن ذكر خبر ابن أبي حمزة عن الصادق (عليه السلام)(1)«سأله عن المرأة تموت و يتحرك الولد في بطنها أ يشق بطنها و يستخرج ولدها؟ قال: نعم» قال: و في رواية ابن أبي عمير زاد فيه «يخرج الولد و يخاط بطنها»

قال في الذكرى بعد ذكره ما في الكافي و التهذيب و المعتبر: «قلنا هذان الراويان من عظماء الأصحاب و أصحاب الأئمة (عليهم السلام) و ظاهرهما القول عن توقيف، و زيادة الثقة مقبولة» انتهى.

قلت: كأنه لم يفهم من الكافي كون المراد في رواية ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) كما لعله الظاهر منه، بل ربما يدعى مثله في عبارة التهذيب، و لذا اعتذر بما سمعت، و هو في محله حيث يحتاج إليه سيما إذا انجبر بفتاوى الأصحاب، إلا أنّا في غنية عنه هنا بما رواه في

الكافي في موضع آخر في الصحيح أو الحسن إلى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام)(2)«في المرأة تموت و يتحرك الولد في بطنها أ يشق بطنها و يخرج الولد؟ قال: فقال: نعم و يخاط بطنها»

و روايته هذه قرينة على ما ذكرناه سابقا في كلامه، بل و على كلام الشيخ أيضا، فلا توقيف حينئذ و إرسال ابن أبي عمير مع أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه غير قادح، سيما في مثل المقام للانجبار بما عرفت، على أنه قد يقوى كون الواسطة هنا ابن أذينة بقرينة ما في التهذيب.

فظهر لك من ذلك كله أن القول بالوجوب كما ذكره الأصحاب هو الأقوى، مع ما فيه من الاحترام للميتة و التمكن من تغسيلها و تكفينها و نحوهما من غير مثلة.

ثم إنه لا فرق عندنا في الشق المذكور بين رجاء بقاء الولد بعد خروجه و عدمه كما صرح به بعض الأصحاب و يقتضيه إطلاق الباقين كالأدلة، و لا بين وجود القوابل


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الاحتضار- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الاحتضار- حديث 1.

ج 4، ص: 378

و عدمه كما عرفت، خلافا للمحكي عن الشافعي و أحمد من أن القوابل يخرجنه من غير شق، فان فقدن ترك حتى يموت، ثم تدفن الأم معه بناء على أن مثل هذا الولد لا يعيش عادة، فلا يهتك حرمة الأم لأمر موهوم، و هو كما ترى، نعم إنما ذلك مع القطع بكونه حيا في بطنها بعد موتها، أما مع عدمه فالظاهر الحرمة، محافظة على حرمة الميت، و لما يفهم من التأمل في أخبار المقام، و لا يثمر استصحابها قبل موتها و إن قلنا بوجوب الانتظار حتى يقطع بموته لو كان حيا، لعدم التلازم بين الأمرين، و أما لو كانا معا حيين و خشي على كل منهما فالظاهر الصبر إلى أن يقضي الله، و لا ترجيح شرعا، و الأمور الاعتبارية من غير دليل شرعي لا يلتفت إليها، و الله و رسوله أعلم.

إلى هنا تم الجزء الرابع من كتاب جواهر الكلام و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف قدس روحه الشريف و يتلوه الجزء الخامس في الأغسال المسنونة و التيمم إن شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.