جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد2

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج2، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة هذا الكتاب يعتمد على أربعة أركان]

[تتمة الركن الثاني في الطهارة المائية]
[تتمة في الوضوء فصول]
اشاره

ج2، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله صلوات الله عليهم أجمعين،

[الفصل الثاني في أحكام الخلوة]
اشاره

الثاني من الفصول التي تتعلق بالوضوء و لو بوجه ما، ككون الغالب فيمن أراده التخلي و نحو ذلك، في أحكام الخلوة من الواجب و المستحب و المكروه،

[الأول من أحكام الخلوة التخلي]
اشاره

و هي ثلاثة الأول:

في كيفية التخلي و حيث كان ذلك معرضا لتكشف العورة قال هنا كغيره من الأصحاب و يجب فيه ستر بشرة العورة دون الحجم عن الناظر المحترم بما يحصل به مسماه عرفا من كل ما يمنع من إحساس البصر، و إلا فهو لا يخصه، كما لا يختص ما يستتر به من حيث ذلك بشي ء، فتجزي اليد و غيرها، نعم قد يختص من حيث الصلاة بالملبوس و نحوه على تفصيل يأتي إن شاء الله بين المختار و المضطر، و يدل على أصل الحكم كحرمة النظر بعد الإجماع محصلا و منقولا، بل ضرورة الدين في الجملة ما

عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1) في حديث المناهي قال: «إذا اغتسل أحدكم فليحاذر على عورته، و قال: لا يدخلن أحدكم الحمام إلا بمئزر، و نهى أن ينظر الرجل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.

ج 2، ص: 3

إلى عورة أخيه المسلم، و قال: من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك، و نهى أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة، و قال: من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمدا أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس، و لم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله»

و

قول الصادق (عليه السلام) أيضا(1)في تفسير قوله تعالى (2)(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) الى آخره: «كل ما كان في كتاب الله تعالى من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع، فإنه للحفظ من أن ينظر اليه»

كما

عن علي (عليه السلام)(3)في تفسيرها أيضا أنه «لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن، أو يمكنه من النظر إلى فرجه، ثم قال (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) أي ممن يلحقهن النظر، كما جاء في حفظ الفروج، و النظر سبب إيقاع الفعل من الزنا و غيره»

و ما في

صحيح حريز(4)عن الصادق (عليه السلام) «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه»

الى غير ذلك من الأخبار، مثل ما دل على الأمر(5)بالمئزر عند دخول الحمام، و النهي عنه بغيره، و في بعضها الإشارة إلى أن ذلك من جهة النظر، ك

قوله (صلى الله عليه و آله)(6): «يا علي إياك و دخول الحمام بغير مئزر، ملعون الناظر و المنظور إليه»

كما في آخر تعليل النهي (7)عن دخول الماء بان للماء سكنة.

و الحاصل ما دل على وجوب الستر و حرمة النظر أكثر من أن يحصى، و إن كان في استفادة الأول من حرمة الثاني كما وقع لبعضهم نظر، إذ لا يتم إلا من جهة الإعانة على الإثم، و هي غير مطردة في غير المكلف و نحوه، لكن ذلك لا يقدح في أصل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
2- 2 سورة النور- آية 30.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب الحمام- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب الحمام- حديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 10- من أبواب آداب الحمام- حديث 2 و 3 و 4.

ج 2، ص: 4

الحكم، كما لا يقدح قصور السند أو الدلالة في بعض ما تقدم، و اشتمال بعض الأخبار(1)على لفظ الكراهة مع احتمالها الحرمة، لما عرفت، و كذا لا يقدح ما في بعضها من تفسير

قوله (عليه السلام)(2): «عورة المؤمن على المؤمن حرام»

بإذاعة سره أو إذلال ذاته، أو حفظ ما يعاب عليه من كلامه لتعييره، و أنه ليس المراد منها المعنى المعروف، لما عرفت أيضا من عدم انحصار الدليل بهذه العبارة، مع إمكان إرادة المعنيين منها على نوع من المجاز، كما يقضي به الجمع بين ما تقدم و بين

خبر حنان ابن سدير (3)قال: «دخلت أنا و أبي و جدي و عمي حماما بالمدينة، فإذا رجل في بيت المسلخ، إلى أن قال: ما يمنعكم من الإزار، فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام، ثم قال: سألنا عن الرجل فإذا هو على بن الحسين (عليه السلام)»

و ما في بعضها من عدم إرادة ذلك منها محمول على عدم إرادته بخصوصه دون غيره.

ثم الظاهر من إطلاق النص و الفتوى أنه يجب الستر عن كل ناظر محترم عدا ما استثني من الزوج و الزوجة و نحوهما، من غير فرق بين كونه مكلفا أو غير مكلف كالمجنون و الصبي المميز، و ما في بعض الأخبار المتقدمة من الرجل و المسلم و المرأة و نحو ذلك لا يقضي بالتقييد، نعم لا بأس بغير المميز كسائر الحيوانات، للأصل و السيرة القاطعة، مع عدم شمول الأدلة لمثله، لأن المتبادر من الحفظ من النظر كون النظر مقصودا للناظر لا مجرد البصر، و كذا لا فرق فيها بين كون الناظر مسلما أو كافرا ذكرا أو أنثى، و ما يقال ان الإناث من الكفار بمنزلة الإماء المملوكة فيه أنه ليس في هذا الحكم، و من ثم لم يستثنه أحد من الأصحاب في المقام، و أما حرمة النظر إلى العورة


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب آداب الحمام- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الحمام- حديث 1 و 2 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب آداب الحمام- حديث 4.

ج 2، ص: 5

فالظاهر ان كل من يجب التستر عنه يحرم النظر الى عورته، من غير فرق بين كونه مكلفا بالتستر أو لا كالمجنون و شبهه، و لا بين كونه مسلما أو كافرا ذكرا أو أنثى، فيحرم النظر الى عورات المميزين، و إن كان إقامة الدليل عليه من السنة في غاية الإشكال، لكن قد يستدل عليه ب

قوله (عليه السلام): «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه»

و «عورة المؤمن على المؤمن حرام»

بدعوى دخوله تحت لفظ الأخ و المؤمن، و خروجه عن الحكم التكليفي للإجماع غير قادح، و ب

قوله: «من نظر الى غير أهله متعمدا أدخله الله»

الى آخره و ب

قوله (عليه السلام)(1): «ادخله بمئزر و غض بصرك»

و

قول النبي (صلى الله عليه و آله):

«يا علي إياك و دخول الحمام بغير مئزر ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه»

الى غير ذلك، إلا أن الكل لا يخلو من نظر، فالمسألة لا تخلو من إشكال ان لم يقم إجماع يقطع به الأصل، و لم أعثر على دعواه في المقام فتأمل.

و أما ما عن بعضهم من جواز النظر إلى عورة غير المسلم للأصل، و الظاهر بعض الأخبار المتقدمة، مضافا إلى تصريح بعضها ك

قول الصادق (عليه السلام)(2): «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار»

و في آخر

عنه (عليه السلام)(3) أيضا «إنما أكره النظر إلى عورة المسلم، فان النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار»

فضعيف، كما عن الشهيد في الذكرى، أخذا بإطلاق بعض الروايات (4)المنجبرة بإطلاق الفتوى و الإجماع، فلا يجسر على تقييد ذلك بهاتين الروايتين مع ما فيهما من الإرسال و عدم الجابر، و بذلك يضعف المفهوم المتقدم لو قلنا بحجية مثله، و بان مقتضاه عدم وجوب التستر عن الكافر، و لم يقل به أحد، و أيضا ففي بعض الروايات السابقة ان النظر سبب الإيقاع في الزنا، و لعل حرمته من هذه الجهة، فلا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب الحمام- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب الحمام- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب الحمام- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب الحمام- حديث 5.

ج 2، ص: 6

يتفاوت بين الكافر و المسلم، فالتحقيق انه يجب التستر عنهم، كما أنه يجب التستر عليهم، و يحرم النظر إليهم، كما أنه يحرم النظر منهم، و الله أعلم.

و قد ذكرنا في باب الصلاة تحقيق أن العورة هي القبل و الدبر مع زيادة الأنثيين في الرجل و حكم الخنثى المشكل و الممسوح، فلاحظ و تأمل. و ليعلم أنه لا إشكال في وجوب التستر مع العلم بالناظر، و يقوى إلحاق الظن، و في الشك وجهان، و لعل في الأمر بالمئزر عند دخول الحمام، و المحاذرة على العورة عند الغسل، و ما ورد في تفسير حفظ الفروج إشارة الى ذلك، و أما الوهم فالأقوى العدم، بل ينبغي القطع به في الضعيف، و هل حرمة النظر كوجوب التستر أو لا؟ الأقوى الأول، و قد يشير اليه

قوله (عليه السلام): «و غض بصرك»

فتأمل جيدا.

[في استحباب ستر الشخص نفسه عند إرادة التخلي]

و يستحب فيه ستر البدن أي استتار الشخص نفسه عند إرادة التخلي، إما بان يبعد المذهب، أو يلج في حفيرة، أو يدخل بناء، ل

قول الصادق (عليه السلام)(1)في خبر حماد بن عيسى قال: «قال: لقمان لابنه يا بني إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم، إلى ان قال: و إن أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض»

و

عنه (عليه السلام) أيضا(2)قال: «ما أوتي لقمان الحكمة لحسب و لا مال و لا جمال، و لكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا ساكنا سكيتا، و لم يره أحد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال، لشدة تستره و تحفظه في أمره، إلى أن قال: و بذلك أوتي الحكمة و منح العطية»

و

عن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)«أنه لم ير على بول و لا غائط»

و

عنه (عليه السلام) أيضا(4)أنه «من أتى الغائط فليستتر»

و

عن كشف الغمة(5)عن جنيد بن عبد الله في حديث قال: «نزلنا النهروان، فبرزت عن الصفوف، و ركزت رمحي، و وضعت ترسي اليه، و استترت من الشمس، و إني


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.

ج 2، ص: 7

لجالس إذ ورد علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أخا الأزد معك طهور، قلت: نعم، فناولته الإداوة، فمضى حتى لم أره، و أقبل و قد تطهر، فجلس في ظل الترس»

و عن بعض الكتب (1)

روينا عن بعضهم (عليهم السلام) «أنه أمر بابتناء مخرج في الدار، فأشاروا إلى موضع غير مستتر من الدار، فقال: يا هؤلاء ان الله عز و جل لما خلق الإنسان خلق مخرجه في أستر موضع منه، و كذلك ينبغي أن يكون المخرج في أستر موضع في الدار»

و

قول الكاظم (عليه السلام)(2)لأبي حنيفة: «يتوارى خلف الجدار»

كل ذلك مع موافقته للاحتشام، و إطلاق المصنف و غيره كتصريح بعض ما ذكرنا من الأخبار يشمل البول و الغائط، فما وقع في بعض العبارات من تخصيص الحكم بالثاني ضعيف، اللهم إلا أن لا يريده، كما يستفاد منه أن بيت الخلاء كاف، و هو كذلك، و وقوع التباعد منه (عليه السلام) لا يدل على قصر الحكم، بل الظاهر أنه لمكان أنه لم يستعمل البيوت للخلاء، نعم لا يكفي الاستتار بعباءة و نحوها، و في الظلمة و شبهها وجهان، أقواهما الاجتزاء بها.

[في حرمة استقبال القبلة و استدبارها]

و يحرم استقبال القبلة و استدبارها عينا أو جهة، و المرجع فيهما العرف، فالاستقبال في الجالس و الواقف بمقاديم البدن، بل الظاهر تحققه و لو مع انحراف الوجه، و المستلقي كالمحتضر، و عكسه المكبوب، و في المضطجع بوضع رأسه في المغرب و رجليه في المشرق و بالعكس، و الاستدبار بالماء خير، فما وقع من بعضهم من التردد في ذلك في غير الجالس و الواقف استقبالا و استدبارا سيما مع عدم العجز ضعيف، للصدق العرفي فيه، و عدم اكتفاء الحالف فيه مع عدم العجز قد يكون لانصراف خصوص الحلف إلى الكيفية الخاصة، و إلا فلا ينبغي الشك في الاكتفاء للحالف على النوم مستلقيا أو مضطجعا مستقبلا، و دعوى انصراف النهي عن التغوط مثلا مستقبلا إلى الكيفية


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 7.

ج 2، ص: 8

المتعارفة في التغوط ممنوعة، إذ هي ندرة لا تقدح في الشمول، إذ لا شك في أنه يصدق على النائم مثلا انه تغوط مستقبلا، و يظهر من المقداد في التنقيح ان المحرم انما هو الاستقبال بالفرج دون الوجه و البدن، فمن بال مستقبلا و حرف ذكره عنها لم يكن عليه بأس، و لعل وجهه أنه هو المفهوم من استقبال القبلة ببول و غائط، لأنه مقتضى الباء، و لبعض الأخبار(1)

«انه نهى (صلى الله عليه و آله) أن يبول الرجل و فرجه باد للقبلة»

و فيه مع خلو أكثر الأخبار عن الباء أن المراد منها معنى (في) أي لا تكون مستقبلا في هذا الحال، و لا دلالة لما ذكره أخيرا، بل المفهوم منه عرفا خلاف ما ادعاه فتأمل.

ثم أن الظاهر عدم دخول ما جعله الشارع قبلة في بعض الأوقات، كجعل ناصية الدابة مثلا قبلة للراكب و نحو ذلك، لأن القبلة إنما هي اسم للعين، و شاع إطلاقها على الجهة، و كذا ما بين المشرق و المغرب و إن جعله قبلة في نحو التحير، و دعوى استفادته من

قوله (عليه السلام)(2): «ما بين المشرق و المغرب قبلة»

لكونه ك

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «الطواف بالبيت صلاة»

ممنوعة، لتبادر الصلاة منه لا أقل من الشك.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في حرمة الاستقبال و الاستدبار، بل في كشف اللثام هنا الجزم بحرمتهما حال الجماع أيضا، بل أرسله إرسال المسلمات و إن كنا لم نجده لغيره، بل هو نفسه و غيره صرح بكراهتهما في كتاب النكاح على وجه المفروغية، و لعله الصواب، كما تسمعه إن شاء الله تعالى. و لا في أنه يستوي في ذلك الصحاري و الأبنية كما هو خيرة المبسوط و الخلاف و السرائر و المعتبر و النافع و المنتهى و الإرشاد و القواعد و جامع المقاصد و غيرها، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الخلاف


1- 1 المستدرك- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القبلة- حديث- 9- من كتاب الصلاة.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 85.

ج 2، ص: 9

و عن الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا الى إطلاق

المرسل (1)المروي في الكافي و التهذيب و الفقيه، بل في المقنع أيضا روايته عن الرضا (عليه السلام) قال: «سئل أبو الحسن (عليه السلام) ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها».

و

قول الصادق (2)عن آبائه (عليهم السلام) في خبر الحسين بن زيد: «ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال في حديث المناهي: إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة»

و

عن الفقيه (3)أنه قال: «نهى النبي (صلى الله عليه و آله) عن استقبال القبلة ببول أو غائط»

و في آخر(4)

«إذا أتى أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة و لا يولها ظهره»

و

خبر عيسى بن عبد الله الهاشمي (5)عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا»

و في

مرسل عبد الحميد(6) سئل الحسن بن علي (عليهما السلام) «ما حد الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها»

و

في مرسل علي بن إبراهيم (7)«قال: خرج أبو حنيفة من عند أبى عبد الله (عليه السلام) و أبو الحسن موسى (عليه السلام) قائم و هو علام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم، فقال:

اجتنب أفنية المساجد و شطوط الأنهار و مساقط الثمار و منازل النزال، و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت».

و هي مع استفاضتها و تعاضدها و مناسبتها للتعظيم منجبرة بما سمعت من الشهرة و الإجماع، فلا يقدح ما في أسانيدها من الضعف و الإرسال و اشتمالها على ما لا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة حديث 4.
4- 4 كنز العمال ج 5 ص 86 الرقم. 183.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5 و ليس فيه و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 10

يقول به الأصحاب كالنهي عن استقبال الريح و استدبارها، و الأمر بالتشريق و التغريب، مع خلو بعضها عن الأمرين لا يصلح لأن يكون قرينة على التجوز بالنهي، مع احتمال الأمر بالتشريق و التغريب الاستحباب، لقصوره عن إفادة الوجوب لعدم الجابر له في خصوص ذلك، أو يراد الميل الى الجهتين، و هو لازم لتحريم الاستقبال و الاستدبار، و كيف يكون ذلك قرينة على الكراهة مع ما عرفت من أن المشهور بل نقل الإجماع عليه الحرمة، بل قد يدعى أنه محصل، لانقراض الخلاف، و ذلك لأن المنقول عنه الخلاف انما هو ابن الجنيد و المفيد و سلار على ما فيه من الاضطراب، مع ان عبارة المفيد غير صريحة في ذلك، فإنه بعد أن قال: «و لا يستقبل القبلة بوجهه و لا يستدبرها، و لكن يجلس على استقبال المشرق إن شاء أو المغرب» قال: «و إذا دخل الإنسان دارا قد بني فيها مقعد للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها لم يضره الجلوس عليه، و انما يكره ذلك في الصحاري و المواضع التي يتمكن فيها من الانحراف عن القبلة» فقد يكون مراده من لفظ الكراهة الحرمة، و من عبارته الأولى صورة عدم التمكن من الانحراف و من غير هذا الموضع، و قد يستأنس لذلك بعبارات وقعت لمن علم ان مذهبه التحريم كما تسمع إن شاء الله تعالى.

و أما ابن الجنيد فلم نعلم مذهبه من غير جهة النقل، فقد نقل أنه قال: «يستحب للإنسان إذا أراد التغوط في الصحراء ان يجتنب استقبال القبلة» و قد يريد الوجوب، فانحصر الخلاف في سلار، فإنه قال: «و ليجلس غير مستقبل القبلة و لا مستدبرها، فان كان في موضع قد بني على استقبالها و استدبارها فلينحرف في قعوده، هذا إذا كان في الصحاري و الفلوات، و قد رخص في ذلك في الدور، و تجنبه أفضل» و لعل وجهه الجمع بين ما تقدم من الأدلة و بين

خبر محمد بن إسماعيل (1)قال: «دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) و في منزله كنيف مستقبل القبلة»

و هو- مع عدم مقاومته لما سمعت


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 7.

ج 2، ص: 11

من الأخبار، و معارضته للإجماع المنقول غير صريح في ذلك، بل و لا ظاهر، لعدم استلزام ذلك الجلوس فيه منه (عليه السلام) كذلك، مع احتمال كون البناء على القبلة دون محل التغوط، بل ينبغي القطع بذلك، لأنه لا كلام في كون ذلك مرجوحا، و هم منزهون عن الاستمرار عليه، و كيف يتخيل أنهم (عليهم السلام) يأمرون الناس و يؤكدون غاية التأكيد على تعظيم القبلة و أجلالها مع أنهم لا يفعلون ذلك، و يضعون الكنيف في دورهم لهم و لعيالهم و خدامهم و ضيوفهم، كلا ان ذلك ممنوع، و عبارة المفيد و إن اقتضى ظاهرها الإباحة لكن قد عرفت الكلام فيها، و لم ينقل عن ابن الجنيد الحكم في البناء، مع أن هذا الراوي قد

روى عن الرضا (عليه السلام)(1)قال: سمعته يقول: «من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له»

على أن قوله ثم ذكر فانحرف فيه إشعار انه لا ينبغي ان يقع منه حال العمد، و أيضا قوله في خبر عيسى إذا دخلت المخرج ظاهر في الأبنية، و كذلك مرسل علي بن إبراهيم فتأمل.

و كيف كان فلا ينبغي الشك في المسألة، فما وقع من بعض المتأخرين من النزاع في هذا الحكم انما نشأ من سوء الطريقة، و الظاهر خروج الاستبراء و الاستنجاء عن هذا الحكم، و كذلك الخارج منه اتفاقا، و المسلوس و المبطون، لعدم ظهور تناول الأدلة لمثل ذلك، بل قد يدعى ظهور العدم، لظهورها في التخلي، كقوله إذا دخلتم المخرج و اين يضع الغريب و نحو ذلك، نعم قد يدل

خبر عمار(2)على مساواة حكم الاستنجاء قال: سألت الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يريد ان يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط»

و لكن دعوى ظهوره في المقام ممنوعة، إذ لم يعلم إرادة السائل من الكيفية ماذا فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.

ج 2، ص: 12

و كذلك ينبغي القطع بخروج الجالس لخروج أحد الأخلاط أو الحقنة مع الخلوص عن الحدث، و لا يضر الاحتمال مع عدم تحققه، بل قد يقال ان مثل هذا الخليط لا يدخل لظهورها فيما ذكرنا من التخلي على النحو المتعارف، و لو اشتبه القبلة و أمكنه تعرفها وجب، مقدمة للامتثال، و لو تعذر وجب الاجتناب ما دام ممكنا، فان حصرها في جهة و إن لم يشخصها وجب عليه اجتناب تلك الجهة، و هل يقوم الاجتهاد في القبلة عند عدم غيره مقام اليقين كما في الصلاة؟ لا يبعد ذلك، إما للإلحاق بالصلاة، أو لدعوى أنه يفهم من نحو قوله (عليه السلام) (لا يستقل القبلة) قيام الظن مقام العلم عند تعذره، أو لاستصحاب بقاء التكليف، فيقضي به العقل بقيام الظن مقام العلم، للزوم التكليف بما لا يطاق بدونه، و الكل لا يخلو من تأمل.

و لو دار الأمر بين الاستقبال أو الاستدبار قدم الأول، لكونه أعظم قبحا، و بينه و بين تكشف العورة فالثاني، و مدار هذا الترجيح و غيره على ما يحصل عند المجتهد، فينبغي مراعاة الميزان، و كان دليل تقديم الأعظم قبحا على غيره العقل، فضلا عن النقل، و الظاهر انه لا يجب على الأولياء تجنيب الأطفال المميزين أو غير مميزين، للأصل و السيرة، و ربما احتمل الوجوب للتعظيم، كما في كل ما كان منشأ الحكم فيه ذلك، كحرمة المس و نحوها، و هو ضعيف، و قد يستفاد من رواية محمد بن إسماعيل المتقدمة عن الرضا (عليه السلام) رجحان تجنب القبلة عن كل فعل ردي، و ربما يستأنس له بمرجوحية المواقعة مستقبلا و مستدبرا، بل في كشف اللثام حرمته، و قد يشم منه إلحاق الأماكن المشرفة بالقبلة، بل عن النهاية للفاضل احتمال اختصاص النهي عن الاستدبار بالمدينة و نحوها مما يساويها جهة، لاستلزام استقبال بيت المقدس، و إن حكي عن الشهيد أنه قال هذا الاحتمال لا أصل له، و لعله كذلك، بل يمكن القطع بخلافه من النصوص و الفتاوى، على أن بيت المقدس قبلة منسوخة، نعم لا بأس باحترامه من حيث كونه مكانا شريفا كما ذكرناه، و الله العالم.

ج 2، ص: 13

و يجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك فان لم يمكن وجب التخلي في غيره، فان لم يمكن جاز كل ذلك، قضية ما ذكرنا من الأذلة، و أشار المصنف في هذه العبارة إلى شيئين، الأول الجواب عن ما سمعت من الرواية عن الرضا (عليه السلام) أن في داره كنيفا مستقبل القبلة، و الثاني إلى بعض عبارات وقعت ظاهرها المنافاة كعبارة الشيخ في المبسوط، فإنه- بعد أن حكم بحرمة الاستقبال و الاستدبار مع التصريح بعدم الفرق بين الصحاري و الأبنية- قال: «و إن لم يكن عليه شي ء بالجلوس عليه» قال في المعتبر: يريد أنه مع عدم إمكان غيره، قلت: يريد بالانحراف عنه تجنبه، و كذلك ابن إدريس في السرائر، فإنه- بعد ان حكم بالحرمة مع التصريح بعدم الفرق المذكور- قال: «و ان وجد لفظ الكراهة في بعض الكتب فليس بشي ء يعتمد، إلا أن يكون الموضع مبينا على وجه لا يمكن فيه الانحراف من القبلة» و الظاهر أنه يريد مع عدم التمكن من غيره، و قس على ذلك باقي العبارات، و لذا لم ينقله أحد من أصحابنا خلافا في المسألة، فتأمل جيدا.

[الثاني من أحكام الخلوة الاستنجاء]
اشاره

الثاني من أحكام الخلوة.

في الاستنجاء و هو من النجو، قيل بمعنى التشرف و التطلع، أو العذرة و ما يخرج من البطن بمعنى إزالتهما، أو من النجوة و هي ما ارتفع من الأرض للجلوس عليه، أو الاستتار به، و كيف كان فهو في الاصطلاح لا يصدق إلا على إزالة ما يبقى من أحد الخبثين بعد خروجهما من المحلين الأصليين، أو المعتادين العارضين في وجه عن ظاهر الموضع الذي خرجا منه، و الظاهر عدم مدخلية قصد الإزالة في حقيقته، فيدخل حينئذ الماء و الأحجار الذي يزيل هذه النجاسة مع عدم القصد تحت الاستنجاء، كما أن الظاهر أنه لا يشترط في الإزالة أن يكون بوجه شرعي، و احتمال القول أنه لا يدخل فيه غسل البول- لكون الاستنجاء انما هو غسل موضع النجو فلا يشمله، و ربما

ج 2، ص: 14

يؤيده ما يظهر من بعض الأخبار(1)- ضعيف، كما لا يخفى على الخبير الملاحظ للأخبار فتأمل.

[في وجوب غسل موضع البول]

و يجب غسل موضع البول إجماعا منقولا و محصلا، بل هو من ضروريات مذهبنا، و سنة كادت تكون متواترة، بل هي كذلك، خلافا لأبي حنيفة، فلم يوجب غسلا و لا غيره، و المراد الوجوب الشرطي لما يجب غسل النجاسة فيه، كالصلاة مثلا دون الوضوء، فمن توضأ قبل أن يغسل موضع البول كان وضوؤه صحيحا، للأصل و المعتبرة المستفيضة(2)و فيها الصحيح و غيره، كما قيل فيمن نسي غسل ذكره حتى توضأ أنه يغسل ذكره، و لا يعيد الوضوء، و مع اعتبارها في نفسها معمول عليها عند أكثر الأصحاب، بل لعله إجماعا، خلافا للمنقول عن الصدوق، فأوجب إعادة الوضوء ل

لصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام)(3)«في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره قال: يغسل ذكره، ثم يعيد الوضوء»

و بمعناه الموثقان (4)و لقصورها عن المقاومة لوجوه غير خفية وجب حملها على الاستحباب أو التقية أو غيرهما.

و يشترط فيما ذكرنا من الغسل أن يكون بالماء، و لا يجزي غيره للأصل و الإجماع محصلا و منقولا، و السنة التي كادت تكون متواترة (منها) الآمرة(5)بالغسل الظاهر بالماء، (و منها) الآمرة(6)بصب الماء، (و منها) المصرحة(7)بأنه لا يجزي غيره ك

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة، أما البول فلا بد من غسله»

و

قوله (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8 و الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 15

أيضا في رواية بريد بن معاوية(1): «و لا يجزي من البول إلا الماء»

خلافا للشافعي، فاجتزى بغير الماء من التمسح بالأحجار، و ما تقدم عن المرتضى سابقا من الاجتزاء بالمضاف لعله لا يقول به في المقام، لعدم استثنائه من الإجماع، و إلا فهو محجوج بما تقدم و أما ما في

رواية سماعة(2)قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): «أني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجي ء مني البلل ما يفسد سراويلي، قال: ليس به بأس»

و

موثقة حنان (3)قال: «سمعت رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: إني ربما بلت فلا أقدر على الماء، و يشتد ذلك علي، فقال: إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك، فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك»

فهما مع الغض عما في السند معرض عنهما بين الأصحاب، لما قد عرفت من الإجماع المحصل و المنقول، بل ضرورة المذهب، و الأخبار التي كادت تكون متواترة، فوجب حينئذ طرحهما، أو تأويلهما بما لا تنافي المقصود و ان بعد بحمل نفي البأس في الأول على إرادة عدم نقض التيمم به و إن كان محكوما بنجاسته، و أولى منه حملهما على التقية، و يؤيده إنها مروية عن الكاظم (عليه السلام) و قد كانت التقية في زمانه في غاية الشدة، و بحمل الثانية على إرادة مسح غير المحل النجس حتى يتخلص عن البلل الخارج منه، إذ قد يكون ذلك من الريق الذي جعله، فلا يتنجس به، أو غير ذلك، و قد تفرد الكاشاني بشي ء خالف به إجماع الفرقة الناجية، بل إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين، مستندا الى هاتين الروايتين و نحوهما، و هو أن المتنجس لا ينجس، بل الذي ينجس انما هو عين النجاسة، فمتى زالت بحجر أو خرقة أو نحو ذلك لم ينجس محلها شيئا، و هو بالاعراض عنه حقيق، و لا يليق بالفقيه التصدي لرد مثل ذلك بعد ما عرفت أنه مخالف لإجماع المسلمين و ضرورة الدين.

مع القدرة أي يجب غسل الموضع المذكور بالماء للصلاة مثلا مع القدرة، أما


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 16

مع العجز فيجب مسحه بما يزيل العين و ان بقي الأثر، تخفيفا للنجاسة، فلا ظهور في العبارة في الاجتزاء حال العجز بغير الماء بالنسبة إلى الطهارة، للإجماع على عدم الفرق بين القدرة و العجز، و ما ذكرناه من وجوب التخفيف عند العجز هو ظاهر المقنعة و المصنف في المعتبر و صريح العلامة في التذكرة و المنتهى، و نقل عن الشهيد في الذكرى، بل يظهر من بعضهم أنه مشهور، و قد يناقش بعدم الدليل عليه، لكن قد يستفاد ذلك من

قولهم (عليهم السلام)(1): «لا يسقط الميسور بالمعسور»

و

«مالا يدرك كله لا يترك كله»(2)

و

«إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم»(3)

بل ربما يشعر به

خبر زرارة و محمد بن مسلم (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته «عن طهور المرأة في النفاس إذا طهرت و كانت لا تستطيع أن تستنجي بالماء أنها ان استنجت اعتقرت، هل لها رخصة أن تتوضأ من خارج و تنشفه بقطن أو خرقة؟ قال: نعم تنقى من داخل بقطن أو خرقة»

و من تغيير خرقة المستحاضة عند الصلاة و نحو ذلك، بل ربما يشير اليه

قول الصادق (عليه السلام)(5)في خبر عبد الله بن بكير «في الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط، قال: كل شي ء يابس زكي»

بل ينبغي القطع بوجوبه إذا كان عدم التخفيف يوجب نجاسة بعض الأماكن الطاهرة، كما أنه يشكل الوجوب إذا استلزم تنجيسها، و لعل ما ذكره بعضهم- من الاستدلال عليه بان الواجب إزالة العين و الأثر، و تعذر أحدهما لا يسقط الثاني- يرجع إلى ما ذكرناه أولا من عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه، لكن يشكل دخول ما نحن فيه تحتها، فتأمل، لظهورها فيما إذا كان


1- 1 غوالي اللآلي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
2- 2 غوالي اللآلي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3 سنن البيهقي ج 1 ص 215 و لكن نصه ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم و رواه أيضا في غوالي اللآلي عن النبي صلى الله عليه و آله بعين ما ذكر في الجواهر و في تفسير الصافي- سورة المائدة- آية 101.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام الخلوة- حديث- 5.

ج 2، ص: 17

المكلف به ذا أفراد أو ذا أجزاء فتعذرا، دون الغسل و المسح مثلا، و ما يقال من أن الأمر بالغسل تضمن شيئين. أحدهما إزالة العين، و الآخر الأثر ففيه أن ذلك ليس معنى الغسل، بل هو من لوازمه، مع أنه قد يقال انا مكلفون بإزالة الأثر و إزالة العين من اللوازم نعم هي جارية في متعدد الغسل و فيما إذا أمكن غسل البعض و نحو ذلك. و هل يجب التخفيف الحكمي كما إذا كان متنجسا بنجاسة يجب غسلها مرتين مثلا فتمكن من المرة الواحدة؟ وجهان، أقواهما الأول.

و أقل ما يجزي من الماء في إزالة البول مثلا ما على المخرج كما في المقنعة و المبسوط و التهذيب و النهاية و المراسم و المهذب و المعتبر و النافع و التذكرة و القواعد و التحرير بل في جامع المقاصد و عن المسالك حكاية الشهرة عليه، و كأنها كذلك، خلافا للعلامة في المنتهى و المختلف و عن أبي الصلاح و ابن إدريس، فذهبوا إلى عدم التقدير بذلك، و قال في الأول: «أقل ما يجزي من الماء لغسله ما أزال العين عن رأس الفرج، هذا قول أبي الصلاح، و قدره الشيخان بمثلي ما على الحشفة من البلل، لنا إلى آخره» انتهى.

و قال في المختلف: «قال الشيخان و سلار و ابن بابويه: أقل ما يجزي من الماء في البول مثلا ما على الحشفة منه، و الحق أنه لا يتقدر، بل يجب الإزالة مطلقا بما يسمى غسلا، سواء زالت بأقل أو بأكثر، و هو قول أبي الصلاح و ابن إدريس، و هو الظاهر من كلام ابن البراج» انتهى. و قال أبو الصلاح في الكافي على ما نقل عنه: «و أقل ما يجزي ما أزال البول عن رأس فرجه» و قال ابن إدريس: «و أقل ما يجزي من الماء لغسله ما يكون جاريا و يسمى غسلا و قد

روي (1)أن أقل ذلك «مثلا ما عليه من البول»

، و إن زاد على ذلك كان أفضل» و يظهر من الشهيد في البيان أنه نزاع في العبارة، قال فيه: «و أقله مثلاه مع زوال العين، و الاختلاف هنا في مجرد العبارة» انتهى.

قلت: هو لا يخلو من وجه و إن كان الأوجه خلافه، بل النزاع معنوي،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.

ج 2، ص: 18

كما يظهر من المصنف و العلامة و غيرهما، و تظهر الثمرة فيما لو تحقق الغسل بالأقل من المثلين فلا يجتزى به، بناء على الأول، بخلاف الثاني، فيكون في الحقيقة اشتراط المثلين تعبديا، و يؤيد ذلك أنه من المستبعد جدا توافق العبارات المتقدمة على التعبير بالمثلين، و انه أقل ما يجزي مع إرادتهم منه ان ذلك أقل ما يتحقق به الغسل، و إلا فهم متفقون على أن المدار ما يسمى غسلا، كلا إن ذلك غير ظاهر من كلماتهم مخالف لما فهم الفحول منهم، نعم لا خلاف بينهم في عدم الاجتزاء بالمقدر إذا لم يتحقق به غسل، لكنه فرض نادر، و احتمال أن الغسل لا يتحقق بالأقل من المثلين، فحينئذ لا خلاف ممنوع، كاستبعاد كون ذلك شرطا تعبديا، لعدم النظير في سائر ما يرفع به الخبث، بل و لا ما يرفع به الحدث، بل و لا البول نفسه في غير الاستنجاء، إذ هو استبعاد لغير البعيد بعد قضاء الدليل به، بل لعله الأقوى، ل

خبر نشيط بن صالح (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال:

مثلا ما على الحشفة من البلل»

فيقيد به إطلاق الغسل، كما يقيد به إطلاق المرتين لو سلم شموله للمقام، و دعوى ان في سندها مروك بن عبيد الذي هو غير معروف الحال يدفعها- مع أن ذلك غير قادح، لما عرفت من انجبارها بالشهرة المحصلة و المنقولة- أنه نقل العلامة في الخلاصة عن الكشي أنه قال محمد بن مسعود سألت علي بن الحسن عن مروك بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة، فقال: ثقة شيخ صدوق، كدعوى ان هذه الرواية معارضة بروايته الأخرى المؤيدة بأصل براءة الذمة من الزائد، و الاخبار(2)المطلقة الآمرة بالغسل، و أن الاستنجاء حده النقا، فإنه

روى أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3)قال: «و يجزي من البول أن تغسله بمثله»

إذا الأصل مقطوع باستصحاب النجاسة، و بما سمعت من الرواية المنجبرة بما تقدم، و بذلك تقيد المطلقات، مع


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة حديث 7.

ج 2، ص: 19

كون الظاهر فيها انصرافها الى الفرد الغالب، و هو تحقق الغسل بما زاد على المثلين فضلا عنهما، و الرواية- مع كونها مرسلة لا جابر لها، و موهونة باعراض المشهور، مضافا إلى استبعاد تحقق الغسل بالمثل، لاشتراط الغلبة و الاستيلاء، و هو منتف فيه إلا على تكلف تسمعه إن شاء الله تعالى- غير صريحة الدلالة، بل و لا ظاهرة، لاحتمال أن يراد بمثله مثله من الماء، كما أشارت إليه

بعض الأخبار(1)«أنه ماء فلا يزال إلا بالماء»

بل يحتمل أن تكون الرواية بمثليه، و حذفت الياء من النساخ، و احتمال العكس في الرواية الأولى في غاية البعد، لما عرفت من انجبارها بفتوى الأصحاب الذين صدرت منهم الروايات، و ربما احتمل فيها احتمالات أخر لا بأس بها في مقام الجمع بعد ما سمعت من رجحان الأولى من وجوه متعددة، و يظهر من المحقق

الثاني في جامع المقاصد و عن تعليقه على الكتاب و النافع أن المراد بالمثلين في الرواية و كلام الأصحاب كناية عن وجوب الغسل مرتين، مع اختياره لوجوب المرتين، و مثله نقل عن الشهيد الثاني في المسالك، و الكلام معهما في مقامين.

(الأول) جعل المثلين في الرواية و كلام الأصحاب عبارة عن الغسلتين، و فيه أنه لا شاهد لهما على ذلك، بل الظاهر خلافه، إذ الرواية ظاهرة في التقدير، لسؤالها عنه من غير تعرض للتعدد، و كذلك كلام الأصحاب، فإنهم- بعد أن ذكروا أن البول لا بد من غسله بالماء- قالوا: و أقل ما يجزي من الماء مثلا ما عليه من البلل، و هو بإطلاقه شامل لما إذا كان ذلك دفعة أو دفعتين بعد تحقق مسمى الغسل به، على أنه من المستبعد تحقق مسمى الغسل بالمثل، لعدم حصول الغلبة و الاستيلاء، و ما يقال ان المراد بالمثل أي مثل القطرة المتخلفة في رأس الذكر، أو هي مع البلل، و حينئذ فتتحقق الغلبة، و يحصل الغسل بالمثل، مع كونه خلاف ظاهر قوله ما على الحشفة من البلل، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6- و لم نعثر على أنه ماء فلا يزال إلا بالماء.

ج 2، ص: 20

الظاهر إرادة المثلين لما يغسل، و هو البلل الباقي على الحشفة، فإنه المحتاج للماء في الغسل لا تلك القطرة التي تسقط غالبا عند إرادة الاستنجاء، سيما بعد تعارف الاستبراء، و كون الغسل بعد انقطاع دريرة البول، أنه لا داعي الى هذا التكلف لما ستعلمه من فساد القول بوجوب التعدد، و إلا فيمكن أن يقال بتحقق الغسل بالمثل، لصدق المثل على الزائد زيادة يسيرة بحيث يتحقق به الغلبة، و احتمال إرادة كل غسلة بمثلي ما على المخرج، لا كل غسلة بالمثل، فتتحقق حينئذ الغلبة يدفعه ان الرواية المنجبرة بكلام الأصحاب ظاهرة بل نصة في نفيه، إذ على ذلك يكون الأقل أربعة أمثال لا المثلين، على أنه لم يصرح أحد بوجوب نحوه، نعم قيل انه يحتمله عبارة الفقيه و الهداية، و ستسمعهما.

(المقام الثاني) وجوب التعدد، و نقل التصريح عن الفقيه و الهداية، لقوله في الأول: «و يصب على إحليله من الماء مثلي ما عليه من البول، يصبه مرتين، و هذا أدنى ما يجزي» و نحوه في الهداية، و اختاره المحقق الثاني و الشهيدان، و الأقوى خلافه للأخبار المطلقة الآمرة بالغسل المتحقق بالمرة، مع كون الحكم مما تشتد الحاجة إليه، فايكال الأمر إلى الإطلاق في مقام البيان كالتصريح في عدم وجوب التعدد، (منها)

خبر يونس بن يعقوب (1)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، قال: يغسل ذكره، و يذهب الغائط»

مضافا الى رواية نشيط بن صالح المنجبرة بفتوى الأصحاب، فإنها اجتزت بالمثلين من غير تقييد بالمرتين، بل قد عرفت أنه لا يتحقق بالمثل، فيكون حينئذ المشهور الاكتفاء بالمرة الواحدة، لكون عباراتهم مطلقة في الغسل من غير ذكر للمرتين و ان ذكروا التقدير بالمثلين، لكنه لا إشارة فيه اليه كما عرفت، بل الأظهر عدمه، لما عرفت من عدم تحقق الغسل بالمثل إلا على تكلف مستغنى عنه، على أنه لم يقيده بذلك في الخلاف و الإرشاد و اللمعة و عن جمل السيد


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة حديث 5.

ج 2، ص: 21

و الشيخ و الوسيلة و الغنية و التبصرة و الموجز و شرحه، بل اقتصروا في بيان غسل مخرج البول على غسله بالماء، و لم يعتبروا تقديرا في المقدار و لا في العدد.

احتج من قال بوجوب التعدد بالأصل و بالأخبار(1)الدالة على أن البول ان أصاب الجسد فصب الماء عليه مرتين، بل نقل عن المصنف نسبة مضمونها إلى علمائنا، و فيه أن الأصل مقطوع بما سمعت، و ان الظاهر من تلك الأخبار أن المراد بالجسد غير محل البول كما يشعر به لفظ الإصابة، و مما يرشد الى ذلك نسبة المصنف له إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما ذكره المستدل، لكون الخلاف في المقام معلوما، و قد نقله المصنف هنا في المعتبر، بل قد عرفت أن تلك المطلقات منجبرة بعمل المشهور على الظاهر، كما سمعت بيانه، مضافا إلى ظاهر خبر نشيط بن صالح، لتقييد غيره به لو سلم شموله للفرض، فكان الأقوى الاجتزاء بالمرة الواحدة، لكن الأحوط المرتين بل الأولى الثلاثة، لما في

خبر زرارة(2)«انه كان يستنجي من البول ثلاث مرات»

ثم الظاهر أنه لا يمكن جريان الخلاف بالتقدير على الوجه المتقدم سابقا بناء على وجوب التعدد، لعدم الفائدة، إذ لا يتصور التعدد حينئذ بالأقل من المثلين، و على تقدير التعدد في المثلين و الاكتفاء بالفصل التقديري في غير المقام فهل يكتفى به هنا كما اكتفي بذلك في غير المقام، فيرتفع الخلاف حينئذ بين القول بالتعدد و القول بالمرة مع اشتراط المثلين؟ الظاهر العدم، كما صرح به الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني في جامع المقاصد و ان اكتفيا به في غير المقام، و كأنه لأن المثلين إذا وقعا دفعة لا تعد في العرف إلا غسلة واحدة، بخلاف ما إذا كان الماء كثيرا متصلا، فإنه يكتفى بالفصل التقديري عندهما في غير المقام.

و كيف كان فالظاهر استثناء بول الرضيع الغير المتغذي بالطعام بناء على اشتراط


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1 و 4 و 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.

ج 2، ص: 22

التعدد لخفة نجاسته، كما يظهر من الأدلة، لكن هل يعتبر فيه للمرة المثلان؟ وجهان، أحوطهما إن لم يكن أقواهما ذلك.

ثم انه بناء على الاكتفاء بالمرة فهل يجري الحكم في كل ما كان مخرجا للبول في الذكر و الأنثى و الخنثى و غيرها مما يخرج من ثقب و نحوه، أصليا كان أو عارضيا قد اعتيد كما هو مقتضى إطلاق المتن؟ وجهان، و كذلك بالنسبة لاشتراط المثلين، و ذكر لفظ الحشفة في الرواية و كلام بعض الأصحاب من باب المثال إشكال، كالإشكال في غسل الأغلف الغير المتمكن من إخراج حشفته غلفته مرة واحدة، بناء على ذلك، بل و المتمكن بناء على أن الحشفة من البواطن، لغلبة استتارها، أما بناء على وجوب خروجها و غسلها فالظاهر أنه لا بد من غسل الغلفة مرتين، لأنها من الجسد الذي أصابه البول، بل قد يقوى ذلك و إن لم نوجب الخروج، اقتصارا لما خالف إطلاق المرتين لاصابة البول الجسد على المتيقن، و هو غير الفرض، و كذا المرأة و غيرها ممن لا حشفة فيه.

[في وجوب إزالة الغائط بالماء تخييرا]

و يجب تخييرا غسل مخرج الغائط مع تلوثه بذلك، و إلا فلا يجب بدونه، كما في سائر النجاسات، و إن ظهر من المنتهى وجوب الاستنجاء حتى لو خرجت بعرة يابسة، لكنه ضعيف، لأصالة البراءة، و لأن كل يابس زكي، و ما ورد(1)من الأمر بالاستنجاء من الغائط محمول على غلبة التلوث، كما يشعر به

قوله (عليه السلام):

«يغسل ذكره و يذهب الغائط»

ك

قوله (2)بعد ان سئل هل للاستنجاء حد: «لا حتى ينقى ما ثمة»

بالماء حتى يزول العين و الأثر لا إشكال ظاهرا في وجوب الاستنجاء من الغائط، إذ يدل عليه مضافا إلى ما دل (3)على اشتراط الصلاة بالطهارة الإجماع هنا


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 23

محصوله و منقوله، و الأخبار المعتبرة(1)المستفيضة البالغة أعلى درجات الاستفاضة، نعم نقل عن أبي حنيفة أنه سنة، كما أنه لا إشكال بحسب الظاهر في الاجتزاء بالاستنجاء بالماء، لعموم ما دل (2)على مطهرية الماء، مضافا الى الإجماع المحصل و المنقول أيضا، و الأخبار المستفيضة(3)حد الاستفاضة. بل

يروى (4)«أن قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(5)أول ما نزلت في رجل من الأنصار أكل طعاما فلانت بطنه فاستنجى بالماء فأنزل الله فيه ذلك»

فما ينقل عن عطاء أنه محدث، و عن سعيد بن المسيب أنه قال: هل يفعله إلا النساء، و ما عن ابن الزبير و سعد بن أبي وقاص من إنكار الاستنجاء بالماء لا يخفى عليك ما فيه، إنما المهم بيانه هنا هو ما ذكره المصنف و غيره من وجوب إزالة الأثر، و جعله بعضهم مناط الفرق بين الاستنجاء بالأحجار و الماء، فاشترط إزالة الأثر بالثاني دون الأول، و استشكله بعض المتأخرين بعدم وضوح معناه، و انه لا ذكر له في الروايات، بل الموجود التحديد بالنقاء في

الحسن كالصحيح عن أبي الحسن (عليه السلام)(6)قال: «قلت له: للاستنجاء حد، قال: لا حتى ينقى ما ثمة، قلت: ينقى ما ثمة و يبقى الريح، قال: الريح لا ينظر إليها»

و الإذهاب في

خبر يونس بن يعقوب قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)(7): «الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال يغسل ذكره، و يذهب الغائط، ثم يتوضأ مرتين مرتين»

قلت: قد صرح باعتبار إزالة الأثر عند الاستنجاء بالماء المفيد في المقنعة و العلامة


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة.
4- 4 سورة البقرة- آية 222.
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3 و 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.

ج 2، ص: 24

في التذكرة و التحرير و القواعد و الإرشاد و عن الوسيلة و السرائر، و هو ظاهر المبسوط و المعتبر و المنتهى و غيرها، بل الظاهر انه المشهور بين الأصحاب و ان اختلف في تفسيره ففي التنقيح المراد به اللون، إذ الانتقال على الأعراض محال، فوجود اللون دليل على وجود العين، فيجب إزالته، و فيه- مع منع كونه لا بد له من محله الأولي، بل يكفي فيه وجود محل جوهري يقوم به، كالرائحة فإنها قد تكتسب من المجاورة- ان اللون معفو عنه في سائر النجاسات فهنا بطريق أولى، بل لا يعد عرفا و لا لغة مثل هذه الأجزاء على تقدير تسليم وجودها انها من الغائط، و كأنه أخذه من

قول الكاظم (عليه السلام)(1) لأم ولد لأبيه لما غسلت ثوبها من دم الحيض فلم يذهب أثره: «اصبغيه بمشق»

فان الظاهر ان المراد بالأثر فيه اللون، لكنه مأخذ ضعيف، بل كيف يتخيل أن بقاء الألوان دليل على بقاء الأعيان التي يجب إزالتها، مع اشتهار الصبغ سابقا بجزء الكلاب و نحوه، و عن الأردبيلي استظهار كون الأثر بمعنى الرائحة، و جعل إزالتها مستحبة مع عدم بقاء الأصل و كسب المحل تلك الرائحة بالمجاورة، و فيه أن لفظ الأثر انما وقع في كلام الأصحاب و إلا فليس في السنة له أثر، و أكثر كلامهم على خلاف ذلك، لأن منه ما هو صريح في أن الأثر غير الرائحة كعبارة المصنف و نحوها، لقوله و لا عبرة بالرائحة، و منه ما هو صريح في أن الأثر غير الرائحة كعبارة المصنف و نحوها، لقوله و لا عبرة بالرائحة، و منه ما هو ظاهر كالصريح في ذلك أيضا، و كيف و قد أجمعوا على عدم وجوب إزالة الرائحة، و صرحوا بوجوب إزالة الأثر، بل جعلوه حدا للاستنجاء بالماء، على أن حكمه بالاستحباب لا أعرف مأخذه.

و التحقيق أن المراد بالأثر الأجزاء الصغار اللطيفة كما فسره بذلك بعضهم، بل قد يقال انه المفهوم منه عرفا إذا قيل بقي أثره أو لم يذهب أثره، بل قد يرجع إليه تفسير اللون، إذا الظاهر أنه لا يريد اللون الصبغي، و عن المصباح المنير أنه قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الحيض- حديث 1.

ج 2، ص: 25

«استنجيت غسلت موضع النجو أو مسحته بحجر أو مدر، و الأول مأخوذ من استنجيت الشجر إذا قطعته من أصله، لأن الغسل بالماء يزيل الأثر، و الثاني مأخوذ من استنجيت النخلة إذا التقطت رطبها، لأن المسح لا يقطع النجاسة، بل يبقى أثرها» و هو ظاهر فيما قلناه، لا يقال ان ذلك مأخوذ في الغسل لسائر النجاسات، فما الداعي إلى اشتراطه في المقام و إيجاب إزالته، بل هو مقتضى الأمر بغسل النجاسة، إذ لا معنى لغسلها مع بقاء بعض منها، لأنا نقول هو أنه لما قام الإجماع على الاجتزاء بالمسح بالأحجار، و ظاهر الأدلة حصول الطهارة بذلك، و من المعلوم بل ربما نقل الإجماع عليه أن المسح بالأحجار لا يزيل هذه الأجزاء الصغار الدقاق، بل لو كلف بإزالتها بها لكان فيه من المشقة و العسر بل التعذر و إثارة الوسواس ما لا يخفى، و هو مناف لحكمة مشروعية التخفيف و التسهيل، فقد يتخيل متخيل ان الاستنجاء بالماء حده المقدار الذي يزال بالأحجار و ذلك لحصول الطهارة بالمسح بها كما عرفت، فلا يجب حينئذ إزالة الأثر، بل يكون معفوا عنه، مؤيدا لذلك بأن الأخبار حدت مطلق الاستنجاء بمطلق النقاء و الإذهاب و بذلك اعترض بعضهم على ما ذكرنا من تفسير الأثر بالاجزاء، قال: «لا دليل على وجوب إزالتها، بل يدل على عدمه الاستجمار، للإجماع على أنه لا يزيله، إلا أن يقال انه لا يطهر، بل يعفى عما بقي معه، و هو خلاف نص التذكرة و المنتهى و المعتبر و

قوله (صلى الله عليه و آله)(1)في الدم: «لا يضر أثره»

و

قول الكاظم (عليه السلام) لأم ولد لأبيه لما غسلت ثوبها من دم الحيض و لم يذهب أثره: «اصبغيه بمشق»

قال: إلا أن يقال بالوجوب إذا أمكن».

و في كشف اللثام قلت: و لا يندفع به الاشكال، للزوم قصر الاستجمار على الضرورة، و ان لا يطهر المحل و ان عفي عما فيه، و يلزم منه تنجيسه ما يلاقيه برطوبة، قلت: لا مانع من التزام طهارة هذه الأجزاء حال التمسح بالأحجار خاصة، كما صرح


1- 1 سنن البيهقي- ج 2 ص 408.

ج 2، ص: 26

به في المعتبر و المنتهى، و قد يشعر به

قوله (صلى الله عليه و آله)(1)في العظم و الروث:

«أنهما لا يطهران»

ان لم يرد بها النقاء و نحوه و لو مجازا، كما لعله الظاهر منه، و

قوله (عليه السلام)(2): «يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار»

بل سائر ما دل على الاستجمار و مساواته للماء في حصول الطهارة، إذ ليس ذلك بأبعد من التزام طهارتها في الحالين، كما يلتزم به المعترض، و دعوى أن المدار على النقاء، فان حصل بدون إذهاب هذه الأجزاء فليجتز به في المقامين، و إلا فلا يجتزى به فيهما يدفعها أن النقاء لكل شي ء بحسبه، فنقاء الأحجار للسيرة و الطريقة و حصول العسر و المشقة إزالة العين دون الأثر، بخلاف الماء، فإنه بإزالة الآثار كما في سائر النجاسات، و ما نقله من

قول النبي (صلى الله عليه و آله): «لا يضر أثر الدم»

فليس المراد به ما نحن فيه قطعا، بل المراد مالا يزيله الغسل من اللون و نحوه، كالأثر في سؤال الكاظم، (عليه السلام) هذا مع ان الأصل يقتضي نجاسة هذه الأجزاء و إيجاب إزالتها. لشمول اسم الكل لها، و المعلوم من عفو الشارع انما هو في المسح بالأحجار لمكان العسر و الحرج، بخلاف الماء، فيبقى على الأصل و القاعدة، إذ لا عسر و لا حرج، و يشير إليه أيضا

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(3)لعائشة: «مري نساء المدينة يستنجين بالماء. و يبالغن، فإنه مطهرة للحواشي»

فإن قوله (صلى الله عليه و آله) و يبالغن مع التعليل مشعر بذلك، أو يقال انا لا نلتزم طهارة تلك الأجزاء حال المسح بالأحجار، بل نقول: انه معفو عنها و عما يلاقيها مما يكون في اجتنابه عسر ما دامت على المحل، أما لو ارتفع ذلك فإنها تنجس ما يلاقيها، و لا ينافي ما ذكرنا من التحديد بزوال العين ما وقع لبعضهم من التحديد بالنقاء كالخبر، لما عرفت من أن النقاء في كل شي ء بحسبه، كما سمعت ذلك في الرواية، فالنقاء حينئذ متحد المعنى، لكن مختلف بالنسبة إلى ما يحصل به، فان نقاء كل شي ء بحسب حاله.


1- 1 المنتقى لابن تيمية على هامش نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 84.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.

ج 2، ص: 27

و أما ما نقل عن سلار ان حده حصول الصرير جيد ان أراد ما ذكرنا، و إلا فهو غير صالح للتحديد، لاختلاف المياه و الأزمان، فقد يحصل الصرير و لا يحصل النقاء، كما إذا كان الماء و الهواء في شدة البرودة، كما يحصل النقاء التام و لا يحصل الصرير إذا كان الماء و الهواء حارين، و ويل ثم ويل لأهل الوسواس كيف يحصلون ذلك إلا بعد مدة مديدة، و أما ما قيل من احتمال تفسير الأثر بالنجاسة الحكمية الباقية بعد زوال العين، فيكون إشارة إلى تعدد الغسل فلا أعرف له وجه صحة، و من المعلوم بل قيل لا خلاف فيه أن الواجب في الغسل انما هو غسل ظاهر المخرج دون باطنه، للأصل، مضافا الى ما تقدم، و

قول الصادق (عليه السلام)(1)في خبر عمار: «انما عليه أن يغسل ما ظهر منه، و ليس عليه أن يغسل باطنه»

و

قول الرضا (عليه السلام)(2): «تغسل ما ظهر على الشرج».

و لا اعتبار بالرائحة المتخلفة في موضع النجاسة و اليد، للأصل، و إطلاق الأمر بالغسل، و صدق تحقق النقاء و الإذهاب مع بقائها، و عدم الدخول تحت أسماء النجاسات، مضافا الى ذيل الحسن المتقدم

قلت: «ينقى ما ثمة و يبقى الريح، قال:

الريح لا ينظر إليها»

و قد حكى حكاية الإجماع عليه في كشف اللثام، و في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا، و عن الشهيد أنه اعترض على نحو العبارة بأن وجود الرائحة يدفع أحد أوصاف الماء، و ذلك يقتضي النجاسة، و أجاب عنه مرة بالعفو عن الرائحة، للنص و الإجماع، و أخرى بأن الرائحة إن كان محلها الماء نجس، و ان كان محلها اليد أو المخرج فلا، و استجود الأخير في جامع المقاصد و المدارك، و استحسنه في الذخيرة.

قلت: قد يظهر من الجواب الأول كون الرائحة معفوا عنه و ان كان محلها


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 28

الماء، و هو مخالف للإجماع المتقدم سابقا في ماء الاستنجاء، و ظاهر النص بقاؤها على محل الغائط مطلقا، و لو شك في محلها فالأصل الطهارة، و لا يجب التجسس، بل هو منهي عنه، و كأنه لذلك و نحوه أطلق عدم الاعتبار بالرائحة، و الغالب عدم معرفة محلها، و كذلك لو علم أن محلها الماء و لكن لم يعلم سببها، أو علم أنها من المحل أو اليد، لما تقدم سابقا أن التغير بالمتنجس لا ينجس، و يمكن ان يجاب عن أصل الإشكال أيضا بأن يقال ان ظاهر قولهم لا اعتبار بالرائحة في نجاسة المحل، و هو كذلك و إن كان الماء متغيرا، فإنه قصارى ما هناك يتنجس الماء، و لا يلزم منه تنجس المحل، نظير ما قالوا في ماء الغسالة، فتأمل جيدا، فإنه نافع في غير المقام.

[في عدم كفاية غير الماء إذا تعدى الغائط عن المخرج]

و إذا تعدى الغائط المخرج لم يجز في طهارته شي ء من أحجار و غيرها إلا الماء كما في المبسوط و المعتبر و النافع و المنتهى و التحرير و الإرشاد و القواعد و التذكرة و اللمعة و عن الغنية و الوسيلة و المراسم و الكافي و المهذب و السرائر و الدروس و التبيان، بل في المعتبر انه مذهب أهل العلم، و في التذكرة الإجماع عليه، و مثله عن الغنية، و عن الانتصار أنه لا خلاف فيه، قلت: لكن لم يصرح أحد ممن نقلنا عنهم بحد المتعدي بل كلماتهم مطلقة، نعم في الذكرى لا استنجاء بالحجر من الغائط المنتشر عن المخرج إجماعا. و هو المروي، و في الروض أن المراد بالتعدي عن المخرج التعدي عن حواشي الدبر و ان لم يبلغ الأليتين، و هذا الحكم إجماعي من الكل، و في المسالك المراد بالمخرج حواشي الدبر، فكل ما تجاوزها متعد و إن لم يبلغ الألية، و مثله في الروضة، و في المدارك ينبغي أن يراد بالتعدي وصول النجاسة إلى محل لا يعتاد وصولها اليه، و لا يصدق على إزالتها اسم الاستنجاء، و ذكر جماعة من الأصحاب أن المراد تجاوز النجاسة عن المخرج و ان لم يتفاحش، و هو بعيد، انتهى. و في الذخيرة و الظاهر ان المراد بالتعدي في عبارات الأصحاب تعدي حواشي الدبر و إن لم يصل إلى الألية، و يظهر من التذكرة نقل الإجماع على ذلك، و كذا يفهم الإجماع من كلام الشارح الفاضل،

ج 2، ص: 29

و لو لا ذلك لم يبعد تفسيره بوصول النجاسة إلى محل لا يعتاد وصولها اليه، و لا يصدق على إزالتها اسم الاستنجاء، كما ذكره صاحب المدارك، فان الدليل يساعد عليه الى أن قال: و لا يخفى أن الاخبار(1)الدالة على الاكتفاء بالأحجار مطلقة من غير تفصيل بالمتعدي و غيره، فان لم يكن إجماع على الحكم المذكور كان للتأمل مجال، نعم لو فسر التعدي بذلك المعنى الآخر صح بلا ريب انتهى و في مجمع البرهان ان أخبار الاكتفاء بالأحجار خالية عن التقييد، بل ظاهرها العموم، فلو لا دعوى الإجماع لأمكن القول بالمطلق إلا ما يتفاحش بحيث يخرج عن العادة و يصل الى الألية، كما اعتبروا ذلك في عدم عفو ماء الاستنجاء، و لو لا دعوى العلامة الإجماع في التذكرة على أن المتعدي هو ما يتعدى عن المخرج في الجملة و لو لم يصل الى الحد المذكور لقلت: مراد الأصحاب بالتعدي ما قلناه، لعموم الأدلة مع عدم المخصص، و لأن شرعية المسح لرفع الحرج و الضيق كما دل عليه النقل و العقل و ذلك يناسب الاكتفاء فيما هو العادة لا النادر الذي هو قليل الوقوع، و أيضا يبعد اعتبار الشارع في الاستعمال أمورا دقيقة ذكرها بعض الأصحاب بحيث يصير في غاية الإشكال، فيفوت مقصوده، فالذي يقتضيه النظر في الدليل عدم الالتفات الى هذه الأمور، و حصول التطهير مطلقا، إلا على وجه يعلم تنجيس غير الموضع المتعارف و التعدي العرفي، إذ لا شرعي له، و الاحتياط معه، انتهى.

و نحو ذلك نقل عن الخوانساري، و في الحدائق ان بيان معنى التعدي لا يخلو من إجمال و إشكال، حيث أن ما صرح به الأصحاب من أنه عبارة عن تجاوز الغائط للمخرج، و هو حواشي الدبر و ان لم يبلغ الأليتين لا دليل عليه في أخبار الاستنجاء بالاجمار الواردة من طرقنا، بل هي مطلقة، الى أن قال: و الظاهر أن مستند أصحابنا في ذلك هو الإجماع، كما صرح به جماعة منهم، و من ثم توقف فيه جملة من متأخري المتأخرين، بل جزم البعض كالسيد السند في المدارك بأنه ينبغي أن يراد بالتعدي وصول النجاسة


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الخلوة.

ج 2، ص: 30

إلى محل لا يعتاد وصولها اليه، و لا يصدق على إزالتها اسم الاستنجاء، و هو الأقرب، لعموم الأدلة، و لبناء الشرعية على المتعارف دون النادر، و لما صرحوا به في ماء الاستنجاء من الحكم بطهارته ما لم يتفاحش بحيث يخرج عن مسمى الاستنجاء انتهى.

قلت قد عرفت أن المستند في أصل الحكم الإجماعات المنقولة، مع نسبته له في الذكرى الى الرواية، و لعله أشار الى ما رواه (1)

في المعتبر عنه (عليه السلام) «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز المحل»

لكن الظاهر من ملاحظة كلامه أنها من طرق العامة فلا ينفع انجبارها بالشهرة، إذ ظاهر الأصحاب عدم الالتفات الى أخبار العامة و ان انجبرت، و الذي يظهر لي في المقام أن الأصحاب (قدس الله أرواحهم) لم يريدوا ما فهمه هؤلاء منهم من مطلق التعدي، و أنكروا عليهم ذلك غاية الإنكار، بل الظاهر منهم إرادة التعدي عن المحل الذي يعتاد وصول النجاسة إليه، لما عرفت أن رؤساءهم لم يذكروا تحديد التعدي، فيحمل على ما كان خارقا للمتعارف المعتاد، كما يشعر بذلك أنهم ذكروه في مقابلة ما ذهب إليه الشافعي من الاجتزاء بالأحجار و إن وصل الى باطن الأليتين، بل يشير اليه قول بعضهم أنه لا بد من الماء و ان لم يبلغ باطن الأليتين، و ذلك لانه بدونه يخرج عن المتعارف المعتاد، و كيف يسوغ لأحد ان يحمل كلامهم على إرادة مطلق التعدي، مع أنه لازم لخروج الغائط في الغالب، مع أن الاستنجاء بالأحجار كان هو المتعارف في ذلك الزمان، بل يظهر من الروايات (2)أنه لم يعرف غيره حتى نزل قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) في الرجل الذي أكل طعاما فلانت بطنه فاستنجى بالماء، فشرع هناك التخيير بينه و بين الأحجار، و مما يرشد الى هذا أيضا ان العلامة في المنتهى استدل على وجوب إزالة المتعدي بالماء بأنه انما شرع الاجمار لأجل المشقة الحاصلة من تكرر الغسل مع تكرر النجاسة، أما ما لا يتكثر فيه


1- 1 المعتبر- البحث الثاني من الاستنجاء في آداب الخلوة ص 23.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3 و 5.

ج 2، ص: 31

حصول النجاسة فلا يجزي فيه إلا الغسل كالساق و الفخذ، و هو كالصريح في إرادة التعدي بغير المعتاد، و كأن الذي أوقعهم في الوهم تفسير المتأخرين للتعدي بالتعدي عن حواشي المخرج، و هو مع أنه وقع من متأخري المتأخرين ممكن الحمل على ما ذكرنا أيضا، و ما نقله بعضهم عن التذكرة من الإجماع على أن المراد بالتعدي هو مطلق التعدي لم أجده فيها، بل الموجود فيها الغائط إن تعدى المخرج وجب فيه الغسل بالماء إجماعا، و هو كسائر عبارات الأصحاب.

نعم قال فيها بعد ذلك: و يشترط في الاستنجاء بالأحجار أمور، منها عدم التعدي، فلو تعدى المخرج وجب الماء، و هو أحد قولي الشافعي، و في الآخر لا يشترط، فان الخروج لا ينفك منه غالبا، و اشترط عدم الزيادة على القدر المعتاد، و هو ان يتلوث المخرج و ما حواليه، و ان زاد عليه و لم يتجاوز الغائط صفحتي الأليتين فقولان، انتهى، فقد يشعر نسبة ذلك الى الشافعي أن المراد بالتعدي عندنا هو مطلق التعدي حتى على المحل المعتاد، لكن التعويل على مثل هذه العبارة في مخالفة هذا الحكم الذي كاد أن يكون قطعيا مما لا ينبغي أن يرتكبه فقيه، على أن ما نقله عن الشافعي فيها خلاف ما نقله عنه في المنتهى، قال فيه: «إذا تعدى المخرج تعين الماء، و هو أحد قولي الشافعي، و القول الثاني له و عن إسحاق انه إذا تعدى الى باطن الأليتين و لم يتجاوز الى ظاهرهما فإنه يجزيه الحجارة، فإن تجاوز ذلك فظهر على الأليتين وجب الماء عنده قولا واحدا» انتهى. و هو ظاهر فيما قلنا، و مما يدل على ما ذكرنا من أن مرادهم بالتعدي انما هو عن محل العادة استدلال المصنف في المعتبر على وجوب الماء في التعدي

قوله (عليه السلام):

«يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة»

و هو كالصريح فيما قلناه، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في أن مراد الأصحاب التعدي عن المحل المعتاد، نعم هل يراد به بحيث يخرج عن مسمى الاستنجاء أو لا بد من الماء و ان لم تخرج عن مسمى الاستنجاء فيكون الماء حينئذ طاهر قد سمعت من بعضهم دعوى اتحاد الأمرين، و أن المراد بالتعدي

ج 2، ص: 32

هنا هو المراد هناك، و هو الخروج عن مسمى الاستنجاء، و يمكن أن يقال بخلافه، كما يظهر من ملاحظة عباراتهم، و ذكرهم له بالخصوص، و عدم الاستدلال عليه بالخروج عن مسمى الاستنجاء ممن وقفت على كتبهم، بل العلامة في المنتهى أكثر من الأدلة الواهية جدا على المطلوب، و لم يذكر مثل ذلك فيها، و إلا كان عليه أن يذكره معتمدا عليه، ضرورة خروجه عن مسمى الاستنجاء، فلا تجزي الأحجار، لأن مشروعيتها فيه، على أن ذكرهم له في خصوص المقام يشعر بدخوله تحت اسم الاستنجاء، بل قد يومي الى ذلك أنه لم يذكر الأكثر هذا الشرط في ماء الاستنجاء، بل اشترطوا فيه أن لا تصيبه نجاسة من خارج، و ان لا يتغير أحد أوصافه، نعم نبه عليه بعض المتأخرين، و هو في غير محله ان أراد كونه شرطا لعدم دخوله تحت ماء الاستنجاء حينئذ، و قد عرفت أنه هنا اشترطه جمع من الأصحاب، بل نقل عليه الإجماع، بل يظهر من بعضهم أن دليله الإجماع، و ما ذاك إلا لدخوله تحت اسم الاستنجاء، و لا ينافيه المعنى اللغوي، و يزيد ذلك تأييدا استدلال كشف اللثام على استحباب الجمع بين الأحجار و الماء في المتعدي ب

قوله (عليه السلام)(1): «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء»

و ما يقال انه بناء على ذلك لم لا يزال بالأحجار، مع ان الأدلة مطلقة بالاستنجاء بها يدفعه أولا انصرافها الى الفرد الغالب المتعارف، و هو غير المتعدي محل العادة، و ثانيا الإجماع المنقول بل المحصل على أنه متى تجاوز المحل المعتاد تعين غسله بالماء.

لا يقال ان مقتضى الأول عدم طهارة الماء الذي يغسل به، لانصراف ما دل على طهارة ماء الاستنجاء إلى غيره أيضا، لأن الظاهر من الأصحاب في ذلك المقام الحكم بالطهارة حتى يتعدى تعديا يخرج به عن مسمى الاستنجاء فتأمل، ثم إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الخلوة- حديث- 4.

ج 2، ص: 33

تعدى الغائط التعدي الذي يعين الغسل بالماء فهل يسقط هناك الاستنجاء بالأحجار حتى في المحل المعتاد، أو يجوز إزالة المعتاد بالأحجار و الزائد بالماء؟ ظاهر عباراتهم الأول، لكن لا يبعد في النظر الثاني، فتأمل.

و إذا لم يتعد الغائط ذلك التعدي كان مخيرا بين الماء و الأحجار إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا، بل كاد يكون متواترا، و سنة كذلك، فما في بعض الروايات (1)من ظهور عدم الاجتزاء بالأحجار إما مطلقا أو مع وجود الماء مطرحة، أو محمولة على تأكد استحباب الماء، أو على تعدي الغائط، أو نحو ذلك.

و الاستنجاء بالماء أفضل للإجماع المنقول في كشف اللثام، و ل

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(2)لبعض نسائه: «مري نساء المدينة ان يستنجين بالماء و يبالغن، فإنها مطهرة للحواشي، و مذهبة للبواسير»

و

قوله (صلى الله عليه و آله) أيضا(3):

«إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء»

للإجماع على عدم العمل بالشرط، فيحمل حينئذ على الاستحباب، و ب

قوله (صلى الله عليه و آله) أيضا(4): «يا معشر الأنصار ان الله قد أحسن الثناء عليكم، فما ذا تصنعون، قالوا نستنجي بالماء»

و

قول الصادق (عليه السلام)(5): «كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار، ثم أحدث الوضوء، و هو خلق كريم، فأمر به رسول الله (صلى الله عليه و آله) و صنعه، فأنزل الله تعالى في كتابه (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)»

و ربما يشعر به

صحيحة زرارة(6)لقوله (عليه السلام) فيها: «و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار»

إلى غير ذلك من الأخبار، كل ذلك مع كونه أبلغ في التنظيف لإزالته العين و الأثر بخلاف الأحجار و لا ينافي الوجوب التخييري الاستحباب، كما لا تنافي الكراهة الوجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 34

لكون المراد بالأول أكثر ثوابا من الآخر، و بالثاني الأقل، كما بين في محله، و ربما أجيب بأن متعلق الوجوب الطبيعة، و الاستحباب الفرد، و ما يقال: ان المستحب ما جاز تركه لا إلى البدل، و الواجب ما لا يجوز تركه لا إلى بدل، فقد يجاب عنه بأن له اعتبارين، فمن حيث الاستحباب يجوز تركه لا إلى بدل عنه في ذلك، و من حيث الوجوب له بدل، أو يقال: انه لا معنى لأخذ البدلية في تعريف الواجب، بل هي مضادة لمعنى الوجوب، و حينئذ لا يكون الواجب الفرد بل الطبيعة، و هو مفهوم أحدهما، و لا ينافي ذلك استحباب خصوص الفرد، و ما يقال: ان الفرد متحد مع الطبيعة مدفوع بجواز اجتماع الوجوب و الندب باعتبارين، و إن كان لنا في ذلك بحث ليس المقام محل ذكره، و لعله يرجع الى ما ذكرنا أولا ما أجيب به هنا من أنه لا منافاة بين الوجوب لنفسه و استحبابه بالإضافة إلى الغير، كما لا منافاة بين الوجوب للنفس و الاستحباب للغير أو عكسه، كغسل الجنابة لأجل صلاة النافلة على القول بوجوبه لنفسه، و كالوضوء بالنسبة للفريضة فتأمل جيدا، و للبحث في ذلك محل آخر.

و الجمع بين الماء و الأحجار أكمل كما في التحرير و التذكرة، و قد يستظهر من الخلاف و المنتهى و المعتبر الإجماع عليه، و يدل عليه مضافا الى ذلك

المرسل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء»

و يؤيده من الاعتبار ما فيه من الجمع بين المطهرين، و الاستظهار بإزالة النجاسة مع ما فيه من حفظ اليد من الاستقذار، و بقاء الرائحة فيها، و لهذا و الخبر المتقدم ينبغي تقديم الأحجار و ان أطلق الحكم في كثير من عباراتهم، و ظاهر عبارة المصنف و ما ضاهاها كون الحكم المذكور في غير المتعدي، و صرح في المعتبر باستحباب الجمع و ان تعدى، بل يظهر من العلامة في القواعد اختصاص الحكم بالمتعدي، لقوله و الماء أفضل، كما ان الجمع أفضل في المتعدي، و يمكن رفع المنافاة بينهما أن الأفضلية غير الأكملية، فهو أكمل كما ذكره المصنف في غير المتعدي، و أفضل في المتعدي، إذ الكمال مرتبة ثانية في

ج 2، ص: 35

الفضيلة و على كل حال فأقامه الدليل من السنة على استحباب الجمع في المتعدي لا تخلو من إشكال، و احتمال التمسك بالمرسلة المتقدمة فهي- مع تسليم شمول اسم الاستنجاء للمتعدى- ظاهرة في غير المتعدي، لكونه الفرد الغالب، لكن أمر الاستحباب هين، و الله أعلم.

[في عدم كفاية الأقل من ثلاثة أحجار]
اشاره

و لا يجزي في الاستنجاء أقل من ثلاثة أحجار إذا لم يحصل النقاء به، بل و لا بالثلاثة فما زاد إذا كان كذلك إجماعا و قولا واحدا، فإطلاق ما دل على الاجتزاء بالثلاثة محمول على ما إذا حصل النقاء بها، كما يقضي بذلك حسنة ابن المغيرة(1)و خبر يونس (2)أما إذا حصل النقاء بالأقل فهل يجب الإكمال تعبدا أم لا؟ قولان، خيرة المصنف الأول، و به صرح في المعتبر و النافع و المنتهى و التحرير و الإرشاد و القواعد و جامع المقاصد، و هو ظاهر اللمعة، بل لعله ظاهر المقنعة كما في كشف اللثام، قال:

«و ان كان حدثه من الغائط استعمل ثلاثة، يأخذ واحدا فيمسح به موضع النجو، ثم يلقيه. ثم الثاني و الثالث كذلك، إلى أن قال: و لا يجوز له التطهير بحجر واحد» لكن عن السرائر عن المفيد عدم الوجوب، و في الخلاف و ان نقي بدون الثلاثة استعمل ثلاثة سنة، لكن استدل على ذلك ب

قوله (عليه السلام): «و ليمسح بثلاثة أحجار»

قال:

و ظاهره الوجوب، إلا أن يقوم دليل، انتهى. فيكون قرينة على إرادته من السنة الوجوب، و لعله حينئذ يحتمله ما عن النهاية، قال: «و إن نقي بواحدة استعمل الثلاثة سنة» و نحوه ما في الوسيلة، لكن قال: «و ان لم تزل بثلاثة استعمل حتى تزول فرضا» فمقابلته بالفرض يشعر أن مراده بالسنة الاستحباب، و كذلك ما عن المهذب، قال:

«ان نقي الموضع بواحدة فينبغي أن يستعمل آخرين سنة» و عن الغنية «و في السنة أن يكون بثلاثة إلا ان الماء أفضل» و في المبسوط «انه ان نقي بدون الثلاثة استعمل الثلاثة عبادة» و كيف كان فقد نقل أيضا عن ظاهر المراسم و الكافي و صريح السرائر و الذكرى


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.

ج 2، ص: 36

و الدروس و البيان، بل حكى جماعة عليه الشهرة، خلافا لجماعة من متأخري المتأخرين، فاختاروا العدم كصاحبي المدارك و الذخيرة و غيرهما، و هو المنقول عن المفيد و العلامة في المختلف، و ربما احتمله عبارة النهاية المتقدمة، و قد سمعت عبارة الوسيلة و المهذب و الغنية و المبسوط.

و على كل حال فحجة المشهور الأصل، و المناقشة فيه بأن الطهارة لغة النظافة و النزاهة، و ليس لها وضع شرعي بالنسبة إلى إزالة النجاسة، فهي في الحقيقة كألفاظ المعاملة و نحوها، و ما اعتبره الشارع في بعضها كالتطهير بالماء بالغسلتين و نحوه انما هو على وجه الشرطية، فيتجه حينئذ نفي ما شك فيه منها، و يكون الأصل في كل ما أزيل حسا أن يكون طاهرا شرعا، سيما بما علم من الشارع جعله مزيلا لها في الجملة، ففيها أولا عدم وجود لفظ التطهير بالحجر في المقام حتى يتمسك بما سمعت، و ثانيا لفظ الطهارة و إن لم يكن لها وضع شرعي إلا أن لها مرادا شرعيا غير المعنى اللغوي، كما يرشد اليه استعمال لفظ النجس الغير المستقذر شرعا، فالمراد من الطهارة حينئذ شرعا رفع المنع الشرعي، و هو لا يحصل العلم به إلا من قبل الشرع، فكل ما ثبت ممنوعية الصلاة فيه يستصحب بقاؤه حتى يعلم الرفع من الشرع، فتأمل و

قول أبي جعفر (عليه السلام)(1)في صحيح زرارة: «لا صلاة إلا بطهور، و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

فان قوله يجزيك يشعر بأنه أقل ما يجزيك، مضافا إلى

قوله (عليه السلام) بذلك جرت السنة من رسول الله (صلى الله عليه و آله)

و

قوله أيضا(2)في خبر زرارة: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان»

و

قوله (عليه السلام)(3)أيضا: «يجزي من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزي من البول إلا الماء»

لأن أقل الجمع ثلاثة، كالخبر المنقول عن

الخصال عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.

ج 2، ص: 37

علي بن الحسين (عليه السلام)(1)قال: «كان الناس يستنجون بالأحجار»

و في

خبر أبي خديجة(2)عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: «كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار»

و في

خبر جميل بن دراج (3)عنه (عليه السلام) أيضا «كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار»

و استدل الشيخ في الخلاف على اعتبار العدد ب

قوله (صلى الله عليه و آله)(4)«و ليستنج بثلاثة أحجار»

و الظاهر أنه رواية عامية، إذ لم أقف عليها من طرقنا، و مثلها ما

روي عن سلمان (رضي الله عنه)(5)عنه قال: «نهانا رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار»

و مما يؤيده أيضا انه لا ريب في بقاء الأجزاء الصغار المسماة بالأثر في لسانهم، فيستصحب حينئذ منعها من الصلاة حتى يثبت العفو عنها، و لم يثبت إلا بعد إمرار الثلاثة عليها و ان لم تقلعها، و أيضا من المعلوم انه لا يمكن العلم بنقاء المحل، بل المراد نقاء الحجارة التي تستعمل حتى تكون دليلا عليه، و هو في الحجر الواحد غير متحقق، لمباشرته أولا للنجاسة.

لكنك خبير بما في هذه الأدلة من الضعف، فإن الأصل مقطوع

بالحسن كالصحيح عن أبي الحسن (عليه السلام)(6)قال: قلت له: «للاستنجاء حد، قال: لا حتى ينقى ما ثمة»

الى آخره. و

خبر يونس بن يعقوب (7)قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط»

مضافا الى مطلقات المسح و الاستنجاء(8)إذ معنى الاستنجاء غسل محل النجو أو مسحه، و عن القاموس أن النجو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط، و استنجى أي غسل بالماء أو مسح بالحجر، و عن الجوهري استنجى


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
4- 4 المستدرك- الباب- 22- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
5- 5 المستدرك- الباب- 22- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الخلوة.

ج 2، ص: 38

أي غسل موضع النجو أو مسحه، مضافا الى استبعاد وجوب الإمرار تعبدا من غير فائدة أصلا، و ما يقال- ان رواية النقاء ظاهرة في الغسل بالماء لما علمت أن الحجر لا يحصل معه النقاء، مضافا الى قوله في ذيلها: «ينقى ما ثمة و يبقى الريح، فقال: الريح لا ينظر إليها» فإن جزمه بالنقاء و استشكاله بمجرد بقاء الريح الحاصلة من غير نجاسة ظاهر في ذلك- ممنوع، لأن بقاء تلك الأجزاء لا تمنع عن صدق اسم النقاء، بل سؤاله عن الريح كاد يكون ظاهرا في الاستنجاء بالحجر، لعدم بقاء الريح غالبا في الاستنجاء بالماء، و كذا ما يقال في الخبر الثاني: ان السؤال قد اشتمل على الوضوء الظاهر في الغسل، إذ اشتماله عليه لا يقضي بكون الجواب كذلك، خصوصا مع تغير جوابه (عليه السلام) حيث قال في البول: اغسله، و في الغائط أذهبه، و لو أراد (عليه السلام) الماء لقال:

اغسلهما، و أما الأخبار فمنها ما هو ظاهر في أن المراد بالأحجار الجنس في مقابلة الماء، و ما اشتمل فيها على العدد لا ظهور له في الوجوب.

و ما يقال: ان الروايتين العاميتين لا بأس بهما بعد انجبارهما بالشهرة فيه أنه مخالف لطريقة الأصحاب من الاعراض عن أخبارهم، بحيث لا تقومها الشهرة، إلا شهرة رواية الأصحاب له مع العمل به، و كذا ما يقال: أيضا ان تلك الأخبار و ان ضعف سندها و دلالتها لكنها أقوى مما ذكرت، لانجبارها بالشهرة فيه أن جملة من كلام المتقدمين من أصحابنا كاد يكون ظاهرا في عدم الوجوب، و قد سمعت عبارة الغنية، حيث قال: «و في السنة أن تكون ثلاثة إلا أن الماء أفضل، إلى أن قال: كل ذلك بدليل الإجماع» و أيضا قد يقال: ان الأخبار المشتملة على العدد لا حجة في مفهومها لكونها واردة مورد الغالب من عدم حصول النقاء إلا بذلك، و معارضته بأن هذا يرفع الوثوق بالاستدلال بالمطلق، لكونه أيضا منصرفا اليه يدفعها (أما أولا) فبإمكان الفرق بين الغلبة التي يضعف معها دلالة مثل هذا المفهوم، و بين الغلبة التي تصرف المطلق، فإنه مأخوذ في الثانية أن يكون ما عداها نادرا جدا بالنسبة للإطلاق، ألا ترى أن ندرة

ج 2، ص: 39

الوجود لا تقدح في تناول المطلق، بخلافها بالنسبة إلى المفهوم، (و ثانيا) بأنه قد يدعى ان ما نحن فيه من باب العام، إذ هو لعدم استقلال الجواب عن السؤال كان بمنزلة قوله لأحد للاستنجاء، كما هو واضح، على أنه كيف يدعى الندرة القادحة في خصوص المقام، مع أنه كان ذلك غالبا في أهل تلك النواحي، لحرارة أمزجتهم فكانوا يبعرون بعرا كما أشارت إليه بعض الأخبار(1)معللة ذلك بأنهم كانوا يأكلون البسر، فالحاصل دعوى الندرة التي تكون سببا لعدم العمل بالمطلق بإطلاقه ممنوعة أشد المنع، فتأمل.

و ربما يرشد إليه ما ستسمعه من أن المشهور بين القائلين بالتثليث الاجتزاء بالتوزيع و هو قاض بإزالة الحجر الواحد النجاسة، و لو لا مخافة خرق الإجماع المركب لأمكن القول و الجمع بين الروايات المنجبرة بالشهرة و بين الخبرين المذكورين بحصول الطهارة بالأقل و وجوب الإكمال تعبدا، بل يمكن حمل بعض روايات القدماء عليه، بل في جامع المقاصد بعد اختياره المشهور قال: «و هل الحكم بالطهارة موقوف على الإكمال أم الطهارة دائرة مع النقاء و الإكمال واجب؟ الظاهر الأول» انتهى. فان ترديده بين الأمرين ظاهر في عدم كونه مقطوعا به، و مما يمكن أن يؤيد به خلاف المشهور أيضا أن ما ذكروه من الروايات قد دخلها التأويل، و ذلك لأن المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل قد حكى في الخلاف و عن الغنية انه يكتفى بكل جسم طاهر قالع للنجاسة سواء كان حجرا أو غيره، بل يدل عليه مضافا إلى ذلك الروايتان المطلقتان (2)و

خبر ليث المرادي (3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود؟ فقال: أما العظم و الروث فطعام الجن»

و

خبر زرارة(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5 و الباب- 13 حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.

ج 2، ص: 40

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «كان الحسين بن علي (عليه السلام) يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغسل»

ك

خبره الآخر(1)«كان يستنجي من البول ثلاث مرات، و من الغائط بالمدر و الخرق»

لكن الاستدلال بهذه محتاج إلى التتميم بعدم القول بالفصل، و لم أعثر على مدعيه في المقام، بل استحسنه صاحب الذخيرة، سوى ما نقل عن المصابيح من دعواه، أو يقال: انه يفهم من ملاحظة جميعها جواز الاستنجاء بكل جسم مزيل، و عن سلار «أنه لا يجزي في الاستجمار إلا ما كان أصله الأرض».

و ربما ظهر من المنقول عن ابن البراج جواز استعمال الخرق و القطن إذا لم يتمكن من الأحجار، و يردهما ما سمعت من الأخبار، سيما قوله في خبر زرارة: انه (عليه السلام) كان يتمسح بالكرسف المعتضدة بالإجماعين المنقولين و فتوى المشهور، بل نسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم، مع ما في كلام سلار من الاجمال، و عن الشهيد في البيان أنه فسره بالأرض و ما ينبت فيها، و استحسنه، و كان ما نقل عن ابن الجنيد «اني لا اختار الاستنجاء بالآجر و الخرق إلا أن يلابسه طين أو تراب يابس» ليس صريحا في الخلاف و كذلك ما نقل عن السيد (رحمه الله) أنه قال: «يجوز الاستنجاء بالأحجار أو ما قام مقامها من المدر و الخرق و الخزف» إذ لعل المراد بقوله أو ما قام مقامها أي في الإزالة، لكن يظهر من بعضهم انه فهم منه المخالفة، و ربما أيد بأنه مقتضى الجمع بين الأخبار بحمل المطلق على المقيد، و فيه- مع ان الذي اشتملت عليه الروايات أزيد مما ذكره السيد- ان ما ذكرنا من الأخبار لا تقيد فيها حتى يحكم على المطلق، فإن روايتي الفعل عدم دلالتهما على التقييد واضحة، إذ فعلهم (عليهم السلام) قد يكون اتفاقيا، لأنها كانت متيسرة لهم، و كذلك خبر ليث، فان مفهومه دال على جواز الاستنجاء بالعود، و من العجب أن صاحب الحدائق توقف في الحكم قائلا أن إطلاق الروايتين يمكن تقييده


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.

ج 2، ص: 41

بخصوص الأفراد التي وردت بها النصوص، و الإجماع لا يخفى ما فيه، و أنت خبير بما فيه.

ثم اعلم ان الذي يقتضيه الأخذ بظاهر عباراتهم من قولهم كل جسم تعميم الحكم لأجزاء الإنسان نفسه و غيرها من يده و رجله و نحو ذلك، فيجزيه أن يمسح الغائط بأصابعه حتى ينقى، لكن للنظر فيه مجال، هذا. و قد عرفت انه مما يمكن أن يؤيد به خلاف المشهور أيضا، لشهرة الاجتزاء بالتوزيع عندهم، إذ هو في الحقيقة اكتفاء بالحجر الواحد، و ذلك لأن كل حجر طهر موضعه و لم يفده الحجر الثاني فائدة، فالمتجه بناء على وجوب التثليث ما ذكره المصنف من أنه يجب إمرار كل حجر على موضع النجاسة فلا يجزي التوزيع أي إمرار كل حجر على موضع من مواضع النجاسة، لكن المشهور خلافه، بل لم أعثر على موافق له صريح، سوى بعض متأخري المتأخرين، و قد صرح بالاجتزاء في المبسوط و المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و القواعد و المدارك و الذخيرة و عن الجامع و نهاية الأحكام و الذكرى و الدروس و البيان و شارح الدروس، بل قال في الذخيرة: ما حاصله ان نسبة العدم إلى بعض الفقهاء في كلام مثل العلامة المراد به أهل الخلاف، كما تشهد به الممارسة، قلت: كأنه لم يلحظ الشرائع، لكن نقل عن المفاتيح و شرحها للأستاد نسبة ما ذهب إليه المصنف إلى الشهرة، و لعلهما أخذاه من إطلاق بعض الفتاوى التمسح بثلاثة أحجار، و إلا فهو مشكل، لما عرفت.

و كيف كان فمستند المشهور صدق التمسح بثلاثة أحجار، إذ ليس في الأدلة ما يدل على اشتراط مباشرة كل حجر موضع النجاسة، كما ان مستند المصنف و من وافقه انه المتبادر من المسح بثلاثة، بل غيره من الأفراد النادرة التي لا ينصرف الإطلاق إليها، مع ان استصحاب النجاسة محكم، و عن بعضهم انه قال مؤيدا لما ذكره المصنف من ان هذا التوزيع لا يتحقق إلا بالحجرين، لأن الحجر الثالث لا بد أن يمسح بمجموع المحل حتى يعلم النقاء بلا شك، و أيضا المحل لا بد أن يتكرر على بعضه الحجران الأولان أيضا، لاستحالة زوال النجاسة عن أي بعض منه بمسح واحد منها بحيث لم يمسح عليه الآخر

ج 2، ص: 42

أصلا و مع ذلك يمسح مجموع المحل بهذا التوزيع، إذ لا شبهة في استحالته عادة، فلا بد ان يتكرر على ذلك البعض الأحجار الثلاث جميعا، و يتحقق فيه المسحات الثلاثة كملا، نعم شي ء من المحل يكتفى فيه بمسحين، مسح للإزالة، و مسح للاطلاع على الزوال، فما ذكر من التوزيع ليس إلا مجرد فرض لا مصداق له في الخارج، فلا معنى لحمل المطلقات عليه، انتهى. و فيه نظر من وجوه، يظهر بعضها مما قدمنا سابقا، و ان كان الأقوى بناء على وجوب التثليث عدم التوزيع، لأنه المتيقن و غيره مشكوك فيه و استصحاب النجاسة محكم، مع انه الظاهر من قوله (عليه السلام) ان يمسح العجان، فتأمل. و يكفي معه أي مع الاستنجاء بالحجر إزالة العين دون الأثر و قد تقدم الكلام فيه سابقا.

و إذا لم ينق بالثلاثة فلا بد من الزيادة حتى ينقى إجماعا محصلا و منقولا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك الروايتان المتقدمتان سابقا، نعم يستحب القطع على و تر ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1)«إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا»

و إطلاق الأخبار و الاكتفاء بالثلاثة منزل على الغالب و لو نقي بدونها أكملها وجوبا كما تقدم الكلام فيه و لا يكفي بناء على وجوب التثليث استعمال الحجر الواحد مثلا من ثلاث جهات كما هو ظاهر المقنعة و عن المصباح و صريح المعتبر و الروضة و المدارك و كشف اللثام و الحدائق و الرياض و كشف الغطاء، بل ربما كان ظاهر من اقتصر على التعبير بثلاثة أحجار كالخلاف و اللمعة و عن المراسم و الكافي و السرائر و غيرها، و الموجود في المبسوط «و الحجر إذا كانت له ثلاثة قرون فإنه يجزي عن ثلاثة أحجار عند بعض أصحابنا، و الأحوط اعتبار العدد، لظاهر الأخبار» انتهى. و عن شرح المفاتيح للمولى الأعظم نسبته إلى الشهرة، و ذهب العلامة في جملة من كتبه و جماعة من المتأخرين إلى الاجتزاء، و هو المنقول عن الإشارة و الجامع و المهذب، بل عن الروض نسبته إلى الشهرة.

(حجة الأول) الأصل، و ظاهر قولهم ثلاثة أحجار، (و حجة الثاني)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.

ج 2، ص: 43

ان المراد من ثلاثة أحجار ثلاثة مسحات، نحو قوله اضربه عشرة أسواط، و لأنها إن انفصلت أجزأت قطعا و كذا مع الاتصال، و

بالنبوي (1)«إذا جلس أحدكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات»

و بأنه يجوز الاستنجاء به لثلاثة و يعد بالنسبة إلى كل واحد منهم حجرا، فكذلك الواحد، و بان المقصود إزالة النجاسة و قد حصلت، و ربما أيد بالمطلقتين السابقتين، و بأنه إذا غسل أجزأ و ان تمسح بالجهة التي استنجى بها، فكذا قبل الغسل إذا تمسح بالباقيتين،(2).

و اعترض علي سائر هذه الأدلة بعض المتأخرين بما ليس خفيا على المستدل بها، بل المقصود منها حصول الظن ببقاء هذا الفرد على مقتضى إطلاق المعتبرتين المتضمنتين للاكتفاء بالنقاء و حصول الإذهاب، و ذلك بان يقال: ان مقتضاهما الاجتزاء بكل ما يحصل به النقاء و الإذهاب، إلا انه لمكان بعض الأخبار المنجبرة بفهم المشهور، و هي قوله (عليه السلام) جرت السنة و نحوها خالفنا بعض مقتضاها، فيبقى غيره داخلا، إذ

قوله: (عليه السلام) «يجزيك من الاستنجاء بثلاثة أحجار»

يقتضي بظاهره أمورا، منها تعدد المسح، و منها تعدد الممسوح به، و منها كونه بالحجر لا بغيره، و منها كون الممسوح به منفصلا بعضه عن بعض، (أما الأول) فيمكن القول به و ان حصل النقاء بدونه، لمكان انجبار الرواية بما سمعت سابقا من الشهرة، و مثله الثاني دون الثالث لما سمعت من دعوى الشهرة بل الإجماع على الاجتزاء بكل جسم، (و أما الرابع) فكذلك لمكان الشهرة المنقولة عن الروض، و استبعاد الفرق بين الاتصال و الانفصال، بل


1- 1 ما وجدناه في كتب الأخبار.
2- 2 و الظاهر أن العمدة في الاستدلال على الاجتزاء بذي الشعب انما هو القطع العادي بعدم الفرق بين الاتصال و الانفصال بالنسبة إلى الطهارة، و ما يقال: ان الفارق النص، و ان الغالب في العبادات خصوصا الطهارة رعاية جانب التعبد فيه ان الغالب خلافه، كما لا يخفى على من لاحظ باب التراوح و غيره. منه رحمه الله.

ج 2، ص: 44

في المختلف أى عاقل يفرق بين كونه متصلا و منفصلا، و للاجتزاء به بالنسبة إلى الأشخاص، و كذا بعد غسله على الأقوى، و لظهور الحكمة من القصد في الاستنجاء الإزالة، و للاجتزاء بالخرقة المستطيلة جدا، كما قطع به بعض من لا يجتزي بذي الشعب و خبر المسحات و نحو ذلك من الأشياء المفيدة للظن ببقائه على مقتضى الإطلاق، لا أقل من حصول الشك للفقيه بالاحتراز عن مثل هذا الفرد بقوله ثلاثة أحجار، على انا نرى ان السيد إذا قال لعبده امسح هذا بثلاثة أحجار فمسحه بحجر واحد من ثلاث جهات يعدونه ممتثلا، لا لأن اللفظ شامل له حقيقة، بل للقطع بأن مقصود السيد من المسح بثلاثة أحجار انما هو المسح بثلاثة مما يمسح به من الحجر، فتأمل جيدا.

على ان الذي يستفاد منه عدم الاجتزاء بذي الشعب من قوله ثلاثة أحجار انما هو لفظ الأحجار لا الثلاثة، فإنه لو قال بثلاثة أشياء أو أجسام أو نحو ذلك لشمله، و قد عرفت انهما من باب المثال، للإجماع المنقول على الاجتزاء بكل جسم مزيل للعين، و ما عساه يقال: ان مثاليتها انما هو بالنسبة للحجرية دون ما يفهم منها من كونه قطعا متمايزة فيه ان الظاهر بعد فرض كونها مثالا لسائر الأجسام لا ظهور فيها بإرادة كونها قطعا متعددة كما لا يخفى، و إن شئت فافرض صدور هذا الاستعمال منك بعد إرادتك بالأحجار مثالا لمطلق الأجسام، أ ترى أنه يخطر لك ببال خروج ذي الشعب عنه، كلا ان دعوى ذلك مكابرة، و أيضا قد يقال: ان ما ادعوه سابقا من الإجماع على الاجتزاء بكل جسم يشمل ما نحن فيه، بل قد عرفت ما في أخبار التثليث من الضعف في الدلالة المحتاج إلى الجابر و هو بهذا المعنى مفقود، و ما ادعاه بعض متأخري المتأخرين من دعوى الشهرة على عدم الاجتزاء بذي الشعب لا يخلو من مناقشة، و لعله أخذه من التعبير للبعض بالثلاثة أحجار، و هو مع تسليمه لا يبلغ حد الشهرة، و كيف كان فلا يخلو القول بالاجتزاء بذي الشعب بناء على القول بالتثليث من قوة، كما أنه لا يخفى عليك ما يظهر من ملاحظة كلامهم هنا، و في مسألة التوزيع و في مسألة الاجتزاء بكل جسم من التأييد لما قد تقدم

ج 2، ص: 45

سابقا من الاجتزاء بالحجر الواحد إذا حصل به النقاء، إذ يعلم منه عدم الجمود على ظاهر تلك الروايات، فتأمل جيدا.

و ينبغي التنبيه لأمور
(منها)

انه بناء على الاجتزاء بذي الشعب فهل المدار على المسحات من دون فرق بين اتحاد الممسوح به و تعدده، كما لو مسح بحجر ثم غسله ثم مسح به ثم غسله ثم مسح به، بناء على عدم اشتراط البكارة، أو لا بد من تعدد محل ما يمسح به؟

يظهر من بعضهم الأول، لتأويلهم الأحجار بالمسحات، و يحتمل قويا الثاني، و لا ريب في عدم الاكتفاء به بناء على القول بعدم الاجتزاء بذي الشعب، لعدم صدق الاستنجاء بثلاثة أحجار، و إن ساغ له استعماله بالنسبة إلى استنجاء آخر، و بالنسبة إلى شخص آخر بناء على عدم اشتراط البكارة، فهو قابل للتطهير غير قابل له.

(و منها)

ان المتجه بناء على عدم الاجتزاء بذي الشعب عدم الاكتفاء بالخرقة المتجاوزة في الطول و لا بالخرقة المطبقة طبقات إلا بعد تقطيعها قطعا، و كذلك الخرقة الثخينة التي لا تنفذ النجاسة من جهتها الأخرى، فإنه لا يجوز استعمال تلك الجهة في ذلك الاستنجاء، و قد التزم المحقق في المعتبر بعدم الاجتزاء بالطويلة إلا بعد تقطيعها، و فيه من الجمود مالا يخفى، و من جهة ما فيه من الاستبشاع قال في المدارك بعد ان اختار عدم الاجتزاء بذي الشعب:

«و ينبغي القطع بإجزاء الخرقة الطويلة إذا استعملت من جهاتها الثلاث، تمسكا بالعموم» انتهى. و الظاهر أن مراده بالعموم انما هو الإطلاق المتقدم في حسنة ابن المغيرة و نحوه، و حينئذ فإن كان مراده انه ينبغي الاقتصار على ذلك التثليث بالنسبة للأحجار، لأنه الوارد في الأخبار، ففيه مع عدم ظهور قائل بالفصل انه لا ينبغي التقييد بكونها طويلة، و ان كان يريد بقاءها داخلة تحت الإطلاق لطولها ففيه أنه لا فرق بين الأحجار و الخرق، فينبغي أن يلتزم بجواز الاستنجاء بذي الشعب إذا كان طويلا، و لعله يلتزم بذلك.

(و منها)

ان من قال بالاقتصار على العدد و عدم الاجتزاء بذي الشعب يريد بذلك بالنسبة إلى الثلاثة خاصة على الظاهر، أما إذا لم ينق بها فيجتزى بالزائد عليها و إن كان

ج 2، ص: 46

بالشعب، لكنه لا يخلو من اشكال.

(و منها)

ان الظاهر الاكتفاء بذي الشعب إذا استنجى بالشعبة ثم كسرها و استنجى بالثانية و هكذا، و فيه إشكال، للشك في صدق الأحجار، على أنه من الأفراد النادرة مضافا الى ما فيه من إشكال صدق البكارة، كما تسمع إن شاء الله تعالى، و أنت إذا أحطت خبرا بأطراف المسألة تكاد تقطع بالاجتزاء بذي الشعب، و ان ما ذكروه هنا من الجمود الغير المستحسن.

[في جواز استعمال الحجر المستعمل و عدمه]

و لا يستعمل في الاستنجاء سواء كان للإزالة أو التعبد بناء على وجوبه الحجر و نحوه المستعمل في الاستنجاء النقائي أو التعبدي، كما هو ظاهر القواعد و النافع و عن الوسيلة و النهاية و المهذب، و نقله في كشف اللثام عن ظاهر الجامع و الإصباح، و اختاره شيخنا في كشف الغطاء، و مقتضى ذلك عدم جواز الاستنجاء بالمستعمل و إن لم يحصل له من الاستعمال نجاسة، كما إذا كان مستعملا بعد حصول النقاء، و لا ينفعه الغسل، لأن أقصى ما ثبت من الشرع أن الغسل بالماء يزيل النجاسة، لا أنه يزيل صفة الاستعمال، فإنه على كل حال يصدق عليه أنه مستعمل و لو غسل مرات متعددة، و لا فرق عندهم في عدم جواز الاستنجاء به بين الإزالة و التطهير، بل لا يبعد أنه لا فرق في المستعمل بين كونه مستعملا في الاستنجاء أو في التطهير للقدم و النعل و نحو ذلك و إن لم يتنجس، كما إذا كان مستعملا في إزالة النجاسة الحكمية، لصدق اسم المستعمل عليه، و قضاء ما تسمعه من الدليل به، نعم الظاهر انهم يقصرون الحكم على المستعمل في النجاسة الخبثية، دون المستعمل في الطهارة الحدثية كالمتيمم به، بل و دون المستعمل استحبابا في النجاسة الخبثية، كالأحجار المستعملة في الاستنجاء استحبابا بعد زوال العين على القول به، أو الوتر التي يستحب القطع عليها، و إن كان ظاهر لفظ المستعمل الشمول، سيما للأول.

و كيف كان فأقصى ما يستدل به على ذلك الأصل، و

المرسل عن الصادق (عليه

ج 2، ص: 47

السلام) «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء»(1)

المؤيد بأن المستعمل من الأفراد الخفية، فلا تشمله الإطلاقات، و في الجميع نظر واضح، و من هنا صرح بعض المتأخرين كالمحقق الثاني و غيره بجواز استعمال المستعمل إذا لم يكن عليه نجاسة، كما إذا كان مستعملا بعد زوال العين، أو كانت و غسلت، بل هو قضية كلام المصنف في المعتبر، بل هو المنقول عن ابن إدريس أيضا، بل قد يقال: انه ظاهر المعظم، لاقتصارهم على اشتراط الطهارة، بل في الغنية ما نصه يجزي الأحجار مع وجود الماء، أو ما يقوم مقامها من الجامد الطاهر المزيل للعين، سوى المطعوم و العظم و الروث، إلى أن قال: و يدل على جميع ذلك الإجماع المشار اليه، بل قد صرح جملة من الأصحاب بجواز الاستنجاء بالمتنجس بالاستنجاء بعد غسله و تطهيره، بل في المصابيح و لو طهر المتنجس بالاستنجاء أو غيره جاز استعماله إجماعا، بل قد يستدل عليه بالعموم الواقع لهم في غير المقام من جواز الاستنجاء بكل جسم طاهر، بل ربما نقل الإجماع عليه، كما أنه نسب إلى أكثر أهل العلم، و كونه مساقا للرد على مشترط الأحجار لا يقتضي اختصاصا، بل قال في المنتهى: يجوز استعمال كل جامد طاهر إلا ما نستثنيه، و هو قول أكثر أهل العلم، و لم يستثن المستعمل فيما استثني، نعم استثني النجس، بل قد يقال: انه لا خلاف فيه على أن يراد بالمستعمل في كلام من لم يعطف النجس عليه المتنجس، كما هو الغالب المعتاد، بل في كلام من عطفه عليه أيضا، كالمصنف و العلامة المتنجس بالاستنجاء و بالنجس المتنجس بغيره، بل قد يقال في عبارة المصنف و إن كان بعيدا: ان المراد بالمستعمل فيها المتنجس بالعارض، و بالأعيان النجسة ما كانت نجاستها ذاتية، فتكون المسألة خالية عن المخالف.

و يؤيده ما يظهر من المصنف في المعتبر، فإنه قال: و أما الحجر المستعمل فمرادنا بالمنع الاستنجاء به بموضع النجاسة، و أما لو كسر و استعمل المحل الطاهر منه جاز،


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.

ج 2، ص: 48

و كذا لو أزيلت النجاسة بغسل أو غيره، كالتذكرة، و يشترط في الحجر أن لا يكون مستعملا لنجاسة المستعمل الى آخره، و مع ذلك كله يدل عليه إطلاق أخبار الأحجار و غيرها، من قوله يذهب الغائط، و لا حد للاستنجاء حتى ينقى ما ثمة، فينقطع الأصل، و خبر الابكار مع كونه مقطوعا، و لا شهرة تجبره، و لا دلالة فيه على الوجوب محتمل لأن يراد بالأبكار الطاهرة، فما سمعته من شيخنا في كشف الغطاء من اختياره الأول قد يقوى في النظر خلافه، بل قد صرح (سلمه الله تعالى) بعدم جواز المستعمل و إن غسل، و قد عرفت نقل الإجماع و نفي الخلاف فيه، و الله أعلم.

[في عدم جواز الاستنجاء بالأعيان النجسة و العظم و الروث]

و لا الأعيان النجسة أي المتنجسة و لو بغير الاستعمال إجماعا، كما في المنتهى و التحرير و الغنية، مضافا الى الأصل، و رواية الأبكار المنجبرة بما سمعت، فلا ينبغي الإشكال فيه، نعم لو استجمر به فهل يتعين حينئذ الماء اقتصارا على المتيقن مع كون ذلك من الأفراد الخفية، أو يبقى على الحال الأول لأن المحل النجس لا يتأثر بالنجاسة، أو يفرق بين ما كان متنجسا بالغائط أو بغيره، فان كان الأول يبقى على الحال الأول، و إلا يتعين الماء؟ وجوه، أقواها الأول.

و لا الروث و إن كان طاهرا و لا العظم كذلك بلا خلاف أجده، بل عليه في المعتبر و عن ظاهر الغنية و صريح المصابيح دعوى الإجماع، و نسبه في المنتهى إلى علمائنا، و عدم التعرض لهما في الوسيلة و المراسم على ما قيل و للأول في المبسوط مع عد الثاني مما لا يزيل عين النجاسة ليس خلافا، كما أن احتمال الكراهة في التذكرة و الحكم بها في الوسائل غير قادح في الإجماع، فلا ضير في الاستناد إليه مع الاستصحاب، و

خبر ليث المرادي عن الصادق (عليه السلام)(1)«سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود؟ فقال: أما العظم و الروث فطعام الجن و ذلك مما اشترطوا على


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 49

رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال لا يصلح بشي ء من ذلك»

و

عن الفقيه (1)انه قال: «لا يجوز الاستنجاء بالروث و العظم لأن وفد الجان جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: يا رسول الله متعنا. فأعطاهم الروث و العظم. فلذلك لا ينبغي ان يستنجى بهما»

و عن كتاب

دعائم الإسلام (2)قالوا: «نهوا (عليهم السلام) عن الاستنجاء بالعظام و البعر و كل طعام»

و عن

مجالس الصدوق (3)«ان النبي (صلى الله عليه و آله) نهى أن يستنجى بالروث و الرمة أي العظم البالي»

بل يؤيده ما رواه

العامة(4)عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «لا تستنجوا بالروث و لا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن»

و عن

الدار قطني (5)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) نهى أن يستنجى بروث أو عظم، و قال: انهما لا يطهران»

و عن

أبي داود(6)عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال لرويفعة بنت ثابت: «أخبري الناس أنه من استنجى برجيع أو عظم فهو بري ء من محمد»

بل في الخلاف

روى سلمان (7)قال: «أمرنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن نستنجي بثلاثة أحجار و ليس فيها رجيع و لا عظم»

و الضعف في سند أخبارنا، أو في دلالتها لمكان لفظ لا ينبغي و نحوه منجبر بعمل الأصحاب في المقام، بل يظهر منهم عند الاستدلال على حرمة الاستنجاء بالمطعوم أنه من المسلمات، حيث يأخذونه دليلا عليه، لكن ظاهر النص و الفتوى تخصيص الحكم بما سمي روثا، و هو رجيع ذات الحافر من الخيل و البغال و الحمير و نحوها. فرجيع ذات الظلف و الخف خارج،


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
2- 2 المستدرك- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
4- 4 كنز العمال- المجلد 5 ص 85 الرقم 1788.
5- 5 المنتقى لابن تيمية على هامش نيل الأوطار للشوكانى المجلد 1 ص 84.
6- 6 سنن البيهقي المجلد 1 ص 110- مع اختلاف في اللفظ.
7- 7 سنن ابن ماجه المجلد- 1- باب الاستنجاء بالحجارة و النهي عن الروث و الرمة.

ج 2، ص: 50

فيجوز الاستنجاء به حينئذ، لما تقدم من جوازه بكل جسم، بل قد يشعر بذلك ما في خبر ليث، حيث سأله عن البعر، فعدل عنه في الجواب و عبر بالروث، و لفظ البعر في المنقول عن دعائم الإسلام محمول على الروث، لعدم الجابر له على إطلاقه، كلفظ الرجيع في رواية الخلاف المصرح بأنه الروث في القاموس و الصحاح، على انها عامية، و التعليل بكونه طعام الجن يحتمل أن يكون لخوف الظلم و الأذية لهم، أو يكون من جهة الشرفية الحاصلة له، فيحرم الاستنجاء به، و إن لم يتنجس على الثاني، بخلاف الأول لعدم تنجسه، لكن لا مانع من جعل وجه التعليل الأمرين معا، و لا فرق في العظم بين عظم مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم، و دعوى أن الجن حكمهم متفق مع الانس، فكما أن غير مأكول اللحم محرم على الانس، فكذلك الجن يدفعها عدم معلومية الاتفاق أولا، و عدم معلومية كيفية تغذيهم به هل هو على طريق الشم أو غيره ثانيا، ثم انه يفهم من التعليل جريان الحكم بالنسبة إلى مطلق التنجيس و التقدير و الإلقاء في الخلوات و نحو ذلك، لكن لما لم يجبره عمل الأصحاب بقي على أصل الإباحة، إذ الظاهر منهم قصر الحكم على الاستنجائية.

[في عدم جواز الاستنجاء بالمطعوم]

و لا المطعوم كما ذكره جماعة من أصحابنا، بل نسبه في المنتهى إلى علمائنا، كما عن ظاهر الغنية و الروض الإجماع عليه، بل ربما ظهر من غيرهما ذلك، و هو الحجة، مضافا إلى ما تقدم في خبر الدعائم، و فحوى النهي عن الروث و العظم لكونه من طعام الجن، مع ما دل من الأخبار على احترامه، ك

خبر الثرثار(1)فإنه روي «أنهم جعلوا من طعامهم شبه السبائك ينجون صبيانهم، فغضب الله عليهم حتى أحوجهم إلى تلك السبائك، فقسموها بينهم بالوزن»

و عن

تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى (2)


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 سورة النحل الآية- 113.

ج 2، ص: 51

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها) الى آخره «أنها نزلت في قوم كان لهم الثرثار، و كانت بلادهم خصبة، فبطروا حتى كانوا يستنجون بالعجين، و يقولون هو ألين لنا فكفروا بأنعم الله فحبس الله عليهم الثرثار، فجدبوا حتى أحوجهم إلى ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمونه»(1)

و يظهر من بعض الأصحاب تخصيص الحكم بالمحترم و هو قاض بان منه محترما و غير محترم، بل عن بعضهم تخصيص الحكم بالخبز، لكن الذي يظهر من الأصحاب و هذه الآية و التعليل بكونه طعام الجن ثبوت الاحترام لكل نعم الله من المطعومات، و في

خبر هشام بن سالم (2)سأله «عن صاحب له فلاح يكون على سطحه الحنطة و الشعير، فيطؤونه و يصلون عليه، فغضب (عليه السلام) و قال: لو لا أني أرى أنه من أصحابنا للعنته»

و

قوله (ع) في خبر عمرو بن جميع(3): «دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) فرأى كسرة كاد أن يطأها، فأخذها و أكلها، ثم قال:

يا حميرا أكرمي جوار نعم الله عز و جل عليك، فإنها لم تنفر عن قوم فكادت تعود إليهم»

نعم لا يبعد عدم ثبوت الاحترام بالنسبة إلى بعض المطعومات الغير المعتادة كبعض البقول، بل الإنصاف ان بعضا من المعتاد كاللحم و نحوه ليس مبنيا على الاحترام، و الحاصل كل ما ثبت فيه جهة احترام من الشرع جرى عليه الحكم و ان لم يكن مطعوما بالفعل، بل قد عرفت دعوى الإجماع على المطعوم من غير استثناء، و لا فرق في عدم جواز الاستنجاء به بين الإزالة للنجاسة أو التطهير الشرعي. ثم أنه يفهم من كثير من الأصحاب بل لم أعثر فيه على مخالف جريان الحكم في كل محترم، كالتربة الحسينية و غيرها و ما كتب اسم الله و الأنبياء و الأئمة أو شي ء من كتاب الله عليه، بل قد يلحق به كتب الفقه و الحديث


1- 1 تفسير الصافي- سورة النحل- الآية 113.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب آداب المائدة- حديث 3 من كتاب الأطعمة.
3- 3 الوسائل- الباب- 76- من أبواب آداب المائدة- حديث 4 من كتاب الأطعمة.

ج 2، ص: 52

و نحوها، بل قد يتمشى الحكم في المأخوذ من قبور الأئمة من تراب أو صدوق أو غيره، بل قد يلحق بذلك المأخوذ من قبور الشهداء و العلماء بقصد التبرك و الاستشفاء دون مالا يقصد، إذ الأشياء منها ما ثبت وجوب احترامها من غير دخل للقصد فيه، و منها ما لا يثبت له جهة الاحترام إلا بقصد أخذه متبركا به أو مستشفيا به، و منها ما يؤخذ من الإناء من طين كربلاء و غيرها، فإنه لا يجري عليه الحكم إلا إذا أخذ بقصد الاستشفاء و التعظيم و التبرك، لكن هل استمرار القصد شرط في ذلك أو يكفي تحقق القصد أولا؟

إشكال، هذا.

و لا يخفى عليك أنه لا يليق بالفقيه الممارس لطريقة الشرع العارف للسانه ان يتطلب الدليل على كل شي ء شي ء بخصوصه من رواية خاصة و نحوها، بل يكتفي بالاستدلال على جميع ذلك بما دل (1)على تعظيم شعائر الله، و بظاهر طريقة الشرع المعلومة لدى كل أحد، أ ترى أنه يليق به أن يتطلب رواية على عدم جواز الاستنجاء بشي ء من كتاب الله.

ثم ليعلم ان ما ذكرنا من حرمة الاستنجاء بالمحترم انما هو حيث لا يكون مع قصد الإهانة، و إلا فقد يصل فاعله بالنسبة الى بعض الأشياء إلى حد الكفر و العياذ بالله، و الضابط أن كل مستحل مما علم تحريمه من الدين ضرورة، أو فعله بقصد التكبر و العناد أو الفسق و إن لم يكن مستحلا تحقق به الكفر، فيكون بخسا ذاتيا، فلا يفيده الاستنجاء طهارة، فإن عاد إلى الإسلام وجب إعادة الاستنجاء، لا يقال: الإسلام من جملة المطهرات، فلا حاجة الى إعادة الاستنجاء، لأنا نقول: ان أقصى ما ثبت أن الإسلام مطهر من النجاسة الكفرية دون غيرها، نعم قد يقال: بحصول الطهارة لما تنجس من بدنه و نحوه إذا كان قد أزالها على نحو إزالة المسلم، أو لم يعلم كيف أزالها، أما لو علم بالإزالة الفاسدة فلا يجزي الحكم، و القول بحصول الطهارة له حيث يستنجي


1- 1 سورة الحج- الآية 33.

ج 2، ص: 53

بما تقدم من تلك النجاسة و إن ثبت له النجاسة العينية بعيد، و كيف و من شرط التطهر بالاستنجاء بالأحجار ان لا يتنجس الحجر بغير النجاسة الحاصلة من الاستجمار، و الفرض انه تنجس بمماسته لبدن الكافر، و ما عساه يقال:- ان سائر الذوات النجسة عينا لو أصابتها نجاسة خارجية فهي لا تتصف بالتنجيس، نعم يدور الحكم مدار وجود عينها، فالكلب لا يتنجس بالدم مثلا، حتى إذا زال الدم عنه يبقى حكمه، فالمدار على زوال عين النجاسة الخارجة عنها- فيه أنه على تقدير تسليمه لا يتمشى فيما نحن فيه من الكافر، لتكليفه بالفروع، فإذا أصابته نجاسة فهو مكلف بإزالتها على الوجه الشرعي، و خبر الجب لم يعلم إرادة ما يشمل ذلك فيه مع أنه غير جامع لشرائط الحجية، فلا ريب أن القاعدة تقتضي إعادة الاستنجاء، و لا دليل يخرج عنها، و لا يمكن دعوى السيرة الصالحة للاستدلال بها في المقام، لكن و مع ذا و المسألة لا تخلو من تأمل، بل للبحث فيها مقامات، تركناه خوف الإطالة و الملل.

[في عدم كفاية الاستنجاء بالصيقل]

و لا صيقل يزلق عن النجاسة لملاسته فلا يزيلها، و حينئذ فاشتراطه واضح، أما لو اتفق القلع به فلم أعثر على ما يقتضي عدمه، و ما ذكروه من التعليل انما هو خاص بالأول، و لذا صرح بعضهم بالاجتزاء به، نعم عن العلامة في النهاية عدم الاجتزاء، و كأنه لكونه من الأفراد النادرة التي لا تشملها الإطلاقات، و فيه منع واضح، و على تقدير تسليمه في الإطلاقات فما ذكروه من الإجماع المنقول على الاجتزاء بكل جسم طاهر مزيل للنجاسة كاف، و ما عساه يقال: ان ظاهر المشترطين لذلك يقضي بعدم جواز الاستنجاء به و إن قلع، و إلا لم يكن وجه صحيح للتعرض له، لأنه مع عدم الإزالة لا إشكال في عدم الاجتزاء به، فلا يناسب عده في تلك الأشياء، ففيه أنه لا يخفى على الملاحظ لما ذكروه من الاستدلال عليه من عدم الإزالة و نحوها أنه ذكر لهذا القصد، و إلا كانوا مطالبين بدليله، فالأقوى حينئذ الاجتزاء به لو اتفق القلع به و لو نادرا، فحينئذ لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بامراره لو نقي المحل بدونه، و ما يقال:

ج 2، ص: 54

انه يشترط فيها و إن لم يكن نجاسة أن تكون قابلة للقلع لو كانت في غاية الضعف، إذ لا دليل يقتضيه، بل هو يقتضي عدمه.

و لو استعمل شيئا من ذلك لم يطهر قطعا في غير العظم و الروث و المطعوم و المحترم، و أما المستعمل بالمعنى السابق فهو مبني على القول باشتراطه، و قد صرح بعدم حصول الطهارة في المبسوط و المعتبر كما عن ابن إدريس، بل ربما نقل عن المرتضى، قال في الأول: «كل ما قلنا لا يجوز استعماله لحرمته أو لكونه نجسا ان استعمل في ذلك و نقي به الموضع لا يجزي، لأنه منهي عنه، و النهي يقتضي الفساد» انتهى. خلافا للعلامة و جمع من المتأخرين، فصرحوا بالاجتزاء، و أقصى ما يمكن الاستدلال به للأول الأصل، و عدم شمول ما دل على الاستنجاء لما نهى الشارع عنه، و لا أقل من إفادته الأذن التي لا تشمل المنهي عنه، و

قوله (صلى الله عليه و آله)(1)في العظم و الروث: (لا يصلح)

الظاهر في عدم حصول الطهارة المؤيد بالرواية العامية أنهما لا يطهران، بل ربما يقال:

بشموله للمحترم أيضا، لكون الظاهر من التعليل الاحترام، مضافا إلى ما نقل عن الغنية من الإجماع على عدم الاجتزاء بالروث و العظم و المطعوم، بل قيل أنه إن ثبت هذا الإجماع يثبت في سائر المحترم بطريق أولى.

و أقصى ما يمكن أن يستدل به للثاني تناول الإطلاقات و العمومات، و النهي لا يقتضي الفساد في مثل، المقام، لكونه من قبيل المعاملات، و دعوى عدم تناولها له لاستفادة الإذن منها، فلا تشمل المنهي عنه يدفعها أن الحكم الوضعي المستفاد منها شامل للجميع، على أن الاستفادة ليس من المدلول في شي ء، و على تقديره فلا

دلالة فيها على شرطية الاذن بالنسبة للطهارة، و لعل الأقوى التفصيل بين ما نهي عن الاستنجاء به كالعظم و الروث، فانا و إن لم نقل باقتضاء الفساد في مثله عقلا، لكن نقول باستفادته


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 55

عرفا كما لا يخفى، إذ هو كالنهي عن نفس المعاملة و نحوه مما يستفاد منه عدم ترتب الأثر عليه، بل قوله (لا يصلح) ظاهر في عدم ترتب الأثر الشرعي عليه، و بين ما لم ينه عن الاستنجاء به، بل جائت حرمة الاستنجاء به لأمر خارج مثل المحرمات، فإنه لا نهي عن الاستنجاء بها، لكنه يحصل الحرمة من جهة منافاته للاحترام المأمور به، فحالها كحال الحجر المغصوب و نحوه، و ما يقال: من استفادة ذلك من التعليل في العظم و الروث فيه أنه لم يعلم أن العلة في عدم الطهارة الاحترام حتى تتسرى، مضافا الى أنه ضعيف السند، و لا جابر له في مثل المقام، بخلافه في مثل العظم و الروث، فإنه مجبور بإجماع الغنية و غيره، نعم قد يلحق به المطعوم أيضا لذلك، و أما المحترمات الأخر فمن استنجى بها جاهلا أو ناسيا أو نحو ذلك طهر، و لا حرمة، بل العامد كذلك لكن مع الحرمة، فتأمل هذا. و اعتبر في محكي المنتهى و التذكرة و صفا آخر، و هو الجفاف، لأن الرطب ينجس بالغائط، ثم يعود الى المحل فينجسه، و لأنه مزيد التلوث و الانتشار، و كذا عن نهاية الأحكام، مع احتماله فيه العدم، لاحتمال أنه لا ينجس البلل إلا بعد الانفصال، و عن الذكرى لذلك و لكون نجاسته من نجاسة المحل، و هذا كله في رطب لا يوجب التعدي الموجب للاستنجاء.

[الثالث في سنن الخلوة]
اشاره

الثالث في سنن الخلوة و هي مندوبات و مكروهات،

[أما المندوبات]

فمن المندوبات تغطية الرأس كما في الهداية و المقنعة و المبسوط و المعتبر و القواعد و الإرشاد و الذكرى و الروض و المدارك و كشف اللثام و غيرها، بل في المعتبر و الذكرى الاتفاق عليه، و عن الفقيه تعليله بالإقرار بأنه غير مبرء نفسه من العيوب، و في المقنعة(1)أنه سنة من سنن النبي (صلى الله عليه و آله) و ليأمن بذلك من عبث الشيطان، و من وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه، و فيه إظهار الحياء من الله


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 56

تعالى لكثرة نعمه على العبد، و قلة الشكر منه، بل قد يستدل عليه ب

خبر علي بن أسباط(1)أو رجل عنه عمن رواه عن الصادق (عليه السلام) «أنه كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه، و يقول سرا في نفسه بسم الله و بالله»

الى آخره و بالمروي

عن المجالس (2)بإسناده عن أبي ذر عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في وصيته له قال: «يا أبا ذر استحي من الله، فاني و الذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي»

لكن قد يقال: ان المستفاد منهما استحباب التقنع، و لعله غير التغطية، بل هو الظاهر من جماعة، لذكرهم له مستقلا عنها، إلا أنه قد يشعر كلام المفيد و الصدوق بإرادة التقنع من التغطية، و الأقوى ثبوت الاستحباب لهما معا، أما التغطية فلما سمعت، و أما التقنع فلما

روي عن الصادق (عليه السلام) «أنه كان يقنع رأسه إذا دخل الخلاء»

نعم حيث يحصل التقنع يكتفى به عن التغطية، بل قد يقال:

ان المراد بالرأس في المقام رأس القصاص، فيكون تغطيته عين التقنع، فلا خلاف حينئذ، لكنه لا يخلو من بعد، و قد يظهر من بعضهم ثبوت الكراهة لمكشوف الرأس، قلت: لكن ترتفع حينئذ بستر بعضه و إن لم يحصل استحباب التغطية، لتوقفها عليه جميعه، فتأمل.

و التسمية اتفاقا كما في المعتبر، و هو الحجة، مضافا إلى ما تقدم من خبر علي بن أسباط، و في

صحيح معاوية بن عمار(3)سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا دخلت المخرج فقل بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، و إذا خرجت فقل بسم الله و بالله و الحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث، و أماط عني الأذى»

و لا ينافيه ما ورد(4)في غيره من الأخبار من


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2 و 5 و 6.

ج 2، ص: 57

الدعاء بذلك عند دخول الخلاء من غير ذكر التسمية، و

للمرسل عن الصادق (عليه السلام) «انه كان إذا دخل الخلاء يقنع رأسه، و يقول في نفسه بسم الله و بالله و لا إله إلا الله، رب أخرج مني الأذى سريعا بغير حساب، و اجعلني لك من الشاكرين»

إلى آخره.

و ما عن وجادة

الصدوق (1)بخط سعد بن عبد الله مسندا عنه (عليه السلام) أنه قال:

«من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء: بسم الله و بالله أعوذ بالله»

الى آخره. بل يستفاد من

المنقول (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) استحباب التسمية عند التكشف، لأنه قال: «إذا انكشف لبول أو لغير ذلك فليقل بسم الله، فان الشيطان يغض بصره»

كما أنه يستفاد من

خبر أبي أسامة(3)عن الصادق (عليه السلام) استحباب مطلق ذكر الله عند دخول الخلاء، لأنه سئل و هو عنده «ما السنة في دخول الخلاء؟ قال: يذكر الله، و يتعوذ من الشيطان الرجيم»

و الظاهر مما ذكرنا استحبابها مطلقا في الأبنية و غيرها كما هو الظاهر من المصنف، بل يدل عليه إطلاق إجماعه في المعتبر.

و تقديم الرجل اليسرى عند الدخول كما نص عليه جماعة، بل في المدارك أنه مشهور بين الأصحاب، بل في الغنية الإجماع عليه، كاستحباب تقديم اليمنى عند الخروج، و علل بالفرق بينه و بين المسجد، فينبغي حينئذ تقديم اليمنى عند الخروج، كما صرح به بعضهم، و لعله للتسامح في أدلة السنن يكتفى في ثبوته بفتوى من تقدم، مضافا إلى إجماع الغنية، لكن هل يقتصر في الاستحباب على البناء خاصة، كما هو المنساق منه إلى الدهن، أو لما هو أعم منه على إرادة تقديمها بالنسبة إلى الموضع الذي يجلس فيه، و كذلك تقديم اليمنى عند الانصراف؟ وجهان، أقربهما الثاني، كما عن العلامة في نهاية الأحكام و يستحب الاستبراء كما في المراسم و المعتبر و المنتهى و القواعد


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 10.

ج 2، ص: 58

و الدروس و غيرها، و ليس بواجب كما هو المشهور، بل لا خلاف فيه بين المتأخرين، للأصل، مع إشعار جملة من الروايات (1)به، بل ظهورها، نعم وقع الأمر به بالجملة الخبرية في

الحسن كالصحيح (2)قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «رجل بال و لم يكن معه ماء، قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، و ينتر طرفه، فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول»

و

صحيح حفص بن البختري عن الصادق (عليه السلام)(3)«في الرجل يبول، قال: ينتره ثلاثا، فان سال حتى بلغ الساق فلا يبالي»

و هو- مع كون الأمر فيهما بالجملة الخبرية، و إعراض المشهور عنهما، و إشعار ذيلهما بإرادة الأمر فيهما للحكم بعدم المبالاة بما يخرج بعد ذلك- لا يبعد حمله على الاستحباب، بل لو لا فتوى الجماعة بذلك لأمكن التأمل فيه، لظهورهما في إرادة الإرشاد، فما يظهر من ابن حمزة من القول بالوجوب، كما عن ابن زهرة و الشيخ في الاستبصار ضعيف جدا، لمنافاته لما يظهر من كثير من الروايات (4)من حصول الطهارة بدونه إن أرادوا توقف الطهارة عليه، و إلا فلا معنى لوجوبه إلا وجوب إعادة الاستنجاء و الوضوء ان يظهر بلل مشتبه، و هو اتفاقي كما قيل، فيرتفع الخلاف حينئذ، و احتمال القول بالوجوب التعبدي في غاية الضعف، كاحتمال القول بوجوب إعادة الاستنجاء حتى فيما علم ان الخارج مذي أو وذي، فيكون هذا حينئذ ثمرة، فتأمل جيدا.

ثم أن الظاهر قصر استحبابه على الرجال خاصة، لعدم الدليل عليه بالنسبة للنساء، إلا أنه صرح في المنتهى كما عن النهاية بالتعميم و لم يبين كيفيته فيها، و لعله الخرط عرضا، و يمكن الحكم به للتسامح و الاستظهار في خروج البول، لكن ينبغي القطع في


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الاستبصار- الباب- 28- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام الخلوة.

ج 2، ص: 59

عدم جريان حكم المشتبه قبله بالنسبة إليها، كما في الرجال و إن قلنا باستحبابه، لعدم الدليل، مع أصالة الطهارة المنافية لحدثيته.

و أما كيفية الاستبراء فسيأتي الكلام عليها في باب الغسل إن شاء الله تعالى و الدعاء عند الاستنجاء بالمأثور من

قوله: «اللهم حصن فرجي و أعفه، و استر عورتي، و حرمني على النار»

و عند الفراغ منه،

«الحمد لله الذي عافاني من البلاء، و أماط عني الأذى»

و تقديم اليمنى عند الخروج عكس الدخول، كما عرفت وجهه مما سبق و الدعاء بعده أو عنده، ب

قوله: «بسم الله، الحمد لله الذي رزقني لذته و أبقى قوته في جسدي، و أخرج عني أذاه، يا لها نعمة ثلاثا»

[أما المكروهات]

و من المكروهات الجلوس للبول أو الغائط في الشوارع جمع شارع و هو الطريق الأعظم كما عن الصحاح، و لعل المراد بها هنا مطلق الطرق النافذة، إذ المرفوعة ملك لأربابها، و المشارع جمع مشرعة، و هو مورد الماء كشطوط الأنهار، و في القاموس أنها مورد الشاربة، بلا خلاف أجده فيهما، سوى ما في الهداية و المقنعة لا يجوز مع احتمال، أو ظهور إرادتهما الكراهة، لما في الغنية من الإجماع على استحباب اجتنابهما، و هو- مع الأصل و الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك- قرينة على صرف ما تسمع من الأخبار عن ظاهرها، مع ما في بعضها من الاشعار بذلك، (منها)

قول علي بن الحسين (عليه السلام)(1)في الجواب عن سؤال من سأله أين يتوضأ الغرباء؟:

«تتقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة»

الحديث. وفي

المرفوعة(2)قال: «خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله (عليه السلام) و أبو الحسن (عليه السلام) قائم و هو غلام فقال: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم، فقال: اجتنب أفنية المساجد و شطوط الأنهار»

الحديث. و في

خبر السكوني (3)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.

ج 2، ص: 60

يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها»

و في

وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام)(1)«كره البول على شط نهر جار»

و في

حديث المناهي (2)قال:

«نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة، أو على قارعة الطريق»

و غير ذلك.

و تحت الأشجار المثمرة كما عبر بذلك أكثر الأصحاب تبعا لصحيح عاصم (3)و إذ كان المشهور عند الإمامية عدم اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق صرح المحقق الثاني و تبعه عليه غيره أن المراد بالمثمرة ما من شأنها الاثمار، و فيه أنه بعد التسليم ينبغي تعميمه لما أثمرت و زال ثمرها، لا لمن شأنها أن تثمر و إن لم تثمر، فان صدق المشتق عليه مجاز من غير إشكال، على أن خبر السكوني المتقدم شجرة فيها ثمرتها، و نحوه خبر حصين بن مخارق (4)كما قيل، و

في آخر(5)«و كره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت، أو نخلة قد أينعت»

و التعليل في

الفقيه (6)و عن العلل عن الباقر (عليه السلام) «و انما نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يضرب أحد من المسلمين خلاء تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها، قال: و لذلك تكون النخلة و الشجرة أنسا إذا كان فيه حمله، لأن الملائكة تحضره»

مما يستفاد إرادة الاثمار الفعلي، و به أفتى جماعة من المتأخرين، و يؤيده الأصل لكن لما كان الحكم مكروها أمكن القول بالتعميم لما زال ثمرها، سيما مع تعبير الأصحاب بالمشتق، و معروفية مذهبهم حتى أنهم في أصول الفقه جعلوه مثالا لمحل النزاع، و نسبوا إلى الشيعة القول بعدم الاشتراط، بل قد يستفاد من المروي في الفقيه (7)كون الملائكة موكلين بالأشجار حال عدم الثمرة، على أنه لا منافاة بين ما دل على الكراهة تحت المثمرة فعلا و بين المشتق المفيد للأعم من ذلك إلا بمفهوم الوصف


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 8.
7- 7 البحار- المجلد- 18- باب آداب الخلاء ص 40.

ج 2، ص: 61

الضعيف، هذا. و في المرفوعة السابقة التعبير بمساقط الثمار، و هو يفسر التحت الواقع في النص و الفتوى لكن يحتمل الرجوع فيه إلى العرف.

و مواطن النزال أي المواضع المعدة لنزول القوافل و المترددين، و عبر جماعة من الأصحاب بفي ء النزال، و فسر بموضع الظل المعد لنزول القوافل و المترددين، كموضع ظل جبل أو شجرة و نحوهما، و يوافق الأول

قول الكاظم (عليه السلام) لما سأله أبو حنيفة أين يضع الغريب ببلدكم، فقال: «اجتنب أفنية المساجد، إلى أن قال:

و منازل النزال»

كما أنه يوافق الثاني

خبر إبراهيم بن أبي زياد الكرخي (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): ثلاث من فعلهن ملعون المتغوط في ظل النزال، و المانع الماء المنتاب، و ساد الطريق المسلوك»

لكنك خبير أنه لا تعارض بينهما، فلعل تعبير المصنف أولى، لكونه أعم، بل يمكن أن يرجع إليه الثاني على أن يراد بالفي ء الرجوع من فاء إذا رجع، نظرا إلى أنهم يرجعون في النزول إليه، لكنه بعيد، أو يقال: انه عبر به لأن الغالب فيها أن تكون ذوات أظلال، و الغالب نزولهم بها بعد العصر، نعم يحتمل قويا شدة الكراهة في الفي ء، بل ظاهر الخبرين التحريم في غيره، كما عن ظاهر الهداية و المقنعة و عن النهاية و الفقيه، لكن لما كانا قاصرين عن إفادته سندا و دلالة مع تصريح المشهور بالكراهة مضافا إلى الأصل كان تنزيلهما عليها هو المتجه، بل تحمل إرادتها لأولئك أيضا و إن قالوا لا يجوز، لكن التعبير به عنها معروف في عبارات مثلهم.

و مواضع اللعن كما هو المشهور، بل لعله لا خلاف فيه مما عدا الكتب المتقدمة، بل قد عرفت إمكان إرادة الكراهة منها أيضا، فمن هنا اتجه حمل

قول علي بن الحسين (عليه السلام) في صحيح عاصم بن حميد(2)عن الصادق (عليه السلام) عليها، بعد أن قال له رجل: أين يتوضأ الغرباء «تتقي شطوط الأنهار، إلى أن قال: و مواضع اللعن،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 62

فقيل له: و أين مواضع اللعن، فقال: أبواب الدور»

على انه محتمل لأن لا يكون أمرا، بل هو إخبار عن فعل الغرباء، فلا يكون فيه دلالة على الحرمة، فإن قلت:

ان الأصحاب حكموا فيما نحن فيه و فيما تقدم بالكراهة مع أن الوارد فيها الأمر، و حمله على الكراهة إما ممتنع و لو مجازا، أو أنه لا يقدم على الندب، لكونه مجازا شائعا، قلت: الظاهر أن الأمر الموجود فيهما معناه نهي. لقوله في الأول اجتنب، و في الثاني تتقي، و المراد بمواضع اللعن أبواب الدور كما سمعته، لكن في جامع المقاصد و عن الذكرى قيل انه مجتمع النادي لتعرضه للعنهم، قلت: و يمكن جعل ذلك في الخبر من باب المثال، و المراد كل موضع يلعن فيه المحدث، و لعله يشعر به جمع المواضع، فيستدل به حينئذ على غير المقام، و الظاهر إرادة اللعن من المترددين لا من الله و الملائكة و إلا لاقتضى ذلك التحريم مع احتماله، و لا يلزم التحريم، للحمل على ضرب من المجاز كما ورد اللعن في كثير من المكروهات.

و استقبال قرص الشمس و قرص القمر بفرجه لا جهتهما كما في القبلة، لأنه مجاز لا يرتكب بدون قرينة، و الحكم بالكراهة هو المشهور بين الأصحاب بل لا أعلم فيه خلافا بين المتأخرين، و يدل عليه

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (ع) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول»

و

خبر عبد الله بن يحيى الكاهلي عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا يبولن أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به»

و

عن الصدوق (3)في الفقيه أنه قال: و في خبر آخر «لا تستقبل الهلال و لا تستدبره يعني في التخلي»

و

عن الكافي قال: و روي (4)أيضا «لا تستقبل الشمس


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.

ج 2، ص: 63

و لا القمر»

و

خبر المناهي (1)المروي عن الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و فيه «نهى أن يبول الرجل و فرجه باد للشمس أو القمر»

و الأخبار و إن كان ظاهرها التحريم للنهي مادة و صيغة، لكن قصور أسانيد كثير منها- بل ليس فيها إلا حسنة الكاهلي و إعراض المشهور عنها شهرة كادت تكون إجماعا، و كونه كعام البلوى مع خلو الأخبار الأخر سيما المسؤول فيها عن حد الغائط فأجاب لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لم يذكر الشمس و القمر، بل اشتمل خبر الكاظم منها على قوله و ارفع ثوبك و ضع حيث شئت، بل ظاهر إجماع الغنية على أنه يستحب ان لا يستقبل الشمس و القمر- يمنع من الحكم بالحرمة، فما يظهر من المفيد و الصدوق في الهداية من التحريم ضعيف، مع أن عبارتهما غير صريحة بذلك، إذ لعله مرادهما بعدم الجواز الكراهة، بل عبارة الهداية لم يتعرض فيها للشمس، على انهما عبرا بعدم الجواز فيما يبعد قولهما فيه بالتحريم مثل الريح و نحوها، بل لعل عبارة الهداية على نسق الروايات، و أما ما يظهر من سلار- من النهي من استقبال الشمس و القمر بفرجه في حال البول و انه قال عند ذكر الغائط: و قد قيل انه لا يستدبر الشمس و لا القمر و لا يستقبلهما فالظاهر عدم إرادته الحرمة، لتصريحه في أول العبارة بإرادة الندب، و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في الكراهة، نعم ظاهر عبارة المصنف الاقتصار على الاستقبال، كما هو ظاهر بدو الفرج و الاستقبال به في الأخبار، بل عن شرح الإرشاد للفخر الإجماع على عدم كراهة الاستدبار، لكن قد سمعت

أن المرسل

تضمن النهي عن الاستدبار بالنسبة للهلال، بل عن الهداية انه قال: «لا يجوز الاستدبار بالنسبة للهلال» و عن الذكرى احتمال الكراهة للمساواة في الاحترام، لكن لا يبعد عدم الكراهة، للأصل و ما سمعته من الإجماع، بل قد يقال: انه مقتضى مفهوم الأخبار المتقدمة، بل قد يرشد إلى ارتفاعها أيضا ارتفاعها لو ستر الفرج بثوب أو كف أو نحو ذلك من الحجب السماوي و غيره كالسحاب و نحوه، كما صرح به بعضهم، للخروج به عن البدو


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.

ج 2، ص: 64

و الاستقبال لهما، فكيف لو استدبرهما، مع ما فيه من العسر في بعض الأوقات، لمكان حرمة استقبال القبلة و استدبارها و كراهة استقبال الشمس و استدبارها، بل بعضهم أوجب التشريق و التغريب للأمر بهما و إن حمله آخرون على الاستحباب فتأمل جيدا.

ثم أن ظاهر الأخبار المذكورة عدا المرسلين المتقدمين اختصاص الحكم بالبول، كظاهر المنقول عن الأكثر، و لعله لقولهم و فرجه باد للشمس و القمر، لكن عن الشهيد في الذكرى أنه قال: و الغائط محمول عليه، و ربما روي بفرجه و هو يشملهما، قلت:

الظاهر ان الفرج هنا بمعنى القبل، لأنه هو الذي يستقبل به الشمس و القمر و يتحقق به البدو لا الدبر، فلو استدل بالمرسلين المتقدمين لكان أحسن، لاطلاقهما، لكن في كشف اللثام انهما منزلان على المقيد، و فيه أنه لا تعارض بينهما يوجب ذلك، نعم قد يقال: ان الكليني و الفقيه أرسلا نقلا بالمعنى، و مقصودهما في تلك الأخبار الناهية عن البول و الفرج باد للشمس و القمر، فلعل القول بعدم الكراهة للأصل لا يخلو من قوة و إن كان الحكم بها أقوى، للتسامح فيها، فتأمل. بل يمكن إلحاق الغائط بالبول استقبالا و استدبارا به لذلك أيضا، على أن يكون معنى الاستقبال به استدبار الشخص و الاستدبار بالعكس و إن كان لا يخلو من تأمل أو منع.

ثم الظاهر من الحالية في الأخبار أخذ القيدين معا، و هما البول من الفرج مع بدوه، فمن بال من غير فرجه و لو معتادا، أو بدئ فرجه من غير بول فلا كراهة فيهما. و من هنا يقوى عدم جريان الحكم على مثل الممسوح و المجبوب و نحوهما لعدم الفرج، نعم الظاهر اشتراك الحكم المذكور بين الرجال و النساء، كما هو مقتضى القاعدة و إن كان ظاهر الأخبار الأول، و أما الخنثى المشكل فالأصل عدم تحقق الكراهة بالنسبة إلى كل من فرجيه، لعدم العلم بكونه فرجا، كما أن مقتضى التقييد المذكور أيضا تخصيص الكراهة في حال البول لا في حال الجلوس أو الدخول، فما ينقل عن ظاهر الهداية من

ج 2، ص: 65

كراهة الجلوس للبول الى آخره لعل مراده ما ذكرنا لمكان الغالب و إلا فهو ضعيف، و الظاهر شمول الحكم للكسوف و الخسوف و عدمهما، بل يحتمل شمول الحكم للقمر في النهار للصدق، كما أن الظاهر شموله للهلال، لما سمعته من المرسل، و هل الحكم دائر على الاستقبال بالفرج في حال البول أو على البدن و للشمس و القمر في حاله و إن لم يكن معه استقبال؟ لا يبعد الأول، لظاهر قوله يستقبل به، و يحمل عليه غيره، فتأمل.

و استقبال الريح بالبول للخبر المروي (1)عن

الخصال عن علي (عليه السلام) «و لا يستقبل ببوله الريح»

و بالنهي عن استقبال الريح بالبول عبر المبسوط كما عن المقنعة و النهاية و المهذب و الوسيلة و المراسم و الكافي و السرائر، و الظاهر أن مرادهم بذلك الكراهة، كما صرح بها في النافع و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و القواعد، بل عن الغنية يستحب أن يتقى بالبول الأرض الصلبة و جحرة الحيوان و استقبال الريح، و ذكر غير ذلك، إلى أن قال: كل ذلك بدليل الإجماع، و هو و إن ذكر لفظ الاستحباب و الأصحاب ذكروا الكراهة إلا أنه مشترك معهم في عدم الحرمة، بل لعله لا منافاة بينه و بينهم، بناء على أن ترك المكروه مستحب.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في عدم الحرمة، للأصل، مع قصور الروايات عن إفادتها من وجوه، مع ما سمعت من دعوى الإجماع، بل لعله كذلك، فما ينقل عن ظاهر الصدوق في الفقيه و المقنع من الوجوب ضعيف مع احتمال إرادته الكراهة أيضا، فتأمل.

لكن الذي يظهر من الأصحاب قصر الحكم على الاستقبال بالبول دون الغائط و دون الاستدبار، و الموجود في الأخبار، خلاف ذلك (منها) ما رواه(2)

المشايخ الثلاثة كما قيل عن محمد بن يحيى بإسناده رفعه قال: «سئل أبو الحسن (عليه السلام) ما حد الغائط؟

قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها»

(و منها)

مرفوعة(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.

ج 2، ص: 66

عبد الحميد بن أبي العلاء قال: «سئل الحسن بن علي (عليهما السلام) ما حد الغائط؟ قال:

لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها»

و هما كما ترى قد تضمنا حكم الاستدبار مع حكم الغائط، و القول بأنهما لم يدلا على حكم الاستدبار بالنسبة للبول يدفعه ظهور أن المراد بحد الغائط التخلي، كالقول انما كره الاستقبال بالغائط من جهة ان الغالب حصول البول حال الغائط، فتحقق الكراهة بالنسبة للبول: و إلا لو فرضنا غائطا لا بول معه فلا كراهة، كما يؤيده تحقق سبب الكراهة في استقبال الريح بالبول دون الغائط، و هو خوف الرد و نجاسة الثوب و البدن، إذ هو اجتهاد بحت في مقابلة النص، مع عدم إشارة إلى هذا التعليل في الأخبار، نعم نقل عن

علل محمد بن علي بن إبراهيم ابن هاشم (1)«و لا يستقبل الريح لعلتين، أحدهما ان الريح ترد البول فيصيب الثوب و لم يعلم ذلك، إلى ان قال: و العلة الثانية ان مع الريح ملكا، فلا يستقبل بالعورة»

انتهى. و هو مع ذكره للعلة الثانية مراده بالتعليل الحكمة، فقد يكون حينئذ يكره التغوط مطلقا، لأن الغالب ان يكون معه بول، فيرد على الثوب و نحوه، فلا ريب ان الأقوى كراهة استقبال الريح مطلقا، و لذا لم يقيده به في اللمعة، بل قال: و استقبال الريح، بل الأولى كراهة الاستدبار أيضا فيهما كما صرح به في الروضة، بل ربما كان ظاهر غيرها أيضا عملا بما سمعته من الأخبار السالمة عن المعارض، و ما ذكرناه من رواية الخصال لا تقتضي التقييد، و لو لم يكن الحكم مكروها لكان متابعة الأصحاب لازمة، لأن الظاهر منهم الاعراض عن ظاهر الخبرين المتقدمين، مع أنه لا يخلو كلامهم من وجه أيضا، فتأمل.

و البول دون غيره في الأرض الصلبة و ما في معناها مما ينافي الأمر بالتوقي من البول الموجود في عدة من الأخبار، خصوصا ما عن

الصادق


1- 1 البحار- المجلد- 18- باب آداب الخلاء ص 46 من طبعة الكمباني.

ج 2، ص: 67

(عليه السلام)(1)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من فقه الرجل ان يرتاد موضعا لبوله»

بل

عنه (ع) أيضا(2)قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) أشد الناس توقيا عن البول، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير، كراهية ان ينضح عليه البول»

و

عنه (عليه السلام) أيضا(3)انه قال لزرارة: «لا تستحقرن بالبول و لا تتهاونن به»

إلى غير ذلك، بل ربما يشعر به بعض ما تقدم في الريح، نعم يظهر من بعضهم عدم جعله من المكروهات، بل جعل ارتياد موضع للبول من المستحبات، و الأولى الجمع بينهما، للتسامح بكل منهما.

و في ثقوب الحيوان بلا خلاف أجده فيه إلا ما ينقل عن ظاهر الهداية، لقوله لا يجوز مع احتماله ما عرفته غير مرة، لما

عن النبي (صلى الله عليه و آله)(4)«أنه نهى ان يبال في الحجر»

المؤيد بما رواه

الجمهور عن عبد الله بن سرجين (5)«ان النبي (صلى الله عليه و آله) نهى ان يبال في الجحر»

و قد وقع في كلام بعض أصحابنا التعليل بخوف الأذية من الحيوان، كما اتفق لسعد بن عبادة بال في جحر بالشام فاستلقى ميتا، فسمعت الجن تنوح عليه بالمدينة، و تقول:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادةو رميناه بسهمين فلم تخط فؤاده

و كأنهم تبعوا بذلك ما وجدوه في كتب بعض العامة، و إلا فهذه الحكاية من المشهور عند علماء الشيعة كذبها، بل عن ابن أبي الحديد التصريح بأنها موضوعة، و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الخلوة- حديث- 1- و لكن رواه عن أبي جعفر عليه السلام.
4- 4 ما وجدناه في كتب الأخبار.
5- 5 سنن البيهقي- ج 1 ص 99.

ج 2، ص: 68

القائل ليس من الجن، و الثابت (1)في طرق الشيعة «ان سعدا لما أبى عن البيعة خرج من المدينة إلى الشام، و كان سعد سيد الخزرج ممن يخاف منه، فاحتال فلان على قتله، فأرسل إلى فلان فرموه بسهم غيلة و خفية، و وضعوا هذه الحكاية حتى يطل دمه و لا ينفتق أمر آخر» نعم قد يستأنس بهذه الحكاية لكون البول في ثقوب الحيوان كان معروفا في ذلك الزمان انه مظنة للأذية، و لذا احتالوا به.

و في الماء جاريا و راكدا كما صرح به كثير من الأصحاب، و يدل عليه جملة من الأخبار، (منها) ما دل (2)على النهي عن البول في الماء غير مقيد له بأحدهما (و منها) ما دل (3)على النهي عنه في الماء النقيع و الماء الراكد و هي كثيرة، (و منها) ما دل (4)على النهي عن البول في الماء الجاري، و لكن في جملة من الأخبار نفي البأس عنه في الجاري، ك

خبر الفضيل (5)عن الصادق (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره أن يبول في الراكد»

و

خبر عيينة بن مصعب (6)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يبول في الماء الجاري؟ قال:

لا بأس به إذا كان الماء جاريا»

و

خبر سماعة(7)قال: سألته «عن الماء الجاري يبال فيه؟ قال: لا بأس به»

و

خبر ابن بكير عن الصادق (عليه السلام)(8)قال: «لا بأس بالبول في الماء الجاري»

و ما يقال أنه لا تنافي بين هذه، لأن الجواز لا ينافي الكراهة فيه أن المنافاة ظاهرة في صحيح الفضيل المتقدم، نعم هو محتمل بالنسبة إلى غيره،


1- 1 البحار- المجلد- 8- باب غصب الخلافة ص 37 و 70 من طبعة الكمباني.
2- 2 المستدرك- الباب- 19- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3 و 5 و 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الخلوة.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 2- و لكن رواه في الوسائل عن عنبسة عن الصادق عليه السلام.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 2، ص: 69

و ربما حمل نفي البأس فيها على خفة الكراهة دون الراكد، و كأن منشأه أنه مجرد جمع بين الأخبار، و ان الكراهة مما يتسامح فيها، و إلا فلا شاهد على ذلك، و لا ينتقل اليه من اللفظ، و ربما احتمل حمل نفي البأس فيها على عدم حصول النجاسة أو الاستقذار و هو كسابقه، على أن خبر الفضيل ظاهر في خلاف ذلك، بل الذي يؤدي به هذا المعنى عدم البأس عن الماء لا عن البول في الماء، فلذا نقل عن بعض القدماء انه قال: لا بأس به في الجاري، و عن الهداية و المقنعة أنه لا يجوز في الراكد، و لعل مرادهما شدة الكراهة، لقصور الأخبار عن إفادة التحريم، مع اشتمال الصحيح على لفظ الكراهة، و إشعار التعليل (1)الوارد في جملة منها بان للماء أهلا به، فان فعل فأصابه شي ء فلا يلومن إلا نفسه، و ان منه (2)يكون ذهاب العقل، و

عن الفقيه أنه قال: و روي (3)«أنه يورث النسيان»

و عن شرح الإرشاد «أنه يورث الحصر» و كالتعليل الأول ورد(4)في النهي عن البول في الجاري أيضا، فيمكن أن يقال ان المنفي عنه البأس من الجاري السائل، و المنهي عنه الجاري الراكد أي ماله مادة و إن كان بعيدا جدا، و عن النهاية إنه بالليل أشد لما قيل من ان الماء بالليل للجن، فلا يبال فيه و لا يغتسل،

حذرا من إصابة آفة، انتهى، و قد عرفت أن الاخبار دلت على ان له أهلا مطلقا، و كذا مخافة إصابة الآفة، و أنت خبير أن ظواهر الأخبار اختصاص الحكم بالبول، و من هنا اقتصر عليه المصنف كالعلامة، و عن الأكثر إلحاق الغائط، و لعله للتعليل، قيل و لأنه أولى، و في جامع المقاصد أنه لا يبعد أن يقال: ان الماء المعد في بيوت الخلاء لأخذ النجاسات و اكتنافها كما يوجد في الشامات و ما جرى مجراها من البلاد الكثيرة المياه لا يكره قضاء الحاجة فيه، و فيه أن ذلك لا يصلح لأن يكون مقيدا لتلك الأدلة


1- 1 المستدرك- الباب- 19- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.

ج 2، ص: 70

ما لم يدخل تحت الضرورة المستثناة في بعض الأخبار الناهية(1)عن البول في الماء الجاري و الأكل و الشرب حال التخلي كما في المهذب و المنتهى و عن المصباح و مختصره و نهاية الأحكام، أو مطلقا كما هو ظاهر غيرها، و لعله أولى، للتسامح فيها، و لتضمنه مهارة النفس، و فحوى خبر اللقمة المنقول (2)عن الباقر و الحسين (عليهما السلام).

و السواك كما في الوسيلة و النافع و اللمعة و الذكرى، و لعل مرادهم حال التخلي كما هو ظاهر المبسوط و المهذب و المراسم و المعتبر و المنتهى و القواعد و الروضة،

للمرسل في الفقيه (3)عن الكاظم (عليه السلام) «السواك على الخلاء يورث البخر»

و ربما احتمل إرادة بيت الخلاء، قيل لما رواه الشيخ (4)بدل (على) (في) و المراد بالسواك الاستياك، و في المقنعة لا يجوز، و هو ضعيف إلا ان يريد الكراهة.

و الاستنجاء باليمين بلا خلاف أجده فيه سوى ما في المقنعة و المهذب و عن النهاية من أنه لا يجوز، و هو ضعيف، لعدم ما يصلح لها من

المرسل عن الصادق (عليه السلام)(5)«نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان يستنجي الرجل بيمينه»

و

خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام)(6)«الاستنجاء باليمين من الجفاء»

و نحوه غيره، و هما لا يصلحان لغير الكراهة سيما مع فتوى الأصحاب، لكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يكن في اليسار علة، للمروي (7)مرسلا في الفقيه و الكافي من التقييد بذلك، و

في الفقيه قال أبو جعفر (عليه السلام)(8): «إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه»

و منه يستفاد كراهة الاستبراء بها، و ظاهر النص و الفتوى دخول الاستجمار.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3 و 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.

ج 2، ص: 71

و كذا يكره الاستنجاء و لو استجمارا باليسار و فيها خاتم عليه اسم الله كما في المبسوط و المهذب و الوسيلة و المراسم و النافع و التذكرة و القواعد و التحرير و الذكرى و الدروس و البيان و غيرها، للتعظيم، و

قول الصادق (عليه السلام)(1)في خبر الساباطي: «لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم الله، و لا يستنجي و عليه خاتم فيه اسم الله»

الحديث. المتمم بعدم القائل بالفصل بين الجنب و غيره، و

خبر أبي أيوب (2)قلت لأبي عبد الله (ع): «أدخل الخلاء و في يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله، قال:

لا، و لا تجامع فيه»

و

خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)(3)قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من نقش على خاتمه اسم الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضإ»

و

خبر الحسين بن خالد(4)قال: قلت لأبي الحسن الثاني (عليه السلام): «انا روينا في الحديث ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يستنجي و خاتمه في إصبعه و كذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) و كان نقش خاتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) محمد رسول الله، قال: صدقوا قلت: فينبغي لنا أن نفعل، فقال: ان أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى، و انكم تتختمون في اليسرى»

و نحوه غيره، و

خبر معاوية بن عمار(5)عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: «الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم الله تعالى، فقال: ما أحب ذلك، قال: فيكون اسم محمد (صلى الله عليه و آله) قال: لا بأس»

و أما ما في

خبر وهب بن وهب (6)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان نقش خاتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) العزة لله جميعا و كان في يساره يستنجي بها، و كان نقش خاتم أمير المؤمنين (عليه السلام) الملك لله و كان في يده اليسرى يستنجي بها»


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 8 و فيه« أبى» بدل رسول الله صلى الله عليه و آله.

ج 2، ص: 72

فالأولى حمله على التقية، مع أن رواية معروف بالكذب على آل الرسول، و قد يستفاد من بعض ما تقدم من الأخبار كراهية إدخاله بيت الخلاء كما هو مقتضى بعض عبارات الأصحاب، لكنه معارض بما يظهر من البعض الآخر(1)الدال على فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) و لعل الظاهر من خبر أبي أيوب إلحاق باقي أسماء الله مختصها و مشتركها بعد القصد، و هو الظاهر من المقنعة و المبسوط و المهذب و المراسم و القواعد و التحرير و التذكرة، و لا بأس به لمناسبة التعظيم، و فيها أيضا مع غيرها من الذكرى و الدروس و البيان و روض الجنان إلحاق أسماء الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) و في جامع المقاصد زيادة اسم فاطمة (عليها السلام) و هو الظاهر من الوسيلة، و لعل ما في خبر معاوية المتقدم من نفي البأس يراد به إدخاله الخلاء دون الاستنجاء كما قاله الشيخ، أو يحمل على إرادة عدم قصد اسم النبي و إن وافقه في اللفظ، فان الظاهر عدم الكراهة فيه على إشكال، و قد يحمل عليه أيضا ما عن المقنع من نفي البأس كالخبر، و لضعف ما تقدم من الروايات مع إعراض الأصحاب عنها عن ثبوت الحرمة كان القول بها و إن ظهر من بعض المتقدمين ذلك مع احتماله إرادة الكراهة ضعيفا.

ثم انه صرح بعض الأصحاب بتقييد الكراهة بما إذا لم يستلزم تلويثا في النجاسة، و إلا فيحرم، بل قد يصل إلى حد الكفر مع قصد الإهانة و الاستحقار و إن تأمل في الحرمة بعض المتأخرين، لكنه في غير محله بالنسبة إلى لفظ الجلالة، و ألحق في المبسوط و المهذب و التحرير و القواعد و الذكرى و غيرها بالمكروه السابق كراهة الاستنجاء باليسار و فيها خاتم فضة من حجر زمزم، و لعله

للمضمر(2)قلت له: «ما تقول: في الفص تتخذ من أحجار زمزم، قال: لا بأس به، لكن إذا أراد الاستنجاء نزعه»

قيل و في


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 73

بعض النسخ (الزمرد) بدل (زمزم) بل عن الكاشاني نسبته إلى كثير من النسخ و يؤيده عدم تعارف الاتخاذ من ذلك، بل أورد عليه ان إخراج الحصى من المسجد غير جائز، لكن فتوى الجماعة تؤيد الأولى، و يجاب عن الثاني بخروجه بالنص، أو بان هذا الحكم مبني علي الوقوع دون الجواز، أو بان المراد ما يؤخذ من البئر بقصد الإصلاح، و هو مما يجوز إخراجه كالقمامة، أو بان زمزم ليست بداخلة في المسجد، أو بغير ذلك.

و يكره الكلام في حال التخلي غائطا أو بولا

للمرسل (1)«ان من تكلم على الخلاء لم تقض حاجته»

و

قول الصادق (عليه السلام)(2)في خبر أبي بصير:

«لا تتكلم على الخلاء، فان من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة»

و

قوله (ع) أيضا في خبر عمر بن يزيد(3)بعد أن سأله عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن: «لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي و يحمد الله و آية»

و رواه في الفقيه بزيادة (أو آية الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) و قول

أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(4)في خبر صفوان:

«نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يجيب الرجل آخر و هو على الغائط، أو يكلمه حتى يفرغ»

و لا منافاة بينه و بين ما تقدم، إذ لا تخصيص فيه، و لعله لا خلاف في الحكم بين الأصحاب، لتصريح كثير من القدماء و المتأخرين به سوى ما يظهر من الفقيه، حيث قال: لا يجوز، لتصريح كثير من القدماء و المتأخرين به سوى ما يظهر من الفقيه، حيث قال: لا يجوز، و لعل مراده الكراهة، نعم يستثنى منه عندهم بعد فرض شمول أدلة الكراهة له الكلام بذكر الله.

و لذا قال المصنف كغيره إلا بذكر الله لما في الأخبار الكثيرة من التعليل بحسن الذكر على كل حال، لكن قيده بعضهم فيما بينه و بين نفسه، و لعله

للمرسل(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الخلوة حديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.

ج 2، ص: 74

«كان الصادق (عليه السلام) إذا دخل الخلاء يقنع رأسه، و يقول في نفسه بسم الله و بالله»

إلى آخره.

أو آية الكرسي كما صرح به كثير من المتأخرين، لما سمعته من خبر عمر بن يزيد، بل في خبر الحلبي (1)ما يدل على قراءة ما شاء من القرآن، لكن لم أعثر على مفت به، بل صرح بعضهم بكراهة ما عداها، فقد يحمل الخبر على إرادة الجواز، و في الوسيلة تقييد قراءة آية الكرسي فيما بينه و بين نفسه، قال: لأنه يفوت شرف فضلها، و لم نقف على شاهد له.

أو حاجة يضر فوتها لانتفاء الحرج، و منه يعرف حسن التقييد بما إذا لم يمكن الإشارة و التصفيق، و ينبغي للمصنف استثناء الحمد بعد العطس، لما في

خبر مسعدة ابن صدقة(2)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: «كان أبي يقول إذا عطس أحدكم و هو على خلاء فليحمد الله في نفسه»

و لعله لدخوله تحت الذكر، و منه يعرف انسحاب استحباب التسميت كما صرح به بعضهم، بل ينبغي استثناء حكاية الأذان أيضا كما هو المشهور، للأمر به في عدة من الروايات (3)مضافا إلى العمومات الدالة على استحبابه (4)مع عدم تبادره من الكلام المنهي عنه، و لعل المصنف تركه اعتمادا على كونه ذكرا كما يظهر من تعليل بعضهم، إلا أنه لا يخلو من تأمل بالنسبة للحيعلات، اللهم إلا أن تبدل بالحولقة كما تعرف إن شاء الله تعالى في استحباب حكايته، و يكره زيادة على ما ذكره المصنف تطميح الرجل ببوله من سطح أو مكان مرتفع لنهي النبي (صلى الله عليه و آله)(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الخلوة.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأذان و الإقامة- حديث 1 و 3 و 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.

ج 2، ص: 75

عن ذلك، و البول قائما و التخلي على القبر أو بين القبور، لما رواه

محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)(1)قال: «من تخلى على قبر أو بال قائما الى أن قال: فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان و هو على بعض هذه الحالات»

و

خبر إبراهيم بن عبد الحميد(2)عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «ثلاثة يتخوف منها الجنون- و عد منها- التغوط بين القبور»

و طول الجلوس على الخلاء لأنه كما روي (3)يورث الناسور أو الباسور بالباء الموحدة، و استصحاب الدرهم الأبيض غير مصرور لما رواه

غياث (4)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «أنه كره ان يدخل الخلاء و معه درهم أبيض إلا ان يكون مصرورا»

و عن بعضهم تقييده بما إذا كان عليه اسم الله، و لعله لمعروفية نقش ذلك في الزمان السابق. و إلا فالرواية مطلقة.

[الفصل الثالث في كيفية الوضوء]
اشاره

الفصل الثالث في كيفية الوضوء

[و فروضه خمسة]
اشاره

و فروضه خمسة و في النافع سبعة بإضافة الموالاة و الترتيب، و لعل غرض المصنف هنا بالفرض ما يستفاد من نص الكتاب، فلذا جعلها خمسة، بخلافه في النافع لكن قال الشهيد في الذكرى: انه يستفاد من نص الكتاب ثمانية، السبعة المذكورة مع المباشرة بنفسه، و فيه ما لا يخفى، بل لا يخفى ما في الأول أيضا بالنسبة إلى الخمسة، و الأمر سهل.

[الفرض الأول النية]
اشاره

الأول النية، و هي لغة و عرفا إرادة تؤثر في وقوع الفعل، و بها يكون الفعل فعل مختار، و هو المراد ممن فسرها بالقصد على ما يظهر من ملاحظة كثير من كلمات الأصحاب و بعض كلمات أهل اللغة نعم ربما فسرت بالعزم في بعض عبارات


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الخلوة.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 7.

ج 2، ص: 76

الأصحاب و الصحاح، بل يستفاد من إطلاق كثير من الأخبار(1)كما لا يخفى على من لاحظ باب استحباب نية الخير و العزم عليه، و باب كراهية نية الشر من كتاب وسائل الشيعة، و المراد بالعزم الإرادة المتقدمة على الفعل سواء حصل قبلها تردد أولا، فما ينقل عن المتكلمين من الفرق بينه و بين النية بذلك غير واضح الوجه، كالفرق بين النية و مطلق الإرادة بالمقارنة و عدمها، و حاصل ما نقل عنهم ان الإرادة إما أن تكون مسبوقة بتردد أولا، فالأولى العزم، و الثانية إما ان تكون مقارنة أو لا، فالأولى النية، و الثانية إرادة بقول مطلق، و هو كما ترى. نعم لا يبعد دعوى اشتراك لفظ النية بين الإرادة المتقدمة التي تسمى بالعزم، كما هو ظاهر ما عن الجوهري، و يؤيده ملاحظة كثير من الاستعمالات، و بين الإرادة المقارنة المؤثرة في وقوع الفعل، مع احتمال دعوى الحقيقة في الثانية خاصة.

و كيف كان لا نعرف لها معنى جيدا شرعيا، نعم ربما وقع في لسان بعض المتشرعة إطلاقها على الإرادة مع القربة، بل هو مدار قولهم النية شرط في العبادات دون المعاملات، و منه اشتبه بعض متأخري المتأخرين، فادعى أن لها معنى جديدا، و هو واضح الفساد كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في معناها و إطلاقها و استعمالاتهم و غير ذلك، فلا حاجة للإطالة، نعم لما لم يكتفوا بمطلق القصد في صحة العبادة بل كان المعتبر قصدا خاصا على ما ستعرف جعلوا ذلك كله من متعلقات النية، و لذا تراهم بعد ذكرها يذكرون كيفيتها، فيشتبه على غير المتأمل أنه معناها عندهم، و ظهر لك مما تقدم من معنى النية انها من الأفعال القلبية التي ليس للنطق فيها مدخلية كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ في الخلاف و المصنف و العلامة و الشهيدان و غيرهم، و من هنا اعترض على المصنف باستدراك قوله تفعل بالقلب بعد ذكره أنها إرادة، و ربما أجيب عنه أنه جي ء به لا خراج إرادة الله عن مسمى النية، لمكان


1- 1 الوسائل- الباب- 6 و 7- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 2، ص: 77

كونها لا تفعل بالقلب، فيقال: أراد الله و لا يقال: نوى الله، بل في التنقيح لا يصدق على إرادة الله تعالى انها نية بالإجماع، قلت: و لعله لخصوص لفظ النية دون نحو نوى، و إلا فقد قال العلامة في المنتهى: انه يقال: نواك الله بخير أي قصدك، و في الصحاح نواك الله أي صحبك في سفرك و حفظك، قال الشاعر:

يا عمر و أحسن نواك الله بالرشدو اقرأ سلاما على الذلفاء بالثمد

و في القاموس نوى الله فلانا حفظه، و الأولى في الجواب ان يقال: انه ذكره المصنف للرد على بعض الشافعية حيث أوجبوا اللفظ، و هو مع انه مجمع على بطلانه عندنا كما في كشف اللثام لا دليل عليه، بل لا دليل على الاستحباب أيضا و إن ظهر من بعض الأصحاب.

و ما يقال من التعليل: بان اللفظ أعون له على خلوص القصد، أو انه زيادة مشقة فيستتبع الثواب فيه مالا يخفى، بل أقصى ما يفيده الأول الاستحباب العارضي لا الذاتي، و نحن نقول به بحسب اختلاف الناوين، بل قد يصل إلى حد الوجوب كما إذا توقف الإخلاص عليه، و قد يحرم إذا كان بالعكس، إلا أن الأحوط الترك مع الاختيار فرارا من التشريع، و حيث كان المراد بالنية ما عرفت كان الدليل على وجوبها- بعد توقف صدق الامتثال و الإطاعة و التعبد و ما دل من الكتاب و السنة على الإخلاص في العبادة المتوقف عليها، إذ المراد به إتيان الفعل بقصد كونه امتثالا لأمر الله خاصة- الإجماع المنقول على لسان جماعة كالشيخ و ابن زهرة و العلامة، بل هو محصل، و ما عساه يظهر من المنقول عن ابن الجنيد من الاستحباب فهو- مع عدم صراحة عبارته و معارضته بنقل المصنف عنه في المعتبر خلافه- ضعيف جدا، فلا يقدح، و

قول علي بن الحسين (عليهما السلام)(1)في حسنة أبي حمزة: «لا عمل إلا بنية»

و نحوه

روي (2)عن النبي


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 2.

ج 2، ص: 78

(صلى الله عليه و آله) و قول رسول الله (صلى الله عليه و آله)(1): «إنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عز و جل، و من غزا يريد به عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى»

و

قوله أيضا(2)في خبر أبي عثمان العبدي عن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا قول إلا بعمل، و لا قول و لا عمل إلا بنية، و لا قول و لا عمل و لا نية إلا بإصابة السنة»

و في الوسائل أنه رواه الشيخ مرسلا عن الرضا، و غير ذلك.

و ما وقع من بعض متأخري المتأخرين- من المناقشة في الاستدلال بهذه الأخبار لاحتمال توجه الحصر فيها إلى الكمال دون الصحة، و ترجيح الثانية على الأولى لكونه أقرب المجازات إلى الحقيقة معارض بأنه فيه تخصيصا للأعمال بالعبادات خاصة- ضعيف جدا، لما فيه من المخالفة لفهم العلماء الماهرين، و لغلبة استعمال مثل هذا التركيب في نفي الصحة كما هو واضح، و خروج غير العبادات منه غير قادح، بل هو أولى من غيره لشيوع التخصيص، لا يقال: ان بعض هذه الأخبار لا تنطبق على ما ذكرت من معنى النية، مثل

«إنما الأعمال بالنيات»

و نحوه، لأنا نقول: مع انا نجوز إطلاقها على غير ما تقدم مجازا انه قد يشتبه المراد من متعلق النية أما بإضمار أو نحوه، و في إطلاق نفس النية، كما في قوله:

«إنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى»

الى آخره. بل التأمل الصادق في مثل قوله (إنما الأعمال) و نحوه يقضي بأنه أدل على المطلوب منه على غيره لما فيه من إطلاق النية على غير ما نحن فيه، فتأمل جيدا.

و إذ قد ظهر لك المراد من النية علمت أن الأمر فيها في غاية السهولة، إذ لا ينفك فعل العاقل المختار حال عدم السهو و النسيان عن قصد للفعل و إرادة له، و من هنا قال بعضهم: انه لو كلفنا الله الفعل بغير نية لكان تكليفا بالمحال، و هو حسن بناء على ما ذكرنا من معنى النية، بل لعله لذا أغفل المتقدمون ذكرها و بيان شرطيتها،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 2.

ج 2، ص: 79

لكن لما كان لا يكفي في صحة العبادة وجود النية بالمعنى المتقدم، بل لا بد من ملاحظة القربة منها و حصول الإخلاص، و هو في غاية الصعوبة، بل هو الجهاد الأكبر للنفس الأمارة بالسوء، كما لا يخفى على من لاحظ الأخبار(1)الواردة في الرياء و الحذر عنه، و انه أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة، و كانت القربة في حال الإخلاص من متعلقات النية، إذ يجب عليه قصد الفعل امتثالا لله خاصة صعب أمر النية من هذه الجهة، و صح اشتراطها في العبادات دون

المعاملات، و بحث عنها المتأخرون، بل لعل المتقدمين بذكرهم في أوائل كتبهم اشتراط الإخلاص في العبادة و التحذير من الرياء و نحوه اكتفوا عن ذكر النية بمعنى القصد، لعدم إمكان حصول الإخلاص بدونه، و بما ذكرنا ظهر لك مراد من جعل أمر النية في غاية السهولة، و كذا من جعلها في غاية الصعوبة، لاختلاف الحيثيتين، إلا أنه ربما ظهر من بعض عبارات بعض الأصحاب صعوبة أخرى للنية من غير تلك الحيثية، و ذلك لأنه جعلها عبارة عن هذا الحديث النفسي و التصور الفكري، فلا يكتفى بدون الاخطار بالبال للقصد مع ما يعتبر معه من القربة و الوجه و غيرهما مقارنا لأول العمل، فبسببه يحصل بعض أحوال لهم تشبه أحوال المجانين، و ليت شعري أ ليست النية في الوضوء و الصلاة و غيرهما من العبادات كغيرها من سائر أفعال المكلفين من قيامهم و قعودهم و أكلهم و شربهم، فان كل عاقل غير غافل و لا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذا الأفعال إلا مع قصد و نية سابقه عليه ناشئة من تصور ما يترتب عليه من الأغراض الباعثة و الأسباب الحاملة على ذلك الفعل، بل هو أمر طبيعي و خلق جبلي، و مع هذا لا ترى المكلف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يعتريه شي ء من تلك الوسوسة و ذلك الاشكال، بل هو بالنسبة إلى العبادات الأخر من الزيارات و الصدقات و عيادة المرضى و قضاء الحوائج و الأدعية و الأذكار و قراءة القرآن و نحو ذلك لا يعتريه شي ء من تلك الأحوال، بل هو فيها على حسب سائر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 2، ص: 80

أفعال العقلاء، فما أعرف ما ذا يعتريه في مثل الوضوء.

و من هنا كان التحقيق ان النية عبارة عن الداعي الذي يحصل للنفس بسببه انبعاث و ميل إلى الفعل، فان المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا و هو عالم بوجوب ذلك الفرض سابقا و عالم بكيفيته و كميته و كان الغرض الحامل على الإتيان به انما هو الامتثال لأمر الله ثم قام من مكانه و سارع ثم توجه إلى المسجد و وقف في مصلاه مستقبل القبلة فأذن و أقام ثم كبر و استمر في صلاته فان صلاته صحيحة شرعية مشتملة على النية و القربة، فظهر بذلك أنه لا تنحصر النية في الصورة المخطرة بالبال. لا يقال: ان الاخطار أشد في حصول الإخلاص، لأنا نقول: انه ينبغي القطع في عدم مدخلية ذلك فيه، ألا ترى انه إذا غلب على قلب المدرس أو المصلي حب الشهرة و السمعة و ميل القلوب اليه لكونه صاحب فضيلة أو ملازم عبادة و كان ذلك هو الحامل له على تدريسه و عبادته فإنه لا يتمكن من نية القربة و الإخلاص فيها و ان قال بلسانه و تصور بجنانه أصلي أو أدرس قربة إلى الله كما هو واضح، و حاصل الفرق بين القول بالإخطار و الداعي إما بان يقال:

ان الأول يؤول إلى إيجاب العلم بالحضور وقت الفعل بخلاف الثاني، فإنه يكتفى بالحضور من دون علم و التفات الذهن، و ما عساه يظهر من بعضهم- من أنه بناء على الداعي يكتفي بوجوده و إن غاب عن الذهن حال الفعل، و لذا لم يفرقوا بين الابتداء و الاستدامة- مما لا ينبغي الالتفات اليه و يقطع بفساده، و كيف يعد مثل هذا الفعل في العرف بمجرد هذا العزم السابق منويا و مقصودا أو يقال في الفرق بينهما: ان المراد بالداعي انما هو العلة الغائية للفعل الباعثة للمكلف على إيجاده في الخارج، و هو ليس من النية في شي ء، بناء على ما ذكرنا انها مجرد القصد و الإرادة، و إطلاق لفظ النية عليه في لسان بعضهم انما هو بحسب الاصطلاح المتأخر، فنقول حينئذ يكتفى بقيام الداعي في المكلف لكن لا بد من حصول الإرادة للفعل حين التعقل و إن غفل عن الداعي له في ذلك الوقت لكن

ج 2، ص: 81

بحيث لو سئل لقال أريد الفعل لذلك، و بهذا تظهر الثمرة بينه و بين القول بالإخطار، فتأمل جيدا. و لعل الأولى أن يجعل المدار بناء على الداعي على مالا يعد في العرف انه فعل ساه خال عن القصد ليكتفى بذلك، و يأتي إن شاء الله تعالى في الاستدامة للبحث تتمة.

و كيفيتها أن ينوي الوجوب في الواجب أو الندب في المندوب كما هو خيرة المنتهى و الإرشاد و التحرير و الشهيد في اللمعة و الألفية، و هو المنقول عن الغنية و المهذب و الكافي، و ربما نقل عن الراوندي و ابن حمزة و نسب إلى الأكثر في بعض حواشي الألفية، و في آخر انه المفتي به، و عن كتب أهل الكلام من مذهب العدلية انه يشترط في استحقاق الثواب على واجب ان يوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه على رأي» كما هو ظاهر اختيار السرائر و التذكرة و جامع المقاصد، و فسر الوجه بأنه اللطف عند أكثر العدلية، و أنه ترك المفسدة اللازمة من الترك عند بعض المعتزلة، و الشكر عند الكعبي، و مجرد الأمر عند الأشعرية، و عن الروضة دعوى الشهرة على وجوب نية الوجوب في الصلاة، بل في ظاهر التذكرة الإجماع عليه هناك، و لعله يفرق بين الصلاة و بين ما نحن فيه كما ستسمعه إن شاء الله تعالى، و من هنا نقل عن بعضهم أنه أنكر الوجوب هنا و قال به في الصلاة.

و كيف كان فقد اختار المصنف في المعتبر في المقام عدم الوجوب، و اليه ذهب كثير من متأخري المتأخرين و جملة مشايخنا المعاصرين، و هو المنقول عن المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية، بل نقله الشهيد في نكت الإرشاد عن المرتضى و ظاهر الشيخ في الاقتصاد و عن المصنف في الطبرية، بل ربما كان ظاهر سلار و الجعفي، لإطلاقهم النية على ما قيل كظاهر النافع، بل قد يكون ظاهر الشيخ في المبسوط أيضا، لأنه ذكر وجوب نية رفع الحدث أو استباحة مشروط بالطهارة و لم يتعرض للوجوب و الندب، بل قد يكون ظاهر المتقدمين، لتركهم التعرض للنية أصلا، و لعله الأقوى في النظر،

ج 2، ص: 82

لكن ليعلم ان من تعرض لوجوب نية الوجوب (منهم) من أطلق نية وجوبه، و (منهم) من يظهر منه وجوب ملاحظته علة و غاية، فلا يكتفي به لو لا حظه قيدا، و لعله لظاهر المنقول عن كتب المتكلمين، و عن الوسيلة «وجوب ملاحظته وصفا لا غاية».

و على كل حال فأقصى ما يمكن أن يستدل به لهم أن الامتثال بالمأمور به لا يتحقق إلا بالإتيان به على وجهه المطلوب، و هذا لا يحصل إلا بالإتيان بالواجب واجبا و الندب ندبا، و بان الوضوء يقع تارة على وجه الوجوب و أخرى على الندب، و لما كان الفعل قابلا لأن يقع لكل منهما كان تخصيصه بأحدهما محتاجا إلى نية، لأن قصد جنس الفعل لا يستلزم وجوهه، فكل فعل كان قابلا لأن يقع على وجوه متعددة افتقر اختصاصه بأحدها إلى النية، و إلا فبدون ذلك لا يعد ممتثلا لأحدها، فمن أوقع مثلا ركعتين و لم ينو أنهما صبح أو نافلة لم يمتثل أحد الأمرين، إذ قصد التعيين لا إشكال في شرطيته و انه لا يتحقق الامتثال بدونه، إذ ليس في الروايات و لا في غيرها ما يدل على حصول البراءة بدونه، بل قد يشعر

قوله (صلى الله عليه و آله) «و انما لكل امرئ ما نوى»

بوجوبه، على أنه

قد استفاض عنهم (عليهم السلام) «أنه لا عمل إلا بنية»

و لم يعلم كيفيتها و هي و إن كانت شرطا للعبادة و لكن الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط، و أيضا فالشك واقع في جزء النية فيجري عليها ما يجري عند الشك في جزء العبادة، لكونها لمعنى جديد إما حقيقة أو مجازا و هو غير معلوم.

و لا يخفى عليك ما في الجميع (أما الأول) فلأنه إن أريد بوجوب إيقاع الفعل على وجهه إيقاعه على الوجه المأمور به شرعا فمسلم، لكن كون النية المذكورة مما تعتبر شرعا أول البحث، و إن أريد به إيقاعه مع قصد وجهه الذي هو الوجوب أو الندب فهو ممنوع، و هل هو إلا مصادرة، و إن أريد به الإشارة إلى وجوب الاحتياط في العبادة فهو راجع إلى التأييد الأخير و ستسمع ما فيه. (و أما الثاني)- فمع كونه خروجا

ج 2، ص: 83

عن النزاع أولا، لكون الكلام في وجوب نية الوجه لنفسه لا لكونه مقدمة للتعيين، فان التعيين قد يحصل بغير ذلك من القصد إلى ذات وضوء مخصوص و نحوه، و عدم اقتضائه الوجوب الغائي ثانيا- فيه ما قاله الشهيد في الروضة: «انه لا اشتراك في الوضوء حتى في الوجوب و الندب، لأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلا واجبا، و بدونه ينتفي» لكن قد يقال عليه: ان التعدد قد يكون بزعم المكلف لجهل أو غيره، بل إن أراد بقوله لأنه في وقت الى آخره انه لا يصح أن يقع وضوء مستحب لغاية مستحبة فهو ممنوع و إن كان فيه خلاف، إلا أن الأقوى صحته، و لا منافاة بين وجوبه لغاية و استحبابه لأخرى في وقت واحد، و إن أراد ان وضوء تلك العبادة لا يكون حينئذ إلا واجبا فهو مسلم، لكن الأول كاف في حصول الإبهام المحتاج إلى التعيين، فالذي ينبغي ان يقال في المقام: انه لا إشكال في وجوب التعيين حيث يكون المكلف به متعددا نحو صلاة الصبح و النافلة، فإن الامتثال يتوقف عليه، و لأن صرف الفعل إلى واحد دون آخر ترجيح بدون مرجح، و الجنس لا يقوم بدون الفصل، إذ الفرض ان الأمر وقع بخاص، لكن هذا إذا كان المكلف به متعددا كل منهما غير الآخر إلا أنهما متفقان بالصورة، أما في مثل المقام فلا تعدد في المكلف به، إذ هو رفع حدث واحد، و كونه مطلوبا على جهة الاستحباب لغاية و على جهة الوجوب لأخرى لا يقتضي تعدده، و إلا لاقتضى وجوب ملاحظة خصوصيات الغايات مع انه لا قائل به، و استحباب التجديدي انما هو ترتيبي فلا اجتماع حينئذ، فلا يجب التعيين.

و أما ما يقال: ان التعدد قد يكون بزعم المكلف ففيه ما قد عرفت من أنه اشتراك لا يضر، فلو زعم المكلف جهلا منه مثلا ان وضوء الفريضة يكون على جهة الوجوب و يكون على جهة الندب و أوقعه بقصد الثاني أو لم يعينه مع قصده القربة فإن الظاهر أن وضوءه صحيح، لا يقال: ان

قوله (صلى الله عليه و آله): «لكل امرئ ما نوى»

ينافي ذلك، لأنا نقول: الظاهر أن المراد منه معنى آخر من الإخلاص و كون الفعل لله أو

ج 2، ص: 84

لغيره، أو إذا كان المكلف به متعددا فتأمل و لاحظ.

نعم لو زعم المكلف جهلا منه أن ذمته مشغولة بوضوءين أحدهما وجوبي و الآخر استحبابي و أوقعه مع ذلك غير معين لأحدهما أو أوقعه بقصد فعل الاستحبابي يمكن القول بالفساد، لحصول الإبهام المحتاج الى التعيين، و هو مفقود في الأولى، و فاسد في الثانية، مع أنه لا يخلو أيضا من إشكال و تأمل إلا إذا لم يكن قاصدا للامتثال، و إلا فحيث يتحقق لا يبعد أن يقال: بالصحة فيهما معا و إن لم يعين في الأولى، لحصول التعيين في الواقع و ان أخطأ في الثانية، فتأمل جيدا. و أما الكلام في التأييد السابق ففيه أولا ان لفظ الوضوء ليس من المجملات حتى تجري فيه القاعدة المذكورة كما سيظهر لك من الأخبار البيانية(1)و ما يقال-: انه و ان لم يكن لفظ الوضوء منها لكن لفظ النية لاستعماله في معنى جديد غير معلوم لنا- يدفعه ظهور ان ليس للفظ النية معنى غير المعنى اللغوي، على انه ان سلمنا ان لها أو للوضوء معنى جديدا مجملا أمكن دعوى القطع أو الظن المعتبر بعدم دخول نية الوجوب أو الندب فيها أو فيه، لخلو الكتاب و السنة و كتب المتقدمين عن الإشارة إليها مع عمومية البلوى بها و احتياج الناس إلى ذلك في اليوم الواحد مرات متعددة، لكثرة العبادات من الواجبات و المستحبات المتكررة في كل يوم بالنسبة إلى أكثر الأشخاص فلو كان قصد الوجوب أو الندب معتبرا لأكثر الشارع من الأمر بالتعليم و التعلم، و لشاع في الأعصار و الأمصار، و اشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، و لخطبت بها الخطباء على رؤوس المنابر و نادت بها الوعاظ، مع انه لم يصل إلينا في ذلك خبر و لا أثر، بل الأخبار(2)الواردة في كيفية التعلم خالية عن الإشارة إلى شي ء من ذلك، و مثله الكتاب العزيز مع بيانه حقيقة الوضوء بقوله تعالى (3)«إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» الى آخره، و ما يقال:- ان الآية قد ترك بيان أكثر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء.
3- 3 سورة المائدة- الآية 8.

ج 2، ص: 85

شرائط الوضوء من إباحة الماء و المكان و نحوهما، فلعل النية من ذلك القبيل، على أن اعتبارها ليس في الوضوء وحده لتذكر فيه، بل هي في سائر العبادات- فيه مع أنه غير تام على القول بأنها شطر لا شرط أنه لا إشكال في دخولها في الكيفية و ان قلنا انها شرط، و ليس حالها كحال غصبية الماء و المكان و نحوهما كما لا يخفى، و كونها جارية في سائر العبادات لا يقتضي تركها عند بيان كيفية العبادة.

ثم انه على تقدير ذلك كان ينبغي ذكرها و بيانها في آية أو رواية مستقلة مع أنه لا شي ء من ذلك، بل قد يظهر من بعض الروايات خلافه، فإنهم (عليهم السلام) لا زالوا يأمرون بالمستحبات بلفظ (افعل) الظاهر في الوجوب، بل يشركون بين الواجب و المستحب بلفظ واحد، و في بالي أن في

بعض الأخبار(1)أنه سأل أحد الأئمة (عليهم السلام) «عن شي ء فأمره به، ثم جاءه في السنة الثانية فسأله عنه ثم أمره به ثم جاءه في السنة الثالثة فسأله عنه فأذن له في تركه»

فهناك فهم أنه مستحب، بل مما يؤيد ما ذكرنا انه لا ريب في أن طاعتنا لله تعالى على نحو طاعة العبيد لساداتهم، و من المقطوع به ان أهل العرف لا يعدون العبد الآتي بالفعل الخالي عن نية الوجوب أو وجه الوجوب عاصيا، بل يعدونه مطيعا ممتثلا ممدوحا على فعله، و الحاصل صفة الوجوب و الندب من الصفات الخارجة عن تقويم الماهية، بل هما من المقارنات الاتفاقية و مثلهما القضائية و الأدائية و القصرية و التمامية و الزمانية و المكانية و نحو ذلك، على انه كيف يتم وجوب نية الوجه و عدم استحقاق الثواب إلا بها كالامتثال مع أنه في كثير من المقامات لا يعرف الفعل انه واجب أو مندوب لاشتباه موضوع أو اشتباه حكم، مع أن القول بالسقوط هنا مما لم يرتكبه ذو مسكة، كالقول بتحقق الامتثال حينئذ، و قصدهما على سبيل الترديد غير مفيد، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في عدم وجوب نية الوجوب و الندب أو وجههما لا قيدا و لا غاية، نعم نقول: بوجوب ذلك حيث يتوقف عليه التعيين، لعدم حصول


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.

ج 2، ص: 86

الامتثال حينئذ إلا به، بل لعل مراد من اشترط ذلك ذلك كما يقضي به بعض أدلتهم، لكنك قد عرفت انه لا اشتراك في الوضوء يوجب ذلك، لا يقال: ان جميع ما ذكرت أقصى ما يفيد الظن بعدم الوجوب لكنه ليس ظنا منشؤه آية أو رواية، بل هو من أمور خارجة عن الأدلة الأربعة، مع عدم القول بان كل ظن حصل للمجتهد حجة، لأنا نقول:- بعد إمكان منع ذلك لرجوع بعض ما ذكرنا إلى الأدلة المعتبرة- انا نمنع عدم حجية كل ظن حصل للمجتهد بالنسبة إلى موضوع العبادة و إن منعناه في أصل الحكم، لمكان كونها من الموضوعات التي يكتفى فيها بالظن، فتأمل جيدا.

بقي شي ء و هو ان اللازم مما ذكرنا عدم وجوب نيتهما، أما لو نوى كلا منهما في مقام الآخر جهلا أو غفلة لا تشريعا فربما ظهر من بعضهم بطلان الوضوء حينئذ، و احتمل تنزيل كلام المعتبرين لاشتراط نية الوجه عليه، و للنظر فيه مجال، إذ قد يقال: انه بعد تحقق قصد الامتثال بالعبادة و تشخصها و الفرض انها مطلوبة للشارع مرادة، فنية انها واجبة و هي مستحبة أو بالعكس لا يؤثر في ذلك فسادا، و مثل ذلك جميع الصفات الخارجية التي هي من المقارنات الاتفاقية بعد تشخيص أصل المكلف به كما هو واضح لمن تأمل، نعم قد يقال: بحصول الاشكال فيما لو جهل جعل صفة الوجوب أو الاستحباب مشخصة لما زعم تعدده جهلا مثلا كما تقدمت الإشارة إليه سابقا، و الله أعلم.

و من الكيفية ان ينوي القربة بلا خلاف أجده فيها، بل في المدارك أنه موضع وفاق، و كأن عدم ذكر البعض لها لعدم تعرضه لأصل النية لا يشعر بالخلاف، بل إما لاكتفائهم باشتراط الإخلاص في العبادة المستلزم لها أو غير ذلك، و كان خلاف المرتضى (ره) الآتي إن شاء الله في صحة العبادات الريائية و إن كان لا ثواب عليها ليس نزاعا في اشتراط التقرب، لأنه على ما يظهر من نقل بعضهم له أن نزاعه في ضميمة الرياء، و الظاهر ان المراد من القربة العلة الغائية بمعنى أنه يقصد وقوع الفعل تحصيلا للقرب إلى

ج 2، ص: 87

الله تعالى الذي هو ضد البعد المتحقق بحصول الرفعة عنده استعارة من القرب المكاني، لكن فيه من الاشكال ما لا يخفى، لأن دعوى وجوب نية القرب بهذا المعنى مما لا يمكن إقامة الدليل عليها من كتاب أو سنة، بل هي إلى البطلان أقرب منها إلى الصحة، لما نقل عن المشهور بل في القواعد للشهيد نسبته إلى قطع الأصحاب، بل نقل انه ادعى عليه الإجماع انه متى قصد بالعبادة تحصيل الثواب أو دفع العقاب كانت عبادته باطلة، لمنافاته لحقيقة العبودية، بل هي من قبيل المعاوضات التي لا تناسب مرتبة السيد سيما مثل هذا السيد، و لا ريب أن القرب بالمعنى المتقدم نوع من الثواب، فيجري فيه ما يجري فيه، نعم اختار بعض متأخري المتأخرين في مثل تلك العبادة الصحة، عملا بظواهر الآيات و الروايات، كقوله تعالى (1)«يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً» و «يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً»(2)و قد

روي عنهم (عليهم السلام)(3)«ان من بلغه ثواب على عمل ففعله التماس ذلك الثواب أويته و إن لم يكن كما بلغه»

و ما ورد(4)من تقسيم العباد إلى ثلاثة، منهم عبادة العبيد، و هي ان يعبد الله خوفا، و منهم عبادة الأجراء، و هم من عبدة رجاء الثواب، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، و الأقوى خلافه، و جميع ما ذكر محمول على إرادة إيقاع الفعل بقصد الامتثال، و موافقة الإرادة و الطاعة، و جعل ذلك وسيلة إلى تحصيل ذلك الثواب، كما هي سيرة سائر العبيد مع ساداتهم، انما الممنوع عندنا القصد بالفعل لتحصيل الثواب، و مما يؤيده أنه إن أريد القربة بالمعنى الأول كان لا ينبغي الاجتزاء بعبادة قاصد الإطاعة و الامتثال مقتصرا عليهما لفقد الشرط و هو مما لا يلتزم به فقيه، أو يراد بوجوبها الوجوب المخير بينها و بين غيرها، و هو خلاف الظاهر منهم.


1- 1 سورة السجدة- الآية 16.
2- 2 سورة الأنبياء- الآية. 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمة العبادات.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 2، ص: 88

إذا عرفت ذلك فالمتجه حينئذ تفسير القربة بما يظهر من بعضهم من موافقة الإرادة و قصد الطاعة و الامتثال، فإنه حينئذ يدل عليه جميع ما دل على وجوب الإخلاص كتابا و سنة، كقوله تعالى (1)«وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» مضافا إلى توقف تحقق قصد الطاعة و الامتثال المأمور بهما في الكتاب و السنة عليها، لا يقال:

ان القول باشتراط القربة بالمعنى المتقدم قد يكون منشؤه الإجماع على وجوبها مع ظهورها في ذلك، و به تمتاز عن نية غيرها من قصد جلب الثواب أو دفع العقاب، بل مما يرشد اليه ما نقل عن ابن طاوس في البشرى انه قال: «لم أعرف نقلا متواترا و لا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة، لكنا علمنا يقينا أنه لا بد من نية القربة، و لو لا ذلك لكان هذا من باب

«اسكتوا عما سكت الله عنه»(2)

انتهى. فان قوله و لو لا ذلك الى آخره ظاهر في إرادة القربة بالمعنى الأول، و إلا ففي المعنى الثاني لا يكون من باب

«اسكتوا عما سكت الله عنه»

لأنا نقول أما دعوى الإجماع على اشتراط نية القربة بالمعنى المتقدم ان لم يكن ممنوعا فهو محل الشك، و ما ذكره من كلام ابن طاوس لا دلالة فيه على ذلك، لأنه قد يكون المقصود منه المعنى الثاني، و لو لا ما ذكرنا من الأدلة عليه من توقف الإطاعة و الامتثال و أدلة الإخلاص التي أفادتنا اليقين بذلك لكان من باب

«اسكتوا عما سكت الله عنه»

و هو كذلك، و احتمال القول انه لا فرق معنوي بين المعنى الأول للقربة و الثاني فيه مالا يخفى، نعم قد يظهر من ابن زهرة في الغنية إيجاب معنيي القربة، متمسكا للأول منهما بنحو قوله تعالى (3)«اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ»


1- 1 سورة البينة- الآية 4.
2- 2 تفسير الصافي- سورة المائدة الآية- 101- و البحار الباب- 33- من أبواب كتاب العلم- حديث 5.
3- 3 سورة العلق- الآية 19.

ج 2، ص: 89

و قوله تعالى (1)«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» فان المعنى افعلوا ذلك على رجاء الفلاح، و قوله تعالى (2)«وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ» و فيه ما لا يخفى، بل الإجماع على خلافه، إذ هو مؤد إلى فساد عبادة الأولياء الذين لا يخطر ببالهم ذلك، فتأمل.

و هل يجب مع نية الوجوب أو الندب أو مع نية القربة نية رفع الحدث عينا، أو مخيرا بينه و بين الاستباحة أو نية استباحة شي ء مما يشترط فيه الطهارة كذلك أي عينا أو تخييرا، أو يجبان معا، أو لا يجب شي ء منهما؟ أقوال الأظهر منها أنه لا يجب شي ء من ذلك، للأصل و خلو الأدلة عن التعرض بشي ء منها كتابا و سنة مع عموم البلوى بالوضوء، و لما تسمعه من ضعف أدلة الموجبين، بل يظهر لك من ذلك ما يفيد المطلوب قوة، و يحتج للأول و هو وجوب نية رفع الحدث كما يقضي به الاقتصار عليه في عمل يوم و ليلة على ما نقل عنه بأنه انما شرع لذلك، فان لم يقصد لم يقصد الوضوء على الوجه المأمور به الذي شرع له، و لاشتراك الوضوء بينه و بين غير الرافع، فوجب تميزه بذلك، و بأنه ان لم ينو لم يقع، لما دل (3)على أن

«لكل امرئ ما نوى

و

انما الأعمال بالنيات»

و لبعض ما تقدم في نية الوجه.

و ضعف الجميع واضح، لان كون الوضوء مشروعا لذلك لا يقضي بوجوب نيته و قصده، بل لو كان جاهلا بما شرع له لم يؤثر في وضوئه فسادا فلو فرض شخص لم يعرف تسبيب الأحداث لهذه الأفعال و مانعيتها للصلاة بدون فعل الوضوء لكن علم أن هذه الأفعال مطلوبة للشارع فجاء بها بعنوان الإطاعة إما على وجه الوجوب أو الندب كان وضوؤه صحيحا و ارتفعت مانعيتها، لما يظهر من الأدلة انها سبب رافع له، و من


1- 1 سورة الحج- الآية 76.
2- 2 سورة التوبة- الآية- 100.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 10.

ج 2، ص: 90

المعلوم أن السبب لشي ء غير موقوف تأثيره على العلم بسببيته، إذ الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية لا تتوقف على ذلك، فمن ادعى ان قصد ذلك من تمام السببية شرعا كان عليه الدليل، بل هو خلاف ظاهر الأدلة من الكتاب و السنة، لاشتمالها على الوضوءات البيانية و غيرها من

قوله (عليه السلام)(1): «لا ينقض الوضوء إلا حدث»

و

«من توضأ وضوئي هذا»(2)

و نحو ذلك، فتأمل.

و أما اشتراك الوضوء بينه و بين غير الرافع ففيه انه ليس اشتراكا موجبا لتعدد الفعل في وقت واحد حتى يوجب التمييز، بل الرافعية و عدمها انما هي أوصاف لاحقة له في الخارج مستفادة من الشارع لا دخل لترتبها بالنية، ضرورة انه بمنزلة أن يقول هذه الأفعال ان صادفت موضوعا ليس متلبسا إلا بالحدث الأصغر رفعته، و إلا فلا ترفع، فهو أي الرفع و عدمه حكم من الشارع خارجي قد يعلمه المكلف، و قد يجهل به، وفى الحالتين يؤثر الوضوء أثره، بل يمكن ان يقال فيما لو فرض مكلف زعم نفسه جنبا مثلا فتوضأ مع ذلك وضوء الجنب ثم بان له انه ليس جنبا: بارتفاع حدثه و صحة وضوئه كما لو كان العكس يكون صوريا، لما عرفت من أن تسبيب ذلك ليس دائرا مدار القصد، و قصد التعيين ليس منحصرا في قصد رفع الحدث، بل تكفي نية الاستباحة عنه، لتلازمهما كما ستسمعه في كلام أهل القول بالتخيير.

و أما القول بأنه ان لم ينو لم يقع ففيه انه مصادرة، بل الرواية ظاهرة في أن من قصد شيئا وقع له، فمن قصد الوضوئية تقع له، و متى وقعت له ارتفع الحدث، لعدم اجتماعهما في موضوع لم يكن متلبسا إلا بالحدث الأصغر الغير الدائم، مع احتماله فيه في وجه أيضا، و لمكان التلازم في الخارج بين رفع الحدث و استباحة المشروط بالطهارة خير بعضهم بينهما، و هو المذهب الثاني، و هو مختار الشيخ في المبسوط، و تبعه عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 91

بعض من تأخر عنه كالمصنف (رحمه الله) في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه و غيرهم، بل في السرائر إجماعنا منعقد على أنه لا تستباح الصلاة إلا بنية رفع الحدث أو نية استباحته بالطهارة، لكنه صرح الشيخ و ابن إدريس بعدم الاكتفاء بنية ما كانت الطهارة مؤثرة في كماله، و حكم بعدم صحة الوضوء حينئذ، و اختار بعض من وافقه في الأول خلافه في الثاني، لأنه لا فرق بين ما كانت الطهارة شرطا في صحته و بين ما كانت شرطا في كماله في لزومهما لقصد رفع الحدث، و احتمال الغفلة عن ذلك في الثاني جار في الأول أيضا، و لعله الأقوى بناء عليه، نعم لا يخفى عليك ما فيه، لما تقدم سابقا، بل قد يقال:

ان تلازمهما في الواقع لا يقضي به في قصد المكلف، و المقصود الثاني، فإنه قد يعرف المكلف اشتراط صحة الصلاة بهذه الأفعال و لا يعرف انها رافعة لحكم الحدث من المنع للصلاة، إذ قد يجهل مانعيته، فدعوى ان قصد الاستباحة يلزمه قصد الرفع ممنوعة، بل قد يمنع التلازم في الواقع أيضا بحصول الاستباحة و لا رفع كوضوء المسلوس و المبطون و المستحاضة و نحوها، فلا يكتفى بنيتها عنه، و القول بأنه لا فرق معنى بين الاستباحة و رفع الحدث، إذ الحدث عبارة عن الحالة المترتب عليها منع الصلاة، فمتى حصلت الاستباحة ارتفعت فيه ان مرجعه إلى نزاع لفظي يأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى، بل قد يقال: بانفكاك الرافع عن المبيح بوضوء الحائض، لرفع حدثها الأكبر مع الغسل و لا إباحة فيه، و كذا القول بالاكتفاء ليس لمكان التلازم، بل لظهور قوله تعالى (1)«إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» في إرادة اغسلوا وجوهكم لها نحو قولك: إذا لقيت العدو فخذ سلاحك أي للقائه، و الأمر يقتضي الاجزاء، إذ فيه انه حينئذ لا معنى للاكتفاء بنية رفع الحدث كما زعمتم، و حمل الأمر على الوجوب التخييري مجاز بلا قرينة، بل لا معنى للتعدي إلى غير الصلاة مما شرط صحته بالطهارة، و أولى منه عدم التعدي لما شرط كماله بها، و مما سمعت من الآية يظهر لك وجه من اقتصر على


1- 1 سورة المائدة- الآية 8.

ج 2، ص: 92

نية الاستباحة، كما لعله يظهر من الشيخ في الخلاف و المنقول عن المرتضى و الشيخ في الاقتصاد، لاقتصارهما على ذكرها، لكن فيه- مضافا إلى ما سمعت من أن الاستباحة و الرفع أمران مترتبان على هذه الأفعال علم المكلف أو جهل فضلا عن النية و عدمها، لكونها من الأوصاف الخارجية التي رتبها الشارع عليها- ان ما ذكر من الآية لا دلالة فيه على وجوب نية كونه للصلاة، إذ كونه لها لا يفيد أزيد من توقف صحتها عليه، و أنه ليس واجبا لنفسه، و هو لا مدخلية له فيما نحن فيه، و ما ضربه من المثال بأخذ السلاح ليس بأوضح مما نحن فيه، بل هما من واد واحد، و القول بان السيد إذا قال: لعبده قم لاكرام زيد مثلا لا ريب في انه لا يعد ممتثلا إذا قام لا بهذا القصد- لظهور ان امتثال هذا التكليف لا يكون إلا بالقيام مقصودا به ذلك، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده- مسلم، لكن نمنع أن ما نحن فيه منه، لعدم ذكر القيد في العبادة، فالأمر فيه إلى المفهوم عرفا، و هو هنا انما يفيد كون علة الأمر بالوضوء الصلاة، فليس معنى الآية ان غسل الوجه للصلاة واجب عليكم ليكون متعلقا بالغسل حتى يكون الجميع متعلق الأمر، بل المعنى و الله أعلم اني أطلب للصلاة غسل الوجه، و الفرق بينهما واضح.

و مما سمعت من عدم التلازم بين الاستباحة و رفع الحدث مفهوما و وجودا اختار بعضهم وجوب جمعهما في النية، كما في التذكرة و عن الكافي و الغنية و المهذب و الإصباح، و هو المذهب الرابع، و قد عرفت ضعفه مما تقدم سابقا، و كان الأقوى عدم وجوب شي ء منها كما اختاره المصنف، و هو المنقول عن الشيخ في النهاية، و اختاره جماعة من المتأخرين و جميع مشايخنا المعاصرين، و ربما كان ظاهر من ترك التعرض لأصل النية أيضا كما نقل عن المتقدمين، و لنعم ما قال ابن طاوس في البشرى على ما نقل عنه:

«اني لم أعرف نقلا متواترا و لا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة» إلى آخره. و لا تغفل عن كثير مما قدمناه في نية الوجه من السيرة و غيرها، فإنها جارية هنا، و أني للأعوام و معرفة الفرق بين رفع الحدث و الاستباحة أو عدمه، وفى كشف

ج 2، ص: 93

اللثام «لعل من أوجب التعرض لهما أو لأحدهما أراد نفي ضد ذلك بمعنى أن الناوي لا يجوز له ان ينوي الوجوب أو الندب لنفسه، فلا شبهة في بطلان الوضوء حينئذ، أما إذا نواه مع الغفلة عن جميع ذلك فلا دليل على بطلانه» انتهى.

قلت إن أراد بالضد قصد المكلف لعدم رفع الحدث مع قصده الوضوء فللبطلان وجه، لانه داخل في قسم التشريع، أو لأن ما نواه غير ممكن الوقوع، و إن أراد غير ذلك كما لعله الظاهر من كلامه و تفسيره ففيه نظر لما عرفت سابقا، مع احتمال الصحة في الأول، لأنه يكون غالطا في قصده عدم رفع الحدث، نعم إذا انحل إلى عدم قصده الوضوء اتجه ذلك، و لعله من جميع ما تقدم لك و من ملاحظة أخبار التجديد(1)و أنه

«طهر على طهر»(2)

و «نور على نور»(3)

مما يفيد مساواته للأول يظهر لك أن من توضأ بنية التجديد ثم صادف الحدث في الواقع صح وضوؤه و ارتفع حدثه، و قصد التجديدية لا يمنع تسبيب هذه الأفعال في مسببها، إذ وصف التجديدية وصف خارجي لاحق بعد وجود موضوعه الذي جعله الشارع فيه، و هو المسبوق بوضوء، و كذلك لا يبعد العكس بمعنى انه لو زعم أنه غير متوضئ ثم توضأ بنية أنه الوضوء الواجب مثلا ثم ظهر له انه كان متوضئ فإنه يحكم له بحصول ثواب التجديد و إن لم يقصده، لثبوت وصفه في الواقع فتأمل جيدا. و من العجيب ما في المعتبر من اختيار الاجتزاء بالوضوء التجديدي مع اشتراطه في السابق وجوب نية الرفع أو الاستباحة، إذ هو لا ينطبق على ما هنا، نعم يصح لمن لم يقل باشتراطهما هناك ان يقول بعدم الاجتزاء هنا، لأن عدم اشتراط القصد غير قصد العدم، و هو في الوضوء التجديدي ينحل إلى ذلك، لكنك قد عرفت ان الأصح الاجتزاء فيه، لما سمعت.

و لا يعتبر النية بمعنى القصد فضلا عن غيرها في طهارة الثياب و لا غير ذلك مما يقصد به رفع الخبث إجماعا و قولا واحدا بين أصحابنا، بل بين غيرهم عدا


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوضوء- حديث 8.

ج 2، ص: 94

ما ينقل عن أبي سهل من الشافعية، قيل و حكي عن ابن شريح من الافتقار إلى النية، و هو كما ترى، و لعله بما سمعت من الإجماع يخص أصالة الاحتياج إليها في كل أمر لو سلمت، لكن قال في المدارك: «ان الفرق بين ما يحتاج إلى النية من الطهارة و نحوها و ما لا يحتاج من إزالة النجاسات و ما شابهها ملتبس جدا، لخلو الأخبار من هذا البيان.

و ما قيل: ان النية انما تجب في الأفعال دون التروك منقوض بالصوم و الإحرام، و الجواب بان الترك فيهما كالفعل تحكم، و لعل ذلك من أقوى الأدلة على سهولة الخطب في النية و ان المعتبر فيها تخيل المنوي بأدنى توجه، و هذا القدر أمر لا ينفك عنه أحد من العقلاء كما يشهد به الوجدان، و من هنا قال بعض الفضلاء: (لو كلف الله الصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية كان تكليف مالا يطاق) و هو كلام متين لمن تدبره» انتهى.

قلت: قد يكون منشأ الإجماع هو كون إزالة النجاسة من قبيل التروك يراد بها رفع القبيح عن الوجود في الخارج فلا تتوقف على النية، أو يقال: انا لا نقول في مثل المقام: بتحقق الامتثال حال عدم النية، نعم نقول: بحصول الطهارة للثوب حال عدمها، و هو غير قادح إذ لم يعلم من الأدلة اشتراط حصول الطهارة بصدق مسمى الامتثال، بل الظاهر من الأدلة خلافه، لكون المستفاد منها انها تحصل بحصول مسمى الغسل، فيكون التحقيق حينئذ ان الأمر إما أن يتعلق بما لا يعرف ماهيته و حصول مسماه إلا من قبل الشرع كالوضوء و الغسل و نحوهما، أو يتعلق بما لا مدخلية للشرع فيه كالأمر بغسل الثياب و الأواني و نحو ذلك، فان كان الأول و قد رتب الشارع أحكاما شرعية على حصول المسمى فالظاهر الاحتياج إلى النية، إذ بدونها لا يعلم حصول المسمى، و إن كان الثاني و قد رتب الشارع كذلك فالظاهر عدم الاحتياج في حصول تلك الأحكام إلى النية، لتحقق المسمى بدونها الذي علق عليه وجود الأحكام بدونها، هذا كله حيث تعلق الآثار على مبدء الأوامر كأن يقول: اغسل ثوبك فان الغسل يزيل النجاسة، أما لو وقع الأمر بالغسل مثلا و لم يذكر تعليق الآثار على المبدء

ج 2، ص: 95

و لم يعلم أن الآثار مترتبة على تحقق الامتثال أو على حصول المسمى فقد يتخيل أن الاستصحاب يقضي بالأول، لكن الأقوى في النظر الثاني، للفهم العرفي أن المدار على حصول المسمى، بخلاف ما إذا كان متعلق الأمر مع هذا الحال نحو الوضوء، فان الظاهر تعليق الأحكام على تحقق الامتثال و إن سلم تحقق مسمى الوضوء بدون ذلك، و بذلك كله يندفع ما سمعته في المدارك مع ما في كلامه الأخير من العجب أي استشعاره من ذلك سهولة أمر النية، إذ لا يخفى ان إزالة النجاسة لا يشترط فيها شي ء مما ذكره من السهل و غيره، فلو وقع غفلة أو في حال النوم أو غير ذلك اجتزي به، هذا. و إلى ما ذكرنا يرجع ما نقل عن الأمين الأسترابادي في رفع ما في المدارك و ان أطنب فيه، إذ حاصله الرجوع إلى أن ذلك يتبع نظر الفقيه في المقامات الخاصة، لمكان النظر في كيفية الخطابات و غيرها مما يقتضيه مراعاة المقامات، و إلا فالأصل الاحتياج إلى النية.

و لو ضم أي جمع إلى نية التقرب و قصد الطاعة و الامتثال للأمر الرباني إرادة التبرد أو التسخن أو التنظيف أو غير ذلك من الضمائم مما هو حاصل في الفعل أو مطلقا و ليس برياء و لا من الضمائم الراجحة كانت طهارته مجزية إن كان المقصد الأصلي إرادة التعبد و غيرها من التوابع، لعدم منافاته الإخلاص حينئذ، و قد يلحق به ما إذا كان كل من التقرب و التبرد باعثا تاما لإيقاع الفعل على إشكال فيه من جهة احتمال شمول ما دل (1)على عدم وقوع الفعل لله حيث يكون الفعل له و لغيره، أما إذا كان المقصد التبرد عكس الأول أو كانا معا على سبيل الاشتراك في الباعثية بحيث يكون كل منهما جزء فالأقوى البطلان كما هو صريح بعضهم و قضية آخرين، خلافا لظاهر المتن و كذا المبسوط و الجامع و المعتبر و المنتهى و الإرشاد و غيرها، فحكموا بالصحة، بل نسبه الشهيد في قواعده إلى أكثر الأصحاب، و في المدارك: أنه الأشهر، محتجين عليه بأنه ضميمة زيادة غير منافية، فكان كاعلام الامام مع قصد الإحرام، و لحصولها


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 2، ص: 96

على كل حال، بل قد يعسر عدم القصد إليها مع التنبه، و لأنه إذا وجد المكلف ماءين حارا و باردا جاز له اختيار البارد في الهواء الحار و الحار في البارد، بل أفرط بعض متأخري المتأخرين في تأييده بأنه لا دليل هنا يدل على أزيد من اشتراط القربة في الجملة سواء استقلت أو لا، و الجميع كما ترى، لمنع عدم المنافاة

في الأول، إذ المراد بالإخلاص انما هو قصد الفعل بعنوان الطاعة و الامتثال خاصة لا غير، و ما ذكره من المثال فيه- مع احتمال كونه ليس مما نحن فيه باعتبار تعدد ما قصد به لكون الإحرام باللفظ و الاعلام بالجهر أو لأنه من الضمائم الراجحة و لها حكم آخر تسمعه إن شاء الله- انه لا يصلح لأن يكون دليلا للمسألة و عدم اقتضاء الحصول كون الفعل له في الثاني، و إلا لصح في الرياء، و دعوى عسر عدم القصد إليها ممنوعة إذا أريد بالقصد الأصلي، و لا يثمر إن أريد غيره، و مثال الماءين ليس مما نحن فيه، بل هو من المرجحات لأفراد الواجب المخير الخارجة عنه بعد كون الداعي إلى الفعل انما هو الله، و ذلك غير قادح من غير فرق بين كون المرجح مباحا أو مستحبا أو غيرهما، و لا ينبغي أن يصغى لما سمعت من الإفراط المتقدم بعد قضاء الكتاب و السنة و الإجماع باعتبار الإخلاص في العبادة، بل قد يدعى توقف صدق الامتثال عليه، و من الممكن تنزيل إطلاق المصنف و غيره الصحة على الصورتين السابقتين، كما أنه يمكن تنزيل إطلاق الفساد على الصورتين الأخيرتين فيرتفع الخلاف من البين.

و أما إذا كانت الضميمة رياء فلا ثواب عليها إجماعا، و غير مجزية على المشهور، بل لا أعلم فيه خلافا سوى ما عساه يظهر من المرتضى (رحمه الله) في الانتصار من القول بالاجزاء و إن كان لا ثواب عليها، و ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين، وفي جامع المقاصد انه لو ضم الرياء بطل قولا واحدا، و يحكى عن المرتضى (رحمه الله) خلاف ذلك، و ليس بشي ء، قلت و بالأولى يعرف النزاع منه فيما تقدم.

ج 2، ص: 97

و كيف كان فلا ريب في ضعفه حيث يكون الضم على وجه ينافي الإخلاص، و يدل على اشتراطه في الصحة- بعد الشهرة التي كادت تكون إجماعا بل هي كذلك، لعدم قدح خلاف المرتضى فيه، على أن عبارته في الانتصار غير صريحة في ذلك- الكتاب كقوله تعالى (1)(وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) إذ الحصر قاض بأن فاقدة الإخلاص لا أمر بها، فلا تكون صحيحة، و لا فرق في ذلك بين أن تكون اللام للتعليل و بين جعلها بمعنى الباء، بل هي على الأول أدل، و كون الآية خطابا لأهل الكتاب غير قادح بعد قوله تعالى (وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) لكون المراد به المستمرة على نهج الصواب، و احتمال أن يراد الإخلاص من عبادة الأوثان يدفعه ظهور كون المراد به أعم من ذلك، بل في القاموس و الصحاح أنه ترك الرياء، و يدل عليه أيضا قوله تعالى (2)(فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) و قوله تعالى (3)(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً) و غير ذلك من الآيات المتضمنة للأمر بالعبادة حال الإخلاص الدالة على عدم الأمر بها في غير هذا الحال ان قلنا بحجية نحو هذا المفهوم، و إلا كان الخصم محتاجا الى الدليل في صحة فاقدة الإخلاص، و التمسك بإطلاقات الصلاة و الوضوء و نحوهما موقوف على صدق الاسم بعد فقده، و ان سلم فالظاهر مما سمعت من الآيات اشتراط صحة العبادة بالإخلاص كقوله صل مستترا أو مستقبلا أو متوضئ، و به يقيد سائر المطلقات، على انه و إن سلمنا صحة اسم الوضوء و الصلاة على فاقدة الإخلاص لكنا نمنع إطلاق اسم العبادة عليه، و حيث لا يكون عبادة لا يجتزى به، لقوله تعالى (وَ ما أُمِرُوا) فتأمل. و قد يشعر بذلك ما رواه

أبو بصير عن الصادق (عليه السلام)(4)قال: سألته «عن حد العبادة التي إذا


1- 1 سورة البينة- الآية 4.
2- 2 ما وجدناه في القرآن.
3- 3 سورة الزمر- الآية 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 2.

ج 2، ص: 98

فعلها فاعلها كان مؤديا قال (عليه السلام): حسن النية بالطاعة»

و يدل عليه أيضا السنة، (منها) الأخبار(1)التي كادت تكون متواترة الدالة على انه متى كان العمل لله و لغيره كان لغيره و أنه وكله الله إليه، وفي

خبر هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «يقول الله عز و جل أنا خير شريك فمن عمل لي و لغيري فهو لمن عمله له غيري»

و (منها) ما دل (3)على كون المرائي مشركا، و انه المراد بقوله تعالى (4)«وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» و قد تحقق في محله ظهور كون النهي فيها يقتضي الفساد و إن كان عن أمر خارج عنها لكنه فيها كالتكفير في الصلاة، مع ان النهي هنا عن الأعمال على وجه الرياء كما يستفاد من النظر في رواياته، و هذا لا ينافي القول بكون الرياء محرما في نفسه سواء كان في عبادة أو غيرها، على انه في غاية الإشكال بالنسبة إلى غير العبادات، بل لعل الأقوى عدمه، للأصل السالم عن المعارض، كما ان الأقوى الحرمة في العبادة لا مجرد الفساد كما يظهر من تتبع الأخبار، و يلحق بها في ذلك الأفعال التي تقع عبادة و غيرها إذا أوقعها بعنوان العبادة مرائيا بها، و (منها) ما دل على عدم قبول عمل المرائي ك

قول أبي جعفر (عليه السلام)(5)في رواية أبي الجارود على ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره:

«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: لا يقبل الله عمل مراء»

و

قول الصادق (عليه السلام)(6) في خبر السكوني: «قال النبي (صلى الله عليه و آله): ان الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز و جل اجعلوها في سجين انه ليس


1- 1 الوسائل- الباب- 8- و 12- من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 13.
4- 4 سورة الكهف- الآية. 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 13.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 3.

ج 2، ص: 99

إياي أراد به»

و

قوله (عليه السلام) أيضا(1)في خبر عقبة: «إن ما كان لله فهو لله و ما كان للناس فلا يصعد إلى الله»

و

قوله (عليه السلام)(2)أيضا في خبر ابن أسباط:

«قال الله تعالى أنا أغنى الأغنياء عن الشريك، فمن أشرك معي غيري لم أقبله إلا ما كان خالصا لي»

الى غير ذلك من الأخبار، و دعوى أن القبول أعم من الصحة بقرينة قوله تعالى (3)(إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) و نحوه لا شاهد عليها، مع مخالفتها الظاهر و المتبادر، و الآية محمولة على ضرب من المجاز حتى عنده، لعدم اشتراطه التقوى في القبول.

و قد يستدل عليه أيضا بأخبار النية ك

قوله (صلى الله عليه و آله)(4): «إنما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى فمن كان هجرته» الحديث.

فإنه و ان قلنا بكون النية حقيقة في القصد لكن يراد منها و لو مجازا في مثل هذه الخطابات النية الخاصة، و بأن عدم الإخلاص ينافي نية القربة الثابت اشتراطها بالإجماع المنقول و المحصل، و المراد بها على ما تقدم فعل المكلف المأمور به بعنوان أمر الله به خاصة، و ما يقال: انه قد يظهر من المرتضى النزاع في أصل اشتراطها و إن قال بوجوبها إلا أنه تعبدي لا شرطي لذكره العبادة المقصود بها الرياء و هو ظاهر في غير ضميمة الرياء فلا يجتمع مع القربة يدفعه- مع بعده و عدم معروفية نزاعه في ذلك- انه غير قادح في الإجماع المدعى، على أنه في غير الإجماع مما دل على اشتراطها غنية، كل ذا فيما نافى الإخلاص من الرياء، أما مالا ينافيه كما إذا أخذ الرياء ضميمة تابعة أو كان كل من القربة و الرياء باعثا مستقلا ان قلنا به فيما سبق فلعل الظاهر الفساد أيضا كما هو قضية إطلاق الأصحاب، خلافا لما يظهر من بعض محققي المتأخرين.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 11 و لكن رواه علي بن سالم.
3- 3 سورة المائدة- الآية 30.
4- 4 المستدرك- الباب- 5 من أبواب مقدمة العبادات- حديث 5.

ج 2، ص: 100

و يدل عليه- مضافا إلى ما ورد في عدة روايات (1)ان

كل رياء شرك،

و

إياك و الرياء فإنه الشرك بالله،

و ما ورد من التحذير عنه و انه

أخفى من دبيب النملة السوداء في الليل المظلم

مما يدل على مبغوضية أصل طبيعة الرياء في الأعمال على أي حال وقع-

خبر زرارة و حمران عن أبي جعفر (عليه السلام)(2)قال: «لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا»

لشمول الإدخال ما نحن فيه فتأمل، بل قد يستدل على الصورة الثانية بدخولها تحت ما دل (3)على أن من عمل لله و لغير الله وقع لغير الله، إذ هو أعم من الاشتراك بالعلية أو الاستقلال، بل لعله في الثاني أظهر كما هو قضية العطف، لكن ينبغي إدخال هذه الصورة حينئذ فيما نافى الإخلاص، لمكان ظهور هذه الأدلة ان من عمل كذلك لم يكن مخلصا كما يشعر به خبر ابن أسباط المتقدم و غيره. و منه ينقدح حينئذ قوة الإشكال السابق في صحة ضميمة غير الرياء إذا كانت كذلك كما أشرنا سابقا، و الظاهر أنه لا عبرة بما تجري على خاطر الإنسان من الخطرات التي هي غير مقصودة و لا عزم عليها كما يتفق كثيرا لأغلب الناس.

و ربما ألحق بعض مشايخنا العجب المقارن للعمل بالرياء في الإفساد، و لم أعرفه لأحد غيره، بل قد يظهر من الأصحاب خلافه، لمكان حصرهم المفسدات و ذكرهم الرياء و ترك العجب مع غلبة الذهن إلى الانتقال إليه عند ذكر الرياء، نعم هو من الأمور القبيحة و الأشياء المحرمة المقللة لثواب الأعمال، لكن قد يؤيد الفساد ظواهر بعض الأخبار (منها) ما دل (4)على كونه من المهلكات، و (منها) النهي (5)


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمة العبادات.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.

ج 2، ص: 101

عن إخراج النفس عن حد التقصير في عبادة الله عز و جل و طاعته، و (منها) ما رواه

ابن الحجاج (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال إبليس لعنه الله: إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم أبال ما عمل، فإنه غير مقبول منه، إذا استكثر عمله و نسي ذنبه، و دخله العجب»

و (منها) ما في

خبر أبي عبيدة(2)عن الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «قال الله تعالى: ان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي الى ان فاض به النعاس الليلة و الليلتين نظرا مني له و إبقاء عليه، و لو أخلي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه، لعجبه بأعماله، و رضاه عن نفسه، فيتباعد مني عند ذلك و هو يظن أنه يتقرب إلى»

و (منها)

خبر علي بن سويد عن أبي الحسن (عليه السلام)(3)قال: سألته «عن العجب الذي يفسد العمل، فقال العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب انه يحسن صنعا، و منها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله و الله عليه فيه المن»

و (منها) ما رواه

إسحاق بن عمار(4)عن الصادق (عليه السلام) قال: «أتى عالم عابدا إلى أن قال: قال العالم للعابد: ان المدل لا يصعد من عمله شي ء»

و (منها) ما رواه في الوسائل عن

العلل و التوحيد(5)مسندا عن النبي (صلى الله عليه و آله) عن جبرئيل (عليه السلام) في حديث قال: «إن من عبادي لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده»

و الكل كما ترى، و أولى ما يستدل به لذلك ما رواه

يونس بن عمار عن الصادق (عليه السلام)(6)قال: «قيل له و أنا حاضر الرجل يكون في صلاته خاليا فيدخله العجب، فقال إذا كان أول


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1 مع زيادة في الوسائل.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 17.
6- 6 الوسائل- الباب- 24- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 3.

ج 2، ص: 102

صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان»

فإنه بالمفهوم دال على المطلوب، و يدل أيضا بالمنطوق على عدم الإفساد لو وقع في الأثناء و بالأولى الواقع بعده، بل مقتضى عموم (ما) أن الرياء كذلك إلا انه لما لم يثبت اعتبار سند الرواية و لا جابر بل و لا صريحة الدلالة كان الأقوى في النظر عدم الابطال بالعجب مطلقا و لا بالرياء بعد العمل، و أما ما كان في الأثناء فوجهان، أقواهما البطلان، هذا.

و إذا كانت الضميمة راجحة فيصح كما صرح بذلك جماعة، بل في شرح الدروس الاتفاق عليه، و يظهر من بعضهم نفي الخلاف فيه، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى عدم منافاته للإخلاص بل هو من مؤكداته- ملاحظة الأخبار، لتضمنها بيان كثير من الأمور الراجحة المرادة في الواجبات و المندوبات، و لو أن ملاحظة مثل هذه الأمور مفسدة للعمل لكان الذي ينبغي ترك بيانها كي لا تلاحظ، فتنافي مع ما ورد من فعل الوضوء منهم و الصلاة مع قصد التعليم، و الأمر باطلة الركوع للانتظار، و إعطاء الزكاة للاقتداء، و التكبير للاعلام و نحو ذلك، لكن ينبغي ان يعلم أن المراد بالصحة هنا من حيث ملاحظة الرجحان، و إلا فمع عدمه يكون كالضمائم المباحة من التبرد و نحوه، و القول بان المراد بالراجحة الراجحة في نفسها كأن يكون من مكارم الأخلاق و نحوه لا من حيث الاستحباب الشرعي و عدمه فلا فرق بين ملاحظة الرجحان و عدمه لا وجه له، إذ بعد تسليم تحقق مثل ذلك لا يصلح لأن يكون مائزا بينه و بين الضمائم المباحة، فتأمل.

ثم الظاهر انه لا فرق فيما ذكرنا من الصحة بين كون كل منهما علة مستقلة أو كان المجموع علة مستقلة، بل قد يظهر من بعضهم الصحة حتى فيما لو كان المقصود الضميمة أصالة و العبادة تبعا، لكنه في غاية الإشكال، بل الأقوى عدمه، فإنه لو صام بقصد الحمية لا بقصد شهر رمضان بحيث كان الأول هو العلة و لولاه لم يفعل لا يكون مطيعا بالنسبة للأمر الصومي، و لا ممتثلا ل

قوله (ص): «إنما الأعمال بالنيات»

نعم قد يحصل له ثواب

ج 2، ص: 103

بالنسبة للمندوبات لو لاحظها و لو تبعا، بل يمكن النظر في الاجتزاء بالصورة الثانية بالنسبة للواجب، اللهم إلا أن يستند للإجماع السابق.

و قد يظهر لك فيما يأتي انه لا معنى للإطلاق المذكور في جميع الضمائم، بل نقول ان الضمائم لا تداخل فيها حيث تكون من قبيل الجهات المتعددة للعمل الواحد المشخص كما تقدم نظيره بالنسبة إلى غايات الطهارة الصغرى، و كذا فيما كان منها من قبيل تعلق الأمر بكليين مختلفين يتفق اجتماعهما في فرد لا اجتماع صدق بالنسبة إلى ذلك الفرد، بل هو صورة اجتماع في فرد، و إلا ففي الحقيقة هما فردان مختلفان نظير ما تقدم سابقا في المسح و الغسل، إذ لا يتصور التداخل فيه، و أما فيما كان منها من قبيل الأغسال فهي من التداخل قطعا، و في أحد الوجهين فيما كان منها من قبيل تعلق الأمر بكليين بينهما العموم من وجه، و تحته صورتان، الأولى أن يكون في متعلق الأمر كقوله أكرم عالما أكرم شاعرا، الثانية أن يكون في نفس الأمرين، و لعل الأولى أقرب إلى التداخل من الثانية، و لا يخفى عليك اختلاف الحكم فيما كان من قبيل التداخل و عدمه، فيحتاج إلى الدليل في الأول دون الثاني، مع اختلاف الحكم بالنسبة للنية أيضا فتأمل جيدا.

و وقت النية استحبابا عند ما استحب من غسل الكفين للوضوء كما في الوسيلة و المعتبر و المنتهى و التحرير و القواعد، بل في البيان انه المشهور، و جوازا كما في الدروس و الذكرى و الروض و غيرها، و على كل حال فالمستند أنه أولى أجزاء الوضوء الكامل، فتصح مقارنة النية له، إذ لا دليل على وجوب مقارنتها للواجب لكون الإجماع محصلا و منقولا، و

قوله (عليه السلام): «لا عمل إلا بنية»

و آية الإخلاص (1)و غيرها أقصى ما توجب المقارنة لأول العمل لا الواجب منه، بل لعل مقتضاها إيجاب المقارنة للأجزاء المندوبة إذا أريد تحصيل الفرد الكامل المشتمل عليها، لأن


1- 1 سورة الزمر- الآية 2- و سورة البينة- الآية 4.

ج 2، ص: 104

إفرادها بالنية مع كونها بعض العمل كوقوع النية عند غسل الوجه و هو وسط العمل حقيقة لا أوله لا يخلو من تأمل و نظر، لكن ذلك كله موقوف على ثبوت جزئية غسل اليدين من الوضوء و لم يثبت، بل لعل ظاهر الأدلة يقضي بخلافه، و نفي الخلاف عن كونه من سنن الوضوء أعم من الجزئية، و احتمال الاكتفاء بذلك و إن لم يثبت الجزئية لا وجه له، و إلا لجاز التقديم عند غير ذلك من مستحبات الوضوء كالسواك و التسمية مع أنه غير جائز كما نص عليه جماعة، بل في الروض الإجماع عليه، و لذلك كله خص ابن إدريس في ظاهره جواز التقديم هنا عند المضمضة و الاستنشاق كما عن الغنية، بخلاف غسل الجنابة فجوز التقديم عندهما، و هو حسن، لكن اعترضه بعض بان الفرق بين الوضوء و الغسل تحكم، و آخر بعدم ثبوت جزئية المضمضة و الاستنشاق أيضا.

و قد يدفع الأول بملاحظة أخبار الغسل (1)فإنها ظاهرة في كون غسل اليدين جزء مستحبا لمكان ذكره في كيفية الغسل بخلافه هنا، و كذا الثاني بملاحظة أخبار المضمضة و الاستنشاق (2)فإنه و ان اشتمل جملة منها على كونهما ليسا من الوضوء لكن ذلك محمول فيها على واجباته جمعا بينها و بين ما دل على كونهما من الوضوء. فظهر أن قول ابن إدريس هو الأقوى في النظر، و بذلك كله تعرف ضعف ما ينقل عن ابن طاوس من التوقف في التقديم، نظرا إلى أن مسمى الوضوء الحقيقي غيرهما، و للقطع بالصحة إذا قارن عند غسل الوجه، و هما كما ترى سيما الثاني، إذ القطع لا يمنع الاكتفاء بالغير مع الظن من الأدلة الشرعية.

و كيف كان فبناء على جواز التقديم عند غسل اليدين ينبغي الاقتصار على الغسل المستحب للوضوء، كما إذا توضأ من حدث البول أو الغائط أو النوم و اغترف من إناء لا يسع كرا و نحو ذلك على ما ستعرف إن شاء الله تعالى، فلا يجوز عند الغسل المباح،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الجنابة.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 105

كما إذا كان الوضوء من الريح مثلا أو المحرم أو المكروه أو المستحب لغير الوضوء أو الواجب له كما إذا كانت اليد نجسة، و إن احتمل الجواز في الأخيرة لكونه أولى من الندب إلا أن الأقرب المنع لعدم كونه من أفعال الوضوء.

و يتضيق عند أول غسل الوجه و لا يجوز تأخيرها، لاستلزام وقوع بعض العمل حينئذ بلا نية، كما أنه لا يجوز تقديمها مع الفاصلة على جميع أجزاء العمل، لما فيه من تفويت المقارنة مع اعتبارها في أصل النية أو انها مقتضى ما سمعت من الدليل.

و ما ينقل عن الجعفي من أنه لا بأس ان تقدمت النية العمل أو كانت معه ضعيف، أو أنه يريد التقدم مع المقارنة المعتبرة ثم الغفلة عنها، و بالمعية الاستدامة الفعلية، أو انه يريد بالعمل الواجب منه بمعنى جواز تقديم النية عند غسل الكفين، أو أنه يريد بالتقدم ما لا يقدح في اعتبار المقارنة عرفا، فلا يوجب المقارنة الحكمية، كما عساه يظهر من جملة من عباراتهم، حتى انهم وقعوا في الاشكال في كيفية مقارنة تمام النية لأول العمل، و وقع منهم بسبب ذلك أمور لا ينبغي أن تسطر، أو انه يريد بيان كون النية هي الداعي لا الصورة المخطرة، فإنه حينئذ بناء على ذلك لا بأس في إيجاد الداعي سابقا على العمل أو مقارنا له، كما صرح به جماعة من القائلين بذلك. و من هنا ظهر من بعضهم سقوط هذا البحث أعني بحث التقديم عند غسل الكفين بناء على كون النية هي الداعي لأنه مستمر، بل لا يصدر الفعل الاختياري بدونه، و كذا بحث الاستدامة كما ستعرف، لعدم الفرق حينئذ بين الابتداء و الاستدامة في ذلك، و فيه نظر يعرف مما تقدم في النية، و قد نشير إليه في الاستدامة إن شاء الله تعالى.

و يجب في صحة الوضوء بل كل عبادة تعذر أو تعسر استدامة النية فيها فعلا استدامة حكمها إلى الفراغ كما في المبسوط و الجمل و العقود و الوسيلة و الإشارة و الغنية و السرائر و النافع و المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و غيرها، بل لا خلاف على الظاهر في اعتبارها، و المراد بها على ما فسرت في جملة مما سبق بل نسبة الشهيد

ج 2، ص: 106

إلى كثير و المقداد إلى الفقهاء مشعرا بدعوى الإجماع عليه أن لا تنقض النية الأولى بنية تخالفها، بل قد يرجع اليه ما في السرائر و الغنية أن يكون ذاكرا لها غير فاعل لنية تخالفها، مع دعوى الثاني الإجماع، و ذلك يجعل قولهما (غير) الى آخره تفسيرا لما قبله، و إلا فالإجماع محصلا و منقولا و غيره على صحة عبادة الذاهل، و انه لا يجب استمرار الذكر، و به يظهر أن مراده في الذكرى من تفسيره لها بالبقاء على حكمها و العزم على مقتضاها ما يرجع إلى المشهور أيضا، و انما ارتكب ذلك لما في تفسير المشهور من كونه بأمر عدمي، و لذا قال انه مبني على أن الباقي مستغن في بقائه عن المؤثر.

و لعل مراده بالباقي الإخلاص أو الصحة أو صفة العبادية، فأراد العدول عن التفسير بالعدمي ففسرها بذلك و هو ملازم له و سبب فيه، فلا ثمرة حينئذ بين التفسيرين و أما ما يقال: من أنه يريد إيجاب استمرار تذكر البقاء و العزم إلى الفراغ فينبغي أن يقطع بعدمه، و كيف و هو قد صرح بعدم بطلان العبادة مع الذهول عن ذلك غير متردد فيه، بل المحقق الثاني نقل الإجماع على ذلك، نعم يحتمل إرادة تجديد العزم كل ما ذكر، و به يحصل الفرق حينئذ لكنه لا دلالة في كلامه عليه، كما أنه يحتمل أن يكون الفرق بينهما بما تسمع إن شاء الله تعالى من بطلان الاستدامة بالتردد في إبطال العمل و عدمه، فإنه يتجه البطلان على تفسير الشهيد و العدم على الثاني.

و كيف كان فالدليل على اشتراط الصحة بها في الجملة بعد الإجماع المدعى ما ذكره بعضهم ان الأصل يقتضي إيجاب النية الفعلية لقيام دليل الكل في الاجتزاء إلا انه لما تعذر ذلك أو تعسر اكتفى بالاستمرار الحكمي، لعدم سقوط الميسور بالمعسور(1)و

«ما لا يدرك كله لا يترك كله»(2)

و نحو ذلك، و فيه- بعد إمكان منع كون الأصل كذلك، و

قوله (عليه السلام)(3): «لا عمل إلا بنية»

و نحوه لا دلالة فيه على أزيد من وجوب


1- 1 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
2- 2 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.

ج 2، ص: 107

تلبس العمل بنية في الجملة، على أنه لم يعلم إرادة النية الشرعية فيه- انه ينبغي حينئذ إيجاب تجديد النية على حسب الإمكان، لكون الضرورة تقدر بقدرها، أو إيجاب تذكر العزم من دون باقي مشخصات النية، على أنه بعد تسليم سقوط ذلك كله لا دليل على وجوب ما ذكروه من الاستمرار، و قولهم لا يسقط الميسور و نحوه لا يصلح لإثباته لما فيه من الاجمال المقرر في غير هذه المحال من الاقتصار به على التكليف ذي الجزئيات أو مع الأجزاء، على أن في كون ذلك منه منعا و تأملا سيما على التفسير المشهور للاستدامة.

و لعل الأولى في المستند للاشتراط المذكور- بعد الإجماع المنقول المؤيد بالتتبع المفضي إلى إمكان دعوى الحصول- توقف صدق كون العمل منويا عليها كما هو الشأن في سائر الأعمال المركبة، فإن نيتها بان يقارن أولها تمام النية ثم يبقى مستمرا على حكمها غير ناقض لها بنية تخالفها، و بذلك يصدق كون العمل منويا و مقصودا و إن حصل ما حصل من الغفلة في الأثناء ما لم يحصل النقض المذكور، فلا حاجة حينئذ إلى التقدير المتقدم، بل هو للإفساد أقرب منه للإصلاح، و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بأن النية هي الداعي أو الاخطار و الفرق بين الابتداء و الأثناء حينئذ، أما على الثاني فظاهر، و أما علي الأول فلما عرفت سابقا أنه يعتبر بناء على القول بالداعي الخطور في الابتداء دون العلم به، و ان ذلك مدار الفرق بينه و بين الاخطار، و إلا فلا فرق بينهما بالنسبة إلى عدم الاعتداد بعبادة الغافل محضا عند الابتداء، فيكون الفرق حينئذ بين الابتداء و الأثناء بناء على الداعي بان الغفلة و الذهول الماحيين لخطور الصورة يقدحان في الابتداء دون الأثناء، فتأمل جيدا. أو يقال كما ذكرنا سابقا انه بناء على الداعي لا بد من القصد إلى الفعل في الابتداء و إن لم يلتفت الذهن إلى الداعي بخلافه في الأثناء فإنه يكتفى به و إن وقع من غير قصد أو غير ذلك على ما يظهر لك من ملاحظة ما سبق منافي النية، هذا.

و قد وقع في الرياض ما ينافي بظاهره ذلك تبعا للأستاذ الأعظم في شرح المفاتيح

ج 2، ص: 108

و الفاضل صاحب الحدائق و المدقق الخوانساري، قال بعد أن ذكر تفسير الاستدامة بالمشهور و كلام ابني إدريس و زهرة: «إن مقتضاه اعتبار الاستدامة الفعلية كما هو مقتضى الأدلة، لوجوب تلبس العمل بالنية، و الحكمية مستلزمة لخلو جل العمل عنها، و مبنى الخلاف هو الخلاف في تفسير أصل النية هل هي الصورة المخطرة بالبال، أم نفس الداعي إلى الفعل فعلى الأول لا يمكن اعتبار الاستدامة الفعلية، إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوف واحد، فتعينت الحكمية، لقوله (عليه السلام): (ما لا يدرك) و على الثاني يمكن اعتبارها فيجب و حيث كان المستفاد من الأدلة ليس إلا الثاني بناء على دلالتها على اعتبار النية في أصل العمل و مجموعه، و هو ظاهر في وجوب بقائها في نفسها إلى منتهاه، و قد عرفت تعذره في المخطر، فلم يبق إلا الداعي، إلى أن قال: و مما ذكر ظهر سقوط كلفة البحث عن المقارنة و تقدمها عند غسل اليدين، لعدم انفكاك المكلف على هذا التقدير عنها، فلا يتصور فقدها عند القيام إلى العمل ليعتبر المقارنة لأول الواجبي أو المستحبي» انتهى. و هو كالصريح كغيره ممن نقلنا عنهم أنه لا فرق بين الابتداء و الاستدامة، و أنه لا وجه للبحث في التقديم عند غسل اليدين، و فيه ما لا يخفى، فإنه- مع مخالفته بعض ما هو مجمع عليه بحسب الظاهر- مستلزم لصحة وقوع العبادة بعد حصول الداعي مع الغفلة الماحية لأصل الخطور في الذهن كما يتفق ذلك في الأثناء، و هو بعيد جدا، أو أنهم يلتزمون فساد ما وقع فيها في أثناء ذلك حتى يتساوى الابتداء و الأثناء، و هو أبعد، و ما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك مع أن القول بالداعي لا يقتضيه كما تقدم.

و منه تعرف الوجه في مسألة تقديم النية عند غسل اليدين، و أنه يتصور له معنى بناء على الداعي، لما ظهر لك من الفرق بين الابتداء و الأثناء، فأما أن يعتبر الخطور عند غسل اليدين أو القصد أو غير ذلك و اتفاق استمراره غير قادح، و تظهر الثمرة لو انقطع، و ما يقال-: انه متى انقطع و أغفل عنه من المحال أن يصدر فعل اختياري جار مجرى أفعال العقلاء- يدفعه أنه على تقدير تسليم ذلك لا يمتنع أن يكون اكتفى الشارع

ج 2، ص: 109

بما يقع من المكلف من العبادة في الأثناء و إن كان وقوعه على حسب الوقوع من النائم و الغافل و غير ذلك. و لا يخفى عليك أن المراد باعتبار الاستدامة انما هو للنية مع جميع قيودها، كل على مذهبه(1).

ثم قد يظهر من تفسير المشهور للاستدامة أنه لا يقدح حصول التردد في الإبطال أو فعل المنافي، و ذلك لما عرفت من تفسيرهم لها بان لا ينقض النية الأولى بنية تخالفها، و لا ريب ان التردد المتقدم ليس نية، لكن ذلك خلاف ما يظهر من كثير منهم في باب الصلاة، نعم يتجه ذلك بناء على ما ذكره الشهيد في تفسيرها، لظهور منافاة التردد للعزم على مقتضاها، و لعل الاستصحاب مع عدم دليل على وجوب الاستدامة بهذا المعنى حتى ما ذكرناه سابقا في توجيهها يؤيد الأول، اللهم إلا ان يدعى الإجماع عليه كما عساه يظهر من ملاحظة كلامهم في باب الصلاة، فيرتفع الخلاف حينئذ بين التفسيرين لها، و يكون المتردد كالناوي لخلافها، فإنه لا إشكال عندهم في منافاته الاستدامة، و به صرح في المبسوط و المعتبر و المنتهى و التذكرة و القواعد و الذكرى و غيرها، إلا أن الذي يظهر منهم عدم حصول البطلان بمجرد ذلك، بل هو مشروط بما لم يرجع إلى النية الأولى و لما يحصل مفسد خارجي للوضوء من فوات موالاة و غيرها، من غير فرق في ذلك بين وقوع بعض الأفعال بتلك النية المخالفة و عدمه، لكون الوضوء من العبادات التي لا تفسد بمثل ذلك، و لذا لو وقع الغسل منكوسا لم يبطل ما تقدمه من الأعضاء المغسولة، و يزداد الغسل على الوضوء بعدم اشتراط الموالاة فيه، فحينئذ متى أراد الرجوع إلى الحال الأول رجع بتجديد النية، لكن قد يشكل أنه ينبغي ابتناء الصحة في المقام و غيره على جواز تفريق النية على الاجتزاء.

و يدفع أولا بأنه ليس من تفريق النية في شي ء، بل من تكريرها، فإنه نوى


1- 1 فمن اعتبر فيها الوجه وجب عليه استدامة ذلك، و كذا رفع الحدث و الاستباحة كالقربة و أصل القصد منه رحمه الله.

ج 2، ص: 110

جملة الوضوء أولا ثم نوى عند التدارك ثانيا بان التفريق بعد نية الجملة مؤكد لها، و الحاصل أن مقتضى الاستصحاب المؤيد بفتوى الأصحاب عدم حصول البطلان بمجرد ذلك، و تفريق النية الممنوع منه انما هو النية بالجزء على أنه عبادة مستقلة، أو أنه وزع تمام النية على تمام العمل، أما إذا نوى الجزء متقربا به على مقتضى الجزئية أو لم يلاحظ فيه شيئا من ذلك فلا نرى فيه منعا، فيراد من التجديد حينئذ الرجوع إلى مقتضى النية الأولى، أو ينوي التقرب جديدا بالجزء من حيث الجزئية، أو لم يلاحظ فيه جزئية و لا غيرها، فما ينقل عن البهائي من الإشكال في الحكم كما عساه يظهر من كشف اللثام في غير محله، فتأمل جيدا. نعم الممنوع من التفريق هو أن يوزع تمام النية على تمام العمل على معنى وقوع الجزء الأول مثلا ببعض نية، أو ينوي نية تامة عند غسل الوجه مثلا، و كذلك غسل اليمنى لكن مع نية رفع الحدث عنها، و كذا لو نوى من أول الأمر رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة، و ذلك لعدم التبعض على إشكال فيهما، لاحتمال الصحة لمكان السراية كما ذكرنا سابقا فيمن نوى حدثا معينا، أما لو نوى رفع الحدث مثلا عند كل عضو عضو فالظاهر الصحة، خلافا لما يظهر من المحقق الثاني و من تابعه محتجين عليه بمعلومية عدم فعله من صاحب الشرع، على أن الوضوء عمل واحد و عبادة واحدة و نحو ذلك، و ضعفهما واضح، لأعمية الأول من الفساد، فلا يقدح بعد شمول القول له و عدم اقتضاء الثاني منع تفريق النية، إذ لم يلحظ الاستقلال سيما مع ملاحظة عدمه بان تلاحظ الجزئية، على أن مسألة التفريق يتجه تفريعها بناء على أن النية هي الاخطار دون الداعي إلا على وجه بعيد.

[تفريع في كفاية وضوء واحد بنية التقرب عن أسباب متعددة]
اشاره

تفريع على ما تقدم إذا اجتمعت أسباب مختلفة كالبول و الغائط و نحوهما سواء كانت مترتبة أو دفعة توجب الوضوء لغايته الواجبة كفى وضوء واحد بنية التقرب، و لا يفتقر إلى تعيين الحدث الذي يتطهر منه بلا خلاف أجده، بل في المدارك أنه مذهب العلماء، و هو مع غيره الحجة، سواء قلنا بوجوب قصد رفع الحدث في

ج 2، ص: 111

الوضوء عينا أو تخييرا بينه و بين الاستباحة أو لم نقل بوجوبه، إذ التعيين أمر زائد لا دليل عليه، كما أنه لا فرق بناء على المختار من عدم وجوب قصد رفع الحدث بين الوضوء بنية التقرب غير متعرض فيها لذلك و بين قصد رفع الحدث من حيث هو من غير تعرض لتعيينه و بين ما قصد فيه رفع حدث بعينه مع عدم قصد غيره أو مع قصد عدم غيره أو قصد رفع حدث معين و كان الواقع خلافه، فان الوضوء في جميع ذلك صحيح، أما الأولان فالحكم فيهما واضح، و كذا الثالث إذ احتمال قصر الرفع على المنوي خاصة معلوم البطلان على ما ستعرف، كاحتمال تأثير ذلك الإفساد حتى بالنسبة إليه، لما قد علمت سابقا أن رفع الحدث من الغايات المترتبة على حصول هذه الأفعال بقصد التقرب، فمتى حصلت على هذا الوجه من غير مستدام الحدث مثلا رتب الشارع عليها رفع تلك الحالة فهي أسباب لا تتخلف عنها مسبباتها شرعا، فقصد المكلف رفع حدث بعينه مساو لعدم قصده لا مدخلية له.

و منه يظهر وجه الرابع و الخامس أيضا، فإن قصد عدم رفع غيره أو رفعه و لم يصادف الواقع لغو غير مؤثر شيئا، لأن المرتب للرفع على هذه الأفعال الشارع، فقصد المكلف و عدمه سيان، و ما يقال: ان تسبيب الوضوء لذلك إذا اشتمل على قصد رفع الحدث من حيث هو أو إذا لم يشتمل على قصد عدم رفعه أو رفع بعضه فيه أن ذلك دعوى عارية عن الدليل، بل الدليل على خلافها موجود، لإطلاق

قوله (عليه السلام)(1):

«لا ينقض الوضوء إلا حدث»

نحوه، كدعوى دخول ذلك في مسمى الوضوء، فلا يعلم شمول اللفظ للعاري، لما سيظهر لك أن الوضوء من المبينات في الكتاب فضلا عن السنة لا من المجملات، و لم يشتمل شي ء منهما على شي ء من ذلك.

نعم يتجه الفساد بناء على وجوب قصد رفع الحدث في الأول كالصحة في الثاني، و قوتها مع رفع الجميع في الثالث، بل في المدارك نسبته إلى قطع أكثر الأصحاب،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 112

لأن قصد المعين يستلزم رفعه، ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «لكل امرء ما نوى»

فرفعه يستلزم رفع غيره، لكون الحدث الأصغر حالة واحدة بسيطة لا تتجزى كما هو الظاهر من الأدلة، فمتى ارتفع أثر واحد منها ارتفع أثر الجميع، فاحتمال عدم الرفع في مثل هذا الوضوء لإيجاب قصد رفع حدث غير معين كاحتمال قصر الرفع على خصوص المنوي ضعيفان، سيما الثاني لما عرفت.

و منه ينقدح ان ذلك و نحوه ليس من التداخل في شي ء، لكون الأثر من جميع هذه الأسباب واحدا، و هو الحدث أي الحالة التي يمتنع معها المكلف من الصلاة لا آثار متعددة، إذ ليس هناك حدث بولي و ريحي و نومي و نحو ذلك، فمتى ارتفع بالنسبة إلى واحد ارتفع بالنسبة إلى الجميع، فليس من التداخل، لعدم التعدد في سبب الوضوء و إن تعددت أسباب سببه، بل قد يقال: انه مع وقوعها مترتبة لا سببية بالنسبة إلى الثاني و الثالث، و إطلاق السببية عليهما مجاز، و مع وقوعها دفعة فالجميع سبب لا أسباب، لاستناد المنع إلى الجميع دفعة، فهو حدث واحد، فلا أسباب حتى تتداخل مسبباتها.

فما يظهر من بعضهم ان الاكتفاء بوضوء واحد حيث تعدد الموجبات من باب التداخل محل تأمل، اللهم إلا أن يريد ما ذكرنا، مع احتماله أيضا، لظواهر الأخبار الدالة على وجوب الوضوء لكل واحد منها، و الاكتفاء بوضوء واحد لها لا يقضي باتحاد السبب، و عدم مشروعية التفريق لو سلم لا يقضي إلا بكون التداخل عزيمة لا رخصة، و الأقوى ما قدمناه، فتأمل. و نقل عن العلامة في نهاية الأحكام احتمال البطلان فيما لو نوى حدثا بعينه كما عن أحد وجهي الشافعي، لأنه لم ينو إلا رفع البعض فيبقى الباقي، و هو كاف في المنع من نحو الصلاة، و أنت خبير بما فيه و بما في الوجه الثاني


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 10.

ج 2، ص: 113

له أي الشافعي أيضا من الصحة إن كان المنوي آخر الأحداث، و إلا بطل، و لو قال ذلك بالنسبة إلى أول الأحداث لكان أوجه، لكونه هو الذي حصل به الحدث حقيقة و عن نهاية الأحكام أيضا احتمال ارتفاع المنوي خاصة، فإن توضأ لرفع آخر صح، و هكذا إلى آخر الأحداث، و لم أجده لغيره من العامة و الخاصة، و كان وجهه تعدد المسببات بتعدد الأسباب، فكل واحد منها مؤثر أثرا متشخصا به، و هو كما ترى مما يقطع بفساده، لما يظهر من الأدلة ان طبيعة الحدث لا توجب إلا وضوء واحدا.

و من هنا يعلم أن المراد بقول المصنف (كفى) ليس رخصة في جواز التعدد. بل المراد أنه لا يحتاج إلى آخر، فيكون الإتيان به تشريعا محرما، و ربما ظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه.

و أما الرابع و هو قصد عدم الرافع بالنسبة إلى غير المعين فعن نهاية الأحكام أيضا و الدروس و البيان القطع بالبطلان لمكان تناقض القصدين، و قد عرفت أن المتجه على مختارنا الصحة، كما هي محتملة على القول الثاني أيضا، لأنه نوى رفع حدث بعينه فيرتفع، ل

قوله (صلى الله عليه و آله): «لكل امرئ ما نوى»

فيرتفع الباقي للتلازم، و قصده عدم الرفع يكون لاغيا، و ما يقال-: ان الذي وقع منه نية رفع و عدم رفع، فكما أن الأول يقتضي رفع الجميع فكذا الثاني يقتضي العدم في الجميع- قد يجاب عنه أن المكلف لما نوى رفع حكم المعين و كان ذلك متحدا بالنسبة للجميع فتخيله أن للثاني أثرا غير ذلك خطأ، نعم قد يقال الفساد فيما لو علم اتحاد الأثر، لأنه حينئذ يرجع إلى نية رفع الحدث و نية عدمه، و الظاهر الفساد حينئذ، فتأمل. و بناء على ما تقدم من الاحتمال عن نهاية الأحكام تتعين الصحة هنا و يتوضأ لرفع الباقي، فما نقل عنه من القطع بالبطلان هنا محل نظر.

و أما الخامس و هو ما لو نوى حدثا و كان الواقع خلافه فالظاهر الصحة، لما علمت ان الإضافة وجودها كعدمها، فالمقصود رفع الحكم و هو حاصل و إن اشتبه في أن سببه

ج 2، ص: 114

ذلك. و ليعلم أن جميع ما ذكرنا في رفع الحدث يتأتى بالنسبة إلى نية الاستباحة بدل رفع الحدث، إلا أنه لم ينقل هنا عن العلامة في النهاية تجزي الاستباحة كما احتمله في رفع الحدث. و من هنا تعرف أنه لا إشكال في الاكتفاء بوضوء واحد للغايات المتعددة واجبة كانت أو مندوبة، و الظاهر أنه ليس من التداخل في شي ء أيضا، لأن المطلوب في الجميع رفع الحدث، و هو أمر واحد غير ممكن التعدد، فلا يتصور فيه تداخل بخلاف الأغسال المندوبة، إذ ليس المقصود منها ذلك، و دعوى تنويع الحدث فيكون للحاجة حدث غيره بالنسبة إلى دخول المسجد و هكذا كدعوى احتمال أن الوضوءات المندوبة كالأغسال المندوبة مما لا يرتكبه فقيه نعم يتجه التداخل في الوضوءات التي لم يكن المقصود منها رفع الحدث كالوضوءات الصورية و لبعض الأسباب كالقي ء و الرعاف و نحوهما، لأنها من قبيل الأغسال المندوبة، لكنه موقوف على الدليل لأصالة عدمه، و يحتمل قويا التداخل في مثل القي ء و الرعاف و نحوهما لمكان التداخل فيما هو أقوى منها كالبول و نحوه.

[في تداخل الأغسال و عدمه]

و كذا لو كان عليه أغسال كفى عنها غسل واحد، من غير فرق بين ما كان معها غسل الجنابة أو لم يكن، و بين ما تعرض في النية لجميعها أو لم يتعرض لذلك، بل نوى الجنابة أو غيرها. و قيل كما عن الشيخ و ابن إدريس إذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غيره من الأغسال و لو نوى غيره من المس أو غيره لم يجز عنه أي الجنابة و ليس بشي ء لما تسمعه، و كلام الأصحاب في المقام لا يخلو من إجمال و اضطراب فنقول و على الله التكلان: ان الأغسال المجتمعة أسبابها إما أن تكون واجبة فقط أو مستحبة فقط، أو بعضها واجب و بعضها مستحب، أما الأول فلا يخلو إما أن تكون معها جنابة أولا، فإن كان الأول فاما أن يكون المنوي الجميع تفصيلا أو الحدث من حيث هو أو الاستباحة أو القربة أو الجنابة أو غيرها، فان كان الأول فالظاهر من المصنف هنا و المعتبر و العلامة في التحرير و المنتهى و المحقق الثاني في ظاهر جامع المقاصد و جملة من المتأخرين الاجتزاء، و هو ظاهر المنقول عن المبسوط و الذكرى و البيان و الدروس

ج 2، ص: 115

و الإيضاح، بل قد يلوح من الشيخ في الخلاف، و الظاهر أنه المشهور، بل لم أعثر فيه على مخالف صريح، بل عن شارح الدروس الظاهر أنه موضع وفاق، و قد يدعى شمول ما نقل من الإجماع على الاجتزاء في المسألة الثانية له، و هي ما لو نوى الجنابة لاشتمال نية الجميع عليها، بل في كشف اللثام أن الصحة فيها أولى من تلك، و ربما احتج عليه بصدق الامتثال، و فيه أنه مبني على أن الأصل التداخل و هو ممنوع، بل الأصل تعدد المسببات بتعدد الأسباب كما هو المتبادر بين أهل العرف، و ستعرف تحقيقه فيما يأتي، مع أن الاخبار المستدل بها هنا على التداخل دالة بظاهرها على التعدد، كما ستسمع.

و ربما احتج عليه أيضا بأن الحدث الأكبر أمر واحد بسيط، و تعدد أسبابه لا يقضي بتعدده، بل حاله كحال الحدث الأصغر، ففي الحقيقة لا تعدد للأسباب كما ذكرناه هناك بل السبب أمر واحد، و هو الخبث المعنوي المسمى بالحدث، فيكتفى بالغسل الواحد على نحو ما ذكرناه في الوضوء، و هو الخبث المعنوي المسمى بالحدث، فيكتفى بالغسل الواحد على نحو ما ذكرناه في الوضوء، و هذا ان تم لا يخص محل البحث، بل قضيته التداخل القهري، و عدم جواز التعدد حتى لو نوى معينا كما ذكرناه في الوضوء و فيه أنه و إن كان محتملا في نفسه لكنه ليس في الأدلة ما يدل عليه، و حمله على الوضوء قياس لا نقول به، و ما دل عليه في الوضوء من الإجماع المدعى هناك و غيره مفقود هنا، و العقل لا نصيب له في ذلك، فإنه لا مانع من تعدد الأغسال بتعدد الأحداث، بل ظاهر

قوله (عليه السلام)(1): «إذا اجتمعت عليك لله حقوق أجزأ عنها غسل واحد»

و غيره ذلك، لظهور لفظ الحقوق و الاجزاء فيه، كل ذلك مع ظواهر الأوامر بالغسل للحيض و الجنابة و نحوهما فيه أيضا، مضافا إلى ما يشعر به

خبر عمار الساباطي (2)قال: سألته (عليه السلام) «عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال إن


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 7.

ج 2، ص: 116

شاءت أن تغتسل فعلت و إن لم تفعل فليس عليها شي ء، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة»

و ربما احتج عليه أيضا ب

قوله (صلى الله عليه و آله)(1):

«لكل امرئ ما نوى»

فإنه شامل لنحو المقام، و فيه أن الظاهر من ملاحظة الرواية إرادة أمر آخر من كون الفعل لله و لغيره كما لا يخفى على الناظر لها.

و ربما احتج عليه بأمور أخر واهية لا ينبغي التعرض لها، و الأولى الاستدلال عليه بالأخبار (منها) ما في

خبر زرارة(2)«إذا اجتمعت عليك لله حقوق أجزأ عنك غسل واحد قال: و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها»

و هذا الخبر و إن كان في الكافي مضمرا إلا انه رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما (ع) و رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب و من كتاب حريز بن عبد الله عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: و كتاب حريز أصل معتمد يعول عليه، و (منها)

مرسل جميل (3)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأه عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم»

و (منها)

خبر شهاب ابن عبد ربه (4)سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الجنب يغسل الميت أو من غسل ميتا له ان يأتي أهله ثم يغتسل؟ فقال: لا بأس بذلك، إذا كان جنبا غسل يده و توضأ و غسل الميت، و إن غسل ميتا ثم توضأ له ان يأتي أهله، و يجزيه غسل واحد لهما»

و (منها) الأخبار المستفيضة(5)الدالة على الاجتزاء للمرأة عن الحيض و الجنابة بغسل واحد، و (منها)

خبر زرارة(6)قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «ميت


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 3 مع اختلاف يسير.
5- 5 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 2، ص: 117

مات و هو جنب كيف يغسل؟ و ما يجزيه من الماء؟ قال: يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة و لغسل الميت، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة»

و الحجة بالمفهوم من التعليل و إن كان بالنسبة للمعلل لا بد فيه من التأويل لكنه غير قادح بالاستدلال، و تتم الأخبار المتقدمة بعدم القول بالفصل بين المجتمع مع الجنابة من الحيض أو المس أو غيرهما و لا إشكال في دخول ما نحن فيه تحت إطلاق هذه الأخبار، لأنه المتيقن منها، و ما في بعضها من ضعف في السند أو غيره يجبر بما سمعت من ظهور الشهرة بل الإجماع عليه، نعم قد يظهر من ابن إدريس الخلاف في ذلك، لا يجابه كون الغسل للجنابة، مع احتمال وفاقه، لأنه مع نية الجميع تدخل نية الجنابة.

ثم ان الظاهر الاجتزاء بهذا الغسل عن الوضوء بناء على عدم مدخليته في رفع الأكبر في نحو الحيض، بل و كذا بناء عليه أيضا على تأمل فيه، بل و في تحقق مسمى التداخل حينئذ عرفا، لكونه في متحد صورة المسبب مع تعدد الأسباب، فلعل أخبار التداخل حينئذ مما تشعر بعدمه، بل عدم الوضوء حتى للأصغر في سائر الأغسال كما ستعرفه في محله، لكن الأقوى ما ذكرناه أولا من عدم الحاجة للوضوء، تمسكا بما يلوح من أخبار التداخل و بما دل على الاجتزاء بغسل

الجنابة عنه، و لا فرق في ذلك بين القول بكون الغسل البارز للخارج عن الأسباب المتعددة مصداقا لاسم كل واحد منها كما يقتضيه القول بكون التداخل على وفق الأصل و عدمه، و إن كان الأقوى الثاني، و ذلك لأن التحقيق الذي لا مفر منه ان يقال: ان التداخل الحقيقي ممتنع عقلا إذ لا يتصور جعل الشيئين شيئا واحدا حقيقة، و ما يطلق عليه الأصحاب أنه تداخل فالمراد أنه شبه التداخل من جهة الاجتزاء بواحد عن متعدد، و بهذه المشابهة يمتاز عن الإسقاط، فحينئذ نقول بعد أن علمت: ان الظاهر تعدد المأمور به بتعدد الأمر، و ما ذكره بعض المتأخرين من صدق الامتثال بالواحد عن الأوامر المتعددة كلام لا محصل له مخالف لما عليه الأصحاب، و لذا احتاجوا إلى الدليل في الخروج عن ذلك، بل لا يكتفون

ج 2، ص: 118

بكل دليل كما يكتفى بذلك في قطع الأصول و نحوها، بل لا بد من دليل أقوى من ذلك الظهور، حتى نقل عن بعضهم عدم القول بالتداخل رأسا في المقام، ترجيحا لذلك على أخبار المقام، لكن الأقوى خلافه، لكونها معتبرة الأسانيد منجبرة بالشهرة بل بالإجماع في بعض الصور، فحينئذ يجب الاقتصار على مدلول ذلك الدليل لا يتعدى منه، و من المعلوم هنا ان الدليل لم يكشف عن أن المطلوب في المقام طبيعة الاغتسال، بل أقصى ما دل أنه يجتزي بغسل واحد عن الجميع، و هو إن لم يكن ظاهرا في عدم ذلك لم يكن ظاهرا فيه فلا يصدق حينئذ على المغتسل غسلا واحدا بنية الجميع انه امتثال لتلك الأوامر، نعم جعله الشارع بمنزلة ذلك، فهو غسل جنابة و حيض شرعا لا عرفا، بمعنى انه واحد اجتزي به عن متعدد شرعا، و جعله الشارع بمنزلتهما فيجتزي به حينئذ عن الوضوء لكونه بمنزلة غسل الجنابة، لا أنه غسل جنابة حقيقة، كما أنه لما كان الظاهر من الأخبار ان ذلك رخصة لا عزيمة كان المكلف بالخيار بين الإتيان بفعلين أو بفعل واحد ناويا به الاجتزاء عنهما. و ليس من باب التخيير بين الأقل و الأكثر، لأنا نشترط في الاجتزاء عن الجميع نية الجميع، إذا علمت ذلك فلا يقدح حينئذ الاجتزاء بالواحد عن الواجب و المندوب، و لا معنى للإشكال فيه بأنه كيف يكون الواحد واجبا مندوبا كما تسمعه في القسم الثالث، و تمام الكلام هناك إن شاء الله تعالى.

و أما إن كان المنوي رفع الحدث من حيث هو من غير ذكر لتفصيل الأسباب فالمشهور كما صرح به من عرفت سابقا الاكتفاء به، و لا حاجة إلى التعدد، أخذا بما سمعت من إطلاق الأدلة المتقدمة، و قد صرح جملة من هؤلاء بعدم الحاجة الى الوضوء، و قد يشكل بأنه لا يصدق عليه حينئذ انه غسل جنابة لعدم نيتها، فكيف يكتفى به عن الوضوء، و يندفع بأنه يصدق عليه ذلك و إن لم ينوه، لأنه لما نوى رفع الحدث من حيث هو و كان في جملته حدث الجنابة كان غسل جنابة و غسل غيرها شرعا بهذه النية و إن لم يذكرها تفصيلا كما عرفت. فان قلت: ان نية التعيين لا إشكال في اشتراطها،

ج 2، ص: 119

فمع عدم التعيين كيف يقع صحيحا، قلت: ان نية رفع الحدث من حيث هو يؤول إلى نية الجميع، و بذلك يندفع ما يقال أيضا: ان نية رفع الحدث أعم من الرفع الذي معه وضوء أو الرفع الذي ليس معه وضوء، إذ قصد رفع طبيعة الحدث شامل لهما، كما أنه يندفع ما يقال أيضا: انه لو أجزأ لكان ذلك إما لانصرافه إلى غسل الجنابة و هو باطل لاشتراك نية رفع الحدث معه و مع غيره، و لا دلالة لما به الاشتراك على ما به الامتياز، و إما لاقتضاء نية رفع الحدث المطلق رفع جميع الأحداث و هو باطل، و إلا لأجزأ غسل الحيض المنوي به رفع الحدث عن غسل الجنابة، و الحاصل لو أثر ذلك مع الإطلاق لأثر مع التقييد كما قلناه في البول و الغائط، إذ أنت خبير بما فيه لعدم التلازم، و جعله كالبول و الغائط قياس لا نقول به.

و من ذلك كله يظهر لك الحال فيما إذا كان المنوي الاستباحة لما يشترط فيه الغسل من تلك الأحداث كالصلاة، و قد استشكل فيه العلامة في القواعد، لما سمعت من الوجوه المتقدمة في نية رفع الحدث التي قد عرفت ضعفها.

و أما إذا كان المنوي القربة فقط من غير تعرض للرفع و الاستباحة فلا إشكال في الفساد بناء على اشتراط ذلك في النية، أما على تقدير العدم كما هو الأقوى فعن الشهيد في الذكرى أنه حينئذ من التداخل، و هو الظاهر من المصنف هنا، و ربما مال اليه كاشف اللثام، و عن شارح الدروس أنه الظاهر، و كأن الحجة فيه إطلاق الأدلة مع أصالة براءة الذمة من وجوب تعيين السبب، و كونها آثارا متعددة لا يوجب التعيين بعد ما دل الدليل على الاكتفاء بغسل واحد لها، و فيه أنك قد عرفت أن الأصل يقضي بالتعدد فلا يخرج عنه إلا بالدليل و يجب حينئذ الاقتصار على مدلول ذلك الدليل، و هو هنا الأخبار و أقصى ما يستفاد منها الاجتزاء بغسل واحد عنها، و هو لا يقضي بكون المطلوب حينئذ واحدا لا تعدد فيه أصلا، بل هو اجتزاء عن ذلك المتعدد بواحد، و تظهر الثمرة فيما لو عصى فإنه يعاقب عليهما و في غير ذلك، و الحاصل أن

ج 2، ص: 120

ذلك الاجتزاء لا يكشف عن عدم تعدد في المطلوب، فحينئذ يكون الغسل الواحد يقع على وجهين، أحدهما الاجتزاء به عن الجميع، و الثاني عن أحدها، فمتى فقد تعيين ذلك بطل، للزوم اشتراط نية التعيين قطعا، و الظاهر الاكتفاء عن الوضوء، لما سمعت سابقا من أنه إما غسل جنابة أو مجز عنه، و كل يقتضي الاكتفاء به عن الوضوء.

و أما إن كان المنوي غسل الجنابة فالمشهور بين الأصحاب بل يظهر من السرائر و غيرها دعوى الإجماع على الاكتفاء عن الجميع، و ربما احتج عليه ببعض ما تقدم في صدر المبحث من كون الحدث الأكبر شيئا واحدا و إن تعددت أسبابه، فلا يقدح نية الخصوصية كما لا يقدح نيتها في الوضوء، و قد عرفت ما فيه، و ربما استدل عليه هنا بصدق الامتثال كما وقع لصاحب المدارك و غيره، و كأن المقصود كما عن بعضهم التصريح به ان امتثال الأوامر لا يشترط فيه إيقاع الفعل بقصد امتثالها بل ان جاء بالفعل بقصد آخر غيرها اكتفي به، مثلا إذا قال السيد لعبده ادخل السوق، فدخله العبد لا بنية امتثال أمر سيده بل كان لغرض آخر صدق عليه انه جاء بالمأمور به و فرغ عن العهدة نعم أقصى ما دل الدليل على اشتراط القربة في العبادات، فحيث يتحقق اكتفي بالفعل و تحقق الامتثال، ففي المقام يكتفى عن غسل الحيض و إن لم يقصد بالفعل امتثال أمره، و لا يخفى ما فيه من بحث لا يحتاج إلى بيان، مع ان قضية ذلك الاكتفاء بغسل الجمعة و الزيارة و نحوهما عن غسل الجنابة و المس و غيرهما كما نقل عنه التصريح به.

و ربما استدل عليه بان غسل الجنابة أقوى من غيره لرفع الأكبر و الأصغر، فمع نيته و ارتفاعه يرتفع غيره لأنه أضعف، و فيه- مع انه لا يرجع إلى شي ء يعتمد عليه في التكاليف الشرعية- انه قد يقال: إن حدث الحيض أعظم و لذا يحتاج إلى غسل و وضوء، فلا يرتفع برفع الأضعف مضافا إلى ما ورد(1)في المرأة إذا كانت في جنابة ثم جاءها الحيض لا تغتسل فإنه قد جاءها ما هو أعظم من ذلك، و ربما استدل عليه بإطلاق


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الحيض- حديث 2.

ج 2، ص: 121

الأخبار (1)الدالة على الاجتزاء بغسل واحد فإنه شامل لما نوى به الخصوصية، و فيه- مع أن هذا الشمول غير مطرد عندهم، لكونه في الحيض و نحوه معركة للآراء، و في غيره من الأغسال المستحبة الظاهر عدم الاجتزاء كما ستسمع- أن دعوى الشمول ممنوعة، لظهور

قوله (عليه السلام): (أجزأك عنها)

و

قوله (عليه السلام): (يجزيه لهما غسل واحد)

في قصد الفعل للجميع، مع تأيده ب

قوله (صلى الله عليه و آله): «لكل امرئ ما نوى»

و قوله (عليه السلام): «لا عمل إلا بنية»

و «انما الأعمال بالنيات»

و نحو ذلك، و قد عرفت أن الأصل يقضي بتعدد المسببات، فمقتضاه حينئذ الخطاب بأغسال متعددة، فلا بد من التعيين لاشتراك الفعل بين أمور متعددة، و قولهم لا يجب نية السبب انما هو فيما إذا اتحد، و أقصى ما دلت عليه الأخبار انما هو الرخصة في الاجتزاء عن هذه الأغسال المتعددة بغسل واحد، فصار الغسل الواحد يقع حينئذ على وجهين، مجتزيا به عن الجميع و رافعا للبعض، فلا بد للمكلف من التعيين في إيقاعه على أحد الوجهين، فمتى أوقعه لا بقصد لم يقع لأحدهما، و لو أوقعه لأحدهما لم يقع عن الثاني كما هو واضح، كل ذا مع أن المتيقن في الخروج عن الأصل السابق انما هو مع قصد الجميع.

و الأجود في الاستدلال عليه في خصوص الجنابة بالإجماعين المنقولين في السرائر و جامع المقاصد، و ربما يظهر من غيرهما، و ما يشعر به

مرسل جميل المتقدم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم»

و قد يستدل بما دل (3)على ان غسل الجنابة لا وضوء معه، و ذلك لأنه لا معنى للقول بان هذا الغسل لا يجزي عن الجنابة، بل قد يقال: انه مخالف للإجماع، إذ هو حدث مخاطب برفعه، و هو يقتضي إمكانه مع أن الأمر بالاغتسال للجنابة شامل له فيقتضي الاجزاء، و قد دلت الأدلة على ان غسل الجنابة متى تحقق لا وضوء معه،


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الجنابة.

ج 2، ص: 122

فهو يقتضي رفع الحدث الأصغر حينئذ، و هو لا يمكن مع بقاء الأكبر لدخوله في ضمنه حينئذ، فلا بد من القول بارتفاعه حينئذ تحقيقا لما دل على ذلك، و دعوى إيجاب غسل الجنابة مؤخرا عن سائر الأغسال التزام بما لا يلتزم، و احتمال القول بإمكان انفكاك الأصغر عن الأكبر كما يقتضيه الوضوء للحائض و غيرها مقدما على الغسل يمكن دفعه بان يقال: إن جواز تقديمه لا يقضي برفعه الأصغر، إذ قد يكون رفعه ذلك موقوفا على حصول الغسل و إن لم يكن للغسل مدخلية في رفع الأصغر، بل هو رافع للمانع الذي هو الحدث الأكبر و بعد رفعه يعمل المقتضي حينئذ أثره و التزام مثله في المقام بعيد عما دل على إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء، فتأمل. فظهر لك أن القول بارتفاع الجميع فيما نوى الجنابة لا يخلو من قوة، و لعله لما ذكرنا من الوجه الأخير لا يفرق حينئذ بين ما لم ينو عدم رفع الباقي أو نوى العدم، و لولاه لكان الفرق متجها، لعدم ظهور الإجماعين المتقدمين و الرواية في الشمول له، فتأمل.

أما لو نوى غيره من الحيض أو المس فالأظهر عدم الاجتزاء عن غيره كما صرح به في السرائر، و نقله في كشف اللثام عن الشرائع و اللمعة، و محتمل عبارتي المبسوط و الجامع، قلت: و يظهر من السرائر دعوى الإجماع عليه، و جزم به العلامة في القواعد مع عدم ضم الوضوء، و استشكل به معه، و قال المصنف في المعتبر: «و إن نوت الحيض خاصة فعلى تردد، أشبهه الاجزاء، و في إيجاب الوضوء معه تردد، أشبهه أنه لا يجب» و كيف كان فهنا أمران الأول ارتفاع حدث الحيض نفسه، و الثاني إجزاؤه عن غيره، أما الأول فربما ظهر من بعضهم عدمه، و استشكل فيه العلامة في التذكرة، قال ما نصه: «فان نوت الجنابة أجزأ عنهما، و إن نوت الحيض فإشكال ينشأ من عدم ارتفاعه مع بقاء الجنابة لعدم نيتها، و من أنها طهارة قرنها الاستباحة، فإن صحت فالأقرب وجوب الوضوء، و حينئذ فالأقرب رفع حدث الجنابة لوجود المساوي في الرفع» انتهى.

ج 2، ص: 123

قلت: الظاهر حصول رفع الحدث المنوي به، و ذلك لشمول ما دل على وجوبه للمقام، و إيجابه يقضي بإمكانه، و امتثاله يقتضي إجزاءه، و ل

قوله (صلى الله عليه و آله):

«لكل امرئ ما نوى»،

و «إنما الأعمال بالنيات»

و ما ذكره العلامة من انه لا يرتفع مع بقاء الجنابة محل منع، إذ هي أسباب لمسببات مستقلة، و اجتزاء الشارع بغسل واحد لها لا يقضي بتلازمها، و على تقديره فليرتكب رفع الجميع حينئذ أولى، و لعل وجه عدم الاجتزاء به عنه الأخبار الآمرة بجعله غسلا واحدا فلا يجوز التعدد، و قضية ذلك في الفرض، إما البطلان فيهما أو رفع الجميع لا سبيل للثاني، لعدم ظهور دخول هذا الفرد أي المقتصر فيه على نية الحيض خاصة في مدلولها، مع معارضتها حينئذ بغيرها، كما تقدم سابقا فيما لو نوى الجنابة، فتعين البطلان حينئذ، و فيه أنه لا جابر للأخبار في خصوص ذلك، و كون الأمر المذكور ليس بصيغته بل هو بالجملة الخبرية، و إرادة الوجوب منها هنا محل منع لورودها في مقام تخيل المنع، و التعبير بالأخبار الأخر بلفظ يجزي و نحوه المشعر بعدم التعيين، كل ذا مع انه قضية الأصل السابق القاضي بكون التداخل رخصة لا عزيمة و من ذلك كله ظهر لك الأمر الثاني، و ان الأصح فيه عدم الاجزاء مطلقا، سواء ضم الوضوء أو لم يضم، لما عرفته سابقا فيما لو كان المنوي الجنابة و ما استجودناه في الاستدلال هناك من الإجماع المدعى سابقا و الاستغناء عن الوضوء و نحو ذلك لا يتأتى هنا، إذ ربما ادعي الإجماع هنا على العكس، كما أنه لا يستغنى به عن الوضوء على الأصح، نعم يمكن الاستدلال بما ذكرناه أخيرا هناك بناء على ما نقل عن المرتضى (رحمه الله) من ان غير الجنابة كالجنابة في الاستغناء عن الوضوء، و ما يقال:

بأنه لو لم يكتف بغسل الحيض عن الجنابة مثلا عند اجتماعهما لم يكن لوجوب غسل الحيض فائدة أصلا، و كان وجوده كعدمه و هو باطل، و ذلك لأن وجوب الغسلين إما بمعنى جمعهما معا أو التخيير بينهما على أن يجزي كل منهما عن الآخر أو المعتبر إجزاء أحدهما خاصة دون العكس، و الأول معلوم البطلان و الثاني المطلوب، و الفرض بطلانه فتعين

ج 2، ص: 124

الثالث، و حينئذ فلا يكون لوجوب ذلك الآخر فائدة، لأنه لو أتى به لم يكن مجزيا و لو أتى بغيره أجزأه عنه، و ربما قرر هذا الدليل بوجوه أخر فيه من الفساد مالا يخفى، فان الاجتزاء به عن نفسه يكفي في فائدته، و إجزاء غيره عنه لا يسقط ذلك، على أن وجوبه ليس منحصرا مع الجنابة.

و ذكر بعضهم في المقام أدلة واهية لا طائل في التعرض لها، منها ما ذكر في توجيه كلام العلامة من القول بالارتفاع مع ضم الوضوء و عدمه مع العدم بأنه على تقدير الضم يكون مساويا لغسل الجنابة بخلافه مع العدم، و فيه ان التحقيق ان الوضوء انما هو لرفع الأصغر، فكيف يتصور فيه رفع حدث الجنابة، و أيضا بعد فرض أن حدث الجنابة لم يرتفع بالغسل فالوضوء بمجرده لا يصلح لذلك قطعا، و ما يقال: ان الأدلة دلت على أن غسل الحيض مثلا مع الوضوء كاف في استباحة الصلاة فيه انها ظاهرة فيما لو كان المانع الحيض، نعم ربما يتم لو قلنا ان غسل الحيض و الوضوء معا رافعان للحدث أصغر و أكبر لا على التوزيع أمكن القول بالاجتزاء حينئذ، فتأمل.

القسم الثاني (1)ان لا يكون معها جنابة، فإن نوى الجميع أو الحدث أو الاستباحة ارتفع الجميع، و في نية القربة ما تقدم و لو نوى أحدها اختص به على التحقيق، خلافا لما يظهر من بعضهم، و يظهر لك الوجه في جميع ذلك من التأمل فيما تقدم، و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين غسل الاستحاضة و غيرها في جميع ما تقدم من غير فرق بين غسلها للانقطاع و البرء إن أوجبناه و بين غسلها لاستباحة الصلاة، و احتمال الفرق في الثاني لو جامع الجنابة مثلا لمكان بقاء الحدث فهو مبيح لا رافع بخلاف غسل الجنابة ضعيف، و ذلك لإمكان نية الاستباحة الجامعة لها مع أنه لا مانع من نيته رافعا مبيحا، و أيضا فالإباحة رفع في الحقيقة عند التأمل و إن لم يكن عاما، كل ذلك لإطلاق


1- 1 أي الثاني من القسم الأول لأنه قدس سره قال: أما الأول: فلا يخلو إما أن تكون معها جنابة أولا.

ج 2، ص: 125

الأدلة، نعم قد يقال: بعدم الاكتفاء لو كان المنوي رفع الحدث مثلا، فتأمل.

القسم الثاني أن تكون كلها مستحبة، فقيل لا يجزي غسل واحد عنها مطلقا، و قيل يجزي مطلقا و قيل بالجزاء مع نية الجميع، أما لو اقتصر على نية البعض فلا يجزي عن غير المنوي، و لو اقتصر على نية القربة من دون تعيين للسبب كلا أو بعضا فلا يجزي عن شي ء منها، و ربما فصل بعضهم بانضمام الواجب معها و عدمه، فحكم بالتداخل في الأول بخلاف الثاني.

حجة الأول الأصل أي الظاهر المستفاد من تعدد الأوامر بالغسل، و فيه أنه يجب الخروج عنه بما هو أقوى منه من الأخبار المعتبرة التي ستسمعها، و

قوله (صلى الله عليه و آله):

«لكل امرئ ما نوى، و إنما الأعمال بالنيات»

و نحوها، و أن الإطاعة و الامتثال لا يحصلان إلا بقصدهما، مع أن نية التعيين لا إشكال في شرطيتها و في توقف الامتثال عليها، و فيه ان جميع ذلك متجه مع عدم نية الجميع، و أما معها فلا بل قد يكون بعض ما ذكر من أخبار النية شاهدا.

حجة الثاني صدق الامتثال و هو مبني على أصالة التداخل، و قد عرفت ما فيه، و الأخبار (منها) ما رواه

الكليني في الحسن كالصحيح (1)عن زرارة قال (عليه السلام): «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الحجامة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأ عنك غسل واحد، قال: ثم قال: و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها»

و عن الشيخ روايته في التهذيب مسندا عن أحدهما (عليهما السلام)، و رواه ابن إدريس من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

و كتاب حريز أصل معتمد معمول عليه، و رواه الشيخ في الخلاف أيضا عن زرارة عن


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 1.

ج 2، ص: 126

أحدهما (عليهما السلام) و في رواية الشيخ و ابن إدريس و الجمعة بدل الحجامة و لعله الصواب، و بذلك ظهر لك انه لا وجه للطعن في الرواية من جهة الإضمار، على أن الظاهر أنه ليس قادحا سيما إذا وقع من مثل زرارة الذي عرف أنه لم يرو إلا عن الامام (عليه السلام) و أنه من أصحاب الإجماع، و أيضا قد صرح الكليني في أول كتابه ان جميع ما فيه من الروايات الصادرة عن الصادقين (عليهم السلام) و بظهور إرادة التمثيل من الرواية، و عدم القول بالفصل يتم الاستدلال، و ما يقال-: انه قد دلت على حكم المستحب حيث يكون معه واجب، مع ظهور لفظ عليك و الاجزاء في الواجب- فيه أنه لا يخفى أن ذكر الجنابة و الحيض لا يراد منه الشرطية، بل المقصود لو كان عليك ذلك فهو كذكر غيره و لفظ عليك و الاجزاء لو سلمنا ظهورهما في ذلك لكن لا يراد منهما هنا، لتعداد المستحب في صدرها كما هو واضح. و (منها)

مرسلة جميل (1)عن أحدهما (عليهما السلام) أنه قال: «إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم»

و عن الحدائق أن مثلها رواية

عثمان بن يزيد عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «ان اغتسل بعد الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل، و من اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر»

قال: «و استظهر بعض مشايخنا المتأخرين ان عثمان بن يزيد تصحيف عمر بن يزيد بقرينة رواية عذافر عنه» انتهى.

و قد يستدل عليه أيضا بالتعليل المتقدم في

خبر زرارة(3)«بأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة»

قلت: و الاستدلال بجميع ذلك على الإطلاق محل منع، و ذلك أما الرواية الأولى فالمتيقن منها مع قصد الجميع كما ذكرناه في تداخل الواجبة بقرينة قوله (عليه السلام): (أجزأها) و

قوله (عليه السلام): (يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها)


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام- حديث 4 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 2، ص: 127

الى آخره. و لو سلمنا عدم ظهوره فهو معارض ب

ما دل على أن (الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى)

و بأن نية التعيين يتوقف عليها صدق الامتثال، و بأن الامتثال متوقف على قصده: و أيضا لو أخذ بهذا الإطلاق لكان التداخل فيها عزيمة لا رخصة، و هو مخالف لظاهر

قوله (عليه السلام): (أجزأك)

و نحوه و ما يقال-: ان الأغسال المندوبة كالوضوءات المندوبة، فإن الوضوء بقصد غاية من الغايات مجز بالنسبة إلى غيرها فكذلك الغسل المندوبي أيضا- فيه أما أولا فإنه قياس، و ثانيا فالفارق موجود، و ذلك لكون المطلوب هناك شي ء واحد، و هو رفع الحدث الأصغر، فبعد فرض رفعه بقصد غاية من الغايات يجتزى به، لعدم تصور رفعه مرة أخرى، و أيضا فالتحقيق أن من توضأ بقصد غاية من الغايات لم يصدق عليه امتثال الأمر بالنسبة إلى غيرها، نعم لو وقع غيرها مقارنا لذلك الوضوء أعطي ثواب إيقاع تلك الغاية على طهارة، مثلا من توضأ بقصد قراءة القرآن و لم يخطر بباله دخول المساجد مثلا بل لم يعلم باستحباب الوضوء لها فإنه لا يعد ممتثلا بالنسبة للأمر بهذا الوضوء لهذه الغاية، لكن لو دخله متطهرا أعطي ثواب ذلك، لما يفهم من الأدلة من استحباب دخوله على هذا الحال و إن لم يكن بقصد الفعل له.

ثم ان ذلك كله ارتكب في مثل الوضوء لظواهر الأدلة فلا يتسرى إلى غيرها، فما يقال-: ان المستحب مثلا انما هو الزيارة على غسل سواء كان ذلك الغسل لها أو لغيرها- لا يصغي إليه، إذ ليس في الأدلة ما يقتضيه، و مجرد إمكانه لا يصلح محققا لثبوته، على أنك قد عرفت انه خروج عن محل النزاع، و مثله ما يقال: ان المقصود من الغسل التنظيف، و هو حاصل على كل حال، فيكون كرفع الحدث في الوضوء و ذلك لعدم ثبوته، و على تقديره فهو حكمة لا يخالف لأجلها ظواهر الأدلة.

و أما مرسلة جميل فهي لا جابر لسندها في خصوص المقام، بل الشهرة المركبة الحاصلة من نفي التداخل رأسا، و اشتراطه بنية الجميع على خلافها، مع إشعارها

ج 2، ص: 128

بكون الغسل للجنابة، و ظهور قوله (عليه السلام): (يلزمه في ذلك اليوم) في كون المجزي عنه انما هو الواجب، و ما يقال: انه لا معنى لذلك، لكون الأغسال الواجبة مسببات لأسباب خاصة، و لا معنى لتقديم المسبب على السبب، و قوله (عليه السلام): (يلزم) ظاهر في التجدد، فلا بد من حمله حينئذ على الأغسال المندوبة، فيجتزى حينئذ بالغسل بعد طلوع الفجر عن كل ما يستحب له الغسل في ذلك اليوم و إن تجدد. و فيه- مع أنه أيضا يلزم منه تقديم المسبب على السبب حينئذ- أنه ليس أولى من جعل ذلك قرينة على إرادة الماضي من قوله (عليه السلام): (يلزمه في ذلك اليوم) بل يؤيده قوله (عليه السلام) في الخبر المتقدم: (إذا اجتمعت) إلى آخره، لظهورها في شرطية الاجتزاء بالاجتماع، و هو دال بمفهومه على العدم مع عدم الاجتماع، و هو ينافي الاجتزاء عن متجدد السبب فيها، و من هنا استدل بها العلامة على تداخل الأغسال الواجبة لظهور قوله (عليه السلام): (يلزمه) فيه، و مما ذكرنا يظهر لك انا و إن قلنا بالاجتزاء بغسل واحد عن الجميع مع نية ذلك إلا أنه لا بد من الاجتماع، فلا نجتزي بالنسبة إلى المتجدد و إن نوى الاغتسال عن كل ما يستحب له الغسل في هذا اليوم من الحاضر و المتجدد. ثم انه إن سلمنا كون الرواية المذكورة في الأغسال المستحبة فمقتضى الجمع- بينها و بين

قوله (صلى الله عليه و آله): (إنما الأعمال بالنيات)

و ما دل على شرطية التعيين و قصدية الامتثال و نحو ذلك- حملها على إرادة نية الجميع.

و أما رواية عثمان بن يزيد فهي مع الغض عن سندها يجري فيها كثير مما تقدم، لكنها أظهر من سابقتها في إرادة الأغسال المستحبة، كما هو مقتضى قوله (عليه السلام) فيها: (إلى الليل) و (إلى طلوع الفجر) و يحمل قوله (عليه السلام): (يجب) على إرادة الثبوت، فلا ينافي إرادة المستحب، لكن الظاهر إرادة الماضوية، فلا تفيد بالنسبة للمتجدد كما عرفت، و مما ذكرنا يظهر لك ما في الاستناد إلى التعليل المتقدم، فلا مانع

ج 2، ص: 129

من أن يراد به ذلك أيضا، و إذ قد عرفت بطلان القول بعدم التداخل مطلقا و القول به مطلقا كان المتعين التفصيل لكن بشرط اجتماعها دون المتجدد منها، نعم قد يقال: انه لا يشترط نية الجميع تفصيلا، بل يكفي النية الإجمالية في الجملة.

القسم الثالث أن يكون بعضها واجبا و بعضها مستحبا، و الأقوى الاجتزاء فيه أيضا بغسل واحد مع نية الجميع، فهنا مقامات الأول التداخل مع الفرض المذكور، و به صرح المصنف في المعتبر، و وافقه جملة من متأخري المتأخرين، و في ظاهر القواعد و الإرشاد و صريح جامع المقاصد كما عن صريح التذكرة عدم التداخل، لنا الإجماع المنقول في الخلاف على الاجتزاء بغسل واحد للجنابة و الجمعة مع نيتهما، و حسنة زرارة المتقدمة و مرسلة جميل و عثمان بن يزيد المتقدمة في وجه، و هو حمل الوجوب و اللزوم فيهما على ما يشمل الواجب و المستحب، لكن فيه إشكال في خصوص خبر عثمان بن يزيد و التعليل المتقدم (بأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة) فما يقال: من أنه لا دليل على التداخل و ليست كالأغسال الواجبة، لأن المطلوب بها الرفع أو الاستباحة و هو أمر واحد، بخلاف هذه- فيه مالا يخفى، كالقول بأنهما مختلفان بالوجوب و الندب، و هما متضادان لا يجتمعان في محل واحد، و الشيعة متفقون على عدمه كالواجب و المحرم و إن اختلفت الجهة، و ذلك لما تقدم لك في أول البحث أن التحقيق أن المراد بالتداخل هنا انما هو الاجتزاء بفعل واحد عن الفعلين، و ليس هذا الفرد الموجود في الخارج الذي تحقق به الاجتزاء مصداقا للكليين حتى يلزم ما سمعت، بل هو أمر خارج عنهما، فهو من قبيل فرد لكلي آخر، قال الشارع: اني أجتزي به عن الواجب و المندوب، لكن لما كان مشابها في الصورة سمي بالتداخل، و إلا فهو ليس غسل جنابة و غسل جمعة ليرد ذلك.

فان قلت: إنا نسأل عن هذا الغسل الموجود في الخارج أ هو مستحب أم واجب أو مستحب و واجب، قلت: هو حيث يقوم مقام الأغسال الواجبة، فهو أحد فردي الواجب المخير بمعنى أن المكلف مخير بين أن يأتي بالفعلين أو بالفعل الواحد المجزي عنهما

ج 2، ص: 130

و حيث يقوم عن الواجب و المندوب فهو مندوب محضا، لأنه يجوز تركه لا إلى بدل، و ذلك لأنه بدله الواجب و المستحب جميعا، و يجوز للمكلف الاقتصار على الواجب فقط، و هو ليس بدلا عنه، فكان يجوز تركه لا إلى بدل، فلا يكون واجبا فينوي حينئذ بناء على اشتراط نية الوجه الندب فيه مع نية الاجتزاء به عن الجميع الواجب و الندب و على عدم الاشتراط ينوي القربة مع نية الاجتزاء به عن الجميع، لا يقال: انهم صرحوا بأن الندب لا يجزي عن الواجب، بل لا يجوز أن يرد فيه دليل، و ذلك لأن الأحكام الشرعية عندنا معلومة لمصالح واقعية، و لا ريب في تباين المصلحتين، لأنا نقول: لا مانع من اشتمال الندب على مصلحة الواجب لكن وجد المانع من اقتضائها الوجوب، و وجود المانع لا ينقضها، بل هي باقية على حالها، و يكشف عن ذلك الدليل، نعم بعد فرض عدم الدليل عليه لا نقول به، لعدم علمنا كيفية مصلحة الندب، كما يشير إلى ذلك

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك»

و غيره فتأمل.

و أما ما ينقل عن بعضهم- من دفع هذا الاشكال بعدم وجوب نية الوجه- ففيه مالا يخفى إذ ليس الإشكال في النية انما هو في الاجتماع في الشخصي الخارجي، و هذا لا يرفعه، و يظهر من بعضهم دفع هذا الإشكال بأن المراد بتداخل الواجب و المستحب تأدي إحدى الوظيفتين بفعل الأخرى، كما تؤدى صلاة التحية بقضاء الفريضة و صوم الأيام المسنونة بقضاء الواجب و نحو ذلك، لظهور تعلق الغرض بمجرد الماهية على أي وجه اتفق، فيكون المقصود من غسل الجمعة مثلا غسل هذه الأعضاء على الوجه المعتبر في هذا اليوم و إن تحقق في ضمن الواجب مثل غسل الجنابة و غيره، فلا يرد أن ذلك ممتنع لتضاد وجهي الوجوب و الندب، إذ الواقع انما هو الغسل الواجب خاصة لكن الوظيفة المسنونة تأدت به لصدق الامتثال، و لما سمعت من الأخبار، بل عن بعضهم التصريح أنه تحصل الوظيفة و إن لم يقصدها، و لا مانع من إعطاء الثواب بذلك، و له


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب السواك- حديث 4.

ج 2، ص: 131

نظائر. و فيه أن ما ذكره ممكن في ذاته لكنه ان أراد أن ذلك مقتضى الأصل و الظاهر في كل ما اجتمعت فيه الأسباب الشرعية حتى يدل الدليل على خلافه كما يقضي به تعليله بصدق الامتثال، بل عن بعضهم التصريح به، و بأن قولهم الأصل تعدد المسببات بتعدد الأسباب كلام خال عن التحصيل. ففيه أنه مخالف لما يظهر من كلام الأصحاب في جميع أبواب العبادات و المعاملات من البناء على تعدد المسببات بتعدد الأسباب، و ادعى بعضهم الاتفاق عليه و هو كذلك، و كان هو المتمسك لهم في كثير من المقامات، بل يرسلونه إرسال المسلمات، و لم يخرجوا عنه إلا بدليل، بل قد يطرحون في معارضته النصوص و يتركون الظواهر كما نقل عن بعضهم من إنكار التداخل في الأغسال، مع ما سمعت من ورود الروايات، و مخالف لما يقضي به الاستقراء في جميع أبواب الفقه من الصلاة و الزكاة و الحج و الصيام و الأيمان و النذور و الديون و

الحدود و غيرها عدا النزر القليل المستند إلى ما جاء فيه من الدليل على اختلاف في كثير من أفراده، و مخالف لما هو المتبادر من الاختصاص المقتضي للتعدد، فان المفهوم من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «إذا تكلمت في الصلاة فاسجد سجدتي السهو»

أن السجود لخصوص التكلم، و

قوله (عليه السلام): «إذا شككت بين الأربع و الخمس فاسجد سجدتي السهو»

أن يجب عليه سجود آخر للشك، و إن شئت فاستوضح ذلك بمثل ما إذا قيل ان جاءك زيد فأعطه درهما، و ان سعى لك في حاجة فأعطه درهما و قد جاءك و سعى في حاجتك فإنك لا تشك في أنه يستحق بذلك درهمين، أحدهما بمجيئه و الآخر بسعيه كما هو واضح، و استوضح في الجعالات و نحوها، و أيضا لا إشكال في اقتضاء هذه الأسباب مسبباتها عند الافتراق فكذا عند الاجتماع لأن الدليل الدال على سببيتها متحد الدلالة، إذ هو بعبارة واحدة شاملة للحالين، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة عليه التي يطول الكلام بذكرها.

فان قلت: ان نية الضمائم الراجحة التي صرح الأصحاب بعدم منافاتها للعبادة


1- 1 المستدرك الباب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.

ج 2، ص: 132

كلها من هذا القبيل، قلت: لو سلمنا لقلنا انه موقوف على الدليل أيضا، و مقصود الأصحاب بصحتها هناك انما هو عدم منافاتها للقربة، فلا يفسد العبادة ضمها من هذه الحيثية لا أن المقصود جواز ضمها على كل حال، مثلا لو ضم إلى نية التقرب في الصوم الواجب إصلاح بدنه مثلا أو كسر شهوته أو نحو ذلك كان لا بأس به، لأنه بعد أن علم أن قصد إصلاح البدن أو كسر الشهوة يتحقق على أي حال كان في الواجب و غيره جاز مثل ذلك فتأمل، و إن أراد أن ذلك لمكان الأدلة في المقام الدالة على الاجتزاء بغسل واحد ففيه ان قصارى ما يستفاد منها الاجتزاء بغسل واحد للجميع و هو أعم من ذلك، و مما ذكرنا سابقا بل ظاهر قوله (عليه السلام): (حقوق) خلافه، كظهور قوله (عليه السلام) (أجزأها) في أن ذلك رخصة، فيفيد بقاء التعدد حينئذ، لا يقال:

ان حمل الدليل على ذلك أولى مما ذكرت، لما فيه من بقاء الامتثال و صدق الإطاعة لتلك الأوامر و نحوها، فإنه على ما ذكرت من المراد بالتداخل ليس فيه امتثالا لتلك الأوامر لأنا نقول: ان في كلام الأمرين مخالفة للظاهر، أما على ما ذكرنا فلعدم تحقق الامتثال لتلك الأوامر، و لظهور الأوامر في المطلوب العيني دون التخييري، و أما على ما ذكره الخصم فلمخالفته لظهور التعدد المستفاد منها الذي قد عرفت أنه مجمع عليه في سائر المقامات، و لا ريب أن مراعاة هذا الظهور أولى، بل في الحقيقة الظهور الأول يستفاد حيث لا دليل، لا انه مفهوم لفظ بحيث يعارض الدليل بخلاف ما ذكرنا، و أيضا قد عرفت أن ما دل على التداخل ظاهر في التعدد هنا، و ان ذلك رخصة فيجب حينئذ الاقتصار على هذا المقدار و البقاء على مقتضاه في غيره هذا. و في الذكرى في المقام أي فيما لو اجتمع الواجب و الندب يشكل من حيث تضاد وجهي الوجوب و الندب إن نواهما معا، و وقوع عمل بغير نية ان لم ينوهما، إلا أن يقال: نية الوجوب تستلزم نية

الندب لاشتراكهما في ترجيح الفعل، و لا يضر اعتقاد منع الترك، بل هو مؤكد للغاية كالصلاة على جنازتي بالغ و صبي لدون ست، بل الصلاة الواجبة.

ج 2، ص: 133

و يقرب منه ما عن الشهيد الثاني قال بعد أن نقل عن جماعة من الأصحاب الاجتزاء مع نية الجميع: «و لا يخلو من إشكال لتضاد الوجه و اعتبار نية السبب، و يمكن سقوط اعتبار نية السبب هنا و دخوله تحت الوجوب، كما في الأذكار المندوبة خلال الصلاة الواجبة و الصلاة على جنازتي من زاد على الست و نقص عنها» انتهى. و فيه أن دخول العبادة المستقلة المندوبة تحت عبادة أخرى مستقلة أيضا منويا فيها الوجوب ممنوع أشد المنع، و إن استندا في ذلك إلى الدليل رجع حينئذ إلى الإسقاط، كما أن ما ذكر من المثال بالأذكار المندوبة خلال الصلاة الواجبة قياس مع الفارق، أما أولا فلكون ذلك من الأجزاء لا من العبادات المستقلة، و أما ثانيا فلأنه قد يدعى ان الفرد المشتمل على الأذكار المندوبة من جملة أفراد الواجب المخير بالنسبة إليها، و إن جاز ترك المندوب فإنه انتقال إلى فرد آخر، فلا ينافيه نية الوجوب حينئذ، و أما ما ذكر من المثال بالصلاة على الجنازتين ففيه أنه إن لم يدل دليل عليه محل للإشكال أيضا، و دعوى الدخول فيه ممنوعة، كمنع ما ذكره الأول من أنه لا يضر اعتقاد منع الترك لأنه مؤكد، إذ كيف لا يقدح مع كونه فصلا مميزا للفعل عن جائز الترك، فتأمل جيدا و في الذخيرة في دفع الاشكال ما هذا لفظه: «الأقرب أن يقال لما دل على الدليل إجزاء غسل واحد عنهما يلزم أن يقال إحدى الوظيفتين تتأتى بالأخرى بمعنى أنه يحصل له ثوابها و إن لم يكن من أفرادها حقيقة، كما تتأدى صلاة التحية بالفريضة و الصوم المستحب بالقضاء، أو يقال: ما دل على استحباب غسل الجمعة مختص بصورة لا يحصل سبب الوجوب، و المراد من كونه مستحبا أنه مستحب من حيث كونه غسل الجمعة مع قطع النظر عن طريان العارض المقتضي للوجوب» انتهى. و فيه أن ما ذكره أولا مخالف لمراد أصحابه، لتصريحهم بكونه من أفراده، و أن المراد بغسل الجمعة جريان الماء على الأعضاء قربة و إن كان في ضمن الواجب.

ثم انه مع نيتهما معا كما هو الفرض تأدية إحداهما بالأخرى إن كانت مخصوصة

ج 2، ص: 134

فهو ترجيح بلا مرجح، و إن كانت على الإبهام لا معنى له، بل لا يخفى ما في كلامه الأخير بحيث لا يحتاج إلى بيان، نعم ربما يقال في دفع أصل الإشكال: بأنه لا مانع من اجتماع الوجوب و الندب في شي ء واحد من جهتين بمعنى أن يكون فردا لكليين أحدهما متعلق الوجوب و الآخر متعلق الندب، و ذلك لاختلاف متعلقهما حقيقة، لكن فيه أن الامتثال وقع في الشخص الموجود في الخارج و هو لا تعدد فيه، و إن جاز ذلك هنا فليجز في الواجب و المحرم كذلك، و هو ليس من مذهبنا، و إن جنح إليه بعض المدققين من أصحابنا لهذه الشبهة، و للكلام معه مقام آخر.

و قد يقال في دفع أصل الاشكال: انه نمنع التنافي في اجتماع الواجب و المندوب بمعنى اشتمال الفعل على مصلحة الواجب و الندب، إذ مصلحة الندب ليس مأخوذا في مفهومها جواز الترك حتى تنافي مصلحة الواجب و لا هو من مقتضياتها، بل المراد ان الفعل مشتمل على مصلحة لم توصله إلى حد الإلزام به، فجواز الترك في المندوب من أصل الأفعال فلا ينافي اشتماله على مصلحة توصله إلى حد الإلزام بالعارض، و قول الفقهاء إن الواجب و المندوب متنافيان يراد به ما لو كان أصل الفعل موضوعا على ذلك، أو يراد به مع ملاحظة الحيثية، و استوضح ذلك في نية الضمائم المندوبة مع الواجب، فإنه لا يعرف من أحد الإشكال فيها، فيكون معنى اجتماع الواجب و المندوب حينئذ أنه قد يحصل فعل جامع للمصلحتين إحداهما مصلحة الواجب و الأخرى مصلحة الندب بمعنى أنها حيث تكون منفردة لا توصل الفعل إلى حد الوجوب و الإلزام فتأمل. و مما ذكرنا يظهر لك دليل القول بعدم التداخل في الفرض و جوابه.

المقام الثاني أن ينوي الجنابة، و قيل باجزائه عنه و عن الندب، كما في الخلاف و السرائر و عن المبسوط، و اختاره جماعة ممن تأخر عنهما، بل قيل الظاهر أنه المشهور بل يظهر من السرائر دعوى الإجماع عليه، و كأن مستنده إطلاق الأدلة، بل قد يشعر به مرسلة جميل، و جنح اليه بعض متأخري المتأخرين معللين بما سمعت من أصالة

ج 2، ص: 135

التداخل، أو لما يظهر من أدلة غسل الجمعة و نحوها أن المراد حصول جريان الماء على هذه الأعضاء في هذا اليوم و إن كان لرفع جنابة، لكن في الكل نظر، أما الإطلاق فلما تقدم سابقا، مع أنه غير مساق لبيان ذلك، بل هو معارض بالأصل و بمثل

قوله (عليه السلام)(1): «لا عمل إلا بنية»

و

«انما الأعمال بالنيات»(2)

و (لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(3)و نحو ذلك، بل قد عرفت أن التداخل رخصة لا عزيمة، و مقتضاه جواز التعدد، فيكون الفارق بين الغسل المجزي لواحد و بين ما يجزي للجميع النية، لتوقف التعيين عليها، و قصره على نية العدم بعيد، و أما ما أشعرت به مرسلة جميل المتقدمة ففيه مع ما عرفت من عدم وضوح متنها محمولة على إرادة نية الجميع، و مثله غيره، و الإجماع المدعى في السرائر- مع أنه ليس بصريح في ذلك- معارض بما عرفت أيضا، كمعرفتك فساد الأصل المتقدم، و انه ليس في الأدلة ما يقتضي كون المراد بغسل الجمعة كذلك، بل هي ظاهرة في خلافه، و لهذا ذهب جملة من الأصحاب منهم المصنف و الفاضل و الكركي في ظاهر المعتبر و القواعد و الإرشاد و صريح المنتهى و التذكرة و جامع المقاصد، و ربما يشعر به غيرها، و وافقهم عليه جملة من أساطين العصر و ما قاربه كالسيد المهدي في منظومته و الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر في كشفه و الآغا في شرحه على المفاتيح على ما نقل عنه إلى عدم

الاجتزاء تمسكا بما سمعت، فيبقى الاستصحاب أي استصحاب الخطاب به سالما عن المعارض، و هو الذي يقتضيه الاحتياط بل هو الأقوى و إن كان الأول لا يخلو من وجه، و الظاهر أنه بناء على الاجتزاء بالجنابة لا فرق بينها و بين غيرها من الواجبات كغسل الحيض و نحوه، و ربما ظهر من بعضهم كابن إدريس في السرائر و الفاضل الهندي و غيرهما اختصاص ذلك بالجنابة، و لعله لما في صدر حسنة زرارة المتقدمة، و لأن غسل الجنابة له مزية على غيره، و لما


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 10.
3- 3 سورة النجم- الآية 40.

ج 2، ص: 136

يظهر من ابن إدريس من أن العمدة في ذلك الإجماع، لكنك خبير أنه بناء على أن منشأ الاجزاء هو كون المراد من غسل الجمعة مثلا حصول الغسل و لو في ضمن الواجب كالصوم في الأيام البيض، أو أنه إطلاق قوله (عليه السلام): (إذا اجتمعت) إلى آخره و نحوه يتجه عدم الفرق بين غسل الجنابة و غيره، بل يؤيده قوله (عليه السلام) في آخر الرواية: (و كذلك المرأة يجزيها) الى آخره. فيحمل قوله (عليه السلام) (للجنابة) على المثال، هذا. إلا انك قد عرفت أن الأقوى أنه لا تداخل مع عدم النية.

المقام الثالث أن ينوي غسل الجمعة من غير تعرض للجنابة، قيل لا يجزي عن الجنابة و لا عن الجمعة، و قيل يجزي عنهما، و قيل يجزي عن الجمعة دون الجنابة، و هو الأقوى، أما إجزاؤه عن الجمعة فلأن الأمر يقتضي الإجزاء لصدق الامتثال، و ما يقال: ان المقصود منه التنظيف، و هو لا يحصل مع بقاء الحدث في غاية الضعف، إذ هي دعوى عارية عن الدليل، بل قد يظهر من مشروعية غسل الإحرام للحائض خلافها، و أما عدم إجزائه عن الجنابة فلعدم نيته كما عرفت في سائر أنواع التداخل، و التمسك بإطلاق الأدلة أو بأن المراد من غسل الجنابة غسل هذه الأعضاء على وجه القربة بعد حدث الجنابة و إن كان في ضمن المستحب فيه من الضعف ما لا يخفى كما ظهر لك من المباحث السابقة.

نعم قد يستدل بما ينقل

عن الفقيه (1)أنه روى في أبواب الصوم «من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي حتى خرج شهر رمضان ان عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنه يقضي صلاته و صومه الى ذلك اليوم، و لا يقضي ما بعد ذلك»

مع أنه ذكر في أول كتابه أنه انما يورد فيه ما يفتي به و يحكم بصحته و يعتقد أنه حجة فيما بينه و بين ربه عز و جل، لكن فيه أن الخروج بمجرد هذه


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب من يصح صومه- حديث 2 من كتاب الصوم.

ج 2، ص: 137

الرواية مع عدم الجابر لها و موافقتها لبعض مذاهب العامة عما تقتضيه أصول المذهب لا يليق بالفقيه، فما وقع- من بعض متأخري المتأخرين من العمل بمضمونها بل قد يظهر من بعضهم أنه موافق للقواعد- مما لا ينبغي أن يلتفت اليه، و بما ذكرنا تستغني عن ذكر مستند كل من الأقوال المتقدمة، كما أنك استغيت بعد الاطلاع على جميع ما تقدم عن التعرض لصحة ما إذا وقع الفعل

بنية امتثال سبب خاص قاصدا عدم الآخر و بطلانه على الوجوه السابقة، و إن كان الأقوى عندنا أنه يقع لما نواه فقط، فتأمل جيدا و الله أعلم بحقائق أحكامه.

و إذ قد عرفت ان الأصل يقتضي عدم التداخل مطلقا في الواجبات و المندوبات و المختلطات وجب الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن أو بحكمه، و الظاهر انه هنا هو الاكتفاء بغسل واحد للجميع مع نية الجميع أو بعض الجميع كالجمع بين غسلين مثلا فقط دون الباقي. أما لو قصد التداخل كلا أو بعضا في غسل رأسه مثلا ثم أراد التفريق في باقي الأعضاء فالظاهر عدم الصحة، و كذلك العكس، نعم لو غسل رأسه بعدد ما عليه من الأغسال و هكذا سائر أعضائه فالأقوى في النظر الصحة، لعدم اشتراط الموالاة، و كذا في محل الفرض لو قصد التداخل في البعض، كما لو كانت عليه ثلاثة أغسال ثم غسل رأسه مرتين قاصدا بالأولى الاجتزاء عن اثنين و بالثانية عن الثالث حتى ثم أعضاؤه على هذا الحال، أما لو غسل رأسه مثلا مكررا غير معين و لا مداخل ثم قصد التداخل في البواقي فالظاهر عدم الصحة.

[الفرض الثاني من فروض الوضوء غسل الوجه]
اشاره

الفرض الثاني من فروض الوضوء غسل الوجه كتابا و سنة و إجماعا، و هو لغة على ما يظهر من بعضهم ما يواجه به، و في المصباح المنير انه مستقبل كل شي ء و شرعا بمعنى المراد الشرعي لا انه حقيقة شرعية لبعدها، كاحتمال كون ذلك من الشارع كشف للمعنى

ج 2، ص: 138

العرفي، بل عن المرتضى في الناصريات انه لا خلاف في أن الوجه اسم لما يواجه به، انما الخلاف في وجوب غسل كل ما يواجه به أم لا، فيقتصر حينئذ على هذا المعنى في خصوص المقام، و يرجع في غيره إلى العرف

[في تحديد الوجه]

و هو أوسع مما هنا أي ما بين منابت الشعر في مقدم الرأس إلى طرف الذقن بالفتح، و هو مجمع اللحيين الذي ينحدر عنه الشعر من الجانبين، طولا و ما اشتملت عليه الإبهام بكسر الهمزة، و هي الإصبع العظمى، و الجمع الأباهم، و الإصبع الوسطى عرضا و ما خرج عن ذلك فليس من الوجه و في المدارك ان هذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب، و كأنه لأنه لم يفرق بين ما عبر به المصنف و ما عبر به الأصحاب من قصاص الشعر إلى محادر شعر الذقن طولا و ما دارت عليه الإبهام و الوسطى عرضا، و هو كذلك لا فرق بينهما، فما عن الغنية حينئذ و الناصريات- من الإجماع على هذا التحديد، و في المعتبر و المنتهى من أنه مذهب أهل البيت (ع) و ما في الحدائق و عن الذخيرة و غيرها الظاهر انه لا خلاف فيه- هو الحجة على ما ذكره المصنف، مع ما في جامع المقاصد من أن هذا التحديد مستفاد من ا لأخبار(1)المروية عنهم، و ما عن الذكرى انه القدر الذي غسله النبي (صلى الله عليه و آله) بنقل أهل البيت (عليهم السلام)(2)، مضافا إلى الصحيح على ما عن الفقيه

عن زرارة بن أعين (3)أنه قال لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): «أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله عز و جل فقال: الوجه الذي قال الله و أمر الله عز و جل بغسله الذي لا ينبغي لأحد ان يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر و إن نقص منه أثم ما دارت عليه الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه، و ما سوى ذلك فليس من الوجه، فقال له: الصدغ من الوجه فقال لا»

و رواه الكليني و الشيخ أيضا في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 139

(قال: قلت له: أخبرني) الى آخره إلا انه في الكافي (و ما دارت عليه السبابة و الوسطى و الإبهام) و كأن المراد بالضمير في روايتيهما الباقر (عليه السلام) كما يشهد له رواية الفقيه، و ما تضمنته رواية الكليني من ذكر السبابة مع الوسطى لم أعثر على من اعتبره سوى ما ينقل عن المبسوط و الناصريات انهما ذكرا السبابة مع الوسطى في العرض، و الظاهر انه ليس خلافا في المسألة، إذ كل ما اشتملت عليه السبابة و الإبهام تشتمل عليه الوسطى و الإبهام لقصرها عنها غالبا، و حمل الواو في الرواية و كلاميهما على معنى أو فيحصل حينئذ خلاف و يكون تخييرا بين الزائد و الناقص في غاية البعد، بل لا معنى له عند التأمل، و لذا لم ينقل عن أحد منهم الخلاف في ذلك، و لا تعرض له متعرض ممن عادته التعرض لمثله، و هذه الرواية هي الأصل في الباب، و عليها بني كلام الأصحاب، بل في المدارك انها نص في المطلوب.

و قبل الخوض في بيان كيفية دلالتها على ما ذكره الأصحاب لا بد من ذكر معاني ألفاظ وقعت في كلامهم يتوقف عليها ذلك، (منها) النزعتان، و هي تثنية نزعة بالتحريك، و هما البياضان المكتنفان بالناصية بلا خلاف أجده كما يتفق في كثير من الناس، و هو معنى ما في المنتهى انهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا في جانبي الرأس، و (منها) العذار، و هو النابت على العظم الناتي الذي هو سمت الصماخ و ما انحط إلى وتد الأذن على ما في المنتهى، و يقرب منه ما عن التذكرة، وفي جامع المقاصد عن الذكرى «أنه ما حاذى الأذن يتصل أعلاه بالصدغ و أسفله بالعارض» انتهى. و مثله عن المسالك و المحقق الثاني في حاشيته على النافع، و هو يرجع إلى ما ذكر على ما ستعرفه من المراد بالصدغ و العارض، و لذا جمع بينهما في المدارك، فقال: هو الشعر النابت على العظم الناتي الذي يتصل أعلاه بالصدغ و أسفله بالعارض، كما أن ما في المصباح المنير من أن عذار اللحية الشعر النازل على اللحيين يرجع إليه أيضا، أو يكون تفسيرا بالأعم و إلا فما ذكرناه من تفسيره كأنه لا نزاع فيه في عبارات أصحابنا، و (منها) العارض، ففي المنتهى أنه

ج 2، ص: 140

ما نزل عن حد العذار، و هو النابت على اللحيين، و يرجع اليه ما في الدروس من أنه الشعر المنحط عن القدر المحاذي للأذن إلى الذقن و هو مجمع اللحيين، و إن كان في صدق العارض على القريب إلى الذقن تأمل، فلذا قال في المدارك: أنه الشعر المنحط عن القدر المحاذي للأذن، و في كشف اللثام أنه ما تحت العذار من غير ذكر الانتهاء إلى الذقن، و في الصحاح أن عارضه الإنسان صفحتا خديه، و قولهم فلان خفيف العارضين يراد به خفة شعر العارضين، و (منها) مواضع التحذيف، و هي الشعر بين انتهاء العذار و النزعة المتصل بشعر الرأس، كما في المنتهى و الروضة و نحوه عن التذكرة و الذكرى، بل لعله يرجع اليه ما في المدارك من أنها هي التي ينبت عليها الشعر الخفيف بين الصدغ و النزعة، لأن منتهى العذار من الأعلى هو ابتداء الصدغ كما عرفت، بل كأنه لا خلاف في تفسيرها بذلك، و (منها) الذقن و هو مجمع اللحيين الذي ينحدر منه الشعر و يسترسل، و كأنه لا خلاف أيضا في تفسيره بذلك، و مثله في ذلك القصاص و هو منتهى منابت شعر الرأس، و (منها) الصدغ بالضم، و المعروف في تفسيره بين الأصحاب انه الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي الرأس الأذن، و ينزل عن رأسها قليلا، لكن الموجود في بعض كتب اللغة انه ما بين لحظ العين إلى أصل الأذن، و يقرب منه ما قيل ما بين الحاجب و الأذن.

إذا عرفت هذا فنقول: غير خفي على الناظر في كلام الأصحاب و الرواية ظهور أن المراد بقوله (عليه السلام): «ما دارت عليه الإبهام من قصاص الشعر» الى آخره الحد الطولي الذي ذكره الأصحاب، و بقوله (عليه السلام): «و ما جرت عليه الإصبعان» الى آخره الحد العرضي الذي ذكروه أيضا، و لذا قال في المدارك: انها نص في المطلوب، لكن فيه نظر من وجوه، (الأول) أن التحديد الأول للطول لا يناسب التعبير بقوله (عليه السلام): (دارت) إذ ليس هو من الدوران في شي ء، بل قد يقال: لا حاجة إلى التقدير بالإصبعين في الحد الطولي، بل تحديده بأنه ما كان من القصاص إلى الذقن

ج 2، ص: 141

أولى من ذلك، نعم يتجه التقدير بهما بالنسبة إلى العرض. (الثاني) قوله في التحديد العرضي مستديرا ينافي ما ذكروه، إذ لا استدارة فيه، مع أنه كان ينبغي أن يقول مستديرين لكونه حالا من الإصبعين على الظاهر. (الثالث) ما قاله البهائي في الحبل المتين أنه بناء على هذا التحديد ينبغي دخول النزعتين لكونهما تحت القصاص مع خروجهما إجماعا و ينبغي دخول الصدغين لدخولهما تحت الخط العرضي المار بقصاص شعر الناصية و يحويهما الإصبعان غالبا مع خروجهما بنص الرواية، و أما العارضان فقد قطع بعض بدخولهما، و بعض بخروجهما، و مثلهما العذران و مواضع التحذيف، الى أن قال: فظهر لك انه على ما فهمه الأصحاب من الرواية يقتضي خروج بعض الأجزاء عن حد الوجه مع دخوله في التحديد كما عرفت في النزعتين و الصدغين، و يقتضي دخول البعض منه مع خروجه عن التحديد المذكور، فكيف يصدر مثل هذا التحديد الظاهر القصور الموجب لهذا الاختلاف من الامام (عليه السلام)، و لذلك حمل الرواية على معنى آخر، و قال:

ما حاصله أن قوله (عليه السلام): (من قصاص) متعلق بقوله: (دارت) فيراد حينئذ بيان ابتداء التدوير من القصاص، بمعنى ان الخط المتوهم من قصاص الشعر إلى طرف الذقن، و هو الذي يشتمل عليه الإصبعان غالبا إذا أثبت وسطه و أدير على نفسه حتى يحصل شبه دائرة، فذلك القدر الذي يجب غسله، فيكون مبدأ الدائرة انما هو القصاص و الذقن و هو المنتهى أيضا، و ذلك لأنه يكون ما كان على القصاص على الذقن و ما كان على الذقن على القصاص، و عليه حينئذ يلتئم خروج الصدغين و النزعتين، و كذلك مواضع التحذيف و العذارين لخروجها عن الدائرة كما يشهد به الاعتبار، و أما العارضان فيدخل بعضهما، و استجوده بعض من تأخر عنه كالمحدث الكاشاني، و كأن الذي دعاه إلى ذلك مضافا إلى ما سمعت اشتمال الرواية على لفظ الاستدارة.

و فيه- مع أنه من المعاني الغامضة التي لا يليق بالإمام مخاطبة عامة الناس بها، و مناف لما يظهر من كلام الأصحاب الماهرين الذين هم الأئمة في فهم الأخبار أصحاب

ج 2، ص: 142

القوى القدسية- انه مناف لما تسمعه من التحقيق الذي يأتي على جميع ما ذكرنا و ذكر من الاشكال، و هو أن الأصحاب لم يجعلوا الإبهام و الوسطى معيارا للحد الطولي، بل حدوده بكونه من القصاص إلى الذقن، نعم قد جعلوهما حدا للعرض، و من المعلوم أن المراد بالقصاص قصاص الناصية، ثم يؤخذ ما يسامتها من الجانبين في عرض الرأس، فيخرج النزعتان لكونهما ليسا من الوجه قطعا، إذ التحديد مساق لبيان الوجه، و إلا فالدائرة التي ذكرها البهائي لا تجدي في دفع الإيراد بالنزعتين كما هو واضح، فيراد حينئذ بعد تعليق الجار و المجرور بقوله (عليه السلام): (دارت) ان ما أحاطت به الإبهام و الوسطى و ما جرت عليه من القصاص إلى الذقن فهو من الوجه، بمعنى أن كل موضع جرت عليه الإصبعان من هذا المكان الذي هو من القصاص إلى الذقن فهو من الوجه، و لعل هذا أولى مما ذكره لظهور قوله (عليه السلام): (دارت عليه الإبهام و الوسطى من القصاص) في كون ابتداء الدوران للإصبعين معا من القصاص، و على كلامه يكون الدوران من القصاص للوسطى خاصة، لكون المفروض أن الإبهام على الذقن، بل لا معنى لجعل الذقن منتهى الدائرة لأن ابتدائها وقع من القصاص و الذقن و انتهائها إليهما أيضا، بأن يكون الإبهام على القصاص و الوسطى على الذقن فيكون لكل من الإصبعين نصف الدائرة، مع أن الرواية كادت تكون صريحة في إرادة ابتداء جريان مجموع الإصبعين من القصاص و انتهائه إلى الذقن، و هو عين ما ذكره الأصحاب، بل لا يخفى على المتأمل في التحديد الذي ذكره انه يخرج عنه بعض الجبينين قطعا، مع أنهما من الوجه بديهة كما هو نص خبر إسماعيل بن مهران (1)بل قد يقال ان جميع ما تكلفه محافظة على حقيقة العبارة لا يتم معه، لظهور

قوله (عليه السلام): (ما دارت عليه الإبهام و الوسطى من قصاص)

إلى آخره في أن الإصبعين يدوران في جميع أجزاء الوجه من القصاص إلى الذقن فيلزم ما لا يتناهى من الاستدارة و هو لا معنى له، إذ كيف يعقل حصول الاستدارة في خط


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 143

لا سعة له كما هو واضح، و حمل اللفظ على إرادة معنى آخر ليس بأولى مما ذكرنا من إرادة الإحاطة ثم الجريان حتى ينتهيا إلى الذقن، بل ذلك أولى من وجوه.

بل يحتمل أن يراد بالإدارة نفس الجريان، و سمي مثل ذلك إدارة لانه يحصل منه شبه دائرة، و به يظهر وجه قوله (عليه السلام): (مستديرا) إذ هو حال إما من لفظ (ما) أو من الضمير المجرور بحرف الاستعلاء، و لا فساد في شي ء من ذلك، لكنه يكون حينئذ ذكر الأصحاب للحد الطولي ليس لتضمن الرواية صريحا له، بل هو لازم للمعنى الذي ذكرناه، مع أنه يمكن ان يجعل الأول للحد الطولي على حمل (دارت) على معنى اشتملت و أحاطت، و يكون قوله (عليه السلام): (و ما جرت) بيانا للحد العرضي، و لا ضير فيه، و لو لا مخافة إطالة الكلام لأطنبنا الكلام فيما يرد على ما ذكره، و فيما ذكرنا الكفاية، و به يندفع جميع ما تقدم من الإشكالات، و أما ما ذكره من خروج الصدغ مع دخولهما في تحديد الأصحاب ففيه أولا أن الصدغ المسمى بالفارسية (بزلف) على ما عرفت من تفسيره عند الأصحاب خارج عن التحديد المذكور كما يقضي به الاختبار، بل قد يقال: انه من جملة منابت الشعر، بل يرشد إلى خروجه اشتمال الرواية المتقدمة عليه، لظهورها في عدم دخوله في التحديد، لا أنه داخل و خرج بقوله (عليه السلام): (انه ليس من الوجه) كما هو ظاهر عند التأمل، و من هنا لم أعثر على قائل بوجوب غسله سوى ما نقله في الذكرى عن أحكام الراوندي على ما قيل، مع احتمال أن يكون مراده بعض الصدغ، بل أكثره على تفسير بعض أهل اللغة بأنه ما بين لحظ العين إلى أصل الأذن.

لكنك قد عرفت أن المعروف بين الأصحاب تفسيره بخلاف ذلك، و لذا قال في التذكرة على ما نقل عنه: الصدغان من الرأس، و في المنتهى بعد أن عرفه بما تقدم ذكره سابقا أنه لا يجب غسله معللا له و لغيره من النزعتين بأن التكليف بهذا شرعي، و لا شرع يدل على التكليف بها، و في جامع المقاصد الصدغ الذي يتصل أسفله بالعذار ليس من الوجه قطعا، إلى غير ذلك مما عثرنا عليه من كلمات الأصحاب، فإنها مصرحة

ج 2، ص: 144

بعدم وجوب غسله، بل ظاهر كثير منها كصريح البعض أنه غير داخل في التحديد لا كلا و لا بعضا، فيكون ذلك قرينة على أن المراد بالصدغ عندهم غير المعنى المذكور في كلام بعض أهل اللغة، على أنه بناء عليه لا تجدي البهائية في خروجه، بل يدخل بعضه فيها ككلام الأصحاب، و التحقيق ما ذكرنا، هذا. و ربما ظهر من الخوانساري في شرحه على الدروس تسليم دخول بعض الصدغ في التحديد، و استند في خروجه إلى الرواية، لأنه فسره بأنه المنخفض الذي ما بين أعلى الأذن و طرف الحاجب، و كأنه (رحمه الله) غفل عما هو المعروف بين الأصحاب من معناه، فتأمل جيدا.

و أما النزعتان فقد عرفت أن عدم وجوب غسلهما إجماعي، و ان الدائرة البهائية لا تثمر في دفع ذلك، لكنك قد عرفت أن المراد بالقصاص قصاص الناصية ثم يؤخذ ما يسامتها لإخراج المعلوم أنه من الرأس، نعم قد يقال: بدخول ما يتفق في بعض الرؤوس من عدم استواء القصاص فيها، مع أنه ليس من النزعة قطعا، و أما العذار فليعلم أولا أن خلاف الأصحاب في هذه الأمور مرجعه إلى موضوع، و هو أن مثل هذا الموضع هل تشمله الإصبعان أولا؟ و إلا فلا شك في الخروج مع عدم الشمول و في الدخول معه، و لعل منشأه وقوع الاشتباه بالنسبة للمختبرين و اختلاف الأيدي و الوجوه اختلافا لا يخرجه عن مستوي الخلقة، أو الاختلاف في محل الاختبار بالإصبعين هل هو القصاص ثم يؤخذ على نسبة الحدين أو هو وسط التدوير أو انه يجزي الإصبعان من القصاص إلى الذقن فكل ما حوته يجب غسله اتفق أو اختلف، و ما يقال على الأخير:

انه لو اعتبر ذلك لدخل ما علم خروجه من مسمى الوجه عند الاختبار قريبا من الذقن مدفوع بأن المراد ما حوته الإصبعان من الوجه العرفي كما يشعر به

قوله (عليه السلام): (و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا)

فشمولها لمعلوم الخروج غير قادح، و لعل قوله (عليه السلام): (و ما جرت عليه) بالجيم و الراء يناسب الثالث على ما في بعض النسخ

ج 2، ص: 145

كالموجود في بعض آخر بالحاء و الواو على ما عرفت سابقا من أن المراد بالرواية ما دارت عليه الإصبعان من القصاص إلى الذقن، إذ الاختبار بالإصبعين في كل موضع من مواضع الوجه، فتأمل جيدا.

إذا عرفت ذلك فالعذار قيل بدخوله كما عن ظاهر المبسوط و الخلاف و عن ابن الجنيد و به صرح الشهيد في الروضة، و قيل بخروجه، و اختاره المصنف في المعتبر و العلامة في المنتهى و التحرير و عن جملة من كتبه، بل عن ظاهر كلامه في التذكرة دعوى الإجماع عليه، و ربما قيل بالتفصيل، و هو دخول ما حوته الإصبعان منه و خروج الباقي كما نقل عن العلامة في نهاية الأحكام، و اختاره بعض من تأخر، لكن منه قد يستظهر ان النزاع بينهم لفظي، إذ القائل بوجوب الغسل مراده ما حوته الإصبعان منه و القائل بعدم وجوبه مراده خروج ما لم تحوه الإصبعان منه، إذ لا معنى للقول بوجوب غسل الخارج بعد ما سمعت من التحديد، كما أنه لا معنى للقول بعدم وجوب غسل الداخل بعده، و كان سبب الاشتباه أن العذار و ان عرف بما سمعت من أنه الشعر المحاذي للأذن يتصل أعلاه بالصدغ و أسفله بالعارض لكن ذلك تعريف لطوله، و أما عرضه فلم يظهر مقداره، فلعل القائل بخروجه يقتصر على ذلك المقدار الخارج بتسمية العذار، و مثله القول بالدخول أو يريد به بعضه، و إلا فالاصبعان لا تناله بتمامه قطعا. و دعوى وجوب غسله من باب المقدمة مدفوعة بأن المراد دخوله في أجزاء الوجه، و إلا فهي واجبة في سائر الحدود من غير خصوصية لذلك، على انه يكفي بعضه كدعوى أن شعر الخدين يجب غسله، و هو متصل به لا مفصل محسوس بينهما، و أما ما يقال:

ان أسفله متصل بالعارض مع وجوب غسله قطعا ففيه أولا انا نمنع وجوب غسل مالا تناله الإصبعان كما ستسمع، و ثانيا لا ملازمة بين اشتمال الإصبعين على العارضين و اشتمالهما على العذار، إذ قد يختبر بالنسبة للعارض بنحو يشمل العارضين دون العذار، و ثالثا بإمكان المعارضة بأنه متصل بالصدغ الذي أجمع الأصحاب إلا نادرا على عدم وجوب

ج 2، ص: 146

غسله، و ظاهرهم انه لا تناله الإصبعان، و في الدروس و جامع المقاصد و عن الذكرى أن غسله أحوط، و لعله خروجا عن شبهة الخلاف، فيكون لذلك مستحبا، و لا ينافيه ما في المنتهى و التحرير أنه لا يستحب، بل في الأخير انه يحرم ان اعتقده، لأن الظاهر إرادة نفي الاستحباب الذاتي لا الاحتياطي.

و مما ذكرنا تعلم انه لا إشكال في عدم وجوب غسل البياض الذي بين الأذن و العذار، و أما العارض فقيل بدخوله كما اختاره الشهيدان، بل قطع أولهما به كما عن ثانيهما نقل الإجماع عليه، و عن أبي علي أن كلامه يعطي الدخول، و ذهب العلامة في المنتهى إلى خروجه، و عنه في النهاية التفصيل بين ما شملته الإصبعان منه و ما لم تشملاه منهما. قلت: لا ينبغي الإشكال في وجوب غسل الأسفل منه لتناول الإصبعين له، و أما أعلاه فهما ينالان شيئا من عرضه ان قلنا بتسمية ذلك عارضا و لا يشملانه تماما قطعا، و ما في المدارك- من الإيراد على الاستدلال هنا بشمول الإصبعين بأن ذلك انما يعتبر في وسط التدوير من الوجه و إلا لوجب غسل ما تناولاه و ان تجاوز و هو باطل إجماعا- مدفوع بأنه مناف لظاهر الرواية، بل صريحها من الاعتبار بهذا التحديد في سائر الوجه، كاندفاع ما أورده بأن المراد ما تناولاه من أجزاء الوجه كما هو صريح الرواية، فيخرج المعلوم منه أنه ليس منه، و أنت إذا أحطت خبرا بما قدمناه في العذار تعرف خصوص ما يتعلق بالمقام، فلا حاجة إلى الإعادة، و أما مواضع التحذيف على ما عرفت من تفسيرها فأدخلها بعضهم، و أخرجها آخرون، و ليس ذلك من جهة شمول الإصبعين و عدمه، بل لكونها منابت من القصاص أولا، و لعل الأظهر دخولها، لأنها كما عرفت منابت الشعر الخفيف، و الظاهر عدم دخولها في مسمى شعر الرأس، كما يشعر به سبب تسميتها بذلك من كثرة حذف الشعر فيها من النساء و المترفين، مع تأيده بالاحتياط، إذا عرفت ذلك كله ظهر لك ما ذكره البهائي في دائرته و ما فيه، لكن من المعلوم أنه يجب في جميع ما ذكرنا من الحد الطولي و العرضي إدخال بعض الزائد على المحدود من باب المقدمة

ج 2، ص: 147

لتحصيل العلم بغسل المأمور به سيما بالنسبة للتحديد العرضي، لأن معرفته على التحقيق في غاية الإشكال خصوصا للأعوام، بل يكفي في إشكاله ما وقع بين العلماء كما سمعت، فإذا أتى بالزائد احتياطا فرغت ذمته يقينا، إذ ليس عليه الوقوف على نفس الحد، لكن يجب نية غسل الوجه المأمور به شرعا، أما لو أدخل بعض الزائد في النية على أنه مغسول أصلي ابتداء لا في أثناء غسل العضو قوي القول بالفساد للتشريع، و يكون قوله (عليه السلام): (فان زاد عليه لم يؤجر) أي على وضوئه لفساده، و فيه تعريض بوضوء العامة، و يحتمل القول بالصحة، كما لعله يشعر به قوله (عليه السلام): (لم يؤجر) أيضا لمقابلته له بقوله (عليه السلام): (إن نقص أثم) و أولى منه في ذلك ما إذا نواه في الأثناء أو نوى غسل الوجه في الواقع، و لكن كان بزعمه ان المجموع وجه و إن كان زعما باطلا، فتأمل جيدا.

و لا عبرة بالأنزع الأصلع الذي قد انحسر الشعر عن بعض رأسه فساوى بعض مقدم رأسه جبهته، و لا بالأغم المقابل للأول و هو الذي ينبت الشعر على بعض جبهته، فلا يجب على الأول غسل ذلك المقدم، كما أنه يجب على الثاني غسل القصاص الذي على الجبهة، فيرجع كل منهما إلى الغالب في أكثر الناس، لانصراف التحديد اليه و إن كان في صدق اسم الوجه على الثاني محل تأمل، و يجب عليه الغسل من القصاص إلى الذقن و إن طال وجهه بحيث خرج عن المتعارف لصدق اسم الوجه و حصول التحديد في المستوي.

و لا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه، بل يرجع كل منهم إلى مستوي الخلقة كما صرح به غير المصنف أيضا من غير تردد و لا إشكال، و كأنه لانصراف التحديد المذكور إلى الغالب، و الظاهر أنه كذلك، لكن المراد بالرجوع إلى المستوي في عريض الوجه أو صغيره مع طول الأصابع هو أن يفرض مثلا لعريض الوجه أصابع مناسبة على نحو أصابع المستوي لوجهه، و بمعناه انه يقدر في المستوي و يحدد

ج 2، ص: 148

بحدود و يؤخذ على نسبة تلك الحدود من غيره، لا أن معنى الرجوع إليه انه يؤخذ مقدار أصابع المستوي من الوجه العريض جدا، إذ على ذلك يخرج كثير من مسمى الوجه بحيث يقطع بعدم الاجتزاء به و نحوه هؤلاء في الرجوع إلى المستوي، كذلك من لم يكن تسطيح جبهته أو خديه أو علو أنفه أو هبوطه على المتعارف، فان الجميع يرجع إلى المستوي على حسب ما ذكرنا.

[في وجوب الغسل من الأعلى إلى الأسفل]

و يجب أن يغسل جميع ما تقدم بيانه من الوجه مبتدء من أعلى الوجه إلى الذقن، و لو خالف و غسل منكوسا لم يجز على الأظهر كما في صريح المبسوط و المعتبر و المنتهى و القواعد و التحرير و الإرشاد و جامع المقاصد و ظاهر المقنعة و الوسيلة و التنقيح، و نسبه في المختلف إلى سلار و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، و قال: انه رواه ابن بابويه في كتابه، و أنه ظاهر أبي الصلاح لكن ما وصل إلى من عبارة المراسم لا ظهور فيها بذلك كعبارة المهذب و الكافي، و أما الغنية فصريحة في إرادة التحديد، و لعله لذا لم ينقل عنهم في كشف اللثام، فلاحظ و تأمل، و نقله في التنقيح عن المرتضى في أحد قوليه و نسبه في المدارك، و عن غيره إلى الشهرة بين الأصحاب، و في التنقيح و عن التذكرة إلى الأكثر، بل في بعض حواشي الألفية الاتفاق عليه، و خالف في ذلك فحكم بالصحة ابن إدريس في السرائر، كما عن المرتضى في المصباح، و يظهر من جملة من متأخري المتأخرين الميل اليه، بل ربما كان ظاهر من أطلق غسل الوجه، و الأول هو الأقوى لحكاية الباقر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) في عدة أخبار،

ففي بعضها(1)انه (صلى الله عليه و آله) «أخذ كفا من ماء و صبه على وجهه»

و

في آخر(2)«فأسدله على وجهه»

و أظهر منهما ما في

الصحيح عن زرارة(3)قال: «حكى أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) فدعا بقدح من ماء، فأدخل


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 10.

ج 2، ص: 149

يده اليمنى، فأخذ كفا من ماء، فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه»

إلى آخره. و ما في

الصحيح أو الحسن عنه (عليه السلام)(1)أيضا أنه (ص) «غرف ملأها ماء، فوضعها على جبهته»

و عن

تفسير العياشي أنه «غرف غرفة فصبها على جبهته فغسل جبهته»

مع أن العلامة في المنتهى و عن الشهيد في الذكرى أنهما قالا بعد الصحيح الأول:

روي عنه (عليه السلام)(2)انه (صلى الله عليه و آله) قال بعد ما توضأ: «إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»

و في) الوسائل عن قرب الاسناد

عن أبي جرير الرقاشي (3)قال:

قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): «كيف أتوضأ للصلاة، فقال لا تعمق في الوضوء، و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا، و كذلك فامسح على ذراعيك و رأسك و قدميك»

بل قد يقال: أنا في غنية عن الأخبار البيانية، للقطع بأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يغسل مبتدءا من الأعلى لكونه إما واجبا أو راجحا مع كراهة النكس كما يقوله الخصم، و هو لا يفعل المكروه، و لا يترك الراجح، فلما علمنا ذلك وجب التأسي بفعله، لكن في المدارك كما عن الأردبيلي و البهائي التنظر فيه، و تبعهم عليه بعض من تأخر عنهم بأنه «من الجائز أن يكون ابتداؤه بالأعلى لكونه أحد جزئيات مطلق الغسل المأمور به لا لوجوبه بخصوصه» فان امتثال الأمر الكلي يتحقق بفعل جزئي من جزئياته، و لا إجمال في غسل الوجه حتى يكون فعله بيانا له، فيجب اتباعه، و أما النقل الذي ذكر فمرسل، و بذلك يجاب عن الأخير، مع إمكان التزام جواز كون البدأة بالأسفل و إن كان مكروها لبيان الجواز» انتهى.

و اعتراضه في الحدائق بوجوه ستة، لكن كثيرا منها بمعزل عن الورود عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 22.

ج 2، ص: 150

بل الأولى أن يقال: انه و إن كان وقوع الفعل بنفسه لا يدل على الوجوب التعييني بعد إطلاق الأمر، لكنه قد يستفاد منه ذلك في خصوص المقام، لظهور حكاية الباقر (عليه السلام) له فيه، كظهور نقل زرارة إسدال الماء من أعلى الوجه أنه فهم منه وجوب ذلك، بل الظاهر من الأخبار في المقام مثل

قوله (ع) «أ لا أحكي لكم وضوء رسول الله) (ص)»

أنه تعريض في العامة من الوضوء المنكوس، بل قد يرشد إلى ذلك خبر علي ابن يقطين المشهور(1)مضافا إلى ما سمعت من

قوله (صلى الله عليه و آله): (هذا وضوء لا يقبل الله)

إلى آخره و لا يقدح فيها إرسالها، لانجبارها بما سمعت، كما لا يقدح ما في رواية قرب الاسناد بعد الانجبار به أيضا، و بذلك كله يقيد ما يستدل به للمرتضى (رحمه الله) من إطلاق الغسل الواقع في الكتاب و السنة المتحقق بكل منهما، مع احتمال انصرافه إلى المتعارف من الابتداء بالأعلى، لا أقل من الشك في شمول الإطلاق لهذا الفرد و لو لما تقدم أو الشك من جهة تعارض الأدلة، فيبقى الأصل و هو استصحاب بقاء الحدث سالما عن المعارض، فتأمل جيدا، و من

قوله (عليه السلام) في خبر حماد(2): «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا»

الذي فيه من الضعف ما لا يخفى، إذ الكلام في الغسل دون المسح، و حمله على ما يشمل الغسل مجاز لا قرينة عليه، ثم الظاهر من كلام الأصحاب أن مرادهم بالنكس في المقام الذي جعلوه مذهبا للمرتضى و منعوه هو عدم وجوب الابتداء بالأعلى مثلا، و أما كيفية الغسل هل تجوز منكوسة أو لا بمعنى ان القائلين بوجوب الابتداء بالأعلى هل يجوزون النكس في الغسل نفسه بان يستقبل الشعر فيه مثلا، إما مع الجمع بينه و بين الابتداء بالأعلى في ذلك إن أمكن، أو أنه بعد الابتداء بشي ء من الأعلى أولا يجوزون ذلك؟ و كذلك المرتضى (رحمه الله) و من تابعه القائلون بجواز النكس هل يريدون الابتداء من الأسفل في مقابلة الابتداء من الأعلى من غير


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 151

نكس في نفس الغسل أو أنه أعم من ذلك؟ فلا دلالة في شي ء من كلامهم عليه و لا تلازم بين المسألتين، إلا أن الذي يظهر من ملاحظة كلام القائلين بعدم وجوب الابتداء بالأعلى جواز النكس في نفس الغسل، كما يظهر من ملاحظة كلام بعض القائلين بوجوب الابتداء بالأعلى أنه لا يجوز

النكس في الغسل و لو بعد الابتداء بالأعلى، و لعل الوضوءات البيانية- مع ما في بعض الأخبار(1)

انه (صلى الله عليه و آله) «أفرغ الماء على ذراعه من المرفق إلى الكف لا يريدها إلى المرفق»

و معروفية ذلك بين العامة، مع تصريح جملة من قدماء الأصحاب بأنه لا يستقبل الشعر في الغسل، و انه به افترق عن المسح- يؤيد الثاني، لكن الإنصاف أنه لا دليل معتبر على المداقة في ذلك بحيث لا فرق فيه بين القليل و الكثير، فلعل الأقوى في النظر عدم البأس في اليسير منه، كما أن الأقوى البطلان فيما كثر منه بحيث صار كغسل العامة، قال في المدارك: «و اعلم ان أقصى ما يستفاد من الأخبار و كلام الأصحاب وجوب البدأة بالأعلى أعني صب الماء على أعلى الوجه ثم اتباعه بغسل الباقي، و أما ما تخيله بعض القاضرين من عدم جواز غسل شي ء من الأسفل قبل غسل الأعلى و إن لم يكن في سمته فهو من الخرافات الباردة و الأوهام الفاسدة» انتهى، و استجوده بعض من تأخر عنه.

قلت: و حاصل الاحتمالات في المسألة أربعة (الأول) وجوب الابتداء بالأعلى خاصة و لو كان يسيرا كأن يكون بل إصبعه و غسل شيئا من أعلى جبهته، و لا ترتيب في الباقي. (الثاني) ما ذكره عن بعض القاصرين و هو وجوب غسل الأعلى فالأعلى و ان لم يكن مسامتا، و عن الشهيد الثاني في شرح الرسالة انه وجه وجيه، (الثالث) وجوب غسل الأعلى فالأعلى في خصوص المسامت، فلا يجوز غسل الأسفل قبل الأعلى المسامت له، و لعل ما ينقل من العلامة في مسألة من أغفل لمعة يحتمله و سابقه، قال بعد أن نقل عن ابن الجنيد التفصيل بأنه إن كانت دون الدرهم بلها و صلى ما صورته: «و لا


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 152

أوجب غسل جميع ذلك العضو، بل من الموضع المتروك الى آخره ان أوجبنا الابتداء من موضع بعينه، و الموضع خاصة ان سوغنا النكس» انتهى. (الرابع) ان يراد غسل الأعلى فالأعلى لكن لا على التحقيق لتعسره أو تعذره، فلا تقدح المخالفة اليسيرة التي لا يخرج بالعرف فيها عن ذلك، و هو ظاهر المنقول عن الشهيد الثاني في شرح الرسالة و اختاره بعض أصحابنا المتأخرين. أما (الأول) فهو و إن كان يقتضيه كلام كثير من المتأخرين لكن المستفاد من أخبار الوضوءات البيانية خلافه و خلاف المحكي من وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أما (الثاني) فلا ريب في فساده لما فيه من العسر و الحرج، بل التعذر، بل ملاحظة الأخبار تشرف الفقيه على القطع بعدمه، لما فيها من سهولة غسل الوضوء، منها

الصحيح أو الحسن (1)المتضمن لحكاية وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) «أنه غرف ملأ كفه فوضعها على جبينه، ثم قال بسم الله و سدله على أطراف لحيته ثم أمر يده على وجهه و ظاهر جبينه مرة واحدة»

فإنه كالصريح في عدم ذلك، و مثله آخر(2)

«أخذ كفا من ماء فأسدله على وجهه ثم مسح وجهه من الجانبين جميعا»

فان مسح وجهه من الجانبين بعد الإسدال الأول كالصريح في بطلان تلك الدعوى إلى غير ذلك، و يقرب من هذا الاحتمال في العسر و الحرج و غيرهما الاحتمال (الثالث) و هو وجوب غسل الأعلى فالأعلى مسامتا، بل و كذا الوضوءات البيانية تشرف الفقيه على القطع بعدمه أيضا، على أنك قد عرفت أن العمدة في وجوب البدأة بالأعلى انجبار تلك الأخبار بالشهرة، و هي غير معلومة في المقام، بل معلومة العدم، و من هنا ينقدح قوة الوجه الأول لو لا ما يظهر من ملاحظة الوضوءات البيانية خلافه، و لعل الوجه (الرابع) أو قريبا منه أقرب الاحتمالات حينئذ إليها، و أقرب منه ما في أيدي الناس الآن من كيفية الوضوء، فإنها كلها من الكيفيات المحفوظة عنهم (عليهم السلام) و أما


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 153

احتمال وجوب الانتهاء بالذقن كوجوب الابتداء بالأعلى كما يقضي به بعض العبارات كعبارة المصنف (رحمه الله) و نحوها فالظاهر عدمه، فتأمل جيدا.

و هل المراد بالبدأة بالأعلى عدم جواز النكس المنصرف في بادئ الرأي إلى ما ينافي البدأة بالأعلى ضرورة كون أظهر أفراده ما عند القوم من الغسل منكوسا من منتهى العضو، فلا يقدح حينئذ غسل جميع الجبهة مثلا دفعة، كما عساه يحتمل من قول المصنف و غيره من تفريع عدم جواز النكس على ذلك، فيكون مساقا في الرد على المرتضى، أو أن المراد وجوبه، فلا تجزي المقارنة و لا النكس، كما يقضي به قولهم وجوب البدأة، لأنه كما ينافيه النكس ينافيها المقارنة؟ وجهان، لكن قد يشكل الثاني بأنه يلزم منه فساد أكثر وضوءات الناس، إذ من المقطوع به أنه يغسل مع الجزء الأعلى غيره دفعة، و احتمال القول أن المقصود غسل الأعلى و يكرر بالنسبة إلى غيره و لذلك يكرر إمرار اليد، فيكون غسل ثان حينئذ خلاف الواقع، بل لعل فيما ذكرناه من الوضوءات البيانية من إمرار يده مرة واجدة شهادة بخلافه، نعم قد يقال: لا يراد بالأعلى الخط الذي ليس أعلى منه خط فقط، بل المدار فيه على صدق البدأة بأعلى الوجه، و يؤيده الوضوء بالمطر و نحوه، و عليه فلا يجزي غسل الوجه إذا وضعه في حوض أو غيره مع نية الغسل في آن من الآنات ما لم ينو ابتداء الغسل من الأعلى ثم يحصل غسل آخر بعد ذلك، و لعله الأقوى في النظر.

[في عدم وجوب غسل ما استرسل من اللحية]

و لا يجب غسل ما استرسل من اللحية كما في التحرير و القواعد و الدروس طولا أو عرضا كما نص عليه في الخلاف و المعتبر و المنتهى و المدارك و كشف اللثام و غيرها، بل في الخلاف «ان دليلنا أصالة البراءة، و شغلها يحتاج إلى دليل، و عليه إجماع الفرقة المحقة» إلى آخره. إذ الظاهر ان مراده نقل الإجماع على ما نحن فيه، و المراد بالمسترسل المذكور هو الخارج عن حد الوجه كما نص عليه بعضهم، و حينئذ فالظاهر ان الإجماع منعقد على عدم وجوب غسله كما نص عليه في المدارك و كشف اللثام و غيرهما

ج 2، ص: 154

لعدم دخوله في مسمى الوجه، أو لخروجه عن التحديد كما هو المفروض، فما ينقل عن بعض العامة من وجوب غسله زاعما أنه من الوجه لبعض الاستعمالات الغير المطردة في غاية الضعف، مع ما في المدارك عن أكثر العامة من القول بعدم الوجوب أيضا، أما ما دخل منه في حد الوجه فالظاهر أن وجوب غسله إجماعي كما في شرح الدروس، بل يظهر من بعضهم عدم دخوله تحت اسم المسترسل، كآخر الاستدلال عليه بصدق اسم الوجه عليه، لكن فيه من الضعف مالا يخفى، كالاستدلال بشمول التحديد له إذ التحديد لما كان من الوجه.

فالأولى في الاستدلال عليه ما ستسمعه (1)من الأخبار الدالة على سقوط وجوب غسل البشرة ك

قوله (عليه السلام)(2): «كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء»

فان الظاهر رجوع الضمير المجرور إلى الشعر فيفيد إيجاب إجراء الماء على الشعر المحيط بدلا عن البشرة، فيؤخذ على ذلك الحد قبل نبات الشعر، و بمعناه أنه لو حدد بالإبهام و الوسطى بعد نباتة فكل ما دخل تحتهما من الشعر وجب غسله، نعم يشكل هذا بأنه لو نقص عن الحد الأول قبل نبات الشعر كما إذا كان الشعر كثيفا جدا لم يقتصر عليه، فالأولى مراعاة التحديد قبل نباتة، لكن الظاهر أن الواجب غسل الظاهر من الشعر، و لا يجب التبطين، ل

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر محمد بن مسلم (3)قال: سألته «عن الرجل يتوضأ أ يبطن لحيته؟

قال: لا»

و

في بعضها(4)(انما عليك أن تغسل ما ظهر)

و للوضوءات البيانية، إذ لا يخفى على من لاحظها ظهورها بل صراحتها في عدم ذلك، ففي الحقيقة حينئذ كما يكون الشعر بدلا عن البشرة يكون بدلا عن بعضه لكونه محيطا به أيضا، فتأمل.


1- 1 و في نسخة الأصل بعد ما ستسمعه و لا يخفى أن لفظ بعد زائد و مخل.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 155

و هل يستحب غسل المسترسل الخارج عن حدود الوجه كما عن الشهيد في الذكرى ناقلا له عن أبي علي، و لعله ل

قول زرارة(1)في حكاية أبي جعفر (عليه السلام) وضوء النبي (صلى الله عليه و آله): «و سدله على أطراف لحيته»

و لاستحباب التخليل، لكن في كشف اللثام ضعف الدليلين واضح، قلت: هما على ضعفهما كافيان في الحكم الاستحبابي، بل قد يؤيده الأخبار المتكثرة الآمرة بأخذ الماء من اللحية عند الجفاف الشاملة للمسترسل منه الظاهرة في أنه مقدم على غيره، إذ مع فرض أنه ليس مستحبا في الوضوء يكون لا فرق بينه و بين ماء الوضوء المحفوظ في طشت و نحوه، و منه تظهر ثمرة للحكم بالاستحباب و عدمه زيادة على نفس الاستحباب، و إذ قد عرفت أنه يجب غسل الشعر بدلا عن البشرة فالظاهر الاجتزاء بغسل الظاهر.

[في عدم وجوب تخليل اللحية]

و لا يجب تخليلها كما في الخلاف بل يغسل الظاهر لما رواه الشيخ

في الصحيح عن زرارة(2)قال: قلت: «أ رأيت ما كان تحت الشعر قال: كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء»

وفى الوسائل رواه الصدوق بإسناده

عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)(3)قال: قلت له: «أ رأيت ما أحاط به الشعر فقال: كل ما أحاط به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء»

و

صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)(4)قال:

سألته «عن الرجل يتوضأ أ يبطن لحيته؟ قال لا»

و في

خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «انما عليك أن تغسل الظاهر»

و (انما) تفيد الحصر، وفى الخلاف بعد أن قال: إيصال الماء إلى ما يستره شعر اللحية و تخليلها غير واجب، قال: «دليلنا أن الأصل براءة الذمة، و إيجاب التخليل يحتاج إلى دليل، و عليه إجماع الفرقة» و ظاهر إطلاق المصنف و غيره و ما سمعت من الأخبار عدم الفرق بين الكثيفة و الخفيفة كما نص


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 156

عليه في المعتبر و التحرير و المنتهى و الإرشاد و جامع المقاصد و الروضة، بل نسبه في الدروس إلى الشهرة ظاهرا منها اختياره، بل ربما نقل عن المبسوط، و قد سمعت إطلاق كلامه في الخلاف، و قيل إن خفت اللحية وجب تخليلها، و اختاره في القواعد و المختلف و اللمعة، كما عن ظاهر ابني الجنيد و أبى عقيل و السيد في الناصريات، و المراد بالخفيف ما تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، و يقابله الكثيف كما يظهر من بعضهم، بل نص عليه في جامع المقاصد و الروضة و غيرهما، لكن لا يخفى عليك ما في هذا التفسير من الاجمال، لاختلاف المجالس و أحوال الشعر و جلوس المخاطب، فلعل إناطته بالعرف أولى من ذلك و إن كان هو لبيانه.

و ربما ظهر من بعض أن النزاع في ذلك لفظي، لأن الجميع متفقون على وجوب غسل البشرة التي بين الشعر، و عدم وجوب غسل المستور بنفس الشعر، فلا نزاع حينئذ، و آخر أن النزاع في خصوص المستورة، و إلا فالظاهرة بين الشعر لا كلام في وجوب غسلها، و ثالث فجعله في خصوص الظاهرة، و إلا فلا كلام في عدم وجوب غسل المستورة، و كأن السبب في ذلك وقوع بعض عبارات من بعضهم، فيأخذ المتخيل بها و يحكم بها على الجميع، و هو غير لائق، و إلا فيحتمل أن يكون كلامهم في مسألة التخليل ليس لغسل البشرة، بل المراد أنه هل يجب غسل الشعر الباطن عوض البشرة أو يجتزى بغسل الشعر الظاهر كما لعله تشعر به بعض عبارات بعضهم أيضا؟ و التحقيق أنه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب التخليل في الكثيفة، للسنة و الإجماع المنقول، بل يمكن دعوى تحصيله، و أما الخفيفة فإن كانت خفة يمتنع معها صدق اسم الإحاطة كأن تكون متباعدة المكان مثلا فلا ينبغي الإشكال في وجوب غسل ما بين هذا الشعر، لصدق اسم الوجه و استصحاب بقاء التكليف، إذ لا دليل على البدلية، و أما ما كان تحت هذا الشعر فيحتمل الاجتزاء بغسل الشعر، لصدق الإحاطة و كونه مما يواجه به، و ضعفهما ظاهر، و يحتمل إيجاب غسل البشرة لكون الوجه اسما

ج 2، ص: 157

لها، فيستصحب بقاء التكليف بها مع الشك في شمول الأدلة لمثله إن لم نقل بظهور العدم، و حينئذ فهل يجب غسل الشعر معها فيكون كشعر اليد؟ وجهان أيضا، أقواهما عدم الوجوب، لعدم الدخول في مسمى الوجه، و دعوى أن كل شعرة بدل عن محل منبتها لتعذر غسله ممنوعة، و لم لا يكون ذلك قرينة على السقوط، على أنه لا يقضي بسقوط الغسل عن كل ما سترته كيف ما كان و لو بالاسترسال في المحل مثلا، و أما إذا لم تكن الخفة بتلك المثابة فالأقوى في النظر عدم الوجوب مطلقا، وفاقا للمشهور نقلا بل و تحصيلا مع النظر إلى من أطلق و من نص على الإطلاق، فيجتزى بغسل الشعر عما تحته و عما بين الشعرات، لصدق الإحاطة لغة و عرفا، و ترك الاستفصال في خبر التبطين، مضافا إلى إطلاق الإجماع كما سمعت من عبارة الخلاف، بل قد يدعى ظهورها في إرادة الخلال ما بين الشعر، لاقتضاء عطفه على المستور بشعر اللحية مغايرته.

و ما يقال: ان التخليل لا يشمل غير المستور بنفس الشعر ممنوع، بل قد يدعى صدق استعمال الخلال في هذا أكثر و أشيع، كل ذلك مضافا إلى الوضوءات البيانية، و إلى ما يظهر من الأخبار من المبالغة في قلة ماء الوضوء و الاكتفاء بكف واحد للوجه، بل في خبر علي بن يقطين (1)المشهور المشتمل على المعجز ما يدل على أن التخليل من مذهب العامة، فلاحظ و تأمل. مع أنه لو وجب غسل ما بين الشعر أو ما تحته لاحتاج إلى كثرة ماء حتى يستيقن بحصول الغسل المطلوب شرعا، و من هنا قيل أنه لا يحصل له اليقين بذلك حتى يضع وجهه في حوض أو نهر أو نحوهما، و فيه من العسر و الحرج مالا يخفى، بل كيف يعقل الفرق بين المستور بالشعر و غيره مع شدة اختلافه باختلاف الأمكنة و الأوقات و تفريق الشعر و عدمه و نحو ذلك من جلوس الرائي و المرئي، فقد ينكشف بعض البشرة الآن و يستتر غيرها ساعة أخرى، على أنه أي ثمرة يحصل لهذا النزاع، فإنه لا يعلم غسل ما بين الشعر من دون أن يغسل جميع البشرة، و هذا عين


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 158

الطلب و البحث المنفي بالرواية، و ما في المختلف- من الجواب عن رواية التبطين انها محمولة على الساتر، و أيده برواية الإحاطة- ضعيف و تحكم بلا حاكم، و بما ذكرنا ينقطع استصحاب غسل نفس بشرة الوجه، و دعوى الشك في بدلية الشعر في المقام ممنوعة، لما سمعت من ظهور الأخبار مع إطلاق فتوى المشهور، كمنع ما سمعت من دعوى الإجماع على وجوب غسل ما بين الشعر، مع معارضته بما سمعته عن بعضهم من أن النزاع فيه، بل التتبع و التأمل و التروي يورث الظن القوي بل العلم بخلافه.

و أما قوله (عليه السلام) في خبر زرارة المتقدم (انما يغسل الظاهر) فبعد الغض عما في السند في شموله لمثل الظاهر بين الشعر الخفيف نظر، لظهور غيره منه كما هو واضح، مع معارضته بخبر الإحاطة، نعم قد يقال: بوجوب غسل ما أحاط به الشعر على جهة التدوير، كما لو كانت بقعة في وسط اللحية و نبت الشعر دائرا عليها، للشك في شمول الإحاطة بمثله، بل هي ظاهرة في غيرها، فالأحوط غسلها مع الشعر، و أما المستور بالاسترسال كما لو ستر استرسال الشارب شيئا من بشرة الوجه فالأقوى وجوب غسل البشرة، ثم أن مقتضى الصحيح المتقدم عدم الفرق بين سائر الشعور النابتة في الوجه كالعنفقة و الشارب و الحاجب و غيرها كما نص عليه بعضهم، بل في الخلاف الإجماع على عدم وجوب إيصال الماء إلى أصل شي ء من شعر الوجه، بل قد يستفاد من ذلك الصحيح قاعدة عامة جارية في سائر الشعور بالنسبة إلى جميع الأفعال حتى يرد المخصص كما في غسل الجنابة، فان الواجب فيه غسل البشرة و إن كثف الشعر، لكن لم أعثر على عامل به على عمومه، بل قد يظهر مما ذكره بعضهم من إيجاب غسل البشرة في اليد و إن كثف الشعر خلافه، و هو و إن أمكن تعليله بشمول اسم اليد عرفا لشعرها النابت عليها، و لذا يجب غسله مع البشرة لكنه غير خال من الإشكال، لصحة الرواية و ظهورها بل صراحتها، بل لا يبعد في النظر العمل بعمومها حتى يجي ء ما يحكم عليها، كالعمل بما يظهر منها من أن بدلية الشعر في مقام يكون كذلك بدلية حتمية لا رخصة،

ج 2، ص: 159

فلا يجزي حينئذ غسل البشرة دونه، و قوله (عليه السلام): (ليس عليهم) و إن كان ظاهرا في إرادة الرخصة، لكن الموجود في رواية الشيخ أنه (ليس للعباد أن يطلبوه) على أنه بعد أن ما دلت

الرواية على سقوط الوجوب المستفاد من الأمر الأول يحتاج إلى دليل آخر دال على الاجتزاء به، و دعوى استفادته من الأمر الأول محل نظر، فالموافق للاحتياط الواجب المراعاة في نحو المقام غسل الشعر، للقطع بالاجتزاء به دون غيره، و قال الشهيد في الدروس: «يستحب التخليل و إن كثف الشعر» و لم أعثر له على دليل يقتضيه، بل قد يظهر من ملاحظة الأدلة خلافه، نعم قد يتجه ذلك في الخفيفة خروجا عن شبهة الخلاف، و حيث اشتملت الرواية على العموم اللغوي التي يتساوى جميع الأفراد بالنسبة إليه لم يختلف الحال في الموافق للغالب و عدمه، فالأغم مثلا إن كان كثيف الشعر اجتزي بغسله، و في الخفيف ما تقدم.

و كذا لو نبت للمرأة لحية لم يجب تخليلها قطعا مع الكثافة، وفي الخفيفة ما تقدم، و إن ظهر من بعضهم دعوى الإجماع هنا على عدم وجوب التخليل مطلقا، لكن فيه أن المسألة من واد واحد، بل هي أولى بوجوب التخليل و لو مع الكثافة، حملا لدليل الشعر على الغالب المتعارف، كما ينقل عن بعض العامة و إن كان ضعيفا، لما عرفت من العموم اللغوي فيه، و لذا كان الظاهر انعقاد الإجماع من أصحابنا على عدم وجوب التخليل في الكثيفة، و أما الخفيفة فكسابقها من لحية الرجل، و قد عرفت أن المختار عدم الوجوب هناك، فلم يجب هنا. و كفى إفاضة الماء على ظاهرها كما يكفي ذلك في الرجل.

[الفرض الثالث من فروض الوضوء غسل اليدين]

الفرض الثالث من فروض الوضوء غسل اليدين كتابا و سنة و إجماعا بين المسلمين، و الواجب غسل الذراعين و المرفقين أصالة، كما هو ظاهر التهذيب و الخلاف و المعتبر و النافع و المنتهى

ج 2، ص: 160

و القواعد و صريح جامع المقاصد مرجحا له بشهرته بين العلماء، و محتمل الإرشاد و التحرير، بل لعله الظاهر ممن عبر بوجوب الغسل من المرافق كاشارة السبق و الجمل و الدروس و اللمعة، لدخول ابتداء الغاية فيها كما يظهر من الاستدلال على الدخول بما تضمن الغسل من المرفق، بل يرشد إليه قول الفاضل في القواعد: «الثالث غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع، فإن نكس أو لم يدخل المرفق بطل» إذ تفريعه على كلامه الأول كالصريح فيما ذكرنا، وفى كشف اللثام في شرح العبارة «إجماعا في الثاني مما عدا زفر و داود و بعض المالكية» انتهى. و إذ قد عرفت ظهورها في إرادة الأصلي كان الإجماع عليها، وفي الخلاف «أن غسل المرفقين واجب مع اليدين، و به قال جميع الفقهاء إلا زفر- إلى أن قال-: و قد ثبت عن الأئمة (عليهم السلام) أن (الى) في الآية بمعنى مع» و في المعتبر «و يجب غسل اليدين مع المرفقين- إلى أن قال-:

و عليه الإجماع خلا زفر و من لا عبرة بخلافه» و في المنتهى «و يجب غسل اليدين بالإجماع و النص، و أكثر أهل العلم على وجوب إدخال المرفقين» و في جامع المقاصد «أنه ذكر المرتضى و جماعة من الموثوق بهم ان (الى) هنا بمعنى مع» و عن جامع الجوامع «ان أكثر الفقهاء ذهبوا إلى وجوب غسلهما، و هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام)» انتهى.

بل قد يؤيد ذلك أي إرادة الوجوب الأصلي جعلهم (الى) في الآية بمعنى مع كما في التهذيب و المعتبر و المنتهى و غيرها عند التعرض للرد على العامة، و التزام دخول الغاية في المغيا إما مطلقا أو في خصوص المقام حيث لا مفصل محسوس، و من العجيب جعل الآخر في التنقيح قولا بالوجوب المقدمي، كما أنه قد يؤيده أيضا أنهم بصدد بيان الواجب الأصلي لا المقدمي، سيما و ليس من عادتهم التعرض لمثل ذلك، فما وقع من جملة من المتأخرين كالمقداد و المحقق الثاني أن الإجماع منعقد على وجوب غسل المرافق مع الذراعين، لكنه هل هو أصلي أو من باب المقدمة فأدخلا الإجمال في عبارات

ج 2، ص: 161

الأصحاب في غير محله و إن تبعه عليهما بعض من تأخر عنهما، بل ربما ظهر من صاحب المدارك اختيار المقدمي ناقلا له عن العلامة في المنتهى، و لم أجده فيه، بل الموجود خلافه، كما يظهر للمتصفح لكلامه فيه، و منه أنه جعل غسل شي ء من العضد مقدمة لإدخال المرفق، كما ذكر ذلك فيما لو انقطعت يده من المرفق.

و الحاصل أن التأمل في كلمات القوم يشرف الفقيه على القطع بأن مرادهم به الوجوب الأصلي، فيدل عليه حينئذ بعد ما سمعت من الإجماعات و غيرها ظواهر الوضوءات البيانية، ففي بعضها(1)(وضع الماء على المرفق) و في آخر(2)(الغسل من المرفق) و هي و إن كانت أعم من المقدمي و الأصلي لكنها ظاهرة في الأخير، و ما تقدم سابقا من المناقشة في دلالتها على الوجوب قد عرفت الجواب عنه، و اشتمال بعضها على لفظ (الذراع) لا ينافي دخول المرفق معه، و قد يظهر الوجوب أيضا من

خبر ابن عروة التميمي (3)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فقلت: هكذا، و مسحت من ظهر كفي إلى المرفق، فقال: ليس هكذا تنزيلها، انما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من الْمَرافِقِ، ثم أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه»

بناء على أن ابتداء الغاية داخل فيها ليس كإلغائه، و لذا نقل عمن أنكر هناك وافق هنا، لكنه مناف لجعل (الى) بمعنى مع في غيره كما تقدم، مع أنه قد يقال: المراد بالتنزيل التأويل، كما يقال يمكن تنزيله على كذا، فيكون مقصوده إرادة عدم الغسل منكوسا، أو أن (الى) هنا بالمعنيين أو يراد بكونها بمعنى (مع) دخول المرفق، فلا ينافي جعلها بمعنى من، كما أنه لا ينافيه ما في بعض الأخبار من جعل (إلى) غاية للمغسول لا للغسل، إما للقول بأن الغاية داخلة مطلقا، أو في خصوص المقام حيث لا مفصل محسوس، أو للحكم بالدخول هنا خاصة لما سمعت من الإجماعات و غيرها، هذا.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 162

و قد يستدل على المطلوب أيضا ب

خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام)(1)«سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقي من عضده»

لكنه موقوف على بيان معنى المرفق، فنقول انه مجمع عظمي الذراع و العضد كما عن التذكرة، و عن الصحاح و القاموس أنه موصل الذراع في العضد، وفى الحدائق «المرفق كمنبر و مجلس المفصل، و هو عبارة عن رأس عظمي الذراع و العضد كما هو المشهور أو مجمع عظمي الذراع و العضد فعلى هذا شي ء منه داخل في العضد و شي ء داخل في الذراع» انتهى. و ربما ظهر من بعضهم أنه نفس المفصل، و بالجملة هل هو طرف الساعد أو أنه طرفا الساعد و العضد يظهر من بعض الأول، و من آخر الثاني، و عليه يمكن الاستدلال بالرواية على إرادة وجوب غسل ما بقي من طرف العضد لكونه من المرفق، و يكون قوله في السؤال (قطعت من المرفق) إرادة بعض المرفق، و لعله على هذا يحمل استدلاله في جامع المقاصد على الدخول الأصلي ب

قول الكاظم (عليه السلام) في مقطوع اليد من المرفق: (يغسل ما بقي)

قال: «فان غسله لو وجب مقدمة لغسل اليد يسقط بسقوطه» قلت: لكن لم أعثر إلا على هذه الرواية، و هي مشتملة على

قوله: (ما بقي من عضده)

فلم يبق احتمال أن يكون القطع من المرفق على معنى إرادة بقاء المرفق، و كان ما ذكرناه أولى من حمل الرواية على استحباب غسل العضد كما ستسمعه، و لعله للبناء على كون المرفق طرف الساعد فقط، أو يراد بقوله في السؤال (قطعت من المرفق) أي تمامه، و هو لا يحصل إلا بقطع الطرفين معا، فيكون المراد ب

قوله (عليه السلام): (ما بقي من عضده)

بعد قطع طرفه الذي تمام المرفق، فتأمل. و يجب الابتداء من المرفق و إدخاله و الانتهاء إلى الأصابع، فالمراد حينئذ وجوب البدأة بالأعلى على حسب ما ذكرناه في الوجه.

و لو غسل منكوسا لم يجز كما هو صريح الجمل و المعتبر و النافع و المنتهى و التحرير و القواعد و الإرشاد و المختلف و الدروس و جامع المقاصد و كشف اللثام و ظاهر الإشارة


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 163

و اللمعة و غيرها، بل في التنقيح و كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، و حكاه في المختلف عن الشيخ و ابني حمزة و أبي عقيل و سلار، و قال: انه رواه ابن بابويه في كتابه، خلافا لابن إدريس في السرائر، فحكم بالكراهة، و عن المرتضى في أحد قوليه، فحكم باستحباب البدأة من المرفق، و الأصح الأول، لكثير مما تقدم في الوجه، بل هنا أولى، لظهور كثير من الوضوءات البيانية فيه، ف

في بعضها(1)أنه (صلى الله عليه و آله) «أفرغه على ذراعيه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق»

بل خبر علي بن يقطين المشهور المشتمل على المعجزة كاد يكون صريحا في ذلك، بل هو صريح، بل قد سمعت ما في خبر ابن عروة التميمي من التصريح بذلك، و ان الآية تنزيلها و اغسلوا أيديكم من المرافق، بل قال في السرائر: انه جاء فيه بلفظ الحظر و إن حمله على الكراهة زاعما أن الحكم إذا كان شديد الكراهة يجي ء بلفظ الحظر، لكنك خبير أنه لا يرتكب من دون مقتض، و الأصل و الآية لا يصلحان لذلك، أما الأول فلانقطاعه، و أما الآية فإن جعل الغاية فيها للغسل كان مقتضاها إيجاب النكس، و هو باطل بالإجماع، و إن جعلت للمغسول فغايتها الإطلاق الذي يحكم عليه المقيد، و كذا ان جعلت بمعنى مع، بل تكون دليلا لنا إن جعلت بمعنى من، و لا عبرة بما ينقل من الإجماع في المقام بعد تبيين خطائه بمصير الأكثر إلى خلافه، و تقدم لك في الوجه من الكلام ماله نفع تام في المقام فلا نعيده، فلاحظ و تأمل. و لا خلاف بل و لا إشكال في أنه يجب البدأة باليمنى بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى ظاهر النصوص كما ستعرف ان شاء الله.

و من قطع بعض يديه من دون المرفق غسل ما بقي من المرفق و ما معه وجوبا إجماعا منقولا في كشف اللثام، و هو قول أهل العلم على ما في المنتهى، قلت: و كأنه لا خلاف فيه، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى الاستصحاب و عدم سقوط الميسور بالمعسور-

خبر رفاعة(2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «سألته عن الأقطع فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 164

يغسل ما قطع منه»

و

الحسن بإبراهيم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الأقطع اليد و الرجل قال: يغسلهما»

و

خبر رفاعة(2) عن الصادق (عليه السلام) قال:

«سألته عن الأقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه»

و المناقشة في دلالة هذه الأخبار بإرادة غسل محل القطع ضعيفة سيما بعد فهم الأصحاب، كالمناقشة في جريان الاستصحاب هنا بكون المكلف به انما هو غسل المجموع من حيث المجموع و كان البعض مقدمة لتحصيل الجملة و بعد تعذر الكل لم يبق مجال للاستصحاب، و في

قوله (عليه السلام)(3): «لا يسقط الميسور بالمعسور»

بأنه لا يجري في ذي الأجزاء، نعم هو جار في ذي الجزئيات، و ذلك لكون اليد مرادا بها خصوص المرفق إلى رؤوس الأصابع مجاز فليس من مسمى الاسم حتى يتوجه فيه الاشكال، و احتمال إرادة اشتراط المجموعية لا يقدح في جريان الاستصحاب، نعم قد يتجه ذلك في مسمى الاسم كالوجه مثلا للمنع من عدم جريان

قوله (عليه السلام): «لا يسقط الميسور بالمعسور»

سيما في خصوص المقام لمكان فتوى الأصحاب، و أما من قطعت يده من فوق المرفق سقط الغسل إجماعا على ما في المنتهى و كشف اللثام، لسقوط الفرض بسقوط محله، و لا دليل على البدلية، و ما في صحيح علي بن جعفر المتقدم سابقا و مثله غيره من الأمر بغسل ما بقي من العضد بعد السؤال عن القطع من المرفق قد عرفت وجهه فيما تقدم، وفي المنتهى بعد ذكر الصحيح أنه مخالف للإجماع، فإن أحدا لم يوجب غسل العضد، فيحمل على الاستحباب، و مثله في الحكم بالاستحباب عن نهاية الاحكام و الذكرى، و قد عرفت أن ما ذكرناه سابقا أولى و هو إرادة غسل طرف العضد بناء على أن المرفق مجموع العظمين، و يحمل قوله: (قطعت من المرفق) على إرادة المفصل، فتأمل. و يحتمل تقديم ما ذكروه ترجيحا لمجازية الندب على غيره، سيما بعد ظهور قوله (عليه السلام): (ما بقي


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الوضوء- حديث 4.
3- 3 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ج 2، ص: 165

من عضده) في تمامه، و كان عبارة المصنف و ما ماثلها كالتحرير و المعتبر ظاهرة في إرادة بقاء المرفق وحده أو معه شي ء من الذراع، فيحمل قولهم و من قطعت من المرفق على إرادة دخول المرفق في القطع، بل ينبغي القطع به من نحو قول المصنف بعد ما مر.

فان قطعت من المرفق سقط فرض غسلها نعم قد يظهر من المنتهى أن المرفق لا يدخل فيه طرف العضد، و يظهر من غيره خلافه، و إلا فاحتمال إرادتهم بقاء المرفق و انما سقط الغسل عنه لكون وجوبه من المقدمة بعيد، بل باطل لما عرفت، مع أن كلام المصنف هنا بل و المعتبر و العلامة في التحرير كالصريح في إرادة الأول، قال في الأخير: «و لو قطع بعض يديه وجب غسل الباقي من المرفق، و لو قطعت من المرفق سقط فرض غسلها» إذ الحكم بإيجاب غسل المرفق أولا قرينة على دخوله في القطع ثانيا، اللهم إلا أن يجعل (من) الأولى ابتدائية لكنه بعيد، و ما نقله في كشف اللثام و غيره عن المنتهى من سقوط الغسل للوجوب المقدمي لم أتحققه، بل قال في المقام: «لو انقطعت يده من المرفق سقط غسلها لفوات محل الغسل، و للشافعي في غسل العظم الباقي و هو طرف العضد وجهان، أصحهما عنده الوجوب، لأن غسل العظمين المتلاقيين

من العضد و المرفق واجب، فإذا زال أحدهما غسل الآخر، و نحن نقول انما وجب غسل طرف العضد توصلا إلى غسل المرفق، و مع سقوط الأصل انتفى الوجوب» انتهى. و لا دلالة فيه على ما نقلوه عنه، بل كلامه سابقا كما هنا كاد يكون صريحا في كون غسل المرفق واجب أصلي، نعم هو ظاهر في أن المرفق عنده طرف الساعد، و على كل حال فلا ينبغي الإشكال في سقوط الغسل الزائد عن المرفق بعد قطعه لما عرفت، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما حكاه في المختلف عن ابن الجنيد، أنه قال: «إذا قطعت يده من مرفقه غسل ما بقي من عضده، إلى أن قال: الحق عندي الاستحباب، و الظاهر أن ابن الجنيد أراده» انتهى. قلت: لا يبعد إرادته الوجوب عملا بظاهر الصحيح و غيره،

ج 2، ص: 166

و بإطلاق الأخبار المتقدمة، لكن الأقوى خلافه، لما عرفت من الأصل و الإجماع المنقول، بل يمكن دعوى تحصيله، و لعل ابن الجنيد يريد طرف العضد بناء منه على أنه من المرفق كما ذكرناه سابقا، و الحاصل أنه لا إشكال في وجوب غسل المرفق لو بقي وحده بناء على المختار من كون وجوبه أصليا، أما لو لم يبق منه شي ء فهل يستحب غسل العضد تماما أو يجب أو يستحب غسل مخصوص محل القطع أو مسحه؟ وجوه، و بعضها أقوال، و قد عرفت أن القول بالاستحباب في تمام العضد لا يخلو من وجه، لظاهر الصحيح المتقدم إلا أن الأقوى حمله على ما تقدم، فتأمل جيدا.

و لو كان له ذراعان دون المرفق أو أصابع زائدة أو لحم نابت أو غير ذلك وجب غسل الجميع بلا خلاف أجده في ذلك، بل في شرح الدروس الإجماع عليه على الظاهر، و في المدارك لا ريب في وجوب غسل ما دون المرفق كله و إن لم تتميز الزيادة، و به صرح في المعتبر و الإرشاد و التحرير و المنتهى و المختلف و القواعد و الدروس و ظاهر جامع المقاصد و غيرها، و عن المبسوط على اختلاف في الأمثلة غير قادح، و منه يعلم حكم جميع ذلك لو كان في الوجه، و قد يستدل عليه بأنه من جملة أجزاء ما يجب غسله أو كالجزء، فأشبه الثالول، و بالأمر بالغسل من المرفق إلى رؤوس الأصابع و لم يستثن شيئا، و بصدق اسم اليد عرفا على مجموع ذلك، و بأنه بدل عن المحل النابت فيه، و بان ما علاه جلد محل الفرض، و نحو ذلك مع مراعاة الاحتياط. لكنه لا يخفى عليك ما في الجميع بالنسبة إلى بعض أفراد الدعوى.

و لو كان شي ء من ذلك فوق المرفق لم يجب غسله قطعا، لأصالة البراءة مع الخروج عن محل الفرض، و لا إشكال فيه كما في المدارك، و هو خيرة ما سمعت من الكتب المتقدمة صريحا في بعض و ظهورا في آخر، و مقتضى الإطلاق كما صرح به بعضهم عدم الفرق بين كونها محاذية لمحل الفرض و عدمه، خلافا لما نقل عن الشافعي من إيجاب غسل المحاذي، و هو ضعيف، كما أن قضية الإطلاق الأول وجوب غسل

ج 2، ص: 167

ما كان في محل الفرض و إن تدلى على غيره أو طال حتى زاد على المحل، و لا ينافي ذلك ما ذكره العلامة (رحمه الله) في التحرير و المنتهى من أنه «لو انقلعت جلدة من غير محل الفرض حتى تدلت في محل الفرض وجب غسلها، و بالعكس لا يجب نافيا للخلاف في الثاني في المنتهى» لأن الظاهر أن مراده بالانقلاع انقلاعا ممتدا بحيث انكشط بعض ما في المحل معها، أو ما في الخارج بمعنى أنه لم يبق أصلها في محل الفرض أو في غيره بخلاف ما نحن فيه، لكنه في كشف اللثام قال: «لو لم يخرج بالانكشاط عن المحل و لكن تدلت في غيره وجب غسل ما بقي منها في المحل قطعا، و في الخارج المتدلي وجهان من الخروج و من الاتحاد كالظفر الطويل» فيحتمل أن يجي ء مثله في المقام في الصورة الأولى، و هي ما خرج بعض اللحم النابت فيما دون المرفق حتى تدلى في غير المحل، لكن الأقوى وجوب غسل الجميع كما هو مقتضى الإطلاق، و الأمر سهل. ثم ان مقتضى عبارة المصنف و ما ماثلها عدم الوجوب لو نبت شي ء من الأشياء المتقدمة من المرفق، و الأقوى الوجوب لما عرفت من عدم الفرق بينه و بين ما دونه، و ما يقال: ان العمدة ظهور الإجماع هناك، و هو مفقود في المقام فيه أن التأمل في كلامهم سيما ما ذكروه من الأدلة يقضي بالتساوي بينهما.

و لو كان له يد زائدة وجب غسلها سواء كانت دون المرفق أو فوقه أو فيه كما صرح به في المختلف، بل كاد يكون صريح الإرشاد أيضا كما عن التلخيص و محتمل التذكرة، و يظهر من آخرين إيجاب غسل اليد إن كانت دون المرفق أو اشتبهت بالأصلية للتساوي في البطش و المقدار و نحو ذلك، أما إذا علم زيادتها و كانت فوق المرفق سقط غسلها، و اختاره في القواعد و التحرير و المنتهى و الدروس و ظاهر جامع المقاصد، و أطلق في المعتبر كما عن المبسوط عدم وجوب غسل اليد فوق المرفق و يمكن إرادتهما المتميزة لإطلاق اسم الزيادة عليها في المعتبر، مع احتمال أن يريد بها الزيادة في أصل الخلقة، حجة الأول- مضافا إلى موافقته

ج 2، ص: 168

للاحتياط- صدق اسم اليد بدليل تقسيمها إلى الأصلية و الزائدة، فيشملها قوله تعالى:

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ)(1)و بالأولى إذا لم تكن متميزة، و مقتضاه الوجوب الأصلي لا المقدمي حجة الثاني الأصل بعد انصراف إطلاق ما دل على وجوب غسل اليد إلى المتعارف المعهود، لكنه يجب غسلهما معا عند الاشتباه للمقدمة، أما مع عدمه فيقتصر على الأصلية، و المناقشة فيه بأن مقتضى ذلك عدم وجوب غسل اليد الزائدة إذا كانت تحت المرفق مدفوعة بما سمعت من كونها كالجزء من المحل، و لظهور الإجماع المدعى في ذلك المقام المؤيد بعدم العثور على مخالف فيه، و ربما استدل لهم بصدق اسم اليد مع الاشتباه، فيكون مشمولا لما دل على وجوب غسل اليد بخلاف ما إذا كانت معلومة الزيادة، لكن لا يخفى عليك أن مقتضى الدليل الأول الوجوب المقدمي، و الثاني الأصالي.

قلت لا ينبغي الإشكال في صدق اسم اليد حقيقة على المشتبهة بالأصلية، بل و على بعض أفراد المعلومة الزيادة كما إذا كان لها مرفق مثلا و مساوية للأصلية في المقدار إلا أنها أضعف بطشا مثلا على ما جعلوه معيارا لمعرفة الزيادة من الأصلية، و كأن مرادهم بالزيادة بالنسبة للمشتبهة بالأصلية الزيادة في أصل خلقة الغالب في أفراد الإنسان، و إلا فهما متساويان بالنسبة إلى هذا البدن، غايته انه موضوع جديد فرد نادر ليس على قياس غالب أفراد الإنسان، فحينئذ إما أن يقال انه موضوع جديد لم يكن مشمولا للخطابات، فيحتاج في كيفية وضوئه إلى دليل آخر، و المتيقن

من حصول طهارته غسل اليدين معا، و لعل مرادهم بالمقدمة هذا المعنى لا المقدمة بمعنى أنه مكلف بغسل يد واحدة لكنه لم يعرفها فيجب غسلها مقدمة لتحصيلها، إذ قد لا يكون في الواقع امتياز لأحد اليدين على الأخرى، لكن ينافيه قولهم أو مشتبهة بالأصلية، هذا إذا جعلنا لفظ (كم) الذي أضيفت إليه الأيدي غير متناول له، أما لو قلنا بشموله له فاما ان نقول:


1- 1 سورة المائدة- الآية 8.

ج 2، ص: 169

لفظ (الأيدي) و إن كان متناولا لذلك حقيقة، لكنه لما كان الغالب في الأفراد تثنية اليد لا تثليثها و لا تربيعها، و ان جمع الأيدي باعتبار أفراد المكلفين، و إلا فالمراد غسل اليدين كما تضمنه السنة فحينئذ ينبغي ان نقول: انه من باب المطلق لا المجمل، فله أن يغسل اليدين و يترك أحدهما لصدق غسل اليدين، فلا يجب غسل الجميع حينئذ، و إما أن نقول: ان المراد الجمعية مطلقا، فالمتجه حينئذ وجوب غسلهما معا أصالة لا مقدمة، و الذي يقوى في النظر أن اليد إن كانت معلومة الزيادة بوجه من الوجوه التي يعرف بها ذلك على معنى معرفة اليد التي هي على أصل خلقة غالب أفراد الإنسان من غيرها كأن تكون مثلا تلك نابتة في العضد صغيرة ليست لها تلك القوة بحيث يعلم أن الأخرى هي الموافقة لأصل الخلقة فالظاهر حينئذ عدم وجوب غسل الزائدة، لانصراف تلك الإطلاقات إلى المتعارف في خلقة الإنسان، و صدق اليد عليها حقيقة لا ينافي ذلك، و إيجاب غسلها إذا كانت تحت المرفق ليس لذلك، بل هي كاللحم الزائد، أما إذا لم يعلم زيادتها على ذلك النحو بأن يكون قد خلق الله تعالى له كتفين متساويين كل منهما له عضد مستقل و مرفق و ذراع و كف فالظاهر حينئذ وجوب غسل الجميع، لتناول إطلاق الأدلة، و تثنية اليد في بعضها لا ينافي ذلك، لجريانها مجرى الغالب، أو للمقدمة لحصول الطهارة، لعدم العلم بكيفية تكليفه، و أما ما يظهر من كلمات الأصحاب من المقدمة لليد الأصلية فالظاهر خلافه، لمنع الحصر بالزائدة و المشتبهة، بل الحكم بأصالتهما معا متجه.

و تظهر الثمرة في كثير من المواضع، منها انه بناء على ظاهر كلام الأصحاب ينبغي إيجاب المسح بهما معا مقدمة للمسح بالأصلية بخلافه على ما قلنا، بل يكفى بالمسح بأحدهما، و قد عرفت أن احتمال وجوب غسل أحدهما لا يخلو من وجه، لكن الأقوى ما ذكرنا، و طريق الاحتياط غير خفي، هذا. و يجزي في اليد النابتة بالمرفق مع العلم بزيادتها ما يجري في غيرها من الأمور الزائدة، و الظاهر الوجوب، و كان

ج 2، ص: 170

التقييد في كلام الأصحاب بما دون المرفق لكونه أوضح في المثال للمسألة، قال في المدارك: «إذا لم يكن اليد الزائدة لها مرفق لم يجب غسلها قطعا» و مراده خروجها عن أصل البحث في وجوب غسل الزائدة لو كانت فوق المرفق، و لعل وجهه أن الشارع أمر بغسل اليد إلى المرفق، و حيث لا مرفق يتعذر امتثال المأمور به، فيسقط التكليف، و عليه حينئذ ينبغي أن يلتزم فيما لو خلقت للشخص يد واحدة و لا مرفق لها بسقوط غسلها، اللهم إلا ان يفرق بالإجماع ان تحقق، و فيه منع، إذا الظاهر بناء على وجوب غسل اليد الزائدة وجوبه و إن لم يكن لها مرفق، إذ التكليف بغسل اليد ليس مبينا على الهيئة الاجتماعية، كما ينبئ عنه إيجاب غسل الباقي من المقطوع و غيره، و حينئذ فالظاهر التقدير بالنسبة لمن لا مرفق له على ذوي المرافق، فتأمل.

[الفرض الرابع من فروض الوضوء مسح الرأس]
اشاره

الفرض الرابع من فروض الوضوء مسح الرأس كتابا و سنة و إجماعا بين المسلمين

[الواجب من المسح ما يسمى مسحا]

و الواجب منه ما يسمى مسحا كما في الجمل و العقود و السرائر و النافع و المعتبر و التحرير و القواعد و المنتهى و الإرشاد و اللمعة و الروضة و ظاهر جامع المقاصد و غيرها، و عن التبيان و المجمع و أحكام القران للراوندي و روض الجنان منسوبا في الأربعة الأخيرة إلى مذهب الأصحاب على ما حكاه في كشف اللثام، و في المدارك أنه المشهور بين الأصحاب و في المختلف ان المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس و الرجلين بإصبع واحدة، و اختاره الشيخ في أكثر كتبه و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و سلار و أبو الصلاح و ابن البراج و ابن إدريس، انتهى.

و في كشف اللثام «أنه في المقنعة و التهذيب و الخلاف و جمل السيد و الغنية و المراسم و الكافي و المهذب و موضع آخر من أحكام الراوندي أن الأصل مقدار إصبع» قلت: لعله لا نزاع بين الجميع، لأن المراد بالإصبع أقل ما يتحقق به المسمى على أن يراد بالإصبع مقدار عرضه لا طوله، كما يشعر به عبارة المقنعة، حيث قال: «و يجزي

ج 2، ص: 171

الإنسان في مسح رأسه أن يمسح من مقدمه مقدار إصبع يضعها عليه عرضا مع الشعر إلى قصاصه» و تحتمل وجها آخر، و ربما يشير الى ذلك أيضا ما في إشارة السبق و الدروس لقولهما مسح الرأس بما يتحقق به مسماه و لا يحصل بأقل من إصبع، و قد يكون ذلك ظاهر الخلاف أيضا، لأنه قال: و يجزي مقدار إصبع واحدة، و استدل عليه بإجماع الفرقة، و ب

قول أبي جعفر (عليه السلام)(1)«إذا مسحت بشي ء من رأسك فقد أجزأك»

و يرشد إليه أيضا عدم ذكرهم ذلك مستقلا ممن عادته التعرض لمثل ذلك، و نقله في المختلف عمن رأينا عبارته من الاجتزاء بالمسمى كابن إدريس، و استدلاله في المنتهى على الاجتزاء بالمسمى برواية الإصبع التي ستسمعها، إلى غير ذلك من الامارات الكثيرة الدالة على كون مرادهم المشهور الذي نقلناه أولا لكن قد تأباه عبارة التهذيب، لأنه قال في الاستدلال على ما ذكره المفيد من الاجتزاء بالإصبع: و يدل عليه آية المسح، و من مسح رأسه و رجليه بإصبع واحدة فقد دخل تحت الاسم و يسمى ماسحا، و لا يلزم على ذلك ما دون الإصبع، لأنا لو خلينا و الظاهر لقلنا بجواز ذلك لكن السنة منعت منه.

و كيف كان فلا ريب في أن ما ذكره المصنف هو الأقوى للأصل، و لإطلاق قوله تعالى (2)(وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) مع تفسيرها بالصحيح أن المراد بها بعض الرأس لمكان الباء، و ما ينقل عن سيبويه من إنكار كون الباء للتبعيض لا يلتفت اليه، مع أنه معارض بدعوى غيره ثبوتها في هذا المعنى، و انها حقيقة، و المثبت مقدم على النافي، و يؤيده مجيئها في الشعر و غيره بهذا المعنى، فليطلب من مظانه، و مثلها إطلاق كثير من الأخبار الآمرة بالمسح على مقدم الرأس، مع ظواهر كثير من الوضوءات البيانية في وجه، و ل

قول أبي جعفر (عليه السلام)(3)في خبر زرارة و بكير ابني أعين:


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 4.
2- 2 سورة المائدة- الآية 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 172

«إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك»

و ما في

مرسل حماد عن أحدهما (عليهما السلام)(1): في الرجل يتوضأ و عليه العمامة قال: «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه»

لصدق إدخال الإصبع بما يتحقق به مسمى المسح و لو قدر أنملة من الرأس، كما فهمه المفيد من رواية الإصبع بالنسبة للمرأة على ما ستسمع، وفى الوسائل بعد أن نقل هذه الرواية عن الشيخ ذكر عن الكافي مسندا إلى

حماد عن الحسين (2)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل توضأ و هو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال: ليدخل إصبعه»

وفى المنتهى بعد أن ذكر الرواية الأولى قال: «و هذا الحديث و إن كان مرسلا إلا أن الأصل يعضده، على أن ابن يعقوب رواه في كتابه عن حماد عن الحسين، و رواه السيد المرتضى في الخلاف عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام)» انتهى.

و كيف كان فالارسال على تقديره غير قادح بعد ما سمعت من الانجبار بالشهرة و الإجماع المنقول، خلافا لظاهر الصدوق في الفقيه، فإنه قال: «حد مسح الرأس أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس» و للمنقول عن النهاية فإنه قال:

«و المسح بالرأس لا يجوز أقل من ثلاثة أصابع مضمومة مع الاختيار، فان خاف البرد من كشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة» و للمنقول عن أبي علي يجزي الرجل في المقدم إصبع و المرأة ثلاث أصابع، و كان جميع هذه الأقوال لظاهر

قول أبي جعفر (عليه السلام) في الحسن (3)كالصحيح: «المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقي عنها خمارها»

و

خبر معمر بن عمر عنه (عليه السلام) أيضا(4)قال: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع، و كذلك الرجل»


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 173

و قد يستدل أيضا بما دل على مسح المقدم من الأخبار لظهورها في استيعابه، خرج الزائد عن الثلاث بالإجماع، فيبقى الباقي. و تعرف الجواب عنها عند البحث عن المقدم إن شاء الله تعالى و لظاهر لفظ الاجزاء في أقل الواجب، و للجمع بين هاتين الروايتين و رواية الإصبع المشتملة على ذكر البرد فصل الشيخ بين الاختيار و غيره، و ابن الجنيد بين الرجل و المرأة، لكنك خبير أن مثل هاتين الروايتين- مع الطعن في سند الثانية، و قلة العامل بهما، بل الشيخ في النهاية لم يعرف أنه مذهب له، و لذلك قال ابن إدريس أوردها إيرادا لا اعتقادا، مع احتمالها إرادة الندب فإنه يعبر عن ذلك بعدم الجواز، و احتمال عبارة الفقيه ان ذلك حد الرأس بمعنى أنه متى مسح بأي جزء منه أجزء، كما لعله يشعر به عبارة الهداية أن حد الرأس مقدار أربع أصابع من مقدمه، و تحتمل الندب أيضا، مع أن ظاهر عبارة الفقيه إيجاب كون آلة المسح ثلاث أصابع، و الرواية لا تدل عليه، مع ما عرفت من الشهرة بين الأصحاب و الإجماع المنقول صريحا و ظاهرا- غير صريحة في الخلاف، لاحتمال إرادة الاجزاء في الفضيلة، أو إلقاء الخمار، مع اختصاص الرواية الأولى بالمرأة، فلذلك كان حملها على الاستحباب متجها.

[و المندوب من المسح]

فقال المصنف و المندوب مقدار ثلاث أصابع مضمومة كما في المقنعة و الخلاف و الجمل و العقود و السرائر و المعتبر و القواعد و التحرير و النفلية و جامع المقاصد و الروضة و غيرها، و هو المنقول عن المبسوط و الغنية و المراسم و الوسيلة و المهذب و مصباح السيد و الإصباح و غيرها عرضا كما في المقنعة و التحرير و النفلية و غيرها، و الظاهر أن المراد من المستحب مقدار عرض ثلاث أصابع، لأنه المتبادر من التقدير بالثلاث أصابع، و يظهر من بعض أن المراد استحباب هذا المقدار في عرض الرأس، و الفرق بين هذا و سابقه أن الأول مجمل بالنسبة إلى إرادة العرض من الممسوح أو طوله، مبين بالنسبة إلى التقدير، و الثاني مجمل بالنسبة إلى

المقدار، مبين بالنسبة إلى عرض الممسوح، و أنت خبير أن الروايات خالية عن بيان ذلك، فيحتمل إرادة عرض

ج 2، ص: 174

الثلاث بالنسبة إلى عرض الرأس أو طوله، و يحتمل إرادة الطول مع العرض بالنسبة إلى عرض الرأس أو طوله، فالاحتمالات أربعة، و لعل الأظهر إرادة العرض من الأصابع، لأنه المعروف من التقدير بذلك، و لما كان المتعارف المسح بالنسبة إلى طول الرأس لا يبعد إرادة عرض ثلاث أصابع من طول الرأس، و يحتمل جعله مطلقا بالنسبة إلى عرض الرأس و طوله لا مجملا.

و كيف كان فليس للرواية دلالة على استحباب كون المسح بالثلاث، لكنك قد عرفت ان عبارة الصدوق ظاهرة في ذلك، و في إشارة السبق للحلبي «يستحب جمع أصابع الكف المتوسطة الثلاثة لمسح الرأس» قلت: قد يدعى أنه المنساق من الروايات و كلام بعض الأصحاب، مع أنه هو المتعارف في الاستعمال، و اعلم أن ظاهر المصنف هنا و غيره ممن أطلق كإطلاقه عدم الفرق في ذلك في الواجب و المستحب بين الرجل و المرأة، لكن بعض القدماء كالصدوق و المفيد و غيرهما ذكروا أن المرأة إذا توضأت ألقت قناعها، و مسحت موضع المسح في صلاة الصبح و المغرب، و يجزيها في غيرهما من الصلوات أن تدخل إصبعها من تحت قناعها من غير أن تلقيه، و تمسح به ما تناله من محل المسح و لو قدر أنملة، بل ظاهر الصدوق إيجاب ذلك، و كأنه ل

خبرعبد الله بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)قال: «لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها و تضع الخمار عنها، فإذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها»

و لقصور الرواية عن إفادة الوجوب من وجوه كثيرة كانت محمولة على الاستحباب، و تأكده بالنسبة إلى صلاة الغداة و المغرب كما عن المصنف، و صرح به العلامة و الشهيد، و ربما نقل عن بعضهم الاقتصار في المتأكد على صلاة الصبح خاصة، و لعله للاقتصار عليه في الرواية المتقدمة، و الأولى


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 175

الأول، للخبر المروي عن الصدوق في الخصال بسنده

عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام)(1) قال: «المرأة لا تمسح كما تمسح الرجال، بل عليها أن تلقي الخمار عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة و المغرب و تمسح عليها، و في سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها خمارها»

و لعل القول بأن الصبح أشد تأكيدا ثم من بعده المغرب ثم الثلاثة الأخيرة عملا بظاهر الخبرين أولى.

ثم انه بناء على ما هو التحقيق من الاجتزاء بالمسمى فالزائد مستحب محض إن كان المسح تدريجيا، و إلا فهو أحد أفراد الواجب المخير، كما إذا تحقق مسح مقدار الثلاث دفعة واحدة، أما الأول فلتحقق الواجب، فيحصل الاجزاء، فيكون الزائد مستحبا محضا، لأنه يجوز تركه لا إلى بدل، و أما الثاني فلأن ماهية المسح تحققت لكونه فردا من أفرادها، و لعل من أطلق القول بكونه أفضل أفراد الواجب كما نسب في المنتهى إلى المحققين أراد الثاني، كمن أطلق كونه مستحبا أراد الأول، و ما يقال:

من احتمال كونه على الأول أحد أفراد الواجب المخير لمكان قصده امتثال أمر المسح به ضعيف، إذ لا دخل للقصد في صدق الماهية، و الامتثال ترتبه عليها عقلي، نعم لو قام دليل من خارج أن من قصد امتثال أمر المسح بالزائد كان تكليفه ذلك و لا يجزيه حينئذ الأول و إن تحققت به الماهية لكان متجها، لكن الفرض عدمه، و نفس الأمر بالمسح لا ينتقل منه إلى ذلك، و لقد أطال صاحب الحدائق في كون المدار على القصد، فمن قصد امتثال أمر المسح بمقدار الثلاث مثلا لا يجزيه الأقل ما لم يعدل، و من قصد الامتثال بالأقل لم يكن الزائد واجبا و لا مستحبا، لعدم الدليل على الوجوب و لا على الاستحباب، لان ما دل عليه ظاهر في كون تأدية الواجب به مستحبا، فبعد حصول، الواجب لم يبق استحباب أصلا، بل قال: اني لا أفهم وصف الزائد بعد تحقق الامتثال بالأقل بالاستحباب أو الوجوب، نعم هو متجه بالنسبة إلى الفردين اللذين يتحقق بهما


1- 1 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 176

الواجب على معنى كون الفرد الذي مساحة المسح فيه مقدار الثلاث أفضل من الفرد الآخر، و أطال في الاعتراض على ما ادعى ظهوره من كلمات الأصحاب من كون الزائد على ما تحقق الواجب هل هو على الوجوب أو الاستحباب؟

قلت: أنت خبير بما فيه، إذ مراد الأصحاب ان الزائد على مقدار المسمى هل هو مخاطب به خطاب ندبي غير خطاب الواجب، فيكون مسحين أولهما ما تحقق الواجب و الآخر مستحب محض، أو أنه مسح واحد تأدى به الواجب، فيكون المراد انه أفضل أفراد الواجب، و الحاصل ان مسح مقدار الثلاث هل هو أفراد لتحقق ماهية المسح، فيتأدى الواجب بأولها و الباقي مستحب، أو أنه فرد واحد، فيراد باستحبابه على معنى كونه أفضل أفراد الواجب؟ و قد عرفت ان الذي يقتضيه بادئ النظر الفرق في ذلك بين التدريجي و الدفعي فالأول واجب و مندوب محض، و الثاني أفضل أفراد الواجب، لكن قد يقال بعد التأمل في خصوص المقام: أنه من أفضل أفراد الواجب في كل من الدفعي و التدريجي بشرط اتصال المسح فيه، لما يظهر من العرف انه مسح واحد كالغسل المتصل، بل قد يدعى أنه الظاهر من قول الأصحاب (المندوب مسح ثلاث أصابع) إذ لا ينطبق على ظاهره، لكون بعضه واجبا قطعا، بل الذي يقتضيه الرواية فإن

قوله (عليه السلام)(1): (يجزي من المسح)

الى آخره بعد حمله على الندب لا معنى لأن يراد به الواجب و الندب، فالأقوى بحسب النظر كونه أفضل أفراد الواجب فيهما معا، لكن بشرط عدم الانفصال في المسح التدريجي، فتأمل جيدا.

و فيما تركنا و ذكرنا من كلام صاحب الحدائق مواضع للنظر لا تخفى على من لاحظها، تركنا التعرض لها خوف الإطالة، و أما احتمال القول انه في الدفعي مستحب لأنه يجوز تركه لا إلى بدل فضعيف جدا، إذ البدل الاقتصار على الأقل.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 177

ثم ان الزائد على القدر المستحب و الواجب هل هو على الإباحة أو الكراهة أو التحريم؟ وجوه، بل لعلها أقوال، و التحقيق انه لا ينبغي الإشكال في عدم الحرمة في مسح الزائد الذي لم يخرج به عن مسمى البعضية مع كونه من المقدم أو الناصية، و الفرض خلوه من قصد التشريعية، بل قد يدعى في مثله ان لا تشريع لو قصد لمكان الأمر بمسح المقدم و الناصية، فمن مسح أزيد من الثلاث من مقدمه و قلنا بكونه مسحا واحدا لا يبعد القول بأنه أحد أفراد الواجب و إن كان لا ثواب فيه زيادة على مسح الثلاث لو اقتصر عليها، فإنه بعد ان عرفت ان الآية دلت على مسح بعض الرأس، و السنة قيدت ذلك بالمقدم و الناصية لا على إرادة إيجاب استيعابهما، و روايات الثلاث دلت على انه منتهى الفضل في أفراد هذا الواجب مسح الثلاث، و هو لا ينافي تأدي الواجب بالزائد على الثلاث و إن لم يكن فيه فضل زائد عليها، نعم لو مسح مع بعض المقدم بعضا من غيره فالأصح الحرمة إن قصد التشريع، و عدمها إن لم يقصد، و وجههما واضح، و هل يبطل الوضوء على الأول؟ وجهان، أقواهما نعم ان قصده في ابتداء النية بحيث نوى القربة بوضوء هكذا مسحه و لا ان قصد التشريع في الأثناء، لعدم دليل على إبطال ذلك، مع تحقق امتثال الأمر بالوضوء و إجزائه، أما لو مسح جميع رأسه فلا إشكال في عدم الحرمة حيث يكون قصد الامتثال بالبعض، و وقع الباقي لا بقصد شي ء من الوضوئية، و ما يظهر من بعضهم من الحكم بالكراهة لم نقف له على مستند، و لعله من جهة التشبه بالعامة و نحوه، و الأمر سهل، أما لو قصد الامتثال بالمجموع فقد عرفت أنه لا إشكال في الحرمة، و ما في الخلاف من الإجماع على بدعيته منزل عليه، و نحوه إطلاق المنقول من القول بالحرمة، و الأقوى بطلان الوضوء إن قصد ذلك في ابتداء النية، و إن قصده في الأثناء فيحتمل القول هنا بالبطلان و إن لم نقل به في الصورة السابقة، لعدم صدق امتثال مسح البعض المأمور به في الآية، و استوضح ذلك في أن السيد إذا قال لعبده: كل بعض الرغيف أو اشرب بعض الماء فأكل و شرب

ج 2، ص: 178

الجميع لم يكن ممتثلا، و الأقوى في النظر انها كسابقتها في الصحة، لصدق تحقق البعض في مسح الجميع، و لعل الأمر بإيجاب مسح البعض انما هو في مقام توهم وجوب الجميع، فلا يفيد سوى الاجتزاء بذلك، و حرمة الجميع إنما تجي ء من جهة التشريع.

و قد تظهر الثمرة في الغافل و الجاهل المعذور و نحوه، فإنه يتجه الفساد على الوجه الأول و الصحة من دون حرمة على الوجه الثاني، و قد يقال بالبطلان في جميع صور التشريع من غير فرق، بين الابتداء و الأثناء، لكونه مسحا واحدا عرفا، فلا يجتمع فيه الواجب و المحرم، نعم لو كرر المسح بأن مسح الواجب ثم مسح غيره مع فصل بينهما اتجه القول بصحة الوضوء و إن أثم، لكن الأول أقوى، فتأمل.

[في اختصاص المسح بمقدم الرأس]

و يختص الواجب من المسح و المستحب بمقدم الرأس فلا يجزي المسح على غيره، كما في الفقيه و الهداية و الإشارة و الجمل و العقود و التهذيب و الخلاف و المراسم و المعتبر و السرائر و النافع و المنتهى و الإرشاد و القواعد و التحرير و الدروس و اللمعة و الروضة و غيرها، بل في الخلاف و كشف اللثام الإجماع عليه، كما في الانتصار مما انفردت به الإمامية القول بأن الفرض مسح مقدم الرأس، و الفقهاء يخالفون في ذلك و لا يوجبونها، و لا شبهة في أن الفرض عند الإمامية يتعلق بمقدم الرأس، و لا يجزي سواه، ثم استدل على صحة ما ذهب إليه الإمامية بالإجماع، و يدل عليه مضافا إلى ذلك الأخبار المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، ف

في الحسن كالصحيح منها(1)«امسح على مقدم رأسك»

و

في آخر(2)«يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه، فيمسح على مقدم رأسه»

الى غير ذلك من الأخبار المشتملة على ذكر المقدم من الوضوءات البيانية و غيرها، فما في بعض الأخبار(3)من الأمر بالمسح على خلف الرأس مطرح


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 179

أو محمول على التقية قطعا، كما انه يجب تقييد ما في البعض الآخر(1)من الأمر بمسح الرأس و شي ء منه بذلك، بل مما

في كتابة أبي الحسن موسى (عليه السلام) إلى علي بن يقطين (2)في الخبر المشهور المشتمل على المعجزة «امسح بمقدم رأسك»

يستفاد الاجتزاء بمسح بعض المقدم، فما يظهر من الخبر الأول و غيره من إيجاب مسح تمام المقدم لا يلتفت إليه، خصوصا بعد الإجماع ظاهرا على عدم إيجاب مسح تمام المقدم حتى من القائل بالثلث، لكن

في حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (3)قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «ان الله وتر يحب الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلة

يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى»

ما ينافي الاجتزاء بمسح شي ء من المقدم سواء كان ناصية أو غيرها، إذ المراد بالمقدم ما قابل المؤخر و الجانبين، فيكون عبارة عن الربع من قنة الرأس المسامت للجبهة و الناصية عبارة عما أحاطت به النزعتان إلى منتهاها على ما عن العلامة و غيره، إلا انه قد يقال: الموجود في الأخبار و كلام الأصحاب بل هو معقد الإجماعات المسح على المقدم، و لم أعثر على غير هذه الرواية تضمنت لذكر الناصية و رواية مسح الامرأة التي تقدمت سابقا، لكن لا صراحة فيها، بل و لا بمن عبر من الأصحاب بذلك عدا المفيد في المقنعة، فإنه قال: «ثم يرفع يده اليمنى بما فيها من البلل فيمسح بها من مقدم رأسه مقدار ثلاث أصابع مضمومة من ناصيته الى قصاص شعره مرة واحدة- مع أنه قال بعد ذلك بكلام طويل-: و يجزي الإنسان في مسح رأسه أن يمسح من مقدمه مقدار إصبع» الى آخره. فيكون قرينة على إرادة الاستحباب بما ذكره أولا كما يرشد إليه أيضا قوله ثلاث أصابع، كما


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 180

ان ابن إدريس في السرائر قال بعد ما نقلناه عنه من المسح على المقدم بكلام طويل:

«و أقل ما يجزي في مسح الناصية ما وقع عليه اسم المسح» و لعله أراد بها المقدم، و في الذكرى «يجوز المسح على كل من البشرة و الشعر المختص بالمقدم لصدق الناصية- ثم قال-: و الأغم و الأنزع يمسحان مكان ناصية مستوي الخلقة» و الرواية مع ظهور إعراض الأصحاب و عدم صراحتها في الوجوب لاحتمال أن يكون قوله (عليه السلام):

(و تمسح) على إضمار (أن) فيكون معطوفا على قوله (عليه السلام): (ثلاث) فلا تكون للأمر و ما ينقل عن ابن الأنباري باشتراط كون المعطوف عليه مصدرا في نحو ذلك قد يمنع، أو يقال: انه هنا بمنزلة المصدر لا تصلح لتقييد تلك المطلقات من النصوص و غيرها.

نعم قد يقال: المراد بالمقدم في النص و الفتوى الناصية لا على جهة التقييد، بل على دعوى أن ذلك أحد معانيه كما صرح به في القاموس على ما قيل، و عن المصباح المنير أنه قال: «الناصية قصاص الشعر، و جمعها النواصي، و نصوت فلانا قبضت على ناصيته و قول أهل اللغة: النزعتان هما البياضان المكتنفان بالناصية، و القفا مؤخر الرأس، و الجانبين ما بين النزعتين و مؤخر الرأس، و الوسط ما أحاط ذلك به، و تسميتهم كل موضع باسم يخصه كالصريح في أن الناصية مقدم الرأس» انتهى. و قد يظهر أيضا من عبارة السرائر و الذكرى المتقدمين. فما يظهر من بعضهم من أن المقدم عبارة عن ربع الرأس مبتدءا به من قنتة، فالربع الذي يسامت الجبهة هو المقدم لا دليل عليه، فيكون حينئذ المقدم عبارة عن الناصية، و هي على ما عن العلامة و غيره عبارة عما أحاط به النزعتان حتى يسامت منتهاهما، و ربما ينطبق عليه ما في الهداية من أن حد الرأس مقدار أربع أصابع من مقدمه، و ما عن الناصريات «أنه قال الناصر: فرض المسح متيقن بمقدم الرأس، و الغاية إلى الناصية فكتب السيد هذا صحيح، و هو مذهبنا، و بعض الفقهاء يخالفونا في ذلك، و يجوزون المسح على أي بعض كان من الرأس، و الدليل على صحة مذهبنا الإجماع» انتهى. و كان مراد الناصر بقوله و غايته الناصية أي منتهى

ج 2، ص: 181

الناصية، مع احتمال ان يريد الجبهة، لأنها أحد معانيها على ما عن القاموس فتخرج حينئذ عن الاستشهاد، لكن مع ذلك كله و المسألة لا تخلو من إشكال، لكون المتبادر من لفظ المقدم في النص و الفتوى عرفا هو ما تقدم من الرأس، و هو أوسع من الناصية، بل عن بعضهم عن بعض معاصريه دعوى الإجماع على ذلك، نعم الظاهر أن سطح قنة الرأس لا يدخل في شي ء منه فيه، و احتمال تقييد ذلك الإطلاق بخبر الناصية قد عرفت ما فيه، بل حمل الناصية فيه على المقدم أولى و إن كان مجازا، أو تحمل الرواية على إرادة الاستحباب أو غير ذلك، إلا أن الاحتياط الاقتصار على الناصية.

[في اشتراط كون المسح بنداوة الوضوء]

و يجب أن يكون المسح بنداوة الوضوء خلافا للعامة عدا مالك، فأوجبوا المسح بماء جديد، و هو مخالف لإطلاق الكتاب و نصوص السنة و الإجماع المحصل و المنقول، و ما في بعض الروايات مما تدل بظاهره على إيجاب الاستيناف كما في

خبر معمر بن خلاد(1)«أ يجزي الرجل مسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال (عليه السلام): برأسه لا، فقلت: أ بماء جديد؟ فقال: برأسه نعم»

و

خبر أبي بصير(2)قلت: «أمسح بما في يدي رأسي قال: لا، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح»

و نحوه غيره محمول على التقية أو غيرها قطعا.

و لا يجوز استيناف ماء جديد له كما في الفقيه و الانتصار و المقنعة و الجمل و العقود و الخلاف و السرائر و الإشارة و المراسم و المعتبر و القواعد و التحرير و المنتهى و الإرشاد و غيرها من كتب المتقدمين و المتأخرين، بل في الانتصار انه مما انفردت به الإمامية، و ان الشيعة توجب المسح ببلة اليد، و في الخلاف نسبته إلى الأكثر أولا ثم نقل الإجماع عليه ثانيا، و في المعتبر انه مذهب الثلاثة و أتباعهم و فتوى الأصحاب اليوم، وفي الذكرى انه استقر إجماعنا بعد ابن الجنيد، و في جامع المقاصد انه استقر عليه مذهب الأصحاب، و لا يعتد بخلاف ابن الجنيد، فلو استأنف لم يصح قطعا، إلى غير ذلك ممن نقل الإجماع في المقام، بل قد يدعى تحصيله، بل هو حاصل، و خروج ابن


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 182

الجنيد غير قادح، على أن عبارته المنقولة في المختلف غير صريحة في ذلك، قال: «إذا كان بيد المتطهر نداوة يستبقيها من غسل يديه مسح بيمينه رأسه و رجله اليمنى، و بيده اليسرى رجله

اليسرى، و لو لم يستبق ذلك أخذ ماء جديدا لرأسه و رجليه» إذ يحتمل أن يكون سمى ما على محال الوضوء ماء جديدا، أو يكون ذلك لشدة حر أو حرارة على القول بالاجتزاء به.

و كيف كان فيدل عليه مضافا إلى ما سمعت الوضوءات البيانية، منها حينئذ ما في

حسنة زرارة بإبراهيم(1)«و مسح مقدم رأسه و ظهر قدميه ببلة يساره و بقية بلة يمناه، قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): ان الله وتر يحب الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه، و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى»

و ما في

حسنة زرارة و أخيه بكير بإبراهيم بن هاشم أيضا(2)«ثم مسح رأسه و قدميه ببلل كفه لم يحدث لهما ماء جديدا»

و ما في

خبر بكير(3)«ثم مسح بفضل يديه رأسه و رجليه»

و

خبر محمد بن مسلم (4)«ثم مسح رأسه و رجليه بما بقي في يديه»

و ما في

خبر أبي عبيدة الحذاء(5)«ثم مسح بفضلة الندى رأسه و رجليه»

و ما في

خبر زرارة(6)«ثم مسح ببلة ما بقي في يديه رأسه و رجليه، و لم يعدهما في الإناء»

و

في آخر(7)«ثم مسح رأسه و قدميه الى الكعبين بفضل كفيه لم يجدد ماء»

و المناقشة في الوضوء البياني قد مضى ما فيها، لما سمعت من الرواية المرسلة المنجبرة بعمل الأصحاب، مع ظهور مثل قول زرارة و بكير و أبي عبيدة: (لم يجدد ماء) (و لم يعدهما في الإناء) و نحو ذلك في الدلالة، على أنهم فهموا الوجوب، مضافا إلى

قوله (عليه السلام) في خبر زرارة الأول: (و تمسح


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 10.
7- 7 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 11.

ج 2، ص: 183

ببلة يمناك ناصيتك)

لظهورها في الأمر و إن احتملت بعيدا غيره، بل يدل عليه مضافا الى ذلك

حسنة ابن أذينة بإبراهيم (1)انه «لما أسري بالنبي (صلى الله عليه و آله) إلى السماء أوحى الله إليه ادن يا محمد (صلى الله عليه و آله) من صاد- الى ان قال-: ثم أوحى الله أن اغسل وجهك، فإنك تنظر إلى عظمتي، ثم اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى فإنك تلقى بيديك كلامي، ثم امسح رأسك بما بقي في يدك من الماء و رجليك إلى الكعبين فإني أبارك عليك و أوطؤك موطئا لم يطأه أحد غيرك»

بل يدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة(2)الدالة على أخذ الماء من اللحية و الحاجبين و الأشفار عند نسيان المسح، و

في بعضها(3)انه «إن لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء»

و

في آخر(4)«من نسي مسح رأسه ثم ذكر انه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه، و إن لم يكن في لحيته فلينصرف و ليعد الوضوء»

لكن قد يخدش الاستدلال بها بأنه قد يكون الأمر بالإعادة لفوات الموالاة بجفاف نداوة الوضوء لا لعدم جواز المسح بماء جديد، فتأمل.

و مع ذلك كله فلم أعثر على ما يدل على قول ابن الجنيد عدا الإطلاق، إذ ما سمعته من الروايتين السابقتين في أولى المسألة لا يقول بهما، لمكان تضمنهما النهي عن المسح بالنداوة الباقية، و خروج الأول عما نحن فيه، و حملهما على ما يقول مع عدم إمكانه ليس بأولى من حملهما على التقية، بل في الإشارة برأسه في الأولى إشارة إلى ذلك، و دعوى أن اشتمال الأولى على المسح للرجلين ينافي ذلك يدفعها انه قد يراد بالمسح هنا هو الغسل، لكونه يطلق عندهم على ذلك، بل قد

يشعر به كونه بماء جديد أيضا، و ربما نقل عن جملة منهم القول بالاجتزاء بالمسح لكن مسح الظهر و البطن، نعم قد يستدل


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوضوء.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوضوء- حديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 184

له ب

خبر منصور(1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن نسي رأسه حتى قام في الصلاة قال: ينصرف و يمسح رأسه و رجليه»

و مثله رواية الكناني (2)و يقرب منهما

خبر أبي بصير(3)في «رجل نسي أن يمسح رأسه فذكر و هو في الصلاة فقال: إن كان استيقن ذلك انصرف فمسح على رأسه و رجليه و استقبل الصلاة، و إن شك فلم يدر مسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة و ليمسح على رأسه، و إن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه»

لكن فيه- مع كونها أخص من الدعوى، و احتمالها إرادة الانصراف بمعنى قطع الصلاة و المسح ببلة الشعر أو إرادة إعادة الوضوء كما يرشد إلى ذلك جعله المسح بالماء الجديد جوابا لشرطية الشك و غير ذلك- لا تقاوم ما سمعته من الأدلة من السنة و الإجماع.

ثم ان قضية إطلاق الكتاب و الفقيه و الجمل و العقود و الإشارة و المراسم و السرائر و المعتبر و المنافع و القواعد و التحرير و الإرشاد و الدروس و اللمعة و غيرها عدم وجوب كون الماسح اليد اليمنى، كما هو صريح النفلية و ظاهر شرحها و صريح كشف الغطاء، بل في الحدائق الظاهر الاتفاق على الاستحباب، لكن قد عرفت أن حسنة زرارة ظاهرة في الوجوب، ل

قوله (عليه السلام) فيها: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك)

و هو ظاهر المفيد في المقنعة و عبارة ابن الجنيد المتقدمة و ما عن القاضي في المهذب، إلا أن تقييد تلك المطلقات من الكتاب و السنة مع فتاوى الأصحاب بمجرد هذه الرواية و إن كانت نقية السند لا يخلو من إشكال، سيما مع ظهور إعراضهم عنها حتى من مثل صاحب المدارك التي جرت عادته بالعمل بمضامين الأخبار الصحيحة و إن خالفت كلام الأصحاب، قال


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 8.

ج 2، ص: 185

في المقام: «انه يستفاد من حسنة زرارة(1)ان الأولى مسح الناصية و ظاهر القدم اليمنى باليد اليمنى» الى آخره فجعله أولى فلا يبعد حينئذ حمل الرواية على الاستحباب، كما يحتمل ذلك أيضا في عبارة المفيد و ابن الجنيد، بل في الأولى أمارات على ذلك، و إلا فاحتمال صرف

إطلاق النص و الفتوى إلى المسح باليد اليمنى لكونه الفرد المتعارف بعيد جدا، نعم المتبادر من إطلاق لفظ اليد في النص و الفتوى الكف، فيكون حدها الزند كما أشار إلى ذلك الطباطبائي في منظومته، فقال:

و لا يجوز المسح إلا في اليدو حدها الزند إذا لم تفقد

بل مما يرشد إلى ذلك ما في بعض الأخبار المشتملة على الوضوءات البيانية ك

خبر الأخوين (2)«ثم مسح رأسه و قدميه ببلل كفيه لم يحدث لهما ماء جديدا»

و

خبرهما الآخر(3)«ثم مسح رأسه و قدميه إلى الكعبين بفضل كفيه لم يجدد ماء»

و لأنها هي المتعارف في المسح، كما أن المتبادر من المسح بهما المسح بباطنها. فلا يجزي المسح بالظاهر، و مقتضى ذلك أنه إذا تعذر المسح بالباطن لجفاف مائه لنسيان و نحوه و كانت النداوة باقية على الظاهر بحيث لا يمكن نقلها إلى باطن اليد يجب إعادة الوضوء، لانعدام المشروط بانعدام شرطه، نعم لو كان المسح بالباطن متعذرا لمرض أو غيره لا لجفاف ماء و نحوه أمكن الاجتزاء بالمسح بالظاهر، إذ سقوط الوضوء من المقطوع بعدمه، لما يفهم من الأدلة أنه لا يسقط بتعذر بعض أجزائه، و احتمال الاجتزاء به بدون مسح في غاية البعد، لإطلاق الأمر بالمسح في الوضوء مع تمكن الامتثال به، و إيجاب المسح بالباطن مع التمكن منه، فيبقى المطلق على حاله، و لأن

«الميسور لا يسقط بالمعسور»(4)

و

«ما لا يدرك


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 8 و في المدارك صحيحة بدل حسنة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 11.
4- 4 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ج 2، ص: 186

كله لا يترك كله»(1)

و للاستصحاب و نحو ذلك، و لعله لذا قال في المدارك:

«و الظاهر أن محل المسح باطن اليد دون ظاهرها، نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر قطعا» لكن الشهيد في الذكرى قال: «و الظاهر أن باطن اليد أولى، نعم لو اختص البلل بالظاهر و عسر نقله أجزأ، و لو تعذر المسح بالكف فالأقوى جوازه بالذراع» انتهى. و قد يظهر من حكمه بالأولوية عدم إيجاب ذلك، و على تقدير إرادته الوجوب فحكمه بالاجزاء فيما إذا اختص البلل بالظاهر و عسر نقله لا يخلو من إشكال، لعدم دليل على الاجتزاء، بل لا بد من إعادة الوضوء، نعم لو كان ذلك متعذرا في حد ذاته لا لعدم البلل أمكن الاجتزاء به كما عرفت، و الظاهر تساوي نسبة جميع أجزاء الكف في المسح بها، لكنه في الحدائق قال: «انهم ذكروا أن الواجب كونه بالأصابع» قلت: لم أقف على مصرح به، و لا دليل يقتضيه، و رواية (يدخل إصبعه) و نحوها لا ظهور فيها بذلك، و لو تعذر المسح بالكف ظاهرا و باطنا لمرض و نحوه اجتزي بالمسح في الذراع لما عرفت، و هل يجب نقل بلة اليد إليه بناء على وجوب الترتيب في نداوة الوضوء كما هو الأقوى أو لا يجب؟ وجهان، أولهما أحوطهما، و لو كان التعذر للجفاف و نحوه و كان لا يمكن نقل بلة الذراع إلى الكف وجب إعادة الوضوء لما تقدم، و لعل التعذر في عبارة الشهيد السابقة يراد به الأول، و إلا ففيه ما لا يخفى، كما أنه لا يخفى ما في هذا الترتيب بعد أن استظهرنا من الأدلة إيجاب المسح بباطن الكف، و الاجتزاء بالمسح بغيرها عند التعذر، فالترتيب في ذلك بأن يكون أولا ظاهر الكف ثم إذا تعذر فالذراع مثلا لم أعثر على دليل يقتضيه سوى وجوه اعتبارية لا تصلح لأن تكون مدركا للأحكام الشرعية، و طريق الاحتياط غير خفي، و من المعلوم أنه يستفاد من النظر في تلك الأدلة المتقدمة إيجاب إيصال البلة إلى الممسوح بواسطة اليد، فلا يجتزي بتقطيرها مثلا كما نص عليه بعض الأجلة.


1- 1 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ج 2، ص: 187

ثم انه هل يشترط جفاف الممسوح من الماء أولا؟ قيل نعم، كما هو خيرة العلامة في بعض كتبه ناقلا له عن والده، و قيل لا، كما هو خيرة السرائر و المصنف في المعتبر و بعض من تأخر عنهما، و ربما ظهر من بعضهم التفصيل، فقال بالصحة مع غلبة بلة الوضوء، و إلا فالفساد، و لعل مستند (الأول) مضافا إلى الاحتياط أن الأمر بالمسح بالبلة ينصرف إلى الأفراد الغالبة، بل لا يصدق أنه مسح بالبلة مع امتزاجها بغيرها، إذ لو صدق ذلك لصدق مع استئناف ماء جديد و مزجه مع بلة اليد كما يصنعه العامة، إذ هي لا تنفك عن بلة الوضوء غالبا، و قد عرفت بطلانه سابقا، و احتمال الفرق بين الماءين فالأول ليس مسحا بماء جديد بخلاف الثاني تحكم، و لأن المركب من الداخل و الخارج خارج، على أنه إن سلمنا أنه ليس مسحا بماء جديد لكنه ليس مسحا بالبلة خاصة، مع ظهور الأدلة بالمسح بما بقي في اليد خاصة، مع أنه لا يقطع أيضا في مثل ظاهر القدم باتصال تلك البلة من رؤوس الأصابيع إلى الكعبين، نعم لو كان ما على الممسوح مجرد نداوة لا يتمزج شي ء منها ببلة الوضوء أمكن القول بالاجتزاء، و قد يلتزم به أهل هذا القول و إن لم يصرحوا به، و بذلك يظهر فساد قول المفصل، إذ غلبة ما بقي في اليد على بلل الممسوح لا يدفع ما ذكرنا، و ما يتخيل من تحقق صدق المسح بالبلة حينئذ فيه أنه من المسامحات العرفية لا من الحقائق، نعم لو كان ما على الممسوح قليل جدا بحيث لا ينافي صدق المسح بما بقي في اليد حقيقة عرفا لاستهلاكه اتجه الجواز، و لعلهم يقولون به و إن لم يصرحوا به أيضا.

و لعل مستند (الثاني) إطلاق المسح الصادق في مثل المقام، بل في السرائر أن من كان قائما بالماء و توضأ ثم أخرج رجليه من الماء و مسح عليهما من غير أن يدخل يديه في الماء فلا حرج عليه، لأنه ماسح بغير خلاف، و الظواهر من الآيات تقتضيه و الأخبار متناولة له، و في المعتبر «أنه لو كان في ماء و غسل وجهه و يديه ثم مسح برأسه و رجليه جاز، لأن يديه لم تنفك من ماء الوضوء، و لم يضره ما كان على القدمين

ج 2، ص: 188

من الماء» انتهى. و لأنه لا يصدق عليه في العرف أنه استأنف ماء جديدا، بل قيل و إن حصل الجريان باجتماع البلتين، بل و لو ببلة الممسوح منفردة عند عدم القصد إلى الغسل و ان صدق اسم الغسل عليه، و يؤيده

صحيحة زرارة(1)«لو أنك توضأت و جعلت موضع مسح الرجلين غسلا و أضمرت أن ذلك هو المفترض لم يكن ذلك بوضوء»

الدالة على جواز غسل الممسوح لا بذلك القصد، على أنه لو منع مثل ذلك لكان ينبغي المنع من الوضوء في موضع لا ينفك من العرق كالحمام و نحوه، على أن المراد بالمسح بالبلة المسح مع نداوة اليد و إن لم يعلق شي ء منها بالممسوح، و هو صادق و إن كان على الممسوح ماء آخر.

و لعل مستند (التفصيل) صدق المسح بالبلة مع غلبتها بخلاف العكس، بل و التساوي، و الأقرب في النظر الأول و كان القول بالتفصيل يرجع اليه، و لعله لذا نقل عن بعض نسبته إلى ظاهر الأصحاب، و احتمال أن المجوزين للمسح مع بلل الممسوح يقولون بذلك يدفعه أن الظاهر خلافه، بل الجميع يشترطون تأثير الممسوح بالمسح و إن لم يظهر للبصر، و أما ما ادعاه أهل القول الثاني أخيرا من الاكتفاء بالمسح مع نداوة اليد و إن لم ينتقل أجزاء من الماسح إلى الممسوح به فممنوع كل المنع، لكون المتبادر من إطلاق لفظ البلة و نحوها خلافه، و لعلهم أخذوه مما في بعض الأخبار من النداوة، و إرادة ذلك منها ممنوع أيضا، بل لا يبعد صدق اسم الجفاف معها في المفروض، و ما ينقل عن ابن الجنيد من جواز إدخال اليد تحت الماء و مسح الرجل بها مثلا لا يوافق شيئا من الأقوال السابقة، و لعله بنى على مذهبه من جواز المسح بماء جديد و عدم إيجاب المسح ببقية البلة، لكنك قد عرفت أن مقتضى عبارته السابقة ليس الجواز مطلقا، و الإطالة في تحقيق حاله مع القطع ببطلانه غير لائق.

ثم أنه هل يدخل في الماء الجديد الماء الباقي في اليد بعد غسلها بطريق الغمس؟


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 17.

ج 2، ص: 189

كما إذا نوى غسلها بالمكث مثلا، أما لو نوى غسلها بالإخراج مرتبا في القصد إلى غسل أجزائها حتى أخرجها فالظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في كونه ليس ماء جديدا، نعم يقع الاشكال فيما إذا نوى غسلها بالإدخال أو بالمكث ثم أخرجها، و الأقوى في النظر كونه ماء جديدا، إذ لا يصدق بقاء شي ء من بلة الوضوء، و ما يقال: إن العرف شاهد على صدق بقاء البلة و إن ذلك كله غسل

واحد ممنوع، و الظاهر أن المراد بما بقي في اليد انما هو بعد تمام الغسل و إن كرر مرارا يده على العضو استظهارا، لكون الاستظهار مطلوبا شرعا و إن لم يكن واجبا، مع أن المعلوم من علماء الأعصار في سائر الأمصار عدم تحديد ذلك، و عدم التربص و التأمل في تمام الغسل الواجب، بل قد يدعى أن ما يفعله زائدا على الاستظهار الشرعي لا بأس به، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و لو جف ما على باطن يديه أو مطلقا من الظاهر و الباطن على اختلاف الوجهين كما تقدم أخذ من لحيته و لو من المسترسل طولا أو عرضا أو أشفار عينيه و غيرها من محال الوضوء، و تخصيص اللحية و الأشفار بالذكر لكونها مظنة بقاء الماء، و إلا فلا فرق بينها و بين غيرها من محال الوضوء، بل قد يكون غيرها أولى من مسترسل اللحية، لما عرفت من الإشكال في الدليل على استحبابه، و احتمال القول بجواز الأخذ منه و إن لم نقل باستحباب غسله تمسكا بظواهر الأخبار في المقام و إن كان ممكنا لكنه بعيد، لأن الظاهر منها إرادة نداوة الوضوء، و هو لا يدخل تحتها على تقدير عدم استحباب غسله، و ما يقال: ان الماء الذي على مسترسل اللحية هو ماء غسل الوجه فهو بلل الوضوء و إن لم نقل باستحباب غسله ففيه- مع أنه لا يشمل جميع صور الدعوى إذ قد يغسل المسترسل بماء غير ماء الوجه- أن المراد من ماء الوضوء الباقي في محاله، و إلا فلا يجتزى بالمسح بالمجتمع من ماء الوضوء في إناء و نحوه.

و الحجة فيما ذكره المصنف- بعد ظهور الاتفاق عليه سيما بين المتأخرين و ما عساه يظهر من بعض عبارات القدماء كسلار في المراسم و غيره من الخلاف في ذلك لاقتصارهم

ج 2، ص: 190

في ذكر الواجب في الوضوء على المسح بالبلة الباقية في اليد ليس خلافا، إذ الظاهر أن مرادهم من ذلك التعريض في رد ابن الجنيد و العامة، و مثله ما في الانتصار، قال:

«مما انفردت به الإمامية القول بأن مسح الرأس يجب ببلة اليد، فإن استأنف ماء جديدا لم يجز به، حتى أنهم يقولون إذا لم يبق في اليد بلة أعاد الوضوء- إلى أن قال-:

و الذي يدل على صحة هذا المذهب مضافا إلى طريقه الإجماع» انتهى. فان الظاهر أن مراده بقوله (انهم يقولون) الى آخره نفي الماء الجديد، و يحتمل أن يكون مرادهم بما بقي في اليد انما هو بلة الوضوء، و لعله لما ذكرنا نسب الحكم المذكور في كشف اللثام إلى قطع الأصحاب، بل في المعتبر في بحث الموالاة نقل الاتفاق على أن ناسي المسح يأخذ من شعر لحيته و أجفانه و إن لم يبق في يده نداوة، بل لم أجد أحدا من المتأخرين نقل خلافا فيه من عادته التعرض لمثله- الأخبار المستفيضة (منها)

مرسل خلف بن حماد عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: قلت له: «الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة، قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به، قلت: فان لم يكن له لحية قال يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه»

و (منها) ما رواه في

الفقيه مرسلا(2)قال: قال الصادق (عليه السلام): «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك، فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء»

و بما تضمناه من أخذ الماء من الحواجب و الأشفار يقيد مفهوم

قول الصادق (عليه السلام) في خبر مالك بن أعين (3)انه: «إن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء».

لا يقال: ان ظاهر هذه الأخبار ينافي ما ذكرت من الدعويين السابقتين، و هما أنه لا ترتيب بالنسبة إلى الأخذ من محال الوضوء بعد جفاف اليد، و ثانيهما جواز


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب الوضوء- حديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 191

الأخذ من غير اللحية و الأشفار لأنا نقول: أما ما يستفاد منها من الظهور في ترتيب الأخذ من الحواجب و الأشفار بعد أن لم يكن في اللحية بلل فلم أعثر على من أفتى به من الأصحاب، بل جميع من وقفنا على كلامه أو نقل إلينا لم يرتب ذلك، بل قال: انه إن جف ما على اليد أخذ من اللحية و الحواجب و الأشفار، كالمفيد في المقنعة و الشيخ في المبسوط و ابن إدريس و المصنف و العلامة و الشهيد و غيرهم، بل قد يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه، فيكون ذلك قرينة على عدم إرادة الترتيب في الخبرين و يكون تقديم اللحية لكونها أقرب مظنة لبقاء الماء فيها من غيرها، و يرشد إلى ذلك الأمر بالأخذ من الحواجب إن لم يكن له لحية لا مع وجودها و انتفاء البلل عنها، على أنه لو سلمنا ظهورهما في ذلك لكنك قد عرفت أن الخبرين مرسلا لا جابر لهما، فكيف يعمل بهما في ذلك، خصوصا مع ظهور كلمات الأصحاب في خلافهما.

و أما الدعوى الثانية و هي جواز الأخذ من غير الثلاثة فهو- مع تصريح بعض الأصحاب به و ظهور آخر فيه أيضا كظهور الاقتصار في النص و الفتوى على الثلاثة في عدم إرادة التقييد منها، بل انما ذكرت لكونها في النص و الفتوى على الثلاثة في عدم إرادة التقييد منها، بل انما ذكرت لكونها هي مظان بقاء البلل فيها- يدل عليه

قوله (عليه السلام) في الخبر المتقدم: «إن لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء»

فقد علق الإعادة على عدم بقاء شي ء من بلة الوضوء، و دعوى إرادة البلة في المحال الثلاث ممنوعة، فاحتمال الاختصاص بالثلاثة كاحتمال التعدي إلى خصوص بلة الوجه فقط بعيدان.

ثم ان الظاهر من عبارة المصنف هنا اشتراط الأخذ من اللحية و نحوها بجفاف اليد، فلو أخذ مع عدمه بطل الوضوء، كما هو الظاهر من المقنعة و السرائر و المعتبر و المنتهى و القواعد و التحرير و الإرشاد و الدروس و الذكرى و عن المبسوط و التذكرة و غيرها، لكنه قال في المدارك: «الظاهر أنه لا يشترط في الأخذ من هذه المواضع جفاف اليد، بل يجوز مطلقا: و التعليق في عبارات الأصحاب مخرج مخرج الغالب»

ج 2، ص: 192

انتهى. و مثله المنقول عن جده في المسالك و الروض مستدلا عليه في الأخير باشتراك الجميع في كونه بلل الوضوء، فلا يصدق عليه الاستئناف، و بإطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في خبر مالك بن أعين: «من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح فان كان في لحيته بلل فليأخذ منه و يمسح به»

حيث جوز الأخذ من غير تقييد بالجفاف، و استشكله بعض المتأخرين بمخالفته لكثير من الوضوءات البيانية، و قوله (ع): (امسح بما بقي في يدك رأسك) و قوله (عليه السلام): (تمسح ببلة يمناك ناصيتك) و الاشتراط المتقدم في المرسل و ما في بعض الوضوءات البيانية من المسح بنداوة الوضوء فهو- مع كون الغالب المسح بما بقي في اليد و نحوه- ظاهر في إرادة النداوة الباقية فيها، على أنه مطلق يحكم عليه غيره، و به تعرف ما في التمسك بإطلاق خبر مالك المتقدم، و أما ما ذكره من خروج القيد مخرج الغالب فهو و إن كان ممكنا في مثل المرسل المتقدم لكنه بعيد في مثل عبارات الأصحاب، و كيف مع أن المعروف فيها ان مفهوم اللقب فيها حجة فضلا عن غيره، على أن ما ذكره احتمال لا يكتفى بمثله في بيان ماهية العبادية التوقيفية مع مخالفته الاحتياط.

لكن الإنصاف أن التأمل في عبارات الأصحاب و الروايات يورث الفقيه الظن بالجواز لظهورها في إرادة المسح بما بقي عدم استئناف الماء الجديد كما هو مذهب العامة، و مما يرشد إلى ذلك ما في المنتهى فإنه- بعد ان ذكر كما ذكر الأصحاب من أنه إن لم يكن في يده أخذ من لحيته، و استدل عليه بالأخبار المتقدمة- قال: «و لأنه ماء الوضوء، فأشبه ما لو كان على اليد، إذ الاعتبار بالبقية لا بمحلها» انتهى. و هو كالصريح في عدم إرادة التقييد السابق، و ما في الوسيلة قال في تعداد واجبات الوضوء:

«و مسح مقدم الرأس ببلة الوضوء» و ما في الجمل و العقود، قال: «و يمسح الرأس و الرجلين ببقية نداوة الوضوء من غير استئناف ماء جديد» و ما في الإشارة، قال:

ج 2، ص: 193

«أقله إصبع واحدة ببقية النداوة لا بماء يستأنف» و ما في بعض عبارات المقنعة، كقوله:

«لا يستأنف للمسح ماء جديدا بل يستعمل فيه نداوة الوضوء» و ما في الغنية و المهذب و الكافي، قال في الأول: «الفرض الثاني أنه لا يستأنف لمسح الرأس و الرجلين ماء جديدا بدليل الإجماع المشار إليه» إلى آخره. فان اكتفاءه بذلك و عدم ذكره إيجاب أن يكون ببلة اليد كالصريح فيما ذكرنا، و مثله ما في الثاني «ثم يرفع يده اليمنى ببلل الوضوء من غير أن يأخذ ماء جديدا» و كذا الثالث قال: «فان مسح غير الجبهة أو استأنف للمسح ماء جديدا بطل الوضوء» بل هو الذي يقضي به التدبر في عبارة الخلاف و الانتصار، فلتلاحظ. على أن ما ذكر من التعليق في كلمات الأصحاب و بعض الأخبار لا دلالة فيه على خلاف ذلك، لأن

الظاهر أن المراد منها أنه إن لم يكن في يده ماء وجب عليه أن يأخذ من لحيته أو من أشفار عينيه، فمفهومها أنه إن لم يكن في يده بلل لا يجب أن يأخذ، لا أنه منهي عن الأخذ.

و الحاصل أن التأمل في كلمات الأصحاب و الروايات يقضي بجواز الأخذ مع عدم الجفاف، بل فيها أمارات كثيرة على إرادة ذلك لا تخفى على من لاحظها، و لعله الأوفق بسهولة الملة، مع أنه لم ينقل التحرز في حال المسح عن مخالطة ماء باطن اليد من غيره من محال الوضوء، بل قد يدعى أنه لا بأس في الماء الذي على مقدمات الوضوء، كالماء الذي يكون على الرأس مثلا مقدمة لغسل القصاص، فإنه لم ينقل عن أحد تجفيفه حال المسح، لكن الأولى خلافه.

ثم ليعلم أنه بناء على الاشتراط المذكور فالظاهر اختصاص الحكم بالجفاف الحاصل من النسيان و نحوه من الأعذار، أما لو جففها اختيارا فالأقوى عدم الجواز، لانصراف إطلاق النص و الفتوى إلى الأول و إن ظهر من المحقق الثاني في جامع المقاصد جوازه عند ذكر المسح بالماء الجديد، إلا أن الأقوى خلافه، و كيف و قد احتمل بعضهم

ج 2، ص: 194

اختصاص الحكم في النسياني دون غيره، لظواهر ما سمعت من الأخبار و بعض كلمات الأصحاب، لكنه في غاية الضعف كسابقه.

فان لم يبق نداوة في شي ء من محال الوضوء استأنف الوضوء بلا خلاف أجده بين المتقدمين و المتأخرين، و لعل ابن الجنيد يوافق في خصوص المقام لا لعدم جواز المسح بالماء الجديد بل لفوات الموالاة، و في كشف اللثام أنه مقطوع به مروي قلت:

قد سمعت ما يدل عليه من الأخبار الآمرة بالانصراف و إعادة الوضوء التي لا يقدح إرسالها بعد انجباره بفتاوى الأصحاب، لكن ظاهرها كالفتاوى حيث يكون الاستئناف محصلا للمسح بماء الوضوء، أما إذا لم يكن كذلك كأن يكون الجفاف لشدة حر أو حرارة أو نحوهما و لم يتمكن من حفظ نداوة الوضوء بالجلوس في مكان رطب أو إكثار الماء على آخر جزء من وضوئه فالظاهر جواز المسح بالماء الجديد، كما في المعتبر و المنتهى و القواعد و الذكرى و جامع المقاصد و المدارك و عن غيرها أيضا، للضرورة و نفي الحرج و صدق الامتثال و اختصاص وجوب المسح بالبلل بالإمكان. و فيه أن جميع ذلك لا يقضي بالانتقال الى الماء الجديد، بل جميعها تندفع بالمسح من دون تجديد ماء، كما لعله يظهر من العلامة في التحرير في الموالاة، قال: «و لو جف ماء الوضوء لحرارة الهواء المفرصلة جاز البناء، و لا يجوز استئناف ماء جديد للمسح» و نحوه ما عن نهاية الأحكام، كما أنه تندفع أيضا بالعدول إلى التيمم، بل هو قضية اشتراط المسح بالنداوة، عن شمولها للمقام لظهورها في صورة الإمكان مع عدم ذكرهم مثل ذلك في مسوغات التيمم يمنع العدول اليه، على أن التتبع بالنسبة إلى تعذر كثير من أجزاء الوضوء كما في أقطع اليدين و أقطع الرجلين و نحو ذلك يقضي بعدم سقوط الوضوء عند تعذر ذلك، كما أن استصحاب الخطاب به و قوله (عليه السلام): (لا يسقط الميسور بالمعسور) و (ما لا يدرك كله لا يترك كله) و نحوها قاضية به أيضا، و لعله لجميع ذلك لم أعثر على مفت بالتيمم، نعم ذكره بعضهم

ج 2، ص: 195

احتمالا، و آخر جعل الاحتياط في الجمع بينهما، و الأولى في الاحتياط الجمع بين الاحتياطات الثلاثة، و هي المسح للاستئناف، و استئناف الماء الجديد، و التيمم، و احتمال القول بوجوب الاحتياط في المقام لعدم الترجيح تحصيلا للبراءة اليقينية و إن كان ممكنا لكن قد عرفت أن الأقوى في النظر المسح من دون وجوب استئناف، تمسكا بإطلاق ما دل على وجوب المسح فيه، و مقتضاه جواز الأخذ من الماء الجديد، للإطلاق المتقدم، مع عدم شمول ما دل على المنع منه للمقام، و أما احتمال وجوبه فقد عرفت ما فيه، و كونه أقرب إلى المكلف به، و نحو ذلك تعليلات اعتبارية لا تصلح لأن تكون مدركا للأحكام الشرعية، كاحتمال إيجاب حفظ ماء الوضوء المتساقط لكونه ماء وضوء، فتأمل جيدا و الله أعلم.

[في استحباب مسح الرأس مقبلا]

و الأفضل مسح الرأس مقبلا، و يكره مدبرا على الأشبه بأصول المذهب و قواعده، و وفاقا للسرائر و المعتبر و النافع و المنتهى و المختلف و التحرير و الإرشاد و القواعد و الألفية و جامع المقاصد و الروضة و غيرها على اختلاف فيها لا يقدح في أصل جواز النكس، و هو قضية إطلاق الهداية و الجمل و العقود و الإشارة و المراسم و غيرها، و المنقول عن الإصباح و المبسوط و ابن أبي عقيل و الشهيد في البيان و المقداد في التنقيح و غيرهم، و لعله لذا قال في الحدائق: انه المشهور، و قيل لا يجوز النكس، كما هو خيرة الصدوق في الفقيه و المرتضى في الانتصار و الشيخين في المقنعة و الخلاف و ظاهر التهذيب بل صريحه، و هو المنقول عن ظاهر النهاية و صريح الوسيلة، و اختاره الشهيد في ظاهر الدروس، و نسبه فيها إلى الشهرة بين الأصحاب، و في الانتصار و الذكرى إلى الأكثر، و في الخلاف الإجماع عليه، وفي المختلف أن المرتضى ادعى الإجماع عليه في الانتصار، قلت: لا دلالة في عبارته، بل فيها ما يدل على خلاف ذلك كما لا يخفى على من لاحظها، و أقصى ما يستدل به للأول الأصل في وجه، و إطلاق الأمر بالمسح في الكتاب و السنة، و إطلاق حكايته في الوضوءات البيانية، إذ لو كان ذلك واجبا لنقله زرارة

ج 2، ص: 196

و بكير و غيرهما ممن حكي لهم وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) بل حكاية غيره كالبدأة بالأعلى مثلا في الوجه و نحوه و عدم حكايته تشعر بعدم وجوبه، و مثله في ذلك مكاتبة علي بن يقطين المشهورة(1)، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد ابن عثمان (2) : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا»

كما رواه الشيخ في المقام كذلك، و المحقق في المعتبر، و العلامة في المنتهى و المختلف، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و السيد في المدارك، و كشف اللثام و صاحب الحدائق، و عن التنقيح و صاحب الذخيرة و غيرهم، و هو العمدة في المقام، مع اعتضاده بما سمعت من دعوى الشهرة، بل هي محصلة.

و أقصى ما يستند إليه للثاني- مضافا إلى ما سمعت من دعوى الإجماع المعتضد بالشهرة المدعاة من مثل الشهيد و نسبته إلى الأكثر منه و من المرتضى، و قد سمعت ما حكاه عنه في المختلف- أن الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، و هو ليس إلا في المسح مقبلا، مع أن المحكي من الوضوءات و إن اشتملت على أنه مسح برأسه لكنه قطعا انما كان المسح مقبلا، إذ لا إشكال في كونه راجحا، فلا معنى لتركه من النبي (صلى الله عليه و آله) و ارتكاب المرجوح، بل الظاهر منها في حكايته أنه وضوؤه الذي لا زال يفعله، و استمراره على المرجوح مما يقطع بعدمه، و إلا فلو كان كذلك لوجب القول بوجوب المسح مدبرا، و هو مخالف لإجماع المسلمين، فحينئذ يكون المراد به المسح به مقبلا، فيجب التأسي به، مضافا إلى

قوله (صلى الله عليه و آله) (3): (إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)

على أنه الفرد الشائع الذي ينصرف الإطلاق اليه، و بذلك تعرف الجواب عن الإطلاقات، على أن جوازه من مذهب العامة، و الرشد في خلافهم،


1- 1 الوسائل الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 11.

ج 2، ص: 197

و أما الصحيحة فمما يضعف الاحتجاج بها أنه رواه الشيخ في مقام آخر بهذا السند(1)أنه

«لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا»

و من المستبعد جدا تعددها، بل الشيخ (رحمه الله) ذكر هذه الرواية في مقام الاستدلال على عدم جواز النكس في غسل اليدين، فقال: «أما الخبر الذي رواه

محمد بن يعقوب عن يونس (2)قال: «أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب، و من الكعب إلى أعلى القدم»

فمقصور على مسح الرجلين، و لا يتعدى الى الرأس و اليدين» و يدل على ذلك أيضا ما رواه

الشيخ عن حماد بن عثمان (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا»

فقد أخرجها شاهدا على التوسعة في مسح القدمين، كما ورد مثل ذلك في غيرها من

الأخبار(4)أن «الأمر في مسح الرجلين موسع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا، و أنه من الأمر الموسع»

بل قد يظهر من ملاحظة هذه و غيرها أن الحكم مقصور على الرجلين، بل في الوسائل باب جواز النكس في المسح، و لم ينقل هذه الرواية فيه، بل

نقل رواية أنه «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا»

فغير بعيد أن يكون هذا التغيير من النساخ، و ما يقال: انه يتم الاستدلال برواية القدمين بالإجماع المركب، إذ لا قائل بالتوسعة فيهما دون الرأس يدفعه أنه ظاهر الشيخ في التهذيب، بل هو صريحه، و ما عن ظاهر النهاية التي هي متون أخبار، بل نقل في كشف اللثام التوسعة في القدمين عن جمع لم ينقل الجواز عنهم في المقام، كما أنه قد نصل على الجواز في القدمين في الإشارة و المراسم، و أطلقا في المقام، فلعلهما يخالفان أيضا، كما هو قضية حجية مفهوم اللقب في عبارة الفقهاء، و أنه به يثبت الوفاق و الخلاف. فقد ظهر لك من ذلك كله أن القول بعدم الجواز لا يخلو من قوة و إن كان الأول أقوى، لمكان حصول التردد من جميع ما ذكرنا، و ما شك في شرطيته


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 198

ليس شرطا عندنا سيما في مثل الوضوء، فتأمل جيدا.

و كيف كان فما ذكره المصنف من الأفضلية كما في القواعد و الإرشاد بل لم أعثر على مخالف فيه صريحا، بل يظهر من المرتضى في الانتصار أن الإمامية بين قولين الوجوب و كونه مسنونا فلعل وجهه أنه المتبادر من الأخبار، و لحصول يقين البراءة، و الخروج من شبهة الخلاف به، و أوامر الاحتياط و تجنب الشبهات، على أن التسامح في الاستحباب عقلي غير محتاج إلى الدليل، كما هو مبين في محله، و ما ذكره من الكراهة كما في السرائر و المعتبر و القواعد و التحرير و غيرها لعله لعكس ما ذكرنا في وجه الاستحباب مقبلا، و الأمر سهل، إذ المراد بالاستحباب و الكراهة أفضل أفراد الواجب و أقلية الثواب، لما عرفت من إيجاب المسح، و الله أعلم.

[في عدم كفاية الغسل عن المسح]

و كيف كان فلو غسل موضع المسح مجتزيا به عنه لم يجز كما صرح به في المقنعة و التهذيب و السرائر و المعتبر و المنتهى و القواعد و الإرشاد و الدروس و الذكرى و غيرها، بل في المنتهى أنه به قال علماؤنا أجمع، و في الذكرى و كشف اللثام لا يجزي الغسل عن المسح عندنا، و في الحدائق أن هذا الحكم ثابت عندنا إجماعا فتوى و دليلا و آية و رواية، و كأن الوجه في ذلك واضح، لكون الغسل و المسح فرضين متغايرين في نظر الشرع، فلا يجزي أحدهما عن الآخر، و لأن الله تعالى أوجب الغسل في الوجه و اليدين، و المسح في الرأس و الرجلين، فمن غسل ما أمر الله بمسحه أو مسح ما أمر بغسله لم يكن ممتثلا، لاختلافهما لغة و عرفا، كما يشير إلى ذلك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مروان(1): «انه يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة، قلت: و كيف ذاك، قال: لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه»

بل اللغة و العرف و الشرع كتابا و سنة صريحة في أن الغسل غير المسح، و أن الآتي بالغسل في مقام الأمر بالمسح و بالعكس ليس ممتثلا كما هو واضح، إنما الإشكال في أنهما


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 199

متباينان لا يصدق أحدهما على الآخر أو بينهما عموما من وجه؟ يظهر من جملة كالمرتضى و الشيخ و غيرهم من الأصحاب الأول، و صرح بعض المتأخرين بالثاني زاعما صدق اسم الغسل و المسح في إجراء الماء بمعونة اليد، و صدق الأول بدون الثاني في جريان الماء بنفسه مثلا، و الثاني دون الأول بما لم يكن معه جريان للماء، و عليه ينبغي التشخيص بالنسبة إلى محل الاشتراك بالنية، فمن كان من نيته الغسل يعد ممتثلا في مقام الأمر به كالعكس، بل لعل النية في ابتداء الوضوء كافية، فلا تقدح الغفلة عنده حينئذ، و قد يشير إليه

صحيح زرارة (1)قال: قال (عليه السلام) لي: «لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا ثم أضمرت أن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء»

و يراد حينئذ بقول الأصحاب أن الغسل لا يجزي عن المسح، و ما نقلوه من الإجماع عليه الغسل الذي لا يتحقق معه مسمى المسح كجريان الماء بنفسه مثلا، أو ما كان مع إمرار اليد و كان المقصود الغسل، و أما إذا تحقق مسمى المسح كما إذا أمر يده و كان الماء قليلا اجتزى به و إن حصل معه الجريان الذي هو مسمى الغسل، إذ لا شك في صدق المسح حينئذ، و لا ينافيه صدق اسم الغسل الغير المقصود معه، بل ربما يظهر من بعضهم دعوى كون ذلك ليس غسلا و إن حصل الجريان، و الاكتفاء به في مثل الوجه و اليدين من دليل خارجي لا لصدق الغسل لكن المعروف بينهم الوجه الأول أي أنه لا ينافي صدق اسم المسح صدق اسم الغسل، و يكون التقابل في الآية حينئذ باعتبار صورتي الافتراق و التنافي بالنية و القصد، و يراد برواية ابن مروان التعريض بالعامة الذين يكتفون بالغسل الذي لا مسح معه عن المسح، على أنه ضعيف السند، بل قد يؤيده مضافا الى الصدق المتقدم أنه لو وجب المسح ببلة الوضوء بشرط عدم تحقق جريان و لو ضعيفا لكان فيه من الحرج و الضيق المنافيين لسهولة الملة ما لا يخفى، بل السكوت في مقام التعليم المستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة مع غلبة تحقق الجريان في البلة الباقية في اليد مما


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 12.

ج 2، ص: 200

يدل على عدمه، إذ لم يرد لنا خبر بتجفيفها أو تقليلها أو نفض اليد أو نحو ذلك، بل لم ينقل عن أحد من السلف مع توفر الدواعي إليه، بل لو ورد الأمر به لنا في المسح بالبلة، إذ لا يكاد يحصل القطع ببقاء بلة بحيث لو مسح بها لم يجر شي ء منها و لم ينتقل من مكان إلى مكان إلا بتجفيفها جفافا يقرب إلى اليبوسة، و معه ينتفي المسح بالبلة، فلا يبعد أن ينزل كلام الأصحاب على إرادة ما ذكرنا، و إلا كان حينئذ للبحث معهم مجال.

و مما ذكرنا ظهر لك وجه القول بالتباين، قلت: لا ينبغي الإشكال في تباين حقيقة الغسل و المسح، و انهما لا يجتمعان في فرد واحد أبدا كما هو ظاهر الكتاب و السنة و الإجماع و العرف و اللغة، لكون الغسل عبارة عن جريان الماء على المغسول و انتقاله من جزء الى غيره سواء كان بنفسه أو بمعين من يد أو غيره، و لعل غمس العضو في الماء منه إدخالا و إخراجا، و كذا المكث مع التحريك، و قد يصدق على مجرد الإصابة في أماكن خاصة، كما في البواطن التابعة للظواهر و ما تحت الجبيرة و نحوها، و المسح على ما قيل عبارة عن جر الشي ء على الشي ء مع مماسته له مع بقائه متصلا كالماء و رطوبته، أو مع الانفصال كالمسح باليد و نحوها و بالتراب و الغبار غالبا، و كأن إيكاله إلى العرف أولى من هذا التعريف إلا أن يراد به مطلق التصوير.

و كيف كان فما ذكروه من الفرد الذي ظنوا أنه محل اجتماع و من جهته حكموا بالعموم و الخصوص من وجه و هو ما تحقق فيه إمرار اليد مع الجريان الضعيف فهو مما لا إشكال في الاجتزاء به، كما قضت به تلك الأدلة التي سمعتها، و ما يظهر من الانتصار من عدم الاجتزاء به لأنه أخذ في المسح أن يكون بقدر من ماء لا يحصل معه جريان في غاية الضعف، أو يرجع إلينا بوجه من الوجوه، لكن ذلك في الحقيقة شيئان لا شي ء واحد مصداق للكليين كما هو قاعدة العموم و الخصوص من وجه، بل هما فردان متغايران

ج 2، ص: 201

متباينان لكليين كذلك، فإمرار اليد فرد المسح، و جريان الماء فرد الغسل، و ليس الإمرار مع الجريان مسحا و لا غسلا حتى يكون ذلك محل اجتماع للكليين، فحينئذ الاجتزاء بمثله لتحقق اسم المسح الذي لا يقدح مقارنة الغسل له كالعكس، فالتفرقة حينئذ حقيقية لا اعتبارية، بل قد يقال: لا عبرة بنية الغسل مع عدم نية الامتثال به، و العبرة بالمسح و إن لم يستحضر حينه النية اكتفاء بالنية التي في ابتداء الوضوء.

فالحاصل أن المكلف مع الإتيان بذلك الفرد لا يخلو إما أن يكون قصد الامتثال يجريان الماء و انتقاله الحاصل بإمرار اليد، أو يكون قصد الامتثال بنفس إمرار اليد من غير قصد للجريان، أو مع قصده بدون قصد الامتثال به، أو لم يكن مستحضرا لشي ء من ذلك، فان كان الأول فلا إشكال في فساد الوضوء لا لانتفاء المسح، بل لقصد الامتثال بالغسل، و هو منهي عنه، و إن لم يقصد الامتثال به فوضوؤه صحيح على كل حال، حتى لو قصد نفس الجريان، بل لعل في قوله (عليه السلام) في خبر زرارة:

(ثم أضمرت أن ذلك من المفروض لم يكن ذلك بوضوء) إشارة إلى ما ذكرنا، و كذا في صورة عدم الاستحضار، لمكان النية في الابتداء، فتأمل جيدا. فان منه ينقدح التأمل فيما ذكره الفحول من المتأخرين من التقييد لعدم اجتزاء الغسل عن المسح المستفاد من النص و الفتوى بما إذا لم يكن يصدق عليه مسمى المسح، لما عرفت أنهما لا يتحدان في المصداق أبدا، و الفساد حيث يكون الغسل مقصودا به الامتثال لأمر آخر لا لانتفاء المسح، لكن قد يقال: ان جميع ما ذكرته يتم بالنسبة إلى نفس الغسل و المسح، و محل البحث المسح بالبلة، و كلامهم فيه من دعوى العموم من وجه تام، لصدق المسح بها مع جريانها الموجب لتحقق صدق اسم الغسل، و فيه أنه لا مدخلية للبلة في ماهية المسح بل هي شرط خارجي في الوضوء، على أن إمرار اليد مع تلك البلة مسح، و مع جريانها غسل، فهما فردان أيضا كما ذكرناه بالنسبة لأصل المسح، و الله أعلم.

[في جواز المسح على الشعر]

و يجوز المسح على الشعر المختص بالمقدم و كذا يجوز على نفس البشرة

ج 2، ص: 202

بلا خلاف أجده بين الإمامية، بل في ظاهر المعتبر و صريح المدارك و الحدائق و غيرهما كما عن ظاهر التذكرة دعوى الإجماع عليه، لصدق المسح بالرأس الموجود في الكتاب و السنة و معقد الإجماع على كل منهما من غير فرق بين كون البشرة مستورة بالشعر أولا، و لا بين كون الشعر كثيفا أو خفيفا، خلافا لما ينقل عن بعض العامة من إيجاب المسح عليه حيث تكون البشرة به مستورة، لكونه بدلا عنها مسقطا للتكليف بمسحها فيكون كالمستور باللحية، فكما لا يجوز هناك لا يجوز هنا، و أجاب عنه في المنتهى بأنه انما اعتبرنا الظاهر من اللحية لانتقال اسم الوجه إليه و زواله عن البشرة، بخلاف الرأس الذي اسمه لازم مع ستره بالشعر، فافترقا، و ظاهره الموافقة على عدم الاجتزاء هناك، و هو لا يخلو من تأمل، إذ المستند في ذلك المقام

قوله (عليه السلام)(1)«كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا أن يبحثوا عنه»

فان كان دالا على بدلية الشعر و سقوط التكليف عن المبدل بحيث لا يجتزى به كوضوء الجبائر و نحوه فلا فرق بينهما أيضا، و ما ذكره (رحمه الله) من صدق الوجه بالنسبة إلى شعر اللحية دون البشرة بخلاف بشرة الرأس فيه ما لا يخفى، و بذلك تعرف ما في التعليل المتقدم في أصل الحكم، فان صدق مسح الرأس لا ينافي جعله الشعر بدلا عنه مسقطا للتكليف، سيما على رواية الشيخ من قوله (عليه السلام): (ليس للعباد أن يطلبوه) و قد تقدم في الوجه أن الأظهر على كل من الروايتين عدم الاجتزاء بغسل البشرة هناك، اللهم إلا أن يدعى أن الرواية في خصوص الوجه أو خصوص الغسل، كما يرشد إليه

قوله (عليه السلام)(2)(و لكن يجري عليه الماء)

و كفى بما سمعت من إجماع أصحابنا حجة على الاجتزاء بمسح كل منهما، بل قد عرفت أن الاجتزاء بالمسح على الشعر مجمع عليه بين العامة و الخاصة، بل يقرب إلى حد الضرورة من الدين، فيراد حينئذ من البشرة في

قول الصادق (عليه السلام)(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 203

«في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء»

ما يعم الشعر كما هو واضح، فلا سبيل لأن يقال ان الرأس حقيقة في البشرة دون الشعر، و لذلك لا يجتزى بغسله في غسل الجنابة، و المراد بالشعر المختص بالمقدم في كلام المصنف الشعر النابت فيه الذي لا يخرج بمده عن حده.

فلو جمع عليه شعرا من غيره أو خرج شعره باسترساله عن حده و مسح لم يجز المسح عليه في كل منهما، لعدم صدق مسح المقدم فيهما لغة و عرفا، بل الأول حاجب كغيره من الحواجب، فيشمله ما دل على عدم الاجتزاء بمسحه من الإجماع و غيره، و عدم صدق المقدم و الناصية على الثاني واضح، و لذا صرح جمع من الأصحاب بكل من الحكمين من غير تردد، بل هو ظاهر غيرهم، بل لا خلاف أجده فيهما، بل في كشف اللثام الاتفاق على الأول، و المراد بعدم الاجتزاء بالمسح في الثاني المسح على القدر الزائد على المقدم، أما ما كان منه عليه فيجتزى بالمسح عليه كما صرح به في جامع المقاصد و غيره، بل قد يظهر من المنقول من بعضهم دعوى ظهور الإجماع عليه، و يدخل فيه حينئذ ما لو نبت الشعر من أعلى المقدم، ثم تدلى عليه حتى انتهى بانتهائه فلا يحتاج إلى إزالة المسترسل من الشعر عن ما تحته من منابت الشعر المحلوق، بل يمسح عليه و يجتزى به، لكن إن لم يثبت كونه مجمعا عليه كان للنظر في صدق اسم المقدم و المسح عليه مجال، كما أن له مجالا أيضا فيما صرح به بعضهم من أن شعر المقدم لو كان مجتمعا عليه و كان بحيث لو مد خرج عن الحد لا يجوز المسح على ذلك الزائد التقديري، بل عن شارح الدروس أنه مشهور بين القوم بحيث لم نعرف فيه خلافا، لصدق اسم مسح المقدم كغير الزائد، إذ لا فرق بينهما على الظاهر، و قال الشهيد في الذكرى بعد ذكره عدم جواز المسح على ما يخرج بالمد عن الحد: «و كذا لا يجزي المسح على الجمة، و هي مجتمع شعر الناصية عند عقصه، نعم لو أدخل يده تحت الجمعة و مسح بشرة الرأس أو أصل شعر الناصية أجزأ» انتهى، و ظاهره أن الجمة ليس من الذي يخرج بالمد عن الحد، بل

ج 2، ص: 204

عدم الجواز فيه من جهة علوها و ارتفاعها، و هو لا يخلو من وجه، بل لعله يحمل عليه تصريح المصنف و العلامة بعدم جواز المسح عليها.

و كذا لو مسح على العمامة أو غيرها مما يستر موضع المسح كالمقنعة و القلنسوة و نحوهما إجماعا محصلا و منقولا على لسان جملة من الأساطين كالشيخ و المصنف و العلامة و غيرهم، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك، و عدم صدق المسح على المقدم- الأخبار(1)الآمرة بإدخال الإصبع تحت العمامة، و

قول أحدهما (عليهما السلام)(2)في خبر محمد بن مسلم: «لا يمسح على الخف و العمامة»

و

الصادق (عليه السلام)(3): «لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء»

و غيرها خلافا لما ينقل عن بعض العامة من جواز المسح على العمامة، و ضعفه واضح، و لا فرق في الحائل بين أن يكون ثخينا يمنع نفوذ الماء أو رقيقا لا يمنع، خلافا للمنقول عن أبي حنيفة من تجويزه المسح على الثاني، و لا بين كونه لطوخا كالحناء و نحوها و غيره كما صرح به في المنتهى و التحرير في الذكرى و غيرها، بل هو قضية كلام كثير من الأصحاب، بل قد يظهر من كشف اللثام أنه لا احتمال في الفرق بينه و بين غيره من الحواجب، بل لم أعثر فيه على مخالف من الأصحاب و إن كان قد يستفاد من الشهيد في الذكرى حيث نقل الإجماع على عدم الاجتزاء بالمسح على العمامة و الشهرة على الحناء وجود مخالف فيه.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز المسح عليه، لعدم الصدق، مع دخوله تحت إطلاق ما دل على عدم المسح على الحائل، مضافا إلى خصوص

مرفوعة ابن يحيى المتقدمة عن الصادق (عليه السلام): «في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء أن يتوضأ قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء»

و أما

صحيح عمر بن


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 205

يزيد(1)سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء قال: يمسح فوق الحناء»

و

صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)(2)أيضا «في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء و يتوضأ للصلاة، فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه»

فيحتملان الحمل على الضرورة، أو عدم الاستيعاب، أو كون الحناء على البشرة تحت الشعر أو اللون و الأثر خاصة سيما الأول، لأن (خضب) تأتي بمعنى (لون) كما عن القاموس. أو على أن الخضاب و الإطلاء كان بماء الحناء، و الأول مفعولية (فوق) لقوله (يمسح) على معنى مسح الأعلى الذي فوق موضع الحناء و الثاني عطف الحناء على الرأس أي لا بأس بأن يمسح الحناء الذي عليه ثم يتوضأ، إلى غير ذلك و إن بعد كثير منها، لكنه لا بأس بها في مثل المقام بعد ظهور إعراض الأصحاب صريحا من بعض و ظاهرا من آخرين، بل كاد يكون صريح الجميع، إذ من المستبعد جدا بل المقطوع بعدمه أنه أطلقوا عدم الاجتزاء بالمسح على الحائل، حتى حكى الإجماع عليه بعض، و عن آخر نفي الخلاف فيه مع الفتوى بمضمون الصحيحتين، خصوصا مع عدم إشارة ممن عثرنا على كلامه إلى استثنائه، بل ذكره أولى من الشعر، مع كون الصحيحتين بمنظر منهم و مسمع، فاحتمال تقييد النص و الفتوى بهما لا يلتفت اليه، كاحتمال دخول المسح على الحناء تحت مصداق المسح بالرأس، لكن الشيخ في الاستبصار قال: باب المسح على الرأس و عليه الحناء ثم ذكر الصحيحتين و قال: فأما ما رواه محمد بن يحيى و ذكر المرفوعة السابقة فأول ما فيه أنه مرسل مقطوع الاسناد، و ما هذا حكمه لا تعارض به الأخبار المسندة، و لو سلم لأمكن حمله على أنه إذا أمكن إيصال الماء إلى البشرة فلا بد من إيصاله، و إذا لم يمكن ذلك أو لحقه مشقة في إيصاله لم يجب عليه، و يؤكد ذلك

رواية الوشاء(3)قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الدواء إذا كان على


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 206

يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلاء الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه»

انتهى. و قد يقضي التدبر في كلامه أنه مخالف في المسألة، إلا أنه لم أقف على أحد أشار إلى ذلك، بل نقلوا عنه حمل الصحيحتين على الضرورة، و لعله لما ذكره بعد التسليم، و قوله (و يؤكد ذلك)، فتأمل جيدا هذا كله في الحائل الاختياري، و أما الاضطراري فالظاهر جواز المسح عليه، بل عن بعضهم نقل الاتفاق عليه، و يأتي الكلام فيه إن شاء الله.

[الفرض الخامس من فروض الوضوء مسح الرجلين]
اشاره

الفرض الخامس من فروض الوضوء مسح الرجلين إجماعا عند الإمامية محصلا و منقولا، بل هو من ضروريات مذهبهم، و أخبارهم به متواترة، بل في الانتصار أنها أكثر من عدد الرمل و الحصى، بل و رواه مخالفوهم أيضا

عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)و أنه قال: «ما نزل القرآن إلا بالمسح»

و

عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه و آله)(2)«ان كتاب الله بالمسح و يأتي الناس إلا الغسل»

و رووا أيضا كما قيل

عن أوس بن أبي أوس الثقفي (3)أنه «رأى النبي (صلى الله عليه و آله) أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضأ و مسح على قدميه»

و

عن ابن عباس أيضا(4)«أنه وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) فمسح على رجليه»

إلى غير ذلك من الأخبار المروية من طرق مخالفينا، بل هو المنقول عن جماعة من الصحابة و التابعين و الفقهاء كابن عباس و عكرمة و أنس و أبي الغالبة و الشعبي، و عن أبي الحسن البصري و ابن جرير الطبري و أبي علي الجبائي التخيير بينه و بين الغسل، و عن داود يجب الغسل و المسح معا، و نحوه عن الناصر الزائدي، و بقي الفقهاء على إيجاب الغسل فقط.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 7.
3- 3 كنز العمال- المجلد- 5- ص 116 الرقم- 2415.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 207

لنا مضافا إلى ما سمعت من الأخبار المروية من طرقهم قوله تعالى (1)(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ، وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بالجر في قراءة ابن كثير و أبي عمرو و حمزة، و في رواية أبي بكر عن عاصم، بل قيل انها مجمع عليها، و انها هي القراءة المنزلة، بخلاف قراءة النصب فإنها مختلف فيها، و يؤيده

خبر غالب بن الهذيل (2)من طريق الأصحاب قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز و جل (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ) على الخفض هي أم على النصب؟

قال: بل هي على الخفض»

على أنه لو سلمنا قراءة النصب كما نقلت عن نافع و ابن عامر و الكسائي، و في رواية حفص عن عاصم فهي غير منافية لها، لحمل الأولى على العطف على اللفظ، و الثانية على المحل، و دعوى أنه ليس أولى من جعلها في النصب معطوفة على لفظ الأيدي، و حمل قراءة الجر على جر المجاورة، كما في قولهم هذا جحر ضب خرب يدفعه أن العطف على المحل أولى للقرب، و للفصل و للإخلال بالفصاحة من الانتقال عن جملة إلى أخرى أجنبية قبل تمام الغرض، بل فيه إغراء بالجهل، و منافاة للغرض، مع أنه يقتضي حمل قراءة الجر على المجاورة كما اعترف به في السؤال، و إلا يحصل التنافي بين القراءتين، و هو غير جائز، و ارتكاب إيجاب الجمع بين الغسل و المسح كما قال به داود فهو مع عدم وضوح ترتبه على ذلك قد استقر الإجماع على خلافه كما قيل، كاحتمال القول بالتخيير بينهما، فلم يبق إلا التزام جر المجاورة، و هو- مع ما عن محققي النحويين منعه، و تأويل جميع ما يتخيل فيه ذلك، بأن يراد مثلا بخرب صفة مشبهة أي خرب جحرة، و نحوه غيره، و عن بعض التصريح بعدم جواز وقوعه في الكلام الفصيح، و انه شاذ يقتصر فيه على بعض الألفاظ المسموعة- مشروط بعدم وجود حرف العطف، لانتفاء المجاورة معه، و عدم اللبس كما في المثال، بخلاف ما نحن


1- 1 سورة المائدة- الآية 8.
2- 2 المستدرك- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 208

فيه، و ما يتخيل أن منه قوله تعالى (1)(وَ حُورٍ عِينٍ) بقراءة الجر، لكونها لا يطاف بها يدفعه أنه على تقدير تسليم هذه القراءة عطف على (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) كأنه قال هم في جنات النعيم و فاكهة و لحم و مقاربة حور عين، أو على (أكواب) لأن معناه يتنعمون بأكواب، على أنه لا امتناع في أن يطاف بهن، فلا يعارض مثل ذلك الحمل على عطف المحل الواقع في الكلام الفصيح شعرا و نثرا، و من هنا التجأ بعضهم إلى ارتكاب شي ء آخر و هو أن المراد بالمسح هنا الغسل، لاشتماله عليه، و انما عبر عنه بلفظ المسح تنبيها على وجوب الاقتصار في صب الماء، لكون الأرجل تغسل بالصب من بين الأعضاء فهي مظنة الإسراف، ثم جي ء بقوله إلى الكعبين قرينة على إرادة الغسل، لعدم ضرب غاية للمسح في الشرع، بل هذا التحديد قرينة على عطفه على الأيدي، لاتحادهما بذلك، و يدفعه- مع أنهم لا يقولون به بالنسبة للرأس- ما تقدم لك سابقا من التباين بين الحقيقتين لغة و عرفا و شرعا، و مجرد الاشتمال عليه لا يوجب صدق الاسم عليه، و إلا لوجب صدقه على حركة اليد و نحوها.

ثم انه لا دليل على وجوب الاقتصار في غسل الرجلين، و لا مانع من التحديد في المسح، إذ هو كالغسل في قابليته لذلك، بل لا مانع من عطف المحدود على غير المحدود، كما في عطف الأيدي على الوجوه، بل الظاهر أنه أولى، لموافقة الجملة الثانية مع الجملة الأولى بالنسبة إلى ذلك، و عن آخرين حمل قراءة الجر على طهارة ذي الخفين، فالتزموا بالتعبير عن الخف بالرجل، و هو أشنع من الأول، و لقد أطال أصحابنا (رحمهم الله) في البحث معهم بذلك، لكنه كما قيل:

لقد أسمعت لو ناديت حياو لكن لا حياة لمن تنادي

[في وجوب مسح القدمين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين]

ثم انه يجب المسح عندنا على ظاهر القدمين من رؤوس الأصابع إلى


1- 1 سورة الواقعة- الآية 52.

ج 2، ص: 209

الكعبين لا باطنهما، و لا الظاهر و الباطن، كما نص عليه في المقنعة و الإشارة و المراسم و السرائر و غيرها، و عن الغنية و الكافي، بل هو ظاهر أو هو صريح تحديد العبارة و غيرها من عبارات الأصحاب التي منها معقد إجماع، بل نقل الإجماع عليه في كشف اللثام، كما عن صريح شرح الدروس و الرياض و ظاهر الغنية أيضا، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى ما في صريح جملة من الوضوءات البيانية و ظاهر الآية و الأخبار المشتملة على نحو تحديد العبارة-

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «لو لا اني رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يمسح ظاهر قدميه لظننت أن باطنهما أولى بالمسح من ظاهرهما»

و

قول أبي جعفر (عليه السلام)(2)في صحيح زرارة: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى»

و غيرها، فما في

مرفوعة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3)«في مسح القدمين و مسح الرأس فقال: مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره، و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما»

و

خبر سماعة بن مهران عنه (عليه السلام)(4)أيضا قال: «إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما، ثم قال: هكذا فوضع يده على الكعب و ضرب الأخرى على باطن قدميه ثم مسحهما إلى الأصابع»

مع قصور سندهما و شذوذهما لا يبعد حملهما على التقية، كما يرشد اليه مسح المؤخر في الخبر الأول، لما ينقل عن بعض العامة ممن يرى المسح و يقول باستيعاب الرجل، أو لأن المسح على ما في الخبر الثاني يوهم الناس الغسل، أو غير ذلك، و الأقوى إلحاق صفحتي القدمين بالباطن، لكون المتبادر من الظهر خلافهما، و لا يقدح تبادر الباطن في خلافهما أيضا، لأن قضيته الخروج عنهما، فلا يحصل الامتثال بمسح الظاهر.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الوضوء- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 210

ثم ان ظاهر عبارة المصنف كظاهر الهداية و الجمل و العقود و الإشارة و الخلاف و المراسم و النافع و القواعد و التحرير و الإرشاد و المختلف و الدروس كما عن الغنية و المهذب و الوسيلة و الكافي إيجاب الاستيعاب الطولي، لظهور حرفي الخفض في ابتداء الفعل و انتهائه، لا في تحديد الممسوح، على أنه لو أريد ذلك أيضا في كلامهم لوجب الاستيعاب الطولي أيضا، لظهور مسح المحدود في استيعابه، فيكون حينئذ ما في الخلاف و عن ظاهر الغنية من الإجماع حجة على وجوبه، كما صرح به في المعتبر و جامع المقاصد و كشف اللثام، بل كاد يكون صريح المقنعة و السرائر و الانتصار و المنتهى، لعدم احتمال التحديد في كلامهم، بل في الأخيرين الإجماع على ذلك، قال في الانتصار: «مما انفردت به الإمامية القول بأن مسح الرجلين من أطراف الأصابع إلى الكعبين- إلى أن قال-:

و الدليل على صحة هذا المذهب الإجماع مضافا الى الإجماع الذي تقدم ذكره أن كل من أوجب من الأمة في الرجلين المسح دون غيره يوجبه على الصفحة التي ذكرناها» و قال في المنتهى: «لا يجب استيعاب الرجلين، بل الواجب من رؤوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة، و هو مذهب علمائنا أجمع» و عن التنقيح «أما وجوب المسح إلى الكعبين فبإجماع علماء أهل البيت» و في الذكرى أن عليه عمل الأصحاب، فما يظهر من بعض متأخري المتأخرين من الميل إلى عدم وجوبه ليس في محله، كظهور التردد من الذكرى و المدارك، و كذا ما وقع من بعض المتأخرين من نسبة إيجاب الاستيعاب إلى الشهرة المشعر بوجوب مخالف في المقام.

و لقد وقع في الرياض في المقام خلل لا يغتفر، لأنه قال في مزج عبارة النافع:

«و طولا من رؤوس الأصابع إلى الكعبين إجماعا كما في الخلاف و الانتصار و التذكرة و ظاهر المنتهى و الذكرى» انتهى. أما أولا فلان الموجود في الذكرى نسبته إلى عمل الأصحاب، و هو بمعزل عما نحن فيه، و لذا كان ظاهره فيها التردد، و أما ثانيا فلأن قوله و ظاهر المنتهى يقضي بصراحة ما قبله في الإجماع على المقام، و قد عرفت أن عبارة المنتهى هي

ج 2، ص: 211

التي كادت تكون صريحة بخلاف عبارة الخلاف كما عرفت، و أما ثالثا فلجعله عبارة التذكرة من الصريح، مع أن ظهورها في المقام محل إشكال، قال فيها: «لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح، بل يكفي المسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع عند فقهاء أهل البيت» و مثل هذه العبارة حرفا بحرف وقعت للمصنف في المعتبر الذي هو أول من تردد بالمقام، و كان مرادهما منها عدم إيجاب استيعاب العرض، و ان المسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة مجز، لا أنه واجب كما نحن فيه على ما يظهر من قولهما (يكفي).

و كيف كان فيدل عليه مضافا إلى ما سمعت أنه الظاهر المتبادر إلى الذهن من الوضوءات البيانية، لظهور قوله (عليه السلام): (و مسح قدميه) و نحوه في الاستيعاب الطولي و العرضي، إلا أن انعقاد الإجماع من الأصحاب على عدم وجوب الثاني قرينة على عدمه، و دعوى صدق اسم مسح القدم بمسح جزء منه بعيدة، و في بعضها أنه (صلى الله عليه و آله) (مسح قدميه إلى الكعبين) و احتمال التحديد منها لا وجه له، كما هو واضح، و

في الخبر «أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب»

و قوله تعالى (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) أما على قراءة النصب فواضح على كلا التقديرين إن جعلت (إلى) غاية للمسح أو الممسوح، لما سمعت من ظهور الاستيعاب فيه أيضا، فيكون كقوله تعالى:

(إِلَى الْمَرافِقِ) و لا ينافيه قراءة الجر، لاحتمال كون (إلى) غاية للمسح فيوافق الأول، و يحتمل كونها غاية للممسوح، فيوافقه أيضا على أحد الاحتمالين، و هو على أن يراد بقوله تعالى (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بيان للبعض المأمور بمسحه المستفاد من تقدير الباء، نعم يخالفه على الاحتمال الثاني بأن يراد بكونه غاية للممسوح الاجتزاء بمسح أي جزء منه، لكن لا مقتضي للحمل عليه، بل المقتضي على خلافه موجود، و ما يقال: ان جعل (إلى) في الآية و الروايات غاية للمسح ينافي ما سيجي ء من جواز النكس فيه ان خروج ذلك

ج 2، ص: 212

بدليل لا ينافي ما نحن فيه، و كذا ما يقال: انه ورد في

خبر الأخوين (1)«إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك»

ك

خبرهما الآخر في تفسير قوله تعالى (2)وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) «فإذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه»

ما ينافي بظاهره ما ذكرت بجعل (ما) بدلا من لفظ القدمين أو غيره فإنه يدفعه معارضته باحتمال أن يكون (ما) خبر مبتدء محذوف، أو بيانا للشي ء من القدمين، أو بدلا من لفظ شي ء، فلا ينافي ما تقدم، بل يكون دليلا لنا، لاقتضاء المفهوم فيها عدم الاجتزاء بدون ذلك، و لا ينافي الأخير تقدير الباء، فتفيد التبعيض، لمكان دخولها في مفعول الفعل المتعدي بنفسه، لكونها في المبدل منه للإلصاق قطعا فكذا في البدل. و أما

قول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر جعفر بن سليمان (3)قلت:

«جعلت فداك يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدميه أ يجزيه ذلك؟

قال: نعم»

فلا صراحة فيه بعدم الاستيعاب، بل و لا ظهور، كالأخبار(4)الدالة على المسح من دون استبطان الشراك، لعدم معلومية الاجتزاء بمسح الشراك مع عدم مسح غيره معه، إذ عدم استبطانه أعم منه، و على تقديره فأقصاه كون الشراك بدلا عن البشرة يجزي مسحه عن مسحها كما تسمعه من بعضهم، و إلا فهو دال على الاستيعاب و لو للبدل، فتخرج حينئذ دليلا للمطلوب، ك

صحيح محمد بن أبي نصر(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 4 و هو عن أحمد بن محمد بن أبى نصر.

ج 2، ص: 213

سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) «عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، فقلت: جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال: لا إلا بكفه»

و اشتماله على خلاف المجمع عليه بين الطائفة من إيجاب المسح بتمام الكف لا يقدح في أصل الاستدلال على ما نحن فيه، و لا يبعد حينئذ حمله بالنسبة إلى ذلك للاستحباب، لما في المعتبر و المنتهى من الإجماع على الاجتزاء بالمسح و لو بإصبع واحدة، و منافاته لظواهر غيره من الأخبار و تنزيلها عليه تنزيل المطلق على المقيد مع عدم إمكان جريانه في بعضها مشروط بالمقاومة المنتفية هنا من وجوه، و ما يظهر من إشارة السبق للحلبي من أن أقل المجزي المسح بإصبعين لم أعثر على موافق له، و لا على ما يدل عليه، بل و لا من نقل خلافه في ذلك، و ما لعله يظهر من الصدوق في الفقيه من العمل بهذه الرواية ل

قوله: «و حد مسح الرجلين أن تضع كفيك على أطراف أصابعك من رجليك و تمدهما إلى الكعبين»

لا يقدح في الإجماع المتقدم، مع احتمال أن يريد حد الفضيلة و الاستحباب كما نص عليه الشيخ في جمله و عقوده و الشهيدان في النفلية و شرحها و

قول الباقر (عليه السلام) في خبر معمر بن عمر(1): «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل»

المشعر بأن ذلك أقل المجزي لم أعثر على من أفتى بظاهره، فلا يبعد أن يراد منه استحباب مسح ثلاثة أصابع من العرض و إن انتهت بالطول إلى الكعبين.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في إيجاب الاستيعاب الطولي لكثرة شواهده من الكتاب و السنة، فما يظهر من بعض المتأخرين أنه لولا الشهرة لكان القول بعدم الوجوب متجها ليس على ما ينبغي، نعم مما ذكرنا تعلم أنه لا يجب استيعاب العرض، بل عليه الإجماع في المعتبر و المنتهى و الذكرى و عن التذكرة، كما لعله يظهر من غيرها، مضافا إلى ظاهر كثير من الأخبار و بذلك يصرف ما لعله يظهر من بعضها من إيجابه،


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 214

ك

خبر عبد الأعلى مولى آل سام قال (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عز و جل قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه»

بتقريب أنه لو لم يجب استيعاب العرض لم يكن لما ذكره (ع) وجه، لبقاء محل المسح في غيره، فيقال: انه لا صراحة بكون المنقطع ظفر الرجل، أو يقال: ان المراد جميع أظفاره، أو يقال: انه عمت الجبيرة و إن كان السبب إصبعا واحدا أو يقال: انه يجزي المسح عليه و إن أمكن المسح على غيره، لكونه أحد أفراد الواجب المخير، و قد انتقل إلى بدل فيقوم بدله مقامه، و لا ينحصر التكليف بالفرد الآخر، فتأمل جيدا.

ثم انه على تقدير إيجاب استيعاب الطول فهل يجب إدخال الكعب في المسح أو لا؟

قولان، صرح بالأول في المنتهى و التحرير، و اختاره في جامع المقاصد مستدلين عليه بأن (إلى) إما أن تكون بمعنى (مع)، كما في قوله تعالى (إِلَى الْمَرافِقِ) أو بوجوب إدخال الغاية في المغيا حيث لا مفصل محسوس، و بأن الكعب كما وقع غاية للمسح في بعض الأدلة وقع بداية في

رواية يونس (2)قال: «أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم»

فيدخل حينئذ، فيجب أن يكون في الانتهاء كذلك، لعدم القائل بالفرق، و لانه يلزم إسقاط بعض ما يجب مسحه في إحدى الحالتين، و هو باطل اتفاقا، و اختار المصنف في المعتبر الثاني، و تبعه عليه بعض من تأخر عنه، لخبر الأخوين، ورد بأنه قد يكون مستعملا فيما يدخل فيه المبدأ، كقوله له: عندي ما بين واحد إلى عشرة، فإنه يلزمه دخول الواحد قطعا، قلت: كان كلامهم في المقام غير محرر، لأنه إن أريد إدخال تمام الكعب فالمتجه عدم وجوبه، بل قد يظهر من الشهيد في الذكرى دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 215

الإجماع عليه، لنسبته إلى ظاهر الأصحاب و الأخبار، و يؤيده أخبار عدم استبطان ما تحت الشراك، و كون (إلى) بمعنى (مع) مجاز لا يصار اليه بغير قرينة، و إن أريد إدخال جزء منه أمكن النزاع فيه، لكن لعل المتجه وجوبه إن أريد الأصالة، و إلا فينبغي القطع بوجوبه المقدمة، و الأقوى فيه الوجوب، لخبر الأقطع المتقدم السابق، و لظهور دخول الغاية في المغيا في مثله مؤيدا بخبر الابتداء به، و إن كان الظاهر أنه يجري فيه ما يجري فيما بعد (الى) و إن لم يذكروه في نزاع الغاية، و لا يخفى جريان كثير من المباحث السابقة في مسح الرأس من المسح بالبلة و كونه بباطن الكف و صور التعذر في الماسح و الممسوح به و نحو ذلك هنا، فلا حاجة إلى الإعادة، فلاحظ و تدبر.

[في معنى الكعبين]

و هما قبتا القدمين كما في النافع و الروضة و التنقيح ناسبا له في الأخير إلى أصحابنا و قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل و المشط، فالكعب في كل قدم واحد، و هو ما علا منه في وسطه على الوصف المتقدم، كما في المقنعة، بل في التهذيب الإجماع ممن قال بوجوب المسح عليه، و هما معقد الشراك، كما في الإشارة و المراسم و عن الكافي، و العظمان الذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك كما في السرائر، و النابتان في وسط القدم عند معقد الشراك كما في الغنية، و حكى عليه الإجماع المتقدم عن الشيخ، و العظمان النابتان في وسط القدم كما في الخلاف و الجمل و العقود و عن المبسوط، حاكيا في الأول عليه الإجماع المتقدم، و العظمان النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك كما في الانتصار و عن مجمع البيان، و مكان الظهر وسط كما في المهذب، حاكيا في الأول عليه الإجماع المتقدم و في الثاني نسبته إلى الإمامية، و هما ظهر القدم كما عن ابن أبي عقيل، و في ظهر القدم دون عظم الساق و هو المفصل الذي قدام العرقوب كما عن ابن الجنيد، و العظمان النابتان في وسط القدم و هما معقد الشراك كما في المعتبر و المنتهى، ناسبا له في الأول إلى فقهاء أهل البيت (عليهم السلام)، و في الثاني إلى علمائنا، و معقد الشراك و قبتا القدم، و عليه إجماعنا كما في الذكرى، و العظمان اللذان في ظهر القدم كما عن النهاية الأثيرية، ناسبا

ج 2، ص: 216

له إلى الشيعة، و نحوه في ذلك ما نقل عن صاحب لباب التأويل، و وافقنا عليه محمد بن الحسن الشيباني من العامة، و خالف الباقون، فذهبوا إلى أنهما العظمان النابتان يمين الساقين و شمالهما، كما نقل ذلك عنهم في المقنعة و التهذيب و الخلاف و الانتصار و المعتبر و المنتهى و غيرها.

لكن لا ينبغي إطالة البحث معهم بعد اتفاق الفرقة المحقة على عدمه، بل كاد يكون ضروريا من مذهبهم، كما أن أخبارهم به عن أئمتهم كادت تكون متواترة، بل هي كذلك كما ادعاه بعضهم، بل حكى في الذكرى عن العلامة اللغوي عميد الرؤساء في كتاب الكعب أن العقدتين في أسفل الساقين اللتين يسميان كعبا عند العامة يسميان عند العرب الفصحاء و غيرهم جاهليهم و اسلاميهم منجمين بفتح الميم و الجيم، و الرهرهين بضم الراءين، و سمعت ما حكاه غيره انهما يسميان الظنبوب أيضا.

و من العجيب ما وقع للفاضل المقداد في التنقيح هنا ان ما عليه أكثر الجمهور و اختاره العلامة انهما عظما الساقين، فإنه إن أراد بعظمي الساقين العقدتين فالعلامة لا يوافقهم على ذلك، و كيف و هو قد ادعى الإجماع في المنتهى على خلافه، و أكثر من الشواهد على بطلانه، و إن أراد مفصل الساق و القدم فهو و إن اقتضاه ما ستسمعه من بعض عبارات العلامة لكنه ليس ذلك مذهبا للعامة، بل المعروف عنهم أنهما العقدتان كما نقل ذلك غير واحد، و نحوه ما نقله المحقق الثاني أيضا في شرح الألفية عن العلامة أن الكعبين عنده العقدتان، و كيف كان فقال العلامة في المنتهى بعد ما سمعت من عبارته المتقدمة و إفساده كلام العامة: «فرع قد يشتبه عبارة علمائنا على بعض من لا مزيد تحصيل له في معنى الكعب، و الضابط ما رواه

زرارة و بكير في الصحيح (1)عن الباقر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3 مع اختلاف يسير.

ج 2، ص: 217

(عليه السلام) قلنا: «أصلحك الله فأين الكعبان قال: هاهنا يعني المفصل دون عظم الساق».

و قال في المختلف: «يراد بالكعبين هنا المفصل بين الساق و القدم و في عبارات علمائنا اشتباه على غير المحصل- ثم نقل جملة مما ذكرنا من العبارات- و قال: لنا ما رواه زرارة و بكير ابنا أعين (1)و ذكر الرواية السابقة، و ما رواه

ابن بابويه عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «حكى صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله)- إلى أن قال-: و مسح على رأسه و ظهر قدميه»

و هو يعطي استيعاب المسح لجميع ظهر القدم، و لأنه أقرب إلى ما حدده أهل اللغة» و قال في التحرير: «ان الكعبين هما المفصلان اللذان يجتمع عندهما القدم و الساق» و في القواعد هما حد المفصل بين الساق و القدم، و في الإرشاد هما مجمع القدم و أصل الساق، و عن التذكرة أنهما العظمان في وسط القدم و هما معقد الشراك اعني مجمع الساق و القدم، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال محمد بن الحسن، و لقد أنكر عليه بعض من تأخر عنه كالشهيد و المحقق الثاني و غيرهما، بل قيل انه من متفرداته، و انه خالف به المجمع عليه بين أصحابنا، بل الأمة من الخاصة و العامة، لما عرفت أن مذهب الخاصة العظم الناتي، و العامة العقدتان، و ان ما ذكره عجيب، و دعواه تنزيل عبارات الأصحاب عليه أعجب، و انه إن أراد بكونه أقرب إلى ما حدده به أهل اللغة لغوية العامة فهم مختلفون، و إن أراد لغوية الخاصة فهم متفقون على خلافه» و قال في الذكرى: «انه أحسن ما ورد في ذلك ما ذكره أبو عمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة، قال: اختلف الناس في الكعب، فأخبرني أبو نصير عن الأصمعي أنه الناتي في أسفل الساق عن يمين و شمال، و أخبرني سلمة عن الفراء قال:

هو في مشط الرجل، و قال هكذا برجله، قال أبو العباس: فهذا الذي يسميه الأصمعي


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2 لكن رواه عن الباقر عليه السلام.

ج 2، ص: 218

الكعب هو عند العرب المنجم. قال: و أخبرني سلمة عن الفراء عن الكسائي، قال:

قعد محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) في مجلس كان له، و قال: هاهنا الكعبان، قال: فقالوا: هكذا، فقال: ليس هو هكذا، و لكنه هكذا، و أشار الى مشط رجليه، فقالوا له: إن الناس يقولون هكذا، فقال: هذا قول الخاصة، و ذاك قول العامة» انتهى. و في جامع المقاصد «أنه ان أراد نفس المفصل هو الكعب لم يوافق مقالة أحد من الخاصة و العامة، و لا كلام أهل اللغة، و لم يساعد عليه الاشتقاق الذي ذكروه، فإنهم قالوا ان اشتقاقه من كعب إذا ارتفع، و منه كعب ثدي الجارية» انتهى.

بل قيل انه مخالف للأخبار، (منها) ما رواه

الشيخ و الكليني عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(1)قال: «سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين الى ظاهر القدم»

بتقريب أن قوله: (الى ظاهر القدم) بدل أو بيان. و (منها) ما رواه

الشيخ عن ميسر(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أ لا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) ثم أخذ كفا من ماء- الى أن قال-: ثم مسح رأسه و قدميه، ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال: هذا هو الكعب، قال: فأومى بيده إلى أسفل العرقوب، ثم قال ان هذا هو الظنبوب».

و (منها) ما رواه

الشيخ في الحسن أو الصحيح قال (عليه السلام)(3)«الوضوء واحد، و وصف الكعب في ظهر القدم».

و (منها) ما رواه

الشيخ في الصحيح عن زرارة و بكير عن أبي جعفر (عليه السلام)(4)أنه قال في المسح: «تمسح على النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك»

و نحوه غيره مما دل أن عليا


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 219

(عليه السلام)(1)توضأ و مسح و لم يستبطن الشراك. على أنه لا مقتضي لارتكاب التأويل في عبارات الأصحاب مع عدم قابلية بعضها لذلك.

و أما ما ذكره من الاستدلال بخبر الأخوين ففي الأول منهما و هو العمدة في مطلوبه لا صراحة فيه، إذ قد يراد بقوله (مفصل) أي ما يقرب إلى المفصل، بل يؤيد ذلك أنه رواها في الكافي الذي هو أضبط من غيره بعد قوله (عليه السم) (دون عظم الساق) «فقلنا هذا ما هو فقال: هذا من عظم الساق و الكعب أسفل» و من المعلوم أنه إن أريد بعظم الساق الملتقى مع عظم القدم فعدم دلالتها على ما يقول واضح، نعم يحتمل أن يراد بالمفصل فيها محل القطع للساق، فيكون مفصلا شرعيا، و يؤيده وقوع الاستدلال بهذه الرواية من المحقق و الشهيد و غيرهما على أن الكعب هو العظم الناشز، و لا يستبعد خطاب زرارة و بكير بذلك لكونهما العارفين بكون المفصل هو محل القطع من معقد الشراك، فيكون قوله فيها (دون عظم الساق) أي أسفل منه، بشهادة رواية الكليني لها، و احتمال إنكار كون محل القطع ذلك لكون الوارد في بعض الأخبار هناك أنه يقطع من الكعب، و الكلام فيه كما هنا باطل، لما نقل من التصريح منهم في ذلك المقام، بل قد يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه حتى من العلامة أن محل القطع وسط القدم، و عليه دلت أخبارهم ف

في بعضها(2)أنه «يترك له ما يقوم عليه للصلاة»

و

في آخر(3)أنه «يقطع من وسط القدم»

فيكون هذه و نحوها قرينة على أن المراد بالكعب في غيرها ما ذكره الأصحاب من أنه الناشز في وسط القدم، و عن

الفقه الرضوي (4)«يقطع السارق


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد السرقة- حديث 5- 3 من كتاب الحدود.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد السرقة- حديث 5- 3 من كتاب الحدود.
4- 4 لم نعثر عليه.

ج 2، ص: 220

من المفصل و يترك العقب يطأ عليه»

و هذا ينادي بمعروفية المفصل بالمعنى المتقدم. و الحاصل أن المقطوع به على الظاهر كون محل قطع السارق كعب المشهور لا ما ادعاه العلامة (رحمه الله)، فلا مانع حينئذ من حمل المفصل في هذه الرواية عليه، و يتجه بذلك استدلال الشيخ و المحقق و غيرهما بها على الكعب المشهور بين الأصحاب، كما أنه يتجه الاستدلال أيضا بروايات القطع، ل ما ورد في بعضها(1)أن (محله الكعب).

و أما الرواية الثانية فيجاب عن ظاهرها المقتضي للاستيعاب أن استيعاب العرض مجمع على عدم وجوبه، و استيعاب الطول قد حدد بغيرها من الروايات بكونه إلى الكعب، و قد عرفت معناه عند الأصحاب فينزل عليه حملا للمطلق على المقيد، فلا شهادة له فيها حينئذ، نعم قد يشهد له ما في

خبر يونس (2)«أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم الى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم»

لظهوره في مغايرة الأعلى للكعب، و ليس إلا المفصل، لكنه مع قصوره عن معارضة ما تقدم محتمل لإرادة الأعلى فيه رؤوس الأصابع و إن بعد، أو غير ذلك، هذا.

و مع ذلك كله فقد وافق العلامة الشهيد في ألفيته بعد أن شدد الإنكار عليه في الذكرى، و المقداد في كنزه، و البهائي في أربعينه و حبله، و هو المنقول عن المحدث الكاشاني و المقدس الأردبيلي، بل بالغ البهائي (رحمه الله) في التشنيع على من شنع على العلامة مدعيا أنه ليس في كلمات الأصحاب و لا الأخبار ما ينافيه، بل في كلمات أهل اللغة و التشريح ما هو صريح فيه.

و حاصل دعواه «أن الكعب يطلق على معان أربعة (الأول) العظم المرتفع في ظهر القدم الواقع فيما بين المفصل و المشط، و هو الذي ذكره عميد الرؤساء من أصحابنا اللغويين في كتابه الذي ألفه في الكعب، و صريح عبارة المفيد منطبقة عليه. (الثاني)


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب حد السرقة- حديث 8- من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 221

المفصل بين الساق و القدم، و هو الذي ذكره جماعة من أهل اللغة كصاحب القاموس، حيث قال: الكعب كل مفصل العظام، و هو المفهوم من كلام ابن الجنيد، و تنطبق عليه رواية الأخوين بحسب الظاهر. (الثالث) أحد النابتين عن يمين الساق و شماله الذي يقال لهما المنجمين، و هذا الذي تسميه العامة كعبا، و أصحابنا مطبقون على خلافه.

(الرابع) عظم مائل إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق و القدم، و له زائدتان في أعلاه يدخلان في حفرتي قصبة الساق، و زائدتان في أسفله يدخلان في حفرتي العقب، و هو نأت في وسط ظهر القدم أعني الوسط العرضي، و لكن نتوه غير ظاهر بحس البصر، و قد يعبر عنه بالمفصل لمجاورته له، أو من قبيل تسمية الحال باسم المحل، و هو الذي في أرجل الغنم و البقر، و بحث عنه علماء التشريح، و به قال الأصمعي و محمد بن الحسن الشيباني كما نقله عنهما العامة في كتبهم، و هو الكعب على التحقيق الذي أراده العلامة (رحمه الله)، و عبارة ابن الجنيد و السيد المرتضى و الشيخ و أبي الصلاح و ابن أبي عقيل و ابن إدريس و المحقق لا تأبى الانطباق عليه، و العلامة لا ينكر أن الكعب نأت في وسط القدم، كيف و قد فسره بذلك في المنتهى و التذكرة و غيرهما، و لكنه يقول هو ليس العظم الواقع أمام الساق بين المفصل و المشط، بل هو العظم الواقع في ملتقى الساق و القدم.

نعم عبارة المفيد صريحة في إرادة المعنى الأول، فذكرها في المختلف في سلخ تلك العبارة ليس على ما ينبغي، و لعله (رحمه الله) حمل المشط في كلامه على نفس القدم، و جعل قوله أمام الساقين بالنظر إلى امتداد الغاية، لكنه محمل بعيد. و كيف كان فالكعب عند علمائنا ما ذكرناه، و يراد بالنتو في كلامهم انما هو النتو الذي لا يدرك بالحسن، و بقولهم في وسط القدم انما هو الوسط العرضي، و العامة يعرف ذلك من أصحابنا فضلا عن الخاصة، فإن كتبهم مشحونة بنقله، و هو الذي شنعوا به علينا، قال فخر الرازي في تفسيره الكبير: «قالت الإمامية: و كل من ذهب إلى وجوب المسح أن الكعب عبارة عن عظم مستدير مثل كعب الغنم و البقر موضوع تحت عظم الساق حيث يكون

ج 2، ص: 222

مفصل الساق و القدم، و هو قول محمد بن الحسن الشيباني، و كان الأصمعي اختار هذا القول» و قال النيشابوري في تفسيره: إن الإمامية و كل من قال بالمسح ذهبوا إلى أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق و القدم، و المفصل يسمى كعبا، و منه كعوب الرمح لمفاصله، ثم نقل في الأربعين جملة من كلمات أهل التشريح مما يدل على ذلك، و نقل جملة من كلام أهل اللغة في تسمية المفصل كعبا، قال في الصحاح: «كعوب الرمح النواشر في أطراف الأنابيب»، و قال في المغرب:

«الكعب العقدة بين الأنبوبتين في القصب» و قال أبو عبيدة: «هو الذي في أصل القدم ينتهي اليه الساق بمنزلة كعاب القنا» و نقل فخر الرازي في تفسيره أن المفصل يسمى كعبا، و قال في القاموس: «الكعب كل مفصل للعظام، و العظم الناشز فوق القدم» فظهر من ذلك أن ما اعترض به على العلامة من أنه لم يقل به أحد من الخاصة و لا من العامة و لا من أهل اللغة كلام خال عن الاستقامة، إلى أن قال: ثم اني و الله لشديد التعجب من أولئك الأعلام كيف زلت أقدام أقلامهم في هذا المقام حتى زعموا أن ما قاله العلامة مما لم يقل به أحد من الخاص و العام انتهى ملخصا.

قلت و الانصاف يقضي بأن التعجب منه أشد و القسم على ذلك آكد، فان فيه (أولا) أن كلام العلامة بمعزل عما ذكر، و كيف و قد عرفت أنه (رحمه الله) صرح تصريحا غير قابل للتأويل بكونه عبارة عن المفصل، و قد سلم هذا المأول أنه من جملة معاني الكعب و ذكر جملة من أهل اللغة و غيرهم ممن نص عليه، و جعله ذلك من التجوز لعلاقة القرب أو الحال أو المحل في غاية البعد، إذ لا إشارة منه في جميع كتبه إلى شي ء من ذلك، و كيف يحتمل أن العلامة يريده و يتكل على التعبير عنه بمثل ذلك اللفظ الموهم لخلاف المراد مع أنه ليس في كتب أهل اللغة إشارة اليه، بل هو شي ء ذكره أهل التشريح، كلا ان ذلك لا يقبله من له أدنى مسكة. و (ثانيا) دعوى تنزيل كلمات الأصحاب عليه التي قد عرفت اشتمالها على الأوصاف التي كادت تكون صريحة في عدمه من النتو، و كونه في

ج 2، ص: 223

وسط القدم، و قبة القدم، و معقد الشراك، و ظهر القدم، و حمله النتو على إرادة النتو الغير المحسوس بالبصر و الوسط على الوسط العرضي كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه، فإن النتو الذي نقله عن أهل التشريح من كون هذا العظم المستدير له زائدتان من أعلاه، كل واحد منهما في قصبة من قصبتي الساق مما لا يعرفه إلا من نقله عنهم، فكيف يجوز التعريف به لعامة الخلق سيما مع إيهامه خلاف المراد، و ما ذاك إلا إغراء بالجهل، و إيقاع في الوهم، و كذلك الوسط، فان المتبادر منه الوسط الطولي و العرضي، على أن لفظ الظهر الموجود في بعض العبارات محكيا عليه الإجماع لم أدر على ماذا ينزله، و كذلك معقد الشراك، ثم انه بناء على ذلك لا ثمرة للخلاف بيننا و بين العامة من قديم الدهر، فإن إيصال المسح إلى المكان الذي ذكره ان لم يكن ذلك المكان فهو قريب منه جدا، و أيضا قد سمعت جملة من الأخبار المتقدمة التي تتبرء من هذا، سيما أخبار القطع من الكعب، كما انك قد عرفت اعترافه بأن عبارة المقنعة لا تقبل هذا التأويل، مع أن الشيخ قد ادعى الإجماع في التهذيب عليها، بل قد عرفت أن المقداد في التنقيح نسب القول بأنه قبتا القدم إلى أصحابنا.

و الحاصل كان إطالة الكلام في رد هذا المحقق و بيان منافاة كلام الأصحاب له من تضييع الوقت بما لا يفيد، و من العجيب تعويله في ذلك على نقل فخر الرازي و نحوه، و هو لا يعلم مذهب أصحابه فضلا عن مذاهب الخاصة، بل لا يبعد أن يكون تعمد الافتراء به عليهم قصدا للتشنيع، و كيف يعارض ذلك ما سمعت من غيره من الشيعة خلافه ممن هو أعرف منه بمذاهب الشيعة، و بعيد عن تعمد الافتراء إلى غير ذلك، نعم يحتمل كلام العلامة احتمالا غير بعيد بقرينة نقله الإجماع و ذكره أوصاف الأصحاب في بعض كتبه أن الكعب يبتدئ من مبدء العظم الناتي على ظهر القدم، و ينتهي إلى المفصل، و الإشارة إلى المفصل في رواية الأخوين باعتبار انه ينتهي إلى الكعب و إطلاق الكعب على الناتي في ظهر القدم في غيرها من الروايات باعتبار كونه مبدأ الكعب، و كان جميع

ج 2، ص: 224

ما تقدم من العبارات و الروايات لا تأبى التنزيل على ذلك كما أشار إليه الشهيد في الذكرى، قال: «نعم لو قيل بوجوب إدخال الكعبين في المسح إما لجعل (إلى) بمعنى (مع) و إما لإدخال الغاية في المغيا قرب مما قاله و إن لم يكن إياه، إلا أن ظاهر الأصحاب و الأخبار بخلافه، و يؤيده المسح على النعلين من غير استبطان الشراكين» انتهى. و لعله يظهر منه أنه لا يصل المفصل، لكن الظاهر و صولة، و كيف كان فلا إشكال في الاجتزاء بالمسح من رؤوس الأصابع إلى الكعب.

و الأقوى أنه يجوز منكوسا بأن يمسح من الكعب إلى رؤوس الأصابع كما هو خيرة التهذيب و الاستبصار و الإشارة و المراسم و المعتبر و النافع و القواعد و التحرير و الإرشاد و المختلف و المنتهى و التنقيح و جامع المقاصد و الروضة و غيرها من كتب المتأخرين و عن المبسوط و النهاية و المهذب و الجامع و الإصباح، و حكي عن الحسن بل في الذكرى و عن غيرها أنه المشهور، لإطلاق الأمر بالمسح، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد(1)«لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا»

و في

خبر آخر له (2)أيضا أنه «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا»

و

مرسل يونس (3)قال: «أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم، و يقول: الأمر موسع، من شاء مسح مقبلا، و من شاء مسح مدبرا، فإنه من الأمر الموسع إن شاء الله»

و ما في سند الثانية من الإرسال منجبر بما سمعت من الشهرة، كما أنه ينجبر به دلالتهما لو سلم عدم وضوحها في المطلوب، لعدم ظهورها في جواز المسح مدبرا مستقلا، بل أقصى ما تدل على جوازه مجموعا مع الاستقبال، مع ما فيه من أنه لا مجال له في ذيل رواية يونس، و خلاف الظاهر في رواية حماد، لظهور الواو في تقدير العامل لمغطوفها، فيكون المراد لا بأس بمسح الوضوء


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 225

مقبلا، و لا بأس بذلك مدبرا، و احتمال المعية فيها المحتاج إلى القرينة هنا مناف للنهي عن تكرار المسح، نعم قد يناقش في صدر رواية يونس بعدم وضوح المراد منها، إذ الأعلى نفس الكعب كما عرفت من المشهور، مع ظهورها حينئذ في عدم إيجاب الاستيعاب الطولي، إلا أن ذلك لا يقدح في الاستدلال بذيلها، بل و لا بصدرها، لظهوره على كل حال في جواز النكس، فتأمل.

و قيل لا يجوز النكس كما هو ظاهر الفقيه و المقنعة و الانتصار و صريح السرائر و عن ظاهر أبي الصلاح و ابني حمزة و زهرة، و في الذكرى و الدروس أنه أولى، لظهور (إلى) بانتهاء المسح في قوله تعالى (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) و كونه المتبادر من الوضوءات البيانية، مع ما في بعضها(1)من المسح الى الكعبين، مع أن الوضوء البياني الواقع من رسول الله (صلى الله عليه و آله) إن كان الابتداء فيه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين لم يجز العكس و كذا العكس، لكن الثاني باطل بالإجماع، فتعين الأول، و ل

صحيح أحمد بن محمد(2)سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع ثم مسحها الى الكعبين»

و لأن الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية و هي في المسح مقبلا و في الأول- مضافا الى احتمال كون (إلى) بمعنى (مع)، أو غاية للممسوح، و عدم دلالته على وجوب البدأة بالأصابع، إذ لا تلازم بين الانتهاء الى الكعبين و الابتداء بالأصابع- أنه يخرج عن الظهور بما ذكرنا من الأدلة، و لا ينافيه ما تقدم لنا من الاستدلال بالآية على إيجاب الاستيعاب الطولي، إذ الخروج عن بعض المدلول لدليل خاص لا ينافي الاستدلال بالباقي، لأن المفهوم من (إلى) أمران، كيفية المسح، و كمية الممسوح، فيكون كالعام المخصوص كما تقدم سابقا. و في الثاني- مضافا إلى المناقشة في دلالة الوضوء البياني على الوجوب- أن ظاهر الفعل لا يعارض صريح القول. و في الثالث-


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 226

مع احتمال السؤال عن أفضل أفراد المسح كما لعله يشعر به المسح بالكف لعدم وجوبه قطعا كما عرفت- أنه يخرج عنه بصريح ما سمعته من الأدلة. و في الرابع ان البراءة اليقينية يكفي فيها المطلقات فضلا عن النص، فالأقوى حينئذ ما عليه المشهور، و ليعلم أنه بناء على المختار لا فرق بين جواز النكس في جميع العضو أو في بعضه، نعم قد يتجه احتمال الفرق على المذهب الثاني، فيمكن القول بالصحة مثلا لو ابتدأ بالأصابع و جعل الغاية الكعبين و لكنه لم يمسح ما بينهما مرتبا، إلا أن الظاهر من قولهم من الأصابع إلى الكعبين إيجاب كون المسح مرتبا حتى ينتهي إلى الكعبين، و قد يفهم من هذه العبارة و نحوها إيجاب كون المسح لا تقطيع فيه، فلو مسح شيئا مثلا ثم قطعه ثم مسح من موضع القطع لا يجتزى به، لكن الظاهر عدم وجوب مثل ذلك كما نص عليه في التنقيح، و قد يظهر من عبارة المصنف و نحوها أنه لا كراهة في المسح منكوسا، و هو كذلك، إذ ليس في الأدلة ما يقتضيه، بل قوله لا بأس به يشعر بخلافه، و مجرد الخروج عن شبهة الخلاف لا يصلح لذلك، لكنه صرح بها في جامع المقاصد، و هو أدرى بمأخذها، نعم لا يبعد استحباب المسح مقبلا كما صرح به في المراسم، و عن المهذب و في المختلف أنه الأولى، لظهوره من الوضوءات البيانية، و لبعض الأوامر بالمسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، و للخبر المتقدم في كيفية المسح عليهما، و للاحتياط، و غيره مع التسامح فيه.

[في وجوب الترتيب بين مسح القدمين و عدمه]

و ليس بين الرجلين ترتيب فيجوز مسح اليسرى قبل اليمنى، و مسحهما معا، كما هو خيرة المعتبر و المنتهى و التحرير و المختلف و الإرشاد و القواعد و التنقيح و ظاهر المبسوط و الغنية و المهذب و الوسيلة و الكافي و السرائر و التذكرة، بل في المختلف و الذكرى و كشف اللثام و غيرها أنه المشهور، بل عن ابن إدريس في بعض الفتاوى لا أظن مخالفا منافيه، بل قد تشعر عبارة الغنية بالإجماع، لقوله فيها: «الفرض التاسع الترتيب، و هو أن يبدأ بغسل وجهه، ثم يبدأ باليمنى، ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه، ثم يمسح رجليه،

ج 2، ص: 227

بدليل الإجماع المذكور» فان ذكره للترتيب في غيرهما و تركه فيهما كالصريح في عدم وجوبه، و ظهور دعواه الإجماع على الجميع، و كذلك يظهر من كل من تعرض للترتيب في غيرهما و تركه فيهما، كالشيخ في الجمل و العقود و غيره من القدماء.

و يدل عليه مضافا إلى ذلك إطلاق الكتاب و السنة و ما يظهر من الوضوءات البيانية، فإنها على كثرتها و تعرضها للترتيب في غيرهما كادت تكون صريحة في عدم وجوبه، و لأنه لو وجب لكان ذلك شائعا، لعموم البلوى به و تكرره في كل يوم كالترتيب في غيرهما، بل قد يظهر أيضا من

خبر عبد الرحمن بن كثير الهاشمي(1) عن الصادق (عليه السلام) قال: «بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) جالس مع محمد بن الحنفية- و الحديث طويل قد اشتمل على الدعاء عند غسل كل عضو عضو إلى أن قال-: ثم مسح رجليه، فقال:

اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام»

الى آخره. بل هو كالصريح في أنه مسحهما معا، بل قد يشعر بعدم الاستحباب، كما لعله يشعر به خبر التوقيع على ما تسمع و صريح المراسم، بل يقرب منها عبارة الفقيه، كصريح جامع المقاصد و اللمعة و المدارك.

و ظاهر الروضة الوجوب، و هو المحكي عن ابني الجنيد و أبي عقيل و علي بن بابويه، و في كشف اللثام أنه يقتضيه إطلاق ابن سعيد وجوب تقديم اليمين على اليسار، قلت: و نحوه الشيخ في الخلاف، قال: «الترتيب واجب في الوضوء في الأعضاء كلها، و يجب تقديم اليمنى على اليسار- الى أن قال-: دليلنا الإجماع من الفرقة» وفي الذكرى أن العمل بالترتيب أحوط، و في الدروس و لا يجزي تقديم اليسرى على اليمنى و لا مسحهما معا احتياطا، و قد ترجع إليه أيضا عبارة المقنعة، قال: ثم يضع يديه جميعا على ظاهر قدميه فيمسحهما جميعا معا، إذ لا قائل بظاهرها و هو وجوب المعية، نعم نقل في الذكرى قولا لم نعرف قائله، و هو وجوب تقديم اليمنى أو مسحهما معا، و لا يجوز


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 228

تقديم اليسرى، و لعله لرواية التوقيع التي ستسمعها، و قد تنزل على ذلك عبارة المقنعة، فتأمل.

و كيف كان فيدل على الثاني- مضافا الى ظاهر إجماع الخلاف المتقدم و الاحتياط- ما رواه

الكليني في الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: و ذكر المسح فقال: «امسح على مقدم رأسك، و امسح على القدمين، و ابتدئ بالشق الأيمن»

و ما رواه

النجاشي بإسناده عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع (2)و كان كاتب أمير المؤمنين (عليه السلام) انه كان يقول: «إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده»

و ما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(3)«أنه كان إذا توضأ بدأ بميامنه»

و بأن الوضوء البياني ان وقع فيه الترتيب فوجوبه ظاهر، و إلا لزم وجوب مقابله، و الثاني باطل اتفاقا، فيجب الأول، لأن بيان الواجب واجب و ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(4)«هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»

و ما يقال: انه يجوز ان يكون الواقع منه خلاف الترتيب و عدم وجوبه للإجماع مدفوع بان في ذلك تخصيصا

لقوله (صلى الله عليه و آله): (هذا وضوء لا يقبل الله)

الى آخره و هو خلاف الأصل، و ما لزم منه خلاف الأصل خلاف الأصل، و بهذا الأخير اعتمد في جامع المقاصد على القول بالوجوب، و ربما تبعه عليه بعض من تأخر عنه، و هو عجيب، و ضعفه واضح، و يظهر منه و عن غيره ممن تقدمه كالمحقق و العلامة و الشهيد عدم عثورهم على الحسنة المتقدمة، كما اعترف به في المنتهى، و لا على رواية النجاشي، لعدم ذكرهما في أدلة القول بوجوبه، بل ذكروا له أدلة ضعيفة، بل و لا ذكروها في أدلة الاستحباب، و هو أعجب، مع وجود تلك الحسنة في الكافي في باب الوضوء،


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الوضوء- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الوضوء- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 11.

ج 2، ص: 229

و من هنا كان القول بالوجوب لا يخلو من قوة، و أنه لا معنى لتوهين الحسنة باعراض المشهور بعد ظهور عدم العثور، و إن كان الأول أقوى، لأن الظاهر أن إجماع الخلاف ليس على ما نحن فيه كما لا يخفى على من لاحظه، بل لعل مراده باليمنى اليد اليمنى، و الاحتياط يخرج عن وجوبه بالمطلقات المتقدمة، و الحسنة مع عدم صراحتها بإيجاب مسح تمام الشق الأيمن قبل مسح الشق الأيسر معارضة برواية التوقيع المشتملة على جواز المعية، مع أنها أعلى منها سندا، و معتضدة بفتوى من عرفت، و إطلاق الكتاب و السنة و ظهور الوضوءات البيانية و غيرها على كثرتها كما تقدم في عدمه، بل الأخبار المشتملة على ذكر الترتيب لم يتعرض في شي ء من الجميع للترتيب فيهما، مع شدة الحاجة اليه و عموم البلوى به، و استبعاد خفائه لتكرر وقوعه، و نحو ذلك من المؤيدات الكثيرة، فلا يبعد حمل الأمر على الاستحباب، كما صرح به في المعتبر و المنتهى و النفلية و غيرها، بل نسبه في التنقيح إلى نص الأصحاب، و كذا الخبر الثاني مع احتمال لفظ اليمنى فيه لليد اليمنى بقرينة ذكر الشمال، و كذا الثالث على ضعفه، بل فيه تأييد للحكم بالمستحب، لمكان دلالته على أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يبدأ بالميامن في وضوئه، و مع هذا لم يحكه الباقر (عليه السلام) في حكاية وضوئه (صلى الله عليه و آله) و ما ذاك إلا أنه كان يريد حكاية الواجب.

و أما

رواية التوقيع (1)التي ذكرت مستندا للثالث فقد رواها في الوسائل عن الطبرسي في الاحتجاج من التوقيع الخارج من الناحية المقدسة في جملة أجوبة مسائل الحميري، حيث سأل «عن المسح على الرجلين يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع يمسح عليهما جميعا، فان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمنى»

فهي- مع عدم شهرتها بين الطائفة رواية و فتوى، بل قد يدعى الإجماع المركب على خلافها، و معارضتها بما سمعت من أدلة القول الثاني- لا تصلح لأن تكون حاكمة على إطلاق الكتاب


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 230

و السنة، بل قد عرفت أن أخبار الوضوءات البيانية و غيرها كادت تكون صريحة في عدم وجوب الترتيب، نعم من المحتمل قويا الجمع بين هذه الرواية و ما تقدم من الأخبار بالحكم باستحباب الجمع بينهما أو الابتداء باليمين، لكن لم أعثر على مصرح به، كما أنه يستفاد كراهة مسح اليسرى و لم يصرح بها أيضا.

ثم انه هل يجب المسح باليدين أو تكفي يد واحدة؟ و على الأول فهل تجب اليمنى لليمنى و اليسرى لليسرى أو يجزي الاختلاف؟ قد يظهر من جملة من الوضوء البياني المسح بهما معا، بل في

حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (1)«و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى»

إلا اني لم أعثر على من نص على الوجوب، نعم قد يظهر من بعض عبارات القدماء ذلك، كالحلبي في إشارة السبق، و قد عرفت حمل هذا الأمر بالنسبة إلى الناصية على الاستحباب، و لعله يكون قرينة على ذلك فيما نحن فيه، إذ تقييد النصوص و الفتاوى بما يظهر من الوضوءات البيانية لا يخلو من إشكال، فلا يبعد حينئذ الاكتفاء بمسح يد واحدة لهما، و بمسح اليمنى باليسرى و بالعكس، نعم قد يقال باستحباب ذلك، كما نص عليه الشهيد في النقلية، و في التنقيح «يجب أن يكون المسح باليد في الموضعين أعني الرأس و الرجلين و لو يبد واحدة» و هو مما يؤيد ما ذكرنا.

[في وجوب مسح القدمين إذا بقي منهما شي ء]

و إذا قطع بعض موضع المسح من القدم مسح وجوبا على ما بقي منه و من الكعب، و لا ينتقل بذلك إلى التيمم، كما مر في أقطع اليد، و الدليل الدليل.

و لو قطع من الكعب مع دخول ما بعد في القطع سقط المسح على القدم و كذا لو قطع من فوقه و لا يسقط بذلك الوضوء كما تقدم في اليد بلا خلاف أجده في شي ء من الحكمين، بل قد يظهر ممن تعرض لهذا الحكم كالمصنف و العلامة و الشهيد و المحقق الثاني و الفاضل الهندي و غيرهم كونه من المسلمات، و لعله كذلك، أما لو بقي الكعب فعلى


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 231

القول بوجوب مسحه تماما أو بعضه أصالة وجب المسح، و على المقدمي لا يجب كما تقدم في المرفق، و في

خبر رفاعة عن الصادق (عليه السلام)(1)سألته «عن الأقطع فقال:

يغسل ما قطع منه»

و لعل المراد بالأقطع في السؤال أقطع اليد و الرجل، و جواب الامام (ع) بالغسل للتغليب كما ينبئ عنه

خبر الآخر عنه (عليه السلام)(2)أيضا قال: «سألته عن الأقطع اليد و الرجل قال: يغسلهما»

و ترك الاستفصال عن بقاء شي ء من محل الفرض و عدمه و إن قضى بخلاف ما يظهر من الأصحاب إلا أنه لما لم يظهر مخالف في الحكم في المقام بل كأنه متفق عليه بينهم وجب تنزيلها على بقاء شي ء من محل الفرض، و قد تقدم في أقطع اليد ما له نفع تام في المقام، فلاحظ و تدبر.

و هل يستحب مسح موضع القطع مع عدم بقاء شي ء من محل الفرض كما تقدم مثله في اليد أولا؟ قد اعترف الشهيد في الذكرى بعدم عثور على نص يقتضيه كما في اليد، قال: إلا أن الصدوق (رحمه الله) ل ما روى عن الكاظم (عليه السلام)(3)غسل الأقطع عضده، قال: و كذلك روي في أقطع الرجلين، لكنه في الدروس أفتى باستحبابه، و لعله لذلك أو لغيره، و الأمر فيه سهل.

و لو قطع الماسح الاختياري و الاضطراري فهل يسقط المسح أو ينتقل إلى مسح غيره ببلة وضوئه؟ وجهان، أقواهما السقوط، لعدم الدليل على الانتقال، و ربما تسمع له تتمة إن شاء الله في وجوب المباشرة، فتأمل. و ما تقدم من البحث في المسح بالبلة جاء في المقام، فلا يحتاج إلى الإعادة، و لعلهم اكتفوا بذكر البحث في اليد الزائدة عن القدم الزائدة، فإن الظاهر كون الحكم فيهما واحدا، فلا يجب مسحها حيث تعلم زيادتها و كانت في غير محل الفرض، و كذا لو كانت فيه و لم يكن

المسح على ما يقابلها، لعدم إيجاب استيعاب العرض في المسح، و به يفترق عن الغسل، و مثلها كل لحم زائد في محل الفرض من الثالول و غيره، أما لو كانت أصلية أو مشتبهة بها فالظاهر وجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 232

مسحهما معا، بناء على وجوب ذلك في نحو اليدين، و في الذكرى «أن القول في مسح الرجل الزائدة كما قلناه في اليد بحسب الأصالة و الزيادة، و لو كانت تحت الكعب فالأقرب المسح عليها للعموم، و يمكن الاجتزاء بالتامة منهما، فان استويا تخير، لأن المسح لا يجب فيه الاستيعاب طولا و عرضا» انتهى. و فيه مالا يخفى، لما تقدم من وجوب الاستيعاب الطولي، و انه لا ينبغي الإشكال فيه، اللهم إلا أن يريد انهما لا يجبان معا، فتأمل جيدا.

[في وجوب المسح على بشرة القدمين]
اشاره

و يجب المسح على بشرة القدمين كما في القواعد و الإرشاد و التحرير و الدروس و الروضة، و عندنا على ما في كشف اللثام، و أجمع علماؤنا على وجوب المسح على بشرة القدمين كما في المدارك،

[في عدم جواز المسح على الحائل]

و لا يجوز على حائل يستر موضع الفرض من ظهر القدم من خف أو غيره مع الاختيار، و هو مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) كما في المعتبر، و مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كما في المنتهى، و إجماعا منا كما في الذكرى، و نحوهم غيرهم، بل الإجماع عليه محصل، و لا ينافيه اشتمال عبارة القدماء على لفظ الخف و الجرموق و الجورب و الشمشك، لظهور إرادتهم من ذلك التمثيل كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم فيه كالأخبار، فإنها و إن كانت تقرب إلى التواتر في النهي عن المسح على الخف لكن الظاهر من فحاويها التعميم لكل حائل، لوقوع الاستدلال فيها على ذلك بالآية الكتابية، و انه سبق الكتاب المسح على الخفين، و نحو ذلك، و في

خبر الكلبي النسابة(1)قلت له (عليه السلام): «ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم، ثم قال: إذا كان يوم القيامة و رد الله كل شي ء إلى شيئه و رد الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟»

فلا ينبغي الإشكال في أن


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 233

ملاحظة الأخبار في خصوص الخفين و الوضوءات البيانية تشرف الفقيه إلى القطع بإرادة التعميم لكل حائل كما ادعاه من عرفت، و من العجب أن العامة العمياء يجتزون بالمسح على الخف و لا يجتزون به على الرجل، بل يوجبون الغسل، و أصل إضلالهم في ذلك عمر، كما ينبئ عنه

خبر رقية بن مصقلة(1)قال: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فسألته عن أشياء، فقال: إني أراك ممن يفتي في مسجد العراق، فقلت:

نعم، فقال لي: من أنت؟ فقلت ابن عم لصعصعة، فقال: مرحبا بابن عم صعصعة، فقلت: ما تقول في المسح على الخفين؟ فقال: كان عمر يراه ثلاثا للمسافر و يوما و ليلة للمقيم، و كان أبي لا يراه في سفر و لا في حضر، فلما خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب فقال: أقبل يا ابن عم صعصعة، فأقبلت عليه، فقال: إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطؤون و يصيبون، و كان أبي لا يقول برأيه»

قلت: و من العجيب أن عمر قد نبهه أمير المؤمنين (عليه السلام) و لم يتنبه، فإنه

روى زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سمعته يقول جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) و فيهم علي (عليه السلام) و قال: ما تقولون في المسح على الخفين فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يمسح على الخفين، فقال علي (عليه السلام):

قبل المائدة أو بعدها فقال: لا أدري، فقال علي (عليه السلام): سبق الكتاب المسح على الخفين، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة»

فإن تنبه و لما يرجع فهو أعجب، فكيف و هو المرجع له في كل ملمة، حتى قال:

(لو لا علي لهلك عمر)(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 6.
3- 3 الغدير للأمينى طبعة طهران المجلد 6 الصحيفة 110 عن النضرة ج 2 ص 196 و ذخائر العقبى ص 80 و مطالب السؤل ص 13 و مناقب الخوارزمي ص 47 و أربعين الرازي ص 466.

ج 2، ص: 234

مع أنه قد اعترف ان كل الناس أفقه منه حتى المخدرات (1)و كيف كان فالمسألة مفروغ منها بين الشيعة.

نعم الإشكال في مقامين (الأول) أنه هل الشعر الخاص في ظهر القدم من الحائل فلا يجتزى بالمسح عليه أو لا؟ قلت: قد يظهر من المصنف و غيره ممن عبر بلفظ البشرة الأول، بل كاد يكون صريح المصنف و من حذا حذوه، لقوله في الرأس: «و مسح مقدم الرأس أو شعره» فان تنصيصه هناك على ذلك قرينة على عدم دخول الشعر تحت اللفظ الأول، بل هنا أولى، و هو الذي يقتضيه عموم معقد الإجماع على عدم جوازه على كل حائل، و قد سمعت معقد إجماع المدارك، و قد نص عليه في كشف اللثام، كما عن الشهيد الثاني و غيره من متأخري المتأخرين، بل في الحدائق ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على أن من الحائل الذي لا يجزي المسح عليه اختيارا الشعر، قلت: لكن الثاني لا يخلو من وجه، لعموم قوله (عليه السلام): (كل ما أحاط به الشعر) مع صدق اسم مسح الرجل بمسحه مع كثرته و إحاطته، و ما يقال: ان نبات الشعر على موضع القدم من الأفراد النادرة فلا يشمله الإطلاق يدفعه كون الخبر من قبيل العموم اللغوي لا يتفاوت فيه النادر من غيره، كما يشعر به إلحاقهم لحية الامرأة بلحية الرجل، بل ربما وقع من بعضهم منع ندرته، بل دعوى الغلبة، فتأمل. و من المحتمل قويا إيجاب مسح البشرة مع الشعر كما ينبئ عنه إيجاب بعضهم غسل ما كان منه على اليد مع اليد، و كونها يجب فيها الاستيعاب بالغسل بخلاف القدم لا يصلح أن يكون فارقا بعد القول بوجوب الاستيعاب الطولي، لأن المراد مسح ما كان منه على الخط الطولي، و ما ذكرنا هناك من التعليل جار هنا، و لعله لا ينافي هذين الوجهين ما تقدم من لفظ البشرة، و دعوى الإجماع على مطلق الحائل من الخف و غيره، لاحتمال إرادة الأول بها ما يشمل الشعر، و إرادة الثاني ما عداه، لعدم ظهور دخوله في اسم الحائل حينئذ، و ينبئ عنه استدلالهم،


1- 1 الغدير للأمينى طبعة الطهران المجلد 6 الصحيفة 98 عن أربعين الرازي ص 467.

ج 2، ص: 235

فلاحظ و تأمل، و كان أوسط الوجوه أقواها إن لم ينعقد إجماع على خلافه.

(الثاني) يظهر من بعض الأصحاب أنه يستثنى من الحائل المسح على شراك النعل العربي، و هو الذي يظهر من المنقول عن العلامة في التذكرة، قال: «و هل ينسحب إلى ما يشبهه كالسير في الخشب؟ إشكال، و كذا لو ربط رجليه بسير للحاجة، وفى العبث إشكال» انتهى. و كذا المنقول عن المبسوط و ابن حمزة، لتصريحهم باختصاص الحكم بالنعل العربي دون غيره، بل يحتمله عبارة التحرير لقوله: «يجوز المسح على النعل العربية و إن لم يدخل يده تحت الشراك» انتهى. بل نسبه في المنتهى إلى ظاهر قول الأصحاب، و كأن وجهه ما في

خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)(1)«ان عليا (عليه السلام) مسح على النعلين و لم يستبطن الشراكين»

و ما في

صحيحه الآخر مع أخيه بكير عن الباقر (عليه السلام)(2)أيضا قال في المسح: «تمسح على النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك»

و ما

في المرسل (3)«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) توضأ ثم مسح على نعليه و لم يدخل يده تحت الشراك، فقال له المغيرة: أ نسيت يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال له: بل أنت نسيت، هكذا أمرني ربي»

لكن فيه- مع منافاته لعموم معقد الإجماع في كثير من العبارات و غيره من الأدلة الدالة على المسح على البشرة- أنه لا صراحة فيها بالدعوى، إذ عدم الإدخال و عدم استبطان ما تحت الشراك قد يكون لحصول الغرض، و كذا قوله المسح على النعلين، فإنه- مع ظهور أن المراد منه عدم الاستبطان كما ينبئ اقترانه به- لا ينافي مسح محل الفرض مع المسح عليه، و لذا قال ابن إدريس: «و أما النعال فما كان منها حائلا بين الماء و القدم لم يجز المسح عليه، و ما لم يمنع من ذلك جاز المسح عليه سواء كان منسوبا إلى العرب أو العجم» و هو صريح المنتهى و ظاهر المعتبر، لتعليله جواز المسح من غير استبطان بعدم المنع عن مسح محل


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 13.

ج 2، ص: 236

الفرض، و نحوه يظهر من الشهيد في الذكرى، و لعله على ذلك ينزل اختصاص حكم المسح على النعل بالعربية كما تقدم نقله عن المبسوط و الوسيلة، لعدم منعها عن مسح الفرض كما يرشد إليه كلام الشيخ في التهذيب، قال بعد الرواية الأولى: «نعني إذا كانا عربيين، فإنهما لا يمنعان وصول الماء إلى الرجل بقدر ما يجب عليه المسح» انتهى. نعم قد يقال بناء على وجوب المسح إلى المفصل: بالاجتزاء بالمسح على الشراك عما تستره، لظاهر هذه الأخبار، إلا أن الأولى إخراج هذه الروايات شاهدة على فساد هذه الدعوى لإطلاق الأصحاب عدم جواز المسح على حائل، بل قد عرفت أن معقد إجماعاتهم كل حائل، و لم يستثني أحد منهم صريحا ذلك، بل ذكروه معللين له بما سمعت مع النص من بعضهم كما عرفت، فلا ريب أن حملها على ما يوافق كلام الأصحاب أولى من غيره، فتأمل جيدا.

[في جواز المسح على الخف للتقية و عدمه]

و كيف كان فلا يجوز المسح على كل حائل يستر محل الفرض أو شيئا منه إلا التقية فيجوز حينئذ على الخف و نحوه بلا خلاف أجده بين أصحابنا، بل في صريح المختلف الإجماع عليه، و كذا غيره نصا و ظاهرا، بل هو محصل عليه فضلا عن المنقول للأخبار التي (1)كادت أن تكون متواترة في الأمر بها، و إنها دين آل بيت محمد، (عليهم السلام) بل أصل التقية من ضروريات مذهب الشيعة، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى نفي الحرج في الدين و نحوه- خصوص

خبر أبي الورد،(2)قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أبا ضبيان حدثني أنه رأى عليا (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفين، فقال: كذب أبو ضبيان، أما بلغك قول علي (عليه السلام) فيكم:

سبق الكتاب الخفين، فقلت: هل فيهما رخصة؟ فقال: لا إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك»

و لا ينافيه ما في

صحيح زرارة(3)قال: «قلت له: هل في المسح على الخفين تقية؟ فقال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج»

كغيره


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 237

من الأخبار كما في

خبر أبي عمر الأعجمي (1)قال: «قال الصادق (عليه السلام): يا أبا عمر ان تسعة أعشار الدين في التقية، لا دين لمن لا تقية له، و التقية في كل شي ء إلا في النبيذ و المسح على الخفين»

و في

خبر زرارة(2)عن غير واحد قال: «قلت للباقر (عليه السلام): في المسح على الخفين تقية، قال: لا يتقى في ثلاث، قلت: و ما هن؟ قال:

شرب المسكر و المسح على الخفين و متعة الحج»

إما لما زاد في آخره

في الكافي، قال زرارة: «و لم يقل الواجب عليكم ألا تتقوا فيهن أحدا»

فإنه كالصريح في أن زرارة فهم عن مراد الامام (عليه السلام) أن ذلك حكم خاص به، و هو أدرى بتكليفه، و إما لأن المراد بنفي التقية فيه مع المشقة اليسيرة التي لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال، كما تأوله الشيخ بذلك، أو لأن المراد لا أتقي أحدا في الفتوى بها، لأن ذلك معلوم من مذهبه، فلا وجه للتقية فيها، و إما لأن هذه الثلاثة لا يقع الإنكار فيها من العامة غالبا، لأنهم لا ينكرون متعة الحج و حرمة المسكر و نزع الخف مع غسل الرجلين، و الغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما على ما نص عليه بعضهم، أو لأن المراد أنه لا تقية حيث لا ضرر، لأن مذهب علي (عليه السلام) فيه معروف عندهم، أو لغير ذلك من الوجوه، و لذا لم نعثر على عامل بهذه الرواية، أو من استثنى ذلك من عمومات التقية، نعم قد يظهر من الهداية و الفقيه العمل بها، لما فيهما أنه

روي عن العالم (عليه السلام)(3)أنه قال: «ثلاثة لا أتقي»

إلى آخره. مع أنه في الفقيه ذكر ذلك بعد أن حكم بجواز المسح على الخف للتقية، فلعل المراد ذكر الرواية على أحد الوجوه لا العمل بها


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأمر و النهي- حديث 3- من كتاب الأمر بالمعروف.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 1 لكن فيه عن زرارة قال: قلت له: في مسح الخفين تقية، فقال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا الى آخره.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 238

فظهر أنه لا ينبغي الإشكال في جوازه للتقية، و ان الرواية بعد ظهور انعقاد الإجماع من الأصحاب و العمومات و خصوص خبر أبي الورد و غير ذلك يجب تنزيلها على وجه من الوجوه.

و هل يشترط في التقية عدم المندوحة أو لا؟ وجهان بل قولان، اختار أولهما في المدارك، لانتفاء الضرر مع وجودها، فيزول المقتضي، و الاقتصار على المتيقن، فيبقى ما دل على التكليف الأول سالما، و لا يخرج عن العهدة إلا به، و اختار ثانيهما المحقق الثاني، و هو المنقول عن الشهيدين، و اختاره الطباطبائي في منظومته، فقال:

و في اشتراط عدم المندوحةقول و لكن لا أرى تصحيحه

لإطلاق ما دل (1)على الأمر بها، و لما يشعر به الأخبار الواردة في استحباب الجماعة(2)مع المخالفين و الحث العظيم عليها، بل و غيرها أيضا، و لعله هو الأقوى.

و ربما نقل عن بعض التفصيل بين ما إذا كان المأمور به للتقية بالخصوص، فيصح و لو مع المندوحة، و بين ما كان بطريق العموم فيشترط عدم المندوحة، و لا أرى له وجها صحيحا، نعم يحتمل التفصيل بين ما نحن فيه من المسح على الخف و الأمرين الأخيرين و بين غيرها، فلا يجوز الثلاثة مع المندوحة و يجوز غيرها و لو معها، بل لعله على هذا تنزل ما سمعت من رواية زرارة و غيرها، بل قد يشعر به خبر أبي الورد المتقدم، كما قد يرشد إليه نص جماعة أنه متى أمكن تأدية التقية بالغسل كان الغسل أولى كما في الذكرى و عن التذكرة، و تعين الغسل كما عن الروض، و وجب الغسل كما عن البيان، و في المدارك قطع الأصحاب بجواز المسح على الحائل للتقية إذا لم تتأد بالغسل، و في الحدائق صرح جملة من الأصحاب بتعين الغسل و أنه لا يجزي غيره، بل عن صاحب الذخيرة نسبه وجوب الغسل للأصحاب، و لعله لكونه أقرب إلى المأمور به، لما فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة.

ج 2، ص: 239

من الإلصاق، و كون الرجل من أعضاء الوضوء بخلاف الخف، و هو كما ترى يراد به التأييد لا الاستدلال، و إلا كان للنظر فيه مجال، إذ وجوب الإلصاق و نحوه إنما كان مقدمة للمسح الواجب التي تسقط بسقوطه، و لأن تقييد النص و الفتوى بل معقد ما سمعت من الإجماعات على جواز المسح على الخف للتقية بأمثال هذه التعليلات لا يخلو من إشكال ما لم يثبت إجماع، و الظاهر عدم ثبوته، لكون المتعرض للمسألة بعض المتأخرين، على أنه قد عرفت أن العلامة و غيره ذكروا أنه أولى، و هو ليس صريحا بالوجوب، بل ظاهره العدم كما فهمه منه بعض المتأخرين، نعم نقل عن الأستاذ في شرحه على المفاتيح أنه نسب تقديم الغسل على المسح إلى الفهم من الأخبار، لكن لم أعثر على ما يفهم منه ذلك، اللهم إلا أن يريد ما ذكرنا، فالأولى بناء المسألة على أن مباشرة اليد لبشرة الرجل بالنداوة واجبة بالأصالة أو للمقدمة، فإن كان الأول اتجه الوجوب، و إلا فلا، و لعله عند الشك يبنى على الوجوب الأصلي، فتأمل جيدا.

ثم الظاهر أنه حيث يجوز المسح للتقية يجب أن يراعى في المسح على الخف ما كان يراعى في المسح على البشرة من المسح على الظاهر دون الباطن و بالنداوة، و الاستيعاب الطولي، فيقام الخف مقام بشرة الرجل، و قد يشعر ببعض ما ذكرنا ما في المنتهى «انه لو مسح أسفل الخف دون أعلاه لم يجز عندنا في ضرورة الجواز، و هذا مذهب عامة أهل العلم إلا ما نقل عن بعض أصحاب الشافعي و بعض أصحاب مالك» انتهى. و إذ قد عرفت أن الشارع في مقام التقية أقام المسح على الخف مثلا مقام المسح على البشرة ظهر أنه لو خالف مقتضى التقية فجاء بالتكليف الأصلي لم يكن مجزيا، لكونه ليس مأمورا به في ذلك الحال، بل منهيا عنه، فكيف يقع به امتثال، و ما يقال: ان النهي لوصف خارج فلا يقدح بالصحة فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من ظهور أدلة التقية في كون تكليفه حالها ذلك، و لذا صرح بالبطلان في مقام يجب الغسل للتقية فخالف و مسح جماعة من الأصحاب، و هما من واد واحد، و من المعلوم أنه لا فرق فيما ذكرنا من الأحكام بين

ج 2، ص: 240

الخف و غيره مما يدخل المسح عليه تحت عنوان التقية.

و الظاهر أنه لا يجب تخفيف ما على القدم لو كان متعددا، و كونه أقرب إلى المأمور به لا يصلح لا يجابه، نعم قد يقال: ان المتيقن من البدلية المستفادة من الأدلة في غير المتعدد، إلا أن الأخذ بالإطلاق أو العموم لا يخلو من قوة، هذا. و في التقية مباحث جليلة ليس المقام مقام ذكرها.

[في جواز المسح على الخف للضرورة و عدمه]

و إذ عرفت أنه يجوز المسح على الخف للتقية فكذلك يجوز لغيرها مما أشار إليه المصنف بقوله أو الضرورة كما في المعتبر و المنتهى و المختلف و التحرير و الإرشاد و القواعد و الذكرى و الدروس و غيرها، و هو الظاهر من عبارة الفقيه و صريح الناصريات، بل قد يظهر من الأخير دعوى الإجماع عليه، كما هو صريح المختلف، و في الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، بل قد يظهر من عبارة التذكرة الإجماع عليه أيضا، قال: «لا يجوز المسح على الخفين و لا على ساتر إلا لضرورة أو التقية، ذهب إليه علماؤنا» و مثلها عبارة الذكرى، بل هو الذي يظهر من كلام بعضهم في وضوء الجبائر كما ستسمع إن شاء الله، و يدل عليه مضافا إلى ما سمعت عموم ما دل (1)على نفي الحرج في الدين، و هو و إن كان أعم من إيجاب المسح على الخف و من سقوطه و من التيمم، إلا أنه قد يظهر وجه دلالتها من

خبر عبد الأعلى مولى آل سام (2)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال (عليه السلام): يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عز و جل، قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه»

و فحوى أخبار الجبائر(3)و خصوص خبر أبي الورد المتقدم، و ما في السند من يتأمل فيه سوى أبي الورد، مع


1- 1 سورة الحج- الآية 77.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 241

أنه نقل عن المجلسي في وجيزته و أبي الحسن في بلغته أنه ممدوح، و في السند من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فلا يقدح ضعف من بعدهم على وجه، على انا في غنية عن ذلك، لانجبار السند بما سمعت كانجبار الدلالة، إذ الأصحاب لم يقتصروا على الثلج، بل أطلقوا الضرورة، و كأنهم فهموا منه أنه مثال، و بذلك كله يقيد ما دل على النهي (1)عن المسح على الخف، و أنه لا رخصة في المسح عليه، فما في المدارك- من أن أبا الورد مجهول، و الانتقال إلى التيمم و الحال هذه محتمل، لتعذر الوضوء المتحقق بتعذر جزئه، و المسألة محل تردد- لا يخفى عليك ما فيه، على أنك قد عرفت من تتبع كثير من أدلة هذا الباب أنه لا يسقط الوضوء بتعذر شي ء من الأجزاء كما عرفته في الأقطع و غيره، بل ربما يظهر أن ذلك قاعدة في كل ما يستفاد وجوبه من الأمر و نحوه، لتقييده بالقدرة قطعا حينئذ، فتخص بذلك قاعدة سقوط الكل بتعذر الجزء، على أن شمول أدلة التيمم لمثل المقام ممنوع، لا أقل من الشك، و لا ريب أن الترجيح لما نحن فيه من الإجماع و غيره، فتأمل جيدا. نعم قد يقال بإيجاب الجمع بينهما مع الغض عن الترجيح بما ذكرنا من الأدلة.

ثم قد عرفت أن كلمة الأصحاب مطلقة في الضرورة، بل هي معقد ما سمعت من الإجماع الذي لا ينافيه قول البعض عقيب لفظ (لضرورة) كالبرد و شبهه، لظهور إرادته من ذلك التمثيل لا لاقتصار على هذا المصنف من الضرورة، فحينئذ ينبغي القول بالاكتفاء بالمسح على الخف مخافة عدو دنيوي أو ضيق وقت أو نحو ذلك، بل لعل قوله (عليه السلام) في الرواية: (إلا من عدو) يشمل الدين و الدنيا، فيكون الأول من قسم التقية، و الثاني من الضرورة، و إن كان العمدة في تعميم مسمى الضرورة إطلاق معقد الإجماع المنقول، و إلا فاستفادة ذلك من النص في غاية الاشكال، و لذا كان الاحتياط بالتيمم مع الوضوء في غير الضرورة التي اشتمل عليها النص متجها.


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 242

[في وجوب إعادة الطهارة إذا زال السبب و عدمه]

و إذا زال السبب المسوغ للمسح على الخف بعد أن وجد قطعا أعاد الطهارة على قول اختاره في المعتبر و المنتهى و عن المبسوط و التذكرة و الإيضاح و بعض متأخري المتأخرين، و هو ظاهر كشف اللثام. و قيل: لا تجب إلا لحدث و اختاره في المختلف و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و المدارك و المنظومة كما عن الجامع و الروض، بل ربما قيل انه المشهور، و في التحرير في الإعادة نظر، و في القواعد إشكال، و كيف كان فالأقوى في النظر الثاني، لكونه مأمورا بذلك، و الأمر يقتضي الاجزاء، و لاستصحاب الصحة، و لما دل (1)على أن

«الوضوء لا ينقضه إلا حدث»

و ارتفاع الضرورة ليس منه، و لأنه حيث ينوي بوضوئه رفع الحدث يجب حصوله ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): (لكل امرئ ما نوى).

و ما يقال: إن الضرورة تقدر بقدرها فيه أنه إن أريد عدم جواز الطهارة كذلك بعد زوال الضرورة فحق، و إن أريد به عدم إباحتها فلا، لأن المقدر هي لا إباحتها، و هو محل النزاع، و كذا ما يقال: إنا نمنع حصول رفع الحدث بالوضوءات الاضطرارية، و انما هي مجرد إباحة، كوضوء المسلوس و المبطون و نحوهما، فيقتصر في الإباحة على التيقن، و هو ما دامت الضرورة موجودة. إذ فيه (أولا) أن الظاهر مخالفته الإجماع، و إلا لوجب اقتصار المضطر بالنسبة إلى كل ما يشترط فيه الوضوء من مس كتابة القرآن و غيره على ما يرتفع به الضرورة، فلا يجوز لذي الجبيرة أن يمس مثلا كتابة القرآن مع الاختيار و نحو ذلك. فان قيل: ان البدلية سوغت ذلك، قلنا: مقتضاها أيضا أن لا ينقض إلا بحدث و هو المطلوب، لا يقال: إنه ليس بأولى من بدلية التراب عن الماء، بل هي أقوى مما هنا بمراتب، و مع ذلك متى وجد الماء وجب الوضوء. لأنا نقول انه قياس لا نقول به، فان الفارق بينهما الدليل، و من وجوده هناك علم أن التيمم مبيح لا رافع،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 10.

ج 2، ص: 243

و احتمال القول هناك أنه رافع إلى أن يوجد الماء ضعيف لا يلتفت اليه. و (ثانيا) أن المقتضي لرفع الوضوء الحدث مع مسح البشرة من قوله: «لا ينقض الوضوء إلا حدث» و نحوه موجود هنا، لمكان وجود الأمر في كل من المقامين، و مجرد كون الثاني في مقام خاص هو الضرورة لا يصلح للفرق، لأنه بمنزلة أن يقول: امسح في وضوئك مثلا على البشرة إلا في هذا المقام فامسح على الخف، فهو في الحقيقة تكليف أولى واقعي بالنسبة إلى هذا الموضوع مع ملاحظة وصف الضرورة مشخصا له. لا يقال: انا لا نسلم دخول مثل ذلك تحت مسمى الوضوء حتى يكون مشمولا للأدلة. لأنا نقول: انه لا إشكال في كونه مشمولا للفظ الوضوء، إذ هو من قبيل المتواطى بالنسبة إلى سائر أفراده، بل وضوء المسلوس و المبطون وضوء حقيقة، إذ لم يؤخذ في ماهية الوضوء شرعا مباشرة البشرة مطلقا قطعا، و إلا لجرى ذلك في جميع مسميات أسماء العبادات، و هو معلوم الفساد. و ما يقال-: ان اقتضاء الأمر الاجزاء معناه الخروج به عن عهدة الأمر المتعلق به، و هو هنا اقتضاه، انما الكلام في وجوب وضوء آخر ليس هو بإعادة للأول حتى يكون منافيا للاجزاء- فيه- مع أن ذلك هدم لتلك القاعدة- أنه كيف يتصور وجوب وضوء على المتوضي مع تصريح الأدلة بعدم وجوبه عليه.

و ما يقال-: إن دليل الإعادة الآية(1)لاقتضائها وجوب الوضوء عند كل صلاة خرج ما خرج و بقي الباقي- فيه (أولا) أنه منقوض بما إذا توضى ء لصلاة خاصة وضوء المضطر ثم قبل فعلها زالت الضرورة. و (ثانيا) قد عرفت سابقا نقل الإجماع على أن المراد بقوله عز و جل (إِذا قُمْتُمْ) أي و أنتم محدثون، أو من النوم لا مطلقا، على أن عمومها ليس عموما وضعيا يصلح لشمول المقام، بل هو منصرف إلى الأفراد المتعارفة، و ما يقال-:

ان العمل بقاعدة الاجزاء على الوجه الذي ذكرت ينافي قاعدة واقعية الشرائط و غيرها من القواعد فينبغي الحكم بصحة صلاة من زعم الطهارة أو الوقت أو نحو ذلك- فيه أنه


1- 1 سورة المائدة- الآية 8.

ج 2، ص: 244

فرق ظاهر بين الأمر الحقيقي واقعا لكنه في مقام خاص كما نحن فيه و بين تخيل وجود الأمر، كجهل الموضوع و جهل الحكم حيث يكون معذورا و ان اشتبه فيه بعض الأعلام و حكم بالصحة مع الجهل حيث يكون معذورا و لو جاء بصورة مضادة لصورة الصلاة، و هو عجيب. و ما يقال-: إنه في المقام قد تعارض أصالة الصحة مع أصالة بقاء يقين اشتغال الذمة بالمشروط بالطهارة، لعدم ثبوت أزيد من الاستباحة من الخبر المجوز له للضرورة، و هي تتقدر بقدرها- فيه أنك قد عرفت أن الصحة فيما نحن فيه مستفادة من ظاهر الأدلة، فلا يعارضها أصالة بقاء الشغل، و بعد التسليم فاستصحاب الصحة قاطع لأصالة الشغل، لأنه في الحقيقة استصحاب لمقطوعيته، فتأمل جيدا.

و من العجيب ما عن الفخر (رحمه الله) في توجيه الاستئناف، قال بعد أن ذكر احتمالي رفع الحدث بهذا الوضوء و عدمه: «و الأقوى عندي وجوب الاستئناف على كل حال، لأن صورة الفعل مقصودة، لان القصد ليس رفع الحدث و حكمه خاصة، بل نفس الفعل أيضا، و الضرورة أسقطته» انتهى. و هو عجيب لم يسبقه إليه أحد و لا لحقه، و فساده واضح، كما أنه في المقام كلام لبعض المتأخرين في المناقشة بجريان الاستصحاب و غيره خال عن التحصيل، و مما ذكرنا تعرف وجه الاستدلال للأول بل تعرف تسرية الكلام في غير المقام، و مما يؤيد ما اخترناه اتفاقهم على ما قيل ان من غسل رجليه عوض المسح للتقية ثم ارتفعت لم يجب إعادة الوضوء، و هما من واد واحد، قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة في القواعد: (و لا يجزي الغسل عنه إلا للتقية) ما لفظه: «و لا يجب الإعادة بزوالها قولا واحدا فيما أظنه» انتهى. و احتمال الفرق بين المقام و بين الغسل للتقية- مع أنه من بعض ما نحن فيه المسح على الخف للتقية- بعيد، لكن قد يظهر من العلامة في المنتهى الفرق بينهما، حيث حكم بوجوب الاستئناف في المقام مع زوال الضرورة بخلافه مع الغسل للتقية، و لعله لأنه فهم من الأدلة كون التقية تكليفا واقعيا، بخلاف غيره فإنه عذري، و كأنه إنما فرق بين التقية أي تقية المسح

ج 2، ص: 245

على الخف و تقيته لأن الأولى جوازها لكونها من أفراد الضرورة بخلاف الثانية، و الذي يظهر من غيره بل منه أيضا في التذكرة عدم فرقه بين الغسل للتقية و المسح على الخف في وجوب الإعادة مع الزوال، بل يظهر من غيره عدم الفرق بين المقام و غيره من ذوي الأعذار، و هو كذلك، و مما يؤيد المختار أيضا ما تقدم منا سابقا من عدم اشتراط تعذر المندوحة في التقية.

ثم اعلم أنه لا فرق بناء على ما ذكرنا بين زوال الضرورة بعد تمام المسح على الخفين بمدة بحيث حصل الجفاف و تعذرت الموالاة لو مسح على البشرة و بين زوالها قبل فواتها و بين زوالها بعد مسح إحدى الرجلين أو غير ذلك، كله قضاء لما سمعت من الأدلة، نعم يتجه التفصيل في ذلك على المذهب الآخر من أنه إن زالت الضرورة و أمكن المسح على البشرة مع بقاء الموالاة اكتفى بالمسح، و إلا أعاد الوضوء، هذا. و قد نص جماعة كالمصنف و العلامة و الشهيد و غيره على إلحاق مسح الرأس بالرجلين، فيجزي على الحائل مع الضرورة، بل عن شارح الدروس نسبته إلى الأصحاب، كما في الحدائق أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على جواز المسح على الحائل في الرأس و الرجلين للضرورة كالتقية و البرد الشديد، بل قد سمعت سابقا أن جماعة حملوا

صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)(1)«في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء و يتوضأ للصلاة فقال:

لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه»

و

صحيح عمر بن يزيد(2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء، قال: يمسح فوق الحناء»

على الضرورة كالتداوي و نحوه، و مقتضاه كون ذلك مسلما، بل الظاهر أنه كذلك و إن احتمل بعض المتأخرين الانتقال الى التيمم، مع أنه لا وجه له حيث تكون الضرورة تقية لعموم أدلتها، بل تقدم لك من الأدلة ما يظهر لك الحكم في غيرها، بل قد يفهم من فحوى أدلة وضوء الجبائر تعميم الحكم لما نحن فيه كما ستسمعها إن شاء الله،


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 246

بل الظاهر أن الحائل في المغسول و الممسوح إذا كان اختياريا و عسر قلعه كالقير و نحوه ينتقل إلى غسله و المسح عليه، و لا ينتقل إلى التيمم، بل قد عرفت أنه يمكن جعل ذلك قاعدة في كل ما استفيد وجوبه من أمر لتقييده بالقدرة، كما أنه قد سمعت في وضوء الأقطع ما يفيدك في المقام، و كذا خبر المرارة، بل و نحو

قوله (ع): «لا يسقط الميسور بالمعسور»

على إشكال فيه، و لا يخفى عليك جريان كثير مما ذكرنا في الأغسال و نحوها، و الاحتياط بالجمع بين الوضوء و التيمم في الجميع حسن، و لذا قال المصنف في المقام:

و الأحوط الأول أي إعادة الوضوء عند زوال الضرورة، و أحوط منه نقضه بحدث ثم الوضوء، خروجا من شبهة احتمال الجزم برفع الوضوء الحدث، فتأمل.

[مسائل ثمان]
اشاره

مسائل ثمان

[المسألة الأولى في وجوب الترتيب بين الأعضاء]

(الأولى) الترتيب واجب في الوضوء إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كاد يكون متواترا كالسنة، بل قيل يدل عليه في الجملة أيضا الكتاب قضاء للفاء في قوله تعالى(1):

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ) و يتم بضم عدم القول بالفصل، لكن لا يخلو من نظر، و المراد به غسل تمام الوجه بما يسمى غسلا عرفا قبل غسل جزء من اليد اليمنى و غسل اليد اليسرى بعدهما أي بعد تمام غسل الوجه و اليمنى و مسح الرأس ثالثا على حسب ما ذكر، لعدم عده غسل اليمنى مستقلا و مسح الرجلين أخيرا و لا ترتيب فيهما على الأقوى كما عرفت.

فلو خالف (11) بأن قدم المؤخر أو أخر المقدم أو غسلهما معا دفعة أو غير ذلك أعاد الوضوء (12) من رأس عمدا كان أو نسيانا (13) لكون الترتيب ركنا في الوضوء على ما يستفاد من أدلة إيجابه إن كان قد جف (14) ما على الأعضاء من ماء الوضوء و (15) أما إن كان البلل باقيا أعاد على ما يحصل معه الترتيب (16) بإعادة غسل اليمنى فقط فيما إذا


1- 1 سورة المائدة- الآية 8.

ج 2، ص: 247

غسلها مع الوجه دفعة، أو غسلهما مقدما لليمنى عليه، أو بإعادة غسل اليسرى فقط فيما إذا ابتدأ بغسل الوجه ثم غسل اليدين دفعة أو مقدما لليسرى، فإنه يحصل بإعادتها فحسب، و هكذا، و لو غسل الوجه و اليدين دفعة حصل له الوجه فقط، فلو أعاد هذا الدفعي ثانيا حصلت له اليمنى، و لو أعاده ثالثة حصلت له اليسرى: و كذا المسح، و لو نكس الوضوء من آخره إلى أوله لم يحصل له إلا غسل الوجه، و لو فعل ذلك مرة ثانية حصلت اليد اليمنى، و ثالثة يحصل اليسرى، و رابعة يحصل مسح الرأس، و خامسة مسح الرجلين، و حيث نوجب الترتيب فيهما يتم بالسادسة، نعم يحصل الاشكال من جهة المسح بماء جديد، فلو كرر النكس بالمسح فقط من بعد حصول اليسرى صح وضوؤه، و لا يشكل صحة الوضوء في صورة النكس و غيره بعدم حصول النية عند غسل الوجه، أما أو لا فلابتنائه على كون النية الاخطار، و ثانيا فلأنه يكفي في تصوير الصحة حيث تحصل النية عند غسل الوجه أو غسل اليدين بناء على جواز تقديمها، و لا يقدح وجود الفاصل بأجنبي لتحقق الامتثال، فيخرج عن العهدة، و لو ارتمس ناويا صح الوجه، فإن أخرج اليدين مرتبا صحتا، و لو أخرجهما معا فاليمنى إذا قصد بالإخراج الغسل، و لو كان في جار و تعاقبت الجريات ناويا صحت الثلاثة، بل في الذكرى الأقرب أن هذه النية كافية في الواقف أيضا، لحصول مسمى الغسل مع الترتيب الحكمي، و يمسح بماء الأولى، و هو متجه فيما تتعاقب فيه أزمنة النية مع حصول التحريك الذي يحصل به مسمى الغسل، و إلا فمجرد الترتيب في النية لا يكفي، لعدم صدق الامتثال، و حمله على الغسل على تقدير القول به هناك قياس لا نقول به، و أيضا فآنات المكث ليست غسلا، فلو فرض اتحاد وضعهما في الماء مع نية الغسل لليمنى لم يصلح بعد نية غسل اليسرى، إذ ليس هو إلا مكثا لا غسلا غير الغسل الأول، و ما يقال: ان السيد إذا قال لعبده: اغسل يدك و كانت يده في الماء لم يحتج إلى إخراجها في صدق الامتثال ممنوع، مع أن العرف أكمل شاهد على عدم صدق غسل اليمنى قبل اليسرى في الفرض، ثم

ج 2، ص: 248

ان قوله يمسح بماء الأولى ظاهر في أنه يكتفى باليد الواحدة للرأس و الرجلين، و انه لا يشترط في صدق المسح بنداوة الوضوء بالنسبة لليد اليمنى، و كلاهما محل للإشكال فتأمل.

لكن ربما يستدل على الاجتزاء بالترتيب الحكمي ب

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه هل يجزؤه ذلك من الوضوء؟ قال: إن غسله فان ذلك يجزئه»

و فيه أن ظاهره مخالف لوجوب الترتيب في الوضوء، و صرفه إلى الترتيب الحكمي ليس بأولى من صرفه إلى إرادة الترتيب الحقيقي، و يكون قوله (عليه السلام):

(إن غسله) على مقتضى ترتيب الوضوء، بل يحتمل أن يجعل الفاعل الشخص، أي فان دلكه بعد انصباب المطر أجزأه، و أيضا هو مناف لما دل على تجفيف الممسوح، لعدم الأمر به فيه، على أن الترتيب الحكمي بالنسبة إلى المكث انما هو باعتبار تعدد آنات المكث، و هو غير متجه هنا، لأنه بحسب النية صرفا، و كأنه لا يقول به (رحمه الله).

ثم ان ما ذكرناه من حصول الترتيب بإعادة غسل ما حقه التأخير من غير حاجة الى إعادة غسل السابق هو الذي صرح به المصنف و العلامة و الشهيد و غيرهم من المتأخرين، بل لا أجد فيه خلافا، لصدق امتثال ما دل على الترتيب و البدأة و نحوهما بذلك، و لما رواه

ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن أبي نصر في الموثق بعبد الكريم عن ابن أبي يعفور(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثم استيقنت بعد أنك بدأت بها غسلت يسارك ثم مسحت رأسك و رجليك»

و ما في

خبر منصور بن حازم عن أبي


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 14.

ج 2، ص: 249

عبد الله (عليه السلام)(1)في حديث تقديم السعي على الطواف قال: «أ لا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك»

لكن

في الفقيه (روي)(2)«في من بدأ بغسل يساره قبل يمينه أنه يعيد على يمينه ثم بعيد على يساره»

و قد

روي (3)«أنه يعيد على يساره»)

انتهى. و لعل المراد أنه إن ذكر قبل غسل يمينه غسل يمينه ثم غسل يساره، و إن ذكر بعد غسل يمينه لم يكن عليه سوى غسل يساره، و هو أولى من الجمع بالتخيير و إن كان ربما ظهر من عدم ترجيح الفقيه، و عليه حينئذ ينزل ما في

صحيح زرارة(4)قال: «سئل أحدهما (عليهما السلام) عن رجل بدأ بيده قبل وجهه، و برجليه قبل يديه، قال: يبدأ بما بدأ الله به، و ليعد ما كان»

و

صحيح منصور ابن حازم عن الصادق (عليه السلام)(5)«في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال: يغسل اليمين و يعيد اليسار»

و

خبر أبي بصير عنه (عليه السلام)(6)أيضا قال:

«إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثم اغسل اليسار»

و المروي عن قرب الاسناد عن

علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)(7)قال: «سألته عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟ قال (عليه السلام):

يعيد الوضوء من حيث أخطأ يغسل يمينه ثم يساره ثم يمسح رأسه و رجليه»

فيراد فيها جميعا أنه ذكر قبل غسل اليمين مثلا، و إن كان لو لا ظهور عدم المخالف في هذا الحكم لأمكنت المناقشة فيه أخذا بإطلاق ما سمعت من الأخبار، سيما مع اشتمالها على لفظ الإعادة التي كادت تكون كالصريح في حصول الغسل لهما معا، و إلا لم يصدق لفظ الإعادة، و ظهور الخبر الأخير في وقوع الذكر بعد التمام، و سيما مع عدم صراحة


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 15.

ج 2، ص: 250

المروي في السرائر، بل و صلاحيته أيضا بنفسه للحكم عليها كمرسل الفقيه. مع معارضته بمثله، على أنه قد يمنع صدق اسم البدأة في نحو المقام، و كون غسل اليسار فاسدا مثلا لا يمنع من أن يفسد غيره أيضا لكونه سببا حينئذ في عدم صدق البدأة حينئذ باليمين، خصوصا فيما سمعت من صور النكس أول المبحث، و أيضا كما هو ينهى عن تقديم ما حقه التأخير كذلك ينهى عن تأخير ما حقه التقديم، على أن ما ذكروه من صور النكس انما هي صور تخريجية لا تصلح الأدلة لشمولها، و قد يجي ء نحو ما ذكروه بالنسبة إلى العضو نفسه حيث نوجب فيه الابتداء بالأعلى، فمن غسل وجهه منكوسا ثم أعاده كذلك صح وضوؤه، لحصول غسل الأعلى بالأعلى و ما بعده بالثاني، إلا إذا قصد التشريع، فإنه يفسد، و كذا فيما تقدم من الترتيب في الأعضاء، لكن التأمل يقضي ببعده و عدم صدق الامتثال معه.

ثم ان ما ذكره المصنف من التفصيل بين الجفاف و عدمه من غير فرق بين العمد و النسيان هو الظاهر من المعتبر و المنتهى و القواعد و غيرها من كتب المتأخرين، و وجهه واضح، لبقاء الموالاة في الأول دونه في الثاني، لكن الذي يظهر من العلامة في التحرير أن التفصيل في صورة النسيان، و إلا ففي العمد يجب إعادة الوضوء من رأس جف أو لم يجف، و كان وجهه ما تعرف من مذهبه في الموالاة انها المتابعة مع الاختيار، و مراعاة الجفاف مع الاضطرار، نعم ما حكي عنه في التذكرة من عكس ذلك لا أعرف وجهه، و لا ينافي المختار ما في بعض الأخبار(1)من إطلاق الإعادة عند مخالفة الترتيب، إذ هو محمول على صورة الجفاف أو على عدم حصول جزء صحيح أو غير ذلك جمعا بين الأدلة، و المراد ببقاء البلل المذكور في العبارة بلل غسل جزء صحيح، و إلا فلا يثمر بقاء البلل على الجزء الذي حقه التأخير، كما هو واضح.

و لا فرق في ظاهر كلمات الأصحاب في مخالفة الترتيب بين تقديم ما حقه التأخير


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 251

و بين ترك غسل العضو من رأس في أنه يجري عليه التفصيل المتقدم، فان كانت رطوبة باقية أعاد المنسي و ما بعده، و إلا استأنف الوضوء، و به نطقت الأخبار، ففي

حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(1)«إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه و ذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه،»

و إن كان ظاهره النسيان خاصة و لم يفصل بين الجفاف و عدمه إلا أنه يجب تنزيله على ذلك، لمكان غيره من الأدلة و ما تسمعه من أدلة الموالاة، و كذا لا فرق في جميع ما تقدم بالنسبة إلى مخالفة الترتيب بين تمام العضو و بعضه فمن ترك شيئا من الوجه مثلا وجب عليه إعادته و ما بعده إن لم يجف الوضوء، و إلا استأنف، و ما عن ابن الجنيد انه إذا كان المنسي لمعة دون سعة الدرهم كفى بلها من غير إعادة على ما بعد ذلك العضو لم نقف له على دليل يعتد به، بل قد يظهر عن بعضهم دعوى الإجماع على خلافه، و ما نقله هو من أنه روى توقيت الدرهم ابن سعيد عن زرارة عن أبي جعفر (ع) و ابن منصور عن زيد بن علي و منه حديث أبي أمامة عن النبي (صلى الله عليه و آله) لم نتحققه، فلا يجوز هدم تلك القواعد و تخصيص تلك الأدلة بنحو هذه المراسيل، كما لا يجوز ذلك لما رواه

الصدوق (2)عن الكاظم (عليه السلام)، و نحوه عن كتاب عيون الأخبار مسندا إلى الرضا (عليه السلام)(3)«انه سئل عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء، فقال: يجزؤه أن يبله من جسده»

لعدم وضوح دلالته على ما قاله ابن الجنيد، و مناف بظاهره لما عليه الأصحاب، فتنزيله على إرادة أنه يبله من جسده ثم يعيد على ما بعده إذا ذكر ذلك قبل غسل اليدين و إن بعد أولى من هدم تلك القواعد و تخصيص الأخبار الكثيرة، و احتمال كون الصدوق عاملا به لعدم رده و لا تأويله لا يصيره صالحا لذلك، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 252

[المسألة الثانية في وجوب الموالاة]

المسألة (الثانية) الموالاة واجبة في الجملة وجوبا شرطيا إجماعا محصلا و منقولا و ان اختلف في المراد منها، فقيل انها هي أن يغسل كل عضو قبل أن يجف ما تقدمه و لا يجب غير ذلك لا شرطا و لا شرعا، كما هو خيرة الجمل و العقود و المراسم و موضع من السرائر و إشارة السبق و النافع و اللمعة و الدروس و الذكرى و الألفية و جامع المقاصد و الروضة و المدارك و غيرها من كتب متأخري المتأخرين و عن ابن الجنيد و المرتضى في شرح الرسالة و ظاهر ابن البراج في المهذب و الكامل و ابن حمزة في الوسيلة و أبي الصلاح و ابن زهرة و الكيدري، و هو الأشهر كما في الروضة، و المشهور كما في غيرها، بل قد يظهر من الذكرى انحصار الخلاف في المفيد، لموافقة الشيخ للأصحاب في الجمل، قال: «و لو حمل قول المفيد: (و لا يجوز) على الكراهة انعقد الإجماع».

و قيل: بل هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار بأن يغسل كل عضو بعد سابقه من غير فاصلة يعتد بها عرفا و مراعاة الجفاف مع الاضطرار كنفاد الماء و نحوه، كما هو خيرة المقنعة و الخلاف و عن النهاية و المبسوط و عن موضع آخر من السرائر، قال:

«و الموالاة ان يوالي بين الأعضاء من غير تراخ، فيصل غسل اليدين بغسل الوجه و مسح الرجلين بمسح الرأس، و ليتعمد أن يكون فراغه من مسح رجليه و على أعضائه المغسولة و الممسوحة نداوة الماء، و من فرق وضوءه لعذر أو باختياره وجب عليه الاستئناف للوضوء من أوله أو من حيث جف، و إن كان التفريق لم يجف معه ما تقدم وصل من حيث قطع» و لعل مراده بقوله: (من غير تراخ) حصول الجفاف، فلا يكون منافاة بينه و بين ما في الموضع الأول منها، و ظاهر الكتب الثلاثة الأول كصريح المبسوط البطلان مع الإخلال بها في الاختيار، و تحتمل أيضا الوجوب الشرعي مع الشرطي، لقوله في المقنعة: (و لا يجوز التفريق بين الوضوء) و في الخلاف «عندنا أن الموالاة واجبة و هي أن تتابع بين أعضاء الطهارة و لا يفرق بينها إلا لعذر» الى آخره و عن النهاية ما نصه «و الموالاة واجبة أيضا في الطهارة، و لا يجوز تبعضها إلا لعذر» كما في المبسوط «و الموالاة

ج 2، ص: 253

واجبة في الوضوء، و هي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار، فان خالف لم يجزه» الى آخره. لكنه بعيد، لظهور إرادة الوجوب الشرطي في مثل هذه المقامات كما في غيرها من الشرائط و الأجزاء، و الذي اختاره المصنف في المعتبر و العلامة في المنتهى و التحرير و المختلف بل عنه في سائر كتبه إيجاب المتابعة شرعا لا شرطا، فمن أخل بها مع الاختيار أثم، و وضوؤه صحيح ما لم يحصل الجفاف، و قد يحتمله بعض عبارات القدماء، و بذلك تكون الأقوال ثلاثة، لكن يظهر من المحقق الثاني إنكار ذلك زاعما أنه لم يقل أحد بالبطلان للمتابعة، فلم يبق معنى لوجوبها سوى التعبد الشرعي، و يؤيده ما في التنقيح من أنه «اتفق الكل

على أنه لو أخر و لم يجف ما تقدم لم يبطل وضوؤه، بل فائدة الخلاف تظهر بالإثم و عدمه» انتهى. إلا أنك قد عرفت من صريح المبسوط كظاهر غيره البطلان، و يؤيده أن من نقل هذا القول كالمصنف و ابن إدريس و غيرهما فهم منه إرادة ذلك، نعم انما ذلك أي الوجوب الشرعي فقط اختيار في المسألة، بل أول من صرح به المصنف في المعتبر، و تبعه عليه العلامة، مع أن أدلتهما عليه تقضي بالوجوب الشرطي كما ستعرف إن شاء الله، فدعوى اتفاق الجميع على ذلك في غاية الغرابة، و الظاهر أن مرادهم بالوجوب الشرعي أنه لو جاء بوضوء غير متابع فيه يأثم، لا أنه يأثم و إن ترك الوضوء من رأس أو أفسده بحدث و نحوه، فظهر من ذلك كله أن الأقوال في المسألة ثلاثة.

بل قد يظهر من بعض المتأخرين وجود قول رابع، و هو ما يظهر من الصدوقين من أن الواجب في الوضوء أحد أمرين، مراعاة الجفاف أو المتابعة، قال في الفقيه:

«قال أبي في رسالته إلى: ان فرغت من بعض وضوئك و انقطع بك الماء من قبل أن تتمه فأتيت بالماء فتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا، و إن كان جف فأعد وضوءك، و ان جف بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فاغسل ما بقي جف وضوؤك أو لم يجف» انتهى. بل اختاره بعض متأخري المتأخرين، و قواه آخر،

ج 2، ص: 254

و فيه أنه لا صراحة في العبارة بذلك، سيما بعد قوله (رحمه الله): (و ان جف بعض وضوئك) إذ قد يكون مراده أن جفاف البعض لا يقدح في الصحة، نعم قد يظهر منه اختصاص البطلان بالجفاف للتفريق من جهة نفاد الماء خاصة، بل قد يقال: ان ما استظهروه منه من أن الواجب أحد أمرين إما المتابعة أو مراعاة الجفاف ليس مخالفا لأصحاب القول بأن الموالاة مراعاة الجفاف، لظهور أن مرادهم بالجفاف المبطل انما هو الحاصل بالتفريق حتى يجف.

قال في الجمل و العقود: «الموالاة إن تو الى بين غسل الأعضاء، و لا تؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم» و قال في موضع من السرائر: «حد الموالاة المعتبر عندنا على الصحيح من أقوال أصحابنا المحصلين هو أن لا يجف غسل العضو المتقدم في الهواء المعتدل، و لا يجوز التفريق بين الوضوء بمقدار ما يجف غسل العضو الذي انتهى اليه و قطع الموالاة منه في الهواء المعتدل» و قال في إشارة السبق بعد أن ذكر الفساد بمخالفة الترتيب: «و كذلك ان لم يتابع بعضه ببعض بحيث يجف غسل عضو قبل موالاته بغسل العضو الآخر» و قال في الوسيلة: «هي ان يوالي بين غسل الأعضاء، و لا يؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم» و قال الكيدري على ما في الذكرى في سياق الواجب: «و أن لا يؤخر غسل عضو الى أن يجف ما تقدم مع اعتدال الهواء» و قال أبو الصلاح في الكافي: «هي أن يصل توضأة الأعضاء بعضها ببعض، فان جعل بينها مهلة حتى جف الأول بطل الوضوء» و عن ابن زهرة «انها هي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدم في الهواء المعتدل» و قال في الكامل على ما في الذكرى:

«و هي متابعة بعض الأعضاء ببعض، فلا يؤخر المؤخر عما يتقدم بمقدار ما يجف المتقدم في الزمان المعتدل» إلى غير ذلك من عباراتهم الظاهرة في أن المراد بالموالاة مقدار للزمان لا خصوص بقاء البلل، فيكون الجميع حينئذ قائلين بالصحة في الصورة التي تخيل انفراد الصدوقين بها، و هي ما إذا تابع في وضوئه و اتفق حصول جفاف و لو اختياري

ج 2، ص: 255

لكنه لم يمض زمان بحيث لو بقي لجف. و ما في بعض العبارات كالمراسم و نحوها من ظهور أن المراد بالموالاة بقاء بلل حسي لا تقدير للزمان منزلة على ما عرفت من تلك العبارات، بل يظهر للمتأمل في كلماتهم دعوى الإجماع عليه، و ما في بعض عبارات بعض متأخري المتأخرين من الإجماع على البطلان مع الجفاف مما ينافي بإطلاق ما سمعت يراد به الجفاف المذكور في كلام الأصحاب، و قد عرفت أنه عبارة عن مقدار الجفاف، و إلا كان هذا الإجماع مما تبين خطأه، فلا يكون معتبرا.

لا يقال: إنه لا معنى حينئذ لاستثناء ضرورة الحر أو الحرارة كما وقع في كلام جملة من أصحابنا، إذ بناء على أن المراد بالموالاة تقدير زماني لا بلل حسي لا يتفاوت الحال بين الحر و غيره. لأنا نقول: إن الواقع في كلام القدماء من أصحابنا التقيد بالزمان المعتدل و الهواء المعتدل و نحو ذلك، و هو لا منافاة فيه، بل يؤكد ارادة تقدير الزمان، و لا استثناء في كلامهم حتى يسقط اعتبار شرطية الموالاة في شدة الحر و نحوها، و إلا لو كان المراد سقوط شرطية الموالاة في شدة الحر و الحرارة لقضي بجواز التفريق مدة مديدة ما لم يتخلل حدث بالأثناء، إذ لا مراعاة للجفاف حينئذ، و هو معلوم البطلان.

لا يقال: إنه لو كان المراد التقدير الزماني لما اكتفى الشهيد في الذكرى و من تأخر عنه ببقاء البلل في الهواء الرطب جدا أو المكان كذلك و لو مدة مديدة، فإنه إذا كان المدار على التقدير الزماني بالنسبة للزمان المعتدل كما ينبئ عنه تقييدهم بالزمان المعتدل و نحوه لم يكن لذلك وجه. لأنا نقول: إنه قد يكون فهم من تقييد الأصحاب بالاعتدال بالنسبة للجفاف بشدة الحر لا لبقاء الرطوبة، و هو أمر آخر غير ما نحن فيه، على أنه لا يخلو من نظر كما ستسمع إن شاء الله.

و كيف كان فالأقوى في النظر هو القول الأول في الموالاة، و هو يشتمل على دعويين، الأولى حصول البطلان بالجفاف على حسب ما تقدم، و الثانية عدم البطلان و الإثم بغيره.

ج 2، ص: 256

أما (الأولى) فيدل عليها- مضافا الى استصحاب حكم الحدث و استدعاء الشغل اليقيني البراءة كذلك- الإجماع محصلا و منقولا على لسان جملة من الأساطين من المتقدمين و المتأخرين، و خصوص

صحيحة معاوية بن عمار(1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي قال: أعد»

و موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)(2)أيضا قال:

«إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك، فان الوضوء لا يبعض»

و إذا ثبت ذلك مع الضرورة فبدونها بطريق أولى، بل ربما استدل عليه بما دل على إعادة الوضوء عند نسيان مسح الرأس و الرجلين إذا لم يبق شي ء من نداوة الوضوء، إلا أنه لا يخلو من نظر، إذ لعله لعدم جواز المسح بماء جديد، و لكن فيما تقدم كفاية، و لا ينافيه ما رواه

الشيخ عن حريز(3)بل عن مدينة العلم إسناده الى أبي عبد الله (عليه السلام) في الوضوء، قال: «قلت: فان جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي، قلت: و كذلك غسل الجنابة، قال: هو بتلك المنزلة، و ابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك، قلت:

و ان كان بعض يوم، قال: نعم»

إذ قد يكون المراد منه مع المحافظة على زمان الموالاة في الأول، أو تحمل على التقية، أو يراد مع بقاء بلل على العضو السابق، أو غير ذلك، فتأمل جيدا.

و أما الدعوى (الثانية) فهي موقوفة على ذكر أدلة المخالف و إفسادها، و منه يتضح الحال، فنقول: أقصى ما يستدل به على شرطية المتابعة مع الاختيار- مضافا الى قاعدة الشك و الوضوء البياني-

حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (4)قال: «قال


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 257

أبو جعفر (عليه السلام): تابع بين الوضوء كما قال الله عز و جل ابدأ بالوجه ثم باليدين»

الى آخره. و الحسن الآخر كذلك

عن الصادق (عليه السلام)(1)في حديث قال: «اتبع وضوءك بعضه بعضا»

و التعليل المتقدم في

موثقة أبي بصير(2)بان «الوضوء لا يبعض»

و كون الأمر بالغسل و المسح للفور، و اقتضاء الفاء في قوله تعالى (3)(إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) التعقيب بلا مهلة، و الأمر بإعادة غسل الوجه عند مخالفة الترتيب في خبري زرارة و أبي بصير(4)المتقدمين في بحث الترتيب، إذ لو لا وجوب المتابعة لما حكم بوجوب إعادة غسل الوجه، و إجماع الخلاف.

و في (الأول) بعد تسليم أن ما شك في شرطيته شرط انه لا شك في خصوص المقام لا طلاق الكتاب و السنة، مع قلة القائل صريحا بالشرطية، بل قد عرفت أن المحقق الثاني أنكره، و المقداد ادعى الاتفاق على عدم البطلان، كما أن (الثاني) بعد تسليم حجيته لا دلالة فيه على إيجاب المتابعة، إذ لعل الاتصال الواقع في فعله كان لأجل إرادة بيان تمام الوضوء في تلك الساعة للمخاطب، و لذا لم يحك عنه الراوي أنه و الى في وضوئه و إلا لوجب أن يضبط مقدار الزمان الذي وقع فيه، بل و (الثالث) لظهور أن المراد بالمتابعة فيه الترتيب، كما يشعر به قوله (ع): (كما) الى آخره، بل ربما قيل انه صريح فيه، مع أنه يكفي فيه الاحتمال، بل قد يقال بقرينة الأخبار الأخر المنجبرة بفتوى المشهور يراد المتابعة فيه الفعل قبل حصول الجفاف، كما يظهر من تفسيرها بذلك في بعض كلمات الأصحاب، و بما ذكرنا تعرف المناقشة في (الرابع) على أن ظهور مثل هذا الأمر في الشرطية ما لم ينجبر بفتوى الأصحاب محل نظر، و كيف و الأصحاب على خلافه، لما عرفت من قلة القائل بها صريحا، و كذا (الخامس) إذ الظاهر أن المراد بالتبعيض الجفاف، و إلا لو أريد به مطلق التفريق لما قيد (حتى يبس وضوؤك) الظاهر في أنه إن لم


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 سورة المائدة- الآية 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 1 و 8.

ج 2، ص: 258

ييبس صح و لا تبعيض فيه، على أنه يجري ذلك في صورة الاضطرار مع الاتفاق على أن الموالاة فيها مراعاة الجفاف، و أما (السادس) فالتحقيق عدم اقتضاء الأمر للفور، و على تقديره هنا فهو لا يفيد الشرطية، و من العجيب دعوى بعضهم الإجماع على إرادة الفورية في خصوص المقام، مع ما عرفت من أن المشهور بين الأصحاب مراعاة الجفاف، و ان أريد بالفورية ما يشمل مثل ذلك فهو مسلم، إذ لا قائل بجواز التراخي الى آخره، بل أقصاه مراعاة الجفاف، فمع فرض أنه لا ينافيها عرفا لا وجه للاستدلال به حينئذ، على أن إرادة الفورية بمعنى الإيجاب الشرعي ممنوعة، لأنه و إن سلمنا أن مراعاة الجفاف لا ينافيها لكن ذلك انما هو على سبيل الشرطية صحة في الوضوء لا الوجوب الشرعي، نعم يتحقق الوجوب عند ضيق الوقت من جهة تضيق الأمر بالوضوء، فتأمل. و في (السابع) أن الفاء هنا هي الرابطة التي لا قضاء للتعقيب فيها، بل ذلك في العاطفة، و إلا لاقتضى وجوب الفورية بمجرد إرادة القيام و التهيؤ للصلاة، و لم يقل به أحد، بل قد يرشد إلى عدم إرادة الفورية فيها بمعنى المتابعة عطف قوله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) عليه، إذ لا شك في عدم اعتبار الموالاة فيه، و أما (الثامن) فهو- مع احتمال الأمر فيه بالإعادة لمكان الجفاف، أو لعدم غسل الوجه، و إطلاق لفظ الإعادة حينئذ من جهة الجزء الآخر، و مع أنه وارد في صورة النسيان، و عندهم أنه من الضرورة- معارض بغيره مما دل (1)على إعادة غسل اليد اليسرى فقط ان كان قد غسلهما، و ب

قول الصادق (عليه السلام)(2)في صحيح منصور بن حازم المتقدم سابقا في من توضأ و بدأ بالشمال قبل اليمين: «يغسل اليمين و يعيد اليسار»

لشموله العامد و الناسي، مع ما فيه من ترك المتابعة، و أما (التاسع) فالظاهر أن إجماعه ليس على ما نحن فيه، قال في الخلاف: «عندنا أن الموالاة واجبة، و هي أن تتابع بين أعضاء الطهارة، و لا يفرق إلا لعذر، ثم يعتبر الجفاف، ثم نقل قول الشافعي،- الى أن قال-: دليلنا أنه لا خلاف في الصحة إذا و الى، و ان لم


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 259

يوال فيه خلاف، و أيضا فقد ثبت أنه مأمور بإيقاع الوضوء في كل عضو عضو، و الأمر يقتضي الفور، و ترك الموالاة ينافيه، و عليه إجماع الفرقة» انتهى. و هو غير صريح في إرادة الإجماع على شرطية المتابعة، على انه ان أراد ذلك كان من المتبين خطاؤه، لما عرفت أنه كاد يكون الإجماع على خلاف ذلك.

و بما سمعت من الأدلة يستدل على القول بالوجوب التعبدي كما وقع للمصنف و العلامة، لكن قد عرفت ما فيها، و من العجيب استدلالهم بها على ذلك مع قضاء بعضها الشرطية، كما أنه من العجيب الاستدلال بها على الشرطية مع قضاء بعضها الوجوب الشرعي، و بذلك كله يتضح لك الدعوى الثانية من المختار أنه لا إثم في ترك المتابعة و لا بطلان، بل صحيح معاوية بن عمار(1)و موثق أبي بصير(2)ظاهران في عدم الإثم، و إلا لو كانت المتابعة واجبة شرعا لوجب عليه المسارعة، لا استدعاء الجارية و لا انتظارها حتى جف وضوؤه، و أيضا إطلاق الحاجة في موثق أبي بصير مع انه قد تكون ضرورية و قد تكون غيرها مما كاد أن يكون كالصريح في أن المدار في صحة الوضوء على مراعاة الجفاف، و أنه لا إثم بالتأخير و لا بطلان، و كأن سبب الوهم هنا حتى قيل بالوجوب الشرعي إطلاق لفظ الوجوب الشرعي كما في غيره من الأجزاء و الشرائط، و من هنا يظهر لك أنه لا إثم عليه لو أخر حتى جف و ان بطل وضوؤه، كما عن الروض حكايته عنهم لما عرفت، مع أصالة البراءة السالمة عن المعارض سوى ما يقال من النهي عن إبطال العمل، و الأخذ بإطلاقه في الأعمال المستحبة و الواجبة يقضي الى مخالفة المقطوع به من الشريعة، بل الظاهر أن ذلك مخصوص في الصلاة خاصة، بل قد يدعى ان المراد منه النهي عن إبطال العمل بالكفر و نحوه، و حرمة القطع في الصلاة من دليل


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 260

خارجي، و من العجيب ما في الدروس بعد اختياره أن الموالاة مراعاة الجفاف، قال:

«و لو فرق و لم يجف فلا إثم و لا إبطال إلا أن يفحش التراخي، فيأثم مع الاختيار» و مثله عن البيان، و لم أعثر لغيره على ذلك، كما أنه لا دليل عليه، فالأقوى حينئذ ان مراعاة الجفاف شرط الصحة، و لا إثم إلا عند ضيق الوقت و فوات الواجب بذلك كما في غيره من الشرائط و الأجزاء، و لا أعرف وجها لذكرهم ذلك هنا و لم يذكروه في غيره من الشرائط و الأجزاء من الترتيب و غيره، فان كان ظواهر الأوامر فهي في الجميع، و ان كان غير ذلك فلم نجده.

ثم انه بناء على المختار قد عرفت ان جملة من الأصحاب قيدوا ذلك بالهواء المعتدل و الزمان المعتدل و نحو ذلك، بل نسب هذا القيد في الذكرى الى الأصحاب، و قال: «ان المقصود به إخراج طرف الإفراط بالحرارة. لا طرف الإفراط في البرودة، فلو كان الهواء مثلا رطبا جدا أو المكان كذلك و أخر إلى وقت بحيث لو كان معتدلا لجف لم يقدح ذلك في الصحة، لمكان وجود البلل حسا، و كذا لو أسبغ الماء بحيث لو اعتدل لجف» و مقتضاه جواز ذلك و ان طالت المدة جدا، و استجوده جماعة ممن تأخر عنه، و كأنه لمكان تعليق البطلان على الجفاف، و هو لا يشمل التقديري، و لكنه قد يشكل ذلك بأن شرط الصحة عدم الجفاف، و هو لا يشمل التقديري، و التمسك بالضرورة و نفي الحرج يندفع بالرجوع الى التيمم أو الاستئناف.

قلت: ينبغي ان يعلم (أولا) ان مراد الأصحاب بقيد الاعتدال انما هو بالنسبة الى ما مضى من الأزمنة، و ليس المراد منه الفصل المعتدل من فصول السنة، فيدخل ما كان في شدة مربعانية الصيف تحت الاعتدال إلا ان يتفق فيها شدة حر خارج عن غالب الأزمنة، لعدم الدليل على إرادة الاعتدال بالمعنى الثاني، بل ترك الاستفصال في صحيحة ابن عمار و إطلاق اليبس في موثقة أبي بصير ينافيه، إذ قد يكون ذلك في شدة الصيف، أو في مكان غير محجوب عن هواء السموم و نحو ذلك، و يعلم (ثانيا)

ج 2، ص: 261

أنه لا كلام عند الأصحاب في عدم الرجوع الى التيمم عند إفراط الحر، بل يجب عليه الوضوء و إن حصل الجفاف، و لعله للاستصحاب في بعض الأحوال و لعدم شمول أدلة التيمم لنحو المقام.

ثم انه قد عرفت أن الظاهر من عبارات الأصحاب كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه فيها و فيما اشتملت عليه من لفظ المقدار و نحوه أن الموالاة بمعنى مراعاة الجفاف انما هو تقدير زماني لجواز التفريق، بمعنى أنه للمكلف التأخير هذا المقدار، فلا مدخلية لبقاء البلل و ذهابه، و لذا كان لا يجب عليه تطلب المكان أو إكثار الماء لأجل حفظ البلل حيث يكون الحر مفرطا، لمكان كون المدار على الزمان لا على بقاء البلل، إلا أن هذا التقدير لما كان يختلف بالنسبة إلى إفراط الحر و البرد أرادوا بيان ذلك، فقدروا بالزمان المعتدل، فافراط الحر يقدر فيه الاعتدال كإفراط البرد، و المراد بالاعتدال على حسب ما ذكرنا، و إلا لو أريد بالموالاة بمعنى مراعاة الجفاف بقاء البلل حسا من غير مدخلية للزمان فهو مع منافاته لاستصحاب الصحة لا دليل عليه، كما أنه لا دليل على التقدير عند إفراط الحر، بل ينبغي القول بالرجوع الى التيمم أو بسقوط هذا الشرط في مثل هذا الحال، فلا يقدح التأخير حينئذ يوما أو أياما، إذ لا دليل على التقدير بعد فهمهم من الأدلة وجود البلل حسا، بل لا معنى له، إذ كما يزول بنفسه يزول بتجفيف مجفف و نحو ذلك، فتأمل جيدا.

ثم انه بعد البناء على هذا الزمان لا نشترط في إفراط الحر مثلا التتابع الحقيقي، بل له التأخير زمانا بحيث لو كان الزمان على الغالب لم يجف فيه الوضوء، فما عساه يظهر من صاحب المدارك و بعض من تأخر عنه اشتراط ذلك لا يخلو من نظر، قال فيها:

«لو و الى فاتفق الجفاف أو التجفيف لم يقدح ذلك في صحة الوضوء، لأن مورد الأخبار المتضمنة للبطلان مع الجفاف باعتبار التفريق، كما يدل عليه

قوله (عليه السلام) في صحيحة

ج 2، ص: 262

معاوية بن عمار(1)«ربما توضأت و نفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي»

و كلام الأصحاب لا ينافي ذلك، فما ذكره الشهيد في الذكرى من أن الأخبار الكثيرة بخلافه غير واضح» انتهى. و فيه إشعار بما ذكرنا من التقدير الزماني، لكن ما يظهر من قوله: (لو و الى) من اشتراط ذلك بها قد عرفت أن الأقوى سقوطه بناء على مراعاة التقدير الزماني، لا يقال: إنه ينافي إرادة التقدير الزماني الأمر بالإعادة عند حصول الجفاف الشامل لصورة التجفيف، لصدق الجفاف عليه حينئذ، لأنا نقول:

ان الظاهر من قوله (جف وضوئي) و (يبس وضوؤك) حصول ذلك بنفسه، لا بتجفيف مجفف، و كذا لا يقال إنه ينافيه ما وقع من الخلاف في أن المعتبر في الجفاف هل هو جميع ما تقدم من الأعضاء كما هو ظاهر كثير من عبارات القدماء و صريح جماعة من المتأخرين كالمصنف و العلامة و غيرهما، بل قيل عامتهم، أو أي عضو منه كما عن ابن الجنيد، أو قبل كل عضو متلوة كما هو خيرة السرائر و إشارة السبق و عن الناصريات و المهذب البارع؟ و إن كان الأقوى الأول، للأصل أي استصحاب الصحة، و إطلاق الكتاب و السنة، و ظهور ما دل على البطلان بجفاف الجميع، كقوله (جف وضوئي) و قوله (ع): (حتى يبس وضوؤك) و للاتفاق ظاهرا على جواز الأخذ من اللحية و الحواجب و أشفار العينين عند نسيان مسح الرأس و الرجلين، كما دلت عليه الروايات المتقدمة سابقا، و احتمال اختصاص ذلك لصورة النسيان يدفعه عدم القول بالفصل إن لم يفهم العموم في جوابها، بل لم نعثر للقولين الأخيرين على حجة يعتمد عليها. لأنا نقول:

انه لا مانع من تطبيق هذا الخلاف أيضا على إرادة التقدير الزماني، فيكون المراد حينئذ مضي زمان تجف فيه جميع الأعضاء المتقدمة أو بعضها أو السابق أو يكون هذا النزاع مخصوصا في صورة وجود الماء على الأعضاء، و ليعلم أنه بناء على ما هو الأقوى من أن المدار على جفاف الجميع كما سمعت فالمراد أنه يشترط في الصحة عند الشروع في غسل


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 263

العضو اللاحق وجود بلل على شي ء مما تقدم، و لا يشترط بقاؤه إلى تمام الغسل، بل الظاهر أنه يكتفى بالبلل المستحب، فلو كان على مسترسل اللحية شي ء من البلل اكتفي به لما سمعت من أدلة نسيان مسح الرأس.

ثم على قول المرتضى و ابن إدريس فهل يجري بالنسبة للأجزاء الممسوحة فيشترط في مسح الرجل اليمنى مثلا بقاء بلل على الرأس أولا؟ وجهان، و عن السرائر النص على ذلك، و ظاهر غيره العدم، و لعله الأقوى، هذا و ينبغي أن يعلم انا و ان لم نقل بعدم وجوب الموالاة بمعنى المتابعة إلا أنه لا ينبغي الإشكال في استحبابها، لرجحان المسارعة، و الاستباق إلى الخير، و للخروج عن شبهة الخلاف، فحينئذ لا إشكال في صحة نذرها و العهد و اليمين و نحو ذلك، و كذا لو قلنا بوجوبها، لما ستعرفه في النذر إن شاء الله من صحة انعقاده على الواجب، انما الإشكال فيما لو خالف ذلك، فهل يبطل الوضوء أولا؟ و كلام الأصحاب لا يخلو من إجمال و اضطراب.

و كشف الحال أن نقول: إن النذر ان تعلق بالموالاة في وضوء من الوضوءات من غير تشخيص له بزمان مخصوص مثلا فلا كلام في صيرورته بذلك من الواجبات الموسعة، كسائر ما تعلق به النذر لا يتضيق إلا بظن الفوات أو الحصول إلى حد التهاون عرفا على اختلاف الوجهين، كما أنه لا ينبغي الإشكال في صحة ما يقع منه من الوضوءات في هذه المدة إذا لم يقصد بها وفاء عن ذلك الواجب، و كذلك لو تضيق و قصد المكلف العصيان بوفاء النذر و جاء بوضوء لا متابعة فيه، و احتمال أنه بالتضيق صار مخاطبا من الشارع أن يتابع في هذا الوضوء الخاص فلما لم يفعل لم يقع ذلك صحيحا يدفعه أولا أن التضيق لا يصير الخطاب الشرعي بهذا الخاص بخصوصه، بل أقصى ذلك أنه يوجب على المكلف أن يوجد الكلي الذي في ذمته في هذا الفرد، فحيث عصى في ذلك بقي الواجب في ذمته، و كان هذا الوضوء صحيحا لرجحانية في نفسه لأحد أسبابه، و ثانيا أن التضيق لا يزيد على نذرها في وضوء معين، و ستعرف إن شاء الله أنه لا يبطل

ج 2، ص: 264

الوضوء بذلك، أما لو جاء بوضوء قاصدا فيه النذر و مع ذلك لم يتابع فيه قبل التضيق أو حينه فقد يظهر من بعضهم بطلان الوضوء بذلك، و بقاء النذر في ذمته، أما الثاني فواضح، و أما الأول فلعدم النية، لأن ما نواه لم يقع، و ما وقع لم ينو، فيكون فاسدا، و قد يفرق بين نذر الموالاة في الوضوء و بين نذر الوضوء الموالي فيه، فيصح في الأول و يفسد في الثاني، و كان وجهه اختصاص جريان ما سمعته من التعليل فيه دون الأول، و الأقوى الصحة فيهما معا، أما في نحو المقام و هو ما إذا نذرت الموالاة فلعدم مدخلية قصده وفاء نذر خارجي في الصحة و البطلان، و عدم توقف نية الوضوء، أقصاه أنه كان قاصدا لأن يجمع

تكليفين، فعدل عن ذلك القصد، فلا حرمة حيث يكون الأمر موسعا، و لا بطلان فيه و لا في المضيق، و أما إذا كان المنذور الوضوء المتابع فيه فلوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و ما يقال: إنه لا تطابق بين النية و الفعل فيه أن هذا الاختلاف لا يقدح في أصل نية القربة بالوضوء، إذ الفرض كونه راجحا في نفسه لغاية من غاياته حتى يكون متعلقا للنذر، و تشخيص كلي الوضوء بهذا الفرد لا يمنع العدول منه إلى فرد آخر، انما الممنوع العدول من صنف إلى صنف آخر مختلفين بالأمر و إلا لزم أن يفسد من نوى الصلاة بالفرد الجامع للمستحبات، أو شخصها بمستحبات خاصة ثم أنه تركها، بل ينبغي القول بالفساد لو تركها سهوا أو نسيانا أو غير ذلك، لمكان الاختلاف المذكور، و هو ظاهر الفساد.

لا يقال: بالفرق بينهما بأن ناوي الفرد الجامع للمستحبات يكفي في صحة فعله لو جاء بالفاقد لمكان نيته صفة الاستحباب القاضية بالاختيار إلى المكلف. لأنا نقول: إنه مع عدم صلاحيته للفرق عند التأمل جار فيما نحن فيه أيضا، لأن المكلف قصد إتيان وضوء مستحب فيه التتابع يقع وفاء عن نذر الوضوء الكلي الذي في الذمة، و الحاصل قصد الوفاء به عن النذر انما هو بعد قصد القربة بالوضوء المتابع فيه، فعدم حصول الأول

ج 2، ص: 265

لا يقضي بعدم وقوع الثاني كما هو واضح، و احتمال القول أنه بالنذر يحصل الاختلاف الذي يمنع العدول في غاية الضعف، إذ بعد فرض أن المنذور عليه ليس سببا للاختلاف في نفسه فالنذر لا يصيره كذلك، و استوضح في ذلك في الواجب بالإجارة بالنسبة إلى بعض مستحبات الصلاة، فإن التارك لها عمدا مع نية الأولى بأنه وفاء الإجارة لا يفسد العمل، نعم لا يقع مجزئا عن المستأجر عليه، فتأمل.

و أما إذا كان المنذور الموالاة في وضوء خاص فهو و إن كان يعلم حكمه مما ذكرنا عند التأمل لكن لا بأس بذكره على التفصيل، فنقول: أما ما كان مقيدا بشهر أو بيوم و نحو ذلك فهو كالسابق، و أما إذا كان مشخصا بمشخصات لا يتعدد معها كهذا الوضوء و نحوه فالظاهر أيضا صحة الوضوء من غير فرق بين نيته الوفاء عن النذر و عدمها، لوجود المقتضي من جامعية الشرائط و فاقدية الموانع، و ما يقال: انه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيه أنه إن أريد بذلك الوجه المستفاد من النذر فهو مسلم، لكن أقصاه عدم الاجتزاء عن النذر، و لا تلازم، و إن أريد غير ذلك فهو ممنوع، لا يقال: إن الموالاة بالنذر تكون من قبيل شرط الوضوء فيبطل بفواتها، لأنا نقول: ان النذر أقصى ما يفيد أحكاما شرعية من الوجوب و نحوه لا أحكاما وضعية، فلا يصير غير الشرط شرطا و لا العكس، كما هو واضح، و كونه مقتضيا للوجوب لا يلزم أزيد من تحقق الإثم بالفوات، مع أن صيغة النذر لا دلالة فيها على الشرطية، و أما إذا كان المنذور وضوءا متابعا فيه فهو كالسابق في أن الأقوى الصحة في جميع الصور و إن وجبت الكفارة في بعضها، و هي فيما لم يبق محل للوفاء بالنذر، كما أنه في الصور السابقة كذلك، فتأمل.

لكن أطلق العلامة في القواعد فقال: «و ناذر الوضوء مواليا لو أخل بها فالأقرب الصحة و الكفارة» و الأظهر أن مراده من نذر جميع وضوءاته مواليا، أو يراد به حيث يتعين المنذور عليه، لكن وجوب الكفارة بالنسبة إلى الصورة الأولى موقوف على الصحة،

ج 2، ص: 266

إذ مع احتمال البطلان لا تجب الكفارة، لعدم مجيئه بوضوء صحيح لا موالاة فيه، اللهم إلا أن يفهم من النذر دخول الوضوء الذي يكون فساده من جهة مخالفة النذر فيجب عليه الكفارة حينئذ، و للمحقق الثاني و صاحب المدارك كلام لا يخلو من نظر يعرف مما قدمنا، أعرضنا عنه خوف الإطالة، فلاحظ و تأمل.

و ليعلم أنه لا فرق في جميع ما ذكرنا بين القول باستحباب الموالاة و القول بوجوبها التعبدي من غير بطلان، بل هو أولى على الثاني، لعدم زيادة الواجب بالنذر على ذلك الوجوب، فقول العلامة: الأقرب الصحة مع قوله: بالوجوب التعبدي سابقا من غير تردد لا يخلو من تأمل، و احتمال أن صيغة النذر تقضي بالشرطية واضح الفساد، و كذلك لو قلنا بالوجوب الشرطي مع الوجوب التعبدي لا يفسد الوضوء بغير ما كان يفسد به سابقا قبل النذر من تركها مع الاختيار، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة في أن الغسلة الواحدة فرض و الثانية سنة]

المسألة الثالثة و هي أن الفرض في الغسلات أي غسلة الوجه و اليمنى و اليسرى مرة واحدة قولا واحدا عندنا، بل نسبه في المنتهى إلى علماء الأمصار إلا ما نقل عن الأوزاعي و سعيد بن مسيب من التثليث، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و الى إطلاق الأمر بالغسل في الكتاب و السنة المتحقق بالمرة الواحدة و إلى الوضوءات البيانية أصالة و حكاية عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)(1)و أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)- ما كاد يقرب من التواتر المعنوي في أخبارنا من كون الواجب من الغسل مرة واحدة، و قد تسمع بعضها فيما يأتي و الأقوى أن الغسلة الثانية سنة كما هو خيرة المقنعة و الانتصار و التهذيب و الاستبصار و الخلاف و الجمل و العقود و الإشارة و المراسم و السرائر و المعتبر و النافع و المنتهى و المختلف و القواعد و الإرشاد و التحرير و الذكرى و اللمعة و غيرها من كتب المتأخرين، بل و عن كتب المتقدمين من المبسوط و الغنية و الوسيلة و المهذب و غيرها، بل في الانتصار و السرائر و عن الغنية دعوى الإجماع عليه، و في الاستبصار لا خلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 267

بين المسلمين أن الواحدة هي الفريضة، و ما زاد عليه سنة، و نسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

صحيحة زرارة عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يؤجر عليه»

و نحوه صحيح معاوية بن وهب (2)و صحيح صفوان (3)و

مرسل أبي جعفر الأحول عن الصادق (عليه السلام)(4)أيضا قال: «فرض الله الوضوء واحدة واحدة، و وضع رسول الله (صلى الله عليه و آله) للناس اثنتين اثنتين»

و

مرسل عمرو بن أبي المقدام عن الصادق (عليه السلام)(5)أنه قال: «اني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين و قد توضأ رسول الله (صلى الله عليه و آله) اثنتين اثنتين»

و

خبر الفضل بن شاذان (6)عن الرضا (عليه السلام) أنه قال في كتاب إلى المأمون: «ان الوضوء مرة فريضة، و اثنتان إسباغ»

و مفهوم

قول الصادق (عليه السلام)(7)في خبر عبد الله بن بكير: «من لم يستيقن أن واحدة من الوضوء تجزؤه لم يؤجر على اثنتين».

و

خبر داود الرقي (8)على ما نقل عن الكشي في كتاب الرجال قال: «دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له جعلت فداك كم عدة الطهارة؟ فقال: أما ما أوجبه الله فواحدة، و أضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه و آله) واحدة لضعف الناس، و من توضأ ثلاثا فلا صلاة له، أنا معه في ذا حتى جاء داود بن زربي، فسأله عن عدة الطهارة فقال له ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له، قال فارتعدت فرائصي و كاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبو عبد الله (عليه السلام) إلى و قد تغير لوني، فقال اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق، قال: فخرجنا من عنده، و كان ابن زربي إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 28.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 29.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 15.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 16.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 23.
7- 7 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 268

جوار بستان أبي جعفر المنصور، و كان قد ألقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي، و انه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقال أبو جعفر المنصور: اني مطلع إلى طهارته، فان هو توضأ وضوء جعفر بن محمد (ع) فإني لأعرف طهارته حققت عليه القول و قتلته، فاطلع و داود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا كما أمره أبو عبد الله (عليه السلام) فما أتم وضوءه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور، فدعاه، قال: فقال داود: فلما أن دخلت رحب بي، و قال: يا داود قيل فيك شي ء باطل، و ما أنت كذلك، قد اطلعت على طهارتك و ليس طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل، و أمر له بمائة ألف درهم، قال: فقال داود الرقي: التقيت أنا و داود ابن زربي عند أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: فقال داود بن زربي: جعلت فداك حقنت دماءنا و نرجو أن ندخل بيمنك و بركتك الجنة فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

فعل الله ذلك بك و بإخوانك من جميع المؤمنين، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لداود بن زربي: حدث داود الرقي بما مر عليكم حتى تسكن روعته، قال فحدثته بالأمر كله، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لهذا أفتيته، لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو، ثم قال: يا داود بن زربي توضأ مثنى مثنى، و لا تزدن عليه، فان زدت فلا صلاة لك».

و

خبر محمد بن الفضل (1)على ما في إرشاد المفيد «إن علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام) فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا، و تخلل شعر لحيتك، و تغسل يديك الى المرفقين ثلاثا، و تمسح رأسك كله، و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما، و تغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا، و لا تخالف ذلك الى غيره، فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 269

أبو الحسن (عليه السلام) فيه مما جميع العصابة على خلافة، ثم قال: مولاي أعلم بما قال، و أنا أمتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن (عليه السلام)، و سعي بعلي بن يقطين الى الرشيد و قيل إنه رافضي، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر إلى وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن (عليه السلام) ابتدأ من الآن يا علي بن يقطين، و توضأ كما أمرك الله تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة، و أخرى إسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك، و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك».

و هما صريحان في المطلوب، و نقلناهما بطولهما لما فيهما من الاعجاز و نحوه، إلى غير ذلك من الأخبار، كالمنقول من

كتابة القائم (عجل الله فرجه) إلى العريضي من أولاد الصادق (عليه السلام) «الوضوء كما أمر به غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين واحد، و اثنان إسباغ الوضوء، و إن زاد على الاثنين أثم»

و غيره، و ما في بعضها من الضعف في السند غير قادح، لأنها- مع كثرتها و تعاضدها و موافقتها للصحاح و كون الحكم استحبابيا يتسامح فيه- منجبرة بما سمعت من الإجماعات المنقولة و الشهرة التي كادت تكون إجماعا، إذ لم ينقل الخلاف في ذلك إلا من الصدوق و الكليني و البزنطي (رحمهم الله) فإنهم قالوا: بعدم الأجر، و اختاره بعض المتأخرين كالفاضل الهندي و غيره، و اضطرب الأمر على متأخري المتأخرين حتى لا يدري أحدهم كيف يصنع، فأكثروا من الكلام بما هو بعيد من الصواب في المقام، و ربما فهم بعضهم من المشايخ الثلاثة القول بالحرمة، و هو بعيد كما ستعرف، نعم يظهر من الخلاف و السرائر وجود قائل من أصحابنا بكون الثانية بدعة، إلا انا لم نعثر عليه، و احتمال إرادة الصدوق

ج 2، ص: 270

بذلك لكونه المعروف في الخلاف يبعده ما ستسمعه من عبارته و ما نقل عنه في الأمالي من أنه صرح بجواز المرتين بل نسبه إلى عقائد الإمامية.

و قال في الفقيه بعد أن ذكر بعضا من الوضوءات البيانية الدال على الغسل مرة:

و قال الصادق (عليه السلام) (1): «و الله ما كان وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا مرة مرة، و توضأ النبي (صلى الله عليه و آله) مرة مرة، و قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»

و أما الأخبار التي رويت في أن الوضوء مرتين فأحدها بإسناد منقطع برواية أبي جعفر الأحول (2)و ذكر الخبر المتقدم، و حمله على الإِنكار على معنى أنه حد الله حدا فتجاوزه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و تعداه، و قد قال الله عز و جل (3) :

(وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) و قد

روي (4)أن «الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه و من يعصيه و ان المؤمن لا ينجسه شي ء و انما يكفيه مثل الدهن»

و

قال الصادق (عليه السلام)(5): «من تعدى في وضوئه كان كناقضه»

ثم قال: و في ذلك حديث آخر بإسناد منقطع رواه عمرو بن أبي المقدام، ثم ذكر الخبر المتقدم و حمله على إرادة تجديد الوضوء، قال: فإن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يجدد الوضوء لكل فريضة، قال:

و الخبر الذي

روي (6)أن «من زاد على مرتين لم يؤجر»

يؤكد ما ذكرته، و معناه أن التجديد بعد التجديد لا أجر له و كذلك ما

روي (7)أن «مرتين أفضل»

معناه التجديد و كذلك

ما روي (8)في مرتين أنه (إسباغ)

إلى أن قال: و قد فوض الله عز و جل أمر دينه إلى نبيه (ص) و لم يفوض اليه تعدي حدوده، و

قول الصادق (عليه السلام)(9):


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء حديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء حديث 15.
3- 3 سورة الطلاق- الآية 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 13.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 18.
7- 7 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 19.
8- 8 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 20.
9- 9 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 14.

ج 2، ص: 271

«من توضأ مرتين لم يؤجر»

يعني أنه أتى بغير الذي أمر به و وعد الأجر عليه فلا يستحق به أجرا، و كذلك كل أجير إذا فعل غير ما استؤجر عليه لم يكن له أجرة» انتهى. و عنه في موضع آخر الوضوء مرة مرة، و من توضأ مرتين لم يؤجر، كما قال في الهداية: «و من توضأ مرتين لم يؤجر، و من توضأ ثلاثا فقد أبدع» و لا صراحة في هذه العبارات بالحرمة، و لذا نقل عنه بعض المتأخرين أنه قال: لا أجر عليها و اختاره، لكن قد يقال إنه يفهم من حمله رواية عمرو بن أبي المقدام على ما تقدم الحرمة، بل و قوله لا أجر عليها، لعدم تصور الإباحة في جزء العبادة، كتفسيره

قول الصادق (عليه السلام) «من توضأ مرتين لم يؤجر»

بما سمعته من إرادة التبرع لعدم الاذن، و إن كان لا يخلو من بحث، إلا أن تحقيق حاله ليس بمهم.

و قال الكليني بعد ذكره

خبر عبد الكريم سألت أبا عبد الله (عليه السلام)(1)«عن الوضوء، فقال: ما كان وضوء علي (عليه السلام) إلا مرة مرة»

: «هذا دليل على أن الوضوء مرة، لأنه كان إذا ورد عليه أمران كلاهما طاعة لله أخذ بأحوطهما و أشدهما على بدنه، و ان الذي جاء عنهم (ع) أنه قال: الوضوء مرتان لمن لم يقنعه مرة و استزاده فقال: مرتان، ثم قال: و من زاد على مرتين لم يؤجر، و هذا غاية الحد في الوضوء الذي من تجاوزه أثم و لم يكن له وضوء، و كان كمن صلى الظهر خمس ركعات، و لو لم يطلق (عليه السلام) في المرتين لكان سبيلها سبيل الثلاث» انتهى. و عبارته كالصريحة في كون الثانية مباحة، فمن العجيب ما فهم منه صاحب الحدائق من الحرمة، و قال البزنطي في نوادره على ما قيل: «و اعلم أن الفضل في واحدة، و من زاد على اثنتين لم يؤجر» و هو كذلك كالصريح في الإباحة، بل قد يدعى أنه يفهم منه الاستحباب، إلا أن الأفضل الاقتصار على الواحدة.

و كيف كان فحاصل ما يمكن أن يعارض به ما تقدم من الأخبار الدالة على الاستحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 272

هو الوضوءات البيانية، مع ما في بعضها

أنه (ع) قال بعد الفراغ (1): «هذا وضوء من لم يحدث حدثا»

يعني به التعدي في الوضوء و ما

ورد أن (الوضوء واحدة واحدة(2)

و انه

(ما توضأ رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلا مرة مرة)(3)

و

ما كان وضوء علي (عليه السلام) إلا مرة واحدة(4)

و

خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) أيضا(5)أن «من تعدى في الوضوء كان كناقضه»

و

مرسل ابن أبي عمير عنه (عليه السلام)(6)أيضا قال: «الوضوء واحدة فرض، و اثنتان لا يؤجر، و الثالثة بدعة»

و

مرسل الفقيه المتقدم أنه «من توضأ مرتين لم يؤجر»

و

مرسله الآخر أنه «توضأ النبي (صلى الله عليه و آله) مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»

و

خبر ابن أبي يعفور المنقول عن نوادر البزنطي عن أبي عبد الله (عليه السلام)(7)في الوضوء قال:

«اعلم أن الفضل في واحدة، و من زاد على اثنتين لم يؤجر»

لكن هذه الأخبار- مع عدم ما في بعضها من المنافاة كالوضوءات البيانية لظهور ان المراد منها حكاية الواجب كما يقضي به ترك كثير من المستحبات فيها كما أن المراد ب

قوله (ع) بعد أحدها (هذا وضوء من لم يحدث حدثا)

التعريض على العامة الذين أدخلوا في الوضوء أشياء لم يأمر بها الله، و إلا فليس المراد عدم جواز التعدي عن هذه الكيفية بفعل بعض المستحبات كالمضمضة و الاستنشاق و التسمية و نحو ذلك قطعا، بل و كذا ما دل على أن الوضوء واحدة واحدة و ان التعدي في الوضوء كالنقصان، لعدم ثبوت كون ذلك من التعدي و اشتراك الآخر بالضعف و الإرسال و مخالفة المشهور بين الأصحاب بل المجمع عليه كما سمعته- لا تعارض تلك الأخبار الصحيحة الصريحة في الجملة، و مع ذا فلا صراحة فيه، أما ما دل على أنه ما كان وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) و علي (عليه السلام) إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 24.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 27.

ج 2، ص: 273

مرة مرة فلعل المراد بها الغرفة، أو ان استحباب الغسل بالنسبة إلى غيرهم كما يشعر بذلك

الخبر «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) وضع الثانية لضعف الناس»

و كان وجهه ما نقل عن ابن أبي عقيل أن الاثنتين سنة لئلا يكون قد قصر المتوضي في المرة، فتأتي الثانية على تقصيره، و هم منزهون عن احتمال ذلك، فيكون الاستحباب بالنسبة إلى غيرهم، على أنه معارض بما سمعت في

خبر عمرو بن أبي المقدام «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) توضأ اثنتين اثنتين»

و حمله على إرادة التجديد كما سمعته من الفقيه في غاية البعد، لتكرر لفظ اثنتين مرتين، مع أن كون التجديد ليس منحصرا في واحدة، بل متى قام احتمال الحدث مثلا أو طال زمان استحب التجديد، مع أن الراغب عن التجديد غير مأنوس حتى تكون الرواية تعريضا به، و من هنا تعرف ما في حمل الأخبار الأخر الدالة على أن الوضوء مثنى مثنى على التجديد أيضا، خصوصا مع اشتمال بعضها على قوله (عليه السلام): (و من زاد فلا أجر له).

فالأوجه الجمع بين هذه الرواية و رواية المرة بأن عادته (عليه السلام) كانت المرة، لكون الثانية مستحبة بالنسبة إلى غيره، إلا أنه اتفق له فعلها يوما من الأيام لغرض من الأغراض الصحيحة، كعدم تنفر الناس عنها بتركها و نحوها، فتكون مستحبة بالنسبة إليه بالعارض، و أما ما دل على عدم الأجر بالثنتين كما في مرسل ابن أبي عمير و غيره فقد يكون المراد منه أن من لم يستيقن أن الواحدة تجزؤه لا أجر له على الثانية، بمعنى.

يحبط الله أجره عليها كما يومي إليه خبر عبد الله بن بكير المتقدم، بل لعله مقتضى الجمع بين المطلق و المقيد.

إذا عرفت ذلك كله علمت أن المتجه ما عليه الأصحاب من حمل الغسلة الأولى على الوجوب، و حمل الثانية على الاستحباب، و ما عن بعض المتأخرين من حمل روايات مثنى مثنى على التقية مدعيا أن العامة تنكر الوحدة، و تروي في أخبارهم التثنية ضعيف، و هو- مع عدم إمكان جريانه في جميع ما سمعت من الأخبار بل قد يظهر من رواية داود

ج 2، ص: 274

ابن زربي و مكاتبة علي بن يقطين أن المعروف عندهم التثليث لا التثنية، و أن في بعضها (من زاد فلا أجر له) مما لا يقولون به- ليس بأولى مما ذكره الأصحاب، و كذا ما نقل عن بعضهم من أن المراد بقوله (عليه السلام): مثنى مثنى أي غسلتان و مسحتان، و كأن الذي دعاه إلى ذلك ما في بعضها أن

الصادق (عليه السلام) قال: «الوضوء مثنى من زاد لم يؤجر عليه و حكى لنا وضوء رسول الله (صلى الله عليه و آله) فغسل وجهه مرة واحدة و ذراعيه مرة واحدة»

إلى آخره. لظهور المنافاة بين حكايته و قوله، فلا بد من حمل التثنية على ذلك حتى يحصل الاتفاق، لما فيه- مع عدم إمكان جريانه في كثير مما تقدم من الأدلة- أنه محتاج إلى التجوز بجعل اليدين عضوا واحدا، و كذا الرجلين حتى تحصل الاثنينية، و كذا ما يظهر من صاحب المدارك من حمله رواية الاثنين على نهاية الجواز، إذ هو- مع عدم جريانه في كثير مما سمعت أيضا- مناف لاعتبار الرجحان في جزء العبادة، اللهم إلا أن يدعي أنه رخصة من الشارع، و ليس جزء عبادة، و هو في غاية البعد، لاستلزامه تخصيص ما دل على المسح بماء الوضوء و غيره بذلك، و كذا ما ذكره بعضهم من حمل أخبار التثنية على الغرفتين، و أخبار المرة على الغسلة، فيكون المستحب الغسلة الواحدة بغرفتين، و ادعى أنه بذلك تتجه الأخبار، و استدل عليه ب

حديث زرارة و بكير(1)قلنا: «أصلحك الله تعالى فالغرفة الواحدة تجزي للوجه و غرفة للذراع، فقال (عليه السلام): نعم، و اثنتان تأتيان على ذلك كله»

و فيه- مع مخالفته أيضا لكثير من الوضوءات البيانية، و عدم إمكان جريانه في نحو رواية داود ابن زربي و مكاتبة علي بن يقطين و غيرهما- أنه تحكم في الأخبار، و حمل لها على ما تشتهي النفس من غير مرشد، و ما ذكره من الخبر لا إشعار فيه بذلك فضلا عن الظهور، فتأمل و ليقض العجب مما في الحدائق من اختياره حرمة الثانية و انها تشريع، و جمعه بين الروايات بأن مدارها جميعا على استحباب الإسباغ، أي الإتيان بالغسل الواجب


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 275

بماء كثير، فيكون المجزي منه ما كان مثل الدهن، و المستحب ما اشتمل على الإسباغ و هو يحصل إما بغرفة واحدة ملأ الكف مع البلاغة فيها، أو يحصل بغرفتين بدون المبالغة، و جمع بذلك بين جميع الروايات حتى الوضوءات البيانية. إذ هو- مع أنه مناف للإجماع من جواز الثانية و انها ليست بمحرمة، و ما ادعاه من حمل كلام الصدوق عليه و الكليني قد عرفت أنه لا صراحة فيهما بذلك سيما الثاني، بل و الأول أيضا، لما عنه في الأمالي أنه نسب الجواز الى اعتقاد الإمامية- لا يتجه بالنسبة إلى رواية داود ابن زربي و لا رواية علي بن يقطين، لكونهما كالصريحتين في إرادة الغسل، بل و كذا غيرهما كخبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) المتقدم سابقا، و نحوه ما صدر من بعض متأخري المتأخرين مما ينافي بظاهره الجمع، و منشأه سوء الطريقة و الاعراض عن كلمات أصحابنا الماهرين الذين هم أعلم بمضامين أخبار الأئمة المعصومين (عليهم السلام) و إلا فلولاه لأمكن الجمع بين الروايات بأمور أخر، منها أن يقال: إن المستحب الغسلة الواحدة، فمن غسل مرتين كان ناقص الأجر، على معنى أن للمستحب فردين، أشقهما أقلهما ثوابا كما يشعر به خبر البزنطي المتقدم سابقا، و غير ذلك من الوجوه، و الله أعلم.

ثم اعلم أن ظاهر الأصحاب استحباب الغسلة الثانية، فلا يجوز حينئذ جعل الأولى مستحبة، و الثانية واجبة، و لعله كذلك، لكونه المتبادر من النصوص، كما أن الظاهر المتبادر استحباب الثانية بعد تمام الغسلة الأولى، و إلا فمتى كان العضو ناقصا لم يحصل الاستحباب، بل الظاهر عدم الاكتفاء بالتبعيض على معنى غسل بعض العضو ثم يغسله ذلك مرة أخرى ثم يتم الأول ثم الثاني، نعم الظاهر جواز التبعيض بالنسبة إلى الأعضاء على معنى غسل الوجه مرتين دون اليدين مثلا، و المرجع في تحقق الغسلة الثانية العرف، فلا يصدق على آنات المكث بالنسبة للوضوء بالارتماس أنه غسل ثان أو ثالث، و كذا ما يحصل للإنسان من إمرار اليد على العضو مرات زائدة على مقدار الواجب، لكن لعل

ج 2، ص: 276

عدم الحكم بالنسبة للأخير لكونه غير مقصود به غسلا ثانيا أو ثالثا، و إلا لو قصد حصل بخلاف آنات المكث، فإنه و إن قصد لم يحصل، لعدم الصدق عرفا، فتأمل جيدا.

و الغسلة الثالثة بنية أنها من الوضوء بدعة كما في الخلاف و السرائر و المعتبر و النافع و المنتهى و المختلف و التحرير و ظاهر الهداية، بل عن صريح المبسوط و ظاهر المقنع أنها عندنا بدعة، و نسبه في المختلف إلى أكثر علمائنا، و الظاهر أن المراد بالبدعة في كلامهم الحرمة التشريعية، فيكون مضافا إلى ما سمعت خيرة الكافي و القواعد و الذكرى و الدروس و التنقيح و جامع المقاصد و غيرهم، كما هو ظاهر الانتصار و المراسم و غيرها مع اعتقاد المشروعية كصريح الوسيلة على ما نقل عنها، و في المدارك لا ريب في تحريم الثالثة.

قلت: تفصيل الحال أن يقال إما أنها ليست مستحبة فالإجماع محصل عليه فضلا عن المنقول، و إما كونها محرمة فهو المشهور نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي إجماع في الحقيقة، لعدم قدح خلاف المفيد فيه، كالمنقول عن ابن الجنيد، قال في المقنعة: «و تثليثه تكلف، و من زاد على ثلاث أبدع و كان مأزورا» و ابن الجنيد: «الثالثة زيادة غير محتاج إليها» مع عدم صراحة الثاني بعدم الحرمة، كالمنقول عن ابن أبي عقيل أنه ان تعدى المرتين لا يؤجر عليه، و يدل عليه- مضافا إلى ما دل على حرمة إدخال ما ليس من الدين في الدين- خصوص

مرسلة ابن أبي عمير(1)عن الصادق (عليه السلام): «و الثالثة بدعة»

منضما إلى

قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحيم القصير(2): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار»

و مع الباقر (عليه السلام) في خبر الفضل بن شاذان (3)مرفوعا نحو ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 أصول الكافي- كتاب فضل العلم- باب البدع و الرأي- حديث 12.
3- 3 أصول الكافي- كتاب فضل العلم- باب البدع و الرأي- حديث 8.

ج 2، ص: 277

مؤيدا بما

روي (1)«أن الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه و من يعصيه»

و لا ريب أن من زاد في الوضوء فقد تعدى، كما يقضي به بعض الأخبار، ل

قوله (عليه السلام)(2)فيها بعد أن فرغ من الوضوء: «هذا وضوء من لم يحدث حدثا»

و

قال الصادق (عليه السلام)(3)في خبر السكوني: «أن من تعدى في الوضوء كان كناقضه»

بل قد يستدل عليه ب

قول الصادق (عليه السلام)(4)لداود بن زربي: «توضأ مثنى مثنى، و لا تزدن عليه، فان زدت عليه فلا صلاة لك»

و ب

قوله (عليه السلام) في صدر هذا الخبر: إن «من توضأ ثلاثا فلا صلاة له»

و إن كان قد يناقش في الأخير بأنه لا يدل إلا على البطلان، و هو أعم من الحرمة، بل يمكن المناقشة في النهي المتقدم عن الزيادة بأن النواهي و الأوامر في بيان الواجب و المستحب لا تفيد إلا الإيجاب الشرطي و إن كانت حقيقة في الوجوب بالمعنى المصطلح، كما يشهد بذلك كثرة و ورودها في المعاملة و نحوها.

و ربما استدل أيضا على الحرمة بأن فيها تفويتا للموالاة، و قد عرفت وجوبها، و فيه أنه على تقدير التسليم لا يفيد حرمة الفعل، بل يقضي بحرمة الترك، و الأمر بالشي ء ليس نهيا عن ضده، على أنه ليس مناف للمتابعة العرفية، و أيضا قد عرفت عدم وجوبها بمعنى المتابعة، و ذلك لا يتم إلا عليها، و دعوى أنه يتم أيضا على القول بمراعاة الجفاف، لأن الغسل الثالث مذهب و مزيل لماء الوضوء الأول مدفوعة بما سمعت من أن المراد بمراعاة الجفاف تقدير زماني، و أيضا فالحكم معلق على الجفاف، و هو غير صادق في المقام، على أن رطوبة الوضوء باقية و إن امتزج معها غيرها، و كيف كان ففي الأدلة المذكورة كفاية، و لم نعثر على ما يدل على قول المخالف سوى الأصل، و

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 24.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 278

(عليه السلام) في رواية زرارة(1): «الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يؤجر عليه»

و الأصل مقطوع بما سمعت، و الخبر أعم من الإباحة، بل قد يدعى أن ذلك كناية عن الحرمة، لعدم تصور الإباحة في جزء العبادة.

و أما المناقشة فيما ذكرناه من الأدلة بأن اللازم منه تحريم اعتقاد ندبيتها لا فعلها بدون ذلك الاعتقاد، بل و مع الاعتقاد أيضا، و الكلام في حرمة الفعل لا اعتقاد، بل قد يناقش في حرمة ذلك الاعتقاد، لأنه قد يكون ناشئا من اجتهاد أو تقليد، فلا إثم حينئذ و إن كان خطاء، و دعوى أن ذلك من الضروريات ممنوعة، و إلا

لقضي بكفر المعتقد و لا قائل به، بل قد يمنع تصور الاعتقاد مع العلم بعدم المشروعية. ففيها أن المراد بحرمة غسل الثالثة إذا جي ء بها على جهة المشروعية، كما هو الظاهر من الأدلة لأن مساقها الرد على العامة المبدعين استحبابها، فالإتيان بها حينئذ لا على هذا الوجه بل كان لغرض من الأغراض كالتبريد و نحوه أو عبثا خارج عن محل الفرض، و لا حرمة فيه من جهة التثليث، نعم قد تحصل الحرمة حينئذ من أمور أخر كاستلزامها فوات الموالاة بمعنى المتابعة إن قلنا بوجوبها، أو بطلان الوضوء لمكان المسح بالماء الجديد إن قلنا بحرمة قطع العمل، و أما دعوى عدم حرمتها حتى لو جي ء بها على جهة المشروعية زعما منه أن المحرم الاعتقاد دون الفعل فهو مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافه، كما أن الظاهر أن التشريع ليس مخصوصا بالجاهل الذي يتصور منه الاعتقاد، بل يجري فيه و في العالم، لأن المحرم هذه الصورة و النية الجعلية، سيما في الرئيس ذي الأتباع كأبي حنيفة و مالك، و من العجيب قوله آخرا: إنه قد يناقش في حرمة ذلك الاعتقاد الى آخره، إذ الكلام في التشريع المحرم، و هو عبارة عن إدخال ما ليس من الدين في الدين، إما من العالم بعدم مشروعيته، أو من الجاهل الغير المعذور، و يكفي في الحرمة تلك الصورة، كل ذلك مع ما عرفت من ظواهر


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 279

الأدلة من كون الثالثة بدعة و نحوه القاضية بحرمة الفعل كما هو واضح.

ثم انه بعد البناء على الحرمة فهل يفسد الوضوء بفعلها أو لا؟ أقوال أربعة: (الأول) الفساد مطلقا كما هو ظاهر إشارة السبق و عن كافي أبي الصلاح، (الثاني) الصحة مطلقا، و استوجهه المصنف في المعتبر، و (الثالث) الفساد إن مسح بمائها، لكونه ماء جديدا و (الرابع) تخصيص البطلان بغسل اليسرى ثلاثا، لكونه المستلزم المسح بماء جديد دون غيره، و كان مستند (الأول)

قوله (ع) في صدر خبر داود المتقدم: «و من توضأ ثلاثا فلا صلاة له»

و في آخره

«توضأ مثنى مثنى، و لا تزدن فان زدت فلا صلاة لك»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني «ان من تعدى في الوضوء كان كناقضه»

مضافا إلى

قوله (صلى الله عليه و آله) في غير المشتمل على الثلاث «ان هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»

و انه لم يأت بالمأمور على وجهه، لكون المفروض أنه مأمور به مرة مرة واجبا و مثنى مثنى مستحبا، و التثليث مناف للكيفيتين، و قد تكون الاثنينية فقط لها مدخلية في الصحة، سيما على القول بأن ألفاظ العبادات اسم للصحيح، أو لم يعلم أنه له أو للأعم، و شغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، مع استصحاب حكم الحدث السابق، و ينبغي القطع بصحة هذا القول فيما لو كان التشريع في أصل النية، بأن يكون قد نوى التقرب بوضوء مشتمل على ثلاث غسلات، لأنه نوى القربة بما ليس مقربا، و المقرب الحقيقي لم ينوه، بل الظاهر حصول البطلان في نحو الفرض و إن لم يفعل الفعل المشرع به، أما لو لم يأخذه بالنية إما بأن يكون نوى القربة بالوضوء الحقيقي لكنه قصد التشريع في الأثناء، أو أنه نوى القربة بالوضوء الواقعي و كان يزعم أن المشتمل على الثلاث من جملته فالظاهر عدم حصول البطلان، لكونه نهيا عن شي ء خارج عن العبادة، و بطلان الصلاة بنحو ذلك لدليل خاص من إجماع أو غيره أو لكون الظاهر من الأدلة أنها هيئة اجتماعية مترتبة تقدح فيها الزيادة و النقيصة، بخلاف الوضوء كما يظهر من الإجماع على عدم البطلان فيما لو كرر المسح مشرعا أو خالف الترتيب و لما يحصل

ج 2، ص: 280

الجفاف و نحو ذلك، و احتمال القول بالبطلان لا للتشريع بل للاستظهار مما سمعت من الأدلة السابقة و إن كان ممكنا إلا أن أقواها خبر داود، و هو لا جابر له في خصوص ذلك، بل مو هون بمصير المشهور إلى خلافه، و كذا

قوله (ع): (من تعدى في الوضوء كان كناقضه)

بل لعلهما محمولان على إرادة الإدخال في أصل النية كما عرفت، بل قد يظهر من بعضهم أن داود القائل بالبطلان انما هو إذا استلزم المسح بمائها فلا مخالف حينئذ.

و مما يرشد إلى عدم البطلان مضافا إلى ما سمعت

قول الصادق (عليه السلام)(1)في خبر زرارة: «الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يؤجر عليه»

فكان القول بالبطلان حينئذ انما يكون من شي ء خارجي غير زيادة الثالثة، فنقول حينئذ لا نرى وجها للفساد بفعلها سوى ما يقال ان فيه تفويتا للموالاة و قد عرفت ما فيه. و سوى ما يقال إنه مستلزم للمسح بماء جديد، و هو حق حيث يستلزم، فلا فساد لو غسل الوجه حينئذ وحده، أو مع اليمنى من دون غسل اليسرى ثلاثا، لكن بشرط مباشرة غسلها باليمنى، ليكون الباقي في اليمنى نداوة وضوء حينئذ، أو قلنا بجواز مسح الرأس و الرجلين باليد اليسرى، فإنه لا يقدح حينئذ غسل اليمنى ثلاثا، و لم يباشر بها غسل اليسرى، لكون المسح خاصة باليسرى، و به يظهر أنه لو غسل اليسرى ثلاثا أيضا و لم يغسل اليمنى كذلك لم يبطل الوضوء إن

جوزنا مسح الرأس و الرجلين باليمنى خاصة، و كذا لو غسلهما معا ثلاثا و لم يغسل الوجه كذلك و قلنا بجواز تجفيف الكف و أخذ ما على أعضاء الوضوء من ماء الوضوء اختيارا، كما ظهر لك قوته سابقا، فكان المدار حينئذ على وقوع المسح بمائها من غير إمكان التدارك لوجه من الوجوه، و أما ما في المعتبر من أنه لا يبطل و إن مسح بمائها زعما منه أن اليد لا تنفك عن نداوة الوضوء فيجتزي بالمسح حينئذ ففيه ما عرفت سابقا من أن المتبادر أنه يجب المسح بها خالصة، على أن المركب من الخارج و الداخل خارج


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 281

مع أنه لا يصدق على تمام مسح طول الرجل مثلا بنداوة الوضوء، هذا إن لم نقل بعدم صدق اسم النداوة مع الغسلة الثالثة، و إلا لجاز أخذ ماء جديد و مزجه مع ما في اليد و المسح به، و صريح الروايات و كلام الأصحاب ينفيه. فظهر لك حينئذ من هذا أنه لا وجه لإطلاق القول بالبطلان لمكان المسح بمائها، لما عرفت من أنه لا تلازم بين فعلها و المسح بمائها، نعم هو متجه في بعض الأفراد، و لذا قال في الدروس: و يبطل إن مسح بمائها، و نحوه عن الذكرى و البيان، و في المدارك ينبغي القطع ببطلان الوضوء إن مسح ببلتها.

ثم اعلم أنه قد يظهر من المدارك و المنتهى و كذا المعتبر الفرق بين ما نحن فيه من الغسلة الثالثة و بين من زاد ثانية معتقدا وجوبها بأنه لا يبطل الوضوء و إن مسح بمائها، لعدم خروجه بذلك عن ماء الوضوء بخلاف الثالثة، نعم في المعتبر جواز المسح بماء الثالثة لحصول بلة الوضوء لا لكون مائها ماء وضوء، لكن قد يختلج في بادئ الرأي الإشكال في هذا الفرق، و لذا قال في التذكرة: «لو اعتقد وجوب المرتين أبدع و أبطل وضوءه، لأن المسح بغير ماء الوضوء لعدم مشروعيته على إشكال» انتهى. قلت: و لعل الوجه في الفرق أن نية الوجوب في مقام الندب مع تشخص الفعل غير قادحة كالعكس، لكن اللازم من ذلك حينئذ عدم سقوط الأجر عليها مع تصريحهم بسقوطه، و لعله ل

قوله (عليه السلام): «من لم يستيقن أن واحدة في الوضوء تجزؤه لم يؤجر على الثنتين

» و ربما تخرج هذه الرواية دليلا على وجوب نية الوجه، إلا أن اللازم من العمل بهذه الرواية في خصوص المقام هو ما قاله في التذكرة، فالجمع حينئذ بين القول بكون مائها ماء وضوء مع عدم الأجر عليها لمكان هذه الرواية مما لا يخلو من إشكال، سيما مع البناء على اشتراط نية الوجه، فتأمل جيدا.

و ليس في المسح وجوبا و لا استحبابا تكرار بلا خلاف أجده، و هو مذهب الأصحاب كما في المعتبر، و مذهب علمائنا أجمع كما في المنتهى و التحرير و المدارك

ج 2، ص: 282

و عن التذكرة، بل في الخلاف تكرار مسح الرأس بدعة مدعيا عليه إجماع الفرقة، و في السرائر لا تكرار في مسح العضوين، فمن كرر ذلك كان مبدعا، و عن ابن حمزة أنه من التروك الواجبة، و كان مراد الجميع أنه محرم مع قصد المشروعية، و أما بدونها فلا، نعم في الدروس و عن البيان أنه مكروه، بل نسبه في الحدائق إلى الشهرة بين الأصحاب، و لم أعثر له على دليل خاص، لكن لمكان التسامح فيه يمكن الاكتفاء بفتوى من عرفت، و بما ذكر له من التعليل من أنه كلفة غير محتاج إليها، و للخروج من شبهة إطلاق المحرمين و نحو ذلك، مع ما عن شارح الدروس أنه لا بأس بالقول بالكراهة للشهرة بين الأصحاب، بل الإجماع ظاهرا انتهى، و

في الخلاف «أنه روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في مسح الرأس و القدمين واحدة»

قلت: الموجود في

رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)في مسح القدمين و مسح الرأس فقال: «مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره، و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما».

و كيف كان فيدل على الاكتفاء بالمرة- مضافا إلى ما تقدم- الوضوءات البيانية و إطلاق الأمر في الكتاب و السنة المتحقق بها، و بما سمعت من الإجماعات و غيرها يعلم أن المراد ب

قولهم (عليهم السلام) (الوضوء مثنى مثنى)

مالا يشمل المسح، و أما ما في

خبر يونس (2)قال: «أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب، و من الكعب إلى أعلى القدم»

بل عن ابن الجنيد الفتوى بمضمونه فلعل المراد منه أنه كرر استظهارا للاستيعاب الطولي، كما لعله يظهر من عبارة ابن الجنيد، و أن المراد فعل ذلك مرتين في وضوءين كما يرشد إليه

قوله (ع) فيه: «الأمر في مسح القدمين موسع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا، فإنه من الأمر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوضوء- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 283

الموسع إن شاء الله»

و على كل حال فان كرر بقصد المشروعية لم يبطل الوضوء بلا خلاف كما في السرائر و إجماعا في المدارك، و هو متجه إن لم يدخله في ابتداء النية كما عرفت سابقا، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة في كفاية مسمى الغسل]

المسألة (الرابعة) يجزئ في امتثال الأمر بالغسل ما يسمى به غاسلا عرفا و ان كان مثل الدهن كما في سائر الألفاظ التي ليست لها حقيقة شرعية، مع أنه ليس في اللغة ما ينافي المعنى العرفي هنا، و الظاهر أخذ الجريان في مفهومه عرفا، كما في الانتصار و السرائر و المنتهى و القواعد و الذكرى و الدروس و جامع المقاصد و التنقيح و كشف اللثام و الناصريات و المبسوط و المهذب و البيان و روض الجنان، بل في السرائر أنه الموافق للسان الذي أنزل به القرآن، و في كشف اللثام أنه يشهد به العرف و اللغة، و عن الروض انه في اللغة إجراء الماء على الشي ء إزالة الوسخ و نحوه بإجراء الماء عليه، و عن حاشية المجلسي على التهذيب «ان ظاهر الأصحاب اتفاقهم على لزوم الجريان في غير حال الضرورة، و ان الأصحاب حملوا أخبار الدهن على أقل مراتب الجريان مبالغة» انتهى. و في التنقيح تحديد أقل الغسل أن يجري جزء من الماء على جزءين من البشرة إما بنفسه أو بإجراء المكلف له، كما عن المحقق الثاني و الشهيد الثاني، لكن نظر في دلالة العرف عليه في المدارك، كما انه في الحدائق استشكل في أصل اعتبار الجريان في مفهوم الغسل ناقلا عن بعض تحقيقات الشهيد الثاني، انه قال: «إن ذلك غير مفهوم في كلام أهل اللغة، لعدم تصريحهم باشتراط جريان الماء في تحققه، و إن العرف دال على ما هو أعم، إلا انه المعروف من الفقهاء سيما المتأخرين و المصرح به في عباراتهم» انتهى.

قلت: لا ينبغي الإشكال في عدم صدق اسم الغسل على مجرد إصابة نداوة اليد لغيرها من الجسد بحيث علقت أجزاء لا قابلية لها للجريان لا بنفسها و لا بمعين، و استوضح ذلك بالنسبة إلى تطهير المتنجسات، بل عليه متى تحقق المسح بالنداوة لا بد أن يتحقق معه

ج 2، ص: 284

غسل إلا إذا لم تعلق منها أجزاء، و في تحقق المسح بها حينئذ إشكال كما تقدم سابقا، نعم قد يقال ان الغسل يختلف صدقه بالنسبة إلى العرف، فمنه مالا يتحقق إلا بالجريان، و منه ما يتحقق بالإصابة كما في الغسل بالنسبة إلى المطر أو وضع المغسول في الماء، كما ينبئ عنه اكتفاؤهم في غسل المجبر بوضعه في أنا فيه ماء حتى يصل الماء إلى البشرة، و ظاهرهم هناك أن ذلك لأنه غسل لا تعبد شرعي.

و كيف كان فالذي كان يدل على عدم الاكتفاء بماء لا جريان فيه- مضافا الى ما سمعت من عدم صدق اسم الغسل- ظواهر الوضوءات البيانية و

خبر زرارة(1)«الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه»

و لا قائل بالفرق بين الغسل و الوضوء، و

قوله (عليه السلام) في صحيحه (2)أيضا «كل ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء»

و

صحيحة علي بن جعفر(3)عن أخيه (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه، هل يجزؤه ذلك من الوضوء؟ قال إن غسله فان ذلك يجزؤه»

و لأنه لو لم يأخذ الجريان في مفهومه لم يحصل الفرق بين الغسل بالماء و المسح به، مع أن كون الوجه و اليدين في الوضوء من المغسولات و الرأس و الرجلين من الممسوحات مما كاد يكون من الضروريات، و على ما تقدم يمكن أن يكون جميع أجزاء الوضوء من الممسوحات، و هل هذا إلا من الخرافات، و كيف و قد

ورد(4)أنه «يأتي على الرجل ستون أو سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة، قلت: و كيف ذلك؟

قال: لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه»

هذا مع أن تغايرهما من الواضحات التي لا تقبل


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الجنابة- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الوضوء- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 285

التشكيك، و كأن الذي أدخل الشك على بعض الأعلام أخبار الدهن، لكن لا ينبغي لذلك ارتكاب ما هو بديهي البطلان.

و من هنا عدل بعض المتأخرين عن تلك الدعوى. و ادعى أنه يمكن القول بالاجتزاء بها لاعتبار أسانيد بعضها لا لأنه غسل، بل لأنه أمر اكتفى به الشارع و إن لم يسمى غسلا، فيكون الواجب بالنسبة إلى الوجه و اليدين أحد أمرين الغسل أو الدهن، و تحمل حينئذ جميع الأوامر الواردة في الكتاب و السنة التي كادت تكون صريحة، بل هي صريحة في إرادة الوجوب العيني، لمقابلته بالمسح على إرادة التخيير، و كذا نحو

قوله (1): (الوضوء غسلتان و مسحتان)

على إرادة الوضوء غسلتان أو دهنتان، أو أربع مسحات إن قلنا أن الدهن مسح على ما هو الظاهر، و ذلك مما لا يرتكبه من له أدنى معرفة في الفقه، بل الظاهر أنه مخالف للإجماع، و من هنا أشار المصنف و غيره كابن إدريس و العلامة و الشهيد إلى تأويل هذه الروايات بإرادة أنه يجزئ من الغسل ما كان بإجراء المكلف كالدهن بحيث تنتقل من محل إلى آخر، و في الذكرى «أن أهل اللغة يقولون دهن المطر الأرض إذا بلها بللا يسيرا» و قد تحمل الروايات عليه، و ليس فيها ما ينافي ذلك، فمنها

قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم(2) : «انما الوضوء حد من حدود الله تعالى ليعلم الله من يطيعه و من يعصيه، و ان المؤمن لا ينجسه شي ء، إنما يكفيه مثل الدهن»

و

قوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم (3): «يأخذ أحدكم الراحة من الدهن، و الماء أوسع من ذلك»

و

قوله (عليه السلام)(4)في الغسل و الوضوء: «و يجزئ منه ما أجري من الدهن الذي يبل الجسد»

بل الرواية الأخيرة كادت تكون كالصريحة فيما ذكرنا من التأويل، و كأن هذه الأخبار يراد منها


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوضوء- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الوضوء- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 286

المبالغة في عدم احتياج الوضوء إلى ماء كثير، و أنه لا ينبغي الإسراف فيه زيادة على الإسباغ.

و كون هذه الأخبار حينئذ لم تفد لنا حكما جديدا يدفعه- مع أنه ليس في ذلك بأس- قد يقال لو لا هذه الأخبار لأمكن القول بعدم إجزاء مثل هذا الفرد من الغسل لكونه من المطلق الذي ينصرف إلى الفرد الشائع منه، و ليس منه ذلك قطعا، بل كان ملاحظة الوضوءات البيانية و نحوها مما يشرف الفقيه إلى القطع بعدم جوازه، فيكون هذه الروايات أفادت الاكتفاء بأقل أفراد مسمى الغسل الذي هو كالدهن، و احتمال القول ببقاء الدهن فيها على حقيقته لكن العرف في ذلك الزمان غيره في هذا الزمان في غاية البعد جدا، بل لا ينبغي أن يلتفت إليه، إذ المرتضى (ره) في زمنه ادعى أخذ الجريان في مفهومه، و هو قريب من زمانهم (ع) كحملها على إرادة الاجتزاء بمثل الدهن عند الضرورة، و انه يقدم على التيمم، و قد يظهر ذلك من كلام الشيخين في باب غسل الجنابة سيما المفيد في المقنعة، إذ هو بعيد جدا من مضامين تلك الروايات، لظهور كثير منها إرادة الاجتزاء بها في الاختيار.

و ربما أيد ما ذكراه بما قيل من

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليهم السلام)(1)حيث سأله «عن الرجل الجنب أو على غير الوضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل أ يتيمم أو يمسح بالثلج؟ قال: الثلج إذا بل جسده و رأسه أفضل، و إن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم»

قيل و نحوها رواية معاوية بن شريح (2)و فيه- مع اشتماله على خلاف المدعى من التخيير بينه و بين التيمم عند الضرورة- أنه يحتمل أن يريد المسح مع الجريان و الأفضلية، إما في ضمن الوجوب أو للمشقة التي تجوز التيمم.

و كيف كان فالذي يظهر من الأدلة و كلام الأصحاب أنه لا فرق في حال الضرورة و الاختيار، و ذلك للاجتزاء بأقل مسمى الغسل فيهما، و عدم الاجتزاء بدونه فيهما بل ينتقل


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التيمم- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب التيمم- حديث 2.

ج 2، ص: 287

إلى التيمم، و أخبار الدهن قد عرفت انسياقها إلى ما سمعت، نعم إناطة مصداق الغسل بالعرف من دون تحديد له بانتقال جزء إلى جزءين أو إلى جزء أو نحو ذلك متجه. و الله أعلم و لا ينبغي الإشكال في عدم دخول الدلك في ماهية الغسل لغة و لا عرفا، كما أنه ليس بواجب آخر معه، لعدم الدليل عليه، بل عن الناصريات دعوى الإجماع على عدم وجوبه كما أنه في المعتبر في باب الغسل قال: «إن إمرار اليد على الجسد مستحب، و هو اختيار فقهاء أهل البيت (ع) و قال مالك: هو واجب» انتهى. و الظاهر أنه لا فرق بين الوضوء و الغسل، و لذا قال في المنتهى، «إمرار اليد ليس بواجب في الطهارتين، لكنه مستحب، و هو مذهب أهل

البيت (عليهم السلام)» انتهى. فما عن ابن الجنيد من إيجاب اتباع اليد بجريان الماء مما لا ينبغي أن يلتفت اليه، مع أنه نقل عنه في الذكرى في موضع آخر ما يلوح منه موافقة الأصحاب، و ما في بعض الوضوءات البيانية من إمرار اليد مع معارضته بأن ملاحظة كثير منها و من غيرها يظهر منه أن الواجب انما هو الغسل فقط، كقوله: (الوضوء غسلتان و مسحتان) و نحو ذلك لا دلالة فيه على الوجوب، لكون الغسل فيها انما كان بالصب، و يستبعد حصول اليقين بالاستيعاب بدون ذلك، بل لو لا ما سمعت من دعوى الإجماع على الاستحباب كما سمعت لأمكن المناقشة في دليله فضلا عن الوجوب.

و من كان في يده خاتم أو سير أو نحوهما مما يعلم منه عدم وصول الماء أو شك فعليه إيصال الماء إلى ما تحته على وجه الغسل إما بنزعه أو بتحريكه أو بغيرهما، فما في المقنعة و المراسم و غيرهما من الأمر بنزعه لا يراد به إيجاب خصوص ذلك قطعا، و إن كان واسعا استحب له تحريكه كما هو نص السرائر و المعتبر و المنتهى و الذكرى و غيرها، و ظاهر المقنعة و المراسم، و تحرير المسألة في الحاجب الذي لم يدل الدليل على الاجتزاء بغسله أو مسحه عوضا عن المحجوب كالشعر بالنسبة للوجه و الناصية، بأن يقال: إنه لا يخلو إما أن يعلم عدم وجوده أو يشك فيه، و إما أن يعلم وجوده و يشك

ج 2، ص: 288

في صفته و هي الحجب أو معلوما حجبه، أو معلوما عدمه، فان كان الأول فلا إشكال كصورة الشك لاستمرار السيرة التي يقطع فيها برأي المعصوم على أنه لا يجب على المتوضي و المغتسل و نحوهما اختبار أبدانهما من الحواجب، مع قيام الاحتمالات غالبا، مع عدم نص أحد من الفقهاء على إيجاب شي ء من ذلك في الوضوء أو في الغسل، مع أنه كان أولى الأشياء بالنص، لمكان قذي البراغيث و القمل و نحوهما من العوارض الغالبة على البدن، فحينئذ يتمسك في نفيه بالأصل، و إن كان الاعتماد عليه من دون نظر إلى ما قدمنا لا يخلو من تأمل، لمعارضته بأصالة عدم الفراغ من التكليف، و أصالة عدم وصول الماء إلى البشرة.

و إن كان الثالث أي ما علم وجوده و شك في صفته فالظاهر وجوب العلم بوصول الماء إلى البشرة بإزالته أو تحريكه أو غيرهما، لعدم قيام السيرة في مثل ذلك، و الاعتماد على أصالة عدم وجود الصفة بعد تسليم صحته معارض بأصالة عدم وصول الماء و عدم الفراغ، و يشير إليه

قول الكاظم (عليه السلام) في صحيح أخيه (1)قال: «سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال: تحركه أو تنزعه حتى يدخل الماء تحته، و عن الخاتم الضيق لا يدري يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع؟ قال: ان علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ»

و عن الشيخ روايته مقتصرا على المسألة الثانية، إلا أنه قال: (الرجل عليه الخاتم الضيق) الى آخره، لا يقال: ان مفهوم شرط العلم فيه معارض لما دل عليه صدر الرواية، لأن المنطوق أقوى دلالة، بل الأول من قبيل المقيد، و الثاني من قبيل المطلق، لشمول عدم العلم لصورتي عدم العلم بالوصول و العلم به، و الأول خاص بالأول كما هو واضح، و لعله لذا قال الشهيد في الذكرى: «و يجب تحريك الخاتم و السوار و الدملج أو نزعه إذا لم يعلم جري الماء تحته، ل

صحيح علي بن جعفر


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 289

عن أخيه الكاظم (عليه السلام) في الثلاثة، و حكم غيرها حكمها»

انتهى. إذ قد عرفت اختلاف دلالتها بالنسبة إلى الثلاثة، لكن ما وقفنا عليه من عبارات الأصحاب عدا ما سمعته من الذكرى كالشيخ في المبسوط و سلار و ابن إدريس و المصنف في المعتبر و غيرهم لا دلالة فيها على حكم الشك، لاقتصارهم فيها على بيان الواقع، فقالوا: إنه إن امتنع وجب تحريكه أو نزعه، و إلا فلا، نعم قد يستظهر من عبارة المصنف هنا حكم الشك، و أنه يجب العلم بوصول الماء كما عن القاضي في المهذب، قال ما نصه: «و إذا كان في إصبعه خاتم أو في يده حلي إن كان امرأة وجب عليه تحريكه أو نزعه ليصل الماء الى ما تحته من ظاهر الجسد» انتهى. هذا إذا كان الشك في حال الوضوء قبل الفراغ منه، أما لو كان الشك بعده لغفلته عنه في حال الوضوء أو لأنه كان قاطعا بعدم منعه ثم شك بعد الوضوء أو غير ذلك فالأقوى الصحة و عدم الالتفات الى ذلك، لأنه من الشك بعد الوضوء أو غير ذلك فالأقوى الصحة و عدم الالتفات الى ذلك، لأنه من الشك بعد الفراغ، و حملا لفعل المسلم على الوجه الصحيح على إشكال في الأول بالنسبة لما علم من حاله أنه لو كان متنبها حال الوضوء لكان شاكا، للشك في شمول أدلة الفراغ لمثله، و كذا الظاهر الصحة فيما لو علم بوجود الحاجب و لما يعلم سبقه بالوضوء أو بالعكس من غير فرق بين ضبط تأريخ أحدهما و عدمه، تحكيما لما دل على عدم العبرة بالشك بعد الفراغ، و بها ينقطع الاستصحاب.

و قد يرشد إليه في الجملة

موثق عمار(1)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يجد في إنائه فأرة و قد توضأ في ذلك الإناء مرارا أو اغتسل منه أو غسل ثيابه و قد كانت الفأرة متسلخة، فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة، و إن كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 2، ص: 290

فلا يمس من الماء شيئا، و ليس عليه شي ء، لأنه لا يعلم متى سقطت فيه؟ ثم قال:

لعله أن يكون انما سقطت فيه تلك الساعة»

بناء على مساواة الحائل النجاسة الماء، و قد يلحق به أيضا الشك في تطهير المحل أيضا، فتأمل. بل و كذا لو شك في علاج الحاجب بعد الوضوء كالخاتم الذي علم أنه حاجب و شك بعد الوضوء أنه عالجه فأوصل الماء تحته أولا، لما سمعته، و حملا لفعل المسلم على الصحة، و يشير اليه

قوله (عليه السلام) (1): (أنت في تلك الحال أذكر)

و كذا لو شك في صفة الحجب قبل الوضوء ثم نسي العلاج فذكر بعد الوضوء، فإن الأقوى أيضا الصحة، لرجوعه أيضا إلى الشك بعد الفراغ، و اكتفاء بصحة فعل المسلم باحتمال المصادفة للواقع، لكنه في غاية الاشكال، و قد يستأنس لحكم الصحة فيه بما رواه

الحسين بن أبي العلاء(2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخاتم إذا اغتسلت قال: حوله من مكانه، و قال في الوضوء تديره، فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة»

و قال في الفقيه (3): «إذا كان مع الرجل خاتم فليدوره في الوضوء، و يحوله عند الغسل و قال الصادق (عليه السلام) و إن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة»

انتهى. لظهور الأمر بالتحويل و الإدارة في الوجوب، و هو لا يكون إلا عند الشك في حجبه و العلم به، و الثاني غير مراد قطعا، إذ لا معنى لعدم الأمر بإعادة الصلاة في صورة النسيان مع العلم بعدم غسل ما تحت الخاتم كما هو الفرض، فلم يبق إلا صورة الشك، بل قد يدعى انها هي المتعارف في السؤال عنها، و هو أولى من حملها على الاستحباب مطلقا أو مع حمل الخاتم على إرادة الواسع، كما وقع من بعض متأخري المتأخرين، بل قد تحمل عبارة الصدوق عليه أيضا، و أما القسمان الأخيران فحكمهما واضح، إلا أنه ذكر المصنف و جمع من الأصحاب الاستحباب فيما علم فيه سعة الخاتم و نحوه، بل قد يظهر من


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 291

المصنف في المعتبر دعوى الإجماع حيث قال: و يحرك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، و لو لم يمنع حركه استحبابا، و هو مذهب فقهائنا، و علله مع ذلك بالطلب للاستظهار في الطهارة، و لا بأس به في مقام الاستحباب هذا.

و الظاهر أنه لا فرق فيما تقدم بين الخاتم و غيره من الحواجب لما يجب غسله من ظاهر البشرة، و منه الوسخ تحت الأظفار إذا تجاوزت المعتاد و كان ساترا لما لولاه لكان ظاهرا فإنه يجب إزالته إذا لم يكن في ذلك عسر و حرج، و احتمال القول انه ساتر عادة و كان يجب على النبي (صلى الله عليه و آله) بيانه، و لأنه كالذي يستره الشعر من الوجه في غاية الضعف، و كفى من النبي (صلى الله عليه و آله) بيانا ما دل على وجوب غسل البشرة و اليد و نحو ذلك، و جعله كالشعر قياس، فمن هنا نص المصنف في المعتبر و العلامة في القواعد و الشهيد في الذكرى و المحقق الثاني و غيرهم على وجوب إزالته، و جعله في المنتهى أقرب، لما سمعته من الاحتمال، و لا ريب في ضعفه.

[المسألة الخامسة في أحكام الجبائر]

(الخامسة) من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر جمع جبيرة، و هي الألواح و الخرق التي تشد على المكسور من العظام، و في شرح الدروس أن الفقهاء يطلقونها على ما يشد به القروح و الجروح أيضا، و يساوون بينهما في الأحكام، قلت: و لعله الظاهر من المصنف و العلامة و غيرهما، لاكتفائهم بذكر الجبيرة عن حكم ما يشد على الجروح و القروح، و من المستبعد عدم تعرضهما لذلك و كيف كان و هي إن كانت في محل الغسل و أمكنه نزعها و غسل البشرة أو غمس العضو في الماء أو تكرار الماء عليها حتى يصل البشرة وجب مخيرا بينهما، كما هو ظاهر التحرير و القواعد و الإرشاد و الذكرى و الدروس و صريح جامع المقاصد و كشف اللثام و غيرهما، و يقتضيه إطلاق المعتبر و المنتهى، و عن التذكرة إيجاب النزع و الغسل إن أمكن، و إلا فالمسح على نفس البشرة، فإن تعذرا فايصال الماء بالتكرير أو الغمس، و فيه مخالفة لما ذكرنا من وجهين، الأول عدم التخيير بين النزع و التكرير، و الثاني تقديم المسح على البشرة عليه أيضا،

ج 2، ص: 292

و ظاهر الأولين عدم تقديمه على المسح على الجبيرة فضلا عن التكرير الذي هو غسل عندهم.

و لا ينبغي الإشكال في ترجيح ما ذكره الأصحاب من التخيير مع كون التكرير أو الغمس محصلين للإصابة مع الجريان الذي يتحقق بهما الغسل عرفا، لصدق الامتثال معالأفراد النادرة التي لا يشملها الإطلاق، إذ التمكن من المسح عدم الدليل على اشتراطه بشي ء آخر، و ما في الصحيح أو الحسن (1)من أمر الرجل الذي في ذراعه القرحة المعصبة بالنزع و الغسل إن كان لا يؤذيه الماء، مع عدم كونه في الجبيرة يراد عدم الاجتزاء بالمسح على الخرقة، لا عدم الاجتزاء بالغسل بغير النزع، كما هو واضح لمن لاحظه، على أنه معارض

بالموثق (2)عن الصادق (عليه السلام) سئل «عن رجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحله لحال الجبر إذا جبر كيف يصنع؟ قال: إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء، و يضع موضع الجبر في الماء حتى يصل الماء إلى جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحله»

لظهوره سيما ذيله في أنه يجزؤه ذلك و إن تمكن من حله، و أما إذا حصل من التكرير إصابة من غير تحقق للجريان الذي بدونه لا يتحقق الغسل فيشكل التخيير بينه و بين الغسل مع النزع، و احتمال تحقق مسمى الغسل في خصوص الجبيرة بمجرد الإصابة لاختلافه بالنسبة إلى المغسول فيه- مع إمكان منعه و احتمال تسليمه في خصوص غمس العضو لا التكرير- انما يتم مع تعذر النزع و الغسل لا مع المكنة منهما، و إلا لاجتزأ بنحو ذلك في الاختيار، و لا يرتكبه ذو مسكة، و أما احتمال الاستناد إلى خصوص ما سمعته من الموثق الدال على الاجتزاء به بمجرد الوصول إلى الجلد جري أو لم يجر و إن لم يدخل تحت مسمى الغسل ففيه أو لا أن الذي يظهر من تعليل القائلين بالتخيير أن ذلك لكونه غسلا، فكأنهم فهموا من الخبر أنه مبني على إرادة الغسل، لتصريحهم في غير المقام أنه مأخوذ فيه الجريان من غير استثناء الحال الجبيرة، و ثانيا انه لا يجسر على تقييد


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 293

الأوامر بالغسل في الكتاب و السنة حتى علم أن الوضوء غسلتان و مسحتان بمثل هذا الموثق الذي لم يعلم عمل الأصحاب به على هذا الوجه، بل الظاهر خلافه، نعم يمكن أن يقال: يجتزى به و يقدم على المسح على الجبيرة عند تعذر النزاع و الغسل لكونه أقرب إلى المأمور به، أو لأن مباشرة الماء للجسد واجبة للأمر بالصب و نحوه، و الغسل واجب آخر، و تعذر الثاني لا يسقط الأول إذ

(لا يترك الميسور بالمعسور)

و

(ما لا يدرك كله لا يترك كله).

و إلا أي و إن لم يمكن النزع و لا التكرير و لو لنجاسة المحل بنجاسة لا يمكن تطهيرها كما نص عليه بعضهم، من غير فرق بين حصول التضاعف للنجاسة بالغسل و عدمه و ان كان قد يظهر من بعضهم إيجاب الغسل في الثاني، لأصالة عدم الانتقال من الغسل إلى المسح، و استنهض عليه الإطلاق في نحو العبارة، لكن لا ريب في ضعفه، لما دل على اشتراط طهارة ماء الوضوء، و المشروط عدم عند عدم شرطه، فيكون غير متمكن من الغسل، لأن الممنوع شرعا كالممنوع عقلا، فيدخل في معقد إجماع بعضهم انه إن لم يتمكن من الغسل أجزأه المسح على الجبيرة، و بذلك يرتفع إطلاق العبارة و نحوها، على أن هذا الإطلاق لم يكن مساقا لذلك حتى يستدل به عليه، أجزأه المسح عليها عن غسل البشرة بلا خلاف أجده بين القدماء و المتأخرين، بل في صريح الخلاف و المنتهى و التذكرة و ظاهر المعتبر و غيره دعوى الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى

خبر كليب الأسدي (1)سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره»

و

المرتضوي المروي عن تفسير العياشي (2)قال (ع): «سألت رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها؟ و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال (صلى الله عليه و آله): يجزؤه المسح عليها في الجنابة و الوضوء، قلت: فان كان في برد يخاف


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 11.

ج 2، ص: 294

على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده، فقرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله)(1)(وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)»

و فحوى

الصحيح أو الحسن (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل «عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ، فقال (عليه السلام): إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها، قال:

و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال (عليه السلام): اغسل ما حوله»

بل يحتمل أن يكون ذلك من الجبيرة بناء على تعميمها لما يشد على القرحة و نحوها في الروايات فتأمل. كفحوى ما دل (3)على المسح على الطلاء للدواء و غيره.

ثم ان ظاهر العبارة و غيرها الانتقال بمجرد تعذر الفردين إلى المسح على الجبيرة سواء تمكن من المسح على البشرة أولا، خلافا للتذكرة و بعض من تأخر عنها، فأوجبوا المسح عليها مقدما على المسح على الجبيرة، و لعله للأولوية القطعية، و لكونه أقرب إلى المأمور به، و هو لا يخلو من وجه، لانصراف كثير من عبارات النصوص و الفتاوى المتضمنة للمسح على الجبيرة إلى عدم التمكن من حلها، على أنه من الأفراد النادرة التي لا يشملها الإطلاق، إذ التمكن من المسح

على الجبيرة بالماء على وجه بحيث لا يتمكن معه من الإتيان بأقل أفراد الغسل الذي هو كالدهن في غاية الندرة، و من ذلك يظهر قوة خلافه، لعدم القطع بأولويته من المسح على الجبيرة، إلا إذا قلنا بجواز مثل ذلك فيها أي المسح على الجبيرة برطوبته، لا قابلية بها للانتقال من جزء إلى آخر بل و لو قلنا به، لأن أحكام العبادات غير معروفة الحكم و المصالح، فلا سبيل للقطع بذلك.

و منه ينقدح الإشكال في الاجتزاء به أي المسح على البشرة فضلا عن وجوبه و تعينه، و طريق الاحتياط غير خفي، و من العجيب ما يظهر من بعضهم من تقديم المسح على البشرة


1- 1 سورة النساء- الآية 33.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الحيض- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الحيض- حديث 9.

ج 2، ص: 295

على المسح على الجبيرة حتى لو كانت البشرة نجسة مع عدم إمكان التطهير، و فيه- مع ما تقدم و استلزامه تضعيف النجاسة- أنه مناف لاشتراط طهارة محال الوضوء.

ثم ان ظاهر الأصحاب جميعا تعين المسح على الجبيرة و الحال هذه، و لم تعرف المناقشة في ذلك بينهم إلى زمن الأردبيلي، فإنه قال على ما نقل عنه: انه يمكن الاستحباب و الاجتزاء بغسل ما حولها، إلا أن يثبت إجماع أو نحوه، و تبعه في ذلك صاحبا المدارك و الذخيرة، قال في الأول: «و لو لا الإجماع المدعى على وجوب مسح الجبيرة لأمكن القول بالاستحباب، و الاكتفاء بغسل ما حولها، ل

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكسير تكون عليه الجبائر أو يكون به الجراحة، كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ قال: يغسل ما وصل اليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر، و يدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر، و لا يعبث بجراحته»

و

رواية عبد الله بن سنان (2)قال: «سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله»

و ينبغي القطع بالسقوط في غير الجيرة، أما فيها فالمسح عليها أحوط، انتهى. قلت: و قد سمعت أيضا ما في الحسن أو الصحيح المتقدم من الأمر بغسل ما حول الجرح أيضا، و ربما استظهر ذلك من الصدوق (رحمه الله)، لأنه قال بعد أن ذكر ما ذكره الأصحاب من المسح على الجبيرة: «و قد

روي في الجبائر عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: يغسل ما حولها»

لما ذكره في أول كتابه أنه لا يذكر فيه إلا ما يعتقده، و يعلم أنه حجة بينه و بين ربه، و لا ينبغي الشك في ضعف هذه المناقشة، إذ حمل الأمر بالمسح فيما سمعت من الأخبار و خبر المرارة و لفظ الاجزاء الوارد في عدة أخبار منها روايتا الطلاء و غيرها


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 1 و هو مروي عن الرضا عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 296

على إرادة الاستحباب بعيد جدا، و كذا حملها على إرادة الوجوب التخييري، بل هو باطل، لما فيه من التخيير بين الفعل و تركه، على أنه لا صراحة في المعارض، لأن الأمر بغسل ما وصل إليه الغسل و ترك ما لا يصل اليه لا يقضي بعدم وجوب المسح بل أقصاه سقوط الغسل عما تحت الجبيرة، و كذا رواية الجرح، مضافا إلى عدم معلومية كونه مكشوفا أو مجبرا، و أيضا هو لا يثبت في غير الجرح من الجبيرة إلا بضميمة فتاوى الأصحاب من عدم الفرق بينهما، و الموجود فيها الوجوب، كل ذلك مع الإجماع المنقول المستفيض، بل و المحصل المؤيدين بالاحتياط و غيره، و ما سمعته من عبارة الصدوق (رحمه الله) لا ظهور فيها في تلك، بل هي ظاهرة في عدمه، على أنها رواية غير عامل بها، لذكره أو لا ما أفتى به، و لذا لم ينسب إليه أحد الخلاف في ذلك، مع أن خروجه غير قادح في الإجماع.

ثم ان ظاهر ما سمعته من الأدلة من الإجماع و غيره الاكتفاء بمسح الجبيرة، و أنه لا يجب غسلها مع التمكن منه، بل عدم الاجتزاء به لو وقع من دون مسح أو معه بدون قصده فضلا عن وجوبه، و عن العلامة في نهاية الأحكام احتمال إيجاب أقل مسمى الغسل، و استجوده بعض من تأخر عنه، قلت: و كأنه لمكان قيام الجبيرة مقام البشرة، فيجب فيها ذلك، و ما في الروايات من الأمر بالمسح يراد به المسح اللغوي، أي يمر يده بعد أن يبلها بالماء بما يتحقق به ذلك على الجبيرة، و لا يجب عليه تطلب ما تحت الجبيرة، بل يصدق على هذا الفرد من الغسل أنه مسح عرفا، لكن مراده لا يخلو من إجمال، لعدم العلم بأن مراده بإيجاب أقل مسمى الغسل عدم الاجتزاء بالمسح و بغيره من أفراد الغسل أيضا، لأنه أقرب إلى المسح من غيره، أو يريد أن ذلك أقل الواجب، و إلا فيجزئ غيره، وجهان، و كذا كلام من تسمعه ممن مال إلى مقالته، و لقد أطال الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في تأييد هذا القول و تسديده، و مما قال:

ج 2، ص: 297

«إنه ليس المراد من قوله (عليه السلام): و يمسح على الجبائر و نحو ذلك سوى انه يمر يده على الجبائر مكان إمراره على البشرة عوضا عنها، و ليس المراد انه يجفف يده عن الرطوبة الزائدة فيها كي لا يقع جريان أصلا، إذ قد تكون الجبيرة في وسط الذراع مثلا، فيلتزم المكلف حينئذ بغسل اليد من المرفق إلى الجبيرة ثم أنه يجفف يده لمسح الجبيرة ثم يأخذ بعد ذلك ماءا جديدا و يغسل به بقية اليد، و لعل القطع حاصل بعدم إرادة ذلك، بل لا يكاد يتحقق مسح في مثل الرأس و الرجلين خال عن ذلك، فضلا عن هذا المسح الذي يظهر من الأخبار أن المراد عدم كونه تحت الجبيرة، لا أنه ينتقل الوضوء حينئذ، و يجعل غسله مسحا من دون مانع من الغسل أصلا نعم مع المانع لا مانع منه، و لعل مراد الفقهاء ما ذكرنا، لعدم إشارة أحد منهم إلى ذلك- إلى أن قال-: بل نقول: المراد من

قوله (ع) في صحيح ابن الحجاج المتقدم: (يغسل ما وصل إليه الغسل)

الى آخره ما هو أعم من البشرة و الجبيرة، و هو أنسب بعموم كلمة (ما) و لعل عدوله عن قوله (عليه السلام): (اغسل ما حولها) لهذه النكتة، قال: و لو قلنا ان الرواية ليست ظاهرة في ذلك لوجب حملها على هذا المعنى، لئلا تحصل المنافاة بينها و بين غيرها من الروايات، لظهورها بدون ذلك في الاكتفاء بغسل ما حول الجبيرة، ثم أيده ب

قوله (عليه السلام): (لا يسقط الميسور بالمعسور)

و نحوه- و مما قال أيضا-: إن أخبار المسح لو كانت تدل على عدم الجريان أو وجوب قصد عدم مدخليته تصير معارضة لما دل على وجوب الغسل من الكتاب و السنة، و من المعلوم أنه إذا تعذرت الحقيقة فالحمل على أقرب المجازات، فحينئذ تحمل أخبار المسح على ما ذكرنا، أو يراد بها أنها إذا تضرر بغير المسح حتى فيما ذكرناه» انتهى.

و لا يخفى عليك ما فيه، و كأن الذي دعاه إلى ذلك تخيل أن القول بالمسح ينافيه ما يحصل لبعض أجزاء الماء من الانتقال الذي يتحقق به الغسل، و هو معلوم الفساد و ان ظهر من بعض كلمات بعضهم، بل التحقيق أن المسح بالماء في المقام يتحقق و إن حصل

ج 2، ص: 298

ذلك، نعم نحن لا نوجبه، لأنه من المستبعد بل من المقطوع بعدمه إرادة الغسل من لفظ المسح المتكرر في النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، بل السيرة و الطريقة على خلافه، فان استيعاب الجبيرة بالماء على وجه بحيث ينتقل كل جزء منه إلى جزء أو جزءين منها مع أن الغالب فيها أن تكون من الخرق التي يتعسر جدا فيها مثل ذلك لحصول جفاف الأجزاء المائية بمجرد وقوعها عليها غالبا مما لا ينبغي أن يصغى اليه، مع منافاته مشروعية المسح على الجبائر من التخفيف و السهولة و نحوها، بل التحقيق أن المراد في النصوص و الفتاوى أنه يجزؤه أن يمسح بالماء جبائره عوضا عن البشرة، سواء حصل انتقال لبعض الأجزاء المائية بحيث يتحقق به مسمى الغسل أو لا، نعم قد يقال: إنه لا يجب عليه نية كونه مسحا أو غسلا كما في غيره من أعضاء الوضوء، إذ الظاهر من الروايات أن هذا المعنى مجز عن غسل البشرة ما شئت فسمه، بخلاف المسح في نحو الرأس و القدمين الواجب فعلهما باعتقاد المسحية أو الغسلية كما تقدم سابقا، نعم قد يقال: إنه لا يجتزى بالمسح في نداوة اليد و لو قلنا بالاجتزاء به في الرأس و القدمين، بل الظاهر أنه لا بد من المسح بالماء، و الفارق بينهما الدليل.

ثم انه هل يشترط في هذا المسح أن يكون بالكف بل بباطنها لكونه المتبادر من آلته أو لا؟ لا يبعد الثاني، لعدم وجوب العمل بمثل هذا التبادر، و كيف كان فالظاهر من النصوص و الفتاوى إيجاب استيعاب الجبيرة بالمسح، و به صرح في الخلاف و المعتبر و التذكرة و نهاية الأحكام و الرياض و كشف اللثام و الدروس و الذخيرة و الحدائق و شرح المفاتيح و الرياض، بل في الأخير أنه لا ريب فيه، قلت: و لا أجد فيه خلافا سوى ما عساه يظهر من الشيخ في المبسوط، قال: و الأحوط أن يستغرق جميعه، و استحسنه في الذكرى بعد أن أشكل وجوب الاستيعاب بصدق المسح عليها بالمسح على جزء منها لصدق المسح على الرجلين و الخفين عند الضرورة، و الأقوى الأول لأنه المنساق إلى الذهن من الأخبار، كانسياق بدلية الجبيرة عن ما يلزم فيه ذلك، مع استصحاب حكم

ج 2، ص: 299

الحدث و الشغل اليقيني، و ما ذكره من الصدق المتقدم ممنوع، لكون الجبيرة اسما للمجموع فالمسح عليها قاض باستيعابها سيما في المقام، و ما عساه يظهر من بعض الاستعمالات كالمسح على الظهر و نحوه مما ينافي ذلك فهو للقرينة، و ما ذكره من الاجتزاء بالبعض في القدم و نحوه انما هو لمكان دخول الباء في الممسوح، كما دلت عليه الرواية السابقة، بل مقتضاها أنه لو لا الباء لكان اللازم الاستيعاب، و تفاوت مراتب الظهور في الاستيعاب في مثل مستحب الجبيرة دون المسح على الجبيرة لا ينافي ما ذكرنا، فلا ريب حينئذ في لزوم الاستيعاب، بل لعل مراد الشيخ بالاحتياط الواجب في نحو المقام أو لاستغراق المحتاط فيه أي استغراق ما فيها من الفرج و الثقوب و نحو ذلك، فان الظاهر عدم وجوبه لما فيه من العسر و الحرج، مع عدم ظهور قوله (ع): امسح عليها و نحوه فيه، كما هو واضح، و مما عرفت من انسياق بدلية الجبيرة يجري فيها حينئذ ما كان يجري في المبدل منه من التثنية و الابتداء من المرفق و نحوهما على إشكال في البعض، لعدم ثبوت البدلية في منطوق الأدلة، و لعله بناء على ما ذكرنا من أن الموالاة تقدير زماني يندفع الاشكال فيها بالنسبة إليها، و الظاهر الاكتفاء بالمسح ببلة الجبيرة و نداوتها لو كانت على الماسح، فتأمل.

و لا فرق حيث يمسح على الجبيرة بين كون المحل طاهرا أو نجسا و لذا نص المصنف عليه بقوله سواء كان ما تحتها طاهرا أو نجسا بلا خلاف أجده بين أصحابنا لإطلاق الأدلة من الروايات و الإجماعات، بل قد يظهر من المعتبر دعوى الإجماع عليه، خلافا للشافعي من الحكم بالإعادة حيث يكون نجسا، و لا فرق في نجاسة ما تحتها بين البشرة و غيرها من أجزاء الجبيرة الباطنة، و إطلاق المصنف كالعلامة و غيره يقتضي عدم الفرق بين كونها في محل المسح أو الغسل، و هو متجه في غير التكرير أو الغمس و نحوهما، فان الظاهر عدم وجوبهما في المسح و إن تمكن منهما، للفرق بينه و بين الغسل باشتراط مباشرة الماسح للممسوح مع إمراره عليه في حصول حقيقته دون الغسل، و احتمال

ج 2، ص: 300

الإيجاب لعدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه ضعيف، لعدم جريانه في نحو المقام كما بين غير مرة.

و هل يجب تخفيف الجبيرة لو كانت خرقا متعددة مثلا؟ الأقوى عدمه، لإطلاق الأدلة و لأنه لا يرتفع بذلك عن الحائل، و كذا لو كانت جبائر متعددة، كأن جبر فوق الجبر، فما عن نهاية الأحكام من الإشكال في المسح على الظاهر من الجبائر لو كانت متكثرة ليس في محله، و لو كان ظاهر الجبيرة نجسا لا يمكن تطهيره و لا إزالته و إخراج ما تحته فالظاهر وجوب وضع خرقة طاهرة عليه وضعا تكون به من أجزاء الجبيرة بل في المدارك أنه لا خلاف فيه، لكن في الذكرى بعد أن استقرب ذلك قال: «و يمكن إجراؤه مجرى الجرح في غسل ما حولها» انتهى. و هو ضعيف، و أضعف منه الاجتزاء بمسحها مع نجاستها للإطلاق، إذ هو غير مساق لبيان ذلك، و إلا لاقتضى الاجزاء مع التمكن من التطهير، و احتمال الرجوع بسبب ذلك للتيمم لا يخلو من وجه تعرفه إن شاء الله فيما يأتي، لأنها في حكم الكسر المكشوف، و لو كان ظاهر الجبيرة مغصوبا لم يجز المسح عليه قطعا، و في وجوب وضع المحلل عليه وجهان ينشئان من أن الغصب في الباطن من الجبيرة كالظاهر أولا، و لو مسح على المغصوب لعذر شرعي من جهل به و نحوه اجتزئ به، أما لو كانت الجبيرة محرمة بغير الغصب كالحريرية مثلا أو كونها من لباس الذهب للذكر فلا بأس بالمسح عليها، لأن الحرمة خارجية، و يمسح على الجبيرة الساترة لشي ء من الصحيح إذا كان ستره من المقدمات العادية و اللوازم العرفية لمثل هذا الجرح، إذ التدقيق في نحو ذلك مناف لأصل مشروعيتها من التخفيف، و قد ظهر لك من الأدلة السابقة أنه لا فرق بين ما يشد به الكسر أو الجرح أو القرح، بل قد سمعت ما في شرح الدروس من نسبته إرادة الأعم من الجبيرة إلى الفقهاء المؤيد بما تقدم، و بخبر العصابة للقرحة، بل في المنتهى «أن الجبائر تنزع مع المكنة، و إلا مسح عليها، و كذا العصائب التي تعصب بها الجرح و الكسر، و هو مذهب علمائنا

ج 2، ص: 301

أجمع» انتهى. و في

خبر عبد الأعلى مولى آل سام (1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟

قال (عليه السلام): يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله عز و جل، قال الله تعالى (2)(ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه»

ما يدل على ذلك أيضا، بل يستفاد منه عدم الفرق في المشدود بين كونه من الخرق أو غيره، و مثل الجبائر و العصائب ما يطلى به الأعضاء للدواء، كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا، ل

حسنة الوشاء(3)قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أ يجزؤه أن يمسح على طلاء الدواء؟ فقال: نعم يجزؤه أن يمسح عليه»

و قد عرفت سابقا أنهم حملوا ما دل على المسح على الحناء في

صحيح ابن مسلم (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ثم يتوضأ للصلاة فقال (عليه السلام):

لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه»

و

خبر عمر بن يزيد(5)قال (عليه السلام): يمسح فوق الحناء»

على الضرورة، بل هو مشعر بكون ذلك من المسلمات عندهم، و قد يستفاد من مجموع هذه الأخبار و غيرها كفحوى أخبار الجبائر خصوصا قوله (عليه السلام): (إن كان يؤذيه الماء) و نحوه جواز المسح على كل حائل من شداد و غيره وضع على العضو لدفع ضرورة أو زيادته و نحو ذلك من غير تفصيل بين كون ذلك المرض كسرا أو جرحا أو قرحا أو صليلا و غيرها، كما يقضي به ترك الاستفصال في الدواء المطلي عن ذلك الداء، و ما سمعته من خبر المرارة و نحوهما.

و الظاهر أنه للمكلف أن يجعل ذلك الحائل و إن لم ينحصر الدواء فيه من غير


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 سورة الحج- الآية 77.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 302

فرق بين حصول الخطاب بالوضوء و عدمه، و ما في

موثقة عمار(1)سأل أبو عبد الله (عليه السلام): «عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه علكا؟ قال: لا، و لا يجعل عليه إلا ما يقدر على أخذه عنه عند الوضوء، و لا يجعل عليه ما لا يصل إليه الماء»

محمول على عدم حصول نفع به، على أن في سنده عمارا و قد طعن فيه بأنه متفرد برواية الغرائب، و إلا فاحتمال حملها على عدم الانحصار في التداوي بذلك بعيد، لأن الظاهر جوازه و إن لم ينحصر به، كما يقضي به ترك الاستفصال فيما سمعت و غيره، مع ما في ذلك من الحرج، نعم يحتمل حمله على الكراهة مع عدم الانحصار.

و لو وضع الحاجب مع عدم الضرورة أو اتفق فلم يستطع إزالته ففي إجرائه مجرى الجبائر في المسح عليه و عدمه وجهان، رجح بعضهم الأول، و المهم تحرير الأصل في مثل ذلك و غيره مما لم يظهر من الأدلة بيان حكمه، فقد يقال: إن الأصل يقضي في الوضوء و ما جرى مجراه أنه متى تعذر غسل بعض الأعضاء الواجبة فيه لحاجب بسقوط الوضوء و الرجوع إلى التيمم، لانتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، و ما يقال: إن الأصل يقضي بالرجوع إلى البدل، و ذلك لاستصحاب خطاب الوضوء، فبعد فرض الخطاب به و الحال هذه ينتقل منه إلى البدل، لعدم التكليف بما لا يطاق، و لأن المنصرف من الخطاب لمثل هذا المكلف ذلك. يدفعه أن الاستصحاب لا يصلح لا ثبات حكم شرعي، مع معارضته بظاهر أدلة الوضوء، كالقول إنه يستفاد من خبر المرارة أن الأصل في مثل ذلك الرجوع إلى مسح البدل مطلقا، لأنه- مع الغض عما في سنده إذ لم أقف على توثيق لعبد الأعلى- لا صراحة فيه بذلك، إذ قد يكون المراد منه الاستدلال على

سقوط غسل المتعذر غسله، و هو لا كلام فيه، انما الكلام في الحكم بعد ذلك هل هو سقوط الوضوء أو غيره؟ نعم قد يقضي التأمل فيه و في جميع أخبار الباب و خبر الخف و غيره بانتقال حكم المحجوب إلى الحاجب في سائر أنواع المرض التي


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 303

هي سبب في الحجب به، دون ما لا يكون كذلك من الحواجب.

و كذا ما يقال: إن الأصل يقضي بالسقوط فيما تعذر غسله للأصل، و اشتراط وجوبه بالقدرة مع وجوب غسل الباقي ل

قوله (عليه السلام)(1): (لا يسقط الميسور بالمعسور)

و لاستصحاب الوجوب فيه، إذ يدفعه أن ما ادعاه من المشروطية بالقدرة لو سلم فأقصى ما يسلم بالنسبة إلى الشرائط الخارجة التي لا مدخلية لها في صدق اسم المسمى إذا استفيدت من صيغة أمر و نحوها، أما مثل الأجزاء التي يستفاد من نحو

قوله: (الوضوء غسلتان)

و نحو ذلك فممنوع إذ لا مدخلية للقدرة في الأحكام الوضعية، و أما

قوله (عليه السلام): (لا يسقط الميسور)

و نحوه فهو و إن سلم الاستدلال به في نحو الأجزاء لكنه موقوف على الانجبار بفهم الأصحاب، و إلا لو أخذ بظاهره في سائر التكاليف لأثبت فقها جديدا لا يقول به أحد من أصحابنا، و أما الاستصحاب ففيه- مع ما سمعته من عدم صلوحه لإثبات الأحكام الشرعية- أنه معارض بقاعدة انتفاء الكل بانتفاء جزئه، فلا يستصحب حكم الجزئية، و بذلك يفرق بين الأجزاء و الجزئيات، و كذا ما يقال: إن الأصل يقضي بالجمع بين التيمم و الوضوء بمسح البدل، لأن الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني يدفعه أنه لا معنى له بعد الاستظهار من الأدلة أنه ينتقي بانتفاء جزئه، إذ هي تفيد حينئذ أنه لا وضوء واقعا، فينتقل حينئذ إلى التيمم، لا يقال: إنه ليس في أدلة التيمم عموم يفيد ذلك، لأنا نقول: إن الإجماع على أنه متى تعذرت المائية عقلا أو شرعا انتقل إلى التيمم كاف في إثباته، فيثبت حينئذ أن الأصل في كل ما لم يعلم حكمه من نحو ما سمعت الانتقال فيه الى التيمم، و به يظهر الحكم المتقدم إن لم يفهم من الأدلة خلافه، لكن و مع ذلك كله فلا يخلو الحكم بهذا الأصل من نظر و تأمل، سيما مع ملاحظة كلامهم في باب التيمم من عدم سقوطه بالحائل في مواضع المسح أو محل الضرب، بل لعل الأقوى في النظر قيام مطلق الحاجب مقام محجوبة مع تعذر الإزالة، لخبر


1- 1 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ج 2، ص: 304

المرارة و فحوى حكم الجبائر بعد إلغاء خصوصية المرض، و للقطع بفساد القول بوجوب التيمم بدل الغسل و الوضوء لمن كان في بدنه قطعة قير مثلا مدى عمره، و غير ذلك مما يظهر بالتأمل، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك، بل لعله كاللازم في أمثال المقام، تحصيلا للبراءة اليقينية.

و لنعد إلى ما كنا فيه، فنقول: إن جميع ما ذكرنا مما تقدم انما هو في حكم الجبيرة و ما يجري مجراها من شداد القرح و الجرح و اللطوخ و نحوها، دون المكشوف منها، أي الذي ليس عليه جبيرة و نحوها من الجرح و نحوه، قال الخوانساري في شرح الدروس: «ان الأصحاب ألحقوا الكسر المجرد عن الجبيرة أيضا بالجرح في الحكم، و كذا كل داء في العضو لا يمكن بسببه إيصال الماء اليه، و ظاهره الإجماع على ذلك، و تفصيل الحال ان الجرح إن كان مكشوفا و أمكن غسله بحيث لا ضرر بتسخين ماء و نحوه فلا إشكال في وجوبه، و إلا فإن تمكن من المسح عليه مباشرة فعن المصنف في المعتبر و العلامة في التذكرة و النهاية و الشهيد في الدروس و غيرهم من علمائنا المعاصرين إيجابه، لكونه أقرب إلى المأمور به، و أولى من مسح الجبيرة، و استشكله جماعة من متأخري المتأخرين، بل في المدارك انه ينبغي القطع بالاكتفاء بغسل ما حوله، بل في جامع المقاصد في باب التيمم نسبة ذلك فيه و في الكسر الذي لا جبيرة عليه إلى نصهم و ورود الأخبار مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و لعله ل

خبر عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال (عليه السلام) يغسل ما حوله»

كذيل

الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(2)أيضا بعد ان سئل «عن الرجل تكون القرحة في ذراعه و في نحو ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ، فقال (عليه السلام): إن كان يؤذيه


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 305

الماء فليمسح على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها، قال:

و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال (عليه السلام): اغسل ما حوله»

و ما يقال:

من شمولهما للمكشوف و غير المكشوف و هو مخالف لما عند الأصحاب يدفعه انهما ظاهران فيه بقرينة

قوله: (اغسل ما حوله)

إذ هو مستور معها، مع ان خبر الحلبي كاد يكون صريحا فيه، سلمنا لكنهما حينئذ من باب المطلق الذي قيد، فلا تخرج بذلك عن الحجية، نعم قد يدعى ظهورهما في عدم وجوب غسل الجرح خاصة لا مسحه، بل يحتمل إرادة ترك ما كان منه من الباطن دون الظاهر المعبر عنه بما حوله و غير ذلك، فلعل الأقوى الأول حينئذ، و أما احتمال وجوب وضع خرقة مثلا عليه في مثل الحال لظهور الأدلة في بدلية المسح عليها عن الغسل دون المسح على البشرة فينبغي القطع بعدمه، لوضوح الأولوية و غيره، كالقطع بفساد الانتقال إلى التيمم معه، لظهور اتفاق الأصحاب هنا على عدمه.

نعم إذا تعذر المسح على البشرة فهل يجب وضع لصوق أو شد خرقة و نحو ذلك مما يدخل به تحت ذي الجبيرة و ما يحكمه و يمسح عليه أو لا؟ قولان ينشئان من الأصل، و ظاهر ما سمعته من الروايات، و استلزام ستر شي ء من الصحيح و المعلوم من العفو فيها انما هو في السابقة دون اللاحقة و لأن المتيقن من أدلة الجبائر الموضوعة لا للوضوء، و من قوله (ع) في خبر الحلبي: (فيعصبها) لظهوره في التعصيب للوضوء، سيما مع ترك الاستفصال، و لأن ما دل على حكم الجبائر شامل للجبيرة السابقة و الموضوعة للوضوء، لصدق اسم الجبيرة، و مما يؤكده ما قيل من اتفاق الفتاوى على أنه لو كان ظاهر الجبيرة نجسا وضع عليها خرقة طاهرة و مسح، بل قد سمعت نفي الخلاف فيه في المدارك، و هو من قبيل ما نحن فيه، إذ دخول هذه الخرقة الجديدة تحت اسم الجبيرة يقضي به هنا، بل قد يقال:

إن المراد بالمسح على الجبائر انما هو المسح على خرقة الجبيرة و إن لم تكن جبيرة بالفعل،

ج 2، ص: 306

و أيضا ان

قوله (عليه السلام) في خبر كليب الأسدي (1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال (عليه السلام):

إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصل»

دال على ما نحن فيه، لأن الأصل في الواجب أن يكون مطلقا، فيجب تحصيلها إن لم تكن موجودة، على أنه ليس في السؤال ذكر للجبيرة، و أيضا قد يستفاد من مجموع الأدلة سيما خبر المرارة و نحوه أن الحائل بدل عند تعذر غسل البشرة، فيجب تحصيله، و خبر الجرح (2)لا منافاة فيهما لوجوب المسح على الجبيرة بعد دلالة الدليل عليه، سيما بعد ورود مثل ذلك في الجبائر مع أن الحكم مسلم فيها، كل ذلك مع استبعاد الفرق جدا بين ما تكون الجبيرة موضوعة مع عدم التأذي بحلها و بين ما لم تكن كذلك، على أن شد الجروح و القروح لا ضابطة له معلومة مختلف بالنسبة للأشخاص و الأوقات و غيرها، على أنه في وقت الخطاب بالوضوء تارة يتفق أن الجرح مشدود، و أخرى ليس مشدودا، فهل المدار على أول الوقت أو حين الفعل، كل ذلك مع أن الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، و هو منحصر فيما نقوله لأن احتمال التيمم في المقام في غاية الضعف، و مما ذكرنا تعرف وجوب وضع الجبيرة و إن لم نقل بوجوب مسح الجرح مع إمكانه، كما احتمله في الذكرى أيضا، و كيف كان فالقول بالوجوب لا يخلو من قوة و إن كان للنظر في كل واحد مما سمعت من الأدلة مجال، لكن مجموعها يفيد الفقيه قوة ظن بذلك.

ثم انه إذا تعذر وضع الجبيرة بعد البناء على الوجوب فهل ينتقل إلى التيمم أو يكتفى بغسل ما حول الجرح؟ الظاهر الثاني، عملا بما سمعت من الأخبار، بل قد يدعى مثل ذلك في الجبائر المشدودة سابقا، و به يجمع بين ما دل على المسح على الجبيرة و ما دل على غسل ما حولها فيها كما سمعته سابقا، لكن نقل عن الذخيرة أنه نسب القول بالتيمم في المسح على الجبائر إلى الأصحاب، مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء- حديث 2 و 3.

ج 2، ص: 307

الذكرى بعد أن ذكر احتمال وجوب الوضع و اعترف أن الرواية مسلطة على فهم عدم الوجوب قال: «و أما الجواز فان لم يستلزم ستر شي ء من الصحيح فلا إشكال فيه، و إن استلزم أمكن المنع لأنه ترك للغسل الواجب، و الجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح» انتهى. و ظاهره بل صريحه أنه لا إشكال في الجواز و المسح عليه مع عدم الستر لا الوجوب.

لكن قال في الرياض: «إنه إن تعذر مسح الجرح و القرح و الكسر المجرد فالأحوط بل اللازم وضع جبيرة أو لصوق تحصيلا للأقرب للحقيقة، بل قيل لا خلاف فيه ما لم يستر شيئا من الصحيح كما عن الذكرى» انتهى. و فيه أن الموجود في الذكرى ما سمعته من الجواز لا الوجوب و الاحتياط في المقام الجمع بين ما تقدم و التيمم، فإنه و إن لم أعثر على من أفتى به في خصوص المقام، لكن نقل عن العلامة في النهاية أنه احتمل سقوط الوضوء، و الظاهر أنه يريد إيجاب التيمم مع ما تسمع من الكلام، و هو أن الأصحاب في خصوص المقام قد عرفت أن الجروح و القروح ملحقة عندهم بالكسر، فالمشدود من الجميع يمسح عليه، و المكشوف منها فيه ما سمعت من المسح على نفس البشرة، فإن تعذر فالوضع أو الاكتفاء بغسل ما حولها، و لم نعثر في المقام على مفت بالخصوص في التيمم، لكن جماعة جعلوا في باب التيمم من جملة أسبابه خوف استعمال الماء لمكان جرح أو قرح، و لم يفرقوا بين المشدود منها و غير المشدود، على أن الاشكال في كل منهما، لما عرفت أنهم هنا لم يوجبوا التيمم أيضا.

بل قد صدر ذلك من المصنف الواحد كالشيخ في المبسوط على ما نقل لنا من عبارته في المقامين، فإنه قال في المقام: «إن كان على أعضاء الطهارة جبائر أو جرح و ما أشبههما و كانت عليه خرقة مشدودة فإن أمكنه نزعها نزعها، و إن لم يمكنه مسح على الجبائر- إلى أن قال-: و متى أمكنه غسل بعض الأعضاء و تعذر في الباقي غسل ما يمكنه غسله، و مسح على حائل مما لا يمكنه غسله» الى آخره و قال في باب التيمم: «و من كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه و الباقي عليه جراح أو عليه ضرر

ج 2، ص: 308

في إيصال الماء جاز له التيمم، و لا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة، و إن غسلها و تيمم كان أحوط، سواء كان الأكثر صحيحا أو عليلا» و قال في النهاية في المقام:

«ما حاصله إن كان على أعضاء الطهارة جبائر أو جرح و شبهه و كان عليه خرقة مشدودة نزع إن أمكن و إلا مسح، و إن كان جراحا غسل ما حولها» و قال في بحث التيمم:

«المجروح و صاحب القروح و المكسور و المجدور إذا خافوا على نفوسهم استعمال الماء وجب عليهم التيمم» و ربما جمع بينهما بالفرق بين المكشوف و المشدود، أو بالحمل على التخيير بين التيمم و المسح على الجبيرة أو الشداد، كما يشعر به قوله جاز له التيمم، و في خصوص عبارة النهاية بوجه ثالث باختصاص التيمم بما لا يتمكن من استعمال الماء أصلا.

و قال المحقق الثاني في شرح القواعد في شرح قوله: «و يتمم من لا يتمكن من غسل بعض أعضائه و لا مسحه بجرح أو نحوه» الى آخره: «و اعلم أن هذا الحكم لا يتمشى على ظاهره، لأن الجرح الذي لا لصوق عليه و الكسر الذي لم يوضع عليه جبيرة إذا تضرر بالماء يكفي غسل ما حوله كما نصوا عليه و وردت به الأخبار، فكيف يجوز العدول إلى التيمم، و يمكن الجمع بينهما بأن يكون الذي يسقط غسله و لا ينتقل بسببه إلى التيمم ما إذا كان الجرح و نحوه في بعض العضو، و لو استوعب عضوا كاملا وجب الانتقال إلى التيمم، و يمكن الجمع بأن ما ورد النص بغسل ما حوله مع تعذر غسله و هو الجرح و القرح و الكسر لانتقل عنه إلى التيمم بمجرد تعذر غسله و إن كثر، بخلاف غيره كما لو كان تعذر الغسل لمرض آخر، فإنه ينتقل إلى التيمم، ثم استقرب الوجه الأول مدعيا أن الثاني تأباه عبارات الأصحاب» انتهى. و لقد أطنب بعض متأخري المتأخرين في نقل جملة من عبارات العلامة في المنتهى و النهاية و التذكرة في المقام و التيمم، و الذي يظهر بعد ملاحظة كلماتهم أن مرادهم بالانتقال إلى التيمم في الجرح و نحوه انما هو مع تعذر ما ذكروه في الجبيرة إما بعدم التمكن من المسح على الجبيرة، أو بعدم التمكن

ج 2، ص: 309

من وضعها بناء على وجوبه مع عدم التمكن من غسل ما حوله، و نحو ذلك، و يرشد اليه ما ذكره العلامة في المنتهى في باب التيمم بعد أن ذكره للجرح، قال: «و لو كان الجرح مما يتمكن من شده و غسل باقي العضو و مسح الخرقة التي عليه بالماء وجب و لا يتيمم، و إن لم يتمكن من ذلك يتيمم، و نحوه كلامه في النهاية، و يقرب منهما ما في التذكرة، نعم يظهر منه في الأولين أنه ان تعذر وضع الجبيرة عليه أو تعذر مسحها لا يكتفى بغسل ما حوله، بل لا بد من الانتقال إلى التيمم، بخلافه في التذكرة، فإنه يفهم منه أنه يكتفى حينئذ بغسل ما حوله، و هي مسألة أخرى، بل قد عرفت أنه يظهر من جماعة أنه يكتفى بغسل ما حوله و إن تمكن من وضع الجبيرة.

و أما ما يقال: من الفرق بين المستوعب و غيره في الجبائر، و لذا نص بعضهم على عدم الفرق فالظاهر فساده، لإطلاق الأدلة، نعم قد يتجه في نحو الجرح المكشوف الذي لا يتمكن من وضع جبيرة عليه، أو لا يتمكن من مسح الجبائر في المشدود أنه ينتقل إلى التيمم إذا كان مستوعبا، لأن الوضوء لا يتبعض، و لظهور قوله (عليه السلام):

(اغسل ما حوله) في أجزاء العضو لا الأعضاء، و كيف مع أن الغالب في جبيرة الكسر أن تكون مستوعبة و لا تبعيض فيها لمكان المسح على البدل، و كان مراد الأصحاب في تعرضهم للتيمم في الجرح و نحوه الرد على العامة حيث أوجبوا الوضوء و إن تضرر، فمقصودهم الإيجاب الجزئي، و هو أنه يجوز التيمم للجرح في الجملة في مقابلة السلب الكلي كما ينبئ عن ذلك ملاحظة كلام الشيخ في الخلاف و نحوه، و بنحو ما سمعت من الجمع في كلمات الأصحاب يجمع بين ما سمعت من أخبار الجبائر(1)و الجروح و القروح و نحوها و الأخبار(2)المتكثرة جدا الواردة في غسل الجنابة المشتملة على الأمر بالتيمم للمجروح و المقروح و المكسور و المجدور.


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب التيمم.

ج 2، ص: 310

و ما قيل من الجمع بينهما بالفرق فيها بين الوضوء و الغسل فيجري حكم الجبيرة في الأول دون الثاني واضح الفساد، أما أولا فلاشتمال بعض أخبار الجبائر على الوضوء و غسل الجنابة و الجمعة فضلا عما فيها من الإطلاق، و أما ثانيا فللإجماع المنقول في المنتهى و غيره على عدم الفرق في ذلك بين الطهارتين، و نحوه في الفساد احتمال الجمع بينهما كما في تيمم كشف اللثام بالتخيير بينه و بين التيمم، و ذلك لأنه- مع عدم الشاهد عليه- من المعلوم الذي لا خفاء فيه على من له أدنى ملاحظة لأخبار التيمم أن التيمم من الطهارات الاضطرارية لا يشرع إلا عند تعذر المائية، و كيف و هو بدل عنها كما هو واضح، و نحوهما الفرق بين المستوعب و غيره كما قد عرفت، نعم قد يتجه في الاستيعاب لجميع الأعضاء و لجميع البدن، لحصول الشك في مثل هذا الوضوء و الغسل، سيما الثاني مع القول بوجوب وضع شي ء على المكشوف، فإنه في كل آن يتمكن من وضع لحاف و نحوه ثم المسح عليه، مع إطلاق الأخبار بالرجوع إلى التيمم، فتأمل جيدا. على أن الذي يظهر من ملاحظة تلك الأخبار أن الأمر فيها بالتيمم لمكان التضرر بالغسل بالبرد و نحوه، و الله أعلم.

و إذا زال العذر الذي كان سببا في سواغ المسح على الجبيرة فلا يعيد الصلاة إجماعا كما في المنتهى و غيره، و استأنف الطهارة للمتجدد من الصلاة كما عن المبسوط و مال إليه في المعتبر، و تبعه بعض متأخري المتأخرين، على تردد كما هو ظاهر المنتهى و التذكرة ينشأ من أنها طهارة اضطرارية، و الضرورة تقدر بقدرها، كانتقاض التيمم برؤية الماء و نحوه، و لأنه يجب عليه الصلاة بطهارة يجب فيه الغسل و قد تمكن منه، و من أنه مأمور و الأمر يقتضي الاجزاء، و لا

طلاق ما دل على الاجتزاء بالمسح عليها، و لا ارتفاع حدثه فلا يعود و للاستصحاب، و الحمل على التيمم قياس لا نقول به، و المراد بتقدر الضرورة قدرها عدم فعل الوضوء كذلك مع عدمها، لا بقاء أثره، و الأخير مصادرة، و لذا كان الأقوى عدم الإعادة كما تقدم البحث فيه مفصلا سابقا في المسح للتقية و الضرورة، بل الظاهر أنه لا يعيد و إن ارتفعت في أثناء الوضوء بعد المسح عليها

ج 2، ص: 311

أو على بعضها على تأمل سيما في الأخير، نعم يتجه الإعادة فيما لو ظهر سبق البرء و كان لا يعلم به، و طريق الاحتياط غير خفي.

[المسألة السادسة في عدم جواز مباشرة الغير للوضوء مع الاختيار]

(السادسة) لا يجوز أن يتولى وضوءه أي الغسل كلا أو بعضا غيره بحيث يسند الفعل إلى ذلك الغير مع الاختيار إجماعا كما في الانتصار و المنتهى، و مذهب الأصحاب كما في المعتبر، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و إلى ظاهر الوضوءات البيانية و استصحاب حكم الحدث- أن ظاهر الأوامر بالغسل و المسح تقتضي المباشرة، و إرادة كون الفعل مستندا اليه، و ما يقال: إن ظاهرها لا يقتضي سوى كونه مأمورا بذلك، و أما الشرطية فلا دلالة فيها عليه، فحينئذ يبقى عمومات الوكالة و النيابة محكمة يصح إثبات المشروعية بها، و لا تعارض بينها، فيكون الأصل جواز الوكالة و النيابة في سائر العبادات إلا ما خرج بالدليل ضعيف جدا في مثل ما نحن فيه من الأوامر التي هي عبادة، لظهورها في إرادة التعبد الظاهر في المباشرة، نعم قد يسلم ذلك في الأوامر التي علم أنها ليست عبادات، و لا يشترط فيها نية القربة، و أما ما علم فيها ذلك و لو بالأصل المقرر في الأوامر فغير متجه كما هو واضح، و من هنا ظهر لك وجه تطلب الأصحاب الدليل الخاص في كل مقام من مقامات العبادات على جواز النيابة فيها فتأمل.

خلافا لظاهر المنقول عن ابن الجنيد من أنه يستحب للإنسان أن لا يشرك في وضوئه غيره بأن يوضأه أو يعينه عليه، و ضعفه واضح، على أنه غير صريح المخالفة، و لا فرق في الغير الموجود في عبارة المصنف و غيرها بين أن يكون إنسانا مكلفا أو غيره، بل إنسانا و غيره، إذ المدار على تحقق النسبة و إسناد الفعل على وجه الحقيقة عرفا، فمتى حصل ذلك من المكلف صح وضوؤه، و لذا كان لا يقدح في صحة الوضوء صب الماء في الكف و نحوه، إذ لا مدخلية له في نسبة الفعل إلى المكلف، فمتى حصل ذلك الإسناد إلى الغير بطل الوضوء قطعا كما عرفت، و كذا لو أسند إليهما مع الجزئية لكل منهما بحيث لا يسند الفعل إلى واحد مستقلا، لعدم حصول النسبة العرفية للمكلف،

ج 2، ص: 312

نعم لو حصل الإسناد إلى كل منهما مستقلا بالنسبة للغسل الواحد اتجهت الصحة، لما عرفت أنه يكفي فيها تحقق النسبة، و لا يقدح فيها تحققها للغير مع تسليم صحة الفرض، و بعد أن عرفت ذلك المدار فلا حاجة للإطالة و الإكثار في الأمثلة في المقام من صب الإنسان و الحيوان المعلم و غير المعلم و من إراقة الإنسان الماء من ميزاب أو نحوه إلى غير ذلك، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر من عبارة المصنف و غيرها في بادئ الرأي حرمة تولي الغير الوضوء إلا أن التأمل فيها يقضي بأن مرادهم من ذلك الفساد و عدم الجواز لو اكتفي بالصلاة فيه أو قصد التشريع أو نحو ذلك، و أما الحرمة الذاتية فلا أعرف دليلا عليها، و ظاهر هذه العبارات لا وثوق به في نحو هذه المقامات، و يمكن الاستدلال عليه مع أصل المسألة من عدم جواز التولية ب

خبر الحسن بن علي الوشاء(1)قال: «دخلت على الرضا (عليه السلام) و بين يديه إبريق يريد أن يتهيأ للصلاة، فدنوت منه لأصب عليه، فأبى ذلك، فقال: مه يا حسن، فقلت: لم تنهاني أن أصب على يديك، تكره أن أوجر، قال (عليه السلام): تؤجر أنت و أوزر أنا، فقلت: و كيف ذلك؟ فقال (عليه السلام):

أما سمعت الله عز و جل يقول (2)(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) و ها أنا إذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد»

لقوله فيها: (و أوزر أنا) بحمل الصب فيها على الصب على أعضاء الوضوء، و يحتمل قويا أن يراد بالصب الصب في الكف، لكونه المتبادر المتعارف في مثل ذلك سيما بالنسبة للوجه، و يحمل قوله: (أوزر) على شدة الكراهة بقرينة قوله في آخرها: (فأكره) مع أن المكروه بالنسبة إليه كالوزر، و يؤيده- مع فهم الأصحاب منها ذلك كما قيل-

المرسل(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 سورة الكهف- الآية 110.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 313

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «أنه كان لا يدعهم يصبون الماء عليه، و يقول:

لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا»

لظهور قوله: (لا أحب) في الكراهة، على أنه لو سلم فيحتمل أن يكون قوله: (أوزر أنا) يعني إن صليت بهذا الوضوء و اكتفيت به، فلا يدل على الحرمة حينئذ في ذاته، فتأمل.

و يجوز بل يجب و لو ببذل أجرة لا تضر بالحال مع الاضطرار بلا خلاف أجده، بل عليه اتفاق الفقهاء كما في المعتبر، و الإجماع كما في المنتهى، و قد يرشد اليه مضافا إلى ذلك

خبر عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)في حديث «انه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد، قال (عليه السلام):

فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فحملوني و وضعوني على خشبات ثم صبوا الماء علي فغسلوني»

لعدم الفرق بين الوضوء و الغسل، و نحوها الأمر بالتولية في تيمم المجدور في المعتبرة كما سيأتي مع عدم الفرق و كون التراب كالماء، و ربما يرشد إليه أيضا ما ورد في كثير(2)من الأخبار على أقوى الوجهين فيها أنه

(كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر)

و (انه ليس عليه شي ء) حتى أنه

ورد(3)في بعضها أن (هذه من الباب التي ينفتح منها ألف باب)

كل ذلك مع أنه يمكن أن يقال: إن الخطابات بالوضوء شاملة للمقام، و ما دل على الاشتراط انما هو مع المكنة، لكونه بواسطة الأوامر المقيدة بالقدرة، و لوضوح هذا الحكم و عدم الخلاف فيه من أحد وقع من بعض الأصحاب الاستدلال عليه بأمور نظر بها بعض المتأخرين، منها ما وقع للمصنف في المعتبر من التعليل بأنه توصل إلى الطهارة بالقدر الممكن، مع انه يمكن أن يريد ما سمعته، و منها ما وقع لغيره من أنه عند تعذر الحقيقة يصار إلى المجاز مع انه قد يريد أن خطابات الوضوء لشمولها لنحو المقام لا بد من حملها على المجاز، و الأمر سهل، و اعلم أنه لا فرق حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات- حديث 8.

ج 2، ص: 314

في المتولي بين أن يكون مكلفا أو غيره، لكون المندوب فيه انما هو من مقدمات الوضوء و إلا فالوضوء وضوء المضطر، و العبادة عبادته، و النية نيته، و هو المتقرب إلى الله بهذا الوضوء السائغ في حقه، فما في المدارك من أن النية تتعلق بالمباشر، لأنه الفاعل للوضوء حقيقة فيه ما لا يخفى.

[المسألة السابعة في حرمة مس المحدث كتابة القرآن]

(السابعة) لا يجوز للمحدث أي غير المتطهر شرعا مس كتابة القرآن كما في الخلاف و التهذيب و ظاهر الفقيه و عن الكافي و أحكام الراوندي و ابن سعيد، و اختاره في النافع و المنتهى و المختلف و القواعد و الإرشاد و الذكرى و الدروس و التنقيح و جامع المقاصد و غيرها من كتب متأخري المتأخرين، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الخلاف الإجماع عليه، كما عن ظاهر التبيان و مجمع البيان، خلافا للشيخ في المبسوط على ما نقل عنه، و عن ابني إدريس و البراج من الحكم بالكراهة، بل هو قضية المنقول عن ابن الجنيد، و مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، استضعافا لما تسمعه من أدلة التحريم، و الأقوى الأول لقوله تعالى (1)(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) و هي و إن كانت ليست صريحة في المطلوب لاحتمال رجوع الضمير إلى الكتاب و يكون المراد بالمطهرين الملائكة لكنها ظاهرة فيه، لظهور رجوع الضمير إلى القرآن، لكونه المحدث عنه فيها، و لأن ما قبله و ما بعده صفة للقرآن، و لما عن التبيان و مجمع البيان أن الضمير راجع للقرآن عندنا، بل في الأخير عن الباقر (عليه السلام)(2)على ما حكاه عنه في كشف اللثام أن المعنى المحدثون المطهرون من الأحداث و الجنابات، و أنه لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مس المصحف، و لأن في إرجاع الضمير إلى الكتاب تقييدا للمكنون، و الأصل عدمه، على أنه قد يقال:

إن الإمساس حقيقة في الإمساس البدني، هذا مع ما يظهر من بعض الأخبار أن الضمير


1- 1 سورة الواقعة- الآية 76.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 315

فيها راجع إليه، ك

خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام)(1)قال:

«المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمس خطه، و لا تعلقه، ان الله تعالى يقول (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)»

و اشتمال الروايات على ما لا يقول أحد به من حرمة التعليق و نحوه لا يقدح في المطلوب، مع أنه ربما نقل عن السيد العمل بمضمونها، و إلا فإن اقتضى ذلك الكراهة فليقتض اشتمالها على حكم المعلوم حرمته بالحرمة، و لعل التعليل بالآية انما هو للمس خاصة، فتأمل و بها يظهر رجوع الضمير إلى القرآن و ان الطهارة بالمعنى المصطلح، كما سمعته في الرواية السابقة، على أنه بعد إرجاع الضمير إلى القرآن لا مجال لحمل النفي فيها على غير النهي، و حينئذ لا يتجه أن يراد بالطهارة غير المعنى المصطلح لعدم القول بحرمته من أحد، هذا. مع انه قد يدعى ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الطهارة بهذا المعنى، و استعمالها في المعنى اللغوي كما في

قوله (المؤمن طاهر)

و (أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ)(2)و (أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ)*(3)أي لا يحضن، و نحو ذلك لا ينافي ما ذكرنا.

و مما يدل على المطلوب- مضافا الى ما سمعته من الآية و الرواية و الإجماع-

مرسل حريز عن الصادق (عليه السلام)(4)انه قال لولده إسماعيل: «يا بني اقرأ المصحف، فقال: اني لست على وضوء، فقال (عليه السلام): لا تمس الكتابة و مس الورق و اقرأه»

و

خبر أبي بصير(5)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عمن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء، قال (عليه السلام): لا بأس و لا يمس الكتاب»

و لا يقدح ما في السند من الضعف لو سلم لانجباره بالشهرة و الإجماع المنقول، بل قد يدعى الإجماع المحصل، لحمل لفظ الكراهة في كلام الشيخ و ابن الجنيد على إرادة الحرمة، على أن


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الوضوء- حديث 3.
2- 2 سورة الأعراف الآية- 80.
3- 3 سورة البقرة الآية- 23.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الوضوء- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 316

رواية أبي بصير إما أن تكون صحيحة أو موثقة على الكلام في الحسين بن المختار، و خبر حريز و إن كان مرسلا إلا أنه في السند حماد، و هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فلا يقدح ضعف من بعده على أحد الوجهين في تفسيرها، و بذلك كله مع المناسبة لتعظيم الكتاب ينقطع الأصل المتمسك به لنفي الحرمة، مع حمل ما سمعت من الأدلة على الكراهة لمكان ضعفها، و لم أعثر على دليل لهم سوى ذلك، و فيه من الضعف ما لا يخفى.

و الأقوى إلحاق لفظ الجلالة به، بل سائر أسمائه المختصة به، لظهور النهي عن المس للقرآن في التعظيم، بل كاد يكون صريح الآية، و لا ريب أن لفظ الجلالة و نحوه أحق بالتعظيم من سائر ألفاظ القرآن كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان، لأنه خير الأسماء، و لذا اختص به، و كذا الأسماء الحسنى، و من العجيب من بعض المتأخرين كالخوانساري أنكر ذلك، متمسكا بالأصل، و ان أقصى ما يستفاد من الأدلة القرآن خاصة و ما في

خبر أبي الربيع (1)«في الجنب يمس الدراهم و فيها اسم الله تعالى و اسم رسوله (صلى الله عليه و آله) قال (عليه السلام): لا بأس ربما فعلت»

فهو- مع الغض عما في السند و معارضته بغيره- محمول على عدم كون المس للاسم، و كونه عليه لا يلزم ذلك، و هل يلحق بذلك أسماء الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام)؟ وجهان.

ثم ان ظاهر ما سمعته من الأدلة اختصاص الحكم بالمكلفين، كما في غيره من التكاليف، فلا يحرم على الصبيان و نحوهم قطعا، لكن هل يحرم على الولي أو غيره تمكينهم من ذلك، و يجب عليه منعهم منه لو حصل، أو لا؟ قولان، فظاهر المعتبر و المنتهى و التحرير أنه يجب منع الصبي من المس، و استقر به في الذكرى قبل الوضوء، و جعله وجها بعد الطهارة، لعدم ارتفاع حدثه، و لعل مستندهم أن عدم المنع مناف للتعظيم، كعدم المنع من إلقاء النجاسات و نحوها، و ان قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الجنابة- حديث 4.

ج 2، ص: 317

بعد تعذر الحقيقة تحمل على أقرب المجازات، فيراد منها حينئذ أنه لا يقع المس من غير الطاهر، فالكل مكلفون بذلك لأنفسهم و غيرهم، إلا أن الأقوى العدم للأصل، مع المنع من كونه منافيا للتعظيم عرفا، سيما بعد فرض كون الماس كالبهيمة، و لا شرعا لعدم ما يدل عليه، على أنه لا دليل على وجوب أكمل التعظيم، نعم تحرم الإهانة و الاستحقار، و هما غير متلازمين، و دعوى أن مس الطفل المحدث و نحوه من المجنون و غيره منه ممنوع، و ظهور قوله (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) بعد صرفه عن ظاهره في إرادة التكليف للبالغ مثلا نفسه كما في غيره من التكاليف، مع السيرة القاطعة في سائر الأعصار على خلافه، بل الأمر بتعليم الأطفال قراءة القرآن مما يشعر بالجواز، لكونه من ضرورياته عرفا، سيما مع القول بأن طهارتهم تمرينية لا شرعية، و من هنا اختار بعض المتأخرين عدم الحرمة، لكن في الحدائق أن القول بالحرمة لا يخلو من قوة، نظرا إلى عموم الأدلة على التحريم، و عدم توجه الخطاب فيها إلى الطفل لما ذكرنا لا ينافيه التوجه إلى وليه، و فيه أن عدم المنافاة لا يقتضي بالتوجيه، و الكلام في الثاني، و احتمال عموم الأدلة بهذا المعنى مما لا وجه له، و إلا لجرى في غيره من التكاليف كالكذب و الغيبة و نحوهما.

ثم المدار في المس على العرف كما في غيره من الألفاظ، و الظاهر تحققه بمباشرة بعض أجزاء البدن من يد أو غيرها مما حلته الحياة أولا، نعم يمكن استثناء الشعر سيما إذا كان مسترسلا جدا، كما أن الظاهر أنه لا فرق بين الظواهر من البدن و البواطن، و كل ما شك في كونه فردا للمس لشك في المفهوم فالأقوى وجوب اجتنابه للمقدمة، و أما المس بخارج البدن كالثياب و نحوها فلا حرمة فيه قطعا، و إجماعا محصلا و منقولا، و المدار في الممسوس على ما يسمى قرآنا أي مقروا، تحققت فيه الكتابة كما في أكثر الأفراد أولا، كما إذا صنع بالمقراض أو بالنسج و نحو ذلك، فان الظاهر عدم تسمية مثل ذلك كتابة، و لا ينافيه وجود النهي عن الكتابة، لعدم التعارض، و احتمال

ج 2، ص: 318

جعل النهي عن مس القرآن من المطلق الذي ينصرف إلى الشائع من الافراد ضعيف مناف للمستفاد من سياق الآية و غيرها من كون المنشأ في ذلك التعظيم، و بذلك يظهر أنه لا فرق في المكتوب بين المستقيم و المقلوب و المنقوش و غيرها، كما أن الظاهر أنه لا فرق في المجتمع منها و المفرق، فيجري الحكم على الآيات المكتوبة في كتب الفقه و الحديث و غيرها مما كان على سلاح أو إناء و نحوهما، و ما في بعض الاخبار(1)من المصحف لا دلالة فيه على اشتراط النهي عنه بذلك، على أن المس فيه انما يقع على البعض، و

خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(2)كما نقله المحقق عن جامع البزنطي قال: «سألته هل يمس الرجل الدرهم الأبيض و هو جنب؟ فقال (عليه السلام): و الله إني لأوتى بالدرهم، فآخذه و اني لجنب، و ما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا إلا أن عبد الله بن محمد كان يعتبهم عتبا شديدا، يقول: جعلوا سورة من القرآن في الدرهم، فيعطى الزانية و في الخمر، و يوضع على لحم الخنزير»

لا دلالة فيه على جواز مس السورة إذا كانت مكتوبة على الدرهم، إلا أن الشهيد في الذكرى (رحمه الله) رواها على وجه فيه دلالة، ثم احتمل أن الوجه في ذلك سلب اسم المصحف أو الكتاب عنه أو لزوم الحرج بلزوم تجنب ذلك، قلت: و الاولى خلافه، و الظاهر أنه لا فرق بين مصطلحات الكتاب بعد صدق الاسم من الكوفية و العربية و الفارسية و غيرها، نعم لو حصل بإبداع خاص لم يعرف كونه من الكتابة فالظاهر عدم جريان الحكم، كالذي يحصل من تفطير الأرض و سفيان الرياح، فإنه تركيب للواهمة التي لا تقف تركيباتها على حد.

و أما المشترك منه فالظاهر أن المدار فيه على قصد الكاتب، و مع عدم العلم به فالأصل عدمه، و هل يجري نحو ذلك منه في الكلمات و الحروف و أبعاضها؟ إشكال، سيما في الأخيرين، و سيما مع العدول عنه و جعله جزء كلمة أخرى أو كلام آخر، و الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الجنابة- حديث 3 مع تقطيع في الوسائل.

ج 2، ص: 319

قصر الحرمة على الحروف و الكلمات من القرآن، و كذا المد و التشديد، و أما الحركات الاعرابية و البنائية و نحوهما فقد صرح بعضهم بخروجها، لصدق اسم الكتاب و القرآن بدونها، و يحتمل قويا الإلحاق، لكونها بعد وجودها صارت أجزاء أو كالأجزاء، و كونها رسوما لا تدل على حرف لا ينافي ذلك، فإن الألف التي تكتب بعد واو الجماعة لا دلالة فيه على حرف مع انها من الكتابة قطعا، فتأمل. نعم لا يجري الحكم فيما يكتب في القرائين من الاجزاء و الأحزاب و الأعشار و نحوها، لكونها ليست من القرآن قطعا و كذا أسماء السور ما لم تكن من القرآن، و لا فرق فيه بين منسوخ الحكم و عدمه إذا لم تنسخ التلاوة، و أما منسوخها فقد صرح بعضهم بعدم جريان الحكم فيه من غير فرق بين المنسوخة قبل آية التحريم و بعدها، و لقد أطال الأستاذ في كشف الغطاء في كثرة التفريع في المقام، من أراده فليراجعه، و كيف كان فقد بان لك أنه لا إشكال في انه يجوز له ان يمس ما عدا الكتابة للأصل و غيره.

[المسألة الثامنة في حكم المسلوس]

(الثامنة) من به السلس أي الداء الذي لا يتمسك بسببه بوله كما عن مجمع البحرين و صرح به غير واحد من الأصحاب، قيل يتوضأ لكل صلاة عندها، فلا يجمع بين صلاتين فما زاد بوضوء، كما هو خيرة الخلاف و المعتبر و الإرشاد و القواعد و التحرير و الدروس و الذكرى و التنقيح و جامع المقاصد و غيرها، و استحسنه المصنف في النافع و هو الظاهر من المختلف أيضا، و في السرائر أن سلس البول على ضربين، الأول ان يتراخى فيه زمان الحدث فليتوضأ للصلاة، فإذا بدره الحدث و هو فيها خرج و توضأ و بنى، الثاني أن يخرج على التوالي من غير تراخ بين الأحوال فليجدد الوضوء لكل صلاة، و لعل مختاره أيضا ما ذكرنا، و كيف كان فهذا القول هو المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل قد يظهر من الخلاف دعوى الإجماع عليه. و قيل يصلى بوضوء واحد صلوات إلى ان يحدث حدث آخر كما عن المبسوط، و مال اليه بعض متأخري المتأخرين و هو و إن كان كلامه محتملا لرفع ناقضية البول أصلا في خصوص المقام إلا أن الأظهر كون مراده رفع ناقضية ما يخرج منه بلا قصد و اختيار، و أما ما خرج منه بالقصد

ج 2، ص: 320

على حسب سائر الناس فهو ناقض، أو يريد رفع حكم هذه القطرات ما دام الداء، و تظهر الثمرة فيما لو ارتفع الداء بعد فعل الوضوء، فتأمل. و قيل يصلي الظهر و العصر بوضوء، و المغرب و العشاء بوضوء، و الصبح بوضوء، كما هو خيرة العلامة في المنتهى، و ربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين أيضا.

حجة (الأول) عموم ما دل على ناقضية البول، و الضرورة تتقدر بقدرها، فيقتصر على الصلاة الواحدة، و ما دل على الأمر بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، خرج ما خرج و بقي الباقي، و لأنه إن اقتضى تكرير الحدث إيجاب الطهارة فهو المطلوب، و إلا فلا يقتضي في المستحاضة لكونه تكريرا، و اللازم باطل فالملزوم مثله.

و حجة (الثاني) ما رواه

الشيخ في التهذيب في الموثق (1)قال: «سألته عن رجل أخذه تقطير في فرجه إما دم أو غيره، قال: فليضع خريطة و ليتوضأ و ليصل، فإنما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدن إلا من الحدث الذي يتوضأ منه»

فان الظاهر ان المراد بالحدث الذي يتوضأ منه ما كان خارجا على حسب المعتاد، فلا يعتد بالتقطير الذي اعتراه من المرض و نحوه لا نجاسة و لا حدثا، و لعل التعليل فيها إشارة إلى ما ورد من الاخبار الكثيرة أنه

(كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر)

و في بعضها انه

(ليس على صاحبه شي ء)

و قد ورد في حقها (انها) من الباب التي ينفتح منها ألف باب، و مما سمعت تصح دلالتها على كون المراد منها ان كل ما غلب الله من الشرط أو المانع أو الجزء أو الكل فالله أولى بالعذر فيه، بمعنى يسقط حكم المغلوب عليه، و يبقى الباقي، فيكون المعنى أن الله غلب عليه بهذا الإخراج من البول مثلا، فيسقط حكمه من الناقضية لهذا الوضوء و نحوه، فتأمل. و بما رواه في

الكافي في الحسن عن منصور بن حازم (2)قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 321

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يقطر منه البول و لا يقدر على حبسه، فقال (عليه السلام): إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر، يجعل خريطة»

و قد يشعر به ترك الأمر بالتجديد في

خبر الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)قال:

«سئل عن تقطير البول، قال (عليه السلام): يجعل خريطة إذا صلى»

و

خبر عبد الرحمن (2)قال: «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في خصي يبول، فيلقى من ذلك شدة، و يرى البلل بعد البلل، قال (عليه السلام): يتوضأ ثم ينتضح ثوبه في النهار مرة»

كل ذلك مع استصحاب حكم الوضوء الأول، و الشك في شمول ما دل على ناقضيته لمثل ما نحن فيه و لو سلم فهي من قبيل المطلق و المقيد أو العام و الخاص، فيحمل عليه و إن كان الخاص ذا أفراد، فلا وجه لحمله على بعض الأحوال دون بعض و الحمل على المستحاضة قياس لا نقول به.

و مستند (الثالث)

صحيح حريز بن عبد الله (3)عن الصادق (عليه السلام) قال:

«إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا و جعل فيه قطنا ثم علقه عليه و أدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين الصلاتين الظهر و العصر يؤخر الظهر و يعجل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخر المغرب و يعجل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح»

إذ لو لم يكن ذلك للاكتفاء بالوضوء الواحد لم يكن للجمع فائدة، و منه يعلم عدم الجواز في الزيادة أيضا، قلت: قد يقال: انه مع الشهرة التي كادت تبلغ الإجماع بل قد عرفت إشعار عبارة الشيخ في الخلاف بالإجماع على التجديد لكل صلاة يضعف تحكيم ما سمعت من الاخبار المذكورة للمبسوط على العمومات، على أنها غير صريحة في المقام، لاحتمال الأول منها غير البول، و المراد رفع الحكم عن مانعية النجاسة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8 عن عبد الرحيم.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 322

للصلاة، مع أنه لا تعرض فيه لعدم إيجاب الوضوء كالثاني، و كون الله أولى بالعذر لا دلالة فيه على ما نحن فيه، لكونه متمكنا منه بالنسبة إلى كل صلاة، و جعل الخريطة في الثالث لا ينافي ذلك، و احتمال خبر الخصي البلل المشتبه، و كذلك خبر العلامة، فإنه يحتمل أن يكون الفائدة في الجمع للنجاسة و استمرار الحدث لا بالنسبة إلى عدم تجديد الوضوء، و بهذا يظهر قوة كلام المشهور.

لكن يبقى الإشكال في تقرير القاعدة بالنسبة إلى جميع أفراده فنقول: إن المسلوس الذي حدثه مستمر بحيث لا تسلم له طهارة يفعل معها بعض الصلاة بل كان متواليا فالأصل الأول يقتضي سقوط الصلاة بتعذر شرطها كفاقد الطهور إلا أن الإجماع بحسب الظاهر على عدم سقوطها كالإجماع على وجوب هذه الصورة من الوضوء للصلاة الاولى، و أما بالنسبة إلى غيرها من الصلاة فلا إجماع، لما عرفته من مخالفة الشيخ، اللهم إلا أن يقال: إن الشغل اليقيني موجب للبراءة اليقينية و هي منحصرة في ذلك، أو يقال: إن الأدلة قاضية بوجوب الوضوء لكل صلاة و إن لم يكن طهارة أي رافعا، أو يقال: إن البول مثلا موجب للوضوء سقط محل الاضطرار فيبقى الباقي، لكنه في الأخيرين محل منع، و الأول مبني على شرطية ما شك فيه.

و أما المسلوس الذي له فترات يتمكن فيها من فعل الطهارة و بعض الصلاة فهل الأصل بعد الإجماع على عدم سقوط الصلاة يقتضي سقوط حكم الحدث الواقع في الأثناء أو يقتضي فعل الطهارة في أثناء الصلاة ثم البناء على ما مضى في صلاته؟ و احتمال القول أن الإجماع منعقد على عدم الحاجة في نحوه إلى الطهارة في الأثناء فيه أن أقصى ما هناك أن الإجماع منعقد على الصحة و عدم البطلان بوقوع الحدث في الأثناء لا عدم الحاجة إلى التجديد، و إلا فقد عرفت من ابن إدريس وجوب الطهارة في الأثناء في نحو ذلك، بل ربما ظهر من جماعة أن له حكم المبطون حينئذ، و ستعرف أن ذلك حكمه لمكان الاخبار، و ما في المعتبر في المقام من الاتفاق على العفو عن الحدث بالنسبة إلى الصلاة

ج 2، ص: 323

الواحدة لعله في غير المقام، فتأمل.

و الحاصل لا أعرف أصلا يرجع إليه في ذلك، إذ كما أن القول بعدم الالتفات إلى هذا الحدث و فعل الصلاة من غير تجديد مخالف للضوابط كذلك فعل الطهارة في أثناء الصلاة، اللهم إلا أن يقال: إنه لما قام الإجماع على الصحة مع تخلل الحدث فحكمها مستصحب، لأصالة براءة الذمة من الوجوب في الأثناء، على أنه مخالف لما دل من مانعية الفعل الكثير، بل قد يكون ماحيا، و لكن يمكن ترجيح الأول بموافقة أخبار المبطون (1)و بكونه أقرب إلى

قوله (عليه السلام)(2)(لا صلاة إلا بطهور)

و سقوط الاستمرار بعد تسليم الدليل شموله لمثل المقام لا يمنع من ذلك، فلعل ذا هو الأقوى ما لم يكن في التكرير عسر و حرج، و القول بوجوب فعل صلاتين بالكيفيتين تحصيلا للبراءة اليقينية لا يخلو من وجه، كما أنه يحتمل أن يقال: المراد بالمسلوس في كلام الأصحاب ما لا يشمل نحو هذه الصورة، و إلا فهو في هذه مساو للمبطون كما يظهر من الشهيد في الدروس و غيره، لكن فيه أنه لم يستثن في كلامهم سوى من كانت له فترة تسع الطهارة و الصلاة، و الغرض من هذا الكلام أنه بعد إعراض المشهور عن ما سمعت من الاخبار رجعوا إلى ما تقتضيه القواعد، إلا أنه في انطباق جميع ما ذكروه على مقتضاه بالنسبة إلى سائر الافراد لا يخلو من تأمل كما عرفت و عليك بإمعان النظر فيما ذكرنا من تنقيح الأصل في المقام، لينفعك في غير محل النص، كمسلوس الريح إن لم نقل بدخوله تحت المبطون و مسلوس النوم و غيرهما، و لعل كلام الشيخ في المبسوط هنا لا يخلو من قوة، لأن جميع ما سمعته من المناقشات ليست سالمة من مثلها.

ثم اعلم أن مقتضى ما تقدم من الاخبار وجوب الاستظهار على المسلوس بمنع تعدي النجاسة بأن يضع خريطة أو كيسا كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل في جامع


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 324

المقاصد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و يؤيده مع ذلك الاحتياط في العبادة، نعم الظاهر المنع بالممكن بوضع القطن، فلا يتعين نحو الكيس و إن أمكن القول بوجوبه مع إمكانه، لاحتمال أنه أقرب إلى صيرورته من قبيل الاجزاء الباطنة، إلا اني لم أقف على كلام لهم في وجوب خصوص ذلك، بل أوجبوا الاستظهار الشامل له و لغيره، و هل يجب تغييرها عند كل صلاة أو التطهير اقتصارا على المتيقن؟ ليس في الاخبار إشعار بذلك، بل الظاهر منها العدم، و ليعلم أيضا انه بناء على المشهور من نقض الحدث المتكرر للطهارة و انه مبيح للصلاة ينبغي أن يقتصر في إباحته على محل اليقين، فليس له أن يمس الكتاب مثلا و لو حال الصلاة، لكن يمكن إلحاق الواجب المشروط بالطهارة بها على إشكال، إذ لم يعلم وجوبها في حال تعذر الشرط، و لا إجماع و التنقيح لا منقح له، و منه يظهر الإشكال في المستحبات المشروطة بها، لكن قد يقال به بالنسبة للنوافل خاصة، لإطلاق قوله: (يصلي) و نحوه، فتأمل. فإن المسألة من المشكلات، و لم أعثر على من حررها، و لعل ذلك كله يرجح قول الشيخ من عدم الالتفات إلى حكم هذا الحدث.

ثم ان الحكم في المسلوس ما سمعت ما لم يكن له فترة تسع الطهارة و الصلاة، و إلا وجب الانتظار كما صرح به جمع من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا هنا سوى ما ينقل عن الأردبيلي من احتمال عدم الوجوب، لا طلاق الأدلة، و حصول الخطاب بالصلاة، فيقع الفعل بحسب الإمكان في ذلك الوقت، لأنه من قبيل انقلاب التكليف، و المسألة سيالة في جميع ذوي الأعذار، لكن يمكن منع شمول الإطلاق لنحو المقام، كمنع الخطاب بالصلاة على هذا الحال مع العلم بالتمكن من الشرط في ثاني الأوقات، و لعل التفصيل في الاعذار بين ما يستظهر منها أنها من قبيل انقلاب التكليف و صيرورتها تكليفا ثانيا و بين ما يستظهر منها انها اضطرارية محضة كصلاة المكتوف و نحوه لا يخلو من قوة، فيجوز في الأول دون الثاني، و المشكوك فيه من قبيل الثاني ما لم يظهر خلافه، بل لعله

ج 2، ص: 325

لا يجوز في الثاني مع احتمال زوال العذر حتى يضيق الوقت، ليتحقق مناط الجواز، و هو الضرورة، إذ بدونه لا يحصل العلم بالاضطرار، نعم قد يقال: إن له التمسك باستصحاب عدم التمكن فيبادر، إلا أنه متى ارتفع العذر و جب عليه الإعادة، إذ اقتضاء الأمر الاجزاء في نحو ذلك ممنوع كما قد عرفته غير مرة، و كان ما نحن فيه من قبيل الثاني، فلذا صرح الأصحاب بوجوب الانتظار عليه، لكن هل يجب عليه انتظار زمن الخفة؟ إشكال، و لو أمكن التحفظ عن الحدث بالصلاة جالسا أو مؤميا أو نحوهما قيل يجب، و فيه أنه مخالف لا طلاق الأدلة، على انه تخلص عن الضرورة بالأضر منها في بعض الأحوال، فتأمل جيدا.

و قيل من به البطن بالتحريك أي من به إسهال أو انتفاخ في بطن أو من يشتكي بطنه كما عن مجمع البحرين، و في المعتبر و عن التذكرة ان المبطون هو الذي به البطن و هو الذرب، إذا تجدد حدثه في الصلاة يتطهر و يبني كما في الوسيلة و محتمل النهاية و المعتبر و النافع و المنتهى و الذكرى و الدروس و اللمعة و الروضة و غيرها من كتب متأخري المتأخرين و عن الجامع و الإصباح، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، و ظاهر المصنف و جماعة كصريح غيره أن المراد به من كانت له فترات يتمكن معها من فعل بعض الصلاة بطهارة لا من كان حدثه متواليا واليا متواترا، فان الظاهر فيه انه يتوضأ مرة واحدة لكل صلاة كالمسلوس الذي هو كذلك كما صرح به بعضهم، و لظهور ما تسمعه من أدلة المبطون في خلافه.

و كيف كان فالذي يقوى في نظري بعد كمال التأمل في كلمات الأصحاب أن محل النزاع في المقام ما سمعته من الصورة، لا ما إذا كان متواليا واليا و لا ما إذا كانت له فترة تسع الطهارة و الصلاة و إن احتمل بعضهم كون النزاع فيه، لكن ينافيه التأمل في مطاوي كلماتهم بل تصريح بعضهم، فنقول حينئذ ان المشهور فيه ما تقدم، و قال العلامة في المختلف و القواعد و الإرشاد و عن التذكرة و نهاية الاحكام انه إن كان يتمكن من حفظ نفسه بمقدار الصلاة تطهر و استأنف الصلاة من رأس، و إن لم يكن متمكنا من ذلك بأن

ج 2، ص: 326

كان دائما لا ينقطع بنى على صلاته من غير تجديد في الأثناء كصاحب السلس، إذ لا فائدة في التجديد، لأن هذا المتكرر إن نقض الطهارة نقض الصلاة، لما دل على اشتراط الصلاة باستمرارها، و فيه- بعد تسليم شمول دليل الشرطية لنحو المقام على وجه يرتفع به الاستدلال عن المصادرة في المقام- انه اجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى المشهور، بل لم يعرف فيه مخالف قبله، ففي

موثق ابن مسلم عن الباقر (عليه السلام)(1)قال:

«صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي»

و في

صحيحه عنه (عليه السلام) أيضا(2)قال: «صاحب البطن الغالب يتوضأ و يبني على صلاته»

و عليهما يحمل

صحيحه الآخر(3)قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المبطون، فقال:

يبني على صلاته»

بل قد يشعر به أيضا

صحيح الفضيل بن يسار(4)قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): اني أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال:

انصرف ثم توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، و إن تكلمت ناسيا فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا، قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة قال: نعم و إن قلب وجهه عن القبلة»

و

خبر أبي سعيد القماط(5)أنه «سمع رجلا يسأل الصادق (عليه السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول و هو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة فقال (عليه السلام): إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام»

و هما و إن كانا لا صراحة فيهما فيما نحن فيه إلا ان تنزيلهما


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
2- 2 الفقيه- ج 1- ص 237- من طبعة النجف.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- حديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قواطع الصلاة- حديث 11.

ج 2، ص: 327

على ما ذكرنا من الاخبار أولى من غيره إن لم نقل ان التمسك بإطلاقهما، و ما وقع من كاشف اللثام تبعا للعلامة في التذكرة من الطعن في دلالة جميع ما سمعت من الاخبار لمكان الاحتمالات البعيدة مما لا يصغى إليه، لما فيه من انسداد باب العمل بظواهر الكتاب و السنة بمجرد الاحتمال، على أن ارتكاب التأويل فيها مما لا باعث عليه سوى ما سمعته من التلازم بين نقض الطهارة و نقض الصلاة، و فيه مع إمكان منع شموله للمقام أن تجديد الطهارة في الأثناء أقرب للضوابط من الاستمرار على الحدث، و احتمال عدم نقض الطهارة بمثل هذا الحدث كما هو مذهب الشيخ في المبسوط فيه ما عرفته سابقا من المخالفة للمشهور، بل هذا القائل لم يوافقه عليه هناك، و المنافاة للأدلة الكثيرة الظاهرة كمال الظهور في ناقضية طبيعة البول، و دعوى أن الاستمرار على الحدث أولى من فعل الطهارة في الأثناء ثم الإتمام فيه ما عرفته سابقا في المسلوس.

و من هنا اتجه إلحاق المسلوس الذي يكون حاله كحال المبطون في الفترات بالمبطون كما صرح به جماعة، و لا ينافيه كلام آخرين، نعم قد يظهر من بعضهم اختصاص هذا الحكم بالمبطون دون المسلوس، و الأقوى خلافه، و إن كان فعل الصلاتين على الحالين أوفق بالاحتياط، كما أن الظاهر أن المبطون الذي يكون حاله كحال المسلوس الذي لا فترة له بحيث لا يسعه الطهارة و الصلاة و لو بالتكرير يستمر و لا يحتاج إلى تجديد في الأثناء، لظهور النصوص و الفتاوى في من تمكن من فعل الصلاة بطهارة و لو مع التكرير، كما لا يخفى على المتأمل، و الظاهر أنه لا يقتصر على التكرير مرة واحدة و إن تجدد الحدث بعدها، بل يفعل أيضا و هكذا ما لم يكن مستمرا للحدث بحيث يتعذر التكرير أو يتعسر لعدم سعة زمن الفترة.

ثم انه إذا كان الثاني فهل يترك التكرير من أول الأمر أو إلى أن يصل إلى حد الحرج؟ وجهان، منشأهما تقدير الضرورة بقدرها و احتمال وجوب تقليل الحدث مهما أمكن، و من أن التكليف الحرجي لا يلحظ فيه نحو ذلك كما في كثير من أفراده، و بما

ج 2، ص: 328

ذكرنا يتضح لك الحكم في مستمر الحدث غير السلس و البطن كالنوم مثلا، و حاصل الكلام في الجميع أنه إن كان له زمان يسع الطهارة و الصلاة وجب الانتظار على المشهور، و إن لم يكن كذلك فاما أن يكون مستمرا متواليا واليا ليست له فترات أو لا، فان كان الأول توضأ لكل صلاة على ما عرفت، لكن يجب ان يكون عندها لا مقدما عليها، و إن كان الثاني فان لم يكن في التكرير عسر و حرج وجب، و إلا سقط رأسا أو إلى أن يصل الى ذلك على الوجهين.

[في سنن الوضوء]
اشاره

و سنن الوضوء و

[في استحباب وضع الإناء باليمين]

هي وضع الإناء على اليمين كما في المقنعة و المبسوط و الوسيلة و المراسم و المهذب و الكافي و الجامع و النافع و المعتبر و المنتهى و القواعد و التحرير و الإرشاد و الدروس و الذكرى و النفلية و شرحها و جامع المقاصد و غيرها، بل في المعتبر و الذكرى و غيرهما نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه، و كفى به دليلا لنحو المقام، إذ هو من السنن التي يتسامح فيها، للرجحان العقلي في فعل ما يحتمل استحبابه احتمالا معتبرا، مضافا إلى ما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)«أنه كان يحب التيامن في طهوره و تنفله و في شأنه كله»

و إن كان الظاهر انها رواية عامية، و

المروي (2)عند الخاصة عن النبي (صلى الله عليه و آله) «ان الله يحب التيامن في كل شي ء»

لكن مقتضاه ثبوت الاستحباب في غير المقام، مع انا لم نعثر على من نص عليه بالنسبة إلى غسل النجاسات و نحوها، و لا ينافيه ما

في بعض أخبار الوضوءات البيانية انه (عليه السلام)(3)«دعا بقعب فوضعه بين يديه»

لصدقه على ما إذا كان عن يمينه، و ربما علله بعضهم بأنه أمكن في الاستعمال و أدخل في الموالاة، و كأنه إشارة إلى ما

ورد في


1- 1 صحيح البخاري- باب التيمن في الوضوء و الغسل- من كتاب الوضوء.
2- 2 المستدرك- الباب- 30- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 329

الاخبار على ما قيل «ان الله يحب ما هو الأيسر و الأسهل»

و هو بوضعه على اليمين لما ستعرفه ان الوضوء بالاعتراف بها، و لعله لذا جعله بعضهم أدبا إن قلنا بالفرق بينهما بأن يراد بالثاني ما يستفاد مطلوبيته و رجحانه من ممارسته مذاق الشرع و إن لم يرد به دليل بالخصوص، فتأمل. و لعله لما سمعت من التعليل خص جملة من الأصحاب الاستحباب بما إذا كان الوضوء من إناء يغترف منه، أما إذا كان ضيق الرأس فالمستحب وضعه على اليسار، لأنه أمكن في الاستعمال، قلت: و لعل إطلاق كثير منهم استحباب وضعه على اليمين مبني على استحباب كون إناء الوضوء مما يغترف منه، لأنه المستفاد من الوضوءات البيانية، و الظاهر قصر الاستحباب على ما إذا كان الوضوء من إناء و نحوه لا ما كان من حوض أو نهر و نحوهما، مع احتمال ذلك فيهما يوضعهما على جهة اليمين، أو جعل الناحية التي يغترف منها عليه، كما أن الظاهر قصره على نفس المباشر، فلا يجري بالنسبة إلى النائب و نحوه، و لا فرق في الاستحباب بين كون الرجل أيمنا أو أيسرا، و احتمال جعل يسار الأيسر يمينا بالنسبة إليه ضعيف.

[في استحباب الاغتراف باليمين]

و الاغتراف بها كما في كثير من الكتب المتقدمة، بل في المعتبر و الذكرى نسبته إلى الأصحاب، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك و الى ما سمعته في سابقه- بعض الوضوءات البيانية، و في

صحيحة(1)أو حسنة ابن أذينة أنه «لما دنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) من صاد و هو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن فتلقى رسول الله (صلى الله عليه و آله) الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين»

إلى آخرها قلت: بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى غير غسلها، و أما هو فالمستفاد من كثير من الوضوءات البيانية الاعتراف باليسرى لغسل اليمنى، و احتمال الجمع بينهما بالحمل على التخيير فلا استحباب حينئذ بعيد، كالحمل على استحباب الاعتراف بها لغير غسلها، و إلا فالمستحب الأخذ باليسرى، مع ما في الأخير من منافاة إطلاق كثير من الأصحاب كالمصنف و غيره،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 330

بل صريح بعضهم و

صريح بعض الوضوءات البيانية(1)أنه «أخذ كفا آخر بيمينه. فصبه على يساره، ثم غسل به ذراعه الأيمن»

نعم يحتمل في الجميع أنه لم يقصد منها بيان المستحب، بل المراد بيان الواجب، فلا يستدل بشي ء منها على المقام، فيرجع إلى غيرها من الأدلة، و هي تقضي بإطلاق الاستحباب حتى في غسلها، ك

قوله (عليه السلام): (فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين)

و غيره، و يكتفى حينئذ بالاستدلال بها على المطلوب.

[في استحباب التسمية في حال الوضوء]

و التسمية بلا خلاف أجده، بل في الغنية و المعتبر و المنتهى و الذكرى و غيرها الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة التي ستسمع بعضها، فما في

مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام)(2)«ان رجلا توضأ و صلى، فقال له النبي (صلى الله عليه و آله): فقال له: هل سميت حيث توضأت؟ فقال: لا، قال: سم على وضوئك، فسمى و توضأ فلم يأمره بالإعادة»

مع موافقته للتقية محمول على تأكد الاستحباب كما حمله بعض الأصحاب، إلا أنه يشكل العمل بمضمونه بالنسبة إلى مشروعية إعادة الوضوء و الصلاة لترك هذا المستحب، و ربما ارتكبه بعضهم، و لا يخلو من تأمل، بل الاولى حمله على التقية، أو يراد بترك التسمية النية كما حمله الشيخ عليه.

[في استحباب الدعاء في حال الوضوء]

و الدعاء بالمأثور عندها كما صرح به جملة من الأصحاب، ف

في المرسل (3)«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا توضأ قال: بسم الله و بالله و خير الأسماء لله و أكبر الأسماء لله، و قاهر لمن في السماء، و قاهر لمن في الأرض، الحمد لله الذي جعل من الماء كل شي ء حي، و أحيى قلبي بالإيمان، اللهم تب علي و طهرني، و اقض لي بالحسنى، و أرني كل الذي أحب، و افتح لي بالخيرات من عندك يا سميع الدعاء


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 7.

ج 2، ص: 331

و في المروي

عن الخصال عن علي (عليه السلام)(1)أيضا قال: «لا يتوضأ الرجل حتى يسمي، يقول قبل أن يمس الماء: بسم الله و بالله، اللهم اجعلني من التوابين، و اجعلني من المتطهرين»

و

في كثير من الاخبار(2)ان «من ذكر اسم الله على وضوئه طهر جسده كله»

و

في بعضها(3)(فكأنما اغتسل)

«و من لم يذكر اسم الله على وضوئه طهر من جسده ما أصابه الماء» (4)

بل في جملة منها ما يستفاد منها مرجوحية تركها، لاشتمالها على أن

«من لم يسم على وضوئه كان للشيطان فيه شرك»(5)

و لا طلاق الأمر بالتسمية في النص و الفتوى يستفاد استحبابها و إن لم يأت بالدعاء، إلا أن الأظهر الإتيان بلفظ بسم الله لكونه المتبادر من التسمية، بل قد يدعى أنه المتبادر منها بسم الله الرحمن الرحيم لكن ينافيه ما سمعت من الاخبار الواقع فيها بيانها، نعم احتمال القول باستحباب ذكر لفظ الجلالة عند الوضوء و إن لم يكن بلفظ التسمية لا يخلو من وجه، لما سمعته

عن الصادق (عليه السلام)(6)أنه قال: «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل»

لظهوره في إرادة الاسم من التسمية، و يؤيده ما في

خبر معاوية بن عمار(7)عن الصادق (عليه السلام) «فإذا توضأت فقل: أشهد أن لا إله إلا الله، اللهم اجعلني من التوابين، و اجعلني من المتطهرين، و الحمد لله رب العالمين»

فإنه لم يذكر فيه لفظ التسمية، إلا أن ظاهر غيرهما من النص و الفتوى استحباب لفظ التسمية، و الاولى الاقتصار عليه لكونه المتيقن، فلا يكتفى بالمشكوك فيه مع وجوده، بل قد يدعى أنه لا يصح إتيانه بعنوان التقرب لاحتمال الموافقة و إن جوزناه في الأمر الدائر بين الاستحباب و الإباحة،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 8 و 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 12.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 332

لأن مبنى الجواز فيه الاحتياط الذي رجحه العقل، و هو مفقود مع وجود الفرد المتيقن لأن الاحتياط فيه.

ثم ان الذي يظهر من النصوص و الفتاوى كون وقت التسمية عند الشروع في الوضوء، نعم قد يدخل فيه بعض أجزاء الوضوء المستحبة، لكن قال في الحدائق:

«الظاهر امتداد وقتها من حين الوضع أو الصب للاستنجاء الى الشروع في غسل الوجه» و هو بعيد جدا، و كأن منشأ وهمه استحباب التسمية عند الاستنجاء، ثم الدعاء بقوله اللهم اجعلني من التوابين، إلى آخره. مع استبعاد استحباب التسمية، و فيه أنه لا مانع من الحكم باستحبابهما معا بعد ظهور الأدلة فيه، و هل يستحب ذكرها في الأثناء لو تركها عمدا أو نسيانا كما صرح به جماعة، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب، ل

قوله (عليه السلام): (لا يترك الميسور)

و لكونه أقرب الى المشروع، و لأنه كالأكل، و في الجميع نظر واضح، أو لا يستحب لعدم الدليل؟ و لعله الأقوى، لظهور التسمية على الوضوء في وقوعها في أوله، و لما سمعته في مروي الخصال المتقدم، و لما في الوضوء البياني

أنه (صلى الله عليه و آله)(1): «غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه، ثم قال:

بسم الله و سد له»

فما في الذكرى من استحباب ذكرها في الأثناء و لو مع الترك العمدي لا يخلو من نظر، نعم الظاهر من الأخير تأخر التسمية عن الوضع، بخلاف

مروي الخصال المتقدم «لا يتوضأ الرجل حتى يسمي يقول قبل أن يمس الماء»

إلى آخره لكن يحتمل جواز كل من الأمرين جمعا بينهما.

[في استحباب غسل اليدين]

و من سننه غسل اليدين من الزندين على الأظهر قبل إدخالهما الإناء الذي يغترف منه من حدث مسمى النوم أو البول مرة، و من الغائط مرتين كما في الخلاف و المبسوط و الجمل و العقود و الغنية و الكافي و الجامع و السرائر و المعتبر و المنتهى و غيرها من كتب المتأخرين، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما تسمعه من الشهيد في لمعته


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 333

و نفليته، بل في الغنية و ظاهر المعتبر و غيره الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى

صحيحة الحلبي (1)قال: «سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال: واحدة من حدث البول، و اثنتان من حدث الغائط، و ثلاثة من الجنابة»

و نحوه في الدلالة على البول و الغائط، و أما النوم ففي

الصحيح أو الحسن عن حريز عن الباقر (عليه السلام)(2)قال: «يغسل الرجل يده من النوم مرة، و من الغائط و البول مرتين، و من الجنابة ثلاثا»

و في الفقيه أنه

قال الصادق (عليه السلام)(3): «اغسل يدك من النوم مرة»

و قد يستدل على حكم البول و النوم بإطلاق الأمر بالغسل في

خبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (4)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول و لم يمس يده اليمنى شي ء أ يدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: لا حتى يغسلها، قلت: فان استيقظ من نومه و لم يبل أ يدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: لا، لأنه لم يدر حيث باتت يده، فليغسلها»

و أطلق في اللمعة المرتين، كما أطلق في النفلية المرة، و هو مع عدم دليل غلية بالنسبة للنوم في الأول و الغائط في الثاني ضعيف، لمخالفته لما سمعت من الأدلة، و ما يقال من التمسك للأول ب

قول الباقر (عليه السلام) المتقدم: (و من الغائط و البول مرتين)

فهو مع عدم شموله لتمام الدعوى يجب تنزيله على التداخل، كما نسب إلى الأصحاب جمعا بين الروايات مع أن الغالب خروج البول مع الغائط، و منه ينقدح صحة التداخل في المقام و إن لم نقل بموافقته للأصل، فيكتفى بالمرة مع اتحاد موجب الأسباب، و يدخل الأقل في ضمن الأكثر مع اختلافها من غير خلاف أجده فيه في المقام، و لعله لما سمعت من الخبر مع عدم القول بالفصل و كون الحدث كالخبث، بل قد يظهر مما سمعته من خبر النوم أن غسلها من جهة احتمال النجاسة، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوضوء- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 334

و لعل المراد باليد في النص و الفتوى من الزند كما في التيمم و الدية و غيرهما على ما صرح به في المنتهى و الروضة و كشف اللثام و غيرها، و نسبه في الحدائق إلى الأصحاب لكونه المتبادر سيما من نحو

قوله: (قبل أن يدخلها في الإناء)

و ربما علل ذلك بالاقتصار على المتيقن، و فيه ما لا يخفى، إذ الاحتياط في المستحب يقتضي خلافه، سيما بعد اشتمال الرواية على غسلها للجنابة ثلاثا، و هي فيها من المرفق كما سيأتي، و لعل ما سمعت من الإجماعات المنقولة تكفي في الدلالة على استحباب ما ذكره الأصحاب من غسل اليدين، و إلا فاستفادته من الروايات لا يخلو من تأمل، و كيف مع اشتمال الصحيحة الأولى على اليمنى، مع أنك قد سمعت سابقا أنها هي التي تدخل في الماء يغترف بها لجميع أعضاء الوضوء.

ثم ان ظاهر النص و الفتوى قصر الحكم على ما إذا كان الوضوء بإدخال اليد، أما إذا كان بطريق الصب و نحوه فلا، و احتمال القول به فيه أيضا من جهة كونه من آداب الوضوء أو لأن مشروعيته من جهة احتمال نجاسته كما يشعر به

قوله (عليه السلام): (فإنه لا يدري بها حيث باتت)

ضعيف جدا، لأن الثابت من أدبيته انما هو هذا المقدار، و كون مشروعيته من جهة احتمال النجاسة على تقدير تسليمه لا يجدي، لجواز كون هذا الاحتمال موجبا لاستحباب الغسل إذا كان الوضوء بطريق الإدخال، و أيضا فالظاهر منها قصر الحكم على ما إذا كان الماء قليلا، أما إذا كان كثيرا فلا يجري الحكم المذكور، كما أن الظاهر أن الغسل المذكور تعبدي لا يدور مدار توهم النجاسة، بل لو قطع بطهارة اليد استحب ذلك أيضا، أخذا بإطلاق النص و الفتوى، و ما يشعر به خبر النوم لا يصلح مخصصا، على أن التعليل المذكور لا يمنع من وجود غيره، نعم قد يقوى في النظر أن الغسل المذكور كغسل الخبث لا يحتاج إلى نية، بل لو انغسلت يده مع عدم العلم بها اكتفى به، مع احتمال توقف صحته على نية القربة، ثم أن ما احتمله بعضهم أن ذلك ليس من آداب الوضوء بل هو من آداب الماء في غاية الضعف، لمخالفته

ج 2، ص: 335

كلمات الأصحاب و بعض الأدلة المذكورة، نعم يقتصر في الحكم المذكور على الأحداث المتقدمة، فلا يجري الحكم في نحو الريح، إذ هو قياس لا نقول به.

[في استحباب المضمضة و الاستنشاق]

و من سننه المضمضة و الاستنشاق لا واجبان فيه كما عن إسحاق و أحمد، للأصل و الوضوءات البيانية، و للإجماع المحصل و المنقول، و السنة التي كادت تكون متواترة، بل هي كذلك بالنسبة إليه، نعم هما مسنونان بلا خلاف أجده فيه بين أصحابنا المتقدمين منهم و المتأخرين عدا ما نقل عن ابن أبي عقيل من أنهما ليسا عند آل الرسول (ص) بفرض و لا سنة، و هو ضعيف جدا، للإجماع المحكي صريحا و ظاهرا الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، و للأخبار المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، منها ما رواه

ابن سنان عن الصادق (عليه السلام)(1): «المضمضة و الاستنشاق مما سن رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

كمضمرة سماعة(2)«هما من السنة، فان نسيتهما لم يكن عليك إعادة»

و

خبر أبي بصير(3)«سأل الصادق (عليه السلام) عنهما فقال:

هما من الوضوء، فان نسيتهما فلا تعد»

و

خبر السكوني (4)عن الباقر عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه و آله) «ليبالغ أحدكم في المضمضة و الاستنشاق فإنه غفران لكم و منفرة للشيطان»

إلى غير ذلك من الاخبار التي يطول الكتاب بذكرها، على أن المنقول عنه غير صريح المخالفة، لاحتمال إرادته أنهما ليسا من السنة الحتمية في مقابل الفرض أي الواجب بغيرها، ك

قول أبي جعفر (عليه السلام)(5)في خبر زرارة: «ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، و انما عليك أن تغسل ما ظهر»

إذ المراد به ليس مما علم وجوبه بالسنة، و هو معنى معروف التأدية بمثل هذا اللفظ تعريضا للرد على ما سمعته من


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء- حديث 11 لكن رواه عن جعفر بن محمد عليهما السلام.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 336

بعض العامة، كالأخبار المستفيضة جدا الدالة على أنهما ليسا من الوضوء بل هما من الجوف، أي انهما ليسا من واجباته، و احتمال الجمع بينها و بين غيرها من الروايات بالحكم باستحبابهما في ذاتهما لا للوضوء كما لعله يظهر من الهداية ضعيف جدا مناف لظاهر النص و الفتوى بل الإجماعات المنقولة و غيرها، نعم لا يبعد الحكم باستحبابهما في ذاتهما و للوضوء كما لا يخفى على من لاحظ روايات الباب، مع عدم منافاته لكلمات الأصحاب.

و يرجع فيهما إلى العرف كما هو في غيرهما من الألفاظ، لتقدمه على اللغة، أو لعدم ظهور المخالفة بينهما، بل ملاحظة المنقول عن أهل اللغة من معناهما يرشد إلى إحالتهما عليه، نعم ينبغي الاقتصار في التعبد على غير الفرد المشكوك في كونه منهما، بل لعل الظاهر أنه لا يجوز التقرب بمثله، لمكان التشريع، و لا احتياط مع وجود الفرد المعلوم براءة الذمة به، و نحوه يجري في الواجبات أيضا، و الأقوى أنهما في العرف إدارة الماء في الفم و اجتذابه بالأنف من غير اشتراط للمج في الأول و الاستنشار في الثاني كما وقع من بعضهم، كما أن الظاهر أنه لا يعتبر في الأول إدارة الماء في جميع الفم، و لا في الثاني جذب الماء إلى الخياشيم لغير الصائم، نعم قد يستفاد استحبابهما فيهما لأنها من المبالغة المأمور بها، كما أنه قد يستفاد استحباب المج و نحوه، لأنهما لازالة القذارات التي ينبغي إخراجها، و لكونه المعروف في فعلهما، و مما ينبغي القطع بعدم اعتباره اشتراط الإخراج بمعنى عدم الاكتفاء بالخروج لنفسه، كما أنه ينبغي القطع بعدم اعتبار إدخال الماء للفم في المضمضة، بل يكفي الدخول، نعم يمكن اعتبار الجذب في الاستنشاق، و إلا كان سعوطا لا استنشاقا، و ينبغي القطع أيضا بعدم اعتبار الثلاث في معناهما كما هو ظاهر، بل و لا في استحبابهما كما عساه يظهر من بعضهم لأخذ ذلك في الكيفية، و آخر حيث أخذه حالا، قال في تعداد المستحبات: المضمضة و الاستنشاق

ج 2، ص: 337

ثلاثا ثلاثا، إلى أن قال: كل ذلك بالإجماع كما في الغنية، بل في المبسوط التصريح بأنهما لا يكونان أقل من ثلاث.

و الأقوى أنه مستحب في مستحب كما هو صريح اللمعة و غيرها كظاهر التذكرة و غيرها، تمسكا بالمطلقات التي كادت تكون من المتواترة، بل ظاهر الوضوء المحكي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)عدم التثليث، و ما في

خبر أبي إسحاق الهمداني (2)المنقول عن أمالي ولد الشيخ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده إلى محمد بن أبي بكر لما ولاه مصرا إلى أن قال: «و انظر إلى الوضوء، فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات، و استنشق ثلاثا»

و ما

عن الكاظم (عليه السلام)(3)أنه كتب إلى علي ابن يقطين «تمضمض ثلاثا، و استنشق ثلاثا»

لا يصلح لتقييد تلك المطلقات تقييدا بحيث يكون الفاعل للواحد أو لاثنين شرعا آثما، و كيف و في أصل حمل المطلق على المقيد في المستحب ما هو غير خفي، فضلا عن حمل هذا المطلق على نحو هذا المقيد، بل قد يدعى أن نحو ذلك في الواجب لا يفيد اشتراط هيأه العدد، بل هو من قبيل الأوامر المتعددة، و ما في بعض كلمات الأصحاب من ظهور التقييد بادئ بدء يجب تنزيله على ذلك كما هو واضح، نعم قد ظهر لك من الروايتين المذكورتين استحباب التثليث كما أفتى به الأصحاب، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من إنكار مستنده ليس في محله، نعم ما ذكره بعضهم من كون الثلاث بثلاث أكف و مع إعواز الماء يكفي الكف الواحدة لم أقف له على مستند بالخصوص، بل عن مصباح الشيخ و مختصره و نهايته و المقنعة و الوسيلة و المهذب و الإشارة الاقتصار على كف لكل منهما، و عن ظاهر الاقتصاد و الجامع الاكتفاء بكف لهما، كما هو مقتضى الإطلاقات مع التأييد بالنهي عن السرف في ماء الوضوء، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 19.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 338

المبسوط لا فرق بين أن يكونا بغرفة واحدة أو بغرفتين، و عن المصباح يتمضمض ثلاثا، و يستنشق ثلاثا بغرفة أو بغرفتين، لكن لا بأس بمتابعتهم على ذلك، للتسامح في أدلة السنن.

و هل يشترط تقديم المضمضة على الاستنشاق كما هو ظاهر الوضوء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)ل

قوله (عليه السلام): (ثم استنشق)

و يشعر به تقديم المضمضة عليه في سائر الأخبار(2)المتعرضة و إن لم نقل بأن الواو للترتيب، أو لا يشترط شي ء من ذلك، فيجوز تقديم تمام الاستنشاق على تمام المضمضة، و البعض على البعض، أو أنه يجب البدأة بالمضمضة و إن حاز الاستنشاق بين المضمضات؟ و لعل الأقوى في النظر أنه مستحب في مستحب كما عن ظاهر الوسيلة و التحرير و التذكرة و نهاية الاحكام و الذكرى و النفلية، و ربما ينزل عليه ما وقع في كلام بعض الأصحاب من عطف الاستنشاق بثم كما عن المقنعة و المصباح و مختصره و المهذب و البيان، لعدم الدليل على اشتراط الاستحباب بتقديم المضمضة على الاستنشاق، و المنقول من فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) أعم من ذلك، مع أن المنقول عن الكافي الذي هو أضبط كتب الاخبار ذكر الخبر مقدما للاستنشاق على المضمضة، نعم لمكان فتوى من عرفت بالاستحباب أمكن جعله حجة على ذلك، إلا أنه قد يفهم من الخبرين المتقدمين التوالي في المضمضات، و كذا الاستنشاق، فلا يفصل بينهما بشي ء منهما، فتأمل جيدا، و الاحتياط في إتيان الوظيفة لا ينبغي تركه، و الله أعلم.

[في استحباب الدعاء عند أفعال الوضوء]

و يستحب الدعاء بالمأثور عندهما بأن يقول عند المضمضة

(اللهم لقني حجتك يوم ألقاك، و أطلق لساني بذكرك) على ما عن الفقيه و التهذيب، و عن نسخة من الكافي (اللهم أنطق لساني بذكرك، و اجعلني ممن ترضى عنه) و يقول عند الاستنشاق


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 339

(اللهم لا تحرم علي الجنة، و اجعلني ممن يشم ريحها و روحها و طيبها)

كما عن التهذيب و الفقيه، و عن نسخة من الكافي تبديل الروح بالريحان مع تقديم الطيب عليه، و الكل حسن كما أنه يستحب الدعاء أيضا عند غسل الوجه بأن يقول:

(اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه، و لا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه)

و عند غسل اليدين اليمنى

(اللهم أعطني كتابي بيميني، و الخلد في الجنان بيساري، و حاسبني حسابا يسيرا) و اليسرى (لا تعطني كتابي بشمالي، و لا تجعلها مغلولة إلى عنقي، و أعوذ بك من مقطعات النيران).

و عند مسح الرأس

اللهم غشني برحمتك و بركاتك)

و عند مسح الرجلين

(اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، و اجعل سعيي فيما يرضيك عنى)

كما روى جميع ذلك عبد الرحمن بن كثير عن الصادق عن أمير المؤمنين (عليهما السلام)(1)و يستحب أن يقول عند الفراغ: (الحمد لله رب العالمين) لخبر زرارة(2)و

عن الفقيه (3)«زكاة الوضوء أن يقول المتوضي: (اللهم إني أسألك تمام الوضوء و تمام الصلاة و تمام رضوانك و الجنة)»

و عن المجلسي في البحار

عن الفقه الرضوي (4)«أيما مؤمن قرأ في وضوئه إنا أنزلناه في ليلة القدر خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»

و روى أيضا

عن كتاب اختيار السيد ابن الباقي و كتاب بلد الأمين (5)«ان من قرأ بعد إسباغ الوضوء إنا أنزلناه في ليلة القدر و قال: اللهم إني أسألك تمام الوضوء و تمام الصلاة و تمام رضوانك و تمام مغفرتك لم يمر بذنب أذنبه إلا محقة»

و روى فيه أيضا عن

كتاب جامع الاخبار(6)قال: «قال الباقر (عليه السلام): من قرأ على أثر وضوئه آية الكرسي


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 البحار- المجلد- 18- باب التسمية من أبواب الوضوء.
4- 4 البحار- المجلد- 18- باب التسمية من أبواب الوضوء.
5- 5 البحار- المجلد- 18- باب التسمية من أبواب الوضوء.
6- 6 البحار- المجلد- 18- باب التسمية من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 340

مرة أعطاه الله تعالى ثواب أربعين عاما، و رفع له أربعين درجة، و زوجه الله تعالى أربعين حوراء، و قال النبي (صلى الله عليه و آله): يا علي (عليه السلام) إذا توضأت فقل بسم الله، اللهم إني أسألك تمام الوضوء و تمام الصلاة و تمام رضوانك و تمام مغفرتك فهذا زكاة الوضوء».

[في استحباب ابتداء الرجل بغسل ظاهر ذراعيه و المرأة بالعكس]

و يستحب ان يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى و في الثانية بباطنهما و المرأة بالعكس أي تبتدئ في الأولى بالباطن و في الثانية بالظاهر كما في المبسوط و الغنية و التذكرة و القواعد و الإرشاد و التحرير و البيان و اللمعة و ظاهر الدروس و عن النهاية و الإصباح و الإشارة و الكيدري بل في الغنية و التذكرة الإجماع عليه، لكن في السرائر بدل الغسلتين الكفين، و لعله يريد بهما ذلك، و المنقول عن أكثر الأصحاب إطلاق استحباب بدأة الرجل بالظاهر و المرأة بالباطن، و الظاهر أنه كذلك، و في المنتهى بعد أن ذكر غير مفصل قال: و هو اتفاق علمائنا، لكن يحتمل أنه يريد بالضمير أصل الاستحباب كما في المعتبر، و كيف كان فقد اعترف متأخرو المتأخرين بعدم الوقوف على مستند للتفصيل المتقدم، بل إطلاق

قول أبي الحسن الرضا (ع) في خبر محمد بن إسماعيل بن بزيع (1)قاض بخلافه، لأنه قال: «فرض الله على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن، و في الرجال بظاهر الذراع»

اللهم إلا أن يستند فيه إلى الإجماعين المتقدمين، و لا منافاة فيهما للخبر، بل قد يحمل قوله (عليه السلام):

(يبدأن) على إرادة البدأة بالنسبة للغسلتين، فيدل حينئذ على كون الثانية بعكسها و إلا لم تكن بدأة، و أما الخنثى المشكل فقد ذكر بعض الأصحاب أن حكمها التخيير، و كان مراده أنه لا حكم استحبابي بالنسبة إليها، و هو كذلك، نعم بناء على القول الثاني يحتمل تحصيلها الاستحباب بواسطة الغسلتين، و احتمال استحباب الجمع بين العملين لتحصيل الاستحباب على الأول بعيد، ثم ان الظاهر من الرواية المتقدمة كون المستحب البدأة


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 341

بالظهر، فيجزئ غسل شي ء منه ابتداء، مع احتمال أن يراد الابتداء بغسل تمام الظهر كما يقضي به لفظ الظهر، إلا إن الأول أقوى، للصدق العرفي، مع استبعاد حصول الغسل لتمام الظهر من دون غسل شي ء من الباطن، اللهم إلا أن لا يقصد بالغسل المقارن له أنه المراد منه شرعا، لكن عمل العلماء في سائر الأعصار و الأمصار على خلافه.

[في استحباب كون الوضوء بمد من الماء]

و من السنن أن يكون الوضوء بمد بلا خلاف أجده فيه، بل حكى عليه جماعة الإجماع، فلا إشكال في عدم وجوبه كما ينقل عن بعض العامة، كما أنه لا إشكال في رجحانه لما عرفت، و للأخبار المستفيضة المشتمل جملة منها على أنه كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يتوضأ بمد و يغتسل بصاع، و

في المرسل (1)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «الوضوء مد، و الغسل صاع، و سيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك، فأولئك على خلاف سنتي، و الثابت على سنتي معي في حظيرة القدس»

و في

خبر سليمان بن حفص المروزي (2)قال: «قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام):

الغسل بصاع من ماء، و الوضوء بمد من ماء»

و المراد بالمد مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف على الظاهر، و نسبه في الذكرى إلى الأصحاب، لأن المد رطل و نصف بالمدني، فيكون رطلين و ربعا بالعراقي، و الرطل العراقي مائة و ثلاثون درهما على المشهور كما قيل، و ما في بعض الاخبار(3)أن المد مائتان و ثمانون درهما، و قد أفتى به بعض القدماء كما عن الصدوق (رحمه الله) ضعيف، كاشتمالها على كون الصاع خمسة أمداد مع أن الظاهر أنه أربعة أمداد، و يأتي تحقيقه إن شاء الله في زكاة الفطرة، و قال الشهيد في الذكرى: هذا المد لا يكاد يبلغه الوضوء، فيمكن أن يدخل فيه ماء الاستنجاء، لما تضمنته

رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)حيث قال: أتوضأ للصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 342

ثم ذكر الاستنجاء، و لما في

خبر الحذاء(1)أنه «و وضأت الباقر (عليه السلام) بجمع، فناولته ماءا فاستنجى، ثم صببت على يده فغسل وجهه»

إلى آخره. بل ربما يؤيده ما دل على المبالغة في قلة ماء الوضوء(2)

و إن «لله ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب نقصانه»(3)

و ما

ورد(4)أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «ما كان وضوؤه إلا مرة مرة»

و ما قيل ان العامة اعترضت علينا أن الوضوء بمد ينافي ما هو عندكم من الوضوء، إذ ليس معه غسل الرجلين و أجيب عنه بدخول ماء الاستنجاء، إلا أن ذلك إن سلم إمكانه في الروايات فهو ممنوع بالنسبة إلى كلمات الأصحاب و إجماعاتهم. فلعل الظاهر أن المراد بهذا المد للوضوء انما هو مع سائر مستحباته حتى الإسباغ من غسل الكفين و المضمضة و الاستنشاق مع تثليث كل منهما بثلاث أكف و تثنية الغسلات، فإنه يكون حينئذ تقريبا من أربعة عشر كفا، و المد لا يزيد على ذلك بحسب الظاهر، إذ هو- كما عرفت أنه مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف- عبارة عن ربع المن التبريزي كما قيل، على أنه لا ظهور في الروايتين المتقدمتين لدخول الاستنجاء تحت اسم الوضوء، إذ قد يكون طلب الماء للوضوء، ثم بدا له الاستنجاء، على أنه من كلام الراوي، فلا يكون حجة، بل قد يقال: ان التحديد يراعى فيه أقصى الافراد.

ثم ان الظاهر من كلام الأصحاب كون المستحب مقدار المد، فمتى زاد أو نقص فلا أجر، و احتمال القول بتبعيض السنة حيث يأتي بزائد على الواجب مع النقصان عن المد ضعيف، كاحتمال الإتيان بالسنة مع الزيادة على المد، و إن خالف في الزيادة، و لو لا ظهور اتفاق الأصحاب على الاستحباب لأمكن القول ان المستفاد من الروايات


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوضوء- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الوضوء.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الوضوء- حديث 2 مع اختلاف في اللفظ.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الوضوء- حديث 10.

ج 2، ص: 343

مجرد رخصة في صرف هذا المقدار من الماء للوضوء في التعريض للرد على العامة الذي يحتاجون في وضوئهم إلى أزيد من ذلك، للنهي عن السرف في ماء الوضوء، و الظاهر أن له صرف المد في الواجب من الوضوء حيث لا سرف عرفا، كما إذا احتاج ذلك لشدة حر و نحوه.

[في مكروهات الوضوء]
اشاره

و لما فرغ المصنف من ذكر المسنونات في الطهارة شرع في ذكر المكروهات، فقال،

[في كراهة الاستعانة على الوضوء]

و يكره أن يستعين في طهارته كما في المبسوط و المعتبر و النافع و المنتهى و الإرشاد و القواعد و الدروس و غيرها، بل لا أجد فيه خلافا من أحد سوى ما يظهر من صاحب المدارك من التوقف في هذا الحكم، لمكان ضعف دليله، و هو ضعيف مبني على أصله من عدم التسامح في أدلة السنن، و عدم الانجبار بالشهرة، بل في المدارك أنه المعروف بين الأصحاب، ل

خبر الوشاء(1)قال: «دخلت على الرضا (عليه السلام) و بين يديه إبريق يريد أن يتهيأ للصلاة، فدنوت منه لأصب عليه، فأبى ذلك، فقال: مه يا حسن، فقلت لم تنهاني؟ أ تكره أن أوجر؟ قال: تؤجر أنت و أوزر أنا، فقلت:

و كيف ذلك؟ فقال: أ ما سمعت الله يقول (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة، و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد»

و

للمرسل في الفقيه (2)قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه، فقيل يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لم لم تدعهم يصبون عليك الماء؟ فقال: لا أحب ان أشرك في صلاتي أحدا»

و قرأ الآية. و المروي

عن الخصال عن السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام)(3)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): خصلتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد، وضوئي فإنه من صلاتي، و صدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمن»

و عن

إرشاد


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 344

المفيد(1)قال: «دخل الرضا (عليه السلام) يوما و المأمون يتوضأ للصلاة و الغلام يصب على يده الماء فقال: لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا، فصرف المأمون الغلام و تولى تمام الوضوء بنفسه»

و بهذا الخبر مع سابقيه و ما في بعض الاخبار من الصب على يد الامام يظهر أن ذلك مكروه، لعدم الأمر بالإعادة في الأخير، و قوله (عليه السلام): (لا أحب) في السابقين، و عليه ينزل ما عساه يظهر من الحرمة في رواية الوشاء، و لمكان اشتراكها مع غيرها في الاستدلال بالآية الظاهر مما عداها انها في رواية الوشاء، و لمكان اشتراكها مع غيرها في الاستدلال بالآية الظاهر مما عداها انها في مقدمات الوضوء فهم الأصحاب منها أن المراد الاستعانة لا التولية المحرمة و إن استظهره منها في الحدائق و جعلها دليلا عليه كما تقدم، و كان مراد المصنف و غيره بالاستعانة مطلق المعاونة في الوضوء سواء كان طالبا لذلك أو لا، فلا ينافي ما ظهر من رواية الوشاء و غيره من كراهة ذلك و إن لم يكن الاستعانة من الامام (عليه السلام)، فما يقال من الجمع بين ما دل على كراهة الاستعانة و بين ما دل على وقوعه من الامام كما في رواية الحذاء المشتملة على توضأة الباقر (ع) بحمل الاولى على طلب الإعانة، و الثانية على قبولها من دون طلب فيه ما لا يخفى، لمنافاته لظاهر ما سمعته من الأدلة هنا، بل الاولى حملها على إرادة بيان الجواز و نحوه.

ثم ان المدار في الكراهة على صدق اسم المعاونة عرفا، لمكان تعليق الحكم عليها في كلام الأصحاب، و هو كاف في تحقق الكراهة و ان قلنا أنها أعم من الشركة المذكورة في الروايات، و كيف كان فالظاهر عدم تحققهما معا بالنسبة للمقدمات البعيدة التي هي من قبيل المعدات، فلا كراهة في إباحة أو دلالة أو تخلية أو حمل آلة أو وضع في آنية أو حملها قبل التشاغل و نحو ذلك، نعم هي متحققة في مثل الصب في اليد، و الصب على العضو مع تولي المكلف الاجراء و رفع الثياب مثلا عن أعضاء الوضوء و رفع اليد الغاسلة أو الماسحة و نحو ذلك، و أما مثل استدعاء الماء للوضوء ففيه وجهان، و لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 345

كثرة وقوعه في الروايات يشعر بعدم الكراهة فيه، كما لعل مثله في عدمها أيضا تسخين الماء و نحوه عند الاحتياج إليه، و الظاهر اختصاص الكراهة بالمعادن دون المعين كما ينبئ عنه

قوله (عليه السلام): (تؤجر أنت و أوزر أنا).

[في كراهة التمندل بعد الوضوء]

و يكره أن يمسح بلل الوضوء عن أعضائه بما يصدق عليه اسم التمندل، فيرتفع الخلاف بينه و بين التعبير به في المعتبر و المنتهى و التذكرة و القواعد و الإرشاد و الدروس و غيرها، بل في الأخير و غيره نقل الشهرة عليه، و إن لم أقف له على مستند سوى وجوه اعتبارية، و قول الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن حمران المروي عن ثواب الاعمال، و عن سلم بن الخطاب على ما في الكافي، و عن إبراهيم ابن محمد الثقفي على ما عن محاسن البرقي، و مرسلا كما

عن الفقيه (1): «من توضأ و تمندل كتبت له حسنة، و من توضأ و لم يتمندل حتى يجف وضوؤه كتبت له ثلاثون حسنة»

لا يدل على الكراهة، بل أقصاه كون الترك أفضل، و لذا عبر بذلك الشيخ في الخلاف، بل عن سائر كتبه كما عن الوسيلة و الإصباح، و دعوى أن ترك المستحب مكروه أو أن مكروه العبادة الأقل ثوابا فيه ما لا يخفى من منع الأول كالثاني إن أريد مطلق أقلية الثواب، على أن جعل ذلك من مكروه العبادة فيه منع، إذ لا مانع هنا من إرادة الكراهة بمعناها الأصلي من المرجوحية، و كونه في ماء الوضوء الذي هو عبادة لا يمنع من ذلك كما هو واضح، و لو لا الشهرة بين الأصحاب على الكراهة لأمكن القول بعدم ذلك كما عن المرتضى في شرح الرسالة، بل باستحباب مسح الوجه، لما في

خبر إسماعيل بن الفضل (2)قال: «رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) توضأ للصلاة ثم مسح وجهه بأسفل قميصه، ثم قال: يا إسماعيل افعل هكذا فاني هكذا أفعل»

و ما في

خبر منصور بن حازم (3)قال: «رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) و قد توضأ و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 346

محرم، ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه»

و ما في

مرسل عبد الله بن سنان (1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التمندل بعد الوضوء، فقال: كان لعلي (عليه السلام) خرقة في المسجد ليس إلا للوجه يتمندل بها»

و

في آخر(2)«كانت لعلي (عليه السلام) خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه إذا توضأ تمندل بها»

و ما في

خبر ابن سنان عن الصادق (عليه السلام)(3)أيضا قال: «كانت لأمير المؤمنين (عليه السلام) خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ للصلاة، ثم يعلقها على وتد، و لا يمسها غيره»

مع ما في بعض الاخبار من نفي البأس (4)عن مسح الوجه بالمنديل، و

في آخر(5)«لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ إذا كان الثوب نظيفا»

و

في آخر(6)«عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف، قال: لا بأس به»

اللهم إلا أن تحمل هذه الاخبار على موافقة التقية كما يشهد له مداومة العامة عليه، مع حمل نفي البأس على إرادة نفي الحرمة كما ادعاه بعض العامة و حمل ما دل على المسح بالثوب و القميص و نحو ذلك في مقابلة الرد على مذهب أبي حنيفة من نجاسة ماء الوضوء، أو أنه ليس من التمندل، إذ المراد به المسح بالمنديل، فلا يشمل الثوب و نحوه، أو تحمل على مسح خصوص الوجه لعارض من العوارض كالريح المثيرة للتراب، سيما إذا كان في مكان مظنة النجاسة، و ربما يشير إليه اقتصارها على ذكر الوجه، بخلاف اليدين لمكان كونها تحت الأكمام لأنهم كانوا يوسعونها، أو يراد بكراهة التمندل مع مسح الجميع لا البعض، مع احتمال بعضها غير الوضوء، و نحو ذلك.

ثم انه بناء على كراهة التمندل فهل يقتصر عليه، أو يتسرى إلى مطلق مسح بلل الوضوء عن الأعضاء كما هو ظاهر عبارة المصنف؟ وجهان، أقواهما الأول للأصل و عدم المنقح من إجماع و غيره، و على تقدير الشمول فهل يقتصر على المسح، أو مطلق التجفيف حتى في الشمس و النار؟ وجهان أيضا، أقواهما الأول أيضا لما سمعته،


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 347

نعم قد يستفاد من بعض الاخبار(1)كما قيل انه يكتب للإنسان الثواب ما دام الوضوء باقيا استحباب عدم إزالة آثار الوضوء، فتأمل جيدا.

[الفصل الرابع في أحكام الوضوء]
اشاره

الرابع في أحكام الوضوء من تيقن وقوع الحدث بسببه من خروج البول و نحوه، أو الحالة المترتبة عليه في زمان سابق و شك في حصول الطهارة بعد ذلك الزمان تطهر إجماعا محصلا و منقولا في المعتبر و المنتهى و كشف اللثام و غيرها، و هو الحجة، مضافا إلى ما دل (2)على شرطية الصلاة بالطهارة، لتوقف العلم ببراءة الذمة من المشروط على العلم بحصول الشرط، إذ الشك فيه شك في المشروط به، و يشعر به ما رواه

عبد الله بن بكير عن الصادق (عليه السلام)(3)«إذ استيقنت أنك توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك أحدثت»

لاقتضاء مفهوم الشرط المتقدم أخذ اليقين في الوضوء، مع ما دل على وجوب الوضوء عند إرادة الصلاة من الآية(4)و غيرها الشامل (5)لنحو المقام، و قاعدة عدم نقض اليقين إلا بيقين مثله، و منهما يستفاد مساواة الظن الذي لم يقم دليل شرعي على اعتباره و لو على جهة العموم، للشك في عدم النقض كما صرح به

المصنف و غيره، و نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، بل قد يظهر من شارح الدروس دعوى الإجماع عليه صريحا، و يشهد له التأمل في كلماتهم، إذ لم يعرف فيه مخالف من المتقدمين و المتأخرين سوى ما عساه يفهم من البهائي في الحبل المتين، على أن التدبر في كلامه يقضي بأنه ليس مخالفا فيما نحن فيه، لأن حاصل


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب التعقيب من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الوضوء- حديث 1 لكن رواه عن بكير.
4- 4 سورة المائدة- الآية 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوضوء.

ج 2، ص: 348

كلامه أن الاستصحاب حجة مع الظن بالمستصحب، أما مع العكس فليس حجة، و هو على تقدير تسليمه لا دلالة فيه على المخالفة هنا، إذ ارتفاع الاستصحاب بناء على مختاره لا يلزم منه ارتفاع الوجوب، لما عرفت من عدم انحصار الدليل عليه فيه، بل الآية و يقين الشغل كافيان في إيجابه، و ما في شرح الدروس من أن الأصل براءة الذمة مما لا ينبغي أن يصغى إليه، لانقطاعها بيقين الشغل، و الشك في حصول الشرط شك في المشروط، على أن كلام البهائي في مرتبة من الضعف تسقطه عن درجة الاعتبار، إذ هو في الحقيقة اجتهاد في مقابلة النص، لصراحة الروايات (1)بعدم نقض اليقين إلا باليقين، و ما في شرح الدروس أنه يستفاد من مفهوم

قوله (عليه السلام)(2)«لا تنقض اليقين بالشك»

جواز نقضه بغيره ضعيف جدا، إذ هو بعد تسلم أنه من المفاهيم المعتبرة غير صالح لمعارضة غيره من الأدلة، و كيف مع

قوله (عليه السلام) بعده: (و لكن تنقضه بيقين آخر)

هذا كله مع تسليم أن الشك يراد به ما هو المعنى المتعارف في ألسنة المصنفين من التردد مع مساواة الطرفين، و إلا فلا إشكال بناء على ما قيل انه في اللغة للأعم من الشك و الظن كما عن القاموس و الصحاح لتفسيرهما إياه بأنه خلاف اليقين، بل قد يؤيده إطلاقه عليه في بعض الروايات (3)كما أن الظاهر أنه في العرف العام كذلك، فتأمل جيدا.

و لقد وقع للمصنف في المعتبر من الاستدلال على ما نحن فيه من يقين الحدث بما يحتاج إلى انطباقه عليه إلى تكلف شديد بل حمله على السهو أولى منه، و قد ظهر لك مما تقدم في شرح عبارة المتن أنه لا امتناع في اجتماع اليقين و الشك في زمن واحد بعد اختلاف متعلقهما، فما أطنب فيه بعض المتأخرين من علاج هذا الاشكال بما هو غير سديد، و آخر غير مفيد، و ثالث مآله إلى ما يريد كأنه في غير محله، إذ هو


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 349

من المعاني المنساقة لكل سامع لمثل هذه العبارة كما هو واضح.

نعم

هنا أمران
اشاره

ينبغي التنبيه عليهما

(الأول)

ما ذكرناه من مساواة الظن للشك في المقام انما هو في غير المعتبر منه شرعا، أما ما كان كذلك كخبر العدل فالأقوى حصول النقض به، لما يظهر من ملاحظة الأدلة أنه حجة شرعية في نظر الشارع كالشهادة، و ربما تشعر به بعض الاخبار كما في

رواية أبي بصير(1)و غيره عن الصادق (عليه السلام) «انه اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال (عليه السلام): ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده»

مع احتمال عدم حصول النقض به أخذا بظاهر القاعدة هنا، و ربما كان هو مقتضى كلام العلامة في المنتهى، لاختياره عدم حصول نجاسة الماء باخباره، و فرق في ذلك بينه و بين الشهادة، و هو لا يخلو من قوة، و لتحقيق المسألة محل آخر.

(الثاني)

ذكر بعض مشايخنا أنه يجب التطهر على من تيقن الحدث و شك في الطهارة حيث يقع ذلك مع عدم الدخول في عمل مشروط صحته بالطهارة كالصلاة و نحوها أما إذا وقع له اليقين و الشك مثلا و هو في أثناء صلاة أو بعد الفراغ فلا يجب عليه التطهر لتلك الصلاة، نعم يحتمل أن يجب عليه التطهير للصلاة بعدها، مع احتمال العدم أيضا، بل قد يظهر منه اختياره، و كأن مستنده في ذلك شمول

قوله (عليه السلام)(2): «إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء»

مع أصالة الصحة و هو متجه لو وقع له هذا اليقين و الشك بعد الفراغ من الصلاة مع عدم العلم بقدم سبب الشك، لكونه في الحقيقة شك في الصحة بعد الفراغ، فلا يلتفت إليه، بل قد يدل عليه

صحيح محمد بن مسلم (3)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة؟ قال: يمضي على صلاته و لا يعيد»

نعم يجب عليه الوضوء لغيرها من الصلاة، إذ عدم الالتفات


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الجنابة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 5.

ج 2، ص: 350

المذكور لا ينقح وجود الشرط، بل هو حكم شرعي تسدي في خصوص المفروغ منه، فلا يجري إلى غيره، فتشمله القاعدة مع احتمال القول ان ما دل على حكم الشك بعد الفراغ يشعر بالحكم بوقوع المشكوك فيه، كما يشعر به

قوله (عليه السلام): «أنت في تلك الحال أذكر»

و نحوه، لكنه بعيد، فتأمل. و أما إذا كان ذلك في الأثناء فيشكل الحكم بالصحة، لظهور قاعدة الشك في الشي ء مع عدم الدخول في الغير في الشك في أجزاء المركب كما لا يخفى على المتأمل، لا أقل من الشك في الشمول، و أصالة الصحة لا تشخص وجود الشرط بالنسبة إلى باقي أفعال الصلاة، فكان للتوقف في ذلك مجال، و يؤيده إطلاق الكلمة هنا بوجوب التطهر، و كذا إذا وقع بعد الفراغ مع العلم بقدم مأخذ الشك، للشك في شمول ما دل على عدم الالتفات اليه بعد الفراغ لمثله، و قد يشعر ببعض ما ذكرناه

خبر علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام)(1)المروي عن قرب الاسناد قال: «سألته عن رجل يكون على وضوء و يشك على وضوء هو أم لا؟

قال: إذا ذكر و هو في صلاته انصرف فتوضأ و أعادها، و إن ذكره و قد فرغ من صلاته أجزأه ذلك»

و لعل مراده بقوله: يكون على وضوء انه اعتقد انه على وضوء ثم شك بعد ذلك أي زال اليقين الأول و رجع إلى الشك كان الحكم للأخير و إن كان لا يجب عليه إعادة العمل الذي أوقعه باليقين الأول على فرض حصول الشك بعد تمامه.

[في حكم من تيقن الحدث و الطهارة و شك في المتأخر منهما]

و كيف كان فقد عرفت أنه يجب التطهر في المقام كما إذا تيقنهما و شك مثلا في المتأخر منهما فإنه يحب عليه الطهارة أيضا كما في المقنعة و التهذيب و المبسوط و المراسم و الوسيلة و الإشارة و المهذب و السرائر و النافع و المنتهى و الإرشاد و الذكرى و اللمعة و غيرها، و نسبه في المعتبر إلى الثلاثة و أتباعهم، و في المنتهى إلى المشهور، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و كان الوجه فيه ما تقدم


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 351

لك سابقا مما دل على وجوب فعله لها، خرج ما خرج و بقي الباقي، و ما دل على وجوب تحصيل اليقين، لأنه مقتضى الشرطية. لا يقال: إنه كما لم يتيقن بالوضوء كذلك لم يتيقن بالحدث لأنا نقول: ان عدم اليقين بالحدث لا يكفي في براءة الذمة من المشروط بالطهارة، نعم قد يتم ذلك فيما كان الحدث مانعا منه لا فيما كانت الطهارة شرطا فيه، و يؤيده أيضا مضافا إلى ما ذكرنا ما

عن الفقه الرضوي (1)«و إن كنت على يقين من الوضوء و الحدث و لا تدري أيهما أسبق فتوضأ»

سيما على القول بحجية ما ينقل عن هذا الكتاب، مع انجباره في خصوص المقام بالشهرة محصلة و منقولة، بل لعله لا خلاف فيه سوى ما يظهر من المصنف في المعتبر، حيث قال بعد ذكر الإعادة و نسبتها إلى الثلاثة و من تبعهم و عندي فيه تردد، إذ يمكن أن ينظر إلى حاله قبل تصادم الاحتمالين، فيبني على ضدها لمكان تيقن انتقاله عنها مع الشك في عودها، و اختاره في جامع المقاصد، لكن في الذكرى أنه إن تم ليس خلافا في المسألة، لرجوعه حينئذ إما إلى يقين الحدث مع الشك في الطهارة أو بالعكس، و البحث في غيره، و فيه أن ظاهر إطلاق الأصحاب يقضي بأنه لا تتخرج صورة من صور اليقينين بحيث ترجع إلى غيرها، و كفى بذلك خلافا.

و كيف كان فقد يرد على ما ذكره المحقق أن يقين الانتقال عنها مع الشك في عودها معارض بيقين وجود مماثلها مع الشك في الانتقال عنه إلى ضده، و حصول اليقين بالانتقال عن المماثل أولا غير مجد، و التمسك باستصحاب مطلق المرفوع من غير تشخيص للأول و الأخير استصحاب للجنس في إثبات الشخص، و هو غير جائز كما بين في محله، على أنه معارض بمثله. لا يقال: إنه- بعد البناء على أن الحدث بعد الحدث ليس حدثا كما أن الطهارة بعد الطهارة ليست طهارة- يتم كلامه، لأنه بعد فرض حصول اليقين بارتفاع الحدث الأول يكون ممن تيقن الطهارة و شك في الحدث، لأن ما تيقن


1- 1 المستدرك- الباب- 38- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 352

بخروجه من البول الذي يعارض به اليقين الأول يقع على وجهين ناقض و غيره، لأنه إن كان قبله حدث فالأول، و إلا فالثاني، و الفرض أنه في المقام غير معلوم، لاحتمال تقدمه على الطهارة فلا يكون، حينئذ ناقضا و احتمال تأخره فيكون ناقضا فهو ممن تيقن الطهارة و شك في الحدث في الحقيقة، و يكون المراد بقولنا إنه تيقن الحدث سببه لا حكمه، فتأمل. لأنا نقول: إنا و إن قلنا الحدث بعد الحدث ليس حدثا، لكنه من المستحيل أن ينفك الحدث عن وجوده، لأنه إما أن يكون حاصلا به أو حاصلا قبله، فبخروج البول في أي وقت كان لا بد و أن يعلم وجود الحدث، و به يعارض يقين الطهارة، إلا أن هذا و إن كان أقصى ما يجاب به عن ذلك، لكنه لا يخلو من تأمل، لأنه في الحقيقة من قبيل استصحاب الجنس، فلا يعارض يقين الطهارة، و من هنا كان هذا القول لا يخلو من قوة على بعض الوجوه، بخلاف ما ذكره العلامة في جملة من كتبه من تقييد ما سمعته من إطلاق الأصحاب بما إذا لم يعلم حالته السابقة، فيؤخذ بموافقتها، أن طهارة فطهارة، و إن حدثا فحدث، و قد يظهر منه في بعضها ان وجه ذلك بسقوط حكم اليقينين لتساويهما، فيستصحب الأول، و فيه ما لا يخفى من انقطاع الأول قطعا، فلا معنى لاستصحابه.

و قال في المختلف بعد ذكر الإطلاق المتقدم: و نحن قد فصلنا ذلك في أكثر كتبنا، و قلنا إن كان في الزمان السابق على اليقين محدثا فهو الآن محدث، و كذا الطهارة، و مثاله أنه إذا تيقن عند الزوال أنه نقض طهارة و توضأ عن حدث و شك في السابق فإنه يستصحب حال السابق على الزوال، فان كان طهارة فهو على طهارته، لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ و لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة، و نقض الطهارة الثانية مشكوك فيه، فلا يزول عن اليقين بالشك، و إن كان حدثا فهو الآن محدث، لأنه تيقن انه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها، و الطهارة بعد نقضها مشكوك

ج 2، ص: 353

فيها، و عن البيضاوي أنه اعترض عليه بأنه لا معنى لاستصحاب الأول بعد العلم بانقطاعه فأجاب عنه بأن المراد لازم لاستصحاب، أي البناء على مثل الحال الأول، و ربما أورد عليه بعضهم أيضا بأنه يجوز تعاقب الطهارتين كما أنه يجوز تعاقب الحدثين، و فيه أن ما سمعته من عبارته كالصريحة في إرادة كون الطهارة رافعة و الحدث ناقضا، و احتمال التعاقب المذكور ينافي ذلك، نعم قد يرد عليه أنه حينئذ لا معنى لتسمية نحو ذلك استصحابا، لأن من اليقين حينئذ وقوع الطهارة مثلا بعد الحدث حتى يتم ما ذكره من كونها رافعة، اللهم إلا أن يريد بالحدث المتيقن جنسه لا عدده، فيحتمل وقوع حدث بعد الطهارة الرافعة و ان تيقن حصول حدث قبلها، فينفى ذلك بالاستصحاب الذي ذكره.

نعم لا يتم ما ذكرناه من التوجيه في نحو عبارة القواعد بقوله فيها: «و لو تيقنهما متحدين مثلا متعاقبين و شك في المتأخر فما لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر، و إلا استصحبه» لتقييده بالاتحاد، و مراده بالتعاقب كون الحدث بعد الطهارة و الطهارة بعد الحدث، و على كل حال فلا ريب في خروج ما ذكره من موضوع ما نحن فيه، إذ مآله إلى معرفة السابق من اللاحق، فلا معنى لجعله قولا في المسألة، و كأنه انما ذكره لكونه في بادى الرأي قبل التفات الذهن منها و إن كان بعد التفاته يخرج عنها، و الأمر سهل، و ربما يظهر من ملاحظة كلامه في المنتهى أنه لم يقصد من ذلك خلافا، بل ذكره مخافة أن يتوهم أنه منها، هذا.

و قد ذكر بعض متأخري المتأخرين أنه لا بد من تقييد إطلاق الأصحاب المتقدم بما إذا لم يعلم تأريخ أحدهما، أما إذا علم و جهل فإنه يحكم بتأخر المجهول طهارة كان أو حدثا، و اختاره سيد الكل في منظومته، و كان وجهه أصالة تأخر الحادث، فيحكم حينئذ بتأخر المجهول إلى زمان القطع بعدم الوجود فيه، لكنه لا يخلو من نظر، لأن أصالة التأخر انما تقضي بالتأخر في حد ذاته، و هو لا يجدي حتى يثبت كونه متأخرا عن الحدث و مسبوقيته به، و إثبات نحو ذلك بالأصل ممنوع، إذ الأصل حجة في النفي

ج 2، ص: 354

دون الإثبات، لمعارضة الأصل بمثله فيه، و مما يرشد إلى ذلك إطلاق العلماء في المقام و في الجمعتين و في عقدي الوكيلين و نحو ذلك، من غير تقييد بعدم معلومية زمان أحدهما و مجهولية الآخر، فتأمل جيدا.

و كذا لو تيقن ترك غسل عضو أو مسحه أتى به إجماعا محصلا و منقولا و سنة بالخصوص، مضافا إلى أدلة الوضوء و كذا أتى بما بعده محافظة على الترتيب بلا خلاف أجده، لما تقدم لك من الاخبار(1)في بحث الترتيب، و نحو العضو بعضه في الحكمين معا، و ما عن ابن الجنيد من الفرق بين ما كان دون سعة الدرهم و غيره فيجتزي ببل الأول فحسب دون الثاني، فيجب الإتيان به و بما بعده ضعيف، بل لعل الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه، و قد تقدم الكلام فيه سابقا في بحث الترتيب و إن جف البلل بتمامه على الأصح استأنف الوضوء لفوات الموالاة، بل قد يأتي وجوب الإعادة و إن لم يجف، بناء على تفسيرها بالمتابعة.

[في الشك في أثناء الوضوء]
اشاره

و إن شك في فعل شي ء من أفعال الطهارة أي الوضوء و هو على حاله أتى بما شك فيه للأصل و الإجماع كما في شرح الدروس للخوانساري و شرح المفاتيح للأستاذ، بل فيه أنه نقله جماعة، و في كشف اللثام أنه إجماع على الظاهر المؤيد بنفي الخلاف في المدارك و الذخيرة و غيرهما، و التتبع لكلمات الأصحاب من المقنعة و المبسوط و المهذب و الغنية و المراسم و الوسيلة و الكافي و السرائر و الجامع و المعتبر و النافع و المنتهى و القواعد و الإرشاد و الذكرى و اللمعة و الدروس و الروضة و غيرها، و

صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي في التهذيب و الكافي قال: «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت عن الوضوء و فرغت منه و قد


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 355

صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءه لا شي ء عليك فيه»

و ربما يؤيده أيضا ما في

موثقة ابن أبي يعفور(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنما الشك في شي ء لم تجزه»

لرجوع الضمير في غيره إلى الوضوء لكونه أقرب، فيكون مفهومها موافقا للصحيحة الأولى غير مخالف للمجمع عليه هنا بحسب الظاهر، و بما سمعت من الأدلة يخص عموم ما دل على عدم الالتفات إلى الشي ء المشكوك فيه مع الدخول في الغير، ك

قول الصادق (عليه السلام) لزرارة(2)في الصحيح:

«يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشككت فشكك ليس بشي ء»

و مثله غيره، و هي مذكورة في باب الصلاة، لكن ربما احتمل اختصاص مورد هذه الاخبار في الصلاة، لاقتضاء سياقها ذلك، و هو ضعيف جدا، بل هي قاعدة محكمة في الصلاة و غيرها من الحج و العمرة و غيرهما، نعم هي مخصوصة بالوضوء خاصة، لما سمعته من أدلته، فمن هنا وجب الاقتصار عليه، و لا يتعدى منه في هذا الحكم للغسل مثلا، بل هو باق على القاعدة من عدم الالتفات إلى الشك في شي ء من أجزائه مع الدخول في غيره من الاجزاء، نعم لا يبعد إلحاق التيمم به.

و من العجيب ما وقع للفاضل في الرياض من جريان حكم الوضوء في الغسل، فيلتفت إلى كل جزء وقع الشك فيه مع بقائه على حال الغسل، و لم أعثر على مثل ذلك لغيره، و كان منشأ الوهم ما في بعض عبارات الأصحاب كالمصنف و غيره من ذكر لفظ الطهارة الشاملة للوضوء و غيره، و هو- مع أن الظاهر إرادة الوضوء منه لذكرهم ذلك في بابه- لا يصلح لأن يكون ذلك بمجرده حجة مخصصا للقاعدة المتقدمة الشاملة للصلاة و غيرها، و احتمال أن يراد بالشي ء فيها ما يشمل الغسل مثلا بتمامه فلا يصدق الدخول


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- حديث 1.

ج 2، ص: 356

في الغير مع الشك في بعض الاجزاء قبل الفراغ منه في غاية الضعف، إذ لفظ الشي ء ليس من الألفاظ المجملة التي هي محل شك، فإنه لا يرتاب أحد في صدقه على من شك في غسل بعض رأسه مع الدخول في الجانب الأيمن أو الأيسر بالنسبة إلى الأيمن أنه شك في شي ء و قد دخل في غيره، و خروج الوضوء عن ذلك لا يقضي بخروج الغسل، إذ هو قياس لا نقول به، اللهم إلا أن يكون مستنده ما سمعته من موثقة ابن أبي يعفور المتقدمة بعد حمل الضمير فيها على الوضوء، لاشتمالها حينئذ على التعليل الجاري في الوضوء و الغسل، و هو شك في شك، مع اعترافه هو بإجماله، فتأمل جيدا.

ثم انه لا فرق بحسب الظاهر بين جميع أفعال الوضوء من النية و غيرها كما نص عليه بعضهم، للأصل، و إطلاق ما سمعته من الإجماعات المنقولة، فلا يقدح عدم صراحة الصحيح المتقدم لشموله، و لعل ذلك هو مراد بعضهم كالشيخ في المبسوط و الشهيد في اللمعة بقوله: إن شك في الوضوء في أثنائه أو في شي ء منه وجب إعادة الوضوء في الأول و تلافي المشكوك فيه في الثاني إن لم يحصل الجفاف، إذ لا يتصور الشك في الوضوء في أثنائه بغير ما ذكرنا، و كذلك الشك في الترتيب و حصول الموالاة و غيرهما، و إن وافق فعل بعضها الأصل كما في بعض صور الموالاة، و لعل الظاهر أيضا أنه كالشك في الفعل و عدمه الشك في الصحة و الفساد، لأنه في الحقيقة شك في الفعل و عدمه، و أما الشك في الشرائط الخارجة عن حقيقة الوضوء كالشك في تطهير أعضاء الوضوء و تطهر مائه و نحوهما فقد يظهر من ملاحظة بعض عبارات الأصحاب انها كالشك في الأفعال، فيجب تلافيها، لكن إقامة الدليل على ذلك مشكلة بعد البناء على شمول قاعدة عدم الالتفات للمشكوك مع الدخول في غيره لنحو الشرائط، فإن دعوى تخصيصها بصحيحة زرارة المتقدمة ضعيفة، لعدم شمولها لنحوه، و التنقيح ممنوع، لعدم المنقح من إجماع أو عقل، و عدم ظهور الإجماعات المنقولة في تناول مثله، اللهم إلا أن يقال: ان ذلك

ج 2، ص: 357

يرجع إلى الشك في الصحة و الفساد، و قد تقدم جريان الحكم، لكن إقامة الدليل على الشمول للصحة بهذا المعنى أيضا لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا.

ثم من المعلوم أنه حيث يجب تلافي المشكوك يجب الإتيان به ثم بما بعده، كما صرح به في المبسوط و الوسيلة و غيرها من كتب المتأخرين، و كان المراد به ما يتوقف حصول الترتيب عليه، و إلا فلو كان الشك في بعض العضو فإنه لا يجب إعادة غسل ما بعده من أجزاء ذلك العضو إلا إذا كان المشكوك فيه غسل الأعلى، لما عرفته سابقا من عدم وجوب الترتيب في أجزاء العضو بعد الابتداء بالأعلى منه، نعم يتأتى ذلك على القول به، لكنه قد عرفت ضعفه.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في وجوب إعادة ما يتوقف عليه حصول الترتيب بل نقل الإجماع عليه في شرح الدروس و المفاتيح، و الظاهر أنه كذلك، و يدل عليه أيضا مضافا إلى ذلك ما يفهم من الأدلة هنا من جعل الشارع المشكوك فيه بمنزلة المتيقن تركه، و لأن الشك فيه في الحقيقة شك في الترتيب أيضا، و قد عرفت وجوب تلافيه، و مما سمعت يعلم أنه يجب الإعادة على المشكوك فيه و على ما بعده مع عدم الجفاف، و إلا فيجب استئناف الوضوء من رأس، كما صرح به في الوسيلة و الجامع و القواعد و اللمعة و غيرها، و كأن إطلاق بعضهم الحكم بذلك منزل عليه، لأن التصفح لكلمات الأصحاب تقضي بأن المراد ما دام في حال الوضوء يجب عليه أنه يحرز الطهارة اليقينية، فما يظهر من صاحب الحدائق تبعا للخوانساري في شرح الدروس من المناقشة في هذا الحكم تمسكا بإطلاق صحيحة زرارة المتقدمة في غاية الضعف، مع اعترافه بأن الأصحاب على خلافه، و كيف و شرطية الموالاة مما قد عرفت انعقاد الإجماع عليها هناك، مع عدم العلم باحرازها في الفرض، بل قد عرفت أن الشك فيه شك فيها أيضا، فيجب تلافيه، و لا يحصل إلا بإعادة الوضوء، و ما ذكره من أن دليل الموالاة لا عموم فيه بحيث يشمل المقام لا وجه له، لما عرفت من عدم الانحصار بالروايتين السابقتين، على أن

ج 2، ص: 358

تخصيص المورد فيها لا يخصص الوارد مع الاشتمال على التعليل بأن الوضوء يتبع بعضه بعضا، و بأنه لا يتبعض، و الحاصل لا يليق إطالة الكلام في رد هذه المناقشة التي هي في غاية السقوط، فلاحظ و تدبر.

ثم ان الظاهر مساواة الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل شرعي للشك في هذا الحكم، كما هو قضية المقنعة و الغنية و المراسم و الكافي و السرائر و المعتبر و المنتهى و غيرها، بل لعله مراد من اقتصر على التعبير بالشك في المقام و ان بعد بالنسبة إلى عبارات المصنفين لمخالفته للحقيقة الاصطلاحية عندهم، نعم لا يبعد دعوى شمول الرواية المتقدمة التي هي دليل الحكم له، لما تقدم لك سابقا أنه في اللغة للأعم منه و من الظن، و كيف كان فلا ريب في المساواة في المقام، لأصالة عدم الفعل، و وجوب تحصيل اليقين بالطهارة مع عدم دليل على الاكتفاء بالظن هنا، و حمله على الصلاة بعد تسليمه فيها قياس لا نقول به، و ليعلم أن جمعا من الأصحاب قيدوا اعتبار الشك في المقام بما لم يكن كثيرا، منهم ابن إدريس في السرائر، و الشهيد في الذكرى، و المحقق الثاني في شرح القواعد و السيد في المدارك، و الفاضل الهندي في كشف اللثام، و الخوانساري في شرح الدروس، و غيرهم من متأخري المتأخرين، بل لا أجد فيه خلافا كما في الصلاة، و لعله للعسر و الحرج، و يؤيده التعليل الوارد في أخبار الصلاة كما في

صحيحة زرارة و أبي بصير(1)في من كثر شكه في الصلاة بعد أن قال (عليه السلام): يمضي في شكه «لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فان الشيطان خبيث يعتاد لما عود»

و به يظهر وجه دلالة

صحيحة عبد الله بن سنان (2)قال: «قلت له (عليه السلام): رجل مبتلى بالوضوء و الصلاة، و قلت: هو رجل عاقل، فقال الصادق (عليه السلام): و أي عقل له و هو يطيع الشيطان؟ فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 2، ص: 359

فقال: سله هذا الذي يأتيه من أي شي ء، فإنه يقول لك من عمل الشيطان»

فان الظاهر أن المراد بابتلائه كثرة الشك، على أن كثرة الشك من الشيطان كما ظهر لك من الرواية السابقة، و بذلك كله تقيد صحيحة زرارة المتقدمة لو سلم شمول لفظ الشك فيها لنحو ذلك، لظهور انصرافه في الشك الموافق لأغلب الناس، على أن المواجه بالخطاب فيها خاص لم يعلم كونه كذلك، و لا إجماع على التعميم، بل قد عرفت عدم الخلاف في عدمه.

و قد يشير الاكتفاء ببرد الماء الذي لم يوصل إلى حد القطع في

مرسل أبي يحيى الواسطي (1)الى ما نحن فيه، قال: «قلت للصادق (عليه السلام): جعلت فداك أغسل وجهي ثم أغسل يدي و يشككني الشيطان اني لم أغسل ذراعي و يدي قال:

إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد»

و كأن مفهوم الشرط فيه غير مراد، فتأمل جيدا. و قد أشبعنا الكلام في باب الصلاة ببعض المباحث المتعلقة بكثير الشك، كالبحث عن مقدار ما به يتحقق و ما به يزول، و أن المراد منه بالنسبة إلى كل جزء أو يكفي تحققه و لو في جزء و غير ذلك، فلاحظ و تدبر.

ثم الظاهر أن كثير الظن ككثير الشك في المقام، لما عرفت سابقا، و أما القطع فان كان في جانب العدم فلا يلتفت أيضا إلا إذا علم سبب القطع و كان مما يفيد صحيح المزاج قطعا، و ان كان في الوجود فالظاهر اعتبار قطعه إلا إذا حفظ سبب القطع و كان مما لا يفيد صحيح المزاج قطعا، فتأمل جيدا.

و لو تيقن فعل الطهارة و شك في الحدث بعدها لم يعد الوضوء إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا كالسنة، مع ما في وجوب الإعادة من العسر و الحرج

[قاعدة الفراغ]

و كذا لو شك في شي ء من أفعال الوضوء بعد انصرافه لم يعد كما في المبسوط و المهذب و الجامع و المعتبر و النافع و المنتهى و الإرشاد، و لعله يرجع اليه ما في المقنعة و السرائر


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 4.

ج 2، ص: 360

من أنه ان شك بعد فراغه منه و قيامه من مكانه لم يلتفت، و ما في الغنية و كذا الكافي لأبي الصلاح ان نهض متيقنا لتكامله لم يلفت إلى شك و ما في الوسيلة و الفقيه و المراسم و الهداية من أنه لا يلتفت الى الشك في شي ء منه بعد ما قام على أن يراد بالانصراف و القيام و نحوهما مجرد الفراغ من الوضوء قام من المجلس أو لم يقم طال جلوسه أو لم يطل، كما في البيان و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و المدارك، بل في الروضة و المدارك الإجماع عليه، و كأنهما فهما من عبارات الأصحاب المتقدمة ذلك، و في المعتبر و المنتهى دعوى الإجماع على عدم الالتفات مع الانصراف عن حاله، فقد يقال ان الانصراف عن الحال الأول يحصل بالفراغ منه و عدم التشاغل فيه، و يدل عليه ما في

حسنة بكير بن أعين (1)قال: «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»

و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (2)«كل ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فأمضه و لا إعادة عليك»

مع تأيده بأصالة صحة فعل المسلم، و بأنه لو وجب التلافي مع الشك بعد الفراغ لأدى إلى الحرج المنفي، و أما ما في صحيحة زرارة المتقدمة مما يدل على اشتراط عدم الالتفات بالقيام مع الفراغ و صيرورته في حالة أخرى كالصلاة و غيرها ك

قوله (عليه السلام)(3)فيها:

«فإذا قمت عن الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت لا شي ء عليك»

فهي- مع أن دلالتها بالمفهوم و عدم القائل بمضمونها من اشتراط الدخول في الصلاة- محتملة لأن يراد بالقيام الفراغ كما يقضي به عطفه عليه، و إلا لناسب تقديمه عليه، على أنه معارض بالمفهوم في صدرها، ل

قوله (عليه السلام)(4):

«إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 1.

ج 2، ص: 361

جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء»

بل الظاهر أن الشرط فيها خارج مخرج الغالب من القيام بعد الوضوء و الاشتغال بأمور أخر، و نحوه يجري في سائر عبارات الأصحاب المتقدمة، على أنه قد لا يتمكن المكلف من القيام، بل ربما كان حال قعوده يشتغل بالصلاة و غيرها من الأمور، مع أنه ربما يكون الوضوء في غير حال القعود، و الى غير ذلك من الوجوه التي منها تضعف بها.

و أما ما في

موثقة ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام)(1)«إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه»

بناء على رجوع الضمير فيه إلى الوضوء، فإنه قد يراد بالغير ما يشمل حال المكلف بعد الفراغ، كما يشعر به

قوله (عليه السلام): (انما الشك في شي ء لم تجزه)

إذ لا ريب في صدق الجواز مع الفراغ منه و إن لم يقم عن محل الوضوء، فظهر لك بذلك ان ما اختاره بعض المتأخرين من اعتبار القيام عن محل الوضوء في عدم الالتفات إلى الشك في غيره لا يخلو من نظر بل منع، و كذا ما اختاره بعضهم من اعتبار الانتقال عن المحل و لو تقديرا كطول الجلوس و نحوه.

نعم يبقى الإشكال في أن المدار في تحقق الفراغ حصول اليقين بالفراغ آنا ما أو عدم رؤية المكلف نفسه غير متشاغل به مع سبق الشروع فيه أو يفرق بين الجزء الأخير و غيره فيعتبر الانتقال عن المحل أو ما في حكمه كطول الجلوس في الأول دون الثاني وجوه بل أقوال، و التحقيق أنه لا ريب في تحقق الفراغ بمشغولية المكلف بفعل آخر و انتقاله الى حالة أخرى و لو بطول الجلوس و نحوه و إن لم يسبق له يقين بالفراغ، و كذا مع عدم انتقاله إلى حال آخر و قد سبق له اليقين بحصول الفراغ، و أما إذا لم ينتقل و لم يحصل له اليقين فالظاهر عدم تحقق الفراغ فيجب عليه إعادة المشكوك من غير فرق في المقامين بين الجزء الأخير و غيره، فما وقع في كشف اللثام من الفرق بينهما باعتبار الانتقال


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- حديث 2.

ج 2، ص: 362

و حكمه كطول القعود بالنسبة إلى الجزء الأخير دون غيره ليس في محله، بل الظاهر أنه خرق للإجماع المركب، و كذا ما وقع لغيره من اعتبار حصول اليقين بالفراغ مطلقا، و لآخر فجعل المدار على عدم رؤية المكلف نفسه مشغولا بأفعال الطهارة، بل الوجه ما سمعت من اعتبار أحد الأمرين و هو إما الانتقال عن المحل أو ما في حكمه أو حصول اليقين بالفراغ، نعم قد يحصل إشكال بالنسبة للأول في ما لو شك في فعل شي ء من أفعال الوضوء و كان قد انتقل منه إلى حال آخر إلا أنه لا يحصل بسببه الفساد على تقدير عدم فعله في الزمن السابق لبقاء الموالاة بمعنى مراعاة الجفاف، كما لو وقع له شك في مسح رأسه و قد انتقل عن محل الوضوء و اشتغل بفعل آخر و الحال بقاء إمكان الموالاة كأن تكون الرطوبة باقية، و لعل الأقوى فيه عدم الالتفات أيضا أخذا بإطلاق الأدلة، بل قد يظهر من بعضهم دعوى الإجماع عليه من غير فرق بين الدخول بالمشروط بالطهارة و غيره، و هل يدخل في الشك بعد الفراغ ما لو وقع للمكلف الشك في أنه عدل عن فعل الوضوء فترك غسل باقي الأجزاء مثلا أو أنه أتمه مع عدم حصول اليقين له بالفراغ آنا ما؟

وجهان، ينشئان من إطلاق النص و الفتوى عدم الالتفات مع الانتقال، و من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن. و المعلوم منه ما لو كان الشك من جهة احتمال السهو و النسيان و نحوهما مع بناء المكلف على الفعل الصحيح، لا أقل من الشك في الشمول، و إن كان الوجه الثاني لا يخلو من ضعف بناء على حرمة قطع الوضوء.

ثم لا ريب في جريان ما ذكرنا من عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ في كل فعل مركب كان توالي فعل الأجزاء شرطا في صحته كالصلاة و نحوها، لأصالة صحة فعل المسلم، و أصالة عدم السهو و النسيان في أفعاله في عبادات و معاملات من غير فرق في ذلك بين استلزام المعصية على تقدير عدم الفعل و عدمه، و منه يظهر أن من شك في شي ء بعد الفراغ من الغسل الارتماسي و حصول اليقين له بذلك آنا لا يلتفت، لأصالة صحة فعل المسلم، فما في القواعد للعلامة من الاشكال فيه كأنه في غير محله، و أما ما لم

ج 2، ص: 363

يكن كذلك كما في الغسل الترتيبي و نحوه فالظاهر عدم الالتفات فيما لو وقع له هذا الشك بعد الدخول بالمشروط بالطهارة، لما

في الصحيح (1)«عن رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة، فقال (عليه السلام): إذا شك و كانت به بلة و هو في صلاته مسح بها عليه، و إن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلة، فإن دخله الشك و قد دخل في صلاته فليمض في صلاته، و لا شي ء عليه»

و كذا لا يلتفت بعد حصول اليقين له آنا ما بالإكمال و الفراغ، أما إذا لم يحصلا معا فلا يخلو إما أن يكون معتاد الموالاة في غسله أولا، فإن كان الأول احتمل عدم الالتفات، ترجيحا للظاهر على الأصل، و يحتمل العدم للعكس، بل لعله الأقوى، إذ لا دليل على تقديم الظاهر على الأصل هنا، اللهم إلا أن يعلم حاله في أول الغسل أنه كان عازما على فعله تماما لمكان السيرة على عدم الالتفات حينئذ، مع أنه مشكل أيضا، لعدم تحققها في نحوه بل هي متحققة في من اغتسل و تيقن الفراغ ثم شك بعد ذلك.

و مما سمعته يظهر لك الحكم فيما لو لم يكن معتاد الالتفات فإنه يجب عليه الالتفات حينئذ بلا إشكال، و دعوى التمسك بنحو

قوله (عليه السلام): «إذا شككت في شي ء و قد دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء»

ضعيف، إذ من المعلوم إرادة الغير المرتب على وقوع الفعل الأول لا مطلق الغير، و إلا لزم أن لا يعتبر الشك يوما، كما أنه من التأمل فيما قدمناه يظهر لك حكم الشك بعد الفراغ بالنسبة إلى سائر الأفعال من غسل النجاسات و غيرها، بل يظهر لك أيضا أن الشك في الشرائط كالشك في الأجزاء في عدم الالتفات، لا صالة الصحة و استصحابها، و اشتراك العلة، و لزوم العسر و الحرج، و ان الشك في الشرط شك في المشروط، و أولويته من الجزء، و عموم النصوص و إطلاقها، خصوصا ما ورد منها في خصوص الوضوء، و ضبط الأصحاب المبطل بغير ذلك، بل ظاهر تعليلهم الحكم في الجزء بالعسر و الحرج العموم، بل عن


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الجنابة- حديث 2.

ج 2، ص: 364

العلامة التصريح في غير واحد من كتبه بعدم الالتفات إلى الشك في الطهارة بعد الفراغ في الطواف، معللا له بأن الشك في الشرط شك في المشروط، بل قد عرفت التصريح أيضا بعدم الالتفات إلى الشك في النية، و هي شرط على أحد القولين أو الوجهين، بل حكي عن المبسوط و النهاية و الوسيلة في خصوص المقام ما يحتمل أو يظهر منه ما قلناه أيضا، فما عن كشف اللثام في مسألة الشك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف من التصريح بتخصيص الحكم بالأجزاء بل قيل إنه يلوح من الذكرى أيضا و إن ألحق النية بها ضعيف جدا.

[في إعادة الصلاة لو ترك غسل أحد المخرجين]

و من ترك غسل أي تطهير الظاهر من خروج الغائط المسمى النجو أو البول و صلى أعاد الصلاة عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا كما في المبسوط و المعتبر و النافع و المنتهى و المختلف و القواعد و الدروس و غيرها لكن مع ترك ذكر الجهل فيها، و لعل المراد به في عبارة المتن الجهل بالحكم الشرعي، لاستبعاد غيره، فيكون تركهم له اتكالا على ما هو المعروف من عدم معذورية الجاهل، أو يراد به عبارة عن بقاء شي ء منها بعد غسله لها، فإن الأقوى حينئذ إعادة الصلاة، و ليس هذا كجاهل أصل وجود النجاسة، و أما احتمال إرادة الجهل بها على حسب غيرها من النجاسات بفرض الخروج نائما و نحوه و يكون الحكم بالإعادة في المقام لخصوص أدلة تخرجه عن حكم الجاهل فبعيد جدا، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي ذلك.

و كيف كان فقد نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا و في المختلف إلى المشهور مع التصريح فيه بالإعادة في الوقت و الخارج، و في المدارك أن المسألة جزئية من جزئيات من صلى مع النجاسة، و سيجي ء تفصيل الحكم فيها، قلت: قد يفرق بينهما لمكان ما تسمعه من الأدلة الخاصة فيها، بل يرشد إليه ما قيل إنه لم ينقل الخلاف هنا في وجوب الإعادة وقتا و خارجا إلا عن ظاهر ابن الجنيد، حيث خصص الوجوب بالوقت، و عن الصدوق حيث نفي الإعادة في الوقت، و أما هناك فأكثر المتقدمين على الإعادة مطلقا،

ج 2، ص: 365

و عن الشيخ في بعض أقواله العدم مطلقا، و في الاستبصار و تبعه عليه جل المتأخرين الإعادة في الوقت دون خارجه.

و على كل حال فالذي يدل على المشهور مضافا إلى ما دل على حكم النجاسة في الصلاة خصوص

صحيح ابن أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له:

أبول و أتوضأ و أنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك، و أعد صلاتك، و لا تعد وضوءك»

و

مرسل ابن بكير عن الصادق (عليه السلام)(2)أيضا «في الرجل يبول و ينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضأ و يصلي قال: يغسل ذكره، و يعيد الصلاة، و لا يعيد الوضوء»

و

صحيح زرارة(3)قال: «توضأت يوما و لم أغسل ذكري ثم صليت فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: اغسل ذكرك، و أعد صلاتك»

و هي و إن لم ينص فيها على النسيان لكنه مقتضى ترك الاستفصال فيها، بل قد يقال إنه الأظهر، لمكان استبعاد وقوع ذلك من مثل زرارة مع العمد، و هي كما ترى مطلقة بالنسبة للإعادة في الوقت و خارجه، بل قد يقال: إن الأمر بالإعادة فيها ظاهر في الشرطية التي يستفاد منها انعدام المشروط بانعدامها، فيجب الإعادة و القضاء حينئذ، أما الأول فواضح، و أما الثاني فل

قوله (عليه السلام)(4): (من فاتته)

لشمولها للفائت الشرعي.

فما عن ابن الجنيد من التفصيل بذلك بالنسبة إلى نسيان البول ضعيف، لا أعرف له مستندا سوى الجمع بين ما سمعت من المعتبرة و بين

خبر عمرو بن أبي نصر(5)قال:

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني صليت فذكرت اني لم أغسل ذكري بعد ما صليت


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء حديث 3 عن عمرو بن أبي نصر.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 7.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب قضاء الصلوات- حديث 3 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 6.

ج 2، ص: 366

أ فأعيد؟ قال: لا»

و

خبر هشام بن سالم (1)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «في الرجل يتوضأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال، فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة»

بحمل الأولى على الإعادة في الوقت، و الثانية على خارجه، و هو- مع كونه فرع التكافؤ الذي هو مفقود هنا من وجوه عديدة، لتأيد الأولى بفتوى المشهور، و اعتبار أسانيدها دون الخبرين سيما الثاني- لا شاهد عليه، و ليس بأولى من حملها على تخصيص ذلك بمن لم يجد الماء و نحوه و إن بعد، كضعف ما عن الصدوق (رحمه الله) في الفقيه من عدم إيجابه الإعادة في الوقت مع نسيان الاستنجاء عن الغائط،

للموثق (2)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة»

و

صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام)(3)قال: «سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء قال: ينصرف، و يستنجي من الخلاء، و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك، و لا إعادة عليه»

و هما- مع إعراض المشهور عنهما بل كاد أن ينعقد الإجماع على خلافهما إذ لم نعثر على موافق للصدوق في ذلك إلا ما ينقل عن بعض متأخري المتأخرين كالخوانساري و معارضتهما ب

خبر سماعة(4)قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت و نسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة، و إن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك، لأن البول مثل البزاق»

و السند منجبر بعمل المشهور، مع أنه نقل عن الصدوق في العلل روايته بسند معتبر- لا يصلحان مقيدين لما دل على الإعادة(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 5 و في الوسائل و الكافي و الاستبصار البراز بدل البزاق.
5- 5 الوسائل- الباب- 42- من أبواب النجاسات.

ج 2، ص: 367

لناسي النجاسة الشامل لما نحن فيه مع عدم صراحة الصحيح منهما بنسيان الاستنجاء من الغائط فقط، بل الغالب خروج البول مع الغائط، فلا يكون معمولا به عند أحد، و احتمال الأول نسيان الاستنجاء بالماء مع التمسح بالأحجار و غير ذلك، و أضعف منه ما ينقل عنه (رحمه الله) في المقنع من العمل بما في

موثقة عمار الساباطي (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا أنه قد تمسح بثلاثة أحجار، قال: إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة و ليعيد الوضوء، و إن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته، و ليتوضأ لما يستقبل من الصلاة»

إذ هو مع معارضته بما تقدم مشتمل على ما لا يقول به الأصحاب من عدم الاجتزاء بالتمسح بثلاثة أحجار على ما ستعرف فساده من إعادة الوضوء، و على التفصيل بين الوقت و خارجه، فلا بد من طرحه أو حمله على ما لا يخالف المذهب، فتأمل جيدا، هذا.

و في الرياض بعد أن نقل المذهب المشهور و مذهب ابن الجنيد و مختار الصدوق في الفقيه و المقنع نقل عن العماني القول بأولوية الإعادة مطلقا، ثم ذكر له دليلي ابن الجنيد و أبطلهما، و الظاهر أنه اشتباه، لأن المنقول عن العماني أولوية الإعادة في الوضوء، موافقا لما تسمعه من المشهور بين الأصحاب لا الصلاة، فلاحظ و تأمل.

ثم ان ظاهر عبارة المصنف هنا كصريحه في غير هذا الكتاب و صريح المشهور نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك عند التأمل عدم وجوب إعادة الوضوء عند ترك الاستنجاء من غير فرق بين العمد و النسيان للأصل، و الروايات المستفيضة حد الاستفاضة، منها ما تقدم في أول المسألة و نحوها غيرها في نفي إعادة الوضوء ك صحيح ابن يقطين (2)عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) و عمرو بن أبي نصر(3)عن الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 3.

ج 2، ص: 368

(عليه السلام)

و صحيح ابن أذينة(1)قال: «ذكر أبو مريم الأنصاري أن الحكم ابن عيينة بال يوما و لم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: بئس ما صنع، عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته و لا يعيد وضوءه»

خلافا للمنقول عن الصدوق، فأوجب إعادة الوضوء، و المعروف في النقل عنه في خصوص نسيان غسل مخرج البول، لكن قد يظهر من المنقول من عبارة المقنع شموله للمخرجين، و على كل حال فالخلاف منحصر فيه، إذ لم أجد له موافقا من المتقدمين و المتأخرين، فلعل خلافه غير قادح في الإجماع، كعدم صلاحية معارضة دليله لما سمعت من الأدلة، بل

في الصحيح (2)عن الباقر (عليه السلام): «في الرجل يتوضأ و ينسى غسل ذكره، قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء»

و

موثق أبي بصير(3)«إذا أهرقت الماء و نسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء و الصلاة»

مع موثقة سماعة المتقدمة سابقا من وجوه عديدة، فيجب طرحها أو حملها على الاستحباب، كما عن جماعة من الأصحاب، أو القدر المشترك بينه و بين الوجوب كما في الموثقة الأخيرة، أو يحمل الوضوء فيها على الاستنجاء بالماء كما وقع إطلاقه عليه في بعض الأخبار، أو على التقية كما احتمله في الحدائق، أو غير ذلك، هذا، مع أن العلامة في المنتهى طعن في جميع أسانيد أخباره، و لتحقيق ذلك محل آخر، على أن مستنده على الظاهر ما تقدم من الموثقة السابقة في اختياره في المسألة المتقدمة، و قد عرفت أنها غير صالحة لذلك من وجوه غير خفية، مع احتمالها ككلامه لحمل الوضوء فيها على الاستنجاء بالماء و إن بعد، بل ربما ظهر من بعضهم دعوى الإجماع على عدم إعادة الوضوء في نسيان الاستنجاء من


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8 و في الوسائل إعادة الوضوء و غسل ذكرك.

ج 2، ص: 369

الغائط، و نحو الوضوء في عدم اشتراط صحته بغسل المخرجين التيمم، كما صرح به جماعة من غير فرق بين اعتبار التضيق فيه و عدمه، و ربما ظهر من العلامة في القواعد عدم صحته قبل الغسل على الأول، لاستلزام وقوعه قبله سعة وقت زائد على الصلاة و التيمم، و هو- مع كونه ليس خلافا في المسألة عند التحقيق لمساواته مع غيره من النجاسات حينئذ- فيه أولا ان الظاهر إرادة الضيق عرفا، فلا ينافيه نحو زمان الغسل، و ثانيا فلأنه من مقدمات الصلاة كالتستر و نحوه، فلا يقدح سعة الزمان بالنسبة إليه، فتأمل جيدا.

[في حكم العلم الإجمالي بالإخلال في أحد الوضوءين]

و من جدد أي فعل وضوئه الواجب أو المندوب مرة أو مرات بنية الندب لمكان مشروعية التجديد إجماعا و سنة كادت تكون متواترة ثم صلى بعده و ذكر أنه أخل بعضو مثلا من إحدى الطهارتين أو الطهارات فان اقتصرنا في الواجب بالنسبة إلى نية الوضوء على نية القربة و لم نوجب غيرها من الوجه و الرفع أو الاستباحة فالطهارة و الصلاة صحيحتان من غير إشكال يعرف عندهم فيه، بل في كلام بعضهم القطع به و إن أوجبنا نية الاستباحة أعادهما كما في المنتهى و التذكرة بل عن سائر كتبه، و اختاره المحقق الثاني و غيره من متأخري المتأخرين، و كان وجهه بالنسبة للطهارة عدم اليقين بحصولها، فيكون من قبيل من تيقن الحدث و شك في الطهارة، لاحتمال وقوع الخلل في الأولى، و الثانية لا تجدي، لعدم اشتمالها على نية الاستباحة مع القول باشتراطها، و للصلاة عدم اليقين بالبراءة لما عرفت، خلافا للشيخ في المبسوط و ابن سعيد في الجامع كما عن القاضي و ابن حمزة، فلم يوجبوا الإعادة مع قولهم بوجوب نية الرفع و الاستباحة على ما قيل، و استجوده المصنف في المعتبر إن نوى بالثانية الصلاة أي الإتيان بها على الوجه الأكمل، بل ربما ظهر من الشهيد في الدروس اختياره من غير تقييد، لكن تعجب العلامة من ذلك، و يمكن رفع العجب بالتزام الشرطية المذكورة فيما لم يجزم المكلف بحصولها، و إلا فلا معنى للتكليف بها أو لخصوصية في التجديد لكون

ج 2، ص: 370

المفهوم من الأدلة أن مشروعيته لتدارك الفائت كما ادعاه في الذكرى ناسبا له إلى الأصحاب و الاخبار، أو لأن ذلك في الحقيقة شك بعد الفراغ، فلا يلتفت إليه و إن كان يأبى الأخير عبارة المبسوط، أو لأن قصد التجديدية يقوم مقام قصد الاستباحة، فتأمل.

و تفصيل الحال أن الوضوء المكرر إما أن يكون احتياطيا أو تجديديا، فان كان الأول فلا إشكال في عدم الإعادة، نعم قد يقع الإشكال في ثبوته، مع أن الحق ثبوته، لعموم ما دل على رجحان الاحتياط، و احتمال إدخاله في التجديدي، بأن يقال يجوز تكرير الوضوء لتدارك ما يحتمل فواته في الأول، فإن صادف وقع في محله و إلا كان تجديديا لا يقدح فيما ذكرنا من الحكم، لكونه دائرا مدار مشروعية نحو هذا الوضوء تجديديا كان أو غيره، كما أنه لا فرق في ذلك بين اشتراط نية الوجه أو الاستباحة أو الرفع أو عدم الاشتراط، و أما إذا كان تجديديا أي لم يقصد فيه القصد المذكور بل قصد النور على النور فقد عرفت أنه لا إشكال عندهم في عدم الإعادة، حتى لو تبين الخلل في الأولى بناء على الاجتزاء بنية القربة، إذ هو يقضي بالاكتفاء به، لكن قد يقال:

انا و إن قلنا بعدم اشتراط نية ما عداها، لكن نية الخلاف مانعة، سواء في ذلك خلاف الوجه أو الرفع مثلا، فلا يجتزى بالوضوء مع زعم الجنابة و تبين الخلاف، و إن قلنا بالاجتزاء بنية القربة.

نعم يتم ذلك بناء على ما اخترناه سابقا من القول بالاجتزاء بنية القربة مع القول بأن ظاهر الأدلة أن أفعال الوضوء من قبيل الأسباب الشرعية التي لا يقدح في تأثيرها عدم النية أو نية العدم، أو على أن نية التجديدية مع القصد المذكور ليس من قبيل نية الخلاف، لكنه بعيد.

و أما إذا لم نجتز بنية القربة بل قلنا بلزوم ضم غيرها معها فلا يخلو فاما أن نقول بوجوب كون المضموم رفعا أو استباحة أو الوجه من الوجوب و الندب فقط فان كان الأول فالظاهر وجوب الإعادة كما ذكره المصنف و جماعة خلافا لمن عرفت، لظهور

ج 2، ص: 371

ما استدلوا به هناك على وجوبهما في العموم، و القول أن مشروعية التجديد للتدارك كما في الذكرى و غيرها بل قد عرفت نسبته فيها إلى الأصحاب و الاخبار فيه انا لم نتحقق ذلك من كل منهما، أما الأصحاب فمقتضى فتوى كثير منهم هنا بوجوب الإعادة ردا على الشيخ و من تبعه خلافه، و أما الاخبار فلم نعثر في شي ء منها على ما يدل عليه، بل ظاهرها أن محل استحبابه حال عدم ذلك، و احتمال استفادته من نحو

قول الصادق (عليه السلام) : «الطهر على الطهر عشر حسنات»

و نحوه، بتقريب أن إطلاق لفظ الطهر عليه مجاز لمناسبة أنه ينفق فيه ذلك كما ترى، بل شك في شك، فلا يلتفت إليه، كما أنه لا يلتفت إلى ما تقدم من احتمال كون وجهه أنه من الشك بعد الفراغ، لأنه مع أن ظاهر القائلين خلافه ممنوع، لظهور أدلته فيما إذا كان طرفا الشك وجودا و عدما بحتا لا عدما خاصا، لا أقل من الشك في ذلك، فيبقى القاعدة لا معارض لها.

و مما يرشد إليه ذكرهم في باب الصلاة وجوب الإعادة على من اعتقد ترك سجدتين لا يعلم أنهما من ركعة أو ركعتين، و كذا فيما إذا دار الأمر المقطوع بتركه بين الركن و غيره، فتأمل. و مثلهما ما أشار إليه المصنف في المعتبر في تقييده السابق من أن نية التجديدية للصلاة تقوم مقام نية الاستباحة، لاقتضائها حصول منع قبله، و هو مفقود هنا، و فرق واضح بين ما نحن فيه و بين ما تقدم سابقا من احتمال الاجتزاء بنية ما كانت الطهارة شرطا في كماله و إن لم تكن شرطا في صحته كما في قراءة القرآن و نحوها، لأن رفع الحدث شرط في الكمال، فنيته يمكن الاكتفاء بها، لما فيه من التلازم، و أما هنا فليس كذلك، إذ لا مدخلية لرفع الحدث في هذا الكمال، فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى بناء على شرطية الاستباحة وجوب الإعادة، نعم يتم فيما لو غفل عن الوضوء الأول ثم توضأ ثانيا بنية الاستباحة ثم ظهر له فساد إحدى الطهارتين، لكنه خارج عما نحن فيه، لأن الفرض نية التجديد.

ج 2، ص: 372

و إن كان الثاني أي لم نقل باشتراط الاستباحة لكن مع القول باشتراط نية الوجه من الوجوب و الندب فالظاهر عدم وجوب الإعادة حيث يتفق الوضوءات في الوجه من غير إشكال يعرف فيه عندهم، و كان وجهه أنه مع تبين فساد الاولى تقع الثانية صحيحة لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و نية التجديدية غير منافية، لكونها من الأوصاف الخارجية بمعنى أنه إن صادفت صحة الوضوء الأول كانت تجديدا، و إلا فلا، بل تقع ابتدائية، و أما مع اختلافهما في الوجه فقد أطلق بعضهم عدم الاكتفاء، و الظاهر أنه قد يتفق حصوله في بعض الصور، كما لو توضأ بنية الوجوب لمكان حصول غاية مشروطة بها، كنذر المس حينئذ في وقت خاص ثم مضى وجوب ذلك فجدد ندبا، فإنه حينئذ يكتفي به لو ظهر فساد الأول، لأنه من قبيل المندوبين حينئذ، و كذا لو توضأ ندبا قبل حصول المشروط بالطهارة ثم جدد وجوبا لمكان النذر و نحوه بعد حصول المشروط بالطهارة، فإنه يكتفي به لو ظهر فساد الأولى، لأنه من قبيل الواجبين حينئذ كما هو واضح، فتأمل جيدا. و أما في غير هذه الصور الأربع فيجب إعادة الوضوء، و الحاصل أن المدار على اجتماع الشرائط من نية القربة و الوجه فقط.

و لو صلى بكل واحدة من الطهارتين صلاة أو أزيد أعاد ما صلاة بالأولى فقط دون ما صلاة بالثانية بناء على الأول من الاجتزاء بالتجديدي لو ظهر فساد الأولى، أو يجب أن يعيد ما صلاة بهما بناء على الثاني من عدم الاجتزاء، لعدم حصول الفراغ اليقيني لاحتمال كون المتروك من الاولى و لا تكفي الثانية كما هو المفروض، نعم لقائل أن يقول هنا و فيما تقدم ان المراد بإعادة الصلاة إنما هي في الوقت، و أما خارج الوقت فيشكل وجوب القضاء، لأن المختار أنه بفرض جديد، و دعوى شموله للمقام ممنوع، لكونه معلقا على الفوات الذي لم يعلم تحققه هنا، لاحتمال كون المتروك في الطهارة الثانية، فتقع الصلاة صحيحة، و منه ينقدح عدم وجوب القضاء أيضا على من تيقن الحدث و شك في الطهارة ثم غفل عن ذلك فصلى و لم يذكر حتى خرج الوقت، لعدم

ج 2، ص: 373

العلم بالفوات أيضا، نعم يتجه فيهما معا إيجاب إعادة الطهارة مطلقا، و إعادة الصلاة في الوقت دون القضاء، و كذلك في من تيقن الطهارة و الحدث و شك في السابق و فرض غفلته عن ذلك فصلى من غير وضوء و لم يذكر حتى خرج الوقت، فإنه لا يجب القضاء، لعدم العلم بالفوات حينئذ، لكن يمكن الفرق بين الصورة الأخيرة و بين ما تقدمها بالتزام تسليم ذلك فيها دونهما لمكان استصحاب الحدث في الأولين الذي بسببه يحصل الفوات فيشمله حينئذ عموم قوله (ع): (من فاتته) إذ المراد به أعم من الشرعي و الواقعي بخلافها، إذ مع تعارض اليقينين لا استصحاب، و الوجوب في الوقت انما كان لتحصيل اليقين بالبراءة اليقينية الذي لا يصلح جريانه في خارج الوقت، و قد يقال: إنه يمكن تنقيح الفوات باستصحاب عدم الإتيان بالمكلف به، اللهم إلا أن يلتزم أن الاستصحاب و إن قلنا به لكنه لا يتحقق به اسم الفوات، و هو جار في الصور الثلاثة، فتأمل جيدا.

ثم اعلم أنه ربما ظهر من العلامة في المنتهى الفرق بين هذه المسألة و سابقتها، فإنه بعد أن حكم في الأولى بوجوب إعادة الصلاة بناء على اشتراط الاستباحة و عدمه على تقدير العدم، و حكم في الثانية و هي ما نحن فيه بوجوب إعادة ما صلاة بالطهارة الأولى فقط، بناء على القول بالاكتفاء بنية القربة، و وجوب إعادتهما معا بناء على اشتراط الاستباحة، قال: «و عندي في هذا شك، و هو أنه قد تيقن الطهارة و شك في بعض أعضائها بعد الانصراف، لأن الشك إلحاق الترك بالمعين منهما، و هو الشك في ترك أحد الأعضاء الواجبة، فلا يلتفت، و هو قوي» انتهى. قلت: و أنت خبير أن ما ذكره هنا جار في المسألة السابقة أيضا حرفا بحرف، و من هنا لم يفرق ابن طاوس في هذا التخريج بين الصورتين كما نقل عنه، و استوجهه الشهيد في البيان، قلت: هو لا يخلو من وجه و إن كان الاولى خلافه، لما عرفته سابقا من ظهور أدلة الشك بعد الفراغ في غيره، لا أقل من الشك في ذلك، على أن الظاهر أن ذلك من قبيل الشبهة المحصورة، فإن اليقين بالإجمال يرفع الاستصحاب في كل منهما، إذ ترجيح

ج 2، ص: 374

أحدهما ترجيح بلا مرجح، و إجراء الحكم فيهما معا مناف لمقتضى اليقين، فوجب اجتنابهما معا، فلا يحكم حينئذ بالصحة في كل منهما، نعم لقائل أن يقول: إنه يشكل الحكم بوجوب إعادة الصلاة كما يظهر الاتفاق عليه هنا في الجملة، و ذلك لأنه إن لم يكن هذا أولى ممن تيقن الحدث و شك في الطهارة فلا أقل من المساواة له، و قد تقدم لك سابقا عدم وجوب إعادة الصلاة عليه لو حدث له الشك بعد الفراغ من الصلاة، بل قد عرفت أن فيه احتمال عدم وجوب إعادة الوضوء

أيضا، بل قد ظهر من بعضهم اختياره، فيمكن حينئذ القول هنا بعدم وجوب إعادة الصلاة و إن قلنا بوجوب إعادة الطهارة، و لعل اتفاقهم هنا على هذا الحكم بحسب الظاهر يشعر بعدم البناء على تلك القاعدة، و هي عدم الالتفات إلى الشك في الشرائط بعد فعل مشروطها، اللهم إلا أن يحمل كلامهم هنا على ما إذا علم تقدم سبب الشك على فعل المشروط بها و إن لم يحصل الشك سابقا فعلا، لكنه بعد تسليم الحكم فيه لا يخلو حمل كلامهم عليه من بعد، فتأمل.

و لو تيقن أنه أحدث عقيب طهارة منهما و لم يعلمها بعينها فلا يدري أنها طهارة الصلاة الأولى أو الثانية أعاد الصلاتين إن اختلفتا عددا في الوقت و في خارج الوقت بلا خلاف أجده فيه، بل هو مجمع عليه، و يشير إليه الأمر(1)لناسي الفريضة الغير المعينة بقضاء ثلاث صبح و مغرب و أربع، تحصيلا ليقين البراءة، للقطع بفساد إحدى الصلاتين، فيجب إعادتها و قضاؤها، و لا يتم ذلك إلا بفعلهما معا فيجب، و احتمال عدم الالتفات إلى كل منهما لأصالة الصحة فيه، و كونه شكا بعد الفراغ مما لا ينبغي أن يصغى إليه بعد حصول القطع بفساد واحدة منهما، أو شغل الذمة بها كاحتمال القول بالسقوط لعدم إمكان الجزم بالمكلف به الذي هو شرط في صحة العبادة، فينعدم المشروط بانعدامه، فإنه مع أنه مخالف للإجماع هنا يمكن تطرق المنع إلى شرطية ذلك على الإطلاق، بل المعلوم منه مع إمكانه، على أن أدلة الاحتياط تكفي في صحته،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قضاء الصلوات.

ج 2، ص: 375

و إلا لا نسد هذا الباب في كثير من محاله كما هو واضح، كاحتمال القول بالتخيير بالنسبة إلى كل واحدة منهما، إذ هو تقول على الشارع بما لا يرضى به.

و إن لم يختلفا عددا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته كما هو الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، خلافا للشيخ في المبسوط و ابني إدريس و سعيد في السرائر و الجامع و عن القاضي و أبي الصلاح و ابن زهرة فالتعدد،

للمرسل (1)المنجبر بالشهرة بين الأصحاب عن الصادق (عليه السلام) قال: «من نسي من صلاة يومه واحدة و لم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين و ثلاثا و أربعا»

و هو و إن كان واردا في النسيان لكن الظاهر أن العلة في الجميع واحدة، بل قد يدعى دخول بعض أفراد المسألة فيه، و لمكان إطلاق الرواية خير الأصحاب بين الجهر و الإخفات حيث يكون الأمر دائرا بين الجهرية و غيرها، هذا كله إن قلنا إن الأصل يقتضي وجوب التعدد، و إلا فلو أنكرنا ذلك- لمكان أصالة البراءة السالمة عن المعارضة سوى ما يتمسك به الخصم من وجوب اليقين و الجزم في الامتثال، و لا يحصل إلا بفعل الجميع المناقش فيه بما قيل من أن ذلك مشترك الإلزام، لأنه من أعاد الصلاتين يعلم قطعا بأن إحداهما ليست في ذمته، للجزم بأن الفساد في إحدى الطهارتين، و انما يقصد الوجوب على تقدير الفساد، و لا أثر لجزمه، و الجواب عنهما واحد، و هو أن الجزم انما يعتبر إذا كان ممكنا، و للمكلف اليه طريق، و هو منفي في المسألة- كنا في غنية عن الرواية، لكن لقائل أن يقول: ان ذلك يؤثر في سقوط الجزم بما في الذمة لا بما يوقعه، و فرق واضح بين المقامين، لا يقال: انه لا دليل على مشروعية التقرب بهذا التعيين للواقع مع التردد بما في الذمة، لأنا نقول يكفي في ذلك أدلة الاحتياط، لكون مبناها الجزم بالواقع لاحتمال المصادفة لما في الذمة، و من هنا يظهر لك ان الأصل يقتضي إيجاب التعدد، و على القول بالأول فهل الإطلاق رخصة أو عزيمة؟ وجهان، أقواهما الأول، إذ الاكتفاء بالأول يقضي بالثاني بطريق


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب قضاء الصلوات- حديث 1.

ج 2، ص: 376

أولى، فتأمل جيدا. و لا فرق فيما ذكرنا من الحكم بين المسافر و الحاضر، كما هو واضح و لو صلى الخمس فرائض بخمس طهارات مثلا ثم تيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات أعاد ثلاث فرائض ثلاثا و اثنتين و أربع مرددة بين الظهر و العصر و العشاء إن كان حاضرا، أو ثلاثا و اثنتين مرددة بين الصبح و الظهر و العصر و العشاء ان كان مسافرا لما تقدم، و قيل كما عرفته من الشيخ و من تابعه يعيد خمسا حاضرا كان أو مسافرا، و قد ظهر لك وجهه، و الأول أشبه لما عرفت من الرواية المرسلة المنجبرة بعمل الأصحاب سندا أو تعديا عن مدلولها، و لو كان الإخلال من طهارتين وجب إعادة أربع فرائض على المختار ثلاثا و اثنتين و أربع مرتين، فإن أراد المحافظة على الترتيب جعل المغرب بينهما، و المسافر يجتزي بثنائيتين بينهما مغرب، و على القول بالتعين يجب الإتيان برابعة ثالثة معينا في كل واحدة منها، إلا أنه يجب عليه أيضا الإتيان برابعة العشاء بعد المغرب ان قلنا بوجوب مراعاة الترتيب مع الجهل به، و إذ قد عرفت ان الأقوى كون الإطلاق رخصة لا عزيمة فيجوز حينئذ الإطلاق، فيقتصر على أربعتين، و يجوز التعيين، فلا بد من ثلاث، لكن هل له التعين في بعض و الإطلاق في الباقي؟ قال العلامة في القواعد بعد ان ذكر ما ذكرنا من حكم الحاضر و المسافر: «و الأقرب جواز إطلاق النية فيهما و التعين، فيأتي بثالثة، و يتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء، فيطلق بين الباقيين مراعيا للترتيب، و له الإطلاق الثنائي، فيكتفي بالمرتين» انتهى. قيل و هي من مشكلات عبارة القواعد حتى نقل عن بعضهم تصنيف رسالة فيها، و لعل المراد منها ما ذكرنا من جواز إطلاق النية في إحدى الرباعيتين و التعيين في أخرى، لكن لا بد له ان يأتي حينئذ برباعية ثالثة، لأنه مع تعيين إحدى الرباعيتين يبقى احتمال شغل ذمته بالرباعيتين الأخيرين غير ما عينها، فلا بد أن يأتي بثالثة حينئذ، فإن جعل المعينة الظهر أطلق في الباقيتين بين الباقيتين،

ج 2، ص: 377

و هكذا مع مراعاة الترتيب ان قلنا بوجوبه، لكن قد يقال: إنه متعبة من غير فائدة، إذ مع الإتيان بالمطلقتين و الثالثة المعينة لا فرق حينئذ بينه و بين التزام التعيين في الجمع، لمكان الاكتفاء بهذا المقدار أيضا، ثم انه إذا كان يأتي بالمطلقتين فهي قائمة مقام المعينة، فما الفائدة في فعلها، و احتمال تقليل أفراد المطلق شي ء خال عن الفائدة، فتأمل جيدا.

تم الجزء الثاني من العبادات بعون الله الموفق للسعادات و يتلوه الجزء الثالث في الأغسال إن شاء الله الخالق المتعال الى هنا تم الجزء الثاني من كتاب جواهر الكلام و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة و المصححة بقلم المصنف قدس روحه الشريف و يتلوه الجزء الثالث في الأغسال إن شاء الله تعالى قريبا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.