جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 1

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج 1، ص: 1

[القسم الأول في العبادات]

اشاره

ج 1، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي ختم الشرائع بأسمحها طريقة. و أوضحها حقيقة، و أظهرها برهانا، و أكثرها أعوانا. و اصطفى لوحيه أشرف الأنبياء قبيلة، و أقربهم إليه وسيلة المبعوث آخر الأمم محمد (صلى الله عليه و آله) و عترته الذين هم لمعجزة نبوته و قرآن معجزته و آية رسالته.

و بعد فيقول العبد القاصر العاثر (محمد حسن بن المرحوم الشيخ باقر) أحسن الله إليهما و أذاقهما حلاوة نشأتيهما: إني قد رأيت (كتاب الشرائع) من مصنفات الامام المحقق المدقق (نجم الملة و الدين) أسكنه الله في أعلى عليين قرآنا في الأحكام الشرعية، و فرقانا في العلوم الفقهية، فائقا من تقدمه إحاطة و جزالة و إتقانا، و أنموذجا لمن تأخر عنه، و لسانا. و كثيرا ما كنت أتمنى و أرجو من الله سبحانه فضلا منه و منا أن أمزجة بشرح يكشف للناظرين لثام قواعده و يفتق أكمام شقائقه، و يخرج للعارفين كنوز فوائده و يوضح للمتأملين رموز دقائقه، و يعرف الماهر الخبير انطباق المسائل على قواعدها و ارتباط الدلائل بمقاصدها، و يوقف الناقد البصير على مزال أقدام شراحه، و يرفع الاجمال، و يدفع الاشكال عن المطالب بحسن تحريره و إيضاحه، و يشتمل على ذكر الأقوال و مستندها بأوجز عبارة، و يبين الحال في تزييف غير

ج 1، ص: 3

معتمدها تصريحا و إشارة. لكن العوائق تمنعني و الحوادث تردعني، غير أنى قابلتها.

بعزمة دونها العيوق منزلةو ساعد ليس تثنية الملمات

فاستخرت الله عز و جل و شرعت فيما كنت أتسوف و أتعلل، و سميته (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) و الله سبحانه أسأل ان يجعله خير الزاد ليوم المعاد، و ان يقرنه بالتوفيق لتمام المراد و يمده بالتأييد و السداد، فإنه أكرم من سئل فجاد. قال قدس سره:

[كتاب الطهارة]

اشاره

(كتاب الطهارة) الكتاب: مصدر ثان لكتب من الكتب بمعنى الجمع، أو ثالث بإدخال الكتابة، أو رابع بإدخال الكتبة. أي هذا مكتوب فيه مباحث الطهارة، أو مجموع مسائل الطهارة، أو ما يجمع به مباحثها، كالنظام لما ينظم به. و يحتمل أن يكون منقولا عرفيا. كما انه ربما احتمل أن يكون مجموع الكلمتين علم جنس أو اسم جنس لما يتعلق بها، و لا يضر تفاوتها زيادة و نقصا، و ان قدح ذلك في العلم الشخصي.

لكنه مع بعده في نفسه يزيده إعادته بلفظها أو بضميرها و ذكر التعريف، فليتأمل.

و عبر عما يجمعها بالكتاب دون المقصد و المطلب، لاتحاد مسائله بالجنس و اختلافها بالنوع، بخلاف الثاني فإنه اسم لما يجمع المسائل المتحدة في النوع المختلفة في الصنف، و مثله الباب و الفصل. و الثالث فإنه للمتحدة في الصنف المختلفة بالشخص. كذا قيل لكنه غير مطرد، نعم الظاهر ان المناسبة بين مسائل المقصد و المطلب يعتبر كونها أتم من مسائل الكتاب.

[المدخل]

اشاره

و الطهارة مصدر طهر بضم العين و فتحها، و الاسم الطهر لغة: النظافة و النزاهة يقال: ثياب طاهرة، أي من القذر و الوسخ، و هو المناسب للاستعارة للذنوب و الحيض

ج 1، ص: 4

و سوء الخلق، و لذا استدل على ذلك بقوله تعالى (وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1)(وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ)(2) أي من الحيض و سوء الخلق. و لعله ظاهرا من باب استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، أو في القدر المشترك، و هو أولى و (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ)(3) أي نزهك و (أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ)(4) أي يتنزهون، و في القاموس: ان الطهارة نقيض النجاسة، و عن الطراز: طهر طهرا بالضم و طهارة بالفتح، نظف و نقي من النجس و الدنس. و هما يرجعان الى ما تقدم.

و عرفا على ما هو المعروف كما قيل، بل عن آخر انه عليه أكثر علمائنا اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة فيخرج وضوء الحائض و التجديدي و الأغسال المندوبة و وضوء الجنب و التيمم للنوم و نحو ذلك. أو انها لها مع التأثير في العبادة إباحة أو كمالا، فيدخل فيها بعض ما تقدم، و ان خرج منها أيضا الأغسال للأوقات و الغسل بعد التوبة فهي أعم من الأول. أو انها لها مطلقا، فيدخل فيها جميع ما ذكرنا. أو انها لها على أحد الوجوه الثلاثة مع إزالة الخبث الشرعي. فتكون حينئذ الاحتمالات ستة. لكن الظاهر مراعاة الصحة في السابقين:

إما لان لفظ الطهارة خارج من بين أسماء العبادات فلا يجري فيه النزاع انها للأعم أو للصحيح، بعد اعتبار الاستباحة فعلا في مفهومها على وجه لا يكون الفاسد طهارة، أو يكون المعرف انما هو الصحيح. و كيف كان فهل هي عبارة عن نفس الافعال، أو الحالة الحاصلة بعدها من الإباحة، أو ما يجده الإنسان من القرب الروحاني في الثلاثة الأول، أو الأعم؟ احتمالات، و تكثر بملاحظة الضرب مع المتقدمة. إلا أن الأقوى الأول هنا، لتبادره. كما ان الأقوى الأول أيضا بالنسبة للستة، لعدم ثبوت غيره، و لأنه المعروف بين المتشرعة كمعروفية البحث فيه عنه، و لقوله (عليه السلام) في الحائض:


1- سورة الأحزاب آية 33.
2- سورة آل عمران آية 13.
3- سورة آل عمران آية 37.
4- سورة الأعراف آية 80.

ج 1، ص: 5

«أما الطهر فلا»(1)

و لإغناء المعنى اللغوي في إزالة النجاسة فلا يتكلف مؤنة النقل لكن قد يستدل على شمولها لإزالة النجاسة بالتبادر، و بكثرة إطلاقها في الكتاب و السنة و لسان المتشرعة، و باستبعاد جعل البحث عنها بالعرض. كما انه قد يستدل على شمولها لغير المبيح بتقسيم الطهارة إلى واجبة و مندوبة، و تقسيم الثانية إلى المبيح و غيره، و بان ما تفعله الحائض وضوء و كل وضوء طهارة. و فيه ان التبادر المدعى ممنوع، و الاستعمال في الكتاب و السنة في الغالب مع المعنى اللغوي و بدونه مع القرينة، و استعمالها في لسان المتشرعة قد عرفت ان المعروف ما قلنا، كما صرح به الشهيد على ما ستسمع، و الاستبعاد يهون أمره أنه ليس عرضا بحتا بل له تعلق بالطهارة الحدثية، و التقسيم المشهور انما هو تقسيم الثلاثة و هو لا ينافي كونها اسما للمبيح منه، و ان وقع في كلام بعضهم تقسيمها فلا بد من التزام كون المقسم أعم من المعرف للتصريح الأول و الظاهر لا يعارضه. و القول بان كل وضوء طهارة مصادرة محضة. نعم يحتمل القول باختصاص لفظ (الطهارة)

في ذلك بخلاف باقي المشتقات كطهر و طهور و طاهر، و يؤيده انه وجه الجمع بين نصهم هنا على كونها اسما للمبيح، و بين استدلالهم بمثل هذه الألفاظ على إزالة النجاسات كلفظ الطهور و نحوه قال الشيخ في الخلاف: «الطهور عندنا هو المطهر المزيل للحدث و النجاسة» و عن التبيان و فقه القرآن و مجمع البيان و غيرها «طهورا أي طاهرا مطهرا مزيلا للأحداث و النجاسات» الى غير ذلك. و لعله أولى من التزام الوضع حتى في لفظ

الطهارة للقدر المشترك الشامل لإزالة النجاسة، دفعا لمحذور الاشتراك أو المجاز و التحكم اللازم من التخصيص، مع شيوع استعمالها في الأعم في كل من نوعيه بحيث لا يقصر بعضها عن بعض. و يحتمل التعريف حينئذ على خصوص الطهارات التي هي نوع من العبادات، فتخرج الإزالة و تدخل في الخطابات الشرعية، و يزول


1- المروية في الوسائل- في الباب- 22- من أبواب الحيض- حديث 3 و في الباب- 40- حديث 4.

ج 1، ص: 6

الاشكال عن التفسير و الاستدلال، بل يرتفع الخلاف بين القول بدخولها و خروجها، و اختاره العلامة الطباطبائي، و هو لا يخلو من قوة. إلا أن الأقوى خلافه، لما فيه من التجشم في تأويل ما لا يقبل التأويل من التصريح الواقع من بعضهم و غيره، مع ان دعوى شيوع استعمال لفظ الطهارة في ذلك في حيز المنع، فلعل ما ذكرنا من الفرق بينها و بين غيرها من التصرفات أولى، و لا يلزم من نقل المشتقات نقل المصدر، بل هو منقول لمعنى آخر، و لا يشترط وجود المشتق منه معها بل يكفي اقتطاعها منه بذلك المعنى، فليتأمل.

لا يقال ان النزاع في نحو ذلك ما هو إلا اختلاف اصطلاح، لأنا نقول انه نزاع في إثبات المعنى المتشرعي الذي هو ضابطة للحقيقة الشرعية ما لم يعلم الحدوث، كما يظهر من تحرير محل النزاع فيها، و قد وقع تعريفها على لسان كثير من علمائنا (رحمهم الله) فعن الشيخ في النهاية «ان الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة» و عن القاضي ابن الراج في الروضة كذلك بزيادة «و لم يكن ملبوسا أو ما يجري مجراه» و عن المهذب و الموجز: «انها استعمال الماء و الصعيد على وجه يستباح به الصلاة أو تكون عبادة تختص بغيرها» و عن الشيخ في المبسوط و الاقتصاد: «الطهارة عبارة عن إيقاع أفعال في البدن مخصوصة على وجه مخصوص يستباح به الصلاة» و عن ابن إدريس انه ارتضاه، و عن قطب الدين الراوندي «ان الاحتراز التام ان الطهارة الشرعية هي استعمال الماء أو الصعيد نظافة على وجه يستباح به الصلاة و أكثر العبادات» و عن نجيب الدين محمد بن أبي غالب في المنهج الأقصد(1)«الطهارة الشرعية هي إزالة حدث أو حكم لتؤثر في صحة ما هي شرط فيه» و عن المصنف في المعتبر «انها اسم لما يرفع حكم الحدث» و عن المسائل المصرية «انها استعمال أحد الطهورين لازالة الحدث


1- و في نسخة الأقصى.

ج 1، ص: 7

أو لتأكيد الإزالة» و عن العلامة في التحرير و التلخيص «الطهارة شرعا ما لها صلاحية التأثير في استباحة الصلاة من الوضوء و الغسل و التيمم» و عن بعض كتبه «هي وضوء أو غسل أو تيمم يستباح به عبادة شرعية» و في القواعد: «الطهارة غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلق بالبدن على وجه له صلاحية التأثير في العبادة» و عن علي بن محمد القاشي «انها إذا أخذت صحيحة استعمال طهور مشروط بالنية» و عن الشيخ أبي علي في شرح النهاية «انها التطهير من النجاسات و رفع الأحداث». و لعله وافق بذلك بعض العامة، و إلا فالمعروف بين أصحابنا كما أشرنا إليه سابقا ان إزالة الأخباث ليست من الطهارة.

و من هنا قال الشهيد في نكت الإرشاد: «ان إدخال إزالة الخبث فيها ليس من اصطلاحنا» و في كنز العرفان «و قد تطلق مجازا بالاتفاق على إزالة الخبث عن الثوب و البدن» و عن بعضهم «انها وضع الطهور مواضعه» و عن الجرجاني تعريفها «بما له صلاحية رفع الحدث أو استباحة الصلاة مع بقائه».

قلت: و هل اختلاف هذه التعاريف هو بعد الاتفاق على معنى و لكنهم يختلفون في التعبير عنه إما لتسامح أو غيره، أو ان هذا الاختلاف لاختلاف في المعنى لكون الطهارة اسما للصحيح أو للأعم، أو انها لما تشمل إزالة الأخباث مثلا أو لا، أو انها تشمل وضوء الحائض أو لا، أو انها تشمل الأغسال المندوبة أولا، أو انها تشمل الوضوء التجديدي أولا؟ إلى غير ذلك الذي يظهر في النظر أن كثيرا من الاختلاف لاختلاف في المعنى، فلا وجه حينئذ للإيراد (1)على البعض مثلا بخروج وضوء الحائض، و على آخر بدخوله، إذ قد يقول الأول انه ليس طهارة و الآخر طهارة، فكل يعرف على مذهبه، و يرجع النزاع حينئذ معنويا. و هذا الذي ينبغي ان يلحظ بالنسبة للاستقراء و التتبع، و إلا فكثير من الإيرادات حتى نقل انه اعترض على تعريف العلامة في القواعد بتسعة عشر اعتراضا لا ثمرة فيها، فما رجع منها إلى


1- هذا تعريض بما في مفتاح الكرامة.

ج 1، ص: 8

ما ذكرنا كان للفقيه ان يتعرض له إذ لعله تترتب عليه فوائد بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية، فاستقرى و تتبع و تأمل جيدا. و ان أردت النقض في كثير من هذه التعاريف و الإبرام فانظر ما كتبه الشهيد في غاية المراد في نكت الإرشاد فإنه قد حاول الإحاطة لذلك.

و لعل قيد (الاستباحة) في عبارة المشهور مع إرادة ما يقابل الحرمة التشريعية منه يقتضي عدم حصول الطهارة من المميز. إما لان عبادته تمرينية، و إما لان شرعية الوضوء منه أعم من كونه طهارة، كشرعية وضوء الحائض، مع احتمال حصول الطهارة به على ان يكون المراد من الاستباحة الصحة فتأمل جيدا.

و كل واحد منها أي الثلاثة المتقدمة ينقسم الى واجب و ندب دون باقي الاحكام و إطلاق الكراهة في بعض المقامات على ضرب من التأويل.

[في الواجب من الوضوء]

فالواجب من الوضوء وجوبا شرعيا و لو لوجوب مقدمة الواجب ما كان لصلاة واجبة أصلا أو عارضا و أجزائها المنسية إجماعا و كتابا و سنة أو طواف واجب في حج أو عمرة و لو مندوبين لوجوب إتمامهما إجماعا كما عن المنتهى و سنة أو لمس كتابة القرآن إن وجب لعارض و يأتي الكلام فيه في الوضوء إن شاء الله.

و الظاهر من المصنف بل كاد يكون صريحه كالظاهر من غيره ممن حصر الغايات التي يجب لها الوضوء انه واجب لغيره و لا يجب لنفسه و صرح به جماعة بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن العلامة و الكركي و الشهيد الثاني نقل الإجماع عليه. و لعل الأمر فيه كذلك كمالا يخفى على من لا حظ كلماتهم في المقام و سيرتهم في كل عصر و مصر، من عدم الإلزام و الالتزام برفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة، و عدم أمرهم المرضي به أو التيمم بدله مع وقوع الحدث غالبا منهم، و خلو المواعظ و الخطب، و عدم

ج 1، ص: 9

اشارة من أحد من الفقهاء لا في مقام الاحتضار و لا في غيره مع محافظتهم غالبا على المستحبات و الآداب فضلا عن الواجبات. و مع ذلك كله فلم نعلم فيه خلافا، و لم ينقله أحد ممن يتعاطى نقل الشاذ من الأقوال، لكن الشهيد في الذكرى بعد ان ذكر الكلام في الغسل بالنسبة للوجوب النفسي و الغيري قال: «و ربما قيل يطرد الخلاف في كل الطهارات لأن الحكمة ظاهرة في شرعيتها مستقلة» و يظهر للمتأمل في كلامه السابق ان هذا القول ليس لنا، و مما يدلك على هذا نقضه التمسك بالأوامر المطلقة الدالة على وجوب الغسل بأن حال هذه كحال أوامر الوضوء و غسل الأواني. ثم قال:

«و هم يوافقون على ان المراد بوجوبها المشروط» فقد يراد بالطهارة في كلامه باقي الأغسال لا الوضوء، لان الخلاف إنما هو معروف في غسل الجنابة. و يظهر أيضا من المنقول عنه في القواعد انه قول لبعض العامة قال: «لا ريب ان الطهارة و الستر و القبلة معدودة من الواجبات في الصلاة مع الاتفاق على جواز فعلها قبل الوقت و الاتفاق في الأصول على ان غير الواجب لا يجزي عن الواجب، فاتجه هنا سؤال و هو ان أحد الأمرين لازم اما القول بوجوبها على الإطلاق و لم يقل به أحد أو يقال بالاجزاء و هو باطل» ثم قال: «و هذا الاشكال اليسير هو الذي ألجأ بعض العلماء الى اعتقاد ان وجوب الوضوء أو غيره من الطهارات نفسي موسعا قبل الوقت و في الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت، ذهب إليه القاضي أبو بكر العنبري و حكاه الرازي في التفسير عن جماعة، فصار بعض الأصحاب إلى وجوب الغسل بهذه المثابة» انتهى. و كيف كان فعبارة الشهيد في الذكرى هي التي أوقعت بعض المتأخرين في الوهم حتى عدوه قولا، و ربما جنح اليه بعضهم. و على هذا التقدير فهم لا يمنعون الوجوب الغيري و تظهر الثمرة في نية الوجوب قبل الوقت و في العقاب عند ظن الموت مع التمكن منه أو الوصول الى حد التهاون عرفا، كما في غيره من الواجبات الموسعة.

لنا الأصل مع عموم البلوى به و الإجماعات المنقولة فيه، و في التيمم مع عموم

ج 1، ص: 10

البدلية المؤيدة بنفي الخلاف صريحا و ظاهرا، مع السيرة القاطعة بين العوام و العلماء و خلو الخطب و المواعظ و عدم ذكر احد له في الواجبات، لا سيما عند الاحتضار و عدم الإلزام به من النبي (ص) و الصحابة و التابعين و الأئمة (ع) لأحد من المحتضرين من نسائهم و أصحابهم، و عدم أمر النبي (ص) أصحابه عند جهاد المشركين، و لا أمير المؤمنين في جميع حروبه لا سيما حرب صفين، و مفهوم قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ)(1) الدال على نفي وجوب الوضوء عند عدم الشرط. و ما يقال ان المنفي انما هو الوجوب لها لظهور المنطوق فيه و هو لا ينافي الوجوب النفسي، يدفعه شهادة العرف بخلافه، كما انه يدفع أيضا احتمال عدم حجية المفهوم في خصوص المقام لمكان وجود فائدة له غير التعليق و هي التنبيه على شرطيته للصلاة، مع ان اعتبار مثل ذلك ساد لباب حجية مفهوم الشرط. و كذا ما يقال من ان المراد بالأمر بالغسل إنما هو الوجوب الشرطي دون الشرعي بدليل شمول الصلاة للنافلة و لا يجب ذلك شرعا لها إجماعا، بمنع الشمول أولا لتبادر العهدية الذهنية و على تقديره فخروج النافلة عن الحكم الشرعي المستفاد من الأمر دون الوضعي المستفاد منه أيضا غير قادح، فتأمل. كما انه لا يقدح تقييد وجوب الوضوء في الفريضة بما بعد دخول الوقت لعدم وجوبه قبله، إذا أقصاه زيادة قيود في سبب الوجوب و يكون المفهوم حينئذ عدم الوجوب عند عدمها أو عدم واحد منها. و الحاصل ان خروج بعض ما يدخل في المنطوق لدليل كخروج ذلك من المفهوم أيضا لا يقدح فيما ذكرنا. و لقد وقع في المقام في المدارك ما يقضي منه العجب فلا حظ و تأمل، و كأن دلالة الآية على ما ذكرنا من الظهور لا يحتاج الى التطويل، و لذا جعلها جماعة من الأصحاب قرينة على وجوب الغسل لغيره باعتبار عطف قوله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً)(2) على ما هو كذلك كما ستسمعه في محله ان شاء الله، و

قوله (عليه السلام) في خبر زرارة(3): «فإذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة»


1- سورة المائدة آية 8.
2- سورة المائدة آية 8.
3- المروي في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الوضوء حديث 1.

ج 1، ص: 11

فإنه ظاهر بمقتضى المفهوم انه ان لم يدخل الوقت فلا يجب الطهور و لا الصلاة، و مع استفادة التجدد و الحدوث من لفظ وجب، فتأمل. و حمل الواو على المعية فيكون المعنى انهما يجبان معا فان لم يدخل الوقت فلا يجبان معا و يكفي في صدق ذلك عدم وجوب الصلاة و وجوب الوضوء في غاية البعد مخالف لمقتضى الظاهر في الواو. و كذا ما يقال ان المراد إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة أي وجب كل واحد منهما فان لم يدخل الوقت فلا يجب كل واحد منهما فيكون رفعا للإيجاب الكلي، لما هو معلوم ان حرف العطف تقضي بان المعطوف بمنزلة المعطوف عليه فهو في الحقيقة جواب شرط مستقل اختص بحرف العطف، على انه لا داعي الى هذه التمحلات الباردة. و ما يقال ان ارتكابها لمكان وجود المعارض الصحيح (1)

إنّ عليا (عليه السلام) كان يقول: «من وجد طعم النوم قاعدا أو قائما فقد وجب عليه الوضوء»

وقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «فإذا نامت العين و الاذن و القلب فقد وجب الوضوء»

وصحيح ابن خلاد(3)«إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء»

الى غير ذلك مما أمر به بالوضوء بمجرد وجود هذه الأسباب، فإن ذلك كله يدل على وجوب الوضوء لنفسه، يدفعه ان ارتكاب مثل ذلك لا يصدر من فقيه ماهر، فان ظاهر الآية و الرواية المعتضدتين بما سمعت من الإجماعات المنقولة و السيرة التي كادت تكون قاطعة، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع، لا يعارضهما مثل هذه الظواهر، حتى انه يرتكب التأويل في تلك دونها على انه قد يدعى انه لا ظهور فيها، بل المقصود منها إنما هو ثبوت الوضوء بهذا السبب عند مجي ء الخطاب، بما هو واجب له، و استعمال هذه العبارة في افادة ذلك غير منكر، مثل ما جاء في السنة من الأوامر بغسل الأواني و الثياب المتنجسات و غيرها مما


1- المروي في الوسائل في الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء حديث 8.
2- المروي في الوسائل في الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث 1.
3- المروي في الوسائل في الباب- 4- من أبواب نواقض الوضوء حديث 1.

ج 1، ص: 12

لم يقل احد بوجوب شي ء منها لنفسه، بل يمكن دعوى الحقيقة العرفية في ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كثيرا من نظائره و المسألة خالية من الاشكال بحمد الله تعالى.

[في المندوب من الوضوء]
اشاره

المندوب من الوضوء سواء كان رافعا لحدث أو لا ما عدا الواجب بالأصل أو بالعارض، و ان كان شرطا في صحة بعضها، و من جهته أطلق عليه بعضهم اسم الوجوب مجازا.

و هو أمور:

(منها)- الصلاة المندوبة. و الطواف المندوب، و طلب الحاجة، و حمل المصحف، و أفعال الحج عدا الطواف و الصلاة، و صلاة الجنازة، و زيارة قبور المؤمنين، و تلاوة القرآن، و نوم الجنب، و جماع المحتلم. و جماع غاسل الميت و لما يغتسل، و لمريد غسل الميت و هو جنب، و ذكر الحائض، و التأهب للفرض قبل وقته، و التجديد، و الكون على طهارة، قال في الذكرى: كل ذلك للنص. و كفى بإرساله حجة على جميع ما ذكرنا. و في المدارك بعد ان ذكر هذه الأشياء و غيرها:

إلا مريد غسل الميت و هو جنب. و قيد جماع غاسل الميت و لما يغتسل بما إذا كان الغاسل جنبا، و كأنه فهم ذلك من الرواية التي ستسمعها. قال: «و قد ورد بجميع ذلك روايات».

هذا مع ما يدل (على الأول) من الإجماع المنقول عن الدلائل، إن لم يكن محصلا، بل في الحدائق انه نقله جماعة، و من كونه شرطا في صحتها بناء على ان مقدمة المستحب مستحب.

(و على الثاني) من شرطيته به على القول بها، و من عموم المنزلة في وجه، و من حمل بعض الاخبار المشعرة بالوجوب الشرطي عليه. و ما في الذكرى انه يستحب للطواف بمعنى الكمالية على الأصح للخبر. و هو كذلك لما تعرفه في كتاب الحج ان شاء الله

ج 1، ص: 13

تعالى. و منه يعلم انه لا يجب له حتى لو نذر مثلا، ضرورة كونه كالوضوء لقراءة القرآن و نحوها مما هو شرط للكمال لا الصحة.

(و على الثالث) قول الصادق (عليه السلام)(1) في خبر عبد الله بن سنان:

«من طلب حاجة و هو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومن إلا نفسه».

و ما يقال من انه لا دلالة فيه على استحباب الوضوء لذلك بل مفاده انه ينبغي ان تطلب إذا كان الإنسان على وضوء لأمر شرع له الوضوء كالصلاة و نحوها، فيه ان الظاهر من مثل هذه العبارة طلب الوضوء لها كمالا يخفى على من لاحظ أخبار التحنك و نحوها، فتأمل، و لا تغفل عن هذه المناقشة و جوابها. فإنها جارية في كثير مما ستسمع. كما ان المناقشة بأن الموجود في الخبر الوضوء و هو أعم من الطهارة ضرورة صدقه على الصوري يدفعها ظهور ارادتها منه في كل مقام أمر به، لا ما جامع الحدث كما يشعر به مقابلتها به فيما ستسمع في صلاة الجنازة، مضافا الى

قوله (عليه السلام)(2): «لا ينقض الوضوء إلا حدث»

و نحوه.

(و على الرابع) مع مناسبة التعظيم ما في

خبر إبراهيم بن عبد الحميد(3): «لا تمسه على غير طهر و لا جنبا و لا تمس خيطه و لا تعلقه».

و عن بعض النسخ لا تمس خطه. و احتمال المناقشة في هذه الرواية بدلالتها على كراهية التعليق و نحوه دون ما نحن فيه من استحباب الوضوء، مدفوعة بتبادر الأمر بالوضوء لذلك من أمثال هذه العبارة.

(و على الخامس)

قول الصادق (عليه السلام)(4) في خبر معاوية بن عمار:

«و لا بأس أن تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة،


1- المروي في الوسائل في الباب- 6- من أبواب الوضوء حديث 1.
2- المروي في الوسائل في الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء حديث 4.
3- المروي في الوسائل في الباب- 12- من أبواب الوضوء حديث 3.
4- المروي في الوسائل في الباب- 5- من أبواب الوضوء حديث 1.

ج 1، ص: 14

و الوضوء أفضل».

و في كشف اللثام،: انه ورد في خصوص السعي و الوقوف و الرمي اخبار. و لعل التعبير بالمناسك كما وقع لبعضهم لهذه الرواية، لأن فيها المناسك.

و ربما أشعر التعليل بجزئية الصلاة في الطواف كي يصح تعليل اعتبار الوضوء فيه بذلك، بعد ظهور ارادة ما كان بعض أفعال الحج بقرينة ذكر النسك، اما الطواف المندوب ابتداء الذي قد ذكرنا اعتبار الوضوء في كماله لا صحته فلعل الصلاة غير معتبرة فيه و انما هي مستحبة فيه و لذا كان الوضوء فيه كذلك. بل قد يستشعر من هذا الخبر ان أصل

المرسل المشهور (في الطواف بالبيت صلاة)(1)

إلا انه أسقط من اوله لفظ (في) فظن انه من التشبيه و لا ينافي ذلك استفادة اعتبار بعض شرائط الصلاة لأن التعليل كاف فيه كالوضوء.

(و على السادس)

ما رواه (2)عبد الحميد بن سعيد قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الجنازة تخرج و لست على وضوء فان ذهبت أتوضأ. فاتتني أ يجزيني أن أصلي عليها و أنا على غير وضوء؟ قال: تكون على طهر أحب الي»

كأن المراد بيان أفضلية الصلاة بطهر عليها مع عدمه، و إلا فلا ريب في أولوية الصلاة بدونه على عدمها كما فرضه السائل، أو يكون المراد أن الكون على طهر أولى من الصلاة على الجنازة بغير طهر.


1- المروي في مستدرك الحاكم ج 1 ص 459 و في سنن البيهقي ج 5 ص 87 و الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 56 و كنز العمال ج 3 ص 10 رقم 206 عن الطبراني و حلية الأولياء و سنن البيهقي و مستدرك عن ابن عباس قال رسول الله ص الطواف بالبيت صلاة و لكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير و الحديث عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب و انه كان يختلط اختلاطا شديدا و قال ابن معين عطاء بن السائب اختلط و قال شعبة حدثنا عطاء بن السائب و كان نسيا و كتب عن عبيدة ثلاثين حديثا و لم يسمع من عبيدة فلا يحتج بحديثه تهذيب التهذيب لابن حجر ج 7 ص 204.
2- المروية في الوسائل في الباب- 14- من أبواب صلاة الجنائز حديث 2.

ج 1، ص: 15

(و على السابع) انه افتى به جماعة، و لعله يكتفى به في المستحب. مع ما نقل عن الدلائل من ان في الخبر تقييدها بالمؤمنين. فهذا المرسل مع احتمال كونه غير المرسلين المتقدمين في الذكرى و المدارك كافية في ثبوته. و في كشف اللثام: اني لم أعثر على نص بخصوصه. هذا كله في غير زيارة قبور أئمة المسلمين الذين زيارتهم زيارة الله تعالى شأنه، فإن النصوص الواردة في الطهارة لزيارتهم بل الغسل أكثر من أن تحصى، كمالا يخفى على من لا حظ الكتب المؤلفة في ذلك و الله اعلم.

(و على الثامن) مع التعظيم، ما روي (1)عن الخصال قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر»

و ما عن قرب الاسناد عن محمد بن الفضيل(2) قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) اقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم و أبول و استنجى و اغسل يدي و أعود إلى المصحف و اقرأ فيه، قال: لا، حتى تتوضأ للصلاة»

و الظاهر ان مراده مثل الوضوء للصلاة.

و في كشف اللثام(3)» ل

قول الصادق (عليه السلام) فيما وجدته مرسلا عنه: «لقارئ القرآن بكل حرف يقرأ في الصلاة قائما مائة حسنة و قاعدا خمسون حسنة و متطهرا في غير الصلاة خمس و عشرون و غير متطهر عشر حسنات»

و أرسل نحوه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)» انتهى. و احتمل الأستاد في كشف الغطاء انه تختلف مراتب الفضل بتفاوت فضل المفروء و قلته و كثرته. و فيه ما لا يخفى.


1- المروية في الوسائل في الباب- 14- من أبواب قراءة القرآن حديث 2 من كتاب الصلاة.
2- المروية في الوسائل في الباب- 14- من أبواب قراءة القرآن حديث 1 من كتاب الصلاة.
3- المروية في الوسائل في الباب- 14- من أبواب قراءة القرآن حديث 3 من كتاب الصلاة.

ج 1، ص: 16

(و على التاسع) ما رواه

الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) «سئل عن الرجل أ ينبغي له ان ينام و هو جنب؟ فقال: يكره ذلك حتى يتوضأ»

و عن الغنية و المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، و في المعتبر يكره للجنب ذلك عليه علماؤنا. و لا يخفى انه ليس الاستحباب هنا مبنيا على ان ترك المكروه مستحب، بل اما لانه في خصوص المقام، أو لقوله (حتى يتوضأ). و

في الموثق (2)- على ما قيل-: «عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال: إن أحب أن يتوضأ فليفعل و الغسل أحب الي و أفضل من ذلك».

و احتمال القول بالجريان في كل محدث بالحدث الأكبر ضعيف، كضعف الاستدلال له بما دل على استحباب التطهر لمن أراد النوم الشامل للمقام، إذ هو مع الغض عما فيه لم يفد الاستحباب الخصوصي للجنب.

(و على العاشر) مع انه نقل الفتوى به عن جمع من الأصحاب كالنهاية و المهذب و الوسيلة و الجامع و الشرائع و النافع و النزهة و كتاب الأشباه و النظائر و غيرها و المرسلين السابقين في الذكرى و المدارك. قد يستدل عليه ب ما ورد(3) من الأمر بالوضوء للمجامع ان أراد المعاودة.

(و على الحادي عشر و الثاني عشر) ما رواه (4)

شهاب بن عبد ربه قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنب أ يغسل الميت؟ و من غسل الميت أ يأتي اهله ثم يغتسل؟ فقال: هما سواء لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه و توضأ و غسل الميت و هو جنب، و ان غسل ميتا توضأ ثم اتى أهله، و يجزيه غسل واحد لهما»

و في كشف


1- المروية في الوسائل في الباب- 25- من أبواب الجنابة حديث 1.
2- المروية في الوسائل في الباب- 25- من أبواب الجنابة حديث 5.
3- المروية في الوسائل في الباب- 13- من أبواب الوضوء حديث 2.
4- المروية في الوسائل في الباب- 34- من أبواب غسل الميت حديث 1.

ج 1، ص: 17

اللثام: و نحو ذلك عن الرضا (عليه السلام) و الظاهر ان السؤال فيها وقع عن أمرين عن تغسيل الجنب الميت و عن جماع الغاسل و ليس بجنب، و جواب الامام (عليه السلام) على ذلك فان كان تقييد صاحب المدارك جماع الغاسل بالجنب لهذه الرواية ففيه ما فيه و ان كان لغيره فهو أدرى.

(و على الثالث عشر) الأخبار الكثيرة المتضمنة للفظ (عليها) و للأمر، و لذلك نقل عن علي بن بابويه القول بالوجوب، لكنه ضعيف للأصل، مع عموم البلوى به، المؤيد بالشهرة العظيمة، و لما في بعض الأخبار من لفظ ينبغي، و عن كتاب

دعائم الإسلام (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال: «إنا نأمر نساءنا الحيض ان يتوضأن عند وقت كل صلاة فيسبغن الوضوء و يحتشين بخرق ثم يستقبلن القبلة، الى ان قال: فقيل لأبي جعفر (عليه السلام): ان المغيرة زعم انك قلت يقضين، فقال:

كذب المغيرة ما صلت امرأة من نساء رسول الله (صلى الله عليه و آله) و لا من نسائنا و هي حائض، و انما يؤمرن بذكر الله كما ذكرت ترغيبا في الفضل و استحبابا»

هذا مع عدم صراحة كلامه في الخلاف إذ قد يحمل لفظ الوجوب على الثبوت كما وقع مثل ذلك في عبارته على ما قيل. و تمام الكلام فيه في الحيض ان شاء الله تعالى.

(و على الرابع عشر) مضافا الى إمكان تعليله باستحباب الصلاة في أول الوقت، و لا يمكن إلا بتقديمه، ما رواه في الحدائق (2)عن الشهيد في الذكرى من

قولهم عليهم السلام: «ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل الوقت»

و عن النهاية انه قال: للخبر. هذا مع انه نقل انه افتى به في الوسيلة و الجامع و النزهة و الدروس و البيان و النفلية و المنتهى و نهاية الاحكام و الدلائل، و قد تقدم ما في الذكرى، و كأنه


1- المروي في المستدرك في الباب- 29- من أبواب الحيض حديث 3 بأدنى تغيير.
2- المروي في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الوضوء حديث 5.

ج 1، ص: 18

مستغن عن الدليل لان المعروف من السلف التأهب للفريضة و المحافظة على نوافل الزوال و الفجر. فما في كشف اللثام ان الخبر لم أعثر عليه، و أما الاعتبار فلا ارى الوضوء المقدم إلا ما يفعل للكون على الطهارة، و لا معنى للتأهب للفرض إلا ذلك. غير واضح. و الفرق بينه و بين الكون على الطهارة في غاية الوضوح.

(و على الخامس عشر) مضافا الى نفي الخلاف عنه في كشف اللثام، الأخبار الكثيرة منها(1)

«الوضوء على الوضوء نور على نور»

و قضية إطلاقها عدم اشتراط فصل فعلي كصلاة و نحوها، و لا زماني في مشروعيته كما ان قضيتها استحبابه لنفسه لا مشروطا بصلاة من فرض أو نفل. فما عن بعضهم من التقييد به كما عن آخر التفصيل بين من يحتمل صدور الحدث منه فلا يشترط فيه و بين غيره فيشترط ضعيف. نعم لا استبعد تأكده للصلاة لا سيما الغداة و المغرب و العشاء. و عن بعضهم استحبابه لسجود التلاوة و الشكر و احتمل ذلك في الطواف و لم يثبت الجميع. و هل يجري التجديد في غير الوضوء من الأغسال أو المختلفين؟ وجهان أقواهما العدم لظاهر الفتوى، و ربما احتمل ل

قوله (عليه السلام)(2)«الطهر على الطهر»

و منه ينقدح الاستحباب في المتخالفين.

(و على السادس عشر)

قوله (صلى الله عليه و آله)(3)«يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك، و ان استطعت ان تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل فإنك تكون إذا مت على طهارة شهيدا»

و عن الإرشاد للديلمي(4) عنه (صلى الله عليه و آله): «يقول الله تعالى من أحدث و لم يتوضأ فقد جفاني»

و عن

نوادر الراوندي(5) عن أمير المؤمنين


1- المروي في الوسائل في الباب- 8- من أبواب الوضوء حديث 7.
2- المروي في الوسائل في الباب- 8- من أبواب الوضوء حديث 3.
3- المروي في الوسائل في الباب- 11- من أبواب الوضوء حديث 3.
4- المروي في الوسائل في الباب- 11- من أبواب الوضوء حديث 2.
5- المروي في البحار في المجلد- 18- في باب إسباغ الوضوء.

ج 1، ص: 19

عليه السلام: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله إذا بالوا توضؤا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة».

و (منها)- جماع الحامل لما أرسله في المدارك، و ل

قول النبي (صلى الله عليه و آله) في وصيته (1) لعلي (عليه السلام) «يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا و أنت على وضوء فإنه ان قضي بينكما ولد يكون اعمى القلب بخيل اليد».

و (منها)- أكل الجنب بل و شربه ل

رواية الحلبي (2)«انه إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ»

و

قوله (عليه السلام) بعد أن سأله عبد الرحمن (3) أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال: «انا لنكسل و لكن يغسل يده و الوضوء أفضل»

و عن بعضهم حمل الوضوء في هذه الاخبار على غسل اليد. و الوجه كما ورد(4)

في بعض الاخبار: «الجنب إذا أراد ان يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض و غسل وجهه»

و استقربه آخر لكثرته في الاخبار، و لا يبعد التخيير بينهما أو حمل هذه على تكملة الوضوء. و يأتي تمام الكلام في باب الجنابة ان شاء الله.

(و منها)- دخول المساجد لما أرسله في المدارك أيضا، و ل

رواية مرازم بن حكيم(5) المروية عن كتاب مجالس الصدوق عن الصادق (عليه السلام) انه قال: «عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، و من أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه


1- المروي في الوسائل في الباب- 13- من أبواب الوضوء حديث 1.
2- المروي في الوسائل في الباب- 20- من أبواب الجنابة حديث 4.
3- المروي في الوسائل في الباب- 20- من أبواب الجنابة حديث 6 و في الوافي« و يشبه ان يكون مما صحف و كان انا لنغتسل».
4- المروي في الوسائل في الباب- 20- من أبواب الجنابة حديث 1.
5- المروي في الوسائل في الباب- 10- من أبواب الوضوء حديث 20.

ج 1، ص: 20

و كتب من زواره»

و

للمرسل الآخر(1) «ان في التوراة مكتوبا ان بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زراني في بيتي»

الحديث. و ربما استدل عليه ب

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(2): «من أحسن الطهور ثم مشى الى المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث».

و قد يتأكد الاستحباب إذا أراد الجلوس فيه، ل

مرسلة العلاء ابن الفضيل (3)عمن رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد ان تجلس فلا تدخله إلا طاهرا».

و الوهن في الدلالة مجبور بفتوى كثير من الأصحاب كما عن الوسيلة و النزهة و الجامع و النهاية و الإرشاد و المنتهى و السرائر و البيان و المفاتيح و غيرهن و به صرح في كشف الغطاء و الحدائق و كشف اللثام و شرح شيخنا للقواعد و عن ابن حمزة إلحاق كل موضع شريف. و في كشف الغطاء: «و يقوى القول برجحانه للدخول في كل مكان شريف على اختلاف المراتب بقصد تعظيم الشعائر من قباب الشهداء و محال العلماء و الصلحاء من الأموات و الاحياء».

و (منها)- النوم ل

قوله (عليه السلام)(4): «من تطهر ثم آوى الى فراشه بات و فراشه كمسجده»

و عن الشهيد احتمال إرجاعه إلى الكون على الطهارة و الظاهر خلافه و لا مانع من كون الحدث غاية للوضوء للرواية و عن جماعة الفتوى به.

و (منها)- للمجامع إذا أراد أن يجامع مرة أخرى قبل الغسل لتلك الموطوءة أو غيرها ل

قول الصادق (عليه السلام)(5) في مرسل ابن أبي نجران «إذا اتى الرجل جاريته


1- المروي في الوسائل في الباب- 9- من أبواب الوضوء حديث 4 و أبواب أحكام المساجد باب 39 حديث 1 من كتاب الصلاة.
2- المروي في البحار في المجلد 18 في باب علل الوضوء.
3- المروية في الوسائل في الباب- 39- من أبواب أحكام المساجد حديث 2 من كتاب الصلاة.
4- المروي في الوسائل في الباب- 9- من أبواب الوضوء حديث 1.
5- المروي في الوسائل في الباب- 154- من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث 1.

ج 1، ص: 21

ثم أراد ان يأتي الأخرى توضأ»

و

قول الرضا (عليه السلام)(1) في خبر الوشاء «كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا جامع و أراد ان يجامع مرة أخرى توضأ و إذا أراد أيضا توضأ»

و (منها)- كتابة القرآن ل

خبر علي بن جعفر(2) سأل أخاه (عليه السلام) «أ يحل ان يكتب القرآن في الألواح و الصحف و هو على غير الوضوء؟ قال: لا».

و (منها)- القدوم من سفر ل

قوله (عليه السلام)(3): «من قدم من سفره فدخل على أهله و هو على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه».

و (منها)- للزوجين ليلة الزفاف ل

قول أبي جعفر (عليه السلام)(4) في خبر أبي بصير «إذا دخلت عليك ان شاء الله فمرهم قبل ان تصل إليك ان تكون متوضئة ثم لا تصل إليها حتى تتوضأ قبل».

و (منها)- جلوس القاضي في مجلس القضاء كما عن النزهة و لم نقف له على دليل بالخصوص كما اعترف به كاشف اللثام و الحدائق لكنه ذكره بعض الفقهاء و يحتمل ان يلحق به كل مجلس انعقد لطاعة الله كمجلس الدرس و الوعظ و غيرهما لكن قد عرفت ان الملحق به غير ثابت.

و (منها)- إدخال الميت القبر ل

قول الصادق (عليه السلام)(5) في خبر عبيد الله الحلبي و محمد بن مسلم «توضأ إذا أدخلت الميت القبر»

و قيل (و منها) تكفينه إذا أراد من يغسله ان يكفنه و يأتي ان شاء الله الاستدلال عليه و قيل (و منها) قبل غسل الجنابة


1- المروي في الوسائل في الباب- 13- من أبواب الوضوء حديث 2 و في الوسائل إذا جامع و أراد ان يعاود توضأ وضوء الصلاة و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة.
2- المروي في الوسائل في الباب- 12- من أبواب الوضوء حديث 4.
3- المروي في المستمسك عن المقنع في الوضوءات المستحبة.
4- المروي في الوسائل في الباب- 55- من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث 1.
5- المروي في الوسائل في الباب- 53- من أبواب الدفن حديث 1.

ج 1، ص: 22

عند الشيخ في كتابي الأخبار لأن

أبا بكر الحضرمي(1) سأل أبا جعفر (عليه السلام) «كيف يصنع إذا أجنب؟ فقال: اغسل كفك و فرجك و توضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل»

و احتمل كاشف اللثام تنزيله على إرادة السائل كيف يصنع إذا أجنب و أراد النوم فقال له افعل ذلك (و منها) وضوء الميت مضافا الى غسله و يأتي دليله ان شاء الله تعالى. هذا كله فيما يستحب الوضوء له،

بقي الكلام. (فيما يستحب الوضوء منه)

و هو أمور: (الأول) الضحك في الصلاة، ل

خبر زرعة(2)عن سماعة سأله «عما ينقض الوضوء؟ فقال: الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه، و القرقرة في الأثناء تصبر عليها و الضحك في الصلاة و القي»

و في المدارك: «القهقهة في الصلاة عمدا». و لم أقف له على نص في ذلك، و عن ابن الجنيد: «ان من قهقه في صلاته متعمدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته و أعاد وضوءه»: كالمنقول عن أبي حنيفة من ان القهقهة في كل صلاة ذات ركوع و سجود توجب الوضوء، إلا انه لم يقيد كما قيد. و على كل حال فالإجماع منعقد على خلاف ابن الجنيد، و ستسمع ان شاء الله فيما يأتي الأخبار الحاصرة للاحداث التي توجب الوضوء، و هذا ليس منها، و لعل عبارته محمولة على الإعادة استحبابا.

(و الثاني و الثالث و الرابع) الكذب و الظلم و الإكثار من إنشاد الشعر الباطل، ل

خبر زرعة(3)عن سماعة «عن نشيد الشعر هل ينقض الوضوء أو ظلم الرجل صاحبه


1- 1 المروية في الوسائل في الباب- 34- من أبواب الجنابة حديث 6 بأدنى تغيير.
2- 2 المروي في الوسائل في الباب- 6- من أبواب نواقص الوضوء حديث 1 و في الوسائل القرقرة في البطن إلا شيئا تصبر عليه.
3- المروي في الوسائل في الباب- 8- من أبواب نواقض الوضوء حديث 2.

ج 1، ص: 23

أو الكذب؟ فقال: نعم إلا ان يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الشعر الأبيات الثلاثة أو الأربعة فاما ان يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء»

و قيد في المدارك إنشاد الشعر الباطل بما زاد على أربعة أبيات. و لعله لما سمعت من الخبر.

و قد يراد به التمثيل، و الإنشاء أقوى من الإنشاد، و تكرير البيت و البيتين لا يوصفهما بالكثرة. و لو انشد ثم حذف منه بحيث أفسد شعريته احتمل خروجه عن الحكم، و لعل الاولى خلافه، و لا دخل للاتصال و الانفصال فلو قرأ في أوقات متعددة بحيث يكون مجموعها كثرة ترتب الحكم.

(الخامس) خروج الودي بالمهملة بعد خروج البول و الاستبراء منه، ل

قول الصادق (عليه السلام)(1) في خبر ابن سنان: «و الودي فمنه الوضوء لانه يخرج من دريرة البول»

و ربما حملت على ما إذا لم يستبرئ من البول لأنه حينئذ لا ينفك من ممازجة اجزاء. منه و الاولى خلافه لانه لا يعرف كونه وديا إلا بعد الاستبراء و إلا لكان من البلل المشتبه و هو محكوم عليه بالبولية، و إلا لو فرض انه يعلم كون الخارج وديا لم يكن عليه وضوء و ان لم يستبرئ، فتأمل. و يمكن حمل الرواية على التقية، لأنه مذهب الجمهور كما نقل في المعتبر.

و هنا (فائدة نافعة) في المقام و غيره، و هي قد ذكر بعض مشايخنا: أن الخبر إذا علم خروجه مخرج التقية في وجوب أو تحريم يحكم من جهته بالاستحباب أو الكراهة. و ربما يكون الذي دعاه الى ذلك حكم الأصحاب بالاستحباب في كثير من هذه المقامات مع كون اخبارها موافقة للعامة. و قد يناقش فيه بان حمل الأمر على التقية يقتضي البقاء على الحقيقة و استعماله في الندب يقتضي المجاز، و احتمال ان يقال إنا نستفيد منه حكم الندب من دون استعمال اللفظ فيه كما ترى، كالقول بان الأمر


1- المروي في الوسائل في الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء حديث 14.

ج 1، ص: 24

الخارج أفاد شيئين الأول الوجوب و الثاني الرجحان و كون الأول للتقية لا يصير الثاني كذلك، نعم لو لم يعلم خروجه مخرج التقية لكنه قابل للحمل عليها و على الاستحباب بعد ان علم عدم ارادة ظاهره احتمل ترجيح التقية، لأنها أقرب الاحتمالات بالنسبة إلى أخبارهم عليهم السلام، مع كونه فيه إبقاء للأمر على حقيقته، و احتمل ترجيح الندب لانه المجاز الشائع حتى قيل انه مساو للحقيقة. مضافا الى أصالة عدم وجود سبب التقية، و للفهم العرفي بعد تأليف الخبرين مثلا و القطع ببقاء الأول على حقيقته، فإنه إذا قال لا ينقض الوضوء إلا هذه الأشياء المخصوصة، و ليس الودي منها، ثم قال توضأ من الودي، و كنا قاطعين ببقاء الأول على حقيقته و عدم العلم بوجود سبب التقية، ينصرف الذهن إلى إرادة حمل الأمر على الندب، و لعله لذا حكم بعض الأصحاب بالندب، و ان وافق الخبر العامة، لأنه لا يعلم بذلك انه خرج لها، فحمله على الندب حينئذ أولى فتأمل جيدا.

(السادس) المذي، و قيل بناقضيته، و الصحيح العدم و تحمل الأخبار المعارضة على الندب أو التقية كما سيأتي ان شاء الله.

(السابع و الثامن و التاسع) الرعاف و القي و التخليل يسيل الدم، و في المدارك تقييدهما بما إذا كرههما الطبع،

قال الصادق عليه السلام (1) في خبر أبي عبيدة:

«الرعاف و القي و التخليل يسيل الدم، إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء»

و لعله لذلك قيده في المدارك بما سمعت. و تحتمل الرواية ان تكون ردا على القائلين بالنقض فيكون المعنى انه لا ينقض الوضوء إلا إذا استكرهت، كناية عن الأحداث.

(العاشر و الحادي عشر) مس باطن الدبر أو باطن الإحليل ل

خبر عمار(2): «من


1- 1 المروي في الوسائل في الباب- 6- من أبواب نواقض الوضوء حديث 12.
2- 2 المروي في الوسائل في الباب- 9- من أبواب نواقض الوضوء حديث 10.

ج 1، ص: 25

مس باطن دبره أو باطن إحليله أعاد الوضوء».

(الثاني عشر) نسيان الاستنجاء قبل الوضوء ل

قول أبي جعفر (عليه السلام)(1) في خبر سليمان بن خالد: فيمن توضأ و نسي غسل ذكره «ثم يعيد الوضوء».

(و الثالث عشر و الرابع عشر) التقبيل بشهوة أو مس الفرج كما في المدارك و عن النفلية و التهذيب و الاستبصار في وجه، ل

قول الصادق (عليه السلام)(2): «إذا قبل الرجل المرأة بشهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء»

و لعل الاستحباب في هذه الأمور و ما شابهها إنما هو تأكد استحباب التجديد.

(الخامس عشر) قبل الأغسال المسنونة كما عن الكافي و البيان و النفلية ل

قول الصادق (عليه السلام)(3): «كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة»

و فيه المناقشة السابقة.

(السادس عشر) قبل الأكل و بعده كما عن النزهة، قيل للأخبار، و ألفاظ الشارع تحمل على الحقائق الشرعية فلا معنى لحمل الوضوء فيها على غسل اليد.

(السابع عشر) بعد الاستنجاء بالماء للمتوضئ قبله و ان كان قد استجمر كما في المدارك و عن النفلية و البيان، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(4) «في الرجل ينسي غسل دبره بالماء حتى صلى إلا انه قد تمسح بثلاثة أحجار، ان كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة و ليعد الوضوء و ان كان قد خرجت تلك الصلاة التي


1- 1 المروي في الوسائل في الباب- 18- من أبواب نواقض الوضوء حديث 9 راجع الوسائل.
2- 2 المروي في الوسائل في الباب- 9- من أبواب نواقض الوضوء حديث 9.
3- 3 المروي في الوسائل في الباب- 35- من أبواب الجنابة حديث 1.
4- المروي في الوسائل في الباب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث 1 بأدنى تغيير.

ج 1، ص: 26

صلى فقد جازت صلاته و ليتوضأ لما يستقبل من الصلاة».

(الثامن عشر) الغضب، لما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1): «إذا غضب أحدكم فليتوضأ».

و الظاهر عدم استحباب الوضوء بأكل ما مسته النار، أو لمس النساء، أو أكل لحم الجزور، أو قص الشارب، أو تقليم الأظفار، أو نتف الإبط، أو الاحتجام، أو مس كلب، أو مصافحة مجوسي، و الأمر بالوضوء في الأخيرين(2) محمول على التنظيف- و لا من الردة، و لا من الدم السائل من أحد السبيلين إذا لم يستصحب حدثا، و لا من المضاجعة، لأن كثيرا من هذه الأشياء ذهب اليه بعض العامة. و ربما نقل عن بعض الأصحاب كابن الجنيد و الصدوق، و لكن بعض منها فاقد للدليل، و البعض الآخر متروك العمل به و لو على جهة الاستحباب بين الأصحاب، و إنا و ان تسامحنا في أدلة السنن لكن لا الى هذا المقدار.

و يأتي ان شاء الله تعالى تحقيق مسألة التسامح في أدلة السنن، و كثير من الأحكام المتقدمة مبنية عليها، و العمدة فيها

نصوص(3)«من بلغه ثواب على عمل أوتيه و ان لم يكن كما بلغه»

و فيها الصحيح و غيره و هي متقاربة المضمون، لا ما ذكره بعضهم من الاحتياط و الرجحان العقلي و نحوهما مما لا يصلح مدركا لذلك، بل النصوص المزبورة لولا الانجبار بالشهرة لا تدل على ذلك بحيث تكون مخصصة لما دل على اعتبار العدالة في حجية خبر الواحد، على ان التعارض من وجه، بل لا تخلو نفس الدلالة على ذلك من اشكال من وجوه، فتأمل جيدا.

(فائدتان)
(الأولى)

انه لا بأس بجمع غايات متعددة في وضوء، و ليس ذلك من التداخل


1- 1 المروية في المستدرك في الباب- 47- من أبواب الوضوء حديث 1.
2- 2 المروي في الوسائل في الباب- 11- من أبواب نواقض الوضوء حديث 4 و 5.
3- 3 المروي في الوسائل في الباب- 18- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 1، ص: 27

في شي ء لعدم تعدد المأمور به، إذ رفع الحدث غير قابل للتعدد في زمان واحد. و لا يشترط في هذا الجمع ان يلاحظ علية كل غاية، بل يكفي و لو كان المجموع علة، بل لو ضم و كان المقصود غيره اكتفي به بمعنى حصول الثواب له بمجرد ذلك، و ان لم يوقع فعل الغاية بعده، على اشكال في الأخير، نعم لا إشكال في حصول ثواب فعل الغاية لو فعلت معه، بل و ان لم تكن ملاحظة، فضلا عن ان تكون كذلك، تبعا لكون المدار فيه على إيقاع الفعل حال الطهارة.

(الثانية)

ان الوضوء المستحب الذي لم يجامع الحدث الأكبر و كان المقصود به ما لا يشترط فيه الطهارة كدخول المساجد و قراءة القرآن أو الكون على الطهارة قد ذكر في الذخيرة أن فيه أقوالا ستة: (الأول) صحة الوضوء مطلقا و رفع الحدث و يجوز الدخول به في الفريضة، و نسب الى المحقق في المعتبر الميل اليه، بل عن بعض المتأخرين انه الظاهر من مذهب الأصحاب كما عن آخر دعوى الإجماع عليه (الثاني) عدم ارتفاع الحدث به مطلقا كما عن الشيخ في جواب المسائل الحلبيات (الثالث) صحة الوضوء مطلقا و يجوز الدخول به في الفريضة إلا إذا نوى وضوء مطلقا كما عن المنتهى.

(الرابع) صحته بالمعنى المذكور ان نوى ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث كقراءة القرآن و عدمها ان نوى ما يستحب لا للحدث كتجديد الوضوء كما عن التذكرة (الخامس) عدم الصحة ان كان الاستحباب لا باعتبار الحدث كتجديد الوضوء و كذا ان كان باعتباره لكن لم يقصد الكمال و صحته ان قصد كما عن العلامة في النهاية (السادس) الصحة ان قصد إيقاع ما الطهارة مكملة له، و كذا ان قصد الكون على الطهارة و عدم الصحة في غير الصورتين كما عن الشهيد في الذكرى، و عنه انه قال:

«و في نية الوضوء للنوم نظر لانه نوى وضوء الحدث».

(قلت): هذا الكلام كغيره من كلام بعض الأصحاب لا يخلو من إجمال، و تحرير البحث ان يقال ان في المقام مسألتين (الأولى) اشتراط صحة الوضوء بنية رفع الحدث خاصة

ج 1، ص: 28

أو به أو بينة ما هو شرط في صحته، كالصلاة، أو بهما، أو بما هو شرط في كماله كقراءة القرآن و دخول المساجد و نحو ذلك، و عدم اشتراط ذلك كما هو الأقوى على ما سيأتي ان شاء الله في النية (الثانية) ان الوضوء المندوب بعد انعقاده صحيحا باستجماعه للشرائط هل يرفع الحدث و يدخل به في الفريضة أولا؟ فنقول لا اشكال بل لا خلاف في صحة الدخول في الفريضة بما كان من الوضوء المندوب لصلاة نافلة و نحوها مما يشترط في صحته رفع الحدث و ان لم تكن الغاية واجبة، و أما ما لم يكن كذلك كدخول المساجد و قراءة القرآن مما لا يشترط في صحته الوضوء فالظاهر انه كذلك أيضا، إذ عدم جواز الدخول به في الفريضة اما لكون مثل هذه الوضوءات كالأغسال المندوبة لا ترفع حدثا و الفرض ان رفعه شرط في صحتها، و اما لان الصلاة مشروطة بالوضوء و ان كان الشخص مرفوع الحدث، لقوله تعالى «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا»(1)و اما لان الوضوء فيها إنما يرفع حكم الحدث بالنسبة لتلك الغاية دون غيرها كالصلاة و نحوها. و الكل كما ترى، أما الأول فهو مع منافاته لإطلاق لفظ الطهارة على كثير منها التي قد عرفت انها حقيقة في الرافع للحدث، و للمقطوع به على الظاهر من ملاحظة الأدلة- يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، كالثاني لتخصيص الآية بالمحدثين منقولا عليه الإجماع من المفسرين (عليه) بل

في المعتبرة(2) أن المراد «إذا قمتم من النوم».

و نحوهما الثالث لاتحاد حكم الحدث بالنسبة الى جميع آثاره، إذ لم نعهد شخصا متطهرا من الحدث للمسجد غير متطهر بالنسبة إلى غيره. و ذلك كله واضح، و في السرائر دعوى الإجماع على جواز الدخول في الفريضة، قال فيها: «و يجوز ان يؤدي بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة بدليل الإجماع من أصحابنا». و في التذكرة: «يجوز ان يصلي بوضوء واحد جميع الصلوات فرائضها و سننها ما لم يحدث سواء كان الوضوء فرضا أو نفلا سواء توضأ


1- 1 سورة المائدة آية 8.
2- 2 المروية في الوسائل في الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء حديث 7.

ج 1، ص: 29

لنافلة أو فريضة قبل الوقت أو بعده مع ارتفاع الحدث بلا خلاف، أما مع بقاء الحدث فقولان سيأتي تحقيقهما» انتهى قلت: نعم قد يقع الإشكال في مثل الوضوءات المندوبة التي لم تكن مشروعة لرفع الحدث كوضوء التجديد و المجامع للأكبر و الذي هو لأحد الأسباب المتقدمة من القي و الرعاف و نحو ذلك لو صادفت حدثا، كما لو ظهر فساد الوضوء الأول أو عدم وجود حدث أكبر. و لعل الأقوى فيها جميعها ذلك أيضا على اشكال في الأخيرين سيما في أولهما، و ذلك لما ستعرف ان شاء الله تعالى من ان المستفاد من الأدلة كون الوضوء من باب الأسباب، و ان رفع الحدث انما هو من الآثار المترتبة عليه التي لا مدخلية لنية المكلف فيها، مع ما يستفاد من ان مشروعية التجديد إنما هو لتلافي خلل الأول. و قد يستدل عليه مضافا الى ذلك ب

قوله (عليه السلام)(1): «لا ينقض الوضوء إلا حدث»

و

قوله (عليه السلام)(2): «إذا استيقنت أنك توضأت فإياك أن تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن أنك أحدثت»

و نحوهما، لظهورهما في كون الوضوء و الحدث متعاقبين لا يمكن حصول أحدهما مع الآخر إلا بالدليل و لان حصر الناقض له في الحدث كالصريح بكونه رافعا لما يرد عليه منه.

و قد يفرق بين التجديدي و غيره من المجامع للأكبر بكون مشروعية الأول لتلافي الطهارة الأولى دون الثاني و الأقوى ما ذكرنا، فتأمل.

[في الواجب من الغسل]

و الواجب من الغسل من غير إشكال في الذي سببه جنابة ما كان لأحد الأمور الثلاثة المتقدمة على قياس الوضوء، أو لدخول المساجد أو لقراءة شي ء من سور العزائم إن وجبا


1- 1 المروي في الوسائل في الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء حديث 4.
2- 2 المروي في الوسائل في الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث 7 مع التغيير في اللفظ.

ج 1، ص: 30

كما سيظهر لك في باب غسل الجنابة، و مثله في ذلك بالنسبة إلى الخمسة أيضا غسل الحيض و النفاس، بل هو إجماعي في الثلاثة الأول، و لا اعرف فيه خلافا في الاثنين أيضا، كما يشعر بنفيه عنه المحكي عن الروض و المسالك، حيث جعل ما يحرم على الحائض أقسام ثلاثة منها ما غايته النقاء دون الغسل كالطلاق، و منه ما غايته الغسل دون النقاء، و ذكر الخمسة، و منه ما هو مختلف فيه كالصوم. قيل و كذا كلام العلامة في نهاية الاحكام يشعر بذلك أيضا. و عن الجامعية الإجماع على الوجوب للمساجد و قراءة العزائم، لكن في المدارك عن بعض أنه قوى عدم وجوب الغسل لهما، و اكتفى في الجواز بانقطاع الدم لعدم التسمية بعده عرفا و لغة أيضا، و ان قلنا أن المشتق لا يشترط في صدقه بقاء أصله كما في مثل المؤمن و الكافر و الحلو و الحامض كما قرر في محله، قال: و ما ذكره غير بعيد غير ان المشهور أقرب. قلت: و يدل على المختار مضافا الى ما سمعت و الى استصحاب المنع الثابت قبل انقطاع الدم ان الظاهر كون المنشأ هو الحدث، كما يشعر به الجمع بين الحائض و الجنب في الحكم، و اطراد المنع في النقاء المتخلل، و عدم قصور حدث الحيض عن الجنابة ان لم يكن أشد منه.

و إطلاق اسم الحائض باعتبار الحدث كثير شائع، و منه قولهم: يجب على الحائض الغسل و يجوز وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغسل و نحو ذلك. و المراد بالحائض هنا هذا المعنى لا ذات الدم. و القول في النفساء كما في الحائض

حرفا بحرف، مع نقل الاتفاق على تساويهما في الاحكام. و اما المستحاضة فلا نزاع في وجوب الغسل فيها للصلاة و الطواف، و كذا مس كتابة القرآن لحرمته في حال الحدث، مع عدم الإشكال في كون دمها حدثا. و أما دخول المساجد و قراءة العزائم فالظاهر من المصنف (رحمه الله) و غيره ممن عبر كعبارته اشتراطهما أيضا بالغسل، و هو الظاهر من كلمات الأصحاب فيما يأتي في الاستحاضة من تعليقهم صيرورتها بمنزلة الطاهر على فعل ما وجب عليها من الأغسال، و في جملة منها ما يظهر منها انها ان لم تفعل حرم عليها ما كان يحرم

ج 1، ص: 31

على الحائض. و عن حواشي التحرير: و أما حدث الاستحاضة الموجب للغسل فظاهر الأصحاب انه كالحيض. و عن شارح النجاة: الإجماع على تحريم الغايات الخمس على المحدث بالأكبر مطلقا عدا المس و ربما يشعر به أيضا المحكي من عبارة الغنية و المعتبر و التذكرة.

فظهر لك حينئذ انه لا ينبغي الإشكال في ذلك، فما ينقل عن الروض من جواز دخولها المساجد مع أمن التلويث من دون توقف على غسل ضعيف، كالمنقول عن المعالم من جواز قراءة العزائم خاصة من دون غسل، و ما عن ظاهر المجمع من جوازهما معا، لما عرفت و تعرف ان شاء الله فيما يأتي.

و أما غسل المس فلا ينبغي الإشكال في أصل وجوبه على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك، لعدم قدح خلاف المرتضى (رحمه الله) في ذلك، إما لمعلومية نسبه أو لغيره، مع أنا لم نعرف له موافقا قديما و حديثا، و لذا حكى الشيخ في جنائز الخلاف الإجماع، فقال: «دليلنا إجماع الفرقة و من شذ منهم لا يعتد بقوله». قلت: و يدل عليه مضافا الى ذلك الأخبار الكثيرة التي كادت تكون متواترة، بل قيل انها كذلك المشتملة على أنواع الدلالة على المطلوب. و يأتي التعرض لذكرها في محله ان شاء الله، لكن ليس فيها على كثرتها ما يدل على الوجوب الغيري و على شرطية الصلاة أو غيرها عدا

الرضوي (1)«إذا اغتسلت من غسل الميت فتوضأ ثم اغتسل كغسلك من الجنابة، و ان نسيت الغسل فذكرته بعد ما صليت فاغتسل و أعد صلاتك»

و من هنا توقف في المدارك فقال: «لم أقف على ما يدل على ما يقتضي اشتراطه في شي ء من العبادات و لا مانع من ان يكون واجبا لنفسه، كغسل الجمعة و الإحرام عند من أوجبهما. نعم ان ثبت كون المس ناقضا للوضوء اتجه


1- 1 المروي في المستدرك في الباب- 8- من أبواب غسل المس حديث 1.

ج 1، ص: 32

وجوبه للأمور الثلاثة، إلا انه غير واضح» انتهى. و ربما تبعه عليه بعض متأخري المتأخرين، و قد يؤيد بما في

صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام)(1) في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات، قال: «يقدمون رجلا آخر و يعتدون بالركعة و يطرحون الميت خلفهم و يغتسل من مسه»

لإشعاره بإرادة الاغتسال بعد الصلاة، إلا انه مع عدم صراحته بذلك قد يكون المراد منه الندب لعدم وجوب الغسل هنا لكون المس حال الحرارة، كما يقضي به قرب موته منه. و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في ضعفه، بل بحسب الظاهر كأنه خرق للإجماع المركب، لاتفاق القائلين بوجوبه على حدثيته و ناقضيته للطهارة كما حكاه عنهم في المصابيح، ناقلا للتصريح به عن المقنعة و النهاية و الاقتصاد و الجمل و العقود و الكافي و الغنية و الإشارة و الوسيلة و السرائر و المنتهى و الدروس و الذكرى و البيان و الروض و كفاية الطالبين و جامع المقاصد و فوائد الشرائع و منهج السداد و الرسالة الفخرية و غيرها من كتب المتقدمين و المتأخرين، قال: «و هو أمر مقطوع به في كلامهم و لا خلاف فيه إلا ممن نفى وجوب غسل المس» قلت: و يؤيده السيرة المستقرة و العمل المستمر في الأعصار و الأمصار على عدم فعل شي ء مما يشترط بالطهارة كالصلاة و نحوها قبل فعله، و قد نقل عن جماعة التصريح بتوقف الغايات الثلاثة عليه و هي الصلاة و الطواف و مس كتابة القرآن، كما هو ظاهر المصنف و غيره ممن عبر كعبارته، و لعله قضية كلام من صرح

بحدثيته و ناقضيته للطهارة ممن عرفت، لمكان اشتراط هذه الغايات الثلاثة بارتفاع الحدث. و ربما استدل عليه كما في المصابيح و غيرها بعموم

قوله (ع)(2): «في كل غسل وضوء إلا الجنابة»

، مع اتفاق الأصحاب على ذلك إلا من شذ، و لان المس ناقض، و إلا لم يجب به الوضوء


1- 1 المروي في الوسائل في الباب- 43- من أبواب صلاة الجماعة حديث 1.
2- 2 المروي في الوسائل في الباب- 35- من أبواب الجنابة حديث 2.

ج 1، ص: 33

قطعا، فإنه لا يجب إلا على المحدث اتفاقا كما قيل. لكن قد يناقش فيه بأن أقصى ذلك ناقضية الطهارة به، و هي لا تستلزم وجوب الغسل للصلاة إذ قد يكتفى في رفع الحدثية بالوضوء حينئذ، و ان وجب الغسل تعبدا بناء على استقلاله في رافعية الأصغر و ان كان منضما مع الأكبر، اللهم إلا أن يقال إن المنساق منها انه حدث لا ترتفع حدثيته إلا بالوضوء و الغسل. و ربما استدل عليه أيضا

بما(1)في روايتي الفضل بن شاذان و محمد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) من تعليل الأمر بغسل المس بالطهارة لما أصابه من نضح الميت قال (عليه السلام) في الأولى: «إنما أمر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته» و كذا في الثانية مع زيادة «فلذلك يتطهر منه و يطهر»

و هو و ان أمكن المناقشة فيه سيما في الأولى، لكنه لا بأس به مؤيدا، و إنما العمدة ما عرفت من ظهور اتفاق الأصحاب على ذلك مع التأييد بما في الفقه الرضوي (2)و ما عساه يشعر به ضمه في الأخبار مع ما يوجب الغسل من جهة الحدث، بل لعله المنساق من الأمر بالاغتسال منه، بعد ملاحظة ما كان من قبيله من هذه الأغسال. لكن جميع ذلك إنما يقضي بوجوب الغسل لهذه الغايات الثلاثة دون غيرها من اللبث في المساجد و قراءة العزائم، و ان كان ظاهر المصنف و غيره ممن أطلق وجوب الغسل للغايات الخمس ذلك، بل عن بعضهم نسبته إلى الأشهر، إلا انه لا دليل عليه، فالأصل يقتضي عدمه و القياس لا نقول به وفاقا للمنقول عن الروض و الموجز و غاية المرام و معالم الدين و جامع المقاصد و حواشي التحرير و الإرشاد و الجعفرية و الطالبية و منهج السداد و شارح النجاة بل في السرائر دعوى الإجماع على جواز دخوله المسجد و جلوسه فيه. فظهر حينئذ ان الأقوى عدم وجوب غسل المس لغير ما تجب له الطهارة الصغرى.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل المس- حديث 11 و 12.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب غسل المس- حديث 1.

ج 1، ص: 34

و قد يجب الغسل إذا كان من جنابة إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه مضيقا أو موسعا بمقدار ما يغتسل الجنب لمكان توقف صحة الصوم عليه على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك على الظاهر كما حكى في الانتصار و الخلاف و السرائر و الوسيلة، و عن الغنية و كشف الرموز و حواشي التحرير و الروض و المقاصد العلية و كشف اللثام، و عن المعتبر و المنتهى و التذكرة نسبته إلى علمائنا، و كنز العرفان إلى أصحابنا، و المهذب البارع ان القول بخلاف ذلك منقرض، و جامع المقاصد انه استقر عليه مذهب الأصحاب و عن المنتهى و المختلف و السرائر تكرار حكايته في مسألة وجوب الغسل لنفسه. و يدل عليه مضافا الى ذلك

خبر أبي بصير(1) عن الصادق (عليه السلام) فيمن أجنب في شهر رمضان ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال:

«يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا»

و أخبار القضاء(2)و القضاء مع الكفارة إذا نام فإنه إذا بطل مع النوم فبدونه اولى. فما ينقل عن ظاهر الصدوق من الخلاف في ذلك و ربما مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين ضعيف جدا كأدلتهم من الأصل و ظاهر الكتاب، و خبر

حماد بن عمار(3)عن الصادق (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل و أخر الغسل إلى أن طلع الفجر فقال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه»

و

خبر العيص (4)سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك- حديث 3 و في الوسائل حماد بن عثمان. الأقشاب جمع قشب ككتف و هو من لا خير فيه من الرجال.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك- حديث 4.

ج 1، ص: 35

فأخر الغسل حتى طلع الفجر قال: «يتم صومه و لا قضاء عليه»

و

قوله (عليه السلام) في خبر حبيب الخثعمي (1): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر»

الى غير ذلك، إذ يجب الخروج عنها في مقابلة ما ذكرنا، و حمل ما يقبل التأويل من الأخبار على إرادة التعجب و الإنكار أو مقاربة الفجر أو الفجر الأول أو العذر أو التقية، و لعلها أصوب كما يلوح من ملاحظتها، و كيف لا مع اشتمالها على ما سمعت من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) و هو مناف لمنصب النبوة سيما بعد إشعارها بالمداومة منه على ذلك، مع انه لا إشكال في كراهته و اقتضاءه تأخير صلاة الصبح عن أول وقتها، بل ترك صلاة الليل و هي واجبة عليه. فلا ينبغي الإشكال في هذا الحكم و عدم الالتفات الى الخلاف المذكور، مع إمكان إرجاع عبارة الصدوق الى المختار فلاحظ و تأمل.

ثم أنه قد تشعر عبارة المصنف كغيره من بعض العبارات باختصاص هذا الحكم في غسل الجنابة دون غيره، و يؤيده خلو عبارات القدماء كما قيل عن التعرض لاشتراط صحة الصوم بغسل الحيض و النفاس و المس. اللهم إلا ان يكون اكتفوا عن الأولين بذكرهم شرط صحة الصوم الخلو من الحيض، و تردد في المعتبر في وجوب غسل الحيض للصوم. قلت: و هو مما ينبغي القطع به بالنسبة إلى غسل المس كما نص عليه بعضهم و نقل عن آخرين، بل في المصابيح للعلامة الطباطبائي ان المستفاد من كلام الأصحاب هنا و في كتاب الصوم القطع بعدم توقف الصوم عليه، و لعل الأمر كما ذكر. و يؤيده مضافا الى ذلك و الى الأصل مع عدم الدليل عليه اطباق المسلمين في سائر الأعصار و الأمصار على تغسيل الأموات في شهر رمضان نهارا من غير نكير سيرة يحصل القطع بها برأي


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك حديث 5.

ج 1، ص: 36

المعصوم. فما ينقل عن والد الصدوق في الرسالة من إيجاب القضاء للصوم و الصلاة لمن نسي الغسل ضعيف شاذ، مع انه احتمل الناقل لذلك ان في عبارته و هما من النساخ، و يؤيده عدم نقل غيره عنه ذلك، مع أن عبارته فيها غالبا على وفق عبارة الفقه الرضوي و هي خالية عن ذلك. و من العجيب ما ينقل عن الحديقة من نسبة اشتراط صحة الصوم به الى

المشهور بعد ما عرفت، و لعله أخذه من ذكر الأصحاب له في جملة ما يجب الغسل فيه لذلك و هو كما ترى. و أما بالنسبة للحيض فالمشهور بين المتأخرين انه كالجنابة في ذلك، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه كآخر دعوى الإجماع، و لعل المراد المتأخرين، و إلا فلم ينقل عن أحد من القدماء سوى ابن أبي عقيل، و في المصابيح ان كتب المتقدمين كالنهاية و المقنعة و المبسوط و الخلاف و الجمل و الانتصار و المراسم و الكافي و المهذب و الوسيلة و الغنية و السرائر خالية عن اشتراط الصوم بغسل الحيض و النفاس و وجوبهما فيما يجب فيه. و قد ضبطوا في كتاب الصوم ما يوجب القضاء و الكفارة أو القضاء وحده و لم يذكروا ذلك في شي ء من القسمين. قلت: و كيف كان فلا ريب أن الأقوى وجوبه لذلك، و يدل عليه مضافا الى ما تقدم و الى الأصل في وجه سيما ان جعل الكف عنه داخلا في ماهية الصوم، و الى غلبة مشاركة غسله لغسل الجنب في كثير من الأحكام.

بل قد يدعى أولويته من الجنابة بالنسبة الى كل ما يشترط به لما دل ان حدث الحيض أعظم، كما ذكره بعض الأصحاب، و يشعر به(1)

قوله (عليه السلام): «قد جاء ما هو أعظم من ذلك»

موثق أبي بصير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«ان طهرت بليل من حيضها ثم توانت ان تغتسل في شهر رمضان حتى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم»

و هي و ان كان لا تعرض فيها لغسل النفاس إلا ان الإجماع على


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الحيض حديث 2 و فيه قد أتاها ما هو أعظم من ذلك.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك- حديث 1.

ج 1، ص: 37

مشاركة النفاس للحيض كاف في ذلك، بل ادعى بعضهم في خصوص المقام ان كل من قال بوجوب غسل الحيض للصوم قال به بالنسبة إلى غسل النفاس. نعم ظاهر الرواية مختص في شهر رمضان، و ربما يلحق به قضاؤه. و لذا اقتصر عليهما جماعة من المتأخرين كما نقل عنهم ذلك أيضا بالنسبة إلى غسل الجنابة، لكنه لعله مخالف للمشهور، بل الإجماع كما قيل، إذ الأصحاب بين القول باشتراط مطلق الصوم واجبا كان أو مندوبا بارتفاع هذا الحدث كما لعله الظاهر من ملاحظة كلامهم في الصوم، و بين القول باشتراطه في خصوص الصوم الواجب مطلقا مع قطع النظر عن غيره، فخصوص الواجب حينئذ متيقن من غير تفصيل في أفراده. و يأتي تمام الكلام فيه في كتاب الصوم ان شاء الله تعالى و كيف كان فظاهر المصنف (رحمه الله) و القواعد و عن التذكرة و نهاية الاحكام و جماعة من متأخري المتأخرين اختصاص وجوب الغسل للصوم في آخر الوقت، و ظاهرهم أنه متى قدم الغسل على ذلك نوى الندب، و علل بعدم تعقل وجوب الشرط قبل وجوب المشروط إلا أنه نزل ضيق الوقت بمنزلة دخوله، و يقرب منه غيره. قلت:

و حاصل الإشكال في المقام انه لا إشكال في وجوب الغسل للصوم مقدما عليه، مع أنه لا وجه لوجوب مقدمة الواجب قبل وجوب ذي المقدمة، و كيف مع استفادة وجوبها من وجوبه، فمن هنا احتاجوا الى ما سمعت من التعليلات الضعيفة التي لا تدفع ضيما بالنسبة الى ذلك، إذ ضيق الوقت لا يحقق وجوب الصوم قبل وقته و هو الذي يجدي في وجوبها. و دعوى استفادة ذلك من شرطية الصوم به و ان لم يتحقق وجوب الصوم فعلا لا تقصر الوجوب عند الضيق، بل مقتضاها الوجوب قبله أيضا. و لذلك ارتكب بعضهم كالعلامة القول بالوجوب النفسي في التفصي عن ذلك. و هو غير مجد أيضا إذ لا يليق به مع ذلك إنكار الوجوب الغيري المعلوم ثبوته، ضرورة توقف صحة الصوم عليه، و أقصى القول بالوجوب النفسي أنه إثبات له مع الوجوب الغيري، و الاشكال إنما جاء من جهته لكونه مستلزما أما إنكار مقدميته أو إنكار وجوب مقدمة الواجب

ج 1، ص: 38

و هما معا باطلان. و من العجيب ان العلامة (ره) مع قوله بالوجوب النفسي ذكر كما ذكر المصنف (رحمه الله) من أنه إنما يجب عند ضيق الوقت. و قيل إنه حكي عنه الاعتذار عن ذلك بان المراد تضيق الوجوب بسببه و إنما الموجب له الجنابة. و فيه أنه مشعر بأن الغسل لا يجب إلا بوجوب واحد نفسي حاصل من حين وجود سببه لا يتضيق إلا بظن الموت أو بتضيق العبادة المشروطة به، و هو و ان كان مطابقا لظاهر المنقول عن القائل بالوجوب النفسي في جميع الطهارات من وجوبها بحصول أسبابها وجوبا موسعا لا يتضيق إلا بظن الوفاة أو تضيق العبادة المشروطة بها، و لاستدلال القائلين بوجوب غسل الجنابة لنفسه بأنه لو كان واجبا لغيره لزم جواز الإصباح على الجنابة في شهر رمضان لعدم وجوب الواجب للغير إلا بعد دخول الوقت، لكن ينبغي القطع بفساد ذلك كله لما عرفت من أنه لا إشكال و لا نزاع في الوجوب الغيري عند القائلين بالوجوب النفسي و أن الذي يتضيق بتضيق العبادة إنما هو الأول دون الثاني كالعكس في ظن الوفاة، نعم قد يجتمعان و لا مانع من ذلك كما في غيرهما مما وجب لنفسه و لغيره. و كيف كان فقد ظهر لك ان القول بالوجوب النفسي لا يحسم مادة الاشكال، و لذلك نقل عن البهائي أنه سلك مسلكا آخر في التخلص عن ذلك و هو صرف وجوب الغسل للصوم عن ظاهره و جعل الغاية توطين النفس على إدراك الفجر طاهرا. و فيه مع وضوح فساده في نفسه ان وجوب التوطين على إدراك الفجر طاهرا فرع وجوب الغسل قبل الوقت، فان صح فلا حاجة الى غيره، و إلا لم يجب التوطين. و أعجب من ذلك ما أجاب به ابن إدريس في السرائر بعد ان أورد الاعتراض على القول بالوجوب الغيري بما حاصله أن الجنب في ليالي شهر رمضان إن أوجبتم عليه الاغتسال قبل الفجر فقد رجعتم الى القول بالوجوب النفسي من حيث لا تشعرون لعدم وجوب الواجب للغير قبل الوقت، و ان قلتم لم يجب كما هو قضية قولكم بندبيته قبل الوقت خالفتم الإجماع إذ لا خلاف في اشتراط صحة الصوم بالطهارة من الجنابة قبل الفجر، فيجب حينئذ لوجوب ما لا يتم

ج 1، ص: 39

الواجب إلا به. و أجاب عن ذلك بوجهين الأول ان الأمة بين قائلين: قائل بوجوب الغسل في جميع الشهور و الأيام و الأوقات و هذا المعترض منهم، و قائل بوجوبه فيما عيناه و شرحناه يعني به الوجوب للغير بعد الوقت و ليس هاهنا قائل بالندب في طول أوقات السنة إلا الموقت المتقدم في ليالي شهر رمضان، قال: فانسلخ من الإجماع بحمد الله تعالى و حسبه بهذا عارا و شنارا، و الثاني انا نسلم وجوب ما لا يتم الواجب إلا به لكن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل و ذلك لتمامية الصوم بالاغتسال من دون نية الوجوب بل يكتفي بنية الندب قربة الى الله فيصح حينئذ صومه بلا خلاف. قلت: و هو كما ترى فيه نظر من وجوه بل لا يكاد يستقيم له محصل، و لذا قال العلامة في المنتهى في الاعتراض عليه بعد ان نقل ذلك و غيره عنه: «و من أعجب العجائب إيجاب الغسل عليه و ان لا ينوي الوجوب بل الندب، فللمغتسل أن يقول إن كان الغسل ندبا فلي ان لا أفعله فإن سوغ له الصوم من دون اغتسال فهو خلاف الإجماع، و الا لزمه القول بالوجوب أو القول بعدم وجوب ما لا يتم الواجب إلا به، و إن كان واجبا فكيف انوي الندب في فعل واجب، و عندك الفعل إنما يقع على حسب القصود و الدواعي. فانظر الى هذا الرجل كيف يخبط في كلامه و لا يحترز عن التناقض فيه» انتهى.

قلت: و يمكن التخلص عن هذا الإشكال الذي ألجأ هؤلاء الأصحاب إلى مثل هذا الاضطراب بمنع اختصاص وجوب مقدمة الواجب بما بعد الوقت في مثل ما نحن فيه من الواجبات المنطبقة على تمام أوقاتها و نحوها من الواجبات المضيقة مما كانت المقدمات فيها تقدمها عليها لعدم سعة زمان فعلها إلا لها، دون مقدماتها، بشهادة جميع ما دل على وجوب مقدمة الواجب عليه من العقل و العرف و غيرها، إذ لا ينبغي الشك في ان السيد إذا أمر عبده بالصعود على السطح عند الزوال من غير تأخير عنه كان مخاطبا بوضع السلم و غيره مما يتوقف عليه ذلك قبل الزوال، و إلا عد عاصيا مفوتا للواجب عن وقته، و مثله قطع المسافة للحج و نحو ذلك. و قولهم لا معنى لوجوب الشرط قبل

ج 1، ص: 40

وجوب المشروط يدفعه بعد الإجماع على وجوب ما لا يتم الواجب إلا به من غير فرق بين سعة وقت الواجب له و لمقدماته أو لا، أنهم ان أرادوا قبل الوجوب الأدائي فهو ممنوع إذ لا شاهد له من عقل و لا نقل بل هما شاهد ان على خلافه، و ان أرادوا قبل الوجوب التعليقي فهو مسلم لكن المفروض في المقام وجوده، ضرورة تقدم الأمر على المأمور به، و هو كاف في إثبات الوجوب للمقدمات سيما ما اعتبر تقدمها عليه في صحة الفعل.

لا يقال: ان قضية ذلك إيجاب مقدمات الواجب المشروط قبل حصول شرط الوجوب ضرورة كون ما نحن فيه من الواجب الموقت واجبا مشروطا بالنسبة للوقت فلو وجبت مقدماته قبل الوقت لوجب حينئذ فعل سائر مقدمات الواجبات المشروطة من الحج و غيره قبل تحقق شرط الوجوب و هو واضح الفساد. لأنا نقول أما أولا فقد يفرق بين ما علق عليه الوجوب من المقطوع بحصول شرط الواجب فيه و عدمه فنلتزم بإيجاب مقدمات كل واجب مشروط يقطع فيه بحصول شرط الوجوب دون غيره، و ثانيا بإمكان الفرق أيضا بين ما علق فيه نفس الوجوب كالاستطاعة بالنسبة للحج و بين ما كان التعليق فيه لأداء المكلف به مثل ما نحن فيه، و ثالثا و هو الأوجه بالفرق بين المشروط بالوقت و غيره باعتبار الاكتفاء بظن السلامة في الأول دون الثاني، و بالفهم العرفي و غيرهما، فتأمل جيدا فان التحقيق عدم الفرق بين الوقت و غيره مما يكون الوجوب مشروطا، نعم الظاهر عدم اعتبار الوقت في الموقت في وجوبه و إنما هو في صحته، إلا ان يدل دليل على ذلك، فالإيجاب فيه حينئذ مطلق قبل الوقت لا مشروط فيكفي حينئذ في وجوب مقدمته سيما إذا كان سبقها عليه معتبرا في صحته، ضرورة كونها حينئذ مقدمة واجب مطلق، و ان كانت الصحة معلقة على الوقت. فان ذلك لا يقتضي كون الوجوب فيه مشروطا. و حينئذ يتجه الجواب الثاني لا الثالث، و به يفرق بين المعلق

ج 1، ص: 41

و المشروط، و بعبارة أخرى بين المقيد و المطلق، و ثالثة بين شرط الوجوب و تعليقه و بين صحة الواجب و المأمور به، و الله العالم.

فاتضح لك بذلك كله وجه ما يندفع به ما ذكر سابقا بحذافيره من غير حاجة الى القول بالوجوب النفسي و لا إسقاط وجوب ما لا يتم الواجب الا به و لا إنكار مقدمية الغسل للصوم، نعم يتجه بناء على ما ذكرنا عدم اختصاص الوجوب بآخر الوقت كما هو ظاهر المصنف (ره) و من تبعه، لعدم الدليل، بل لدليل العدم و هو إطلاق ما دل على وجوب المقدمات من الأمر بذي المقدمة، بعد فرض العلم باشتراط تقدمها من غير تقييد بوقت كسائر الواجبات المطلقة، لكنها تتضيق في آخر الليل لمكان انتهاء وقت وجوبها، و لا ينافي ذلك القول بوجوبها للغير إذا المراد ان العلة في وجوبها الغير و لو تقدمت عليه بل تسرى العلامة الطباطبائي (رحمه الله) حتى قال:

«انه لو لا النص و الإجماع على تأخير وجوب هذا الغسل عن وقت الصلاة لأمكن القول بمثله هنا أيضا، فإن الصلاة في أول الوقت متصفة بالوجوب الموسع و هي موقوفة على الطهارة قبل الوقت، لكن الدليل الشرعي أوجب صرف الوجوب إلى صورة مخصوصة و هي ما إذا صادف المكلف أول الوقت متطهرا، فتكون الصلاة في أول الوقت واجبا مشروطا، و أما الغسل للصوم فحيث لم يمكن تأخيره إلى الوقت و لم يضرب له وقت في الشرع وجب ان يكون وقته من حصول السبب و يتضيق وجوبه في آخر الليل كما هو الغالب و ربما تضيق في غيره كما إذا علم عدم تمكنه منه في الأخير» انتهى. و كيف كان فقد صار حاصل هذا التخلص أنا نقول بوجوب غسل الجنابة للصوم بمجرد حصول سبب الجنابة موسعا، و يتضيق إذا بقي من الليل بمقدار زمانه، و أنه لا مانع من وجوب المقدمة قبل الوقت الذي هو شرط صحة الفعل لا الوجوب، فهي حينئذ مقدمة واجب مطلق لا مشروط كما أنه لا دليل على تخصيص الوجوب في الآخر، و ما تخيلوه من أنه لا يجب الشرط قبل المشروط مع فساده بما سمعت لا يدفعه دعوى التضيق المذكورة و اختاره العلامة الطباطبائي

ج 1، ص: 42

(رحمه الله) في المصابيح و قال بعد ذكر تحقيقه و تنقيحه: «و من ثم ذهب جماعة من المحققين منهم المحقق الأردبيلي و السيد الفاضل صاحب الرجال و القاشاني في المفاتيح و شرحه و جميع من عاصرناهم من المشايخ الى عدم اختصاص الوجوب بآخر الوقت و هو ظاهر إطلاق العلامة في الإرشاد و الشهيد في جميع كتبه، بل هو قضية كلام المعظم فإنهم اشترطوا في صحة الصوم تقديم الغسل و لم يعينوا له وقتا مخصوصا و التحديد بآخر الليل لم يعرف لأحد من الفقهاء إلا المحقق في الشرائع و قد وافقه العلامة في أكثر كتبه مع قوله بالوجوب النفسي» انتهى قلت: و هو و إن كان قد أجاد و جاء بما هو فوق المراد، لكن قد يناقش فيه بعد الإغضاء عما في بعض كلماته مما لا تعلق لها فيما نحن فيه بأن قضيته كما صرح به غير مرة في كلامه أنه يجب غسل الجنابة للصوم بمجرد حصول سببه من غير تقييد في وقت، و هو يقتضي تحقق معنى الشرطية في غسل الجنابة و لو مع الفصل بين زمان الجنابة و شهر رمضان مثلا بتمام السنة، فينوي الوجوب فيه حينئذ متى وقع، و كأنه مما ينبغي القطع بعدمه، إذ لا يعرف ذلك إلا من القائلين بالوجوب النفسي دون أهل القول بالغيري، نعم نقل عن بعض من لم يخص الوجوب في حال التضيق أنه ينوي الوجوب فيه من أول الليل بتوهم كون ابتداء الخطاب منه بالصوم فيه، و لا ريب في فساده ضرورة عدم اختصاص الأمر بالصوم في أول الشهر، بل الأمر بصوم شهر رمضان مطلق، و قوله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»(1) يراد منه عدم وجوبه على المسافر كما يراد من نحو

قوله (صلى الله عليه و آله): «صوموا لرؤيته»(2)

عدم وجوب صوم يوم الشك.

و كشف الحال أنه قد تقرر في محله كون المراد بالشرط هو ما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده الوجود، و لا ريب ان الذي هو شرط هنا و مقدمة للصوم


1- 1 سورة البقرة- آية 181.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 17 و في الوسائل فصوموا.

ج 1، ص: 43

إنما هو الطهارة من الجنابة، و الذي ينطبق عليه معنى الشرط المتقدم إنما هي الطهارة المقارنة لفجر يوم الصوم، إذ هي التي ينعدم بانعدامها المشروط لا المتقدمة عليه بقليل فضلا عن الكثير، فالطهارة الحاصلة قبل ذلك لا مدخلية لها في صحة الصوم قطعا و لذلك لا يقدح عدمها فيه، فمن أجنب حينئذ قبل دخول شهر رمضان بيوم أو يومين و اغتسل لم يكن لما حصل عنده من وصف الطهارة حين الغسل مدخلية في صحة الصوم، نعم ان الذي له مدخلية في ذلك إنما هو حال مثل هذا الحال عند طلوع الفجر، و هو تارة يحصل بالبقاء و الاستمرار على ما حصل له من ذلك و تارة يحصل بإيجاد غسل في وقت الضيق.

لا يقال ان الغسل الأول حينئذ أحد فردي ما يحصل به مقدمة الواجب، فيجب حينئذ تخييرا إذ لا نشترط في المقدمة انحصارها في فرد واحد لأن المقدمات لا زالت تتعد كأفراد الماهية بالنسبة للأمر بها، لأنا نقول: أما أولا فبالمنع من استناد الحالة التي قد ذكرنا أنها هي المعتبرة في صحة الصوم أي المقارنة للفجر الى الغسل السابق بناء على عدم استغناء الباقي في بقائه إلى المؤثر، و أما ثانيا فبعد التسليم بمنع التلازم بين اتفاق حصول شرط الواجب به و بين وجوبه، إذ لا إشكال عندهم في حصول شرط الصلاة من الطهارة عن الخبث مثلا بالتطهير قبل الوقت و استمرار الطهارة اليه مع عدم صيرورة التطهير بذلك واجبا قبل الوقت، بل أقصاه أنه سقط وجوب التطهر بعد الوقت لمكان حصول المقدمة التي هي الطهارة كسقوطه بفعل الغير و المطر و نحوهما من الأشياء الغير المقدورة للمكلف، و لا ينافي ذلك كله مقدميتها إذ المقدمة إنما هو القدر المشترك بين المقدور و غيره و هو الطهارة، فلا مانع حينئذ أن يقال في المقام ان المقدمة التي هي شرط في صحة الصوم و هي الطهارة من الجنابة مقارنة للفجر بالواجب من الغسل و هو الذي لا يزيد على مقدار زمان ذلك و بالمندوب و هو الحاصل قبل ذلك على معنى سقوط الخطاب بها نحو من لم يجنب أصلا، بل لعله كذلك قطعا بناء على ما ذكرنا، إذ كيف يتصور وجوب الغسل لدفع جنابة لا مدخلية لها في صحة الصوم، لما عرفت أن المانع من صحته إنما هو وصف

ج 1، ص: 44

الجنابة المتأخر لا المتقدم ضرورة كون ذلك هو مفاد الخبر المزبور المقتضي فساد الصوم بالإصباح جنبا، و من المعلوم أن الزمان تدريجي فلا يتعقل الخطاب وجوبا برفع هذا المانع قبل حصوله و صيرورته مانعا.

فظهر لك من ذلك كله انه لا وجه لدعوى وجوب الغسل للصوم قبل وقت الضيق، كما أنه لا معنى لإنكاره فيه بعد ما عرفت سابقا من استفادته من الأمر بالصوم بعد ثبوت شرطية تقدمه عليه، و أنه لا مانع من وجوب المقدمة قبل تحقق وقت أداء ذي المقدمة، و به ظهر وجه تخصيص المصنف و من تابعه بوقت الضيق. و لعله يشير الى بعض ما ذكرنا ما في كشف اللثام من تعليل ذلك بأنه إنما يجب له إذا وجب، و لذا لا يجب الوضوء للصلاة ما لم تجب و لا يجب إلا إذا دخل وقته، لكنه لما اشترط الطهارة من أول يوم وجبت قبله و لكن بلا فصل إذ لا وجوب له و لا اشتراط به قبل ذلك و يجب الغسل أيضا لصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة سال منها أو لم يسل، فيشمل حينئذ حالتي الوسطى و العليا، كما هو قضية إطلاق غيره من الأصحاب، بل في جامع المقاصد و عن حواشي التحرير و منهج السداد و الطالبية

و الروض الإجماع عليه مع التصريح بالتعميم المتقدم. فما في البيان و عن الجعفرية و الجامع من التقييد بالكثرة شاذ أو محمول على ما يقابل القلة، و ربما ظهر ذلك أيضا من النص في هذا الحكم، و هو

صحيح علي بن مهزيار(1) قال: «كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول شهر رمضان، ثم استحاضت فصلت و صامت شهر رمضان كله، غير أنها لم تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟

قال: تقضي صومها و لا تقضى صلاتها، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يأمر فاطمة و المؤمنات من نسائه بذلك»

لكن ذلك إنما هو في خصوص السؤال فلا منافاة فيه حينئذ لما قدمنا مع انه ترك فيه غسلها للفجر المقطوع باعتباره في الصوم.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك حديث 1.

ج 1، ص: 45

و كيف كان فلا إشكال في وجوب غسل الاستحاضة و توقفه عليها في الجملة، بل في المصابيح أنه موضع نص و وفاق، نعم هل هو متوقف بالنسبة للكثيرة على جميع أغسالها الليلية و النهارية كما يقتضيه إطلاقهم فساد الصوم باخلالها بما وجب عليها من الغسل، أو أنه مختص بالنهارية فلا يتوقف على غسل الليلة المستقبلة كما نقل القطع به عن جماعة منهم العلامة و الشهيد، لسبق الانعقاد و امتناع تأخر الشرط عن المشروط و عزاه في المدارك الى المشهور، قال: «و في توقفه على غسل الليلة الماضية احتمالات ثالثها ان قدمت غسل الفجر ليلا أجزأها عن غسل العشاءين و إلا بطل الصوم» انتهى. و عن العلامة في نهاية الأحكام احتمال توقفه على غسل الفجر خاصة و هو ضعيف، و يأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في محله، لكن ينبغي القطع بتوقفه على غسل الفجر من الأغسال في الكثيرة بل و في المتوسطة أيضا كما عرفت. نعم يشترط فيه تقدم وجود سبب الغسل على صلاة الفجر سواء كان قبل الفجر أو بعده لعدم وجوب الغسل له لو حدث بعدها، و عن الروض أنه احتمل الاختصاص بما كان قبل الفجر، و هو ضعيف لتبعية اشتراط الصوم به لاشتراطه للصلاة و لا إشكال في وجوبه لها و ان حدث بعد الفجر، و لذا قال المحقق الثاني في حواشي التحرير على ما نقل عنه: «قد وقع في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد (رحمه الله) على نظير قول المصنف (و صوم الاستحاضة) من القواعد ان ذلك ليس على إطلاقه بل هو مقيد بقبلية الفجر أو حصول السيلان» قال:

«و ظاهره أن الغسل إنما يجب لصوم المستحاضة مع الغمس دون السيلان إذا كان قبل الفجر دون ما بعده، و هذا يكاد أن يكون مخالفا للإجماع فإني لا أعلم مخالفا بين أصحابنا في أن المستحاضة يشترط في صحة صومها فعل ما يلزمها من الأغسال النهارية سواء الواحد و غيره، صرح بذلك جملة أصحابنا» قال: «و يمكن أن يقال أنه أراد بالفجر صلاة الفجر و ان لفظ الصلاة سقط سهوا من قلم الناسخ أو أن أحد تلامذته تصرف فيها كما

ج 1، ص: 46

تصرف في غيرها، و حينئذ يستقيم هذا القيد لان غمس القطنة لو كان بعد الصلاة لم يجب الغسل للصوم قطعا، لأن الغسل غير واجب هنا أصلا و رأسا بخلاف ما لو سال بعد الصلاة» انتهى.

ثم أنه قد ظهر لك مما ذكرنا من تبعية اشتراط الصوم به لاشتراطه بالصلاة من غير زيادة لعدم الدليل عليها أنه لا يجب عليها تقديمه على الفجر بل يكتفي بصحة الصوم لو فعل متأخرا عنه و إن كان سببه متقدما. كما هو المحكي عن ظاهر المعظم و صريح البعض، فما عن الذكرى و معالم الدين من إيجاب التقديم لكونه حدثا له مدخلية في صحة الصوم فيجب تقدمه كالحائض المنقطع دمها قبل الفجر ضعيف، كضعف التردد المنقول عن بعضهم فيه من ذلك و ما تقدم، لعدم التلازم بين مدخليته في الصوم و وجوب تقدمه عليه، و جعله كالحائض لا دليل عليه مع ظهور اختلاف الحال بين الحدثين، إذ لا إشكال في توقف صحة الصوم على غسل الظهرين مع عدم إمكان تقدمه على الفجر.

ثم أنه على تقدير القول بالوجوب فهل يجب التأخير إلى التضيق اقتصارا على ما يحصل به الغرض مع تقليل الحدث و رعاية اتصال الغسل بالصلاة؟ وجهان أوجههما الوجوب.

و لو انقطع الدم قبل الفجر فهل يجب به الغسل للصوم أو لا يجب؟ وجهان أيضا ينشئان مما سيأتي في محله إن شاء الله من إيجاب الغسل لانقطاع دم الاستحاضة مع عدم اشتراط وجوبه بحصوله في أوقات الصلاة و عدم ذلك، أما لو انقطع ثم عاد قبل الصلاة فلا إشكال في وجوب الغسل للصوم كما هو واضح لما عرفت، أما غسل البرء بناء على وجوبه فلم يحضرني الآن من تعرض لاعتباره في الصوم و لا لكيفية ذلك على تقديره، و الأقوى اعتباره فيه، و الأحوط استقبالها الفجر به على نحو غسل الحيض مع فرض برئها في الليل بعد العشائين أو لم تفعله لهما و لو عصيانا و الله العالم.

ثم أن ظاهر المصنف (رحمه الله) هنا كظاهر المبسوط و غيره وجوب الغسل لغيره لا لنفسه سواء كان جنابة أو غيره، و ينبغي القطع به بالنسبة الى غير الجنابة

ج 1، ص: 47

بل نفى الخلاف عنه في المصابيح، كما انه حكى الإجماع عليه المحقق الثاني كما عن الأول و الشهيدين و العلامة في نهاية الأحكام أيضا ذلك، فما عساه تشعر به عبارة الذكرى من وجود المخالف فيه ليس في محله، كالاحتمال في المنتهى من وجوب غسل الحيض لنفسه.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في وجوب غير غسل الجنابة لغيره بل و فيه أيضا، كما انه صريح السرائر و الدروس و البيان و جامع المقاصد و غيرهم، بل نسبه في البيان إلى الأكثر و السرائر إلى محققي هذا الفن و مصنفي كتب الأصول، و عن الذكرى الى ظاهر كلام الأصحاب، و عن العزية ان الذي عليه فتوى الأصحاب أن الطهارة وجبت لكونها شرطا في غيرها فوجوبها موقوف على وجوب ذلك المشروط. و من متأخري الأصحاب من أوجب غسل الجنابة و ان لم يكن وصلة الى غيره. و الذي عليه متقدمو الأصحاب أن الطهارة بأجمعها لا تجب إلا وصلة إلى ما هي شرط فيه، و حكاه في المصابيح زيادة على ما سمعت عن المهذب و الكافي و مجمع البيان و مسائل ابن إدريس و عزيات المحقق و منهج السداد و الروض و الجامعية و شارح النجاة و غيرها، خلافا لظاهر الوسيلة بل صريحها و صريح المنتهى و التحرير و عن المسائل المدنية و الإيضاح و كنز العرفان و كفاية الطالبين و معالم الدين و غيرها، و حكاه العلامة عن والده و الشهيد عن الراوندي و الفاضل الهندي عن ابن شهرآشوب. و ربما نقل عن علم الهدى، و أنكر في السرائر أن يكون ذلك قولا له. بل نقل عنه ما يشعر بموافقة المشهور. و لا ريب أن الأقوى الأول للأصل و لظاهر المنساق من قوله تعالى «وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً»(1) للأذهان الخالية عن التشكيكات الواهية، و ظاهر

قوله (عليه السلام): «إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة»(2)

لشمول لفظ الطهور له، و

حسن الكاهلي(3) أو صحيحه عن الصادق


1- 1 سورة المائدة- آية 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الجنابة- حديث 1.

ج 1، ص: 48

(عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة يجامعها زوجها فتحيض و هي في المغتسل تغتسل أو لا تغتسل؟ قال: قد جاءها ما يفسد الصلاة لا تغتسل»

لما فيها من الظهور بارتباط الغسل بالصلاة، فلا يتوقف حينئذ الاستدلال بها على جواز ارتفاع حدث الجنابة حال الحيض كما ظنه في المنتهى، و

خبر سعيد بن يسار(1) قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المرأة ترى الدم و هي جنب تغتسل عن الجنابة أم غسل الجنابة و الحيض واحد؟

قال قد أتاها ما هو أعظم من ذلك».

و ربما استدل عليه أيضا بأمور أخر واهية، منها وقوع الإجماع على جواز تأخير الغسل الى الصبح لمن أجنب ليلا، حتى ورد(2) فعل مثل ذلك عن الامام و النبي (عليهما السلام). و فيه انه لا ينافي الوجوب الموسع، نعم يمكن الاستدلال بالأخير بضميمة ما

في بعض الأخبار(3) أنه «لا يبات الامام (عليه السلام) و لله في عنقه حق»

فعدم اغتساله (عليه السلام) قاض بعدم وجوبه عليه حينئذ. كل ذا مضافا الى ما تقدم و الى ما عساه تشعر به قصة الأنصاري (4) لما خرج للجهاد جنبا فقتل و هي مشهورة أنا لا نعرف للخصم شيئا يعتد به في إخراج غسل الجنابة عن باقي الطهارات، إذ هو إن كان ظاهر

قوله (عليه السلام): «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل و إنما الماء من الماء»

(5)و نحو ذلك فهي مع مساواتها لما ورد بالنسبة للوضوء و غسل الحيض و الاستحاضة و مس الأموات.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الحيض- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الجنابة- حديث 2 و في الباب- 13- من أبواب ما يمسك الصائم عنه و وقت الإمساك- حديث 3.
3- 3 المروي في أصول الكافي- في باب ان الأرض كلها للإماء عليه السلام- من كتاب الحجة.
4- 4 الفقيه- باب غسل الميت- حديث 46. و في سفينة البحار ص 317 في مادة غسل.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الجنابة- حديث 5 و لكن ليس في قول الامام عليه السلام «إنما الماء من الماء».

ج 1، ص: 49

من الأوامر المطلقة، بل و في غسل الأخباث من غسل الأواني و تطهير الثياب و البدن و نحو ذلك. لا يخفى على من لاحظها ان المراد منها بيان كون الجنابة سببا للخطاب بالغسل عند حصول ما يتوقف عليه، لا إرادة الوجوب الفعلي النفسي، و لذلك استدلوا بها على ثبوت الغسل لمن لم يكن مخاطبا بالغسل حين الفعل كالصبي و المجنون و غيرهما. بل لعل المتبادر من نحو هذه بعد ثبوت الوجوب الغيري المسلم عند الخصم أيضا و ان قال بالوجوب النفسي كون المراد منها الوجوب الشرطي سيما بعد ملاحظة ذلك في نظائرها. بل يظهر من المنقول عن العزية ان ذلك حقيقة عرفية في مثل ذلك و قال: إن إخراج غسل الجنابة من بينها تحكم بارد. و يشعر به أيضا مضافا الى ما تقدم عد الجنابة في سلك غيرها مما هو واجب لغيره، بل ربما جاء بأمر واحد بالغسل للجنابة و لغيرها. فظهر لك أنه لا حاجة حينئذ إلى ارتكاب دعوى وجوب الطهارات بأسرها لغيرها، و ان لم يتحقق وجوب غيرها. فيجب الوضوء مثلا بمجرد تحقق خروج البول و ان كان في غير وقت الصلاة أخذا بظاهر تلك الأوامر، لما عرفت من انصرافها إلى إرادة مطلق التسبيب منها الذي لا ينافي الوجوب الشرطي، على ان ذلك كأنه مخالف للإجماع بحسب الظاهر على عدم وجوب الطهارة غيريا إلا بعد وجوب ذي المقدمة، فتأمل.

و ان كان لمكان وجوب تقديم غسل الجنابة على الصوم إذ لو كان واجبا لغير ما وجب تقديمه كما استدل به في المنتهى، فهو مع إمكان إيراد مثله عليه بالنسبة إلى غسل الحيض بناء على ما عرفت سابقا من وجوب تقديمه على الصوم أيضا،

مع عدم الخلاف على الظاهر في وجوبه للغير، قد عرفت أنه مبني على عدم تعقل وجوب مقدمة الواجب قبل وقت وجوب ذي المقدمة، و تقدم لك سابقا بيان فساد ذلك، و أنه لا مانع منه عقلا و عرفا و شرعا، كما انه تبين لك أيضا انه لا يمكن التخلص عن ذلك بارتكاب القول بالوجوب النفسي، إذ هو مع ذلك لا ينكر الوجوب الغيري و الاشكال من جهته

ج 1، ص: 50

و ان كان لمكان قوله تعالى «وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً» بدعوى أن الواو للاستيناف أو للعطف على جملة الشرط. فيفيد حينئذ أنه واجب لنفسه، فهو مع بعده في نفسه لما فيه من ترك بيان ما ينبغي بيانه من الوجوب للصلاة إذ هو المهم المتكرر في كل يوم بخلاف الواجب الموسع الذي لا يتضيق إلا بظن الوفاة، و ما فيه من عدم الاتساق في الجمل فيها لمسبوقيته بالواجب للغير و ملحوقيته به من الوضوء و التيمم، و ما فيه من ارتكاب جعل صيغة الأمر بالتيمم لنفسه و لغيره بناء على قيامه مقام الوضوء و الغسل، مع إمكان منعه في خصوص المقام و ان جاز ذلك في نفسه بإرادة القدر المشترك أو غيره، و ذلك لأن جملة الأمر بالتيمم إما أن تكون معطوفة على جواب الشرط الأول و هو فاغسلوا أو على الشرط نفسه فعلى الأول يكون واجبا غيريا و على الثاني واجبا نفسيا مطلقا، و حيث بطل الثاني لأنه ثبت كون الوضوء واجبا غيريا فلا يكون بدله واجبا نفسيا، فتعين الأول و هو يقضي بكون التيمم مطلقا سواء كان عن الوضوء أو الغسل واجبا غيريا، فيستلزم كون الغسل كذلك حينئذ لمكان بدليته عنه، الى غير ذلك من المبعدات الكثيرة- ليس بأولى من جعل العطف فيها على جواب الشرط الأول أو على شرط محذوف و هو ان كنتم محدثين بالأصغر محافظة على ما هو المنساق من تصدير الآية باشتراط القيام إلى الصلاة، و تكون الطهارات فيها حينئذ على نمط واحد. فظهر لك حينئذ ان الأولى الاستدلال بالآية على المختار كما ذكرناه. و ما يرد عليها على هذا التقدير قد أشرنا إلى دفعه سابقا عند الكلام على وجوب الوضوء لنفسه. و يؤيده وقوع الاستدلال بها حينئذ من غير واحد من الأصحاب حتى من العلامة على الاجتزاء بغسل الجنابة عن الوضوء، و رواه أيضا

محمد بن مسلم (1)عن الباقر (عليه السلام) قال: «قلت إن أهل الكوفة يروون عن علي (عليه السلام) أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة،


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الجنابة- حديث 5 و في الوسائل كذبوا على علي عليه السلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه السلام.

ج 1، ص: 51

فقال: كذبوا على علي (عليه السلام) قال الله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)»

و هو لا يكون إلا على ذلك، و إلا فعلى الوجوب النفسي لا تعرض فيها لذلك، بل قد تدل الآية حينئذ على وجوب الوضوء معه أخذا بعموم الشرط فيها.

لا يقال ان ما ذكرتموه من العطف على الجواب أو على الشرط المقدر مستبعد جدا بل الثاني ممنوع لعدم الدليل على التقدير حتى يصح العطف عليه، لأنا نقول قد ظهر لك سابقا ما يرفع هذا الاستبعاد بل ما يحقق أقربيته على دعوى الاستئناف أو العطف على الشرط، و اما ما ذكر من عدم الدليل على التقدير ففيه أنه قد نقل عن اتفاق المفسرين ان المراد إذا قمتم إلى الصلاة و كنتم محدثين بالحدث الأصغر، لكن يحتمل أن يكون المراد خصوصية النوم كما يدل عليه

موثق ابن بكير(1)و غيره، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ما يعنى بذلك، قال: إذا قمتم من النوم، قلت: ينقض النوم الوضوء؟ قال نعم»

الى آخره و على هذا التقدير يراد حينئذ بالجنابة في قوله و ان كنتم جنبا الجنابة الحاصلة بالاحتلام. فيكون المعنى إذا قمتم إلى الصلاة فتوضئوا ان لم يكن احتلام و ان كنتم جنبا بحصول الاحتلام في النوم فاغتسلوا. و يستفاد منه حينئذ ان النوم

حدث كما أنه يستفاد منه حينئذ الاستغناء بالغسل عن الوضوء لدخول الأصغر الذي هو النوم في ضمن الأكبر الذي هو الجنابة. و لعل هذا التفسير للآية أولى من غيره لما فيه مع موافقته للنص السابق من السلامة عن الحزازات في غيره كالاستغناء عن قوله (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ)*(2) بدلالة المضمر عليه و عن قوله (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) بقوله (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً)، بل قيل و عن قوله (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) بقوله (وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) لأن ذكر السفر في موجبات التيمم لكونه مظنة فقد الماء فكأنه عبر به عنه و أما المرض فإنما يوجب التيمم لأجل التضرر باستعمال


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 7.
2- 2 سورة المائدة- آية 8.

ج 1، ص: 52

الماء لا لفقده فلا وجه للتقييد به، و مع ذلك فإنما يستقيم بجعل (أو) في قوله (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) بمعنى الواو و هو بعيد جدا بل أنكره كثير من النحاة، و لا يلزم شي ء من ذلك على هذا التفسير إذ عليه يكون قوله تعالى (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) عطفا على ما سمعته من المقدر في قوله (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) و يكون المستفاد من صدر الآية وجوب الوضوء من حدث النوم و الغسل من الجنابة المسببة عن الاحتلام مع التمكن من استعمال الماء، و من قوله (وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) وجوب التيمم في الحدثين السابقين مع عدم التمكن من استعمال الماء لفقده أو التضرر باستعماله، و يكون جواب الشرط محذوفا بقرينة اللاحق و الوضوء و الغسل من الغائط و الجنابة داخلان و التيمم منهما يستفاد من منطوق الآية و مفهومها كما ستعرف، و يحتمل أن يكون قوله (أَوْ جاءَ أَحَدٌ) إلى آخرها عطفا على المقدر في قوله (كُنْتُمْ مَرْضى) على معنى و كنتم محدثين بالحدثين السابقين اي النوم و الجنابة الاحتلامية و يكون قوله (فَتَيَمَّمُوا) جوابا للجميع، و يستفاد حينئذ من منطوق قوله (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ) الى آخره وجوب التيمم من حدث البول و الغائط و من الجنابة الحاصلة بالملامسة أي الجماع عند عدم وجدان الماء، و من مفهومه وجوب الوضوء و الغسل من تلك الأحداث عند وجدانه فتأمل جيدا و كيف كان فلم نجد شيئا يعتد به للقول بالوجوب النفسي، نعم قد يستدل له ب

صحيحة عبد الرحمن (1)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟ قال: ان الله يتوفى الأنفس في منامها و لا يدري ما يطرقه من البلية.

إذا فرغ فليغتسل»

و فيه أنه لا دلالة على أزيد من الاستحباب إذ الأمر بالاغتسال عند الفراغ محمول عليه قطعا، حتى على القول بالوجوب النفسي، لكونه موسعا عندهم.

و ب

خبر معاذ بن مسلم (2) المروي عن المحاسن للبرقي عن الصادق (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الجنابة- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمة العبادات- حديث 38.

ج 1، ص: 53

«أنه سأله عن الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره و لا يعذرهم على جهله، فقال:

شهادة ان لا إله إلا الله و ان محمدا رسول الله و صلوات الخمس و صوم شهر رمضان و الغسل من الجنابة و حج البيت و الإقرار بما جاء من عند الله جملة و الائتمام بأئمة الحق من آل محمد (صلى الله عليه و آله)»

و فيه مع الغض عما في سنده أنه لا ينافي الوجوب الغيري كالمروي عن

العلل بإسناده (1) عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: «جاء نفر من اليهود الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأل لأي شي ء أمر الله بالاغتسال من الجنابة و لم يأمر بالغسل من الغائط و البول، فقال (صلى الله عليه و آله):

ان آدم (عليه السلام) لما أكل من الشجرة دب ذلك في عروقه و شعره و بشره فإذا جامع الرجل خرج الماء من كل عرق و شعرة في جسده، فأوجب الله عز و جل على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة، و البول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الإنسان و الغائط يخرج من فضلة الطعام الذي يأكله الإنسان، فعليه في ذلك الوضوء»

بل يشهد له فيه جعله الوضوء على البول و الغائط مع أنه واجب غيري، و كالمروي (2)

عن الرضا (عليه السلام) في خبر محمد بن سنان: «أنه كتب إليه علة غسل الجنابة النظافة لتطهير الإنسان مما أصابه من أذى و تطهير سائر جسده لأن الجنابة خارجة عن كل جسده و لذلك كان عليه تطهير جسده كله، و علة التخفيف في البول و الغائط أنه أكثر و أدوم من الجنابة فرضي فيه بالوضوء لكثرته و مشقته و مجيئه بغير إرادة منه، و الجنابة لا تكون إلا بالاستلذاذ منهم و الإكراه لأنفسهم»

و فيه الشاهد المتقدم أيضا، و كالمروي عن

الاحتجاج (3)في حديث الزنديق الذي سأل الصادق (عليه السلام) قال: أخبرني عن المجوس كانوا أقرب الى الصواب في دينهم أم العرب في الجاهلية، فقال (عليه السلام): «العرب كانت أقرب الى الدين الحنفي من المجوس كانت المجوس


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الجنابة- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الجنابة- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الجنابة- حديث 14. و في الوسائل مع زيادة كثيرة.

ج 1، ص: 54

لا تغتسل من الجنابة و العرب تغتسل و الاغتسال من خالص شرائع الحنفية قال: فما علة غسل الجنابة و إنما اتى الحلال و ليس في الحلال تدنيس؟ قال (عليه السلام): ان الجنابة بمنزلة الحيض لأن النطفة دم لم يستحكم و لا يكون الجماع إلا بحركة شديدة و شهوة غالبة فإذا فرغ تنفس البدن و وجد الرجل في نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك، و غسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله تعالى عليها عبيده ليختبرهم بها»

و هو كالأخبار السابقة أيضا مع شهادة تنزيله منزلة دم الحيض بذلك.

و ربما استدل له أيضا بما

ورد(1) أن «علة غسل الميت خروج النطفة منه»،

و بما

ورد(2) في عدة أخبار «إن الجنب إذا مات يغسل غسلا واحدا من غسل الميت و الجنابة معا»

، مع التعليل في بعضها

«انهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة».

و من هذا الباب غسل الملائكة للأنصاري(3)الذي قتل و هو جنب و هي مشهورة، و ب

خبر عمار(4) سأله عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل قال: «ان شاءت أن تغتسل فعلت و إن لم تفعل فليس عليها شي ء إذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة»

و

خبر زرعة(5) عن سماعة سأله عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال: «إن أحب أن يتوضأ فليفعل و الغسل أحب إلى و أفضل من ذلك»

و الجواب عن الجميع واضح سيما الأخير، بل لعل فيه دلالة على المطلوب لظهوره في إرادة الاستحباب و كذا سابقه فإنه مع ابتنائه على إمكان رفع حدث الجنابة حال الحيض و المشهور منعه لا دلالة فيه على


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب غسل الميت- حديث 3 و 4 و في باب- 3- في غالب الأحاديث.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب غسل الميت.
3- 3 الفقيه- باب غسل الميت- حديث 46.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الجنابة- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الجنابة- حديث 6.

ج 1، ص: 55

الوجوب النفسي، بل لعله في غيره أظهر سيما بعد معارضته بما تقدم من قوله (لا تغتسل) المحمول بعد البناء على ذلك على إرادة نفي الوجوب، فتأمل جيدا.

[في المندوب من الغسل]

و المندوب من الغسل ما عداه أي الواجب كما سيأتي تفصيله ان شاء الله

[في الواجب من التيمم]

و الواجب من التيمم بدلا عن الوضوء و الغسل بحصول أحد مسوغاته ما كان لصلاة واجبة إجماعا محصلا و منقولا و سنة، لكن هل هو عند تضيق وقتها مطلقا أو يجوز مع السعة مطلقا أو يفصل بين الرجاء و عدمه؟ أقوال يأتي الكلام فيها. و قد يشعر اقتصار المصنف على الصلاة كالعلامة في المنتهى بعدم وجوبه للطواف الواجب. و هو مما ينبغي القطع بفساده لبدليته عن الوضوء فيه، بل عن شرح الإرشاد للفخر الإجماع عليه. بل و كذا ينبغي القطع به بالنسبة للغسل أيضا، و ان نقل عن العلامة انه لا يرى التيمم بدلا عنه فيه، مع انه مناف لإطلاقه الوجوب للصلاة و الطواف في القواعد و الإرشاد و التحرير مناف لعموم ما دل على بدليته عن الماء بالنسبة للطهارتين (1) ك

قوله (عليه السلام): (ان التيمم أحد الطهورين)

و في آخر:

(ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا)(2)

و في ثالث

(هو بمنزلة الماء)(3)

الى غير ذلك، و هو الموافق أيضا لما يأتي في باب التيمم من إطلاق كثير منهم انه يستباح بالترابية ما يستباح بالمائية، بل عن المصنف في المعتبر انه يجوز التيمم لكل من وجب عليه الغسل إذا عدم الماء، و كذا كل من وجب عليه الوضوء، و هو إجماع أهل الإسلام إلا ما حكى عن عمر و ابن مسعود إنهما منعا الجنب من التيمم. و قد يستفاد من المنتهى أيضا نفى الخلاف بيننا عن مشروعيته لكل ما اشترط فيه الطهارة المائية. إذ قال فيه في باب التيمم: «التيمم مشروع لكل


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب التيمم- حديث 1 و في الباب 23- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التيمم- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- حديث 3.

ج 1، ص: 56

ما يشترط الطهارة فيه و لصلاة الجنازة استحبابا» و لم ينقل فيه خلافا من أحد في الأول نعم نقله في الثاني عن بعض العامة، و قال فيه أيضا: «يجوز التيمم لكل ما يتطهر له من فريضة و نافلة و مس مصحف و قراءة عزائم و دخول مساجد و غيرها. و به قال عطا و مكحول و الزهري و ربيعة و يحيى الأنصاري و مالك و الشافعي و الثوري و أصحاب الرأي، و قال أبو محرمة: لا يتيمم إلا لمكتوبة، و كره الأوزاعي أن يمس التيمم المصحف» انتهى، و هو يعطي ما ذكرنا. و من ذلك كله يظهر لك انه يجب أيضا بدلا عن الغسل الواجب للصوم و ان نفاه في المنتهى صريحا و في غيره ظاهرا. كما عساه تشعر به عبارة المصنف أيضا و اختاره في المدارك بعد ان حكى عن جماعة التعبير ان التيمم يجب لما تجب له الطهارتان.، قال: «و هو مشكل لانتفاء الدليل عليه، و الأظهر ان التيمم يبيح كل ما يبيحه المائية» و استدل عليه بالأخبار المتقدمة و قال:

«فما ثبت توقفه على مطلق الطهارة من العبادات يجب له التيمم و ما ثبت توقفه على نوع خاص منها كالغسل في صوم الجنب مثلا فالأظهر عدم وجوب التيمم له مع تعذره إذ لا ملازمة بينهما» انتهى، و أنت خبير بما فيه بعد الغض عن ظهور الاضطراب و التناقض في كلامه، لما عرفت من ان المستفاد من الأدلة ان واجد التراب كواجد الماء بالنسبة الى ذلك، و من العجيب ذكره لتلك الأخبار التي منها انه بمنزلة الماء، مع صدور هذا التفصيل منه. و من المعلوم ان المتبادر من كل ما علق على الغسل أو الوضوء ارادة التعليق على الطهارة. فظهر حينئذ ان الأولى ان التيمم يجب لكل ما تجب له المائية من الغايات كما تعطيه عبارة المبسوط و الدروس و جامع المقاصد و غيرها.

و يجب أيضا للجنب في أحد المسجدين ليخرج به كما أشبعنا به الكلام في باب الجنابة فلاحظ و تأمل و المندوب ما عداه من الغايات التي تندب فيها الطهارة المائية وضوءا كانت أو غسلا، سواء كانت شرطا في صحتها كالنافلة مثلا أولا.

ج 1، ص: 57

و ظاهر ان المراد المندوب أصالة و إلا فمتى وجبت بالعارض وجب لها التيمم حينئذ، فلا تدل العبارة حينئذ على عدم وجوب التيمم عند وجوب ما لا يستباح إلا بالطهارة، فلا منافاة بينها و بين ما سيأتي من أنه يستباح به كل ما يستباح بالمائية، نعم قد سمعت سابقا ان ظاهرها يقضي بعدم الوجوب لما هو واجب أصلي غير الصلاة و قد مضى بما فيه، و عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد أنه لا يبيح التيمم من الأكبر إلا الصلاة و الخروج من المسجدين ناسبا له فيه الى والده، و عنه في الإيضاح انه استثنى من كلية الاستباحة به ما يستباح بالغسل الجنب لدخول المسجدين و اللبث في المساجد و مس كتابة القرآن.

و هو ضعيف مخالف للعمومات المتقدمة و غيرها. نعم انما يشكل الحال في قيام التيمم مقام الماء في غير رفع الحدث أو الإباحة كالأغسال المندوبة و وضوء الجنب و الحائض و نحوهما، بل و كذا الوضوءات التي لم يقصد فيها ذلك و ان كان لو اتفق معها لرفعته كالتجديد و الوضوء من الأسباب المندوبة كالمذي و القي و الرعاف و نحوها، و لم نجد للأصحاب كلاما منقحا في ذلك، بل قد يظهر من مطاوي كلماتهم المنع كما يشعر به نص التحرير و المنتهى و جامع المقاصد و غيرها في باب الحيض على عدم قيام التيمم مقام وضوءها للذكر، و قال في جامع المقاصد في المقام: «و هل يستحب التيمم في كل موضوع يستحب فيه الوضوء و الغسل؟ لا إشكال في استحبابه إذا كان المبدل رافعا أو مبيحا و إنما الإشكال فيما سوى ذلك.

و الحق ان ما ورد النص به أو ذكره من يوثق به من الأصحاب كالتيمم بدلا من وضوء الحائض للذكر يصار اليه و ما عداه على المنع حتى يثبت بدليل» و في المدارك: «و هل يستحب التيمم بدلا عن الغسل المستحب مع تعذره؟ فيه وجهان أظهرهما العدم و ان قلنا انه رافع لعدم النص، و جزم جدي (قدس سره) بالاستحباب على هذا التقدير و هو مشكل»

انتهى و حكى في كشف اللثام عن المبسوط بدليته عن الغسل للإحرام. و كيف كان فلعل الأقوى الاستحباب أيضا أخذا بما دل من تنزيل التراب منزلة الماء

و انه يكفيك(1)عشر سنين


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب التيمم- حديث 7.

ج 1، ص: 58

و غير ذلك، اللهم إلا أن يدعى أن المنساق منها إرادة الطهارة دون غيرها سيما مع عدم العموم اللغوي في شي ء منها. و فيه منع، فتأمل جيدا

[في وجوب الطهارة بالنذر]

و قد تجب الطهارة بالنذر و شبهه من العهد و اليمين و غيرهما بعد فرض وجود شرائط كل منهما كالرجحان في المنذور مثلا، فلو نذر طهارة غير مشروعة كالوضوء مع غسل الجنابة مثلا و كالتيمم الذي هو بدل عن المائية مع القدرة عليها لم ينعقد قطعا حتى لو قلنا بانعقاد النذر على المباح، لمكان التشريع المحرم فلا إباحة، اللهم إلا أن يريد مجرد فعل الصورة فيصح حينئذ و تلزمه الكفارة مع المخالفة. ثم انه ان كان متعلق النذر مطلق الطهارة رافعة أو مبيحة من غير تقييد بنوع خاص منها كالوضوء أو الغسل مثلا اكتفي في حصول الامتثال بما هو مسماها شرعا، بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية، أو عرفا لم يكن هناك فرد متبادر ينصرف إليه الإطلاق، و إلا التزم به إذا لم يقصد التعميم و الشمول، هذا ان لم نقل بكون لفظ الطهارة مشتركا لفظيا و إلا احتمل فساد النذر إلا إذا قصد عموم الاشتراك. و ربما احتمل الصحة و الرجوع الى التخيير كالأول و ان لم يقصده، لكنه لا يخلو من اشكال. ثم ان لم يقيدها بوقت خاص كان التكليف بها كسائر التكليفات المطلقة لا تتضيق إلا بما تتضيق به، و ان قيدها فيه فلا إشكال في وجوبها عليه حينئذ مع التمكن من الامتثال، و مع عدمه فالأقوى سقوطه عنه في خارجه لانكشاف فساد النذر حينئذ. نعم قد يشكل فيما لو كان في حال يتمكن من إزالتها فيكون حينئذ مكلفا بالطهارة، كما لو كان في ذلك الوقت مثلا متطهرا و كان يمكنه إزالة تلك الطهارة بأن يحدث مثلا، فيكون حينئذ مكلفا بالطهارة النذرية. و منشأ الاشكال كون ذلك مقدمة واجب مشروط فلا يجب تحصيلها أو مطلق فيجب، و لعل الأقوى الأول كما عن جماعة لظهور اشتراط كون متعلق النذر راجحا في نفسه و حد ذاته لا أن يصيره المكلف كذلك فلا تشمله حينئذ أدلة الوفاء بالنذر، و لا يجب عليه حينئذ إراقة الماء لو كان المنذور التيمم و لا إيجاد الجنابة لو كان غسلا فتأمل جيدا.

ج 1، ص: 59

و من ذلك كله يظهر لك الحال فيما لو كان متعلق النذر نوعا خاصا منها مقيدا بوقت خاص أو لا على حسب ما تقدم. و هل يجتزى بنحو الوضوء الصوري كوضوء الجنب و الحائض؟ الظاهر ذلك، و ربما احتمل العدم إما لكون لفظ الوضوء مثلا حقيقة في غيره أو لانصرافه الى غيره و ان كان حقيقة فيه، و هو لا يخلو من قوة بالنسبة للوضوء فتأمل، نعم لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بالتجديدي. و لو نذره أي التجديدي بخصوصه لكل فريضة وجب، و فائدته لزوم الكفارة بالمخالفة لا بطلان الصلاة لاستباحتها بالطهارة الأولى. و لو أعاد الصلاة جماعة لم يبعد عدم وجوب التجديدي سواء قلنا باستحباب المعادة أو كون الفرض إحداهما لا بعينها، مع احتماله على التقدير الثاني.

و لو أراد قضاء صلاة منسية التعيين وجب ثلاث صلوات أو خمس على الخلاف، لكن هل يكفيه تجديد واحد أو يفتقر في كل واحدة إلى تجديد؟ وجهان ينشئان من أن الواجب فعله مع الفرائض و هي هنا واحدة و ما عداها وسيلة إلى تحصيلها، و من وجوب كل واحدة بعينها فأشبهت الواجبة بالأصالة. و الأقوى الأول. و لو نسي صلاتين من يوم و أوجبنا الخمس، قال في نهاية الأحكام على ما حكاه عنها في كاشف اللثام مع فرض المسألة في نذر تعدد التيمم لكل صلاة: «احتمل تعدد التيمم لكل صلاة و الاقتصار على تيممين تجديديين و زاد في عدد الصلاة، فيصلي بالتيمم الأول الفجر و الظهرين و المغرب، و بالثاني الظهرين و العشاءين، فيخرج عن العهدة، لانه صلى الظهر و العصر و المغرب مرتين بتيممين فان كانت الفائتتان من هذه الثلاث فقد تأدت كل واحدة بتيمم، و إن كانت الفائتتان الفجر و العشاء فقد أدى الفجر بالتيمم الأول و العشاء بالثاني، و ان كانت إحداهما من الثلاث و الأخرى من الأخيرتين فكذلك» إلى أن قال: «و الضابط أن يزيد في عدد المنسي فيه عددا لا ينقص عما يبقى من المنسي فيه بعد إسقاط المنسي، و ينقسم المجموع صحيحا على المنسي كالمثال، فان المنسي صلاتان و المنسي فيه خمس زيد عليه ثلاثة لأنها لا تنقص عما يبقى من الخمسة بعد إسقاط

ج 1، ص: 60

الاثنين بل تساويه، و المجموع هو ثمانية ينقسم على الاثنين على صحة» إلى أن قال:

«لكن يشترط في خروجه عن العهدة بالعدد المذكور أن يترك في كل مرة ما يبتدئ به في المرة التي قبلها و يأتي في المرة الأخيرة بما تقي من الصلاة، فلو صلى في المثال بالتيمم الأول الظهرين و العشاءين و بالثاني الغداة و الظهرين و المغرب، فقد أخل بالشرط إذ لم يترك في المرة الثانية ما ابتدأ به في المرة الأولى و إنما ترك ما ختم به في المرة الأولى، فيجوز أن يكون ما عليه الظهر أو المغرب مع العشاء فبالتيمم الأول صحت تلك الصلاة و لم يصح العشاء بالتيمم و بالثاني لم يصل العشاء فلو صلى العشاء بالتيمم الثاني خرج عن العهدة» ثم أطنب في صور أخر أعرضنا عنها إذ يكفي في تشحيذ الذهن منها ذلك، لكنه لعله لا يخلو دعوى مشروعية زيادة الصلوات كما ذكر محافظة على التجديد المنذور من تأمل و نظر بل و منع، بل المتجه حينئذ تجديد التيمم لكل واحدة من الخمس، إذ كما أن الصلاتين مترددتان في الخمس فكذا التيممان، و مع فرض عدم التمكن من ذلك يسقط المتعذر، فتأمل جيدا.

[هذا الكتاب يعتمد على أربعة أركان]

اشاره

و هذا الكتاب و ما ألحق به من البحث في النجاسات بعد أن ذكرنا البحث عن ماهية الطهارة يعتمد على أربعة أركان و ركن الشي ء جانبه الأقوى أو ما يتقوم به ذلك الشي ء. و إنما كان الاعتماد على أربعة، لأن الطهارة إما أن تكون اختيارية أو اضطرارية، فجعل البحث في كل منهما ركنا، و لما كان ما تحصل به الاولى معرضا لاحكام كثيرة جعله أيضا ركنا بخلاف ما تحصل به الثانية، و إذ لم يدخل البحث في النجاسات و أحكامها في شي ء من ذلك جعله ركنا أيضا، و لا يقدح في ذلك كون البحث عنه استطرادا. و الحاصل ان الفقيه يبحث في الطهارة عن أمور خمسة: الأول ماهية الطهارة الثاني في أقسامها، الثالث ما تفعل به، الرابع ما يبطلها، الخامس توابعها، و لما قدم المصنف البحث عن الأول بقيت أربعة أدرج بعضها في بعض و أوردها في أربعة أركان، فقال

ج 1، ص: 61

[الركن الأول: في المياه]
اشاره

الركن الأول: في المياه جمع ماء، و هو و أمواه دليل إبدال الهمزة عن الهاء. و جمعه باعتبار ما تسمعه من أقسامه المختلفة بالأحكام، و فيه أطراف و قطع من الكلام

[الطرف الأول في الماء المطلق]
اشاره

الأول في الماء المطلق و الظاهر استغناؤه عن التعريف كما في سائر الألفاظ الواردة في الكتاب و السنة، بل هو أولى منها فيدور الحكم مدار صدق اسمه و عدم صحة سلبه، فمن هنا كان التعريف الواقع من الأصحاب على نحو التعاريف اللغوية من إبدال لفظ مجهول بآخر معلوم، بل كان الأولى تركه، لانه لا لفظ أوضح من لفظ الماء، نعم لما كان امتياز المطلق عن المضاف بالإطلاق و الإضافة أراد التنبيه على ذلك فقال و هو كل ما يستحق عرفا إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة و قيد، و وقوع بعض الافراد منه مضافة كماء البحر و ماء البئر لا تنافي استحقاق الإطلاق بدونها، بخلاف غيرها فلا معنى للإيراد على هذا و نحوه بوقوع لفظ (كل) فيه و اشتماله على المعرف و نحو ذلك، لما عرفت انه ليس تعريفا حقيقيا. و إنما لم يعرفوه بتعريفه الحقيقي لأنه لا غرض يتعلق للفقيه بذلك لانحصار غرضه بالحكم الشرعي الدائر مدار صدق الاسم عرفا. و ربما زاد بعضهم على ما ذكره المصنف و يمتنع سلبه عنه، و كأنه مستغنى عنه. و احتمال القول انه ذكره لانه قد يطلق لفظ الماء مطلقا على المضاف في حال الحمل فيقال لماء الورد و نحوه انه ماء لكنه يصح سلبه عنه. فيه ان هذا الإطلاق بدون قرينة ممنوع و معها خروج عن البحث، فان المراد بالإضافة و القيد و نحو ذلك الواقعة في كلامهم عدم الاحتياج إلى قرينة موجودة أو مقدرة فتأمل. و ليعلم انه لا ينافي دوران الحكم مدار الصدق وقوع الاشتباه في بعض المقامات، فإنه قد يصدق لفظ الماء على ما ليس بماء في الواقع لو علم بحاله، بل هو بول مثلا كما في سائر الموضوعات. و لو شك في الصدق فان كان لعروض عارض جرى عليه حكم معلوم الصدق بناء على صحة استصحاب الموضوع فيه و في نظائره من الألفاظ

ج 1، ص: 62

العرفية. و إلا جاز شربه و سائر استعماله في كل ما لم يشترط فيه المائية، اما ما كان كذلك كإزالة الخبث أو الحدث فلا للأصل في المقامين. و كله سواء نبع من الأرض أو نزل من السماء أو اذيب من ثلج مع بقائه على أصل خلقته من دون عارض يعرض له من نجاسة أو استعمال على بعض الأقوال طاهر مزيل للحدث و الخبث كتابا و سنة كادت تكون متواترة، و إجماعا محصلا و منقولا نقلا مستفيضا بل متواترا، فما عن سعيد بن المسيب من عدم جواز الوضوء بماء البحر و ما عن عبد الله بن عمر من أن التيمم أحب إليه- لا يلتفت اليه، على ان الثاني غير متحقق الخلاف، بل لا يبعد أن يكون الأول قد أنكر ضروريا من ضروريات الدين. و المراد بالحدث إما نفس الأمور المؤثرة الموجبة لفعل الطهارة، و يراد حينئذ بالإزالة له الإزالة لحكمه، و إما الأثر الحاصل منها. و المراد بالخبث النجاسة. و الفرق بينهما ان الأول محتاج رفعه إلى النية دون الثاني.

و ربما فرق بأن الأول لا يدرك بالحس و الثاني ما يدرك.

و كيف كان فمما يدل على كون الماء مزيلا للحدث و الخبث من الكتاب قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»(1)فان المراد من الطهور هنا المطهر فيوافق قوله تعالى «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ»(2) و قد وقع استعمال طهور في هذا المعنى في جملة من الأخبار المعتبرة ك

قوله (صلى الله عليه و آله)(3):

«جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا و أيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء و وجد الأرض لقد جعلت له مسجدا و طهورا»

و

«طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ان يغسله سبعا»(4)

و

«التراب طهور المسلم»(5)

و

«التوبة طهور


1- 1 سورة الفرقان- آية 50.
2- 2 سورة الأنفال- آية 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب التيمم- حديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 43- من أبواب النجاسات و الأواني حديث 3 و 4 مع تغيير في اللفظ.
5- 5 المستدرك- الباب- 5- من أبواب التيمم حديث 3 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 1، ص: 63

للمذنب»(1)

و

«النورة طهور»(2)

و

«النورة نشرة و طهور للجسد»(3)

و

«اطل فإنه طهور»(4)

و

«غسل الثياب يذهب الهم و الحزن و هو طهور للصلاة»(5)

و

قوله (عليه السلام)(6) و قد سئل عن الوضوء بماء البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»

و

قال الصادق (عليه السلام)(7): «كان بنوا إسرائيل إذا أصابهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع الله عليكم بما بين السماء و الأرض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون»

الى غير ذلك. و قد يكون منه

قوله: «عذاب الثنايا ريقهن طهور»

فإنه أنسب من الطاهر فقط. و كذلك قوله تعالى «وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً»(8) بمعنى المنظف لانه ينظف عما أكل فيخرج عن جلده رشحا على ما قيل، أو لأنه يطهر شاربه عن الميل الى غير الحسنات أو الالتفات الى ما سوى الحق تعالى، بل في الذخيرة انه قيل قد روى مثل ذلك (9)عن الصادق (عليه السلام).

فظهر أن من أنكر استعمال طهور بهذا المعنى مكابر و كيف و قد نسبه الشيخ في التهذيب إلى لغة العرب، و انهم لا يفرقون بين قول القائل ماء طهور و ماء مطهر و في الخلاف عندنا أن الطهور هو المطهر للحدث و النجاسة، و اختاره في المعتبر، و نقله عن الشيخ و علم الهدى في المصباح، و هو المنقول عن الترمذي من أكابر أهل اللغة،


1- 1 البحار باب- التوبة المجلد- 3- و فيه «التوبة مطهرة للذنب» و لم نجد في الاخبار «التوبة طهور للمذنب».
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب آداب الحمام- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب آداب الحمام- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب آداب الحمام- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة حديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
8- 8 سورة الدهر آية 21.
9- 9 مجمع البيان سورة الدهر آية 21.

ج 1، ص: 64

قال: إن الطهور بالفتح من الأسماء المتعدية و هو المطهر غيره، و هو ظاهر التذكرة و المنتهى و صريح الذكرى و نسبه المقداد إلى أصحابنا و الشافعية. و هو المنقول عن التبيان و مجمع البيان و المسالك الجوادية لقولهم: ماء طهور اي طاهر مطهر مزيل للأحداث و النجاسات، و عن نهاية ابن الأثير ان الطهور في الفقه هو الذي يرفع الحدث و يزيل النجس، لان فعولا من أبنية المبالغة فكأنه تناهى في الطهارة. قال: و منه حديث ماء البحر الى آخره، و عن المصباح المنير قال: و طهور قيل هي مبالغة و انه بمعنى طاهر و الأكثر انه لوصف زائد، قال ابن فارس: الطهور، هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، و قال الأزهري الطهور في اللغة هو الطاهر المطهر و قوله (عليه السلام) هو الطهور ماؤه أي هو الطاهر المطهر، قاله ابن الأثير، و في القاموس، الطهور المصدر و اسم ما يطهر به أو الطاهر المطهر انتهى، و عن الزمخشري أنه حكاه عن أحمد بن يحيى، و عن المغرب أنه حكاه عن تغلب، و في المصابيح للسيد المهدي أن المشهور بين المفسرين و أصحاب الحديث و الفقهاء و أئمة اللغة انه بمعنى المطهر أو الطاهر المطهر انتهى.

فظهر لك من جميع ما ذكرنا انه لا ينبغي الشك في استعمال طهور في ذلك، فما نقل عن أبي حنيفة و الأصم و أصحاب الرأي من إنكار ذلك و جعله بمعنى الطاهر لا غير مستدلين بان فعول الذي للمبالغة لا يكون متعديا و بوروده لهذا المعنى كما في قول الشاعر

«ريقهن طهور»

و قوله تعالى «وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً» غير صحيح، لما عرفت، على أن ذلك لا ينافي ما ذكرنا أيضا إذ كما أن استعماله بمعنى فاعل على تقدير تسليمه غير مطرد فإنه لا يقال ثوب طهور و خشب طهور و نحو ذلك فكذا ما نحن فيه فتأمل. نعم قد يقال أنه توقيفي لا يقتضيه القياس من جهة أن فعول الذي هو للمبالغة لا يكون متعديا و اسم الفاعل منه غير متعد و لا ريب ان طاهر الا يتعدى، و من هنا اعترف في المعتبر و كنز العرفان ان كلام أبي حنيفة موافق لمقتضى القياس اللغوي غير موافق لمقتضى الاستعمال،

ج 1، ص: 65

لما عرفت. و ما في التهذيب بعد ان أورد الدليل لأبي حنيفة من انه لا يكون فعول متعديا و الفاعل منه غير متعد، قال: «انه غلط لأنا وجدنا كثيرا ما يعتبرون في أسماء المبالغة التعدية و ان كان اسم الفاعل منه غير متعد، ألا ترى الى قول الشاعر:

حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طرابا و بات الليل لم ينم

تعدى كليل الى موهنا و كان اسم الفاعل منه غير متعد و هذا كثير في كلام العرب» انتهى: و لعله لا ينافي ما ذكرنا لكون مثل ذلك بعد تسليم انه مما نحن فيه لا يثبت انه قياسي و كيف و هو من المعلوم ان فعولا للمبالغة في مادة فاعل فهو تابع له. نعم هنا مسلك آخر لإفادته التطهير لا من جهة الوضع اللغوي فيقال انه لما كان مثل ذلك موضوعا للمبالغة

الحاصلة من التكرار كضروب، فإنه لا يقال إلا بعد حصول التكرار، و كانت صفة الطهارة الشرعية غير قابلة للزيادة و النقيصة، كان معنى المبالغة منصرفا إلى المطهرية حتى يكون لها وجه مناسب. و قد ارتكب هذا الطريق جماعة بل ربما أضافوه الى النقل عن اللغة، و ليس هذا من باب إثبات اللغة بالاستدلال بل هو إثبات المراد باللفظ بواسطة الفهم العرفي من قبيل حمل اللفظ على أقرب المجازات بعد تعذر الحقيقة. قال الزمخشري على ما نقل عنه في الكشاف: «طهورا أي بليغا في طهارته. و عن احمد بن يحيى هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره. فان كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا و يعضده قوله تعالى «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ»(1) و إلا فليس فعول من التفعيل في شي ء» انتهى. و قال في المغرب على ما نقل عنه: و ما حكي عن تغلب ان الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره ان كان مراده بيان لنهايته في الطهارة فصواب حسن و إلا فليس فعول من التفعيل في شي ء، و قياس هذا على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كقطوع و منوع غير


1- 1 سورة الأنفال- آية 11.

ج 1، ص: 66

سديد» انتهى. و عن الطراز: «ان فعولا ليس من التفعيل في شي ء و قياسه على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كمنوع و قطوع غير سديد إلا ان يكون المراد بذلك بيان كونه بليغا في الطهارة فهو حسن صواب إذ كانت الطهارة بنفسها غير قابلة للزيادة فمرجع الزيادة إلى انضمام التطهير لا ان اللازم قد صار متعديا» انتهى. قال السيد المهدي في المصابيح: «فهؤلاء و هم عمدة القائلين بخروج التطهير عن معنى الطهور اعترفوا بدلالته عليه باللزوم من جهة المبالغة، و لعل غيرهم لا يمنع ذلك فإن الدلالة بهذا الوجه ليس لدخوله في الموضوع له فلا ينافي القول بخروجه عنه» انتهى.

قلت: قد يظهر بعد التأمل في كلام هؤلاء أن مرادهم بعد معرفة كون الماء بهذا الوصف الذي لم يخالف فيه أحد من المسلمين، بل هو من جملة ضروريات الدين يحمل لفظ الطهور المراد منه المبالغة عليه بعد تعذر المعنى الحقيقي، لا انه لو لم يعلم كون الماء بهذا الحال و أطلق لفظ الطهور عليه مع عدم تسليم كونه بمعنى المطهر يستفاد منه ذلك من جهة المبالغة التي لا تصح بدونه، و المفيد تسليمه إنما هو الثاني لا الأول فتأمل جيدا.

و ربما ظهر من شيخ الطائفة في التهذيب و الخلاف الاستدلال بهذا الطريق قال في الأول: «و الطهور هو المطهر في لغة العرب فيجب أن يعتبر كل ما يقع عليه الماء بأنه طاهر مطهر إلا ما قام الدليل عليه على تغيير حكمه، و ليس لأحد أن يقول إن الطهور لا يفيد في لغة العرب كونه مطهرا، لأن هذا خلاف على أهل اللغة. فإن قال قائل كيف يكون الطهور و هو المطهر و اسم الفاعل منه غير متعد و كل فعول ورد في كلام العرب متعديا لم يكن متعديا إلا و فاعله متعد. قيل له هذا كلام من لم يفهم معاني الألفاظ العربية، و ذلك أنه لا خلاف بين أحد من أهل النحو أن فعولا موضوع للمبالغة و تكرر الصفة و عدم حصول المبالغة على ذلك الوجه لا يستلزم عدم حصولها بوجه آخر، و هو هنا باعتبار كونه مطهرا» ثم ذكر المنع المتقدم الذي نقلنا عنه سابقا. و قال في الخلاف:

«عندنا ان الطهور هو المطهر المزيل للحدث و النجاسة و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة

ج 1، ص: 67

و الأصم: الطهور و الطاهر بمعنى واحد. دليلنا هو أن هذه اللفظة وضعت للمبالغة و المبالغة لا تكون إلا فيما يتكرر فيه الشي ء الذي اشتق الاسم منه، ألا ترى أنهم يقولون فلان ضارب إذا ضرب ضربة واحدة، و لا يقال ضروب إلا بعد أن يتكرر منه الضرب، و إذا كان كونه طاهرا مما لا يتكرر و لا يتزايد فينبغي كون طاهرا طهورا لما لا يتزايد(1)و الذي يتصور التزايد فيه أن يكون مع كونه طاهرا مطهرا مزيلا للحدث و النجاسة و هو الذي نريده» الى آخره، انتهى. و ربما أورد عليه بعض المتأخرين بأن هذا إثبات اللغة بالاستدلال و هو غير جائز، و قد يظهر من بعض هؤلاء إنكار استعمال طهور و صفا، نعم سلم استعماله في اسم الآلة أي لما يتطهر به كالوضوء لما يتوضأ به و السحور و غير ذلك.

و فيه انه قد يكون مراد الشيخ التأييد بذلك، و إلا فالمعتمد ما نقله أولا عن أهل اللغة، و ان كان ظاهر قوله في الخلاف (دليلنا) الى آخره ينافي ذلك أو يكون مراده ما ذكرناه سابقا من الاستناد الى الفهم العرفي بعد تعذر المعنى الحقيقي، فتأمل جيدا.

و أما إنكاره مجي ء فعول و صفا فهو كأنه مخالف للمجمع عليه بينهم، و أبو حنيفة و أصحابه لم ينكروا ذلك بل أنكروا و صفيته بمعنى مطهر لا أصل الوصفية، و لذلك قال في المصابيح: انه لا خلاف في مجيئه وصفا و إنما الخلاف في تعيين المراد منه حينئذ، فهل الطاهرية أو هي مع المطهرية.

لا يقال إن وجه المبالغة غير منحصر في ذلك فإن الطهارة قابلة للزيادة و النقصان كالوضوء بالآجن و الشمس، لأنا نقول إن رفع الحدث معنى واحد لا يختلف و كراهة استعمال بعض المياه لا يقتضي نقصا فيها، نعم قد يقال انه بناء على ان المراد بالطهارة المعنى الذي يحصل في نفس المكلف من القرب الى الله تكون قابلة للزيادة و النقيصة من جهة القرب و الأقربية، و أنت خبير ان العمدة في الاستدلال إنما هو النقل و التبادر لا هذه الوجوه فتأمل جيدا.


1- 1 و في نسخة الخلاف المطبوعة فينبغي ان يكون كونه طهورا لما يتزايد.

ج 1، ص: 68

و ربما سلك بعضهم في استفادة التطهير من لفظ طهور في الآية طريقا آخر، و هو ان الظاهر من قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً» إرادة الطاهر منه لكونه واقعا في معرض الامتنان المستلزم لذلك فإنه لا امتنان بالنجس، فتعين حينئذ طهور لإرادة المطهرية لا استفادة أصل الطهارة بدونه. و هو لا يخلو من وجه، كاحتمال القول انه يراد المطهرية منه و لو مجازا بقرينة قوله تعالى «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ» و الأولى الاستناد في ذلك الى ما ذكرناه أولا من النقل اللغوي و الاستعمال.

و تذكر المبالغة و استفادة الطاهرية بدونه و قوله تعالى لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ و غير ذلك مؤيدات له.

و قد يسلك لاستفادة ذلك طريق آخر مغاير للأول كما وقع من جماعة، و هو بان يقال ان لفظ الطهور يأتي مصدرا كما عن النهاية و المغرب و القاموس و الطراز و عن الزمخشري و ابن الأثير حكايته عن سيبويه، و منه قولهم تطهرت طهورا حسنا. و هل هو حينئذ بمعنى التطهر أو الطهارة؟ احتمالان: عن المغرب النص على الأول، كما عن كنز العرفان و الكشاف التفسير بالثاني، و كذا عن الطراز و عنه أيضا أنه مصدر لتطهر على غير القياس و يأتي اسما للآية فيكون معناه ما يتطهر به كالوضوء و الغسول و الفطور كما نص عليه في الصحاح، و هو المنقول عن المحيط و الأساس و الكشاف و الغريبين و المغرب و النهاية و الطراز. و في الذخيرة انه قد جاء طهور لما يتطهر به باتفاق من وصل الي كلامه من أهل اللغة و هو بالفتح لا غير بخلافه مصدرا فإنه بالفتح و الضم، و عن النهاية ضبط المصدر بالضم، و نقل الفتح عن سيبويه. و كيف كان فيقال حينئذ أما حمله على المصدر في المقام بناء على مجيئه مفتوحا فممنوع بناء على جعله نعتا للماء إلا على تأويل، و لعل تأويله بمطهر حينئذ أولى لوجوه منها موافقة الآية الثانية و كونه أقرب للفعل الذي هو مصدر له على بعض الوجوه، بل أولى من ذلك بقاؤه على المصدرية و جعله منصوبا على معنى اللام، فيوافق التعليل في الآية الثانية فتأمل جيدا. و أما حمله على الآلة فقد صرح به هنا جماعة كصاحب الصحاح و غيره، و ربما استشكله بعضهم أنه حينئذ لا يصلح

ج 1، ص: 69

أن يكون نعتا للفظ الماء لكونه من قبيل الأسماء الجامدة و ان دل على المبدأ إلا على تأويل، كما يلتزم في الجامد المحض، و من هنا لم يلتفت اليه صاحب الكشاف مع اعترافه بأصل المعنى، و يمكن أن يجاب عن ذلك بحمله على البدلية من لفظ الماء، أو يراد من طهور حينئذ يتطهر للاستغناء عن الموصوف بلفظ ماء فيكون المعنى و أنزلنا من السماء ماء يتطهر به، كما عن الهروي فإنه قال ماء طهور أي يتطهر به أو يراد و أنزلنا من السماء ماء هو آلة للطهارة، كما عن النيشابوري. و الحاصل ان أمر التأويل في ذلك سهل.

و قد يقال إن من ذكر انه يراد بالطهور المطهر أخذه من هذا المعنى، لا أن المراد بالطهور المطهر وضعا إذ لا ريب في استفادة المطهرية منه على تقدير كونه اسما للآلة، و ربما يرشد الى ذلك ما ذكره المحقق في المعتبر فإنه قال: «الطهور هو المطهر لغيره قاله الشيخ في الخلاف و علم الهدى في المصباح، خلافا لبعض الحنفية. لنا النقل و الاستعمال، أما النقل فما ذكره الترمذي قال: الطهور بالفتح من الأسماء المتعدية و هو المطهر غيره، و قال الجوهري: الطهور هو ما يتطهر به كالسحور و البرود. و أما الاستعمال» الى آخره، فان نقله عن الجوهري استشهاد لما ادعاه من كون الطهور هو المطهر، مع ان الذي ذكره الجوهري إنما هو اسم الآلة إشارة إلى أن المطهرية المرادة من الطهور إنما هي مأخوذة من اسم الآلة، نعم ما نقله عن الترمذي ليس كذلك لقوله: «من الأسماء المتعدية» مع انه قد يحمل لفظ التعدية في كلامه على معنى آخر فتأمل. و قال العلامة في التذكرة: «و الطهور هو المطهر لغيره و هو فعول بمعنى ما يفعل به أى يتطهر به كغسول، و هو الماء الذي يغتسل به لقوله تعالى (وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) ثم قال (وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) لأنهم فرقوا بين ضارب و ضروب و جعلوا الثاني للمبالغة في المعنى» انتهى. فإنه صريح فيما ذكرنا. و قال في كنز العرفان:

«و قالت الشافعية و أصحابنا انه بمعنى المطهر فيكون مأخوذا من الوضع الثاني» انتهى.

و الوضع الثاني في كلامه انه اسم لما يتطهر به فتأمل جيدا. و قد يؤيده أيضا انه من المستبعد

ج 1، ص: 70

جدا كون هذا المعنى أى كونه بمعنى المطهر معروفا عند أهل اللغة حتى ادعي الإجماع عليه و يخفى على مثل الزمخشري و المطرزي و صاحب الطراز و ابى حنيفة و الأصم و أصحاب الرأي، و لم يذكره في الصحاح، بل يظهر من بعضهم أنه غير مذكور في أكثر كتب أهل اللغة، و قول كثير من أصحابنا أنه يفيد التطهير و بمعنى المطهر ليس صريحا في ذلك، بل قد يكون من جهة كونه اسما لما يتطهر به فإنه يفيد هذا المعنى أيضا، و إن كان لا تنطبق عليه كلمات بعضهم. و من هنا نقل عن بعضهم انه أورد على الزمخشري ان اعترافه بمجي ء الطهور لما يتطهر به يرفع أصل النزاع، لكونه حينئذ مفيدا للمطهرية.

و كيف كان فلا يخلو القول بإنكار كون الطهور بمعنى المطهر وضعا من قوة، نعم هو يفيده من كونه اسما لما يتطهر به و كثير مما ذكرنا من الأمثلة لا تأبى الحمل عليه، فتأمل، و ان كان ما ذكرناه أولا هو الأقوى.

و ليعلم انه بناء على تسليم الأول فهل بمعنى الطاهر المطهر أو المطهر؟ ربما ظهر من بعضهم الأول كما ظهر من بعض الثاني و لعله هو الأقوى، و عليه ظاهر إجماع التهذيب و الخلاف و كنز العرفان فإنهم ذكروا أنه بمعنى المطهر من دون قولهم الطاهر المطهر، و لعل من ذكره أراد التصريح بلازم المعنى، لأنه متى كان مطهرا كان طاهرا و المناقشة في الملازمة كما يظهر من البحث في الغسالة ليست على ما ينبغي لوجوه ليس هذا محل ذكرها.

(بقي شي ء)

و هو انه لا ريب في كون حمل الطهور على المطهرية بالمعنى الشرعي ليس معنى لغويا، بل هو إما أن يكون من باب النقل الشرعي أو المجاز. و الظاهر الأول لثبوت الحقيقة الشرعية فيه، لكن دعوى ان المراد منه حينئذ المطهر من الأحداث و الأخباث محل منع، فإنهم صرحوا ان استعمال لفظ الطهارة في الثاني من باب المجاز فيكون اللفظ مستعملا في حقيقته و مجازه، و حمله على عموم المجاز لا قرينة عليه.

ج 1، ص: 71

و قد يقال ان وروده في معرض الامتنان مع عدم التشخيص يعين ذلك، لكنه لا يخلو من نظر. و أورد بعضهم على الاستدلال بالآية ان أقصى ما تدل عليه طهورية ماء السماء لا مطلق الماء، و بان لفظ ماء نكرة في سياق الإثبات فلا تفيد العموم. و الجواب عن الأول أولا بالإجماع المركب، لا يقال انه خروج عن الاستدلال بالآية حينئذ لأنا نقول ان الإجماع المركب لا يفيد بدونها شيئا، و ثانيا ان المياه كلها أصلها من السماء بدليل قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ»(1) و ربما أشارت إليه بعض الأخبار، و عن الثاني بأن النكرة في سياق

الإثبات تفيد العموم إذا وقعت في معرض الامتنان، كما في قوله تعالى «فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ»(2) مضافا الى الإجماع المزبور، و الأمر سهل.

(بقي شي ء)

ينبغي التنبيه عليه، و هو ان ما دل على طهورية الماء من الكتاب و غيره هل يقضي بشمول المطهرية لسائر المتنجسات أو لا شمول فيه لذلك فما شك في قابليته للطهارة به من دون انقلابه اليه يبقى على أصل النجاسة؟ لا يبعد في النظر الثاني، و ما دل على كونه مخلوقا طاهرا مطهرا لا يستلزم شموله للجميع، بل يكفي في صدق ذلك تطهيره لكثير من الأشياء، و ان كان الأول لا يخلو من وجه و لعله هو مبنى كلام العلامة في تطهير المضاف من حكمه بطهارته بمجرد اتصاله بالكثير و ان بقي على إضافته.

و فيه انه لو سلمنا شمول المطهرية لكن لا يكفي ذلك في بيان كيفية التطهير و لا عموم يرجع إليه في الكيفية، فعمومها حينئذ غير مفيد شيئا لمكان الإجماع في الكيفية المتوقف حصولها على بيان الشارع. فحينئذ على كل حال هذه العمومات لا تثمر للفقيه ثمرة و لا متيقن يرجع اليه، و ربما تسمع فيما يأتي بعض الكلام في ذلك ان شاء الله.

[في أقسام المياه]
اشاره

و كيف كان فالماء باعتبار وقوع النجاسة فيه و تأثيرها و عدمه ينقسم إلى ثلاثة أقسام جار و محقون و ماء بئر.


1- 1 سورة المؤمنون- آية 18.
2- 2 سورة الرحمن- آية 68.

ج 1، ص: 72

[في الماء الجاري]
اشاره

أما الجاري فهو- على ما قيل- النابع السائل على الأرض و لو في الباطن سيلانا معتدا به و ربما عرف بأنه النابع غير البئر، كما وقع من بعض المتأخرين، مع التصريح بأنه لا فرق بين جريانه و عدمه. و تسميته حينئذ جاريا اما حقيقة عرفية خاصة أو من باب التغليب لتحقق الجريان في كثير من أفراده، فمثل العيون التي لا تدخل تحت اسم البئر من الجاري حينئذ. و لا أعلم السبب الذي دعاهم الى ذلك، مع انه مناف للعرف الذي تثبت به اللغة، إذ لا يصدق الجاري إلا مع تحقق الجريان، و ليس في الأخبار و لا في كلام الأصحاب و لا غيرهم ما يحقق تلك الدعوى، بل ربما يشير قولهم في تطهير الجاري «انه يطهر بكثرة الماء الجاري عليه متدافعا حتى يزول التغيير» و ما في

بعض الأخبار(1) «عن الماء الجاري يمر بالجيف و العذرة و الدم أ يتوضأ منه؟»

الى آخره، الى خلافه، كما يظهر من بعض العبارات من كون الجاري ما تحقق فيه الجريان. و من هنا صرح بعض المتأخرين كالفاضل الهندي و غيره باعتبار السيلان في الجاري، خلافا لما وقع من الشهيد الثاني و من تبعه من كونه النابع غير البئر، تعدى أو لم يتعد. و لعله أخذه من حصرهم المياه في الجاري و المحقون و ماء البئر. مع استظهاره كون العيون و نحوها لا تدخل في المحقون و لا ماء البئر. أما الثاني فلعدم صدق الاسم و أما الأول فلان لها مادة، فلم يبق إلا دخولها في الجاري، و لا يكون ذلك إلا بالتزام أن الجاري هو النابع غير البئر لعدم التعدي فيها. و فيه ان هذا الحصر لم يقع من الجميع بل و لا من الأكثر، و أيضا لا مانع من إرادة من حصر ذلك الجاري أو ما في حكمه. كما يظهر من إلحاقه ماء الحمام و نحوه كما صنع المصنف، فتأمل. أو يلتزم دخولها تحت اسم البئر و ارتكابه مثل ذلك في لفظ الجاري ليس بأولى من ارتكاب شمول لفظ البئر بل هو أولى. فالتحقيق حينئذ


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 73

إدخالها فيه ان ساعد العرف على ذلك، و إلا كان لها حكم الجاري و ان لم تدخل في الاسم هذا كله في النابع المتعدي و هل يلحق به المتعدي مما يخرج رشحا؟ وجهان ينشئان:

من اعتبار النبع في الجاري كما يظهر من كثير من كلماتهم، حتى أنه قال في جامع المقاصد: إن الجاري لا عن نبع من أقسام الراكد يعتبر فيه الكرية اتفاقا ممن عدا ابن أبي عقيل، بل ربما زاد بعضهم فاعتبر كونه من ينبوع و هي ما يدفق منه الماء كالفتق. و كيف كان فلا يدخل الرشيح فيه، إذ المراد بالنبع الخروج من عين، كما في المصباح، و عن القاموس و المجمع، و هي ما يشخب منها الماء، نعم قد تكبر و قد تصغر، و الرشيح ليس كذلك، بل هو في الحقيقة كالعرق للإنسان. و عن الخليل في العين بعد أن ذكر أن الرشيح اسم للعرق و الراشح و الرواشح جبال تندي، فربما اجتمع في أصولها ماء قليل و ان كثر سمى واشلا، و ان رأيته كالعرق و يجري خلال الحجارة يسمى راشحا. هذا مع الشك في شمول ذي المادة لمثله، فينقدح الشك حينئذ في إلحاقه بحكم الجاري، فضلا عن كونه جاريا، من غير فرق في ذلك بين المتعدي منه و غيره.

و لعله هو الذي يسمى في عرفنا الآن بالنزيز.

و من صدق اسم الجاري، و منع عدم صدق اسم النبع، سيما على ما فسره في الصحاح من انه مطلق الخروج، على انه لو سلم ان مثله لا يسمى نبعا نمنع اعتبار النبع في الجاري، نعم غاية ما علم أن الجاري لا عن مادة ملحق بالراكد، فيبقى غيره، كما انا نمنع الشك في شمول ذي المادة له. و منه يظهر احتمال أنه كالجاري أحكاما و ان لم يجر بعد تسليم عدم شمول الجاري لمثله، سيما بعد جريانه فعلا و صيرورته نهرا كبيرا مثلا.

و التزام إجراء حكم المحقون عليه لا يخفى عليك ما فيه. فالأقوى كونه من الجاري مع جريانه و من ذي المادة مع عدمه.

و أما (الثمد) و هو ما يتحقق تحت الرمل من ماء المطر، كما عن الأصمعي، على

ج 1، ص: 74

ما نقل عن الأساس، قال: هو ماء المطهر يبقى محقونا تحت رمل فإذا انكشف (1)عنه أدته الأرض. و عن الخليل في العين ان الثمد الماء القليل يبقى في الأرض الجلد، و لعله هو مراد الصحاح و القاموس و المجمع و شمس العلوم على ما نقل عنهم من انه الماء القليل الذي لا مادة له، إذ ما كان على وجه الأرض لا يسمى ثمدا قطعا. فالأقوى إلحاقه بالمحقون مطلقا جري أو لم يجر للاستصحاب مع الظن أو القطع بعدم شمول ذي المادة له، لا أقل من الشك، فيبقى على حكم المحقون من القليل أو الكثير. اللهم إلا أن يفرض كونه على وجه يصدق ذو المادة عليه، أو يقال انه مطلقا من ذي المادة أو بحكمه و لو مع الشك كما ستعرف.

فان قلت ما تقول في البئر الذي يخرج ماؤها رشحا فهل تجري عليها أحكام البئر، قلت الظاهر فيه الوجهان الناشئان من تفسير النبع لما ستعرف ان البئر هي الماء النابع، على انه قلما يوجد بئر ماؤها رشح، بل الغالب أن تخرج من منابع، نعم قد تتفق دفاقا تشتبه بالرشيح فلا تشملها إطلاقات البئر. و يؤيده أيضا أصالة عدم لحوق أحكام البئر، و اليه ينظر ما نقله صاحب الحدائق عن والده من عدم تطهير الآبار التي في بعض البلدان بالنزح بل بإلقاء كر، لأن ماءها يخرج رشحا، لكن قد عرفت أن النبع أعم من الرشح بل قيل الغالب في الآبار الرشح. فالتحقيق إجراء حكم البئر عليها مع الصدق عرفا و ان كان الخارج رشحا، أما إذا لم يصدق عرفا لقلة الحفر و نحوه فهو من ذي المادة ان لم يجر و إلا كان جاريا أيضا كما أشرنا الى ذلك سابقا. و قد يقال أن عموم الأدلة في المياه يقتضي كونها طاهرة مطهرة لا تنجس إلا بالتغير، و التفصيل بالكر و ما دونه إنما هو في المياه المعلوم عدم المادة لها كالحياض و الغدران و نحوهما، و لذا كان المشهور عدم اعتبار الكرية في الجاري بل و في كل ذي مادة. و حينئذ يتجه إلحاق الرشح و النزير بل و الثمد بحكم الجاري أو ذي المادة و لو مع الشك للعموم المزبور الذي يمكن أن يؤيد


1- 1 و في الأساس فإذا كشف.

ج 1، ص: 75

أيضا بقاعدة الطهارة مع فرض الشك في حكمه، للشك في اندراجه فيما دل على النجاسة أو التنجيس لمثل الموضوع المزبور فتأمل جيدا. و لكن من الغريب ما عن الشيخين في المقنعة و التهذيب من تسوية الأول بين البئر و الغدير ان قصر عن الكر فحكم بنجاستهما بموت الإنسان و طهارتهما بنزح السبعين، و حمله الشيخ على الغدير الذي له مادة بالنبع من الأرض، قال: و ما هذا سبيله فحكمه حكم الآبار فأما إذا لم يكن له مادة فلا يجوز استعماله إذا وقع فيه ما ينجسه متى

نقص عن الكر. و مقتضى ذلك طهارة ذي المادة غير البئر مع الكثرة و لحوقه بالبئر مع القلة، فيكون حكمه مخالفا لسائر المياه، لمفارقته الجاري في نجاسة القليل، و البئر في طهارة الكثير، و الراكد في طهارة قليله بالنزح. بل قيل قد يظهر من كلام الشيخ لحوقه بالبئر مطلقا. و على كل حال فهو قول غريب. هذا و ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق ان شاء الله. و لا فرق فيما ذكرنا من الجاري بين جميع أنواعه من الأنهار و العيون و الآبار إذا أجريت و تسمى القناة، قال في الذكرى: «الآبار المتواصلة ان جرت فكالجاري و إلا فالحكم باق لأنها كبئر واحدة» و قال أيضا: «لو أجريت البئر فالظاهر انها بحكم الجاري لا تنجس بالملاقاة و لو تنجست ثم أجريت ففي الحكم بطهارتها ثلاثة أوجه طهارة الجميع لانه ماء جار تدافع فزال تغيره و لخروجه عن مسمى البئر، و بقائه على النجاسة لأن المطهر النزح، و طهارة ما بقي بعد جريان قدر المنزوح إذا يقصر ذلك عن الإخراج بالنزح» قلت و أوجه الوجوه الأول كما هو ظاهر. و لو وقف الجاري لتكاثر مائه بعد تحقق الجري فيه لكن بقي استعداده للجريان فهل يجري عليه حكم الجاري؟ وجهان.

[في التغيّر]
اشارة

و كيف كان فهو لا ينجس بشي ء من النجاسات و لا المتنجسات إلا باستيلاء عين النجاسة على أحد أوصافه الثلاثة: اللون و الطعم و الرائحة. أما نجاسة الجاري بذلك بل جميع المياه فلا أعلم فيه خلافا بل عليه الإجماع محصلا و منقولا كاد يكون متواترا، بل في المعتبر انه مذهب أهل العلم كافة، و في المنتهى أنه قول كل

ج 1، ص: 76

من يحفظ عنه العلم. و هو الحجة، مضافا الى

النبوي المشهور(1) المروي عند الطرفين بل في السرائر انه من المتفق على روايته، و عن ابن أبي عقيل انه تواتر عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه»

و في الذخيرة أنه عمل الأمة بمدلوله و قبلوه، و الأخبار المستفيضة(2)المروية على ألسنة المشايخ الثلاثة. و هي و ان خلت عن التغيير اللوني إلا أن النبوي المتقدم المعتضد بما سمعت كاف في إثباته. مضافا الى ما نقل عن

دعائم الإسلام (3)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في الماء الجاري يمر بالجيف و العذرة و الدم:

«يتوضأ منه و يشرب و ليس ينجسه شي ء ما لم يتغير أوصافه طعمه و لونه و ريحه»

و

عن الصادق (عليه السلام) (4) «إذا مر الجنب بالماء و فيه الجيفة أو الميتة فإن كان قد تغير لذلك طعمه أو ريحه أو لونه فلا تشرب منه و لا تتوضأ و لا تتطهر به»

و عن

الفقه الرضوي (5)«كل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات إلا أن يكون فيه الجيف فتغير لونه و طعمه و رائحته فان غيرته لم تشرب منه و لم تتطهر»

و

خبر العلاء بن الفضيل(6) قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحياض يبال فيها قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول»

و يدل عليه أيضا الأخبار(7) المتضمنة لنجاسة الماء بتغيره بالدم فإنه ظاهر في التغير اللوني، و كذلك الأخبار(8)التي أطلق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق.
3- 3 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 1. و في المستدرك ليس جملة و ليس ينجسه شي ء.
4- 4 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
5- 5 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
7- 7 المستدرك- الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 1- 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 77

فيها النجاسة مع التغير فإنه لا ريب في شمولها للتغير اللوني، بل قد يدعى انه أظهر الأفراد، كما أشار الى ذلك

الصحيح (1)«قلت: فما التغير؟ قال: الصفرة»

الى غير ذلك.

و الضعف و الإرسال في بعض ما تقدم غير قادح للاعتضاد بما سمعت. فما وقع من بعض المتأخرين من التشكيك في نجاسة الماء بالتغير اللوني مما لا ينبغي الالتفات اليه، بل هو من قبيل التشكيك في الضروري، مع ان هذا المشكك قد استدل بالنبوي المتقدم في غير موضع من كتابه. و يحتمل أن يكون ترك التعرض للتغير اللوني في كثير من الأخبار من جهة لزومه لتغير الريح و الطعم لكونه أسرع منه تغيرا.

و هل يشترط في التغير أن يكون الى لون النجاسة و طعمها و رائحتها أو يكفي التغير بها و لو الى غير وصفها؟ المتبادر المتيقن الأول، و في المعتبر: نريد باستيلاء النجاسة ريحها على ريح الماء و طعمها على طعمه و لونها على لونه. و يحتمل الثاني للإطلاق الذي هو كالعموم، مع التأييد بعدم العلم بطعم بعض النجاسات و بقوله (عليه السلام) في جواب السؤال عن التغيير فقال: «هو الصفرة» من غير ذكر له انه لون النجاسة.

و عليه فينجس لو حصل للماء لون باجتماع نجاسات متعددة لا يطابق لون أحدها. و لعل الأول هو الأقوى استصحابا للطهارة مع الاقتصار على المتيقن.

و هل يشترط في التغير أن يكون حسيا فلا ينجس الجاري مثلا بمسلوب الصفات من سائر النجاسات، أو لا يشترط فيكفي التقديري فينجس حينئذ بما تقدم بعد التقدير و حصول التغيير معه؟ قولان صريح أكثر من تأخر عن العلامة كما هو ظاهر من تقدمه الأول لتعبيرهم بالتغير الظاهر في الحسي، و من هنا نسبه بعضهم إلى الأكثر و المشهور و المعظم و نحو ذلك. و في الذكرى و عن الروض نسبته الى ظاهر المذهب و ظاهر العلامة و بعض من تأخر عنه كالمحقق الثاني و غيره الثاني. و الأقوى في النظر الأول للأصل بل الأصول، و لتبادر الحسي من التغيير الذي هو مدار النجاسة شرعا، و لصحة السلب


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 11.

ج 1، ص: 78

عن غيره و عدمها فيه، فيكون حقيقة فيه مجازا في غيره، فيدخل حينئذ تحت الإجماع المنقول و غيره مما دل على عدم نجاسة غير المتغير، و لقوله (عليه السلام) في مصحح شهاب المروي عن بصائر الدرجات «قلت فما التغير؟ قال: الصفرة» على ان اعتبار التقدير في مسلوب الصفة يقتضي اعتباره في فاقدها و في الواجد الضعيف منها، مع ان الإجماع على عدمه كما عن المصابيح.

و أيضا فالتقدير في مسلوب الصفة لا يخلو من إجمال لانه إما ان يراد صفة نوعه أو صفته التي كانت فيه، و لكل منهما أحوال مختلفة في الشدة و الضعف بالنسبة إلى الأزمنة، فلا يعلم تقدير ايها في المسلوب فهل الحالة المتأخرة و لو كانت ضعيفة أو غيرها؟ و لو فرض تقدير المتوسطة مع ان الحالة المتأخرة الضعيفة لوجب تقدير الضعيف الى المتوسط و هو لا معنى له، مع ان اعتباره في النجاسة يقتضي اعتباره في الماء، و الظاهر من كلام القائلين اختصاصه بها، و ان احتمله بعض المتأخرين تفريعا على هذا القول. كل ذا مع ضعف الخلاف فيه بل عدمه، فإن أول من نقل عنه ذلك العلامة و كلامه في القواعد و المنتهى غير صريح فيه، قال في الأول: «و لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بالنجاسة ان كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة» و قال في الثاني: «الخامس لو وافقت النجاسة الماء في صفاته فالأقرب الحكم بنجاسة الماء ان كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة و إلا فلا و يحتمل عدم التنجيس لانتفاء المقتضى و هو التغير» فإنه يحتمل أن يكون مراده فيما إذا كانت النجاسة غير مسلوبة و كان الماء في صفتها كما إذا كان الماء مصبوغا مثلا بأحمر و وقع فيه دم، فان الحكم بالنجاسة حينئذ متجه كما أفتى به كل من تعرض لهذه المسألة على ما نقل، بل في الحدائق انه قطع به متأخرو الأصحاب من غير خلاف معروف في الباب، و في جامع المقاصد انه ينبغي القطع به لان التغير هنا على تقديره فهو تحقيقي غاية ما في الباب انه مستور عن الحس و كذلك في المدارك و نحوه عن المعالم، و عن المصابيح: «أما إذا كانت موافقة في صفته الأصلية كما في المياه الزاجية و الكبريتية أو العارضة كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر أحمر دم فان الماء

ج 1، ص: 79

ينجس قطعا لظهور وصف النجاسة عليه حقيقة» بل قد يقال انه لا بد أن تؤثر النجاسة فيه اشتدادا فيتحقق التغير حسا.

و الحاصل الفرق بين المسألتين و انتقال الذهن في الثانية إلى التقدير دون الأولى يكاد ان يكون من الواضحات، و كذا كل ما كان من هذا القبيل مما منع من ظهور التغيير فيه مانع، و كأن التقدير هنا كالتقدير فيما لو مزج بالنجاسة ما هو بلونها مثلا ثم تغير الماء بذلك إذ الظاهر أنه لا إشكال في التقدير. و ما وقع في الحدائق من التوقف في الفرق بين الصورتين، و الرياض من الجزم بعدم الفرق بينهما كأنه ليس في محله سيما ما في الأخير فإنه يظهر منه انه لا فرق في ذلك عند كثير ممن صرح بعدم وجوب التقدير في المسلوب. و هو وهم على الظاهر، و لعلهما أخذاه من ظاهر عبارة الذكرى. نعم قد يتم إلحاق نحو ذلك في المسلوب فيما لو فرض وجود المانع عن أصل التغيير لا عن ظهوره لكونه في الحقيقة تقديرا للتغيير كالمسلوب بخلاف ما تقدم. و دعوى إرجاع ذلك اليه محل منع، و منهما يظهر الوجه فيما شك فيه فتأمل. و كيف كان فمما يرشد الى ما ذكرنا من الاحتمال في كلام العلامة ان المحقق الثاني في شرحه على القواعد قال بعد أن ذكر عبارتها: «و كان حق العبارة أن يقول لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات لأن موافقة النجاسة الماء في الصفات صادق على نحو الماء المتغير بطاهر أحمر إذا وقع فيه دم فيقتضي ثبوت التردد في تقدير المخالفة و ينبغي القطع بوجوب التقدير» الى آخره. قلت: لكن عرفت أنه لا مانع من حمل العبارة على ذلك. و لعل وجه التردد فيه أنه كالتقدير لخلو الماء من الصفة فلا يصدق معه التغير أيضا و إلا لوجب تقدير الصفة في النجاسة المسلوبة، و لهذا استشكل بعضهم في الفرق بين المسألتين.

و كيف كان فغاية ما استدل به للعلامة أن التغيير الذي هو مناط التنجيس دائر مع الأوصاف فإذا فقدت وجب تقديرها. و فيه مع أنه إعادة للمدعى و جار في الفاقد أيضا أن المراد بدورانه مع الأوصاف هو صدقه و تحققه و لا يحصل بالتقدير.

ج 1، ص: 80

و بان التقدير في المضاف المسلوب الأوصاف إذا امتزج مع المطلق ثابت فيثبت في النجس بطريق أولى. و فيه انه ممنوع هناك أيضا أولا، و ثانيا ان الفرق بينهما واضح، و ذلك لان أمر الإطلاق و الإضافة يرجع الى العرف، فلعل اعتبار التقدير هناك يكشف عن أمر متحقق ثابت و هو الصدق العرفي بخلافه هنا، فإن أمر النجاسة شرعي و قد أحالها على التغير الذي مدركه الحس. و ما يقال أن التقدير هنا كتقدير الحر عبدا بالنسبة إلى الحكومة و معرفة مقدار أرش الجناية، فيه ما لا يخفى.

و بان عدم التقدير يفضي الى جواز الاستعمال و ان زادت النجاسة على الماء أضعافا مضاعفة. و فيه انه استبعاد لغير البعيد مع بقاء اسم المائية، و ما ذا يقول في الفاقد غير المسلوب و في الواجد الضعيف.

و بان الماء مقهور فان الماء كلما لم يصر مقهورا بالنجاسة لم يتغير بها على تقدير المخالفة و ينعكس بعكس النقيض الى قولنا كلما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا. و فيه انا نمنع المقهورية و ان قلنا بالتغير على تقدير المخالفة. اللهم إلا ان يريد المستدل شيئا آخر و هو ان الوارد في الأخبار ليس مجرد التغير فقط بل علق الحكم تارة عليه و اخرى على الغلبة و الغلبة وصف متحقق ثابت في الواقع و التغيير علامة و كاشف، فحيث لم يوجد الكاشف يقدر أو يستكشف بطريق آخر، و الأولى الأول.

و لعل هذا أولى ما يستدل به للعلامة، و قد أشار إليه في المنتهى قال فيه قبل هذه المسألة: «الرابع بلوغ الكرية حد لعدم قبول التأثير عن الملاقي إلا مع التغير، من حيث أن التغير قاهر للماء عن قوته المؤثرة في التطهير. و هل التغيير علامة على ذلك و الحكم يتبع الغلبة أم هو المعتبر؟ الأولى الأول فلو زال التغير من قبل نفسه لم يزل عنه حكم التنجيس» و هو صريح فيما قلنا. و قد يؤيده حينئذ بأنه لو كان المدار على التغير و ليس المدار على الغلبة لكان لا معنى للتقدير في الموافق الذي منع من ظهور التغير فيه

ج 1، ص: 81

مانع سيما فيما إذا كانت صفات الماء اصلية لا عارضية كما في المياه الكبريتية و نحوها و بأنه لو كان المدار عليه أيضا لكان الحكم دائرا مداره وجودا و عدما، و هو لا معنى له، و إلا لم يثبت التنجيس مع زوال التغيير من قبل نفسه و بإلقاء أجسام طاهرة.

و لكن قد يقال في الجواب عن ذلك ان المراد بالغلبة كما هو الظاهر من بعضها الغلبة بالأوصاف فتتحد حينئذ مع التغير ك

قوله (عليه السلام): «إذا غلب لون الماء لون البول»(1)

و

قوله (عليه السلام): «إلا ان يغلب على الماء الريح فينتن»(2)

و

قوله (عليه السلام) «فيما لم يكن فيه تغير أو ريح غالبة»(3)

الى غير ذلك. و كان كلام العلامة في المنتهى ليس مخالفا لما نحن فيه. لانه و ان قال ان المدار على الغلبة لكنه جعل العلامة على ذلك التغيير فلا يحكم بحصوله ابتداء بدونه، نعم لو ذهب التغيير بعد الحكم بحصول النجاسة لم تذهب النجاسة: أما بناء على كلامه فلتحقق الغلبة التي كان علامتها التغير. و أما بناء على مختارنا فللاستصحاب إذا الشارع حكم بالنجاسة مع التغير و لم يعلم ان الاستمرار علة للاستمرار أو لا فيستصحب، و ليس للعقل مدخلية في الطهارة و النجاسة حتى يقال بالمغلوبية و المقهورية التي لم يبق معها قوة الماء. و أيضا لو كان المدار على الغلبة كيف يصح تعليق الحكم على التغير الذي هو وصف مفارق لها و جعلها دائرة مداره. و أيضا ينبغي القول حينئذ بما إذا كشف عن الغلبة غيرها من الكثرة و نحوها. و أيضا لو كان المدار على الغلبة لوجب القول بالتقدير حينئذ في فاقد الصفات و في الواجد الضعيف و قد عرفت نقل الإجماع على خلافه. و أيضا فإنا نمنع تحقق الغلبة فيما نحن فيه بمجرد ذلك مع بقاء الاسم فإنه لا يعلم ان المدار على صدقها عرفا، بحيث يقال ان الماء غلب على النجاسة أو شرعا، و كيفما كان فالتقدير لا يحقق شيئا منهما بل المتحقق خلافه. و أيضا بقرينة الشهرة و نحوها تحمل الغلبة على إرادة التغير. فتأمل جيدا و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 11 مع اختلاف في اللفظ.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 11 مع اختلاف في اللفظ.

ج 1، ص: 82

ثم انه على تقدير اعتبار التقدير فهل يعتبر الأشد أو الأوسط أو الأضعف؟

احتمالات. أما الأول فللاحتياط، و أما الثاني فللغالب، و أما الثالث فلترجيح جانب الطهارة. قلت: هذه الاحتمالات غير متجهة فيما إذا كانت النجاسة على صفة خاصة ثم سلبت عنه، فإنه حينئذ لا معنى لتقديرها بالأشد و قد كانت على الأوسط، كما انه لا معنى لتقدير الأوسط و قد كانت على الأضعف، نعم قد يتجه ذلك ان لم يعلم كيف وجدت صفة هذه النجاسة، و ان كان تقدير الوسط حينئذ أولى لأنه الغالب المعتاد، مع عدم تمامية الاحتياط في جميع المقامات.

ثم انه هل يعتبر تقدير الماء أيضا على الحد الوسط من العذوبة و الملوحة و الصفا و الكدورة فإن لها أثرا بينا في التغيير؟ احتمله بعضهم و ظاهر الباقين العدم، و هو أولى سيما فيما إذا كان الماء على صفة معلومة إذ لا معنى لفرض عدمها لعدم المانع في اختلاف المياه في الانفعال و ان كانت فردا نادرا. و لعله من ذلك ينقدح الفرق في السابق أي في الموافق للنجاسة في الصفة بين الصفة الأصلية و العارضية فيقدر في الثانية دون الأولى فتأمل. و كيف كان فما ذكرناه من عدم النجاسة في المسلوب انما هو إذا لم يستهلك الماء، أما إذا استهلك بحيث دخل الماء تحت اسم الخليط فلا إشكال في نجاسته، و أما إذا سلبه اسم الإطلاق و لم يدخل تحت الاسم فلا إشكال في كونه غير مطهر، و هل يبقى على الطهارة؟ وجهان أقواهما ذلك، و احتمال ذهاب الإطلاق مع بقاء اسم الخليط معارض باحتمال عدمه إذ ذهاب الاطلاقية و ذهاب اسم الخليط حادثان و الأصل يقتضي تأخر كل منهما عن الآخر، فيبقى أصل الطهارة سالما. نعم لو كان المغير للماء من الأجسام التي علم بقاؤه بعد زوال الاطلاقية لاتجه الحكم بالنجاسة.

ثم اعلم انه قد يظهر من قول المصنف لا ينجس إلا باستيلاء النجاسة الى آخره أن التغيير لا بد و ان يكون بعد ملاقاة النجاسة. فلو تغيرت أحد أوصاف الماء بالمجاورة لم ينجس، و لعله لا خلاف فيه بل مجمع عليه للأصل بل الأصول و العمومات، و لا شمول

ج 1، ص: 83

في النبوي المتقدم و نحوه لظهور تبادره في الملاقاة كما هو واضح. فلا ينبغي الإشكال في ذلك كما أنه لا ينبغي الإشكال في عدم التنجيس بسبب حصول التغيير في غير الصفات الثلاثة كالحرارة و الرقة و الخفة و نحوها، بلا خلاف أجده في ذلك، للأصل و ظهور الأخبار في حصر النجاسة بالأوصاف الثلاثة، و ما في الذكرى عن الجعفي و ابني بابويه انهم لم يصرحوا بالأوصاف الثلاثة بل اعتبروا أغلبية النجاسة للماء لا صراحة فيه بل و لا ظهور، لان المتعارف في تحقق الغلبة انما هو بالأوصاف الثلاثة بحيث صار هو المتبادر من غلبة النجاسة للماء، فليتأمل جيدا. و لعله لذا قال في كشف اللثام:

كأنه لا خلاف فيه.

ثم ان مقتضى قول المصنف ككثير من الأصحاب مضافا الى تصريح الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم لذلك للتعبير بالنجاسة أنه لا ينجس لو تغير الماء بأحد أوصاف المتنجس، كما لو تغير بدبس نجس و نحوه، خلافا للمنقول عن الشيخ في باب تطهير المضاف كما تسمع نقل عبارته. و ربما ظهر من التحرير موافقته للأصل و العمومات، مع انه ليس في أخبار التغيير إشارة الى ذلك، بل فيها الإشارة إلى خلافه، بل قد يدعى انه يستفاد من ملاحظتها و ملاحظة ما اشتملت عليه اسئلتها الجزم به، مع كونه هو المتبادر فتأمل، كما لا يخفى على من لاحظها، إلا النبوي فإنه قد يستدل بظاهره على مثل المقام، و هو مع إمكان دعوى ظهوره في النجاسة دون المتنجس سيما بعد شيوع مثل هذه العبارة في المشتملة على الأوصاف الثلاثة في ذلك- لا جابر له في المقام لمصير ظاهر المشهور الى خلافه هنا، و منه لا يحصل الظن بشمول لفظ (ما) للمتنجس. و يمكن استنباط الإجماع عند التأمل على عدمه، و ذلك لذكرهم في المقام الفروع التي لا ينبغي ان تسطر كالتغير بالمجاورة و بغير الأوصاف الثلاثة و نحو ذلك و لم يذكروا ما نحن فيه، و لم يتعرضوا له، بل عبروا بلفظ النجاسة التي لا تشمله مع كون الشيخ هو المخالف، و من عادتهم التعرض لذكر خلافه، بل قد يدعى ان عبارة الشيخ المنقولة عنه غير صريحة بالخلاف،

ج 1، ص: 84

قال على ما نقل عنه: «و لا طريق الى تطهير المضاف إلا بان يختلط بما زاد على الكر من المياه الطاهرة المطلقة، ثم ينظر فيه فان سلبه إطلاق اسم الماء و غير أحد أوصافه إما لونه أو طعمه أو رائحته فلا يجوز استعماله بحال، و ان لم يغير أحد أوصافه و لا سلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله في جميع ما يجوز استعمال المياه المطلقة» و التأمل فيها يعطي انها ليست بصريحة فيه بل و لا ظاهرة، و ذلك لأخذه في الحكم الأول و هو عدم جواز الاستعمال سلب الاسم مع تغير أحد الأوصاف و أخذه في الثاني بقاء الاسم و عدم التغير، فلم تكن عبارته دالة على ما إذا بقي الاسم و تغيرت الأوصاف و لم يظهر منه الحكم بنجاسة مثل ذلك، و هو الذي يفيد في المقام، و قد يكون مبنى كلامه على الاستهلاك و عدمه.

نعم بقي في المقام شي ء لا بد من التنبيه عليه، و هو ان التغير بالمتنجس ان كان بصفاته الأصلية فقد عرفت ان الأقوى عدم التنجيس، و أما إذا كان التغير به بالصفات المكتسبة من النجاسة فمثل الماء أو اللبن و نحوهما من المتنجس بدم و نحوه حتى غير لونهما ثم انهما تنجس بهما الجاري أو الكثير حتى تغير لونهما بذلك أي باللون المكتسب من النجاسة بالدم، ففيه إشكال، و الأقوى في نظري انه متى حصل التغير في الجاري أو الكثير مع استناد التغير الى تلك النجاسة التي تنجس بها المتنجس نجس الماء و إلا فلا: أما الأول فلدخوله تحت الأدلة حينئذ و أما الثاني فلعدم صدق تغيره مع ملاقاة عين النجاسة، إذ ليس المدار على وصف النجاسة كيفما كان، بل لا بد من مباشرة عينها للماء فلونها المكتسب منها بعد اضمحلال عينها و استهلاكها لا ينجس الماء حينئذ للأصول و العمومات، و النبوي لا جابر له. و لعله الى ذلك يرجع ما أطنب به العلامة الطباطبائي من النجاسة إذا كان التغير بواسطة المتنجس بخلاف ما إذا كان بلون المتنجس و طعمه و ريحه التي هي صفات أصلية له، و إلا كان محلا للنظر باعتبار عدم ملاقاة عين النجاسة له و لا عبرة بأوصافها مع عدم ملاقاتها ضرورة كونها حينئذ كالمجاورة خصوصا في الريح و نحوه فتأمل جيدا.

و ظاهر المصنف بل كاد يكون صريحه عدم نجاسة الجاري مطلقا سواء كان

ج 1، ص: 85

قليلا أو كثيرا، لتقييده في المحقون بالكرية و إطلاقه في الجاري، و مثله كثير من الأصحاب، بل قال في المعتبر: «و لا ينجس الجاري بالملاقاة و هو مذهب فقهائنا أجمع» الى ان قال بعد ذلك: «و لا الكثير من الراكد» فعلم انه لا فرق بين قليل الجاري و كثيره. و عن شرح الجمل لابن البراج نقل الإجماع على عدم نجاسة الجاري مع التصريح فيه بعدم الفرق بين القليل و الكثير، و مثله عن الغنية، و ربما ظهر من عبارة الخلاف نقل الإجماع على ذلك، و في الذكرى انى لم أقف فيه على مخالف ممن سلف أي ممن تقدم على العلامة، و نسب رأى العلامة في جامع المقاصد الى مخالفة مذهب الأصحاب، و عن حواشي التحرير نقل الإجماع صريحا على عدم اشتراط الكرية، و ربما ظهر من المصابيح دعوى الإجماع أيضا. و يمكن للمتأمل المتروى في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع على عدم اشتراط الكرية، و خالف في ذلك العلامة (ره) في بعض كتبه، و في بعضها وافق المشهور كما قيل، و لم أعثر على موافق له في هذه الدعوى ممن تأخر عنه سوى الشهيد الثاني، و ما لعله يظهر من المقداد في التنقيح، مع ان المنقول عن الأول انه رجع عنه و ان الذي استقر رأيه عليه آخرا الطهارة، و عبارة الثاني غير صريحة في ذلك قال في التنقيح: «و هل يشترط كريته أم لا؟ أطلق المصنف الحكم بطهارته و قيده العلامة بالكرية و هو أولى، ليدخل تحت إطلاق

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا»

و الإجماع على العمل بمفهومه» و قال الشهيد: «ان جرى عن مادة فلا يشترط الكرية و لا عنها يشترط و هو حسن و عليه الفتوى» و كلامه الأخير ظاهر فيما ذكرنا فتأمل. و لا نقل عن أحد ممن تقدمه، نعم نقل عن المرتضى (رحمه الله) و الصدوقين بعض العبارات المفصلة في الكرية و عدمها من غير تعرض للجاري و غيره.

و هي ليست صريحة في ذلك، بل نقل عن الصدوقين ان لهم عبارات أخر في غير المقام الأول حاكمة على ذلك فتأمل جيدا. و كيف كان فالأقوى الأول للأصل بل الأصول


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 86

و ما سمعت من الإجماعات المنقولة، بل يمكن دعوى تحصيله و الأخبار الحاكمة بعدم نجاسة الماء بغير التغيير و الغلبة و هي كثيرة قد سمعت جملة منها، (و منها)(1)الدالة على ان ماء الحمام بمنزلة الجاري، إذ لو كان الجاري يشترط فيه

الكرية لم يكن للتشبيه به من جهة الطهارة معنى. (و منها)(2) الأخبار المتضمنة للمادة المعللة عدم النجاسة بوجود المادة، و خصوص موردها لا يخصها بذلك، على انه لو كانت الكرية شرطا لم يكن للتعليل معنى. و ربما استدل (3) بما دل على نفي البأس عن البول في الماء الجاري و لعله لا يخلو من تأمل لكن لا بأس بأخذه مؤيدا سيما مع الانجبار بما سمعت. (و منها) ما دل على عدم نجاسة الجاري ك

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(4) فيما روي عنه «الماء الجاري لا ينجسه شي ء»

و عن

دعائم الإسلام(5)«في الماء الجاري يمر بالجيف و العذرة و الدم يتوضأ منه و يشرب و ليس ينجسه شي ء ما لم تتغير أوصافه طعمه و لونه و ريحه»

و عن

الفقه الرضوي(6) «اعلموا رحمكم الله ان كل ماء جار لا ينجسه شي ء»

قلت: و لو كان الجاري يشترط فيه الكرية لم يكن للتعليق عليه بالنسبة إلى النجاسة معنى يعتد به. كل ذا مع انه ليس للعلامة شي ء يتمسك به سوى ما دل (7)على نجاسة القليل من العمومات و غيرها. و فيه انه لا شمول فيها لمثل المقام لعدم العموم اللغوي في شي ء منها، و ستعرف المناقشة في دلالة العمدة منها الذي هو المفهوم، و على تقدير العموم فبينهما التعارض من وجه و الترجيح للأولى من وجوه كثيرة لا تخفى،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق.
4- 4 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
5- 5 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
6- 6 المستدرك- الباب- 4- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 87

على انا لو تركناها و المعارض و أخذنا نتمسك بالأصول و الإجماعات لكفى. فالمسألة من الواضحات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها. و كأنه لمكان استبعاد صدور مثل ذلك من العلامة فسر كشف اللثام اشتراطه للكرية بشي ء يقطع الناظر في كلام العلامة بأنه لا يريده، و قد ذكرناه في باب تطهير الجاري و غيره فراجع و تأمل.

و ليعلم ان الشهيد في الدروس قال: و لا يشترط فيه الكرية على الأصح نعم يشترط فيه دوام النبع. و عن الموجز لأبي العباس بن فهد موافقته على ذلك، و قد سمعت انه استحسنه في التنقيح و قال: عليه الفتوى. قلت: و ليته اتضح لنا ما يريده بهذه العبارة فضلا عن الصحة، فإنها تحتمل وجوها: (منها) ان يريد بدوام البيع عدم الانقطاع في زمان دون زمان مثل العيون التي تنقطع بالصيف دون الشتاء أو بالعكس، فإنه حينئذ يشترط الكرية. و فيه ما لا يخفى بل لا ينبغي ان ينسب مثل ذلك لمثله إذ انقطاعه في بعض الأزمنة لا يخرجه عن حكم الجاري في غير زمان الانقطاع، و لا يساعده على ذلك شي ء من الأخبار، بل و لا الاعتبار، على انه كيف يعلم انها من دائم النبع أو منقطعة إذا لم يعلم، و لعله يتمسك حينئذ باستصحاب بقاء النبع فيصيرها حينئذ من دائمة حتى يعلم. و فيه ما فيه. و الحاصل لا ينبغي إطالة الكلام في فساد مثل ذلك.

(و منها) ان يراد بدوام النبع اي عند ملاقاة النجس للماء يشترط فيه أن يكون نابعا فإنه متى لم يكن كذلك جرى عليه حكم المحقون. و هذا المعنى و ان كان في نفسه صحيحا على بعض الأحوال إلا انه يبعد إرادة الشهيد له، على ان ذلك ليس فيه زيادة حينئذ على أصل معنى الجاري و كونه مما له مادة، لكن الأمر في ذلك سهل إذ لعله حينئذ احترز به عما يتوهم من ان الجاري هو الماء النابع و ان انقطع النبع، فأراد (رحمه الله) التنبيه على انه لا ينجس بالملاقاة و نحوها بشرط أن يكون دائم النبع اي نابعا حين الملاقاة.

و قد يقال انه احترز به عن بعض أفراد النابع كالقليل الذي يخرج بطرق الرشح فان العلم بوجود المادة فيه عند ملاقاة النجاسة مشكل لانه يترشح آنا فآنا، فليس له فيما بين

ج 1، ص: 88

الزمانين مادة، و هذا يقتضي الشك في وجودها عند الملاقاة فلا يعلم حصول الشرط، فاللازم من ذلك الانفعال حينئذ عملا بعموم ما دل على انفعال القليل. و فيه ان إخراج مثل ذلك عن الجاري بمجرد الفتور في نبعه مما لا يخلو من تأمل، على انه كيف يحكم بالانفعال مع عدم العلم بالانقطاع و تنقيح ذلك بالأصل مع كون عادة نبعه هكذا فيه ما لا يخفى. مع انه قد يقال ان الأصل يقضي بخلافه. (و منها) ان يقال ان النبع يقع على وجوه: أحدها ان ينبع الماء حتى يبلغ حدا معينا ثم يقف و لا ينبع ثانيا إلا بإخراج بعض الماء. و ثانيها أن يكون كذلك لكن لا يخرج إلا بحفر جديد. و ثالثها ان ينبع الماء و لا يقف على حد بل يبقى مستمرا على النبع. فلعل مراد الشهيد (رحمه الله) باشتراط دوام النبع إخراج مثل الصورة الثانية فإن إدخالها تحت الجاري محل شك، فتبقى داخلة تحت ما دل على اشتراط الكرية. و فيه انه لا معنى لذلك ان أراد حتى في حال النبع فان وقوفها الى حد بحيث تحتاج الى حفر جديد لا يخرجها عن اسم الجاري حينه فتأمل جيدا. (و منها) ان يراد بدوام النبع دوام الاتصال بالمادة فمتى انقطع أو قطعه قاطع أو نحو ذلك لم يجر على الماء الموجود حكم الجاري، بل ان كان كرا عصم نفسه و إلا فلا، و ليس المراد من هذا الشرط انه ينكشف انه ليس بجار عند فقده بل المراد انه يكون حينئذ ليس بجار، و لعله عند التأمل يرجع هذا الى بعض ما تقدم فتأمل جيدا فإن الأمر في ذلك سهل بعد معرفة الصحيح و الفاسد من الوجوه المتقدمة في حد ذاتها.

ثم ليعلم انه قد تبين أن الجاري لا ينجس إلا بالتغير، فنقول حينئذ ان التغير لا يخلو اما أن يكون مستوعبا لجميع الماء أولا، أما الأول فلا إشكال في نجاسة جميعه، و أما الثاني فلا يخلو إما أن يكون التغيير قاطعا لعمود الماء بمعنى انه مستغرق لحافتي الماء من العرض و العمق أولا. و كيف كان فلا إشكال في نجاسة المتغير منه و أما غيره فان كان التغيير غير قاطع لعمود الماء بل كان غير المتغير متصلا بعضه ببعض فلا نجاسة

ج 1، ص: 89

في شي ء من ذلك لكونه من الجاري و لا ينجس غير المتغير منه، و لا فرق في ذلك بين القليل و الكثير بناء على الصحيح من عدم اشتراط الكرية. و أما إذا كان التغير قاطعا لعمود الماء فلا إشكال في طهارة ما يلي المادة و ان لم يكن كرا على المختار من عدم اشتراط الكرية، بل ربما قيل و كذا بناء على الاشتراط لأن جهة المادة في الجاري أعلى سطحا من المتنجس و ان كانت أسفل حسا و السافل لا ينجس العالي. و فيه منع ظاهر لكون المعتبر العلو و السفل الحسيين فتأمل. و اما الماء الذي في جانب المتغير مما لا يلي المادة فإن كان كرا فلا إشكال في الطهارة أيضا، و أما إذا لم يكن كرا فالمتجه النجاسة لكونه مفصولا عن المادة بفاصل حسي، فيجري عليه حكم المحقون فينجس حينئذ بالملاقاة، و لعل بعض الإطلاقات الواقعة من بعض الأصحاب انه متى تغير شي ء من الجاري اختص المتغير بالتنجيس منزلة على غير ذلك. و احتمال ان الماء المتغير و ان حكمنا بنجاسته لكن لا مانع من كونه سببا لاتصال غير المتغير بالمادة فيصدق عليه حينئذ انه ماء متصل بالمادة فيكون طاهرا، في غاية الضعف، لان جعل التغير سببا للاتصال ليس بأولى من جعله سببا للانفصال، مع ان المعلوم و المتيقن من الاتصال الذي تحصل العصمة بسببه انما هو غير هذا الاتصال، فيشك في شمول أدلة الجاري له. و المسألة لا تخلو من تأمل، لأنه يمكن أن يقال إن تغير بعض الجاري لا يخرج البعض الآخر من هذا الإطلاق.

و أيضا احتمال الدخول تحت الجاري معارض باحتمال الخروج فيبقى أصل الطهارة سالما فيحكم عليه حينئذ بالطهارة فتأمل جيدا. ثم اعلم ان الحكم بالنجاسة فيما ذكرنا بسبب الملاقاة للمتغير مع تساوي السطوح أو يكون هو السافل و إلا فلو فرض العكس بأن كان المتغير السافل و الملاقي له العالي لم ينجس و ان لم يكن كرا، لعدم نجاسة العالي بالسافل و لو كان علو انحدار لا تسنم. نعم قد عرفت ان المعتبر العلو الحسي لا المادي على الأقوى فتأمل جيدا، كما انه يشترط أن يكون علوا معتدا به بحيث يقال عند أهل العرف ان أحدهما عال و الآخر سافل لا متساويين، بل الحكم كذلك في الجاري عن غير مادة،

ج 1، ص: 90

بل كل نابع بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلا عن السيرة القطعية و محكي الإجماع و الأصل و غيره.

(بقي شي ء)

و هو أن ما اعتبر من تساوي السطوح في الراكد بالنسبة الى عدم نجاسته بالملاقاة لا يعتبر هنا بالنسبة للجاري فلا ينجس بالملاقاة و ان اختلفت سطوحه على ما هو الظاهر من كلام الأصحاب، لصدق اسم الجاري على الجميع من غير فرق بين السافل و العالي، بل لعله كذلك حتى على ما يقوله العلامة من اشتراط الكرية و ان اعتبر ذلك في الراكد، لأنه أطلق هنا كإطلاق الأصحاب. و لعله لانه يرى له خصوصية على الواقف و ان شاركه في نجاسة القليل، و ذلك لان الغالب في مثله عدم الاستواء فلو اعتبرت فيه المساواة على حد الواقف لزم الحكم بنجاسة الأنهار العظيمة بمجرد ملاقاة النجاسة لأوائلها التي لا تبلغ مقدار الكر. و هو معلوم الانتفاء، و صدق الجاري عليه عرفا و ان اختلفت سطوحه كالوحدة، مع احتمال ان يقال ان إطلاقه هنا مبني على تفصيله الآتي فتأمل.

و يطهر بكثرة الماء اي يطهر بهذا لا انه لا يطهر بغيره، و إلا فهو يطهر بزوال التغيير و لو بتصفيق الرياح أو بوضع أجسام طاهرة أو بإلقاء ماء أو نحو ذلك كما ستعرف لاتصاله بالمادة الطاهر عليه متدافعا من المادة حتى يزول تغييره سواء كان كرا أو لا على المختار. و مقتضى اشتراط العلامة الكرية في الجاري ان لا يطهر المتغير منه بما ذكرنا، بل هو إما بإلقاء كر عليه أو بان يبقى من غير المتغير مما هو متصل بالمادة مقدار كر فيزول تغيره به و نحو ذلك. و من هنا قال في الروضة: «و جعل العلامة و جماعة الجاري كغيره في انفعاله بمجرد الملاقاة مع قلته و عدم طهره بزوال التغيير مطلقا بل بملاقاة كر. لكن قال في المنتهى: المتغير إما ان يكون جاريا أو واقفا فالجاري انما يطهر بإكثار الماء المتدافع حتى يزول التغيير لان الحكم تابع للوصف فيزول بزواله و لان الطاري لا يقبل النجاسة لجريانه و المتغير مستهلك فيه فيطهر» و هو ظاهر المدافعة لاشتراطه

ج 1، ص: 91

الكرية. و تصدى لدفعه في كشف اللثام و قال: «ان ذلك مبني على اعتبار الدفعة في إلقاء الكر المطهر و قد عرفت ان معناها الاتصال و هو متحقق في النابع، و أما منبع الأنهار الكبار الذي ينبع الكر أو أزيد منه دفعة فلا إشكال فيه. نعم ينبغي التربص في العيون الصغار ريثما ينبع الكر فصاعدا متصلا، إذ ربما ينقطع في البين فينكشف عدم اتصال الكر، فاتصال تجدد النبع الى نبع الكر كاشف عن الطهر بأول تجدده، لا انه إنما يطهر بنبع الكر بتمامه. كما ان الراكد يطهر بأول إلقاء الكر عليه و ان لم يلق عليه جميعه، نعم على اعتبار الممازجة في الطهر لا بد من نبعه بتمامه و ممازجته، كما لا بد في الكر الملقى على الراكد» و فيه مع انه مبني على عدم اعتبار العلو أو المساواة في المطهر فيفترق حينئذ عن الراكد بناء على اشتراطه فيه، و تقوم العالي بالسافل في بعض الأحوال انه حينئذ لا ينبغي القول بنجاسة ما يخرج من الجاري إذا كان أقل من كر حتى ينتهي جريه. فان انقطع في الأثناء و كان أقل من كر نجس و ان لم ينقطع حتى يستكمل كرا فلا نجاسة. و هو مخالف لصريح المنقول عنه سابقا. و أيضا لا حاجة الى خروج كر منه إذا علم ان ما في المادة يزيد على أكرار و خرج منه ما أزال تغيير المتغير ثم قطعه قاطع بسد و نحوه، اللهم إلا ان يلتزم ذلك فيكون مراده بخروج تمام الكر إنما هو للكشف، و إلا فما يقال إن هذا الخارج لا يتقوم إلا بما يخرج من المادة دون ما كان فيها يدفعه أنه حينئذ لا بد من القول بنجاسة هذا الخارج و لا ينفعه تكاثره حتى يبلغ كرا، فإنه كلما يخرج منه شي ء ينجس. و على كل حال فكلام العلامة مخالف لما هو متفق عليه هنا بحسب الظاهر، من ان تطهير الجاري بما يخرج من المادة متدافعا عليه حتى يزول تغييره من غير اشتراط لكون الخارج مقدار كر أو لا. و قد سمعت تعليل المنتهى و مثله في المعتبر.

و كيف كان فغاية ما يمكن الاستدلال به في المقام بعد الإجماع على الظاهر

ج 1، ص: 92

قوله (عليه السلام)(1): «ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا»

و فحوى

قوله (عليه السلام)(2): «ماء البئر واسع لا يفسده إلا ما غير طعمه أو ريحه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم لان له مادة»

و ما يظهر من العلامة في القواعد من عدم تطهير الواقف بالماء النابع من تحت، لعله مخصوص بغير الجاري لظهور الاتفاق عليه في المقام، قال في الحدائق: انه صرح به الأصحاب من غير خلاف فيه بينهم، فحينئذ لا ريب في حصول الطهارة إذا تدافع من المادة عليه حتى زال تغييره، و أما إذا لم يتدافع عليه كما في بعض العيون المتوقف نبع مائها من المادة على إخراج بعض الماء حتى تنبع، سواء قلنا أنها من الجاري أو بحكمه أو انها جرى ماؤها إلى مكان ثم وقف، و توقف الخروج من المادة على أخذ شي ء من مائها، فالظاهر ان الاتصال بالمادة كاف في حصول الطهارة إذا زال تغيره كما أشرنا إليه سابقا. و الحصر المستفاد من كلام العلامة في المنتهى المتقدم مبني على الغالب. هذا ان لم نقل انه مع اتصاله بالمادة في كل آن يتجدد ماء لعدم استقرار سطوح الماء، فإنه في الآن الواحد الحكمي يختلف ظهره و بطنه فليتأمل.

نعم ربما يتجه على ظاهر كلام الشهيد في الدروس من اشتراط دوام النبع في الجاري أو على القول باشتراط الامتزاج عدم القول بالطهارة، مع احتمال ان يقال ان مراده بدوام النبع ان لا يجف مثلا في وقت دون وقت مثل العيون التي تجف في الصيف دون الشتاء، فإنها حين جفافها لا يجري عليها حكم الجاري، أو يكون منقطعا لعارض اتفاقي من سد و نحوه، أما مثل العيون المذكورة فهي عنده من دائم النبع و توقف النبع مثلا على إخراج شي ء منها لا يخرجها عن ذلك الحكم فليتأمل جيدا. و مما يؤيد ما ذكرنا مضافا الى ما يظهر من التعليل بالمادة الصادق بمجرد الاتصال بها و ان لم تنبع فعلا انه يصدق عليه مضمون

قوله (عليه السلام): «ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا»


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 6 و 7 مع اختلاف يسير.

ج 1، ص: 93

في بعض الأحوال، كما لو فرضنا ان هذا الماء المجتمع أجري و ان لم يخرج من المادة شي ء ثم تنجس السافل بما ينجسه و بقي العالي المتصل بالمادة و كان أقل من كر فجرى عليه و أزال تغيره، فإنه داخل في مضمون الرواية. و بعد فالمسألة لا تخلو من إشكال لظاهر كلامهم في المقام، فإنه كالصريح في اشتراط التجدد من المادة، و احتمال تنزيله على عدم إرادة الحصر كما ذكرنا، أو أنه ليس شرطا في التطهير و لكنه لزوال التغيير مما لم يقطع به. و استصحاب النجاسة محكم. و هل يعتبر التدافع فلا يجزي ما يخرج من المنابع الدقاق أو لا؟ الظاهر الثاني لعموم الأدلة و كلامهم، مع انه ليس بإجماع منزل على لغالب، و من المعلوم ان هذه الأحكام كلها للمادة الأرضية أو ما نزل منزلتها كما يأتي الكلام عليه ان شاء الله دون غيرها فإنها لا تسمى مادة.

[في إلحاق ماء الحمام بالجاري إذا كانت له مادة.]

و يلحق به أي بالجاري ماء الحمام اي ما في حياضه الصغار ل قوله (عليه السلام)(1) إذا كانت له مادة. و إيكال معنى الحمام الى العرف أولى من التعرض لتحديده. و الظاهر عدم اختصاص الأحكام بالهيئة السابقة الموجودة في ذلك الزمان بحيث لو انتفى شي ء منها لم تجر عليه الأحكام، و ان كان قد يتوهم لانتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، و لأن أحكام الحمام مخالفة للأصل فيقتصر فيها على المتيقن، بل إذا شك في كون الموجود الآن كالسابق أو لا لم تجر عليه الأحكام أيضا، و ان أطلق عليه الاسم الآن، لعدم جريان أصالة عدم التغير هنا، إذ هي انما تجري حيث يكون المعنى قديما و رأينا اللفظ الأول مستعملا فيه و الآن شككنا فيه بالنسبة للزمن السابق فنحكم به كذلك لأصالة عدم التغير، لا فيما إذا شككنا في كون هذا المعنى موجودا سابقا أولا. و فرق واضح بين المقامين. و أصالة عدم الاشتراك لا يثبت بها وجود المعنى، إذ غاية ما يمكن إثباته بها نفي الاشتراك بعد فرض وجود المعنى أما انها تثبت


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.

ج 1، ص: 94

ان هذا الموضوع موجود في السابق فلا. لكن قد يقال مع إمكان المناقشة في بعض ما تقدم: الظاهر ان لفظ الحمام موضوع لقدر مشترك و هو هيئة خاصة يميزها أهل العرف فلا يضر النقيصة و الزيادة في الأفراد. نعم الحق ان الحمام له أركان ينتفي بانتفائها و من ذلك المادة و نحوها، و لا ينفع هنا لو أطلق الاسم للعلم حينئذ بأنه معنى آخر غير المعنى الأول بل يكون حاله مثل ما سميت الآنية بالحمام فإنه لا تجري عليها الأحكام قطعا فتأمل جيدا.

و أما كون المراد بماء الحمام هو ما في حياضه الصغار فهو الظاهر منهم و قد صرح به جماعة، و ربما يستفاد من

قوله (عليه السلام)(1) كما عن الفقه الرضوي: «ان ماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري إذا كان له مادة»

فإن الظاهر ان المراد بالمادة انما هي مادة ماء الحمام، فيعلم حينئذ انها غير ماء الحمام و الذي هو غيرها انما هو ما في الحياض، و احتمال ان المراد بقوله (إذا) قيد للجاري فيكون مشبها بالجاري الذي له مادة لا مطلق الجاري فيدخل حينئذ ما في المادة في ماء الحمام بعيد خلاف المتبادر و المنساق، على ان الظاهر من التشبيه بالجاري و بماء النهر أن يكون المراد ما يخرج من المادة، لأنه هو الذي فيه صورة الجريان و النهرية، و الحوض الكبير بمنزلة المادة التي يخرج منها الماء. (فان قلت) انه كما يستفاد من الأخبار تنزيل ما في الحياض بمنزلة الجاري أيضا يستفاد منها تنزيل مادته منزلة مادة الجاري (قلت) حق لكنه لم يثبت هناك أحكام لاحقة للمادة من حيث كونها مادة لتثبت لها هنا، و أما الأحكام اللاحقة لها لغيرها مثل عصمتها لغيرها و نحو ذلك فهي هنا كذلك، و في رواية

بكر بن حبيب عن أبي جعفر (عليه السلام)(2) قال: «ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة»

و التقريب فيها كما تقدم من أن الظاهر ان المراد بالمادة إنما هي الحوض الكبير فيكون المراد بماء الحمام غيرها.


1- 1 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.

ج 1، ص: 95

و كيف كان فالذي يدل على إلحاق ماء الحمام بالجاري في الجملة مضافا الى ما تقدم و الى الإجماع محصله و منقوله

قول الصادق (عليه السلام)(1) في خبر ابن أبي يعفور حيث قال له أخبرني عن ماء الحمام يغتسل فيه الجنب و الصبي و اليهودي و النصراني و المجوسي، فقال: «ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا»

و

خبر حنان(2) قال: «سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله (عليه السلام) اني أدخل الحمام في السحر و فيه الجنب و غير ذلك فأقوم اغتسل فينتضح علي بعد ما أفرغ من مائهم. قال: أ ليس هو جار؟ قلت:

بلى قال: لا بأس»

و

صحيح دواد بن سرحان (3)«قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في ماء الحمام؟ قال: بمنزلة الماء الجاري»

و ما رواه في

الوسائل(4) عن كتاب قرب الاسناد عن إسماعيل بن جابر عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) «قال ابتدأني فقال: ماء الحمام لا ينجسه شي ء»

الى غير ذلك. و ما كان في هذه الروايات من ضعف في السند أو الدلالة فهو منجبر بما سمعت من الإجماع المنقول بل المحصل على ان ماء الحمام أي ما كان في حياضه الصغار سواء كان قليلا أو كثيرا هو بمنزلة الجاري، لكن يشترط اتصاله بالمادة إجماعا، مع انه المنساق من أخبار المادة و يشعر به التشبيه بالجاري و ماء النهر، فلا عبرة بما عساه يظهر من خبر حنان، على انه لا دلالة فيه على نجاسة ذي السؤر. نعم وقع النزاع بينهم في انه هل يشترط في المادة أن تكون كرا أولا؟

و المنقول عن الأكثر اشتراط الكرية، لكن في كشف اللثام نقل عن الجامع فقط موافقة العلامة على الاشتراط و قال بعد ذكر مذهب المحقق من عدم اشتراط الكرية لإطلاق النصوص و الفتاوى: و ظاهره ان الفتاوى مطلقة. و لعل مراد من نسبه


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 7. و في الوافي و الوسائل «يغتسل منه الجنب».
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.

ج 1، ص: 96

إلى الأكثر أنه أراد أكثر المتأخرين عن المحقق (رحمه الله).

و كيف كان فالذي ذهب اليه المصنف عدم الاشتراط و تبعه عليه بعض متأخري المتأخرين و لعله الظاهر من السرائر أيضا، قال في المعتبر: «و لا اعتبار بكثرة المادة و قلتها لكن لو تحقق نجاستها لم تطهر بالجريان» انتهى، و هو لا يخلو من قوة لما سمعته من الروايات فإنها كالصريحة في عدم اشتراط الكرية، مع ان أقصى ما يمكن ان يستند به للخصم ما في المدارك فإنه بعد ان ذكر مستند الحكم رواية بكر بن حبيب و صحيحة داود بن سرحان قال: «و هما مع ضعف سند الأولى بجهالة بكر بن حبيب و عدم اعتبار المادة في الثانية لا يصلحان لمعارضة ما دل على انفعال القليل بالملاقاة إذ الغالب في مادة الحمام بلوغ الكرية فينزل عليه الإطلاق» و فيه أما أولا ان مضمون رواية بكر مما لا كلام فيه و الإجماع منقول بل محصل عليه، مع ان في سندها صفوان و قد قيل فيه انه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و عن الشيخ في العدة انه قال في حقه لا يروي إلا عن ثقة، مضافا الى ان المشايخ ذكروها على سبيل الاعتماد و الاعتداد، مع أنها معتضدة بما سمعت من الأخبار و فيها الصحيح و غيره. و أما صحيحة داود بن سرحان فهي و ان لم تشتمل على المادة لكنها اشتملت على التشبيه بالجاري، و معلوم ان عدم انفعال الجاري إنما هو من جهة المادة فالظاهر من التشبيه ان وجه الشبه ذلك، مع ان الحمام مما له مادة. و لو سلمنا فنقول ان الإجماع و الأخبار الأخر مقيدة لها بما إذا كان له مادة و المعلوم من المقيد إنما هو العاري عن المادة أصلا فيبقى الباقي داخلا سواء كانت كرا أو أقل. و أما ثانيا فأنت خبير ان بين ما دل على انفعال القليل و بين ما نحن فيه تعارض العموم من وجه، و الترجيح مع أخبار الحمام لكثرتها و تعاضدها و عدم وجوه المعارض فيها و كونها منطوقا و تلك أكثرها مفاهيم، و بعضها قضايا في موارد خاصة. مع معارضتها بكثير من الأخبار كما سيأتي التعرض لها ان شاء الله

ج 1، ص: 97

مضافا الى ان أخبار الحمام معتضدة بأصالة البراءة، لأن النجاسة تكليف بالاجتناب، و باستصحاب الطهارة و بأصل الطهارة المستفاد من العمومات على وجه، و بما دل على عدم انفعال الماء إلا بما يغير ريحه أو طعمه أو لونه كما تقدم في الجاري. و دعوى ترجيح أخبار القليل بذهاب الأكثر هنا إلى النجاسة و بان الغالب كون مادة الحمام كرا فينزل الإطلاق عليه، يدفعها أن الأكثرية لم نتحققها إلا من متأخري المتأخرين، و قد سمعت ما قاله كاشف اللثام ان الفتاوى مطلقة، فتكون أخبار الحمام أولى بالترجيح بها.

و احتمال ان هذا الإطلاق معارض بإطلاقهم الآخر لنجاسة ماء القليل فيه ان ذلك و ان احتمل في الأخبار إلا انه يبعد احتماله في كلام الأصحاب مع ذكرهم الجاري و ما في حكمه كماء الحمام و ماء الغيث قسما برأسه و المحقون قسما آخر و منه القليل، فليتأمل جيدا.

و أما الأغلبية المذكورة فأما أو لا فانا نمنع وصولها الى حد بحيث يكون الأقل من كر و لو قليلا من الأفراد النادرة بحيث لا يشمله اللفظ، و ثانيا لو سلمنا الندرة فهي ندرة وجود لا ندرة إطلاق. و لذلك ترى صدق ماء الحمام على مثله من غير

استنكار كما هو ظاهر للمنصف المتأمل. على ان غلبة كرية المادة في الابتداء و إلا ففي الأثناء بعد استعمال ما في الحياض و إذهابها من كثرة الاستعمال يبقى غالبا أقل من كر. و أيضا فالتأمل الصادق قاض بفساد القول بأن المادة إن بقيت مقدار كر كانت من الأفراد الشائعة و ان نقصت مقدار عشرين مثقالا صارت من الافراد النادرة ان ذلك واضح المكابرة. على ان القول باشتراط الكرية ينافي ما هو كالصريح من الأخبار من ان ماء الحمام له خصوصية على غيره من المياه، إذ على تقدير الاشتراط يكون حاله كغيره من المياه كما اعترف به الشهيد في الذكرى. و احتمال القول بان أخبار الحمام محمولة على بيان ما هو كائن في غير الحمام أيضا فيكون المراد ان الحمام كالجاري لأن له مادة كثيرة و كل ما كان له مادة كثيرة فهو كذلك، فلا يكون للحمام حينئذ خصوصية، بعيد غاية البعد و قد اعترف الخصم بفساده، كما لا يخفى على من لا خط أخبار الباب و كلمات الأصحاب، فإنها كالصريحة

ج 1، ص: 98

في أن له خصوصية على غيره و هي منتفية على هذا التقدير، بل قد يقال ان غيره حينئذ أولى منه لأن العلامة و غيره قد صرحوا في مسألة الغديرين الموصول بينهما بساقية انه يكفي بلوغ مجموعهما مع الساقية كرا، و من هنا رجح بعضهم عدم اشتراط الكرية و لكن يشترط بلوغ مجموع ما في الحياض و المادة كرا، فيشمله حينئذ

قوله (عليه السلام)(1):

«إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي ء»

و فيه أيضا انه لم تبق خصوصية لماء الحمام بل يكون مساويا لغيره، على انه مناف لإطلاقهم اشتراط كرية المادة، و احتمال تقييده بما لم تكن المادة مساوية للحياض في السطوح كما هو الغالب في الحمامات و إلا فيكفي بلوغ المجموع كرا كالغديرين و يكون كلامهم في الغديرين منزلا على الغالب من استواء السطوح، أو يقال ان اشتراط الكرية للرفع إذا تنجست الحياض و إلا فبالنسبة للدفع يكفي بلوغ المجموع كرا فلا ينافي كلامهم في الغديرين لأنهم قد ذكروه بالنسبة للدفع لا الرفع- بعيد كالقول أن خصوصية الحمام تقوى الأسفل بالأعلى و إن كان متسما لا منحدرا، بخلاف غيره من المياه فإنه لا يتقوم فيها السافل بالعالي، فإن فيه مع انه مناف لما هو الظاهر من إطلاقهم اشتراط كرية المادة سواء كانت متساوية أو لا أن حكم الغديرين ذكره بعضهم فلا ينزل عليه كلام الجميع، مع ان تنزيل الغديرين على متساوي السطوح لا شاهد عليه، و كيف و قد نقل في المدارك عن العلامة في التذكرة و الشهيد في الذكرى الجزم بتقوي الأسفل بالأعلى في مسألة الغديرين دون العكس، فكيف ينزل كلامهم فيه على متساوي السطوح. و أيضا على فرض التقييد المذكور فحيث لم تكن المادة مساوية كما هو الغالب في الحمام فهل يتقوى الأسفل بالأعلى أولا؟ فإن قالوا بالتقوى كان يكفي في دفع النجاسة بلوغ المجموع كرا لان الفرض ان السافل يتقوى بالعالي فلا معنى حينئذ لاشتراط كرية المادة، و ان لم يقولوا بتقوي السافل بالعالي فلا تنفعهم كرية المادة مع فرض علوها إذ لا معنى للقول بالتقوى حيث يكون العالي كرا دون غيره


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 1 و 2 و 6.

ج 1، ص: 99

على ما ستعرفه في محله. فان قالوا ان هذا الحكم هو خصوصية الحمام قلنا هذا ليس أولى من القول بأن خصوصية عدم الانفعال و ان لم تكن كرا، بل هذا أولى تحكيما للإطلاق و لانه المنساق من التشبيه بالجاري و من ذكر المادة. و نظيره وارد على القول بالاكتفاء بكرية المجموع مطلقا إذ يلزم إما القول بعدم الخصوصية ان أجري هذا الحكم في غيره من غير مستوي السطوح مع التسنم أو الحكم بخصوص هذه الخصوصية من غير دليل، بل لعل إطلاق الأخبار ظاهر في غيرها. و كذا يرد على القول بان اشتراط الكرية إنما هو بالنسبة للرفع دون الدفع، و إلا فيكفي في الثاني بلوغ المجموع كرا إذ هو مع انه خلاف الظاهر من كلام المشترطين انه إما لازم لعدم الخصوصية إن قالوا ان غيره مثله في هذا الحكم أو للحكم بها من غير دليل. و كذا ما يقال ان الخصوصية فيه تطهير حياضه بما يخرج من المادة و ان لم يكن الخارج كرا دفعة بخلاف غيره من الماء المحقون فإنه يشترط فيه إلقاء الكر عليه دفعة كما عن كثير منهم التقييد بها هناك، و نادر لم يقيد بها إلا انه قد أخذ أيضا إلقاء الكر، و أما الحمام فلا كلام في تطهر الحياض بما يخرج من المادة و ان لم يبلغ الخارج مقدار كر، نعم اختلفوا في أنها هل تطهير بالاتصال أو لا بد من الامتزاج. قلت أما أولا فهو غير منطبق على

مذهب الجميع إذ مقتضى مذهب العلامة (رحمه الله) عدم إمكان تطهيره بما يخرج ان لم يكن كرا إذ لا يزيد على الجاري، و عنده ان الجاري ينجس بالملاقاة قبل ان يستكمل كرا بناء على ما فهمناه منه، بل و كذا على ما تقدم من توجيه كاشف اللثام السابق في تطهير الجاري في أحد الوجهين فيه.

و أما ثانيا فلان هذه الخصوصية مع ابتنائها على اعتبار الدفعة في غير ماء الحمام و عدم تقوي الأسفل بالأعلى هي مأخوذة من

قوله (عليه السلام): «ماء الحمام كالجاري»(1)

و

«انه كماء النهر يطهر بعضه بعضا»(2)

و هي كما أنها قاضية بما ذكر قاضية بالمختار، فلم يلتزم بهذه الخصوصية لمكان هذه الأخبار و لم يلتزم بالأخرى؟


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.

ج 1، ص: 100

و الحاصل بعد ان علمنا ان للحمام خصوصية على غيره كما صرحوا به، و لم يظهر من الأخبار بيان خصوصية الخصوصية، كان العمل بالإطلاق، و إثبات الجميع له، و انه يجري على ماء المادة حكم الجاري بشرط جريانها كما أشار إليه

قوله (عليه السلام)(1):

«أ ليس هو جار؟ قلت: بلى، قال: لا بأس»

هو المتجه و أولى من غيره. نعم ربما يقال باختصاص الحكم بما يخرج من المادة لا ما كان فيها، فتنجس حينئذ بملاقاة النجاسة إذا كانت أقل من كر، لما علمت ان المراد بماء الحمام ما كان في حياضه الصغار و ما يجري إليها من المادة. و من هنا قد استبعد العلامة (رحمه الله) الحكم بأن المادة إذا كانت أقل من كر فليست لها قوة على ان تعصم نفسها فكيف تعصم غيرها و تفيده حكما ليس لها. و لعل ما استبعده (رحمه الله) يراه الخصم قريبا بعد ما قضت الأدلة به. مع انه يحتمل ان يقال- و ان بعد- بشمول ماء الحمام للجميع حينئذ، أي ما في المادة و الحياض و لا ينجس ما في المادة و ان كان أقل من كر، لكن بشرط جريانه. و

قوله (عليه السلام)(2) في بعض الأخبار «إذا كانت له مادة»

لا يقضي صريحا بان ماء الحمام ما عداها، بل قد يشعر بمساواة مادته لمادة الجاري، إلا ان الأظهر ما تقدم سابقا من ان ماء الحمام ما عداها فتأمل.

فصار حاصل البحث ان ما في الحياض حاله كحال الماء الخارج من عين الجاري، و الحوض الكبير الذي يأتي منه الماء بمنزلة العين التي ينبع منها الماء فلا يقبل ما في الحياض النجاسة سواء كان ما في الحوض الكبير كرا أو لا، و سواء كان المجموع مقدار كر أولا، لكن بشرط اتصالها بالمادة و تجدد الخروج منها. و أما حيث تنجس ما في الحياض إما بالتغيير أو انها انقطعت عنها المادة فتنجست، فطريق تطهيره كطريق تطهير الجاري بما يخرج من المادة متدافعا عليه حتى يزول تغييره ان كان متغيرا. نعم هناك


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.

ج 1، ص: 101

بحث في شرطية الامتزاج يأتي الكلام فيه ان شاء الله.

هذا الذي يقتضيه النظر في أخبار الباب، فان ثبت إجماع على خلاف ما ذكرنا كلا أو بعضا قلنا به، و إلا فلا، و لعله ثابت بالنسبة للتطهير، لان المحقق (رحمه الله) الذي هو الأصل في الخلاف في المقام قد صرح بعد حكمه بعدم اعتبار الكرية، قال:

«لكن لو تنجس ما في الحياض لم يطهر بمجرد جريانها اليه» و لما ستسمع من إجماع كاشف اللثام. لكن قد تحمل عبارة المحقق (رحمه الله) على عدم حصول التطهر بمجرد الجريان بل لا بد من الامتزاج و حصول التدافع كما هو مذهبه بالنسبة إلى الغديرين، و لذا ربما يظهر من حاشية الآغا على المدارك و كذا الحدائق عدم الاشتراط و هو لا يخلو من وجه.

ثم ان مقتضى اشتراط العلامة (رحمه الله) كرية الجاري انه يلزمه ان يعتبر كرية ما في الحياض لأنها هي المشبهة بالجاري و اشتراطه كرية المادة لا يدفع عنه ذلك، اللهم إلا ان يقول ان ماء الحمام عبارة عما في الحياض و المادة فحينئذ يناسب مذهبه في الجاري. أو يقال ان تشبيه ما في الحياض بالجاري يكفي فيه اشتراط اتصال ما في الحياض بكر لأنه بمنزلة الكرية فيه، بل يكتفي بذلك في الجاري أيضا لو اتفق انه اتصل بكر خارج عنه.

(فان قلت) لم لم يكتف باتصال الجاري بمادته كما انه اكتفى بذلك في الحمام؟ (قلت) قد يفرق بين المادتين أو يلتزم ذلك في الجاري أيضا، و يكون هذا مؤيدا لما فهمه منه في كشف اللثام في باب تطهير الجاري فراجع و تأمل. و كيف كان فالمعروف بين المشترطين اشتراط الكرية لا أزيد لكن قال العلامة في التحرير «و حكم ماء الحمام كحكم الجاري إذا كانت له مادة تزيد على كر» و ربما حمل على التوسع في العبارة، أو يقال ان اشتراط الزيادة على الكر انما هو حتى يتحقق اشتراط اتصال الحياض بمادة هي كر، إذ مع فرض عدم زيادة المادة عنه تنقص عن الكر بمجرد جريانها اليه. و قال في كشف اللثام:

ج 1، ص: 102

«و يمكن الحمل على زيادتها عليه قبل إجراء شي ء منها الى الحوض الذي ينجس ماؤه بعد انقطاع الجريان ليبقى منها قدر كر فيطهر ما في الحوض بإجرائها إليه ثانيا فيوافق ما في سائر كتبه. و ينقدح منه انه يمكن ان يكون مراده في كتبه باشتراط الكرية فيها اشتراطها قبل الاجراء الى الحوض، فيكون المعنى انها إذا كانت كرا فأجريت لم تنجس بالملاقاة ما دام الجريان و الاتصال. و هو الأظهر عندي إذ ما دام الجريان فهو كماء واحد كثير فلا ينفعل سواء أجري إلى سطح يساوي سطحها أو غيره. فيرتفع الخلاف لان من البين ان المحقق إنما يسوي بين الكر و الأقل من الباقي منها، لا ما جرى في الحوض، و لا يقول بأن الباقي إذا نقص عن الكر فانقطع الجريان ثم تنجس ما في الحوض يطهر بالإجراء ثانيا للاتفاق على انه لا يطهر الماء النجس إلا الكر أو الجاري. فالمحصل ان ماء الحمام إذا بلغ كرا فصاعدا لم ينجس بملاقاة النجاسة و ان أجري إلى حوض صغير و نحوه مساوي السطح لسطح محله أم لا ما لم ينقطع الجريان، فإذا انقطع و نجس ما جرى فيه منه لم يطهر بالإجراء ثانيا إلا إذا كان الباقي كرا فصاعدا و الظاهر انسحاب الحكمين في غير الحمام» انتهى، و فيه نظر: أما أولا فإن ما ذكره من توجيه كلام العلامة في التحرير. لا ينطبق عليه بحسب الظاهر حيث قال فيه بعد ذكر أحكام الجاري:

«و يشترط في ذلك كله زيادة الجاري على الكر و حكم ماء الحمام حكمه إذا كانت له مادة تزيد على الكر» انتهى. إذ أخذ الزيادة في الجاري و مادة الحمام يشعر بأنهما من واد واحد، و أيضا قوله: إذا كانت الى آخره كالصريح في أن هذا الشرط مأخوذ في أصل كون ماء الحمام كالجاري دفعا و رفعا. و أما ثانيا فإنه يرجع حاصل ما ذكره من الانقداح انه يكفي بالنسبة إلى الدفع أن يكون مجموع ما في الحياض و المادة كرا، و لو تنجس ما في الحياض و أردنا تطهيره بالمادة فحينئذ لا بد من كونها كرا، و حمل على ذلك عبارة المحقق (رحمه الله) و قال: انه يريد لا فرق فيها بين أن يكون كرا أو لا بالنسبة

ج 1، ص: 103

إلى الباقي منها بعد إجراء شي ء منها الى الحياض لا بالنسبة الى ما فيها و ما في الحياض و أما بالنسبة إلى الرفع فقال لا بد من كونها كرا، و لا يقول المحقق (رحمه الله) انها تطهر ما في الحياض و ان لم تكن كرا لأن الإجماع منعقد على أن الماء النجس لا يطهره إلا الكر أو الجاري فيرتفع الخلاف حينئذ. و فيه انه مناف لما هو كالصريح من كلام العلامة من اشتراطه في طهارة ما في الحياض و كونها كالجاري كونها متصلة بمادة كر، فإنه (رحمه الله) قد صرح في المنتهى بكون ذلك مشروطا باتصاله بمادة و ان تكون تلك المادة كرا، و جعل الكرية كاشتراط أصل الاتصال بمادة، و مناف لما هو كالصريح من كلام المحقق (رحمه الله) و فهمه الجماعة منه أيضا. و دعوى ان ذلك من البين فيه كمال الخفاء، كما ان استبعاده لما ذكر غير بعيد بعد ما قضت به الأدلة. نعم دعواه الإجماع في الصورة الثانية قد يتخيل انها حق، لما سمعت من عبارة المحقق سابقا و هو الأصل في الخلاف في هذه المسألة، و لكن قد سمعت أيضا إمكان تأويلها، و لذلك لم يستند إليها في كاشف اللثام. و منه يكون الإجماع في المقام محل تأمل، سيما بعد ما نقل عن كثير منهم انهم جعلوا حكم الحمام حكم الجاري فيكون حكم مادته حكم مادة الجاري. و يؤيد ذلك انهم لم يشترطوا إلقاء الكر عليه دفعة أو إلقاءه و ان لم يكن دفعة بل يكفي ما تدافع منها و ان لم يكن مقدار كر. نعم لهم كلام بالنسبة للامتزاج و عدمه و سيأتي تحقيق القول فيه إن شاء الله، ان كان متحد الحكم مع ما يأتي، و إلا فيحتمل قويا الفرق بينهما فإنه و ان اشترط الامتزاج هناك لكنه لا يشترط هنا أخذا بإطلاق

قوله (عليه السلام):

«ماء الحمام كالجاري»

فيكون تطهيره بما يتدافع اليه من المادة من غير اشتراط الامتزاج فتأمل جيدا.

ثم ان عبارة كشف اللثام قد تشعر بالفرق بين أن تكون المادة هي كر فأجريت و بين ما يكون في الحوض شي ء و في المادة شي ء و كان كل منهما أقل من كر ثم وصل ما في المادة و ما في الحوض. و لعله لأن الأول يسمى ماء واحدا بخلاف الثاني، و الظاهر عدم الفرق.

ج 1، ص: 104

و الغرض من طول البحث في المقام بيان قوة كلام المحقق و ان كان الأحوط خلافه، ان لم يكن أقوى، فيكتفي بكرية مجموع ما في الحياض و المادة بالنسبة إلى دفع النجاسة و يشترط كرية المادة في رفع النجاسة عن الحياض. و أحوط من ذلك اشتراط كرية المادة بالنسبة إليهما معا، و ان كان القول به ضعيفا بالنسبة الى ما تقدم فتأمل جيدا و الله أعلم بحقيقة الحال.

و لو مازجه اي الجاري و ما في حكمه طاهر فغيره لونا أو طعما أو رائحة أو تغير من قبل نفسه من غير ممازجة لشي ء لم يخرج عن كونه طاهرا مطهرا ما دام إطلاق الاسم باقيا للأصل بل الأصول و الإجماع المحصل و المنقول. و ربما يرشد إليه أيضا كراهية الطهارة بالماء الآجن إذا وجد غيره، و لعدم انفكاك السقاء أول استعماله من التغير و لم ينقل عن الصحابة الاحتراز منه، و قد قيل أيضا ان الصحابة كانوا يسافرون و غالب أوعيتهم الأديم و هو يغير الماء، فلا ينبغي الالتفات الى ما في النبوي(1) و نحوه مما دل على حصول النجاسة بكل شي ء، يغيره. قال في المنتهى: «متى كان التغير بملاقاة جسم طاهر و لم يسلبه إطلاق الاسم فهو باق على طهارته و يصلح التطهير به إجماعا، ان لم يمكن التحرز منه كالطحلب و ما ينبت في الماء و ما يتساقط من ورق الشجر النابت فيه» الى أن قال: «أما لو امتزج بما يمكن التحرز منه كقليل الزعفران فإنه باق على أصله في الطهورية إجماعا منا» ثم نقل خلاف الشافعي و مالك في ذلك ثم قال فيه أيضا: «لو كان تغير الماء لطول بقائه فإن سلبه إطلاق الاسم لم يجز الطهور به و لا يخرج عن كونه طاهرا، و إلا فلا بأس و لكنه مكروه، و لا خلاف بين عامة أهل العلم في جواز الطهارة به الا ابن سيرين» و قد يرشد إلى الطهارة فيما نحن فيه ما نقل من الإجماع على عدم حصول النجاسة بالتغير بالمجاورة لها من ريح أو غيره، و لا ريب ان ما نحن فيه أولى و كان المسألة غير محتاجة إلى طول البحث.


1- 1 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 10.

ج 1، ص: 105

[في الماء المحقون]
اشاره

و اما المحقون الذي ليس بجار و لا بحكمه و لا ماء بئر

[في الماء القليل]
اشاره

فما كان منه دون الكر المقدر بما يأتي فإنه ينجس بملاقاة النجاسة و المتنجس، و ان لم يغير أحد أوصافه، للنصوص(1) المستفيضة بل المتواترة و فيها الصحيح و غيره و ستسمعها، و للإجماع محصلا، و منقولا نصا، و ظاهرا مطلقا في لسان بعض، و مستثنى منه ابن أبي عقيل فقط في لسان آخرين. و حجية الثاني لعله من جهة نقل الكاشف دون المنكشف. و قد وقعت حكاية الإجماع للأساطين من علمائنا كما عن المرتضى (رحمه الله) في الناصريات و الشيخ في الخلاف و الاستبصار و ابن زهرة في الغنية، و في المختلف مستثنيا ابن أبي عقيل، و مثله في المدارك، و عن المهذب شرح النافع الإجماع و ندر ابن أبي عقيل. و ربما استدل أيضا بما وقع من نقل الإجماع على نجاسة سؤر اليهودي و النصراني، و الإجماع على غسل إناء الولوغ ثلاثا، و الإجماع على تحديد الكر بالأرطال على ما دلت عليه مرسلة ابن أبي عمير(2) و هو لا يخلو من تأمل ان لم يكن في الكل ففي البعض سيما في الأخير، فإن السؤر و الولوغ لا يختص بالماء القليل، و كذلك تحديد الكر بالأرطال فإن القائل بعدم النجاسة لا يقول بعدم الكرية نعم ينفي أن تكون عنوانا للطهارة و النجاسة، و لها فوائد أخر عنده. نعم يظهر من الشيخ في الخلاف عند نقل الإجماع في مسألة الولوغ و نجاسة الكلب ما يشمل الماء بل هو صريح كلامه كما لا يخفى على من لاحظه، و كان عليه أن لا يقتصر على ما ذكر بل الأولى ذكر إجماع التحرير و المنتهى على نجاسة ما يغتسل به الجنب و غيره إذا كان على البدن نجاسة عينية، و الإجماع من العلامة و المصنف على سلب الطهورية عما تزال به النجاسة، و ما في المعتبر أن تخصيص

قوله (عليه السلام).


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 106

«الماء طهور لا ينجسه شي ء»(1)

بما دون الكر للإجماع ذكر ذلك عند الكلام في تقدير الكر، الى غير ذلك. و المتتبع يجد كثيرا من ذلك.

ثم ان مقتضى نقل الإجماع من المرتضى سيما في الناصريات و الاقتصار من غيره على كون المخالف ابن أبي عقيل دون غيره أن يكون المراد إثباته في المقام هو عدم كون الماء القليل كالكر لا ينجس إلا بالتغير كما يدعيه ابن أبي عقيل. فحينئذ كل ما دل على نجاسة القليل بغير التغير بأي نجاسة كانت و كيف ما كان حجة عليه، لان السلب الكلي يكفي في رفعه الإيجاب الجزئي، فيتجه حينئذ الاستدلال عليه بالمفهوم و ان لم نقل بعمومه أو عدم إثباته للنجاسة بكل شي ء، و بعض (2) الأخبار الخاصة في خصوص بعض الأشياء و نحو ذلك. و أما القول بطهارة بعض المياه القليلة كطهارة الغسالة خاصة و ماء الحمام مثلا و نحو ذلك فليس المقام مقام رده، بل يأتي ذلك في مقامه. و كيف يدعى ذلك و تنزيل الإجماع عليه مع ان القائل بطهارة الغسالة مثلا جمع كثير، حتى ادعي أنه الأشهر بين القدماء، بل ربما كان ناقل الإجماع هنا هو المخالف هناك فتأمل و السنة منها الصحيح في التهذيب و الكافي و عن الاستبصار كذلك، و

عن الصدوق مرسلا(3)عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه السلام) «و سأل عن الماء الذي تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب، قال: إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء»

و رواه

الشيخ في الصحيح كما قيل و الكليني في الحسن بإبراهيم ابن هاشم و كذلك عن معاوية بن عمار(4)عن ابى عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء».

و لا ريب في إفادتها نجاسة القليل بغير التغير و إلا لتوافق حكم المنطوق و المفهوم. و المناقشة فيها بمنع حجية المفهوم معلومة البطلان بما تقرر في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 107

محله. و الغرض كما هو الواقع عدم ظهور فائدة للاشتراط غير الانتفاء عند الانتفاء، كالمناقشة بان التنجس لم يثبت له حقيقة شرعية فيبقى على اللغوي فلا يفيد المطلوب، فإنها أوضح من الأولى بطلانا أولا بثبوت الحقيقة لها، و ثانيا بصيرورتها كذلك في زمن الأئمة قطعا و الفرض ان الخبر عنهم (عليهم السلام) و ثالثا ان المقصود و اللائق بحالهم انما هو الحكم الشرعي و إلا فالمعنى اللغوي يتساوي فيه كل أحد غير محتاج للشارع في بيانه. نعم في استفادة التنجيس من هذه الأخبار على وجه العموم- اي يراد كل ماء قليل ينجس بكل شي ء نجسا كان أو متنجسا بحيث يشمل المستعمل في غسل الأخباث حال استعماله و حال انفصاله- أشكال لابتنائه على عدة أمور و ان سلمنا بعضها لكن لا يفيد ذلك، كعموم الموضوع في القضية و هو لفظ الماء، و هو مسلم في المقام قطعا في المنطوق و يتبعه المفهوم، و ان (إذا) و ان كانت من أدوات الإهمال لكن المقام مقام إعطاء قاعدة و ضرب قانون، فيستفاد منها العموم، و العرف أعدل شاهد على ذلك، و كعموم المفهوم، و لعلنا نسلمه و ان ظهر من العلامة في المختلف عدمه، و لعله يستفاد مما دل على حجية الشرط و هو العرف فإن أهل العرف يفهمون انتفاء حكم المنطوق عن جميع أفراد المفهوم و لا يكتفون بانقسام المفهوم الى قسمين موافق للمنطوق و مخالف له، و فيه تأمل. و لكن ذلك كله لا يفيد المطلوب فان تسليم جميع ما ذكرنا لا يستفاد منه أزيد من انتفاء حكم المنطوق عن جميع أفراد المفهوم، و الحكم في المنطوق إنما هو السلب الكلي أي عدم تنجسه بشي ء، فاللازم منه ان ما عداه ينجس بشي ء و يستفاد ذلك الشي ء من خارج كتضمن السؤال و نحوه، فيقتصر على ما علم دون ما لم يعلم، فلا يشمل المستعمل في إزالة النجاسة مثلا. و ما يقال ان عموم شي ء في المفهوم حينئذ لكونها واقعة في سياق العموم و كل نكرة وقعت كذلك أفادته، كقوله: «و كل حتف امرئ يجري بمقدار» فان عموم امرئ لذلك. و فيه مع إمكان منع ذلك و وجود القرينة في المثال لم نعلم ما المراد بالسياق؟ فان كان من قبيل المثال فما نحن فيه

ج 1، ص: 108

ليس منه حينئذ قطعا كما هو واضح، و ان أراد غير ذلك كان عليه ان ينص عليه.

و لعل التأمل فيما نحن فيه و في نظائره من التراكيب يشهد لما قلنا من عدم العموم فتأمل.

و كذا ما يقال من ان المستفاد من علماء المعاني ان المفهوم تابع للمنطوق ان عاما فعاما و ان خاصا فخاصا، كما ذكروا ذلك في وجه فساد قول القائل (ما أنا رأيت أحدا) قالوا تخصيص المتكلم نفسه بعدم الرؤية على وجه العموم يقتضي أن يكون أحد غيره رأى كل أحد. فيه ما لا يخفى فان ذكر علماء المعاني لو سلم و سلم منافاته لما قلنا ليس حجة في نفسه، و كيف و العرف أعدل شاهد في ذلك كله. و نحوهما ما يقال أيضا من انه يلزم خلو كلام الحكيم عن الفائدة في المفهوم حينئذ. و فيه انه موقوف على العلم بان الشارع جاء بهذه العبارة لأجل بيان الحكم في المنطوق و المفهوم، و انه أراد فهم ذلك من هذه العبارة حتى يحمل لفظ شي ء في المفهوم على العموم، و دون إثباته خرط القتاد، فإنه قد يكون لبيان حكم المنطوق، أو له و لما سئل عنه من النجاسات الخاصة، فإنه يستفاد منه النجاسة بها. على انه ان سلمنا ذلك فليس عمومه حينئذ إلا من جهة الحكمة و حاله كحال المطلق لا يشمل مثل ماء الغسالة، و تمام الكلام في ذلك المبحث.

و منها

قول الصادق (عليه السلام)(1)في صحيح محمد بن مسلم قال: «قلت ان الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب، قال:

إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء».

و منها

قول الكاظم (عليه السلام)(2)في صحيح علي بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الدجاجة و أشباهها تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إلا ان يكون كثيرا قدر كر من ماء»

و منها

قول الصادق (عليه السلام)(3) في صحيح إسماعيل بن جابر قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شي ء، قال: كر، قلت: و ما الكر»

الى آخره.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.

ج 1، ص: 109

و منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح إسماعيل أيضا (1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الماء الذي لا ينجسه شي ء، قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته».

و منها

قول الصادق (عليه السلام)(2)في صحيح صفوان بطريق الشيخ و في الكافي بطريق فيه سهل بن زياد قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحياض التي بين مكة و المدينة تردها السباع و تلغ فيه الكلاب و يشرب منه الخنزير و يغتسل منه و يتوضأ منه، فقال: و كم قدر الماء؟ قلت: الى نصف الساق و الى الركبة، قال: توضأ منه»

فإن سؤاله (عليه السلام) عن قدر الماء بمقتضى الحكمة لا بد و ان يكون له تعلق في ذلك، و لما كانت الحياض معلومة المساحة اكتفى بالسؤال عن العمق عن غيره. و منها

قول الصادق (عليه السلام)(3) في صحيح أبي العباس الفضل بن عبد الملك البقباق قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و البغال و الحمار و الوحش و السباع فلم أترك شيئا حتى سألته، فقال: لا بأس به- حتى انتهيت الى الكلب، فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء».

و منها

قول الصادق (عليه السلام)(4) أيضا في خبر محمد بن مسلم قال: «سألته عن الكلب يشرب من الإناء، قال: اغسل الإناء».

و منها

صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام)(5) قال: «سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات».

و منها

صحيحه الآخر عن أخيه عليه السلام قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 12 مع اختلاف في اللفظ.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النجاسات حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النجاسات- حديث 1.

ج 1، ص: 110

«سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدا للوضوء و هو متفرق؟

فكيف يصنع به و هو يتخوف أن يكون السابع قد شربت منه؟ فقال (عليه السلام):

إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا عن أمامه»

الى آخره (1)فان اشتراطه (عليه السلام) نظافة اليد فيه دلالة على ذلك. و منها صحيحه الآخر

عن أخيه (عليه السلام) أيضا(2) قال: «سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ فقطرت قطرة في إنائه هل يصح الوضوء منه؟ قال: لا».

و منها

صحيح شهاب بن عبد ربه (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل الجنب يسهو فيطمس يده في الإناء قبل أن يغسلها انه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي ء».

و منها

صحيحه الآخر(4) المنقول عن بصائر الدرجات قال: «أتيت أبا عبد الله (عليه السلام)- الى أن قال: و ان شئت سل و ان شئت أخبرتك؟ قلت:

أخبرني، قال: جئت تسأل عن الجنب يسهو فيغمس يده في الماء قبل أن يغسلها، قال:

قلت: ذلك جعلت فداك، قال: إذا لم يكن أصاب يده شي ء فلا بأس».

و منها

صحيح البزنطي(5) قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال: يكفي الإناء».

و منها

صحيح داود بن سرحان(6) قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في ماء الحمام؟ قال: هو بمنزلة الجاري»

فإن تشبيهه عليه السلام بالجاري دليل على أن ليس كل قليل كالجاري. و منها

صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المضاف- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الجنابة- حديث 2 مع اختلاف في اللفظ.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 111

عليه السلام(1) قال: «سألته عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام، قال: إذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، إلا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل».

و منها

حسن سعيد الأعرج (2) بإبراهيم بن هاشم قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي و النصراني، قال: لا».

و منها

حسنة زرارة مضمرة(3) قال: «قلت كيف يغتسل الجنب؟ فقال: ان لم يكن أصاب شي ء يده غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه».

و منها

مضمرة زرارة (4)في الحسن أيضا، قال: «إذا كان أكثر من رواية لم ينجسه شي ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ إلا أن يجي ء له ريح يغلب على ريح الماء».

و منها

موثقة سماعة(5)عن الصادق عليه السلام قال: «إذا أصابت الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي ء من المني».

و منها

موثقة عمار(6) عن الصادق عليه السلام أيضا قال: «سألته عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب، فقال: كل شي ء من الطير يتوضأ بما يشرب إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب».

و منها

موثقته (7) عن الصادق عليه السلام قال: «سئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال:

ان كان في منقارها قذر لم تتوضأ منه و لم تشرب و ان لم تعلم ان في منقارها قذرا توضأ و اشرب. و عن ماء يشرب منه باز أو صقر أو عقاب، قال: كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب».

و منها

موثقته(8) أيضا عن الصادق عليه السلام: «انه سأل عن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الجنابة- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- حديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- حديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الماء المطلق- حديث 1 مع اختلاف يسير.

ج 1، ص: 112

الرجل يجد في إنائه فارة و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا أو اغتسل أو غسل ثيابه و قد كانت الفأرة متسلخة، فقال عليه السلام: إن كان رآها قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و ان كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمس من الماء شيئا و ليس عليه شي ء لأنه لا يعلم متى سقطت فيه» ثم قال: «لعله ان يكون إنما سقطت تلك الساعة التي رآها»

و منها

موثقة سعيد الأعرج (1)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجرة تسع مائة رطل من ماء يقع فيها أوقية من دم أشرب منه و أتوضأ؟ قال: لا»

و حمله على التغير بعيد، لأن الأوقية أربعون درهما كما عن نص أهل اللغة، و الرطل مائة و ثلاثون درهما، فنسبتها اليه نسبة الثلث تقريبا، فنسبته الى مائة رطل يكون نسبة ثلث عشر العشر.

و منها

موثقة أبي بصير(2) عن الصادق عليه السلام قال: «ليس بفضل السنور بأس أن تتوضأ منه و تشرب، و لا يشرب من سؤر الكلب إلا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه».

و منها

موثقة أبي بصير(3) عنهم عليهم السلام قال: «إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الماء و فيه شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء».

و منها

قوية أبي بصير(4) قال: «سألته عن الجنب يحصل الركوة أو التور فيدخل إصبعه، قال: إن كان أصابها قذر فليهرقه و ان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه. هذا مما قال الله عز و جل ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 8 و الباب- 13- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 4 مع اختلاف يسير.
4- 4 لأن في السند في التهذيب ابن سنان و ابن مسكان و الظاهر من الثاني انه عبد الله منه رحمه الله.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 11 مع اختلاف يسير.

ج 1، ص: 113

و منها

خبر بكر بن حبيب عن ابى جعفر عليه السلام (1) قال: «ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة»

فان تقييده بالمادة يقضي بثبوت البأس مع عدمها و على الطهارة.

لا تفاوت. و منها

خبر معاوية بن شريح (2) قال: «سأل عذافر أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع يشرب منه أو يتوضأ منه قال: نعم اشرب منه و توضأ. قال: قلت: له الكلب؟ قال: لا، قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا و الله انه نجس»

و قيل ان مثله ما رواه الشيخ عن معاوية بن ميسرة، و منها

مرسلة حريز(3)عن الصادق عليه السلام قال: «إذا ولغ الكلب في الإناء فصبه».

و منها ما عن

فقه الرضا عليه السلام (4) قال: «إذا ولغ كلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرات مرة بالتراب و مرتين بالماء ثم يجفف».

و منها

خبر ابى بصير(5) عن الصادق عليه السلام و فيه «ان مائل الميل من النبيذ ينجس حبا من ماء»

يقولها ثلاثا. و منها

خبر عمر بن حنظلة(6) قال:

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب مسكره؟ فقال: لا و الله و لا قطرة قطرت في حب إلا أهريق ذلك الحب».

و منها ما عن

قرب الاسناد (7)عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- حديث 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 43- من أبواب النجاسات و الأواني- حديث 1، و لكن فيه «ان وقع كلب» و ليس فيه «ثم يجفف» و بعده رواية عن المقنع مطابقة للجواهر.
5- 5 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- حديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الأشربة المحرمة- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 16. و في الوسائل رواها عن كتاب على بن جعفر قال سألته «عن جمرة ماء فيه ألف رطل» إلخ و لم نجدها في كتاب قرب الاسناد.

ج 1، ص: 114

قال: «سألته عن حب ماء وقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء؟ قال:

لا يصلح»

و قد عرفت نسبة الأوقية إلى الرطل فكيف الى الحب. و منها

مرسلة عبد الله ابن المغيرة (1)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي ء».

و منها

خبر حفص بن غياث(2) عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة».

و منها خبر محمد بن يحيى (3) رفعه الى الصادق عليه السلام كما في الوسائل. و غاية ما علم اشتراطه إنما هو الملاقاة فيبقى غيره الزائد عليه و هو التغيير لانه ملاقاة و زيادة منفيا بالأصل. لا يقال ان الرواية ظاهرة في أن ذا النفس مفسد لسائر أفراد المياه و هذا لا يكون إلا بالتغيير حتى يشمل الكر و الجاري، لأنا نقول المراد أنه لا يفسد فردا من أفراد المياه إلا ذو النفس السائلة و هذا لا يشمل الجاري و نحوه. و منها

خبر علي بن جعفر عليه السلام (4) عن كتاب المسائل و قرب الاسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يتوضأ في الكنيف بالماء يدخل يده فيه أ يتوضأ من فضله للصلاة؟ قال: إذا أدخل يده و هي نظيفة فلا بأس و لست أحب ان يتعود ذلك»

و منها ما عن

نوادر الراوندي (5) بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال قال: علي عليه السلام «الماء الجاري لا ينجسه شي ء»

و دلالته على المطلوب بالمفهوم. و منها ما عن

الرضوي (6) قال عليه السلام: «كل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات إلا ان يكون فيه الجيف فتغير لونه و طعمه و رائحته فإذا غيرته لم يشرب و لم يتطهر».

و

«اعلموا رحمكم الله ان كل ماء جار لا ينجسه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأسئار- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأسئار- حديث 4.
4- 4 البحار- المجلد 18- باب سنن الوضوء و آدابه- حديث 1.
5- 5 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
6- 6 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.

ج 1، ص: 115

شي ء»(1)

و

قال عليه السلام (2): «ان اجتمع مسلم مع ذمي في الحمام اغتسل المسلم قبل الذمي و ماء الحمام سبيله سبيل الجاري إذا كانت له مادة».

و يمكن ان يستدل أيضا ب

ما ورد(3) في البئر و انه واسع لا يفسده شي ء لأن له مادة

، فإن التعليل ظاهر في ذلك، و بما

ورد(4) من «نهي النائم ان يدخل يده في الإناء قبل الغسل لانه لا يدري بها اين باتت،»

و بما

جاء من النهي(5) عن «الاغتسال في غسالة الحمام لما فيها من غسالة الناصب و غيره و انه أنجس من الكلب»

و اخبار(6) الإنائين المشتبهين، و اخبار النهي عن سؤر الحائض(7) مع التهمة و خبر العيص بن القاسم(8) الذي رووه في ماء الغسالة فيمن أصابته قطرة من طست فيه وضوء، فإنه عليه السلام أمره بالغسل من ذلك، و خبر عبد الله بن سنان(9) لتضمنه في النهي عن الوضوء فيما يغسل به الثوب و يغتسل به من الجنابة لعدم القائل بالفصل. الى غير ذلك من الأخبار الدالة و المؤيدة و هي كثيرة جدا. و هي و ان ناقشنا في دلالة المفهوم منها على العموم، لكنه يستفاد منها بعد التأمل في أسئلتها قاعدة و هي نجاسة القليل بالملاقاة للنجس أو المتنجس. كما لا يخفى على من لاحظها مع التأمل، و ذلك لاشتمالها علي نجاسة القليل بولوغ الكلب و ملاقاة الدم و بدخول الدجاجة و شبهها واطئة للعذرة و شرب الخنزير، و اشتراطه عليه السلام نظافة اليد من غير تخصص لها بالنظافة من شي ء خاص قاض بالنجاسة بكل النجاسات، و مثله


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 6 و 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوضوء- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- حديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 14.
9- 9 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 13.

ج 1، ص: 116

اشتراطه عليه السلام عدم البأس بإصابة اليد للإناء في الجنب بما إذا لم يكن أصابت يده شيئا، و وقوع قطرة من الدم في الإناء، و ترك الاستفصال عن قذارة اليد التي دخلت في الإناء مع الأمر بالإهراق، و بملاقاته لليهودي و النصراني، و بملاقاته للمني و الفأرة الميتة و البول و النبيذ و كل ما له نفس سائلة، و من المعلوم المقطوع الذي لا يعتريه شك انه ليس المراد القصر على هذه الأشياء، و كيف و قد عرفت ان ترك الاستفصال في بعضها قاض بالجميع. فيستفاد منه حينئذ قاعدة و هي انفعاله بملاقاة سائر النجاسات و المتنجسات.

و يمكن الاستدلال عليه أيضا بالقاعدة المستفادة من استقراء أخبار النجاسات فإنها قاضية بنجاسة كل ملاقاة فيه مع الرطوبة.

نعم يبقى تأمل في انه هل يمكن استفادتها بالنسبة للكيفية أي يحصل الانفعال سواء كانت النجاسة واردة على الماء و بالعكس، و لو كان ورود الماء لا يفيده استقرارا معها، بحيث يشمل ماء الغسالة؟ و لعل إمكان ذلك إنما هو من جهة الإجماع الجابر لفهم ذلك من الأخبار، و يأتي تمام البحث فيه ان شاء الله.

و غاية ما يمكن أن يستدل به لابن أبي عقيل الأصل براءة و طهارة و استصحابا في الماء نفسه و في الملاقي، و قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»(1) و الماء كله من السماء بدليل قوله تعالى «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ»(2) «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ»(3) مع انه

روى عن الباقر عليه السلام (4) «أنها هي العيون


1- 1 سورة الفرقان آية 50.
2- 2 سورة الزمر آية 22.
3- 3 سورة المؤمنون آية 18.
4- 4 تفسير على بن إبراهيم القمي في سورة المؤمنون آية 18.

ج 1، ص: 117

و الآبار»

، و قوله تعالى «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ»(1) و قوله تعالى:

«فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»*(2) خرج المتغير خاصة. و الأخبار منها

الخبر المستفيض عن الصادق عليه السلام(3) انه قال: «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر»

و هي شاملة لما يعلم حكمه من الشرع. و منها ما

عن الصادق عليه السلام أيضا(4): «ان الماء طاهر لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته»

و عن ابن ابى عقيل انه ادعى تواتره.

و منها

مصحح محمد بن حمران و جميل(5) عن الصادق عليه السلام: «أن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا»

و المعرف حيث لا عهد إما للجنس أو الاستغراق و الكل يفيد المطلوب. و منها

صحيح داود بن فرق(6) عن الصادق عليه السلام «قال:

كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، و قد وسع الله عليكم بأوسع مما بين السماء و الأرض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون».

و منها

صحيح حريز(7) عن أبي عبد الله عليه السلام: «كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب، فإذا تغير الماء و تغير الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب»

. و منها

صحيح أبي خالد القماط(8)«انه سمع أبا عبد الله عليه السلام في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب منه و لا تتوضأ، و ان لم يتغير ريحه و طعمه فتوضأ و اشرب».

و منها

صحيح شهاب بن عبد ربه قال: «أتيت أبا عبد الله عليه السلام


1- 1 سورة الأنفال آية 11.
2- 2 سورة النساء آية 46، و سورة المائدة آية 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- حديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- حديث 4.

ج 1، ص: 118

أسأله فابتدأني، فقال: ان شئت يا شهاب فاسأل و ان شئت أخبرتك، قال: قلت له أخبرني، قال جئت لتسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه أو لا؟ قال:

نعم، قال: فتوضأ من الجانب الآخر إلا ان يغلب الماء الريح فينتن»(1)

الى آخره.

و منها

صحيح عبد الله بن سنان (2)قال: «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و انا جالس عن غدير أتوه و فيه جيفة. فقال: إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ».

و منها

صحيح ابن مسكان(3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الوضوء مما ولغ فيه الكلب و السنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أ يتوضأ منه أو يغتسل؟ قال:

نعم إلا ان تجد غيره فتنزه عنه».

و منها

صحيح ابن مسلم (4) قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله في المركن مرتين».

و منها

صحيح ابن بزيع(5) قال: «كتبت الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لا يجوز؟

فكتب لا تتوضأ من مثل هذا إلا من الضرورة اليه».

و منها

صحيح زرارة (6)عن الصادق عليه السلام «و قد سأل عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أ يتوضأ منه؟ قال: لا بأس».

و منها

صحيح علي بن جعفر(7) عن أخيه عليهما السلام «انه سأل عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا إلا ان يضطر اليه».

و منها

صحيحه الآخر عن أخيه أيضا قال: سألته عن رجل رعف


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 15.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب النجاسات- حديث 9.

ج 1، ص: 119

فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه؟ فقال: ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه»(1)

. و منها

حسنة محمد بن ميسر(2)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق و يريد أن يغتسل منه و ليس معه إناء يغرف به و يداه قذرتان، قال يضع يده و يتوضأ و يغتسل، هذا مما قال الله عز و جل (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)».

و منها

موثقة سماعة(3) عن ابى عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يمر بالماء و فيها دابة ميتة قد أنتنت قال: ان كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب»

و منها

موثقته أيضا(4) قال: «سألته عن الرجل يمر بالميتة في الماء، قال: يتوضأ من الناحية التي ليس فيها الميتة»

و منها

الموثق عن أبي بصير(5) قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون في جانب القرية فيكون فيه العذرة و يبول فيه الصبي و تبول فيه الدابة و تروث، فقال: ان عرض في قلبك شي ء فقل هكذا- يعنى أفرج الماء بيدك- ثم توضأ فإن الدين ليس بمضيق، فان الله عز و جل يقول ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

و منها

خبر الفضيل (6)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الحياض يبال فيها قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول».

و منها

خبر أبي حمزة(7) قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الساكن و الاستنجاء فيه و فيه الجيفة، فقال: توضأ من الجانب».

و منها

خبر عثمان الزيات


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 14.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 7 و هو عن العلاء بن الفضيل.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 13.

ج 1، ص: 120

(1) قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون في السفر فآتي الماء النقيع و يدي قذرة فأغمسها في الماء، قال: لا بأس».

و منها

مرسل إسماعيل بن مسلم (2) عن جعفر عن أبيه عليه السلام: «ان النبي صلى الله عليه و آله أتى الماء فأتاه أهل الماء، فقالوا:

يا رسول الله صلى الله عليه و آله ان حياضنا هذه تردها السباع و الكلاب و البهائم، فقال صلى الله عليه و آله: لها ما أخذت و لكن سائر ذلك».

و منها ما

عن الصدوق مرسلا(3) عن الصادق عليه السلام: «انه سئل عن غدير فيه جيفة، قال ان كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ و اغتسل».

و منها

خبر زرارة (4)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت له رواية من ماء سقطت فيه فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة. قال: ان تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة إذا أخرجتها طرية، كذلك الجرة و حب الماء و القربة و أشباه ذلك من أوعية الماء».

و منها

خبر زرارة(5) قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء، قال: لا بأس».

و منها

خبر ابى مريم الأنصاري(6) قال: «كنت مع ابى عبد الله عليه السلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فأكفى رأسه و توضأ بالباقي».

و منها

خبر عمر بن يزيد (7)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ماء ينزو من الأرض، فقال: لا بأس به».

و منها

خبر ابن ابى بكر(8) قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يضع الكوز الذي يغرف به


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث- 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث- 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 16.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 12.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 17.

ج 1، ص: 121

من الحب في مكان قذر ثم يدخله الحب، قال: يصب من الماء ثلاث أكف ثم يدلك الكوز».

و منها

خبر الأحول (1) قال: «دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن الرجل يستنجى فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به، فقال: لا بأس به. فسكت، فقال: أ تدري لم صار لا بأس به؟ قلت: لا و الله جعلت فداك، فقال لي: ان الماء أكثر من القذر».

و منها ما عن كتاب

قرب الاسناد و المسائل (2)عن علي بن جعفر (عليه السلام) قال: «و سألته عن جنب أصابت يده من جنابة فمسحه بخرقة ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه ان يغتسل من ذلك الماء؟ قال: ان وجد ماء غيره فلا يجزيه ان يغتسل و ان لم يجد غيره أجزأه».

و منها ما عن

دعائم الإسلام (3) عنه (عليه السلام) قال: «إذا مر الجنب في الماء و فيه الجيفة أو الميتة فإن كان قد تغير لذلك طعمه أو ريحه أو لونه فلا يشرب منه و لا يتوضأ و لا يتطهر».

و منها ما في

المختلف مرسلا(4) عن الباقر (عليه السلام) «انه سئل عن القربة و الجرة من الماء يسقط فيها فارة و جرذ أو غيره فيموتون فيها، فقال: إذا غلب رائحته على طعم الماء أو لونه فأرقه، و ان لم يغلب عليه فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة إذا أخرجتها طرية»

. و منها ما في

الكتاب المذكور أيضا مرسلا(5)عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن النقيع و الغدير و أشباههما فيه الجيف و القذر و ولوغ الكلب و تشرب منه الدواب و تبول يتوضأ منه؟ فقال لسائله: ان كان ما فيه من النجاسة غالبا على الماء فلا تتوضأ و ان كان الماء غالبا على النجاسة فيتوضأ منه و يغتسل».

و منها ما

في الكتاب المذكور أيضا(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
2- 2 البحار- المجلد 18- باب نجاسة البول و المنى- حديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
4- 4 المختلف- صحيفة 3.
5- 5 المختلف- صحيفة 2.
6- 6 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 8 و في المختلف ص 3.

ج 1، ص: 122

قال: «ذكر بعض علماء الشيعة انه كان بالمدينة رجل يدخل على أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) و كان في طريقه ماء فيه العذرة و الجيف و كان يأمر الغلام بحمل كوز من ماء يغسل رجله ان أصابه، فأبصره يوما أبو جعفر فقال: ان هذا لا يصيب شيئا إلا طهره فلا تعد منه غسلا».

و أضيف الى ذلك وجوه ثلاثة (الأول)

الحديث المشهور المروي بعدة طرق من الطرفين كما قيل(1): «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه»

و ما رواه

السكوني (2)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الماء يطهر و لا يطهر»

و وجه الاستدلال بالأخير انه ان غلب على النجاسة حتى استهلكت فيه طهرها و لم ينجس حتى يحتاج الى التطهير، و ان غلب عليه النجاسة حتى استهلك فيها صار في حكم النجاسة و لم يقبل التطهير إلا باستهلاكه في الماء الطاهر، و حينئذ لم يبق منه شي ء (الثاني) انه لو كان ينجس بملاقاة النجاسة لما أجاز إزالة الخبث بشي ء منه بوجه و ذلك لان كل جزء من أجزاء الماء الواردة على المحل النجس ينجس بملاقاة المتنجس فيخرج عن الطهورية في أول آنات اللقاء، و الفرق بين وروده على النجاسة و ورودها مع انه مخالف المنصوص لا يجدى إذ الكلام في ذلك الجزء الملاقي و لا يعصمه القدر المستعلي لكونه أدون من الكر، و القول بالطهارة عند الملاقاة و النجاسة بعد الانفصال في غاية البعد فإنه لا معنى للطهارة عند الملاقاة للمتنجس و النجاسة بعد الانفصال عنه (الثالث) ان اشتراط الكر مثار الوسواس و لأجله شق الأمر على الناس، و كيف يصنعون أهل مكة و المدينة إذ لا يكثر فيها المياه الجارية و لا الراكد الكثير، و من أول عصر النبي (صلى الله عليه و آله) الى آخر عصر الصحابة لم تنقل واقعة في الطهارات و لا سؤال عن كيفية حفظ المياه من النجاسات، و كانت أواني شربهم مثلا يتعاطاها الصبيان و الإماء الذين لا يتحرزون عن النجاسات بل الكفار.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 123

و ربما أيد بالأخبار(1) المصرحة بطهارة ماء الاستنجاء و باختلاف الروايات الواردة في تقدير الكر فيحمل على التخمين و المقايسة بين قدر الماء و النجاسة، إذ لو كان أمرا مضبوطا و حدا محدودا لم يقع الاختلاف الشديد في تقديره لا مساحة و لا وزنا و قد وقع الاختلاف فيهما حسا، و الوجوب لا يقبل الدرجات بخلاف الاستحباب كما اعترف جماعة به في باب البئر، لمكان الاختلاف، و أيضا أخبار الطهارة أقوى لكونها منطوقا و نصا و تلك مفهوما و ظاهرا، و المفهوم لا يعارض المنطوق و الظاهر لا يعارض النص. و أيضا لو عمل باخبار الطهارة أمكن حمل الأمر في أخبار النجاسة على الاستحباب و النهي على الكراهة و لا كذلك العكس. و أيضا قد عرفت ان أخبار الكر من جهة اختلافها قابلة للحمل على إرادة المقدار المعتاد التغير و عدمه. و أيضا قد تحمل بعض الأخبار على النهي عن خصوص الوضوء أو الغسل لما يفهم ان ماء الوضوء مثلا ليس كباقي المياه.

و (الجواب) أما عن الأصول فهي- مع كون أصل البراءة و نحوه منها لا يفيد تمام المطلوب لعدم جريانه في مثل الوضوء به و الاغتسال على وجه و نحو ذلك، لمعارضته بأصالة شغل الذمة، و مع كون استصحاب طهارة الملاقي للماء القليل الملاقي للنجاسة لا يفيد طهارة بالنسبة للماء، و التتميم بعدم القول بالفصل، مع كونه لا معنى له لكونه ليس قولا بالطهارة في بعض دون بعض بل إنما ساغ الشرب مثلا و لبس الثوب الملاقي في الصلاة لعدم العلم بالنجاسة لا للعلم بالطهارة، خروج عن الاستدلال بالأصول. فلم يبق إلا استصحاب طهارة الماء نفسه على القول بجريانه في قدح العارض، و أصالة الطهارة فإنه لا يعارضه شغل الذمة و يقتضي طهارة الماء- لا تعارض ما سمعت من الإجماعات و الأخبار الكثيرة التي كادت تكون متواترة، بل هي متواترة، و ما يستفاد من القاعدة في نجاسة كل ما تلاقيه هذه النجاسات مع الرطوبة.

و أما الآيات فهي- مع إمكان منع كون كل الماء منزلا من السماء، و ما ذكر


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب النجاسات. و الباب- 13- من أبواب الماء المضاف.

ج 1، ص: 124

من الآية و تفسيرها معارض بغيره، مع ان احتمال ذلك لا يقتضي حمل اللفظ عليه و ان كان متبادرا في غيره كماء المطر، و لعل التعليل بقوله تعالى «لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِيَّ كَثِيراً»(1)يقضي به، كما نقل عن البيضاوي، و يؤيده انه ورد في سبب نزول الثانية(2) أن المسلمين نزلوا في غزوة بدر في كثيب و قد غلب المشركون على الماء و اتفق انه احتلم في تلك الليلة كثير من المسلمين و قد وقع بسبب ذلك وسواس في قلوب بعضهم فانزل الله مطرا في تلك الليلة حتى جرى الوادي و تلبد الرمل الذي بينهم و بين العدو حتى يثبت الاقدام و ذلك قوله تعالى «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ»(3)- لا

تقضي إلا بثبوت هذه الصفة للماء المنزل من السماء إما في الجملة أو حين الانزال، كما هو الظاهر من قولك ضربت رجلا راكبا، فإنه ظاهر في ان الركوب حال الضرب لا حال الاخبار. و التمسك على دوامه بثبوته رجوع للتمسك بالاستصحاب و قد عرفت ما فيه.

و قوله تعالى «فَلَمْ تَجِدُوا*.» الى آخره(4)مع كون الظاهر من إطلاقها انه غير مساق لشمول مثل هذا، لا ريب في ان المراد منها كما بين في محله من لم يقدروا على استعمال الماء عقلا أو شرعا، و دخول ما نحن فيه تحت القدرة محل الكلام فهي لا تفيد ما نحن فيه، على انه قد عرفت بالأدلة المتقدمة ان واجد الماء القليل غير واجد للماء فيكون كواجد المغصوب و المتغير و نحو ذلك. و الرجوع الى الأصل و نحو ذلك خروج عن الاستدلال.

و أما الأخبار فإنها فاقدة لما تحتاج اليه من الجابر لقصور سند كثير منها أو دلالته، و ربما جمع بعضها الأمرين، بل الوهن متطرق إليها بما عرفت من إعراض الأصحاب


1- 1 سورة الفرقان آية- 51.
2- 2 تفسير الصافي- سورة الأنفال آية- 11.
3- 3 سورة الأنفال آية- 11.
4- 4 سورة النساء آية- 46- و سورة المائدة آية 9.

ج 1، ص: 125

عنها و نقل الإجماعات على خلافها. مع ان كثيرا منها مع ظهوره في الماء الكثير انما دلالته بترك الاستفصال الذي لا تعارض ما ذكرنا من الأدلة. مع ان الأول(1) في مجهول الموضوع لا مجهول الحكم، و ما يقال من رجوع الأول الى الثاني فلا يبقى موضوع للخبر تكلف و تعسف غير مجد بعد ظهور المقصود و امتياز كل من القسمين عن الآخر بجهل الحكم في الثاني ابتداء و أصلا بخلاف الأول. و لا يكاد يخفى الفرق بين وقوع الشك في طهارة نطفة الغنم مثلا و بين الشك في عروض النجاسة لمعلوم الطهارة.

و ما يقال ان المنجس هنا عارض قطعا إلا ان الشك وقع في تنجيسه مما لا ينبغي ان يصغى إليه لأن ثبوت تنجيسه في الجملة غير مجد انما الكلام في تنجيسه في المقام و هو شك في الحكم عند الشارع. و الحاصل فرق بين وقوع الشك في حصول التنجيس عند الشارع بسبب المباشرة لبعض الأشياء و بين وقوع الشك في عروض ما يعلم ثبوت التنجيس بعد العلم بمباشرته، و الدليل إنما هو ظاهر في الثاني و عدم الالتفات الى الشك دون الأول.

و على تقدير التسليم فنقول ان العلم حاصل في المقام قطعا لما سمعت من الأخبار المتواترة مع القاعدة المتقدمة في النجاسات مع الإجماعات المنقولة، بل يحصل من ملاحظتها الإجماع المحصل. و على تقدير التسليم فنقول إنه يكفى حصول الظن للمجتهد من الأدلة و يقوم مقام العلم كالظن المستند الى الدليل الشرعي في الموضوعات من البينة و نحوها، فما دل على كبرى الشكل في ظن المجتهد شامل لمثل المقام. لا يقال ان بينهما تعارض العموم من وجه، لأنا نقول لا يخفى على الممارس المتتبع الخبير الماهر القطع بعموم حجية ظن المجتهد في سائر الأحكام من غير استثناء للمقام و غيره، و كيف و سائر أحكام الطهارة و النجاسة في غير المقام مبنية على ظنه في أصل ثبوت النجاسة و التنجيس و لم يسمع من أحد المناقشة في ذلك بل لو ادعاه مدع لأنكر عليه غاية الإنكار، و الفقه من أوله الى آخره مبني على ذلك. نعم ربما وقع من بعضهم المناقشة في المقام الأول أي عروض.


1- 1 و هو قوله عليه السلام «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر».

ج 1، ص: 126

النجاسة لمعلوم الطهارة في الاكتفاء بخبر العدل و نحوه مع ان الظاهر عدمه، و أما في المقام الثاني فلم يعثر على مناقش فيه فإنه لا يكاد يسمع ممن يعمل باخبار الآحاد انه لو جاء خبر صحيح السند في نجاسة موضوع الحكم بعدم النجاسة لكونه لا يفيد اليقين، ان ذلك من المكابرات التي لا يصغى إليها، و كيف و الاستدلال بهذه الرواية على عدم الاكتفاء بالظن مبني على حجية ظن المجتهد الحاصل من الأخبار فيتحقق التعارض و الترجيح لما ذكرنا لاستفادته من الأدلة الكثيرة.

و أما الرواية التي ادعى ابن أبي عقيل تواترها فهي- مع انا لم نقف عليها بعد التتبع التام في شي ء من كتب الأخبار، و كيف يقبل منه هذا النقل مع تبين خلافه بما سمعت من الأخبار الكثيرة الصحيحة، بل ربما نقل عن بعضهم انه عثر على ثلاثمائة خبر تقريبا يدل على النجاسة، مع ما عرفت من اشتهار العمل بين قدماء الصحابة القريبين الى عهد الأئمة عليهم السلام و متأخريهم، و ابن إدريس نقل عن المؤالف و المخالف رواية

قوله (صلى الله عليه و آله): «إذا كان الماء قدر كر لم يحمل خبثا»(1)

عند الكلام على طهارة الماء النجس بإتمامه كرا، و ما سمعت من الإجماعات المنقولة الى غير ذلك من الأدلة و الشواهد- هي قابلة للتخصيص لظهور إرادة التواتر اللفظي، و إلا فقد عرفت ما فيه، فان نقل التواتر لا يزيد على نقل الإجماع، و هو مع ما عرفت لا ينبغي ان يصغى اليه.

و وجود هذه الرواية مرسلة في بعض الكتب لا يقضي بما ادعاه كنقل بعض العامة لما يقرب منها عن النبي (صلى الله عليه و آله)(2) كما قيل. نعم

في السرائر جعل من المتفق.


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 6. و اختلف نقل المؤلف لمتن الرواية هنا و في ما يأتي فهنا «إذا كان الماء قدر كر» و في ما يأتي مرة «إذا بلغ كرا» و هو النص الموجود في السرائر و المستدرك و اخرى «إذا بلغ الماء قدر كر» و ثالثة «متى بلغ الماء قدر كر».
2- 2 و في تاج العروس في الجزء الثالث في الصحيفة 519 الكر بالضم مكيال لا هل العراق و منه حديث ابن سيرين «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل نجسا».

ج 1، ص: 127

على روايته قول الرسول (صلى الله عليه و آله) «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته»(1)

و فيه مع إمكان المنع انه مخصص بما عرفت من نقله الأول و ادعائه إجماع المخالف و المؤالف على رواية

«إذا كان الماء قدر كر لم يحمل خبثا»

و أما مصححة ابن حمران فهي لم تدل على أزيد من تشبيه التراب بالماء في الطهورية، و هو لا يقتضي عدم قبول الماء الانفعال. و الحاصل ان كثيرا من هذه الروايات مع الغض عما في أسانيدها لا دلالة فيها إلا من جهة الإطلاق أو ترك الاستفصال و هو لا يعارض ما ذكرنا، بل كثير منها ظاهر في كون الماء كثيرا مثل الأخبار الواردة في الغدران و الماء النقيع و الحياض و نحو ذلك. كما يقتضيه شرب الدواب و أبوالها، و عدم تغيرها بالميتة و الجيف، و الأمر بالوضوء من الجانب الآخر، و نحو ذلك. و أما ما دل منها بالخصوص كرواية المركن فهي لا تفيد أزيد من عدم اشتراط ورود الماء في غسل النجاسة به فيطهر المحل و يتنجس الماء، مع ان الأمر بغسله مرتين لا يقضي بوحدة الماء و عدم غسل الإناء.

بل قد يدعى ان المراد وضع الثوب في المركن ثم يصب الماء عليه و يغسل مرتين. و لعلهم يقولون بصيرورة الثوب و الإناء شيئا واحدا فلا يتنجس الثوب به من ماء الغسالة الأولى و ستسمع الكلام فيه ان شاء الله في باب الغسالة.

و أما صحيحة زرارة المشتملة على حبل الخنزير فهي مع ابتنائها على نجاسة ما لا تحله الحياة من نجس العين لا دلالة فيها على مباشرة الحبل لما يخرج من البئر مع كونه قليلا.

و أما صحيحة علي بن جعفر عليه السلام المشتملة على إدخال اليهودي و النصراني في الماء فهي- مع ابتنائها على نجاسة أهل الكتاب و كون الماء قليلا- صالحة للرد كما أنها صالحة للاستدلال لاشتمالها على النهي حالة الاختيار و الرخصة حالة الاضطرار، و كما انه لا قائل بالفصل في الثاني فكذلك في الأول، مع احتمالها لحمل الضرورة على التقية و هو الأقوى في ظني.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.

ج 1، ص: 128

و أما صحيحه الآخر المشتمل على الرعاف فهو- مع ابتنائه على (عدم)(1) نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم و معارضته بخصوص ذلك في خبر علي بن جعفر المتقدم في أدلة النجاسة- مشتمل على التفصيل بالاستبانة و عدمها. و هي كما انها حجة له حجة عليه و حمل الاستبانة على التغير فهو مع بعد حصول تغير الإناء بالقطع الصغار من الدم بعد الامتخاط، ليس بأولى من حمل الاستبانة و عدمها على العلم بالإصابة و عدمها، بل قد يدعى ظهوره. و إصابة الإناء مع احتمال ارادة ظن إصابته لا يقتضي إصابة الماء.

و أما حسنة محمد بن ميسر فقد قيل انها نص في المطلوب، فمع الغض عما في السند و إرادة النجس شرعا من لفظ القذر و موافقتها للعامة و ربما يرشد إليه الأمر بالوضوء، لم يعلم انه أراد بالقليل ما دون الكر. و ظهور ذلك في لسان الفقهاء لا يقتضي ظهوره في ذلك الزمن، بل الظاهر عدمه، بل في هذا الزمان، و الإطلاق انما هو في ألسنة الخواص، مع ظهور الرواية ان ذلك لمكان الضرورة فيجري فيها ما ذكرنا.

و كيف كان فدعوى النصوصية لا وجه لها.

و أما خبر زرارة الدال على سقوط الفأرة في الرواية، فمع كونها في غاية الضعف كما قيل و كون الرواية أقل من كر، قد اشتملت على ما لا يقول به الخصم من التفصيل بالتفسخ و عدمه. و حمله على التغير لا وجه له لانفكاكه عنه. مع انه ان لم تغيره قبل التفسخ من الانتفاخ و نحوه لم تغيره بالتفسخ. مع ان ظهورها في عدم جريان الحكم في غير أوعية الماء قاض بعدم حمل التفسخ على التغير و إلا لتساوى الجميع، و الامام لا يناسب حاله بيان المقدار الذي يتغير و الذي لا يتغير فإنه أمر حسي غير محتاج الى البيان. و كيف كان فهي ضعيفة السند متروكة الظاهر.

و أما روايته الأخرى المشتملة على كون جلد الخنزير دلوا فهي مع الغض عما في سندها لا دلالة فيها على استعمال ما يخرج به، و الاستقاء به لا يقضي بذلك بل الظاهر


1- 1 كلمة عدم أضيف في نسخة الأصل تصحيحا و لعل الأولى حذفها.

ج 1، ص: 129

منها السؤال عن جواز ذلك في جلد الخنزير لتخيل حرمة استعماله.

و أما خبر أبي مريم فمع الغض عما في السند أيضا لا ظهور فيه في كونها عذرة الإنسان، و في بعض أخبار البئر(1) إطلاقها على البعرة، مع عدم نصوصية الرواية في كونها في الماء.

و أما خبر عمر بن يزيد فمع الطعن في السند غير صريح في وقوع ذلك في الماء مع أن كون الموضوع يبال فيه لا يقتضي القطع بكون ما ينزو من الأرض واقعا على مكان البول و العبارة تقال في مثل هذا المقام.

و أما خبر الأحول فمع الطعن في السند قد يحمل التعليل على مدخلية الاستنجاء في التعليل، و لعله يستفاد منه طهارة الغسالة.

و أما خبر قرب الاسناد فمع الطعن في السند أيضا و عدم صراحته في نجاسة اليد و لا كون الغسل أقل من كر قد اشتملت على تفصيل لا يقوله الخصم، و عدم القائل بالفصل مشترك فيهما.

و أما رواية المختلف المشتملة على سقوط الفأرة في القربة فالظاهر انها مختصرة من رواية زرارة المتقدمة و قد تقدم الكلام فيها.

و الحاصل هذه الأخبار لو كانت صحيحة صريحة في المطلوب لما صلحت للمعارضة لما ذكرنا لكثرتها و إعراض الأصحاب عما يخالفها و الإجماعات على مضمونها، فكيف و هي كما عرفت من الضعف في سندها و القصور في دلالة الكثير منها، مع موافقتها لكثير من العامة كما نقل ذلك عنهم.

و أما الوجوه الثلاثة ففي (الأول) ما عرفت من منع الاستفاضة من طرقنا، كما قدمنا ذلك عند الخبر الذي ادعى ابن أبي عقيل تواتره، نعم في السرائر قد ادعى انه من المتفق على روايته عن النبي (صلى الله عليه و آله). و فيه مع إمكان المنع و انه


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 21.

ج 1، ص: 130

قد ادعى أيضا إجماع المخالف و المؤالف على رواية

قوله (صلى الله عليه و آله): «إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا»

محكوم عليه بما ذكرنا من الأدلة. و رواية السكوني مع الطعن في السند هي مؤلة فيما ذكر (مضافا الى ما ذكر في السؤال)(1)و ليس حجة، مع عدم انحصار التأويل فيما ادعاه، مع أنها مشتركة الإلزام في المتغير إذا زال تغيره، مع انها قد يقال لا تتأتى على القول باشتراط الامتزاج، و أيضا لما قام الإجماع على قابلية الماء للتطهير وجب حمل الرواية على ما لا ينافي ذلك، فيحتمل أن يراد منها أن الماء يطهر غير و لا يطهره غيره، أو يكون المقصود منها أن لا يطهر كتطهير باقي الأجسام بل لا يكون إلا بصيرورته مع الغير ماء واحدا.

و أما (الوجه الثاني) فهو مع التسليم لا يقضي إلا بطهارة الغسالة خاصة كما هو المختار، مع انه يمكنهم الالتزام بنجاسته و حصول التطهير به. و الإجماع على عدم جواز التطهير بالنجس المعلوم منه ما سبقت نجاسته و لتحقيقه مقام آخر.

و أما (الثالث) فجميع ما فيه من الترويجات التي لا يرتكبها متحرج في دين الله و اين إثارة الوسواس و العسر و الحرج و الناس مستقيمة على ذلك في سائر هذه الأزمنة و لم ينقل القول إلا عن ابن أبي عقيل الى أن ظهر الكاشاني. و كيف يجعل اختلاف روايات الكر دليلا على ذلك مع أن جل أخبارنا لا تخلو من مثل هذا الاختلاف، إنما ذاك حيث يكون اختلافا يظهر للناظر فيه ذلك. و ما ذكره من الجمع بين الأخبار مما لا يلتفت اليه، و منصبية الإمامة أجل من أن يكون جميع هذا الوارد منها محمولا على بيان ما ليس محتاجا إليه في بيانها لكونها من الأمور الحسية. و لا أظنك تحتاج الى بيان فساد ما جمع به بين الأخبار فإنه مع عدم تأتيه في بعضها كاد أن يكون خارقا للإجماع من التفصيل بين الاختيار و الاضطرار و استحباب التنزه و نحو ذلك. و كأن هذه المسألة من البديهيات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها لكن تبعنا في ذلك أثر جملة


1- 1 الظاهر ان العبارة بين القوسين مقحمة و لم يظهر لها معنى.

ج 1، ص: 131

من علمائنا الأبرار فإنهم قد أطالوا في ذلك سيما جناب سيدنا و أستاد أساتيدنا السيد المهدي و المهدي، فإنه قد كتب في ذلك رسالة، و لعمري انها قد تجاوزت الغاية و النهاية، و كأن الذي دعاهم الى ذلك خلاف الكاشاني و تمزيقه جملة من الأخبار الدالة على المقام فكان الباعث على جمعها من سائر الأبواب.

ثم ليعلم ان قاعدة نجاسة القليل قد استثنى الأصحاب منها أمورا بعضها محل وفاق كماء الاستنجاء و ماء المطر بشروط، و بعضها محل كلام كماء الحمام و ماء الغسالة و سمعت الكلام في الأول و تسمع الكلام في الثاني ان شاء الله. و أنت خبير ان هذه الشبهة المقررة في غسل الأخباث قد ألجأت الكاشاني للقول بطهارة القليل جميعه، و المرتضى و ابن إدريس بطهارة الوارد على النجاسة، و غيرهما غير ذلك. قال المرتضى في الناصريات على ما نقل عنه بعد قول الناصر و لا فرق بين ورود الماء على النجاسة و ورودها عليه ما حاصله «اني لم أعرف لأصحابنا نصا في ذلك و لا قولا و الذي يقوى في نفسي قبل أن يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب إليه الشافعي من الفرق بين الورودين، و الوجه فيه انا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك الى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء عليه و ذلك يشق، فدل على أن الماء الوارد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و لا الكثرة كما تعتبر فيما ترد النجاسة عليه» انتهى، و في السرائر قال محمد بن إدريس: «ما قوي في نفس السيد صحيح مستمر على أصل المذهب و فتاوى الأصحاب به» انتهى. و ربما يؤيد ما ذهب اليه المرتضى (رحمه الله) بان أخبار القليل عدا المفهوم منها ظاهرة في غير الوارد على النجاسة، و أما المفهوم ففيه أولا منع العموم، و ثانيا ما عرفت من انه لا يقتضي سوى أن ما دون الكر ينجسه شي ء و يكفي في مصداقه ما علمنا ثبوته مما كانت النجاسة واردة عليه. و يمكن أن يؤيد أيضا بخبر عمر بن يزيد المتقدم في المغتسل في مكان يبال فيه ثم ينزو من الأرض على الإناء.

قلت: و مع ذلك فالذي يقوى في نفسي بطلانه، لان الظاهر ان الذي دعى

ج 1، ص: 132

السيد لتخصيص ما هو معلوم من نجاسة القليل حتى نقل عنه انه في الكتاب المذكور نقل الإجماع عليه، إنما هو ما ذكره من عدم طهارة الثوب الى آخره و أنت خبير انه أخص من الدعوى، بل اللازم منه حينئذ طهارة ما يستعمل في غسل الأخباث خاصة، مع إمكان التخلص منه بغير ذلك كما وقع من بعضهم و تسمعه ان شاء الله في الغسالة.

و أما القول بعدم شمول أخبار القليل مضافا الى خبر عمر بن يزيد المتقدم، فنقول قد عرفت الكلام في خصوص هذا الخبر، كما انك عرفت أيضا انه يستفاد من ملاحظتها ثبوت قاعدة شاملة للمقام، كما انه أيضا تستفاد قاعدة أخرى من ملاحظة أخبار النجاسات انها تنجس كل ما تلاقيه، نعم غاية ما خرج المعصوم و العالي غير الملاقي فيبقى الباقي، و أيضا بعض إطلاقات الروايات قد يقال بشمولها لمثل المقام فتأمل.

و أما المفهوم فقد بينا ان التحقيق العموم فيه و هو لا ينافي ما ذكرناه سابقا من المناقشة لأنها من وجه آخر، و كلام المرتضى لا يكون إلا على عدم العموم، لانه صار ما دون الكر على قسمين منه ما ينجسه كل شي ء و الآخر لا ينجسه شي ء، و أما ما ذكرناه من المناقشة سابقا فهي لا تفيده، و ذلك لأنا نقول ان ما دون الكر بجميعه ينجسه شي ء من غير فرق بين الوارد و غيره و هو متحقق في ملاقاة النجاسات و المتنجس عند عدم تحقق الغسل، نعم هو لا ينجس مثلا بالمتنجس الذي يفيده طهارة و لا أمنع ان ذلك عند التأمل يرجع الى عدم عموم المفهوم أيضا فتأمل، على انا قد قلنا بطهارة الغسالة لتعارض القاعدتين و عدم شمول مثل هذه العموم الذي يجي ء من جهة الحكمة لمثل الغسالة و نحوها كما تسمعه ان شاء الله، فلا ينافينا إبطال كلام المرتضى بهما هنا، مع ان التأمل في الأدلة يشرف الفقيه على القطع انه لا خصوصية لما في السؤال من ورود النجاسة بل قد يدعى عمومية الجواب و خصوص السؤال لا يخصصه، على انه لو سلمنا كون المفهوم نجاسة شي ء لما دون الكر فالأخبار الأخر تثبت ذلك الشي ء و تثبت النجاسة له على كل حال فتأمل.

ج 1، ص: 133

و الحاصل كيف كان يرده بعد ما عرفت من أخصية الدليل من الدعوى القاعدتان، مع إطلاق بعض الإجماعات، و إطلاق بعض الأخبار مع المفهوم، و ما ذكرناه له من خبر عمر بن يزيد قد عرفت الكلام فيه عند الكلام على القول بالطهارة مطلقا.

ثم اني لم أعلم ماذا يريد بالوارد؟ فان كان يريد به مجرد وقوعه مستعليا و ان اتحد مع النجاسة و استقر معها في ثان الأزمان، كما لو فرضنا ان هناك عذرة مثلا ثم وقع عليها ماء قليل من عال حتى صارت مستقرة في وسطه، أو بريد بالوارد انما هو مع عدم الاستقرار مع النجاسة في ثان الازمان. فان كان الأول فبطلانه واضح، بل قد يدعى صراحة بعض الأخبار المتقدمة فيه كترك الاستفصال في آخر، نحو

قوله (عليه السلام) «لا يفسد الماء إلا ما له نفس سائلة»(1)

و نحوه من الفارة و نحوها(2)، إذ لا يلزم ان يكون الماء سابقا عليها بل قد تكن سابقه عليه، و أيضا فالمتجه بناء عليه لو رأينا ميتة في ماء في إناء لكنا لم نعلم بسبق أيهما الحكم بالطهارة و هو واضح الفساد. و ان أراد الثاني فهو ليس كالأول في الفساد و إن كان فاسدا في نفسه أيضا و لعل كلامه في طهارة الثوب يقضي بالأول فإن الماء يستقر معه ثم ينفصل سيما إذا غسل في إجانة و نحوها بان صب الماء عليه، و مثله غسل الأواني و نحوها. و يحتمل و ان بعد أن يكون مراد المرتضى بعدم نجاسة الوارد انما هو عدم نجاسة العالي بالسافل حتى يكون لما ذكره ابن إدريس من أن فتاوى الأصحاب به وجه صحة فيرتفع الخلاف في البين، و مثله إجماع كاشف اللثام في المطهرات في الفرع الرابع الذي ذكره العلامة و هو «ينبغي في الغسل ورود الماء على النجس فلو عكس نجس الماء» قال في كاشف اللثام في شرح قوله ينبغي الى آخره: «كما في الناصريات و السرائر ليقوي على إزالة النجاسة و يقهرها» الى أن قال: «و انما لا ينفعل مع الورود للحرج و الإجماع» انتهى فإنه ان لم يحمل على إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب النجاسات- حديث 2 و 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.

ج 1، ص: 134

عدم انفعال الماء الذي ورد بعضه الذي بسببه يصدق على مجموع الماء انه وارد فيرجع الى عدم سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى كان حجة لنا على عدم نجاسة الغسالة فتأمل

[تطهر الماء القليل]
اشاره

و يطهر الماء القليل المتنجس متغيرا أو لا بإلقاء كر فصاعدا إذا زال تغيره بذلك دفعة عرفية لا تدريجا و لا دفعات. و هنا مقدمات لعل لها دخلا في البحث:

(الأولى) كل ما شك في قابليته للطهارة فالأصل فيه عدم القابلية، و إطلاق ما دل على طهورية الماء و انه أنزل للتطهير بعد القول بشمولها لرفع الخبث لا يقتضه لاستصحاب النجاسة، و لأن كيفية التطهير مما يرجع فيها الى الشرع و الفرض انها مفقودة، و لان هذه الإطلاقات انما هي شاملة لأفراد المطهر، لا المطهر، و يكفي في صدق الطاهرية و المطهرية وجودها في بعض أفراد المطهر بالفتح، اللهم إلا ان يستند في ذلك للحكمة سيما في مثل قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»(1)من حيث وروده في معرض الامتنان.

(الثانية) كل ما شك في اعتباره في كيفية التطهير فالظاهر اعتباره لاستصحاب النجاسة، و الإطلاقات المتقدمة لا يحصل منها كيفية التطهير، فتبقى على القاعدة. و الفرق بين هذه و السابقة ان هذه في المقطوع في قابليته للطهارة كالماء لكن وقع الشك في كيفية التطهير من اعتبار الامتزاج مثلا و استعلاء المطهر و نحو ذلك بخلاف تلك.

(الثالثة) قد يظهر في بادئ النظر ان السراية على وفق الأصل أي القاعدة المستفادة من الأدلة، و ذلك بعد قيام الإجماع ان المتنجس ينجس، فمثل الماء المضاف المستطيل إذا وقعت فيه نجاسة في طرف منه ينجس الطرف الآخر منه في آن وقوع النجاسة، و ذلك لا لسريان عين النجاسة لمكان كونه رقيق الأجزاء فتنفذ فيه النجاسة، للقطع بعدمها، بل انما ينجس لكون الجزء الأول ينجس فينجس الجزء الآخر و هو ينجس الآخر و هكذا، و لا يحتاج في ذلك الى زمان لحصول علة النجاسة متقدمة على ما يحصل


1- 1 سورة الفرقان آية- 50.

ج 1، ص: 135

به ذلك و هو الاتصال، ففي الآن الواحد الحكمي يصدق عليه كل واحد من أجزائه لاقى متنجسا. و لا نريد بالعلة، العلة التامة بل المقصود ان العلة في النجاسة إنما هي ملاقاة المتنجس فهو غير موقوف إلا على حصول ملاقاة عين النجاسة و لو لجزء منه لأنه في ذلك الحين كل واحد من اجزائه لاقى متنجسا، و مثل ذلك يقرر في الطهارة بعد حصولها لجزء منه.

لا يقال ان ذلك بعينه وارد في الجامد كالدهن مثلا إذا لاقى نجاسة فإن كل جزء منه لاقى متنجسا، لأنا نقول انه لم يقم إجماع على ان ملاقاة المتنجس تنجس في الجامد بل الإجماع على خلافه، بخلافه في المائع و مرادنا بموافقة الأصل في السابق انما هو بعد هذا الإجماع. و فيه انه يرجع بالأخرة إلى القول بأنه قام الإجماع على عدم السراية في الجامد دون المائع و من هنا يتجه احتمال ان يقال إن السراية على خلاف الأصل و تنجيس المائع كله بتنجيس طرف منه لعله للصدق عليه انه لاقى نجسا و لو لاقى بعض أجزائه، فما دل على نجاسته بمجرد الملاقاة يشمله، و القول بأنه قام الإجماع على انه إذا لاقى متنجسا ينجس و هذا متحقق هنا يدفعه انه ان دخلت مثل هذه الملاقاة لمثل هذا المتنجس تحت معقد الإجماع فالنجاسة فيه حينئذ من الإجماع لا من السراية، و إلا فهو مبني على مسألة السراية. فالتحقيق الرجوع الى ما تقتضيه الأدلة الشرعية فيتبع مضمونها في الجامد و المائع و العالي و السافل و غيرهما مع تحكيم أصل الطهارة فيما لا يندرج تحتها.

(الرابعة) لا مانع عقلا من كون الماء الواحد بعضه طاهرا و بعضه نجسا سيما مع سبق الوصفين لمائين ثم اختلطا، لامتناع تداخل الأجسام فتكون الأجزاء الطاهرة في علم الله باقية على الطهارة و النجسة على النجاسة، و لو ارتمس فيه مرتمس ارتفعت جنابته باشتمال الماء الطاهر عليه و ان كان ينجس حين يخرج. بل و لا شرعا، اللهم إلا ان يدعى الإجماع.

و قد يناقش فيه بأنه لازم للقول باشتراط الامتزاج إذ أول جزء من الطاهر إذا لاقى أول جزء من النجس لا ريب في صيرورة هذين المتلاقيين ماء واحدا مع انه لا يقول بالطهارة إلا بعد الامتزاج، فيلزمه أن يكون ما قبله بعضه طاهر و بعضه نجس، و كذلك

ج 1، ص: 136

يلزم بناء على اشتراط الاستعلاء في الكر المطهر. و جعل ما ذكرنا إلزاما لهم ليس بأولى من جعله إنكارا لهذه الدعوى، مع ان فيهم الفضلاء الذين يبعد عدم تنبههم لمثل ذلك فتأمل.

إذا عرفت هذا فنقول لا كلام في حصول الطهارة بما ذكره المصنف بل نقل الإجماع عليه بعضهم و كأن ذلك منهم مبني إما على عدم اشتراط الامتزاج في مثل هذا الطريق من التطهير أو أنه متى القي الكر دفعة عرفية تحقق الامتزاج. و هو متجه مع قلة المطهر أو الاكتفاء بامتزاج البعض، إنما الكلام في انه لا يطهر إلا بهذا إذا كان التطهير بالماء المحقون أو انه يحصل بدون ذلك؟ قد يظهر من المصنف و غيره الأول لأن عبارات الفقهاء كالقيود، و يستفاد منها حينئذ أمور ثلاثة: (الأول) الإلقاء و (الثاني) أن يكون كرا و (الثالث) ان يكون دفعة، و في الكل خلاف.

أما (الأول) أي اشتراط الإلقاء فهو مشعر باشتراط كون المطهر مستعليا، و كذا ما في الروضة من أن المشهور اشتراط طهر القليل بالكر وقوعه عليه دفعة، و ما في التذكرة انا نشترط في المطهر وقوع كر دفعة الى غير ذلك مما وقع من الأصحاب مما يشعر به. لكن أظن ان مراد من وقعت منه مثل هذه العبارة انما هو في مقابلة الشيخ المكتفي بالتطهير و لو بالنبع من تحت، أو أمر آخر لا مدخلية له فيما نحن فيه، و إلا فلا أظن أحدا ينازع في الطهارة مع مساواة المطهر، بل عن الروض الاتفاق على حصول الطهارة بذلك. و لعله كذلك فان دعوى عدم حصولها فيما لو كان حوضان مثلا مفصول بينهما بفاصل و كان أحدهما طاهرا و الآخر نجسا ثم رفع الفاصل بينهما بحيث صارا حوضا واحدا مما لا يصغى إليها. و كذا لو ألقي الماء القليل في الكر، و لعل ما وقع من المحقق (رحمه الله) من عدم طهارة أحد الغديرين بالغدير الطاهر الآخر الكر إذا وصل بينهما بساقية مبني على عدم حصول الامتزاج كما فهمه منه بعضهم، و يشعر به تعليله بتمييز

ج 1، ص: 137

الطاهر عن النجس، و بان النجس لو غلب الطاهر لنجسه فليبق على حاله إذا لم يغلب، لا لعدم حصول الاستعلاء. و ربما يشير الى ما ذكرنا من إرادة ذلك في مقابل الشيخ ان العلامة في التذكرة ذكر العبارة السابقة في الرد على الشافعي حيث اكتفى بالتطهير بالنبع من تحت، و كذا ما في القواعد: «و انما يطهر بإلقاء الكر عليه دفعة و لا يطهر بإتمامه كرا و لا بالنبع من تحت».

و الحاصل من أعطى التأمل في كلامهم علم أنهم يكتفون بمجرد المساواة. لا يقال إن اشتراطهم للدفعة يقضي بالاستعلاء. و لذلك قيل انه مما يدل على اتفاقهم على اشتراط الدفعة تصريح بعضهم بعدم طهارة أحد الغديرين الموصول بالآخر بساقية إذا كان كرا، لأنا نقول ان اشتراط الدفعة في كلامهم لعله لإخراج الإلقاء ليس دفعة بل تدريجا، كما إذا كان الكر في آنية ضيقة الرأس و صب على النجس، فتكون الدفعة انما هو شرط في الإلقاء لا شرط في التطهير، يعني إذا ألقي الكر عليه يشترط فيه أن يكون دفعة، أو لإخراج إلقائه دفعات. و مما يرشد الى ذلك أن العلامة (رحمه الله) في المنتهى في الغديرين قال «أما لو كان أحدهما أقل من كر و لاقته نجاسة فوصل بغدير بالغ كرا، قال بعض الأصحاب: الأولى بقاؤه على النجاسة لأنه ممتاز عن الطاهر مع أنه لو مازجه و قهره لنجسه.

و عندي فيه نظر فان الاتفاق واقع على أن تطهير ما ينقص عن الكر بإلقاء كر عليه، و لا شك أن المداخلة ممتنعة، فالمعتبر إذا الاتصال الموجود هنا» و قال أيضا بعد ذلك بورقة و صفحة تقريبا: «مسألة الماء القليل ان تغير بالنجاسة فطريق تطهيره إلقاء كر عليه أيضا دفعة فان زال تغيره فقد طهر إجماعا» الى أن قال: «قال الشيخ في الخلاف (يشترط في تطهير الكر الورود) و قال في المبسوط (لا فرق بين كون الطاري نابعا من تحته أو يجري اليه أو يغلب) فإن أراد بالنابع ما يكون نبعا من الأرض ففيه إشكال من حيث أنه ينجس بالملاقاة فلا يكون مطهرا و ان أراد به ما يوصل اليه من تحته فهو حق» انتهى. و لا ريب أن الذي يقتضيه التدبر في جميع كلامه- من اكتفائه

ج 1، ص: 138

بمجرد الملاقاة مع اشتراطه الدفعة، و عدم مناقشته الشيخ إلا في النابع، و فهمه من خلاف بعض الأصحاب في الغديرين الامتزاج، و مما نقل الإجماع عليه من إلقاء كر عليه- إرادة ما ذكرنا، بل يلوح منه عدم ظهور الإلقاء في الاستعلاء. نعم ربما ظهر من نقله عن الشيخ في الخلاف انه مخالف في ذلك، لكنه يهونه انا لم نجده فيه. هذا كله مع التساوي، و أما حيث يكون من تحت فان كان من نبع من الأرض فإن كان من فوارة بحيث يكون مستعليا على الماء النجس فالظاهر حصول التطهير به إن كان استعلاء بحيث لا يمس الماء النجس إلا بعد نزوله نعم يبقى إشكال الدفعة و يأتي الكلام فيه ان شاء الله، نعم قد يتجه على كلام العلامة (رحمه الله) من اشتراط الكرية في الجاري عدم التطهير إلا على ما فهمه كاشف اللثام سابقا في تطهر الجاري و ان كان لا من فوارة، بل إنما ينبع ملاقيا للماء النجس، فبناء على الاكتفاء بالاتصال في التطهير بمثله على تسليم الملازمة السابقة من انه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس و قلنا لا يشترط في الجاري الكرية يتجه القول بالطهارة، و إلا أمكن المناقشة فيه لاستصحاب النجاسة كما عرفت سابقا و احتمال توجه المناقشة في الطهارة هنا و ان سلمت تلك المقدمة من جهة عدم استعلاء المطهر و مساواته في غاية الضعف، لان هذا الشرط قد وجد في بعض عبارات المتأخرين و كأنه خال عن السند، و كيف يتجه لهم اشتراطه مع تسليمهم تلك المقدمة و هي انه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس، فإنه لو فرض هذا النابع امتزج بما فوقه مع كونه غير قابل للنجاسة لا محيص عن القول بالطهارة و إلا انتقضت تلك المقدمة. و احتمال القول بها بشرط إحراز هذا الشرط و هو الاستعلاء أو المساواة و إلا فلا مانع من كون ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس فيه ما لا يخفى إذ مرجعه الى الشرط التعبدي المحض و هو لا دليل عليه، على انه كيف يتجه لهم ذلك مع انه من المقطوع به أنه لو ألقي الماء النجس في الكثير طهر به مع أنه لا استعلاء فيه و لا مساواة. لا يقال انه بعد أن ألقي فيه صار مساويا له فيطهر حينئذ من هذه الجهة، لأنا نقول كذلك أيضا الماء النابع

ج 1، ص: 139

من تحت بعد خروجه صار مساويا لما اتصل به، إذ لا نريد بالمساواة المساواة لأعلى سطح الماء، و إلا لكان لا يطهر الماء النجس إذا كان في إناء ثم كسر في قعر الحوض.

فان قلت: هذا التطهر لما يلقى في الكثير انما هو من جهة الاستهلاك فحينئذ لا فرق بين أن يلقى عليه الطاهر أو بالعكس، قلت: هو مع كونه تخصيصا لمحل النزاع من غير مخصص، و أنه ينبغي أن يلتزموا بطهارة ما إذا كان مستهلكا في جنب النابع، أنه لا معنى للقول بالاستهلاك في المتنجس، نعم انما يظهر وجه الاستهلاك فيما يكون مدار النجاسة فيه الاسم لا الذات، على انا نفرض ما أوردناه في كثير متنجس القي في مثله طاهر أو يقرب منه بحيث لا يظهر فيه استهلاك له. و كيف كان فلا أرى وجها لاشتراط استعلاء المطهر أو مساواته بعد تسليم تلك المقدمة و تحققها. و احتمال التمسك باستصحاب النجاسة و لا إطلاق قاطع له فيه مع أنه لا يصلح سندا للمشترطين نعم انما يتجه لغيرهم بعد حصول الاشتراط منهم حتى يحصل الشك أنك قد عرفت انه لا معنى له بعد تسليم المقدمة السابقة. و يؤيده أيضا إطلاق قولهم يطهر الجاري بما يخرج اليه من المادة متدافعا، مع ان الغالب في المادة عدم العلو. و كذا ما يأتي في تطهير البئر لو تغير، إذ الظاهر للمتأمل في أخبارها أنها تطهر بما يتجدد من الذي يخرج منها. هذا كله في النابع حيث يكون من ينبوع، و أما حيث يكون ترشحا فالظاهر ابتناء حصول التطهير به على ما تقدم من أنه هل يدخل في الجاري أو غيره من أفراد النابع أو لا؟ و يجري جميع ما ذكرنا فيما كان الخارج من تحت و ليس نبعا من ارض بل كان راكدا و لكن أخرج بفوارة أو نحوها فتأمل. و ظاهر عبارة المنتهى السابقة المشتملة على الترديد في كلام الشيخ عدم اشتراط الاستعلاء و المساواة، و أما استشكاله في النابع من الأرض فمن جهة بنائه على النجاسة بالملاقاة ما لم يكن كرا. و نقل في كاشف اللثام عن المعتبر مثل عبارة المنتهى في الترديد، فيكونان موافقين لما قلنا من عدم اشتراط الاستعلاء، لكن لم أعلم ان المحقق استشكل أيضا في النابع من الأرض من تحت كما في المنتهى أو لا، فإنه على تقديره مشكل لعدم اشتراطه الكرية فتأمل.

ج 1، ص: 140

و عن نهاية الأحكام انه لو نبع من تحت فان كان على التدريج لم يطهره و إلا طهره.

و لعل هذا الكلام منه (رحمه الله) ليس خلافا لما ذكرنا بل هو من جهة اشتراط الدفعة، و كذا ما في التذكرة «لو نبع الماء من تحته لم يطهر و ان أزال التغير خلافا للشافعي لأنا نشترط في المطهر وقوعه كرا دفعة» إذ لعله أيضا من جهة اشتراط الكرية، و قوله:

وقوعه ليس صريحا في ذلك، بل و لا ظاهرا عند التأمل الدقيق، و قد سمعت ما نقله في المنتهى عن المبسوط من عدم الفرق بين المستعلي و غيره و قال في الذكرى: «و طهر القليل بمطهر الكثير ممازجا فلو وصل بكر مماسة لم يطهر، للتمييز المقتضي لاختصاص كل بحكمه. و لو كان الملاقاة بعد الاتصال و لو بساقية لم ينجس القليل مع مساواة السطحين أو علو الكثير كماء الحمام و لو نبع الكثير من تحته كالفوارة فامتزج طهره لصيرورتهما ماء واحدا، أما لو كان ترشحا لم يطهر لعدم الكثرة الفعلية» انتهى و يظهر للمتأمل فيها موافقته لما ذكرنا، و قوله: (كالفوارة) ليس نصا في الاستعلاء فتأمل.

و أما اشتراط (الكرية) فكأنه لا خلاف فيه بناء على القول بأنه ينجس بالملاقاة.

و القول بطهارة الماء القليل بإتمامه كرا ليس خلافا فيما نحن فيه لانه لا يقول ان المطهر أقل من كر بل المطهر انما هو بلوغه هذا الحد، و لذلك يقول به لو كمل بمتنجس، مع انه لا معنى للقول بالتطهير به. و أما بناء على القول بان الماء القليل لا ينجس بالملاقاة فالظاهر عدم حصول تطهير الماء المتنجس به و لعله يلتزم أن يكون الماء الواحد بعضه طاهر و بعضه نجس. لكن يحتمل القول بالتطهر بناء على هذا القول إذ يكون حاله كحال الكر لا ينجس إلا بالتغير فيطهر كل شي ء يلاقيه، بل لعله الأقوى حينئذ.

و أما اعتبار (الدفعة) فقد وقع في كلام جملة من علمائنا كالمصنف و العلامة و غيرهما و في الحدائق الظاهر انه المشهور بين المتأخرين. و يظهر من كلام آخرين عدم اعتبارها و صرح به بعضهم. و المراد بالدفعة انما هي العرفية لا الحكمية لتعذرها و اعتبارها يفيد أمرين: الأول ان يلقى تمام الكر فلو اتصل به ثم انقطع لم يكف و ان حصل

ج 1، ص: 141

الامتزاج، الثاني أن يكون دفعة و المرجع فيها الى العرف، و في كاشف اللثام في تفسير عبارة العلامة من اعتبار الدفعة بأن المراد بها لا دفعتين و لا دفعات بان يلقى عليه مرة نصف كر ثم نصف آخر. و هو تأويل بعيد جدا، فان هذا المعنى يجزي عنه قوله إلقاء كر إذ الظاهر منه المجتمع. و كيف كان فغاية ما يمكن الاستناد إليه في اعتبار الدفعة النص المرسل عن المحقق الثاني. و ما في المدارك من انا لم نعثر عليه في كتب الحديث و لا نقله ناقل في كتب الاستدلال غير قادح، إذ عدم الوجدان لا يقضي بعدم الوجود.

و عن المحقق الثاني أيضا نسبته الى تصريح الأصحاب فيكون هذا و ما في الحدائق من نسبته الى المشهور بين المتأخرين على الظاهر جابرين لهذا المرسل، مع ان استصحاب النجاسة محكم و لا بيان لكيفية التطهر. هذا كله مع التأييد بأن مع التدريج ينجس كل جزء يصل الى الماء النجس لعدم تقوي السافل بالعالي. و عن الشيخ علي بعد ان ذكر كلام الشهيد في الذكرى بأنه يطهر بإلقاء كر عليه متصل و لم يشترط الدفعة، بأن فيه تسامحا لانه بوصول أول جزء منه الى النجس يقتضي نقصانه عن الكر فلا يطهر. و اعترضه في المدارك بأنه يكفي في الطهارة بلوغ المطهر الكر حال الاتصال إذا لم يتغير بعضه بالنجاسة و ان نقص بعد ذلك، مع ان مجرد الاتصال لا يقتضي النقصان كما هو واضح. و كأن كلام المحقق ينحل إلى انه لا معنى للاقتصار على الكر بل لا بد من الزيادة، لا انه تعليل لاعتبار الدفعة. و ما في المدارك أيضا من ان تصريح الأصحاب بالدفعة ليس حجة، مع ان العلامة في التحرير و المنتهى اكتفى في تطهير الغدير القليل النجس باتصاله بالغدير البالغ كرا، و مقتضى ذلك الاكتفاء في طهارة القليل باتصال الكر و ان لم يلق كله، فضلا عن كونه دفعة- يدفعه ما عرفت سابقا من أن ذلك لا ينافي اعتبار الدفعة، لما قدمنا ان المراد انه إذا كان التطهير بإلقاء الكر يعتبر فيه ان يكون دفعة، فحينئذ لا ينافي قولهم طهارة أحد الغديرين بالآخر لانه ليس تطهيرا بالإلقاء، فلا معنى لما ذكره في المدارك. و مما يرشد الى هذا تنظير العلامة في جريان ماء الحمام الى سواه.

ج 1، ص: 142

و ما ذلك إلا من جهة استعلاء المادة و عدم حصول الدفعة.

و التحقيق الذي لا ينبغي المحيص عنه إلا لدليل خاص تعبدي هو أن يقال انه ان قلنا ان السافل يتقوم بالعالي و انه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس لا بد من الالتزام بعدم اشتراط الدفعة، بل و لا إلقاء تمام الكر، و ذلك لأنه إذا القي الكر تدريجا من علو فالسافل حينئذ متقوم بالعالي كما هو الفرض، فإذا اتصل أو امتزج على اختلاف الرأيين بالماء النجس فلا ريب في صيرورة القدر الذي اتصل مع المتصل به ماء واحدا. و ان قلنا ان العالي مع الماء النجس غير متحد فحينئذ إما ان يطهر النجس أو ينجس الطاهر أو يبقى كل على حكمه: أما الأول فهو المقصود، و أما الثاني ففاسد لما عرفت من تقوي السافل بالعالي، و أما الثالث فقد عرفت انه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس. و أما احتمال ان يقال انها تطهر الأجزاء الملاقية دون الباقي، ففيه أولا انه لا معنى لطهارة بعض الماء النجس دون بعض مع توافق الصفات، و ثانيا انه إذا طهرت تلك الأجزاء فقد تقوت بما لاقت- و إلا نجست ما بعدها- فتطهر غيرها و هكذا، و لا يحتاج إلى زمان لحصول الاتصال سابقا، هذا ان قلنا ان السراية في الطهارة على مقتضى الأصل، و ثالثا بعد تسليم تلك المقدمة و هي انه ليس لنا ماء واحد الى آخره لا معنى للقول بطهارة الأجزاء الملاقية فقط، و ذلك لانه لا شك في أن هذه الأجزاء التي طهرت مع غيرها ماء واحد، و لا معنى لكون بعضه طاهرا و بعضه نجسا و هكذا بالنسبة للباقي، هذا و لكن قد عرفت المناقشة في هذه المقدمة و انه لم نعرف مستندها من إجماع أو غيره، إلا انه لا يلزم من ذلك اشتراط الدفعة بل أقصاه اشتراط وقوع تمام الكر و لو تدريجا، لأن النجاسة مستصحبة و لا يحصل اليقين برفعها إلا بذلك و ما يقال إن مثل ذلك أيضا يقرر في اشتراط الدفعة حينئذ يدفعه انه لا شك بالنسبة إليها عند التأمل حتى يتمسك بالاستصحاب. و ما في كلام المحقق الثاني من نسبته إلى الأصحاب مع النص لم نتحققه، بل الظاهر خلافه و لذلك نسبه في كاشف اللثام الى بعض المتأخرين. بل قد يناقش في

ج 1، ص: 143

اشتراط وقوع تمام الكر فضلا عنها، لما يستفاد من النظر في أخبار الحمام (1) من حصول الطهارة لما في الحياض بما يخرج من المادة من غير اشتراط ذلك، لكن هل يخص بالحمام أو يسري الى غيره؟ و لعل القول بالتعدي لا يخلو من قوة. و منه يعلم عدم اشتراط الدفعة أيضا، لكن الظاهر انه بناء على وقوعه تماما يعتبر فيه ان يقع من غير ان يقطع الماء النجس عمود الماء الواقع، و متى شك في الانقطاع فالاستصحاب قاض بعدمه فتأمل.

هذا كله بناء على المختار من تقوم السافل بالعالي و إلا فقد يتجه حينئذ اعتبار الدفعة.

و أما بناء على ما يظهر من بعضهم من الفرق بين تقويم السافل العالي و بين تقوم السافل بالعالي فمنع الأول و أجاز الثاني. و الفرق بينهما ان الأول يكون الكر فيه مجموع السافل و العالي و هو ممنوع، و الثاني ماء قليل سافل متقوم بكر عال، و حينئذ يشترط فيه أن يكون العالي كرا فصاعدا و متى نقص لا يتقوم السافل به. و كان وجهه تسرية ماء الحمام الى غيره بعد أن فهم من أخباره هذا المعنى لتقوم ما في الحياض بما في المادة، و الغالب ان ما في المادة يزيد على كر دائما فحينئذ يقتصر على تقوم السافل بالعالي إذا كان كرا فصاعدا، بخلاف تقويم السافل للعالي فإنه لا دليل عليه- فالظاهر انه على هذا المذهب يشترط في المطهر أن يكون زائدا على الكر حتى يكون هذا الواقع الملاقي متقوما بذلك العالي الذي هو كر. و كأن كلام المحقق الثاني المتقدم مبني على ذلك فتأمله. و حينئذ يكون كلام صاحب المدارك في الاعتراض عليه لا يخلو من تأمل.

[في اعتبار الامتزاج و عدمه]

و أما (الامتزاج) فقد اعتبره جماعة و نسب إلى الأشهر، و هو الذي يظهر من المحقق في المعتبر و العلامة في التذكرة و الشهيد في الذكرى قال في الأول: «الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية صارا كالماء الواحد فلو وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس و لو نقص كل واحد منهما عن الكر إذا كان مجموعهما كرا فصاعدا» ثم قال: «الثالث لو نقص الغدير فنجس فوصل بغدير فيه كر ففي طهارته تردد و الأشبه بقاؤه على النجاسة


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 144

لانه ممتاز عن الطاهر» و في التذكرة: «لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا ان اعتدل الماء، و إلا ففي حق السافل فلو نقص الأعلى عن الكر انفعل بالملاقاة فلو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال و انتقاله إلى الطهارة مع الممازجة، لأن النجس لو غلب الطاهر نجسه مع الممازجة فمع التمييز يبقى على النجاسة»، و في الذكرى: «و طهر القليل بمطهر الكثير ممازجا فلو وصل بكر مماسة لم يطهر للتمييز المقتضي لاختصاص كل بحكمه و لو كان الملاقاة بعد الاتصال و لو بساقية لم ينجس القليل مع مساواة السطحين أو علو الكثير» و قد ناقشهم بعض المتأخرين بحصول التدافع بين الحكمين، فإنه متى كان وصل الغديرين بساقية قاضيا باتحادهما في القسم الأول يلزمهم الاعتراف به في القسم الثاني إذا الموجب لذلك كونهما ماء، و النجاسة لا تخرجه عن المائية الموجبة للاتحاد في الصورة الأولى. قلت لعل كلامهم هنا مؤيد لما ذكرنا سابقا من المناقشة في تلك الملازمة أي بين الوحدة و حصول الطهارة، و انه لا مانع من كون الماء الواحد بعضه طاهرا و بعضه نجسا. فان قلت تعليلهم بالتمييز قاض بعدم الوحدة فيحصل التدافع حينئذ، قلت هو غير قاض بذلك بل مقصودهم عدم حصول الامتزاج و انهما متميزان و ان كان الرائي غير العالم بحالهما يحسبهما ماء واحدا غير متميز أحدهما عن الآخر، فليس المقصود من هذا التعليل عدم حصول الاتحاد. و مما يؤيد ذلك ان الشهيد الثاني نقل عنه في الروض انه صرح بالاتحاد، و مع ذلك حكم بعدم حصول الطهارة لكون الامتزاج شرطا و لم يحصل. و كأن مستندهم في ذلك الاستصحاب و التميز المقتضي لاختصاص كل بحكمه. و قد يستدل لهم أيضا بأنه حيث يكون طاهرا و وصل دخل تحت

قوله (عليه السلام): «إذا كان الماء قدر كر»

الى آخره بخلاف ما إذا كان نجسا لاشتراط كون ذلك الماء طاهرا و إلا لم يكن وجه ل

قوله «لم ينجسه شي ء»

نعم على رواية لم يحمل خبثا ربما يكون داخلا، لكن لا نقول بمقتضاها كما ستعرف عند قوله: (و لا يطهر بإتمامه كرا)

ج 1، ص: 145

و بان المعروف من الماء المطهر حيث يطهر أن يداخل المطهر و يتخلل في أجزائه و يجري عليه حيث يكون جسما قابلا لذلك، و إلا فلا معنى للقول بطهارة الطرف البعيد المتناهي في البعد بمجرد ملاقاته لأول أجزاء الطرف الآخر، و القول أن الأجزاء الملاقية طهرت بالملاقاة و هي طهرت غيرها للملاقاة و الامتزاج و هكذا خيال حكمي لا يصلح أن يكون مستندا للحكم الشرعي من غير دليل، على أنه مني على السراية و هي مخالفة للأصل في وجه.

و كأنه لذلك ظهر من بعض المتأخرين أنه لا يحصل الطهارة إلا مع استهلاك الماء النجس في الماء الطاهر و اضمحلاله بان يكون الماء الكثير أوسع سطحا من الماء القليل و نحو ذلك.

فالمدار حينئذ حصول الامتزاج على وجه يستهلك الماء النجس في جنب الماء الطاهر و يضمحل. و ربما أيد هذا الوجه بما نقل عن صاحب المعالم من التحقيق بأنه لما دل النص و الإجماع على أن وقوع النجاسة في الكثير لا تمنع من استعماله و لا تؤثر فيه تنجيسا و ان كثرت ما لم يتغير بها لاستهلاكها فيه و اضمحلالها في جنبه، فيدل بمفهوم الموافقة على أن الماء النجس بهذه المثابة فإذا وقع الماء عليه و صار مستهلكا فيه بحيث شاعت أجزاؤه و لم يتميز وجب الحكم بطهارته. و الظاهر أن مراده بالاستهلاك امتزاج الجميع بالجميع لا من جهة القلة و الكثرة.

و يتوجه على ما ذكره هذا المتأخر انه ان أراد بالاستهلاك من جهة القلة و الكثرة بمعنى أنه لا بد و أن المطهر أكثر من المطهر بالفتح بحيث يستهلك في جنبه كما يقضي به استدلاله عليه بالحديث المشهور(1)

«ان الماء يطهر و لا يطهر»

بالحمل على أن المراد أنه ليس صورة يطهر فيها إلا بالاستهلاك و الاضمحلال و حينئذ يكون كالمعدوم، فيتجه قوله لا يطهر- ففيه أنه مخالف للإجماع الذي ستسمعه من المحقق الثاني في رده القول بالامتزاج و قال في كشف اللثام: «لا خلاف في طهر الزائد على الكر أضعافا كثيرة بإلقاء كر عليه و ان استهلكه» و في المختلف: «ان الاتفاق واقع على أن تطهير ما نقص عن الكر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 3 و 6 و 7.

ج 1، ص: 146

بإلقاء كر عليه دفعة» و هو بإطلاقه شامل للنقصان الذي لا يستهلك بإلقاء الكر بان كان ناقصا قليلا، على انه يحتمل أن يريد بالنقصان عن الكر من باب المثال لتحقق النجاسة و إلا فلا تفاوت. و ان أراد بالاستهلاك حصول الامتزاج اي الجميع بالجميع فله وجه بل يمكن حمل كلام القائلين باشتراط الامتزاج عليه، فان الظاهر من التأمل في كلامهم ان امتزاج بعض الأجزاء مع بعض لا يكفي في تطهير الجميع، و مما يرشد الى ذلك قوله في كاشف اللثام في تحرير محل النزاع: «و هل يعتبر الممازجة و اختلاط أكثر الأجزاء بالأكثر أو الكل بالكل اعتبرها في التذكرة كالمعتبر و نحوهما الذكرى» و هو ظاهر فيما ذكرنا، لكن عن المحقق الثاني أنه قال: «في إلزام القائلين بالامتزاج ان أريد به امتزاج مجموع الأجزاء بالمجموع لم يتحقق الحكم بالطهارة لعدم العلم بذلك بل ربما علم عدمه. و ان أريد به البعض لم يكن المطهر للبعض الآخر الامتزاج بل مجرد الاتصال. و حينئذ فيلزم إما القول بعدم طهارته و هو باطل قطعا للإجماع على انه ليس وراء الامتزاج المذكور شرط آخر لطهر الجميع، أو القول بالاكتفاء بمجرد الاتصال و حينئذ فيلزم القول به مطلقا» و فيه انه يراد الأول قوله لم يتحقق الحكم بالطهارة قلت ان أراد به دائما فهو ممنوع فإنه في غالب الأوقات يحصل العلم بالامتزاج كما إذا كان النجس قليلا أو كان ذا صفات قد اضمحلت و نحو ذلك، و ان أراد أنه يتفق في بعض الأوقات عدم حصول العلم أو العلم بالعدم ففيه انه لا مانع من التزام عدم الطهارة حينئذ. و كيف لا و هو ثمرة المسألة. أو يراد الثاني لكن الأكثر بالأكثر، قوله (لم يكن المطهر للبعض الآخر الامتزاج) الى آخره فيه ان مسألة التطهير تتبع الدليل الشرعي و لعله الإجماع في المقام كما ادعاه، و كيف يقاس هذا على ما لم يحصل الامتزاج بالمرة، فإنه قد يكون لهذا الامتزاج مدخلية لا سيما ان قلنا الأكثر بالأكثر، و لذلك عدل عن هذا التقرير في كاشف اللثام و يظهر منه أن امتزاج البعض كاف في طهارة البعض الممتزج، بل يظهر منه دعوى الإجماع و هو لا يخلو من نظر، فقال: «انه مع الاتصال

ج 1، ص: 147

لا بد من اختلاط شي ء من الأجزاء فاما أن ينجس الطاهر أو يطهر النجس أو يبقيان على ما كانا عليه و الأول و الثالث خلاف ما أجمع عليه فتعين الثاني، و إذا طهر ما اختلط من الأجزاء طهر الباقي إذ ليس لنا ماء واحد في سطح واحد تختلف أجزاؤه طهارة و نجاسة بلا تغير. و أيضا لا خلاف في طهر الزائد على الكر أضعافا كثيرة بإلقاء كر عليه و ان استهلكه و ربما كانت نسبة ما يقع فيه الاختلاط منه و من أجزاء النجس الى مجموع أجزائه كنسبة ما يقع فيه الاختلاط بين القليل و الكثير عند أول الاتصال، فاما أن يقال هنا أنه يطهر الأجزاء المختلطة ثم هي تطهر ما جاورها و هكذا الى أن يطهر الجميع، فكذا في ما فيه المسألة، و إما أن لا يحكم بالطهارة إلا إذا اختلط الكر الطاهر بجميع أجزاء النجس و يحكم ببقائه على الطهارة و بقاء الأجزاء الغير المختلطة من النجس على النجاسة إلى تمام الاختلاط، و قد عرفت انه ليس لنا ماء واحد في سطح واحد تختلف أجزاؤه من غير تغيير. و أيضا فالماء جسم لطيف سيال تسري فيه الطهارة سريعا كما تسري فيه النجاسة و لا دليل على الفرق بينهما».

و فيه انه مبني على تلك المقدمة التي قد عرفت المناقشة فيها سابقا و انه لم يقم عليها دليل. و أيضا لا مانع من التزام أن يقال في تطهير الكر الملقى على الأكرار يشترط أن يمتزج بما طهره و هما معا يمتزجان بغيرهما بشرط أن لا يقطع

النجس عمود الماء و هكذا الى أن يستوعب الماء، فليس الممتزج الكر وحده بل هو و ما طهره بالامتزاج و هكذا، و لا ينفع الامتزاج السابق قبل حصول الطهارة، لأنه امتزاج نجس، و القول انه يحصل حين امتزاج البعض الأول الامتزاج للجميع فيحصل الطهارة في غاية الضعف، لان الامتزاج أمر عرفي، و لا ريب أن هذا الماء الآن في هذا المكان غير ممتزج بالآخر قطعا. و دعوى امتزاج كل بالقريب منه مغالطة واضحة، على انا نقول ان المعتبر الامتزاج بالمعنى الذي ذكرنا و لا يلزم منه القول بما ذكر فلا وجه لإلزامهم بما يقطع بعدم إرادتهم له من ذكر الامتزاج. و قوله أخيرا (لا دليل على الفرق) فيه أن الدليل

ج 1، ص: 148

واضح، أما النجاسة فللأدلة(1) التي دلت على ان الماء القليل ينجس بالملاقاة و ليس النجاسة فيه للسراية حتى يورد عليه أن الطهارة مثله. و مما ذكرنا ظهر لك متمسك القائلين بالطهارة بمجرد الاتصال كالعلامة في المنتهى و عن التحرير و نهاية الأحكام و القول بعدم حصول الطهارة إلا بالامتزاج إما امتزاج الكر نفسه أو هو و ما طهره بان يمتزج حتى يمتزج الجميع لا يخلو من قوة، لما عرفت من الاستصحاب و غيره. و ما يقال من أن الاستصحاب يقطعه العموم فيه ما قد عرفت من أنه لا عموم، و على تقديره فهو لا يفيد كيفية التطهر. و احتمال أخذ ذلك من

قوله (عليه السلام)(2): «ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا»

فإنه يفيد التطهير بمجرد الاتصال يدفعه- مع أنه لا دليل على التعدية و احتمال إرادة الدفع لا الرفع- انه لا ظهور فيه فيما يدعون، و الله أعلم بحقيقة الحال.

و أما المقدمة السابقة فقد سمعت المناقشة فيها فان ثبتت بإجماع و نحوه قلنا به و إلا فلا، اللهم إلا أن يدعى استفادته من نحو

قوله (صلى الله عليه و آله)(3): «إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا»

فتأمل.

ثم أنه قد يقال إن اشتراط الامتزاج الواقع في كلام الجماعة و نسب إلى الأشهر إنما هو في غير التطهير بإلقاء الكر عليه دفعة، و أما فيه فلا يشترط شي ء من ذلك لإطلاق الإجماعات المنقولة مع نفي الخلاف عن حصول الطهارة بإلقاء الكر عليه دفعة و لم يذكروا شرطا آخر. و ما وقع من مثل المحقق و العلامة (رحمهما الله) في اشتراط الامتزاج إنما هو في غير ذلك كمسألة الغديرين و نحوهما. و دعوى التلازم بين المسألتين ممنوعة. و بذلك تعرف ما في كلام كاشف اللثام المتقدم من أنه (لا خلاف في طهارة الزائد على الكر


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
3- 3 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 149

أضعافا بإلقاء كر) الى آخره للفرق بينهما من عدم اشتراط الامتزاج هنا تمسكا بإطلاق الدليل و هو الإجماع المنقول بخلاف غيره، اللهم إلا ان ينزل كلامهم فيه على ما إذا حصل الامتزاج بذلك كما إذا كان الماء الملقى عليه كر قليلا كما هو ظاهر المتن لا فيما إذا كان أكرارا كما هو المفروض في كلام كاشف اللثام فتأمل جيدا، فإنه نافع جدا في أصل النزاع في المسألة، بل و في تحقيقها أيضا، و ذلك لصيرورة المدار حينئذ على وصول الكر المطهر مجتمعا للماء على وجه لا يقطع عموده الماء المتنجس ثم يمتزج معه و لو بالتموج، فيطهر حينئذ كل ما لاقاه كذلك حتى يستوعب الماء لو فرض كثيرا، و لا فرق في وصول الكر المزبور على الوجه المذكور بين أحواله بالنسبة إلى المساواة و الاستعلاء و غيرهما، مع فرض اجتماع ما ذكرناه، بل الظاهر عدم الحاجة الى إلقائه جميعه لو فرض حصول الطهر به مقدار ما يكون كرا قبل إتمامه، فإن ذلك كاف إذا أريد تطهير الباقي لو كان، بان يموجه مع غيره حتى يحصل الامتزاج. و لعل الدفعة و الإلقاء للكر و نحو ذلك في كلامهم إنما هو لإرادة الاطمئنان بحصول الحال الذي ذكرناه، سيما على القول بعدم الاكتفاء بأصالة

بقائه مجتمعا حتى يحصل الامتزاج في تطهير المتنجس الذي هو على مقتضى أصالة البقاء على النجاسة حتى يعلم حصول الطهر على الوجه المزبور. كل ذلك بعد البناء على منع السراية في التطهير كما قيل بها في التنجيس، و منع دعوى أن ليس لنا ماء واحد في سطح واحد بعضه طاهر و بعضه نجس بغير التغير، و منع استفادة كيفية التطهر للفرض من نحو إطلاق طهور و نحوه، و بعد الإجماع على عدم اعتبار أمر زائد على الامتزاج بعد العلم بقبوله للتطهير و يكفي في تحقق الامتزاج باعتبار كون الماء جسما سيالا اختلاطه بالمطهر على الوجه المزبور ثم به و بالذي طهره و لو بالتموج لو فرض كثرة الماء النجس و الله العالم. هذا كله في إلقاء الكر و أما إذا كان تطهيره باتصاله بالجاري فهل يعتبر الامتزاج و الاستعلاء و نحو ذلك أو لا؟ قد يظهر من التأمل في جميع ما تقدم حكم ذلك و مثله ماء المطر، و ربما يقوى هنا عدم اعتبار الامتزاج لظاهر الأدلة

ج 1، ص: 150

ك

قوله (عليه السلام)(1) «كل شي ء رآه ماء المطر فقد طهر»

و غيره. و لا فرق بين الجاري غير المطر و بين المطر، بل لعله هو أقوى منه كما يومي اليه التشبيه به.

[في عدم تطهر الماء القليل بإتمامه كرا]

و كيف كان فلا يطهر بإتمامه بنجاسة أو بمتنجس مثله أو طاهر كرا على الأظهر كما في المعتبر و التحرير و المختلف و المنتهى و القواعد و الذكرى و كشف اللثام و غيرها، و نسبه المحقق الثاني إلى المتأخرين، و هو المنقول عن ابن الجنيد و الشيخ في الخلاف و عن المبسوط انه تردد. و قيل يطهر بالإتمام كما عن المرتضى و ابن البراج و سلار و يحيى بن سعيد، و نسبه المحقق الثاني الى أكثر المحققين و هو مختار ابن إدريس و نسبه في السرائر إلى المحققين، و هم بين قائل بعدم الفرق بين كون المتمم طاهرا أو متنجسا و هو الظاهر من السرائر لكنه اشترط فيها كون الزيادة يطلق عليها اسم الماء، و قائل باشتراط كون الإتمام بطاهر. و لم نقف على من اكتفى بالإتمام بالبول و نحوه، و ان اقتضاه نقل الخلاف في هذه المسألة على لسان بعضهم و ما تسمعه من أدلتهم.

و كيف كان فالأقوى ما ذهب اليه المصنف للاستصحاب و إطلاق كثير من أدلة القليل الشاملة لصورة الإتمام بكر، و النهي(2) عن استعمال غسالة الحمام مع انها غالبا تبلغ أكرارا مع شمول ما دل(3)على النجاسة بالتغير لما كانت النجاسة مغيرة للقليل ثم زال بالإتمام بكر. و مما يرشد الى ذلك أيضا ان ابن إدريس الذي حكم هنا بالطهارة بالإتمام بكر لما تسمعه من الأدلة قال بعدم طهارة الكر المتغير بزوال تغييره فتأمل، فإنه قد يفرق بينهما. كل هذا مضافا الى الاستبعاد سيما على القول بالإتمام بالماء النجس، و أبعد منه الإتمام بعين النجاسة إذا استهلكت و صارت ماء، بل يكاد يقطع المتأمل في مذاق الشرع بعدمه. و أقصى ما يستدل به للقول بالطهارة الأصل براءة و طهارة، و العموم،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 151

و الإطلاق في المياه الشامل للمقام. و العلم بخروج غير هذا الفرد لا يقضي بخروجه منه، و ما رواه في السرائر من

قول الرسول مدعيا انه المجمع عليه بين المخالف و المؤالف: (إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا)

. و ما فيها أيضا «ان إجماع أصحابنا على هذه المسألة إلا من عرف اسمه و نسبه» انتهى، و بأنه لو لم يحكم بالطهارة بذلك لم يحكم بطهارة الماء الذي وجد فيه نجاسة إذا لم يعلم كونها قبل الكرية و بعدها، و بان الكثرة إن كانت مانعة من قبول الماء الانفعال فلا فرق في ذلك بين سبقها و لحوقها. و في الكل نظر أما الأول و الثاني فلا يعارض الاستصحاب

لكونه خاصا، مع عدم جريان أصل البراءة في بعض صور المسألة كالوضوء و الغسل في وجه فتأمل و لا حظ ما ذكرناه في الماء القليل، مع ان إطلاقات المياه ان أراد بها الخصم مثل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «إذا وجدت الماء فأمسسه جلدك»

و قوله تعالى «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»*(2) و نحو ذلك فهي لا تدل على المقام للقطع باشتراطها بالطهارة الغير المعلوم تحققها هنا، إذ من المسلم عندنا و عند الخصم خروج النجس إنما الكلام في كون هذا منه أو لا فلا يمكن إثباته بذلك، و هي غير مسافة لبيانه، فيكون الاستدلال بها من قبيل الاستدلال على طهارة صيد الكلاب بقوله تعالى «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ»(3) و هو باطل كما بين في محله. و أما ما في السرائر من الرواية فقد أنكرها جماعة منهم المحقق في المعتبر فإنه قال: «انا لم نروه مسندا و الذي رواه مرسلا المرتضى (رحمه الله) و الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) و آحاد ممن جاء بعده، و المرسل لا يعمل به، و كتب الحديث عن الأئمة خالية عنه أصلا. و أما المخالفون فلا أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن ابن حي و هو زيدي منقطع المذهب. و ما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المؤالف و المخالف فيما لا يوجد إلا نادرا،


1- 1 سنن البيهقي المجلد 1- صحيفة 179- 194- 217.
2- 2 سورة النساء- آية 46- و سورة المائدة- آية 9.
3- 3 سورة المائدة- آية 6.

ج 1، ص: 152

فاذن الرواية ساقطة» انتهى. و الظاهر منهم تسليم دلالتها و انها فرق بينها و بين الوارد من طرقنا كما صرح به بعضهم، و هي

«إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء»(1)

لظهورها في عدم القبول بعد كونه كرا و لا ملازمة بينهما. و من هنا تتجه المناقشة فيقوى كلام ابن إدريس، و ذلك لان الرواية و ان كانت مرسلة إلا انها قد رواها من لا يطعن في روايته كالمرتضى مع العمل بها و هو لا يعمل باخبار الآحاد و الشيخ في الخلاف فإنه قال في الماء المستعمل في الكبرى إذا بلغ كرا بعد أن ذكر عدم جواز استعماله و ان بلغ للاستصحاب قال: «و يمكن ان يقال إذا بلغ كرا جاز استعماله لظاهر الأخبار(2) و الآيات(3)المتناولة لطهارة الماء و ما نقص عنه أخرجناه بدليل، و ب

قولهم (عليهم السلام)(4): (إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا)

انتهى، فان الظاهر من قوله و بقولهم (عليهم السلام) الى آخره انه معطوف على قوله لظاهر الأخبار، مع ان ابن إدريس لا ينبغي الطعن في نقله، و عدم الوجدان لا يقضي بعدم الوجود. و أيضا فقد نقل هو إجماع أصحابنا إلا ممن عرف نسبه على طهارة القليل بإتمامه كرا فيكون جابرا للرواية أيضا. و لا ريب في أن ذلك كله يسوغ العمل بمثل هذه الرواية، مع انه لا معارض لها حقيقة إلا الاستصحاب و مثله لا يعارض مثلها. فالمتجه حينئذ المناقشة في دلالتها بان يقال ان الظاهر منها ان المراد بها انه لم يحمل خبثا مبتدأ. و المراد ببلوغه ليس بعد تحمل الخبث، فيكون معناها هو معنى الرواية المشهورة انه إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء، و من هنا احتمل بعضهم أن توهم ابن إدريس في نقله إجماع المؤالف و المخالف على الرواية السابقة تخيله انهما بمعنى واحد. قلت و هو الظاهر سببا و معنى فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 1 و 2 و 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق.
3- 3 و هي آية 11- من سورة الأنفال. و آية- 50- من سورة الفرقان و غيرهما.
4- 4 و هو مروي عن النبي لا عن الأئمة.

ج 1، ص: 153

و أما الإجماع المنقول فهو بناء منه على ان خروج معلوم النسب غير قادح، و هو لا يتم على طريقتنا، مع انه رده في المعتبر «بانا لم نقف على هذا في شي ء من كتب الأصحاب و لو وجد كان نادرا، بل ذكره المرتضى و بعده اثنان أو ثلاثة ممن تابعه.

و دعوى مثل هذا إجماعا غلط، إذ لسنا بدعوى المائة نعلم دخول المعصوم (عليه السلام) فيهم فكيف بفتوى الثلاثة و الأربعة» و الشهيد في الذكرى «بأنه لا إجماع لخلاف ابن الجنيد و الشيخ في الخلاف، مع نقله الخلاف عن الأصحاب في المبسوط» و قال فيها أيضا «و خلاف الشيخ في المبسوط بطهورية المستعمل إذا بلغ كرا على التنزل لبنائه على ما سبق من التردد و بناه في الخلاف على ذلك أيضا» قلت قد سمعت عبارة الخلاف و الذي نقله في السرائر عن الشيخ في المستعمل خال عن البناء المذكور، بل هو ظاهر فيما ادعاه و الله أعلم.

و أما الاستدلال بالملازمتين السابقتين ففي الأولى منهما انه لا مانع من الحكم بالطهارة للأصل أو بالإجماع و نحو ذلك، مع ان الالتزام به ليس من المنكرات فلا يحكم عليه بالطهارة و لا النجاسة، فهو لا ينجس الطاهر و لا يطهر النجس، فيكون حاله حال المشكوك في كريته إذا لاقته النجاسة على وجه قوي، لأنه كما ان الكرية شرط و قد شك فيها فكذلك الطهارة شرط و قد شك فيها، مع إمكان الفرق بينهما بان الشرط عدم العلم بالنجاسة قبل البلوغ لا الطهارة. و الحاصل ان تم هذا الفرق ارتفعت الملازمة و إلا كان الالتزام به غير منكر فتأمل. و أما الملازمة الثانية فمع كونها قياسا و مع الفارق في كثير من صور المسألة قد دلت الأدلة على أحدهما دون الآخر، فيبقى الاستصحاب فيه محكما. و أنت خبير ان الذي يقتضيه ما سمعت من الأدلة عدم الفرق بين كون المتمم ماء طاهرا أو نجسا أو نجاسة كالبول و نحوه، و لا بين كون النجاسة مغيرة للماء القليل ثم زالت و بين كون نجاسته بالملاقاة من دون تغيير فتأمل.

و ما كان من المحقون مجتمعا مقدار كر فصاعدا لا ينجس بشي ء من النجاسات

ج 1، ص: 154

للأصل، بل الأصول، و الإجماع المحصل و المنقول، و السنه التي كادت تكون متواترة.

و ما يأتي من خلاف المفيد و سلار ليس في أصل حكم الكر و إنما خلافهما في خصوص الحياض و الأواني إلا أن تغير النجاسة دون المتنجس أحد أوصافه من اللون أو الطعم أو الرائحة فإنه ينجس المتغير و غيره أيضا ان لم يكن مقدار كر أو مستعليا على المتغير استعلاء معتدا به. و دليله الإجماع و الأخبار(1) و قد تقدما في الجاري ككثير من الأبحاث فراجع و تأمل.

[في نجاسة الكر بالتغير]

نعم بقي الكلام هنا في مسألة أغفلها المتقدمون و تعرض لها بعض المتأخرين، و هي اعتبار تساوي السطوح و عدمه. لكن ليعلم (أولا) ان النجاسة لا تسري من الأسفل إلى الأعلى إجماعا من غير فرق بين قلة العالي و كثرته و لا بين علو التسنم و الانحدار الذي يقرب منه، أما إذا كان انحدارا بحيث يتحقق به الجريان لكنه غير ظاهر تمام الظهور للحس كما في بعض الأنهار الصغار التي يجري بها الماء لا عن مادة، فان الناظر لا يكاد يظهر له اختلاف سطوحها و ان كانت هي كذلك، و لعله من ذلك ما لو انكفت آنية مثل الإبريق و نحوه في أرض نجسة من حيث اعتبار علو فمها مثلا و عدمه- فلم أر تنقيحا لذلك في كلامهم، نعم قد يظهر من بعضهم جريان الحكم على مثل ذلك، و انه مندرج في عدم نجاسة الأعلى بالأسفل. و يؤيده ان السراية على خلاف الأصل، مضافا الى أصل الطهارة و عمومها و نحو ذلك مما يدل عليها، و لكن مع هذا و المسألة محتاجة إلى التأمل و هي سيالة في الماء و غيره من المائعات. و ليعلم (ثانيا) انه متى شك في شمول إطلاقات الكر لفرد من الأفراد و شك في شمول إطلاقات القليل فلم يعلم دخوله في أي القاعدتين، فالظاهر ان الأصل يقضي بالطهارة و عدم تنجسه بالملاقاة، نعم لا يرفع الخبث به بأن يوضع المتنجس فيه كما يوضع في الجاري و الكثير، و ان كان لا يحكم عليه بالنجاسة بمثل ذلك بل يحكم عليه بالطهارة، فيؤخذ منه ماء و يرفع به الخبث


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 155

على نحو ما يرفع بالقليل، و لا مانع من رفع الحدث به لكونه ماء طاهرا، و كلما كان كذلك يجري عليه الحكم. و كان السبب في ذلك ان احتمال الكرية فيه كافية في حفظ طهارته و عدم نجاسته بملاقاة النجاسة، و لكن لا يكفي ذلك في الأحكام المتعلقة بالكر المعلوم انه كر كالتطهر به من الأخباث بوضع المتنجس في وسطه و نحو ذلك. فليست أحكام الكر موافقة للأصل من جميع الوجوه، و ستسمع في آخر البحث احتمال جواز التطهير به من الخبث على نحو الكر فتأمل.

فنقول: قد أطلق كثير من الأصحاب ككثير من الأخبار أن مقدار الكر من الماء لا ينجس بملاقاة النجاسة من غير تعرض لشي ء من كون سطوح الماء متساوية أو مختلفة، و على تقدير الاختلاف فهل على طريق التسنم أو الانحدار؟ و ليس في الأخبار ما يمكن ان يتصيد منه بعض أحكام هذه المسألة غير أخبار الحمام بناء على اشتراط الكرية في المادة، فإنه يستفاد منها حينئذ ان السافل يتقوم بالكثير العالي، و بناء على الاكتفاء بكرية المجموع يستفاد منه حينئذ ان السافل و العالي إذا كانا مقدار كر من الماء يكفي ذلك في عدم قبول النجاسة، لكن يبقى الأمر دائرا في ان كلا من السافل و العالي يتقوم بالآخر أو انه يخص ذلك بالسافل دون العالي. هذا كله ان قلنا بجريان حكم ماء الحمام على غيره من المياه. و فيه بحث تقدم في ماء الحمام. و كيف كان فالعمدة هو استظهار شمول

قوله (عليه السلام): «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء»(1)

و عدم شموله، و هو مبنى على معرفة وحدة الماء و تعدده. و الظاهر ان كثيرا من أبحاث المسألة مختصة بالماء للحوقها له من حيث المائية دون المائعية(2).


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 كمسألة تقوى السافل بالعالي و بالعكس فإنها لا تجري في غير الماء، نعم قد يبحث عنه بالنسبة إلى اختلاف السطوح في باقي المائعات من جهة الطهارة و النجاسة، و هي ليست مبنية على التعدد و الوحدة، بل هي مبنية على الملاقاة و عدمها، و ذلك كما لو فرضنا. حوضا من ماء و آخر من دهن و كان أحدهما نجسا و وصل بينهما بثقب ضعيف جدا فإنه لا ريب في تحقق النجاسة في الآخر و ان لم يحصل اتحاد، و كذلك بالنسبة للسفل و العلو، و احتمال القول ان السفل و العلو يجعلهما بمنزلة ما إذا كانا في انائين متعددين فنجاسة أحدهما لا تسرى بالنسبة إلى الآخر في غاية البعد، بل قد يدعى الإجماع على خلافه، نعم المستثنى ما عرفت من عدم سراية النجاسة من السافل الى العالي، و بذلك ظهر لك ان مناط البحثين في المسألتين مختلف جدا منه رحمه الله.

ج 1، ص: 156

و على كل حال فنقول: ينبغي القطع بفساد القول بان مطلق اختلاف السطوح كيف كان انحدارا أو تسنما سبب لاختلاف حكم الماءين بحيث يكون السافل ماء مستقلا تلحقه أحكامه لنفسه و العالي كذلك، إذ لا ريب في شمول

قوله (عليه السلام): «إذا كان الماء قدر كر»

الى آخره لكثير من هذه الأفراد سيما إذا كان العلو علو انحدار لا تسنم فيتقوى السافل بالعالي و بالعكس في مثل ذلك. نعم هناك بعض أفراد يشك في تقوي كل منهما بالآخر، كما لو كان حوض فيه ماء ناقص عن كر و كان إبريق مثلا فيه ماء فصب من علو على ذلك الحوض بحيث اتصل به و كان العلو علو تسنم و كان ما يصب منه ثقب ضيق، فمثل هذا يتقوم كل منهما بالآخر أو لا يتقوم شي ء منهما أو يتقوم السافل بالعالي دون العكس؟ وجوه. و من جملة الأفراد التي هي محل شك لا من جهة العلو و السفل بل من جهة الاتصال كالحوضين اللذين ثقب ما بينهما و كان في غاية الضيق، فمثل ذلك يصيرها من جملة أفراد الكر؟ و لعل مثل هذه الأفراد و نحوها بقاؤها على ما تقدم من القاعدة أولى من إدخالها تحت أفراد الكر أو إدخالها تحت قاعدة القليل.

و ينبغي التعرض لبعض كلمات الأصحاب في المقام فنقول: قال في التذكرة:

«لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا ان اعتدل الماء و إلا ففي حق السافل، فلو نقص الأعلى عن كر انفعل بالملاقاة، و لو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال و انتقاله إلى الطهارة مع الممازجة» و قال في الذكرى: «و طهر القليل بمطهر الكثير

ج 1، ص: 157

ممازجا فلو وصل بكر مماسة لم يطهر للتمييز المقتضى لاختصاص كل بحكمه و لو كان الملاقاة بعد الاتصال و لو بساقية لم ينجس القليل مع مساواة السطحين أو علو الكثير» و قال في الدروس: «لو كان الجاري لا عن مادة و لاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا و لا ما تحتها إن كان جميعه كرا فصاعدا إلا مع التغير» ثم قال: «لو اتصل الواقف بالجاري اتحدا مع مساواة سطحيهما أو كون الجاري أعلى لا العكس. و يكفي في العلو فوران الجاري من تحت الواقف» و قال العلامة (رحمه الله) في القواعد: «لو اتصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة و لو تغير بعضه بها اختص المتغير منه بالتنجيس» و قال المحقق الثاني في شرح ذلك: «يشترط في هذا الحكم علو الجاري أو مساواة السطوح أو فوران الجاري من تحت القليل إذا كان الجاري أسفل لانتفاء تقويمه بدون ذلك» و قال هذا المحقق بعد قول العلامة (رحمه الله): «و ماء الحمام كالجاري إن كانت له مادة هي كر فصاعدا» «اشتراط الكرية في المادة إنما هو مع عدم استواء السطوح بان يكون المادة أعلى أو أسفل، لكن مع اشتراط القاهرية بفوران و نحوه في هذا القسم أما مع استواء السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرا كالغديرين إذا وصل بينهما بساقية» قلت: و يظهر من الشهيد الثاني و بعض من تأخر عنه عدم اشتراط شي ء من استواء السطوح فيتقوى السافل بالعالي و العالي بالسافل، و يؤيده إطلاق النص و الفتوى: أما النص ف

قوله عليه السلام (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء)

و أما الفتوى فإنه أولا قد ذكروا حكم الكر من غير تقييد، و ذكروا مسألة الغديرين و انه لو وصل بينهما بساقية اتحدا و لم يقيدوا أيضا، و ذكروا مسألة اتصال القليل الواقف بالجاري و انه يتحد معه من غير تقييد بالاستواء و نحوه، و ذكروا أيضا في نجاسة الجاري انه ينجس متى تغير و لو قطع التغير عمود الماء لم ينجس ما فوق المتغير مطلقا و نجس ما تحته ان لم يبلغ كرا، فإنه لو لا تقوي الأعلى بالأسفل لنجس ما تحته سواء كان كرا أو لا لتحقق النجاسة في الملاصق للمتغير، و المفروض انه لا يتقوى بما تحته على فرض السفل فتأمل.

ج 1، ص: 158

و تفصيل الحال يحصل في البحث في جملة من المسائل تظهر مما نقلناه عنهم سابقا.

(الأولى) الأقوى تقوي السافل بالعالي و بالعكس إذا كان المجموع كرا من غير فرق بين التسنمي و الانحداري ما لم يكن العلو فاحشا مع ضعف الاتصال كما لو اتصل من علو المنارة بنحو ثقب الإبرة و نحوها، مع احتمال القول به كما سمعته من إطلاق النص و الفتوى المؤيد بموافقة الأصل في كثير من الأحكام، و لحكمهم بالاتحاد بالنسبة للسافل و هو لازم للعكس كما ستعرف، خلافا لما يظهر من عبارة التذكرة المتقدمة من تقوي السافل بالعالي دون العكس، لكن لم يعلم تقويه به إذا كان العالي كرا فيكون من المسألة الثانية أو تقوية به إذا كان العالي متمما لكرية السافل فيكون مما نحن فيه، و قوله:

(فلو نقص الأعلى عن كر) لا دلالة فيه على شي ء من ذلك، و لما يظهر من عبارة الشهيد و المحقق الثاني التي قدمناهما سابقا من ان السافل ينعصم بالعالي الكر و لا ينعصم به إذا كان العالي متمما لكريته فتأمل. فيتحصل حينئذ ان الاحتمالات فيما نحن فيه ثلاثة بل لعلها أقوال: (الأول) عدم تقوي أحدهما بالآخر من غير فرق بين الانحدار و التسنم.

و هذا لم أعثر عليه لأحد قبل الشهيد و المحقق الثاني، فإن عبارتهما التي نقلناها عنهما ظاهرة في ذلك. لكنها ليست ظاهرة في عدم الفرق بين العلو الانحداري و التسنمي. نعم ربما ظهر من بعض متأخري المتأخرين ذلك و تعرف مما يأتي ان شاء الله مستندهم. و هذا القول مما يقطع المتأمل فيما قدمنا سابقا و فيما يأتي منا لاحقا بفساده (الثاني) تقوي السافل بالعالي دون العكس و هذا قد تعطيه إطلاق عبارة التذكرة و لم أقف على مصرح به بالخصوص في كلام من تقدم من الأصحاب (الثالث) تقوي كل منهما بالآخر و هو المختار كما ذهب إليه جماعة من متأخري المتأخرين، نعم ينبغي تخصيصه ببعض الأفراد التي هي محل شك. و على تقدير الفرق بين العلو الانحداري و التسنمي تكون الاحتمالات أربعة. و على تقدير هذا الفرق مع ارتكاب التفصيل المتقدم من الفرق بين السافل و العالي تزداد الاحتمالات. قلت: الظاهر التلازم بين تقوي السافل بالعالي و العكس لان

ج 1، ص: 159

مبنى التقوي وحدة الماء و الدخول تحت إطلاق

قوله (عليه السلام): (إذا بلغ الماء قدر كر)

و دعوى ان ذلك يتحقق بالنسبة للسافل دون العالي كما ترى. فما سمعته من العلامة (رحمه الله) في التذكرة لا يخلو من إشكال، بل نقول إن ما تسمعه في المسألة الثانية من تقوي السافل بالكر العالي و كأنه مجمع عليه كما عن شارح الدروس يلزم منه الحكم في مسألتنا، لأن كرية العالي لا دخل لها في وحدة الماء، إذ متى كان السافل يتقوى بالعالي الكر و نحوه لاتحاده معه تقوى بالعالي و ان لم يكن كذلك، لما عرفت أن كرية العالي لا مدخلية لها في الوحدة. اللهم إلا ان يقال ان مبنى ذلك ليس الوحدة بل لعلهم أخذوه من حكم الحمام و أخبار المادة فيقتصر حينئذ عليه. لكن ذلك بعيد كما يقضي به اختلاف كلمتهم في الحمام و اتفاقها هنا، على أن الحكم و الموضوع في الحمام غير منقح حتى يكون باعثا لاتفاقهم. هذا و تسمع فيما يأتي إيضاحا لذلك. فصار الحاصل ان ظاهر اتفاقهم في المسألة الثانية الآتية يلزم منه القول بتقوي السافل بالعالي و ان لم يكن كرا فإذا ثبت ذلك لزم منه ان العالي أيضا يتقوى بالسافل إذا كان مجموعهما كرا، لان وحدة الماء ان تحققت لتحقق فيهما، و إلا فلا.

(المسألة الثانية) تقوي السافل بالعالي الجاري و ما في حكمه و كأن الحكم في ذلك إجماعي كما عرفت، فتوقف العلامة في التذكرة و المنتهى في باب الحمام بعد اختيار اشتراط الكرية في مادة الحمام في إلحاق الحوض الصغير المتصل بمادة هي كر بماء الحمام لا وجه له، و من هنا جزم في التذكرة بما سمعت به. و الظاهر إلحاق ما كان بالفوران من تحت بالعالي لاستيلائه حينئذ كاستيلاء العالي.

(المسألة الثالثة) عكس الثانية، و يظهر من جملة منهم عدم تقوي العالي به، بل ينجس بملاقاة النجاسة. و هو مشكل بعد الحكم بالاتحاد في المسألة الثانية، إلا على ما سمعت من احتمال أخذ الحكم هنا من حكم الحمام لا من وحدة الماء، و هو بعيد بل ممتنع في نحو عبارة الدروس و البيان و غيرهما لصراحتها بتحقق الاتحاد مع استعلاء الكثير

ج 1، ص: 160

و اتصال القليل السافل به. و لو كان قد أخذوه من حكم الحمام لم يكن معنى للاستناد للاتحاد فراجع و تأمل. مع انه يلزم من عدم تقوية الأسفل للأعلى أن ينجس كل ما كان تحت النجاسة من الماء المنحدر و ان كان نهرا عظيما ما لم يحصل مقدار كر مستوي السطوح بالعرض، و هو مستبعد بل باطل. و أيضا قد صرحوا بأنه ان تغير بعض الجاري نجس المتغير خاصة دون ما فوقه و ما تحته إلا ان ينقص ما تحته عن الكر و يستوعب التغيير عمود الماء فينجس حينئذ ما تحت المتغير، هذا على القول بعدم اشتراط الكرية و أما على القول بذلك فيشترط في عدم نجاسة ما فوق المتغير إما استعلاؤه أو كريته و إلا نجس. و هذا التفصيل يشعر بتقوي العالي بالسافل و إلا لم يكن معنى للحكم بطهارة ما تحت المتغير مع استيعاب التغير عمود الماء إذا كان مقدار كر، بل ينبغي الحكم بالنجاسة و ان بلغ أكرارا لان الفرض انه غير مستوي السطوح. لا يقال ان ذلك لم يقع في كلام الجميع حتى يستشهد به لأنا نقول قد وقع في كلام جملة من المتأخرين، بل وقع تصريحا في كلام هذا القائل بعدم تقوي العالي بالسافل، بل قد يقال انه لا خلاف فيه، على انه قد وقع في كلام مثل المحقق و العلامة (رحمهما الله) و غيرهما انه لو تغير الجاري اختص المتغير بالتنجيس دون غيره، و إطلاقه شاهد لمثل ما نحن فيه قطعا فتأمل جيدا.

لا يقال مقتضى ما ذكرت من حصول الاتحاد على كل حال فلم لم تكتف بالتطهير بذلك فيطهر العالي النجس باتصاله بالكر السافل مثلا، لأنا نقول ان مدار التطهير ليس على حصول الاتحاد و التعدد بل يشترط فيه شروطا غير ذلك منها استعلاء المطهر أو مساواته، فلعل عدم حصول الطهارة لذلك، و منها اشتراط الامتزاج على ما ذكره كثير منهم. و يلزم منه عدم طهارة الماء النجس العالي سيما إذا كان متسنما فان عدم حصول الامتزاج في مثل ذلك ظاهر ان أريد الامتزاج بالجميع.

لا يقال لو كان التقوي يحصل في كل منهما لحصول الاتحاد للزم حصول

ج 1، ص: 161

التنجيس بملاقاة النجاسة مع القلة لكونهما ماء واحدا قليلا لاقى نجاسة، و اللازم باطل لعدم سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى فالملزوم مثله، لأنا نقول خروج ذلك بالإجماع لا يقضي بعدم الاتحاد، و إلا لو قضى بذلك لكان اللازم منه عدم سراية النجاسة من العالي الى السافل مع حصول النجاسة إجماعا، كما في سائر المائعات، فلو كان عدم سراية النجاسة من الأسفل إلى العالي دليلا على عدم الاتحاد و عدم شمول

قوله (عليه السلام): «إذا كان الماء»

الى آخره و نحوه له لأمكن معارضته بان سرايته من العالي الى السافل دليل على الاتحاد، و إلا لما حصل نجاسة السافل بنجاسة العالي.

على انك قد عرفت سابقا ان مسألة النجاسة ليست مبنية على الاتحاد و التعدد بل المدار فيها على مطلق الملاقاة مع كون الملاقي بالفتح متصلا بعضه ببعض.

لا يقال إن الأخبار الواردة في حكم الكر اشتراطا و كمية ظاهر أكثرها كون الماء مجتمعا و كونه واحدا و كثيرا، و شمولها لكثير من أفراد المقام محل نظر بل منع.

و كيف لا مع انه لا عموم لغوي فيها، بل عمومها انما هو من جهة الحكمة و نحوها، و لا ريب أن حملها على الأفراد المعهودة المتعارفة سيما مع تقدم السؤال عن بعضها يكفي في بيان وجه الحكمة، مع انها هي بنفسها ظاهرة في المياه المجتمعة المتقاربة الأجزاء، ك

قوله (عليه السلام)(1) في خبر إسماعيل بن جابر حين سأله عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: «ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته»

و نحوها من الأخبار(2) الدالة على المساحة، و كذلك مثل

خبر صفوان (3) المتضمن للسؤال عن الحياض التي بين مكة و المدينة حيث سأله: «و كم قدر الماء؟ قال: قلت الى نصف الساق»

الى آخره، مع أن الكر الذي وقع تحديد الماء الذي لا ينفعل به عبارة عن مكيال مخصوص يكال به الطعام.

و أيضا فإن اجتماع الأجزاء يورث قوة على قهر النجاسة لتوزعها على الأجزاء بخلاف ما لم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 12.

ج 1، ص: 162

يكن كذلك، هذا مع انه المتيقن من الأدلة المعلوم قطعا و ما عداه في محل الشك لعدم ظهور الدليل عليه، و التمسك بأصالة الطهارة لا يجدي و كيف يصح ذلك مع ان الشارع قسم الماء إلى شيئين يمتنع خلو الواقع من واحد منهما و هما إما الكر أو دون الكر، فلا يمكن الحكم بكونه فردا من هذه الكلية أو من هذه الكلية إلا بالعلم أو ما يقوم مقامه، و ليس عندنا عموم يقضي بان ما شك في كريته شرعا فهو كر.

لأنا نقول لا يخفى على من لاحظ الأخبار الواردة في الكر أن أكثرها على خلاف تلك الدعوى، و ما اشتمل منها على السؤال عن بعض الأشياء المخصوصة لا ظهور فيه بالتخصيص بوجه من الوجوه، و كثير منها انما هو ابتداء خطاب،

مع انه في مقام ضرب القاعدة و إعطاء القانون مع اشتمالها على لفظ الماء الذي هو حقيقة في الطبيعة أينما وجدت، و ليس عمومه من جهة الحكمة، مع ان أخبار تحديد الكر سيما أخبار المساحة المفهوم منها إرادة الضرب و إرادة التقدير و هو كالصريح في عدم اعتبار هذا الاجتماع، و إلا لم تكن فائدة عظيمة في إناطة الحكم على الضرب و إرجاع الأمر إلى التقدير بالوزن و جعله مقدارا من غير ملاحظة كيفية من الكيفيات، على أن الاقتصار على ما يدعى ظهوره من هذه الأخبار من كون الماء مجتمعا في مثل حوض أو مصنع خلاف الإجماع. و أيضا فالتأمل في أخبار القليل(1) يكاد يحصل القطع منه بعدم شمولها لمثل هذا الفرد، فإن أكثرها متعلق في حكم الإناء و شبهه، و عمدتها في العموم المفهوم و في شموله لمثل المقام محل نظر بل منع، و كيف يسوغ للفقيه أن يدرج هذا الفرد تحت أخبار القليل و لا يدرجه تحت أخبار الكر المبنية على التقدير و الضرب و نحوهما الظاهرة في الشمول لجميع الأفراد، و ان ما ذكر في بعضها من السؤال عن الحياض و نحوها لا دلالة فيه على التخصيص، بل هو ظاهر في كون المقصود معرفة حكم هذا الموضوع و انه مورد لا شرط، و لذلك أجابه الامام (عليه السلام) بما يشمل المسئول عنه و غيره. و أيضا فإن التنجيس لمثل


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 163

هذا الماء من دون قطع بكونه من أفراد القليل و لا ظن اجتهادي يقوم مقام القطع مما لا ينبغي أن يرتكب، و دعوى القطع أو الظن في المقام ممنوعة بل أقصى ما يقال بعد التسليم و التنزيل أن المقام محل شك، و لا ريب أن الأصول و العمومات تقضي بطهارته و عدم نجاسته بشي ء من النجاسات، و عدم إفادة الأصل و العمومات جميع أحكام الكرية التي منها التطهير بمثل هذا الماء من الخبث على نحو التطهر بالكر غير قادح بعد الموافقة في جميع الأحكام إلا هذا، مع ان العمدة من أحكام الكر انما هو عدم تنجيسه بشي ء من ملاقاة النجاسة و هو ثابت بالأصل و العموم. كل ذا مع انك قد عرفت انهم صرحوا بالاتحاد في حق السافل و بعضهم أطلق ذلك كالعلامة في التذكرة و بعضهم قيد ذلك بما إذا كان العالي كثيرا. و على كل حال قلنا انه يلزم الاتحاد في حق العالي إذ لا معنى للتفرقة، و ما يقال ان ذلك ليس مبنيا على الاتحاد و التعدد، بل الحكم فيه مأخوذ من أخبار المادة(1) و أخبار الحمام (2)فيه مع ما عرفت سابقا ان شمول المادة لمثل ذلك محل منع، بل هي ظاهرة في الماء الذي أصله منها مع تجدده منها آنا فآنا، و إطلاق المادة على مادة الحمام مبنى على الاستعارة الظاهرة في الاقتصار على الحمام بل احتمال الاختصاص كاف، على انك قد عرفت احتمال عدم اشتراط الكرية في الحمام فلا إشكال حينئذ في اختصاص الحكم به. و أيضا قد عرفت ان بعضهم هنا أطلق تقوم السافل بالعالي و ان كانت الكرية من المجموع دون العكس، و لو كان البناء على الأخذ من ماء الحمام لكان ينبغي الاقتصار على الكر بل الأكرار، كما يدعون انه الغالب في مادة الحمام. و أيضا على تقدير تسليم ذلك فليس في أخبار الحمام و لا غيرها من أخبار المادة ما يقضي باختصاص التقوم بالسافل نعم هو بالنسبة إليه متحقق. و أما العكس فنقول لا ريب في ظهور أخبار الحمام في عصمة المادة لنفسها لأنها إذا عصمت غيرها فلتعصم نفسها بطريق أولى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 164

و لا تقييد في كونها مستوية السطوح أو مختلفتها، فيثبت المطلوب.

لا يقال إن المادة تصير الماء بحكم الجاري و قد عرفت انه لا يشترط فيه تساوي السطوح، لأنا نقول بعد تسليم شمول ذلك لمادة الجاري لا نسلم جعل كل ما له مادة من الجاري، فإن البئر و العيون مما له مادة و ليس لها حكم الجاري. ثم انك قد عرفت سابقا أن بعضهم لم يشترط كرية المادة في الحمام بل اكتفى بكرية المجموع أخذا من حكمهم بالغديرين، و هو متجه ان لم نقل بعدم اشتراط الكرية مطلقا كما قاله المحقق ثم انه على تقدير كرية مادة الحمام فلا ريب ان ما يكون به الاتصال بالحوض مما يجري من المادة تنقص به المادة عن الكرية و جعله متقوما بما فوقه يثبت الاكتفاء بكرية المجموع و يبطل اشتراط كرية العالي المتقوم به السافل. و الحاصل أخذ هذا الحكم من أخبار المادة و أخبار الحمام مما لا ينبغي ان يرتكبه فقيه لوجوه كثيرة، و ما هو إلا قياس لا نقول به، و ان قلنا بأخذه منه نقول ان الحمام حينئذ مبني على مسألة الوحدة أيضا و انه لا خصوصية له من غير حاجة الى الروايات، لا انه ليس يبنى عليها، و حكم الحمام انما جاء من الأخبار و يلحق به مثل ذلك كما توهمه بعضهم.

فثبت من جميع ما ذكرنا تقوم السافل بالعالي و بالعكس سيما إذا كان السافل أصله من العالي و لم ينقطع منه، فإنه لا ريب في تحقق الوحدة. نعم هناك بعض أفراد هي محل شك إما للعلو الفاحش فيها أو ضعف ما به الاتصال كالثقب الضيق جدا و نحو ذلك، و قد عرفت ان مقتضى الأصول الحكم بجريان كثير من أحكام الكر عليها إلا في مسألة التطهر بها على نحو التطهر بالكثير، على انه يمكن القول به أيضا لأنه ليس لنا ماء لا ينجس بملاقاة المتنجس و مع ذلك لا يطهر المتنجس بالغسل فيه، بل الحكم بطهارته مع وضع المتنجس فيه و تحقق الغسل كاف في الحكم بالتطهير به فتأمل جيدا. و مما يرشد أيضا الى ما اخترنا من التقوي هو انه من المعلوم ان محل الإشكال في مسألة التقوي

ج 1، ص: 165

انما هو في السائل الجاري لا في مثل المستقر، فإنه لو فرضنا ان هناك آنية مستطيلة جدا ثم ملئت ماء فإنه لا كلام في تقوي ما في رأسها بما في قعرها، فنقول حينئذ ان من المستبعد أن مجرد السيلان يغير هذا الحكم و يذهب وحدة الماء، مثلا لو ثقب تلك الآنية من قعرها فأخذ الماء يسيل و وصل الى الأرض مثلا أو لم يصل بمجرد ذلك ذهبت وحدة الماء و خرج عن مصداق

(إذا كان الماء قدر كر)

الى آخره بعد ان كان داخلا، ان ذلك من المستبعد جدا فتأمل.

و فصل الخطاب في المسألة ان الشارع لم يعتبر إلا مقدار الكرية في الماء، و الاتحاد و التعدد فيه انما هو باعتبار أحواله و محاله، نعم من المعلوم عدم إرادة الماء المتفرق في أماكن متعددة من الخبر، ضرورة عدم مصداق حينئذ لمفهومه، أما ما عدا ذلك مما كان الماء فيه متصلا بعضه ببعض بأي طريق كان الاتصال فهو داخل في الخبر المزبور. و كأن منشأ الوهم هو تقدير شي ء في الخبر على وجه يكون عنوانا في الحكم، و الفرض خلوه عنه، بل المراد منه ان العنوان صدق كونه كرا على أي حال كان.

و كيف كان فإذا تنجس المحقون الكر بالتغير إما لجميعه أو لبعضه مع عدم كون الباقي كرا مع تساوي سطوحه فيطهر بما ذكرنا من تطهر القليل النجس من إلقاء كر عليه فان تغير الكر الملقى كله أو بعضه بحيث ينجس به فكر آخر حتى يزول التغيير فان لم يتغير الكر الملقى لم يحتج إلى إلقاء كر آخر بل يكفي الأول إذا موج فأذهب التغيير، و مثله ما لو بقي من الماء المتنجس بالتغير مقدار كر فإنه لا يحتاج في تطهيره إلى إلقاء كر من خارج بل يكفي الباقي مع زوال التغيير، لأنه حينئذ يكون معه ماء واحد، فيتوجه الاستدلال حينئذ بالملازمة السابقة أو بغيرها مما سمعته سابقا و الكلام المتقدم هناك في اشتراط الامتزاج و إلقاء الكر و مسألة الدفعة و غير ذلك من المباحث قد تتأنى هنا كلها أو بعضها فلا حاجة الى الإعادة. و التطهر بالجاري و ماء المطر على نحو ما تقدم و لا يطهر بزوال التغيير من قبل نفسه و لا بتصفيق الرياح و لا بوقوع أجسام

ج 1، ص: 166

طاهرة فيه تزيل التغيير عنه فضلا عن الأجسام الساترة للتغيير أو المشكوك فيها انها من الساترة أو المزيلة. كل ذلك إذا لم يبق منه مقدار الكر و إلا فقد عرفت انه إذا بقي منه هذا المقدار ثم أزيل التغيير بأحد الأسباب المتقدمة طهر بمجرد زوال التغيير ان اكتفينا بمجرد الاتصال و إلا فبعد الامتزاج، و مثله لو بقي مقدار الكر ثم قوي بماء قليل حتى زال التغيير. و كذلك لو أزيل التغيير بأحد الأسباب المتقدمة ثم القي عليه كر من خارج.

و الحاصل انه لا يشترط زوال التغيير بما يطهر به من الماء كما صرح به بعضهم من غير نقل خلاف فيه، و قول المصنف و غيره حتى يزول التغيير لا دلالة فيه على ذلك، بل المقصود منه أنه ان كان زوال التغيير بإلقاء الكثير فليلق حتى يزول التغيير.

و لعل الاكتفاء بما ذكرنا لعموم مطهرية الماء مع عدم ظهور اشتراط ذلك من أحد، مضافا الى نصهم على عدم حصول الطهارة بزوال التغيير من قبل نفسه و نحوه من دون ملاقاة الكر، و لم يشر أحد منهم الى اشتراط ذلك. هذا مع ما عرفت من انه مع الاتحاد بالكر تتوجه الملازمة المتقدمة سابقا، و لا ينافي ذلك ما تقدم منا سابقا من ان عمومات مطهرية الماء مجملة بالنسبة إلى كيفية التطهر، لكون المقام بالنسبة الى هذا الشرط ليس محل شك، بل قد يدعى الإجماع على حصول الطهارة بإلقاء الكر دفعة مع الامتزاج و ان زال التغيير بغير الماء المطهر فتأمل. و كيف كان فلم ينقل عن أحد الخلاف في عدم الطهارة فيما ذكره المصنف إلا عن يحيى بن سعيد في الجامع و عن العلامة في نهاية الأحكام أنه تردد في حصول الطهارة بزوال التغيير من قبل نفسه خاصة، و في المنتهى نقل الخلاف فيه عن الشافعي و أحمد و لم ينسبه لأحد من أصحابنا، نعم قال بعضهم أنه لازم لكل من قال بطهارة القليل بإتمامه كرا. و فيه نظر إذ قد يكون مأخذ تلك المسألة الرواية السابقة التي ادعي إجماع المؤالف و المخالف عليها و هي

قوله (صلى الله عليه و آله) (متى بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا)

و عدم شمولها لمثل المقام ظاهر، إذ أقصى ما تفيده ان بلوغ الكرية رافع و دافع لكن ذلك لا ينافي القول بأنه إذا تنجس الكر بنجاسة

ج 1، ص: 167

المعتبرة شرعا لا يطهر إلا بإلقاء كر. و قد يكون المأخذ الإجماع المدعى في ذلك المقام و هو معلوم الانتفاء هنا. و الحاصل لا تلازم بين المسألتين، و من هنا ذهب بعض القائلين بحصول الطهارة بالإتمام الى عدمها في المقام كما صرح به ابن إدريس و صريح المنقول عن المهذب مع قرب ما بين المسألتين فيه، و لعل الباعث للقول بالتلازم اشتراك بعض الأدلة، و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت، و إلا لجاء ذلك في كثير من المسائل.

و على كل حال فعمدة أدلة المشهور الاستصحاب، نعم قد يذكر غيره معه في كلام بعضهم على جهة التأييد أو الإلزام، كالقول ان النجاسة ثبتت بوارد فلا تزول إلا بوارد بخلاف نجاسة الخمر فإنها ثبتت بغير وارد فتطهر بغير وارد. كما ان عمدة ما يستدل للمخالف هو ظهور ان علة النجاسة التغير فمتى انتفت انتفى معلولها معها، و ربما أيد بشمول ما دل على طهارة غير المتغير له. و ربما نوقش في دليل المشهور بعدم حجية الاستصحاب، و لا يخفى فسادها كما بين في محله، نعم قد يناقش بان ما دل على النجاسة بالتغيير هو مما علق الحكم فيه على الوصف الظاهر في نفي الحكم من غير الموصوف فلا يجري الاستصحاب. و قد يجاب بأنه ليس منه بل قد اشتمل بعضها على الشرط ك

قوله عليه السلام (كلما غلب)(1)

و

قوله عليه السلام (ان تغير)(2)

و نحوهما، و هو متحقق الصدق و ان زال التغيير، بل يكفي في المطلوب عدم تحقق صدق العدم فلا يكون هناك معارض للاستصحاب المؤيد بالمفهوم من التعليل بالمادة في طهارة البئر بالنزح حتى زال التغيير و غير ذلك. سلمنا و لكنه يدل على نفي الحكم عن فاقد الوصف لا عمن تلبس به ثم زال عنه، و لا ينافي ذلك كونه مشعرا بالعلية لأنه لم يعلم كونه علة ما دام موصوفا أو هو علة في الابتداء و الاستدامة و هو محل الاستصحاب. و منه يعلم الكلام في مفهوم العلة المصرح به، اللهم إلا أن يفرق بينهما. نعم لو دخل بعد سلب الوصف تحت موضوع


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 168

آخر كما لو زال السوم عن الغنم، ثم دخلت تحت المعلوفة، فحينئذ يعارض الاستصحاب ما دل على حكم المعلوفة، و أما في مثل ما نحن فيه فلا معارض للاستصحاب لظهور أدلة غير المتغير في الذي لم تلحقه صفة التغيير فتأمل جيدا. و لا ينافيه أيضا كون المشتق حقيقة في الحال لو سلمنا ان بعض الأدلة منه، لأنا لم نتمسك بصدق اسم المتغير عليه، بل نقطع بعدم الصدق مع القول ببقاء الحكم للاستصحاب، و انتفاء الحكم من حيث عدم صدق المشتق لا ينافي إثباته من حيثية أخرى كالاستصحاب و نحوه إذ لا معارضة بينهما. و كل ذلك محل للنظر و التأمل فالمسألة لا تخلو من إشكال ان لم يتمسك بإطلاق بعض الأدلة، لكنه لا محيص عن فتوى المشهور و بها يقوى الاستصحاب على معارضة غيره، خصوصا بعد ما سمعت من الإطلاق المزبور المؤيد بالمفهوم المذكور، و بعد عدم وجود لفظ المتغير عنوانا للحكم كي يتوهم منه

دوران الحكم عليه وجودا و عدما، مضافا الى ما سمعت على تقديره و الله العالم. و على كل حال فمما تقدم تعرف ما في دليل الخصم و ما في تأييده أيضا، فإنه معارض بإطلاق ما دل على الاجتناب مع التغيير، على انها ظاهرة في الذي لم يتغير أصلا لا في ما تغير ثم زال تغييره فتأمل.

[في بيان مقدار الكر وزنا]

و مقدار ما يسعه الكر في ذلك الوقت. أو أن المراد بالكر ذلك و ان لم يسعه المكيال المعروف وضعا شرعيا أو مجازا ألف و مائتا رطل إجماعا منقولا بل محصلا و سنة بالعراقي و هو على المشهور مائة و ثلاثون درهما ثلثا المدني للخبر عن الرضا (عليه السلام)(1) كما أرسله في الذكري، و لعله خبر إبراهيم بن محمد الهمداني عن أبي الحسن (عليه السلام) فما في التحرير في زكاة الغلات أنه مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع غفلة، و مثله ما عن المنتهى، مع انه فيه في المقام مائة و ثلاثون درهما كما في زكاة الفطرة في التحرير أيضا على الأظهر و هو المشهور و الأقوى،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الفطرة- حديث 1.

ج 1، ص: 169

لكون المرسل ابن أبي عمير و مشايخه من أهل العراق، مع قوله فيها عن بعض أصحابنا، و ظاهر الإضافة كونه من أهل العراق. و عرف السائل في الكلام مع الحكيم العالم بعرف المخاطب مقدم على عرف المتكلم و البلد، على أنه لم يعرف كونه (عليه السلام) قال ذلك و هو في المدينة، قيل و لذلك اعتبر العراقي في الصاع. و ربما يظهر من

رواية الكلبي النسابة(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان الرطل في كلامه العراقي فإنه قال فيها: «قلت: و كم يسع الشن ماء؟ فقال: ما بين الأربعين إلى الثمانين الى ما فوق ذلك، فقلت: بأي الأرطال؟ فقال: أرطال مكيال العراق»

فإنه أطلق الرطل و أراد به العراقي قبل ان يسأله السائل، و لو لم يسأله لاعتمد على ذلك الإطلاق. و ربما يؤيده أيضا ما قيل ان الكر في الأصل كان مكيال أهل العراق، و انهم قد روى بالكر من جهة أن مخاطبهم كان من أهل العراق، و موافقته ل

صحيحة محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «و الكر ستمائة رطل»

لعدم القائل بمضمونها فتحمل على الأرطال المكية لان الرطلين العراقيين رطل مكي، على أن محمد بن مسلم طائفي كما قيل و هي من قرى مكة، مع انه قد روى هذه الرواية أيضا

ابن أبي عمير قال روي عن عبد الله بن المغيرة يرفعه الى أبي عبد الله (عليه السلام)(3)«ان الكر ستمائة رطل»

، مع أنه راوي الرواية الأولى.

و ربما أيد مع ذلك أيضا بأصالة البراءة و ب

قوله (عليه السلام) : «كل ماء


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
3- 3 روى في الوسائل- في الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث «كل ماء طاهر إلا ما علمت انه قذر» و حديث 5- «الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر» و في الباب- 4- حديث 2- «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر» و في المستدرك- في الباب- 29- من أبواب النجاسات حديث 4- «كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

ج 1، ص: 170

طاهر حتى تعلم أنه قذر»

و باستصحاب الطهارة، و بالاحتياط، و بموافقته للصحيحة(1) المتضمنة لتقدير المساحة بالأشبار الثلاثة و بقرب القلتين الوارد في بعض الأخبار(2)تقدير الكر بها، و مثله

قوله (عليه السلام)(3): «نحو حبي هذا»

و

«أكثر من راوية»(4)

و بان الأقل متيقن و الزائد مشكوك فيه فيجب نفيه بالأصل، و بان شرط الانفعال القلة و لم تعلم فلا يحصل الانفعال.

و في الأول ان أصالة البراءة كما تكون عن وجوب اجتنابه و حرمة شربه تكون أيضا عن وجوب استعماله و وجوب إزالة النجاسة عن البدن و الثوب به في بعض المقامات، اللهم إلا أن يقال إن النجاسة و ان كانت حكما وضعيا إلا ان مرجعها الى التكليف فيتمسك في نفيها بأصالة البراءة، بخلاف الطهارة فإنها من قبيل كون الأشياء على الإباحة و النجاسة من قبيل الحرمة فيها، فيقال حينئذ الأصل البراءة عن النجاسة فتجب الطهارة به لعدم القول بالفصل، و ليس إثباتا للتكليف بالأصل فليتأمل جيدا.

و في الثاني و الثالث بل و الأول أيضا أنه ان كان المراد منها الحكم بالطهارة و عدم انفعاله بالنجاسة و ان لم يحكم بالكرية منها، فقيل فيه أن المعلوم المقطوع به من الأدلة ان حكم التنجيس و التطهير دائر مدار الكرية وجودا و عدما، فلا معنى للحكم بطهارة هذا المقدار من الماء و عدم قابليته للنجاسة إلا بالتغير مع عدم الحكم عليه بالكرية، إذ لا معنى لثبوت لوازم وجود الشي ء بدون وجود الملزوم، قلت قد ظهر لك سابقا ان لا مانع من جريان الأصول على مقتضاها و ان لم تثبت الكرية، لكن الكلام في أنها هل تقتضي جميع أحكام الكرية أو لا؟ و قد قدمنا أنها تقتضي أكثر أحكامها و إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 7 و في الباب- 10- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.

ج 1، ص: 171

فقد يكون المتجه العمل بالأصلين كما في التطهير بمثل ذلك من الخبث على نحو التطهير بمعلوم الكرية فإن الظاهر حينئذ عدم نجاسة الماء و عدم طهارة الثوب فتأمل. و إن كان المراد منها الحكم بالكرية ففيه أنه لا يثبت بمثلها، لأنه إن كان له وضع شرعي، فيرجع حينئذ إلى معنى اللفظ و هو لا يثبت بنحو ذلك، و ان كان المراد به ذلك المكيال المعروف و أن ما يسعه من الماء تجري عليه الأحكام كما يظهر من قولهم (عليهم السلام) في الروايات (قدر) فكذلك لا يمكن إثبات مقدار ما يسعه بمثل هذه الأشياء، إذ لا معنى للقول بأن الأصل البراءة أو كل ماء طاهر أو كان طاهرا، فيكون الكر انما يسع هذا المقدار.

و احتمال القول بأن الأصل عدم سعة الأزيد معارض بأصالة عدم امتلائه بذلك، و من هنا يظهر أنه لا معنى للقول بأنه موضوع يكتفى في إثباته بالظن. و احتمال القول بان المراد بالكر هو ما لا يقبل النجاسة و نحوها من الأحكام، و مثل هذه يثبت بمثل هذه الأصول و ليس هو من الموضوع بل هي أحكام صرفة، في غاية الضعف لمنافاته لظاهر الأخبار ك

قوله (عليه السلام): «قدر كر و الكر ألف و مائتا رطل»

و نحو ذلك. نعم قد يقتضي الاستصحاب و نحوه بعد معرفة مقدار الكر منه في نفسه في الماء الذي لا يعرف أنه كر أو لا و قد وقعت فيه نجاسة لتحقق مقدار الكرية فيه، مع أن الذي يظهر من بعضهم عدمه أيضا، و كأنه لأن الظاهر من الأدلة أخذ الكرية شرطا في عدم التنجيس و هو لا يثبت باستصحاب الطهارة و نحوها. لكن قد عرفت سابقا أن احتمال الكرية كاف في بقاء استصحاب طهارته فلا حاجة للحكم بها، و لعله المراد من قولهم ان الاستصحاب لا يثبت الموضوع، و إلا فلا ريب في إثبات استصحاب الموضوع.

و في الرابع ان الاحتياط معارض بمثله حيث يكون موجودا غيره.

و في الخامس ان المدني أقرب لرواية أبي بصير(1) الذي عمل بها المشهور و هو الثلاثة و نصف.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 172

و أما القول بأن الأقل متيقن و الزائد مشكوك فيه فيجب نفيه بالأصل، ففيه ان غاية ما يمكن توجيهه ان الأقل متيقن اعتباره و اشتراطه في عدم الانفعال و الأصل إما عدم اشتراط الزائد أو براءة الذمة. و فيه أن الاشتراط انما وقع بقوله عليه السلام: (قدر كر) و لم نعلم ما كان مقدار الكر، فأي معنى لأصالة عدم اشتراط الزائد، و أما أصل البراءة فلا وجه له إلا ما ذكرناه سابقا، و فيه ما عرفت.

و أما قوله ان شرط الانفعال القلة، ففيه أنه قد يقال ان الأمر بالعكس فان مقتضى قوله (عليه السلام): (إذا كان الماء) الى آخره اشتراط عدم الانفعال بالكر، و هو غير معلوم، فيبقى ما دل على نجاسة الدم و ما يلاقيه على عمومه أو إطلاقه، قصارى ما هناك خروج الكر و هو غير معلوم. فالعمدة في المقام هو ما قدمناه أولا بضميمة الشهرة، و لعلها تكون جابرة لدلالة المرسلة ان قلنا انها تجبر الدلالة، لكن جبرها للدلالة بحيث تكون معينة لأحد معنيي المشترك أو صرف الحقيقة و نحو ذلك محل تأمل، إذ عليه يلزم عدها من المخصصات و المقيدات و نحو ذلك، و لعل التفصيل بأنها حيث تعارض ظاهر دليل كعموم و إطلاق و حقيقة و نحو ذلك لا تثمر بخلاف ما لم تعارض كتعيين أحد معنيي المشترك كما في المقام لا يخلو من قوة. و مما ذكرنا يستفاد ما يصلح مؤيدا للقول بالمدني كما هو المنقول عن المرتضى و غيره فلا حاجة الى ذكره.

أو ما كان كل واحد من طوله و عمقه و عرضه ثلاثة أشبار و نصفا اي ما بلغ تكسيره الى اثنين و أربعين شبرا و سبعة أثمان شبر حاصلة من ضرب ثلاثة الطول مع النصف في مثلها من العرض تبلغ اثنى عشر و ربعا، و تضرب في مساحة العمق تبلغ المقدار المذكور، لان الكسر متى ضرب في غيره أخذ مقداره، فالنصف مثلا يأخذ من الصحيح نصفه و من نصفه ربعه. و قيل ما بلغ تكسيره إلى سبعة و عشرين شبرا بحذف النصف. و قيل ما بلغ تكسيره الى مائة شبر، و هو المنقول عن ابن الجنيد. و ربما ظهر من صاحب المدارك، كما هو المنقول عن المصنف انه ما بلغ إلى ستة و ثلاثين شبرا.

ج 1، ص: 173

و عن قطب الدين الراوندي انه ما بلغ أبعاده إلى عشرة و نصف و لم يعتبر التكسير.

و عن ابن طاوس العمل بكل ما روي.

و (الأول) هو المشهور و الأقوى للإجماع المنقول كما عن الغنية، و ل

رواية أبي بصير(1) قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال:

إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء»

و

خبر الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2)قال:

«إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شي ء قلت و كم الكر؟ قال ثلاثة أشبار و نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها»

و رواه كشف اللثام عن الاستبصار بذكر الأبعاد الثلاثة(3) و نوقش في الأولى بالضعف في السند و الدلالة، أما السند فلاشتماله على احمد بن محمد بن يحيى، و هو مجهول، و عثمان بن عيسى، و هو واقفي، و أبي بصير و هو مشترك بين الثقة و الضعيف. و أما في الدلالة فلعدم اشتماله على الأبعاد الثلاثة و ان كان في تعين المتروك فيها حينئذ وجهان، فعن الروض انه العمق، و عن آخر خلافه لاستبعاد الانقطاع (في عمقه)، بل هو إما حال من مثله أو نعت لثلاثة. و فيه أما أولا فلانجبار سندها بالشهرة و الإجماع المنقول، و أما ثانيا فلان الموجود في الكافي انما هو احمد بن محمد، و الظاهر انه ابن عيسى، خصوصا مع رواية محمد بن يحيى العطار عنه، و روايته عن عثمان بن عيسى. نعم نقل عن التهذيب انه اثبت يحيى، و الظاهر انه من قلم الناسخ أو انه تصحيف عيسى. و يؤيده أن العلامة و غيره لم يطعنوا في الرواية إلا بعثمان بن عيسى و بعضهم بابي بصير أيضا. و أما عثمان بن عيسى فعن الشيخ في العدة انه نقل


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
3- 3 لكن الأبعاد الثلاثة غير موجودة في النسخة المخطوطة بيد والد الشيخ محمد بن المشهدي صاحب المزار المصححة على نسخة الشيخ.

ج 1، ص: 174

الإجماع على العمل بروايته، و عن الكشي ذكر بعضهم انه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و أيضا نقل انه تاب و رجع من الوقف، على أن الظاهر انه ثقة مع وقفه فيكون الخبر موثقا و هو حجة كما تبين في الأصول. و أما أبو بصير فالظاهر انه ليث المرادي بقرينة رواية ابن مسكان عنه، فان الظاهر ان المراد منه عبد الله و هو يروي عن ليث، مضافا الى ان عبد الله من أصحاب الإجماع فلا يلتفت الى ما بعده على وجه بعد تنقيح حال عثمان، و لعله لمعلومية حال أبي بصير عند العلامة لم يطعن في سند الرواية في المنتهى إلا بعثمان بن عيسى، على انه ذكر الأستاد الأكبر في حاشيته على المدارك ان أبا بصير مشترك بين ثلاثة كلهم ثقات. و على كل حال فلا ينبغي الطعن في سند الرواية. و أما ما في الدلالة فقد يدفع مضافا الى الانجبار بالشهرة و غيرها، إما بدعوى ان هذا متعارف في ذكر الأبعاد الثلاثة بذكر البعض و قياس الباقي عليه، أو يقال ان قوله (عليه السلام) (في مثله) بيان للعرض و الطول و يكون قوله ثلاثة بيانا للعمق، و يشهد له ما عثرت عليه في نسخة مقروة على المجلسي الكبير مصححة «في ثلاثة أشبار و نصف في عمقه» و احتمل البهائي اشتمالها على الأبعاد الثلاثة بجعل الضمير (في عمقه) الى المقدار في الأرض أي في عمق ذلك المقدار في الأرض، و هو بعيد. هذا و لكن قال المولى الأكبر في حاشية المدارك: في دلالتها على المشهور نظر من حيث عدم اشتمالها على الأبعاد الثلاثة و ليس هو من قبيل قولهم ثلاثة في ثلاثة لشيوع الإطلاق و إرادة الضرب في الأبعاد الثلاثة، لوجود الفارق و هو عدم ذكر شي ء من الأبعاد بالخصوص في المثال بخلاف الرواية حيث صرح ببعد العمق، فيكون البعد الآخر هو القطر، و يكون ظاهرا في الدوري، و يؤيده ان الكر مكيال للعراق و المعهود منه الدوري، و كذا رواية ابن حي الواردة في الركي إذ لا قائل بتفاوت الكرية، فيكون الحاصل منهما كون الكر ثلاثة و ثلاثين شبرا و نصفا و ثمنا و نصف ثمن، و لا قائل به بخصوصه مع أن الشيخ حمل رواية ابن حي على التقية، فيترجح حمل هذه الرواية أيضا

ج 1، ص: 175

على التقية، فتبقى رواية إسماعيل بن جابر سالمة عن المعارض» انتهى، و قد سبقه الى احتمال ذلك في الخبر المجلسي (رحمه الله) معترفا بخروجه حينئذ عن سائر المذاهب. لانه يبلغ ثلاثة و ثلاثين شبرا و خمسة أثمان شبر و نصف ثمن شبر. و فيه- بعد منع حصر الشائع فيما ذكر، و ابتنائه على ان المحذوف غير العمق- انه مبني على ما لا يعرفه إلا الخواص من علماء الهيئة، من ضرب نصف القطر و هو واحد و ثلاثة أرباع في نصف الدائرة و هو خمسة و ربع.

لان القطر ثلث الدائرة فيكون مجموع الدائرة عشرة و نصف، إذ المفروض أن القطر ثلاثة و نصف، ثم يضرب الحاصل من ذلك في ثلاثة و نصف العمق، فيبلغ حينئذ ما ذكره تقريبا لا تحقيقا، إذ التحقيق انها تبلغ اثنين و ثلاثين و ثمنا و ربع ثمن. و تنزيل الروايات على مثل ذلك مما تمجه الأفهام المستقيمة، و كيف يخاطب بذلك الحكيم من هو معلوم انه عن هذه المطالب بمعزل على أنه آت في رواية إسماعيل بن جابر، و دعوى ان ذلك متعارف في الأبعاد الثلاثة كما ادعاه مسلم في غير المعلوم منه الدوري، و أما فيه فيرجع تقديره الى القطر، و الفرض أن الكر معلوم منه الدوري كما ذكر فتأمل. و أما ما ذكره من حمل الشيخ رواية الحسن على التقية فهو ليس لما ذكره، بل لمخالفة حكم البئر لحكم الغدير، مع أنه اشترط الكرية فيها فمن هذه الجهة حملها على التقية كما فهم منه في الوسائل. و كيف كان فالذي يقتضيه النظر العمل برواية أبي بصير لانجبارها بالشهرة و الإجماع. و خبر الحسن بن صالح، لا سيما على ما تقدم نقله عن الاستبصار، و لعله ترك الطول فيها على ما في الكافي و عن التهذيب للعلم به حينئذ من ذكر العرض لانه إما أن يكون مساويا لها أو أزيد، و الزيادة منتفية عنه بالإجماع لعدم الاعتداد بالمخالف. و ربما يؤيده أيضا ما نقل

عن المقنع(1) انه قال: «روي ان الكر ذراعان و شبر في ذراعين و شبر»

فإنه يمكن أن يراد بالذراع هنا عظم الذراع و هو يزيد عن الشبر يسيرا فيكون في عشرة و نصف.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 176

و مستند (الثاني)

خبر إسماعيل بن جابر(1) قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: كر، فقلت: و ما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار»

و

عن المجالس(2) أنه قال: «روي الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا»

و ربما أيد بالاحتياط، و أصالة الطهارة، و القرب الى نحو حبي هذا، و قلتين، و أكثر من رواية، و لما اخترناه من الوزن. و قد عرفت سابقا أن الاحتياط معارض بمثله و ان الأصول لا تجري على الأظهر، فالعمدة من الدليل انما هو ما تقدم من الأخبار، و قد وصفت الرواية الأولى بالصحة في جملة من المصنفات، بل عن البهائي إنها توصف بالصحة من زمن العلامة إلى زماننا هذا. و ربما نوقش فيها بان هذه الرواية و ان رواها الشيخ عن عبد الله بن سنان، لكنه رواها أيضا عن ابن سنان إلا أنه في المقام الظاهر أنه محمد لروايته هذه الرواية أيضا عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر، و من المستبعد كونهما معا رويا هذه الرواية، مع أنه نقل عن الشيخ حسن في المنتقى أن الذي تقتضيه مراعاة الطبقات انما هو محمد، لانه هو و البرقي في طبقة واحدة، و أيضا هو الذي تناسب روايته عن الصادق عليه السلام بواسطة بخلاف عبد الله فإنه من أصحابه، مع ان الموجود في الكافي انما هو ابن سنان من غير تعيين، على ان رواية البرقي عن عبد الله من غير واسطة مستبعدة لكونه من أصحاب الرضا عليه السلام و عبد الله من أصحاب الصادق عليه السلام. و عن البهائي إنكار ذلك كله «و أنه لا استبعاد في شي ء مما ذكر، فإن البرقي و ان لم يدرك الصادق عليه السلام لكنه أدرك أصحاب الصادق عليه السلام كما يقضي به كثير من الأخبار، لروايته عن داود بن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 177

أبي يزيد(1) قتل الأسد في الحرم، و عن ثعلبة بن ميمون (2) حديث الاستمناء باليد، و عن زرعة(3)حديث صلاة الأسير. و أيضا فالشيخ عد البرقي من أصحاب الكاظم (عليه السلام). و أما الواسطة بينه و بين الصادق (عليه السلام) فإنه قد

وجد في الروايات كتوسط عمر بن يزيد(4) في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب و توسط حفص الأعور(5)في تكبيرات الافتتاح، و قد يتوسط شخص بعينه بين كل من محمد و عبد الله و بين الصادق عليه السلام كاسحاق بن عمار(6) فإنه متوسط بين محمد و بينه عليه السلام في سجدة الشكر، و هو بعينه أيضا متوسط(7) بين عبد الله و بينه (عليه السلام) في طواف الوداع، و لعل روايتنا في المقام من ذلك» انتهى لكن الإنصاف أنه محمد و كأن البهائي لم يعثر في شي ء من الروايات على رواية البرقي عن عبد الله و لذلك لم يذكره مع أنه العمدة في المقام، و من المستبعد أنه شافهه و لم ينقل عنه إلا هذه الرواية. و قد صرح الأستاد في حاشية المدارك بأن الظاهر انه محمد لكنه ذكر أنه حقق في الرجال أنه ثقة. و لعله لحسن ظنه (رحمه الله) عول على ما نقل عن المفيد (رحمه الله) في إرشاده انه من خاصة الكاظم (عليه السلام) و ثقاته و أهل الورع و العلم و الفقه من شيعته و ممن روى النص على الرضا (عليه السلام) و للبحث فيه مقام آخر. و كيف كان فلا شهرة تجبر الرواية و لا ما أرسله في المجالس، على ان التعارض بينها و بين رواية المشهور بناء على اعتبار


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب كفارات الصيد من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح البهائم- حديث 3 من كتاب الحدود.
3- 3 و هو حديث سماعة المروي في الوسائل في الباب- 5- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة- حديث 2 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب صلاة الجمعة و آدابها- حديث 3 من كتاب الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تكبيرة الإحرام- حديث 1 من كتاب الصلاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب سجدتي الشكر- حديث 4 من كتاب الصلاة.
7- 7 التهذيب- باب زيارة البيت من كتاب الحج.

ج 1، ص: 178

مفهوم العدد تعارض الإطلاق و التقييد. و لعلك في التأمل فيما ذكرنا من الوزن تستفيد رجحان المشهور زيادة على ذلك فتأمل.

و أما (الثالث) و هو مذهب ابن الجنيد فلم نقف له على مأخذ، و ما أبعد ما ذهب اليه هنا و ما ذهب إليه في الوزن من أنه ألف و مائتا رطل، و ما ذهب إليه أيضا من القلتين و يضعفه غاية الضعف إعراض الأصحاب عنه.

و مستند (الرابع)

صحيحة إسماعيل بن جابر(1) قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال: ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته»

و في المدارك أنها أصح رواية وقف عليها، و يبلغ تكسيره حينئذ إلى ستة و ثلاثين شبرا، لأن المراد بالذراع القدمان كما يظهر من أخبار المواقيت (2)و القدم شبر، و هو مبني على أن المراد بالسعة كل من جهتي الطول و العرض، فيكون كل منهما ذراع و شبر فتضرب الثلاثة في الثلاثة تبلغ تسعة فتضرب في أربعة العمق فتبلغ المقدار المذكور. و فيه أن هذه الرواية قد أعرض عنها الأصحاب، قال في المنتهى بعد ذكر هذه الصحيحة:

«و تأولها الشيخ على احتمال بلوغ الأرطال. و هو حسن لانه لم يعتبر أحد من أصحابنا هذا المقدار» انتهى و هو كذلك و يؤيد حمل الشيخ على ذلك ما نقل عن محمد أمين أنه قد اعتبرنا الكر وزنا و مساحة في المدينة المنورة فوجدنا رواية ألف و مائتا رطل مع الحمل على العراقي قريبة غاية القرب من هذه الصحيحة» انتهى و ينقدح من ذلك إشكال من نسبة الوزن و المساحة بناء على المشهور يأتي التعرض له ان شاء الله تعالى. و يحتمل في الرواية ان يراد بالسعة مجموع الطول و العرض فتكون لا قائل بها. و مثله أيضا إن قرئ و شبر بالرفع أي ذراعان عمقه في ذراع طوله و شبر سعته.

و يحتمل حملها على ان المراد بالسعة إنما هو العرض و يكون الطول محذوفا فيحصل من ضرب العرض في العمق اثنى


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 1، ص: 179

عشر و قد يزاد القدم شيئا يسيرا على الشبر مقدار ربع و مقدار الطول ثلاثة و نصف لان الغالب زيادة الطول على العرض، و لما دل على انه ثلاثة و نصف، فيوافق حينئذ مذهب المشهور. و ربما احتمل تنزيلها على ما يوافق الثلاثة بالتقرير المتقدم سابقا في رواية أبي بصير من حمل قوله ذراع و شبر سعته على تقدير القطر لكون الكر مدورا لا يعرف عرضه من طوله، فإذا أردنا معرفة ذلك ضربنا نصف القطر و هو شبر و نصف في نصف الدائرة و هو أربعة و نصف لكون القطر ثلثها كما هو مقرر في محله يحصل منه ستة و ثلاثة أرباع، فتضرب في أربعة العمق، فيحصل سبعة و عشرون. و أنت خبير ببعد مثل ذلك في الأخبار لتوقفه على المهارة في فنه المعلوم خلو مثل إسماعيل بن جابر عنه، و إلا لذكر في ترجمته. و الأولى حملها على ما تقدم أو طرحها.

و مستند (الخامس) اي مذهب الراوندي دليل المشهور من رواية أبي بصير و نحوها إلا أنه فهم منها ان (في) ليست للضرب بل بمعنى مع، فتبلغ عشرة و نصفا، و هو قد يكون كالمشهور كما إذا كان كل من أبعاده الثلاثة ثلاثة و نصفا و قد يقرب منه كما لو فرض طوله ثلاثة أشبار و عرضه ثلاثة و عمقه أربعة و نصف فان مساحته حينئذ أربعون شبرا و نصف، و قد يكون بعيدا عنه جدا كما لو فرض طوله ستة و عرضه أربعة و عمقه نصف شبر فان مساحته اثنى عشر شبرا، و أبعد منه ما لو فرض طوله تسعة أشبار و عرضه شبر واحد و عمقه نصف شبر. فعلى كلامه يكون مثل ذلك كرا و تبلغ مساحته على تقدير الضرب أربعة أشبار و نصف، و لمكان هذا الاختلاف بينه و بين المشهور يحتمل تنزيل كلامه على ما بلغ عشرة و نصفا مع تساوي الأبعاد الثلاثة في المقدار و هو عين مذهب المشهور، و ان أبيت فهو فاسد لظهور الأخبار في إرادة الضرب، بل الإجماع المركب على أنه يلزمه عليه اختلاف مقدار الكر، فتارة ما يملأ قربة أو جرة و أخرى ما يملأ حبا و رواية و أكثر، و هو من المستبعد جدا.

و مستند (السادس) و هو العمل بكل ما روي لاختلاف الأخبار قيل و مرجعه

ج 1، ص: 180

الى مختار القميين، و حمل الزائد على الندب. و قد يقال أن الكر عنده اسم لما بلغ سبعة و عشرين إلى الستة و ثلاثين و منها إلى رواية المشهور، و متى ما حصل نقصان في الأربعين مثلا رجع الى الفرد الآخر فيكون عنده أكرار لا كر واحد حتى يحمل الزائد.

على الندب أخذا بظاهر ما دل على أن الكر سبعة و عشرين و ستة و ثلاثين و ثلاثة و أربعين، فيكون الكر عبارة عن الثلاثة، و مثله يجري في السابق أي كلام الراوندي، إلا أنه من قبيل المشترك المعنوي و ما نحن فيه من قبيل المشترك اللفظي بين الثلاثة، و إن كان بالنسبة إلى أفرادها بحسب الزيادة و النقصان أيضا مشترك معنوي. و كيف كان ففساده لا يحتاج الى بيان لظهور اتحاد معنى الكر، و أي فائدة في بيان الفرد العالي مع حصوله بالفرد الأدنى، سيما في بيان المقدار الذي تدور الطهارة و النجاسة على وجوده و عدمه، مع انه ان أراد ان هذه المعاني وضع لها شرعا ففيه مع أن أصالة عدم التعدد تقضي بعدمه أن الكر ليس له في الشرع بحسب الظاهر حقيقة شرعية، و لذا ما ذكر يوما في لسان المتشرعة ان الكر لغة كذا و شرعا كذا، مع أن طريقتنا لضبط الحقيقة الشرعية إنما هو المتشرعية، و إن أراد لغة فهو معلوم العدم و إن أراد المجاز فهو مع بعده بل منعه لا يتصور فيه هذا الابتداء و الانتهاء.

و أما على الوجه الأول من إرادة الندب ففيه- مع بعد استفادة الندب من مثلها مما ذكر في بيان التقدير، بل امتناعه إذ لا إشعار فيها باستحباب ذلك للمستعمل و لا يتصور غيره- انه ليس عملا بكل ما روي بل هو إخراج لها عن ظاهرها، هذا مع انه يمكن ادعاء الإجماع على خلافه، و هذا القول كاحتمال حمل الأخبار على الكر الترتيبي فأقصاه مثلا تقدير المشهور ثم من بعده الصحيحة المذكورة ثم من بعده كر القميين بمعنى أنه مع وجود الفرد العالي لا يجوز استعمال الأدنى منه و هكذا، لاستلزامه إما المنع من استعمال الأدنى مع كونه كرا أو انه ليس كرا و بعد انعدام الأعلى يكون كرا. و احتمال إرادة الترتيب بالمعنى الذي ذكرنا في كلام ابن طاوس قد عرفت ما فيه. و مثلهما احتمال القول ان هذا

ج 1، ص: 181

تسامح في تقدير الكر، إذ كيف يعقل التسامح مع هذا التفاوت.

نعم هنا (بحث آخر) و هو ان التحديد بالأشبار أو الوزن على المشهور و غيره هل هو على التحقيق أو التقريب فمتى نقص منه قليل لا يقدح في كونه كرا؟ الظاهر الأول لتعليق الحكم فيه على هذا المقدار فلا تسامح فيه. و دعوى احتمال الصدق مع النقصان يدفعه انه من المسامحات العرفية لا من الحقائق. لا يقال ان هذا التقريب ربما يكون وجه جمع بين رواية أبي بصير التي هي دليل المشهور و بين صحيحة إسماعيل بن جابر، لأنا نقول على تقدير التقريب لا يتسامح في مثل هذا المقدار فان التفاوت سبعة أشبار إلا ثمن. و مثل الاحتمال المتقدم سابقا احتمال القول بان هذا الاختلاف في الأخبار من جهة اختلاف المياه في الصفا و عدمه فإذا كان الماء صافيا ليس فيه شي ء يكون مقدار الكر سبعة و عشرين بخلاف غيره فيقدر بالتقديرين الآخرين للاختلاف شدة و ضعفا. و أنت خبير ان ذلك كله تصرف من غير اذن المالك. ثم أنه لو كان هناك ما اختبر بالوزن فبلغ المقدار المعلوم و لكنه بالمساحة لا يبلغ و بالعكس فهل تجري عليه أحكام الكرية أولا؟ و الظاهر ان المساحة على المشهور تزيد على الوزن في المشهور فما معنى هذا التقدير؟

و ما يصنع بالزيادة؟ على الاستحباب أو غيره؟ و التحقيق في المقام أن يقال قد علمت ان الكر مكيال معروف، إلا انه لما كان غير موجود في كل وقت، أو لأنه خشي ان يجهل حاله مع احتياج الناس لمعرفة الكر لكثرة أسفارهم و عوارضهم، بل هم محتاجون الى ذلك في الحضر أراد الشارع ضبطه بالوزن لكونه الأصل و بالمساحة تسهيلا للخلق. و الظاهر انه مبني تقديره بهما على التقريب لا على التحقيق، و إن كان بعد تقدير التقريب بذلك صار تحقيقا لا ينقص منه شي ء، فيكون تحقيقا في تقريب، فلا يقدح هذا التفاوت بينهما و حينئذ يكون عدمهما علامة على عدم الكر، كما ان وجود أحدهما دليل عليها و ان خاصية الوزن لما نقص عنه بالوزن و المساحة للمساحة لا المساحة للوزن و لا العكس، فيكون مفهوم كل من الروايتين معارض بالأخرى فيسقطان فيبقى منطوقهما

ج 1، ص: 182

سالما، و يكفي في تحقق الكر وجود أحدهما. و بعبارة أخرى هنا كران وزني و مساحي فلا ينافي نقصان أحدهما عن الآخر إذ ما نقص في الوزن و بلغ في المساحة كر مساحي لا وزني و بالعكس، فإن أحدهما غير الآخر، فليس الزيادة محمولة على الاستحباب.

لكن قد يشكل بأنه لا داعي الى هذا التقدير المختلف بعد علمه بنقص الوزن عن المساحة دائما مع القدرة على ضابط بغير ذلك منطبق عليه. و يدفع أولا بأن دعوى علم النبي و الأئمة (عليهم السلام) بذلك ممنوعة، و لا غضاضة لان علمهم (عليهم السلام) ليس كعلم الخالق عز و جل فقد يكون قد روه باذهانهم الشريفة و اجرى الله الحكم عليه(1)


1- 1 كتب الحجة المحقق السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم في مقدمة كتابه مقتل الحسين عليه السلام فصلا ضافيا عن سعة علم الامام المنصوب من المولى سبحانه علما للعباد و عن إقدام الأئمة عليهم السلام على ما فيه الهلكة. قال لقد دلت الآثار المتواترة معنى على ان الله تعالى منح الإمام الحجة الذي أقامه منارا يهتدى به الى السبيل بعد انقضاء أمد الرسالة قوة قدسية عبر عنها في الحديث بعمود نور يستعلم به الامام ما يقع في الكون من حوادث و ملاحم و ما تكنه جوانح البشر من خير و شر حتى كأن الأشياء كلها حاضرة لديه على حد تعبير ابى عبد الله عليه السلام كما في مختصر البصائر ص 101 إقدارا من لدن حكيم عليم تعالى شأنه. و لا غلو فيه كما يتوهمه من لا فقه له بإسرار الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام و لم يبصر ما تحلت به هذه الشخصيات المتحدة مع الحقيقة الاحمدية المتكونة من الشعاع الأقدس تعالت نورانيته، فان المغالاة في شخص عبارة عن إثبات صفة له إما أن يحيلها العقل أو لعدم القابلية لها. و العقل لا يمنع الكرم الإلهي، و هذه الذوات المطهرة بنص الذكر المجيد إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قابلة لتحمل الفيض الأقدس بتمام معانيه و الشح منزه عنه المبدأ الأعلى جلت عظمته فالتقى مبدأ فياض و ذوات قابلة للافاضة، إذن لا بدع في كل ما ورد في حقهم عليهم السلام من العلم بالمغيبات و الوقوف على أعمال العباد و ما يحدث في البلدان من خير و شر منحة من مفيض النعم عز شأنه على من فتح بهم الوجود و بهم يختم اللهم إلا أشياء استأثر بها وحده سبحانه فالغيب المدعى فيهم غير المختص بالباري تعالى، فإنه فيه ذاتي و في النبي و الأئمة من أبنائه مجعول من الله تعالى، فبواسطة فيضه و لطفه كانوا يتمكنون من استعلام خواص الطبائع و الحوادث و ما كان و يكون و هو كائن. و يشهد له ان أبا جعفر الجواد عليه السلام لما أخبر أم الفضل بنت المأمون حينما أدخلت عليه بما فاجأها مما يعتري النساء عند العادة قالت له لا يعلم الغيب الا الله تعالى، فقال عليه السلام و أنا أعلمه من علم الله تعالى. فالأئمة عليهم السلام محتاجون في جميع الآنات الى الفضل الإلهي بتمكينهم من الوقوف على ما كان و يكون بحيث لو لا دوام الاتصال و تتابع الفيوضات لنفد ما عندهم كما نص عليه أبو عبد الله عليه السلام، فإنه قال لو لا انا نزداد في كل ليلة جمعة لنفد ما عندنا، و مراده عليه السلام التعريف بان علمهم مجعول من الباري تعالى و انهم في حاجة الى هذه المنحة المباركة، و التخصيص بليلة الجمعة من جهة بركتها بنزول الألطاف الرحمانية فيها من أول الليل على العكس من سائر الليالي، و الى هذا يرجع قول ابى الحسن الرضا عليه السلام يبسط لنا العلم فنعلم و يقبض عنا فلا نعلم. و هل يشك من يقرأ في سورة الجن الآية 26 عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ان من كان من ربه تعالى قاب قوسين أو أدنى هو الرسول المرتضى حيث لم يفضله احد من الخلق مهما ترقى الى مستوي الفضائل و استقى من منبع الوحي، و في ذلك يقول أبو جعفر عليه السلام كان و الله محمد ص ممن ارتضاه الله تعالى. و لم يبعد الله سبحانه الخلفاء من آل الرسول عن هذه المنزلة بعد اشتقاقهم من النور المحمدي، و حازوا جميع ما حبا الله به جدهم الأعظم من المئآثر التي لا يدانيها أحد إلا النبوة و الأزواج على حد تعبير ابى عبد الله الصادق كما في المحتضر ص 20. و لما نفى عمرو بن هداب عن الأئمة عليهم السلام علم الغيب استنادا الى ظاهر هذه الآية قال له أبو الحسن الرضا عليه السلام ان رسول الله هو المرتضى عند الله تعالى و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على الغيب فعلمنا ما كان و يكون الى يوم القيامة. و من لم يفقه المراد من علم الغيب المدعى لهذه الشخصيات نخب العوالم و سر الكائنات و لا أدرك كنههم تأخذه الحيرة في الايمان بسعة العلم لهم فيتسارع إلى إنكار ما حباهم المولى سبحانه به، و إذا كان سليمان يفقه منطق الطير و كلام النملة إقدارا له من المهيمن تعالى شأنه و تمكينا له على ذلك فلا يفوت هذا العلم عمن حاز أرقى صفات الجلال و الجمال و تخطى الى أعلى مستوي الفضائل. و إنكار الصادق عليه السلام اطلاعه على هذا العلم مدعيا بأنه لما هم بضرب جاريته و هربت منه لم يعلم بها في أي بيوت الدار- لا يكون حجة للمنكرين بعد جهالة رواة الحديث كما في مرآة العقول، و حضور المجلس من لا قابلية له على تحمل غامض علمهم كداود الرقى و يحيى البزار، فيكون غرضه من النفي تثبيت عقيدتهم و عدم تزلزلهم، و يؤيده أن سدير الراوي لهذا الحديث دخل عليه في وقت آخر و ذكر له استغراب ما سمعه منه من نفى العلم بالغيب فطمنه أبو عبد الله عليه السلام بأنه يعلم ما هو أرقى منه و هو العلم بالكتاب كله، و ما حواه من فنون المعارف و أسرار الكائنات. مع انه يحتمل ان يريد من نفى العلم بمكان الجارية الرؤية بالبصر فقوله عليه السلام ما علمت اى ما رأيتها بعيني في أي بيت دخلت و التورية في كلامهم جارية لمصالح يعرفونها، و إلا فمن يقول في صفة علمه لم يفتني ما سبقني و لم يعزب عنى ما غاب عنى لا يخفى عليه أمر الجارية. كما ان ما ورد عنهم عليهم السلام من ان الامام عليه السلام إذا أراد ان يعلم شيئا أعلمه الله لا دلالة فيه على تحديد علمهم بوقت خاص، بل الحديث يدل على ان إعمال تلك القوة القدسية الثابتة لديهم منذ الولادة موقوف على إرادتهم المتوقفة على وجود المصلحة في إبراز الحقائق المستورة و إظهار ما عندهم من مكنون العلم، على ان هذا المضمون ورد في أحاديث ثلاثة ردها المجلسي في مرآة العقول بضعف بعض رجالها و جهالة الآخرين. و حكاية الكتاب المجيد عن النبي صلى الله عليه و آله لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ لا تفيد إلا كونه مفتقرا الى الله تعالى في العلم بالمغيبات و انه لم يكن عالما به من تلقاء نفسه، و هذا لا ريب فيه فان المعتقد ان الله تعالى هو المتلطف على النبي و الأئمة من أبنائه بالملكة القدسية التي تمكنوا بواسطتها من استكشاف ما في الكون، و ارادة النفي المطلق باطلة لأنه لا ريب في إخباره ببعض المغيبات، مع ان السياق يقتضي أن يراد من النفي العلم بالساعة لأن السؤال كان عنها. فالمتحصل مما ذكرناه ان الله تعالى بمنه و لطفه أفاض على نبيه الأقدس صلى الله عليه و آله و خلفائه المعصومين ملكة نورية تمكنوا بواسطتها من استعلام ما يقع من الحوادث و ما في الكائنات من الخواص و أسرار الموجودات و ما يحدث من خير و شر، و لا غلو فيه بعد قابليتهم لتحمل هذا الفيض المبارك، و عدم الشح في عطاء الرب سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء و صارح الأئمة عليهم السلام بهذه الحبوة الإلهية. و انه غير بعيد فيمن تجرد للطاعة و عجنت طينته بماء البزاهة من الأولياء و الصديقين فضلا عمن قبضهم الباري عز شأنه أمناء شرعه و أعلاما لعباده. و قد اعترف الشيخ المفيد في المقالات ص- 77- بان الله سبحانه أكرم الأئمة من آل محمد عليهم السلام بمعرفة ضمائر العباد و ما يكون قبل كونه لطفا منه سبحانه لهذه الذوات القدسية، و ان لم يجب ذلك عقلا لكنه وجب لهم بالسماع. و ذكر الطبرسي في مجمع البيان عند قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 50 لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ: انه لم يعلم الغيب من تلقاء نفسه و انما يعلم ما يعلمه الله به و في مرآة العقول ج 1 ص 187 ان الجمع بين الآيات و الروايات انهم عليهم السلام لا يعلمون الغيب من تلقاء أنفسهم بغير تعليمه بوحي أو الهام، و إلا فظاهر ان عمدة معاجز الأنبياء و الأوصياء من هذا القبيل. و على ضوء الأحاديث المتكثرة مشى المحقق الآشتيانى في حاشيته على رسائل الشيخ الأنصاري ج 2 ص 60 فسجل اعتقاده بما ارتئيناه. و لم يتباعد العلامة الآلوسي عما قررناه من تمكين المولى سبحانه الخلفاء المعصومين من الوقوف على المغيبات، فإنه قال في تفسيره روح المعاني ج 20 ص 11 عند قوله تعالى في سورة النمل الآية 65 قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ لعل الحق ان علم الغيب المنفي عن غيره جل و علا هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته له، و ما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شي ء، و انما هو من الواجب عز و جل إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه، فلا يقال انهم علموا الغيب بذلك المعنى فإنه كفر، بل يقال إنهم أظهروا و اطلعوا على الغيب. و يقول ابن حجر في الفتاوى الحديثية ص 223 إعلام الله تعالى للأنبياء و الأولياء ببعض الغيوب ممكن لا يستلزم محالا بوجه، و إنكار وقوعه عناد، لأنهم علموا بإعلام الله و اطلاعه لهم، و قد صرح النووي في فتاويه به فقال لا يعلم ذلك استقلالا، و انما هو بإعلام الله لهم. و يحكى عبد القادر العيدروس في النور السافر في أعيان القرن العاشر ص 85 ان النيسابوري صاحب التفسير يقول امتناع الكرامة من الأولياء إما لان الله ليس أهلا لأن يعطى المؤمن ما يريد، و إما لأن المؤمن ليس أهلا لذلك، و كل منهما بعيد، فان توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى لعبده، و إذا لم يبخل الفياض بالأشرف فلان لا يبخل بالأدون أولى. و هؤلاء و ان لم يوافقوا الشيعة على ما يعتقدونه في أئمتهم عليهم السلام من القدرة على العلم بالحوادث الكائنة و التي تكون، لاعتقادهم ان هذه السعة مختصة بالباري جل شأنه. و لكن الملاك الذي قرروه لمعرفة الأنبياء و الأولياء ببعض الغيب و هو تمكين المولى سبحانه لهم من الوقوف على المغيبات تفيد ما تعتقده الشيعة من سعة العلم، فان الميزان للوقوف على الغيب إذا كان بإقدار الله تعالى فمن الجائز ان تكون تلك القوة النورية بالغة أقصى مداها حتى كأن الأشياء كلها حاضرة لديهم على حد تعبير الامام الصادق عليه السلام اللهم إلا ما استأثر به الله وحده فإنه لا وقوف لأحد عليه مهما ترقى الى فوق ذروة الكمال. و على هذا الذي سجلناه من سعة علم الامام الشامل لجميع الحوادث و أسرار الكائنات و خواص الطبائع حبوة من مفيض النعم تعالت نعماؤه يتجلى انه عليه السلام لم يفته العلم فيما يحد الكر من المساحة المطابقة تحقيقا للوزن، و الاخبار الحاكية عنه تحديدهما مع ما يشاهد فيهما من الاختلاف فبعد غض النظر عما يقال في بعضها يكون العلاج إما بحمل الزائد على كونه علامة على وجود الحد قبله، و ذلك في صورة زيادة الوزن على المساحة بمقدار يتسامح فيه، و صورة زيادة المساحة على الوزن بمقدار يتسامح فيه، و هذا نظير ما ورد عنهم عليهم السلام من تحديد حد الترخص بخفاء الأذان و الجدران مع انهما لا يتطابقان دائما، فيكون خفاء الجدران علامة على وجود الحد قبله، و إما بترجيح ما يفيد كون المساحة سبعة و عشرين شبرا فإنها تتفق مع الوزن دائما على الأرطال العراقية كما جربه بعض الأعلام.

ج 1، ص: 183

و ثانيا بأنه لا يمكن ضبط مساحة تنطبق على الوزن دائما أو بالعكس لاختلاف المياه ثقلا و خفة دائما و من اختبر ذلك وجد ما قلنا، فتارة يزيد الوزن و أخرى بالعكس. فقد يكون الشارع أخذ مقدارا جامعا و هو هذا التقدير، و الله أعلم بحقيقة الحال. و الحوالة

ج 1، ص: 184

في الأشبار على المعتاد، و لا يقدح هذا الاختلاف اليسير في تفاوت الأشبار المعتادة، و لعله لذلك ارتكب القول بالتقريب قائله. و فيه انه لا يقضي بالتقريب في أصل المقدار أي الثلاثة الأشبار و نصف بحيث يتسامح بالناقص عنها بالشبر المعتاد، على ان المراد

ج 1، ص: 185

بالتحقيق الذي ذكرناه انما هو انه لا ينقص عن أقل أفراد المعتاد. و يحتمل القول انه بقدر الشبر المعتاد بتقدير لا يزيد و لا ينقص فيكون تحقيقا في تقريب كأصل المقدار، إلا انه بعيد كاحتمال القول ان المعتاد لا يزيد و لا ينقص تحقيقا.

[في عدم نجاسة الكر مطلقا]

و يستوي في هذا الحكم اي عدم نجاسة الكر و غيرها من الأحكام مياه الغدران و الأواني و الحياض على الأظهر، بل لا ظهور في غيره على ما هو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك، و لذا أطلقه بعضهم على عدم نجاسة الكر، إذ لم ينقل الخلاف فيه إلا عن المفيد في المقنعة و سلار في المراسم، حيث ذهبا إلى نجاسة ما في

ج 1، ص: 186

الحياض و الأواني و ان كان كثيرا، مع ان عبارة المقنعة غير صريحة في ذلك بل تحتمل الحمل على ارادة ما كان دون الكر، كما لعله يظهر من الشيخ في التهذيب فإنه لم يتعرض في شرحه لهذه العبارة إلى كون ذلك مذهبا للمفيد، بل ظاهره عند شرح قول المفيد (و المياه إذا كانت في آنية محصورة فوقع فيها نجاسة لم يتوضأ و وجب إهراقها) انه فهم منه ان مراده مع القلة، لأنه قال: «يدل على ذلك ما قدمنا ذكره من ان الماء متى نقص عن الكر فإنه ينجس بما يحله من النجاسات» الى آخره لكن التأمل الصادق في عبارة المقنعة و ما اشتملت عليه من التفصيل يمنع من احتمال غير ذلك فيها، بل قد

ج 1، ص: 187

يستفاد منها تخصيص الغدير و القليب بحكم الكر و نجاسة ما عداهما و ان لم يكن حوضا أو آنية. و عن ظاهر الشيخ في النهاية موافقة المفيد في خصوص الأواني. و كيف كان فلا ريب في ضعفه و لذلك نسبه بعضهم الى الشذوذ بل عن آخر انه لا وجه له، للأصل و عمومات الطهارة لموافقتها لأكثر أحكام الكرية، بل جميعها على وجه، و إطلاق ما دل على حكم الكر، بل يكاد يقطع الناظر في أخبار الكر و فيما ورد منها بالضبط بالضرب و الوزن انه لا خصوصية لمحال الماء، مضافا الى قوله (عليه السلام) (نحو حبي

ج 1، ص: 188

هذا(1) و

قوله (لا تشرب من سؤر الكلب إلا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه)

(2) و

قول رسول الله (صلى الله عليه و آله)(3)لما سئل ان حياضنا هذه تردها الكلاب و البهائم: «لها ما أخذت أفواهها و لكم سائر ذلك»

و

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(4) لما سئل عن الحياض التي بين مكة و المدينة: «انها تردها الكلاب الى أن قال (عليه السلام): و كم قدر الماء؟ فقيل الى نصف الساق و الى الركبة، فقال: توضأ منه»

هذا مع إطلاق الإجماعات على عدم نجاسة الكر الى غير ذلك. و المناقشة في بعض ما ذكرنا من الأدلة لا تورث شكا في أصل الدعوى و أقصى ما استدل به للمفيد عموم النهي (5)عن استعمال الأواني بعد مباشرة النجاسة، و التعارض بينها و بين بعض ما عرفت تعارض العموم من وجه. و فيه انه بعد تسليم ذلك و كونه أخص من الدعوى مرجوحة بالنسبة إلى تلك من وجوه عديدة مع ان الأصل و العمومات كافية في ذلك

[في ماء البئر]
[في تعريف ماء البئر]

و أما القسم الثالث اى ماء البئر و هي كما عن الشهيد «مجمع ماء نابع لا يتعداها غالبا و لا يخرج عن مسماها عرفا» و من المعلوم ان المقصود من هذا التعريف ضبط المعنى العرفي، و إلا فلا حقيقة له شرعية قطعا بل و لا متشرعية، بل و لا لغوية تنافي المعنى العرفي، فالذي ينبغي ان يؤكل معناه الى العرف كما في غيره من الألفاظ التي بهذه المثابة، لكن لما شاع إطلاق اسم البئر على ما ليس كذلك كما في آبار المشهد الغروي على مشرفه السلام و آبار أهل الشام و نحو ذلك أراد (رحمه الله) ضبطه العرف حتى لا يقع الاشتباه فقال مجمع ماء نابع الى آخره، إذ ليست الآبار المتقدمة كذلك بل يجري الماء إليها من عيون خارجة عنها، إلا ان قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب النجاسات- حديث 1.

ج 1، ص: 189

(رحمه الله) (لا يتعداها غالبا) لا يخلو من إجمال، لأنه ان أراد بالغالب بحسب الأزمان ورد عليه انه ينبغي حينئذ ان تجري على المتعدي حال التعدي و لو نادرا أحكام البئر إذ يصدق عليه انه لا يتعداها غالبا، و ان أراد بحسب أفراد البئر ورد عليه مثل الأول بالنسبة للفرد النادر. (فان قلت) ان ذلك كله يدفعه قوله و لا يخرج عن مسماها عرفا، قلت هو مغن حينئذ عن قوله لا يتعداها الى آخره، لكن قد يكون مقصوده أن التعدي إذا كان نادرا لا يخرجها عن البئرية حال عدم التعدي بخلاف ما لو كان التعدي هو الغالب و عدم التعدي هو النادر فإنه لا يلحقها أحكام البئر، و مثله إذا كانا متساويين لأن الأصل عدم تعلق أحكام البئر فما لم يعلم بئريته لا يحكم بتعلق الأحكام عليه، الا انه- مع انه كيف يعرف المتعدي غالبا من غيره في الآبار المجهولة الحال، و تنقيح ذلك بالأصول لا يخلو من إشكال- لا يخفى ما فيه من الإجمال الذي لا يناسب التعريف، بل قيل: «قوله و لا يخرج عن مسماها عرفا كذلك أيضا، لأن العرف الواقع لا يظهر اي عرف هو أعرف زمانه أم زمان غيره، و على الثاني فيراد الأعم أو الأعم منه و من الخاص، مع انه يشكل إرادة عرف غيره (صلى الله عليه و آله)، و إلا لزم تغير الحكم بتغير التسمية فيثبت في العين حكم البئر لو سميت باسمه و بطلانه ظاهر» و فيه ان العرف إذا أطلق ظاهر في إرادة العرف العام و به تثبت الحقيقة اللغوية ان لم يعلم بمغايرتها و يقدم على اللغوية ان علم ثبوتها على الأصح(1) على ان ما ذكره هذا المتعرض من التشقيق كله لا محل له في المقام إذ ليس للبئر في زمانه معنى غير ما عندنا لا عرفا عاما و لا خاصا. و كأن الذي حداه الى ذلك هو إطلاق لفظ البئر على مثل آبار المشهد الغروي و الشامات في لسان أهل العرف و هو


1- 1 لحصول الظن بعدم حدوث هذا المعنى العرفي العام بعدهم صلوات الله و سلامه عليهم، بحيث تطابق أهل العرف العام على ذلك و حصل مثل هذا التغير في مثل هذه المدة، و بذلك ينقطع أصالة تأخر الحادث الذي هو مستند تقديم اللغوية، و لتحقيق ذلك مقام آخر منه رحمه الله.

ج 1، ص: 190

غير العرف العام السابق فأراد أن ينبه على انه ليس المدار إلا على زمانه (صلى الله عليه و آله) لكنك تعلم ان هذا الإطلاق لم يكن عند عامة أهل العرف العام، بل كان إطلاق من أطلق انما كان لمشاركته للبئر من جهة الحفر و وصوله الى حد النبع و نحو ذلك مما يشارك بها البئر النابع، و قد يشير الى ذلك قولهم بئر جار و بئر نبع فتأمل. و الحاصل ان الذي ينبغي النظر الى حال العرف في مثل هذا الزمان، فما يعلم حدوثه لا يلتفت اليه و ما لم يعلم تعلق به الحكم لانه به يستكشف العرف السابق و تثبت اللغة ان لم يعلم مغايرتها و إلا قدم عليها على الأصح، فمثل الإطلاق في هذا الوقت على مثل آبار المشهد الغروي و غيره مما علم حدوثه لا يلتفت اليه و لا يتعلق به حكم، و أما غيره فيبقى على القاعدة. و احتمال المناقشة في حدوث هذا الإطلاق بأنه قد يكون البئر سابقا لما هو أعم مما ذكره المعرف لا وجه له لاعتبار النبع فيه قطعا. نعم قد يقال ان الذي يقتضيه المنقول عن كثير من أهل اللغة من تفسير النبع بأنه الخارج من عيون، بل قد يقتضيه التعليل (1) بان له مادة عدم دخول البئر الذي يكون ماؤها رشيحا لعدم تبادر ذلك من المادة، و مثل ذلك فيما يكون مادته من الثمد، مع ان الأصل عدم تعلق أحكام البئر، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى الثمد لعدم النبع فيه لغة و عرفا لكن

الأقوى جريان حكم البئر على الرشيحية لإطلاق اسم البئر عرفا فيقدم على اللغة، مع أن المنقول عن صاحب الصحاح تفسير النبع بمطلق الخروج و قد تقدم لنا في الجاري ما يظهر منه ترجيح ذلك.

و هل يشترط في اسم البئر دوام النبع بمعنى أنه لا ينقطع عنها النبع كما قد يشعر به التعليل بالمادة أو لا؟ وجهان، و الظاهر دوران الحكم مدار استعدادها للنبع، فتوقفه على إخراج بعض مائها لا يقدح في صدق اسم البئر. و لو كان لها وقتان تنقطع في أحدهما دون الآخر فالظاهر دوران الحكم مداره وجودا و عدما. و لو شك فيها في هذا الحال لم يبعد التمسك بأصالة عدم الانقطاع ان لم يعلم ان لها حالتين، و أما بعد العلم


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 6 و 7.

ج 1، ص: 191

لكن لا يعلم أن هذا الحال أيهما، فمع سبق العلم بحصول أحدهما لم يبعد التمسك باستصحابه، و أما مع عدم العلم فيحتمل عدم جريان أحكام البئر، لأن الشك في الشرط شك في المشروط.

و يحتمل القول بالجريان لصدق اسم البئر عليها فتأمل.

و ينبغي القطع بخروج الحفر التي تحفر قرب الماء فيكون فيه ماء لعدم صدق اسم البئر، كما أنه ينبغي القطع بخروج العيون لذلك و أيضا قد يستفاد من قوله في التعريف لا يتعداها أن البئر متى أجريت بتصيير نهر لها و لو في باطن الأرض تخرج عن مسمى البئر. و هو كذلك لدخولها تحت الجاري، نعم يشترط أن يكون جريانا معتدا به.

و احتمال عدم منافاة صدق الجاري للبئر مدفوع بظهورها من جعل البئر قسيما للجاري و تخصيصه بأحكام له على حدة. و الآبار المتواصلة ان تحقق فيها الجريان جرى عليها حكم الجاري و إلا كانت آبارا متعددة لا بئرا واحدا إن لم تتحد من سافل و أما لو كانت من سافل شيئا واحدا و اختلف الحفر إليها من خارج فهل هي بئر واحد أو آبار متعددة؟

وجهان، و على الثاني فهل نزحها بنزح الماء جميعه أو يكفي مقدار ماء بئر؟ لا يبعد الأول، كما انه لا يبعد ذلك على الأول أيضا لاستصحاب النجاسة حتى ينزح الجميع، و لو اتصلت بماء جار و ان ركد عندها فالظاهر عدم إجراء الحكم البئر عليها اقتصارا على المتيقن لأصالة العدم، بل و كذا الواقف الكر على اشكال.

[في تنجس ماء البئر]

و كيف كان فإنه ينجس بتغيره لونا أو طعما أو رائحة حسا بالنجاسة و في المتنجس ما مر إجماعا مع كون التغير مستوعبا لجميع الماء أو خصوص المتغير ان لم يقطع التغير عمود الماء، و الا فالمتغير، و السافل ان لم يكن مقدار كر على ما ستسمع من مذهب المتأخرين من ان حكم البئر حكم الجاري بالنسبة للطهارة و النجاسة. و هل ينجس بالملاقاة لأي نجاسة و ان كانت أكرارا فيه تردد و الأظهر التنجيس للإجماع المنقول في كلام جماعة من الفحول عليه بل في السرائر و عن غيرها نفى الخلاف فيه، مع التصريح بأنه لا فرق بين قلة الماء و كثرته، مضافا الى الإجماعات في مقدار النزح،

ج 1، ص: 192

لكن قد يقال انها مساقة لغير ذلك. و لهذا ربما تقع من القائل بعدم التنجيس. نعم يمكن الاستدلال عليه أيضا بالعمومات أو الإطلاقات الدالة على نجاسة ما تلاقيه هذه النجاسات و ما دل (1)على نجاسة القليل متمما بعدم القول بالفصل أو ضعفه، و ب

قوله في مكاتبة محمد بن إسماعيل بن بزيع (2) في الصحيح قال: «كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شي ء من عذرة كالبعرة و نحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (عليه السلام) بخطه في كتابي ينزح منها دلاء»

و هو في قوة قوله «يطهرها نزح دلاء منها»، لوجوب تطابق الجواب السؤال و هو قاض بالنجاسة قبل النزح و بما رواه

علي بن يقطين في الصحيح (3)عن أبي الحسن موسى ابن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن البئر يقع فيها الدجاجة و الحمامة أو الفأرة أو الكلب أو الهرة فقال يجزيك ان تنزح منها دلاء، فان ذلك يطهرها ان شاء الله».

و ب

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(4): «إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد، فان رب المأرب الصعيد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم»

فان جواز التيمم مشروط بفقد الماء الطاهر مع ظهور إرادة النجاسة من لفظ الإفساد كما اعترف به الخصم و لو لا انه يقبل النجاسة لم يفسد. و ربما استدل عليه أيضا ب

حسنة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير(5) قالوا: «قلنا بئر يتوضأ منها يجري البول من تحتها أ ينجسها؟ قالوا: فقال: إن كانت في أعلى الوادي و الوادي يجري فيه البول


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 21.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 2 و ليس فيه لفظ الفارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التيمم- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث 1. مع اختلاف يسير.

ج 1، ص: 193

من تحتها و كان ما بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك و ان كان أقل من ذلك نجسها، و ان كانت البئر في أسفل الوادي و يمر الماء عليها و كان بين البئر و بينه تسعة أذرع لم ينجسها و ما كان أقل من ذلك فلا تتوضأ منه»

كما انه قد يستدل عليه بأخبار وجوب النزح التي قيل في حقها أنها متواترة. و احتمال الوجوب التعبدي بعيد، كل ذلك مع الشهرة العظيمة على النجاسة حتى نقل جماعة منهم السيد أن نقل الإجماع عليه بين القدماء و اخرى منهم الشيخ و الحلي نفت الخلاف عنه. مع قرب عهدهم و بعد خفاء هذا الحكم على كثرة دورانه عليهم، مع ان المتأخرين و ان خالفوا في ذلك لكنهم لم يذكروا دليلا يحتمل خفاؤه على المتقدمين، بل العمدة عندهم على أخبار خرجت من أيديهم و مع ذلك أعرضوا عنها و ما ذلك إلا لأمور عندهم.

[في عدم تنجس ماء البئر]

و قيل بالطهارة و عدم حصول النجاسة إلا بالتغير من دون فرق بين القليل و الكثير، و هو المنقول عن ابن أبي عقيل و قيل انه المنقول عن الشيخ الحسين بن عبيد الله الغضائري و الشيخ مفيد الدين بن الجهم، و اليه ذهب العلامة و أكثر المتأخرين عنه كما في الذخيرة و هو الأقوى للأصل، و

قوله (عليه السلام): (كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر)

و

قول الرضا (عليه السلام)(1) في صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع:

«ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغير»

و أخرى مثلها، و صحيحته الأخرى

عنه (عليه السلام)(2) قال: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لأن له مادة»

و وجه الدلالة فيه من وجوه، فإنه (عليه السلام) قد حكم بالسعة لماء البئر و معناها عدم قبول النجاسة، إذ هو اللائق لبيانه مع ظهوره في ان ماء البئر و ان كان قليلا واسع لكونه ماء بئر، و أيضا لم يكتف بذلك حتى أردفه بقوله (عليه السلام): (لا يفسده شي ء) و شي ء نكرة في سياق النفي تفيد العموم على أن الاستثناء منه قرينة على إرادة الاستيعاب، و لا ريب ان المراد بالإفساد


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 194

الاجتناب من جهة النجاسة لأنه لا معنى لبيانه (عليه السلام) غير ذلك مما يرى و يعرفه كل أحد على انه لا معنى للاستثناء حينئذ. ثم انه (عليه السلام) لم يكتف بذلك حتى ذكر الاستثناء فلا يبقى السامع في وجل من جهة غلبة التخصيص، و هذا الاستثناء من العام يصيره بمنزلة النص، لا سيما إذا ذكر الفرد الظاهر المعلوم الحال فإنه يفيد انه لا خارج منه الا هذا الفرد الذي يعلمه كل أحد. و لو كان هناك فرد خفي لكان هو اللائق بالبيان. ثم انه (عليه السلام) لم يكتف بذلك حتى بين ان تطهيره غير محتاج الى مطهر خارجي كما في غيره بل تطهره انما هو بنزحه حتى يذهب الريح و يطيب الطعم.

ثم انه (عليه السلام) لم يكتف بذلك كله حتى انه ذكر الاستدلال على ذلك بكونه له مادة، و هو على كل حال ان كان تعليلا للأول أو الثاني فيه دلالة على المطلوب. فهذه الرواية مع اشتمالها على المؤكدات الكثيرة لا ينبغي المناقشة في دلالتها و أيضا اكتفاؤه (عليه السلام) في الطهارة بالنزح المذهب للتغيير و ان لم يبلغ المقدر قاض بذلك إذ على تقدير النجاسة يجب استيفاؤه مع التغيير بطريق أولى كذا قيل، و لا يخلوا من تأمل لأنه راجع في الحقيقة إلى تعارض ما دل على التقدير و لو نزح الجميع مع هذه الرواية المكتفية بزوال التغيير. و لعل التعارض بينهما من وجه أو يقال بتحكيم ما دل على التقدير لخصوصه على وجه. و كيف كان فلا ينافي القول بالنجاسة و لا دلالة فيه على الطهارة.

و ما في الاستبصار من «ان المراد بالرواية انه لا يفسده شي ء إفسادا لا يجوز الانتفاع بشي ء منه إلا بعد نزح جميعه إلا ما يغيره فأما إذا لم يتغير فإنه ينزح منه مقدار و ينتفع بالباقي» غريب أما أو لا ففيه انه لا معنى لتخصيص التغير بالإفساد الذي لا يجوز الانتفاع بشي ء منه إلا بعد نزح جميعه، فان صب الخمر و المنى و أحد الدماء الثلاثة و البعير و غيرها كلها من ذلك القبيل، كما انه قد يجوز الانتفاع بشي ء منه بدون نزح الجميع مع التغير في صورة لا يتوقف زوال التغيير على نزح الجميع بمقتضى هذه الرواية. و أما ثانيا فان هذا التقدير و الإضمار المشتمل على التخصيص الذي مآله إلى الألغاز الغير القابل لان يخاطب به من

ج 1، ص: 195

أراد تفهيم السامع مما لا يجوز ارتكابه من غير دليل و قرينة عليه، نعم ربما يرتكب في مثل بعض الأخبار التي أعرض عنها الأصحاب و قوي فيها المعارض إخراجا عن صورة المخالفة لا في مثل ما نحن فيه، و قد عرفت ان الرواية قد اشتملت على ضروب من الدلالة، و الطعن فيها بالمكاتبة ضعيف لحجية المكاتبة و لذلك أسنده الى الامام (عليه السلام) فقال: قال: و الظاهر ان مراده الامام (عليه السلام)، على انه نقلت بطريقين أحدهما فيه كتبت الى رجل أسأله ان يسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) الى آخره فقد يكون هذا الراوي سمع ذلك تارة مشافهة و أخرى مكاتبة. و ما يقال ان هذه الرواية عامة و ما دل على النجاسة بالأشياء الخاصة خاص فيقدم عليه- في غاية الضعف، أما أولا فإنه على القول بالنجاسة يكون التخصيص مستغرقا للعام إذ لا شي ء من النجاسات لا تنجسه على مختارهم و ثانيا أنه ان قصد بما دل على النجاسة أخبار النزح ففيه انه لا دلالة فيه إذ ليس منحصرا وجهه في ذلك، لاحتمال التعبد كما يدعيه بعضهم، و احتمال أن يكون ذلك لطيب الماء و زوال النفرة الحاصلة من وقوع تلك الأعيان، و ان أراد غيرها مما قدمنا ذكره في أدلة النجاسة ففيه ان شرط التخصيص المقاومة و هي مفقودة لوجوه لعلك تسمع بعضها ان شاء الله تعالى. و ما يقال أيضا

ان ظاهر الرواية متروك لحصول النجاسة بالتغير اللوني- ففيه انه على تقدير تسليم ان ما في الرواية لا يدل عليه لا يخرجها عن الحجية كما هو مقرر في محله. و

صحيحة على بن جعفر (عليه السلام)(1)قال: «سألته عن بئر ماء وقع فيه زبيل من عذرة يابسة أو رطبة أو زبيل من سرقين أ يصلح الوضوء منها؟ قال: لا بأس»

و وجه الدلالة واضح. و ما يقال ان العذرة و السرقين أعم من النجس و بان السؤال وقع عن الزبيل المشتمل عليهما و وقوعه في البئر لا يستلزم إصابتهما الماء و انما المتحقق إصابة الزبيل خاصة، و بإمكان أن يراد لا بأس بعد نزح الخمسين ففيه- بعد إمكان الاستدلال على تقديره بترك الاستفصال- ان العذرة لغة و عرفا فضلة الإنسان كما صرح به بعضهم


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 6 و في الباب- 14- حديث 8.

ج 1، ص: 196

و ظهور إرادته بالخصوص هنا لمقابلته بالسرقين، و عن منتقى الجمان انه ذكر جماعة من أهل اللغة أن العذرة الغائط، و عن نهاية ابن الأثير انها الغائط الذي يلقيه الإنسان سميت بذلك لأنهم كانوا يلقونها في أفنية الدور، بل في المدارك و غيرها ان السرقين و ان كان أعم من النجس إلا ان المراد به هنا النجس لان الفقيه لا يسأل عن الطاهر. لكن قد يقال انه لا مانع من سؤال الفقيه عن ذلك لا من جهة الطهارة و النجاسة بل لاحتمال ان يكون ماء الوضوء له خصوصية فتأمل. و وقوع الزبيل في البئر يستلزم وصول ما فيه إليها عادة و لا سيما مع كون العذرة رطبة و الرطبة أعم من اللينة مع انه لا يناسب حال مثل علي ابن جعفر السؤال عنه. و أما احتماله بعد النزح ففي المدارك انه ممتنع لما فيه من تأخير البيان عن وقت الحاجة بل الألغاز المنافي للحكمة كما هو ظاهر. و فيه ان ذلك من قبيل الإطلاق و التقييد و قد يكون وقت السؤال ليس وقتا للحاجة أو كان السائل عالما بذلك أو كانت قرائن حالية أو مقالية قد انعدمت من جهة تقطيع الأخبار. نعم ينبغي الجواب بان أخبار النزح لا دلالة فيها على النجاسة و ليس الحمل على ذلك أولى من حمل تلك على الكراهة و استحباب النزح، على ان الأخبار المتقدمة هي أرجح لموافقتها للأصول و العمومات و سهولة الملة و سماحتها و غير ذلك فتأمل جيدا.

و

صحيحة معاوية بن عمار(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة»

و ما (2)يقال من المناقشة في السند من اشتراك حماد بين الثقة و الضعيف و بان لفظ البئر يقع على النابعة و المحقون ماؤها لا عن نبع، فقد يكون السؤال هنا عن الثانية- فهو في غاية الضعف، أما الأولى فلان حماد إذا أطلق فالمتبادر منه انما هو الفرد الكامل المشهور و الظاهر انه ابن عيسى، أو يقال انه يبقى دائرا بينه و بين حماد بن عثمان


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 10.
2- 2 في نسخة الأصل مما بدل ما.

ج 1، ص: 197

الناب و كل منهما في غاية الوثاقة، على انه يمكن تعيين الأول برواية الحسين بن سعيد عنه و روايته عن معاوية بن عمار. و أما الثانية فقد عرفت مما تقدم بطلانها و ان البئر حقيقة في النابع(1).

و

صحيحته الأخرى (2)عن الصادق (عليه السلام) «في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها و يصلي و هو لا يعلم أ يعيد الصلاة و يغسل ثوبه؟ قال: لا يعيد الصلاة و لا يغسل ثوبه»

و هو ظاهر في كون الفارة ميتة في البئر و كون الاستعمال انما وقع بعد وقوعها لعطف الوضوء بالفاء المفيد للترتيب، فلا معنى للقول بان عدم الإعادة لعدم العلم بالوقوع سابقا فقد تكون انما وقعت بعد، على ان ترك الاستفصال كاف.

و

صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)(3)«في البئر تقع فيها الميتة، فقال: ان كان لها ريح ينزح منها عشرون دلوا»

و الظاهر ان المفهوم هنا انه ان لم يكن له ريح لم ينزح له شي ء، و لذلك قنع السائل و سكت عن الاستفهام عنه مع انه أحد شقي السؤال، و كيف يرضى الامام (عليه السلام) بعدم الجواب عن ذلك مع حاجة السائل اليه و ان غفل.

و

موثقة أبان بن عثمان (4)- أو صحيحته كما قيل- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سئل عن الفارة تقع في البئر لا يعلم بها إلا بعد ان يتوضأ منها إيعاد الوضوء فقال: لا»


1- 1 و الظاهر ان مدار هذه التأويلات المخالفة للظاهر غاية و نهاية هو انه لما ترجح عندهم أخبار النجاسة و طرحوا أخبار الطهارة أرادوا أن يذكروا لها محامل و لو في غاية الضعف إخراجا لها عن صورة المخالفة، و إلا ما كان ليخفى عليهم رحمهم الله ضعف هذه التأويلات و خروجها عن الظاهر خروجا تمجها الطباع، نعم يتجه عليهم انه لا معنى لترجيح تلك الروايات بل الترجيح في جانب هذه الروايات لما ستسمع ان شاء الله منه رحمه الله.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 11.

ج 1، ص: 198

و هو ظاهر في سبقها على الاستعمال و ان تأخر العلم بذلك.

و

موثقة أبي أسامة و أبي يوسف يعقوب بن عثيم (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا وقع في البئر الطير و الدجاجة و الفارة فانزح منها سبع دلاء، قلنا: فما تقول في صلاتنا و وضوئنا و ما أصاب ثيابنا؟ فقال لا بأس به»

و

موثقة أبي بصير(2) قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) بئر يستقى منها و يتوضأ به و غسل منها الثياب و عجن به ثم علم انه كان فيها ميت، قال: لا بأس و لا يغسل الثوب و لا تعاد منه الصلاة».

و

رواية محمد بن القاسم (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) «عن البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء»

و ما رواه

في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) (4)«قال: كانت في المدينة بئر وسط مزبلة فكانت الريح تهب فتلقي فيها القذر؟ و كان النبي (ص) يتوضأ منها».

الى غير ذلك من الأخبار و هي كثيرة

مثل قوله (عليه السلام)(5)في صحيح جعفر ابن بشير «عن الفارة تقع في البئر فقال إذا خرجت فلا بأس و ان تفسخت فسبع دلاء.

و سئل عن الفارة تقع في البئر فلا يعلم أحد إلا بعد ما يتوضأ منها أ يعيد الوضوء و صلاته و يغسل ما أصابه، فقال: لا فقد استقى أهل الدار و رشوا»

و ربما يظهر من العلة أن تنجيس البئر بالملاقاة ربما يكون سببا للحرج المنفي.

و أنت خبير ان الترجيح لهذه الأخبار لكثرتها و صحة أسانيدها و صراحة دلالة بعضها مع مخالفتها للعامة و موافقتها للأصول و عمومات الطهارة و موافقتها لسهولة الحنيفية


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 20.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 13 و هي رواية أبي عيينة.

ج 1، ص: 199

و سماحتها و انه لا حرج فيها، مضافا الى ما يظهر من أخبار النزح من الأمر بدلاء و دلاء يسيرة و نحو ذلك مما يدل على المسامحة، و كذا الاختلاف الفاحش في مقادير النزح و الجمع بين الطاهر و النجس، و ورود الأمر بالنزح للأمور الطاهرة، و ورود التخيير بين القليل و الكثير، و عدم انضباط الدلو، مع اشتمال روايات النزح على ما لا يقولون به حتى لم تسلم رواية من ذلك، ثم الحكم بنجاسة الدلو و الرشا و ما يسقط منه ثم الطهارة، على انه من المستبعد جدا ان مقدار الكر من مائها الخارج عنها لا ينجس بالملاقاة و ماؤها و إن بلغ ألف كر ينجس بمجرد الملاقاة مع اعتصامه بالمادة دونه، مع انه فيه من الحرج ما لا يخفى، و أغرب من ذلك طهارته لو كان كرا مع انقطاع النبع و خروجه عن مسمى البئر و نجاسته لو كان ألف كر مع دوام النبع الذي يزداد به الكمال لا النقص. كل ذلك مع خلو الأخبار عن كيفية النزح بحيث يسلم الدلو من النقوب مع أنه في الغالب لا يسلم من ذلك.

و بعض هذه المؤيدات و ان أمكن دفعها مثل نجاسة ما يتقاطر من الدلو مع الدلو بان يقال بعدم نجاسة البئر المنزوحة بذلك لما يظهر من الروايات بحصول الطهارة بمجرد النزح المقدر مع انه في العادة يستحيل سلامته من ذلك، و ينبغي ان يستثنى من قولهم بنجاسة البئر مطلقا و الظاهر أيضا حصول الطهارة للدلو و الحبل و ما يتعلق بالنازح و حواشي البئر و نحو ذلك من اللوازم العرفية بتمام النزح. نعم يبقى كلام في ان النازح تطهر ثيابه و نحوها أو خصوص ما يباشر به؟ و هل يعتبر استمراره على النزح الى التمام أو لا؟ فمن جاء في الأثناء حكمه حكم النازح في الابتداء و نحو ذلك من الأحكام الكثيرة و الفروع المهمة بناء على التنجيس، مع انه ليس في الأخبار لها عين و أثر، حتى ان ما ذكرنا من طهارة الدلو و الحبل و النازح و حواشي البئر و نحو ذلك مجرد استظهار ليس في الأخبار له تعرض بل هو شك في شك، و كل ذلك دليل على عدم التنجيس و إلا لما ترك في هذه الأخبار على كثرتها بيان مثل هذه الأمور المهمة.

كيف كان فلا ينبغي الشك في أن الترجيح لأخبار الطهارة فوجب حينئذ طرح

ج 1، ص: 200

تلك الأخبار أو حملها على خلاف ظاهرها، فنقول: أما مكاتبة ابن بزيع(1) فعلى ان المراد من الطهارة مطلق النظافة و النزاهة، و هو بعيد لان مثل ذلك لا ينحصر الرجوع فيه الى الامام (عليه السلام) بحيث لا يعرفه أحد سواه حتى يكتب له من بلاد الى بلاد، نعم يحتمل أن يقال انها انما تدل على القول بان النزح تعبد، و ذلك لانه قال فيها «ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة» و كان قوله (حتى) إشارة الى ذلك، لان المعنى حينئذ ما الذي يطهرها طهارة تحل الوضوء منها للصلاة، فيكون كأن أصل وجود الطهارة عنده محقق لكن إشكاله في الطهارة التي يترتب عليها مثل الوضوء.

أو يقال ان ذلك في كلام السائل لا في كلامه (عليه السلام) و كما يمكن تقديره في كلام الإمام بأن يقال يطهرها نزح دلاء كذلك يمكن أن يقال أنه لما سئل عن هذه الأشياء قال ينزح منها دلاء و أضرب عن قول السائل يطهرها، فيكون حينئذ هذا الخبر كالأخبار الأخر الآمرة بالنزح. و مما يؤيد أن هذه الرواية ليست على ظاهرها هو أن محمد بن إسماعيل بن بزيع راوي هذه الرواية قد روى تلك الرواية الواضحة الدلالة التي لا تقبل التأويل و هي

قوله «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغير طعمه أو ريحه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لأن له مادة»(2)

مع انه لم يظهر منه التوقف في الحكم من جهة التناقض و التعارض.

و أما الرواية الثانية و هي

قوله: «يجزيك أن تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها ان شاء الله»

فقد احتمل فيها أيضا حمل الطهارة على المعنى اللغوي، و ربما أيد هنا بان دلاء أقله ثلاثة، مع أنه من جملة المسؤول عنه الكلب و الهرة، و الفتوى عندهم في ذلك أربعون دلوا، و لا يبعد حمل هذه الرواية و التي قبلها على إرادة الطهارة مما يكره استعماله، و ذلك لانه لما كان النجس يحرم استعماله و هذا يكره استعماله شارك النجس في ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 21.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 201

فصح إطلاق لفظ الطهارة عليه و لفظ الحل الذي ليس معه الكراهة.

و أما الرواية الثالثة فأولا ان الأمر بالتيمم لا دلالة فيه على التنجيس بالاغتسال فإنه لا ينحصر وجهه في ذلك إذ قد يكون البئر كانت مملوكة أو كان في الاغتسال فيها عسر و حرج و مشقة، و ربما يؤيد ذلك ما في رواية

الحسين بن أبي العلاء (1)قال:

سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يمر بالركية و ليس معه إناء، قال: ليس عليه أن ينزل الركية إن رب الماء هو رب الصعيد فليتيمم»

مع إنه لا تعرض فيه للنجاسة، و

قوله (لا تفسد على القوم ماءهم)

لا دلالة فيه على ذلك فقد يكون المراد من جهة خوف الهلاك فيها أو أنه يهيج ما كان كامنا فيها من الأوساخ، بل غير بعيد انها على فرض كونها مباحة و كانت مستقى للناس و كان بالاغتسال فيها يهيج بعض ما كان كامنا فيها أن لا يسوغ له الاغتسال فيها، لكون ذلك حقا مشتركا فيجوز له استعماله ما لم يدخل في ذلك فيه ضرر على غيره، لا سيما إذا كان المقصود منها الاستقاء، على انه قد يكون المراد من جهة وجوب النزح لا من جهة النجاسة، على أنه لم يعلم أنه كانت على بدنه نجاسة. (فإن قلت) ان الإفساد كما ورد في هذه الرواية وجد في روايات التنجيس فأي معنى لحمله هناك له على النجاسة بخلافه هنا (قلت) هو مع أنه في نفسه هناك ظاهر في ذلك قد يشعر به الاستثناء و وقوع شي ء في سياق النفي بخلافه هنا، على أنه كيف يسوغ لفقيه الاجتراء على طرح تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة المخالفة للعامة الموافقة للأصول المرجحة بما سمعته من المرجحات بمثل هذه الاشعارات التي لا يجترئ منها على أن يقطع بها أضعف الأصول.

و أما الرواية الرابعة فلا دلالة فيها و سيأتي التعرض لها ان شاء الله عند التباعد بين البئر و البالوعة.

نعم أقوى شي ء لهم الإجماعات المنقولة، و هي- مع كون المخالف موجودا و من


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التيمم- حديث 4 مع اختلاف يسير.

ج 1، ص: 202

القدماء أيضا، و إطباق متأخري المتأخرين على ذلك، مع مخالفتها لما سمعت من الأخبار- يضعف الظن بها لقوة الأخبار عليها من وجوه، على أن العلامة في المنتهى يظهر منه المناقشة في نسبته إلى الأكثر فضلا عن الإجماع فتأمل. و لا استبعاد في خفاء هذا الحكم على المتقدمين و ظهوره لغيرهم، لان مثله غير عزيز فكم من حكم خفي عليهم و ظهر لغيرهم في الأصول و الفروع، و ربما سمعت أن المرتضى و غيره قد ادعى الإجماع على عدم جواز العمل بأخبار الآحاد الذي لا ينبغي الشك في بطلانه.

و أما أخبار النزح فلا دلالة في شي ء منها على النجاسة بل هي أن حملت على ظاهرها من الوجوب اتجه مذهب العلامة و ان حملناها على الاستحباب كما يدعيه المشهور فلا إشكال حينئذ و ستسمع تحقيق الحال فيها ان شاء الله، و لا حاجة الى بيان فساد باقي المؤيدات التي ذكرناها للقول بالنجاسة هذا.

و نقل عن البصروي التفصيل في حكم البئر بين أن يكون كرا أولا، و قال بعضهم انه لازم للعلامة لاشتراطه الكرية في الجاري و ليست البئر أولى منه. و فيه انه قد يكون للبئر حكم بالخصوص فان لها أحكاما كثيرة قد اختصت بها سواء كان ماؤها قليلا أو كثيرا لمكان الأخبار و لذا حكم المشهور بعدم نجاسة الكر مع قولهم أن البئر إذا بلغت مائة كر تنجس بالملاقاة. و كيف كان فمستنده بعد عموم ما دل (1)على اشتراط الكر في الماء رواية

الحسن بن صالح الثوري (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شي ء»

و ما عن

الفقه الرضوي(3) حيث قال (عليه السلام): «كل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار و نصف في مثلها فسبيلها سبيل الجاري إلا أن يتغير لونها و طعمها و رائحتها»

و في

رواية أبي بصير (4)«عن البئر يقع


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
3- 3 المستدرك- الباب- 13- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 15. و هي رواية عمار.

ج 1، ص: 203

فيه زبيل عذرة يابسة أو رطبة فقال لا بأس به إذا كان فيها ماء كثير»

. و فيه- بعد إمكان دعوى الإجماع المركب و تواتر الأخبار على خلافه فإن أخبار الطرفين حجة عليه- ان بين ما دل على اشتراط الكرية في الماء و بين أدلة المقام عموما من وجه و الترجيح لهذه من وجوه كثيرة. و رواية الحسن بن صالح الثوري- مع انها ضعيفة السند به إذ قال الشيخ أنه زيدي بترى متروك الحديث فيما يختص به، و موافقة للعامة، و دلالتها بالمفهوم- محتملة لأن يراد بالركي المصانع التي ليست آبارا، و هو و إن كان بعيدا إلا أنه لا مانع منه بعد مخالفته لما سمعته، أو أن المراد به انه و ان انقطع نبعها كما يتفق في بعض الأحيان. و مثله جار في عبارة الفقه الرضوي، على أن دلالته أضعف من رواية الحسن و أما رواية أبي بصير فلعل المراد باشتراط الكثير من جهة خوف حصول التغير و هو قريب جدا. و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في عدم الركون لهذا المذهب لو صحت روايته و تعددت بعد إعراض الأصحاب فكيف و هي بهذه المكانة من الضعف في السند و القصور في الدلالة.

إذا عرفت ذلك فنقول انه على تقدير الطهارة فهل النزح واجب تعبدي أو مستحب؟ المشهور الثاني، و اليه ذهب العلامة في جملة من كتبه، و يظهر منه في المنتهى الأول، و ربما نقل عن الشيخ في كتابيه أيضا لكن كلامه في الاستبصار غير صريح في ذلك، بل و لا ظاهر، و في كشف اللثام أن كلامه في التهذيب صريح في النجاسة.

و على كل حال فهو يحتمل وجوها (أحدها) أن يراد بالوجوب التعبدي أنه واجب في ذمته و ليس شرطا في الاستعمال عبادة كان أو غيره، و الظاهر أنه على هذا الوجه يكون الاستعمال موجبا له في الذمة و إلا فلا معنى للقول بالوجوب في نفسه. كما أن الظاهر كونه من الكفائي يراد منه نفس الوجود في الخارج و لو حصل من غير مكلف. و هذا الوجه و إن احتمله بعض محققي المتأخرين لكنه في غاية الضعف، على أنه قال في المنتهى لم نسوغ الاستعمال قبله (الثاني) أن الاستعمال سواء كان عبادة أو غيره مشروط بالنزح شرعا، و هو لا ينافي القول بالطهارة. و تظهر الثمرة مثلا فيما لو أصاب ثيابه منه شي ء

ج 1، ص: 204

فالظاهر صحة الصلاة به نعم لا يصح الوضوء به و لا يجوز شربه و لا تحصل الطهارة من الخبث به فيكون كماء الاستنجاء حينئذ (الثالث) أن يفرق بين الاستعمالات فما كان منها عبادة لم يصح لحصول النهي المقتضي للفساد دون ما لم يكن كذلك كغسل النجاسة فترتفع به و ان فعل حراما باستعماله كما لو شربه، لكن ليس حرمة شرب ماء النجس بل هي حرمة أخرى.

إلا ان الذي يظهر من العلامة (رحمه الله) انما هو الثاني لقوله في الجواب عن مكاتبة ابن بزيع التي هي دليل القائلين بالنجاسة: «و تقريره (عليه السلام) لقول السائل:

(حتى يحل الوضوء منها) بعد تسليمه ليس فيه دلالة على التنجيس فانا نقول بموجبه حيث أو جبنا النزح و لم نسوغ الاستعمال قبله» و قوله أيضا في هذه الرواية: «و خامسها بحمل المطهر هنا على ما أذن في استعماله، و ذلك انما يكون بعد النزح لمشاركته للنجس جمعا بين الأدلة» انتهى لإطلاق عدم تسويغ الاستعمال قبل النزح سواء كان عبادة أو غيرها. مع احتمال أن يقال إنه أراد بالاستعمال الذي تضمنته الرواية و هو العبادي لا مطلقا و قد يقال إن الذي يناسب الجمع به بين الروايات (الثالث) لتضمن كثير منها عدم إعادة غسل الثياب و الوضوء و الصلاة مع حصول النجاسة قبل العلم، و هو انما يتم به لعدم النهي دون الثاني، مع احتمال تنزيل هذه الروايات على حصول العلم بوجود النجاسة بعد الاستعمال من دون علم بسبقها فعدم إعادة الغسل و الوضوء لذلك لا لما تقدم، فيتجه حينئذ حمله على الثاني. و هذا الوجه الأخير هو الظاهر من الشيخ في الاستبصار لذكره الخبر الشاهد على الجميع، و هو مشتمل على التصريح بهذا المعنى فلتلحظ عبارته.

و كيف كان فمستنده في الطهارة هو ما عرفت من أدلتها و في الوجوب أوامر النزح و هو حقيقة في الوجوب، و المراد به الشرطي للقطع بعدم الوجوب الأصلي، و كأن الذي دعاه الى ذلك هو مراعاة العمل بجميع الأخبار لعدم المنافاة بينها إذ ما دل على الطهارة لا يقتضي نفي النزح و ما دل على النزح لا يقتضي نفي الطهارة، فيعمل حينئذ

ج 1، ص: 205

بالأخبار جميعا فيقال إنه طاهر و مع ذلك يجب نزحه. نعم يظهر من الأخبار توقف الاستعمال على النزح و هو لا ينافي الطهارة. و فيه- مع إمكان ادعاء الإجماع المركب على خلافه و ظهور بعض أخبار الطهارة في نفيه و كونه نوعا من الإفساد المنفي ب

قوله: (لا يفسده شي ء)

و ظهور

قوله (لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن)

في العلم و العمد القاضي بفساد كلامه على بعض الوجوه، و كون الأصل في كل طاهر أن يرفع الحدث و الخبث و عدم استثناء مثل ماء البئر في كلام الأصحاب في المقامات الأخر مع كثرة تعرضهم لذلك في المقامات المختلفة- ان أخبار النزح مختلفة اختلافا لا يصلح لان يكون معه سندا لهذا الحكم المخالف للأصل، بل للأصول و العمومات كما اعترف به (رحمه الله) في رد القائلين بالنجاسة، قال: «و أما ثالثا فلأن الأخبار اضطربت في تقدير النزح فتارة دلت على التضيق في التقديرات المختلفة و تارة دلت على الإطلاق و ذلك مما لا يمكن أن يجعله الشارع طريقا الى التطهير» قلت: هو بعينه وارد عليه لأنه لا فرق بين المنع من استعماله من جهة النجاسة أو من جهة أخرى. و كيف يكون مثل هذا الاختلاف مانعا من الحمل على الأول مع إمكان ادعاء ظهورها فيه لتضمنها غالبا السؤال عن النجاسات و مقارنة الجواب عن ذلك بالنزح الظاهر في كون ذلك تطهيرا كما هو الشأن في جميع الأوامر التي استفادوا منها نجاسة النجاسات عند الأمر بغسل الثوب مثلا إذا مسته و نحو ذلك، و لا يكون مانعا من الحمل على ما يقول، على إنها قد تضمنت النزح للطاهر و غيره و يلزمه أن يقول بوجوبه له بخلاف القائلين بالنجاسة، و كيف يمكن دعوى حملها على الوجوب مع ورودها في مثل الفأرة (1)ففي بعضها «خمس دلاء» و في آخر «دلاء» و في آخر «ثلاث دلاء» و في آخر «كلها»، و في الكلب (2)«خمس دلاء» و في آخر «سبع دلاء» و في آخر «نزح الجميع» و في آخر «نزح دلاء» و في آخر «عشرون أو ثلاثون أو أربعون»،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 206

و في بول الصبي(1)ففي بعضها «دلو واحد» و في آخر س «بع دلاء» و في آخر «كله»، مع ان غاية ما ينزح لبول الرجل أربعون دلوا، و في السنور(2) فمنها «دلاء» و في آخر «عشرون أو ثلاثون أو أربعون» و في آخر «ثلاثين أو أربعين» و في آخر «خمس دلاء» و في آخر «سبع دلاء»، و في الخنزير(3) فمنها «دلاء» و في آخر «البئر كلها»، مع أنه لا يكاد يسلم خبر عن تضمنه لما لا يقولون به. و الحاصل الناظر بعين الانصاف لا يكاد يخفى عليه ذلك فتأمل و الله أعلم بحقيقة الحال.

[في تطهر ماء البئر]
اشاره

و طريق تطهيره أي لا طريق غيره كما عن المعتبر لاستصحاب النجاسة و المعلوم من الأدلة النزح، و لما يظهر من بعض الأخبار من الحصر ك

قوله (4): (ما الذي يطهرها حتى يحل)

الى آخره لأنه في قوة قوله الذي يطهرها نزح دلاء، و لأنه لا عموم في المطهرات الأخر بحيث يشمل المقام، و لظواهر الأوامر بالنزح، و حملها على التخيير مجاز. و قيل بطهارتها بغيره من المطهرات من إلقاء الكر و اتصاله أو امتزاجه بالكثير أو الجاري، نعم هو يختص عن غيره بالنزح و نسب إلى الأكثر، و في الذكرى و عن الدروس طهارتها بالامتزاج

بالجاري و الكثير و قال: «أما لو ورد عليها من فوق فالأقوى أنه لا يكفي لعدم الاتحاد في المسمى» و عن البيان انها تطهر بمطهر غيره و بالنزح، و عن نهاية الأحكام التوقف في الطهارة بإلقاء الكر، و في المنتهى لو سبق إليها نهر من الماء الجاري و صارت متصلة به فالأولى على التنجيس الحكم بالطهارة لأن المتصل بالجاري كأحد أجزائه فيخرج عنه حكم البئر انتهى. و التحقيق انه ان


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 21.

ج 1، ص: 207

سلمت المقدمة السابقة و هي انه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس قوي القول بالطهارة مطلقا، و يكون التنبيه على النزح لكونه الفرد الأخف الأخفى التي تختص به، و مسألة السافل و العالي تتأتى هنا و لا تتأتى هنا مسألة الإتمام كرا، و ما يظهر من الشهيد (رحمه الله) من عدم الطهارة بالوارد من فوق لعله بناء منه على عدم الاتحاد بذلك كما يقضي به تعليله، و لا ينافيه ما تقدم سابقا من تقوم السافل بالعالي إذا كان كثيرا إذ لعله يفرق بين الدفع و الرفع أو يدعي الخصوصية في البئر و إن كان ضعيفا جدا. على انه يشكل بأنه لا معنى لإنكار الاتحاد مع الواقع من الجاري في البئر و التزام تنجيسه و إلا لحكم بنجاسة الجاري إذا وقع من فوق على أرض نجسة أو ماء نجس فتأمل، و ان لم تسلم تلك المقدمة أمكن القول بالطهارة في خصوص ما إذا خرجت عن اسم البئر و دخلت في اسم الجاري الذي يطهر بعضه بعضا، بل يمكن القول بالطهارة مطلقا حتى بإلقاء الكر لعموم مطهرية الماء و لو لقوله تعالى «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»(1) المراد منه كما عرفت الطاهر في نفسه المطهر لغيره و غير ذلك. و يكفي في كيفية المطهرية معلومية عدم اعتبار الزيادة على الامتزاج هذا و عن المعالم الاستدلال على الطهارة بشي ء آخر قال: «أما على ما اخترناه من اشتراط الامتزاج بالمعنى الذي حققناه فواضح فان ماء البئر و الحال هذه يصير مستهلكا مع المطهر فلو كان عين النجاسة لم يكن له حكم فكيف و هو متنجس و لا ريب أنه أخف. و أما على الاكتفاء بمجرد الاتصال فلان دليلهم على تقدير عاميته لا يختص بشي ء دون شي ء إذ مرجعه الى عموم مطهرية الماء فيدخل ماء البئر تحت ذلك العموم، و الأمر بالنزح لا ينافيه لكونه مبنيا على الغالب من عدم التمكن من التطهير بغيره، و لو أمكن في بعض الموارد فلا ريب ان النزح أسهل منه في الأغلب أيضا» انتهى.

و فيه انه لم يتضح لنا مراده بالاستهلاك، و كيف و قد تكون البئر أكرارا و الملقى كر واحد، و القياس على عين النجاسة قياس باطل لظهور ان عين النجاسة مدار التنجيس


1- 1 سورة الفرقان- آية 50.

ج 1، ص: 208

فيها بقاء اسمها و هو قد يزول و يستهلك بخلافه هنا. فان قلت: مدار النجاسة هنا أيضا على كونه ماء بئر فمتى زال عنه هذا الوصف بممازجته للمطهر الغير القابل للنجاسة زال عنه النجاسة. قلت: هذا حق، و قد أشرنا إليه سابقا، لكن الكلام في خروجها عن ذلك دائما بمجرده، فان قلت: لا يكاد يخفى انه مع إلقاء الكر و ممازجته لا يصدق عليه انه ماء بئر فقط، و المعلوم من التنجيس انما هو إذا كان مجردا عن غيره. قلت: بناء على ذلك لو ألقي كر في البئر قبل التنجيس لم تقبل النجاسة حينئذ و تسقط جميع أحكامها من النزح و غيره و هو بعيد، نعم هو متجه فيما إذا وصلت بجار فان الظاهر سقوط أحكام البئر، و مثله فيما لو وصلت براكد كثير لم يغلب عليه اسمها و كون مائه مائها لأن الأصل عدم أحكام البئر، و المعلوم من الأدلة غير هذا الفرد فتأمل، و الظاهر انه بحكم الجاري الغيث ان قلنا بالمقدمة السابقة و هي ليس لنا ماء واحد، بل و إن لم نقل ل

قوله (1) (عليه السلام) «كل شي ء يراه ماء المطهر فقد طهر»

و ما في رواية كردويه(2) من النزح لماء الغيث لا ينافيه لظهوره في استصحاب عين النجاسة. و هل يطهر جميع مائها بإجرائها لدخولها تحت اسم الجاري، أو الباقي عند المنبع بعد انفصال ما كان يجب نزحه لكون هذا الاجراء بمنزلة النزح، أو انه لا يطهر شي ء منها إلا بالنزح للشك في دخوله تحت اسم الجاري و كون هذا الجريان بمنزلة النزح و استصحاب النجاسة محكم أوجه، أقواها الأخير، و بعده في القوة الأول.

[في تطهر ماء البئر بنزح جميعه إذا وقع فيها مسكر]

و كيف كان فتطهر بنزح جميعه من غير مسامحة، و لعل بعض الأشياء اليسيرة جدا لا تقدح لعدم انفكاكها عرفا، و لو ذهب جميع الماء لا بالنزح فالأقوى حصول الطهارة، و احتمال التعبد في خصوص النزح في غاية الضعف و ان كان هو الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 209

من بعض مطاوي كلماتهم، و به صرح في المنتهى فيما لو نزف المقدر بدلو واحد واسع، و كأن إشكالهم في مسألة الغور أي لو غار ماؤها ثم نبع الماء ليس من جهة الغور الذي هو غير نزح بل من جهة احتمال كون هذا الماء هو ذلك الماء. و فيه انه على تقدير تسليم بقاء نجاسته لو كان هو أنه يحتمل أن يكون هو و غيره و الأصل الطهارة، و في كاشف اللثام «أنه لا ينجس بأرض البئر فإنها تطهر بالغور كما تطهر بالنزح كلا أو بعضا فإنه كالنزف، و احتمل بعضهم قصر طهارة الأرض على النزح فينجس بها المتجدد» انتهى. و قد عرفت أن الأقوى الأول.

إن وقع أي صار فيها مسكر و يظهر من بعضهم أنه المائع بالأصالة و آخر بدونها، و على الأمرين يخرج الجامد بالأصل و إن كان مسكرا، و بالعارض على الثاني لا الأول، و الحكم في الطاهر منها ظاهر إذ كونه كاغتسال الجنب بعيد، و كيف كان فلم نعثر على رواية تضمنت نزح الجميع للمسكر، نعم هي في الخمرة كثيرة (منها)

قوله (عليه السلام) (1)في خبر عبد الله بن سنان: «فان مات فيها قرد أو صب فيها خمر نزح الماء كله».

(و منها)

قوله (عليه السلام)(2) في صحيح معاوية بن عمار: «في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر فقال: ينزح الماء كله».

(و منها)

قوله (عليه السلام)(3) أيضا فيما رواه الحلبي: «و إن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلتنزح» و في الوسائل أنه رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و زاد فيه فلينزح الماء كله

، فإلحاق مطلق المسكر به إما لشمول لفظ الخمر له لكونه لما يخمر العقل، و فيه ما لا يخفى، أو لما

عن الكاظم (عليه السلام) (4)«ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 1- و في الوسائل ثور بدل قرد.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الأشربة المحرمة- حديث 1 من كتاب الأشربة.

ج 1، ص: 210

و

أبى جعفر (عليه السلام)(1)«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل مسكر خمر»

أو غير ذلك، لكن في كاشف اللثام ان شيئا من ذلك لا يفيد دخولها في إطلاق الخمر قلت: يمكن أن يقال إنها و إن لم تفد ذلك لكنها تفيد المشاركة في الحكم سيما بعد الانجبار بالإجماع المنقول في السرائر و عن الغنية، قال في الأول فالمتفق عليه الخمر قليله و كثيره و كل مسكر فيندفع حينئذ احتمال اختصاصها بالحرمة لأنها المتبادرة، نعم قد يقال ان ما ذكرته من الأخبار لا تشمل القليل منه لتضمنها لفظ الصب و هو لا يصدق على القطرة، و لعله من هنا نقل عن الصدوق أنه قال في القطرة من الخمر عشرون دلوا و ل

قول الصادق (عليه السلام)(2) في خبر زرارة: «بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال: الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فان غلب الريح نزحه حتى تطيب»

و قواه في الذخيرة، لكن هي مع قصور سندها و لا جابر و اشتمالهما على غير المفتي به و معارضتها بما رواه

الشيخ (3)عن الحسين بن سعيد عن محمد بن زياد عن كردويه قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر قال: ينزح منها ثلاثون دلوا»

قاصرة عن معارضة صريح الإجماع المتقدم في السرائر المعتضد بظاهره عن الغنية، بل قد يظهر من الشيخ في التهذيب انها معارضة بالروايات المتقدمة أيضا لأنه قال: بعد ذكر هذين الروايتين هما خبر واحد فلا يمكن لأجله دفع هذه الأخبار كلها، و لعله فهم من لفظ الصب مطلق الوقوع فاللازم حينئذ طرحها كالخبر الثاني إذ لم يعمل به أحد فيما أعلم، إلا ما نقله في كاشف اللثام أنه احتمل في المعتبر العمل به و بخبر العشرين بالحمل على التفاضل انتهى.

و هو مع انى لم أجده فيه احتمال في غير محله لخروج الخبر عن الحجية عندنا بإعراض الأصحاب، بل المتجه بعد التسليم حينئذ إدخاله فيما لا نص فيه. أو فقاع كما في


1- 1 الوسائل- في الباب- 15- من أبواب الأشربة المحرمة- حديث 5 من كتاب الأشربة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 211

كتب الشيخ و من بعده على ما في كاشف اللثام كالمدارك ذكره الشيخ و من تأخر عنه، بل عن الغنية الإجماع عليه و هو الحجة مع ما في الروايات من أنه

«خمرة مجهولة»(1)

و انه

«خمرة استصغرها الناس»(2)

مما يظهر من الدخول في الخمر و لو في الحكم فما وقع في المدارك من المناقشة فيه من أن الإطلاق أعم من الحقيقة ليس في محله، نعم قد يتوجه عليه ما ذكرنا ان ثبت التبادر في وجه الاستعارة، و في المدارك «و لا يلحق به العصير العنبي بعد اشتداده و قبل ذهاب ثلثيه قطعا تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض». قلت: لكنه يدخل في غير المنصوص حينئذ، و الفقاع كرمان هذا الذي يشرب، سمى بذلك لما يرتفع في رأسه من الزبد كما عن القاموس، و عن المرتضى في الانتصار انه الشراب المتخذ من الشعير. أو مني قليلا كان أو كثيرا من انسان أو غير انسان مما له نفس سائلة، و قيل: باختصاصه بالإنسان لكونه المتبادر منه، و اعترف جماعة بعدم العثور على نص فيه. قلت: لكن قد يحتج عليه بالإجماع المنقول في السرائر و عن الغنية، بل في الأول دعواه على المني من سائر الحيوان مأكول اللحم و غير مأكول اللحم فتخصيصه بالإنسان حينئذ ضعيف، إلا أنه لعل المراد بما لا نص فيه في كلامهم عدم ورود خبر فيه بالخصوص أو بالعموم فلا يكفي الإجماع المنقول في إخراجه عنه حينئذ، و إلا لاكتفي بالاستصحاب و نحوه و الأمر سهل إذ لا مشاحة في الاصطلاح.

أو أحد الدماء الثلاثة الحيض و النفاس و الاستحاضة على قول مشهور بل قد سمعت نقل الإجماع عليه في المني، و مثله في السرائر و عن الغنية هنا، و ربما أدخله بعضهم بما لا نص فيه فأوجب نزح الجميع للقاعدة، و يمكن تأييده بغلظ النجاسة فيه و لذلك لا يعفى عن قليله في الصلاة، و ربما ظهر من بعضهم التوقف فيه للأخبار(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الأشربة المحرمة- حديث 1 من كتاب الأشربة.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 212

الدالة على حكم مطلق الدم الشامل لما نحن فيه. و فيه انه يجب الخروج عنه بالإجماعين المنقولين سيما مع اعتضادهما بالقاعدة و غلظ النجاسة، على أنه لا إطلاق ظاهر الشمول لها إذ الموجود في

صحيح علي بن جعفر (عليه السلام)(1) السؤال «عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء و أوداجها تشخب دما هل يتوضأ من تلك البئر؟ قال:

تنزح منها ما بين الثلاثين و الأربعين دلوا ثم يتوضأ منها»

و هي كما ترى لا إطلاق فيها ك

صحيحه الآخر(2) قال: سألته «عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها؟ قال: ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها»

نعم قد يستدل بترك الاستفصال في

مكاتبة محمد بن إسماعيل بن بزيع (3)المتقدمة «عن البئر يكون في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات من بول أو دم»

الى آخره. لكنه مع اقتصاره على القطرات غير ظاهر في شموله لأحد الدماء الثلاثة لعدم تبادرها و بعد تحقق فرض وقوع شي ء منها حتى يسأل عنه، و

في خبر زرارة سألته «عن بئر قطر فيها قطرة من دم أو خمر فقال (عليه السلام): الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا»

و هو- مع الغض عن سنده و اشتماله على ما أعرض عنه أكثر الأصحاب و عدم تبادر الثلاثة منه- مقيد بما سمعت من الإجماع و غيره، و قد يلحق على إشكال بالدماء الثلاثة دم نجس العين للقاعدة المتقدمة مع عدم ظهور المخرج عنها.

أو مات فيها بعير إجماعا كما في السرائر و عن الغنية و في المدارك انه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا و هو الحجة، مضافا الى

صحيح الحلبي(4) قال: «و ان مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلينزح»

و في

خبر عبد الله بن سنان (5)«فان مات فيها ثور أو نحوه نزح الماء كله»

لكن الظاهر من العبارة و الرواية تخصيص هذا الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 21.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 213

بما إذا مات فيها فلا تشمل ما لو كان ميتا خارجا عنها ثم وقع فيها، و القول بالشمول لا يخلو من قوة، و بما سمعت من الأدلة يخص عموم أو إطلاق ما في بعض الروايات(1) من الحكم على الدابة مما ينافي ما ذكرنا و ما في

خبر عمرو بن سعيد بن هلال (2) قال: «حتى إذا بلغت الحمار و الجمل فقال: كر من ماء»

فهو- مع الضعف في سنده و عدم بيان كون الجمل مات فيها- محتمل لان يراد بالتقدير للحمار لا لهما لمعلومية حكم البعير، و لا يصلح لمعارضة ما سمعت من الإجماع، بل قد يدعى تحصيله على خلافه، و في كاشف اللثام «ان البعير كالإنسان يشمل الذكر و الأنثى باتفاق أئمة اللغة» انتهى، لكن عن الأزهري ان هذا كلام العرب و لا يعرفه إلا خواص أهل العلم باللغة انتهى، و قيل: انه من كلام أئمة اللسان أن البعير في الإبل كالإنسان و الناقة كالمرأة. قلت: و لعل العرف المقدم على اللغة عند التعارض يقضي باختصاصه بالذكر سيما على ما سمعته من الأزهري، لكن في السرائر بعد نقل الاتفاق على البعير قال سواء كان ذكرا أو أنثى، إلا أنه قد يظهر من الاستدلال على ذلك بكونه اسم جنس كالإنسان و الجمل كالرجل و الناقة كالمرأة انه اجتهاد منه ليس أخذا بالإجماع و هل يشمل الكبير و الصغير؟ صرح في المنتهى و الذكرى و عن المعتبر و وصايا التذكرة و القواعد بالشمول، و في كاشف اللثام أنه قد يظهر من فقه اللغة للثعالبي و عن العين أنه الباذل، و عن الصحاح و تهذيب اللغة و المحيط انما يقال: لما أجذع، و لا يبعد القول بعدم شموله في العرف للصغير، و الظاهر قصر الحكم على الأهلي دون الوحشي مع احتماله فتأمل. و أما الثور فالصحيح انه ينزح له الجميع وفاقا لبعضهم، بل في الذخيرة قيل انه مذهب أكثر الأصحاب، و هو المنقول عن الصدوق أيضا للاستصحاب و

صحيح ابن سنان المتقدم «فان مات فيها ثور أو نحوه نزح الماء كله»

و به يقيد إطلاق الدابة في بعض الأخبار مما ينافي ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث- 5 و 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث- 5.

ج 1، ص: 214

و يمكن إلحاق البقرة به لقوله فيه أو نحوه، و احتمال إرادة غيرها و إلا لقال البقر يدفعه- مع عدم اعتبار مثل ذلك في الأخبار لعدم انحصار التعبير و احتمال النقل بالمعنى- انه قد يكون أراد الأعم من البقر و ان لم يظهر لدينا، نعم الظاهر قصر الحكم على الكبير لعدم تناول الصحيح له، كما ان الظاهر قصر الحكم على الأهلي دون الوحشي مع احتماله لا سيما بعد قوله أو نحوه، و قال في السرائر ينزح للبقر وحشية أو أهلية مقدار كر، و عن الشيخين و أتباعهما انه لم يذكروه لكنهم أوجبوا نزح كر للبقرة، و عن صاحب الصحاح إطلاق البقرة على الثور، و هو مخالف لما عليه العرف الآن، و في الذخيرة ان الشيخين و ان لم يذكرا حكم الثور بالخصوص لكنه داخل في عموم كلامهما حيث ذكرا نزح كر للحمار و البقرة و أشباههما، و الأقوى ما ذكرنا لعدم دليل معتبر على ما قالوه لا أقل يكون مما لا نص فيه، لكن ستسمع فيما يأتي ان المشهور خلافه عند البحث عن الدابة، و عن القاضي أنه مما ينزح له الجميع أيضا عرق الإبل الجلالة و عرق الجنب من الحرام، و عن الحلبي أنه ينزح لروث ما لا يؤكل لحمه و بوله عدا بول الرجل و الصبي، و عن البصروي لخروج الكلب و الخنزير حيين، و عن بعضهم الفيل، و لم نقف في جميع ذلك على دليل بالخصوص، نعم يمكن إدخال الخنزير في نحوه و الفيل في وجه، نعم في رواية أبي بصير (1)الأمر به لسقوط الكلب، و كذا في موثقة عمار(2)، و هي معارضة بأخبار أخر ستسمعها ان شاء الله.

[في التراوح]

فان تعذر أو تعسر استيعاب مائها لغلبته و كثرته في نفسه و لو لاتصال ماء آخر به أو لتجدد النبع كما هو ظاهر النص و الفتوى على تأمل في البعض تراوح عليها من التفاعل لان كل اثنين يريحان صاحبيهما أربعة فصاعدا لا أقل رجال لا

نساء و لا صبيان و لا خناثى، كل اثنين دفعة لا واحد واحد و لا ثلاثة دفعة يوما اي يوم صيام فيجب أن يكون قبل الفجر بقليل للمقدمة إلى جزء بعد دخول الليل لها للإجماع المنقول عن الغنية مؤيدا بما في المنتهى من أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث- 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث- 8.

ج 1، ص: 215

لا يعرف فيه مخالفا بين القائلين بالتنجيس، و في حاشية المدارك بل و القائلون بالطهارة حاكمون به و

خبر عمار(1) و فيه انه سئل الصادق (عليه السلام) «عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال (عليه السلام): ينزف كلها فان غلب عليه الماء فلينزف يوما الى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين فينزفون يوما الى الليل و قد طهرت»

و قوله (عليه السلام) (ثم) إما ان تقرأ بفتح الثاء أو يقدر قال بعدها، بل عن بعض النسخ وجودها بعدها، أو هي للترتيب الذكري، أو ان المعنى كما في كشف اللثام فان غلب الماء حتى يعسر نزح الكل فلينزف الى الليل حتى ينزف ثم ان غلب حتى لا ينزف و ان نزح الى الليل أقيم عليها قوم يتراوحون، و هو كما ترى، و قد يقوى في الظن انها من زيادات عمار كما يشهد له تتبع رواياته و ما قيل في حقه، و ما يشاهد من أحوال بعض الناس من اعتياد الإتيان ببعض الألفاظ في غير محلها لعدم القدرة على إبراز الكلام متصلا، و على كل حال فلا ينبغي التوقف فيها من هذه الجهة كما أنه لا وجه له فيها من عدم القائل بوجوب نزح الجميع لما في الرواية، على انه خاص لا ينبغي التعدي عنه الى غير المذكور إذ ذلك غير مخرج لها عن الحجية، و خصوص المورد لا يخصص الوارد، و حملها الشيخ على إرادة التغيير بالمذكورات، و يتعدى حينئذ منه الى غيره بطريق أولى أو لعدم القول بالفصل، و كذا لا معنى للمناقشة فيها من جهة السند إذ ذلك بعد تسليمه غير قادح هنا بعد الانجبار بما عرفت من محكي الإجماع الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب في المقام، مضافا الى ما عن الشيخ من دعوى الإجماع على العمل في روايات عمار، و بعد تأييده أيضا بما رواه في كاشف اللثام (2)

مرسلا عن الرضا (عليه السلام) «فان تغير الماء وجب أن ينزح الماء فان كان كثيرا و صعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري أربعة رجال يستقون منها على الترواح من الغدوة إلى الليل»

بل قال فيه ان الخبرين و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الماء المطلق- حديث- 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 22- من أبواب الماء المطلق- حديث- 4.

ج 1، ص: 216

ضعفا سندا إلا انه لم يعرف من الأصحاب خلافا في العمل بهما، و ربما يستفاد من هذه الرواية أن المراد باليوم يوم الأجير لقوله (عليه السلام) يكتري، و الذي صرح به ابن إدريس انما هو يوم الصوم، قال: «و لا ينافي ذلك ما في بعض كتب أصحابنا من الغدوة إلى العشية لأن أول الغدوة أول النهار بلا خلاف بين أهل اللغة العربية» و كأنه أراد ببعض أصحابنا الصدوق و السيد على ما نقل عنهم لقولهم من الغدوة إلى الليل أو الشيخ و ابن حمزة على ما نقل عنهما لقولهما من الغدوة إلى العشية أو العشاء، و لعله الظاهر لقوله فيما نقله إلى العشية، و عن الإصباح انه من الغدوة إلى الرواح، و المنقول عن اللغويين ان الغدوة ما بين صلاة الغدوة إلى طلوع الشمس، و لعله ينافي ما ذكره و ان تبعه عليه كثير من المتأخرين، بل في المنتهى «و لو تعذر نزح الجميع تراوح أربعة رجال مثنى من طلوع الفجر الى الغروب، و لم أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس» انتهى، لكن قد يريد نفي الخلاف عن أصل الحكم لانه بصدد بيانه، و في الذكرى ان الظاهر انهم أرادوا يوم الصوم فليكن من طلوع الفجر الى غروب الشمس لانه المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل، و لا يبعد اتباعهم في ذلك لاستصحاب النجاسة، و لا جابر للرواية في المقام، و يظهر من بعض المتأخرين أنه لا مناقشة في الآخر، و الظاهر كذلك، و ان وقع في بعض عبارات بعض من تقدم العشية و العشاء و الرواح فلعل المراد بها ما في الروايات من التحديد بالليل، و يؤيد ذلك نقل جماعة الإجماع على العمل بمضمون رواية عمار، و قد قال فيها الى الليل، و الظاهر البناء فيه على التحقيق لا على المسامحة العرفية فيجب حينئذ إدخال الجزئين من الليل للمقدمة، و تهيئة الآلات خارجة نعم قد يقال أنه لا يقدح مثل إرسال الدلو و انتظاره لأن يمتلئ بعد طلوع الفجر لانه يعد مثل ذلك اشتغالا في النزف فتأمل. و هل يكفي التقدير بالنسبة للزمان و العدد أو أحدهما أو لا يكتفى فيجب الاقتصار على اليوم دون الليل و الملفق منهما

ج 1، ص: 217

و الأربعة فصاعدا دون ما عداهما و تراوح الاثنين فالاثنين دون الثلاثة فالثلاثة و الواحد فالواحد و ان يكونوا رجالا فلا يجزي الصبيان و لا النساء و لا الخناثى، و التحقيق أخذ كل ما يحتمل فيه أن له دخلا في التطهير من زيادة القوة و عدم البطؤ و نحو ذلك دون الباقي للعلم أنه ليس المدار على التعبد المحض، و بذلك ينقطع استصحاب النجاسة فحينئذ يكتفي بالنساء و الصبيان إذا كانا مثل الرجال في المقدار و الكيفية، بل و يكتفى في الاثنين إذا قاما مقام الأربعة في المخرج و الإخراج في جميع اليوم، بل و الواحد، بل يكتفى بالدواب إذا كانت كذلك، و يكتفى بالليل و الملفق على تقدير الاجتزاء بمقدار اليوم من الليل، فهل يؤخذ الأطول من الأيام أو الأقصر أو الوسط؟

وجوه، و يحتمل قويا أخذ يوم الليل فتأمل. و لا يكتفى بما يخرجه الواحد أو الاثنان في نصف النهار مثلا مقدار ما يخرجه الأربعة في جميع النهار لسعة الدلو و زيادة القوة لاحتمال أن يكون في هذه الكيفية في التطهير مدخلية، و يظهر من المنتهى الاجتزاء بالصبيان و النساء مع الاقتصار على مدلول الرواية لصدق القوم عليهم. و فيه نظر لان الظاهر ان القوم خاص بالذكور كما عن الصحاح أن القوم الرجال دون النساء، و عن ابن الأثير أن القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال دون النساء و لذا قابلهن به يعني في قوله تعالى «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ»(1) و عن صاحب الكشاف القوم الرجال خاصة لأنهم القوام بأمور النساء، و في قول زهير:

«أقوم آل حصن أم نساء»

و ينبغي القطع بالاجتزاء بما فوق الأربعة إذا لم يحصل بطؤ بسبب ذلك مع احتماله و ان حصل لمصداق القوم عليهم، و ما في الخبر المتقدم (يكتري أربعة رجال) بيان للأقل و ليس المقصود منه الحصر، و ينبغي القطع بالاجتزاء إذا تراوحوا ثلاثة فثلاثة إذا لم يحصل بذلك خلل من جهة البطؤ، و الظاهر في كيفية التراوح أن الاثنين يتجاذبان الدلو و يرميانه الى أن يتعبا فيقوم الآخران


1- 1 سورة الحجرات- آية 11.

ج 1، ص: 218

كما صرح بذلك ابن إدريس في السرائر لكن عن الشهيد الثاني أن كيفيته أن يكون أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو و الآخر فيها يمليه، و لم نعثر له على مأخذ و الأحوط اختيار ما ينزح به من الماء أكثر للاستصحاب، و لو تراوح عليها ثمانية فصاعدا على أن يكون كل اثنين في جانب فهل يكتفى بنصف النهار لقيامهم مقام الأربعة جميع النهار؟ وجهان مبنيان على احتمال المدخلية في التطهير و الاستصحاب لحكم النجاسة، و ان لم يمكن تراوح الاثنين عليها دفعة لضيق المسلك و نحو ذلك فهل يجتزى بالواحد فالواحد أو تكون غير قابلة للتطهير؟ و الأقوى أنه إن كان الواحد فالواحد يقوم مقام الاثنين فالظاهر الطهارة و إلا فلا، مع احتمال أخذ مقدار يوم أيضا من الليل و تطهر بذلك، و هل يعتبر في التراوح أن يكون التوزيع على السهولة فلا يقدح التفاوت أو لا بد من كونه على السوية؟

لا يبعد الثاني لأنه الظاهر من اكتراء الأربعة، بل ربما يدعى ظهوره من قوله (عليه السلام) يتراوحون، و يحتمل الأول لكن بشرط أن لا يكون التفاوت مورثا لقلة النزح من جهة فتور أهل النوبة لزيادة زمانهم، و هل يعتبر تكرار التراوح مكررا أو يكفي و لو بقسمة النهار نصفين؟ لعل الظاهر ان المدار على عدم حصول التعب المورث للتهاون في النزح، و ذكر بعضهم انه يستثنى لهم الصلاة جماعة و إلا كل مجتمعين، و ربما تأمل في الثاني لإمكان حصوله عند التراوح بخلاف الأول، و للنظر فيهما مجال لان استحباب الجماعة لا يقضي بجوازه هنا بعد ظهور الدليل في استيعاب اليوم و إلا لجازت النوافل و الأذكار و نحو ذلك من المستحبات التي قبل الصلاة و بعدها و فيها، و إن كان المدار على أن ذلك غير قادح في اليوم عرفا ففيه أن ذلك من المسامحات العرفية، و اغتفاره في يوم الأجير لا يقضي باغتفاره هنا، على أن ظاهرهم سابقا انه ليس كيوم الأجير، و لذلك كان المبدأ من أول الفجر و المنتهى الليل فحينئذ يصلي كل منهم في نوبة

راحته، و الظاهر انه يستثنى لهم قضاء حوائجهم من الغائط بحيث لا يزيد على مقدار الضرورة بشرط استقامة المزاج، و لو حدث لهم تعطيل في الأثناء من انقطاع حبل أو شق دلو

ج 1، ص: 219

بحيث يحتاج إلى الإصلاح فإن كان زمانا يسيرا يقطع بعدم التعطيل فيه من جهة التطهير لم يقدح و إلا قدح، و لا يثمر أخذ شي ء من الليل عوضه لفوات الموالاة المحتمل دخولها في التطهير، و لو تغير حال البئر في أثناء التراوح بعدم الغلبة للماء احتمل الاكتفاء بإتمام التراوح و أن لم يحصل به الاستيعاب، و إيجاب نزح الجميع لاستصحاب النجاسة، و لعله الأقوى، و لو انعكس الأمر في أثناء التراوح لنزح الجميع اكتفي بإتمامه يوما إن كان جامعا للشرائط لعدم مدخلية النية في ذلك، فاحتمال تجديد غيره حينئذ بعيد فتأمل، و كلام الأصحاب في المقام في غاية الاضطراب، و الفروع في المقام لا تتناهى، و كان ذلك كله قرينة الاستحباب فلنقتصر على هذا المقدار.

[في نزح كران مات في البئر دابة أو حمار أو بقرة]

و نزح كر كل على مذهبه فيه ان مات فيها دابة أو حمار أو بقرة كما في القواعد و اللمعة و عن مصباح السيد و النهاية، و زيادة ما أشبهها عن الوسيلة و الإصباح، و عن المهذب للخيل و البغال و الحمير و ما أشبهها في الجسم، و عن الكافي و نحوه و عن الجامع للخيل و البغال و الحمير و البقر، و عن الغنية للخيل و شبهها، و حكى الإجماع عليه، و لعل المراد بما أشبهها الوحشي و البقرة و البغال و الحمير، و في السرائر الخيل و البغال و الحمير أهلية كانت أو غير أهلية و البقرة وحشية كانت أو غير وحشية أو ما ماثلها في مقدار الجسم، و عن النافع الحمار و البغل و الفرس، و نسبة البقرة إلى الثلاثة، و عن الصدوق الاقتصار على الحمار، و في الذكرى الحمار و البغل و الفرس و البقرة و شبهها، و الأقوى الاقتصار على الخيل و البغال و الحمير، و لا يبعد حمل الدابة في عبارة المصنف و نحوه على الخيل للقطع بعدم إرادة كل ما يدب على الأرض لكونه معنى مهجورا، على ان عطفه الحمار و البقرة عليه ينافيه، و لا ذات القوائم الأربع و لا المركوب، فيتعين حملها على الخيل للإجماع المتقدم عن الغنية و

قول الباقر (عليه السلام) (1)في خبر عمرو بن سعيد بن هلال حين بلغ في السؤال إلى الحمار و الجمل: «فقال: كر من ماء»

و عن المعتبر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث- 5.

ج 1، ص: 220

و موضع من التهذيب زيادة البغل، و هو الحجة فيه لعدم التنافي بينهما، و في المنتهى أن أصحابنا عملوا فيها بالحمار، و لذلك قال في الذكرى: الثالث كر للحمار و البغل في الأظهر عن الباقر (عليه السلام) و ليس في بعض الروايات البغل، و عدم عمل الأصحاب بما تضمنته بالنسبة للجمل لا يخرجها عن الحجية كما توهمه في المدارك، و قصور السند منجبر بالشهرة، و في الذكرى جعل المستند في الفرس و البقرة الشهرة، و هو مبني على أصل لا نقول به، و لذا حكي عن المعتبر إدخال الفرس و البقر فيما لا نص فيه، و لا ينافيه كما في كاشف اللثام

صحيح الفضلاء(1) عن الصادقين (عليهما السلام) «في البئر تقع فيها الدابة و الفارة و الكلب و الطير فيموت قال: يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب و توضأ»

و نحوه خبر البقباق (2)عن الصادق (عليه السلام) لإجمال الدلاء، فلا يتيقن الطهارة إلا بنزح الكل، و لا قرينة في الاقتران بما اقترن بها على شي ء، و لا جهة لأن يقال الأصل عدم الزيادة على أقل ما يدخل في الدلاء، و هو عشرة أو أحد عشر أو ثلاثة، فإن الأصل بقاء النجاسة إلا على القول بالتعبد انتهى. و فيه انهما ظاهران في المنافاة له لإطلاق لفظ الدلاء فيهما الصادق في الأقل بناء على عدم الفرق بين جمع القلة و الكثرة و هو الأصح، و إلا كان التقدير بمضمونه،

فدعوى الاجمال لا معنى لها، كما أنه لا معنى للتمسك بالأصل بعد مجي ء الإطلاق، فإن قلت: نحن نقطع بعدم إرادة الإطلاق من حيث هو للإجماع على عدم الاكتفاء به لشي ء مما سئل عنه، بل المراد به مقدار مخصوص، لكن لما كان المقدار المخصوص مختلفا بالنسبة للمسوؤل عنه جاء بالقدر الجامع بين الجميع و هو نزح دلاء، و ترك البيان إما لانه بينه و لم ينقل إلينا أو انه كانوا عالمين به أو لم يكن وقت حاجة أو نحو ذلك. قلت: الكلام في دلالة الرواية في حد ذاتها من غير نظر الى كلام الأصحاب، و لا ريب في دلالتها، و أيضا هي و ان كانت مجملة بالنسبة إلى المقدار لكنها تفيد انها لا ينزح لما سئل عنه الجميع و إلا لم يقل دلاء.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث- 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث- 6.

ج 1، ص: 221

فان قلت: هو كذلك لكن يحتمل أن يكون مقدارا يأتي على جميع ما في البئر و لو بحسب الاتفاق، فلا يتيقن حصول ذلك المقدار إلا بنزح الجميع فإنه يكتفى به حينئذ، و ان لم يبلغ ذلك المقدار فيدخل فيما لا نص فيه بهذا المعنى لا بالمعنى المعروف، و يتجه حينئذ قوله انه لا معنى لأصل عدم الأكثر لكونه مقطوعا باستصحاب النجاسة، و لا معنى لنفي الأكثر بعد تحقق شغل الذمة. قلت: مع أن لنا بحثا في ذلك أن إجماع الغنية و الشهرة المنقولة بل و المحصلة يكفيان في بيان ذلك المجمل، و مما تقدم يظهر لك ما في مناقشة المدارك للمعتبر بأنه لا معنى لجعله للفرس مما لا نص فيه لدخوله تحت اسم الدابة ان قلنا انها لكل ما يدب على الأرض أو ذات القوائم الأربع أو لكل ما يركب، إذ قد عرفت أن جعلها من غير المنصوص لما ذكرنا من جهة إجمال خبر الدلاء لا من جهة ما ذكر، و في المنتهى «و أما البقرة و الفرس فقد قال الشيخ و السيد المرتضى و المفيد بمساواتهما للحمار بالكر، و لم نقف في ذلك على حديث إلا ما روى الشيخ و ذكر صحيح الفضلاء المتقدم، ثم قال بعده: قال صاحب الصحاح: الدابة لكل ما يدب على الأرض و الدابة اسم لكل ما يركب، فنقول لا معنى لحمله على الأول و إلا لعم و هو باطل لما يأتي فيجب حمله على الثاني، فنقول الألف و اللام في الدابة ليست للعهد لعدم سبق معهود ترجع اليه، فاما أن يكون للعموم كما ذهب إليه الجبائيان أو لتعريف الماهية على المذهب الحق، و على التقديرين يلزم العموم في كل مركوب، أما الأول فظاهر، و أما الثاني فلأنه تعليق الحكم على الماهية يستدعي ثبوته في جميع صور وجودها و إلا لم يكن علة هذا خلف، و إذا ثبت فيه دخل فيه الحمار و الفرس و البغل و الإبل و البقر نادرا، غير أن الإبل و الثور خرجا بما دل بمنطوقه على نزح الجميع، فيكون الحكم ثابتا في الباقي.

فإن قلت: يلزم التسوية بين ما عدده الامام. قلت: خرج ما استثني لدليل منفصل، فيبقي الباقي لعدم المعارض، و أيضا التسوية حاصلة من حيث الحكم بوجوب نزح الدلاء و ان افترقت بالقلة و الكثرة، و ذلك شي ء لم يتعرضا له (عليهما السلام) إلا ان لقائل أن

ج 1، ص: 222

يقول إن ما ذكرتموه لا يدل على بلوغ الكرية، و يمكن التمحل بان يحمل الدلاء على ما يبلغ الكر جمعا بين المطلق و المقيد خصوصا مع الإتيان بصيغة جمع الكثرة. لا يقال:

ان حمل الجمع على الكثرة استحال إرادة القلة منه، و إلا لزم الجمع بين إرادتي الحقيقة و المجاز، و ان حمل على القلة فكذلك. لأنا نقول: لا نسلم استحالة الثاني، سلمناه لكن ان حمل على معناه المجازي و هو مطلق الجمع لم يلزم ما ذكرتم، على ان لنا في كون الصيغ المذكورة حقائق أو مجازات في الكثرة نظرا، و بعض المتأخرين استدل بهذه الرواية على وجوب النزح للحمار دون الفرس و البقرة، و ألحقهما بما لم يرد فيه نص، و قد روى مثل هذه الرواية البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام)» انتهى. و نقلناه برمته لما فيه من الفوائد العظيمة الجليلة النافعة في المقامات المتعددة، و اعترضه في المدارك بثمانية وجوه، و يمكن للناظر أن يجعل في كل من الثمانية ثمانية من النظر، قال فيها:

« (الأول) مقتضى كلامه (رحمه الله) ان الدابة حقيقة فيما يركب حيث حمل النص عليه و هو غير واضح، و كلام الجوهري لا يدل عليه، فان الإطلاق أعم من الحقيقة و المجاز، و قد صرح بعض محققي أهل اللغة بأن أكثر اللغات مجازات، مع ما قد اشتهر ان الدابة منقولة إلى ذات القوائم الأربع من الخيل و البغال و الحمير، و ذكر جماعة انها مختصة بالفرس، سلمنا انها حقيقة فيما يركب، لكن البقر انما يركب نادرا كما اعترف به، و الألفاظ إنما تحمل على المعنى المتعارف لا النادر الغير المشهور» انتهى.

و فيه انه مبني على ما هو الظاهر من كلام الجوهري من ذكره المعنيين للدابة مع التصريح بقوله في الثاني اسم، و لم يكتف بعطفه على الأول إذ لم يعهد إطلاق لفظ الاسم على المعنى المجازي كأن يقال الأسد اسم للرجل الشجاع، على أن هذا سد لباب التمسك بقول اللغوي من دون ثبوت من خارج، و فيه ما لا يخفى، و أيضا العلامة (رحمه الله) حمله على الثاني بعد أن استدل على نفي الأول، فلو فرضنا أن المعنى الثاني مجاز لكن ربما يظهر من صاحب الصحاح إنه مجاز معروف مشهور، فلا يبعد حمله مع تعذر الأول

ج 1، ص: 223

على الثاني، على أنه نقل عن القاموس أنه قال: الدابة ما دب من الحيوان و غلب على ما يركب، و هو ظاهر في كونه حقيقة عرفية لا أقل من كونه مجازا مشهورا، فبعد انتفاء إرادة الأول يتعين إرادة الثاني، و من ذلك ظهر لك ما في قوله أن الإطلاق أعم من الحقيقة فإنه ليس من باب الإطلاق، و قوله مع أنه قد اشتهر أن الدابة فيه أنه ممنوع أولا، و ثانيا قد يكون معنى حادث لا يحمل عليه الخطابات الشرعية، و لذلك لم يذكره أهل اللغة، و أيضا قد يكون رأي مثل العلامة (رحمه الله) تقديم اللغة على العرف كما ذهب اليه المعترض، بل نقل أنه مذهب كثير من الفقهاء، و لا عيب فيه عليه، قوله لكن البقر انما يركب نادرا فيه أن قوله في الصحاح انها اسم لكل ما يركب قد يدعى عمومه حتى للفرد النادر لوقوعه في سياق كل كالدابة فإنها اسم لكل ما يدب على الأرض لا ما يدب متعارفا، و قال: « (الثاني) قوله في الاستدلال على إفادة المعرف باللام العموم على التقدير الثاني ان تعليق الحكم على الماهية يستدعي وجوده في جميع صور وجودها و إلا لم يكن علة. قلنا: تعليق الحكم على الماهية لا يقتضي كونها علة فيه، على انه لو تم ما ذكره لاقتضي إفادة المعرف المحلى بلام الجنس العموم مطلقا، و هو لا يقول به» انتهى.

و فيه ان ما أشار إليه العلامة (رحمه الله) هو التحقيق في إفادة المعرف باللام العموم، و ذلك لانه قد تبين في الأصول فساد مذهب الجبائيين و غيرهم، و ان الحق كون الالف و اللام للتعريف و الإشارة إلى مدخولها، فحيث يكون مدخولها اسم جنس كانت لتعريف الجنس، و حينئذ ففي وجه استفادة العموم على هذا التقدير خلاف، فمنهم من ذكر دليل الحكمة، و قد ذكرنا فساده في الأصول، و منهم من ذكر هذا الطريق و هو التحقيق، و ذلك حيث يكون متعلقا لحكم شرعي يرجع في الحقيقة إلى وصف الطبيعة من حيث هي هي مثلا إذا قال الشارع البيع حلال كان وصف الحلية لا حقا لطبيعة البيع، فمتى وجدت وجد وصفها معها و إلا لم يكن وصفا للطبيعة، فيستفاد عموم الحلية لجميع أنواع البيع، و لا يكفي في كونه وصفا للطبيعة وجوده في بعض البيع لان ذلك يكون في الحقيقة وصفا للفرد دون

ج 1، ص: 224

الطبيعة. فإن قلت: ان ما قضت به الأدلة من تحريم بعض أنواع البيع ينافي كون الحلية وصفا للطبيعة. قلت: قد يقال أولا أن ما ذكرنا مدلول ظاهري لا ينافيه التخصيص، و ثانيا ان ما قضت به الأدلة ليس أن طبيعة البيع حرام، إنما التحريم للفرد و هو لا ينافي حكم الطبيعة، و ذلك من قبيل أن يقال الرجل خير من المرأة الذي لا ينافيه وجود أفراد من النساء خيرا من الرجال. فلا ريب في كون ذلك هو التحقيق في استفادة العموم، نعم هو لا يجري في كل مقام إذ من المقطوع به أن السيد إذا قال لعبده بع أو أوجد البيع و نحو ذلك لا يجب عليه استغراق جميع أفراد البيع، و الفرق بينهما ان هذا أمر يحصل امتثاله بالواحد، و ليس وصفا لا حقا للطبيعة من حيث هي هي يدور مدارها وجودا و عدما، و من هذه الجهة لم يقل العلامة (رحمه الله) بالعموم في الجميع، بل في بعض دون بعض، و لا يخفى ان ما نحن فيه من قوله (عليه السلام) في الجواب عن الدابة حيث تقع في البئر (ينزح دلاء) من الأول فإنه في قوة أن يقول نزح دلاء للدابة، فحيث توجد هذه الطبيعة يوجد هذا التقدير لها و إلا لم يكن تقديرا لهذه الطبيعة، و التقدير كالتوصيف، و ليس المقصود من هذا الأمر التكليف ليتحقق الامتثال بالواجد، بل هو من قبيل اغسل ثوبك من البول مثلا فإنه ظاهر في أن طبيعة البول موجبة لذلك، فحيث توجد يوجد هذا الحكم و كأن هذا المعنى هو مراد العلامة بالعلية أي المناط الذي يوجد بوجودها الشي ء فتأمل. ثم قال: « (الثالث) قوله: ان الإبل و الثور خرجا بما دل بمنطوقه على نزح الجميع، فيكون الحكم ثابتا في الباقي. قلنا: الذي دل بمنطوقه على حكم الثور دل بمنطوقه على حكم مثله، فان اقتضى الإخراج في أحدهما اقتضاه في الآخر و إلا فلا» انتهى. قلت: محل الكلام الآن في الفرس و البقر، أما الأولى فليس نحوه قطعا، و أما الثاني فللعلامة أن يقول كذلك، و لذلك لم يعمل به أحد في ذلك المقام، و أيضا لو أراد ذلك لقال البقر، و على كل حال فنحوه من قبيل المجملات لأنا لا نعلم

ج 1، ص: 225

ما المراد به، مع احتمال أن يراد به الثور الوحشي.

« (الرابع) قوله: خرج ما استثني بدليل منفصل، فيبقي الباقي لعدم المعارض.

قلنا: الاستثناء و الإخراج بدليل انما يكون من الألفاظ العامة أو ما في حكمها لأن إطلاق اللفظ و إرادة بعض مدلوله معنى مجازي يصار إليه بالقرينة، و الأمور المتعددة المدلول على كل منها بالمطابقة إذا تعلق بها حكم واحد ثبت ذلك الحكم لكل منها على انفراده نصا، فإذا وجد ما ينافي ذلك في بعض المدلولات تعارض الخبران، و يصار الى الترجيح لامتناع العمل بهما» انتهى. قلت: أما مناقشة الأولى فهي مناقشة لفظية لأن محصلها أنه كيف يطلق لفظ الاستثناء على مثل ذلك مع أنه قد يطلق عليه، لا سيما بعد وضوح القرينة كما هنا، و قوله و الأمور المتعددة الى آخره لا ينافي ما ذكره العلامة إذ مراده أنه خرج باعتبار رجحان المعارض، على أنه يمكن صحة الاستثناء هنا في الجواب بان يقال ينزح دلاء إلا للكلب مثلا، فينزح له أربعون، و أيضا فالحكم هنا ليس متعلقا بكل واحد بانفراده نصا، و المطابقة بين السؤال و الجواب لا تقتضي أزيد من الظهور، فلا يمنع من الاستثناء متصلا و منفصلا.

قال: « (الخامس) قوله: و أيضا المساواة حاصلة من حيث الحكم بوجوب نزح الدلاء. قلنا: هذا الخيال واضح الفساد فإنه لا يكاد يفهم من هذه الإطلاق إلا تساوي الأمور المذكورة في قدر النزح، فلو كانت مختلفة في ذلك لزم الإغراء بالجهل و الخطاب بماله ظاهر مع إرادة خلاف ظاهره، و قد ثبت امتناعه في الأصول» انتهى. و فيه أن مدار الجمع بين الأخبار إنما هو حمل ما له ظاهر على خلاف ظاهره بعد ترجيح المعارض فمقصوده بهذا التساوي و أنه بعد دلالة الأدلة على حكم تلك الافراد و كانت مختلفة يعلم من ذلك أن مقصود الامام (عليه السلام) بالجواب إنما هو القدر المشترك بين الجميع، و كان تأخير البيان لمقام آخر أو كانوا عالمين بذلك، و ليس فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة لعدم العلم بكونه وقت حاجته.

ج 1، ص: 226

قال: « (السادس) قوله و يمكن التمحل بان يحمل الدلاء على ما يبلغ الكر جمعا بين المطلق و المقيد. قلنا هذا التمحل واضح الفساد أيضا فإن إطلاق لفظ الدلاء و إرادة الكثرة من غير زيادة و لا نقصان يكاد أن يلحق بالهذر و الهذيان الى سادات الأنام و أبواب الملك العلام عليهم أفضل الصلاة و السلام، و مع ذلك كله فالمقيد الذي ادعاه غير موجود، و لو ثبت وجوده لكان فيه غنية عن هذه التمحلات الواهية و التكلفات الباردة» انتهى.

و أنت خبير بان مثل هذا الكلام لا يناسب في جنب مثل العلامة آية الله في العالمين مع اعترافه بأنه تمحل، و كان ما ذكره هذا المعترض هو وجه التمحل، على أنه يمكن أن يقال إن العلامة أراد بالمقيد رواية عمرو بن سعيد بن هلال (1)الواردة في الحمار، و ذلك لانه لما كان الحمار و البغل و غيرهما داخلة في لفظ الدابة في صحيحة الفضلاء ثم أنه بين مقدار الدلاء في فرد من أفراد الدابة فله أن يقول إن هذا الحكم بيان للدلاء التي هي حكم الدابة، لا سيما مع القطع بعدم إرادة الإطلاق للإجماع، و الحمل على تخصيص لفظ الدابة ليس بأولى مما ذكرنا، بل هو أولى، على ان المشهور شهرة كادت تكون إجماعا بل سمعت ما في الغنية من الإجماع على الخيل و شبهها أن الكر ينزح لجميعها، فبمعونة ذلك يتجه ما تقدم، أو يمكن فهم التقييد منها بطريق آخر بان يقال إن قوله حتى بلغت الحمار الى آخره يراد به اني بلغت لهذا و نحوه في الجسم من الحيوان، فيدخل فيه الفرس و البقرة، و كيف كان فلا ينبغي إساءة الأدب مع مثل العلامة مع اعترافه بالتمحل و إمكان توجيهه بما ذكرنا، هذا كله مع ان عبارة المعترض لا تخلو من مناقشة واضحة للمتأمل كوضوح فساد ما بقي له من الاعتراضين.

[في نزح السبعين لموت الإنسان]

و ينزح سبعين دلوا إن مات فيها أي بعد أن وقع فيها، و المراد به ما يشمل القتل و غيره، ما صدق عليه إنسان سواء كان كبيرا أو صغيرا رجلا أو امرأة، نعم مقتضى تقييد المصنف بالموت فيها أنه لا يدخل في هذا الحكم الميت


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث- 5.

ج 1، ص: 227

خارجا عنها، بل و لا السقط الذي لم تحله الحياة بعد تمام ما يصدق هذا اللفظ معه ان قلنا بنجاسته، لكن قد يظهر من بعض المتأخرين كالفاضل الهندي دخول الأول حيث قال: «ينزح سبعين دلوا لموت الإنسان فيها أو وقوع ميت فيه لم يغسل و لم يقدم الغسل إن وجب قتله فقتل لذلك و ان يمم أو كان شهيدا ان نجسناه خلافا للمشهور» انتهى.

و فيه أن خبر عمار(1) المعمول به بين الأصحاب في المقام الذي هو مستند الحكم، قال فيه: «و ما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا» و هو ظاهر في قصر الحكم على الموت فيها، نعم قد يقال بوجوب نزح السبعين لتحقيق سنذكره.

و كيف كان فمستند الحكم خبر عمار الساباطي المنجبر بما عن الغنية و المنتهى من الإجماع، بل عن المعتبر ان رواتها ثقات، و هي معمول عليها بين الأصحاب، كما في الذكرى للخبر المقبول بين الأصحاب عن الصادق (عليه السلام) مع ما في المدارك من نسبته إلى الأصحاب أيضا، و ما في بعض الأخبار(2) كخبر زرارة من وجوب نزح العشرين دلوا، و

حسن محمد بن مسلم (3)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الميتة تقع في البئر إذا كان له ريح نزح منها عشرون دلوا»

لا يعارض ما ذكرنا لإعراض الأصحاب عنهما، كما عن المنتهى ان أصحابنا لم تعمل بالعشرين، فيكون الاستدلال بهما ساقطا، و يحتمل العمل بهما في ميت الإنسان الخارج عن البئر لأنه من قبيل التعميم و التخصيص إن كان المفهوم من قوله في خبر عمار فيموت فيها تقييدا ان لم يثبت إجماع على عدم ذلك، و ظاهر النص و الفتوى عدم الفرق بين المسلم و الكافر، و خالف في ذلك ابن إدريس و هو المنقول عن أبي علي فأوجب نزح الجميع، و قد أطال ابن إدريس في الاستناد لذلك، و حاصله أن الكافر إذا باشر الماء و هو حي و صعد يجب له نزح الجميع لكونه مما لا نص


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث- 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الماء المطلق- حديث- 2.

ج 1، ص: 228

فيه، و يظهر منه نفي الخلاف فيه، فكيف إذا كان بعد تزوله إليها و مباشرته لمائها بجسمه و هو حي و قد وجب نزح جميعها، فإذا مات بعد ذلك ينزح له سبعون دلوا و قد طهرت، و هل هذا إلا تفصيل من قائله و قلة تأمل، أ تراه عند موته انقلب و طهر، و لا خلاف بيننا ان الموت ينجس الطاهر و يزيد النجس نجاسة، و يمكن تقريره بوجه آخر و هو أنه قد ثبت نزح الجميع له في حال الحياة لكونه مما لا نص فيه، فيثبت هنا لان الفرض موته في البئر فيكون قد لاقاها و هو حي ثم مات و الموت ان لم يزده لم ينقصه فتأمل.

و بهذا القياس يخص عموم الرواية الشاملة للكافر و المسلم، و فيه أولا ان أحكام النجاسة تعبدية لا يعرف حكمتها إلا الله، فلا يمكن أن ينقح العقل بعنوان القطع المساواة فضلا عن الأولوية. و ثانيا انا نمنع ما ذكره من وجوب نزح الجميع هنا للحي و ان قلنا وجوبه لما لا نص فيه لانه على تقدير تسليم ما ادعاه من الأولوية يعلم مما ذكر في الروايات من تقدير الإنسان الشامل لهما بالسبعين ان الحي لا يزيد على ذلك إذ ببيان حكم الأشد يظهر حكم الأضعف، و ما ذكره من دعوى الإجماع ان أراد به على ما لا نص فيه فمسلم، و ان أراد به في خصوص المقام فممنوع لان المراد بما لا نص فيه ان لا يعلم حكمه من الأخبار بوجه من الوجوه، و نحن الآن و إن لم نعلم حكمه بالخصوص لكنا نعلم أنه لا يتجاوز السبعين للأولوية التي ادعاها، على أن ظاهر الرواية موت الإنسان في البئر فعلى تقدير شموله للكافر يكون ظاهرا في ملاقاته له حيا ثم مات، و مع ذلك اكتفي فيه بالسبعين فبدون موته كذلك بطريق أولى قطعا و أما ثالثا. فلانا ان سلمنا له وجوب نزح الجميع في الحي فإنما هو من جهة فقد نص المظهر لحكمه فهو حينئذ حكم ظاهري من باب المقدمة لا أنه حكم شرعي واقعي، فلا يستفاد منه أولوية تعارض النص، و لعل هذا عند التأمل يرجع الى ما سبق، و مما ذكرنا يمكن تحصيل الحكم السابق و هو حكم الميت الخارج عنها مثلا لانه و إن كان مما لا نص فيه بناء على عدم شمول النص له إلا انه ينزح له سبعون لا الجميع للقطع بان الموت في البئر إما انه أشد أو مساو للموت في الخارج عنها

ج 1، ص: 229

فلا ينبغي أن يتجاوز السبعين، فيتجه ما ذكره الفاضل الهندي (رحمه الله) سابقا فتأمل.

و هذه قاعدة تنفعك في كثير مما يأتي و مضى، فما عن المحقق الثاني و الشهيد في روض الجنان من الاكتفاء بالسبعين في الكافر ان وقع في الماء ميتا لعموم النص، و أوجبا نزح الجميع إن وقع حيا ثم مات لثبوت ذلك قبل الموت و الموت لا يزيله مما لا وجه له لكون مورد النص موت الإنسان في البئر، و هو ظاهر في ملاقاته للماء حيا، فان سلم شموله للكافر وجب الاكتفاء فيه بالسبعين مطلقا و إلا فالجميع كذلك، و أما التفصيل فلا وجه له، و مع ذلك كله فلقائل أن يقول في تأييد

كلام ابن إدريس أما أولا ان المعرف بالألف و اللام لا يفيد الاستغراق، و ثانيا المتبادر منه المسلم، و ثالثا أن ظاهر الرواية ان نزح السبعين لمكان الموت، فلا ينافي نزح غير هذا المقدار لمكان نجاسة أخرى، و لو اقتضى ذلك لاقتضي في جميع التقادير إذ قد ورد(1)أيضا في النزح للجنب مثلا مقدار مخصوص، مع أنه لا يسوغ أن تقول أنه شامل لما كان مستصحبا للمني و غيره أولا، و احتمال القول بالتداخل ضعيف، بل في السرائر انه لا أحد من أصحابنا يقدم فيقول ينزح سبع دلاء لارتماس الجنب أي جنب كان سواء كان كافرا أو مسلما محقا. و فيه مع أن ابن إدريس سلم العموم ان التحقيق إفادته للعموم على الطريقة السابقة، و دعوى التبادر في المسلم ممنوعة كما لا يخفى على من له خبرة في غير هذا المقام، و أما الثالث فانا و ان لم نقل بالتداخل لظهور الحيثية كما يأتي، لكن الظاهر في المقام، دخول النجاسة الكفرية و ذلك لانه بعد أن فهم العموم من هذا اللفظ صار بمنزلة المصرح به، فكأنه قال الكافر إذا وقع فيها و مات ينزح له سبعون، و الفرق بين هذا و ما ذكره ان تلك أحوال خارجة عن مسمى اللفظ لم يسق اللفظ لشمولها قطعا بخلافه هنا، فإنه قد اتى باللفظ لشمول أفراده و الفرض أن فيها ما كان نجس العين و لم يذكر له حكما بالخصوص، و ما ذكره ابن إدريس من عدم شمول الجنب للمسلم و الكافر لعله حق إما لان المتبادر


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 230

فيه هنا المسلم بقرينة الارتماس و نحوها بخلاف ما نحن فيه أو لغير ذلك.

[في نزح الخميس لوقوع العذرة أو كثير الدم]

و تطهر بنزح خمسين ان وقع أي صار فيها و لو بغير وقوع تنقيحا للمناط عذرة و المراد بها فضلة الآدمي كما عن الغريبين و مهذب الأسماء و تهذيب اللغة، و لعلها سميت بذلك لأنهم كانوا يلقونها في العذرات أي الأفنية، و ما عن المعتبر انها و الخرء مترادفان يعمان فضلة كل حيوان ضعيف، و إطلاق الشيخ في التهذيب كما قيل لا يقضي بالوضع، و في السرائر «و ينزح لعذرة ابن آدم الرطبة أو اليابسة المذابة المقطعة خمسون دلوا، فان كانت يابسة غير مذابة و لا مقطعة فعشر دلاء بغير خلاف» انتهى.

و منه يظهر وجه قول المصنف فذابت من غير فرق بين كونها رطبة أو يابسة و لكن بقيت فذابت أو ذاب بعضها لعدم الفرق بين قليلها و كثيرها، و هل مثل الذوبان وقوع اليابسة أجزاء دقاقا؟ وجهان، و المراد بالذوبان صيرورتها أجزاء دقاقا، و لعله يرجع اليه التقطع كما عن ظاهر السيد (رحمه الله) بل يرشد الى ذلك جمعه في السرائر بينهما، و عن صريح المهذب و الكافي و الغنية و الجامع الاكتفاء بالتقطع أو الرطوبة، و لعل ذكر التقطع يغني عن الرطوبة لملازمتها للتقطع، و إلا فبدونه لا ينزح، كما أنه لا يبعد أن يراد بالتقييد بالرطبة فقط كما في القواعد و اللمعة و عن النهاية و المبسوط و المراسم و الوسيلة و الإصباح ما يشمل اليابسة التي تترطب في الماء فذابت، و يؤيده اشتمال رواية أبي بصير التي هي المستند في المقام على ذلك كما ستسمعه، و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين صغير الإنسان و كبيره و المسلم و الكافر و غيرهم.

و كيف كان فالحكم بتحتم الخمسين هو المشهور كما في الذكرى و كشف اللثام و هو كذلك، و لعله يشمله نفي الخلاف المتقدم في عبارة السرائر، و في المعتبر اني لم أقف له على شاهد، قلت: شاهده

رواية أبي بصير(1) سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن العذرة تقع في البئر؟ قال تنزح منه عشر دلاء فإذا ذابت فأربعون أو خمسون»


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 231

لاحتمال أن يكون من كلام الراوي أو لعدم معقولية التخيير بين الأقل و الأكثر سيما مقام التطهير إذ احتمال رجوع التشخيص إلى نية المكلف في غاية البعد هنا، فمن هنا يتعين إرادة الخمسين لاستصحاب النجاسة و عدم حصول اليقين الا بذلك، و لعل ما ذكرنا مراد العلامة في المختلف حيث قال و يمكن أن يقال إيجاب أحدهما يستلزم إيجاب الأكثر لأنه مع الأقل غير متيقن البراءة، و انما يعلم الخروج عن العهدة بفعل الأكثر فلا معنى للإيراد عليه حينئذ بأنه غير مستقيم، فان التخيير بين الأقل و الأكثر يقتضي عدم وجوب الزائد عينا و إلا لم يكون للتخيير معنى، فيجب أن يحصل يقين البراءة

بالأقل و يكون الزائد مستحبا، لما عرفت أن ليس مبنى كلامه التخيير، بل قد تكون هذه العبارة عنده من الجمل لمصلحة اقتضاها المقام، فيكون حينئذ التكليف الظاهري وجوب الخمسين، و قد عرفت أن الرواية منجبرة بالشهرة بين الأصحاب، بل الظاهر الإجماع على العمل بمضمونها، فلا يقدح ما في سندها من عبد الله بن بحر، و اشتراك أبي بصير، مع ان لنا كلاما في اشتراك أبي بصير قد تقدم سابقا، كما أنه لا يعارضها

صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام)(1) سأله فيها «عن بئر ماء وقع فيها زبيل من عذرة رطبة أو يابسة أ يصلح الوضوء؟ قال: لا بأس»

و لا صحيحة ابن بزيع (2) الدالة على الاكتفاء في طهارة البئر من وقوع العذرة فيها بنزح دلاء بعد إطلاقهما و تقييدها.

و المروي عن الصادق (عليه السلام) أربعون أو خمسون و مراده رواية أبي بصير المتقدمة، و عن الصدوق أنه قال تطهر بأربعين إلى خمسين، و فيه مع مخالفته لمنطوق الرواية إشكال التخيير بين الأقل و الأكثر.

أو كثير الدم كذبح الشاة أي ينزح له خمسون، و المرجع في الكثرة إلى العرف، وحدها ابن إدريس بأن أقلها ما كان كذبح شاة، ثم نسب ذلك الى رواية أصحابنا، و الأولى ما ذكرنا، و لعل مراده بالرواية صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 21.

ج 1، ص: 232

الآتية، و لا دلالة فيها على ما ذكر، و الظاهر أن مدار الكثيرة بالنسبة إلى الدم نفسه لانه هو المتبادر من الفتوى، فما قيل ان مدارها هنا بحسب الماء قلة و كثرة فقد يكون الدم كثيرا بالنسبة إلى بئر لقلته قليلا بالنسبة إلى أخرى لسعتها لا وجه له إلا وجه اعتباري لا يصلح لان يكون مستندا لحكم شرعي، و كيف كان فما ذكره هو المشهور كما في الذكرى و كشف اللثام، و عن الغنية الإجماع عليه، و في السرائر «و ينزح لسائر الدماء النجسة من سائر الحيوان سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم نجس العين أو غير نجس العين ما عدا دم الحيض و الاستحاضة و النفاس إذا كان الدم كثيرا، فحد أقل الكثير دم شاة خمسون دلوا، و القليل منه وحده ما نقص من دم شاة فإن أكثر القليل عشر دلاء بغير خلاف، إلا من شيخنا المفيد في مقنعته فإنه ذهب الى ان لكثير الدم عشر دلاء، و القليل خمس دلاء، و الأحوط الأول و عليه العمل» انتهى. و قد فهم منها في كشف اللثام نفي الخلاف عما نحن فيه و هو محتمل، بل لعله الظاهر، و عن المرتضى ان للدم ما بين دلو الى عشرين، و عن الصدوق انه ينزح في دم ذبح الشاة من ثلاثين إلى أربعين، و هو خيرة المعتبر و المنتهى و عن المختلف و استحسنه في الذكرى، و في كاشف اللثام انه أقرب، و الأقوى الأول للإجماع المنقول عن الغنية المعتضد بنفي الخلاف و الشهرة التي سمعت نقلها، فهو أرجح من

صحيحة علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليهما السلام) «في رجل ذبح شاة فوقعت في بئر و أوداجها تشخب دما قال (عليه السلام):

ينزح منها ما بين ثلاثين إلى أربعين»

على أن قوله ما بين ثلاثين الى آخره محتمل وجهين، الأول التخيير، و الثاني تمام ما بينهما، لا يقال حينئذ يكتفى بالعشرة كما قاله المفيد، لأنا نقول إضافة البينية إلى الثلاثين ملحوظة، و لا تحصل إلا بإحراز الثلاثين، و مع الغض عن الأرجحية و إعراض الأصحاب عنها مع انها بمنظر منهم يحصل الشك


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 233

من تصادم الحجتين، و الاحتياط لازم هنا لشغل الذمة و استصحاب النجاسة، و لا قائل بالزيادة على الخمسين، فتكون هي طريق اليقين، و أما ما ذكره المفيد فلا دليل عليه سوى ما ستسمعه في القليل من الدم، و أما ما ذكره المرتضى فقد يستدل له ب

خبر زرارة (1)قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) «بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر قال: الدم و الخمر و الميتة و لحم الخنزير في ذلك سواء ينزح منه عشرون دلوا»

و هو- مع انه لا دلالة فيه على ما ذهب اليه من الواحد الى العشرين، و مشتمل على ما لا نقول به- مطلق مقيد بما سمعت، على أنه محتاج الى جابر، و هو مفقود، و مقتضى ما سمعته من ابن إدريس و إطلاق غيره أنه لا فرق بين دم نجس العين و غيره، و استظهر بعضهم العدم جمودا على الرواية، بل يظهر منه الإشكال في غير دم الشاة، و قد عرفت عدم انحصار الدليل في الرواية، بل هو ما تقدم الشامل للجميع، و غلظ النجاسة لا يصلح لان يكون مقيدا للإطلاق، و المروي في صحيح علي بن جعفر ما بين ثلاثين إلى أربعين لا من ثلاثين إلى أربعين فكان الأنسب أن يذكر نفس المتن، و احتمال ترادف العبارتين فيه كلام.

[في نزح الأربعين لموت الثعلب و أشباهه]

و يطهر بنزح أربعين إن مات فيها ثعلب أو أرنب أو خنزير أو سنور أو كلب و شبهه كما في السرائر بزيادة الشاة و الغزال و ابن آوى و ابن عرس، قال: «و ما أشبه ذلك في مقدار الجسم على التقريب» و الظاهر منه إرادة ما أشبه كل واحد منها في مقدار الجسم، و لعله تحمل عليه عبارة المصنف، لكنه بعيد فيها لظهورها في إرادة شبه الكلب بل لعله الأولى لكونه المذكور في الرواية التي هي مستند الحكم، فينبغي الاقتصار عليه، لكن في المعتبر اقتصر على الكلب و شبهه، قال: «و نريد بشبهه الخنزير و الغزال» و أما السنور ففي أول كلامه اختار الأربعين، لكنه في الأخير قال: «و لو عمل بالأقل جوازا و بهذه استظهارا جاز» و أشار بهذه إلى الأربعين، و في القواعد و التحرير


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 234

مثل ما ذكر المصنف، لكن من دون قوله و شبهه، و في الذكرى الكلب و شبهه و السنور، ثم أنه بعد ذلك أدخل في الشبه الثعلب و الأرنب و الشاة كما عن المقنعة أيضا مع زيادة الشاة و الغزال، لكنه قال بعد ذكر الثعلب: «و شبهه في قدر جسمه» و قال في كشف اللثام: «يعني شبه كل واحد منها» و نحوه في النهاية و المبسوط و المراسم و كذا الوسيلة و المهذب و الإصباح بزيادة النص على ابن آوى و ابن عرس، و اقتصر ابن سعيد على الشاة و شبهها.

و كيف كان فالظاهر أن ما ذكره المصنف هو المشهور، بل و يظهر من السرائر أن نزح الأربعين للكلب من المسلمات، و الذي يصلح سندا في المقام

قول أبي الحسن (عليه السلام) في رواية علي(1): «و السنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا و الكلب و شبهه»

كالمروي

في المعتبر(2)عن الحسين بن سعيد في كتابه عن القاسم عن علي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن السنور فقال أربعون دلوا و للكلب و شبهه»

و

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(3)في رواية سماعة: «و إن كانت سنورا أو أكبر منها نزحت منها ثلاثين أو أربعين دلوا»

و أما

رواية أبي مريم (4) قال: حدثنا جعفر قال: «كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول إذا مات الكلب في البئر نزحت»

و

عمار الساباطي (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال: تنزح كلها»

و رواها في كشف اللثام بدل ينزح ينزف، فمع الغض عما في سنديهما و معارضتهما ل

قوله (عليه السلام) في خبر عمار (6)«ان أكبر ذلك الإنسان ينزح


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 3 و هو مروي عن ابى عبد الله عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 235

سبعون دلوا»

لم أر أحدا عمل بهما، فهما معرض عنهما بين الأصحاب، مع عدم صراحة الأولى في نزح الجميع، و الثانية في موت الكلب، فوجب حملهما على التغيير، أو حمل الأولى على نزح الأربعين، و الثانية على رفع كل بينزح أو نصبه على الظرفية أو رفعه على الابتداء و حذف الخبر أي كلها كذلك، و الأولى حملها على الاستحباب كما يؤيده

خبر أبي بصير(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «فان سقط فيها كلب فقدرت أن تنزح مائها فافعل»

و اما

رواية ابن يقطين (2) في الكلب و الهرة فقال:

«يجزيك أن تنزح دلاء فان ذلك يطهرها ان شاء الله»

ك

صحيحة الفضلاء (3)في الكلب و الخنزير و غيرهما «يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب»

و

رواية البقباق(4) في الكلب و ذكر غيره قال: «يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم يشرب و يتوضأ»

فقد تقدم لك سابقا في صحيحة الفضلاء ان المراد بالدلاء قدر مخصوص للإجماع لا الإطلاق، فحينئذ يكون ذلك من باب المجمل و المبين، بل لو سلمنا كونه من باب المطلق فالتفصيل المتقدم حاكم عليه، و ضعف السند بعد انجباره بالشهرة غير قادح في صلاحيته التقييد فتأمل، على أن الأولى غير صريحة في الموت، و أما

الصحيح (5)«في السنور و الدجاجة و الكلب و الطير قال: إذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء، و ان تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح»

فقد قال الشهيد في الذكرى: «انه نادر و لا يعارض المشهور» و عن الشيخ حمله في الكلب على خروجه حيا، و كيف كان فلم نعثر على عامل به من القدماء و غيرهم فطرحه أو تأويله متجه، و حديث زرارة المتقدم سابقا لا منافاة فيه لتضمنه لحم الخنزير، و هو غير ما نحن فيه، و أما

خبر عمرو بن سعيد بن هلال (6) سأله «عما يقع في البئر ما بين الفارة و السنور إلى الشاة فقال (عليه السلام): كل ذلك نقول سبع دلاء»


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.

ج 1، ص: 236

فلا جابر له في المقام، و ان حكي عن الفقيه انه قال: و ان وقع فيها سنور نزح منها سبع دلاء لكن ما عنه في المقنع أنه قال: في السنور من ثلاثين إلى أربعين و روي سبع دلاء(1) ظاهر في الاعراض عنها.

نعم يبقى الكلام في دلالة ما ذكرنا من الرواية على المختار، فنقول أما دلالتها على السنور و الكلب فواضحة، و أما الثعلب و الأرنب و الخنزير فليس في الروايات تعرض لها بالخصوص، نعم قد سمعت

قوله (عليه السلام) «و الكلب و شبهه»

و

قوله (عليه السلام) «سنورا أو أكبر منها»

و عن الشيخ أنه يريد بشبهة في قدر جسمه، و هذا تدخل فيه الشاة و الغزال و الثعلب و الخنزير و كل ما ذكر يعني المفيد في المقنعة، و الظاهر دخول الأرنب في

قوله «سنورا أو أكبر منها»

و قد تقدم لك الزيادة و النقيصة في كلامهم، و كأنه لإجمال الشبه و الأكبر في الروايتين، و الأولى الرجوع في الشبه الى العرف، و ليس المدار فيه على مقدار الجسم فقط، و الظاهر دخول ابن آوى فيه، و أما ابن عرس فقد سمعت أنه ذكره بعضهم، و لكن لا يخلو من إشكال، كما ان دخول الشاة في شبه الكلب لا يخلو من إشكال، سيما بعد

قول جعفر عن أبيه (عليهما السلام) في خبر إسحاق بن عمار (2)«و إذا كانت شاة و ما أشبهها فتسعة أو عشرة»

و في خبر عمرو بن سعيد سبع دلاء، لكن لا يبعد الأول لانجبار ضعف الدلالة بالشهرة على تقدير تحققها، و الاحتياط و كأنه بالأربعين متيقن لعدم القائل بالزيادة، و أما

قوله: في الرواية «عشرون أو ثلاثون أو أربعون»

فيحتمل أن يكون من الراوي، بل قد سمعت أنه ليس في رواية المحقق ترديد، و أيضا قد بينا عدم جواز التخيير بين الأقل و الأكثر، فيحتمل أن يكون الامام قصد الاجمال، و حينئذ فالاحتياط لازم لما ذكره المشهور، و عن الهداية و المقنع في الكلب و السنور من ثلاثين إلى أربعين، و لعله للترديد الذي في رواية سماعة، و إلا فالرواية


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 10 و في الباب 15 حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 237

الأخرى وردت بين العشرين و الثلاثين و الأربعين، و حينئذ يدخلون الكلب في الأكبر من السنور، و قد يكون عمل بالروايتين مع طرح قوله عشرين، و الأولى ما قدمنا، و الظاهر عدم الفرق بين الصغير و الكبير في ذلك بعد صدق الاسم، و لا بين الذكر و الأنثى لظهور إرادة اسم الجنس، و هل يعتبر الموت في البئر أو الأعم؟ لا يبعد الثاني، و تعرف قوته مما تقدم لنا سابقا في موت الإنسان.

و كذا يطهر بنزح الأربعين لبول الرجل كما في المعتبر و القواعد و التحرير و السرائر مع تفسيره بأنه الذكر البالغ، و عن الغنية الإجماع عليه، و في كاشف اللثام انه لا خلاف فيه، و في الذكرى نسبته للشهرة، و في المعتبر نسبته إلى الخمسة و أتباعهم، بل نسبه في أثناء كلامه إلى الأصحاب، و في السرائر ان الأخبار(1)متواترة من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) بأنه ينزح لبول الإنسان أربعون دلوا، و مع ذلك كله ففيه

رواية علي بن أبي حمزة (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت: «بول الرجل قال:

ينزح منه أربعون دلوا»

و ما في سند هذه الرواية من علي بن أبي حمزة و انه واقفي قد أكل أموال الكاظم (عليه السلام) ظلما و عدوانا منجبر بما سمعت، مع أنه نقل عن الشيخ الإجماع على العمل بروايته، و في المعتبر لا يقال إن عليا واقفي، لأنا نقول تغيره انما هو في موت موسى (عليه السلام) فلا يقدح فيما قبله، و لعل غرضه ان عمل الأصحاب بروايته هنا مع عدم اتفاقه على العمل برواية مثله قد يكون لاطلاعهم على تأديه الرواية قبل الوقف، فلا يرد عليه أن العبرة في حال الأداء لا التحمل فتأمل.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في العمل بهذه الرواية هنا، و في المنتهى علي ابن أبي حمزة لا يعول على روايته، غير أن الأصحاب قبلوها، و أما

رواية معاوية ابن عمار(3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو خمر قال (عليه السلام): ينزح الماء كله»

فهي مع صحة سندها قد أعرض


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.

ج 1، ص: 238

عنها الأصحاب، فلا مانع من حملها على التغيير أو الاستحباب أو غير ذلك ك

رواية كردويه (1) سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر قال (عليه السلام): ينزح ثلاثون دلوا»

إذ هي- مع عدم التصريح فيها بان البول بول الرجل و اشتمالها على ما لا نقول به- لا سبيل للعمل بها لعدم الجابر لها لجهالة كردويه كما عن مختلف الفاضل، و أما

صحيحة ابن بزيع (2)عن الصادق (عليه السلام) «في القطرات من بول أو دم قال: ينزح دلاء»

فهي مع عدم التنصيص فيها على بول الرجل لا معارضة فيها لحمل الدلاء على ما تبلغ الأربعين، و من العجيب ما في المنتهى بعد ذكر الروايات «و الأقرب عندي الأخذ برواية محمد بن بزيع لسلامة سندها و بحمل الدلاء على رواية كردويه فإنها لا بأس بها» انتهى. قلت: رواية علي بن أبي حمزة التي نقل عن الأصحاب قبولها أولى من رواية كردويه، مع انه نسبها في المعتبر الى الشذوذ.

إذا عرفت ذلك فلا ريب أن العمل بالمشهور أولى مع تأيده بالاحتياط الواجب الاتباع في المقام على تقدير النجاسة أو الوجوب التعبدي، و الظاهر عدم الفرق بين بول المسلم و الكافر، و ما يقال من الفرق بالغلظ بمباشرته بدن الكافر لا يصلح لان يكون مدركا للحكم الشرعي، و ألحق ابن إدريس بالرجل المرأة مع نصه على عدم الفرق بين الصغيرة و الكبيرة، و وافقه على ذلك العلامة في التحرير بل عن الغنية و المهذب و الإصباح و الإشارة ذلك أيضا، و لعله لا يخلو من قوة لما سمعت من النقل المتواتر عن الأئمة (عليهم السلام) و كفى بمثله ناقلا لذلك، و عدم الوجدان مع اتحاد الزمان و اتحاد المرجع لا يدل على عدم الوجود، فكيف إذا لم يكن كذلك، فما في المعتبر لا ريب انه و هم في غير محله، كما ان ما في المنتهى من أن ابن إدريس لم يفرق بينهما من مأخذ آخر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 2 و في الباب- 16- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 6 إلا انه روى عن الرضا عليه السلام.

ج 1، ص: 239

قال: لأنها إنسان و الحكم معلق عليه معرفا باللام الدال على العموم، و مقدماته كلها فاسدة، نعم لا فرق في المرأة بين الصغيرة و الكبيرة في وجوب الأربعين لا يخلو من نظر إذ قد عرفت أن مقدماته صحيحة، و كأن قول العلامة (رحمه الله) نعم الى آخره يريد به على تقدير الإلحاق، و في المعتبر العمل برواية كردويه في بول المرأة، و على ما عرفت من مختار المنتهى تتجه المساواة بين الرجل و المرأة، و قد عرفت أن رواية كردويه لا جابر له، فالأقوى حينئذ العمل بما قاله ابن إدريس، و لا فرق بحسب الظاهر بين قليل البول و كثيره و بين صبه فيها أو البول فيها، و ستسمع حكم بول الصبي.

[في نزح العشرة للعذرة الجامدة]

و تطهر بنزح عشرة للعذرة الجامدة التي لم تبق في البئر حتى تقطعت أو تقطع بعضها، و هو أولى من التعبير باليابسة لأن الحكم ليس دائرا مدارها لما عرفت، و لكون مستند الحكم ما في

خبر أبي بصير(1) من «نزح عشرة للعذرة فإن ذابت فأربعون أو خمسون»

كرواية علي بن أبي حمزة إذا المراد حينئذ نزح عشرة للعذرة الغير المذابة كما هو مقتضى الفهم العرفي من هذه العبارة، مع ما في السرائر فإن كانت غير مذابة و لا متقطعة فعشر دلاء بغير خلاف، و ما عن الغنية من الإجماع عليه، و بذلك كله تقيد رواية عمار(2)و صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام)(3) المتضمنة لنفي البأس عن الوضوء في البئر بعد وقوع الزنبيل من العذرة اليابسة أو الرطبة.

[في نزح العشر لقليل الدم]

و كذا ينزح عشر لقليل الدم غير الدماء الثلاثة، و المراد بالقلة في نفسه لا بالنظر للبئر على الأصح، و ما في السرائر من حد أكثر القليل بأنه ما نقص من دم شاة و نسبته فيها إلى رواية أصحابنا لم نتحققه كما عرفت سابقا كدم الطير و الرعاف اليسير و غيرهما من القطرة و القطرتين، و في السرائر نفي الخلاف فيه إلا من المفيد فخمس، و عن الغنية الإجماع عليه، لكن في

صحيح علي بن جعفر (عليه السلام)(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 240

بعد أن سأله عن وقوع الشاة المذبوحة التي تشخب أوداجها دما في البئر فقال: «ينزح منها ما بين الثلثين إلى الأربعين قال: و سألته عن رجل ذبح حمامة أو دجاجة فوقعت في بئر هل يصلح أن يتوضأ منها؟ قال: ينزح منها

دلاء يسيرة و في

رواية عمار الساباطي (1) قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) «عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر؟ فقال (عليه السلام): ينزح دلاء»

و في

صحيح ابن بزيع «في البئر تقطر فيها قطرات من بول أو دم فقال (عليه السلام): ينزح منها دلاء»

إلا أنه ينبغي تنزيلها على العشر، فالمطلق في هذه الأخبار منزل على المقيد لإجماع الغنية المعتضد بنفي الخلاف من ابن إدريس و الشهرة في كشف اللثام، و فيه أيضا انهم حملوا مطلق الخبرين على العشر لأنه أكثر عدد يميز بالجمع، و لان قيد اليسيرة قد يصلح قرينة على إرادة معنى جمع القلة، قلت: هذا التوجيه منقول عن الشيخ، و اعترضه في المعتبر بانا لا نسلم انه إذا جرد عن الإضافة كانت حاله كذا إذ لا يعلم من قوله عندي دراهم أنه لم يجز عن زيادة عن عشرة، و لا إذا قال أعطه دراهم يعلم انه لم يرد أكثر من عشرة فإن دعوى ذلك باطلة، و اعترض المعتبر في المنتهى بأن الإضافة هنا و ان جردت لفظا لكنها مقدرة و إلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ثم قال إذا عرفت هذا فنقول لا بد من إضمار عدد يضاف اليه، فيحمل على العشرة التي هي أقل ما يصلح إضافته الى هذا الجمع أخذا بالمتيقن و حوالة على الأصل من براءة الذمة، و اعترض المنتهى في المدارك بأنه لا يلزم من عدم تقدير الإضافة هنا تأخير البيان عن وقت الحاجة، و إنما يلزم لو لم يكن له معنى بدون التقدير، و الحال أن له معنى كسائر صيغ الجموع، و لو سلم وجوب التقدير لم يتعين العشرة، و قوله ان أقل ما يصلح الى آخره ممنوع و انما أقله ثلاثة، فيحمل عليها لأصالة البراءة من الزائد.


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 241

و التحقيق أن يقال: إنه من المعلوم أن العدد من ثلاثة إلى عشرة مميزه جمع مجرور، و ما زاد عليه مفرد منصوب كما هو مقرر في محله، و أن التحقيق عدم الفرق بين جمع القلة و الكثرة، بل الجمع يصدق على ثلاثة فصاعدا، و أن ما ذكره بعض أهل العربية من الفرق بينهما بأن جمع الكثرة لما زاد على العشرة بخلاف جمع القلة و هم بشهادة العرف و الاستقراء كما هو المذكور في محله، و كيف كان فالمتكلم بالجمع تارة يقصد منه مجرد مصداقه، فيحصل الامتثال بمسماه و لا يقصد منه عدد مخصوص إذ ليس هو داخلا في ماهيته و حقيقته، و أخرى يلاحظ مقدارا مخصوصا من العدد، و هذا تارة يحصل التصريح به إما بجعله مميزا لذلك المقدار من العدد المراد أو بغيره، و تارة يعلم المراد منه ذلك لكنه لم يعلم خصوص العدد المراد، و لا إشكال في جميع ما تقدم، إنما الكلام في الأخير، فنقول حينئذ: إما أن تحصل قرينة دالة على ذلك المقدار أولا، و لا إشكال فيما إذا حصلت، و مع عدم حصولها فهل مجرد قابلية التمييز لنوع خاص دون غيره قرينة على إرادة ذلك العدد منه دون الآخر أو لا؟ الظاهر الأول.

فإن قلت: إرادة العدد منه لا تقضي بتقدير العدد قبله بحيث يقع مميزا له، بل قد يكون حينئذ يقدر بعده أو قبله ما يفيد ذلك، مثلا إذا قال: أعط زيدا دراهم و علمنا إرادة العدد منه فقد يكون المراد منه حينئذ دراهم تبلغ مائة أو خمسين أو نحو ذلك و إن لم يصلح لأن يكون مثل هذا اللفظ مميزا له. قلت: إن ذلك محتمل لكن يرجح الأول بما يقتضيه المقام من قلة الإضمار و جريانه مجرى الأعداد و نحوهما، إذا عرفت ذلك فنقول هنا: أما إرادة مطلق الدلاء من غير إرادة عدد

مخصوص بحيث يحصل الامتثال بأقل ما يصدق عليه فمقطوع بعدمه بالإجماع من الأصحاب، و لذلك لم يعترض به المحقق (رحمه الله) على الشيخ، فلا كلام حينئذ في إرادة العدد المخصوص، إنما الكلام في تشخيصه، و ملاحظة كلامهم عليهم السلام في بيان المنزوحات من العشرين و الثلاثين و الأربعين و غير ذلك تقضي بأن لفظ الدلاء الواقع في كلامهم في هذا المقام مقصود منه

ج 1، ص: 242

التميز كما في غيره مما صرح بالتمييزية فيه، و حينئذ ينحصر ذلك في الثلاثة إلى العشرة لعدم صلاحيته لتميز غيره، و احتمال أن يقال: إنه قد يراد مثلا عشرون و خمسة دلاء أو مائة و عشر دلاء و نحو ذلك ضعيف لاشتماله على حذف عدد و تمييزه من غير قرينة.

فإن قلت: تعين العشرة حينئذ لا معنى له، قلت: تعين العشرة ليس بقرينة تدل عليها بالخصوص، بل إنما هو لباب المقدمة الواجب امتثاله في المقام على تقدير النجاسة أو الوجوب التعبدي، على أنه يمكن دعوى القرينة الدالة عليها بالخصوص بأن يقال: إن الرواية قد اشتمل سؤالها على العذرة و قليل الدم، و كان الجواب عنهما بهذا اللفظ، و الغرض أنه علم إرادة العشرة في الأولى بقرينة الأخبار (1)الأخر الدالة على ذلك، فيقوى الظن إرادة ذلك بالنسبة للقليل من الدم، و كان مراد المحقق (رحمه الله) من المثال الذي ضربه في رد كلام الشيخ هو أن مميز العدد إن جي ء معه بالعدد فلا إشكال، و إن لم يجي ء به فلا يعلم إرادة مقدار منه و إن كان مقصود المتكلم إرادة الخاص منه، و كونه لا يصلح لأن يقع تمييزا لغيره لا يكون قرينته فإن القائل إذا قال: عندي دراهم لا ينكر عليه في تفسيره لذلك بالزائد على العشرة، و استوضح ذلك في باب الإقرار.

قلت: هو كلام جيد متجه، إلا أن مقصود الشيخ أنه باعتبار استقراء الأخبار الواردة في نزح البئر يستفاد قصد جعله مميزا جاريا مجرى تمييز العدد، فان تم ذلك كان الحق مع الشيخ، و إلا كان الحق مع المحقق، و الظاهر تمامه، و مثله يلتزم في باب الإقرار حيث يعلم من قصد المقر جعل ما ذكر تميزا مصطلحا، كما فرعوا على ذلك فروعا كثيرة من جهة الاعراب و الجمعية و الافراد و نحوهما، فمثلا إذا قال القائل: له علي درهما بالافراد و النصب يلتزم بأحد عشر لأنه أقل عدد يصلح لأن يكون هذا مميزا له فلاحظ و تأمل، إلا أنه قد عرفت من ذلك أنه ليس مقصود المحقق الإطلاق من حيث هو، فلا يتجه


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 243

رد صاحب المدارك على العلامة، و كذلك قول العلامة في رده: إن فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة لعدم العلم بها فضلا عن التأخير عنها، و الأصول لا تفيد ذلك، على أنه وارد عليه نفسه لصلاحية كون هذا الجمع مميزا للثلاثة إلى العشرة، و تعيين ذلك بالمقدمة ليس بأولى من ارتكاب شي ء آخر لأجل المقدمة يوافق قول المحقق (رحمه الله) من نزح الجميع أو غيره، و كان مراد العلامة بالأقل الأكثر كما عن بعض نسخ المنتهى، و قد عرفت أن أصالة البراءة لا يمكن التمسك بها هنا لوجوب الاحتياط، فلا يرد حينئذ عليه ما في المدارك، بل قد يظهر من المنتهى تعيين إرادة العشرة هنا من وجه آخر، و هو أن لفظ دلاء جمع كثرة و أقل أفراده العشرة فيحصل الامتثال، كما لعله ظاهر المحكي عنه في المختلف، و إن عبر بأن أقل أفراده ما زاد على العشرة فإن مقصوده العشرة فما زاد، لكن فيه- مع ما عرفت من أنه لا فرق بين جمع القلة و الكثرة في ذلك- أنه موقوف على كون العشرة من أفراده، فإن الظاهر على ما في بالي من عبارة المصرح بالفرق أن العشرة منتهى أفراد جمع القلة و أنه لا يصدق عليها جمع الكثرة و أن بينهما تباينا لا عموما و خصوصا من وجه، على أن في كون دلاء جمع كثرة كلاما و إن أمكن تأييده بقوله: يسيرة فتأمل.

و أما ما نقل عن المفيد من الخمس دلاء فلم نعثر له على شاهد كما اعترف به بعضهم و قد يكون أخذه من جهة أن دلاء جمع قلة و منتهى أفراده العشرة، و قد قيده الامام عليه السلام باليسيرة في ذلك، و المتيقن من اليسيرة بالنسبة إلى ذلك النصف و هو الخمس، لكنه كما ترى شك في شك، كالمحكي عن المرتضى (رحمه الله) من أنه ينزح للدم من دلو واحد إلى العشرين من غير تفصيل إذ هو على احتماله إلا على وجه ضعيف جدا لم نعرف له مستندا، و لا يوافقه

قول الصادق عليه السلام(1) في خبر زرارة: «في القطرة من الدم ينزح عشرون»

و لمكان كون هذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب أمكن حملها


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 244

على الاستحباب و إن لم نعثر على قائل به، نعم نقل عن المقنع أنه قال: «و إن قطر في البئر قطرات من دم فاستق منها عشر أدلو ثم إن وقع في البئر قطرة من بول أو دم أو خمر أو ميتة أو لحم خنزير فانزح منها عشرين دلوا» و هو مضمون خبر زرارة، و لو وقع في البئر قطرات متفرقة في أوقات مختلفة بحيث يبلغ مجموعها حد الكثرة فالظاهر انقلاب الحكم لا تعدد وجوب نزح ما للقليل، مع احتماله قويا، بل هو الأقوى في النظر، و كأن الأصحاب فهموا وجوب نزح هذا المقدار للدم القليل، فعبروا به و جعلوه عنوانا للحكم مع خلو الأخبار عن هذا اللفظ إنما هو من القطرات و ذبح الطير و الحمامة و نحو ذلك فتأمل.

[في نزح السبع لموت الطير]
اشاره

و يطهر بنزح سبع لموت الطير كما عن الثلاثة و أتباعهم، بل في الذكرى نسبته للشهرة و ينبغي تقييده بغير العصفور إذ هو و شبهه على وجه يأتي، و من هنا فسر الطير هنا بالحمامة و النعامة و ما بينهما كما في القواعد و غيرها، و في السرائر استثناء العصفور و ما في قدر جسمه و ما شاكله تقريبا في الجسمية، و في كاشف اللثام أن غيرهم أي غير ابن إدريس و المحقق و العلامة اقتصروا على الدجاجة و الحمامة كالصدوق، أو بزيادة ما أشبههما كالشيخين و غيرهما، و عليه حكى الإجماع في الغنية انتهى.

قلت: لا يبعد إرادة التعميم، فيكون الحجة إجماع الغنية مع

قول الصادق عليه السلام(1) في خبر يعقوب بن عيثم: «إذا وقع في البئر الطير و الدجاجة و الفأرة فانزح منها سبع دلاء»

و

مضمر سماعة(2) قال: سألته «عن الفأرة تقع في البئر و الطير؟ قال عليه السلام: إن أدركته قبل أن ينتن نزح منها سبع دلاء»

و

خبر علي بن أبي حمزة(3)قال: و سألته «عن الطير و الدجاجة تقع في البئر؟ قال عليه السلام: سبع دلاء»

و في


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 245

كشف اللثام(1)

عن الرضا عليه السلام «إذا سقط في البئر فأرة أو طائر أو سنور و ما أشبه ذلك فمات فيها و لم يتفسخ نزح منه سبع دلاء من دلاء هجر و الدلو أربعون رطلا و إذا تفسخ نزح منها عشرون دلوا»

و الظاهر أنه نقل ذلك عن الفقه الرضوي، و هو صالح للتأييد، فهذه الأخبار مع انجبارها بما سمعت مع الاستصحاب مستند الحكم في المقام، و لفظ الدلاء في بعض الأخبار يراد منها ذلك، و ما في صحيح أبي أسامة(2)من نزح الخمس للدجاجة و الطير لم نعثر على عامل به، قال في المعتبر بعد أن ذكر ما دل على السبع و صحيح أبي أسامة: «و الأولى يعضدها العمل فهي أولى و إن ضعف سندها و لا استبعد هنا العمل برواية أبي أسامة لرجحانها بسلامة السند لكني لم أر بها عاملا» قلت: بل العمل على خلافها، ك

خبر إسحاق بن عمار(3)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام كان يقول: الدجاجة و مثلها يموت في البئر ينزح منها دلوان أو ثلاثة و إذا كانت شاة و ما أشبهها فتسعة أو عشرة»

لم يعمل به أحد من الأصحاب فيما أعلم، و ما ذكره في الاستبصار من الجمع بينه و بين أخبار السبع تارة بالتفسخ و عدمه، و أخرى بالجواز و الفضل ليس عملا، بل هو مجرد جمع بين الأخبار، مع أنه نسبه عند التكلم على الشاة إلى الشذوذ، فوجب حينئذ طرحه، لكن قد يقال: إنه في الدجاجة، و الأصحاب ذكروا الطائر، و في دخولها تحت اسم الطير إشكال، بل في الأخبار عطفها على الطير، و هو قاض بعدمه، فلا مانع من الجمع بين الروايات بالنسبة للدجاجة بالفضل و الاستحباب، إلا أن الذي يظهر من الأصحاب في المقام دخولها تحت اسم الطائر، و كيف كان فالعمل على ما ذكرنا، و الظاهر دخول أفراخ الطير تحت اسم الطير و إن لم يطر بالفعل، و أما أفراخ الدجاجة فإن كان مستند الحكم تضمن الأخبار للدجاجة


1- 1 المستدرك- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 246

فالظاهر عدم الدخول، و إن كان المستند الدخول تحت اسم الطير فلا يبعد الدخول، و لا فرق في الطير بين أن يكون مأكول اللحم و غيره للإطلاق.

و الفأرة إذا تفسخت كما في السرائر و المعتبر و القواعد، و عن المقنعة و الكافي و المراسم و الوسيلة و جامع المقاصد و الغنية و الصدوق و الشيخ و القاضي، و عن الغنية الإجماع عليه، و عن مصباح السيد في الفأرة سبع و روي (1) ثلاث، و عن المقنع إن وقعت فيها فأرة فانزح منها دلوا واحدا، و أكثر ما روي(2)في الفأرة إذا تفسخت سبع دلاء، و فيه أنه روي أزيد من ذلك كما لعلك تسمعه إنشاء الله تعالى.

و كيف كان فالحجة الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة، بل يمكن دعوى تحصيله في حال التفسخ، و ما عن المقنع مع أنه غير صريح في المخالفة غير قادح فيه، نعم محل البحث في اشتراط ذلك القاضي بالعدم عند العدم، و قد عرفت أنه المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى

خبر أبي عيينة(3) أنه عليه السلام سئل عنها فقال: «إذا خرجت كلا فلا بأس و ان تفسخت فسبع دلاء»

و

خبر أبي سعيد المكاري (4)«إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسخت فانزح منها سبع دلاء»

قيل: كذا في الاستبصار و أكثر نسخ التهذيب، و في بعضها و المعتبر فتسلخت، و الظاهر أنه من أفراده، و

خبر أبي بصير(5) «أما الفأرة و أشباهها فينزح منها سبع دلاء»

و مثله غيره، مع

قوله عليه السلام في صحيح الشحام (6): «ما تفسخ أو تغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء»

و أما ما في

خبر عمار (7)«عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال: فينزف كلها»

و

خبر أبي خديجة(8)


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 7 و في الوسائل إذا لم يتفسخ.
7- 7 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.

ج 1، ص: 247

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل عن الفأرة تقع في البئر قال عليه السلام:

إذا ماتت و لم تنتن فأربعين دلوا و إذا تفسخت فيه و نتنت نزح الماء كله»

فهما لم نعثر على أحد من أصحابنا عمل بهما، فيحمل الأول على وجوه، منها الحمل على التغير أو الفضل، و عن الشيخ أنه قال في خبر أبي خديجة هذا محمول على الاستحباب لأن الوجوب في هذا المقدار لم يعتبره أحد من أصحابنا، و لذلك قال في الذكرى: «في السبع تمام الاحتياط» و كأنه لعدم القائل بالزائد لا لعدم الرواية، و من ذلك تعرف الوجه أيضا في المنقول (1)عن

مسائل على بن جعفر عليه السلام «أنه سأل أخاه عن فأرة وقعت في بئر فأخرجت و قد تقطعت هل يصلح الوضوء من مائها؟ قال عليه السلام: تنزح منها عشرون دلوا إذا تقطعت ثم يتوضأ»

و مثله ما نقلناه سابقا عن كشف اللثام عن الرضا عليه السلام، و لا يبعد حملهما على الاستحباب باختلاف مراتبه قوة و ضعفا، و مما قدمنا ظهر لك متمسك المرتضى (رحمه الله) من الأخبار المطلقة بنزح السبع، و قد عرفت أنها منزلة على المقيد، و في المعتبر بعد أن ذكر بعض الأخبار المتضمنة للثلاث مطلقا و البعض المتضمن للسبع كذلك، قال: فتحمل روايات الثلاث على عدم التفسخ، و السبع عليه، و استشهد لذلك برواية أبي عيينة و أبي سعيد المكاري، ثم قال: «و ضعف أبي سعيد لا يمنع من العمل بروايته على هذا الوجه لأنها تجري مجرى الأمارة الدالة على الفرق و إن لم يكن حجة في نفسها» انتهى.

و أشار بذلك إلى مسألة ينبغي أن تدون في الأصول، و هي أن شاهد الجمع يشترط فيه أن يكون معتبرا في نفسه أو لا يشترط فيه ذلك لأنه من قبيل القرائن، بل قد يقال:

إن الشهرة قد تكون صالحة للجمع، و الأقوى في النظر الأول لأن شاهده حاكم على الدليلين معا، فهو أولى باشتراط كونه معتبرا من الحاكم على الدليل الواحد من المطلق أو العام، و أما إطلاق المقنع من نزح الدلو الواحد فلم نعثر له على شاهد على كثرة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 14.

ج 1، ص: 248

أخيار المقام، بل هي على خلافه كما عرفت.

أو انتفخت كما في القواعد و في السرائر أن حد التفسخ الانتفاخ، و غلطه المحقق في المعتبر، و هو كذلك لظهور تبادر الفرق بينهما، و ما يقال: من أن الانتفاخ يوجب تفرق الأجزاء و إن لم تتقطع في الحس فيه ما لا يخفى، على أن الاعتبار قد يفرق أيضا بين المنتفخة بلا تفسخ ظاهر و المتفسخة من جهة تأثير النجاسة، و كيف كان فعطف الانتفاخ على التفسخ هو المنقول عن المقنعة و الكافي و المراسم و الوسيلة و الغنية و الجامع، و عن الغنية الإجماع عليه، و في المعتبر أنه لم نقف له على شاهد، و قد عرفت أنه ليس في الأخبار الانتفاخ إلا

في خبر أبي خديجة فإن فيه «و إذا انتفخت فيه و قد نتنت نزح الماء كله»

و هو دال على خلاف المقصود، نعم يمكن التمسك له بإطلاق ما دل على السبع، و الذي علم خروجه غير المتفسخة و المنتفخة، و مفهوم ما دل على عدم نزح السبع عند عدم التفسخ لا يقوى على تقييد مثل هذا المطلق بعد انجباره بفتوى من عرفت، و إجماع الغنية مع تأيده بالاستصحاب إذ الظاهر أنه على تقدير عدم السبع ينزح له الأقل لا الجميع لكونه ليس أولى من التفسخ، فالاحتياط حينئذ مع السبع، و الظاهر أن المراد بالفأرة ما يشمل الجرد و لو كان كبيرا، و المتبادر من الفأرة كونها تامة الخلقة، فلو كان نصفها باقيا على الترابية كما عن بعض مشاهديه لم يدخل، لكن لا يبعد القول بنزح السبع له أيضا للاحتياط، و الظاهر أن المراد بالتفسخ من حيث البقاء في الماء حتى تفسخت، فلو كان التفسخ لا من حيث ذلك لم يدخل في الحكم.

و بول الصبي الذي لم يبلغ مع كونه يأكل الطعام مستغنيا عن اللبن و الرضاع كما قيد به في السرائر، و لعله هو الظاهر من المصنف بقرينة تقييده الآتي فيما ينزح له دلو واحد الذي منه بول الصبي فإنه (رحمه الله) قيده بالذي لم يتغذ بالطعام، و كذا القواعد فإنه و إن أطلق لفظ الصبي هنا إلا أنه قيده فيما يأتي بالدلو الواحد بالرضيع قبل اغتذائه

ج 1، ص: 249

بالطعام، و في التحرير ذكر كما ذكر المصنف هنا و فيما يأتي، و كيف كان فمستند الحكم ما رواه

منصور بن حازم (1)عن عدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال:

ينزح سبع دلاء إذا بال فيها الصبي أو وقعت فيها فأرة أو نحوها»

و لعل قصور سندها و متنها منجبر بالشهرة بين الأصحاب، و صحيحة معاوية بن عمار(2) الدالة على نزح الماء كله لبول الصبي أو صب البول أو الخمر معرض عنها بين الأصحاب في المقام، مع ما فيها من مخالفة ما دل على نزح الأربعين للرجل، فلا يبعد حملها على التغير أو نوع من الاستحباب، و ما نقل عن المرتضى من نزح الثلاث لبول الصبي إذا أكل الطعام و نحوه عن ابن بابويه لم نقف له على شاهد، مع مخالفته للاستصحاب و الروايات، و في المعتبر أن في رواية ثلاث لم نعثر عليها، بل في السرائر بعد ذكر المختار و نقل ما ذهب اليه المرتضى و ابن بابويه قال: «و الأول أحوط و عليه العمل و الإجماع» و لو لا احتمال إرادته بالإجماع هنا ما به يحصل يقين الطهارة لأمكن جعله حجة مستقلة، لكن لا بأس بجعله مؤيدا للعمل بالرواية، و أما

رواية علي بن أبي حمزة(3) قال: سألته «عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر؟ فقال: دلو واحد»

فكذلك معرض عنها بين الأصحاب، فلا مانع من حملها على ما إذا لم يتغذ بالطعام، و ما نقله في الوسائل بعد ذكر هذه الرواية و ذكر حمل الشيخ لها المتقدم قال: و قال غيره: «إن الأقل يجزي و الأكثر أفضل» لم نتحققه، و ليس في الروايات ما يشمل الصبية، فينبغي الاقتصار على الصبي، و لا فرق بين المسلم و الكافر لإطلاق النص و الفتوى، و أما الخنثى المشكل فالظاهر إلحاقه بالصبية.

بقي شي ء

و هو ان الصبي إذا كان غذائه بالطعام و الرضاع كما يتفق في كثير من الأطفال فهل يلحق بما نحن فيه أولا؟ لم أعثر على ما يدل على أحدهما، و يمكن أن يقال بمنع الفرض، و ذلك لأنه متى تغذى بالطعام صار مستغنيا عن اللبن، و ما يرى من ملازمة الأطفال للرضاع و ان تغذوا انما ذلك للعادة، و إلا فقد صار مستغنيا عن الرضاع،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 250

و فيه تأمل، و لا يبعد القول بان حكم السبع لاستصحاب النجاسة.

و لاغتسال الجنب لا مطلق مباشرته كما عن بعضهم، و اختاره في المدارك و لا لخصوص ارتماسه كما اختاره في السرائر، نعم لا فرق في الجنب بين الرجل و المرأة و لا بين كونه محدثا بغير الجنابة معها أو لا، و لا يلحق به غيره من أقسام الأحداث الكبر بل يعتبر فيه أن لا يكون في بدنه نجاسة أخرى عينية لان الظاهر من الأخبار كون هذا الحكم للجنب من حيث كونه جنبا، بل الظاهر منها كونه ممن يكون طاهر البدن، فمتى كان كافرا لم يشمله الحكم كما لا يخفى على المتأمل، و لا ينافيه ما قدمناه في موت الإنسان من عدم الفرق بين المسلم و الكافر لتفاوت المقامين في الطهور، لكن توقف العلامة في المنتهى في الشرط المذكور، قال فيه بعد أن نقل عن السرائر اشتراط خلو بدن الجنب من نجاسة عينية: «هذا بناء منه على أن المني يوجب نزح الجميع، و نحن لما لم يقم عندنا دلالة على وجوب النزح للمني لا جرم توقفنا في هذا الاشتراط» و فيه أنه لا معنى للتوقف في ذلك مع كون النصوص واردة بمجرد دخول الجنب في البئر للاغتسال، و ليس من لوازم الجنابة النجاسة، خصوصا مع اشتهار وجوب نزح الجميع للمني بين الأصحاب كذا قيل. قلت: الظاهر أن العلامة فهم من ابن إدريس أن المراد بالنجاسة التي يشترط خلو بدن الجنب عنها انما هي المني كما يقتضي به صريح كلامه، و لعله لظهور ذلك من الجنب، و حينئذ توقفه في محله لان النزح عنده تعبدي لا لنجاسة البئر، و لم يقم عنده دليل على نزح مقدر للمني، فلا معنى للاشتراط حينئذ، و لا ريب في أنه يشترط عنده خلو بدن الجنب من نجاسة لها مقدر معلوم عنده، و لذلك جعل مورد الكلام المني، أما على القول بكون النزح للجنب فلا شبهه في اشتراط خلو بدن الجنب من النجاسة حينئذ، سواء كان منصوصة أو غير منصوصة لظهور الأدلة في أن هذا الحكم للجنب من حيث الجنابة.

ج 1، ص: 251

و كيف كان فالأقوى ما اختاره المصنف و يدل عليه ما رواه

أبو بصير(1)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها؟ قال ينزح منها سبع دلاء»

فان ظاهر قوله يغتسل منها انه ليس ارتماسا، و لو لم يكن ظاهرا في ذلك فترك الاستفصال كاف في إفادة المطلوب، و في

صحيح ابن مسلم (2) «إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء»

و في

خبر الحلبي(3)«و ان وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء»

و في

رواية عبد الله بن سنان(4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ان سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها جنب فانزح منها سبع دلاء»

و لمكان التعليق في هذه الأخبار على الدخول و النزول و الوقوع الشامل لحالتي الاغتسال و عدمه ذهب بعضهم الى تعميم الحكم، و ما أبعد ما بينه و بين ابن إدريس من تخصيص الحكم بالارتماس محتجا بان الحكم مخالف للأصول، و لو

لا الإجماع لما قلنا بالارتماس في ذلك، فيقتصر عليه، و الأولى ما ذكرنا لظهور هذه الأخبار بقرينة شاهد الحال في إرادة الاغتسال، بل لعل خبر أبي بصير يكون قرينة على ذلك، على أن لفظ الوقوع يراد منه الاغتسال، كما يظهر من

خبر ابن أبي يعفور(5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء رب الصعيد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم»

فان الظاهر من

قوله (عليه السلام) «و لا تقع في البئر»

أن المراد لا تغتسل، و ان احتمل غيره كما تقدم هذا.

مع أن الأصول و الضوابط قاضية بالعدم، و المتيقن من الأدلة ما ذكرنا، على أن نفس نزول الجنب في البئر لا يفيده تنجيسا، و لا سلب طهورية إذ ليس هو أسوء حالا من الماء القليل و الماء المضاف فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 22.

ج 1، ص: 252

و هل هذا النزح لسلب الطهورية أم لنجاسة البئر أم تعبد شرعي؟ نقل في المدارك عن المعتبر و المختلف الأول، و صرح في المسالك بالثاني، و يلوح من بعضهم الثالث، و كأن الأول مبني على أن المستعمل في الكبرى يسلب الطهورية، و ما يقال إن المصنف صرح في نكت النهاية بأن الماء الذي ينفعل بالاستعمال عند من قال به انما هو القليل غير الجاري، فلا معنى للحكم بزوال الطهورية، فيه أنه لعل مقصود المصنف بالحصر انما هو إخراج الجاري، و إلا فالبئر أسوء حالا من القليل بمراتب، و أما الثاني فربما يحتج عليه بالأمر بالنزح الظاهر في النجاسة، و ب

قوله (عليه السلام): «لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم»

و فيه ان الأمر بالنزح بمجرده لا يدل على ذلك، و ليس هو كالأمر بالغسل الذي يستفاد منه التنجيس في غير المقام، و على تقدير كونه مثله فيحتاج في فهم ذلك منه الى شهرة تقرب للإجماع أو إجماع كما في الغسل، فكيف و الشهرة المركبة بل البسيطة على خلافه، و نسبته أي النجاسة في جامع المقاصد الى ظاهر كلام القوم فيه منع لأنهم و ان ذكروه مع النجاسات لكن مقصودهم في ذلك ذكر النزح لا النجاسة، و مما يرشد الى ذلك ان العلامة في المنتهى قال: و العجب ان ابن إدريس القائل بطهارة المستعمل حكم ههنا بنجاسة البئر و لم يوجد في الأحاديث شي ء يدل عليه و لا لفظ أصحابنا، فلم يلتفت الى هذا الاقتران في كلام الأصحاب، و عدم استبعاد ذلك من جهة ان البئر لها أحكام كثيرة تنفرد بها عن غيرها لا يكون مقتضيا للقول به، نعم هو كذلك بعد صراحة الدليل به، و أما

قوله (عليه السلام) «لا تفسد على القوم ماءهم»

فهو كما يحتمل ذلك يحتمل من جهة سلب الطهورية، أو من جهة تعلق وجوب النزح، أو من جهة إثارة ما فيها، أو من جهة خوف الموت فيها فيفسد عليهم ماؤهم، و إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

و الأقوى القول بالتعبد الشرعي و ان قلنا بنجاسة البئر بغير ذلك، و ان كان القول بسلب الطهورية بناء على القول به في المستعمل في الكبرى لا يخلو من قرب

ج 1، ص: 253

و قوة، لكن لما كان المختار عندنا عدم ذلك تعين القول بالتعبد الشرعي، و احتمال القول باختصاص ذلك في البئر لا يخلو من وجه لو وجد له مقتضي، و مجرد الأمر بالنزح لا يقتضيه إذ لعله من جهة النفرة، فبناء على المختار يختص

حينئذ وجوبه بالجنب خاصة و لا يتعدى إلى غيره لعدم الدليل، و احتمال الإلحاق قياس لا نقول به، و كذلك على القول بالتنجيس، و أما على القول بسلب الطهورية فإن كان القول بذلك في خصوص البئر دون غيره كما احتملناه تعين الاقتصار حينئذ و إلا اتجه القول بالتعدية لغير الجنابة من الأحداث، و حينئذ هل يكتفى بالمقدر للجنب أو لا بد من نزح الجميع؟ الأقوى الثاني لكونه من غير المنصوص، فيكون حاله كحال غير المنصوص من النجاسات، و احتمال القول بالاكتفاء للمقدر للجنب له وجه، لكن لا يجترئ عليه المتورع في دينه، و الظاهر ارتفاع الحدث بهذا الاغتسال سواء كان اغتساله بالارتماس أو غيره، أما على ما اخترناه من كون النزح تعبديا فواضح، و أما على القول بكون النزح لسلب الطهورية و قلنا ان البئر كغيره في ذلك و كان الغسل بالارتماس فكذلك أيضا إذ لا يصير مستعملا في الكبرى حتى يتم الغسل، فإذا تم سلبت الطهورية، و أما إن كان الغسل ترتيبيا فلا كلام في صحة غسل الجزء الذي غسله قبل وصول ماء الغسل إلى البئر، و أما بعد وصوله و قلنا ان هذا الخليط غير قادح و غسل الجزء الثاني حتى اعتقد ان الماء الغير المستعمل أولا قد جرى عليه فلا إشكال في الصحة أيضا، و أما إذا قلنا بكون مثل هذا الخليط قادحا فيحتمل القول في خصوص المقام بعدم القدح لما يفهم من ترك التعرض في الروايات لفساد الغسل الذي هو أولى بالبيان من وجوب مقدار النزح، لا سيما في رواية أبي بصير المتضمن سؤالها لخصوص السؤال عن الاغتسال الظاهر في الترتيبي كما تقدم، و ما يقال أنه منهي عن الغسل ل

قوله (عليه السلام) «لا تقع في البئر»

و النهي يقتضي الفساد، ففيه مع أنه محتمل لغير ذلك أن مقتضى التعليل بالإفساد بناء على أن المراد سلب الطهورية صحة الغسل حتى يتحقق الإفساد، و الحاصل الإفساد

ج 1، ص: 254

إنما يكون من جهة النجاسة، و قد بينا فساده، أو يكون من جهة سلب الطهورية، و قد عرفت أن ذلك قاض بالصحة، أو يراد به بعض ما ذكرنا من الاثارة و نحوها، و حينئذ يكون بمقتضى التعليل به أن يكون هو المنهي عنه حقيقة، و هو أمر خارج عن الغسل لا يقتضي فساد الغسل، بل مقتضى التعليل أن يكون الغسل صحيحا، و إلا لعلل بعدم رفع الحدث به، و أما على القول بان النزح للنجاسة فإن قلنا ان الموجب للنجاسة تمام الغسل. فحينئذ صح غسله و ان تنجس بدنه بعد ذلك، فيكون المرتمس حينئذ ارتماسة واحدة يرتفع حدثه و ينجس بدنه، و ان قلنا أن النجاسة تحصل بمجرد وصول ماء الغسل اتجه القول بالفساد حينئذ، لكن الأول هو الأقوى، و في المدارك أن الحقّ أن إجراء هذه الأخبار على ظاهرها مشكل، فيجب حملها على نجاسة بدن الجنب أو على التقية لموافقتها لمذهب بعض العامة، أو على أن الغرض من ذلك مجرد التنظيف من ثوران الحمأة التي نشأت من نزول الجنب إلى البئر، و زوال النفرة الحاصلة من ذلك، و هذا أقرب، و الله أعلم، انتهى. و أنت خبير بأن الحمل الأول في غاية البعد لترك الاستفصال عن النجاسة لاختلاف مقاديرها، فكيف يكتفى بالسبع، و الثاني أبعد لتظافر الأخبار و فتوى الأصحاب بمضمونها، على أن جميع أخبار النزح أو أكثرها مختلفة إلا هذا، فإنها كلها اتفقت على السبع، نعم الأقرب ما قربه بناء على التحقيق السابق من كون البئر كالجاري، و الله أعلم.

و لوقوع الكلب و خروجه حيا كما في المعتبر و المنتهى و التحرير و الذكرى و ظاهر المختلف و عن الشيخ في المبسوط و القاضي و ابن حمزة، و عن النهاية و القاضي نسبته الرواية، و في الذكرى نسبته للشهرة، و يدل عليه

صحيح أبي مريم(1) قال: حدثنا جعفر قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: «إذا مات الكلب في البئر نزحت و قال (عليه السلام): إذا وقع فيها ثم خرج منها حيا نزح منها سبع دلاء»

و اشتمال


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 255

هذه الصحيحة على ما لا نقول به من نزح الجميع لموت الكلب لا يخرجها عن الحجية في المقام، أو محمولة على ضرب مما نقول به بقرينة غيرها من الأخبار، و ما في صحيحة أبي أسامة(1)من الاكتفاء بالخمس لوقوع الكلب و السنور و الدجاجة و الطير إذا لم يتغير طعم الماء أو تتفسخ- مع انا لم نعرف عاملا به في المقام و مع ظهوره في الموت- مطلق مقيد بما ذكرنا، و كونه بالموت لم ينزح له خمس دلاء فلا يبقى للمطلق فرد يحمل عليه لا يعين الأول إذ ليس أولى من العكس، فالتحقيق انه حينئذ مطلق بالنسبة إلى واحد معارض بالنسبة إلى الآخر، و يرجح حينئذ بالشهرة و غيرها، و بعبارة أخرى ان المقيدين معا معارضان له مرجحان عليه فتأمل. و على ما ذكرنا يحمل إطلاق لفظ الدلاء الموجود في بعض المعتبرة(2) و قال ابن إدريس: إنه يجب نزح الأربعين لكونه مما لا نص فيه، و مع نزح الأربعين للموت فللحي بطريق أولى، و هو متجه على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، و لا فرق في الكلب بين كونه سلوقيا و غيره للإطلاق، و لا بين الوقوع و النزول، بل مطلق المباشرة إلغاء لخصوصية الوقوع، و لان الظاهر منه التمام، فالاكتفاء به لمطلق المباشرة يمكن أن يكون أولى، و يدخل فيما ذكرنا الولوغ.

[في نزح خمس لذوق الدجاجة الجلال]

و يطهر بنزح خمس لذرق الدجاجة الجلال كما في السرائر و التحرير و عن الشيخ في جملة من كتبه إطلاق لفظ الدجاج، و لعله بناء منه على نجاسته، و يأتي ضعفه ان شاء الله تعالى، و لذلك قيد المصنف و ابن إدريس بالجلال، و هو المنقول عن سلار و المفيد، و كيف كان فلم نعثر على دليل له بالخصوص كما اعترف به جماعة من أصحابنا، و احتمال الإلحاق بعذرة الإنسان الرطبة فيجب خمس، أو الجامدة فيجب عشرة بعيد، فجعله من غير المنصوص متجه، و تحصيل الأولوية في المقام بالنسبة الى بعض النجاسات


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 2 و 5 و 6.

ج 1، ص: 256

في غاية الاشكال، و احتمل في الذكرى نزح الثلاثين لرواية كردويه (1) و كأنه لكونها عنده تفيد حكم غير المنصوص بالخصوص، و يأتي ضعفه، فالمتجه حينئذ ما ذكرنا.

[في نزح الثلاث لموت الحية و الفأرة]

و ينزح ثلاث لموت الحية كما في المقنعة و السرائر و التحرير و المنتهى و ظاهر المعتبر، و كذا المختلف عن الشيخ في المبسوط و النهاية و أبي الصلاح و سلار و ابن البراج، بل نسبه في الذكرى الى المشهور، و في السرائر نفي الخلاف فيه، و لم نعثر له على دليل بالخصوص كما اعترف به بعضهم، و الإحالة على الفأرة و الدجاجة لكونها لا تزيد على قدر الدجاجة و قد روي انها دلوان أو ثلاثة مأخذ ضعيف جدا، و في المعتبر انه يمكن الاستدلال عليه ب

قول الصادق (عليه السلام)(2) في خبر الحلبي قال (عليه السلام): «إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منه دلاء»

فينزل على الثلاث لأنه أقل محتملاته، و هو كما ترى، مع أنه في

رواية ابن سنان (3)«للدابة الصغيرة سبع»،

و عن علي بن بابويه انه أوجب لها سبعا كما في المختلف، و المنقول عن رسالته في المعتبر انه أوجب دلوا واحدا للحية كما أنه في المنتهى نقل عنه أيضا ذلك، و على كل حال فيمكن القول بالمشهور أخذا بظاهر الخبر المتقدم لانجباره بالشهرة و نفي الخلاف في السرائر، و قد عرفت أنه لم ينقل عن أحد الخلاف فيه إلا ما عرفته في المختلف، عن ابن

بابويه، مع أن المنقول عنه في المعتبر و المنتهى خلاف ذلك، بل الاكتفاء بدلو واحد، فيمكن تحصيل الإجماع، و إلا فالاكتفاء بالسبع مراعاة لما نقله في المختلف و احتمال كونه من غير المنصوص لكن لا ينزح الجميع لما ورد(4) ان أكثر ما يقع في البئر الإنسان و ينزح له سبعون لا يخلو من وجه، و ألحق المفيد بالحية الوزغة، كما عن الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 257

إلحاقها أيضا مع العقرب، و عن أبي الصلاح إلحاق العقرب حسب، و في الوزغة دلو واحد، و الحق عدم إلحاق شي ء لعدم نجاستها لكونها لا نفس لها، و لا دليل معتبر على التعبد إلا في الوزغ، و هو مع إمكان معارضته بغيره يمكن حمله على الاستحباب، و لعله لدفع السمية، و عليه يحمل ما ورد في العقرب(1) ترجيحا لما دل على أنه ما لا دم له لا يفسد(2)فيمكن حمل ما ورد على الاستحباب كما تسمعه في الفأرة.

و الفأرة إذا لم تتفسخ أو تنتفخ على وجه تقدم سابقا، كما في المقنعة و السرائر و التحرير و المعتبر و الذكرى و ظاهر المختلف ل

صحيحة معاوية بن عمار(3) سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر قال: ينزح منها ثلاث»

و في التهذيب عن الحسين عن فضالة عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، و ما في بعض الأخبار(4) من إيجاب السبع محمول على التفسخ، و الشاهد خبر أبي سعيد المكاري (5)و قد تقدم الكلام فيه سابقا، و لهذا الإطلاق نقل عن بعضهم وجوب السبع مطلقا، و عن ابن بابويه «انه ينزح لها دلو واحد فان تفسخت فسبع» و لم نعرف له دليلا عليه (6)و تقدم جملة من الكلام سابقا فلاحظ و تأمل.

[في نزح دلو لموت العصفور و شبهه]

و تطهر بنزح دلو لموت العصفور و شبهه تقدم البحث سابقا في شبه العصفور و ما المراد به عند البحث على موت الطير، و أما العصفور فينزح له دلو، كما في المقنعة و المعتبر و السرائر و التحرير و الذكرى و ظاهر المنتهى ل

قول الصادق (عليه السلام)(7)


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث- 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأسئار حديث 1 و 2 و 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
6- 6 لعل مستنده ما أرسله كاشف اللثام عن الصادق عليه السلام «و قد استقى غلامه من بئر فخرج في الدلو فأرتان فقال عليه السلام: أرقه و في الثاني فأرة فقال عليه السلام: أرقه و لم يخرج في الثالث فقال: صبه في الإناء» منه رحمه الله.
7- 7 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 258

في خبر عمار: «ان أقل ما يقع في البئر فيموت فيه العصفور ينزح منها دلو واحد»

و في المعالم أن عمارا مشهود له بالثقة بالنقل، منضما لقبول الأصحاب لروايته هذه و في المنتهى أن عمارا فطحي و الأصحاب قبلوا روايته و شهدوا له بالثقة انتهى. فيكون ذلك مخرجا له مما دل على حكم الطير، و أما إلحاق الشبه به و

ان ظهر من جملة من الأصحاب لكنا لم نعثر على ما يقتضيه، و الاعتبار بنفسه لا يعتمد عليه، و لا حظ ما قدمناه في الطير و تأمل.

و بول الصبي الذي لم يتغذ بالطعام كما في المقنعة و السرائر و التحرير و الذكرى و غيرها، و عن أبي الصلاح و ابن زهرة إيجاب الثلاث، و احتج الشيخ لما في المقنعة ب

خبر علي بن أبي حمزة(1)قال: سألته «عن بول الصبي الفطيم قال: دلو واحد»

و كأن الاستدلال بها مبني على إرادة غير المتغذي من الفطيم لعدم العامل بها في غير ذلك، أو يتم بالأولوية فيه، لكن مشكل بعدم العمل بالمنطوق، فكيف يكون الأولى منه حجة، و إيجاب نزح الجميع لموت الصبي من غير تفصيل لم نعثر على عامل به، و ما عن أبي الصلاح و ابن زهرة ليس في الأخبار ما يدل عليه، و إطلاق السبع في بعض كما تقدم سابقا ليس له جابر في المقام فتأمل جيدا.

[في ماء المطر و فيه البول و العذرة و خرء الكلاب ثلاثون دلوا]

و في ماء المطر و فيه البول و العذرة و خرء الكلاب ثلاثون دلوا كما في التحرير و الذكرى و ظاهر المنتهى ل

خبر كردويه (2)سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول و العذرة و أبوال الدواب و أرواثها و خرء الكلاب قال (عليه السلام): ينزح منها ثلاثون دلوا»

و في الوسائل رواه الصدوق بإسناده عن كردويه، و لعله لرواية مثل هذين الشيخين العظيمين له سوغ العمل به، و إلا فلا أعرف للعمل به جابرا لمجهولية كردويه، و لو وجد الجابر له لأمكن الجواب عما أورد عليه، بأن العذرة وحدها مع الذوبان ينزح لها خمسون،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 259

فإذا انضم إليها غيرها من البول و قد روي صحيحا أنه ينزح له الجميع و أبوال الدواب و أرواثها و خرء الكلاب يتضاعف النجاسة فكيف يكتفى بالثلاثين بجواز استناد التخفيف إلى مصاحبة ماء المطر، و من نظر الى ما ينفعل به البئر و ما يطهر به و اشتمالها على جميع المتنافيات كالهر و الخنزير و تفريق المتماثلات كالكلب و الكافر و الثور و البقرة يزول عنه استبعاد حكم هذه النجاسات منفردة عن ماء المطر و مصاحبته له و بجواز كون أعيان النجاسة مستهلكة فيه ثم وقع في البئر، أو يراد السوال عنه في هذا الحال و ان لم تقع هي معه إلى غير ذلك، و بناء على عدم العمل بهذه الرواية فالمتجه حينئذ نزح المقدر فيما له مقدران قلنا ان المتنجس به يدخل معه في ذلك و إلا فالجميع.

[في المراد بالدلو التي ينزح بها]

و الدلو التي ينزح بها المقدر ما جرت العادة في ذلك الزمان أي زمان صدور الأوامر باستعمالها في النزح عند الأمر به و غيره، و لا يكتفى بالأنقص من المعتادة، و أما الزائدة فمع نزح المقدر بها كالناقص فلا كلام في الاكتفاء به، و هل تقوم الزيادة مقام شي ء من العدد حتى لو كانت تسع المقدر دفعة واحدة؟ وجهان، منشأهما أنه هل المفهوم من الأمر بالنزح إخراج هذا المقدار و لو دفعة أولا؟ لا يبعد الثاني استصحابا للنجاسة مع عدم القطع بما ذكر، و لا دلالة عرفية، و من الوجه الأول ينقدح جريان المسألة في أشياء أخر، و المدار ما تقدم، و قد ذكرنا في التراوح جملة من ذلك، فراجع و تأمل و كيف كان فوجه ما ذكره المصنف هنا و المعتبر و العلامة في التحرير و المنتهى حمل المطلق على المعتاد، و لأنه هو المتيقن في إزالة النجاسة، و ربما فهم من بعض كلماتهم أن المراد بالاعتياد انما هو الاعتياد بالنسبة إلى تلك البئر صغيرة كانت أو كبيرة، قال في المعتبر: «الدلو التي ينزح بها هي المعتادة صغيرة كانت أو كبيرة، لأنه ليس للشرع فيها وضع، فيجب أن يتقيد بالعرف» انتهى. و قال في المنتهى:

«المعتبر من الدلو العادة، لعدم النص الدال على التقدير له» انتهى. و في المدارك ينبغي أن يكون المرجع في الدلو الى العرف العام، فإنه المحكم فيما لم يثبت فيه وضع من

ج 1، ص: 260

الشارع، و لا عبرة بما جرت العادة باستعماله في ذلك البئر إذا كان مخالفا له. قلت: كلام من تقدمه قد يظهر منه الإرادة بالعادة العرف العام، و لا ينافيه قوله في المعتبر صغيرة أو كبيرة، إذ المراد بعد تناول العرف، و ربما احتمل القول بالاقتصار على المعتاد في ذلك الزمان بعد ثبوته للاستصحاب، و ان لم يثبت يجب الأخذ بالمتيقن، و لا يخفى عليك ما فيه، كما أنه لا يخفى عليك شدة اختلاف مقدار النزح قلة و كثرة على الأول من جهة صغر الدلو و كبره بعد صدق العرف، فالمسألة لا تخلو من إشكال، و في المدارك نقل عن بعض المتقدمين ان المراد بالدلو الهجرية التي وزنها ثلاثون رطلا أو أربعون، و هو ضعيف انتهى. و كأن مجهولية مقدار الدلو مما يرشد الى الاستحباب، لاختلافه باختلاف الأزمنة و الأمكنة و غير ذلك.

[فروع ثلاثة]
اشاره

فروع ثلاثة

[ (الأول) حكم صغير الحيوان حكم كبيره]

(الأول) حكم صغير الحيوان حكم كبيره بعد صدق الاسم و تناول الدليل، فلاحظ و تأمل.

[ (الثاني) اختلاف أنواع النجاسة]

(الثاني) اختلاف أنواع النجاسة كالعذرة المذابة و بول الرجل مثلا موجب لتضاعف النزح تساوى المقدار أو زاد أحدهما على الآخر، نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يكن فرض أحدهما نزح الجميع و لو كان من جهة غير المنصوص، لأصالة عدم تداخل الأسباب المستفادة من ظاهر الأوامر و الاستصحاب، خلافا للمنتهى فإنه قرب التداخل، محتاجا بأنه بفعل الأكثر يمتثل الأمرين، فيحصل الاجزاء، و النية غير معتبرة، و هو مصادرة، و كون علل الشرع معرفات و علامات فلا استحالة في اجتماعها على معلول واحد لا يقتضي ذلك، لأنا و أن لم نقل أنها علل حقيقية إلا أن الظاهر جريانها مجرى العلل الحقيقية حتى يعلم خلافه، لا يقال لم لم يكن محل الفرض من غير المنصوص، فينزح له الجميع لكون النجاسة الحاصلة من الجميع غير النجاسة الحاصلة من كل واحد وحده. لأنا نقول:- مع كونه واضح البطلان في المقام و غيره- ما دل على نزح المقدر للنجاسة المخصوصة شامل لما إذا كان معها غيرها من النجاسات أو لا، و ليس مشروطا ذلك

ج 1، ص: 261

المقدر بما إذا لم يكن في البئر غير تلك النجاسة، بل هو تقدير له من حيث نفسه و غيره يبقى على مقتضى الدليل فيه.

فان قلت: بناء على القول بان النزح للتطهير لا معنى للقول بعدم التداخل، و ذلك لأنه على تقديره حيث ينزح لأحدهما دون الآخر يكون البئر طاهرا نجسا، مثلا إذا وقع في البئر بول و عذرة مذابة مثلا، ثم نزح أربعون يكون قد طهر من هذه الجهة، و هو نجس من الجهة الثانية، و هو غير معقول بالنسبة للطهارة و النجاسة، و من هنا التجأوا للقول بالتداخل في سائر النجاسات على الثوب أو على البدن سواء تعدد الغسل لبعضها كالبول أولا، و أيضا لو كان وقوع النجاسة متعاقبا فلا ريب في عدم تأثير الثاني النجاسة، لكونه تحصيل حاصل و هو محال، و إذا كان لم يؤثر نجاسة لا معنى لان ينزح له، فان معنى ما دل على وجوب النزح له ظاهر في كونه من جهة أنه ينجس البئر، فلا يشمل مثل ذلك. قلت: لا مانع من ارتفاع النجاسة من جهة دون أخرى، كارتفاع الحدث من جهة الجنابة مثلا دون المس، و ما ذكره في حال النجاسات على البدن و نحوه حالها حال ما نحن فيه، إلا أن يدل دليل على خلافه، و الظاهر تحققه فيها دونه، و ليس المقتضى للقول بالتداخل فيها هو ما ذكره، بل من جهة انهم فهموا من الأدلة هناك أن المراد غسل النجاسة، و أيضا بعد وقوع أنواع النجاسة يكون في الحقيقة المقدر لها مجموع التقادير، فتكون حينئذ كالنجاسة المتحدة التي لها مقدر، فالطهارة لا تحصل إلا بالتمام فلا يكون طاهرا من جهة نجسا من أخرى، و أما ما ذكره أخيرا ففيه أنه نفي للتداخل من رأس، و يقين النزح للواقع أولا دون الأخير سواء كان المقدر له أولا أقل أو أكثر أو مساو، و قد عرفت أن الدليل شامل بإطلاقه للنزح المقدر سواء كان هناك شي ء آخر واقع قبله أولا.

فإن قلت: إذا كانت النية غير معتبرة فحينئذ بما يتشخص النزح للمنزوح له حتى يقال أنه ترتفع النجاسة من جهته و يبقى الآخر، مثلا إذا وقع في البئر أرنب و ثعلب

ج 1، ص: 262

ثم نزح منها أربعون لم يشخصها لأحدهما، و لا معنى للقول بارتفاع النجاسة من أحدهما على الاجمال لابهامه، فلا يصلح لان يكون متعلقا للحكم. قلت: هذا يؤيد ما ذكرنا سابقا من أن النجاسة المختلفة بمنزلة الواحدة التي مقدرها مجموع التقديرين، ففي المثال مثلا صار مقدرة ثمانين، فلا تطهر إلا بها، و لا نقول: أنه طهر من هذه الجهة دون الأخرى، فتأمل جيدا.

و في تضاعفه مع التماثل كالثعالب و الأرانب و نحو ذلك تردد، أحوطه التضعيف لا ينبغي التردد في عدم التضعيف في المتماثلات بعد فرض تناول دليلها للقليل منها و الكثير، كما إذا وقع في البئر عذرة مذابة مرات متعددة، فإنه لا إشكال في الاكتفاء بنزح الخمسين، لشمول الدليل، و مثله الدم الكثير. لا يقال أنه بالوقوع الأول قد اشتغلت الذمة بنزح الخمسين، و الوقوع الثاني لا يخلو إما أن يشغل الذمة بالأول، أولا يشغلها بشي ء، أو يشغلها بأمر آخر غير الأول، لا معنى للأول، لكونه تحصيل حاصل، و لا للثاني، لشمول الدليل له، و الثالث خلاف المقصود، لأنا نقول الدليل لما دل على أن العذرة المذابة ينزح لها خمسون، و كانت العذرة المذابة ماهية صادقة على القليل و الكثير، و شغل الذمة بالوقوع الأول لمكان صدق الماهية و جاء الوقوع الثاني انقلب الفرد الأول الى الثاني و صار مصداقا واحدا للماهية، و هكذا كلما يزداد يدخل تحت قول العذرة المذابة، ينزح لها خمسون، و ليس هذا إلا كتعدد النوع الواحد من الحدث الأصغر أو الأكبر كالبول مرات و الجنابة مرات، فتأمل جيدا فإنه دقيق. و أما إذا لم يكن الدليل شاملا للقليل و الكثير فالظاهر عدم التداخل، للاستصحاب و الأصل المتقدم، و ما يقال النجاسة من النجس الواحد لا تتزايد إذ النجاسة الكلبية و البولية موجودة في كل جزء، فلا تتحقق زيادة توجب زيادة النزح، فيه مع مخالفته للأصلين السابقين انا نمنع كون النجاسة من الجنس الواحد لا تتزايد، لأن كثرة الواقع تزيد مقدار النجاسة، فيزيد شيوعها في الماء، فيناسبه زيادة النزح، نعم يمكن

ج 1، ص: 263

أن يقال انا نستظهر من الأدلة أن النزح لماهية الكلب مثلا، و وقوعه منكرا في بعض الروايات لا يراد منه مع قيد الوحدة، بل المقصود الجنسية، فيكون حاله كسائر النجاسات الواقعة على البدن أو الثوب من البول و الغائط و غيرها، و لعله لذا أو لما تقدم تردد المصنف، و ان كان الأقوى ما ذكرنا، و عدم ظهور إرادة الوحدة من التنكير لا يقضي بظهور إرادة الجنس، و الاستصحاب محكم، و مع ذلك كله لا يخلو القول بالاكتفاء من قرب، لان الاستصحاب موقوف على تحقق المستصحب أولا، و الكلام فيه، و أصالة عدم التداخل فرع تعدد الأسباب، و الكلام فيه، و قال في جامع المقاصد بعد أن اختار عدم التداخل مطلقا: «و يستثنى من ذلك اختلاف النجاسة الواقع بالكم، فان الدم الواقع إذا كان قليلا فوقع بعده ما يخرجه من القلة إلى حد الكثرة وجب منزوح الأكثر خاصة» و مثله في المسالك، و هو متجه ان قلنا بحصول الكثرة بالدفعات، لكنه لا يخلو من نظر، و عليه حينئذ لا تداخل فيما إذا وقع دم قليل ثم وقع دم كثير بعده، لتعدد السببين، و كذلك العكس، بخلافه على ما ذكراه، فإنه يلزمهما ذلك.

إلا أن يكون الواقع المتعدد من المتماثل بعضا من جملة لها مقدر، فلا يزيد حكم أبعاضها عن جملتها لا إشكال في عدم الزيادة، و الظاهر وجوب نزح مقدار الجملة لها و إن لم يدخل تحت اسم الجملة، لتوقف يقين البراءة عليه، و في المدارك عن المحقق الشيخ علي أنه احتمل إلحاقه بغير المنصوص، لعدم تناول اسم الجملة له، ثم قال: و هو انما يتم إذا كان منزوح غير المنصوص أقل من منزوح الجملة، إذ لا يعقل زيادة حكم الجزء على الكل، و لم أجد هذا الاحتمال في جامع المقاصد بل الموجود منه ما اخترناه من وجوب نزح ما للجملة، لانتفاء الدليل الدال على الاكتفاء بما دونه، و لو كان في البئر جزءان مثلا لا يعلم انهما من جملة واحدة أو من متعددة، فلا يخلو المتعدد إما أن يقوم احتمال التغاير فيه كالكلب و الأرنب مثلا أو لا، فان كان الأول فالظاهر أنه ان علم جزء منهما انه من جملة خاصة و شك في الآخر انه من تلك الجملة أو لا لم يبعد

ج 1، ص: 264

القول بالاكتفاء بنزح المقدر للجملة التي علم كون الجزء منها، استصحابا لطهارة البئر من الآخر، و ان لم يعلم بأحد الجزئين لم يبعد القول بنزح مقدر الجميع المحتمل، استصحابا للنجاسة، و لانه كما إذا وقع حيوان في البئر فمات فيها و لم يعلم كونه كلبا أو ثعلبا، فان الظاهر وجوب نزح الجميع للمقدمة، و ان كان الثاني و هو ما إذا علم كون الجزئين مثلا جزئي كلب لكن لم يعلم كونهما من كلب واحد أو كلبين فالظاهر وجوب نزح مقدر واحد، استصحابا للحال السابق المعلوم في البئر، فإنه لم يعلم انتقاضه إلا بوقوع كلب واحد، و الأصل عدم تعدد الواقع، و احتمال القول بالتلفيق أي تلفيق كلب من الأجزاء فينزح حينئذ المقدر للكلب الواحد مثلا و إن كانت الأجزاء مختلفة لا يخلو من وجه، لكن الأظهر عدمه.

[ (الثالث) إذا لم يقدر للنجاسة]

(الثالث) إذا لم يقدر للنجاسة حيوانا كانت أو غيره منزوح أي لم يعلم من الشارع له مقدر بالخصوص بأحد الأدلة المعتبرة فعلا كانت أو قولا ظاهرا أو نصا نزح جميع ماءها تحقيقا لا يتسامح في شي ء منه، فان تعذر نزحها لكثرة الماء أو غلبته لا لمانع خارجي لم تطهر إلا بالتراوح و قد تقدم كيفيته، و كأن الحصر إضافي، لما تقدم من إمكان حصول الطهارة بغير ذلك، و ما اختاره المصنف من وجوب نزح الجميع لفاقد النص هو الأقوى، استصحابا للنجاسة، و القول بأن البئر لا ينجس إلا بالنجاسات المذكورة في كلام الشارع التي وجب النزح لها لأن العمدة في النجاسة أوامر النزح لا وجه له، لما علمت سابقا ان البئر عند أهل هذا القول تنجس بكل شي ء، و العمدة في ذلك الإجماعات المنقولة، و استفادتهم من هذه الروايات ان البئر قابلة للنجاسة بكل نجاسة.

لا يقال إن أصالة البراءة من وجوب نزح الجميع قاضية بعكس ما ذكرتم، كما قيل ذلك عند الشك من تعارض الأدلة في وجوب الغسل من البول مثلا مرة أو مرتين أو أزيد.

ج 1، ص: 265

لأنا نقول: (أولا) الاستصحاب قاطع لأصل البراءة، و بناء الفقه من أوله الى آخره عليه، بل الظاهر تحكيمه على العام إذا كان أي الاستصحاب خاصا، و قد أشار إلى ذلك بعض الفضلاء من علمائنا أن العام و إن كان كتابا يحكم عليه الخاص و إن كان استصحابا (و ثانيا) لا معنى لخصوص التمسك به هنا، إذ لا طريق آخر غيره، و الفرق بين ما ذكره و بين ما نحن فيه أن ما ذكره قد تعارضت فيه الأدلة، فيمكن حينئذ أن يقال الأصل براءة الذمة من الزائد، و يبقى ما دل على التطهير بالأقل سالما، و في الحقيقة هذا نوع من ترجيح دليل الاتحاد من جهة الاعتضاد بأصل البراءة، فيكون الدليل مع أصالة البراءة قاطعا للاستصحاب، بخلاف ما نحن فيه، فإنه لا أدلة متعارضة، و أصالة البراءة لا تنبت حكما شرعيا حتى يقال بالتطهير بمقدار مخصوص، و أما الاكتفاء بالتراوح عند تعذر نزح الجميع فللخبرين المتقدمين.

لا يقال ان ذلك فيما قدر له الجميع لا فيما ينزح له الجميع للمقدمة، فإنه لا يقطع بحصول الطهارة إلا بنزح الجميع و ان احتاج الى أيام، و إلا تعطلت البئر. لأنا نقول: (أولا) الظاهر أنه يفهم من الروايتين السابقتين قيام التراوح مقام نزح الجميع في نفسه، و لذلك لم يقدح كون المسؤول عنه في الخبر لا ينزح له الجميع، لأنهم فهموا منه أن ذلك ضابط لما ينزح له الجميع حيث يعسر، كما نقلوا عليه الاتفاق سابقا فتذكر و تأمل. (و ثانيا) قد يدعى الأولوية في المقام، فإنه إذا اكتفي فيما قدر له الجميع بالتراوح فليكتف في غيره مما لم يعلم تقديره به بطريق أولى، نعم لما كان من المحتمل نزح الجميع أوجبناه للمقدمة، فليقم التراوح مقامه، كما لو كان مقطوعا به، بل هو أولى (1) و قيل و نسبه في كشف اللثام


1- 1 لا يقال إن نزح الجميع غير مقتضى للقطع بجواز استعمال الماء أيضا، لعدم ثبوت طهارة البئر نفسه بذلك، لأنا نقول: ان الإجماع منعقد بحسب الظاهر انه ليس وراء نزح الجميع شي ء، و ان ارض البئر تطهر تبعا، كما تطهر حيث يكون المقدر الجميع، و بالجملة حاله حال ما قدر له الجميع منه رحمه الله.

ج 1، ص: 266

الى ابن حمزة و الى الشيخ في المبسوط و ان احتاط بالجميع بوجوب نزح الأربعين ل

قولهم (عليهم السلام)(1): «ينزح منها أربعون و ان صارت منجرة»

و هي مع عدم العلم بصدرها لا جابر لسندها، و مجرد ذكر الشيخ لها في المبسوط غير كاف، إذ لعله و هم فيها، بل الظاهر أنه كذلك، لموافقتها لرواية كردويه التي ستسمعها المتضمنة للثلاثين و ربما احتج لهذا القول بالأخبار(2)الدالة على طهارة البئر بالتغير بنزح ما يزيل التغير خاصة، و عدم وجوب نزح الماء كله، فإذا لم يجب نزح الجميع مع التغير فمع عدم التغير بطريق أولى، فمتى انتفى وجوب نزح الجميع دار الأمر بين القولين الآخرين و هما الثلاثون و الأربعون، و لما كان الجزم لم يحصل بالثلاثين تعين الأربعون، و فيه منع الأولوية (أولا) و إلا لزم أن تحكم هذه الأخبار على سائر ما ذكر على التقدير من الجميع و غيره إذا كان يحصل ما يزول به التغيير بدون التقدير، و هذا و ان ذهب اليه بعضهم فيما تسمع إن شاء الله، لكن الأقوى خلافه، (و ثانيا) هذه الأخبار كلها مبنية على القول بالطهارة في الظاهر، فلا يتمسك بها في المقام، و ستسمع أن كثيرا من القائلين بالنجاسة حكموا غيرها عليها. (و ثالثا) ما ادعاه من الانحصار في الأقوال الثلاثة إن كان المقصود منه تحصيل الإجماع المركب منها ففيه لا إجماع في المقام، و لذلك احتمل بعضهم انه يقدر التغير، ثم ينزح الى زواله، و ان لم يكن المقصود منه الإجماع فلا يفيده (و رابعا) ما ذكره في الاستدلال لهذا القول لا يصلح لأن يكون له دليلا في نفسه، بل هو متمسك لنا على صحته، من جهة عدم العلم بدليل قائله، و إلا فلا معنى لقوله لم يحصل الجزم بالثلاثين فيتعين الأربعون، و بعد معرفة دليل صاحبه و بطلانه لا معنى لذلك، و الحاصل لا إشكال في أنه على تقدير نجاسة البئر أن هناك نجاسات قدر لها الشارع نزح الجميع، كالبعير و صب الخمر، و نجاسات قدر لها الشارع دون ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 4 و 7 و 11.

ج 1، ص: 267

فالنجاسة الغير المنصوصة يحتمل كونها من الأولى، و يحتمل كونها من الثانية، فاليقين لا يحصل إلا بنزح الجميع، و ما ادعاه من الأولوية يبطله ما دل على نزح الجميع لتلك مع عدم التغيير. و ما يقال أن تلك خرجت بالدليل يدفعه أن الأولوية هنا ليست من اللفظ، بل في الحقيقة قطع حصل لنا من ملاحظة كلام الشارع، و بعد فرض أنه قد ورد في الشرع خلافه بطل ذلك القطع، و كذا ما يقال نحن نقطع قبل وصول شي ء إلينا من الشارع في ذلك، فإذا وصل بطل القطع فيما يصل، و يبقى غيره، ضرورة أن هذا الواصل زلزل القطع من أصله في خصوص المقام، و أظنك بما ذكرنا تكتفي عن بيان فساد احتمال القول بتقدير التغيير ثم النزح لما يزوله مع كون التغيير غير مضبوط فتأمل.

و قيل بوجوب نزح الثلاثين، و نسب إلى العلامة (رحمه الله) في المختلف و في المدارك حكى عن الشهيد نسبته للبشرى و أنه نفى عنه البأس و احتج عليه برواية كردويه (1)قال:

سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول و العذرة و أبوال الدواب و أرواثها و خرء الكلاب قال (عليه السلام): ينزح منها ثلاثون دلوا و لو منجرة»

و عن الشهيد في الشرح أنه وجد بخط الشيخ في الاستبصار بضم الميم و سكون الباء و كسر الخاء، و معناه المنتنة، و يروى بفتح الميم و الخاء، و معناه موضع النتن، و في المدارك أن الاستدلال بها عجيب، إذ لا دلالة لها على المتنازع بوجه، فان موردها نجاسات مخصوصة، و الكلام إنما هو في غير المنصوص. قلت: قد يقال: وجهه فهمهم من قوله (عليه السلام):

و لو كانت منجرة أن الثلاثين كافية في كل نجاسة تقع فيها حتى لو بلغت هذا المبلغ، و هذه عبارة تقال: في مثل هذا المقام فلا يراد منها خصوص ما سئل عنه، نعم قد يناقش بأن فيها كردويه، و عن العلامة في المختلف اني لم أعرف حاله، فان كانت الرواية صحيحة فالقول به متجه، انتهى. قلت: و لعله كذلك، إذ لم يذكر بمدح و لا قدح فيما حضرني، و احتمال أن يقال: لا تقدح جهالة كردويه، لكون الراوي عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 268

ابن أبي عمير، و هو من أصحاب الإجماع يدفعه أن الأقوى خلاف ذلك عندنا في أصحاب الإجماع، كما هو مبين في محله، فهذه الرواية مع ما في سندها بل و ما سمعته في دلالتها و اعراض أكثر الأصحاب عنها لا تصلح لأن تكون قاطعة لما ذكرنا، كاعراضهم عما يستفاد من

خبر عمار الساباطي (1) لما سأله عن المذبوح فقال (عليه السلام): «ينزح منه دلاء هذا إذا كان ذكيا فهو هكذا، و ما سوى ذلك مما يقع في البئر فيموت فيه فأكثره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا، و أقله العصفور ينزح منها دلو واحد، و ما سوى ذلك فيما بين هذين»

عدم تجاوز السبعين لكل حيوان بينهما، بل يكون خارجا عن المسألة، لأن الكلام في غير المنصوص، فالأقوى حينئذ نزح الجميع، ثم ان هذه الأقوال لا تجري على القول بان النزح للتعبد الشرعي أو للاستحباب، مع احتمال جريان القولين الأخيرين دون الأول، لاستنادهما للروايات بخلافه، مع احتمال جريان الأول أيضا، بتقريب أن استقراء ما ورد من الشارع في مقادير النزح حتى ما اتفق انه سئل يوما عن نجاسة إلا و ذكر لها مقدرا، بل غير النجاسة كاغتسال الجنب يفيد أن كل نجاسة لها مقدر، لكن منه ما وصل و منه ما لم يصل إلينا، فالاحتياط حينئذ بناء على الوجوب التعبدي نزح الجميع، أو بناء على الاستحباب إذا أريد اليقين بامتثال الأمر الاستحبابي، و دعوى ان الاستقراء ان لم يفد العلم فلا حجة فيه، لكونه قياسا، و إفادته العلم ممنوعة يدفعها إنا نمنع عدم حجيته على التقدير الأول، إذ الظاهر حجية مثله لاستفادته من الأدلة، بل كثير من القواعد الشرعية مبناها على ذلك، و لعل الحكم بنجاسته بغير المذكور المقدر له مبني على ذلك لا الإجماعات المنقولة، لكن و مع ذا لا يخلو من إشكال، لاحتياجه الى تحرير ليس هذا محله.

[في تغير ماء البئر]
اشاره

و إذا تغير أحد أوصاف ماءها كلا أو بعضا لونا أو طعما أو رائحة قيل ينزح ماؤها أجمع و نسبه في كشف اللثام إلى القائلين بالنجاسة عدا المفيد و بنى زهرة


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.

ج 1، ص: 269

و إدريس و البراج فان تعذر لغزارته و هر المراد بغلبة الماء الوارد في الخبر(1) لا لغيره تراوح عليها أربعة و هو الأولى كما عن الصدوقين و سلار و ابن حمزة من القائلين بنزح الجميع، و في المعتبر و عن الدروس اختيار نزح أكثر الأمرين من المقدر و ما يزول به التغيير عند تعذر نزح الجميع. و كشف الحال يحصل بذكر أخبار الباب و فتاوى الأصحاب، فنقول أما الأخبار فمنها

صحيح ابن بزيع (2)عن الصادق (عليه السلام) «قال: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم لان له مادة»

و

موثقة سماعة(3) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الفأرة تقع في البئر أو الطير؟ قال عليه السلام: إن أدرك قبل أن ينتن نزح منها سبع دلاء و إن كانت سنورا أو أكبر منها نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا، و إن أنتن حتى يوجد النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء»

و

صحيح الشحام(4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في السنور و الدجاجة و الكلب و الطير قال عليه السلام: إذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء، و إن تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح»

و

خبر زرارة(5) قال: قلت:

لأبي عبد الله عليه السلام «بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال عليه السلام: الدم و الخمر و الميت و لحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا، فان غلب الريح نزحت حتى يطيب»

و

صحيح معاوية بن عمار(6) قال: سمعته عليه السلام يقول:


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 6 و 7 إلا انه روى عن الرضا عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 3. و في الباب- 21- حديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 10.

ج 1، ص: 270

لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة و نزحت البئر»

و في

خبر أبي خديجة(1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل «عن الفأرة تقع في البئر؟ قال عليه السلام: إذا ماتت و لم تنتن فأربعين دلوا و إذا انتفخت فيه و نتنت نزح الماء كله»

و

خبر منهال(2) قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) «العقرب تخرج من البئر ميتة، قال عليه السلام: استق منه عشرة دلاء، قال: قلت: فغيرها من الجيف، قال عليه السلام: الجيف كلها سواء إلا جيفة قد أجيفت، فإن كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مائة دلو، فان غلبها الريح بعد مائة دلوا فانزحها كلها».

و أما الأقوال فالظاهر من القائلين بطهارة البئر و عدم نجاستها إلا بالتغير كما هو المختار و ان النزح في المقدرات مستحب أن تطهيرها بالنزح حتى يزول التغيير، عملا بالأخبار الصحيحة (3)الصريحة الظاهرة في أن حالها حال الجاري، و قد عرفت أن طهره بزوال التغيير بأي وجه يكون. أو بما يخرج من المادة متدافعا عليه حتى يزول التغيير، أو يتكاثر الماء عليه من خارج حتى يزول التغيير أو بغيرهما مما يزيله، بل لو نزح حتى زال التغير و إن لم يخرج من المادة شي ء فالظاهر حصول الطهارة، عملا بالأخبار، و التعليل بان له مادة لا يقتضي اشتراط تجدد الخروج، إذ لعل الاتصال بها كاف، فتأمل جدا.

و لا يعارض ذلك أخبار المقدرات، لكونها محمولة على الاستحباب عندهم، بل و لا الأخبار الدالة على نزح الجميع التي قدمناها، إذ هي بين غير واضح السند و بين غير واضح الدلالة، فتلك أقوى منها من وجوه عديدة، فوجب حملها إما على الاستحباب أو على أن التغير لم يذهب إلا بنزح الجميع، كما أنه ربما يشعر به خبر منهال، فان ظاهره


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الماء المطلق- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 6 و 7.

ج 1، ص: 271

الاكتفاء بالمائة إذا ذهب بها النتن.

و أما القائلون بالنجاسة فالظاهر أن أقوالهم تنتهي إلى سبعة أو ثمانية بعد الاتفاق على أنه لا يطهر قبل زوال التغير (الأول) موافقة القائلين بالطهارة، فيكتفون بنزح ما يزيل التغير سواء كانت النجاسة منصوصة أو غير منصوصة، و سواء كان نصها نزح الجميع أو لا، و سواء ساوى ما زال به التغيير المقدر أو زاد أو نقص، و هو المنسوب للمفيد، و نقل عن الشهيد اختياره في البيان و أبى الصلاح، و اختاره العلامة في المنتهى، للأخبار المتقدمة الدالة على حصول طهر المتغير بنزحه المزيل لتغيره، مع عدم تفصيلها بين ما له مقدر أو لا و بين ما مقدرة الجميع أولا، بل في بعضها السؤال عما له مقدر مع الجواب عنه بأنه ان كان لم يغير فكذا، و ان غير فينزح حتى يزول التغيير، و زاد في المنتهى في الاحتجاج بأن العلة هي التغير بالنص و الدوران في الطريقة على مذهبنا، و قد زال، فيزول الحكم التابع، و لانه قبل وقوع المغير طاهر، فكذا بعده مع زوال التغيير، و الجامع المصلحة الناشئة من الطهارة في الحالين، و بان نزح الجميع حرج و عسر، فيكون منفيا، و لانه لو لم يكن زوال التغيير غاية لزم إما خرق الإجماع، أو الفرق بين الأمور المتساوية بمجرد التحكم أو إلحاق الأمور المختلفة بعضها ببعض لمعنى غير معتبر شرعا، و التالي بأقسامه باطل، فالمقدم مثله، بيان الملازمة أنه حينئذ إما أن لا يطهر بالنزح، و هو خرق الإجماع، أو يطهر فاما بنزح الجميع حالتي الضرورة و الاختيار، و هو خرق الإجماع أيضا، و إما بنزح الجميع حالة الاختيار، و بالزوال حالة الضرورة و العجز، و هو الفرق بين الأمور المتساوية، ضرورة تساوي الحالين في التنجيس، أو بالجميع في الاختيار، و بالتراوح عند الضرورة، قياسا على الأشياء المعينة لنزح الجميع، و هو قياس أحد المختلفين على الآخر، ضرورة عدم النص الدال على الإلحاق، أو نزح شي ء معين، و هو خرق الإجماع، ضرورة عدم القائل به من الأصحاب.

ج 1، ص: 272

لا يقال لا نسلم تساوي حالتي الاختيار و الضرورة، لأنا نقول نعني بالتساوي ههنا اتحادهما في الحكم بالتنجيس، لسقوط التعليل بالمشقة و الحرج في نظر الشرع، إذ هو حوالة على وصف خفي مضطرب، و مثل هذا لا يجعله الشارع مناطا للحكم، و لانه يشبه الجاري بمادته فيشبهه في الحكم، و قد نص الرضا (عليه السلام) على هذه العلة، و لا شك ان الجاري يطهر بتواتر جريانه حتى يزول التغيير، فكذا البئر إذا زال التغيير بالنزح يعلم حصول الجريان من النابع الموجب لزوال التغيير، و فيه مع انه مناف للأولوية، إذ من البين أنه إذا نزح له الجميع مثلا مع عدم التغيير، أو غير ذلك من المقدرات، فمعه بطريق أولى، و كيف يعقل ذلك مع أن التغير هو ذلك السبب و زيادة لا أقل من بقاء مقتضي السبب

الأول أنه مناف لمقتضى الجمع بين الأدلة، لأنه في الحقيقة حينئذ تخصيص لتلك الأدلة الدالة على المقدرات بأسرها، مع أن التعارض بينهما العموم من وجه، و الترجيح و الاحتياط بغير ما ذكر، و لذلك كان المشهور على خلافه، على أن هذه الأخبار قد عرفت أن القائلين بالنجاسة قد أعرضوا عن بعض ما تضمنته من عدم التنجيس بغير التغيير، و ذلك مما يراعى عند الترجيح بين الأخبار، و ما يقال من إنكار الأولوية، و من أن أخبار التقادير مبنية على عدم التغيير لا وجه له، لمكان ظهور الأولوية ظهورا لا يكاد ينكر، و لان سلم فلا ريب في تناول قوله (عليه السلام)(1) موت البعير مثلا ينزح له كذا لما نحن فيه و غيره، مع أن التغيير ببقائه ميتا في البئر لا يرفع السبب الأول، إذ هو ان لم تكن مؤثرا زائدا على التقدير فلا أقل من أن لا يؤثر. و لا معنى لقوله أن أخبار التقدير مبنية على عدم التغيير، لعدم دلالة تلك الأخبار على الاشتراط المذكور بوجه من الوجوه، نعم هي دالة على ان هذا المقدار من النزح واجب و ان لم يحصل التغيير، لا أنه مأخوذ فيها عدم التغير،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 273

و ما يقال ان بعض الأسئلة قد اشتملت عماله مقدر مع اشتمال الجواب انه ان لم يتغير البئر بها فكذا، و إن تغير فانزح حتى يذهب الريح و يطيب الطعم، ففيه كون المقصود منه انه مع التغيير لا يكتفى بالمقدر، بل لا بد من زواله و إن استوفيته، فيكون إشارة إلى نزح أكثر الأمرين، و لعل ذلك من جهة غلبة احتياج ما ذكر في السؤال في زوال التغيير إلى أزيد من المقدر، كما يومي اليه

قوله (عليه السلام)(1)«إذا لم يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء و إن تغير فخذ منه حتى يذهب الريح»

لظهوره في انه إذا كان كذلك فلا يكفيك خمس دلاء، بل لا بد من النزح حتى يذهب الريح و إن بلغ المائة، و الانصاف أن الأخبار غير ظاهرة فيما كان زوال التغيير محتاجا الى أنقص من المقدر، بل إن لم تكن دالة على العدم فلا أقل من عدم الدلالة، فلا شاهد بها حينئذ، على انها معارضة بأخبار نزح الجميع و غيرها، و أما ما ذكره في المنتهى ففي (الأول) ان دعوى العلة التغير محل منع، بل العلة في النجاسة حاصلة قبله، و كأن ذلك منه مبني على القول بطهارة البئر و عدم نجاستها إلا بالتغير، و الكلام ليس فيه، بل قد يقال إن استصحاب النجاسة محكم و إن كان منشأها التغيير، و يكون حاله كحال الماء المحقون البالغ كرا إذا زال التغيير من قبل نفسه، فإن الأصح بقاء النجاسة للاستصحاب و إن كان فيه بحث ليس هذا محله. و في (الثاني) انه قياس لا نقول به، و كأنه ذكره (رحمه الله) على لسان العامة، أو انه اشتباه منه انه ليس بقياس، أو يكون المراد منه أنه عين الأول لكن بتقرير آخر، أو غير ذلك، و في (الثالث) منع أنه عسر و حرج، و لذلك جاء التعبد به في كثير من مواضع النزح، و أيضا لو سلمنا كونه عسرا و حرجا فلا يقضي بصحة ما ادعاه، فان هناك قولا آخر و هو القول بأكثر الأمرين، بل هو الأقوى كما ستسمع إن شاء الله. و في (الرابع) مع كونه غير جار فيما قويناه من الأكثر أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.

ج 1، ص: 274

لا تساوي عقلا و لا شرعا و لا عرفا، و لعل القائل بذلك مستند إلى أخبار زوال التغيير بنفسها، إلا أنه خرج حالة الاختيار بدليل، فبقيت حالة الاضطرار داخلة، و قوله إن القول بالتراوح عند الاضطرار قياس أحد المختلفين إلى آخره فيه ما عرفت أنه ظاهر أخبار التراوح مع فهم الأصحاب جريانه في كل ما ينزح له الجميع و تعذر لغلبته، و لذلك أجروه فيما لا نص فيه بناء على أنه ينزح له الجميع، فتأمل. و في (الخامس) أنه لا تشبيه أولا، و قوله لأن له مادة لا يقضي بذلك، غايته استفادة المادة للجاري و للبئر منه، و أين ذلك مما ذكر، و ثانيا انه مبني على القول بطهارة البئر إلا بالتغير، و فرض كلامنا على تقدير النجاسة، فتأمل.

(الثاني) من الأقوال وجوب نزح أكثر الأمرين من المقدر و ما يزول به التغيير، هذا في المنصوص الذي نصه غير نزح الجميع، و أما فيه و فيما لا نص فيه فينزح الجميع، و مع التعذر فالتراوح، كما عن ابني إدريس و زهرة و العلامة في المختلف و الشهيد الثاني في الروض، و هو الأقوى جمعا بين الأدلة، ضرورة عدم البحث فيه حيث يتساوي المقدر و ما به يزول التغيير، أو إذا زاد ما زال به التغيير، إنما الكلام فيما إذا زاد المقدر، و المتجه وجوبه، لشمول دليله له المعتضد

بالأصل، و حصول التغيير لا يرفعه، و ما دل على الاكتفاء بالنزح حتى يزول التغيير لا يقضي بطهارة البئر من كل جهة، بل إن قضي فهو بالمفهوم المعارض بما دل على وجوب المقدر الظاهر في توقف الطهارة عليه، بل ينبغي أن يجب تمام المقدر بعد زوال التغيير، كما يظهر من بعضهم لو لا ما يظهر من الأخبار أن المقصود زوال التغيير على أي وجه يكون و لو باستيفاء المقدر، فان قوله انزح حتى يزول التغيير يصدق على نازح المقدر أنه نزح حتى زال التغيير، و النية غير معتبرة، فيتجه حينئذ دعوى دخول الأقل هنا في الأكثر، لأنه ينحل عند التأمل إلى أن موت الكلب في البئر مثلا انزح له أربعين، و إن تغيرت البئر فأزل التغيير بنزح كائنا ما كان، فإن أزلت التغيير بنزح المقدر امتثلتهما قطعا،

ج 1، ص: 275

لكن لما كان في الغالب ان التغيير يحتاج إلى نزح أزيد من التقدير علق الحكم على زواله فتأمل. و أما وجوب نزح الجميع فيما لا نص فيه فلأن له مقدرا قطعا قبل حصول التغيير، و ذلك المقدر غير معلوم، فأوجبنا من باب المقدمة نزح الجميع، و لا يعارضه أخبار التغيير، لما عرفت أنها لا تنافي وجوب المقدر الحاصل قبل التغيير، و أما انه يقوم التراوح مقام نزح الجميع فلما عرفت سابقا.

(الثالث) نزح ما يزيل التغيير أولا ثم نزح المقدر تماما ان كانت النجاسة مما لها مقدر، و إلا فالجميع، فان تعذر فالتراوح، و كأن مستنده أنها أسباب، و الأصل عدم تداخلها بالنسبة إلى نزح الجميع، و فيه ما عرفت من فهم التداخل في خصوص المقام.

(الرابع) الاكتفاء بأكثر الأمرين فيما له مقدر، و في غير المنصوص يرجع إلى زوال التغيير، و كأن مستنده في الأول ما تقدم، و في الثاني أخبار التغيير غير معارضة، لأن الفرض أنه ليس له مقدر منصوص، فتبقى حينئذ بغير معارض، و استحسنه في الحدائق، و قد عرفت ما فيه من أنه قبل حصول التغيير لا بد أن يكون لها مقدر لا يرتفع بحصول التغيير، ففي الفرض يحتمل استيفاء المقدر، و يمكن العدم لاحتمال أنه أكثر مما زال به التغيير، فمن باب المقدمة يجب نزح الجميع، فتأمل.

(الخامس) وجوب نزح الجميع، و لعله المشهور بين القائلين بالتنجيس، لصحيحة معاوية بن عمار و خبري أبي خديجة و منهال، لا أقل من تعارض الروايات و تساقطها، فيبقى الاستصحاب و نحوه مما يقضي بنزح الجميع من غير معارض، و روايات التقدير لا تشمل التغيير، و إلا لا كتفي بها و إن لم يزل، و هو باطل بالإجماع، بل قد يقال النجاسة المغيرة لها مقدر في الشرع لا نعرفه، فبعد تعارض تلك الروايات و تساقطها وجب نزح الجميع للمقدمة، و إذا ثبت ذلك فيما له مقدر ثبت فيما ليس له مقدر بطريق أولى، و فيه أن تلك الأخبار أقوى دلالة و سندا و أكثر عددا، بل خبر منهال ظاهر في الاكتفاء بالمائة، و خبر أبي خديجة و إن كان ظاهرا لكنه ضعيف السند، و الآخر

ج 1، ص: 276

و إن كان نقي السند لكنه غير ظاهر الدلالة، لاحتماله إرادة نزحت حتى يذهب الريح، لا أقل من أن تكون من العام و الخاص، فإذا كان كذلك وجب حمل رواية أبي خديجة على ضرب من الاستحباب، أو انه إذا لم يزل التغيير ينزح الماء كله و نحو ذلك.

ثم اعلم أن أهل هذا القول اختلفوا عند التعذر، فما بين قائل يرجع الى التراوح، لما عرفت، و هو الأقوى على تقدير القول بنزح الجميع، و ما بين قائل إلى زوال التغيير، للجمع بين ما دل على نزح الجميع و ما دل على النزح حتى يزول التغيير، بحمل الأول على صورة الاختيار، و الثانية على التعذر، و مقتضاه أنه لا فرق في حال التعذر بين النجاسة التي لها مقدر أولا، و فيه ما لا يخفى من تحكم تلك الأخبار أولا، و من حمل هذه الأخبار على التعذر ثانيا، و من عدم مراعاة أكثر الأمرين في حال التعذر ثالثا، و غير ذلك، و ما بين قائل بمراعاة أكثر الأمرين، و فيه ما تقدم، إلا الثالث، فتكون الأقوال حينئذ سبعة، و قد عرفت الأقوى منها، و الله أعلم، و كلها يمكن جريانها على القول بالوجوب التعبدي، و أما على القول بالطهارة و استحباب النزح فبعضها، فلا يجري جميعها و إن أمكن ذلك في بعضها، كما هو ظاهر بأدنى تأمل، و لو زال التغير لنفسه و قلنا بالنجاسة فيحتمل أن يقال بوجوب نزح الجميع، لاستصحاب النجاسة و ذهاب ما قدر الشارع، لبناء الطهارة بزواله، و يحتمل القول بأنه يرجع إلى حاله قبل التغير، فان كانت النجاسة منصوصة وجب مقدرها، و إلا فالجميع، و لعله الأقوى، و يحتمل القول بتقدير التغيير و نزح ما يزيله تقديرا، و ينقدح حينئذ مراعاة أكثر الأمرين و غيره، و وجه الكل واضح، و في كشف اللثام أنه على تقدير وجوب نزح الجميع هنا فان تعذر النزف فلا تراوح هنا، بل ينزح ما يعلم به نزح الجميع و لو في أيام، و وجهه واضح، انتهى. قلت هو غير واضح بعد ما سمعت من قيام التراوح عندهم مقام نزح الجميع، كما تقدم.

فروع
(الأول) هل يعتبر فيما قدر فيه النزح

تعدد ذلك النزح فلو نزح

ج 1، ص: 277

مقدار ذلك العدد بآلة تسعه دفعة أو دفعتين سواء كانت تلك الآلة دلوا أو غيره؟ وجهان، أقواهما عدم الاكتفاء، للأصل، مع احتمال أن هذه الكيفية لها تأثير، فيجب مراعاتها، و مثل ذلك لو كانت آلة صغيرة تسع نصف دلو، فهل يكتفي بنزح المقدر فيها حتى يبلغ المقدر و لو بالتكرير أو لا؟ و لو ذهب مقدار المقدر بغير النزح بل إما بغور أو غيره فالظاهر عدم الإجزاء أيضا، لما ذكرنا، هذا كله فيما لم يكن المقدر فيه نزح الجميع، و أما فيه فيحتمل قويا عدم العبرة بكيفية النزح و بخصوص الدلو، بل المقصود إذهاب الجميع بأي طريق يكون حتى لو غار ماؤها، و لا يحكم بنجاسة العائد و لا تنجسه بأرض البئر لطهارتها بالنبغ، و قد تقدم إشارة إلى ذلك سابقا، نعم ربما يعتبر كثير من ذلك في التراوح كما تقدم.

(الثاني) هل يطهر آلات النزح و حواشي البئر و أرض البئر و نحو ذلك

من الأشياء اللازمة لا مطلق الأشياء الخارجة عن البئر كالخشب الواقع مثلا و نحو ذلك؟ لا يبعد القول بالطهارة، لحصول العسر و الحرج بدونه، مع أنه لم يؤمر في شي ء من الأخبار بتطهير شي ء من ذلك، قال في المنتهى: «الخامس لا ينجس جوانب البئر بما يصيبها من المنزوح، للمشقة المنفية، و هو أحد وجهي الشافعية، و الآخر ينجس، فيغسل لو أريد تطهيرها، و ليس بجيد، للضرر و عدم إمكان التطهير. ثم قال: السادس لا يجب غسل الدلو بعد الانتهاء، لعدم الدليل الدال على ذلك، و لأنه حكم شرعي فكان يجب على الشرع بيانه. و لأنه يستحب زيادة النزح في البعض، و لو كان نجسا لتعدت نجاسته الى الماء» انتهى.

و قد استفيد منه طهارة الدلو و حواشي البئر، و الأقوى ما سمعت من طهارتهما و طهارة غيرهما من الحبل و ثياب النازح و بدنه و نحو ذلك، لما سمعت و غيره، و الله أعلم.

(الثالث) هل يجب إخراج عين النجاسة أولا ثم ينزح المقدر أو التراوح، أو لا

يتفاوت بين إخراجها أولا أو في الأثناء أو في الآخر؟ الأقوى الأول، و ذلك

ج 1، ص: 278

لأنه ما دامت في البئر هي مؤثرة ذلك المقدر، فيقع ذلك النزح عبثا، و في كشف اللثام نقل الاتفاق عليه في المنتهى، و الموجود فيه النزح إنما يجب بعد إخراج عين النجاسة، و هو متفق عليه بين القائلين بالتنجيس، و كيف كان فقد عرفت أن الأقوى وجوب إخراج عين النجاسة أولا، فلو كانت النجاسة مثلا شعر نجس العين فإنه يجب النزح حتي يعلم إنه ليس فيها شي ء منه، و لو تعذر لم ينفع التراوح و بقيت معطلة، و يحتمل أن يقال يمكن التمسك بأصالة عدم زيادتها على ما خرج، فينزح حينئذ المقدر و تطهر البئر، و أيضا مقتضى الأخبار حصول الطهارة باستيفاء المقدر مطلقا، غاية ما قيدت تلك الإطلاقات بما لم يكن شي ء من النجاسة خارجا قبل النزح. فيبقى الباقي داخلا، و فيه أن استصحاب النجاسة و أصالة عدم استيعاب ما فيها من النجاسة قاضية ببقاء النجاسة، و ما ذكرته من الإطلاق إنما هو مقيد بعدم الوجود لا بعدم الوجدان، و الظاهر أن هذا نوع فرع لا يخص القائلين بالنجاسة، بل القائلين بالتعبد أيضا يأتي الكلام فيه على تأمل.

و ربما ظهر من بعضهم أنه يمكن القول بوجوب إخراج النجاسة أولا على القول بالطهارة، و فيه أنه لا معنى له، بل ينزح حتى يزول التغيير، فلا يقدح حينئذ بقاء النجاسة، و مثل ما ذكرنا في الشعر النجس يجزي في سائر النجاسات إلا المستهلكة، و عن الشهيد في الذكرى أنه ألحق بالشعر النجس شعر طاهر العين لمجاورته النجس مع الرطوبة، و احتمل هو أيضا عدم طهارته في أصله، فتأمل. فظهر مما ذكرنا أنه لا يحتسب شي ء مما يخرج به النجاسة من العدد، لوجوب إخراج عين النجاسة سابقا، و احتمل في كشف اللثام الاجتزاء بإخراج عين النجاسة في أول دلو و احتساب تلك الدلو من العدد، لإطلاق النصوص و الفتاوى، و الظاهر أن مقصوده استغراق أول دلو عين النجاسة كلها، لا فيما إذا بقي في البئر شي ء، لكن قد عرفت أن الفتاوى مقيدة بما نقله عن المنتهى، و أما الأخبار فهي مع ظهورها في أن مقدرها بعد إخراج عين النجاسة قد صرح به بعضها، ك

رواية(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 279

البقباق قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «في البئر يقع فيها الدابة أو الفأرة أو الكلب أو الطير فيموت قال: يخرج ثم ينزح من البئر دلاء»

بل قد يقال إن الاستصحاب و النص و الفتوى قاضية بعدم الاحتساب، و ما في

خبر علي بن حديد(1) عن بعض أصحابنا قال: «كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة، فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبي عبد الله (عليه السلام) دلوا، فخرج فيه فأرتان، فقال (عليه السلام):

أرقه، فاستقى آخر، فخرج فيه فأرة، فقال (عليه السلام): أرقه، فاستقى الثالث، فلم يخرج فيه شي ء، فقال صبه في الإناء، فصبه في الإناء»

يجب حمله على القول بالنجاسة على حياة الفيران.

(الرابع) لا عبرة بما يتساقط من الدلو حال النزح و لو كان أخيرا،

و ينبغي استثناء ذلك مما ينجس البئر، بل قد يقال أنها لا تطهر إلا بعد خروج الدلو من حاشيتها لا بانفصالها عنها، فحينئذ لا يقدح ما يتساقط من الدلو الأخير لبقائها على النجاسة حكما، لأنا نقول و إن كان الظاهر طهارتها بانفصاله لتحقق العدد بذلك، فيكون الدلو معدن النجس، و البئر معدن الطاهر، نعم لا يقدح ما يتساقط منه، للمشقة و العسر و الحرج و لظواهر الأخبار، و عليه حينئذ لو وقع في الأثناء بتمامه فيها أو نصفه فإنه حينئذ ينبغي نزح المقدر، لأن ذلك فرعه، فلا يزيد عليه، و مثله يجري في التراوح، مع احتمال القول بوجوب نزح الجميع كما يظهر من المنتهى، لكونه من النجاسة الغير المنصوصة، و المسألة سيالة في كل تنجس بما له مقدر، و ربما يكون في رواية المطر(2) إشارة إلى شي ء آخر، فتأمل. بل يحتمل قويا الاجتزاء بإعادة نزحه، لأنه بوقوعه رجع الى الحال الأول الذي قبل إخراجه، و إن كان لو وقع في بئر أخرى لأوجبنا له المقدر أو نزح الجميع، هذا كله لو وقع الدلو الأخير، أما لو صب الأول أو الوسط فهل لا حكم لذلك بل


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الماء المطلق- حديث 3 و في الباب- 16 حديث 3.

ج 1، ص: 280

يرجع إلى أنك لم تخرجه، أو أنه من قبيل تنجس البئر بنجاسة جديدة أخرى؟ الأقوى في النفس الأول، و الأوفق بالضوابط الثاني، و حينئذ يجب إما نزح الجميع أو مقدر تلك النجاسة.

(الخامس) لا تجب النية في النزح على القول بالنجاسة،

و لا يشترط وقوعه من مباشر مكلف، بل يصح من كل أحد، لأنه من قبيل غسل النجاسة، كما أن الظاهر بناء على القول بالتعبد أو الاستحباب الاكتفاء بمجرد حصوله في الخارج، فلا يحتاج الى التجدد إذا وقع ممن لا يصح منه ذلك لو كان عبادة، نعم لهم كلام في التراوح قد تقدم.

[في مقدار الفاصلة بين البئر و البالوعة]

و يستحب أن يكون بين البئر أو مطلق العين على وجه و البالوعة و هي مجمع نجاسات نفاذة كما يظهر من رواية الكنيف (1) لا خصوص ماء النزح خمس أذرع بالذراع الهاشمية التي حدت بها المسافة إن كانت الأرض صلبة جبلا، أو كانت البئر فوق البالوعة قرارا، و إن لم يكن كذلك بان كانت البالوعة فوق البئر قرارا أو مساوية أو كانت الأرض سهلة رخوة فسبع كما في المعتبر و المنتهى و القواعد و التحرير و غيرها، بل في جامع المقاصد و المدارك و كشف اللثام انه المشهور بين الأصحاب، فتكون حينئذ الصور ستة، لأن الأرض إما سهلة أو صلبة، و على كل منهما فالبئر أما أعلى قرارا من البالوعة، أو بالعكس أو متساويان، فحيث تكون الأرض صلبة فالصور الثلاث خمس، و إذا كانت سهلة فإن كانت البئر أعلى قرارا فخمس أيضا، و الصورتان الباقيتان سبع، و في الإرشاد يستحب تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع إن كانت الأرض سهلة، أو كانت البالوعة فوقها، و إلا فخمس، و لا ريب في مخالفة هذه العبارة للمشهور، إذ على ظاهرها تنعكس صور المسألة، فتكون أربعة للسبع، و صورتان للخمس، هذا إن جعلنا لفظ أو على ظاهرها، و إن قلنا أن المراد منه الواو


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 281

كما عن بعض النسخ كان الخلاف في صورة التساوي، فإنه عليه تكون داخلة في الخمس، و على كلام المشهور داخلة في السبع، و عن التلخيص يستحب تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع مع الرخاوة و التحتية، و إلا فخمس، و هي كنسخة الإرشاد الأخيرة، و في السرائر يستحب أن يكون بين البئر التي يستقى منها و بين البالوعة سبعة أذرع إذا كانت البئر تحت البالوعة و كانت الأرض سهلة، و خمسة أذرع إذا كانت فوقها و الأرض أيضا سهلة، فإن كانت الأرض صلبة فليكن بينها و بين البئر خمسة أذرع من جميع جوانبها، و ظاهره أيضا عدم دخول صورة التساوي، إلا أنه على عبارة الإرشاد يكون داخلة في الخمس، و على ظاهره تكون مسكوتا عنها، و لعل ذلك لندرة التساوي، أو لم يستظهر الدليل عليها كما ستسمع، و عن الصدوق انه اقتصر في الفقيه و المقنع على اعتبار الصلابة و الرخاوة، فجعل الخمس مع الأولى، و السبع مع الثانية، بل عن المقنع أنه ذكر خبر الديلمي الآتي، و أفتى به قبل ما ذكرناه عنه من اعتبار الصلابة و الرخاوة، و ظاهره حينئذ الفرق بين البالوعة و الكنيف، لتضمن خبر الديلمي الكنيف، و ما ذكره من اعتبار الصلابة و الرخاوة في البالوعة و ان احتمل أنه لا يفرق بينهما، إلا أنه اعتبر الصلابة و الرخاوة، ثم اعتبر فوقية الجهة، كما في خبر الديلمي، بل لعله الأقوى، لما عن الفقيه من جعل موضوع المسألة البالوعة و الكنيف من غير فرق بينهما و المعروف من نقل الخلاف في المسألة عن ابن الجنيد في المختصر الأحمدي قال: ما صورته لا استحب الطهارة من بئر يكون بئر النجاسة التي يستقر فيها من أعلاها في مجرى الوادي، إلا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثني عشر ذراعا، و في الأرض الصلبة سبع أذرع، فإن كان تحتها و النظيفة أعلاها فلا بأس، و إن كانت محاذيتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس، تسليما ل ما رواه ابن يحيى (1) عن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) انتهى. و كلامه ظاهر في اعتبار الاثنى عشر بشرطين، الأول علو البالوعة الكائنة


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 282

في مجرى الوادي، و الثاني كون الأرض رخوة، و أما حيث تكون البئر أعلى فلا بأس، و إذا كانت الأرض صلبة فسبع، و كذلك في صورة المحاذاة في سمت القبلة، فإنه يكتفى بالسبع حتى لو كانت الأرض رخوة، و المراد بالعلو في كلامه علو الجهة لا علو القرار، مع احتمال إرادته، لكنه بعيد، سيما بعد الاستناد الى خبر الديلمي، كما ستسمع إن شاء الله.

و كيف كان فحجة المشهور الجمع بين

قول الصادق (عليه السلام) في مرسلة قدامة ابن أبي يزيد الجماز(1)قال: سألته «كم أدنى ما يكون بين البئر بئر الماء و البالوعة؟

فقال: إن كان سهلا فسبع أذرع، و ان كان جبلا فخمس أذرع، ثم قال: إن الماء يجري إلى القبلة، إلى يمين، و يجري عن يمين القبلة إلى يسار القبلة، و يجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة، و لا يجري من يمين القبلة إلى دبر القبلة».

و

قول الصادق (عليه السلام)(2)في خبر الحسن بن رباط سألته «عن البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع، و إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كل ناحية و ذلك كثير»

و وجه الاستدلال ان في كل من الروايتين إطلاقا من وجه و تقييدا من آخر، فجمع بينهما بحمل مطلقهما على مقيدهما، بمعنى أن مورد السبعة في الرواية الأولى مقيدة بمورد الخمسة في الرواية الثانية، و السبعة التي في الرواية الثانية مقيدة بالخمسة التي في الرواية الأولى، و لا يخفى عدم جريان مثل ذلك على القواعد، بل المستفاد من مجموع الروايتين ان السبعة لها سببان، السهولية و فوقية البالوعة، و الخمسة أيضا لها سببان، الجبلية و أسفلية البالوعة، و يحصل التعارض عند تعارض الأسباب، كما إذا كانت الأرض سهلة و البالوعة أسفل من البئر، فلا بد من مرجح خارجي حينئذ، و كذلك لو كانت الأرض جبلا و البالوعة فوق البئر، و لعله بالنسبة إلينا تكفي الشهرة في المرجح، فيكون


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث 3.

ج 1، ص: 283

تحكم كل منهما على الآخر بمعونتها، و بالنسبة إليهم لا نعلم المرجح، و لعله دليل خارجي، أو أن سهولة الأرض لا تؤثر مع أسفلية البالوعة، كما أنه لا يؤثر علوها عليه مع جبلية الأرض، و على كل حال فصورة التساوي يمكن دخولها تحت قوله إن كانت الأرض سهلة فسبع، لأنها غاية ما قيدت بما لم تكن البئر فوق البالوعة، فتبقى الصورتان داخلتين، و هما صورة فوقية البالوعة و تساوي القرار، و هو الذي حكم به المشهور و أما الجبلية في الرواية الأولى فهي غير مقيدة بشي ء، فلا معنى حينئذ للإشكال في صورة التساوي بعد تسليم ما ذكروه من الجمع، نعم تتجه المناقشة في هذا الجمع بعدم جريانه على القواعد، و الظاهر أن المراد بالفوقية في الرواية فوقية القرار، لأنها هي المتبادر من لفظ الفوق، لا فوقية الجهة، و هو الذي فهمه كثير منهم، و حملوا عليه كلامهم، فان فيه لفظ الفوق كما في الأخبار، و ليس له تعرض لفوقية القرار أو فوقية الجهة.

حجة ابن الجنيد ما أشار إليها في كلامه من

رواية سليمان الديلمي(1) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن البئر إلى جنبها الكنيف؟ فقال لي: ان مجرى العيون كلها مع مهب الشمال، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال و الكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما أذرع، و إن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا، و ان كانت تجاهها بحذاء القبلة و هما مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع»

و من المعلوم ان هذه الرواية مع ضعف سندها و عدم الجابر لا تفي بجميع ما ادعاه أولا من كون الاثنى عشر مشروطا بأمرين، السهولة و العلو مع اكتفاء الرواية بالثاني، على أن دعواه الاكتفاء مع الصلابة بسبع و لم يذكر في الرواية، و لعله لم يأخذ جميع ما ذكر من هذه الرواية، بل أخذ الصلابة و الرخاوة من الأخبار الأخر، و علو الجهة من هذه الرواية، و جمع بينهما بما ذكر، و قد عرفت سابقا ان الصدوق في المقنع نقل عنه أنه عمل بهذه الرواية أيضا، و في جامع المقاصد كما عن جماعة من الأصحاب اعتبار


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث- 6.

ج 1، ص: 284

الجهة عند تساوي القرار، لمكان هذه الرواية.

قال: في جامع المقاصد «و طريق الجمع حمل ما دل على الزيادة على المبالغة في الاستحباب، و حينئذ فيعتبر الفوقية و التحتية باعتبار المجرى، فإن جهة الشمال فوق بالنسبة الى ما يقابلها، كما دلت عليه هذه الرواية، و انما يظهر أثر ذلك مع التساوي في القرار، و يضم إلى الفوقية و التحتية باعتبار القرار و إلى صلابة الأرض و رخاوتها، فيحصل أربع و عشرون صورة» انتهى. و كيفية الانتهاء واضحة لما علمت سابقا أن الصور المتقدمة ست، و في المقام صور أربعة، لأن البئر و البالوعة إما أن يكون امتدادهما بين الشمال و الجنوب، و له صورتان، كون البئر في الشمال و عكسه، أو يكون بين المشرق و المغرب، و له أيضا صورتان، كون البئر في المشرق و عكسه، و معلوم أن ضرب الستة في الأربع تبلغ أربعا و عشرين صورة، في سبع عشر منها يكتفى بالخمس، و هو صورة الصلابة بأسرها، و هي اثنى عشر، و يضاف إليها صورة فوقية قرار البئر في الأرض السهلة و لها أربع بالنسبة إلى الجهة، فتكون ستة عشر، و يضاف صورة تساوي القرارين مع علو البئر في الجهة، فإنه بمنزلة علو القرار، فتكمل حينئذ سبعة عشر، و الباقية سبع، لها سبع، و أنت خبير انه لا مخالفة بين هذه الصور كلها و بين إطلاق الصور الست المتقدمة، إلا في صورة واحدة و هي تساوي القرارين و كانت الأرض سهلة و البئر أعلى جهة فإنه على الأول كان بينهما سبع، و على الثاني يكون بينهما خمس، تنزيلا لعلو الجهة منزلة علو القرار، و من المعلوم أن رواية الديلمي و إن أفادت إن مهب الشمال فوق، لكنها لم تفد تقديره بهذا التقدير، و كان هذا القائل استفاد منها مجرد كون مهب الشمال فوق، ثم أدخله في رواية ابن رباط، فجعل الفوق فيها شاملا لفوقية القرار و فوقية الجهة، ثم جمع الجمع المتقدم ذكره سابقا بينها و بين رواية الجماز.

إذا عرفت ذلك فلا معنى للتأمل، كما عن بعضهم بان الاعتبار يقضي بان يكون السبع إما في ثمان أو ست، لأن فوقية القرار إما ان تعارض فوقية الجهة و يصير

ج 1، ص: 285

بمنزلة المتساويين أولا، فإن كان الأول فالأول، و إن كان الثاني فالثاني. و أما اعتبار الجهة في البئر دون البالوعة فتحكم، لأنا نقول أما على (الأول) يلزم الأول فحق، لأنه يضاف حينئذ إلى السبع صورة فوقية البئر قرارا و فوقية البالوعة جهة، فإنه قد ذكرنا ان في هذه خمسا، و على كلام المعترض ينبغي السبع لتعارضهما، فتكون متساوية، و لها سبع، و أما على (الثاني) يلزم الثاني فغير مسلم، فانا نختار عند تعارضهما تقديم فوقية القرار مع سهولة الأرض، أخذ بإطلاق رواية ابن رباط المتقدمة، و لا يلزم منه الست، لأن السبع إنما هي صورة تساوي القرارين، و معها ثلاث، كون البالوعة في جهة الشمال أو المشرق أو المغرب، و خرجت صورة واحدة، و هي إذا كانت البئر في مهب الشمال، فإنها حينئذ تكون بمنزلة علو القرار، و في هذه الصور الثلاث لا تعارض، و صور فوقية قرار البالوعة و تحتها أربع، و التعارض حينئذ في صورة واحدة، و هي فيما إذا كانت مع ذلك البئر في مهب الشمال، و قد قدمنا أنه يقدم فوقية القرار كما هو الفرض على التقدير الثاني، للإطلاق المتقدم، و ليس هناك اعتبار جهة في البئر دون البالوعة حتى يكون تحكما كما ادعاه المعترض، فلا وجه لهذا الاشكال، كما أنه لا وجه للإشكال في أصل الحكم من أنه لا معنى للاستناد في إلحاق الجهة برواية الديلمي، لأنهم لم يعملوا بها فيما دلت عليه من الأحكام، فكيف يتم لهم الاستناد إليها في خصوصية هذا الحكم، لما عرفت سابقا انه لم يعمل بشي ء، نعم قد استفيد منها ان جهة الشمال فوق بالنسبة إلى غيرها، و إلا فلا عمل بشي ء من تقديرها، و هذا المعنى كما يمكن استفادته منها يمكن استفادته من غيرها، كرواية أبي يزيد الجماز، بل يمكن معرفته من قواعد أخر عندهم، و ذلك لان الأرض كروية واقعة في الماء، قدر منها داخل، و قدر منها خارج، و ربما قالوا ان ثلثيها داخل، و ثلثها خارج، و وسطه قبة الخارج محاذي للقطب الشمالي، و كل عنصر يميل إلى مركزه، و مركز الماء هو البحر الذي فيه الأرض، فالماء الذي في الأرض يميل بالطبع إلى الجنوب من كل جانب

ج 1، ص: 286

من الأرض، و الشمال من الأرض فوق جنوبها، لأن ابتداء الأرض الخارج من الجنوب متصل بالبحر، فكلما يتحرك المتحرك من جنوب الأرض إلى شماله يصعد الى أن ينتهي إلى محاذي القطب الشمالي، و إذا تحرك منه الى الجنوب ينزل، لما قلنا من أن الأرض كروية، فظهر بما ذكر أن الشمال فوق بالنسبة إلى الجنوب، فإذا كانت البئر في جهة الشمال مال الماء بالطبع إلى جهة الجنوب، و لا يصعد من الجنوب الى الشمال إلا بقاسر يقسره، فلذلك اكتفينا بالخمس، بخلاف العكس، فاحتجنا إلى الزيادة.

و ربما يشير الى ما ذكرنا

قول الصادق (عليه السلام) في رواية ابن يزيد المتقدمة «يجري الماء إلى القبلة إلى يمين، و يجري عن يمين القبلة إلى يسار القبلة، و يجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة، و لا يجرى من القبلة إلى دبر القبلة»

و ذلك لأن قبلة الراوي قبلة العراق، و هي جهة الجنوب لهم، فلا يجري الماء من الجنوب الى دبر القبلة أي إلى الشمال، لأنه دبر القبلة بالنسبة إلى مستقبل القبلة، و في كشف اللثام بعد أن ذكر هذه الرواية مؤيدة للحكم بأن جهة الشمال فوق بالنسبة إلى الجنوب «الظاهر أن المراد بالقبلة قبلة بلد الامام و نحوه من البلاد الشمالية، و يعضده الاعتبار، لكون معظم المعمورة في الشمال، و انغمار الجنوبي من الأرض في الماء حتى لم ير العمارة في الجنوبي من قبل بطلموس» انتهى. و لا منافاة فيه لما ذكرنا، لا يقال أنه لا معنى لجميع ما ذكرتم، لكون البئر و البالوعة معا في البلاد الشمالية، فأي معنى لكون البئر في مهب الشمال دون البالوعة و بالعكس، لأنا نقول المراد به إنما هو القرب إلى ناحية الشمال و عدمه، فتأمل.

نعم قد يشكل المقام بأنه مع حصول الفوقيتين أي الجهة و القرار لا معنى للاقتصار على السبع الحاصل لأحدهما لو كان، لأنه يزداد مظنة وصول ماء البالوعة إلى البئر، و كذلك لا معنى للخمس مع الفوقيتين في البئر، فإنه يبعد مظنة وصول ماء البالوعة إليها، و من هنا يمكن حمل الرواية على ذلك، فيكون ذكر الاثنى عشر مع علو قرار البالوعة

ج 1، ص: 287

و جهتها، و يكون الاكتفاء بالأذرع في كلامه مع علو قرار البئر و الجهة أيضا، فتكفي و لو ثلاثا، و مع الاستواء فيهما اكتفي بالسبع، بل لا يبعد في نظري القاصر انه يستفاد من ملاحظة رواية قدامة و رواية ابن رباط و رواية الديلمي و

صحيحة الفضلاء(1)قالوا:

قلنا له «بئر يتوضأ منها يجري البول قريبا منها أ ينجسها؟ فقال: إن كانت البئر في أعلى الوادي و الوادي يجري فيه البول من تحتها فكان بينهما قدر ثلاثة أذرع لم ينجس ذلك بشي ء، و إن كان أقل من ذلك نجسها، قال و إن كانت البئر في أسفل الوادي و يمر الماء عليها و كان بين البئر و بينه تسعة أذرع لم ينجسها، و ما كان أقل من ذلك فلا يتوضأ منه، قال زرارة: فقلت له: فان كان مجرى البول يلاقيها و كان لا يثبت على الأرض؟ فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس، فإن استقر منه قليل فإنه لا يثبت الأرض و لا قعر له حتى يبلغ البئر، و ليس على البئر منه بأس، فيتوضأ منه، إنما ذلك إذا استنقع كله»

و مما رواه

الحميري(2) في قرب الإسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن بئر يتوضأ منها القوم و إلى جانبها البالوعة؟ قال: إن كان بينهما عشرة أذرع و كان البئر التي يستقون منها مما يلي الوادي فلا بأس»

ان الأمر يختلف باختلاف الآبار و البواليع من قرب القرار و عدمه و الجهة و عدمها باختلاف الأراضي و المدار على الاطمئنان بعدم وصول ماء البالوعة إلى البئر، و قد يحصل ذلك بالثلاثة أذرع، و قد لا يحصل بالعشرين، لكثرة ماء البالوعة و شدة نفوذه، فالمدار حينئذ عليه، و لا بد من ملاحظة جميع ماله دخل في ذلك من قرب القرار و عدمه و شدة النفوذ و عدمه و الجهة و غير ذلك، فتأمل جيدا.

و من هنا أمكن أن يدعى في صحيحة الفضلاء أن التقدير بالثلاثة أذرع و التسعة لمكان اجتماع الجهتين، بل قد يدعى أنه متجه على ما ذكروا، و ذلك لأن فوقية الجهة.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث- 1 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الماء المطلق- حديث- 8.

ج 1، ص: 288

لها ذراعان، و لذا رجعت صورة التساوي معها إلى الخمسة مع أنها سبعة، فعلم من ذلك أن الموظف لها ذراعان، فحيث تجتمع مع مقتضى السبعة ينبغي أن تجعل تسعة، و حيث تجتمع مع مقتضى الخمسة ينبغي ان يجعل ثلاثة، لزيادة السبعة في الأول ذراعان، و نقصان الثاني كذلك، لا يقال ان رواية الفضلاء لا تدل على علو الجهة، لأن أعلى الوادي لا يلزم أن يكون في مهب الشمال، لأنا نقول الظاهر أن المراد ذلك في آبار مكة، و أعلى الوادي فيها مهب الشمال، نعم لا بأس بالرجوع لما قدره المشهور عند عدم معرفة حال الأرض بالوجوه المتقدمة حتى يحصل الاطمئنان النفسي، و هل علو القرار يكفي في الحكم بالخمسة و لو قليلا، فيكون مبنيا على التحقيق أولا؟ الظاهر أن المدار على صدق ذلك عليه عرفا.

و لا يحكم بنجاسة ماء البئر بمجرد قرب البالوعة، سواء قلنا إنها لا تنجس إلا بالتغير أو بالملاقاة، للأصل و الإجماع منقولا بل و محصلا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

خبر محمد بن القاسم (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع و أقل و أكثر يتوضأ منها، قال ليس يكره من قرب و لا من بعد، يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء»

و بهذه الرواية تحمل الأخبار الأول على الاستحباب، و ما تقدم في صحيحة الفضلاء من الدلالة على التنجيس بعدة وجوه من المنطوق و المفهوم على رواية الكافي، و بالمفهوم فقط على رواية غيره لا بد من تأويله، لما علمت من الإجماع على عدم التنجيس بذلك، و يظهر من بعضهم حمل النهي عن الوضوء فيها على الكراهة، و هو مشكل مع حصول التباعد المذكور عند المشهور، و ذلك لأنه بعد حصول القدر المستحب كيف يكون مكروها، نعم لو أردنا بقوله فيها و ما كان أقل من ذلك فلا تتوضأ منها أي أقل حتى من القدر المستحب أمكن أن يدعى ذلك، مع ما فيه من أن الظاهر منهم ان هذا التباعد استحبابي، و انه لا كراهة في عدمه،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الماء المطلق- حديث- 4.

ج 1، ص: 289

كما يفهم ذلك من نصهم على الاستحباب، و عدم تعرضهم للكراهة، ثم على تقدير الكراهة فهل يشمل سائر الاستعمالات أو يخص الوضوء؟ لا يبعد الثاني، و ثبوت البأس في آخر الرواية لا يقضي بخلافه عند التأمل فيها.

إلا أن يعلم وصول ماء البالوعة إليها فتنجس حينئذ بالملاقاة إن قلنا به، و إلا فبالتغير، و في كشف اللثام ان من اكتفى بالظن نجسها مع ظن الاتصال، أما لو تغيرت البئر تغيرا يصلح أن يكون مستندا للبالوعة فالمتجه الطهارة، و مجرد الصلاحية و المجاورة ما لم تفد العلم لا توجب التنجيس، و احتاط المصنف في المعتبر بالتطهير هنا، كما انه احتاط أيضا بالعمل بصحيحة الفضلاء، لكونها أصح أخبار الباب، لكن قد عرفت أن الإجماع على خلافها.

ثم إذا حكم بنجاسة الماء بئرا كان أو غيره لم يجز استعماله في الطهارة مطلقا حدثا و خبثا عند الضرورة و عدمها، و هل المراد بعدم الجواز الإثم أو عدم الاعتداد؟

صرح العلامة في القواعد بالأول، و عنه في نهاية الأحكام تفسير الحرمة بعدم الاعتداد، و لا يبعد القول بالأول في خصوص الطهارة الحدثية، أما حيث يكون تشريعا فواضح، و أما حيث لا تشريع كما إذا كان عالما بالفساد و ليس من ذوي الأتباع و قلنا بعدم حصول التشريع في ذلك فللنواهي الكثيرة عن الوضوء بالماء القذر المفيد حرمة ذاتية المستلزمة للفساد، بل هو الظاهر منهم في مسألة الإنائين، بناء على جريانها على القاعدة، إذ لو كان الحرمة فيه تشريعية لأمكن القول بالاحتياط، و عنده يسقط التشريع، و يكون كاشتباه المطلق بالمضاف، و أما الطهارة الخبثية فالأظهر العدم و إن أمكن للمدعي أن يدعيه أخذا بحقيقة النهي، و في كشف اللثام ان استعماله في صورة الطهارة أو الإزالة مع اعتقاد انهما لا يحصلان به لا إثم فيه، و ليس استعمالا له فيهما انتهى. قلت: لا أثر للاعتقاد في المقام، بل معنى قوله (عليه السلام) لا تتوضأ بالقذر أي لا تأت بغسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين بعنوان الوضوء، فإنه يحرم عليك، و لا يحصل الأثر، و لا دخل

ج 1، ص: 290

للاعتقاد فتأمل. نعم لا بأس بالوقوع لا بعنوان الوضوء.

و كذا لا يجوز في الأكل و الشرب دون غيرهما من إزالة الأوساخ و اللطوخات و نحو ذلك إلا عند الضرورة و المدار على تحققها، و منها العسر و الحرج و التقية و نحو ذلك.

[في وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة]
اشاره

و لو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع عنهما في الشرب و الطهارة و غيرهما مما يشترط فيه طهارة الماء مع فرض الانحصار، إجماعا محصلا و منقولا في الخلاف و المعتبر و غيرهما كما عن الغنية و التذكرة و نهاية الأحكام و بغير خلاف كما في السرائر، فحينئذ إن لم يجد غيرهما تيمم كالنجس المعين، و يدل عليه مضافا إلى

خبر سماعة(1) عن الصادق (عليه السلام): «في رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر و لا يدري أيهما هو و ليس يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما و يتيمم»

و

موثقة عمار(2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو و ليس يقدر على ماء غيره قال:

يهريقهما جميعا، و يتيمم»

و نسبهما في المعتبر إلى عمل الأصحاب، و في المنتهى ان الأصحاب تلقت هذين الحديثين بالقبول، و استدل له مع ذلك كله في المعتبر بان يقين الطهارة معارض بيقين النجاسة، و لا رجحان، فيتحقق المنع، و عن المختلف الاستدلال له أيضا بأن اجتناب النجس واجب، و لا يتم إلا باجتنابهما، و ما لا يتم الواجب إلا به واجب، و هذا منهما قاض بجريان الحكم فيهما على القاعدة من غير احتياج إلى دليل خاص، فيكون الدليل حينئذ مؤكدا، و ربما ظهر من غيرهما خلافه.

فكان المهم حينئذ تنقيح القاعدة لينتفع بها في غير المقام، فنقول الإناء الطاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 291

إما أن يشتبه بإناء معلوم النجاسة سابقا، أو يشتبه بالنجس من جهة عدم العلم بوقوع النجاسة في أيهما، و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين ما يكون معلوم النجاسة و اشتبه، أو وقع الاشتباه من غير سبق علم بالنجاسة، و على كل تقدير فالاجتناب فيهما على القاعدة، أما الأول فتقرير القاعدة فيه على وجهين، و إن كان مآلهما إلى واحد.

(الأول) أن يقال: ان التكليف باجتناب الإناء النجس قد تحقق قطعا، لكون الفرض معلوميته سابقا، فاستصحاب بقاء التكليف حينئذ به قاض بوجوده الآن، و لا طريق لامتثاله إلا باجتنابهما معا، فهو حينئذ من قبيل قول الشارع لا تضرب أحد الشخصين و كان معينا عنده غير معين عند السامع.

(الثاني) أن يقال أن الشارع كلفنا باجتناب النجس، و الفرض أن أحدهما نجس، فنحن مكلفون باجتنابه الآن، ففي الحقيقة صار التكليف باجتناب فرد واحد منهما معين غير معلوم عندنا، فيجب حينئذ اجتنابهما لأنه لا طريق لامتثال هذا الخطاب إلا اجتنابهما، لا يقال: ان أصل البراءة يعارض ما ذكرت، لأنا نقول إن أريد به التمسك بالبراءة عنهما جميعا بتقريب رده إلى شبهة الحكم فيقال ان هذا موضوع جديد لا نعرف حكمه عند الشارع، ففيه أنه يرجع الى دعوى أن الاشتباه العارضي للشخص مسقط للتكليف الناشئ عن صفة لاحقة للعين لم يعلم اضمحلالها بالاشتباه، و هو موقوف على دليل غير أصل البراءة، لانقطاعه بما دل على بقاء التكليف الأول من الاستصحاب و غيره، و ما يقال: من أنا نمنع حرمته و نجاسته ما لم نعلم حرمته و نجاسته، إذ اتصاف الأعيان بالحل و الحرمة و الطهارة و النجاسة إنما يرجع الى ملاحظة فعل المكلف، و إن كانت الحكمة الباعثة للحكم كامنة في تلك الأعيان فالأعيان و ان اتصفت بذاتها من جهة تلك الحكمة بالحرام و النجس مثلا من دون تقييد بالعلم و الجهل، و لكن اتصافها بهما من جهة ملاحظة إضافة فعل المكلف إليها لا يكون إلا في صورة العلم يدفعه انه على تقدير تسليمه ان أريد بالعلم العلم بالخصوص فدعوى توقف الاتصاف بالحرمة بالنسبة

ج 1، ص: 292

الى فعل المكلف عليه ممنوعة، و ان أريد و لو إجمالا مع إمكان الامتثال فهو مسلم، و المقام منه، و ما يقال بالمعارضة بالمشتبه الغير المحصور فضعيف، إذ قد عرفت أنه لا مانع منه بعد قيام الدليل عليه، و قد قام فيه من جهة أدلة العسر و الحرج القاضية بعدم مشروعية ما كان فيه ذلك، و حينئذ يسقط الحكم التكليفي، و يبقى الحكم الوضعي من الفساد و نحوه، مع احتمال القول بسقوطه، لكنه بعيد، و إن أريد بأصل البراءة انما هو البراءة عن واحد منهما فللمكلف أن يختار أيهما شاء ففيه أنه لا معنى له بعد ما عرفت من بقاء التكليف بالفرد الغير المعين عند المكلف، للاستصحاب أو شمول الدليل، مع أن براءة الذمة في واحد منهما كانت منتقضة، إذ الفرض أنه نجس معلوم سابقا ان أريد بالأصل فيها بمعنى الاستصحاب، و ان أريد به القاعدة أو الظاهر- فهما لا يعارضان ما ذكرنا من بقاء التكليف، و ما يقال: انا نتمسك بالاستصحاب أي استصحاب الطهارة إذ الفرض أن أحدهما طاهر يدفعه انه لا معنى للاستصحاب في خصوص المقام، لأنه إن أريد به استصحاب طهارته على الاجمال فهو حق و لا يفيده، بل هو غير محتاج اليه، و إن أريد به التمسك في خصوص كل واحد منهما فهو لا معنى له، لعدم معرفة حصول الأمر المستصحب فيه حتى يستصحب.

(فان قلت): أي مانع من الاستصحاب مع كون الإناء الذي كنت تعلم نجاسته سابقا مسبوقا أيضا بطهارة، فللمتمسك حينئذ أن يقول في طهارة كل واحد منهما إن هذا كان طاهرا، و لم أعلم الآن فيه بالنجاسة، فليكن باقيا على الطهارة الأولى، (قلت): لا يخفى على من لاحظ أدلة الاستصحاب و موارده ان محله الشي ء الذي يعلم حاله سابقا الى آن حصول الشك فيتمسك فيه حينئذ باستصحاب تلك الحالة المعلومة وقت الشك، و هذا المعنى مفقود، و ذلك لأن الفرض أن الحال الأول الذي كان قبل حصول الاشتباه غير معلوم لنا في كل واحد منهما، و معرفة الحال الذي قبل الحال السابق على الاشتباه غير مفيد بعد تخلل هذه الفترة، فلا يسوغ حينئذ أن يقال:

ج 1، ص: 293

هذا كان طاهرا، لأنه إن أريد به الكون قبل عروض الاشتباه فهو لا معنى له، إذ ليس معلوما انه طاهر، و إن أريد به الزمان السابق على ذلك فلا معنى لاستصحابه كما عرفت.

(فان قلت) إن

قوله (عليه السلام)(1) «لا تنقض اليقين إلا بيقين مثله»

شامل لمحل النزاع، فإنك نقضت اليقين و ان كان سابقا بغير اليقين، (قلت) لا يخفى أن معنى الحديث أنك لا تنقض اليقين الذي لولا عروض هذا الشك لبقي على هذا المتيقن، و فيما نحن فيه ليس كذلك، فإنه لو لا هذا الاشتباه لم يعلم كونه على هذا اليقين، إذ قد يكون هو النجس، و الحاصل أن المعنى أن تيقن الطهارة مثلا الى حصول الشك لا تنقضه بالشك، بل أبق على مقتضى اليقين الأول الى أن يجيئك يقين مثله ينقضه، لا يقال إن ما ذكرت ليس أولى من أن يقال أن معنى الرواية أنه لا ينقض حكم اليقين الأول بسبب الشك، بل هذا أولى، إذ ليس المراد نقض اليقين نفسه، بل المراد نقض حكمه، ضرورة أن اليقين نفسه يرتفع بالشك، لأنا نقول ان هذا أيضا لا ينافي ما ذكرنا، و ذلك لأنا لا نريد بعدم نقض اليقين عدم ارتفاع نفس اليقين، بل هو قد ارتفع قطعا، بل نريد عدم نقض الأحكام التي تترتب على الموضوع بسببه، لكن المعنى انك لا تنقض أحكام اليقين بكل ما يزيل اليقين الا بالمزيل الذي هو اليقين بالنقيض، و أما باقي المزيلات له فلا تنقض أحكامه بها، و هو ظاهر في أنه لو لا هذا المزيل لكان باقيا، لأن الفرض أن نقضه إنما كان به، و هذا المعنى مفقود فيما نحن فيه، لانه على تقدير فرض نفي الاشتباه لم يعلم أنه الظاهر، على أنه ربما يدعى ظهور قوله (عليه السلام) لا تنقض اليقين أبدا بالشك فيما شك في زوال وصفه نفسه، لا فيما إذا اشتبه بالزائل فتأمل جدا جيدا. على انا ان قلنا بجريان الاستصحاب فيما ذكرنا من بقاء


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث- 1- و فيه و لا تنقض اليقين ابدا بالشك و إنما تنقضه بيقين آخر.

ج 1، ص: 294

التكليف باجتناب النجس هنا أي حال الاشتباه، فهو قاطع للاستصحاب المذكور، لأن الخطاب بالجمل مع تيسر الامتثال يقبحون أهل العرف معه تناول أحدهما، و يعدونه في قسم العصاة و إلا فكل مقدمة لواجب هي مباح في نفسها أو مندوبة أو مكروهة أو غير ذلك، فلو فرضنا أن المقدمة يعارضها استصحاب أو الإباحة نفسها لم تبق مقدمة لواجب نقول بوجوبها.

و من هنا تعرف أن القسم الثاني و هو الذي تقع في أحدهما النجاسة و لم يعلم في أيهما و ان قلنا بجريان الاستصحاب فيه لكن باب المقدمة فيه فيقطعه، لكونها من قسم الخطابات، نعم لا يتم ذلك إلا على القول بعدم الوجوب، فلا مقدمة حينئذ لكن قد عرفت ما فيه و ما في الاستدلال عليه بأصالة البراءة و نحوها، و من المعلوم عدم جريان ما ذكرنا من الاستصحاب فيما لو كان أحد الإنائين بولا و الآخر ماء.

(فان قلت) نحن لا نتمسك في شي ء من ذلك بالاستصحاب و لا بأصل البراءة، بل نتمسك فيما يرجع الى الطهارة و النجاسة ب

قوله (عليه السلام)(1): «كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر»

و

قوله (عليه السلام)(2): «كل ماء طاهر حتى تعلم أنه نجس»

و فيما يرجع الى الحل و الحرمة ب

قوله (عليه السلام)(3): «كل شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»

(قلت): هو- مع كونه ليس جاريا في سائر الأشياء مثل الأنكحة و نحوها مما لا تجري فيه هذه العمومات، و مناف لما قد عرفت أن لفظ الحرام و النجس يراد بهما الواقع، لعدم دخول العلم في مفهوم اللفظ، و لترتب الفساد و نحوه عليه- فيه انا نمنع شمولها لمثل المقام، و ذلك لظهور

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات- حديث 4.
2- 2 روى صاحب الوسائل «كل ماء طاهر الا ما علمت أنه قذر» في الباب- 1- من أبواب الماء المطلق حديث- 2- و لم نجد «كل ماء طاهر حتى تعلم أنه نجس».
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به حديث 1- من كتاب التجارة.

ج 1، ص: 295

(عليه السلام): «كل شي ء يكون فيه حلال و حرام»

الى آخره في إرادة أن الشي ء الكلي الذي يكون منه حلال و حرام بمعنى أنه لا تحصل الحرمة بمجرد الاحتمال و هو في الشبهة الغير المحصورة و يكشف عن ذلك

قوله (عليه السلام): في رواية مسعدة بن صدقة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كل شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، و مملوك عندك و هو حر قد

باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو أمره تحتك و هي أختك أو رضيعتك و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة»

فانظر كيف كشف (عليه السلام) أصل المراد بقول كل شي ء الى آخره فيكون مراده حينئذ بيان انه لا معنى لحرمة الأشياء بمجرد الاحتمال، لا انه إن كان هناك عبدان أحدهما تعلم انه حر و الآخر مملوك، أو ان امرأتين أحدهما أجنبية و الأخرى أختك فهو حلال أيضا.

و منها

رواية عبد الله بن سليمان(2) قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن الجبن فقال: سألتني عن طعام يعجبني، ثم أعطى الغلام درهما، فقال: يا غلام اتبع لنا جبنا، ثم دعى بالغداء فتغدينا، و أتى الجبن فأكلنا، فلما فرغنا قلت: ما تقول في الجبن؟

قال: أ و لم ترني آكله، قلت: و لكن أحب ان أسمعه منك، فقال: سأخبرك عن الجبن و غيره، كل ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه»

فإنه ظاهر في إرادة حكم الجبن و غيره مما مثله، و مقصوده بكون مثل الجبن فيه حلال انه يكون منه حلال و منه حرام، لا أن المقصود منه أنه إذا كان جبنان أحدهما تعلم حرمته و الآخر حليته فهو حلال، الى آخره كلا بل هو ظاهر فيما ذكرنا، و مثل ذلك

رواية ضريس (3) قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن السمن و الجبن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به حديث 4- من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة حديث- 1- مع الاختلاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الأطعمة المحرمة حديث 1- مع الاختلاف.

ج 1، ص: 296

في أرض المشركين و الروم أ نأكله؟ فقال: ما علمت أنه خلطه الحرام فلا تأكل، و ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام»

و ما نقل عن

كتاب المحاسن عن أبي الجارود(1)قال:

سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن الجبن فقلت: أخبرني من رآى أنه يجعل فيه الميتة، فقال من أجل انه كان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض، فما علمت منه أنه ميتة فلا تأكله، و ما لم تعلم فاشتره و بعه و كله، و الله اني لأعترض السوق فأشتري منه اللحم و السمن و الجبن و الله ما أظن كلهم يسمون هذه البرية و هذا السودان»

بل جميع هذه الروايات ظاهرة في المأخوذ من يد المسلمين، و المشتري من أسواقهم و الشبه الغير المحصورة و نحو ذلك فأين هذه الأخبار و الاستدلال على نحو المقام، و الظاهر أن روايات الطهارة خارجة هذا المخرج، أي بمعنى ان الشي ء لا ينجس بمجرد احتمال النجاسة، و هذا كلام يقال: مع عدم حضور الشبهة المحصورة في الذهن، و خطورها بالبال، بل المقصود ان الأشياء كلها على الطهارة حتى تعرف عروض النجاسة، على انه قد يدعى ان مثل ذلك في الشبهة المحصورة نوع من العلم، فإنه يقال عالم بالنجس و عالم بالحرام بل يقال انه عالم به بعينه و انه لم يدعه، على انا لنا

كلاما في قوله (عليه السلام) كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر في انه هل المراد منها شبهة الحكم أو مستصحب الطهارة، و عليهما لا تنافي المطلوب، لعدم الشبهة في الحكم في المقام علي الأول، و لا تزيد على الاستصحاب على التقدير الثاني، و قد عرفت عدم جريانه في بعض الصور على وجه، و أنه لا يعارض باب المقدمة و دعوى ظهور الرواية في مشتبه الموضوع الذي عين مقامنا كالإنائين و نحوهما فيها ما لا يخفى، و احتمال شمولها للجميع لا يخلو من إشكال، من جهة انه حينئذ يراد بالعلم بالنسبة إلى مشتبه الحكم وصول الدليل المعتبر شرعا، و في غيره اليقين، أو ما يقوم مقامه، و إرادة القدر المشترك مجاز محتاج إلى قرينة، و لنا أيضا في

قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة حديث 5- مع اختلاف في الألفاظ.

ج 1، ص: 297

(عليه السلام) «كل شي ء يكون فيه حلال و حرام»

كلام ليس هذا محل ذكره.

و يمكن أن يقال ان جريان الاستصحاب و العمومات في كل منهما معارض بجريانه في الآخر، و العمل به فيهما معا مقطوع بعدمه، و القول بالتخيير أي تخيير المكلف في واحد منهما لا دليل عليه، و ليس ذلك من قبيل تعارض الروايات، و بتقرير آخر بأنهما معا مصداق دليل الاستصحاب، و هو لا تنقض اليقين، مع القطع بالبطلان في واحد، و لا دليل أيضا على التخيير، و كذا العمومات، فإنه لا شك في صدقها على كل واحد منهما في كل آن حكمي، مع القطع ببطلانها في واحد، و القول بالتخيير المذكور سابقا لا دليل عليه، و كان ما ذكرنا هو الذي أشار إليه المحقق (رحمه الله) في المعتبر بقوله في الاستدلال على المطلوب بان يقين الطهارة معارض بيقين النجاسة و لا رجحان، فيتحقق المنع، و قد يظهر ما ذكرنا من غير المحقق (رحمه الله) و الحاصل انه لا معنى للتمسك بالعموم و الاستصحاب، للقطع بالبطلان في واحد و هو غير معين، و القول بالتخيير لا دليل عليه، و القول بجواز استعمالهما تدريجا ربما يقطع بعدمه، و لذلك لم يلتزمه المخالف في المقام، فتأمل جدا جيدا و الله أعلم.

و فصل المقام انا نقول إنه من جميع ما ذكرنا و من النظر في كلام الأصحاب في هذه المسألة و في مسألة الثوبين الذين اشتبه الطاهر منهما بالآخر، و في محل السجود إذا اشتبه الطاهر منه بالنجس يكاد يقطع الناظر في كلامهم أنه لا إشكال عندهم في جريان هذه القاعدة، و عدم الالتفات لهذه العمومات، فان الشيخ (رحمه الله) في الخلاف في مسألة الثوبين قرر ان القاعدة تقتضي وجوب الصلاة، و يظهر منه أن مسألة الإنائين خرجت عن قاعدة وجوب الوضوء بهما مع التكرير بالإجماع، و ابن إدريس في السرائر في مسألة الثوبين لما لم يلتفت الى الأخبار الواردة (1)بنى على الصلاة عريانا، و لم يتمسك بجواز الصلاة في أحد الثوبين، تمسكا بهذه العمومات، و مثله المنقول عن ابن سعيد،


1- 1 الوسائل- الباب- 64- و المستدرك الباب- 39- من أبواب النجاسات.

ج 1، ص: 298

و كذلك العلامة و المحقق في كثير من المقامات، و الحاصل انا لم نسمع أحدا تأمل في هذه القاعدة من أصحابنا، بل يقررونها، و يذكرون الأخبار الخاصة حيث تكون مؤيدة لها، و إن وقع لهم كلام في كيفية تقريرها، و لكنهم مشتركون في الإضراب عن هذه العمومات في الطهارة و الحل و الحرمة، بل عن بعضهم الالتجاء إلى أخبار القرعة(1)دونها، مع كونها بمرأى منهم و مسمع، بحيث لا يكاد تخفى على أطفالهم فضلا عن علمائهم، بل لم يذكروا أحدا من العامة احتمالا فضلا عن الخاصة، بل أوجبوا التحري و نحوه الى أن ظهر مولانا المقدس الأردبيلي (رحمه الله) فأظهر هذا الشك، كما هي عادته في كثير من المقامات، و تبعه عليه بعض المتأخرين في بعض المقامات، و خالف نفسه فيها في آخر، و لا يمكن الدعوى على الأصحاب أنهم خالفوا هذه العمومات في مقامات خاصة لأدلة فيها، و كيف مع أنهم ينادون بها، و يصرحون في مقام الأخبار و غيرها، و لذلك يتعدون عن غير مورد الأخبار كما في مسألة الإنائين، فإنه ما ورد فيها إلا

قولهم (عليهم السلام) في خصوص بعض الروايات التي لا يعمل عليها بعضهم من جهة ما في سندها، و كونها أخبارا آحادا عند آخرين:

«أنه يهريقهما و يتيمم»

و مع ذلك تعدوا إلى سائر الاستعمالات، و كيف يدعى عليهم ذلك و قد عرفت أن بعضهم يترك العمل بالأخبار الخاصة، و يلتجئ إليها كابن إدريس في حكم الثوبين و نحوه، و الحاصل السارد لكلام الأصحاب و أخبار الأئمة (عليهم السلام) فإنه ما اتفق أنهم سئلوا يوما عن المحصور و أجابوا بما يوافق هذه العمومات يكاد يقف على مرتبة القطع بعدم جريانها في الشبهة المحصورة، مع أن بعض متأخري المتأخرين كصاحب الحدائق جعل ذلك قاعدة مستفادة من تتبع الروايات، لا أقل من أن يكون جميع ما ذكرنا يورث الشك في إرادة هذا الفرد من هذه العمومات، فتبقى القاعدة سليمة، فتكون هذه الأخبار جعلت النجس ما علم نجاسته في غير المقام، و لا ضير في ذلك، و الحاصل المناقشة في هذا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم من كتاب الميراث.

ج 1، ص: 299

الحكم لا سيما إذا كان من جهة أصل البراءة و نحوه يكاد يكون من الخرافات، و الله أعلم.

و هناك أمور أخر و قرائن تقضي بما ذكرنا لا يتحملها المقام.

بقي هنا فوائد
(منها)

أنه ينبغي أن يعلم أنه لا إشكال في وجوب المقدمة حيث تكون مباحة أو مكروهة أو مندوبة، و أما حيث تكون محرمة و واجبة أي يتعارض فيه مقدمة الواجب و مقدمة الحرام كما في مقامنا و نحوه من الشبه المحصورة مع عدم وجود غيرها فإنه من حيث النهي عن الوضوء بالماء النجس يجب اجتناب الفردين، و من حيث وجوب الوضوء بالماء الطاهر يجب الوضوء بهما معا، و مثل ذلك الماء المشتبه بالمضاف و الثوب المشتبه بالنجس، فالظاهر أن المحرم إن كانت حرمته من جهة التشريع كما إذا حكم بها من عدم الأمر بها، أو من جهة نهي علم فيه إرادة التشريع، أو نحو ذلك فالذي يقتضيه النظر الحكم بالوجوب، لارتفاع الحرمة حينئذ بسبب ارتفاع منشأها إذ تصور التشريع فيما جي ء به لاحتمال تحقق إرادة السيد غير معقول، و كيف مع ان أكثر مقامات الاحتياط الذي أمر به في السنة و شهد العقل بحسنه من هذا القبيل، و أما إذا كانت الحرمة ذاتية فالمتجه فيه عكس الأول فتقدم مراعاة الحرمة على الوجوب كما في نظائره مما تعارض فيه الواجب و المحرم، و يشهد له التتبع للأخبار و كلام الأصحاب، بل قد ينتهي به ذلك الى القطع بما قلنا، لكن الظاهر أن ذلك من حيث الحرمة و الوجوب، و إلا فقد يعرض للواجب من الجهات ما يوجب مراعاته، و لعل ما ذكره الأصحاب من حرمة استعمال الإنائين الطاهر أحدهما، و وجوب الوضوء بالانائين المضاف أحدهما لكون الأول حرمته ذاتية، و الآخر تشريعية، و مثله وجوب الصلاة بالثوبين، لكون الحرمة فيه تشريعية نعم ربما يقع كلام بينهم في بعض الأشياء، و كأنه ينحل الى النزاع في أن حرمته تشريعية أو ذاتية. فمن استظهر الأول قدم مراعاة الواجب، و من استظهر الثاني قدم مراعاة المحرم، و قد سلف لك أن الأصل في كل منهي عنه أن يكون محرما ذاتيا، لا تشريعيا حتى يعلم، و ربما تدخل مسألة الوضوء في ذلك، لوجود النهي

ج 1، ص: 300

في الأخبار عن الوضوء بالماء القذر و إن كان للنظر فيه مجال، و أما ما يقال من وجوب مراعاة جهة الحرمة على كل حال إذا كان الواجب من العبادات، لعدم التمكن منه، لأن الجزم بالنية واجب، و معه لا جزم، و المرددة ليست نية، و من هنا قال بعضهم في مثل الصلاة بالثوبين انه لا يجوز، و ينتقل فرضه للصلاة عريانا، و ينبغي ان يلتزم به بالنسبة للماء المشتبه بالمضاف و نحوه، ففيه مع أن مثل ذلك جائز للاحتياط، أنه متمكن من الجزم بالنية لوجوبهما عليه و إن كان أحدهما أصليا و الآخر مقدمة، فإنه وصف لا دخل له بالنسبة للجزم، و دعوى وجوب الجزم بخصوص المكلف به ممنوعة، إذ لا دليل يقتضيه بل الدليل يقتضي عدمه.

(و منها)

أنه لو انكفى أحد الإنائين فهل يتغير الحكم الأول أو لا؟ و الظاهر أن الحكم عندهم كالأول، و لم أعثر على وجود مخالف من أصحابنا، و لا نقل عن أحد منهم، نعم نقل عن بعض العامة انه جوز الطهارة لأصل الطهارة، و رده في كشف اللثام بأنه لو تم لجاز بأيهما أريد انتهى. و يمكن أن يقال: بالفرق بين المقامين، و ذلك لحصول المكلف به باجتنابه يقينا في الأول، فيجب الاجتناب للمقدمة، بخلاف الثاني، فإنه لا يقين في حصول المكلف به، لا يقال: انه مكلف باجتناب النجس في الواقع، و لا يقطع بامتثال هذا التكليف إلا باجتناب هذا الفرد، قلت: لو تم لوجوب اجتناب جميع ما احتمل حرمته، و وجب الإتيان بجميع ما احتمل وجوبه، لأن كل إنسان مكلف بأن يأتي بالواجب، و يجتنب المحرم، و لا يتم ذلك إلا بإتيان جميع ما احتمل ذلك، و هو واضح الفساد، نعم ان الذي نوجبه من باب المقدمة انما هو بعد شغل الذمة يقينا بفرد الكلى لا التكليف بنفس الكلي الذي يحتمل أن يكون هذا فردا له.

و ما يقال: إن ما ذكرت خرج بالدليل الدال على أن المراد بفعل الواجب أي ما بلغكم وجوبه، و باجتناب المحرم أي ما بلغكم حرمته، بخلاف ما نحن فيه، لأنا نقول: مع الغض عما

ج 1، ص: 301

فيه لو سلم ذلك في الأحكام لم يسلم في الموضوع، كالجبن المحتمل حرمته، و العبد المحتمل حريته، و نحو ذلك.

(فان قلت) أن ذلك كله يرجع إلى الشبهة الغير المحصورة، و هي غير واجبة الاجتناب، بخلاف ما نحن فيه. (قلت) أيضا نقول هنا، فإنه بانكفاء أحد الإنائين رجع الموجود الى كونه شبهة غير محصورة، لأوله إلى كونه نجسا أو غير نجس، فلا فرق بينه و بين الجبن المحتمل حرمته. (فان قلت) هذا الإناء بنفسه كان واجب الاجتناب إما للمقدمة أو للأصل، فما الذي أزال هذا الوجوب، (قلت): الذي أزاله هو زوال ما أوجبه، و هو اليقين بحصول المكلف به الشخصي، و قد زال فزال ذلك التكليف تبعا له.

(فان قلت) كلام الأصحاب متفق على خلاف ما ذكرت (قلت):

لعلهم أخذوا ذلك من ظاهر أخبار المقام الآمرة بالإراقة الشاملة للاراقة الدفعية و التدريجية، و بعد ذلك كله فالإنصاف أنه فرق بين ذلك و بين ما ذكرنا من أقسام الشبهة الغير المحصورة، و ذلك لدوران الجبن الخاص بينه و بين سائر الأفراد منه، بخلاف ما نحن فيه، فإنه دائر بين أن يكون هذا النجس أو الذي انكفى، فهو و إن لم يعلم وجود المكلف به شخصا، لكن التكليف بالكلي موجود و لا يحصل اليقين بامتثاله إلا بذلك، و لا عسر و لا حرج فيه، فيشك أيضا في شمول الأدلة له أيضا، كما ذكرنا سابقا، و من هنا ينقدح طريق آخر في تقرير المقدمة غير الطريقين السابقين، بان نقول أن الشارع كلفه باجتناب النجس منهما، و كان مبهما بالنسبة اليه، و لا يتم اليقين بامتثال هذا التكليف إلا باجتناب الباقي منهما، و لعله يرشد إلى ذلك الأخبار الآمرة(1)بوجوب غسل الثوب جميعه عند العلم بحصول النجاسة فيه و عدم العلم بمكانها خصوصا،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب النجاسات.

ج 1، ص: 302

فإنها لم تكتف بغسل بعض يحتمل كونه هو النجس، مع أنه بذلك ينقطع باب المقدمة، فتأمل جيدا جدا.

و لعلك بما ذكرنا ينكشف لك الكلام فيما لو اشتبه أحد الإنائين المشتبهين بمتيقن الطهارة، فإنه صرح العلامة في المنتهى بوجوب الاجتناب فيه، و ما عن صاحب المعالم من الاعتراض عليه من أن ذلك خارج عن النص و محل الوفاق، فلا بد له من دليل فيه ما لا يخفى بعد ما سمعت ما تقدم، و كأنه هذا الكلام منه بناء على ان مسألة الإنائين خارجة بالنص لا من المقدمة، فلذلك اعترض بما سمعت، و قد عرفت ما فيه، و لعله يقرب مما ذكرنا من المسألة أيضا ما لو لاقى أحد الإنائين شيئا آخر كالثوب أو البدن، و المشهور بين الأصحاب الحكم بطهارة الملاقي، لاستصحاب طهارته، و عن العلامة في المختلف وجوب اجتنابه، و ربما بناه بعض المتأخرين على انه يظهر من الأدلة أن المحصور يعامل معاملة النجس و هو بعيد، نعم لعل ما ذكره (رحمه الله) مبني على ما تقدمت الإشارة منا اليه من جريان المقدمة فيه، و ذلك لأنه يكون حينئذ مكلفا باجتناب النجس، و هو دائر بين ان يكون هذا الإناء و الثوب أو الإناء الآخر و الثوب، أو هذا الإناء وحده أو الآخر وحده، فيجب ترك الجميع من باب المقدمة، و بذلك ينقطع الاستصحاب، كما انقطع الاستصحاب في غيره، إذ لا معنى للقول بخصوص الحكم فيما إذا كان الاشتباه في الإناءات أي في متحد النوع دون غيره، فان من اليقين جريان المقدمة فيما لو وقعت في الإناء أو الثوب أو البدن و نحو ذلك، و لصاحب الحدائق في المقام كلام واضح الفساد، فراجع و تأمل.

نعم لقائل أن يقول: و هو الأقوى في النظر، إنك قد عرفت ان العمومات شاملة لجميع ذلك كله، و بها انقطعت القاعدة، قصارى ما هناك انه وقع لنا الشك في شمولها للشبهة المحصورة التي يقع الاشتباه فيه من حيث وقوع النجاسة، لا من أجل ما عرفت من إعراض الأصحاب عن التمسك بتلك العمومات فيها في مقامات متعددة من غير نظر

ج 1، ص: 303

لخصوص الأخبار، بل ربما أعرض عن الأخبار الخاصة و بنى عليها، كما سمعت عن ابن إدريس و غيره في الثوبين، و عرفت انهم تعدوا لغير موارد الأخبار الخاصة بكثير، فلذلك حكمنا هذه القاعدة على تلك العمومات، فينبغي أن نقتصر على ما حصل لنا الشك فيه خاصة، و هو ما عرفت من نفس أفراد الشبهة المحصورة لا ما لاقاها من الأجسام الطاهرة، لأنا لم نعثر على كلام لغير العلامة (رحمه الله) ممن تقدمه يقتضي وجوب الاجتناب، بل المعروف بين المتأخرين و الذي عليه مشايخ عصرنا و من قاربه انما هو العدم، فتبقى العمومات سالمة عن ما يقتضي الشك في تناولها لذلك، سيما مع معروفيته من مذاق الشرع بالنسبة للطهارة و النجاسة، أو يقال: ان اليقين الإجمالي لا يرفع الاستصحاب المنقح موضوعه كما في الفرض. بخلافه في الإنائين اللذين لا ترجيح لأحدهما على الآخر في جريان الاستصحاب، لما عرفته سابقا، و توهم أن الاشتباه الذي كان في الإنائين يلحق الملاقي لأحدهما واضح الفساد، و لعل هذا أقوى من الأول في الاستدلال، بل يمكن كونه هو مبنى كلام الأصحاب، و الله العالم، و هو الذي أفتي به و أعمل عليه إن شاء الله.

و قد يقال في التخلص عن وجوب اجتناب الملاقي للمشتبه برجوعه إلى الشبهة الغير المحصورة، و يكون حاله حال محتمل النجاسة، فإنه لا إشكال في عدم وجوب اجتنابه، و إن كان التكليف بالنجس لا يتم إلا به، لكن لما كانت أفراد النجس غير محصورة لم يجب اجتناب المحتمل، و هذا كذلك أيضا، فإن أصابه المشتبه له صيرته محتمل النجاسة، و كون هذا الاحتمال انما نشأ من إصابة متنجس يجب اجتنابه للمقدمة لا يصير الملاقي كذلك، و كيف مع أنه لو صدر الاحتمال من وجوب المجتنب على اليقين لما وجب الاجتناب، فهذا أولى، مثلا لو كان الإناء آن النجس منهما معلوم و وقعت قطرة لا تعلمها من أي الإنائين فإنه لا شك في عدم نجاسة الثوب بها، و هو معنى

قوله

ج 1، ص: 304

(عليه السلام) (1)«ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا كنت لا أدري»

و ما يقال من ان اجتناب النجس لا يتم إلا بذلك فيه أنه جار في محتمل التنجس بنجاسة خاصة معلومة، كالبول المخصوص و نحوه فتأمل.

(فإن قلت) انه بناء على ما ذكرت أولا من وجوب الاجتناب ينبغي ان تلتزم في مثل ما إذا وقع الشك في إصابة النجاسة البدن مثلا، أو الأرض بمعنى قطعة منها و إن كانت متكثرة الأجزاء إذا لو حظ كل جزء منها، مع أن الأخبار تنادي بفساد ذلك، و كيف يمكن دعوى انه عند الشك في إصابة النجاسة له يجب عليه تطهير ثيابه أو بدنه و اجتناب تلك القطعة من السجود عليها و نحو ذلك، قلت: ربما التزم به بعضهم، و لكن الإنصاف انه مستبعد، نعم يمكن النزاع في ان هذا من الشبهة المحصورة أولا، و هو مبني على تحقيقها، أو يقال كما تقدم سابقا من عدم حصول الشك بالنسبة للعمومات في مثل ذلك، فتبقى شاملة فتأمل.

(و منها)

ان الظاهر أنه لا تجب الإراقة في جواز التيمم، و لا ينافي ذلك ظاهر الآية(2)المتضمن لاشتراط التيمم بعدم وجدان الماء، لأن المراد منه عدم التمكن من استعماله و لو شرعا، و الأمر في الخبرين بالإراقة لعله كناية عن عدم جواز الاستعمال، بل هو الظاهر منه، فما عن المقنعة و النهاية و ظاهر الصدوقين من اشتراط جواز التيمم بالإراقة حتى يتحقق شرط التيمم و هو فقدان الماء ضعيف، لما عرفت، بل قد تحرم الإراقة عند خوف العطش و نحوه، و لا يخفى عليك انه

بعد ما عرفت من حرمة استعمال الإنائين لا إشكال في عدم صحة الوضوء بهما و إن كرر ذلك بحيث تطهر بأحدهما أولا، ثم غسل أعضاءه بالآخر، و تطهر به ثانيا، فما عن العلامة من احتمال وجوب ذلك عليه تحصيلا للطهارة اليقينية عجيب في المقام، لما عرفت من الأخبار و الإجماع، و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب النجاسات حديث 5.
2- 2 سورة النساء آية- 46- و في سورة المائدة آية 9.

ج 1، ص: 305

سلمنا إمكانه من جهة القاعدة بناء على ان الوضوء بالماء النجس حرمته تشريعية لا ذاتية، لا يقال: ان حرمة الاستعمال للمقدمة لا يقضي بفساد الوضوء، لكونها حرمة خارجية عنه، لأنا نقول: بعد تعليق الحرمة باستعمالهما و إن كان واحد منهما بالأصل و الآخر للمقدمة لا يتمكن من نية القربة، نعم قد يقال: بالصحة في صورة يتصور وقوعها كنسيان الاشتباه و نحوه، مع إمكان منعه، لظهور الروايات (1)في انقلاب التكليف، و انه كالمتضرر باستعمال الماء، و إن كان الأقوى الأول.

و لو غسل بهما تدريجا نجاسة فقد يتخيل في بادي النظر بقاء تلك النجاسة، للاستصحاب مع الشك في المزيل، و فيه انا نقطع بزوال تلك النجاسة، لأنه إما ان يكون الأول طاهرا، و قد زالت به حينئذ، أو الثاني فيزول ما كان من النجاسة الأولى و ما جاء من جهة الإناء، و التمسك باستصحاب مطلق النجاسة معارض بمثله بالنسبة للطهارة، كأن يقال إن النجاسة قد زالت يقينا، و لا نعلم عودها، كما في كل استصحاب للجنس مع عدم معرفة الشخص، فالمتجه حينئذ عدم الحكم بأحدهما من جهته، كما لو تيقن الطهارة و الحدث و شك في السابق منهما مع حفظه للحالة السابقة على ذلك، و كذا الحكم فيما لو أصاب أحدهما شيئا و غسله بالثاني ثم غسله بالأول، أو غسل شيئا طاهرا بهما على وجه التكرار بحيث يرتفع اليقين بالنجاسة الحاصلة بملاقاة كل منهما مع اشتمال الغسل على شرائط التطهير، إلا أن التحقيق في الفرق بينهما أنه لا أصل و لا عموم يرجع إليه بالنسبة للحدث و الطهارة، فاتجه وجوب تجديدها لكل ما كانت شرطا فيه، دون ما كان الحدث مانعا منه، بخلافه هنا للعمومات القاضية بطهارة كل ما لا يعلم نجاسته، ك

قوله (عليه السلام)(2)«كل شي ء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر»

و نحوه، فاتجه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الماء المطلق و الباب- 4- من أبواب التيمم و المستدرك الباب- 3- من أبواب التيمم.
2- 2 المستدرك- الباب- 29- من أبواب النجاسات حديث 4.

ج 1، ص: 306

حينئذ الحكم بالطهارة من الخبث في جميع ما ذكرنا، اللهم إلا أن يقال: انه باعتبار اعتوار الطهارة و النجاسة عليه يكون من قبيل الشبهة المحصورة بالنظر للوقتين، فيجب اجتنابه من باب المقدمة، فيكون حينئذ كالحيوان الذي اعتراه الجلل و ضده و لم يعلم الآن اتصافه بأيهما، لكنه كما ترى، إذ عد مثل ذلك من الشبهة المحصورة فيه ما لا يخفى، بل هو أشبه شي ء بالشي ء المتحد الذي لا يعلم حله و لا حرمته و لا طهارته و لا نجاسته، كالجبن و اللبن و نحوهما فتأمل جيدا. و يتفرع على ما ذكرنا أنه لو كان عنده ثوب نجس لا غير و ليس عنده إلا إناء مشتبه أمكن القول بوجوب غسله فيهما حتى يكون غير معلوم النجاسة، فيندرج تحت العمومات السابقة، و يحكم بطهارته، و يتعين عليه حينئذ الدخول به في الصلاة، و لعل ذلك الذي أشار إليه السيد شيخ مشايخنا في منظومته، فقال في الإنائين المشتبهين.

و لو تعاقبا على رفع الحدث لم يرتفع و ليس هكذا الخبث.

(و منها)

أنه لو انكفى أحد الإنائين المشتبه أحدهما بالمضاف فهل ينتقل فرضه الى التيمم أو يجب عليه الوضوء و التيمم؟ الأقوى الثاني، تحصيلا لليقين، و احتمل الأول، لأنه يصدق عليه أنه غير واجد للماء، و فيه أنه ممنوع بل لا يحكم عليه بكونه واجدا و لا غير واجد، فان قلت: عدم علمه بكونه ماء يكفي في عدم وجدانه، قلت:

هو أول البحث، و له مزيد بحث ذكرناه في التيمم، و في المدارك قد يقال: ان الماء الذي يجب استعماله في الطهارة إن كان هو ما علم كونه ماء مطلقا فالمتجه الاجتزاء بالتيمم كما هو الظاهر، و ان كان هو ما لم يعلم كونه مضافا اكتفي بالوضوء، فالجمع بين الطهارتين غير واضح و فيه أن هناك قسما ثالثا، و هو وجوب الوضوء بما كان ماء واقعا، و لما كان هذا غير معلوم المائية حصل عندنا يقين بالخطاب بالطهارة، و لا نعلم أنها مائية أو ترابية، و قد عرفت أنه ليس مجرد عدم العلم بالمائية يكفي في الامتثال للتيمم، فلا بد من الإتيان بهما جميعا، تحصيلا ليقين البراءة، و مثل ذلك الصلاة بالثوب المشتبه بعد تلف أحدهما، فإنه يجمع بين الصلاة فيه و عاريا، مع احتمال تعين كونه

ج 1، ص: 307

عاريا، و احتمال الاكتفاء بالصلاة في الثوب الواحد، لأصالة الطهارة، كما ذكرناه في مسألة انكفاء أحد الإنائين، و لا يحتمل ذلك في المشتبه بالمضاف، للشك في كونه ماء، نعم نظير مسألتنا ما لو اشتبه ما يؤكل بما لا يؤكل لحمه ثم تلف أحدهما، فإن الظاهر أنه إما أن يتعين الصلاة عاريا كاحتمال تعين التيمم، أو فيه و عاريا كالتيمم و الوضوء به، و هو الأقوى كما عرفت.

(و منها)

لو كان الإناء مشتبها بالمغصوب لو تطهر بهما فالظاهر كما عرفت عدم حصول الطهارة، نعم لو غسل بأحدهما النجاسة ارتفعت، لعدم اشتراطها بالقربة.

(و منها)

لو اشتبه المضاف بالمطلق و كان عنده ماء مطلق غيرهما لا يكفي للوضوء مثلا و لكن يمكن مزجه بمضاف بحيث لا يخرج المطلق عن الإطلاق فالظاهر وجوب المزج، لأنه حينئذ يكون متمكنا من ماء غير مشتبه، و معه لا يجوز الوضوء الترديدي، لأنه انما جاز من جهة الاحتياط لعدم التمكن من غيره، و يحتمل العدم، بناء على ما نقل عن الشيخ (رحمه الله) في مسألة التيمم من أنه لو وجد عنده ماء مطلق قليل و ماء مضاف و أمكن تكثيره بالمضاف بحيث لا يخرجه عن الإطلاق لم يجب عليه المزج و يتيمم، و ان كان لو مزج لوجب عليه الوضوء، لأصالة البراءة، و لانه يصدق عليه أنه غير واجد للماء و ان أردنا به عدم التمكن، لظهور أن المراد عدم التمكن من الماء الموجود في الخارج لا عدم التمكن من إيجاد حقيقة الماء، و لظهور عدم وجوب تكميل القليل بما لا يخرجه عن المائية من أبوال الدواب و نحوها، لكن الأقوى مع احتمال الفرق بين المقامين خلاف ما ذكره الشيخ (رحمه الله) في مسألة التيمم، للأوامر المطلقة بالوضوء و الغسل، نعم قيدت بالعقل بصورة عدم التمكن عقلا أو شرعا، و لا ريب أن العقل هنا حاكم بالتمكن، و ما تقدم من الاستعباد بالنسبة إلى أبوال الدواب لعله من جهة بعد الفرض، لأن القليل منه لا يفيد، و الكثير منه يخرج عن الإطلاق، أو يقال إن ذلك يعد من غير

ج 1، ص: 308

المتمكن عرفا، بخلاف الأول فتأمل جيدا، فان كلام الشيخ (رحمه الله) لا يخلو من وجه.

[الطرف الثاني في المضاف]
اشاره

الطرف الثاني في المضاف و هو كل ماء يحتاج في صدق لفظ الماء عليه الى قيد أو ما يصح سلب اسم الماء عنه، و منه الذي اعتصر من جسم، أو مزج به مزجا يسلبه إطلاق الاسم أو صعد، و لا يخفى أن التعريف في كلام المصنف لفظي، فلا يقدح فيه كونه أعم من وجه و أخص من آخر، و لعله أراد ما ذكرنا من التعريف لذكره سابقا في تعريف المطلق ما يستفاد منه تعريف المضاف، و ان ما ذكره هنا من قبيل المثال، و كيف كان فلا فرق في ذلك بين الإطلاق الحملي و غيره، نعم هو مع الإشارة يكون قرينة، و إلا فالمدار على صحة السلب و عدمها، لكن مع العلم بالحال لا مع الجهل، و إلا فقد يحكم الجاهل بالمضاف العادم للأوصاف بأنه ماء مطلق، و كان المصنف أشار بقوله سلبه إطلاق الاسم إلى أنه ان لم يسلبه الإطلاق بل كان يطلق عليه لا يدخل بذلك تحت المضاف، و تصح الطهارتان به و هو كذلك، كما سيصرح به فيما يأتي، بل لا خلاف فيه عندنا على الظاهر، نعم نقل عن بعض العامة انه لا تجوز الطهارة به حينئذ إلا بعد طرح مقدار ما مازجه من المضاف، و لا وجه له، كما أنه لا فرق بحسب الظاهر فيما ذكرنا من مسلوب الاسم و عدمه بين قلة الممزوج و كثرته و مساواته، لكون المدار على صدق الاسم، نعم لو مازج المطلق ماء مضاف مسلوب الصفات فعن الشيخ (رحمه الله) انه إن كان المطلق أكثر صح الوضوء به مثلا، و إن كان المضاف أكثر لم يصح، و ان تساويا فالجواز أيضا للأصل، و عن ابن البراج المنع للاحتياط، و عن العلامة (رحمه الله) خلاف قوليهما، و مراعاة الصدق من غير نظر للقلة و الكثرة، لكنه جعل الدليل على الإطلاق تقدير الصفات في المسلوب، فان كان بحيث لو كانت موجودة لسلبت إطلاق اسم الماء لم يصح التطهر به، و إلا فلا و ربما نقل عنه تقدير الوسط من الصفات دون الصفات

ج 1، ص: 309

التي كانت فيه قبل السلب، و عن الشهيد في الذكرى الجزم به، و الأقوى مراعاة الصدق من غير اعتبار ذلك، لدخوله به تحت الإطلاقات، و دعوى توقف الصدق عليه ممنوعة على ما هو المشاهد، و مع الشك يرجع الى استصحاب الموضوع أو الحكم، كما ستعرفه ان شاء الله. و دعوى أن القاهر في الحقيقة الكمية، و لكن الدليل على ذلك الصفات، فحيث لا توجد تقدر كما ترى، إذ لعل القاهر الكمية مع الصفات، بل يمكن القول بجريان الأحكام على المضاف نفسه من غير ممازجته لو سلبت جميع خواصه بحيث صار أهل العرف بعد الوقوف على حاله يطلقون عليه لفظ الماء من غير احتياج إلى إضافة، اللهم إلا أن يمنع انقلاب المضاف مطلقا بغير الامتزاج المهلك له، فان المعتصر من جسم أو المصعد منه مضاف دائما، لا يكون مطلقا أصلا، و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا ما في توجيه القول بالتقدير بأن الإخراج عن الاسم سالب للطهورية، و هذا الممازج لا يخرج عن الاسم بسبب الموافقة في الأوصاف، فنعتبره بغيره ليحصل ما طلبناه، كما يقدر ذلك في حكومات الجراح، و بان الحكم لما كان دائر أعلى بقاء اسم الماء مطلقا و هو انما يعلم بالأوصاف وجب تقدير بقائها قطعا، كما يقدر الحر عبدا في الحكومة، و أما تقدير الوسط لانه بعد زوال تلك الأوصاف صارت هي و غيرها على حد سواء، فيجب رعاية الوسط لأنه الأغلب و المتبادر عند الإطلاق، و انما صار الزائد لا ينظر اليه بعد الزوال لأنه لو كان المضاف في غاية أوصافه فنقصت مخالفته لم يعتبر ذلك في القدر الناقص، فكذا لو زالت رأسا، و لا يخفى عليك ما في ذلك كله.

(أما الأول) فلأنه لا يلزم من كون الممازج غير مخرج بسبب الموافقة انا نعتبره بغيره، و أين مسألة الحكومات من المقام، لكون الأحكام هنا تابعة لموضوع قد تحقق لغة و عرفا.

(و أما الثاني) ففيه انا نمنع انه انما يعلم بالأوصاف، بل قد يعلم بدونها، و هو الصدق، كما في محل النزاع، و منه تعرف ما في وجه تقدير الوسط من الأغلبية، مع أن

ج 1، ص: 310

الأغلبية انما تعتبر بعد وجود الفرد على حالة لم تعرف، و أما مثل المقام فلا مدخلية لها قطعا، و كيف يمكن دعوى تقدير الوسط فيما إذا كان في السابق دون الوسط، ضرورة كون المتجه حينئذ تقدير الصفات التي كانت فيه سابقا، و مع التفاوت فالمتأخرة أقرب حينئذ، نعم قد يتجه ذلك ما في فاقد الصفات دون سالبها، لكن مع ملاحظة الصنف، و إلا فمع فرض عدم وجود صفات للصنف يمتنع التقدير، إذ احتمال تقدير الانتقال الى نوع آخر و نحوه بعيد، بل ممنوع.

ثم أنه كما يراعى الوسط في الصفات ينبغي أن يراعى الوسط في الماء كما في الذكرى مع احتمال العدم، لكون المنقلب انما هو خصوص هذا الماء، فلا وجه لفرض أنه ماء آخر، و الجميع كما ترى، و قد مر نظير المسألة في الملاقي للنجاسة المسلوبة الأوصاف أو الفاقدة أو الموافقة للماء، فلاحظ و تأمل فإنه قد يكون المقام أوضح فسادا من ذلك، و الله العالم.

و لو امتزج المطلق بالمضاف بحيث لا يصدق عليه اسم المطلق و لا اسم المضاف و لم يعلم استهلاك أحدهما بالآخر فالظاهر عدم جواز استعماله في كل ما اشترط بالمائية، كالطهارة من الأحداث و الأخباث، و يحتمل أن يقال: انه بهذا الامتزاج لم يخرج كل منهما عن حقيقته، لعدم تداخل الأجسام، فللمجنب حينئذ ان يرتمس فيه، و يرتفع عنه الحدث، و كذلك الوضوء، إلا انه يشكل من جهة المسح، لمخلوطية الماء بغيره، و الحاصل كل ما يقطع فيه بجريان الأجسام المائية عليه يجري عليه حكمه، إلا أن يمنع مانع خارجي، و ربما يؤيده أن الأصل عدم خروج المطلق عن إطلاقه، كما ان الأصل عدم خروج المضاف عن كونه مضافا، و لا ريب ان الأول أقوى، بناء على خروج الماء بالامتزاج المزبور عن الماء المطلق، أو عن الحكم و لو بصيرورته موضوعا خارجا عن كل منهما، فهو و إن لم يكن ماء ورد مثلا لكنه بحكمه باعتبار عدم الحكم عليه بكونه ماء مطلقا، نعم لو قلنا ببقاء كل منهما على حاله إلا ان الامتزاج أفاد الاشتباه اتجه ما ذكره، فتأمل جيدا.

ج 1، ص: 311

و أما حيث يكون الممزوج بالمطلق غير المائع من الأجسام مثلا بحيث يقع الشك في كون المطلق هل خرج عن إطلاقه أولا؟ فالظاهر من بعضهم جريان الاستصحاب، و جريان جميع الأحكام عليه، و فيه تأمل، إذ المدار على الإطلاق العرفي، و الفرض فقده، و احتمال إثباته بالاستصحاب، كأن يقال انه كان يطلق عليه سابقا، فليطلق عليه الآن فيه- مع الشك في شمول أدلة الاستصحاب لمثله- انا نمنع تحقق الإطلاق العرفي من جهته، و هو المدار هنا، بل قد يقال: ان ذلك إثبات للموضوع بالاستصحاب لرجوع الحال الى الشك في أنه بعد ما امتزج بما امتزج هل هو فرد لحقيقة الماء أولا؟

و الاستصحاب لا يثبت مثل ذلك، و دعوى استصحاب الأحكام من غير ملاحظة الموضوع فيها ما لا يخفى، و ذلك لكون الأحكام تابعة له وجودا و عدما، و تسمع لهذا تتمة إن شاء الله تعالى في المطهرات، و لكن الانصاف عدم خلو القول باستصحاب الحكم من قوة، بل يمكن القول باستصحاب الموضوع نفسه، و لا ينافي ذلك الشك في الصدق العرفي، ضرورة استنباط الحكم في الاستصحاب وضعا متأخرا عن إطلاق اللفظ، و التبعية وجودا و عدما لا تنافي ثبوت الحكم من جهة الاستصحاب الذي محله الشك، إذ هو المفروض، لا العدم الذي هو السلب عرفا فتأمل جيدا.

و على كل حال فهو طاهر بعد طهارة أصله من غير خلاف لكن لا يزيل حدثا أكبر أو أصغر اختيارا و اضطرارا إجماعا كما في التحرير و عن الغنية و التذكرة و نهاية الأحكام، خلافا للصدوق كما نقل عنه، فإنه أجاز الوضوء بماء الورد و غسل الجنابة، و لعله الذي أشار إليه في الخلاف عن بعض أصحاب الحديث من جواز الوضوء بماء الورد، ثم يحتمل أنه يتسرى الى غيرهما تنقيحا للمناط، كما يحتمل أنه يقتصر عليهما، لظاهر الرواية(1)التي هي دليله، و للمنقول عن ابن أبي عقيل فإنه ظاهر في جواز مطلق المضاف في مطلق الطهارة عند عدم غيره، لقوله «ما سقط في الماء مما ليس


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المضاف حديث 1.

ج 1، ص: 312

بنجس و لا محرم فغيّر لونه أو طعمه أو رائحته حتى أضيف إليه مثل ماء الورد و ماء الزعفران و ماء الخلوق و ماء الحمص و ماء العصفر فلا يجوز استعماله عند وجود غيره، و جاز في حال الضرورة عند عدم غيره» و كيف كان فقد سمعت الإجماع في كلام المصنف و غيره، و في الذكرى أن قول الصدوق يدفعه سبق الإجماع و تأخره، و معارضة الأقوى، و في السرائر و لا يرفع به نجاسة حكمية بغير خلاف بين المحصلين، و في إزالة النجاسة العينية به خلاف، و نقل خلاف المرتضى، و الظاهر أن مراده بالنجاسة الحكمية رفع الحدث بقرينة ما ذكره بعده، و عن المبسوط نفي الخلاف في عدم رفعه الحدث، و هذه الإجماعات كما هي حجة على الصدوق كذلك إطلاقها حجة على ابن أبي عقيل، و في المعتبر بعد أن ذكر خلاف الصدوق في ماء الورد و دليله و إبطاله، قال: فرع لا يجوز الوضوء بالنبيذ، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة فيه، ثم أخذ في الاستدلال عليه، و قال بعد ذلك و

عن الصادق (عليه السلام)(1)«إنما هو الماء و الصعيد»

و اتفق الناس جميعا أنه لا يجوز الوضوء بغيره من المائعات، و الظاهر أن مرجع الضمير انما هو النبيذ، لكنه في الذكرى نقل عنه هذه العبارة بإبدال ضمير غيره بماء الورد، و مثله في المدارك، و لعلهما عثرا على غير ما عثرنا عليه، أو يكون فهما منه ذلك لكونه في معرض الرد على أبي حنيفة.

و يدل على ما ذكرنا- مضافا إلى ما تقدم، و الى الاستصحاب و قاعدة الشك في الشرط في وجه-

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير بعد أن سأله عن الوضوء باللبن قال: «لا انما هو الماء و الصعيد»

و

في خبر عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين (2)«إذا كان الرجل لا يقدر على الماء و هو يقدر على اللبن فلا يتوضأ باللبن إنما هو الماء و التيمم»

و الظاهر أن المراد ببعض الصادقين أحد الأئمة (عليهم السلام) و يؤيده أنه في كشف اللثام


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المضاف حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المضاف حديث 1.

ج 1، ص: 313

أسنده إلى قولهم (عليهم السلام) كل ذلك مع ظاهر قوله تعالى (1)«فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا»* و ربما استدل عليه بقوله تعالى (2)«وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً» لكونه في معرض الامتنان و لو كان يحصل ذلك بغيره لكان ينبغي الامتنان بالأعم، و فيه أنه لعل التخصيص لكونه أكثر وجودا و أعم، لمكان قصر الجواز بغيره على تقديره في أحوال مخصوصة، على أنه قد يقال: ان جواز ذلك بالمضاف لاشتماله على الماء، فلا ينافي الامتنان، و كذا استدل بكثير من الأخبار(3)الواردة في كيفية الغسل، لاشتمالها على الغسل بالماء، فيكون وجوبه متعينا، و

قول أبي جعفر (عليه السلام)(4)في صحيحة زرارة «إذا مس جلدك الماء فحسبك»

و

قوله (عليه السلام): في صحيحة زرارة(5)«الجنب إذا جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه»

و

قول أحدهما (عليهما السلام)(6)في صحيحة ابن مسلم «فما جرى عليه الماء فقد طهره»

و لا يخفى ما فيه، لكن لمكان كونه تأييدا لا استدلالا كان الأمر سهلا، هذا مع انا لم نقف للصدوق على دليل غير

قول أبي الحسن (عليه السلام)(7)في خبر يونس قلت له: «الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة قال لا بأس بذلك»

و هو مع مخالفته لما تقدم، و عن ابن الوليد انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس، قال الشيخ في التهذيب: «انه خبر شاذ شديد الشذوذ و إن تكرر في الكتب و الأصول، فإنما أصله يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) و لم يروه غيره، و قد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره» انتهى.


1- 1 سورة المائدة- آية- 9- و في سورة النساء- آية 46.
2- 2 سورة الفرقان- آية- 50.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النجاسات.
4- 4 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الوضوء- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الجنابة- حديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الجنابة- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المضاف- حديث 1.

ج 1، ص: 314

فإذا كان هذا حال الخبر وجب طرحه أو تأويله بإرادة الماء الذي وقع فيه الورد و لم يسلبه الإطلاق، أو كان مجاورا للورد، أو يراد بالتوضؤ التحسن و التطيب للصلاة، لكنه ينافيه قوله يغتسل، و يمكن أن يراد به الاغتسال لذلك أيضا،

و يحتمل أن يقال الورد بكسر الواو أي ما يورد منه الدواب، و هو مظنة للسؤال لاحتمال أن الوضوء يحتاج الى ماء خال عن ذلك، و الأمر سهل.

و الظاهر أنه يخص هذا الحكم بماء الورد، لا مطلق المائعات، و لا مطلق المضاف، بل قد يقال مراده بماء الورد المصعد به لا المعتصر، و لذلك قال في المنتهى بعد أن ذكر خلاف ابن بابويه و غيره: «فرع المضاف إذا اعتصر من جسم كماء الورد، أو خالطه فغير اسمه كالمرق، أو طبخ فيه كماء الباقلا المغلي لم يجز الوضوء به و لا الغسل في قول عامة أهل العلم، إلا ما حكي عن ابن أبي ليلى و الأصم في المياه المعتصرة، و للشافعية وجه في ماء الباقلا المغلي إلا النبيذ، فانا قد بينا الخلاف فيه» انتهى فتأمل جيدا.

و لم نعثر لابن أبي عقيل على مستند، و لعله الرواية المتقدمة تنزيلا لها على الاضطرار، و فيه ما لا يخفى، و لعله يستند الى ما رواه

عبد الله بن المغيرة عن بعض الصادقين (1)فان فيه «إن لم يقدر على الماء و كان نبيذا فاني سمعت حريزا يذكر في حديث أن النبي (صلى الله عليه و آله) قد توضأ بنبيذ و لم يقدر على الماء»

و فيه مع ظهوره في التقية انه لم يعلم من المراد ببعض الصادقين، و على تقدير تسليم كونه أحد الأئمة (عليهم السلام) فلم يظهر منه ما يدل على الجواز، بل ظاهر نسبته الى حديث ذكره حريز عدمه، لأن الحديث يطلق على الصدق و الكذب، و لعله أشار بالحديث الى ما رواه بعض (2)

عن النبي (صلى الله عليه و آله) «أنه توضأ بالنبيذ»

على انه قال الشيخ: «و أجمعت العصابة على أنه لا يجوز الوضوء بالنبيذ» مضافا الى نجاسة النبيذ، و أنه ليس من الماء المضاف، بل هو حقيقة أخرى، و يحتمل أن يراد بالنبيذ الماء الذي ينبذ فيه بعض.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المضاف- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المضاف- حديث 3.

ج 1، ص: 315

التميرات و لم تغير اسمه، كما ورد(1)أنه حلال بهذا المعنى و أن أهل المدينة أمرهم النبي (صلى الله عليه و آله) بذلك لما شكوا اليه فساد طبائعهم بان ينبذوا و كان يضعون الكف من التمر فيلقوه في الشن الذي يسع ما بين الأربعين إلى الثمانين رطلا من أرطال العراق، فكان شربهم منه، و طهرهم منه.

و لا يزيل خبثا على الأظهر عند أكثر أصحابنا كما في الخلاف، و هو المشهور نقلا و تحصيلا شهرة كادت تبلغ الإجماع، بل هي إجماع، لمعلومية نسب المخالف ان اعتبرناه، و انقراض خلافهما، للاستصحاب و تقييد الغسل بالماء في بعض النجاسات، ك

قوله (عليه السلام)(2): «لا يجزي من البول إلا الماء»

و

قوله (عليه السلام)(3)في فضل الكلب: «اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء»

و

قوله (عليه السلام)(4)في الرجل الذي أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب آخر غيره، قال: «يصلى فيه و إذا وجد الماء غسله»

و

قوله (عليه السلام)(5)في بول الصبي: «يصب عليه الماء قليلا ثم يعصره»

و في آخر يصب عليه الماء و

قوله (عليه السلام)(6)فيمن أصاب ثوبا نصفه دم أو كله، قال:

«ان وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلى فيه»

و

في آخر(7)«في رجل ليس عليه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع قال يتيمم و يصلى، فإذا أصاب ماء غسله»

الى غير ذلك من الأخبار، و هي كثيرة في أماكن متفرقة، و يتم الاستدلال بها بعدم القول بالفصل، فيجب حينئذ حمل مطلق الأمر بالغسل الوارد في كثير من الأخبار عليها، و ما يقال انه لا منافاة، لكون الغسل بالماء أحد الأفراد،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الخلوة- حديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النجاسات- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- حديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- حديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 45- من أبواب النجاسات- حديث 8.

ج 1، ص: 316

و لا مفهوم يدفعه ان المنافاة متحققة من غير حاجة الى مراعاة المفهوم، بل يحكم بذلك و إن كان المقيد لقبا، نعم إن كان ذلك في العام و الخاص متجه، فإنه لا يحصل التنافي فيه إلا باختلاف حكمي العام و الخاص بالأمر و النهي و نحوه، و لذا لا يحكم بالتخصيص في نحو قوله أكرم الرجال أكرم زيدا، بخلافه في المطلق و المقيد، لاتحاد المأمور به في الثاني، دون الأول فتأمل جيدا.

هذا مع ما في بعضها من الحصر، كقوله (عليه السلام) لا يجزي فيه إلا الماء، و مفهوم الشرط في آخر و نحوهما، بل لا حاجة الى دعوى الإطلاق و التقييد، بناء على ان الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء، كما ادعاه في الذكرى، لكنه في غاية البعد، كدعوى الحقيقة اللغوية، لصدق العرف على الغسل مثلا بماء الورد انه غسل حقيقة، و عدم صحة السلب، نعم يتجه أن يقال: ان الغسل بالماء هو المتعارض الشائع المتبادر الى الذهن عند الأمر به، كما اعترف به الخصم، كما ستسمع إن شاء الله، بل قد يقال: انه في بعض المائعات لا يعد الإزالة بها غسلا لغة و عرفا و شرعا، و الفرض أن دعوى المرتضى عامة في سائر المائعات، كما نقل الشيخ في الخلاف عنه ذلك، و يقتضيه دليله، على أن هذه المطلقات في كثير من المقامات ما سيقت لبيان ما يغسل به، و المطلق ليس حجة إلا فيما سيق له.

و قد يستدل على المطلوب أيضا بالإجماع على نجاسة سائر المائعات بملاقاة النجاسة، فتنجس حينئذ بملاقاتها للثوب، و لم يثبت هنا كون الانفصال مثلا قاضيا بطهارة ما بقي منها على الثوب، و الماء خرج بالإجماع و نحوه، و بذلك كله اتضح صحة المختار، فلا حاجة لأن يؤيد بوقوع لفظ الماء في الكتاب العزيز في معرض الامتنان القاضي بأنه غير موجود في غير الماء. و ب

قوله (عليه السلام)(1): «الماء يطهر و لا يطهر»

و بأنه ان لم يرفع الحدث فلا يرفع الخبث بطريق أولى، إذ في الأول ما عرفت، و في الثاني أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 3 و 7.

ج 1، ص: 317

لا يقتضي ذكره و لا تعريفه في المقام الحصر، و في الثالث أنه لا أولوية، و عند عدمها يكون قياسا، على أنه ستسمع الفارق في كلام المرتضى، و عن المرتضى الاحتجاج لقوله بالإجماع و المفيد بالرواية عن الأئمة (عليهم السلام)، و إطلاق الأمر بالغسل في كثير من الأخبار، و قوله تعالى (1)«وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ» و بأن الغرض من التطهير إزالة العين، و هو حاصل بالمائعات أما الصغرى فل

رواية حكم بن الحكيم الصيرفي (2)قال للصادق (عليه السلام): «إني أبول فلا أصيب الماء و قد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط و التراب، ثم تعرق يدي فأمس وجهي أو بعض جسدي، أو تصيب ثوبي، قال: لا بأس»

و

رواية غياث بن إبراهيم (3)«لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق»

و أما الكبرى فوجدانية، بل رواية غياث صالحة لأن تكون دليلا مستقلا، إذ البصاق من جملة المائعات مع عدم القول بالفصل بينه و بين غيره، و عن المرتضى نفسه (رحمه الله) الاعتراض على الاستدلال بالآية و أوامر الغسل بالمنع من تناول الطهارة للغسل بغير الماء، و بانصراف إطلاق الأمر بالغسل إلى ما يغسل به في العادة، ثم الجواب بأن تطهير الثوب ليس بأكثر من إزالة النجاسة عنه، و قد زالت بغير الماء مشاهدة، لأن الثوب لا يلحقه عبادة، و بأنه لو كان كذلك لوجب المنع من غسل الثوب بماء الكبريت و النفط، و لما جاز ذلك إجماعا علمنا عدم الاشتراط بالعادة، و ان المراد بالغسل ما يتناوله اسمه حقيقة، و في الكل نظر، (أما الأول) ففيه- بعد ما عرفت من إمكان دعوى الإجماع المحصل على خلافه، مضافا الى نقل الشيخ أن الأكثر على خلافه، بل من زمن المرتضى الى يومنا هذا لم يوافقه عليه أحد عدا ما ستسمع من صاحب المفاتيح، و لم ينقل عن أحد ممن تقدمه عدا المفيد، و لذا قيل انه لو ادعى الإجماع على خلاف دعواه أمكن ان أريد به إجماع


1- 1 سورة المدثر آية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب النجاسات- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.

ج 1، ص: 318

أكثر الفقهاء، إذ لم يوافقه على ما ذهب إليه أحد ممن وصل إلينا خلافه- أنه غير ثابت النقل، بل الذي حكي عنهما أنهما أضافا القول بالجواز الى مذهبنا، مع تعليل المرتضى له بأن من أصلنا العمل بدليل العقل ما لم يثبت الناقل، و ليس في الأدلة العقلية ما يمنع من استعمال المائعات في الإزالة، و لا ما يوجبها، و نحن نعلم أنه لا فرق بين الماء و الخل في الإزالة، بل ربما كان غير الماء أبلغ، فحكمنا حينئذ بدليل العقل، و هو غير صريح في دعوى الإجماع، بل لو ادعاه لكان هذا الكلام قرينة على إرادته بهذا المعنى الذي ذكره في بيانه، و أما ما ذكره المفيد من الرواية عن الأئمة (عليهم السلام) فهو- مع احتمال إرادة الإطلاقات التي استدل بها المرتضى، أو رواية البصاق و نحوه- رواية مرسلة لا جابر لها ان ألحقنا مثل ذلك بالمراسيل، و احتمال جبرها بإجماع المرتضى قد عرفت ما فيه، و من هنا نقل عن المحقق أنه قال: نمنع دعواه، و نطالبه بنقل ما ادعاه.

(و أما الثاني) ففيه- بعد تسليم كون الغسل شاملا لسائر المائعات- أنه يحكم عليه ما سمعت من المقيدات، بل شيوعه و تبادره الى الذهن عند الأمر بالغسل كاف في تقييده، لانصراف المطلق إلى الشائع، و ما وقع من بعضهم في المقام من المناقشة في تحكيم المقيدات، من جهة أنه ليس أولى من حمل الأمر في المقيد على الندب، و هو مجاز راجح قد تبين فساده في الأصول بما لا مزيد عليه، و الفهم العرفي كاف في رده كالمناقشة الواقعة من المرتضى المتقدمة سابقا في هدم القاعدة الثانية، بأنه لو تم لاقتضى عدم الغسل بماء الكبريت، و هو باطل إجماعا، إذ ما استفاده من الإجماع على جواز الغسل بالماء المذكور من بطلان هذه القاعدة ليس أولى من جعل ذلك الجواز للإجماع، و تبقى القاعدة على حالها، هذا إن

سلمنا أن الندرة التي ادعاها في مثل ماء الكبريت كالندرة في المقام من كونها ندرة إطلاق، مع إمكان منعه، بكون الأولى ندرة وجود بخلاف الثانية، فتأمل.

ج 1، ص: 319

(و أما الثالث) فهو- مع احتمال أن يراد بالتطهير التشمير كما تضمنته بعض الأخبار(1)أو التقصير كما اشتمل عليه آخر(2)و ان يراد طهرها عن أن تكون مغصوبة أو محرمة، أو المراد نفسك فطهر من الرذائل، و عن ابن عباس أنه قال فطهر أي لا تلبسها على معصية و لا غدرة، و في أخرى عنه أيضا من لبسها على معصية كما قال سلامة بن غيلان الثقفي و اني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست و لا من غدرة أتقنع، و ليس ما ذكرنا مما تضمنته الأخبار من البطون الذي لا يمنع من إرادة الظاهر، بل هو مجاز قرينته الأخبار كما لا يخفى على من لاحظها- لا وجه له إن قلنا بالحقيقة الشرعية، لعدم العلم بحصول المعنى الشرعي، و كذلك إن قلنا بالمجاز الشرعي، و الظاهر من هذا اللفظ في هذا المقام عدم خلوه عن أحدهما، و ما قال (رحمه الله): من أنه تطهير الثوب ليس بأزيد من إزالة النجاسة عنه، و قد زالت حسا بغير الماء، لأن الثوب لا يلحقه عبادة لا معنى له، لأن الكلام في أن هذا الزوال الحسي زوال شرعي أولا، و لا تلازم بينهما، و كون الثوب لا يلحقه عبادة غير قاض بما ذكر، لعدم الفرق بين العبادة و غيرها بالنسبة الى ما ذكرنا عند الشك في حصول المعنى الشرعي الحقيقي أو المجازي، نعم يتجه استدلاله إن أراد بالتطهير المعنى اللغوي، و ما ورد من الشارع من اشتراط الاستعلاء و نحوه انما هي شرائط خارجية عن المعنى، و يكون المأمور به حينئذ مطلق التنظيف، فما ثبت اشتراطه من دليل كورود الماء على النجاسة و نحوه قلنا به، و إلا فلا، فلا يتجه الإيراد عليه بما ذكرنا سابقا و لا الإيراد كما وقع من بعض بأنه قد اشترط (رحمه الله) ورود الماء على النجس، و هو ينافي قوله بحصول الطهارة على أي وجه، بل و لا ما وقع للمصنف و العلامة في المختلف و الذخيرة من الجواب عن الآية أيضا، و التعرض لنقله يفضي إلى طول من غير فائدة، فراجع و تأمل. فالصواب في الجواب إما المنع من كون الطهارة بالمعنى اللغوي، أو يقال: إنها مطلقة تقيد بما ذكرنا من المقيدات السابقة.


1- 1 تفسير الصافي- سورة المدثر- آية 4.
2- 2 تفسير الصافي- سورة المدثر- آية 4.

ج 1، ص: 320

(و أما الرابع) فبالمنع عن إرادة ذلك على أي حال و بأي شي ء حصل، و ما ذكره من رواية حكم و غياث سندا لصغراه لا معنى له، أما الأول فلكونه مطروحا عندنا و عنده، فلا معنى لاستفادة ذلك منه، على أنه لا دلالة فيه على طهارة اليد، بل عدم نجاسة الوجه، أو بعض الجسد بالمتنجس على أن نفي البأس لا يدل على الطهارة من غير جابر فتأمل. فتحمل الرواية على إرادة أن المرور ليس حال العرق، و أما خبر غياث فمع ما قيل أنه بترى ضعيف الرواية لا يعمل بما يتفرد به، و لم يعلم من المرتضى (رحمه الله) شمول المائع حتى للبصاق، و معارض بما دل (1)على أن البصاق لا يزيل إلا الدم، فلا يكون حينئذ سندا للصغرى، و قد يكون الدم طاهرا، أو يراد الاستعانة بالبصاق على غسله، و من هنا تعرف الجواب عنها ان أخذت دليلا لا ينبغي أن تسطر في جنب ما ذكرنا.

و في المقام كلام لصاحب المفاتيح، محصله «المشهور اشتراط الإطلاق في الإزالة خلافا للسيد و للمفيد، بل جوز السيد تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح بحيث يزول العين، لزوال العلة، و لا يخلو من قوة، إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات، أما وجوب غسلها بالماء عن كل جسم فلا، فما علم زوال النجاسة عنه قطعا حكم بتطهره إلا ما خرج بدليل يقتضي اشتراط الماء، كالثوب و البدن، و من هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين، و كذا أعضاء الحيوان المتنجسة غير الآدمي، كما يستفاد من الصحاح» انتهى. و فيه- مع كونه أعم من كلام المرتضى من وجه، بل من وجهين- انه إن أراد أن مثل الأجسام الصقيلة لا تنجس بملاقاة النجاسة و لو مع الرطوبة، كما يظهر من تعليله فهو مخالف للإجماع، بل الضرورة من الدين،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الماء المضاف- حديث 1 و 3.

ج 1، ص: 321

و لكثير من الأخبار، منها ما دل (1)على اشتراط عدم التنجيس بالجفاف، و تطهير الأواني الشامل للصقيل، و دعوى خروجها بالدليل ليس بأولى من القول بأنه يستفاد من تتبع الأدلة على كثرتها منضمة إلى فهم الأصحاب ان هذه النجاسات تنجس ما لاقاها صقيلا و غيره مع الرطوبة، و ان أراد أنها أي الأجسام تنجس لكن لا يجب الغسل لعدم الدليل، و ما دل على وجوب اجتناب أعيان النجاسة لا يقتضيه ففيه أن معنى الحكم بالنجاسة ثبوت أحكام شرعية لا طريق للعقل في رفعها، و عوى أن الطهارة الشرعية عبارة عن النظافة العرفية فرية بينة، إذ المستفاد من تعفير الإناء و الصب مرتين و غير ذلك خلافه.

و لقد أجاد المرتضى في جوابه لما سئل عن بيع نجس العين و نجس الحكم بأن الأعيان ليست نجسة، لأنها عبارة عن جواهر مركبة، و هي متماثلة فلو نجس بعضها لنجس سائرها، و انتفى الفرق بين الخنزير و غيره، و قد علم خلافه، و إنما التنجس حكم شرعي، و لا يقال نجس العين إلا على المجاز دون الحقيقة انتهى. على أن الاستصحاب بالنسبة للطهارة و النجاسة كأنه إجماعي، بل هو كذلك، و أيضا حكمة بالتنجس ليس مستندا لدليل دال على أن كل نجاسة عينية إذا لاقت نجست ما تلاقيه، بل مستنده الأمر بالغسل في كثير من المقامات القاضي بالتنجيس، فهو إن كان شاملا للمقام اقتضى وجوب الغسل له أيضا، و إلا فلا تنجيس، و لو كان مفروقا في بحر منها، مع أن إيجاب المسح من أين يستفاد، إذ كثير من نجاسة النجاسات إنما استفيدت من الأمر بالغسل لما يلاقيها، فان كان شاملا للمقام اقتضى وجوب الغسل، و إلا فلا نجاسة، على أن استفادة ما ذكره من القاعدة أي حصول الطهارة بزوال العين من ما دل (2)على حكم البواطن و أعضاء الحيوان غير الآدمي (3)ليس بأولى من استفادة القاعدة،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب النجاسات- حديث 8 و 11 و 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب النجاسات.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار.

ج 1، ص: 322

أي وجوب الغسل بالماء من الأخبار المتكثرة بغسل الثوب و البدن و الأواني الذي يقطع الإنسان بملاحظتها عدم قصد الخصوصية في المسؤول عنه، بل هذا أولى، و أولى من وجوه، و إلا فسائر النجاسات ما سئل عنها جميعها في ملاقاته للثوب، و لا عنها جميعها بالنسبة للبدن، بل بعضها في الثوب و بعضها في البدن و بعضها في غيرهما، لكن لمكان القطع بعدم إرادة الخصوصية قلنا في الجميع، و الحاصل المعلوم من الأخبار و ضرورة المذهب بل ضرورة الدين أن النجاسة حكم شرعي فيه، و كذلك الطهارة، و لا دخل للزوال الحسي و نحوه، و خصوص الحكم بالحيوان، و عدم التنجيس بالنسبة للبواطن لا يقضي بما ذكر من هدم ذلك الأساس.

و متى لاقته أي المضاف النجاسة أو المتنجس نجس قليله و كثيره، و لم يجز استعماله في أكل و لا شرب إجماعا منقولا نقلا يستفاد منه التحصيل، و في الأخبار دلالة عليه في الجملة، ك رواية السكوني (1)التي أمر فيها بإهراق المرق للفأرة و برواية ابن آدم (2)كذلك للقطرة من النبيذ و الخمر المسكر، و العمدة الإجماع السابق بل بإطلاقه يستغنى عن تقرير السراية في المقام، على أنه قد تقدم أن الحق كونها على خلاف الأصل، و لعله لذا قال في المدارك أما النجاسة مع تساوي السطوح أو علو النجس فلا كلام، و أما مع علو الطاهر و سفل النجس فلا ينجس العالي قطعا للأصل، قلت لكن لم نعثر في كلامهم على إجماع أو غيره من الأدلة ما يقيد لهم ما هنا من الإجماعات، و الأصل لا يعارضها، و ما ذكر من القطع لم نتحققه، هذا إن قلنا ان السراية على خلاف الأصل، و إلا فتكون هي مع الإجماعات حجة، نعم في بالي أن بعضهم عند الكلام على نجاسة الماء أطلق كون السافل لا ينجس العالي، مدعيا عليه الإجماع، لكن لم يعلم منه أن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الماء المضاف- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب النجاسات- حديث 8.

ج 1، ص: 323

ذلك في غير الماء أو هو خاص به لمكان العسر و الحرج فيه، على أن بين الإطلاقين عموما من وجه، إلا أن المغروس في الذهن هو ما ذكر من عدم نجاسة العالي بالسافل، و لقد نظرت ما حضرني من بعض الكتب فلم أعثر على إجماع أو غيره في خصوص المقام إلا في منظومة العلامة الطباطبائي حيث قال في المضاف:

و ينجس القليل و الكثيرمنه و لا يشترط التغيير

إن نجسا لاقى عدا جار علاعلى الملاقي باتفاق من خلا

فان ظاهر قوله باتفاق من خلا الشمول للمستثنى و المستثنى منه، و في المصابيح له أيضا نقل الإجماع على عدم نجاسة العالي بالسافل في ماء الورد و نحوه، و لعلهم أوكلوه الى ما ذكرنا عنهم في الماء فتأمل.

و كيف كان فطريق تطهير المضاف قد اختلفت فيه عبارات الأصحاب، فالمنقول عن الشيخ في المبسوط أنه لا يطهر إلا أن يختلط بما زاد على الكر من الماء الطاهر المطلق، و لم يسلبه إطلاق اسم الماء، و لا غير أحد أوصافه، فإن سلبه أو غير أحد أوصافه لم يجز استعماله، و إن لم يغيره و لم يسلبه جاز استعماله فيما يستعمل فيه المياه المطلقة، و في التحرير و يطهر بإلقاء كر من المطلق فما زاد عليه دفعة بشرط أن لا يسلبه الإطلاق، و لا يغير أحد أوصافه، و عن بعض نسخه و إن تغير أحد أوصافه، و من الواضح وجود الخلاف بينه و بين الشيخ عليها، دون النسخة الأولى، فلا فرق إلا في اشتراط زيادة الكر، و لعلها وقعت منه (رحمه الله) لا على سبيل الشرطية، و لذلك نقل عنه في الذكرى قال:

و طهره في المبسوط بأغلبية كثير المطلق عليه و زوال أوصافه، لتزول التسمية التي هي متعلق النجاسة انتهى. كما أنه لعل الشيخ حيث لم يكن في عبارته الإلقاء، بل كان الاختلاط، و هو يحصل بالإلقاء دفعة و بغيره فأمكن إرادته الإلقاء التدريجي مع كون الماء مستعليا، فيشترط هنا الزيادة على الكر حتى يتقوم ما جرى منه و اتصل بالمضاف بالكر، كما وقع من العلامة في التطهير بمادة الحمام، لكن فيه أنه لا وجه له معه هنا، لأنه

ج 1، ص: 324

إن كان يقول باتحاد المائين أي ما في الساقية مع العالي فلا يحتاج حينئذ إلى اشتراط الزيادة، و إن كان لا يقول باتحادها معه فلا تثمر له اشتراط الزيادة، إذ كل ما يلاقي المضاف ينجس به حتى ينقص العالي عن الكر، بل قد يقال ان اشتراطها في الحمام له وجه بخلافه هنا، لكون المطهر هناك لا يشترط فيه أن يقع من المادة مقدار كر، بل إذا اتصل ما في الحياض بما في المادة، أو امتزج بطهر و إن لم يقع من المادة مقدار كر فالمطهر له حينئذ انما هو ما جرى من المادة، لاتصاله بكر، فلو لم يكن متصلا بكر لم يحصل التطهير، لكون الملاقي ليس كرا، و لا هو متصل بكر بخلافه هنا، فإنه على ظاهر كلام الشيخ لا بد و أن يختلط به مقدار الكر، نعم يحتمل أن يكون وجهه أنه لو اختلط به مقدار الكر في الفرض السابق فأول الاتصال قد يغلب المضاف عليه فينجس، فينقص الكر فلا يطهر، لكن إذا كان زائدا فإنه إن غلب انما يغلب على الزيادة، فيبقى الكر سالما، و ليس حاله كحال ما إذا ألقي الكر على الماء النجس الغير المتغير، فإنه يطهر بمجرد الاتصال، بناء على عدم اشتراط الامتزاج، فيتجه حينئذ هنا الاشتراط، إلا انه قد يناقش فيه أيضا بأنه متجه مع العلم بالغلبة المذكورة، و إلا فاستصحاب بقاءه محكم، و الاحتمال غير قادح، فإنه قد يكون بأول آنات الاتصال يغلب الماء على الجزء الملاقي، و بما ذكرنا تعرف استناد الشيخ في اشتراط الزيادة ان أراد ذلك، و أما على النسخة الثانية من التحرير أي اشتراط عدم مسلوبية الإطلاق فقط و إن تغير أحد أوصافه بأوصاف المتنجس فهو مختاره في بعض كتبه، كالمنتهى و القواعد، و تبعه عليه جماعة أي في حصول تطهير المضاف بحيث يكون طاهرا مطهرا، و إلا فتسمع أنه (رحمه الله) لا يشترط بقاء الاطلاقية بالنسبة للطهارة و إن كان لا يرفع حدثا و لا خبثا، و كأنهم فهموا من عبارة الشيخ (رحمه الله) إرادة تغيير الماء بأحد أوصافه المضاف، و أوردوا عليه أن الذي ثبت من الأدلة نجاسة الكر بتغيره بأحد أوصاف النجاسة لا المتنجس، فيبقى حينئذ على طهارته و إن تغير بأحد أوصاف المضاف، لكن لعل مستند الشيخ (رحمه الله)

ج 1، ص: 325

عموم

قوله (عليه السلام)(1)«إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه»

و للمسألة مقام آخر، إلا أن عبارة الشيخ (رحمه الله) هنا غير صريحة بذلك، إذ قد يريد بالتغيير التغيير بأحد أوصاف النجاسة، لبقاءها في المضاف كالدم، أو أنه يريد انه بدون أن تذهب أوصاف المضاف بالمرة لم يحصل استهلاكه بالماء المطلق، و مدار التطهير عليه، كما ستعرف إن شاء الله.

و قد أشار إلى ذلك الشهيد في الذكرى كما سمعت ما نقله عنه، و حينئذ يرجع الى نزاع في موضوع، و هو أنه هل يبقى الماء المطلق على إطلاقه، و يستهلك المضاف فيه و إن بقي أحد أوصاف المضاف في المطلق؟ فالجماعة يقولون بالبقاء، و الشيخ يمنعه، لكن عبارته تنافي ذلك، لأن ظاهر عطف التغيير بأو يقضي ببقاء الأول، و هو عدم سلب الاطلاقية، فيكون ما أشار إليه الشهيد (رحمه الله) بنقله عن المبسوط كما تقدم لا يخلو من تأمل، و كيف كان فإن أراد الشيخ بتغير أحد الأوصاف أوصاف المضاف لا النجاسة و مع ذلك يقول بتحقق بقاء الاطلاقية فالظاهر أن الأرجح خلافه، لما ذكر في محله من أن الكر لا ينجس إلا إذا تغير بأحد أوصاف النجاسة، و إن لم يرد ذلك فمرحبا بالوفاق، نعم إنما الخلاف مع العلامة في القواعد و المنتهى، بل قيل انه في سائر كتبه، حيث قال إذا اختلط مقدار الكر بالمضاف و سلبه الإطلاق تحصل الطهارة، و تذهب الطهورية، و لعل كلامه يرجع الى القول بطهارة المضاف بملاقاة المطلق الكثير للمضاف و ان بقي المضاف على إضافته، كما يرشد الى ذلك نقله عنه في الذكرى أنه قال بالطهارة بمجرد الاتصال و ان بقي الاسم، إلا أنه يحتمل أن لا يكون مراده كذلك، بل يقول لا بد من الامتزاج، و لا يكتفي بمجرد اتصال الماء به، و فيه أنه لا بد حينئذ من تخصيصه بما إذا ألقي المضاف على الكر و ان نافاه ظاهر إحدى عبارتيه في القواعد، و إلا فلا يتجه فيما إذا ألقي الكر على المضاف لنجاسة إناءه و هو ينجس الماء، و لا معنى للقول بطهارة الإناء لعدم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الماء المطلق- حديث 9.

ج 1، ص: 326

ملاقاة المطلق له، إذ الفرض أنه صار مضافا، و احتمال القول ان الكر بعد اتصاله بالمضاف طهر المضاف و آنيته واضح الفساد، كالتمسك بأن الكثير انما ينجس إذا تغير بلون النجاسة مثلا لا بالمتنجس، و الفرض العدم، نعم هو متجه فيما إذا بقي الكثير على مائيته، لا فيما خرج عنها، فإنه ينجس حينئذ بكل ما يلاقيه، و كذا التمسك باستصحاب الطهارة، إذ هو مع معارضته باستصحاب النجاسة لا معنى له مع تغير الموضوع، لكونه كان مطلقا و الآن مضاف فيدخل حينئذ تحت أحكام المضاف، و القول بأن نجاسة المضاف انما جائت من الإجماع، و هي في المقام مفقودة لا معنى له لما بينا في الأصول من صحة الاستصحاب في الحكم الحاصل من الإجماع، و ليس الإجماع إلا أحد الأدلة الكاشفة عن الحكم الواقعي، كما بين في محله، فلا حاجة الى تكلف الجواب بعدم انحصار دليل النجاسة في الإجماع، لوجود أخبار في المقام، فان فيه انه ليس هناك أخبار صالحة للدلالة في تمام المدعى من غير حاجة الى الإجماع، كما لا يخفى على من لاحظها، و لصاحب الذخيرة مناقشة واهية في المقام متضمنة لعدم جريان الاستصحاب ذكرناها في الأصول و أجبنا عنها.

و بما ذكرنا من الاستصحاب ينقطع أصالة الطهارة، فلا يقال ان الأصل في الأشياء الطهارة، ل

قوله (عليه السلام)(1): «كل شي ء طاهر حتى تعلم أنه قذر»

و لم نعرف الآن نجاسة لا في المطلق الذي انقلب مضافا، و لا في المضاف السابق، لأن المعلوم من نجاسته انما هو قبل ملاقاته للماء، و لا معنى لرده في الذخيرة بمنع أصالة الطهارة في كل شي ء، نعم الثابت من العموم انما هو عند الشك في عروض النجاسة لها، أو كونها أحد النجاسات لا عند الجهل بكونها نجسة شرعا أم لا، إذ هو كما ترى، بل أغرب من سابقه، بل قد عرفت فيما تقدم انه يمكن إثبات الطهارة بأصالة البراءة و الإباحة، لكون النجاسات تكليف، و ان كان لا يخلو من تأمل في غير الأكل و الشرب و نحوهما، و لقد طال بنا الكلام.


1- 1 المستدرك- الباب- 29- من أبواب النجاسات و الأواني- حديث 4.

ج 1، ص: 327

و كشف الحال في المسألة انا نقول الروايات خالية عن كيفية تطهر المضاف، فلم يبق لنا إلا إدخاله تحت القواعد الممهدة، و الظاهر أنه غير قابل للتطهر، لعدم ثبوت كيفية خاصة في تطهيره، و لا يمكن جريان ما وصل إلينا من المطهرات عليه حتى بالاستحالة بممازجة دون الكر من الماء مثلا بل و الاستهلاك به بناء على أن الاستحالة انما تفيد طهارة ما كانت النجاسة دائرة مدار اسمه، كالكلب و الخنزير و نحو ذلك، فإذا استحالت الى موضوع آخر لا يطلق عليه هذا الاسم اتجه الحكم بطهارتها، أما إذا كان لحوق وصف النجاسة ليس دائرا مدار الاسم بل مدار الذات، و هي بالاستحالة لم تذهب فلا تفيد استحالة المتنجسات طهارة، لما عرفت، بل و على غيره أيضا باعتبار كون الاستحالة و الاستهلاك في الفرض الى ما تنجس به من الماء و الاستهلاك به فأقصاه انقلابه الى ماء متنجس كما هو واضح، نعم لو فرض إمكان انقلابه الى الماء حقيقة بنفسه مثلا و قلنا ان الاستحالة تطهر النجس و المتنجس أمكن دعوى طهارته، لكن يظهر من بعضهم أنه لا يطهر إلا بالكثير، و لعله لعدم إمكان الفرض، أو عدم كون مثل هذا الانقلاب مطهرا، و القياس على الخمر المنقلبة خلا باطل، فتأمل جيدا. و على كل حال فالمضاف قابل لأن ينقلب الى جسم قابل للتطهر، فإذا انقلب مثلا إلى المائية و لو بامتزاجه بماء قليل، أو علاج آخر صار حاله حال الماء يطهره ما يطهره و حيث يمتزج به كثير لا يحكم بطهارة المضاف حتى يستهلكه المطلق، و يكون ماء مطلقا فيطهر حينئذ بالكثير، و ليس هذا تطهيرا للمضاف نفسه، كما هو واضح.

و الظاهر أنه لا حاجة الى ترتب زماني، بل أول زمان زوال مضافيته زمان طهارته، لكون السبب في الطهارة موجودا، و كان تأثيره موقوفا على زوال المانع، فعنده حينئذ تتم العلة، و ترتب المعلول عليها لا يحتاج الى زمان، لا يقال: حال الماء المضاف كحال الماء، فكيفية تطهيره كيفية تطهيره، لأنا نقول: هو مع أنه قياس فيه ان الفرق بينهما واضح من وجهين، الأول لأن الماء يمكن سريان الطهارة فيه باعتبار

ج 1، ص: 328

تطهير بعض الأجزاء، و هي تطهر غيرها و هكذا، و الثاني لأن الماء من جهة اتحاده و صيرورتهما ماء واحدا، و قالوا ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر و بعضه نجس، و كل من الوجهين لا يتأتى بالمضاف و لم أجد مخالفا فيما ذكرت إلا ما نقلناه عن العلامة (رحمه الله) و قد عرفت فساده بما لا مزيد عليه، هذا.

و قد وقع في الروضة كلام محتاج إلى التأمل التام، و ذلك لأنه بعد أن قال الشهيد في اللمعة: و طهره إذا صار مطلقا على الأصح، قال: و مقابله طهره بأغلبية الكثير المطلق عليه، و زوال أوصافه، و طهره بمطلق الاتصال به و ان بقي الاسم، و يدفعهما مع أصالة بقاء النجاسة أن المطهر لغير الماء شرطه وصوله الى كل جزء من النجس، و ما دام مضافا لا يتصور وصول الماء الى جميع أجزاءه النجسة، و إلا لما بقي كذلك، و سيأتي له تحقيق آخر في باب الأطعمة انتهى. و لا يكاد يفهم أنه كيف يدفع ما ذكره مقابلا أولا، نعم هو متجه على الثاني منهما ضرورة ان ما جعله أولا مقابلا هو قول الشيخ في المبسوط، كما نقله الشهيد في الذكرى، و الثاني أحد قولي العلامة، و ما ذكره في اللمعة هو القول الآخر له أيضا، و قد عرفت ان الشيخ يشترط بقاء الاسم، ذهاب أوصاف المضاف على وجه يزول اسم المضاف على ما سمعته مما حكاه عنه في الذكرى، و انه متى سلب المضاف إطلاق الاسم، أو غير أحد أوصافه لم يجز فكيف يتجه عليه الرد بذلك، نعم هو قد أخذ شرطا زائدا على ما جعله الأصح، و لعل منشأ وهمه (رحمه الله) غفلته عن أن الأغلبية تقضي بزوال الاسم، لكنها لا تقتضي زوال الأوصاف فلهذا اشترط زوالهما فتأمل هذا، و لا يبعد ان يكون مراد العلامة مما نقلناه عنه في القواعد و المنتهى انه إذا سلب المطلق الإطلاق بعد ان سلب المطلق المضاف عن الإضافة لا عن الأوصاف، لكن بعد ذلك قويت الصفات حتى غلبت المطلق، فان الظاهر حينئذ كما يقول من سلب الطهورية دون الطهارة، لحصولها سابقا، و ليس في عبارتيه ما ينافي

ج 1، ص: 329

ما ذكرنا، قال في القواعد: ما نصه « (فروع) لو نجس المضاف ثم امتزج بالمطلق الكثير فغير أحد أوصافه فالمطلق على طهارته، فان سلبه الإطلاق خرج عن كونه مطهرا لا طاهرا» فيراد بقوله فان سلبه الإطلاق أي بعد ان سلب المطلق المضاف الإضافة دون الأوصاف، و هو حق كما يقول: أو يراد بالضمير المستتر في سلبه انما هو التغير، أي فان سلبه التغير الباقي عن الإطلاق، و هذا انما يكون بعد السلب الأول فتأمل.

و قال أيضا في الفصل الرابع في تطهير المياه النجسة: «و المضاف بإلقاء كر دفعة و ان بقي التغير ما لم يسلبه الإطلاق، فيخرج عن الطهورية» و مراده بما لم يسلبه الإطلاق أي ما لم يسلبه التغير الباقي بعد سلب المطلق المضاف، فإنه يخرج حينئذ عن الطهورية دون الطهارة، لحصولها سابقا، و يكاد الناظر المتأمل يقطع بأن هذا مراده، فان ما ذكروه في غاية الاستبعاد بل لا يصلح ان يصدر من أطفال الشيعة، فضلا عن ان يصدر عن آية الله، المؤيد بتأييده المسدد بتسديده، رزقنا الله رشحة من رشحات فضله، و قال في المنتهى:

«فرعان بعد أن ذكر كيفية تطهر المضاف، (الأول) لو تغير الكثير بأحد أوصاف المضاف قال الشيخ نجس الكثير، و ليس بجيد، لنا الأصل الطهارة، و انفعال الكر بالنجس ليس انفعالا بالنجاسة، و المؤثر في التنجيس انما هو الثاني لا الأول (الثاني) لو سلبه المضاف إطلاق الاسم فالأقوى حصول الطهارة، و ارتفاع الطهورية» انتهى. و ليس في ذلك ظهور فيما ذكروا، و قد قال هو بنفسه سابقا في أول الكتاب بعد الفراغ عن البحث في الماء القليل: أما لو تغير الكثير بما نجاسته عارضية كالزعفران النجس و المسك النجس فإنه لا ينجس بذلك، لأن الملاقي يطهر بالماء، نعم لو سلبه إطلاق اسم الماء فإنه ينجسه و الحاصل الذي أظن و الله أعلم أن مراد العلامة بعد ان خالف الشيخ في ان تغير المطلق بأوصاف المضاف غير قادح، لعدم زوال الاسم بذلك، أراد ان ينبه على شي ء، و هو انه لو بقي هذا التغير حتى قوي فزال الإطلاق، و كان الضمير في عبارتي القواعد راجع الى التغير، فتأمل جيدا.

ج 1، ص: 330

فان قلت: ان ذلك ينبغي الجزم به، فلم قال الأقوى، قلت: هو- مع كونه في القواعد لم يقل ذلك، بل حكم به جازما من غير تردد، و انما ذكر ذلك في المنتهى- لعل وجهه احتمال القول بعدم بقاء الطهارة، لأن غلبة هذا التغير دليل على أن المطلق لم يكن غالبا سابقا، فلم تحصل طهارة و إن كان ضعيفا، فيكون بهذا التقرير لا مخالف بحمد الله، نعم الشيخ (رحمه الله) زاد اشتراط عدم تغير المطلق بأحد أوصاف المضاف، و قد عرفت ما فيه، بل عرفت أن عبارته غير صريحة في ذلك، بقي الكلام في اشتراط الدفعة و التدريج، و قد تقدم ان عبارة الشيخ في المبسوط ليس فيها ذلك، بل انما وقعت في عبارة العلامة (رحمه الله) في بعض كتبه، و بعض من تأخر عنه، و لعل المسألة مبنية على ما تقدم من اشتراطها في تطهير الماء النجس و عدمه، مع احتمال الفرق بينهما على بعد، و كمسألة الدفعة مسألة الإلقاء فتأمل جيدا.

و قد ظهر مما ذكرناه أنه لو مزج طاهره أي المضاف بالمطلق اعتبر في بقاء رفع الحدث به بل و الخبث بل و باقي ما يترتب على كونه ماء مطلقا من الأحكام إطلاق الاسم بعد الوقوف على حقيقة الحال كما تقدم تحقيق ذلك في المباحث السابقة.

[في كراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس]

و تكره الطهارة بماء أسخن بالشمس في آنية كما في المعتبر و النافع و القواعد و التحرير و الإرشاد و غيرها، بل في الذخيرة أنه مشهور بين الأصحاب، بل في الخلاف نقل الإجماع على كراهة الوضوء بالمسخن بالشمس ان قصد به ذلك، و في السرائر ان ما أسخنته الشمس بجعل جاعل له في إناء و تعمده لذلك فإنه مكروه في الطهارتين معا فحسب، و الأصل في المسألة

خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام)(1) قال: «دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) على عائشة و قد وضعت قمقمتها في الشمس، فقال: يا حميرا ما هذا؟ قالت: أغسل رأسي و جسدي، قال: لا تعودي، فإنه يورث البرص»

و في الوسائل انه رواه الصدوق في المقنع مرسلا، و رواه في العلل


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المضاف- حديث 1.

ج 1، ص: 331

و في عيون الأخبار عن أبيه عن سعد عن محمد بن عيسى، و في المعتبر بعد أن ذكر الرواية المتقدمة قال: و روى الجمهور عن عائشة انه قال لا تفعلي يا حميرا، قال و طعن الحنابلة في سند الحديث و لا عبرة بطعنهم بعد صحة السند من طريق أهل البيت (عليهم السلام) و لعله يريد بالصحة غير ما في لسان المتأخرين، و ما رواه

إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضأوا به، و لا تغتسلوا به، و لا تعجنوا به، فإنه يورث البرص»

و في الوسائل أنه روى الصدوق في العلل عن محمد بن الحسن عن الصفار عن إبراهيم ابن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مثله.

و على كل حال فلا يقدح قصور السند بعد الانجبار بما سمعت، و التسامح في المكروه، و الحكم بالصحة من مثل المحقق، و انما حمل النهي فيها على الكراهة، لما فيها من الضعف اصطلاحا، و الإجماع على عدم الحرمة، و الجمع بينهما و بين ما دل على نفي البأس عن الوضوء بالماء الذي يوضع في الشمس، كما في مرسلة محمد بن سنان (2)و ظهور التعليل في الكراهة، و الرواية الثانية و إن اشتملت على غير الآنية من الأنهار و المصانع و غيرها، كإطلاق بعضهم، لكن يعارضها الإجماع المنقول عن التذكرة و نهاية الأحكام على عدم الكراهة في غيرها، فيبقى غير ذلك داخلا فيها، نعم لا فرق حينئذ بين سائر الأواني، كما أنه لا فرق في ذلك بين سائر البلدان، فما احتمله في المنتهى من اختصاص الحكم بما يخاف منه المحذور، كالشمس في البلاد الحارة دون المعتدلة، أو فيما يشبه آنية الحديد و الرصاص دون الفضة و الذهب، لصفاء جوهرهما، لأن الشمس إذا أثرت فيهما أخرجت منهما زهوته تعلو الماء، و منها يتولد المحذور، و لأن تأثير الشمس في البلاد المعتدلة ضعيف، فلا يخاف من البرص مخالف للإطلاق السابق، بل دعواه اختصاص


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المضاف- حديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الماء المضاف- حديث- 3.

ج 1، ص: 332

الخوف بما ذكر دون غيره غير معلوم لنا، بل لعله لغير ذلك، هذا ان جعلنا ما في الرواية من البرص علة، و إلا فقد يكون حكمة، و ما سمعته من الإطلاق المنجبر بالشهرة مضافا الى التعليل بمخافة البرص، مع كون الكراهة من المتسامح فيها حجتنا على الشيخ (رحمه الله) و ابن إدريس المقيدين الحكم بما سمعته من القصد، لكن لعل الشيخ ذكره محافظة على متن الإجماع، و ما في الرواية الأولى من ظهور القصد لا ينافي ما في الرواية الثانية، و الأقوى شمول الحكم للوضوء و الغسل سواء كانت رافعة للحدث أولا، لصدق اسم الوضوء و الاغتسال على ذلك، بل و سائر الاستعمال مع المباشرة للبدن، للتعليل مع ترك الاستفصال من رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعائشة، و اشتمال الأخير على العجين به مع إلقاء الخصوصية و التسامح في المكروه، فما في كلام المصنف و غيره من تخصيص الحكم بالطهارة، و كلام ابن إدريس من تخصيص الحكم بالطهارتين فحسب، و ما عن الذكرى من تخصيص الحكم بالطهارة مع العجين لعل الأقوى خلافه، كما أن الظاهر أن إزالة الخبث من حيث كونه إزالة من غير مباشرة للبدن لا كراهة فيها و إن أطلق الاستعمال عن النهاية و المهذب و الجامع، لكن قد يريدوا المباشرة بالبدن و الظاهر بقاء الكراهة و ان زالت السخونة، و في المنتهى أنه الأقرب، و عن الذكرى القطع به، و لعله الظاهر من عبارة المصنف و نحوها للاستصحاب، و شمول قوله (صلى الله عليه و آله) الماء الذي تسخنه الشمس له، و عن بعضهم الاحتجاج عليه بعدم اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق، و فيه نظر، و المدار في التسخين و كون الشمس هي المسخنة العرف، و لا يندرج فيه ما لو سخنت الشمس آنية كانت فارغة، ثم وضع فينا ماء فاكتسب تسخينا لحرارة الآنية، و هل يشترط في الماء القلة أو لا؟ وجهان، بل قيل قولان، و الأقوى عدم الاشتراط، و ليس لفظ الآنية موجودا في الرواية حتى يتبادر منه القلة، و إن كان القول الآخر لا يخلو من قوة أيضا، لأن المتعارف تسخينه القليل، و ان لفظ الآنية و ان لم يكن في الرواية لكن الإجماع المتقدم على عدم الكراهة في غيرها كاف، هذا.

ج 1، ص: 333

و في الحدائق أن الظاهر ترتب الأثر على المداومة لا المرة و المرتين، و لعل قوله (صلى الله عليه و آله) لا تعودي من العود أو الاعتياد إيماء الى ذلك قلت: إن أراد بالأثر البرص و أراد عدم حصول الكراهة في المرة الواحدة و المرتين فما عرفت من كلام الأصحاب و إطلاق الرواية حجة عليه، و ما ذكره من الإيماء لا إيماء فيه، فان المراد منه لا تعودي إلى الفعل و كان ذلك من جهة عدم العلم سابقا، و المراد من قوله (صلى الله عليه و آله) أنه يورث البرص أنه قد يورث، و

ليس ذلك من الضرر المظنون أو الخوف العرفي و إلا لحرم، بل نقول به حيث يحصل ذلك، و البحث في المراد من الكراهة في المقام مذكور في الأصول، و قد أشبعنا البحث فيه في رسالة لنا في اقتضاء النهي الفساد، و الله الموفق.

[في كراهة تغسيل الأموات بماء أسخن بالنار]

و يكره بماء أسخن بالنار في غسل الأموات بلا خلاف أجده، بل في الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، إلا في برد لا يتمكن الغاسل من استعمال الماء البارد، أو يكون على بدنه نجاسة لا يقلعها إلا الماء الحار، كما في المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب حكاه في المنتهى، و يدل عليه مضافا الى ذلك

قول أبي جعفر (عليه السلام)(1)في صحيح زرارة: «لا يسخن الماء للميت، و لا يعجل له النار»

و

مرسلة عبد الله ابن المغيرة عنه و عن أبي عبد الله (عليهما السلام)(2)قال: «لا يقرب الميت ماء حميما»

و

قول الصادق (عليه السلام)(3)في خبر يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا:

«لا يسخن للميت الماء، لا تعجل له النار»

و

في الوسائل محمد بن علي بن الحسين (4)قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «لا يسخن الماء للميت»

و

روي حديث آخر(5)«إلا أن يكون شتاء باردا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك»

و في كشف اللثام و

روي عن الرضا (عليه السلام)(6)«و لا تسخن له ماء إلا أن يكون ماء باردا جدا فتوقي


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب غسل الميت- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب غسل الميت- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب غسل الميت- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب غسل الميت- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب غسل الميت- حديث 5.
6- 6 المستدرك- الباب- 10- من أبواب غسل الميت- حديث 1.

ج 1، ص: 334

الميت مما توقي منه نفسك»

و الظاهر أن مراده الفقه الرضوي، و حمل النهي للكراهة مع صحة السند في بعضها، لما عرفت من الإجماع من الشيخ على الكراهة، و في المدارك اتفاق الأصحاب على أنه غير محرم، و الظاهر أنه كذلك، فما في السرائر ان الماء الذي يسخن بالنار لا يكره استعماله في حال لا وجه له إن أراد حتى غسل الأموات، نعم هو في غير ذلك متجه، إذ لا كراهة

في الوضوء به و نحوه، بل في الخلاف أنه قال به جميع الفقهاء إلا مجاهد، فإنه كرهه، و في المنتهى لا بأس باستعماله، خلاف لمجاهد، بل يكره تغسيل الميت به، و ما في

صحيح محمد بن مسلم ذكر أبو عبد الله (عليه السلام)(1)«أنه اضطر اليه و هو مريض، فأتوه به مسخنا، فاغتسل و قال:

لا بد من الغسل»

لا دلالة فيه على الكراهة، إذ لعل المراد أنه اضطر الى الغسل.

و كيف كان فظاهر الأصحاب خصوص التسخين بالنار، إما لأنهم اكتفوا عن ذكر الكراهة بالمسخن بالشمس بما تقدم، لكن فيه أنه يقضي بكراهة الغسل للأموات في الشمس، و الظاهر خلافه لظهور ما تقدم من الأدلة في خلافه، مع التعليل بالبرص نعم قد يقال بالكراهة للمستعمل المباشر نفسه، كما ذكرنا سابقا فتأمل، أو من جهة ظهور روايات المقام في ذلك، لتبادره و لقوله لا تعجل له النار على وجه، أو لأن المقصود أن المسخن بالنار المكروه منه ذلك من غير تعرض لغيره، أما لو كان مسخنا بغيرها فالظاهر منهم عدم الكراهة، لكن قد يشكل بتناول بعض الروايات له، ك

قوله (ع)(2)«لا يقرب الميت ماء حميما»

و نحوه ثم الظاهر من قوله لا يقرب ماء حميما مع قوله في الآخر لا يعجل له النار عدم الفرق في ذلك بين الغسل و غيره من إزالة الوسخ و نحوه، و يرشد اليه استثناء الشيخ (رحمه الله) ما إذا كان على بدنه نجاسة لا يقلعها إلا الماء الحار، و مثله ما في المهذب من استثناء تليين الأعضاء و الأصابع، إلا أن يريد به الغسل للتليين، فما يظهر


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب غسل الميت- حديث 2.

ج 1، ص: 335

من المصنف و غيره من اختصاص الحكم بالغسل لا يخلو من تأمل، و أطلق المصنف هنا كما في النافع و الإرشاد، لكنه قال في المعتبر: قال الشيخان: و لو خشي الغاسل من البرد جاز، و هو حسن لأن فيه دفعا للضرر، و في القواعد إلا مع الحاجة، و قد عرفت ما استثناه الشيخ من إزالة النجاسة، و المهذب من تليين الأعضاء، و هو مناف لإطلاق الأخبار، و لعل مراد الشيخ (رحمه الله) بعدم الإمكان بالنسبة إلى إزالة النجاسة التعذر حقيقة، فإنه يتعين حينئذ قطعا، نعم إذا كان الماء باردا جدا قد سمعت ما عن أبي جعفر و عن الرضا (عليهما السلام) من قولهما إلا أن يكون شيئا باردا فتوقيه مما توقي نفسك و الذي يقوى في النظر انه متى توقف واجب على تسخين الماء كدفع ضرر أو إزالة نجاسة لا تنقلع إلا به أو نحو ذلك ارتفعت الكراهة قطعا، و بدونه فالكراهة باقية إلا إذا كان الماء باردا جدا فإنه و ان لم يخش الغاسل الضرر ينبغي أن يوقى الميت، ذلك مراعاة لحاله، و قد يستظهر من قوله (عليه السلام) فتوقيه مما توقي منه نفسك التعدية إلى أمور أخر، كملوحة الماء و كونه آجنا و غير ذلك و ينبغي الاقتصار على مقدار ما تندفع به شدة البرودة، و لو أمكن ارتفاعها بغير النار كوضعها في مكان حار كان أولى، و يكره الاستشفاء بالحماة، و هي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي توجد منها رائحة الكبريت، فإنها من فوج جهنم، للروايات (1)الدالة على ذلك، و قد صرح به ابن إدريس و هو المنقول عن ابن بابويه كما في المنتهى و المعتبر و ظاهرهما القول به أيضا، و لا يكره غير ذلك، كما صرح به ابن إدريس أيضا، لخصوص النهي في الاستشفاء، و التعليل بأنها من فوج جهنم لا يقتضيه، لعدم الدليل على الكبرى، نعم قد يقال بالكراهة فيها في خصوص غسل الأموات، لما ذكرنا سابقا، و لما فيها من التشأم لخصوص الميت، لكونها من فوج جهنم، و قد يكون قوله (عليه السلام) لا تعجل له النار مشعرا بذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الماء المضاف.

ج 1، ص: 336

[في حكم الغسالة]
اشاره

و الماء المستعمل في غسل الأخباث حكمية كانت أو عينية نجس سواء تغير بالنجاسة لونا أو طعما أو رائحة أو لم يتغير و هو ما انفصل بالعصر أو بنفسه من المتنجس بعد الصب عليه لتطهيره، كما في الروضة و كشف اللثام، و في المنتهى ما معناه هو المنفصل من غسالة النجاسة قبل طهارة المحل، أو ما تحصل الطهارة بعدها، قلت: ما المراد بالانفصال، هل هو كون الهواء ظرفا له، فلا يجري الكلام فيما لو جرى على المتنجس الى مكان آخر متصل به غير منفصل عنه كما في البدن، أو المراد به مطلق الانفصال عن المحل النجس و لو الى مكان آخر، فيجري البحث فيما لو تنجس أعلى البدن ثم صب عليه شي ء من الماء حتى جرى إلى أسفله و لم ينفصل عنه، ثم أنه على هذا التقدير فهل يحكم بنجاسة ما انتهى اليه الماء، أو كل ما جرى عليه و أيضا لو انفصل من الأسفل فهل يجري البحث في المكان الذي جرى عليه ماء الغسالة قبل أن ينفصل أولا؟ هذا و غيره كلامهم فيه غير منقح، و مقتضى ما ستسمع من أدلة القائلين بالنجاسة من كونه ماء قليلا لاقى نجاسة الحكم بنجاسة ذلك كله من غير فرق بين أن ينفصل منه شي ء أولا، و لا يخفى ما فيه من العسر و الحرج، و دعوى أن المراد بماء الغسالة هو المنفصل عن سائر ذلك العضو لا شاهد لها، مع اقتضاءها الطهارة في الجميع لو لم ينفصل، كما إذا غسل موضع النجس من البدن و جرى منه الى المكان الآخر من غير انفصال، أما في المحل النجس فلتحقق الغسل، و أما في غيره فلعدم النجاسة، لأن ما جرى إليه ليس ماء غسالة، و احتمال القول انه ان انفصل كان الغسلة المنفصل، و إلا كان ما انتهى اليه غسالة لم أعرف له شاهدا يقتضيه، كاحتمال القول ان المغسولات لها كيفيات في الغسل متعارف، فما جرى على المتعارف فماء غسالته المنفصل، أو ما انتهى اليه دون الباقي، و ما لم يكن كذلك جرى فيه ما تقدم، إذ هي احتمالات ليس في الشرع ما يشهد لها، و تأمل ذلك كله يشهد للقول بطهارة الغسالة.

ج 1، ص: 337

و كيف كان فالكلام يقع في المنفصل عن النجس المزيل لنجاسته أو كان بعض المزيل كما في متعدد الغسل، و لا كلام من أحد في النجاسة مع التغير، بل نقل عليها الإجماع جماعة، منهم المصنف في المعتبر و العلامة في المختلف و غيرهما، و الظاهر اختصاص الحكم بالتغير بالنجاسة، فلا يدخل في البحث ما لو تغيرت بالمتنجس، إلا على ما ذهب اليه الشيخ (رحمه الله) في نجاسة الكثير بذلك، و ظاهر الإطلاق مع الاقتصار على خروج المتغير حسب يقتضي عدم الفرق بين ما لو استصحب عين النجاسة أو لا، نعم لو وقعت في مكان و استقرت به و كان مع ذلك فيها عين نجاسة فالظاهر النجاسة، إلا من القائل بعدم نجاسة القليل، أما لو لم تكن كذلك بان كانت مثلا في الهواء، أو كان معها أجزاء من عين النجاسة، فأصاب إنسانا قطرة خالية عن عين النجاسة إلا أنها كانت مستصحبة لها، أو للمستصحب لها فالظاهر جريان النزاع فيها، و المسألة محتاجة إلى التأمل.

إذا عرفت هذا فنقول قد اختلفت كلمات أصحابنا رضوان الله عليهم على أقوال، (الأول) الحكم بالنجاسة مطلقا، من غير فرق بين المتنجسات إناء كانت أو غيره، و لا بين الغسلات في التعدد و الاتحاد، و هو الذي اختاره المصنف في سائر كتبه، و العلامة في المنتهى و القواعد و التحرير و المختلف و التذكرة و الشهيدان في اللمعة و الروضة، و يظهر من الكركي الميل اليه، بل هو المحكي أيضا عن الإصباح و الدروس و الألفية و ظاهر المقنع و غيرهم، بل في جامع المقاصد تارة أنه الأشهر بين المتأخرين، و أخرى العمل على المشهور بين المتأخرين، وقوفا مع الشهرة و الاحتياط، و عن حاشية الميسي نقل الشهرة عليه، و عن الروض أنه أشهر الأقوال، خصوصا بين المتأخرين.

(و قيل) بالطهارة مطلقا من غير فرق بين الغسلة الأولى و الثانية، و في الإناء و غيره، بل في اللوامع ان عليه المرتضى و جل الطبقة الأولى، و في جامع المقاصد الأشهر بين المتقدمين أنه غير رافع، كالمستعمل في الكبرى، و في الذكرى ان ابن حمزة و البصروي سويا بينه و بين رافع الأكبر، و عن المبسوط أنه قواه، و احتاط في الأول،

ج 1، ص: 338

و يظهر من المنتهى ان قول الشيخ في المبسوط انما هو في الغسلة التي تحصل الطهارة بعدها، و الظاهر أنه وهم، و في مفتاح الكرامة عن كشف الالتباس ان عليه فتوى شيوخ المذهب، كالسيد و الشيخ و بني إدريس و حمزة و أبي عقيل انتهى. و الذي عثرت عليه في السرائر قال: «و إن أصابه من الماء الذي يغسل به الإناء فإن كان من الغسلة الأولى يجب غسله، و ان كان من الغسلة الثانية أو الثالثة لا يجب غسله، و قال بعض أصحابنا:

لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية، و ما اخترناه هو المذهب» قال السيد المرتضى: في الناصريات قال الناصر: لا فرق بين ورود الماء على النجاسة و بين ورودها عليه، قال السيد: و هذه المسألة لا أعرف فيها أيضا لأصحابنا نصا و لا قولا صريحا، و الشافعي يفرق بين ورود الماء و ورودها عليه، فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء، و لا يعتبر في ورود الماء على النجاسة، و خالفه سائر الفقهاء في هذه المسألة، و يقوى في نفسي عاجلا الى أن يقع التأمل لذلك صحة ما ذهب إليه الشافعي، و الوجه فيه انا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك الى أن الثوب لا يطهر من النجاسة إلا بإيراد كر من الماء عليه، و ذلك يشق، فدل على ان الماء إذا ورد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و لا الكثرة، كما يعتبر فيما ترد النجاسة عليه، قال محمد بن إدريس (رحمه الله): «و ما قوي في نفس السيد صحيح مستمر على أصل المذهب، و فتاوى الأصحاب به «قلت: و الذي نقله عن الشافعي قد نقله العلامة في المنتهى في المقام عنه أيضا في أحد وجهي الشافعي، و لا ريب في ظهور كلام السيد في عدم نجاسة الغسالة، لكن في كشف اللثام انه يمكن أن يقول انه عند الانفصال ماء وردت عليه النجاسة، و فيه- مع أنه مخالف لما فهمه كثير من الأصحاب و للأولوية، فإنه إذا كان معه لا ينجس فإذا انفصل بطريق أولى، و للمنقول عن الشافعي من طهارة ماء الغسالة لمثل ما ذكره السيد (رحمه الله)- انه لا يصدق على المنفصل انه ماء وردت عليه النجاسة سيما في مثل النجاسة الحكمية، نعم الذي يظهر ان مرادهم بالورود انه يرد عليها و يذهب،

ج 1، ص: 339

لا انه يجتمع معها في مكان تستقر هي فيه، فإنه يصدق عليه حينئذ في الآن الثاني انه ماء قليل فيه نجاسة، فهو خارج عن النزاع، و بما عرفت يكون ابن إدريس أيضا موافقا، و حكمه في الإناء لا يكون مخالفا، إذ لعله لدليل، أو لأنه الغسلة الأولى تستقر النجاسة الحاصلة من الولوغ مع الماء، فتكون من قبيل ما ورد عليه النجاسة، سيما إذا كان بطريق التعفير، بخلاف الثانية و الثالثة، و لذلك جاء بكلام السيد شاهدا على ذلك، فتأمل جيدا.

(و قيل بالتفصيل) و هما قولان أيضا (الأول) التفصيل بان ماء الغسالة كالمحل بعدها، بمعنى أن ما كان فيه غسلة واحدة فماء الغسالة فيه طاهر، لكون المحل بعدها طاهر، كما هو الفرض، و ما كان الغسل فيه متعددا فماء الغسل الذي قبل الغسلة الأخيرة نجس و فيها طاهر، لكون ما بعد الأول نجس، بخلاف الأخير، و عن نهاية الأحكام أنه احتمله و نقله في مفتاح الكرامة عن أستاده الشريف، بل قد يظهر من المنتهى أن النزاع فيه، أي الغسل الأخير خاصة، (الثاني) ما يظهر من المنقول عن الشيخ في الخلاف، حيث انه حكم بطهارة غسالة إناء الولوغ من غير فرق بين الأولى و الثانية و الثالثة، و حكم بنجاسة ماء الغسالة الأولى في الثوب دون الثانية، و لا ينافي ذلك ما ينقل عنه أنه قال إذا صب الماء على الثوب النجس و ترك تحته إجانة يجتمع فيها ذلك الماء فإنه نجس، فإنه لعله يريد من جهة اجتماع مجموع الغسلتين، و على أحد الوجهين في كلام ابن إدريس يكون أيضا مفصلا، لكن بغير هذا التفصيل.

بل يمكن أن يكون هناك (قول آخر) و هو أن القائلين بالطهارة منهم من اشترط ورود الماء على النجاسة، و عن الشهيد في الذكرى أنه لا فرق بين ورود الماء على المتنجس و بالعكس، لكنك خبير بأنه ليس قولا مستقلا فيما نحن فيه، بل هو راجع الى أنه هل يشترط في المطهر ان يكون واردا أولا يشترط؟ فيكفي تحقق مطلق الغسل من غير فرق بين الورودين، و لا دخل له فيما نحن فيه، و احتمال القول بان المشترطين هنا

ج 1، ص: 340

الورود يقولون ان التطهر يحصل بما إذا لم يكن واردا، لكن الغسالة تكون حينئذ نجسة بخلاف الأول، فيؤول الأمر الى ان اشتراط الورود انما هو لتطهير الماء لا لتطهير الثوب ضعيف، لما عرفت أن الذي دعاهم إلى ذلك انما هو نجاسة الماء، فلا يفيد الثوب طهارة و لذلك قال في المدارك: ذكر جماعة من الأصحاب أن من قال بطهارة الغسالة اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة، و أيضا الشهيد في الذكرى لم يذهب إلى طهارة الغسالة، نعم قال: بعد أن اعترض على أدلة القول بالنجاسة فلم يبق دليل سوى الاحتياط، و لا ريب فيه.

نعم هناك (قول آخر) و هو الحكم بنجاسة ماء الغسالة و ان ترامت الغسلات، و طهر المحل، فيكون المحل طاهرا، و ما يجري عليه من الماء نجس، و عن بعضهم أنه نسبه الى المصنف و العلامة، و كأن الذي أو همه ما في المعتبر رادا على الخلاف من قوله:

و الحق نجاستهما أي الغسلتين طهر أم لم يطهر، و ما عن النهاية و ان يكون نجسا مطلقا انفصل من الغسلة المطهرة أو لم ينفصل، و لا ريب في عدم إرادتهما ذلك، بل مقصودهما عدم الفرق بين ماء الغسالة التي تحصل الطهارة بعدها و بين غيرها مما تقدمها، و يكون ذلك ردا على الشيخ، فتنتهي الأقوال في بادي النظر إلى ستة، القول بالنجاسة مطلقا الى ان يطهر المحل، و القول بها و لو بعد طهره، و القول بالطهارة مطلقا، و التفصيل بالورود و عدمه، و التفصيل بكون الغسلة مما يطهر المحل بعدها أولا، و التفصيل بين آنية الولوغ و غيرها، فلا ينجس شي ء من الغسالة في الآنية، و تنجس الأولى خاصة من غيرها دون الثانية، و على ما يحتمل في كلام ابن إدريس تكون سبعة، بل على وجه يمكن تحصيل ثامن، و هو ما ذهب إليه العلامة في المختلف من كون الغسالة طاهرة ما دامت في المحل، فإذا انفصلت صارت نجسة، بل يمكن تحصيل تاسع، و هو ما عن بعض القائلين بالطهارة من القول بالطهورية معها أيضا، بل في المدارك انه اختلف القائلون بالطهارة هل ذلك على سبيل العفو دون التطهير أو يكون باقيا على الطهورية أو يكون

ج 1، ص: 341

كرافع الأكبر؟ قال: بكل قائل، فعليه حينئذ تكون عشرة، و يأتي تحقيق القول في ذلك إن شاء الله.(1)و غاية ما يمكن ان يستدل به للقول بالنجاسة انه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس، و بما رواه (2)في

المعتبر و المنتهى و عن الخلاف عن العيص بن القاصم قال: سألته «عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء، فقال إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه»

و بالحكم في كثير من الأخبار(3)بإهراق الماء مع إصابة المتنجس له، و بما رواه

عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)(4)قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به و أشباهه»

و ربما يستدل له بالإجماع المدعى في التحرير، قال: «متى كان على بدن الجنب أو الحائض نجاسة عينية كان المستعمل نجسا إجماعا» و في المنتهى متى كان على جسد المجنب أو المغتسل من حيض و شبهه نجاسة عينية فالمستعمل إذا قل عن الكر نجس إجماعا، بل الحكم بالطهارة مع الخلو عن النجاسة العينية، و بالنهي (5)عن استعمال غسالة الحمام.

و الكل لا تخلو من نظر، أما الأول فقد أثبتوا كبراه بالمفهوم من

قوله (عليه السلام)(6)«إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء»

و فيه أنه لا دلالة فيه على نجاسة الماء القليل بكل شي ء، و على كل حال، و كأنهم يفهمون ذلك منه لما هو مركوز


1- 1 و أنت خبير بما في هذا التعداد لهذه الأقوال، لما عرفت أن الثاني ليس قولا لأحد، كما أن القول بالطهارة مع عدم اشتراط الورود الذي نسب للشهيد قد عرفت ما فيه، و غير ذلك فتأمل منه رحمه الله.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 13- مع اختلاف يسير.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 1 و 2 و 5 و 6.

ج 1، ص: 342

في أذهانهم من نجاسة الماء القليل، و إلا لو عرضت عليهم نظائر هذا التركيب لأنكروا على من فهم منها ذلك، فإذا قال القائل مثلا إذا جاءك زيد فلا تكرم أحدا أ ترى أنه يفهم منه أنه ان لم يجئك زيد فأكرم كل أحد كلا، ان مدعي ذلك مفتر، نعم يفهم أنه إن لم يجي ء زيد فليس هذا الحكم، و هو هنا مسلم، فإنه ان لم يكن الماء قدر كر فليس له هذا الحكم، و عدم هذا الحكم تارة يكون بالإيجاب الكلي، و أخرى بالجزئي، كما اعترف به الفاضل في نظير المقام، على أن تقدير المفهوم على حسب غيره في المقام يقتضي ان غير الكر ينجسه شي ء، و هو نكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم، لا يقال:

إنا نأخذ ذلك من الحكمة، فإنه إن لم يحمل على هذا المعنى لزم اللغو في كلام الحكيم، لأن الحمل على بعض دون بعض ترجيح من غير مرجح، و لا عهد، فوجب الحمل على العموم، و فيه- مع فساده في نفسه من وجوه مذكورة في محلها-

انه ان حكم بذلك فإنما يحكم به بعد العلم بأنه جاء الشارع بهذا الخطاب لإفادة ذلك، فإنه قد يكون حينئذ قرينة عقلية على ذلك، و دعوى حصوله في المقام ممنوعة، إذ لعله جي ء به لبيان عموم حكم المنطوق، كما يظهر من بعض

الأخبار(1)المتضمنة للسؤال «عن الماء الذي لا ينجسه شي ء فقال: كر»

و نحوها غيرها.

و لقد أجاد المقدس البغدادي في محصوله، حيث أنكر دلالة مثل الشرط الذي يراد العموم من منطوقه على المفهوم، كقوله

«متى تأته تعشو الى ضوء ناره حيث ما تراه تجده مشغولا»

و نحوهما، و إن كان هو في بعض المواضع لا يخلو من نظر، و مع ذلك فالشك كاف في المطلوب، و من هنا ظهر لك وجه ما وقع من بعضهم من منع كلية الكبرى في المقام، مع استدلالهم بالمفهوم على نجاسة الماء القليل، و ذلك لأنه لا كلام في كون هذه الأخبار دالة على التنجيس بغير التغير، فيستدل بها حينئذ على المنكر لذلك كابن أبي عقيل، و أما أن التنجيس بكل شي ء و على أي حال فلا دلالة فيها، و من هذه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 7.

ج 1، ص: 343

الجهة التجه لهم منع كلية الكبرى. نعم قد يقال أن المتتبع لكثير من الأخبار مضافا الى حكاية الإجماعات هناك على النجاسة يستفيد قاعدة، و هي ان ماء القليل ينجس بالملاقاة، لكن ذلك معارض بأنه أيضا يستفاد من تتبع الأخبار و كثير من الإجماعات في غير المقام قاعدة، هي أن المتنجس لا يطهر، بل مما دل على نجاسة القليل نفسه، لأن معناها لا ترفع حدثا و لا تزيل خبثا، مضافا الى ظهور كون الماء طهورا المراد به الطاهر في نفسه المطهر لغيره في طهارته حال مطهريته، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا. و دعوى أنه لم يعلم كونها شاملة لمثل المقام ليس بأولى من دعوى أنه لم يعلم شمول القاعدة الأولى له، على أن القاعدة لا يلاحظ دليلها الدال عليها في خصوص كل مورد، و إلا لم تكن لها ثمرة، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من منع شمول عدم تطهير المتنجس لمثل المقام انما المعلوم في المتنجس سابقا، لا فيما حصل التطهير به، لعدم حصول الإجماع في المقام ليس في محله، و ليس بأولى من تقريره أيضا في الماء القليل حرفا بحرف، بعد أن عرفت فساد دلالة المفهوم، و ربما يرشد الى عدم النجاسة بالورود ما في كشف اللثام في المطهرات في شرح قول العلامة ينبغي في الغسل الورود، فلو عكس نجس الماء، و لم يطهر المحل، قال بعد أن نسب اشتراط الورود للمرتضى و ابن إدريس: «و انما لا ينفعل مع الورود للحرج و الإجماع» انتهى، اللهم إلا ان يحمل منه ذلك على عدم نجاسة العالي بالسافل، و فيه بعد أو منع، أو على أن ماء الغسالة ما انفصل من المغسول دون ما كان فيه، و قد يقال أيضا: ان الماء المغسول به يتنجس بأول المباشرة، فهو بالنسبة الى الأجزاء الأخر متنجس سابق، فتأمل جيدا.

و لا ينافي ما ذكرنا من القاعدة خروج أحجار الاستنجاء، و إلا لنا في قاعدة القليل خروج ماء الاستنجاء و غيره، على أن التطهير بأحجار الاستنجاء انما هو يكون المراد بزوال العين بها نحو زوالها مثلا في الحيوان، و فرق واضح بينه و بين التطهير بالماء، و مما يرشد أيضا الى كون القاعدة محكمة في غاية الاحكام، بل هي في الحقيقة بعض

ج 1، ص: 344

لوازم نجاسة القليل، و الإجماعات عليها في غير المقام أكثر من أن تحصى، و تحصيلها من تتبع الأخبار واضح، ان مثل العلامة و غيره ممن أذعن لهم أهل هذا الفن بالتحقيق لم يجسر على إنكارها بعد أن أوردها دليلا للمرتضى، بل قال إنا نمنع الملازمة فنقول: بطهارة الماء في المحل، و نجاسته بعد الانفصال، و من هنا قال المحقق الثاني:

«إن فيه اعترافا بالعجز عن دفع ما استدل به من مكان قريب» و هو في غاية الجودة، فإن القول بنجاسة القليل الملاقي للنجاسة بعد مفارقتها لا يعقل وجهه، و التزام الطهارة حينئذ أولى و أولى.

إذا عرفت ذلك فالظاهر أن الترجيح لهذه القاعدة لوجوه إن لم نقل أنها أخص من قاعدة نجاسة الماء القليل، و إلا كانت محكمة عليها على حسب غيرها (منها) ما تقدم في صدر البحث. (و منها) عدم وجود أثر لها هاهنا فيما وصل إلينا من الأخبار بالخصوص مع عموم البلوى و البلية بها، و اشتمالها على كثير من فروعها الدقيقة، مثل القطرات و يد المباشر و نحوهما، و لذلك قال: في الذكرى و العجب خلو كلام أكثر القدماء عن الغسالة مع عموم البلوى بها. (و منها) تأيد هذه بأصل البراءة و أصل الإباحة و أصل الطهارة و استصحابها. (و منها) ما قد عرفت من ان ابن إدريس نسب ما قاله المرتضى الى الاستمرار على أصل المذهب و فتاوى الأصحاب. (و منها) أن هذه القاعدة لم يعثر على تخلفها بالنسبة إلى المياه أبدا، بخلاف الأولى، فإنه قد تخلفت في بعض هو محل وفاق، كالاستنجاء و ماء المطر و الجاري، و آخر محل خلاف، كالحمام و نحوه. (و منها) أن قاعدة (المتنجس ينجس) القاضي بتنجيس القليل به في المقام استنباطية، و لم يعلم شمولها لمثل المقام، مع تخلفها عندهم هنا، فان الماء عندهم نجس، و لا ينجس الثوب مثلا به، فان كان لم يعلم شمول القاعدة لمثل المقام فلا يعلم شمول قاعدة أن المتنجس ينجس للمقام حتى ينجس الماء بالثوب. (و منها) عسر التحرز عنها في كثير

ج 1، ص: 345

من المقامات بالنسبة إلى جريانها الى غير محل النجاسة، و بالنسبة إلى مقدار التقاطر و مقدار المتخلف و نحو ذلك، و القول بان مدار ذلك على العرف لا أثر له في الأدلة الشرعية، و لو تأمل الناظر في عمل القائلين بالنجاسة و كيفية عدم تحرزهم عنها لقطع بان عملهم مخالف لما يفتون به، بل لو اتفق ان بعض الناس صب على فمه و بقي يهز رأسه لقطع ماء الغسالة المتخلف في شعر شاربه و لحيته و منخره لعدوه من المجانين، بل من المخالفين لشريعة سيد المرسلين، بل هؤلاء الحاكمون بالنجاسة لا ينتظرون شيئا من ذلك، و يبقى يتقاطر على ثيابهم، بل لعل المتخلف الذي يتساقط عليهم أكثر من الذي انفصل بمراتب شتى. (و منها) ما

ورد(1)«عن الثوب يصيبه البول فينفذ الى الجانب الآخر، و عن الفرو و ما فيه من الحشو، قال: اغسل ما أصاب منه، و مس الجانب الآخر، فان أصبت شيئا منه فاغسله، و إلا فانضحه».

(و منها) انه من المستبعد جدا أنه ماء واحد المنفصل منه نجس، و الثاني طاهر من غير دليل يقتضيه، بل قيل أنه غير معقول.

(و منها) أنها مؤيدة بأخبار الاستنجاء(2)فإنه لم يظهر من شي ء منها ان ذلك لخصوصية في الاستنجاء، بل

في بعضها(3)«أ و تدري لم صار لا بأس به، قلت:

لا و الله، فقال: إن الماء أكثر من القذر»

و

في بعضها(4)«أستنجي ثم يقع ثوبي فيه و أنا جنب، فقال: لا بأس به».

(و منها) رواية الذنوب (5)الى غير ذلك من رواية عبد الله بن سنان (6)و غيره، و من صحيح (7)ابن مسلم الوارد في غسل الثوب


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النجاسات- حديث 2 مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف- حديث 4.
5- 5 سنن البيهقي- ج 2 ص 428.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 13.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النجاسات- حديث 1.

ج 1، ص: 346

في المركن مرتين، و تسمعه في آخر المبحث إن شاء الله، و تعرف انه لا يتم إلا على القول بطهارة الغسالة، كما اعترف به في الذخيرة، ضرورة أن المراد بالمركن الإناء الذي يغسل به الثياب، و بناء على نجاسة الغسالة لا ريب في نجاسة الثوب بالإناء المباشر بماء الغسالة، بل و بما يخرج من الثوب بالغمز و نحوه، بل و بغير ذلك مما لا يمكن الالتزام به بناء على نجاسة الغسالة، بخلاف القول بالطهارة، فلاحظ و تأمل. (و منها) رواية الصب (1)في بول الصبي. (و منها) ان ارتفاع النجاسة عن هذا الماء من غير رافع لها غير معقول إلا بدليل، و الإطلاقات لا تقتضيه، إذ قد تكون مبنية على الظهارة، و الحاصل انه مناف لكثير من القواعد الشرعية، كالتطهير بالمتنجس، و اختلاف أجزاء الماء طهارة و نجاسة، و حصول الطهارة للنجس بغير مطهر، و غير ذلك.

و ربما أيد القول بالنجاسة- مقابل تأييد الطهارة بما عرفت- بما دل على تعدد الغسل (2)و إهراق الغسلة الأولى من الظروف (3)و فيه أنه لا إشعار بذلك في شي ء منهما، فان تعدد الغسل ليس لإخراج الغسالة و لا الإهراق، بل هو للتعبد، و الإهراق انما هو ليغسل مرة أخرى، و لذلك لا نوجب التعدد في كل نجاسة حكمية كانت أو عينية، و إلا فالثاني أيضا ماء غسالة، و هكذا و هو لا معنى له، نعم قد يؤيد القول بالنجاسة بما ورد من وجوب العصر، فإنه يستبعد ان يكون للتعبد، بل الظاهر منه انما هو لإخراج الغسالة، لكن فيه أيضا أنه قد يكون لإخراج عين النجاسة لا الغسالة، و قد يكون لدخوله في مفهوم الغسل، و يأتيك تحقيق القول فيه إن شاء الله.

و ربما أيد بالاحتياط، و فيه أن الاحتياط تارة يكون فيه، و أخرى بالطهارة، لا يقال: ان النجاسة مؤيدة بفتوى المشهور، و هي أرجح من جميع ما ذكرت من المؤيدات، لأنا نقول: لم تثبت شهرة على الإطلاق، بل هي بين المتأخرين،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النجاسات- حديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات و غير ذلك من أبوابها.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات و غير ذلك من أبوابها.

ج 1، ص: 347

بل قد عرفت ان المنقول عن أكثر المتقدمين خلافه، و مع ذلك فهي معروفة المستند، و لا أقل من تصادم جميع ما ذكرنا، و يبقى أصل الطهارة و استصحاب طهارة الملاقي و غيرهما سالما، و لذا اعترف في الذكرى بأنه لم يبق دليل سوى الاحتياط، كالمحقق الثاني حيث قال: و العمل على المشهور بين المتأخرين، وقوفا مع الشهرة و الاحتياط، هذا.

و أنت خبير ان قضية ما ذكرنا من القاعدة تخصيص الطهارة بالغسلة التي يحصل الطهارة للمحل بها، لأنها هي المورثة للمحل طهارة، فلا تكون نجسة و أما ما تقدمها حيث تكون لا تفيد المحل طهارة فلا تجري فيها القاعدة، فيكون من قال: بالطهارة مطلقا بل طهارة مطلق الوارد و إن كان في غير مقام التطهير لهذه القاعدة غير متجه، لعدم اقتضاءها ذلك، فتكون أخص من الدعوى، بل يظهر من المنتهى ان محل النزاع فيما ذكرنا من الغسلة التي تحصل طهارة المحل بها، فيمكن حينئذ إرجاع كلام الشيخ في الخلاف على ما نقل عنه من نجاسة الغسالة الأولى دون الثانية اليه، و لعل وجه من قال بطهارة الجميع أنه الذي أفاد طهارة المحل لا الأخير فقط، كما يظهر من استدلال الشيخ المنقول عنه في الخلاف للحكم بطهارة غسالة إناء الولوغ من غير فرق بين الأولى و الثانية و الثالثة مضافا الى ما ذكرنا من أصل الطهارة، و تسمع إن شاء الله تمام الكلام.

(و أما الدليل الثاني) و هو رواية العيص (1)فهي- مع كونها مضمرة و مقطوعة، و رواية المعتبر له مع حكمه بضعفها لا تورثها شيئا، و أما رواية المنتهى لها فمن المقطوع انه تبع بها الشيخ، و كون الشيخ يروي عن العيص في بعض كتبه بطريق حسن لا يقضي بروايته عنه في غيره كذلك، و احتمال أنه أخذها من كتابه مع كونه معتمدا عنده بطريق معتبر

معارض باحتمال عدمه، مع احتمال إرادة الوضوء ما كان متعارفا من أحوال بعض المرضى انه يؤتى له بطشت فيبول فيه و يتغوط و يستنجي فيه، فقد يكون إنما أمره


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 14.

ج 1، ص: 348

لذلك- غير دالة على تمام المدعى حتى تنافي ما ستسمعه مما نختاره إن شاء الله، بل قد تكون شاهدا لنا.

(و أما الثالث) فلأن القائل بالطهارة يشترط ورود المطهر، بل و القائل بالنجاسة، نعم يظهر من الشهيد في الذكرى خلاف ذلك، و لعله يقول حينئذ بنجاسة الغسالة و إن ظهر منه الميل إلى الطهارة هنا، لكن يخص ذلك بورود المطهر لا العكس، فيحكم حينئذ بطهارة الأجمع، و نجاسة الماء للأمر بالإهراق، و التحقيق أن الورود شرط كما يأتي إن شاء الله، على أن هذه الأخبار محتملة لأن يكون أصابها عين القذر من غير تحقق للغسل، و أما إجماع المنتهى و التحرير فلا يدلان على تمام المطلوب، بل هما خاصان بالنجاسة العينية، و هما غير منافيين لما ستسمعه من المختار، و أما رواية عبد الله بن سنان فهي إن لم يكن فيها إشعار بالعدم فلا دلالة فيها على الدعوى، و أما النهي عن غسالة الحمام ففيه- مع معارضته ببعض الأخبار المتضمنة لنفي البأس- ان كثيرا منها نهت عن الاغتسال فيها معللة ذلك بأنه اغتسال الجنب و الناصب و ولد الزنا و اليهودي و النصراني و نحو ذلك، بل قد يشعر من عدم ذكر التعليل في شي ء منها بغسل النجاسات بعكس الدعوى، و قد بان لك من جميع ما ذكرنا حجة القول بالطهارة مطلقا، و حجة القول بطهارة الغسلة الأخيرة التي تحصل طهارة المحل بعدها، و المنقول عن الشيخ من التفصيل بطهارة غسالة إناء الولوغ، لما ذكرنا من أدلة الطهارة، و نجاسة الأولى من غسالة الثوب، لخبر العيص و نحوه من أدلة النجاسة، و طهارة الثانية للأصل، فتأمل.

و الأقوى في النظر الحكم بطهارة الغسالة مطلقا، من غير فرق بين الأولى و الثانية نعم يشترط أن لا يكون الغسلة التي فيها زوال عين النجاسة، بناء على عدم مدخليتها بالتطهر حتى يلتزم بطهارتها، لما سمعته من القاعدة المنجبرة بما عرفت. لا يقال: ان مقتضى ما ذكرت من القاعدة أن تخص الطهارة بالأخيرة فقط، لأنها هي التي حصلت الطهارة بها، لأن الظاهر ان كل جزء منها سبب و الطهارة تحصل بالمجموع، و ما يقال:

ج 1، ص: 349

ان النجاسة إن كانت عينية ثم غسلتها مرة واحدة فإن الظاهر الطهارة، مع ان مقتضى التقييد السابق العدم يدفعه إمكان دعوى عدم حصول الطهارة حتى تزال العين و يتعقبه غسل و لو بالاستمرار، فحينئذ المطهر الغسل المتعقب و ذاك الذي نلتزم بطهارته، و لعله لذا جعل المنتهى محل النزاع الغسلة التي يحصل طهارة المحل بعدها دون غسلة الإزالة، بل لعل إجماع التحرير و المنتهى المتقدم شاهد على ذلك، كما يومي تقييدهما محله بالنجاسة العينية بل ربما يحمل خبر العيص على ذلك أيضا، بل لعل كلام ابن إدريس المتقدم في مسألة الولوغ يرجع إليه أيضا، بل و كلام الشيخ في الخلاف في تطهير الثياب.

فحاصل الكلام بناء على ذلك ان الغسل الذي يفيد المحل طهارة انما هو المتأخر عن إزالة النجاسة و لو بالاستمرار، فالملتزم طهارته فقط، لأن التطهير انما حصل به، دون الغسل الذي أزال العين، فإنه لا مدخلية له فيه و لذلك لا يتوقف زوال العين عليه، بل يحصل بالبصاق و المضاف و نحوهما، فلو فرض حينئذ غسل أي إجراء واحد من غير تعقب لآخر لا باستمرار و لا بغيره و كانت النجاسة عينية فالظاهر انا لا نلتزم بطهارة المحل، بل نقول ببقاء النجاسة إلى حصول غسل آخر و لو باستمرار الصب، نعم لو قلنا بالاجتزاء بما ذكرت لكان لا بد من الالتزام بطهارة ذلك، مع أنه لا بأس بالتزامه إذا فرض استهلاكه لعين النجاسة، بل و إن لم يستهلك نحو ماء الاستنجاء، بل الظاهر لزومه لكن من قال: بطهارة الغسالة. لا يقال: انه قد ينفصل الماء متغيرا بلون النجاسة و مع ذا تحقق اسم الغسل به، و التزام طهارته هنا حينئذ خرق للإجماع فطهر المحل حينئذ مع نجاسة غسالته، لأنا نقول: نمنع حصول طهارة المحل بذلك، بل لا بد من تحقق غسل آخر بعده بغيره و لو بالاستمرار، نعم لو فرض تغيره بعد تحقق مسمى الغسل به كان لا بأس بالتزام نجاسته، و طهارة المحل به قبل التغير، فتأمل جيدا فإنه دقيق، و يأتي له في غسل النجاسات تتمة إن شاء الله تعالى.

فان قلت: لم لم نلتزم بما التزم العلامة من الحكم بالطهارة ما دام في المحل فإذا انفصل

ج 1، ص: 350

نجس، قلت: هو مع كونه منافيا للاستصحاب مستلزم لتخلف المعلوم عن العلة، و وجوده بدونها، و ذلك لأنه عند حصول سبب النجاسة و هي الملاقاة للمتنجس لا ينجس، و عند عدمها ينجس، و دعوى أن الملاقاة الأولى تؤثر تنجيسا في الحال و الاستمرار ارتفع الأثر في الحال لمانع، فيبقى الباقي لا يخفى ما فيها من السخافة، كاحتمال أن ماء الغسالة لا يظهر أثر نجاسته إلا إذا انفصل، فما دام غير منفصل ليس بنجس، فيكون حاله كحال ما في البواطن أما أولا فلأن الشي ء تلاحظ طهارته و نجاسته بالنسبة إلى نفسه، و إلا لجرى ما قال في المباشر للثوب النجس من الماء المضاف و نحوه، و أما ثانيا فلأن من جملة آثار نجاسته عدم حصول التطهير به للمغسول، و حصوله على تقدير الطهارة عند من ذهب الى ذلك، بل مما يمكن أن يلزم به القائلون بالنجاسة أن الأخبار قد دلت على حصول الطهارة بمجرد حصول الغسل المتحقق قبل حصول الانقطاع، فان كان هذه الأوامر أفادت طهارة المتخلف فلتفد الطهارة قبل تحقق الانقطاع، لتحقق مسمى الغسل القاضي بطهارة المغسول الذي يلزمه عندهم طهارة ما معه، فتأمل. و أظنك تكتف بما ذكرنا بالنسبة الى هذه المسألة، و الله أعلم بحقيقة الحال، و انظر الى ما قيل و لا تنظر الى من قال، و طريق الاحتياط غير خفي.

ثم ان هناك نزاعين آخرين أحدهما بين القائلين بالطهارة، و الآخر بين القائلين بالنجاسة، (أما الأول) فقال في المدارك: «اختلف القائلون بعدم نجاسة الغسالة في أن ذلك هل هو على سبيل العفو بمعنى الطهارة دون الطهورية، أو تكون باقية على ما كانت عليه من الطهورية، أو يكون حكمها حكم رافع الحدث الأكبر؟ فقال بكل قائل، و المراد بالآخر أنه رافع للخبث دون الحدث» انتهى. و كيف كان فالأقوى في النظر عدم جواز رفع الحدث به، لما رواه عبد الله بن سنان، و للإجماع في المعتبر و المنتهى، و يلحق به المبيح و إن لم يرفع حدثا، و أما رفع الخبث فقد اعترف به بعض القائلين بالطهارة، لعدم ما يدل على خلافه، إذ ما عرفت من الإجماع انما هو على رفع الحدث

ج 1، ص: 351

به، بل قد يؤيده الاستصحاب، لكن الأقوى في النظر العدم، لاستصحاب بقاء الخبث، و ما عساه يظهر من

رواية عمار(1)الواردة في كيفية تطهير الإناء و الكوز «كيف يغسل، و كم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه، ثم يفرغ منه، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه، ثم يفرغ ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه، ثم يفرغ منه و قد طهر»

فإن أمره (عليه السلام) بإفراغه، و صب ماء آخر فيه غيره يشعر أنه لا يزيل خبثا، و إلا لأمكن غسل الإناء ثلاث مرات بذلك، بل من غير إهراقه، و يتحقق الفصل بين الغسلات بالسكون بينها يسيرا، و لا ينجس بالسكون، لأن الغرض الطهارة، بل قد يدعى أن الأوامر بصب الماء و نحوه لا تشمل الماء المستعمل في إزالة الأخباث، كما أنه قد يقال ان ذلك نوع جمع بين القاعدتين المتقدمتين، بل قد يقال: ان القول برفع الخبث به دون الحدث خرق للإجماع المركب، و مثل هذا النزاع يجري على القول بالنجاسة أيضا في المتخلف من الماء في الثوب و البدن، ضرورة جريان الاحتمالات الثلاثة، فيه، لكن لعل المتجه على مذهبهم القول بأنه طاهر لا يرفع حدثا و لا خبثا، و ذلك لأن القاعدة تقضي بتنجيسه، لكن لمكان العسر و الحرج و المشقة التزم بالطهارة، مضافا الى الأدلة الحاكمة بها بعد الغسل، فاللازم الاقتصار على مقدار ما تندفع به الضرورة، و هو الطهارة دون المطهرية، و منه يظهر لك كل من وجهي الاحتمالين الآخرين.

(و أما النزاع الثاني) و هو على تقدير القول بالنجاسة فهل هي كالمحل قبل الغسل، أو قبلها أو يكفي فيها مطلق الغسل؟ وجوه بل أقوال، فعلى الأول يجب التعدد فيما وجب فيه ذلك و لو كان من الأخيرة، و على الثاني تنقص كلما تنقص، و على الثالث يكفي المرة الواحدة، و لعل وجه الأول أنه نجاسة لم يعرف لها مقدار من الشرع، فالاستصحاب ثابت، و لا نتيقن الطهارة إلا بذلك، و احتمال الزيادة نقطع بعدمه،


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات- حديث 1.

ج 1، ص: 352

لأنها لا تزيد على الأصل، و لأنها اشتملت على النجاسة التي في المحل، فلا يزيلها إلا ما يزيلها، و الثاني انه لا ريب بضعف نجاسة المحل في الثانية و الثالثة، و معنى ضعف النجاسة عدم تعدد الغسل، و أيضا نجاسة المحل بعد الغسل الأول تنتقل الى مثل النجاسة التي وجب بها غسل واحد، و الفرع لا يزيد على الأصل و الثالث أصالة البراءة، و إطلاق ما دل على غسل النجس، و خبر العيص، فإنه أمره بالغسل، و هو للطبيعة مع ترك الاستفصال، و اشتماله على متعدد

الغسل، و في الروضة «ان الثاني انما يتم فيما يغسل مرتين لا لخصوص النجاسة، أما المخصوص كالولوغ فلا لأن الغسالة لا تسمى ولوغا، و من ثم لو وقع لعابه في الإناء بغير الولوغ لم يوجب حكمه» انتهى. و منه ينقدح الاعتراض على الأول، لا يقال: عليه أن الغسل المتعدد في سائر النجاسات معلق على اسم غير حاصل بالغسالة، كالبول و نحوه لأنا نقول: الظاهر بقرينة مثاله أن مراده أن تعدد الغسل في الولوغ لمعنى ليس موجودا في الغسالة، إذ ليس هو اللعاب الموجود فيها، و انما هو حكم شرعي لمجرد الولوغ، و هو غير حاصل في الغسالة بخلاف البول و غيره، فان فيه عينية، فيتبعها الغسالة.

و الحاصل يرجع كلامه الى أن الغسالة لمجرد تعبد شرعي، لا لوجود عين نجاسة تختص بالاسم الذي تعبد به الشارع، دون النجاسة العينية فإنها و إن زالت العين لكن الحكم مستند إليها بخلاف الولوغ، فإنه ليس راجعا لمعين، لما عرفت من أن تعدد الغسل ليس للعاب، و يحتمل أن يريد بقوله انما يتم الى آخره ان ذلك يتم على مذهب من يقول بوجوب الغسل مرتين في كل نجاسة، لا لخصوص نجاسة، و لا يخفى ما فيه من البعد، و بما وجهنا به الدليل الأول تعرف دفع ما عساه يورد عليه أن الغسالة لم تكن داخلة تحت اسم ما ورد التعدد فيه، لما عرفت أنه لم يأخذه من ذلك، بل مما قدمناه فلا يتجه عليه ما ذكر نعم الظاهر انه إن كان المستند في النجاسة انما هو خبر العيص عندهم فالمتجه الأخير،

ج 1، ص: 353

و إلا كان الأول قويا و إن كان الثاني أقوى في النظر، و من هنا تعرف عدم اعتمادهم على خبر العيص، فإنه لم ينقل الاكتفاء بالمرة إلا عن صاحب المعالم، و نقل أنه نقله عن بعض المعاصرين، نعم في مفتاح الكرامة أنه قواه الأستاذ، و إلا فعن الروض ان الشهيد في جميع كتبه و من تأخر على الثاني، و لم ينقل الأول إلا عن العلامة في نهاية الأحكام و ظاهر القواعد و الإرشاد، مع أنه لم يظهر لي الاستظهار المذكور، فلاحظ و تأمل هذا. و في المنتهى إذا غسل الثوب من البول في إجانة بأن يصب عليه الماء فسد الماء، و خرج من الثانية طاهرا اتحدت الآنية أو تعددت، و احتج لذلك بوجهين، أحدهما انه قد حصل الامتثال بغسله مرتين، و إلا لم يدل الأمر على الاجزاء، الثاني ما رواه الشيخ (رحمه الله) في

الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)قال: سألته «عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله مرتين في المركن، فان غسلته في ماء جار فمرة»

و في الذخيرة «أنه قد يستشكل الحكم بطهارة الثوب مع الحكم بفساد الماء المجتمع تحته في الإجانة، سيما بعد حكمه بنجاسة الماء بانفصاله عن المحل المغسول، فان الماء بعد انفصاله عن المحل المغسول يلاقيه في الآنية، فيلزم تنجيسه، و قد يتكلف في حله بان المراد بالانفصال خروجه عن الثوب و الإناء المغسول فيه، تنزيلا للاتصال الحاصل باعتبار الإناء منزلة ما يكون في نفس المغسول، للحديث المذكور، ثم قال:

و لا يخفى أن بناء هذا الخبر على طهارة الغسالة أولى من ارتكاب هذا التكليف، فان ذلك انما يصح إذا ثبت دليل واضح على نجاسة الغسالة، و قد عرفت انتفاءه» قلت: هو في غاية الجودة.

و لا فرق بناء على نجاسة الغسالة بين سائر الغسالات

[في استثناء حكم ماء الاستنجاء عن حكم الغسالة]

عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر لا ينجس ما يلاقيه إجماعا تحصيلا و منقولا نصا و ظاهرا على لسان جملة من علمائنا،


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب النجاسات- حديث 1.

ج 1، ص: 354

و نصوصا معتبرة مستفيضة، (منها)

حسنة الأحول (1)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، فقال: لا بأس»

و

عن علل الصدوق (2)أنه روى عن أبيه يسند إلى الأحول فيه إرسال، أنه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: «الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به، فقال: لا بأس، فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به، قال: قلت: لا و الله، فقال: إن الماء أكثر من القذر»

(و منها)

خبر محمد بن النعمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3)قال: قلت له: «أستنجي ثم يقع ثوبي فيه و أنا جنب، فقال: لا بأس»

(و منها)

خبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (4)قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجس ذلك ثوبه؟

فقال: لا»

و ما في سند البعض منجبر بما سمعت، و التعدية لغير الثوب بالتنقيح للإجماع ان لم نقل أنه يفهم ذلك من مثله، أو ان هذه النصوص مؤكدة لما نقول من طهارة الغسالة، خصوصا بعد عدم الإيماء في شي ء منها إلى اختصاص هذا الفرد بالخروج من قاعدة نجاسة القليل، بل فيها الإيماء إلى خلافه، كالتعليل المزبور الجاري في أكثر أفراد الغسالة الذي مرجعه الى أن ماء الغسل أكثر من القذر، و الفرض طهارته، لأنه ماء غسالة، فإذا وقع الثوب فيه لم يعلم المصاحبة بشي ء من أجزاء القذر.

و كيف كان فربما ظهر من الذكرى و غيرها وقوع الخلاف في أنه على سبيل العفو أو هو طاهر؟ قال: «و في المعتبر ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة انما هو بالعفو، و تظهر الثمرة في استعماله، و لعله أقرب. لتيقن البراءة بغيره» و لعله عثر على غير ما عندنا و عند صاحب المدارك و الحدائق من نسخ المعتبر، أو عثر عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الماء المضاف- حديث 5.

ج 1، ص: 355

في مقام آخر، و إلا فالموجود فيما عندنا و أما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين، و قال علم الهدى في المصباح: «لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب و البدن» و كلامه صريح في العفو، و ليس بصريح في الطهارة، و يدل على الطهارة ما رواه الأحول، ثم قال بعد نقلها: و لأن في التفصي عنه عسرا، فيسوغ العفو دفعا للعسر، و لا يخفى على المتأمل في أول كلامه أنه قائل بالطهارة، و لعل تعليله الأخير مبني على ان أصل الطهارة فيه دفعا للعسر، و كثيرا

ما يقع منهم الاستدلال بهذه العبارة لهذا المعنى، لكن قد يكون الشهيد فهم ذلك لهذا التعليل، أو لأن المحقق فهم من عبارة المرتضى المتقدمة العفوية حتى قال ما سمعت، و عبارة الروايات مثلها، لنفي البأس في حسنة الأحول، و عدم التنجيس في رواية عبد الكريم بن عتبة فلعل مراده بقوله و يدل على الطهارة ما يشمل العفو، فتأمل جيدا.

و كيف كان فالظاهر وجود الخلاف في ذلك و ان كان في استظهاره من عبارة المرتضى اشكال، بل يظهر من المنتهى على وجه كصريح الشهيد و ظاهر جماعة العفو، و صريح آخرين الطهارة، و قد عرفت مما تقدم من الذكرى أنه على تقدير العفو لا يسوغ استعماله، بخلاف الثاني، و لعله الظاهر من العفو، فلا يدخل تحت ما دل على اشتراط الطهارة فيه، بل أقصاه أنه عفي عن حكم النجاسة بالنسبة للتنجس و نحوه، لا عن أصل النجاسة حتى يلزمه الطهارة، فلا يجوز التطهر به حينئذ من حدث أو خبث، و احتمال أن يراد بالعفو أنه طاهر غير مطهر، فيجوز استعماله على تقدير العفو في كل ما اشترطت الطهارة فيه، كالأغسال المسنونة و نحوها، نعم لا يجوز رفع الحدث و الخبث خاصة، بل تنحصر فائدة الخلاف في رفع الخبث، للإجماع المنقول على عدم جواز رفع الحدث به في غاية الضعف، لعدم ظهوره من كلام القائلين بالعفو، فما ناقش به المحقق الثاني الشهيد غير متوجه، قال: «اللازم أحد الأمرين، إما عدم إطلاق المعفو عنه، أو القول بطهارته، لأنه إن جاز مباشرته من كل الوجوه لزم الثاني، لأنه إذا

ج 1، ص: 356

باشره بيده ثم باشر به ماء قليلا و لم يمنع من الوضوء به كان طاهرا لا محالة، و إلا وجب المنع من مباشرته نحو ماء الوضوء إذا كان قليلا، فلا يكون العفو مطلقا، و هو خلاف ما يظهر من الخبر و كلام الأصحاب» و فيه أنه لا مانع من تفسير العفو بأنه لا ينقض طهارة ما كانت طهارته سابقه، فيجوز الوضوء بالماء المباشر باليد التي باشرته، و لا يقضي ذلك بكونه طاهرا مزيلا للحدث رافعا للخبث، فان كون المتنجس لا ينجس متصور لا يرده عقل بعد مجي ء الشرع به، و الحاصل أن معنى العفو يرجع الى أنه نجس عفى الشارع عن بعض أحكامه، و بقيت الأحكام الأخر، و ليس في العقل و لا في الشرع ما يرد ذلك، نعم لو خالط بعضه ماء قليلا أمكن عدم جواز الوضوء به، لا للتنجيس، بل لعدم اليقين بتحقق الغسل من غيره، فان حصل قلنا به، كما انا ان قلنا بتحقق الاستهلاك في مثله صح الوضوء به أيضا، و ان كان لا يخلو من إشكال، لعدم ثبوت استهلاك القليل مثله، مع احتمال القول به، كما يظهر من بعض (1)أخبار المستعمل في غسل الجنابة ان قلنا بعدم جواز رفع الحدث به، فإن أراد بجواز مباشرته من كل وجه هذا المعنى قلنا به، و إلا فلا، و قوله ان ذلك ينافيه كلام الأصحاب و الأخبار واضح المنع، كوضوح الفرق بين ما عفى الشارع عن أصل النجاسة فيه و بين عفو الشارع عن التنجيس به و نحوه، و الأدلة إنما يستفاد منها الثاني، و مع ذلك كله فالأقوى خلاف ما ذكر الشهيد و ان كان هو مقتضى الجمع بناء على نجاسة الغسالة بين ما دل على نجاسة القليل و بين نفي البأس و نحوه عما لاقى ماء الاستنجاء، و لا ينافيه الاستدلال بالعسر و الحرج و نحوهما لارتفاع ذلك بالعفو بالمعنى المتقدم، لكن ظاهر نفي البأس و عدم التنجيس الطهارة، كما في غير المقام، بل هو الظاهر أيضا من إطلاق لفظ الطاهر في كلام كثير من الأصحاب، بل لعله معقد بعض الإجماعات الصريحة أو الظاهرة، و لذلك قال في المدارك بعد أن ذكر القولين: الأظهر الأول، لأنه المستفاد من الأخبار،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف.

ج 1، ص: 357

و نقل عليه الإجماع، و بذلك يخص ما دل على نجاسة القليل، لكن قد سمعت الإجماع سابقا في ماء الغسالة من المصنف و العلامة أنه لا يجوز رفع الحدث بما يزال به النجاسة، و يدخل فيه ذلك على إشكال، فتنحصر الفائدة في غيره من رفع الخبث و الأغسال المسنونة و وضوء الجنب و الحائض و نحوها، فما في المدارك من انحصار فائدة الخلاف في الأول لا يخلو من نظر، و قد يستظهر من إطلاق النص و الفتوى كما صرح به بعض عدم الفرق بين المخرجين، و لا بين الطبيعي و غيره إذا كان معتادا، و لا بين المتعدي و غيره ما لم يتجاوز بحيث يخرج عن مسمى الاستنجاء، و ما يقال من عدم شمول لفظ الاستنجاء لما يغسل به من البول ممنوع، كما تقضي به بعض الأخبار في غير المقام، مع أن الغالب في الاستنجاء من الغائط أن يكون معه استنجاء من البول، و قل ما ينفك عنه، فترك التعرض له في الأخبار مشعر بالمساواة في الحكم نعم يختص الحكم المذكور بما لم يتغير بالنجاسة على المشهور، بل عن بعضهم الظاهر انه إجماعي، لما دل (1)

على نجاسة الماء بالتغير، و ليس ماء الاستنجاء أعظم من الكر و الجاري، بل ليس لنا ماء لا يفسد بالتغير، و لذلك رجحت تلك الأدلة و ان كان بينهما عموم من وجه، و ربما ألحق بعضهم بالتغير زيادة الوزن، بل في سائر الغسالات، و لعل المراد به وزنه قبل الاستنجاء به و بعده، فان كان زائدا بعد الاستنجاء فهو نجس، و هو- مع ما فيه من الحرج، و كونه غير منضبط- مناف لإطلاق الأدلة، أو تلاقيه نجاسة من خارج لظهور الأدلة في أنه لا بأس به من حيث خصوص هذه الإزالة، كما يقضي بذلك ما اشتملت عليه من السؤال و الجواب غير مستقل حتى يتمسك بعمومه أو إطلاقه، لكن هذا في النجاسة الخارجة، كالأرض النجسة و نحوها، أما لو استصحب نجاسة داخلة غير الغائط من دم و نحوه، أو متنجسا كبعض ما يخرج مع الغائط مما ليس منه مع تنجيس المقعدة بذلك ففيه وجهان، من غلبة ذلك مع


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الماء المطلق.

ج 1، ص: 358

عدم الاستفصال عنه، و من الاقتصار على المتيقن، و منع الغلبة في الأمزجة الصحيحة، و لعله الأقوى، و من ذلك ما لو تنجس أحد المخرجين ببعض الأشياء الطاهرة لو كانت من داخل، كالوذي الخارج بعد البول و بعض الرطوبات الخارجة من المعدة من مخرج الغائط بعد خروجه، و لو تعدى ما يخرج منهما عن المحل مع اتصاله بما في المحل فهل يرتفع الحكم أصلا، أو يكون الذي يرفع ما على المحل داخلا في الحكم و غيره خارجا؟ الظاهر الثاني إن كان الرافع لما على المحل مستقلا، لدخوله في اسم الاستنجاء مع عدم سريان النجاسة، و ربما اشترط بعضهم زيادة على الشرطين السابقين خلو ماء الاستنجاء عن أجزاء النجاسة المتمايزة، و لعله لذلك نقل عن الشيخ في الخلاف أنه فصل بين الغسلتين في الاستنجاء، فحكم بنجاسة الأولى دون الثانية، و للجمع بين هذه الأخبار و بين خبر العيص المتقدم، و فيه أنه لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا مع غلبة ذلك في الاستنجاء، كالمنقول عن بعضهم من اشتراط سبق الماء اليد، فلو سبقت اليد تنجست، و كانت كالنجاسة الخارجة، نعم الظاهر أنه يعفى عن نجاسة اليد من حيث كونها آلة للغسل، و إلا فلو تنجست بما في المحل لغرض آخر كانت في معنى النجاسة الخارجة، و لو تنجست يده بإرادة الغسل ثم أعرض عنه لحدوث إيجاب له لا يبعد اللحوق بماء الاستنجاء، و في المقام فروع لا تخفى على المتأمل، و منها و غيرها يمكن استفادة قوة ما ذكرناه من كون ماء الاستنجاء أحد أفراد ماء الغسالة، فيكون أخباره مؤكدة لذلك، لا أنه مختص بالاستثناء منها كي يتجه الاقتصار فيه على المتيقن، فيشكل الحال في جملة من الفروع على وجه ينافي حكمه الطهارة من الحرج و نحوه، فلاحظ و تأمل لعل الله يهديك للصواب و الله العالم.

[في حكم المستعمل في رفع الحدث الأصغر]

و الماء المستعمل في الوضوء طاهر و مطهر إجماعا محصلا و منقولا نصا و ظاهرا و سنة عموما و خصوصا، من غير فرق بين المبيح و الرافع، و لا بين ما يستعمل منه في الغسل و المضمضة و الاستنشاق و غيرها بشرط

ج 1، ص: 359

بقاء المائية، و عن أبي حنيفة الحكم بنجاسته نجاسة، مغلظة حتى لو كان في الثوب منه أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة به، و عن أبي يوسف أنه نجاسة مخففة، فيجوز الصلاة بما تقدم، و كلام أبي حنيفة هو الأقوى بالنسبة إليهما، و ذكر الشهيد في الذكرى «أنه يستحب التنزه عن المستعمل في الوضوء، قاله المفيد، و لا فرق بين الرجل و المرأة، و النهي عن فضل وضوءها لم يثبت» انتهى. و لعله لمكان كونه مستحبا يمكن أن يكون كما ذكر، و إلا فلم نعثر على ما يقضي بذلك، فتأمل.

[في حكم المستعمل في رفع الحدث الأكبر]

و ما استعمل في رفع الحدث الأكبر حقيقة أو حكما كغسل الاستحاضة طاهر إجماعا بقسميه، و سنة عموما و خصوصا، و المراد به الماء المنفصل من بدن المحدث عند الاغتسال بالماء القليل، بل لعل الظاهر المراد به المنفصل عن تمام بدنه، و إلا فلو وقع من عضو الى عضو آخر مثل الرأس و الجسد مثلا لا يكون بذلك مستعملا، كما أن الظاهر انه إذا لم يستهلك بالماء الغير المستعمل، و ل

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(1)في خبر الفضيل بن يسار «في الرجل الجنب يغتسل فينضح من الماء في الإناء: لا بأس، (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)»

و في

خبر شهاب بن عبد ربه (2)«في الجنب يغتسل، فيقطر الماء من جسده في الإناء فينتضح الماء من الأرض، فيصير في الإناء، انه لا بأس بهذا كله»

و من هنا نقل عن الصدوق انه مع منعه من استعمال المستعمل قال: «و ان اغتسل الجنب فنزا الماء، فوقع من الأرض في الإناء، أو سال من بدنه في الإناء، فلا بأس» و عن الشيخ (رحمه الله) أنه ذكر أكثر الروايات الدالة على ذلك و لم يتعرض لردها و لا تأويلها، مع أنها مخالفة لمذهبه، فعلم خروج مثل ذلك، و لا معنى للقول بأنه ليس من المستعمل، بل هو منه قطعا، و القول باختصاص المستعمل بالمنفصل بعد تمام الغسل فيكون المنفصل من غسل العضو غير مستعمل حتى يحصل التمام في غاية


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 6.

ج 1، ص: 360

الضعف، كالقول باختصاص المستعمل بما يغسل به الجزء الأخير، لأنه هو الذي يرتفع به الحدث، بل عليه ترتفع فائدة النزاع حينئذ، و على ما ذكرنا فلو نزا بعد الانفصال على البدن لا يجوز أن يكتفى بالغسل به، بناء على عدم جواز رفع الحدث به، و دعوى ظهور الروايتين بمقتضى التعليل في خروج ذلك عن المستعمل ممنوعة، و عدم اجتناب ما في الإناء لا يقتضيه، إذ لعله للاستهلاك، و عدم ثبوت استهلاك القليل لمثله يدفعه أن مدار الاستهلاك على عدم صدق الاسم، و لا ريب أنه لا يصدق حينئذ عليه أنه ماء استعمل في غسل جنابة، على أنه لو سلم عدم ثبوت الاستهلاك في مثله فالمتجه العمل بمضمون الأخبار فيه و إن لم يثبت كونه استهلاكا، لكن قد يقال:

حينئذ أنه ليس بأولى من أن يستدل بهذه الأخبار على جواز استعمال المستعمل، لا أنه خارج عن محل النزاع كما ذكر، إلا أنه لا يخلو الاستدلال حينئذ عن نظر، كما أشار إليه كاشف اللثام.

و كيف كان فبناء على ما تقدم لو ارتمس الجنب في ماء قليل و حصلت منه النية بعد اشتمال الماء على تمام بدنه صح غسله، و يكون مستعملا بالنسبة إلى غيره بعد خروجه قطعا، و لو ارتمس جنبان كذلك ارتفع حدثهما، و كان مستعملا بالنسبة إلى غيرهما، و لو اشتبه التقدم و التأخر فلا يبعد القول بصحة غسل كل واحد منهما في حقه، للأصل، و لو تقدم أحدهما بالنية و ارتفع حدثه فهل يكون مستعملا حينه أو لا بد من الخروج و الانفصال؟ الظاهر الأول، و لو نوى المرتمس قبل كمال الانغماس فالظاهر أنه لا يكون مستعملا بمجرد الملاقاة، بل يتوقف على رفع حدثه، أما لو اغتسل في وسطه ترتيبا فالظاهر عدم ارتفاع حدثه إلا إذا حصل الاستهلاك للمتساقط، أو قطع بحصول الغسل بغير المستعمل، فتأمل جيدا.

و على ما ذكرنا من كون المستعمل خاصا بالمنفصل لو بقيت لمعة لم يصبها الماء جاز

ج 1، ص: 361

صرف البلل من العضو الآخر إليها، لما تقدم من أنه لا يكون مستعملا إلا بعد الانفصال عن تمام البدن، و في المنتهى الذي ينبغي على مذهب الشيخ عدم الجواز في الجنابة، فإنه لم يشترط في المستعمل الانفصال، قلت: و ما نقله عنه في غاية الاجمال، بل في بعض الوجوه يكون في نهاية الاشكال، و الظاهر اختصاص الحكم بالمستعمل في الغسل الصحيح دون الفاسد، لعدم رفع الحدث به، كما إذا كان في المكان المغصوب و نحوه، و لو غسل بعض الأعضاء ثم أعرض عن ذلك أو أفسده بتخلل حدث أكبر أو أصغر ان قلنا به فهل يلحقه حكم الاستعمال أولا؟ وجهان، أقواهما الثاني، لأن شرط صحته و تأثيره تعقبه بغسل الباقي، و لم يحصل، و قد علم مما تقدم ان فضلة الغسل لا تدخل في المستعمل، فلذلك جاز أن يغتسل الرجل بفضل غسل المرأة و بالعكس، كما

روي (1)«أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) اغتسل مع عائشة في إناء واحد»

ثم لا فرق في الحدث بين الجنابة و لو من زنا و غيرها، كما هو الظاهر ممن حرر النزاع، حيث لم يخص المسألة، فما وقع في بعض العبارات من باب التمثيل، نعم الظاهر قصر النزاع على من حكم بحدثه شرعا، فما يغتسل به للاحتياط الغير اللازم غير داخل، بل و اللازم، كما لو تيقن الجنابة و الاغتسال و لم يعلم السابق منهما فإنه يجب عليه الغسل في كل مشروط به، إذ الظاهر أنه لا يكفي عند القائلين بالمنع احتمال كونه مستعملا، بل هو من قبيل المانع مع احتماله، فيكون كأصل المائية.

و كيف كان فهل يرفع الحدث به ثانيا أصغر كان أو أكبر فيه تردد ينشأ من الأصل و العموم و صدق اسم الماء، و لأن الطهور ما يتكرر منه الطهارة، و من

خبر عبد الله بن سنان (2)«الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به من الجنابة


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأسئار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الماء المضاف- حديث 13 مع اختلاف يسير.

ج 1، ص: 362

لا يتوضأ به و أشباهه»

و ما يشعر به

خبر ابن مسكان (1)قال: حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل، و ليس معه إناء، و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء، كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، و كفا من خلفه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، ثم يغتسل»

و المحقق رواه من كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم عن محمد بن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و عن ابن إدريس أنه نقله في آخر السرائر من كتاب نوادر البزنطي عن عبد الكريم عن محمد بن ميسر، و غيره من الأخبار الآمرة(2)بنضح أربع أكف خلفه و أمامه و يمينه و شماله، فإنه حكي في سبب ذلك قولان، (أحدهما) أن المراد منها رش الأرض لتجتمع أجزاءها، فلا ينحدر ما ينفصل من بدنه إلى الماء، (و ثانيهما) أن المراد به بل جسده قبل الاغتسال ليتعجل قبل ان ينحدر ما ينفصل منه و يعود الى الماء، و على كل منهما فالإشعار متجه، و من النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام (3)المعللة لذلك باغتسال الجنب و غيره، و

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر محمد بن مسلم (4)قال: سألته «عن ماء الحمام فقال:

ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر، إلا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله، فلا يدرى فيه جنب أم لا»

لا أقل من استفادة الشك، فيبقى استصحاب الحدث سالما، و لأن ما شك في شرطيته فهو شرط على وجه.

و الأقوى في النظر الأول، وفاقا للسرائر و القواعد و المنتهى و التحرير و المختلف و الذكرى و المدارك و غيرها و المنقول عن السيد و سلار و ابني زهرة و سعيد، و خلافا لما عن الشيخين و الصدوقين و ابني حمزة و البراج، بل في الخلاف أن المستعمل في غسل


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الماء المطلق- حديث 5.

ج 1، ص: 363

الجنابة أكثر أصحابنا، قالوا: لا يجوز استعماله في رفع الحدث، للأصل و العمومات و الإطلاقات من الكتاب و السنة، و ما تشعر به الروايات المتقدمة في أول البحث على وجه، المؤيدة بفتوى كثير من أصحابنا، بل ظاهر غير واحد منهم أو صريحه الإجماع عليه في باب التيمم عند البحث على استعمال التراب المستعمل، مع عدم دليل صالح للخروج، لضعف رواية عبد الله بن سنان غاية الضعف، مع أن في صدرها

«لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل»

مع أنها موافقة للعامة، و ما ذكره الشيخ (رحمه الله) من كونه مذهب الأكثر مع انا لم نتحققه لا يصلح لان يكون جابرا، سيما بعد إعراض كثير من المتأخرين عنها و جملة من القدماء.

و أما خبر ابن مسكان فلا دلالة فيه على المنع، كباقي الأخبار المتضمنة لذلك، مع ظهور بعضها في عدم البأس ان لم يفعل، بل فيه و إن كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل و يرجع الماء فيه، فان ذلك يجزيه، و في بعضها الأمر بالنضح عن اليمين و عن اليسار و بين اليدين للوضوء، مع أنك قد عرفت الإجماع على عدم المنع من الماء المستعمل فيه، مضافا الى اشتمال بعضها على بعض الأحكام الغير المنطبقة على القواعد، مع أن دعوى الحكمة فيها ما ذكر من القولين لا يخلو من نظر، و إن أطال في بيان ذلك في الحدائق، بل ابن إدريس أفسد الأول، و قال انه شي ء لا يلتفت إليه، لأنه إذا تندت الأرض كان نزول الماء أسرع، فمن هنا قد يقال: بدلالتها على المطلوب، كما استدل ببعضها في المختلف، لما فيها من الاشعار به، بل لا يخفى على الناظر فيها أن المراد منها الاستحباب كما استظهره جماعة.

و أما أخبار النهي عن غسالة الحمام فهي- مع تضمن كثير منها التعليل بغسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم و ولد الزنا و الزاني و الجنب من الحرام، و مع أن في بعضها ضعفا، و لذلك قال: في المنتهى أنه لم يصل إلينا غير حديثين ضعيفين يدلان على ذلك، و أوردهما، مع أن في الثاني منهما التعليل بغسالة

ج 1، ص: 364

ولد الزنا، بل لاشتمالها على التعليل به ذهب بعضهم الى نجاستها، بل في بعضها إشعار بالكراهة، كما في

خبر علي بن جعفر (عليه السلام)(1)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: «من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه، فقلت لأبي الحسن (عليه السلام): ان أهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين، فقال: كذبوا، يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل من خلق ثم يكون فيه شفاء من العين»

- لا تنهض على تخصيص تلك الأدلة كما هو واضح، (و أما خبر ابن مسلم) فلا دلالة فيه على ما نحن فيه، على أنه قد اشتمل على غير معلوم الحال، و دلالته في المفهوم، و هي لا تقتضي الأمر، فظهر حينئذ من ذلك كله أنه لا شك، مع أن التحقيق عدم شرطية ما شك في شرطيته، على أن الغسل ليس من المجملات، بل هو مما وصل إلينا فيه البيان، و عن الشيخ في الاستبصار أنه حمل بعض أدلة الجواز على الضرورة، لظهور بعضها فيه، و لم ينقله كثير منهم مذهبا، و لعله لكون ذلك منه في مثل هذا الكتاب لا يقضي به، و ظاهر المصنف كما صرح به بعضهم ان النزاع في رفع الحدث به دون الخبث، لكن عبارة الذكرى قد تعطي الخلاف في ذلك.

و كيف كان فالظاهر الجواز، كما في السرائر و المعتبر و المنتهى، بل فيه الإجماع على جواز رفع الخبث بالمستعمل في الجنابة، كما عن فخر المحققين، و هو الحجة مع الأصل و العمومات، و ظهور ما ذكر من الأدلة في غيره، بل الظاهر جواز باقي الاستعمالات به من الأغسال المسنونة و غيرها، لما تقدم و إن كان بعض الأدلة المتقدمة شاملة لذلك، و لكن الظاهر من كلام الأصحاب قصر النزاع في رفع الحدث، أو هو مع رفع الخبث، و أما باقي الاستعمالات فلا، كما أن الظاهر منهم كما صرح به بعضهم أن النزاع فيما يرفع به الحدث، أما الأغسال المسنونة و نحوها فلا كلام في كونها طاهرة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الماء المضاف- حديث 2.

ج 1، ص: 365

مطهرة، بل في الحدائق نفى جملة من المتأخرين الخلاف فيها نعم نقل عن ظاهر المفيد في المقنعة استحباب التنزه عنها، و لعله لرواية علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدمة على وجه، لشمول الاغتسال فيها للواجب و المندوب، بل قد يدعى شمولها للماء القليل و الكثير، لكن لم نعثر على قائل به، إذ الظاهر أن النزاع مخصوص في المستعمل إذا كان قليلا، أما لو كان كثيرا فلا، بل قد يظهر من بعضهم أن المستعمل متى بلغ كرا ارتفع المنع منه، و كأن وجهه

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «متى بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا»

و قد مضى الكلام فيه و الأحوط المنع غالبا، و إلا فقد يكون الاحتياط في عدم المنع.

[الطرف الثالث في الأسئار]

الطرف الثالث في الأسئار و كأن جعله قسيما للمطلق و المضاف لاختصاصه ببعض الأحكام، كالمنع من سؤر مالا يؤكل لحمه و نحوه و إن كان لا يخلو من نظر، و الأمر سهل، و الأسئار جمع سؤر، و المراد به لغة الفضلة و البقية كما عن القاموس، أو البقية بعد الشرب، كما عن الجوهري، و يقرب منه ما نقله في الحدائق عن مجمع البحرين عن المغرب مع زيادة، ثم أستعير لبقية الطعام، و مثله أيضا ما عن المجمع عن الأزهري، و عن الفيومي في المصباح المنيران السؤر بالهمزة من الفأرة و غيرها كالريق من الإنسان، و في كشف اللثام أنه في اللغة البقية من كل شي ء، أو ما يبقيه المتناول من الطعام و الشراب، أو من الماء خاصة، و على كل حال فالقلة مفهومة أيضا، فلا يقال: على ما يبقى في النهر أو البئر أو الحياض الكبار إذا شرب منها، و في المعتبر أنه بقية المشروب، و أنت خبير أن ما ذكره الفيومي إما أن يكون معنى آخر، أو أنه في الأصل لذلك، أو أن تسمية بقية المشروب سؤرا لما يمازجه من الريق بسبب الشرب، و عن مجمع البحرين بعد أن نقل عن النهاية


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الماء المطلق- حديث 6.

ج 1، ص: 366

أن سائر مهموز، و معناه الباقي، لأنه اسم فاعل من السؤر، و هو ما يبقى بعد الشرب، و هذا مما يغلط فيه الناس، فيضعونه موضع الجميع، قال: و قد يقال: في تعريفه ما يباشره جسم حيوان، و بمعناه رواية و لعله اصطلاح، و عليه حملت الأسئار، كسؤر اليهودي و النصراني و غيرهما.

و كيف كان فكلام أهل اللغة لا يخلو من إجمال، و إن كان الأظهر أنه بقية المشروب، بل مطلق المستعمل في الفم، إلا أن الذي ينبغي البحث عنه هنا عدة أمور بتنقيحها يتم المطلوب، (الأول) المبحوث عنه هنا من جهة الطهارة و الكراهة و غيرهما انما هو مطلق المباشرة لجسم الحيوان بالفم و بغيره، و به صرح في السرائر و الذكرى و هو المنقول عن المهذب للقاضي و الروض و المسالك و غيرها، و عن المقنعة «ان أسآر الكفار هو ما فضل في الأواني مما شربوا منه، أو توضؤوا به، أو مسوه بأيديهم و أجسادهم». (الثاني) ان ذلك مخصوص بالماء أو مطلق المائع، صرح جملة منهم بالأول، و صرح ابن إدريس بالثاني، و كأن وجه الأول الكلام في المياه، و وجه الثاني تعميم الحكم من جهة الطهارة و النجاسة و غيرهما للجميع، و لعله لذا جعله المصنف قسيما للمطلق و المضاف. (الثالث) اشتراط القلة في الماء، كما صرح به جماعة، أي كونه أنقص من كر دون سائر المائعات، بناء على دخولها تحت المبحث. (الرابع) هل أن ذلك معنى شرعي تحمل خطابات السنة عليه في غير المقام، أو أنه اصطلاح من المصنفين في خصوص المقام؟ مقتضى تعريف جمع له بأنه شرعا ماء قليل باشره جسم حيوان الأول، و الأظهر العدم، و قد يحمل قولهم شرعا أي في لسان المتشرعة في خصوص المقام، نعم يظهر من بعضهم ان السؤر هذا معناه، لأنه بعد أن ذكر تقسيم الأسئار بالنسبة للطهارة و النجاسة، و ما فيه الشفاء و عدمه قال: «و السؤر عبارة عما شرب منه الحيوان أو باشره بجسمه من المياه و سائر المائعات» و هو في غاية الإشكال ان أريد به ان لفظ السؤر في أي مكان ورد يحمل على هذا المعنى، لما عرفت أنه ليس في اللغة ما يقتضيه،

ج 1، ص: 367

و لا في العرف العام، و إثبات الحقيقة الشرعية بعيد، نعم لا يبعد في النظر التعميم في كلمات أصحابنا التي هي قرينة على روايات المقام لمطلق المباشرة لجسم الحيوان، مع احتمال التخصيص بالماء.

و ربما يرشد اليه

خبر العيص بن القاسم حيث قال (عليه السلام)(1): «لا تتوضأ من سؤر الحائض، و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة، ثم تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يغتسل هو و عائشة في إناء واحد»

الى آخره و أما في غير المقام فالاقتصار على المباشرة بالفهم هو الأظهر، لما سمعت من كلام أهل اللغة، بل قد يظهر من بعض الأخبار(2)عدم اختصاصه بالماء و لا بالمائع كالمروي

عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام)(3)«ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى عن أكل سؤر الفأر»

و

صحيح زرارة(4)عنه (عليه السلام) أيضا «ان في كتاب علي (عليه السلام) ان الهر سبع و لا بأس بسؤره، و اني لأستحي من الله أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه»

لكن في المدارك و عن المعالم ان الأظهر في تعريفه في خصوص المقام و ان المبحوث عنه فيه ماء قليل باشره فم الحيوان، بل اعترض في الأول على التعريف بمطلق المباشرة لجسم حيوان بأنه مخالف لنص أهل اللغة و العرف العام، بل و الخاص، كما يظهر لمن تتبع الأخبار و كلام الأصحاب و ذكر بعضهم أحكام غير السؤر في المقام استطرادا، و كون الغرض بيان الطهارة و النجاسة لا يقتضي هذا التعميم، لأن حكم ما عدا السؤر يستفاد من مباحث النجاسات، و أيضا الوجه الذي لأجله جعل السؤر قسيما للمطلق مع كونه قسما منه انما هو وقوع


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الأسئار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- حديث 2 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- حديث 2.

ج 1، ص: 368

الخلاف في نجاسة بعضه من طاهر العين و كراهة بعض آخر، و ليس في كلام القائلين بذلك دلالة على اعتبار مطلق المباشرة، بل كلامهم و دليلهم كالصريح في أن مرادهم بالسؤر المعنى الذي ذكرناه خاصة، و فيه نظر من وجوه يظهر من التأمل في كلامنا السابق و كلامهم فتأمل.

و هي كلها طاهرة عدا سؤر النجس منها، و هو الكلب و الخنزير و الكافر، و في نجاسة سؤر المسوخ تردد للتردد في نجاستها، و الطهارة فيها عينا و سؤرا أظهر و من عدا الخوارج و الغلاة من أصناف المسلمين طاهر الجسد و السؤر و التأمل في كلام المصنف يرشد إلى أمرين، (الأول) ان كل ما ثبت نجاسته شرعا فسؤره إن كان فيما ينفعل بالنجاسة نجس، و دليلها- مضافا الى ما يقرب الى القطع به من ملاحظة الأخبار- الإجماع محصلا و منقولا، نعم ربما وقع الخلاف في نجاسة ذي السؤر كالمسوخ و ولد الزنا و المجبرة و المجسمة، بل غير المؤمن و المستضعف و اليهود و النصارى، و يأتي تحقيق القول في ذلك كله ان شاء الله في النجاسات. (الثاني) ان كل ما ثبت طهارته شرعا فسؤره طاهر، و هو المشهور، بل عليه عامة من تأخر، بل عن الغنية و الخلاف الإجماع عليه، بل قد يظهر أيضا من المنقول من عبارة الناصريات، بل في السرائر في باب الأطعمة و الأشربة «فأما ما حرم شرعا فجملته من الحيوان ضربان، طاهر و نجس، فالنجس الكلب و الخنزير، و ما عداهما كله طاهر في حال حياته بدلالة إجماع أصحابنا المنعقد على أنهم أجازوا شرب سؤرها و الوضوء منه، و لم يجوزوه في الكلب و الخنزير» الى آخره، و هو الحجة بعد الأصل و الاستصحاب و العموم، مضافا الى ما تسمعه من الأخبار، و خالف في ذلك ابن إدريس في السرائر فحكم بنجاسة سؤر ما أمكن التحرز عنه من غير مأكول اللحم من حيوان الحضر غير الطيور، قال:

«و لا بأس بأسآر الفأر و الحيات و جميع حشرات الأرض» و قد تعطي عبارة الشيخ

ج 1، ص: 369

في التهذيب بقرينة ما عن الاستبصار القول بالمنع من الوضوء، و الشرب من سؤر غير مأكول اللحم غير السنور و الطير، إلا أنه أبدل السنور في الاستبصار بالفأرة مع التعليل لها بمشقة التحرز عنها، فقد يستفاد منه حينئذ التعميم لكل ما يشق التحرز عنه، و عن المبسوط و المهذب المنع من سؤر مالا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الآدمي و الطيور، إلا ما لا يمكن التحرز عنه كالهر و الفأرة.

قلت: يحتمل أن يراد بالمنع من السؤر الحكم بالنجاسة، فيكون مثل ما نقلناه عنه في السرائر، كما أنه يحتمل العكس، بل هو أقوى، لكون الحكم بنجاسة السؤر مع طهارة ذي السؤر كما هو الفرض من غير دليل يقتضيه- مع منافاته للقواعد المسلمة التي لا شك فيها- لا معنى له، و ما تسمعه من الدليل لا دلالة فيه على ذلك، كاحتمال جعله كوقوع الجنب في البئر، فإنه مع ما فيه قياس لا نقول به، و لعل الخلاف منحصر في المبسوط و المهذب و السرائر، لكون عبارة التهذيب غير صريحة فيما نقلناه عنه، بل و لا ظاهرة، و كيف و هو يورد فيه من الأخبار ما يقضي بطهارة السباع و غيرها، مع عدم ذكر لتأويل شي ء منها، و أما الإستبصار فهو لمجرد جمع بين الأخبار.

و لا يخفى عليك ما في دعوى الثلاثة من الاجمال، بل لم نعثر لهم على ما يقضي بتخصيص ما سمعت من الأصل بل الأصول و العموم و غير ذلك، سوى

قول الصادق (عليه السلام)(1)في الموثق بعد أن سئل عما تشرب منه الحمامة، فقال: «كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب»

و فيه- مع ان جماعة من الفطحية في سنده، و كون دلالته بالمفهوم، بل على عموم المفهوم، و قد منعه العلامة هنا في المختلف، و اكتفى في صدق المفهوم بسلب الحكم المنطوقي عن بعض أفراد المفهوم، و هو يتحقق هنا في الكلب و الخنزير و ان كان منعه لا يخلو من منع للعرف، لكنه لا يخلو من وجه، و مع أن الخارج أضعاف الداخل بمراتب كثيرة على تقدير أخذه مستندا لما في السرائر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- حديث 2.

ج 1، ص: 370

و المهذب و المبسوط، بل لا دلالة فيه على النجاسة، كما ادعاه ابن إدريس، و لا منع سائر الاستعمال على دعوى غيره، مضافا الى أن غير المأكول من المسؤول عنه خارج، و هو الطيور على دعوى التهذيب و غيره، فكيف يراد به ضابطا في المفهوم و المنطوق- معارض بغيره مما هو معتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل سمعت حكايته عن بعضهم، و هو

صحيح البقباق (1)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش فلم أترك شيئا إلا سألته عنه؟ فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب، فقال: رجس نجس»

الى آخره.

و

مرسل الوشاء عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2)«أنه كان يكره سؤر كل شي ء لا يؤكل لحمه»

و

خبر ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3)قال: سألته «عن الوضوء مما ولغ فيه الكلب أو السنور، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أ يتوضأ منه أو يغتسل؟ قال: نعم، إلا أن تجد غيره فتنزه عنه»

و اشتماله على الكلب لا يخرجه عن التمسك بغير ذلك، كما هو محرر في محله، مع احتمال حمل الكلب فيه على السبع غير النابح و الخنزير، لأنه في الأصل لكل سبع عقور غلب على هذا النابح كما عن صاحب القاموس، مع معارضته أيضا على دعوى التهذيب بما دل (4)على نفي البأس عن سؤر السباع، بل بما دل (5)على نفي البأس عن الوضوء بما وقعت فيه الحية و العظاية و الوزغ و الفأرة، و بها فيما عدا الفأرة يرد على دعواه في الاستبصار إن لم نقل بشمول تعليله، بل بأخبار السؤر أيضا الى غير ذلك، و القصور في السند و الدلالة على تقدير وجوده منجبر بما سمعت من الشهرة، و لا يخفى عليك إمكان الرد ببعض ما ذكرنا أخيرا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأسئار- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- حديث- 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- حديث- 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 1.

ج 1، ص: 371

على دعوى المبسوط و المهذب، فالمسألة سليمة الاشكال بحمد الله، و يأتي الكلام فيما اختلف في طهارته و نجاسته في النجاسات ان شاء الله.

و يكره سؤر الجلال من كل حيوان، و المراد به على ما قيل المتغذي بعذرة الإنسان محضا الى أن نبت عليه لحمه و اشتد عظمه، فلا يدخل المتغذي بغيرها من النجاسات، و لا المتنجسات و لو بعذرة الإنسان، بل و لا من تغذى بها و بغيرها، و لتحقيق البحث فيه مقام آخر، و كيف كان فالحكم بالطهارة لطهارة ذي السؤر لما علمت سابقا من الملازمة بينهما، مع عموم الروايات الحاكمة بطهارة سؤر الطيور و السنور و الدواب و السباع و نحو ذلك من غير تفصيل فيها بين الجلال و غيره، و قد اشتمل بعضها على العموم اللغوي، ك

قوله (عليه السلام)(1)في خبر عمار: «كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب»

و ما سمعته من صحيحة البقباق، فالإطلاق مع ترك الاستفصال في بعض و العموم اللغوي في آخر مع الأصل كاف في إثبات المطلوب، و كون ذلك فردا نادرا قد يقدح في الأول، و لا يقدح في الثاني، على أن الندرة في بعض الحيوانات ممنوعة، كالفيران الساكنة في الخلاء و نحوها، مع ورود الأدلة بطهارة سؤرها من غير تفصيل، فما عن الشيخ في المبسوط كما في المختلف و المرتضى و ابن الجنيد من المنع من سؤر الجلال مع الحكم بطهارة ذي السؤر لم يصادف محله. على أن الظاهر من عبارته المحكية عنه على ما في بالي ثبوت البأس، و هو أعم من المنع، و كان دليله ما قدمناه سابقا، و قد عرفت ما فيه.

و كذا ما أكل الجيف لما تقدم أيضا من الأصل و طهارة ذي السؤر و الأخبار و غيرها، فما عن النهاية كما في المختلف من المنع من سؤره لا نعرف له وجها، و الاستدلال عليه بالمفهوم مع أنك قد عرفت ما فيه هناك لا يشمل جميع أفراد المقام، فإنه قد يكون آكل الجيف مأكول اللحم، على أن المفهوم ظاهر في كونه من حيث


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- حديث 2.

ج 1، ص: 372

كونه غير مأكول اللحم، لا من حيث أنه آكل الجيف، فلا دليل على المنع، و أضعف من ذلك ما في كشف اللثام من أن كلام القاضي في المهذب يعطي نجاسة السؤرين، و نجس أبو علي سؤر الجلال، و في الإصباح نجاسة سؤر جلال الطيور، إذ هو كما ترى لا دليل عليه بعد طهارة ذي السؤر، بل قد اعترف بعضهم بعدم الوقوف على دليل على الكراهة، فضلا عن المنع، لكن قد يقال للتسامح فيها بها في الأول من التفصي عن شبهة الخلاف، و ظاهر إجماع حاشية الوسائل الذي ستسمعه مع انجباره بالمحكى من الشهرة، و ما سمعت من مرسلة الوشاء أنه كان يكره سؤر كل شي ء لا يؤكل لحمه على فرض إرادة ما لا يؤكل لحمه و لو بالعارض، و مثله المفهوم المتقدم الذي أخذه الشيخ سندا للمنع، مضافا الى

الأمر بالغسل من عرق الإبل الجلالة، كما في خبر هشام بن سالم (1)بل قال في حاشية الوسائل مكتوبا في آخرها أنها منه: «استدل علمائنا على كراهة سؤر الجلالة بحديث هشام، و دلالته بينة، على أنهم أجمعوا على تساوي حكم العرق و السؤر هنا، بل في جميع الأفراد، و الفرق إحداث قول ثالث، و أيضا فإن بدن الحيوان لا يخلو أبدا من العرق إما رطبا و إما جافا، فيتصل بالسؤر، فحكمه حكمه، و على كل حال فضعف الدلالة منجبر بأحاديث مالا يؤكل لحمه» انتهى. مع إمكان التأييد بالاعتبار، سيما إذا كانت المباشرة بالأفواه لأن منشأ رطوباتها من غذاء نجس و في الثاني من بعض ما تقدم أيضا، مع أنه نسب الحكم فيه بالكراهة إلى الأصحاب كما في الحدائق، و يمكن استفادته أيضا مما تسمعه إن شاء الله تعالى في الحائض المتهمة، بل قد يقال باستفادة كراهة كل متهم بالنجاسة منه، و الفرض هنا أنه باشر الماء مثلا مع عدم اختبار فمه أو منقاره، و مثله لو اختبر لكن لم نقل بحصول الطهارة بمجرد الزوال، أو قلنا و لكن قد يبقى أجزاء من النجاسة بحيث لا تراها العين فتأمل.

و مما قدمنا سابقا من مرسلة الوشاء و المفهوم يمكن الحكم بكراهة سؤر كل ما لا يؤكل


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأسئار- حديث 1.

ج 1، ص: 373

لحمه، كما ذكره بعضهم، بل نسب الى جمهور الأصحاب، بل قد يومي الى كراهته الحكم بكراهة سؤر مكروه اللحم فتأمل، نعم يمكن أن يقال باستثناء السنور من آكل الجيف و مما لا يؤكل لحمه، كما

في الصحيح «أني لأستحي من الله أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه»

و للحكم بأنها من أهل البيت كما في الصحيح الآخر(1)هذا كله إن أريد بآكل الجيف ما من شأنه كما يظهر من بعض، و يحتمل أن يراد به ما أكل الجيف الذي علم الآن أنه أكل جيفة، ثم شرب من الماء مثلا، و الثاني هو الظاهر من عبارة المنتهى، بل هو صريحها.

هذا كله إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة أو المتنجس، و إلا فينجس الماء، لكن ظاهر المصنف أنه قيد للأخير، و يمكن عوده لهما، و إطلاقه يقضي بالطهارة مع الخلو و لو علم بالمباشرة و ان لم يغب عن العين، و في المعتبر و المنتهى أنه لو أكلت الهرة ميتة أو فأرة، ثم شربت لم ينجس الماء، حكيا ذلك عن الشيخ، بل في الذكرى سواء غابت عن العين أو لم تغب، قال في المنتهى في المقام: «يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة» و هو قول السيد المرتضى، ثم استدل بالأخبار العامة في استعمال سؤر الطيور و السباع مع أنها لا تنفك عن تناول ذلك، إلى أن قال: «و هكذا سؤر الهرة و ان أكلت الميتة ثم شربت، قل الماء أو كثر، غابت عن العين أو لم تغب» ثم قال: «و عند الشافعية و الحنابلة وجهان، أحدهما مثل قولنا، و الآخر إن لم تغب فالماء نجس، و ان غابت ثم عادت فوجهان، أحدهما التنجيس، استصحابا للنجاسة، و الثاني الطهارة، لأصالة طهارة الماء، و يمكن أن يكون قد وردت في حال غيوبتها في ماء كثير» و ظاهر كلامه أنه ليس لنا إلا وجه واحد و هو الطهارة بزوال العين، و في الحدائق أنه المشهور بين الأصحاب، لكن المنقول عنه في النهاية أنه قوى الوجه الثاني من وجهي الشافعية، و حكم بالنجاسة مع عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- حديث 1 و 5.

ج 1، ص: 374

الغيبوبة و معها مع احتمال الولوغ في ماء كثير بالطهارة، بل ظاهر المنقول عنه أنه يحكم بطهارة الماء استصحابا له، و لا دلالة فيه على طهارة فمها بالغيبوبة، مع احتمال الطهارة لعدم التلازم بينهما، و نقل في الحدائق قولا بالنجاسة من غير فرق بين ما إذا غابت أو لم تغب، احتمل ولوغها في ماء كثير أولا، و لم ينقله غيره عن أحد من أصحابنا، و لعله أراد أحد وجهي الشافعية المتقدم، و في المهذب البارع و عن جمع من المتأخرين تعدية الحكم بالطهارة بمجرد الزوال لكل حيوان غير الآدمي، و لكل نجاسة و متنجس، و استحسنه في المدارك.

و كيف كان فأقصى ما يمكن أن يستدل به لذلك إطلاق الروايات (1)بل عمومها لنفي البأس عن أسآر الحيوانات الشاملة لمثل المقام، سيما الحيوانات التي قل ما ننفك عن مباشرة النجاسات كالهرة و نحوها، مضافا الى قوله في

خبر عمار(2): «كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما، فإذا رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب»

و في الوسائل زاد

في التهذيب (3)«أنه سئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال إن كان في منقارها قذر لم تتوضأ منه و لم تشرب و إن لم تعلم أن في منقارها قذرا فتوضأ منه و اشرب»

قلت: لم أجد هذه الزيادة في التهذيب الذي حضرني، و أنت خبير في دلالة الأول على المطلوب، فإنه لا ريب في تناوله لما كان و زال، و كان وجه دلالة الزيادة ان مفهوم الشرط أولا يتناول محل النزاع، لأن المراد بالقذر عينه، و التصريح بالمفهوم أخيرا لا ينافيه، بل قد يظهر من قوله (عليه السلام): إلا أن ترى في منقاره دما الى آخره الظاهر في انه لو لا الاستثناء كان داخلا ان غيره من الأجوبة الدالة على طهارة سؤر الحيوانات شاملة لمثل ذلك، فإذا قال (عليه السلام) مثلا:

لا بأس بسؤر الهرة أو كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره مثلا يكون شاملا لما لو كان عليه نجاسة، أقصى ما هناك خرج المباشرة بعين النجاسة، فيبقى الباقي، فلا يقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- حديث 3.

ج 1، ص: 375

حينئذ هذه الإطلاقات انما هي مساقة لبيان أنفس ذوات الأسئار لا لعوارضها(1)مع عدم تمامه في الأحوال الغالبة، بل قد يقال: ان ذلك بالنسبة إليها تأخير البيان عن وقت الحاجة مضافا الى أن الشهرة المدعاة، بل يمكن دعوى تحصيلها جابرة لذلك، كما نقل عن كثير ذكر حكم الهرة إذا أكلت فأرة أو ميتة و لم تغب و باشرت الماء مع حكمهم على الماء بالطهارة، و احتمال ان ذلك منهم قد يكون خارجا عما نحن فيه، لأن حكمهم بالطهارة لعدم العلم بنجاسة الفم لا للطهارة بالزوال مع ضعفه لا يجري فيها كلها، بل و لا في البعض فتأمل.

و في المدارك بعد أن استحسن التعدية السابقة قال: للأصل، و عدم ثبوت التعبد بغسل النجاسة عنه، و عن المعالم انه لو فرضنا عدم دلالة الأخبار على العموم فلا ريب ان الحكم بتوقف الطهارة في مثلها على التطهير المعهود شرعا منفي قطعا، و الواسطة بين ذلك و بين زوال العين يتوقف على الدليل و لا دليل، قلت: لا ريب ان النظر في أخبار النجاسات يقضي بثبوت قاعدتين، الأولى أنها تنجس كل ما تلاقيه، و مثلها المتنجسات، و الثانية أن كل متنجس لا يطهر إلا بالغسل بالماء، بل يكفي في الثانية الاستصحاب، و لو لا هما لثبت الإشكال في كثير من المقامات، نعم قد يقال هنا من جهة الإطلاق، بل العموم المتقدم، و إطلاقات الإجماعات المنقولة، مضافا الى الشهرة بين الأصحاب و السيرة القاطعة بين المسلمين مع عموم البلوى، بل من غسل شيئا من الحيوانات يحكمون أنه من المجانين: ينقدح الشك في شمول القاعدة الأولى للمقام، فلا يحكم بنجاسة هذه النجاسات لأبدان الحيوانات، و تكون من قبيل البواطن، فلا تنفعل بملاقاة النجاسات، بل إن كانت عين النجاسة موجودة كان الحكم مستندا إليها، و إلا فلا، بل في الحقيقة يرجع الى هذا قولهم انها تطهر بزوال العين عند التأمل، و ان


1- 1 فإذا قال لا بأس بسؤر الهرة فلا يستفاد منه إلا طهارة ذات الهرة، فلا بأس من حيث كونها هرة، و لا تعرض فيه لما لو تنجست من خارج. منه رحمه الله.

ج 1، ص: 376

كان ظاهره لا يخلو من تسامح، و لعل ما صدر من صاحب المعالم يرجع الى الشك في شمول القاعدة الثانية، لكنه لا يخلو من إشكال، لمعارضة الأصل حينئذ بالاستصحاب، و لعله لما ذكرنا أشار السيد المهدي في منظومته، فقال:

و اجعل زوال العين في الحيوان طهرا كذا بواطن الإنسان

ثم الظاهر من القائلين بالاكتفاء بالزوال من غير اشتراط للغيبة أنه لا إشكال عندهم في حصول الطهارة بها، إلا انها ليست شرطا، لكن لو كانت عين نجاسة على بدن الحيوان ثم غاب و بعد ذلك باشر مائعا فهل يحكم بالنجاسة، استصحابا بالبقاء العين، أو الطهارة، لكون الغيبة من المطهرات لاحتمال المطهر و لو زوال العين الذي اكتفينا به في طهارة الحيوان؟ قد يقال: بالأول، و ظاهر التسالم هنا على الغيبة انما هو بعد الحكم بزوال العين، و ان اختلف في أنه هل يشترط الغيبة لعدم الاكتفاء بالزوال، أو يكتفى به؟ فلا حاجة إليها، بل هو الظاهر من اشتراطهم الخلو من عين النجاسة بعد العلم بمباشرته لها، و يحتمل قويا الثاني، إذ الظاهر أنه لا إشكال عندهم في كونها من المطهرات في الحيوان و إن وقع الاشكال فيها في الإنسان، فحينئذ يكتفي باحتمال حصول الطهارة له، كل على مذهبه فيها، فمن اكتفى بالزوال يكفي عنده احتماله، و من لا يكتفي به لا بد من احتمال غيره.

و كيف كان فلا تلازم بين القول بالطهارة بالزوال و بين الغيبة من المطهرات، فقد تسلم الأولى، و تمنع الثانية، كما لعله الظاهر من بعضهم و إن كان الأقوى خلافه لقيام كثير من الأدلة السابقة على الطهارة بالزوال على حصول الطهارة بالغيبة، فتأمل جيدا، فان التحقيق الثاني، لأن استصحاب بقاء العين لا يقضي بثبوت الإصابة التي هي حكم من الأحكام العرفية، فالمتجه بقاء الآخر و لو مائعا على الطهارة التي لا يحتاج استصحابها الى حكم آخر، نعم لو قلنا بتنجس الحيوان بملاقاة النجاسة و اعتبرنا في

ج 1، ص: 377

طهارته زوال العين كما هو مقتضى قولهم تطهر بالزوال اتجه الحكم بالنجاسة لا بملاقاة الحيوان الذي كان عليه نجاسة و لم يعلم زوالها، و لعل هذا هو الثمرة من قولنا بعدم قبول بدن الحيوان النجاسة كالبواطن و بين القول بها و الطهارة بالزوال، هذا كله من هذه الجهة، و أما بناء على ظهور النصوص في الحكم بالطهارة لمجرد عدم العلم بملاقاة عين النجاسة و إن كانت موجودة سابقا و لو لاحتمال الزوال و إن لم نعتبره فهو موافق لما ذكرناه من أن التحقيق الثاني، و على كل حال فهل المراد بالزوال ما يشمل الجفاف لمثل ما إذا كانت النجاسة من قبيل الماء و ان أفادت خشونة أو ثخنا لما كانت عليه، أو أن ذلك دليل على بقاء العين، نعم لو كانت النجاسة من قبيل الدم و نحوه فزوال العين فيه عبارة عن ذهابه؟ وجهان، بل للشهيد في الذكرى كلام في غير المقام قد يشعر بالخلاف في المسألة، قال: «فيما لو طارت الذبابة عن النجاسة الى الثوب أو الماء فعند الشيخ عفو، و اختاره الشيخ نجم الدين المحقق في الفتاوى، لعسر الاحتراز، و لعدم الجزم ببقائها، لجفافها في الهواء، و هو يتم في الثوب دون الماء، إذ ظاهر قوله و هو يتم الى آخره أنه لا يكتفى بالجفاف في حصول الطهارة، أو أنه لا يكتفى باحتمال زواله و إن كان الظاهر الأول، و إلا لم يتأت الفرق بين الثوب و الماء، و لها وجه آخر فتأمل، فإن التحقيق في أصل المسألة كون المدار على صدق وجود عين النجاسة مع الجفاف و عدمه، فان كان نجس الملاقي، و إلا فلا، و أما الخلاف في الذباب و نحوه فهو من فروع المسألة السابقة التي عرفت كون التحقيق طهارة الجسم الآخر، من غير فرق بين الماء و غيره من المائعات و بين الثوب و نحوه، للاستصحاب السالم عن معارضة غيره، و لظاهر النصوص و السيرة و العسر و الحرج و غير ذلك، و أما الكلام في طهارة الآدمي بالغيبة فيأتي ان شاء الله في المطهرات.

و الحائض المحكوم بحيضها التي لا تؤمن على المحافظة عن مباشرة النجاسة، كما هو الظاهر من عبارة السرائر في الأطعمة و المنقول عن غيره، لكن الأشهر في التقييد

ج 1، ص: 378

المتهمة و إن كان ليس في الأخبار ذكر للاتهام، بل الموجود فيها أنه لا بأس بالوضوء من فضلها إذا كانت مأمونة كما تسمعه ان شاء الله تعالى، و من هنا قال في المدارك:

«إن ما ذكره المصنف أولى، لأن النص انما اقتضى انتفاء الكراهة إذا كانت مأمونة، و هو أخص من كونها غير متهمة، لتحقق الثاني في ضمن من لا يعلم حالها دون الأول، الى أن قال: فان المتبادر من المأمونة من ظن تحفظها من النجاسات، و نقيضها من لم يظن بها ذلك، و هو أعم من المتهمة و المجهولة».

قلت: لكن قد يقال: ان الأمر على خلاف ما ادعاه، لعدم صدق غير المتهمة على مجهولة الحال، بل هذه العبارة لا تقال إلا بعد اختبار حالها و معرفته، فيصدق عليها حينئذ انها غير متهمة و انها مأمونة، كما يقال: فلان غير متهم على دينه أي بعد اختباره، دون من لا يعرف حاله و لو لكونه من بلد أخرى، كما هو واضح، فحينئذ متى صدق عليها انها غير متهمة صدق عليها أنها مأمونة، و متى صدق عليها أنها غير مأمونة صدق عليها أنها متهمة، نعم هما لا يصدقان على مجهولة الحال، و كان عدم التعرض له لأنه قل ما تحصل المساورة مع حائض مجهولة الحال، بل الغالب عدم معرفة كونها حائضا، كما ان الغالب معرفة كونها مأمونة أولا مع العلم بحيضها، لكونها حينئذ زوجة مثلا له، فيكون أنه لا يعرف أنها حائض، أو انه إذا عرف حيضها يعرف حالها، فصار حاصل الرد إما بتسليم ان المأمونة من ظن تحفظها عن النجاسة لكنّا نمنع كون المفهوم شاملا للفردين و إن كان ذلك مقتضي النقيض، إلا أن الفهم العرفي على إرادة مظنونة العدم دون مجهولة الحال، أو يقال: انا نمنع أخذ الظن في المأمونة، بل المراد منها المتحفظة عن النجاسة واقعا، فتارة يظن، و تارة يقطع، و غير المأمونة غير المتحفظة في الواقع.

و على كل حال فمجهولة الحال لا يحكم عليها بشي ء و إن كان الواقع لا يخلو منهما، كما يرشد اليه قول ابن إدريس في السرائر ان المتهمة التي لا تتوقى من النجاسات،

ج 1، ص: 379

و

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(1): «ان سؤر الحائض لا بأس ان يتوضأ منه إذا كان تغسل يديها»

إذ لا واسطة بينهما قطعا، مع انه يرجع الى المأمونة و غيرها، فالمتجه حينئذ أنه لا يحكم على المجهولة بكراهة و لا عدمها بالخصوص، و ما يقال: ان الشارع اشترط في نفي الكراهة كونها مأمونة يدفعه أنه كما اشترط ذلك في المنطوق اشترط في المفهوم كونها غير مأمونة، نعم قد يقال: ان الروايات قد نهت عن الوضوء بسؤر الحائض مطلقا، أقصى ما هناك خرجت المأمونة عن هذا الإطلاق، فيبقى الباقي، مع أن فيه بحثا ذكرناه في غير المقام و إن كان هو لا يخلو من قوة، بل قد يقال: بعدم الكراهة في الحكم الظاهري، لأصالة البراءة، و استصحابا لحال الماء، فان احتمال المأمونية كاف في جريانه، و ليس من الاستصحاب المثبت، إذ ليس المقصود منه إثبات المأمونية، كما ان كون الشرط لعدم الكراهة أمرا وجودا و هو المأمونة غير قادح في ذلك، بل يكون حينئذ كاحتمال الكرية في حفظ طهارة ما لا يعلم حاله هل هو كر أو لا فتأمل.

و عن بعضهم كالشيخ في المبسوط و علم الهدى في المصباح أنهما أطلقا الحكم بكراهة سؤر الحائض من غير تقييد، و كأنه للأخبار(2)المعتبرة المستفيضة الناهية عن الوضوء بسؤر الحائض من غير تقييد، و هي كثيرة، لكن فيه أنها لا تعارض المقيد، كما بين في محله، مثل

قول أبي الحسن (عليه السلام)(3) في خبر علي بن يقطين في الرجل يتوضأ بفضل الحائض: «إذا كانت مأمونة لا بأس»

و

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(4) لما سأله العيص بن القاسم على ما عن رواية الشيخ له عن سؤر الحائض: «توضأ منه و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة، و تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء»

الى آخره و المناقشة باحتمال جعل القيد للأخير، كما في رواية الكليني مع انه أضبط، فإن فيها

«لا تتوضأ


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار- حديث 5.
4- 4 الاستبصار- الباب- 7- حديث 2.

ج 1، ص: 380

من سؤر الحائض و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة»

الى آخره مدفوعة بأنها غير ممكنة، لاشتمالها على الأمر بالوضوء من سؤر الحائض، و بدون التقييد لا معنى له.

نعم قد يقال ان رواية الكليني لا رد بها على الشيخ و المرتضى، بل هي دليل لهما، إذ هي صريحة أو كالصريحة في عدم اعتبار القيد، و فيه بعد التسليم انه لا ريب في رجحان الأول، لأن هذه الرواية مع أن الشيخ قد رواها كما سمعت معارضة بما سمعت من خبر ابن يقطين المعتضد مع الأصل بالشهرة العظيمة بين الأصحاب، و

بما رواه عن الصادق (عليه السلام) «ان سؤر الحائض لا بأس أن يتوضأ منه إذا كانت تغسل يديها»

فلا ريب أن الأقوى ما عليه المشهور، لكن ظاهر الأصحاب أن المكروه من الحائض المتهمة مطلق السؤر الشامل للوضوء و غيره، و الأخبار لا تدل على ذلك، لنهيها عن الوضوء، بل قد اشتمل بعضها على الاذن بالشرب منه، و النهي عن الوضوء به، كما في رواية عنبسة(1)و رواية الحسين بن أبي العلاء(2)و رواية علي بن جعفر (عليه السلام)(3)و رواية أبي هلال(4)، و من هنا استشكل بعض متأخري المتأخرين في ذلك، و لعل وجهه- بعد كونه مكروها يتسامح فيه، و أنه كالمتفق عليه في المقام، بل هو كذلك- ما يظهر من تعليق الحكم على المأمونية وجودا و عدما من التعليل، خصوصا مع كونها من الأوصاف المناسبة، فيتعدى حينئذ لمطلق السؤر، مع أنه لو كان الحكم خاصا بالوضوء مع الاذن في غيره لجاء الفساد اليه لو كانت المباشرة بأعضاء الوضوء، و احتمال التعبد بعيد عن الفهم، و الإذن بالشرب في تلك الأخبار مع النهي عن التوضؤ به لا ينافي الكراهة فيه بعد حمل النهي عن التوضؤ على شدة الكراهية، فهذا مع انجباره بفهم الأصحاب و كون الحكم مما يتسامح فيه كاف في إثبات المطلوب، بل منه يمكن استفادة الكراهة لكل متهم بمباشرة النجاسة، كما يظهر من أطعمة السرائر


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الأسئار- حديث 8.

ج 1، ص: 381

و ما عن المقنعة، بل عن بعضهم التصريح به، و هو جيد ان لم يكن مثارا للوسواس، و على كل حال لا يبعد إلحاق المستحاضة و النفساء بها، بل و الجنب، لما سمعت من خبر العيص، سيما على ما عن الكافي، هذا كله بعد البناء على الكراهة، كما هو المتفق عليه في الظاهر، و العبارة المحكية عن المقنع ليست صريحة في الخلاف، بل و لا ظاهرة، إذ ليس فيه إلا

قوله: «لا تتوضأ بسؤر الحائض»

و هو غير ظاهر في ذلك و إن كان النهي حقيقة في التحريم، لكن الصدوق في الغالب يعبر عن الحكم بلفظ الرواية، و أما المحكي عن التهذيب و الاستبصار فإنه و إن كان قد اشتمل على قوله لا يجوز الظاهر في الخلاف، لكن ظاهر كلامه ان هذا ما يقتضيه الجمع بين الأخبار، و لذلك قال بعده من غير فاصلة: و يجوز أن يكون المراد بها ضربا من الاستحباب، و استند في ذلك إلى رواية أبي هلال، لاشتمالها على قوله لا أحب أن أتوضأ منه، فتأمل، و كيف كان فهما غير مخالفين، و على تقديره فغير قادحين.

و لا منع في سؤر البغال و الحمير إجماعا، كما في غيرهما من مأكول اللحم، نعم يكره سؤر البغال و الحمير، كما هو المشهور نقلا و تحصيلا، كالخيل أيضا، و ربما زيد الدواب، بل كل ما يكره لحمه، كما صرح به بعضهم و يظهر من آخرين، لتعليلهم الكراهة في المقام بكراهة اللحم، بل يستفاد منه ان ذلك من المسلمات، و على كل حال فلعل الحكم بالكراهة لمكان التسامح في هذا الحكم، و الاحتياط الذي يحسنه العقل، و الشهرة، مع أن السؤر غالبا انما يكون بالفهم، و فضلاته تابعة للحم بالكراهة، كما قيل، مع إشعار

مضمرة سماعة(1)بكراهة غير الإبل و البقر و الغنم، سألته «هل يشرب سؤر شي ء من الدواب و يتوضأ منه؟ فقال: أما الإبل و البقر و الغنم فلا بأس»

و

خبر ابن مسكان عن الصادق (عليه السلام)(2)سألته «عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأسئار- حديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأسئار- حديث 6.

ج 1، ص: 382

و السنور، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك، أ يتوضأ منه أو يغتسل؟ قال نعم، إلا أن تجد غيره فتنزه عنه»

و لا قائل بالفصل هنا بين الوضوء و غيره، بل قد يستفاد مما دل على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه ان اللحم له مدخلية في السؤر، كما يشعر به

قوله (عليه السلام)(1)في الإبل الجلالة «لا تأكلوا لحومها، و إن أصابك من عرقها فاغسله».

بل قد يقال: بدخول مكروه اللحم فيما لا يؤكل لحمه ان أريد به غير المأكول عادة، لأن الغالب فيه انه ليس مأكولا عادة، مضافا الى ظهور أخذ مثل ذلك في الاستدلال من جملة من الأساطين في أنه من المسلمات، لكن للأصل، و نفي البأس في صحيح جميل (2)عن الوضوء و الشرب بسؤر الدواب و الغنم و البقر، و

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(3)في خبر عبد الله بن سنان: «لا بأس أن يتوضأ مما شرب منه ما يؤكل لحمه»

و ما مر من

صحيح البقباق (4)و قول الصادق (عليه السلام)(5)في خبر عذافر: «نعم اشرب منه و توضأ بعد أن سأله عن سؤر السنور و الشاة و البقر و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع»

الى غير ذلك من الروايات، بل قد يشعر

قوله (عليه السلام) «كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره و يشرب»

بعدم الكراهة لحمل المفهوم فيها على الكراهة، لا على ما قاله الشيخ، و كذلك

قوله «كان يكره سؤر كل شي ء لا يؤكل لحمه»

مع ضعف جميع ما سمعته أولا، سيما مفهوم المضمرة، مع اشتمالها على البقر الشامل للجاموس مع كراهة لحمه، بل و لحم غيره في البقر أيضا اختار بعض المتأخرين عدم الكراهة، بل لعله الظاهر من المقنعة، لقوله «و لا بأس بالوضوء من فضلة الخيل و البغال و الحمير و الإبل و البقر و الغنم و ما شرب منه سائر الطير إلا ما أكل الجيف فإنه يكره الوضوء بفضلة ما شرب منه» فان استثناءه يقتضي بأن مراده بنفي البأس ما يشمل


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأسئار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأسئار- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الأسئار- حديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- حديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأسئار- حديث 6.

ج 1، ص: 383

المكروه، بل قد يدعى ظهوره في نفسه بذلك، لكونه من قبيل النكرة في سياق النفي، كما هو مبنى الاستدلال بما سمعت من الروايات المتضمنة لنفي البأس، بل هو مبنى الاستدلال على الكراهة أيضا بمفهوم مضمرة سماعة المتقدمة، إلا أنه قد يقال: ان نفي البأس ظاهر في إرادة الإذن الذي لا ينافي الكراهة، فلا حجة حينئذ فيما سمعت من الأخبار، بل قد يحمل كلمات بعض المتقدمين غير المفيد على ذلك، فإنهم اقتصروا على نفي البأس، بل قد يقال: ان ذلك أولى، لكون البأس في اللغة كما قيل انما هو العذاب، فلا دلالة فيه إلا على نفي الحرمة، و ان كان الحق ان موارد استعماله في الأخبار تختلف، لكن على كل حال لا يصلح لمعارضة ما يدل على الكراهة، فالأقوى الأول، و مراد المصنف بالحمير الأهلية دون الوحشية لتبادرها، مع عدم كراهة الوحشية كما قيل.

و يكره سؤر الفأرة كما في التحرير و القواعد و الذكرى و عن الوسيلة و المهذب و الجامع، و هو الأقوى، خلافا لما يظهر من المقنعة و التهذيب في باب تطهير الثياب، كما عن النهاية و المبسوط فيه أيضا من وجوب غسل ما تلاقيه برطوبة، و مثله المنقول عن الفقيه، مع أن المحكي عن النهاية في المقام «إذا وقعت الفأرة و الحية في الإناء و شربتا منها ثم خرجتا لم يكن به بأس، و الأفضل ترك استعمالها» و تقدم سابقا كلامه في المبسوط أيضا «لا بأس فيما لا يمكن التحرز منه من حيوان الحضر، مثل الهرة و الفأرة و الحية» و احتمال الفرق بين الموضعين في غاية البعد، كاحتمال القول بوجوب الغسل خاصة تعبدا، مع أن المحكي عنه في المبسوط في باب التطهير التعدي الى غير ذلك من وجوب إراقة الماء إذا باشرته، و ان قال بعد ذلك: «و قد رويت رخصة في استعمال ما شربت منه الفأرة في البيوت و الوزغ، أو وقعا فيه و خرجا حيين، لأنه لا يمكن التحرز من ذلك».

ج 1، ص: 384

و كيف كان فلا ريب أن الأقوى خلاف ما ذكروا، للأصل، و ل

قول الصادق (عليه السلام)(1)في صحيح الأعرج عن الصادق (عليه السلام): «في الفأرة تقع في السمن و الزيت ثم تخرج منه حيا فقال: لا بأس بأكله»

و

قول الكاظم (عليه السلام)(2)في صحيح علي بن جعفر حيث سأل «عن فأرة وقعت في حب دهن فأخرجت منه قبل أن تموت أ نبيعه من مسلم؟ قال نعم، و يدهن منه»

الى غير ذلك من الأخبار العامة و الخاصة التي يأتي ذكرها في النجاسات ان شاء الله تعالى التي منها ما علق الحكم بالاجتناب على ميتتها، كما تسمع إن شاء الله تعالى مع بيان ضعف ما يعارضها، و خلافا لما يظهر من المعتبر و المنتهى من نفي الكراهة ل

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(3):

«ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب و يتوضأ منه»

و نفي البأس في غيره أيضا، كما سمعت من الأخبار السابقة، و هو- مع كونه موثقا و معارضا لما ذكرناه فيما لا يؤكل لحمه، و عدم صراحته في ذلك، لما تقدم سابقا في نفي البأس- معارض بما رواه(4)

في الوسائل عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي «ان النبي (صلى الله عليه و آله) نهى عن أكل سؤر الفأرة»

و ما يشعر به

قول الكاظم (عليه السلام)(5)في صحيح أخيه قال: سألته «عن الفأرة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه؟ قال: يطرح ما شماه، و يؤكل ما بقي»

و

قوله (عليه السلام) أيضا(6)في صحيح أخيه الآخر، قال: سألته «عن الفأرة الرطبة قد وقعت


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الأطعمة المحرمة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب النجاسات- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب النجاسات- حديث 2.

ج 1، ص: 385

في الماء تمشي على الثياب، أ يصلى فيها؟ قال اغسل ما رأيت من أثرها»

بناء على تنزيل الأمر فيهما على الاستحباب، و ان تركه مكروه، أو انه يستفاد منه في خصوص المقام ذلك، سيما من قوله يطرح، لأنه أمر بالترك، و هو معنى انتهى عن الفعل، أو لأنه لا قائل بالاستحباب مع عدم الكراهة، و فيه أنه الظاهر من عبارة النهاية المتقدمة أو لأن ظاهر كلامهما أي المعتبر و المنتهى نفي الرجحان، فلاحظ و تأمل، كل ذلك مع كون الحكم مما يتسامح فيه، و اعتضاد ما سمعت بالشهرة المحكية، مع أن فيه خروجا من شبهة الخلاف، و هو مقتضى الجمع بين الأخبار، كما سمعت و تسمع إن شاء الله تعالى، و الله أعلم.

و لا خلاف فيما أجد في عدم المنع من سؤر الحية بالخصوص مع عدم الموت، لكن قد تدخل في كلام من منع من سؤر مالا يؤكل لحمه، و فيه ما عرفت، مضافا الى ما تسمعه بالخصوص في المقام، نعم يكره سؤر الحية كما في التحرير و القواعد و الإرشاد و ظاهر الذكرى و عن الدروس و البيان و الروض، و هو المنقول عن الشيخ و أتباعه، لكن عبارته المحكية عنه تدل على أفضلية الاجتناب، و يظهر من المعتبر و المنتهى كصريح المدارك عدم الكراهة و عدم أفضلية الاجتناب، لنفي البأس في

صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام)(1)سألته «عن العظاية و الحية و الوزغ يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصلاة؟ فقال: لا بأس به»

و هو مع عدم صراحته في ذلك كما عرفت معارض بما تقدم سابقا فيما لا يؤكل لحمه، و ب

ما رواه أبو بصير(2)سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن حية دخلت حبا فيه ماء و خرجت منه؟ قال إذا وجد ماء غيره فليهرقه»

و لعله للأمر بالإهراق عبر الشيخ في النهاية بأفضلية ترك الاستعمال، لا بالكراهة لكن قد يقال بمعونة ما ذكرنا فيما لا يؤكل لحمه و فتوى من عرفت هنا: يستفاد منه


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب النجاسات- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 3.

ج 1، ص: 386

الكراهة ان لم نقل بظهوره في نفسه في ذلك، مع أن الحكم مما يتسامح به، و الأمر سهل، و كذا يكره سؤر ما مات فيه الوزغ و العقرب و لا يمنع على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، خلافا لما يظهر من المقنعة في باب تطهير الثياب حيث أوجب غسل ما يلاقيه الوزغ برطوبة، كما عن النهاية أيضا فيه و في المقام، قال: «كل ما وقع في الإناء و مات فيه مما ليس له نفس سائلة فلا بأس باستعماله ذلك الماء، إلا الوزغ و العقرب خاصة، فإنه يجب إهراق ما وقع فيه و

غسل الإناء» إلى آخره، و ظاهره فيما إذا مات في الإناء الوزغ و العقرب لا فيما إذا خرجا حيين، و لعله يستفاد الشمول من مجموع العبارتين، و لذا نقل عنه في المعتبر و المنتهى أنه منع من استعمال ما وقع فيه الوزغ و ان خرج حيا، كما عن الصدوق حيث قال: «إن وقع وزغ في إناء فيه ماء أهريق ذلك الماء».

و كيف كان فالأقوى الأول، للأصل بمعانيه، و ما في صحيح علي بن جعفر المتقدم في الحية و في خصوص العقرب

قول الصادق (عليه السلام)(1)في خبر هارون ابن حمزة الغنوي سألته «عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء، فيخرج حيا، هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ منه؟ قال: ليسكب منه ثلاث مرات، و قليله و كثيره بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه و يتوضأ منه، غير الوزغ، فإنه لا ينتفع بما يقع فيه»

و قول الكاظم (عليه السلام)(2)في خبر أخيه علي بن جعفر (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد سألته «عن العقرب و الخنفساء و أشباههم فيموت في الجرة أو الدن يتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا بأس به»

و قد يستدل عليهما ب

قول الصادق (عليه السلام)(3)في خبر ابن مسكان: «كل شي ء سقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس»

و قوله (عليه السلام)(4)أيضا: «لا يفسد الماء إلا ما كانت


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأسئار- حديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأسئار- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأسئار- حديث 4.

ج 1، ص: 387

له نفس سائلة»

و قوله أيضا(1)بعد أن سئل «عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال: كل ما ليس له دم فلا بأس به»

و المراد ما لا نفس له سائلة، مضافا الى ما سمعته فيما لا يؤكل لحمه، و إلى ما تسمع من الإجماعات الآتية في المسألة الثانية على أن ما لا نفس له سائلة لا يفسد الماء و لا المائع، اللهم إلا أن يقال- من جهة تقارب ما بين المسألتين مع نقل ناقل الإجماع خلاف الشيخ- أن المراد بالإجماع في غير الوزغ و العقرب، لكن في السرائر في آخر بحث منزوحات البئر فإذا مات فيها عقرب أو وزغة فلا ينجس، و لا يجب أن ينزح منها شي ء بغير خلاف من محصل، و لا يلتفت الى ما يوجد في سواد الكتب من غير واحد، أو رواية شاذة ضعيفة مخالفة لأصول المذهب، و هو أن الإجماع منعقد أن موت ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء و لا المائع بغير خلاف بينهم.

و كيف كان فدليل الشيخ في الوزغ ما سمعت من رواية الغنوي، بل

رواية عمار عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: سئل «عن العظاية تقع في اللبن؟ قال:

يحرم، و قال: ان فيها السم»

بناء على أن العظاية من الوزغ، لكن عن مجمع البحرين أن العظاء ممدودا دويبة أكبر من الوزغ، الواحدة عظاءة و عظاية، و عليه يخرج عن محل النزاع، بل لا أجد قائلا به، نعم عن المقنع أنه أفتى بمضمونه، و على العقرب ما ورد(3)من الأمر بالإراقة في

خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) سألته «عن الخنفساء تقع في الماء؟ قال: لا بأس به، قلت: فالعقرب؟ قال: أرقه»

و قول الصادق (عليه السلام)(4)في خبر سماعة بعد أن سأله «عن جرة وجد فيها خنفساء قد مات؟ قال: ألقه، و توضأ منه، و ان كان عقربا فأرق الماء، و توضأ من


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الأسئار- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الأطعمة المحرمة- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الأسئار- حديث 6.

ج 1، ص: 388

ماء غيره»

و في الجميع- بعد الغض عما في السند، و ظهور رواية عمار السابقة في أن المنع من جهة السم لا من جهة النجاسة، و عليه يحمل الأمر بالإراقة، مع أنه لا دلالة بالأمر بالإراقة على التنجيس من دون جابر- أن المتجه بعد ما عرفت و الموافق لأصول المذهب حمل الأمر الوارد في الخبرين على الاستحباب، و

قوله (عليه السلام): «غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه»

على الكراهة، و لعل الأصحاب استفادوا الكراهة في العقرب من الأمر بالإراقة التي تجري مجرى التنجيس، أو لأن كل أمر بالترك يستفاد منه ذلك، إذ هو معنى النهي عن الفعل، أو للبناء على أن ترك المستحب مكروه، لكن قد يظهر من المصنف اختصاص الكراهة أولا بالموت دون المباشرة مع الحياة، بل و بالموت في الماء، أما لو مات خارجا ثم وقع فيه فلا، و الظاهر خلافه فيهما، لما عرفت من أن قوله غير الوزغ الى آخره ظاهر في الحي، كما يظهر من صدر الرواية، مضافا الى ما سمعته سابقا من كراهة كل ما لا يؤكل لحمه، مع أن فيه أيضا خلوصا عن شبهة الخلاف، لأن خلاف الشيخ في الوزغ ليس خاصا بالميت، مع أن خبر أبي بصير في العقرب غير ظاهر الخصوصية بالموت، نعم قد يستشكل بالنسبة للميت في غير الماء الواقع فيه، بل لا إشكال فيه، لكون مع تناول بعض الأدلة له من المعلوم أنه لا خصوصية للحياة، بل الأمر بالعكس فكان ما يظهر من غير المصنف من تعميم الكراهة في الوزغ أقوى، و أما العقرب فلم أظفر بمن عبر بغير عبارة المصنف فيه، و الأقوى الكراهة مطلقا أيضا، لما سمعت من الأدلة على ما لا يؤكل لحمه، مضافا لما فيه من السم، و للتخلص من شبهة الخلاف فيه، فما عن إطلاق بعضهم أقوى، ثم أن قول الشيخ و من تابعه بالمنع محتمل أمرين، الأول الحكم بالنجاسة، و الثاني الوجوب في خصوص ما ذكر تعبدا، و الأول هو الذي فهمه منه بعضهم، و على أي حال فضعفه واضح.

و ينجس الماء القابل للانفعال بملاقاة النجاسة و نحوه من المائعات إجماعا بموت الحيوان ذي النفس السائلة أي الدم المجتمع في العروق الخارج مع قطع شي ء منها بقوة و دفع، لا رشحا كالسمك دون ما لا نفس له سائلة، لما سمعت من

ج 1، ص: 389

الأخبار الدالة عليه، و في المنتهى اتفق علماؤنا على أن ما لا نفس له سائلة من الحيوانات لا ينجس بالموت، و لا يؤثر في النجاسة ما يلاقيه من الماء و غيره، و في المعتبر أنه مذهب علمائنا أجمع، و قد سمعت ما في السرائر، و يأتي تمام الكلام في النجاسات إن شاء الله.

و ما لا يكاد يدركه الطرف من الدم خاصة دون باقي النجاسات لا ينجس الماء دون باقي المائعات و قيل ينجسه و هو الأحوط بل الأقوى، وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة لا تنكر دعوى الإجماع معها، بل لم يحك الأول إلا عن الشيخ

في الاستبصار و المبسوط مع زيادة التعدي إلى سائر النجاسات في الثاني، و ربما ظهر من صاحب الذخيرة موافقته، و لا ريب في خطائه، لما سمعت من أدلة نجاسة القليل، و من قاعدة تنجيس هذه النجاسات لكل ما تلاقيه، و خصوص

موثقة عمار(1)«كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب»

بل قيل

و صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه قال:

سألته «عن رجل رعف و هو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه، هل يصح الوضوء منه؟ فقال:

لا»

لكن قد يمنع شموله لما نحن فيه، إلا انا في غنية عنه بما تقدم، و به ينقطع الأصل، و له يطرح

صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام)(3)سألته «عن رجل رعف فامتخط، فصار الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه، هل يصلح الوضوء منه؟ فقال:

إن لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس، و إن كان شيئا بيّنا فلا تتوضأ منه»

كذا عن الكافي، و عن التهذيب شي ء بالرفع، أو يحمل على إرادة انه أصاب إناءه، و لم يعلم أنه هل أصاب الماء أولا، و كون السائل علي بن جعفر ممن لا يناسبه هذا السؤال يدفعه انه لا مانع من ذلك، نعم لو علم بمكان إصابته من الإناء التي لا يصل إليها الماء لما حسن السؤال، و أما إذا علم أنه أصاب الإناء و لم يعلم مكان إصابته الإناء فإنه حينئذ يحسن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأسئار- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الماء المطلق- حديث 1.

ج 1، ص: 390

السؤال، لاحتمال كونه من قبيل الشبهة المحصورة، فينجس الماء حينئذ بصبه من الإناء و نحوه، أو يقال: إن إصابة النجاسة الإناء كما تتحقق مع العلم بوقوعها في الماء أو في خارجه كذا تتحقق مع انتفاء العلم بأحد الأمرين، و معه يحسن السؤال أيضا، لاحتمال كونه من الشبهة أيضا.

و قد يشهد له رواية الرفع، لكن هذا انما يتم إن قلنا بخروج مثله عن الشبهة، و إلا فالمتجه الجواب بالعدم حينئذ و الأحسن حمل الرواية على إصابة الإناء نفسه مع تشخيص المكان، إلا أنه يحتمل مع ذلك إصابة الماء أيضا، و حسن السؤال حينئذ لكون إصابة الإناء مظنة إصابة الماء، فأجابه (عليه السلام) أنه ان كان شيئا بينا و إلا فلا بأس، لعدم العلم حينئذ، بل قد يراد بالبين العلم، هذا كله مما شاة للخصم، و إلا فلو كانت الرواية نصا لوجب طرحها في مقابل ما ذكرنا، و أما ما نقل عن المبسوط فلم نعثر له على دليل، و لعله لإلقاء خصوصية الدم، أو ما نقل عنه من العسر و الحرج من التحرز عنه، و فيه ما لا يخفى، إذ التعدي من غير معد ليس من مذهبنا، و لا حرج، كما لا يخفى ما في تأييد الذخيرة له بعدم العموم في أدلة القليل، و العمدة عدم القول بالفصل، و هو غير متأت هنا، فيبقى داخلا في أصل الطهارة و عمومها، ثم ان ظاهر الاستبصار قصر الحكم في الماء، كما أن ظاهر استناده الى الحرج في المبسوط التعدي إلى غيره، و لعله هو الذي أشار إليه ابن إدريس، كما نقل عنه حيث حكى عن بعض الأصحاب انه لا بأس بما يترشش على الثوب و البدن مثل رؤوس الابر من النجاسات، لكن قد يشعر حكاية الأصحاب له في الماء القليل باختصاص الحكم به، كما هو الظاهر من المصنف.

[الركن الثاني في الطهارة المائية]
اشارة

الركن الثاني في الطهارة المائية و هي وضوء و غسل،

[في الوضوء فصول]
اشاره

و في الوضوء فصول

[الفصل الأول في الأحداث الموجبة للوضوء]
اشاره

الأول.

في الأحداث الموجبة للوضوء و هي جمع حدث، و هو لغة و عرفا الفعل، و قد يقال بالاشتراك اللفظي على

ج 1، ص: 391

الأمور الموجبة لفعل الطهارة و على الأثر الحاصل منها، فتقابله مع الطهارة مقابلة الأضداد، لا مقابلة العدم و الملكة، فالمخلوق دفعة بالغا كآدم مثلا لا يحكم عليه بأحدهما، فما كانت الطهارة شرطا فيه تجب، و ما كان الحدث مانعا منه جاز فعله بدونها، و قد يحتمل أنه يلاحظ في بعض الأحداث معنى الحدثية اللغوية، فلو أرسل خشبة أو نحوها في المقعدة فأخرج بها شي ء من الغائط لا يسمى حدثا، و لا ينقض به وضوء و ان كان الظاهر خلافه كما ستعرف، و الموجبة الثابت عندها الخطاب بالوضوء لو لا المانع، و الموجب في هذا المعنى مرادف للسبب و المقتضي، كما لا يخفى على المتتبع، لإطلاق لفظ الموجب في كلامهم، سواء كان خطابا واجبا أو مستحبا لنفسه أو لغيره، و عبر في القواعد بالأسباب، و في السرائر بالنواقض، و كان اختلاف التعبير منشؤه الأخبار، فالتعبير بالموجبات ل

قوله (عليه السلام)(1)«لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول»

الى آخره و النواقض ل

قوله (عليه السلام)(2): «ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين»

الى آخره، و الأسباب ل

قوله (عليه السلام)(3): «انما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك».

لكن قيل ان التعبير بالأسباب أولى، لكونه أعم منهما مطلقا، لكون السبب عرفا هو الوصف الوجودي الظاهر المنضبط الذي دل الدليل على كونه معرفا لإثبات حكم شرعي لذاته، سواء كان الحكم الشرعي وجوبا أو ندبا، و قولنا لذاته لإدخال حدث الصبي و المجنون و الحائض، فإن ذاته مقتضية لذلك، لكن وجود المانع منع من تأثير المقتضي، و هو لا ينافي السببية عرفا، و من هنا وجب الوضوء مثلا عند ارتفاعه، فحدث المجنون حينئذ في حال جنونه سبب، و أما الموجب فهو الذي يثبت عنده الخطاب الوجوبي، و الناقض المسبوق بطهارة، و من المعلوم أن الحدث أعم من ذلك، لصدقه عند عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 5.

ج 1، ص: 392

وجوب المشروط بالطهارة، و عدم السبق بطهارة، فكل ناقض و موجب سبب، و لا عكس، و أما بين الناقض و الموجب فالعموم من وجه، لصدقهما على الحدث بعد الطهارة في وقت الوجوب، و صدق الأول على الحدث بعد الطهارة في غير وقت الوجوب، و صدق الثاني على الحدث الحاصل في وقت الوجوب مع عدم سبق الطهارة، لكنك خبير انه على ما ذكرنا من تفسير الموجبة يكون مع السبب مترادفا، إذ ليس المراد منه الوجوب الشرعي، بل المراد اللغوي، فلا يرد شي ء مما ذكر فيه كما هو واضح، مع ظهور أن ما ذكره في الموجب و الناقض جهة تسمية لا يجب اطراده، و ما ذكره الشهيد (رحمه الله) كما نقل عنه في بيان وجه النسبة بينهما كأنه لملاحظة المعنى الوضعي لا لبيان أولوية في التعبير، و إلا فالكل متحد، مع انه يرد عليه صدق الناقض للوضوء على الجنابة، مع أنه ليس سببا فيه، و احتمال كون المقصود سبب الطهارة خلاف الظاهر من كلامه، و أيضا لا ريب أن المراد بسببيتها انما هو صلوحها للتأثير و ان لم يتحقق، فكذلك الموجب و الناقض، أي الصلاحية للإيجاب و النقض، و دعوى أن الصلاحية لا تقدح في صدق السببية، بخلاف الموجب و الناقض، لكون المشتق حقيقة في الحال يدفعها أن صفة الناقضية و الموجبية لاحقة لطبيعة الحدث من غير نظر الى أفراده، بل قد يقال: يمنع السببية في مثل الصغير و المجنون، و الخطاب بالوضوء عند ارتفاعهما انما هو لكونه شرطا في مثل الصلاة و نحوها، لا لحصول السبب في ذلك، و من هنا وقع الشك في إيجاب وطء الصبي الغسل لو بلغ، ففي المقام أولى، لظهور الأدلة في التسبيب للمكلف، لكن الظاهر أن الإجماع منعقد في المقام على كون خطابها من باب الأسباب، و إن وقع الاشكال منهم في الجنابة، و لولاه لأمكن ما قلناه فتأمل.

و منه ينقدح شي ء و هو أنه لا معنى لإطلاق الأسباب و الموجبات على هذه الأمور، بل الموجب و السبب انما هو الصلاة مثلا و لذلك يجب الوضوء على فرض

ج 1، ص: 393

عدم حصول شي ء منها لو اتفق، كما لو خلق الله شخصا بالغ مثل آدم (عليه السلام)، و كان إطلاق الأسباب و الموجبات لمكان العادة، و ربما قيل ان إطلاق الأسباب و الموجبات عليها غير مربوط، و ذلك لأن السبب انما هو الصلاة، و الحدث لما كان مانعا من الدخول فيها وجب زواله، فليست هي أسباب و موجبات، و فيه أن المراد بسببيتها كونها علامة على الخطاب الشرعي بالوضوء الذي كان سبب الخطاب به الصلاة، فلا منافاة حينئذ، و هذه غير المناقشة السابقة منا في سببيتها، لرجوعها الى حصول الوجوب بدون هذه الأشياء، و هو منافي للسببية، و قد يجاب بأنه لا مانع لجعل ذلك من تعدد الأسباب، فتكون هذه الأحداث أسبابا، و المشروط بالطهارة سبب فيه أيضا، لكنه كما ترى، نعم قد يقال: ان المراد أينما حصلت تعرف الحكم الشرعي و لو بالخطاب الاستحبابي، بناء على استحباب الوضوء لنفسه فتأمل، و الأمر في ذلك سهل. و الوضوء بضم الواو من الوضاءة بالمد النظافة و النضارة، و هو في الأصل اسم مصدر، و بالفتح اسم للماء الذي يتوضأ به، و عن بعضهم أنهما معا بالضم، كما عن آخر أنهما معا بالفتح.

[موجبات الوضوء خاصة]
اشاره

و هي أي موجبات الوضوء خاصة ستة فلا يرد ما يوجب الوضوء و الغسل، كما أنه لا يرد مثل تيقن الحدث و الشك في الطهارة، و تيقنهما و الشك في السابق منهما، و لا وجدان الماء، لكون الموجب حقيقة في الجميع هو الحدث

[في ناقضية البول الغائط و الريح من الموضع المعتاد]

خروج البول و نحوه و لو بالحكم به شرعا كالبلل الخارج قبل الاستبراء مثلا و الغائط و الريح من الموضع المعتاد إجماعا محصلا و منقولا، بل قيل لا خلاف فيه بين المسلمين، و سنة متواترة أو قريبة منه، و المرجع في هذه الأشياء الى العرف، و عند الشك يبنى على صحة الوضوء كالشك في أصل الخروج، و مثلهما الشك في أن الخارج من النوع الناقض أو من غير الناقض، و لا فرق في ذلك بين الخروج في الأثناء أو بعد تمام الوضوء، فما يخرج من الدبر صحيحا مثل بزر الخيار و البطيخ و نحو ذلك ممزوجا برطوبة مثلا أو منفردا ليس من الغائط في شي ء عرفا، و مثل بعض الأجزاء مثل قشور الماش و بعض أجزاء

ج 1، ص: 394

الرطب يحتمل قويا أنها ليست منه أيضا، لا يقال: انه لو كان كذلك لكان كثير من الغائط ليس منه، لكونه عبارة عن المأكول، لكنه تجعله المعدة أجزاء دقاقا، لأنا نقول المدار على الصدق العرفي، و التغير له مدخلية، نعم قد يقال: ذلك في بعض الأشياء التي حد طبخ المعدة لها لا يخرجها عن الحال الأول خروجا تاما، مع أن الظاهر فيه اعتبار الصدق العرفي أيضا، و هو مضبوط فيه و ان كان عند التدقيق يحصل الاشتباه في بعض الأشياء، كما في كثير من معاني الألفاظ العرفية حتى في لفظ الماء و الأرض و نحوهما، و لا معنى للإلزام في الصدق العرفي، إذ العرف قد يطلق على بعض الأشياء أنها من الغائط إن خرجت ممزوجة بمتيقن الغائطية، و لا يصدق لو خرجت مستقلة مثلا، و الضابط ما ذكرناه فيما تقدم، و في مثل بعض أجزاء الحقنة و الدواء، و فاسد المعدة التي لا تطبخ معدته غذاءه، إلى غير ذلك فتأمل.

و يظهر من جملة من الأخبار(1)تقييد الريح الناقضة بسماع الصوت و وجدان الريح، و من المعلوم عدم اشتراط ذلك، لإطلاق الأدلة من الإجماعات و غيرها، و معلومية الإرادة بالقيد دفع الوسوسة التي أشير إليها بالروايات (2)من

«أن الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتى يتخيل أنه قد خرج منه ريح»

، و لذلك

قال موسى بن جعفر (عليهما السلام)(3)في خبر علي أخيه كما عن قرب الاسناد لما سأله عن رجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحا قد خرج فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها: «يعيد الوضوء و الصلاة، و لا يعتد بشي ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا»

و كأن المسألة من الواضحات، و ما في المدارك- بعد ذكر خبر زرارة(4)و معاوية بن عمار(5)المشتملين على تقييد الريح بسماع الصوت و وجدان الريح ان مقتضى الرواية ان الريح لا يكون ناقضا إلا مع أحد الوصفين- لعله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 3.

ج 1، ص: 395

لا يريد الخلاف في ذلك، و إلا كان ما قدمنا حجة عليه من الإجماع و إطلاق كثير من الأخبار، مع ظهور القيد فيما ذكرنا، أو عدم نقض اليقين بالظن و نحوه، و ظاهر إطلاق النص و الفتوى عدم اشتراط الاعتياد في المخرج المعتاد الطبيعي، كما صرح به بعضهم، بل عن شارح الدروس دعوى الإجماع عليه، بل يظهر من الرياض أن إجماع المعتبر و المنتهى عليه و إن كان الظاهر أنه اشتباه، كما أنه يحتمل في عبارة شارح الدروس عدم إرادة الإجماع على ذلك، فلاحظ و تأمل، و عليه فلو خرج مرة واحدة وجب الوضوء إذا بلغ مكلفا، و عن الروض و المسالك أنه لقلة فائدته لم يتعرض له الأكثر، و فيه أن الغرض كما يتحقق بما ذكرنا يتحقق بمن خرج من أول أمره من غير المعتاد لسائر الناس مع وجوده له حتى نشأ على ذلك، ثم بعد وضوئه مكلفا به اتفق أنه خرج من الطبيعي شي ء، فلعل ترك الأكثر له لا لما ذكر، بل لاشتراط اعتياد الخروج، سيما إذا كان المعتاد غيره من أول أمره، بل لعل

قوله (عليه السلام)(1)في خبر أبي بصير: «انما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك»

يرشد الى اعتياد الخروج، و قد يستشكل في شمول الفتوى له أيضا بحمل المعتاد في كلامهم على كونه في الشخص، لا معتادا بالنسبة إلى أغلب الناس و إن لم يكن معتادا بالنسبة إلى الشخص، أو على إرادة اعتياد الخروج، كالإشكال في شمول الأدلة لانصرافها الى المتعارف، و هو الخروج معتادا من المعتاد فتأمل. لا أقل من الشك في الخارج مرة من الموضع المعتاد لأغلب الناس بعد أن كان خروجه من غيره حتى مضى أكثر عمره على ذلك، لكن قد يستظهر من الإجماع شموله، و ذلك لنقلهم الإجماع في الخروج من المعتاد من غير تفصيل، مع التفصيل في غيره بالاعتياد و عدمه، هذا كله مبني على اختيارهم من الانصراف الى الفرد الشائع، و إلا فعلى مختار ابن إدريس كما تسمعه فلا فرق، و الظاهر أن المراد بالخروج،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 5.

ج 1، ص: 396

المتعارف، و هو المنفصل، فلو خرج شي ء ثم رجع كالخارج بخروج المقعدة و بدونها فالمتجه عدم النقض، كما أن الظاهر حصول النقض بخروج الحيوان أو غيره مع تلطخه بالعذرة و لو يسيرا، للصدق، و يشهد له

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(1)في حب القرع أنه: «ان خرج متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع صلاته، و أعاد الوضوء»

و به يقيد ما دل (2)على عدم نقض الحيوان الخارج من الدبر، على أن الظاهر منه عدم النقض من حيث خروجه نفسه، فهو غير محتاج الى التقييد، كما يقيد

قول الصادق (عليه السلام)(3)في خبر فضيل «في الرجل يخرج منه مثل حب القرع: عليه وضوء»

أو يحمل على التقية، أو الإنكار، أو الاستحباب، أو انه يخرج منه قليل من الغائط بقدر حب القرع.

[في ناقضية الغائط و عدمه لو خرج مما دون المعدة]

و لو خرج الغائط أو البول مما دون المعدة نقض في قول و ان لم يصر معتادا و الأشبه أنه لا ينقض إلا إذا صار معتادا، لما سيذكره فيما بعد، و تفصيل البحث ان الغائط و البول إذا خرج من غير المعتاد فمختار المبسوط و الخلاف النقض إذا كان مما دون المعدة، لا ما إذا كان من فوقها، و هو المنقول عن ابن البراج في الجواهر، و ظاهره عدم الفرق في كل منهما بين صيرورته معتادا و عدمه، بل هو شامل لما لو انسد المخرج الطبيعي و انفتح غيره و كان فوق المعدة، مع أنك ستسمع الإجماع على خلافه، و ربما قيد النزاع بما إذا لم ينسد المخرج الطبيعي، و لا شاهد عليه في الجميع، بل مقتضى ما تسمع من استدلال الشيخ الشمول لما لو كانت خلقته الخروج مما فوق المعدة، و قال ابن إدريس بالنقض على كل حال، من غير فرق بين الاعتياد و عدمه، و هو مختار التذكرة، و المشهور بين المتأخرين التفصيل بالاعتياد و عدمه، فما صار معتادا نقض،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 6- و لكن رواه في الوسائل عن ابن أخي فضيل.

ج 1، ص: 397

و إلا فلا، من غير فرق بما دون المعدة و فوقها، و يظهر من المنقول عن شارح الدروس اختيار عدم النقض مطلقا حتى إذا صار معتادا، و هو الذي قواه في الرياض.

حجة الشيخ تناول الأدلة للخارج مما دون المعدة، لشمول قوله تعالى(1):

«أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ»* ثم قال: و انما لم نقل بالخارج مما فوق المعدة لعدم صدق الغائط عليه، و فيه أنه لا دخل للمخرج في صدق الاسم، و لاستعباد خفاء مثل ذلك عليه (قدس سره) يحتمل قويا إرادته بما فوق المعدة أي قبل وصول الغذاء إلى حد الغائطية، لأنه لا يصل إلا بعد أن تطبخه المعدة، و تأخذ العروق نصيبها منه، فيبقى التفل، فينزل، و يكون تحت، و بعد ذلك فهو غائط من أينما خرج حتى لو خرج من الفم، كما نقل أن شخصا كان يتغوط من فمه، فمراد الشيخ بتحتية المعدة ذلك، فيتحد حينئذ مع ابن إدريس، فتكون الآية المتقدمة مع عدم القول بالفصل، و

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(2)في خبر زرارة: «لا يوجب الوضوء إلا من غائط، أو بول، أو ضرطة تسمع صوتها، أو فسوة تجد ريحها»

و

قول الرضا (عليه السلام)(3)في خبر زكريا بن آدم سأله عن الناصور أ ينقض الوضوء: «انما ينقض الوضوء ثلاث البول و الغائط و الريح»

كالخبر المنقول

عن العيون مسندا (4)قال: سأل المأمون الرضا (عليه السلام) «عن محض الإسلام، فكتب إليه في كتاب طويل و لا ينقض الوضوء إلا غائط أو بول أو ريح أو نوم أو جنابة»

و

في الوسائل روى الصدوق (5) بأسانيده عن محمد بن سنان في جواب العلل عن الرضا (عليه السلام) «ان علة التخفيف في البول و الغائط لأنه أكثر و أدوم من الجنابة، فرضي فيه بالوضوء لكثرته


1- 1 سورة النساء- آية- 46- و في سورة المائدة- آية 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 10.

ج 1، ص: 398

و مشقته و مجيئه بغير إرادة منهم و لا شهوة»

الى آخره و كالمنقول(1)

عن العلل و العيون عن الرضا (عليه السلام) أيضا «إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة و من النوم، دون سائر الأشياء، لأن الطرفين هما طريق النجاسة، و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما، فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم»

بناء على ظهوره في دوران الحدث على الخارج منهما نجسا دليلا لهما على المطلوب.

لا يقال: هذه الأخبار مقيدة بما جاء في المعتبرة المستفيضة من التقييد بالطرفين، ك

قول أحدهما(2)في خبر زرارة: «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم»

و

صحيحه (3)أيضا قال: قلت لأبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): «ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر و الدبر من الغائط و البول»

الى آخره و

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(4)في خبر سالم أبي الفضل: «ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك»

إلى غير ذلك من الروايات، لأنا نقول (أولا) انه مفهوم قيد، و الكلام في حجيته معلوم، (و ثانيا) انه قد تبين في الأصول أن القيد متى جرى على الغالب خرج عن الحجية، بل قد تكون حينئذ حجة لنا على وجه، لبقائها حينئذ مطلقات، لحصول الظن أو القطع بجريانه مجرى الغالب، أو يقال: ان الخارج من غير الطرفين يصدق عليه أنه ما يخرج من طرفيك على الشأنية، أو على إرادة نفس الغائط و البول، (و ثالثا) ان المقصود نفي النقض بالقي ء و الرعاف و نحو ذلك، كما تقوله العامة العمياء، كما يشير الى ذلك

قول الصادق (عليه السلام)(5)في خبر أبي بصير بعد أن سأله «عن الرعاف و الحجامة و كل دم سائل:

ليس في هذا وضوء، انما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك»

و مثله في ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث- 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 10.

ج 1، ص: 399

غيره، بل لعل المتأمل في الروايات- مع كثرتها و تصريحها بنفي النقض بالقي ء و الرعاف و نحوهما، بل نسبة ذلك فيها إلى المغيرة بن سعيد- يكاد يقطع أن المراد بالحصر في ذلك نفي النقض بغيرها مما تقدم، لا أن المراد منه نفي النقض بالخارج من الثلاثة من غير المعتاد.

لا يقال: انا لا نحتاج في تقييد ما ذكرت الى هذه الروايات، بل التبادر كاف فيه، فان الآية و جميع ما تقدم من الأخبار المطلقة تنصرف الى الفرد الشائع المتعارف، و ليس هو إلا الخروج من المعتاد، و هو الذي يجب إضماره فيما تقدم، إذ ليس فيهما عموم لغوي، لأنا نقول (أولا) ان هذه الندرة ليست ندرة إطلاق، بل هي ندرة وجود، فإنه لا ينبغي الشك لعاقل ان الخارج من غير السبيلين خروج بول و غائط، (و ثانيا) انه لو نزلت هذه الروايات على المعتاد لوجب أن لا يحكم بنقض من خلق مخرجه على غير المعتاد، و لا بمن انسد المعتاد منه ثم انفتح آخر، و لا بمن أصل خلقته له مخرجان، و لا بمثل مخرج الخنثى و الممسوح و نحو ذلك، بل لا معنى للتفصيل بالاعتياد و عدمه، لأن اعتياده للخروج من غير السبيلين لا يخرجه عن كونه فردا نادرا بالنسبة إلى عامة الناس، بل و لا مثل من يخرج من المعتاد لأغلب الناس نادرا، بل كل من كان مخالفا للمتعارف بوجه من الوجوه، و هو مما لا يرتكبه من ذاق طعم الفقاهة و عرف إشاراتهم، و احتمال أن المستند في البعض الإجماع المنقول ضعيف، إذ الأصل في المستند الأخبار، على أنه لا يتم في الجميع، و مما ذكرنا من الأخبار المقيدة مع الأصل حجة المشهور على عدم النقض بغير المعتاد، كما ان عموم الآية و الحديث حجتهم على النقض مع الاعتياد، مضافا الى

قول الصادق (عليه السلام): «اللذين أنعم الله بهما عليك»،

لتحقق النعمة بهما حينئذ، و فيه ان الأول إن كان صالحا للتقييد فلا معنى للاستدلال بالآية و الحديث، و ان كان غير صالح فلا معنى للاستدلال بها على عدم النقض، بل يبقى عموم الآية حينئذ شاملا للمعتاد و غيره، و أيضا قد يقال: ان ذلك ليس من النعمة بل من النقمة إلا ان يراد أصل الخروج نعمة، فيشمل النادر حينئذ، على ان قوله: اللذين أنعم الله

ج 1، ص: 400

الى آخره وصف للطرفين المعتادين المتعارفين، لا ان الحكم تعلق على النعمة، إذ ظاهر الإضافة و الموصول العهد، على أن مرادهم بالاعتياد في المقام لا يخلو من إجمال، فعن بعضهم أنه يتحقق بالمرتين، فينقض بالثالثة، و عن آخر انه بالثلاثة، و ينقض بالرابعة، و عن آخر الرجوع فيه الى العرف، و ان كان أقواها الأخير، لكنه فيه ان الرجوع في لفظ المعتاد الى العرف مع عدم وجوده في مدرك الحكم غير ظاهر الوجه، اللهم إلا أن يستفاد من التعليل في خبر العلل و العيون على معنى ان المدار على ما كان طريقا للنجاسة، و لا يكون كذلك الا مع الاعتياد فتأمل. و لعل الأقوال الأول انما هي في تحقيق المعنى العرفي و ان كان عدم التعرض لتحديده حينئذ أولى، فإنه كما يؤخذ التكرار يؤخذ عدم الانفصال مدة طويلة، و ان يكون الخارج قدرا معتدا به و نحو ذلك، فتأمل جيدا، فإنه مما ذكرنا يظهر لك قوة قول ابن إدريس، لكن

لا على وجه الخروج بخرقة و نحوها مثلا، بل إذا كان بحيث يتغوط و يبول منه على نحو المعتاد، فان حدثيته بهذا المعنى متحققة و ان كنا لم نعتبر نحو ذلك في المخرج المعتاد، و الله العالم.

و كيف كان فلدعوى فساد هذا التفصيل مع تنزيل الأخبار المتقدمة على المتعارف المعتاد و الأصل استظهر بعض المتأخرين عدم النقض مطلقا، و هو الذي قواه في الرياض، لكنك إذا أحطت خبرا بما قدمنا تعرف ما فيه، بل قد يدعى الإجماع المركب على نفيه، و قوله في المنتهى فالأقرب أنه ينقض لا ينافيه، ثم ان الظاهر من عبارة المصنف و جملة من الأصحاب بل أكثرهم تخصيص النزاع في البول و الغائط، و هما اللذان ذكرهما الشيخ (رحمه الله) في مبسوطة و خلافه و ابن إدريس في سرائره و غيرهما، بل صرح ابن إدريس بأن الريح الغير الخارجة من الدبر على وجه متيقن كالخارجة من فرج المرأة أو مسام البدن ليست ناقضة، و يظهر من بعضهم جريان النزاع فيه بمعنى انه إن خرجت الريح من غير المعتاد نقضت مع الاعتياد، و إلا فلا، من غير فرق لما كان الاعتياد لها نفسها أو لها مع

ج 1، ص: 401

الغائط مثلا، و هو و ان كان يؤيده ما ذكرنا من الأخبار المطلقة في نقض البول و الغائط و الريح فجميع ما تقدم فيهما جار فيه، لكن الأقوى في النظر الفرق بينهما، لكونه من المعلوم انه لا يراد بالريح أي ريح تكون، فان الجشاء و نحوه لا ينقض إجماعا، بل المراد المسماة بالضرطة و الفسوة، فمتى حصل ذلك قلنا به، و إلا فلا، بخلاف البول و الغائط، فإن الحكم معلق على البولية و الغائطية، نعم الظاهر صدق الضرطة و الفسوة على ما لو اتفق انه خلق الله مخرجه على غير النحو المعتاد، بل و يحتمل إلحاق منسد الطبيعي مع انفتاح غيره به، بل لعل قول العلامة في المنتهى: «لو اتفق المخرج في غير الموضع المعتاد خلقة انتقضت الطهارة بخروج الحدث منه إجماعا، لأنه مما أنعم به، و كذا لو انسد المعتاد و انفتح غيره» يشهد له، و من ذلك يعرف الحال فيما ذكره ابن إدريس من الخارج من فرج المرأة، فما يظهر من بعضهم من الفرق بينه و بين ذكر الرجل بان للفرج منفذا للجوف دون الذكر في غير محله، إذ قد عرفت ان الضابط ليس ذلك، بل ما تقدم، و هو غير صادق على الخارج منهما.

فان قلت: ان قوله (عليه السلام): لا ينقض إلا ما خرج من طرفيك قاض بأن الأصل فيما يخرج من الطرفين أن يكون ناقضا، سيما مثل الأمور الثلاثة، فينبغي ان يفرق بين الطرفين و غيرهما في هذا الحكم، قلت: فيه (أولا) منع هذا الأصل إذ لقائل أن يقول: انها لا تفيد إلا حصر الناقض في الخارج، لا حصر الخارج في الناقض، (و ثانيا) أنه ظاهر في أن الطرفين كل لما أعدا للخروج منه، (و ثالثا) تعليق الحكم على الضرطة و الفسوة حاكم على ذلك و لو اتفق انه يخرج من فمه، كما يتفق في بعض الأمراض، فبناء على نقض الريح الخارجة منه كيف يفرق بينه و بين الجشاء فهل يتمسك بالأصل فلا ينقض حتى يعلم، أولا؟ الظاهر الأول.

ثم أنه لا ينبغي الشك لفقيه في أن هذا النزاع في الخارج من غير المعتاد بالنسبة للحدث فقط، و إلا فلا إشكال في النجاسة الخبثية، فما يظهر من بعض المتأخرين من

ج 1، ص: 402

التأمل فيه قائلا اني لم أعثر على نص للأصحاب في ذلك ليس على ما ينبغي، و لا حاجة الى نص الأصحاب على ذلك بعد قولهم ان الغائط من النجاسات، و فرق بينه و بين الحدث من جهة تعليق حكم الحدث على الخروج الظاهر في الموضع المعتاد دون الخبث، و أما الخنثى المشكل فعلى كلام ابن إدريس بل و على كلام الشيخ لكونه تحت المعدة يتجه النقض، كما أنه لا إشكال فيها لو خرج منهما معا، لكون أحدهما مخرجا طبيعيا قطعا، و أما مع عدم الاعتياد في أحدهما فالظاهر انه لا نقض عندهم حتى يصير معتادا، و أما الممسوح فالظاهر ان الثقب الذي يكون في موضع الذكر هو من الطبيعي، لكونه أعد للخروج، و الله العالم.

و لو اتفق المخرج أي الدبر في غير الموضع المعتاد نقض بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى الإجماع عليه، كما في المدارك أنه موضع وفاق، بل يستفاد منهما ان بحكمه ما لو انسد الطبيعي و انفتح غيره، بل لا يحتاج عندهم فيه حينئذ إلى الاعتياد، بل يكون كالمخرج الطبيعي، و لعله لقوله (عليه السلام) طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك، إذ ليس بلازم كونهما أسفلين. و كذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتادا أما إذا انسد الطبيعي فقد عرفت ما في المنتهى و المدارك، و أما إذا لم ينسد فهو من المسألة السابقة

[في ناقضية النوم]

و النوم الغالب على إدراك الحاستين حاستي السمع و البصر، و الوصف بالغلبة ليس تخصيصا، بل هو لتحقيق ماهية النوم، و بذلك قيده جماعة من الأصحاب، لكن الأخبار فيه مختلفة، (فمنها)(1)ما قيدته بذهاب العقل، (و منها)(2)بنوم الاذن و العين و القلب، مع الحكم فيها انه قد تنام العين و لا تنام الأذن و القلب، (و منها)(3)بخفاء الصوت، (و منها)(4)بنوم الأذنين


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8.

ج 1، ص: 403

و العينين كالأصحاب، مع الحكم فيها بأنه قد تنام العينان و لا تنام الأذنان، و ربما علل بأنهما أقوى الحواس إدراكا فمتى بطلا بطل غيرهما بطريق أولى، لكن في المدارك و غيرها أن فيه نظرا، و قال بعضهم وجه النظر منع كونهما أقوى إدراكا، بل اللمس و الذوق أقوى منهما، و لعله لذا استحسن بعضهم التعليق على ذهاب العقل، قلت:

قد يحتمل أن يكون اختلاف هذه الأخبار للإشارة إلى أنه لا يحتاج الى تعرف، كما يشير اليه

صحيح زيد الشحام (1) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الخفقة و الخفقتين؟ فقال: ما أدري ما الخفقة و الخفقتين، ان الله تعالى يقول (2)(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) إن عليا (عليه السلام) كان يقول: من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا وجب عليه الوضوء».

و ما يقال إن ذلك ينافيه ما ذكره بعض الأصحاب و صرحت به بعض الأخبار من تحقق الشك في النوم، و حكمت حينئذ ببقاء الطهارة حتى يستيقن يدفعه أنها محمولة على عدم وجدان طعم النوم، إذ لو وجد لما شك، و لذا حكمت ببقاء الطهارة، كما أنه يحتمل ان يكون المدار العقل، و لكن معرفة ذهابه تحتاج الى معرف، إذ مراتب ذهابه متفاوتة، فأول مرتبته الغلبة على البصر، و آخر مرتبته شرعا الغلبة على السمع، فإنه ربما يغلب عليه و مع ذلك يمشي في الطريق، بل في سكة الطريق، بل قد يكون راكبا على فرس أو حمار و هو في غاية ضبط النفس من الوقوع، بل الميل، بل قد يبقى اللجام في اليد، و الرجل في الركاب على وجه الاستحكام، و العمامة على الرأس، إلى غير ذلك، فظهر أنه لا بد من معرف شرعي للذهاب المعتبر شرعا، و لا يكتفى بذكر ذهاب العقل، و لذا قيد الجماعة بالغلبة على السمع و البصر، لكن فيه ما لا يخفى، فإن


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث- 8- و في الوسائل من وجد طعم النوم فإنما أوجب عليه الوضوء.
2- 2 سورة القيامة- آية 14.

ج 1، ص: 404

مرتبة ذهاب العقل النومي إن كانت مشتبهة لم يكشف عنها الغلبة على السمع و البصر، و من هنا يحصل الشك، و ما تقدم من المحافظة ليس من جهة بقاء العقل، بل عادة بعض الناس الاستمرار في النوم على ما كانوا عليه في حال اليقظة، نعم يحتمل قويا كما يظهر من الأخبار(1)ان العقل و السمع في الغلبة متلازمان، فمتى غلب على العقل غلب على السمع، و بالعكس بخلاف العين، فإنه قد يغلب عليها و لا يغلب عليهما، بل صرحت به بعض الأخبار(2)لكن اللائق في التعبير حينئذ الاكتفاء بالغلبة على السمع، أو تقديم البصر و تأخير السمع، و الأمر سهل و إن كان الأقوى ما ذكرته أولا، و للمحافظة على هذا الطريق صرح بعضهم ان الفاقد لهما أي الحاستين يقدرهما، قلت: و كذلك الفاقد لأحدهما، إلا إذا قلنا ان مع وجود السمع لا يحتاج الى البصر، لكن لا يخفى ما في الإيكال الى هذا التقدير من الاجمال.

و كيف كان فلا كلام في ناقضية النوم، بل الأخبار به متواترة، كالإجماعات المنقولة البالغة كثرة الى حد يمكن دعوى تحصيل الإجماع من نقلتها، و ما وقع من بعض القدماء من عدم عده في النواقض، بل مع حصر النواقض فيما يخرج من الطرفين من الأشياء الخاصة، كما عن علي بن بابويه و المقنع و الهداية ليس خلافا، بل المقصود بالحصر إخراج بعض الأشياء، كالمذي و الوذي و القي ء و الرعاف و الحجامة و نحو ذلك، بل هو الظاهر من المنقول عن المقنع و الهداية، فلاحظ و تأمل، و إلا فكيف يحتمل ذلك مع نقل الشيخ في التهذيب إجماع المسلمين على الناقضية، بل الصدوق نفسه نسبه الى دين الإمامية، و لو كان مخالفا أو والده لما قال ذلك، إذ والده من رؤساء الإمامية عند سائر العلماء فضلا عنه نفسه، كما يظهر لمن لاحظ الفقيه من الحكم بصحة الرسالة و كونها حجة بينه و بين ربه، و احتمال خفاء مذهب والده عليه في غاية البعد، بل هو في مثل هذه المسألة ممنوع، نعم ربما احتمل بعضهم الخلاف منه في الفقيه في بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.

ج 1، ص: 405

أحوال النوم لكونه أورد روايتين مخالفتين، مع قوله فيه اني لا أورد فيه إلا ما أفتي به، و تسمع الكلام فيهما إن شاء الله، و من المعلوم انه حدث بنفسه، لا لتجويزه ان يقع منه حدث، و إن كان لا ثمرة في هذا النزاع بعد الحكم من الشارع انه متى تحققت ماهية النوم حكم بالنقض، إما له أو للتجويز، على انه يدل عليه بعد الإجماع ظواهر الأخبار(1)من نسبة النقض اليه وعده في سلك الأحداث و الحكم فيها ان النوم حدث كما تسمعه ان شاء الله، و

قول موسى بن جعفر (عليهما السلام)(2)في بعض الأخبار:

«انه لا وضوء على الراقد ما دام قاعدا ما لم ينفرج»

ك

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(3):

«كان أبي يقول: إذا نام الرجل و هو مجتمع فليس عليه وضوء، فإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء»

لا دلالة فيهما على الاستلزام المذكور، سيما الأخيرة، إذ لعل المراد منها تخصيص النقض بالنوم المتعارف، فيحمل حينئذ على ضرب من التأويل، و حملهما على التقية أولى من غيره، كما يشعر بذلك قول الصادق (عليه السلام) (كان أبي يقول) نعم

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(4)«عن الرجل يخفق و هو في الصلاة إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان فعليه الوضوء و إعادة الصلاة، و إن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا إعادة»

فيه دلالة على ذلك، لكن قد يراد منه أن النوم لم يغلب على عقله، بل بقي ضابطا لنفسه عارفا لما يقع منه، فيرجع حينئذ إلى التقييد بذهاب العقل أيضا(5).

و على كل حال فالمنقول عن الفقيه الخلاف في إطلاق ناقضية النوم، لأنه أورد


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 6.
5- 5 و قد يكون ذلك من باب الحكم لا من باب العلل كما هو متعارف التعليل بذلك، و على ذلك تحمل رواية العلل فتأمل منه رحمه الله.

ج 1، ص: 406

فيه روايتين،

الأولى (1)قال: سأله سماعة بن مهران «عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما أو راكعا فقال: ليس عليه وضوء»

و

الثانية(2)قال و سئل موسى بن جعفر (عليهما السلام) «عن الرجل يرقد و هو قاعد هل عليه وضوء؟ فقال لا وضوء عليه ما دام قاعدا ما لم ينفرج»

فان كان هاتان الروايتان مذهبا له كان مخالفا مع إرادة النوم من خفق الرأس، و يبطله- مضافا الى إطلاق الأخبار التي منها(3)

ان «النوم حدث»

و الإجماعات- التصريح به في إجماع الانتصار و الخلاف و عن الناصريات و الغنية، بل في التنقيح بعد نقل كلام الصدوق انعقد الإجماع على خلافه، و انه ناقض في جميع الحالات، إلى غير ذلك من الأخبار الخاصة، ك

قول أبي عبد الله (عليه السلام)(4)في خبر عبد الحميد بن عواض «من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء»

و قول

موسى بن جعفر (عليهما السلام) (5)في خبر علي أخيه على ما عن قرب الاسناد بعد أن سأله «عن رجل يتكئ في المسجد فلا يدري نام أم لا هل عليه وضوء؟: إذا شك فليس عليه وضوء»

بل ربما يدل عليه

خبر معمر بن خلاد(6)قال:

سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع، و الوضوء يشتد عليه و هو قاعد مستند بالوسائد، فربما أغفى و هو قاعد على تلك الحال؟ قال:

يتوضأ، قلت له: إن الوضوء يشتد عليه، فقال: إذا خفي عنه الصوت فقد وجب الوضوء عليه»

على تقدير أن يراد بالاغفاء النوم كما عن الصحاح و القاموس، مضافا الى

صحيح زيد الشحام (7)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الخفقة و الخفقتين؟


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8.

ج 1، ص: 407

فقال ما أدري ما الخفقة و الخفقتين، ان الله تعالى يقول (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) إن عليا كان يقول من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فإنما أوجب عليه الوضوء»

و هو مع غيره أيضا معارض لما ذكر من خفقان الرأس في الصلاة، و جعله من باب الإطلاق و التقييد فيختص الحكم في الصلاة لا يخفى ما فيه من عدم المقاومة من وجوه، و مثله القول بالتقييد بخبر القعود، فان تلك المطلقات التي هي كالصريحة في المطلوب كما لا يخفى على من لاحظها المعتضدة بصريح الإجماعات السالفة و الأخبار المتقدمة لا يحكم عليها مثل ذلك، بل لا يرتكبه فقيه ماهر، و كيف و الخبران مع الطعن في سنديهما الأول منهما موافق لقول أبي حنيفة من عدم نقض النوم الوضوء في الصلاة، و الثاني موافق لقول الشافعي من عدم نقض النوم قاعدا ممكنا مقعدته من الأرض، بل و أبي حنيفة بدون قيد التمكين، و من هنا وجب طرحهما، أو حملهما على عدم حصول النوم الغالب على الحاستين، فلا يكون الصدوق حينئذ مخالفا، كما يشهد له ما نقل عنه من ذكره في أول الباب صحيحة زرارة(1)المشتملة على ناقضية النوم، بل يحتمل إرادة من لم يعده من النواقض أنه داخل في زوال العقل الذي هو من النواقض إجماعا، فيصح حينئذ أن يقال ان النوم ليس من النواقض، بل هو مستلزم للناقض الذي هو زوال العقل و إن كان هذا الاستلزام انما دل عليه الشرع، بل لعله يحمل عليه بعض الأخبار الدالة على ان النوم ليس بناقض، و على كل حال فالمسألة بحمد الله من الواضحات، لكن وقع من بعضهم الاستدلال على ناقضية النوم ب

صحيحة إسحاق بن عبد الله الأشعري عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «لا ينقض الوضوء إلا حدث، و النوم حدث»

و يشكل بأنه لا تنطبق على شي ء من الأشكال المنطقية، و ذلك لكونها مشتملة على عقدي إيجاب و سلب، و لفظ الحدث نكرة في سياق الإثبات لا تفيد عموما، فيكون المعنى حينئذ لا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.

ج 1، ص: 408

ينقض الوضوء غير حدث من الأحداث، و النوم حدث، فلو رتب الشكل بان النوم حدث، و حدث ينقض الوضوء، ليكون على صورة الشكل الأول لم ينتج لعدم كلية الكبرى، و لو رتب على طريق الشكل الثاني فيقال الناقض حدث، و النوم حدث لا إنتاج أيضا لعدم اختلاف المقدمتين في الكيف، و لو رتب على طريق الشكل الرابع فيقال حدث ناقض و النوم حدث لا إنتاج أيضا، لعدم كلية الصغرى، و الشكل الثالث غير محتاج فساده الى بيان، إلا أنه قد يجاب بأن يقال ان لفظ حدث في قوله لا ينقض الوضوء ليس المراد منه نكرة حتى لا يفيد العموم، بل المراد منه الطبيعة، و تنوينه للتمكين، كما في قوله

«أسد علي و في الحروب نعامة»

و حينئذ يفيد ان النقض لاحق لطبيعة الحدث، فيتحقق عند تحققها، فيكفي حينئذ في إثبات المطلوب بيان كون هذا الشي ء حدثا، بل قد يؤيده أنه لا معنى لإرادة حدث مخصوص فيه، كما لا معنى لحمله على حدث من الأحداث، فتعين حمله على ما ذكرنا، أو على العموم، أو يقال ان المفهوم من هذا الخطاب حدث ناقض، سيما إذا وقع من مثلهم، إذ ليس شأنهم بيان اللغة و لا بيان ما لا نفع له في الدنيا و الدين، كلا ان ذلك ينزه عنه نواب سيد المرسلين، أو يقال ان الغرض المطلوب من هذه الرواية إما الرد على العامة المثبتين للنقض بما ليس بحدث، و لما كان الحدث غير واضح الصدق بالنسبة إلى النوم

قال (عليه السلام): النوم حدث

، أو بيان ان ناقضية النوم لحدثيته في نفسه، لا لاحتماله الحدث، و الأمر في ذلك سهل بعد وضوح الأمر.

[في ناقضية الجنون و الإغماء و السكر]

و في معنى النوم نقضا كل ما أزال العقل أو غطاه من جنون أو إغماء أو سكر أو غير ذلك و لو لشدة المرض أو الخوف أو نحوهما بلا خلاف أجده، بل في المدارك الإجماع عليه، بل عن التهذيب إجماع المسلمين، كما في المنتهى لا نعرف خلافا فيه بين أهل العلم، و هو الحجة في المسألة، و إلا فمع قطع النظر عنه لم يسد غيره

ج 1، ص: 409

مسده، و ان وقع في كلام بعضهم الاستناد إلى

صحيحة معمر بن خلاد(1)قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع، و الوضوء يشتد عليه، و هو قاعد مستند بالوسائد، فربما أغفى و هو قاعد على تلك الحال؟ قال:

يتوضأ، قلت له: إن الوضوء يشتد عليه، قال: إذا خفي عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء»

لكن عن بعض أهل اللغة ان الإغفاء النوم، و إن أمكن دفعه بأنه لا يقيد قوله (عليه السلام) إذا خفي عنه الصوت، مع أن التدبر و التأمل في الرواية يقضي بأن المراد بالاغفاء الإغماء، كما أنه وقع من آخر الاستدلال بما يفهم من أخبار ناقضية النوم من جهة تعليق الحكم فيها على ذهاب العقل المشعر بان السبب في النقض زوال العقل، بل قيل ان النقض في مثل الإغماء و الجنون و نحوهما يستفاد من باب الأولوية، لكونهما أولى من النوم استيلاء، و

عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام)(2)«ان الوضوء لا يجب إلا من حدث، و ان المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه، أو يكون منه ما يجب إعادة الوضوء».

لكن الكل لا يخلو من نظر، أما الأول فلظهور إعادة الضمير في قوله خفي عنه الى الرجل المتقدم، فيكون الخفاء عنه بالسبب المتقدم، و هو ان سلمنا أنه الإغماء، و إلا فقد نقل عن الصحاح و القاموس أن المراد بالاغفاء النوم، فلا تدل على تمام الدعوى من نسبة النقض الى مزيل العقل، و التمسك بعدم القول بالفصل رجوع الى كلام الأصحاب، و مثل ذلك الكلام في الرواية الأخيرة، على أنها ضعيفة السند، بل قيل ان هذا الكتاب غير معتمد، و أما الاستدلال بما وقع في أخبار النوم من ذهاب العقل ففيه أنه وقع ذلك على جهة التقدير للنوم الذي يتحقق به النقض، كما قدر بالغلبة


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 2- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 4.

ج 1، ص: 410

على السمع و البصر و نحو ذلك، و أين هو من التعليق المشعر بالعلية، نعم لا بأس بأخذ ما تقدم ذكره مؤيدا الكلام الأصحاب، أو يكون هو الجابر للسند و الدلالة.

[مما لا يوجب إلا الوضوء خاصة في كل حال الاستحاضة القليلة]

و مما لا يوجب إلا الوضوء خاصة في كل حال الاستحاضة القليلة التي لا تثقب الكرسف إجماعا، إلا من ابن أبي عقيل كما في المعتبر، فلم يوجب وضوء و لا غسلا، و ابن الجنيد فأوجب بها غسلا واحدا في اليوم و الليلة، و مثله غيره في عدم نقل الخلاف عن غيرهما، فلعل ما نقل من بعض عبارات القدماء كالهداية و المقنع الحاصرة لنواقض الوضوء في غيرها لم يفهموا منها الخلاف، و ل

قول الصادق (عليه السلام)(1)في خبر معاوية بن عمار: «و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلت كل صلاة بوضوء»

و

قول الباقر (عليه السلام)(2)في خبر زرارة سألته «عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال: تستظهر بيوم أو يومين، ثم هي مستحاضة، فلتغتسل و تستوثق من نفسها و تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت وصلت»

و غيرهما من الأخبار الآتية في محلها، و بذلك مع ضميمة الإجماع ممن عداهما بل بعض الإجماعات المنقولة في غير المقام على ناقضية الوضوء بأشياء منها الاستحاضة ينقطع متمسك الأول من الأصل، و تتخصص الأخبار الحاصرة موجبات الوضوء في غيرها، كما أنه تحمل بعض الأخبار الآمرة لها بالصلاة مع الاستثفار بثوب حتى يخرج الدم من وراء الثوب على إرادة الوضوء، و لم نقف للثاني على مستمسك سوى ظواهر بعض الأخبار الآمرة(3)بالغسل ان لم يجز الدم الكرسف، و يأتي إن شاء الله أن المراد منها المتوسطة أي التي تثقب الكرسف، و لا يتجاوزه، و الأمر سهل.

لكن عن الشهيد الإيراد على نظير العبارة بأنه إن أريد الموجبات ليس إلا فينبغي ذكر المتوسطة فيما عدا الصبح، إذ لا توجب إلا الوضوء، و ان أريد ما يوجب الوضوء


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاستحاضة- حديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاستحاضة- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاستحاضة- حديث 5.

ج 1، ص: 411

في الجملة فينبغي ذكر الموجبات الأحد عشر، إلا أنك خبير بان المراد الأول، لكن بمعنى عدم إيجاب غير الوضوء في كل حال، و هو منخرم في المتوسطة، بل قد يقال بمدخلية الغسل للصبح في سائر الصلوات، و لذا لو تركته في الصبح لزمها الغسل في البواقي، على إشكال يأتي البحث فيه ان شاء الله، كما أنه يأتي التعرض لأحكام تتعلق بهذا الوضوء من وجوب تجديده لكل صلاة، كما تضمنه الخبران المتقدمان، و تجديده عند الانقطاع للبري ء قبل الدخول في الصلاة، و عدم جواز تقديمه على وقت الصلاة، و غير ذلك من الأحكام المتعلقة به و بمستدام الحدث.

[في عدم ناقضية المذي]

و لا ينقض الطهارة مذي و هو ما يخرج عند الملاعبة و التقبيل و نحوهما، كما عن الصحاح و القاموس و مجمع البحرين، و يرجع اليه ما عن الهروي من أنه أرق ما يكون من النطفة عند الممازجة و التقبيل، و ما عن ابن الأثير من أنه البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء، و

في مرسلة ابن رباط(1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «يخرج من الإحليل المني و الوذي و المذي و الودي، فأما المني فهو الذي يسترخي منه العظام، و يفتر منه الجسد، و فيه الغسل، و أما المذي فهو يخرج من الشهوة، و لا شي ء فيه»

الى آخره. و عن الشهيد الثاني بأنه ماء رقيق لزج يخرج عقيب الشهوة، و في الحدائق أنه نظم ذلك بعض متأخري علمائنا، فقال:

المذي ماء رقيق أصفر لزج خروجه بعد تفخيذ و تقبيل

و الحجة على عدم النقض به- بعد الأصل بل الأصول مع كونه مما تعم به البلوى و الإجماع المنقول في الخلاف و المنتهى و عن الغنية و التذكرة و نهاية الأحكام، بل لعله محصل لما تسمعه من ضعف خلاف ابن الجنيد، و الأخبار الحاصرة موجب الوضوء بالغائط و البول و الريح- الأخبار الخاصة فيما نحن فيه المستفيضة جدا، بل كادت تكون متواترة، (منها)

قول أحدهما (عليهما السلام)(2)في الحسن كالصحيح بعد أن


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.

ج 1، ص: 412

سئل عن المذي: «لا ينقض الوضوء و لا يغسل منه ثوب و لا جسد، إنما هو بمنزلة المخاط»

و

قول الصادق (عليه السلام) في الحسن (1)كالصحيح أيضا: «ان سال من ذكرك شي ء من مذي أو ودي و أنت في الصلاة فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة، و لا تنقض له الوضوء و إن بلغ عقبيك»

الحديث، الى غير ذلك من الأخبار التي تبلغ تقريبا الى ما يزيد على عشرة، و في كثير منها التعليل بأنه بمنزلة المخاط و البصاق و النخامة، و ترك الاستفصال في بعضها، و الإطلاق بل العموم في آخر يقضي بأنه لا فرق فيه بين ما يخرج بشهوة و بدون شهوة، مع انك قد عرفت من نص أهل اللغة و غيرهم من الأصحاب و مرسلة ابن رباط أن المذي هو الذي يخرج من شهوة و إن لم يكن ذلك حصر فيه، و ما كان ليكون فلا ريب في إفادته أنه الفرد الغالب المتعارف المتيقن دخوله، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام)(2)فيما أرسله ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا «ليس في المذي من الشهوة، و لا من الإنعاظ، و لا من القبلة، و لا من مس الفرج، و لا من المضاجعة وضوء، و لا يغسل منه الثوب، و لا الجسد»

و هو مع كون المرسل ابن أبي عمير يشعر قوله عن غير واحد من أصحابنا بكون الرواية مستفيضة، و ما تقدم من

مرسلة ابن رباط «ان المذي يخرج من الشهوة و لا شي ء فيه»

و ما رواه (3)في الوسائل عن

الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن عمر بن يزيد قال: «اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة، و تطيبت، و لبست أثوابي، فمرت بي وصيفة، ففخذت بها، فأمذيت أنا و أمنت هي فدخلني من ذلك ضيق، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك؟

فقال: ليس عليك وضوء».

و بذلك كله يظهر ضعف المنقول عن ابن الجنيد من التفصيل بين الخارج عن شهوة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 13.

ج 1، ص: 413

دون غيره، مع أن المنقول عن حاشية الشيخ علي على الكتاب عن ابن الجنيد ان حكمه بالناقضية من جهة احتمال أن يكون معه شي ء ينقض، فيرجع النزاع معه لفظيا، ضرورة أنه من قطع أنه ليس معه شي ء لا يشمله خلافه، بل الأخبار المذكورة لا تكون دليلا له إلا على وجه ضعيف، نعم قد يرجع النزاع معه في أن احتمال الناقض ناقض، لكن المعروف من خلافه الأول، و يشهد له

خبر أبي بصير(1)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «المذي يخرج من الرجل، قال: أحد لك فيه حدا، قال: قلت: نعم جعلت فداك، قال: فقال: إن خرج منك على شهوة فتوضأ، و إن خرج منك على غير ذلك فليس عليك وضوء»

و

صحيح علي بن يقطين (2)سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن المذي أ ينقض الوضوء؟ قال: إن كان من شهوة نقض»

و

خبر الكاهلي (3)سألت أبا الحسن (عليه السلام) «عن المذي أ ينقض الوضوء؟ فقال ما كان منه من شهوة فتوضأ منه»

و فيه أنها لا تقاوم ما ذكرنا من وجوه عديدة، فما وقع من بعض المتأخرين من تحكيمها على الأخبار الأول لما بينهما من الإطلاق و التقييد، و لصحة بعضها ليس في محله، بل ما نشأ هذا و أمثاله إلا من اختلال الطريقة، مع أنك قد عرفت أن ما تخيله مطلقا هو ان لم يكن نصا في الخارج من شهوة لما سمعت من تفسيره فهو كالنص فيه، مضافا الى ما سمعت من الأخبار الناصة عليه بالخصوص، مع أن المعروف بين العامة ناقضيته للوضوء، فلعل التفصيل أقرب الى مذهبهم، بل يؤيده رواية علي بن يقطين لهذا، و هو من وزراء الخليفة، مع أن روايات الكاظم (عليه السلام) أقرب الى التقية من روايات الباقر بل الصادق (عليهما السلام)، فتحمل حينئذ على التقية، كالأخبار الآمرة بالوضوء منه مطلقا، ك

قول أبي الحسن في صحيح يعقوب بن يقطين (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث- 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث- 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 16.

ج 1، ص: 414

«عن الرجل يمذي و هو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة، قال: المذي فيه الوضوء»

مع احتمال حمله على التعجب، و

صحيح ابن بزيع (1)سألت الرضا (عليه السلام) «عن المذي فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه سنة أخرى، فأمرني بالوضوء منه، ثم أعدت عليه سنة أخرى، فأمرني بالوضوء منه، و قال: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمر المقداد بن الأسود أن يسأل النبي (صلى الله عليه و آله) و استحيا أن يسأله، فقال: فيه الوضوء»

مع أن الشيخ روى هذه الرواية عن خصوص هذا الراوي بزيادة

«قلت: فان لم أتوضأ قال: لا بأس به».

و يمكن حمل هذه الأخبار على الاستحباب، مع تأكده في الخارج من شهوة ان قلنا بانقسام المذي إلى قسمين، كما ذكرنا ذلك في مستحبات الوضوء، و تقدم لنا سابقا الكلام في ترجيح الحمل على التقية، أو الاستحباب، و ليعلم أن الشيخ (رحمه الله) قال بعد ذكر بعض الأخبار المخالفة: لو صح ذلك كان محمولا على المذي الذي يخرج من شهوة، و يخرج عن المعهود المعتاد من كثرته، فقد تعطي عبارته هذه الخلاف، بل فهمه منه بعضهم، لكن لعله ذكره في مقام الجمع بين الأخبار، و إلا فهو محجوج بما سمعت، فالمسألة خالية عن الاشكال بحمد الله و ان قيل انها محل تردد، لكنه ليس في محله، و الله أعلم.

[في عدم ناقضية الودي و الوذي]

و لا ودى بالدال المهملة ماء ثخين يخرج عقيب البول، كما نص عليه جملة من علمائنا، منهم السيد في مداركه، بل في مرسلة ابن رباط، و أما الودي فهو الذي يخرج بعد البول، فلا اشتباه في موضوعه، كما أنه لا اشتباه في حكمه، للأصل بل الأصول، و الإجماعات المنقولة ان لم يكن محصلا، و الأخبار المعتبرة، و ما وقع في بعض الأخبار من الوضوء منه محمول إما على التقية، أو الاستحباب، أو على خروجه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9 و في الوسائل جملة ثم أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه ليست مكررة.

ج 1، ص: 415

عقيب البول من غير استبراء، و بالأخير جمع العلامة و الشيخ، لكن فيه إشكال من جهة ان عدم الاستبراء يجعل البلل المشتبه بحكم البول، لا المعلوم أنه ودي، و التعليل لأنه ان لم يستبرئ لا بد و ان يخرج معه أجزاء بولية فيه منع، و على تقديره لا نسلم ناقضيتها، لاستهلاكها بحيث لا تسمى بولا، فتأمل جيدا، فإن المسألة لا تخلو من ثمرة، كما إذا وقع بعد الفراغ من البول بحيث يقطع الإنسان بعدم جفاف المجرى، و لكنه انقطعت دريرة البول و مع ذلك خرج الودي، بل يمكن دعوى الطهارة، لخروجه عن مسمى البولية، و عدم تنجيسه للودي في الباطن.

و أما الوذي بالذال المعجمة فقد ذكر بعض علمائنا انه الذي يخرج بعد المني، و لم يحضرني من كتب اللغة ما أتحقق به ذلك، بل عن شارح الدروس انه لم يقف فيما حضره من كتب اللغة على شي ء مناسب له، لكن في مرسلة ابن رباط انه الذي يخرج من الأدواء، و هو جمع داء، فيكون المراد به ما يخرج بسبب الأمراض، و عن بعض نسخ الاستبصار تبديل الأدواء بالأوداج، و لعل المراد بها هنا مطلق العروق، و ان كان الودج اسما لعرق في العنق، و كيف كان فالأمر فيه سهل، إذ لا يقدح بعد عدم اشتباه حكمه اشتباهه و دورانه بين غير مشتبه، للإجماع على عدم نقض الثلاثة، مضافا للأصل بل الأصول و السنة، بل و على المحكي عن ابن الجنيد في المذي الخارج من شهوة، لأنه حين يخرج من شهوة لا كلام في انه مذي، لما سمعت من التفسير، و غير الخارج من شهوة و ان اشتبه بالودي و الوذي في بعض الأحوال لكنه قد وافق القوم، نعم قد تظهر ثمرة من جهة ان الظاهر استحباب الوضوء من المذي و الودي بالدال المهملة، و أما الوذي فلم أقف على خبر أمر بالوضوء منه حتى يحمل على الاستحباب، و لذلك لم نذكره فيما يستحب الوضوء منه سابقا، فعلى فرض الاشتباه يحصل الإشكال في حصول سبب الاستحباب، لكن الأمر فيه سهل، بل يحتمل القول

ج 1، ص: 416

بالاستحباب منه أيضا، لما

في بعض المراسيل (1)«انه كتب اليه هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب نعم»

بل هو متجه مع قرب الودي من الوذي في الكتابة، فقد تكون بعض كلمات الأصحاب و بعض الأخبار في الوذي بالذال المعجمة، و الله أعلم.

[في عدم ناقضية دم و لو خرج من أحد السبيلين، عدا الدماء الثلاثة]

و لا دم و لو خرج من أحد السبيلين، عدا الدماء الثلاثة للأصل بل الأصول و الإجماع المنقول بل المحصل، و الأخبار المستفيضة في خصوص المقام، كالواردة(2)في الحجامة و الرعاف و نحوها، مضافا الى الأخبار العامة(3)الحاصرة المتقدمة سابقا، بل

في خبر أبي بصير(4)عن الصادق (عليه السلام) سألته «عن الرعاف و الحجامة و كل دم سائل»

إلى غير ذلك من الأخبار، و في بعضها(5)نسبة النقض بالرعاف الى المغيرة بن سعيد مع لعنه، و ما نقل عن ابن الجنيد من الحكم بناقضية الدم الخارج من السبيلين مع الشك في خلوه من النجاسة مع موافقته عند العلم بالعدم ليس خلافا في المسألة مع أنه في غاية الضعف، و لم نقف على ما يدل عليه، مع منافاته لقاعدة عدم نقض اليقين بالشك، و لعل ما في

خبر الحسن بن علي بن بنت إلياس (6)«سمعته يقول: رأيت أبي (عليه السلام) و قد رعف بعد ما توضأ دما سائلا فتوضأ»

و ما في

خبر عبيد ابن زرارة(7)سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل أصابه دم سائل؟

قال: يتوضأ و يعيد، قال: و إن لم يكن سائلا توضأ و بنى، قال: و يصنع ذلك بين الصفا


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 13.
7- 7 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 12.

ج 1، ص: 417

و المروة»

مول إما على التقية، أو على الاستحباب، أو غير ذلك، و لعل الحمل على الثاني أولى، لما تقدم سابقا في استحباب الوضوء.

[في عدم ناقضية القي ء و النخامة و تقليم الظفر و حلق الشعر]

و لا قي ء و لا نخامة و لا تقليم ظفر و لا حلق شعر من غير خلاف أجده، بل الإجماع منقول عليه، و يدل عليه- مضافا الى ذلك، و إلى الأصل، و الأخبار العامة- الأخبار الخاصة (منها)

خبر زرارة(1)قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «الرجل يقلم أظفاره، و يجز شاربه، و يأخذ من شعر لحيته و رأسه، هل ينقض ذلك وضوءه؟

فقال: يا زرارة كل هذه سنة، و الوضوء فريضة، و ليس شي ء من السنة ينقض الفريضة، و إن ذلك ليزيده تطهيرا»

(و منها)

خبر سعيد بن عبد الله الأعرج (2)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «آخذ من أظفاري و من شاربي، و أحلق رأسي، أ فأغتسل؟ قال: لا، ليس عليك غسل، قلت: فأتوضأ قال لا، ليس عليك وضوء، قلت: فأمسح على أظفاري الماء، فقال: هو طهور ليس عليك مسح»

(و منها)

خبر أبي هلال (3)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «أ ينقض الرعاف و القي ء و نتف الإبط الوضوء؟ فقال: و ما تصنع بهذا، هذا قول المغيرة بن سعيد، لعنه الله المغيرة، يجزيك من الرعاف و القي ء أن تغسله، و لا تعيد الوضوء»

و يدل على عدم نقض النخامة ما تقدم سابقا من عدم ناقضية المذي للوضوء، لكونه بمنزلة النخامة، و ما يوجد في بعض الأخبار مما يخالف ما ذكرنا محمول على الاستحباب أو التقية، أو غير ذلك، و قد تقدم حصر مستحبات الوضوء، و لعل الحامل للأصحاب على ذكر هذه الأشياء وجودها في الأخبار، للرد على العامة، و الأمر سهل.

[في عدم ناقضية مس الذكر و الدبر و القبل]

و لا مس ذكر و لا دبر و لا قبل ظاهرا و باطنا بظاهر الكف و باطنها، محللا


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8.

ج 1، ص: 418

و محرما، بشهوة كان أو بغير شهوة، و الحاصل أنه ليس لمس المذكورات نقض مطلقا على ما هو المشهور بين علمائنا شهرة كادت تكون إجماعا، بل هي إجماع، و في الخلاف الإجماع على عدم نقض مس الفرج، أي الفرجين كان، سواء كان رجلا أو امرأة، أو مس أحدهما فرج صاحبه بظاهر الكف أو بباطنه، و به قال علي (عليه السلام)(1)و ربما سبق بعض الإجماعات على حصر النواقض في الستة المتقدمة، و يدل عليه- مضافا إلى ذلك، و إلى الأصل بل الأصول، و الأخبار الحاصرة للناقض في الخارج من الطرفين، و الأخبار الحاصرة للناقض في البول و الغائط و الريح، و قد تقدمت، و هي كثيرة معتبرة مستفيضة، بل متواترة، بل الظاهر منها إرادة نفي الناقضية بهذه الأشياء و نحوها مما ذهبت إليه العامة- خصوص

خبر ابن أبي عمير(2)عن غير واحد من أصحابه عن الصادق (عليه السلام) «أنه ليس من مس الفرج وضوء»

و

صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام)(3)«أنه ليس في القبلة و لا المباشرة و لا مس الفرج وضوء»

و

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

سألته «عن رجل مس فرج امرأته؟ قال: ليس عليه شي ء، و إن شاء غسل يده، و القبلة لا يتوضأ منها»

و

خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام)(5)«عن الرجل يمس ذكره، أو فرجه، أو أسفل من ذلك و هو قائم يصلي، يعيد وضوءه، فقال: لا بأس بذلك، انما هو من جسده»

إلى غير ذلك، و لا يقدح عدم صراحتها في مس الباطن، لكونها مطلقة، مع أن المراد الرد على العامة العمياء، فلا يلتفت للمنقول عن الصدوق من النقض بمس الرجل باطن دبره، أو باطن إحليله، أو فتح إحليله، و عن ابن الجنيد من النقض بمس ما انضم عليه الثقبتان، و مس ظاهر الفرج من غيره بشهوة إذا كان محرما، و مس باطن الفرجين محرما أو محللا.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 8.

ج 1، ص: 419

و يدل على تمام دعوى الصدوق و بعض دعوى ابن الجنيد

خبر عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام)(1)قال: «سئل عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره؟

قال: نقض وضوءه، و إن مس باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في الصلاة قطع الصلاة، و يتوضأ و يعيد الصلاة، و إن فتح إحليله أعاد الوضوء و أعاد الصلاة»

و ربما كان في

خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام)(2)قال: «إذا قبل الرجل المرأة من شهوة، أو مس فرجها أعاد الوضوء»

دلالة أيضا في الجملة، و أنت خبير أنه- مع الغض عما في السند، و موافقة العامة، فإنه نقل القول بمضمونها عن جماعة كثيرة من العامة- لا تنهض على معارضة ما ذكرنا من الأدلة المعتضدة بما سمعت، مع إعراض الأصحاب قديما و حديثا غيرهما، فالمسألة من الواضحات، و لم نقف على ما يدل على تمام تفصيل ابن الجنيد، و لا يبعد حمل الرواية المخالفة على الاستحباب، و من الأخبار السابقة يظهر لك عدم النقض بالقبلة أيضا، مع انه يدل عليها أيضا جميع ما تقدم لنا مكررا، و تفرد ابن الجنيد بالنقض إذا كان من شهوة، و كذلك عن لذة المحرم و لعله لما سمعت من خبر أبي بصير مع عدم دلالته على تمام المدعى فيه ما عرفت، و كذلك تفرده بالنقض بالقهقهة إذا كانت في الصلاة، و تفرده أيضا بنقض الحقنة، و يرده في الكل الأصول و السنة و الإجماع و ظواهر بعض الأخبار الدالة على بعض ما يقول مع معارضتها بمثلها محمولة على وجوه قريبة جدا بل يقطع المتأمل بأنها المراد منها.

[في عدم ناقضية لمس المرأة و أكل ما مسته النار]

و لا لمس امرأة و لا أكل ما مسته النار لم ينقل عن أحد فيه خلاف حتى ابن الجنيد، و الأصول و الأخبار(3)و الإجماعات دالة عليه، فلا نطيل الكلام بذلك.

و مثله ما يخرج من السبيلين إلا أن يخالطه شي ء من النواقض و كأنه مستغن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 9 و 15- من أبواب نواقض الوضوء.

ج 1، ص: 420

عن الاستثناء، لكنه أراد أن ينبه عليه لمكان تنبيه الأخبار(1)و عبارات الفقهاء شرح لها، لكن كان عليه أن يذكر حينئذ بعض ما تضمنت الأخبار عدم ناقضيته كانشاد الشعر(2)و كلام الفحش و الكذب (3)و الغيبة(4)و القذف و قتل البقة و البرغوث (5)و القملة(6)و الذباب (7)و نتف الإبط(8)و لمس الكلب (9)و مصافحة المجوسي (10)و نحو ذلك، و لعله

ترك ذلك لكثرتها، و اتفاق الأصحاب عليها، و كان كثرة هذه الأخبار لبيان ذلك لمكان أقوال العامة، إذ هي مختلفة اختلافا يدل على فساد أصل مذهبهم، و كان منشأ ذلك القياس و الاستحسان، و بعض الأخبار المختلفة، و سنقف و يقفون، و نسأل و يسألون، و على الله التكلان.

و كذلك لا ينقض الوضوء بالردة، سواء كانت عن فطرة إن ملة مع وجوب القتل و عدمه فيهما، للأصل بل الأصول، و الأخبار الحاصرة، و الإجماع المنقول و إن كان المتيقن من الأخير غير الفطري المستوجب القتل، و الأول كاف فيه، و عدم قبول توبته لا تستلزم بطلان طهارته، كما أن نجاسته الخبثية لا تقضي بفساد طهارته الحدثية، لعدم الدليل، بل لدليل العدم، و كونه بمنزلة الميت بالنسبة للأموال لا يقضي به هنا(11)و العمدة الأول و لا دليل في قوله تعالى (12)«لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ»


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب نواقض الوضوء.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 17- من أبواب نواقض الوضوء- حديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 14- من أبواب نواقض الوضوء.
9- 9 الوسائل- الباب- 11- من أبواب نواقض الوضوء.
10- 10 الوسائل- الباب- 11- من أبواب نواقض الوضوء.
11- 11 و قد يقال على بعد أن الموت لم تثبت ناقضيته أيضا، و كونه أعظم من النوم في زوال العقل مع كونه قياسا ممنوع منه رحمه الله.
12- 12 سورة الزمر- آية 65.

ج 1، ص: 421

«وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ»(1)لأن المراد بالإحباط ذهاب الثواب، و هو لا يستلزم بطلان جميع الآثار، مع إمكان معارضته بقوله تعالى (2)«وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ» حيث اشترط في الإحباط الموت على الكفر» و بهذا الأخير أجاب جماعة من أصحابنا، لكنه غير متجه في الفطري بناء على عدم قبول توبته في الظاهر و الباطن، و العمدة في الجواب الأول، و ما نقل عن ابن عباس أن الحدث حدثان، حدث اللسان و حدث القلب لا حجة فيه، لكونه ليس من طرقنا، مع عدم صراحته بذلك، بل و لا ظهوره، سيما بعد إضافة الحدث للسان فتأمل. نعم الردة في الأثناء ناقضة للوضوء، لفوات الاستدامة في بعض الأحوال، و لنجاسة ماء الوضوء القاضي بفساده، فلو رجع في الأثناء صح وضوؤه على الأقوى ما لم يحصل الجفاف، و الله أعلم.

تم الجزء الأول من العبادات بعون الله خالق البريات، و يتلوه الجزء الثاني في أحكام الخلوة و الوضوء من الطهارة، نسأل الله جل جلاله التوفيق لإتمامه بمحمد و آله.


1- 1 سورة المائدة- آية 7.
2- 2 سورة البقرة- آية 214.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.