علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير المجلد 1

هویة الکتاب

اسم الكتاب: علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير

كاتب: محمد صفاء شيخ ابراهيم حقى

موضوع: علوم قرآنى

تاريخ وفاة المؤلف: معاصر

لسان: العربية

عدد المجلدات: 2

الناشر: موسسة الرسالة

مكان النشر: بيروت

سنة الطباعة: 1425 / 2004

نشرت: اوّل

ص: 1

اشارة

علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير

ص: 2

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1425ه_ - 2004م

وطى المصيطبة - شارع حبيب أبي شهلا - بناية المسكن، بيروت-لبنان تلفاكس: 319039 - 815112 فاكس: 603243ص.ب : 117460

Al-Resalah

PUBLISHERS

BEIRUT/LEBANON-Telefax:815112-319039 Fax:603243-P.O.Box:||7460

Email:Resalah@Cyberia.net.lb

ص: 3

اهداء

ص: 4

المقدمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم إن الحمد للّه نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و صفوته من خلقه. و بعد:

فإن علوم القرآن من أشرف العلوم و أجلّها، و أفضلها على الإطلاق و أنفعها، لكون موضوعها كتاب اللّه، و لكون غايتها الاعتصام بكلام اللّه، و لهذا الأمر اهتم الصحابة و التابعون، و من جاء بعدهم، و سار على هديهم بهذا العلم، فأقبلوا على كتاب اللّه مفسرين ألفاظه، موضحين معانيه، كاشفين عن علومه و حقائقه، مظهرين إعجازه و بيانه، مجلّين محاسنه ........ إلى غير ذلك من أنواع الاهتمام التي أطلقوا عليها متأخرا مصطلح «علوم القرآن».

و قد تفاوتت اهتمامات العلماء بهذه العلوم، فمنهم من فسر القرآن كله، و منهم من اقتصر على تفسير سور أو آيات منه، و منهم من صرف

ص: 5

اهتمامه إلى جانب من جوانبه، فتناوله بالبحث و التحقيق و التدقيق، حتى أصبحت هذه العلوم خير عون للباحثين من أهل القرآن الذين يريدون الغوص في بحره الزاخر، و استخلاص شي ء من الدرر و الجواهر.

و لما كان موضوع رسالتي في مرحلة الماجستير بعنوان (الزيادة و الإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة المكي، من بداية الكتاب إلى نهاية النوع الخامس و الأربعين دراسة و تحقيقا). و كان من فضل اللّه عليّ أن هيأ لي سبل التسجيل في مرحلة الدكتوراة، رأيت أن أتابع المشوار الذي بدأته، و آثرت أن يكون موضوع رسالة الدكتوراة أيضا في هذا الفن، أقصد علوم القرآن، و لذا يمّمت شطر خزائن المكتبات المخطوط منها و المطبوع أبحث في كتب علوم القرآن، لعلي أحظى بموضوع لم ينل حظه من البحث و الدراسة فوجدت أن علماءنا قد تركوا لنا تراثا علميا ضخما، فلا تكاد تجد موضوعا من موضوعات علوم القرآن إلا و قد بحث و كتب فيه على تفاوت في الذي كتب، فعدت أدراجي إلى ما كان يدور في خلدي أيام الماجستير من أهمية دراسة علوم القرآن دراسة تاريخية موضوعية، و استقر العزم على وضع مخطّط تفصيلي لذلك، فأنشأت مخططا للموضوع من أربعة أبواب، كان الأخير منها بعنوان: علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير.

و كعادة الطلبة و الباحثين عرضت المخطط قبل تقديمه إلى القسم المختص على نخبة من أساتذتي و أشياخي الأفاضل من الذين أعلم عنهم الاهتمام و الجدية، و المنهجية العلمية، فكانوا بين مشجع عليه، لأهمية

ص: 6

الموضوع، و رافض له ظانّ أن الموضوع مطروق، حتى عرضته على أستاذيّ الفاضلين، فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، و فضيلة الأستاذ الدكتور علي بن سليمان العبيد- يحفظهما اللّه- و كنت على علم بعظيم اهتمامهما بالمخططات و الموضوعات، فاختلف رأيهما مع من عرضت عليهم، إذ لم يشجعا و لم يرفضا، بل لفتا انتباهي إلى زاوية منه، و أشارا إلى الاكتفاء بمقدمات التفاسير، و محاولة وضع مخطط لذلك.

و قد ترددت بادئ الأمر فالموضوع حسب اعتقادي قاصر لا يكون لمرحلة الماجستير، فكيف أتقدم به للدكتوراة، ثم إنني قد وضعته بابا من ضمن أربعة أبواب للموضوع المقترح! غير أنني حملت الفكرة باهتمام، و أوليتها العناية، و ما هي إلا أيام من التفكير الجاد، و البحث المستمر بين صفحات مقدمات التفاسير، حتى فتح اللّه قلبي للموضوع، و توجه العزم إلى وضع مخطط مبدأي له، و استخرت اللّه و ما خاب من استخار، و راجعت أهل المشورة من أساتذتي، و ما ندم من استشار، فوجدتهم بين مرحب بالموضوع مشجع، و مثبّط للهمة غير مقتنع بانصرافي إلى هذه الجزئية و ترك موضوعات أخرى هي أحوج إلى البحث و التحقيق.

و هكذا عشت فترة من الوقت بين تشجيع أولئك و تثبيط هؤلاء، أقدم رجلا و أؤخر أخرى حتى وجدتني و بتعاون من أستاذيّ الكريمين قد وضعت مخططا من ثلاثة أبواب رئيسة، و مقدمة و تمهيد و خاتمة، أحسبه محكما، جمعت فيه بين تاريخ علوم القرآن و نشأته، و هو ما توخيته من

ص: 7

الموضوع الأول، و بين مقدمات التفاسير و هو الباب الرابع من المخطط السابق، و تقدمت إليهما بالمخطط بعد أن سميته: (علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير) فشجعا العمل و باركاه، و أيدا المخطط و اعتمداه، و أوصياني بتقديمه إلى مجلس القسم، فكانت الموافقة بفضل اللّه.

و لما رفع المخطط إلى مجلس الكلية للتصديق عليه و اعتماده، تهيبت الأمر في البداية، خاصة كلما تذكرت تلك المجلدات العظام التي ألزمت نفسي بدراستها و تحليل محتوى مقدماتها، فقد بلغ عدد التفاسير المرشحة للدراسة نحوا من ثلاثين تفسيرا بين مخطوط و مطبوع، و قديم و محدث، هن أمهات كتب التفسير، إلى أن جاءت الموافقة فكانت بردا و سلاما، فقد رأى الشيوخ الأفاضل في مجلس الكلية صعوبة الموضوع و سعته، فكان التعديل بالاكتفاء بالقرون الثمانية الأول، مع عدم تعيين التفاسير التي كنت قد عينتها، و الاكتفاء بالمطبوعة منها، فصار المخطط بعد إدخال التعديلات المطلوبة بعنوان: (علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير من نشأتها إلى نهاية القرن الثامن الهجري)، و هذا تفصيله:

يتكون البحث من مقدمة و تمهيد و ثلاثة أبواب و خاتمة و فهارس.

المقدمة: بيان أهمية الموضوع، و أسباب اختياره و خطة البحث.

التمهيد: أهمية مقدمات التفاسير، و التعريف بها و نشأتها.

ص: 8

الباب الأول: علوم القرآن دراسة تاريخية: الفصل الأول: تعريف عام بعلوم القرآن و نشأته.

1- علوم القرآن بالمعنى اللغوي.

2- علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي.

3- نشأة علوم القرآن.

الفصل الثاني: التأليف في علوم القرآن:

1- المرحلة الأولى: من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري.

2- المرحلة الثانية: من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر الهجري.

3- المرحلة الثالثة: من بداية القرن العاشر إلى العصر الحالي.

الباب الثاني: مقدمات التفاسير: تناولت في هذا الباب جميع التفاسير المطبوعة التي لها مقدمات من بداية التفسير إلى نهاية القرن الثامن الهجري.

و جعلت كل كتاب في مبحث مستقل، و تناولت فيه النقاط التالية:

1- التعريف بالتفسير و المقدمة و المؤلف.

ص: 9

2- عرض موضوعات المقدمة.

3- منهج المؤلف في مقدمته.

4- مصادر المؤلف في مقدمته.

5- مدى التزام المؤلف في تفسيره بما ذكره في مقدمته.

6- أهم مزايا المقدمة.

7- أظهر المآخذ عليها.

الباب الثالث: الموضوعات التي تناولتها مقدمات التفاسير: الموضوع الأول: نزول القرآن.

الموضوع الثاني: جمع القرآن و ترتيبه.

الموضوع الثالث: رسم المصحف و نقطه و شكله و وضع الأخماس و الأعشار.

الموضوع الرابع: سور القرآن و آياته و كلماته و حروفه.

الموضوع الخامس: أسماء القرآن و أسماء سوره.

الموضوع السادس: فضائل القرآن و خواصه و آداب تلاوته.

الموضوع السابع: المكي و المدني.

ص: 10

الموضوع الثامن: التفسير و التأويل.

الموضوع التاسع: بيان شرف التفسير و الحاجة إليه.

الموضوع العاشر: أوجه التفسير و طرقه و أنواعه.

الموضوع الحادي عشر: العلوم التي يحتاجها المفسر.

الموضوع الثاني عشر: مراتب المفسرين.

الموضوع الثالث عشر: الاختلاف بين المفسرين و قواعد الترجيح.

الموضوع الرابع عشر: الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن.

الموضوع الخامس عشر: الظهر و البطن و الحد و المطلع.

الموضوع السادس عشر: ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.

الموضوع السابع عشر: الوقف و الابتداء.

الموضوع الثامن عشر: إعجاز القرآن.

و تناولت هذه الموضوعات من خلال المقدمات، و ذلك بدراستها دراسة موضوعية مقارنة.

الخاتمة: و فيها أهم النتائج.

ص: 11

الفهارس: فهارس شاملة للآيات القرآنية، و الأحاديث النبوية، و آثار الصحابة، و الأعلام، و الأشعار، و الأماكن و البلدان، و الفرق و القبائل، و المراجع، و الموضوعات.

منهجي في البحث:

أما المنهج الذي سرت عليه في تدوين هذه الرسالة، فلم آت ببدعة في شي ء منه، بل اخترت من مناهج الكتابة ما يتفق و طبيعة الموضوع بإشراف و توجيه من شيخي المشرف و مباركة منه، و قد كان يحفظه اللّه كثيرا ما يلجم قلمي فلا يتركه ينطق بكثير من الاستطرادات التي يلتجئ إليها مثلي، إذ الكتابة العلمية الدقيقة تستلزم خلفية علمية قوية، و هو أمر أحسبه للشيوخ، و أدرك أن ما يوجه إليه فضيلته حق لا مراء فيه، و لكن ما حيلتي و البضاعة مزجاة، مهما يكن فقد استطاع الشيخ تسييس تلميذه الجموح، فجاء المنهج الذي رسمته تحت أنظار الشيخ و توجيهاته، منهجا معتدلا، ليس بالطويل الممل و لا القصير المخل، اتكأت في الصياغة على أهل الأدب، فقد كنت أسعى بين الفينة و الفينة إلى مطالعة كتاب لأديب من الأدباء، أو كاتب اشتهر قلمه، و مع ذلك لا أنكر بأنني كررت نفسي في كثير من المواطن، و خاصة في الباب الثاني من الرسالة، و هو أمر لم أجد عنه بدا، فالبضاعة كما ذكرت مزجاة.

ص: 12

هذا و يتلخص منهجي في النقاط الآتية:

1) التوسط و الاعتدال في النقول، و توثيق النصوص من مصادرها الأصلية قدر الإمكان، و في توثيق النصوص أذكر اسم الكتاب و المؤلف و رقم المجلد و الصفحة، فإن اعتمدت أكثر من طبعة ذكرت الطبعة في حينه بقولي: طبعة فلان، بذكر اسم المحقق أو الجهة التي طبعت الكتاب.

2) وضع عناوين جانبية لرءوس الموضوعات الجزئية و المسائل ضمن الموضوع الواحد.

3) نسبة الأقوال إلى قائليها، و ذلك إما بالتصريح باسم القائل في المتن، أو الاكتفاء بالإحالة إلى كتاب من كتبه.

4) ترقيم الآيات القرآنية، و عزوها إلى سورها ضمن المتن و ذلك بوضعه ضمن معقوفتين.

5) تخريج الأحاديث و الآثار من مظانها، و عزو الأخبار التاريخية إلى مصادرها.

6) شرحت غريب الحديث و اللغة معتمدا على المصادر الأصلية في ذلك.

7) عرّفت بالأعلام الواردة أسماؤهم في صلب الرسالة في الغالب، عدا المعاصرين منهم فلم أترجم لهم.

ص: 13

8) أحلت القارئ إلى مواضع الأمثلة في كل ما ذكرته في الباب الثاني من منهج المؤلف أو مدى التزامه بما ذكره، دون سرد الأمثلة و ذلك خشية الإطالة و اكتفاء بما سيرد في الباب الثالث.

9) في الباب الثالث جمعت أقوال أصحاب المقدمات في مقدماتهم في مختلف الموضوعات بعباراتهم غالبا، مع التنسيق و الترتيب، و لم أسقط من كلامهم إلا المكرر و ما كان حشوا و استطرادا بعيدا، و ذكرت في بداية كل موضوع من بحثه من المفسرين مرتبين حسب تواريخ وفياتهم، ليتبين تطور هذا العلم، و ليظهر السابق من اللاحق، و ليعرف من بحثه ممن تركه.

10) أعددت فهارس فنية للرسالة تساعد على كشف المضامين بسهولة و يسر.

و قد واجهتني في كتابة الموضوع صعوبات عديدة شأني في ذلك شأن أي باحث، تمكنت بفضل اللّه أولا ثم بتوجيهات أستاذي المشرف فضيلة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع ثانيا، ثم بوقفات جادة و مخلصة من أخوين عزيزين كريمين هما الشيخ المهندس حمود بن صالح الجربا، و الشيخ فهد بن علي العندس ثالثا، من التغلب عليها و الحمد للّه.

هذا و الذين يشكرون على مساعدتي في إتمام هذا العمل كثيرون، لا أعجز عن ذكرهم و لكن الموقف يتطلب الاختصار، فلهم مني الدعاء بعظيم الأجر و الغفران.

ص: 14

و أجد لزاما عليّ أن أتقدم بخالص الشكر و التقدير و الامتنان لأستاذي الفاضل الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، رئيس قسم القرآن و علومه، و المشرف على هذه الرسالة على ما بذله من جهد، و صرفه من وقت، و أبداه من حسن توجيه و إرشاد في الإشراف على هذا العمل، و على ما لقيته منه- يحفظه اللّه- من سعة صدر، و حسن تقدير، و سؤال دائم عن كل ما يمكن أن يكون حائلا دون إنجاز العمل، فله مني الشكر و العرفان، و من اللّه الأجر و المثوبة.

و أشكر ثانيا أخي و زميلي الشيخ القدير و الرجل النبيل الكريم فهد بن علي العندس، الذي كان لي خير معين في غربتي، فتح لي صدره يستمع إلى همومي و غمومي، و فتح لي مكتبته فكفاني همّ التنقل بين المكتبات، و يعلم اللّه ما احتجت لشي ء و سمع به إلا و وجدته لي سندا بعد اللّه، و لن أستطيع شكره مهما فعلت، فأتركه للّه يجزيه على حسن تعامله بفضل منه و رحمة، و يدخله الجنان مع آل بيته، إنه تعالى سميع مجيب.

كما أشكر القائمين على جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، و على كلية أصول الدين و قسم القرآن و علومه، على ما بذلوه و يبذلونه من الجهد خدمة للعلم و أهله.

و في الختام إن ما كتبته جهد مقلّ يسعى ليتعلم، لا يكلف اللّه نفسا إلا ما آتاها، و قد قيل: الكتاب كالمكلّف لا يسلم من المؤاخذة، و لا يرتفع عنه القلم. فرحم اللّه من وقف على سهو أو خطأ فأصلحه، و ما توفيقي

ص: 15

إلا باللّه، عليه توكلت و إليه أنيب، و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.

أهمية مقدمات التفاسير:

اهتم العلماء منذ القديم بمضامين مقدمات التفاسير، فقد ضمنوها خلاصة أفكارهم، و زبدة آرائهم حول كثير من مسائل علوم القرآن و مباحثه، و هي آراء لم تطرق بعضها للبحث و النقاش، و علوم القرآن إنما يعتنى بها، و تعطى هذه المكانة و الأهمية لأنها توصل إلى معرفة مراد اللّه تعالى من كلامه للعمل بمقتضاه، و لكون المفسر قد طرق هذه الأبواب، و أدلى بدلوه في بيان معاني الآيات، كان من الضروري دراسة هذه المقدمات دراسة جادة، و محاولة الغوص فيها لإبراز الدقائق العلمية في ثناياها، و من ثمّ معرفة مواقف المفسرين من مسائل علوم القرآن ليتبيّن مدى معرفة المفسر بالعلوم المعينة على فهم كتاب اللّه الفهم الصحيح، و ليتبين بالتالي مدى إصابة المفسر القول في بيان مراد اللّه.

و لهذه الدراسة أهمية أخرى تكمن في معرفة تطور علوم القرآن و مباحثه عند المفسرين، و ذلك لأن المفسر قد ضمّن مقدمته رأيه في بعض المسائل، فجاء اللاحق ليتابع السابق فيما قاله و أثبته، و ليستدرك عليه ما لم يقله مما هو مطلوب قوله، كما يبين تأثر المفسرين بعضهم ببعض، و غير ذلك مما يتبين منه للقارئ تطور هذه المسائل عند المفسرين.

ثم إن المقدمات هي أول المصنفات التي جمعت أكثر من موضوع من

ص: 16

موضوعات علوم القرآن في موضع واحد، فهي النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن، و هذا جانب هام.

و لا شك أن بحثا يضم مثل هذه المعلومات، و يبين ما كتبه علماؤنا الأجلّاء يسهل على طلبة العلم الراغبين في فهم القرآن كثيرا من الوقت و الجهد، و يضع بين أيديهم بإذن اللّه جهدا جادا في بيان بعض الموضوعات التي كثر الجدل حولها، و تباينت الآراء بشأنها.

و بإيجاز يمكن القول: إن أهمية مقدمات التفاسير تنبع من الآتي:

1) أنها النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن.

2) أنها تضمنت كثيرا من الأحاديث و الآثار المتعلقة بعلوم القرآن، و التي رواها المفسرون بأسانيدهم.

3) أنها حوت أقوال و آراء المفسرين في كثير من علوم القرآن و مسائله.

4) أنها تضمنت ردود و مناقشات المفسرين المتأخرين لآراء و أقوال أسلافهم المتقدمين، فكان في ذلك تحرير لكثير من المسائل المختلف فيها، و سيمر بالقارئ في الباب الثالث- إن شاء اللّه- كثير من تلك المناقشات المفيدة.

5) التسهيل و التيسير على القارئ في التفسير، حيث يجد القارئ مبتغاه و ما أشكل عليه من مراد المؤلف بين يديه، فلا يلجأ إلى غيره لتوضيح ذلك.

ص: 17

6) أنها تقوي المعارف لدى القارئ لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز، دون الحاجة إلى الخوض في غمار المطوّلات من المصنفات.

7) أنها علامة هامة في بيان تطور علوم القرآن.

ص: 18

التمهيد:

اشارة

تعريف المقدمة، و نشأة مقدمات التفاسير:

أ- تعريف المقدمة:

المقدمة: الناصية، و ما استقبل من الجبهة و الجبين، و مقدّمة الجيش- بكسر الدال- الذين يتقدمون الجيش. (1)، قال ابن منظور: و قيل يجوز بالفتح (مقدّمة). (2)

و قال ابن فارس: القاف و الدال و الميم: أصل صحيح يدل على سبق و رعف (أي سبق و تقدم)، و منه: مقدّمة الجيش: أوّله. و منه أيضا: قيدوم الخيل: أنف يتقدم عنه. (3) و مقدمة كل شي ء: أوّله. و من مقدمة الجيش استعير لكل شي ء، فقيل: مقدّمة الكتاب، و مقدّمة الكلام، و مقدمة الإبل. (4)

هذا في اللغة، أما في الاصطلاح، فقد عرفها التفتازاني بقوله:

ص: 19


1- انظر: تهذيب اللغة للأزهري: 9/ 47- و أساس البلاغة للزمخشري: 496.
2- انظر: لسان العرب لابن منظور: 3/ 34.
3- انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس: 5/ 65- و مجمل اللغة له: 3/ 746.
4- انظر لسان العرب لابن منظور: 3/ 34.

يقال: مقدّمة الكتاب لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود لارتباط له بها، و انتفاع بها فيه، سواء توقف عليها أم لا. (1)

و في «الكليات» لأبي البقاء: مقدمة الكتاب: ما يتوقف عليه الشرح على بصيرة. (2)

و ذكر التهانوي للمقدمة- بكسر الدال المشددة و فتحها- معاني كثيرة، و من تلك المعاني: مقدمة الكتاب و عرّفها بقوله: مقدمة الكتاب:

طائفة من الألفاظ قدمت أمام المقصود لدلاتها على ما ينفع في تحصيل المقصود، سواء كان مما يتوقف المقصود عليه فيكون مقدمة العلم، أو لا، فيكون من معاني مقدمة الكتاب، من غير أن يكون مقدمة العلم. (3)

و في هذا المعنى استعمل القلقشندي مقدمة كتابه «صبح الأعشى»، فقد تحدث فيها عن مسائل أولية، و تعريفات تمهيدية، و قال: المقدمة للكتاب كالأساس من البنيان. ثم قال: و الطريق إلى إصابة المعنى في هذه المقدمات أن تجعل مشتملة على ما بعدها من المقاصد و الأغراض. (4)

ص: 20


1- انظر: المطول على التلخيص مع شرح السيد الشريف: 13.
2- انظر: الكليات لأبي البقاء: 636.
3- انظر: كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 5/ 1216.
4- انظر: صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 267.

قلت: و الذي قصده المفسرون هو تقديم طائفة من العلوم و المباحث المتعلقة بكتاب اللّه بين يدي الناظر في التفسير لفهمه على أتم وجه.

و قد أشار إلى ذلك ابن عطية بقوله: و لنقدم بين يدي التفسير أشياء قد قدّم أكثرها المفسرون، و أشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم، مجتمعة لذهنه. (1)

و يقول أبو شهبة: إن بعض المفسرين في القديم و الحديث صدّورا كتبهم بمقدمات قيمة في علوم القرآن لتكون مفتاحا لهذه التفاسير. (2)

و تعرض المهتمون بمناهج البحث من المعاصرين بذكر عناصر التأليف، فذكروا المقدمة و التقديم، و محتوى كل منهما من المادة العلمية، و كان الاهتمام منصبا على مقدمات الرسائل العلمية، و أقتصر هنا على إيراد نموذج من كلامهم، و أعرض عن الخوض في تفاصيل ذلك مكتفيا بالإحالة إلى بعض تلك المراجع لمن أراد الوقوف عليها.

يرى الدكتور يوسف القاضي أن المقدمة عادة ما يذكر فيها الأسباب التي دفعت للكتابة، و الطريقة التي اتبعها، و فكرة موجزة جدا عن فصول المحتوى الذي يحوي المعلومات المسهبة لتعطي القارئ فكرة عما يتكلم

ص: 21


1- انظر: تفسير ابن عطية: 1/ 12.
2- انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 35.

المرجع. (1)

ب- نشأة مقدمات التفاسير:

يذهب المهتمون بعلوم القرآن و أصول التفسير إلى أن أقدم من صدّر تفسيره بمقدمة في علوم القرآن هو شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، ثم تلاه غيره (2)، و هو قول ربما كان من المسلّمات عند أكثر الباحثين، و الصحيح أن هناك من سبق ابن جرير في هذا المنهج بقرن كامل، غير أنه لم يكن على غرار ما فعله ابن جرير من التوسع و الشمولية في المعالجة، أقصد عبد الرزاق الصنعاني، المتوفى سنة (211 ه)، فقد اكتفى المتقدم بتقديم جملة من الآثار في بعض المواضيع المتعلقة بنزول القرآن، دون أي تعقيب، ثم تبعهما آخرون توسعوا في المواضيع، و اتجهوا إلى جمع الأدلة و الآثار و سردها و مناقشتها، كما اهتموا بالتعقيب على أقوال أسلافهم من المفسرين المتقدمين، و انتقل هذا الاهتمام بعلم المقدمات إلى أهل المغرب و بلاد الأندلس، فاهتموا بذلك أيما اهتمام، و كان أكثر من اهتم بذلك ابن عطية،

ص: 22


1- انظر: مناهج البحوث و كتابتها ليوسف القاضي: 61. و انظر للمزيد من تعاريف المعاصرين: كتاب كيف تكتب بحثا أو رسالة: 138- و الدليل إلى كتابة البحوث الجامعية و رسائل الماجستير و الدكتوراة لبيكفورد و سميث: 109- و دليل الباحث: 10-.
2- انظر: المدخل إلى دراسة القرآن الكريم لأبي شهبة 35- و السيوطي و جهوده في علوم القرآن لعبد الحليم الشريف.

و القرطبي و ابن جزي و غيرهم.

و هكذا إلى أن جاء السيوطي في المشرق و شرع في تدوين تفسير كبير لكتاب اللّه سماه (مجمع البحرين و مطلع البدرين، الجامع لتحرير الرواية و تقرير الدراية) و وضع كتابا عليّ الشأن، جليّ البرهان، كثير الفوائد و الإتقان، أسماه (الإتقان في علوم القرآن) (1) و جعله مقدمة لتفسيره السابق ذكره، و تم بذلك تدوين أوسع مقدمة لكتاب في التفسير، تلك أصل فكرته، و لكن الكتاب لسعته و عدم كمال أصله أخذ استقلاليته.

و تتابع تصدير التفاسير بمقدمات في علوم القرآن على مر العصور و الأزمان، فلا تكاد تجد تفسيرا معتبرا إلا و قد احتوى على مقدمة في هذا الشأن، حتى أصبح ما بدأه عبد الرزاق و ابن جرير سنّة متبعة إلى يومنا هذا، فقد ظهرت مقدمات في غاية الإتقان و الإجادة كمقدمة «التحرير و التنوير» لابن عاشور، و مقدمة «روح المعاني» للآلوسي، و مقدمة «محاسن التأويل» لجمال الدين القاسمي، و غيرها.ا.

ص: 23


1- انظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 16 تحقيق الدكتور البغا.

ص: 24

الباب الأول: علوم القرآن دراسة تاريخية

اشارة

و فيه فصلان:

الفصل الأول: تعريف عام بعلوم القرآن و نشأته.

الفصل الثاني: التأليف في علوم القرآن.

ص: 25

الفصل الأول تعريف عام بعلوم القرآن و نشأته

اشارة

المبحث الأول: علوم القرآن بالمعنى اللغوي.

المبحث الثاني: علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي.

المبحث الثالث: نشأة علوم القرآن.

ص: 26

المبحث الأول علوم القرآن بالمعنى اللغوي

مصطلح (علوم القرآن) مركب إضافي يتكون من جزءين هما: (علوم) و (قرآن)، و يتضح المركب و يعرف بتحليل جزءيه و معرفتهما، ف (العلوم) جمع علم- بالكسر و سكون اللام- أصل صحيح يدل على أثر بالشي ء يتميز به عن غيره، و منه العلامة: السّمة. و العلم: الجبل. (1) و المعلم: الأثر يستدل به على الطريق. و العلم: نقيض الجهل، و علمت الشي ء أعلمه علما: عرفته و خبرته. (2)

و علم الأمر: أتقنه و عرفه حق المعرفة (3)، و في «المصباح المنير»: العلم اليقين، و علم يعلم: إذا تيقّن. (4) و علم بالشي ء: شعر به و أدركه. (5)

ص: 27


1- انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (علم): 4/ 109، و تهذيب اللغة للأزهري (علم): 2/ 415، و الصحاح للجوهري (علم): 5/ 1990.
2- انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (علم): 4/ 110، و تهذيب اللغة للأزهري (علم): 2/ 415، و لسان العرب لابن منظور (علم): 2/ 870 ط دار لسان العرب بيروت.
3- انظر: تاج العروس للزبيدي (علم): 8/ 405.
4- انظر: المصباح المنير للفيومي (علم): 162 ط مكتبة لبنان 1987.
5- انظر: تهذيب اللغة للأزهري (علم): 2/ 415.

و العلم: المعرفة، و قد يفرّق بينهما، فيقال: العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع (1)، أو هو صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض، و هو اليقين.

و قيل: العلم هو إدراك الشي ء على ما هو به.

و المعرفة: إدراك الشي ء بتفكير و تدبّر لأثره.

و عليه فالعلم أخص من المعرفة.

و فرّق ثلّة من العلماء بينهما من جهة اللفظ و المعنى، فقالوا:

إن فعل المعرفة يقع على مفعول واحد، و فعل العلم يقتضي مفعولين، و إذا وقع على مفعول واحد كان بمعنى المعرفة. (2)، هذا من جهة اللفظ، أما من جهة المعنى فالفرق من وجوه أهمها:

أن المعرفة تستعمل فيما تدرك آثاره و لا تدرك ذاته، و العلم فيما يدرك ذاته، فتقول: فلان عارف باللّه. و لا تقول: فلان عالم باللّه؛ لأن معرفته ليست بمعرفة ذاته، بل بمعرفة آثاره. و تقول: اللّه يعلم كذا، و لا تقول: اللّه يعرف، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل إليه بتفكّر.

و المعرفة في الغالب لما غاب عن القلب بعد إدراكه، فإذا أدركه فقد

ص: 28


1- انظر: التعريفات للجرجاني: 200.
2- انظر: التعريفات للجرجاني: 200، و المصباح المنير للفيومي (علم): 162.

عرفه، بخلاف العلم، و لهذا كان ضد المعرفة: الإنكار، و ضد العلم:

الجهل. (1)

هذه بعض معاني (العلم) في كلام العرب، أما في الاصطلاح فقد تباينت أقوال أهل العلم في تعريفه و ضبطه، و تنوعت هذه التعاريف كلّ حسب مشربه و معتقده و دائرة اهتمامه، فالحكماء يريدون به: صورة الشي ء الحاصلة في العقل. (2) و علماء الكلام يعرّفونه فيقولون: صفة يتجلّى بها الأمر لمن قامت به. (3)

و عرّفه الغزالي (4) فقال: هو اعتقاد الشي ء على ما هو به عليه. (5)

و المنقول عن الآمدي (6): أن العلم عبارة عن صفة يحصل بها لنفس

ص: 29


1- انظر: الكليات لأبي البقاء: 446. و المفردات للراغب: 331.
2- انظر: الكليات لأبي البقاء: 448.
3- انظر: الكليات لأبي البقاء: 449.
4- هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي، فيلسوف متصوف، أحد الأعلام المشهورين، برع في المذهب الشافعي، له «تهافت الفلاسفة» و غيره، توفي (505 ه). انظر: طبقات الشافعية للسبكي: 4/ 102. و وفيات الأعيان لابن خلكان: 4/ 216.
5- انظر: إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيدي: 1/ 96- 341، و الكليات لأبي البقاء: 446، و شرح مختصر الروضة للطوفي: 1/ 169.
6- هو علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي، أصولي باحث، اتّهم بفساد العقيدة، مصنفاته كثيرة، منها: الإحكام في أصول الأحكام، توفي (631 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 293- و شذرات الذهب لابن عماد: 5/ 144.

المتصف بها التمييز بين حقائق المعاني الكلية حصولا لا يتطرق إليه احتمال نقيض (1).

و اختصره ابن الحاجب (2) فقال: العلم صفة توجب تميّزا لا يحتمل النقيض (3).

و هو في اصطلاح الشرع يطلق على معرفة اللّه تعالى و آياته و أفعاله في عباده و خلقه. قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الزمر: 9] قال الزمخشري (4): أراد

ص: 30


1- انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: 1/ 13- و إتحاف السادة المتقين بشرح علوم الدين للزبيدي: 1/ 97- و شرح مختصر الروضة للطوفي: 1/ 170- و القاموس الإسلامي: 5/ 458.
2- هو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الدويني، المشتهر بابن الحاجب، كان رأسا في العربية و علم النظر، له «الكافية» و غيره، توفي (646 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 248- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 23/ 264.
3- انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي: 1/ 170.
4- هو محمود بن عمر بن محمد أبو القاسم الزمخشري، كبير المعتزلة، كان رأسا في البلاغة و العربية، له «الكشاف» و غيره، توفي (538 ه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/ 151- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 314.

بالذين يعلمون: العاملين من علماء الديانة (1) و ما ورد منه في الشرع عاما يشمل العلوم الدنيوية. قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: 28].

و قال الراغب (2): العلم إدراك الشي ء بحقيقته، و ذلك ضربان:

أحدهما: إدراك ذات الشي ء، و يتعدى لمفعول واحد، قال تعالى لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60]

الثاني: الحكم على الشي ء بوجود شي ء هو موجود له، أو نفي شي ء هو منفي عنه، و يتعدى لمفعولين، قال تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ [الممتحنة: 10].

قال: و هو من وجه ضربان:

نظري: و هو ما إذا علم فقد كمل، نحو العلم بموجودات العالم.

و عملي: و هو ما لا يتم إلا بأن يعمل، كالعلم بالعبادات.

و من وجه آخر: سمعي و عقلي. (3)م.

ص: 31


1- انظر: الكشاف للزمخشري: 3/ 390.
2- هو الحسين بن محمد بن المفضل أبو القاسم الأصفهاني، أديب من الحكماء العلماء، اشتهر حتى كان يقرن بالغزالي، له «المفردات في غريب القرآن» و غيره، توفي (502 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 120- و بغية الوعاة للسيوطي: 2/ 297.
3- انظر: المفردات للراغب: 343 و ما بعده بتصرف، و الكليات لأبي البقاء: 448- 449. و قد عرض بعض المصنفين في مؤلفاتهم مجموعة من تعاريف أهل العلم لهذا المصطلح فذكر القنوجي للعلم سبعة عشر تعريفا، و جاء مثلها في مرجع اليونسكو في تعليم العلوم، و من قبلهم فعل أبو البقاء صاحب الكليات، و الزبيدي في شرحه على الإحياء للغزالي، و من هذه التعاريف: أن العلم هو البحث عن المعرفة. و هو استقصاء ذهني يبدأ بالمعرفة و يضيف إليها، و هو حصول صورة الشي ء في العقل، و هو صفة يتجلّى بها المذكور لمن قامت به. و هو المعرفة المنظمة المتراكمة عبر العصور. و هو البحث عن الحقيقة، و غير ذلك. انظر: الكليات لأبي البقاء: 446- 449- و شرح مختصر الروضة للطوفي: 1/ 168- 171 و إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيدي: 1/ 95- 98- و أبجد العلوم: 1/ 11 و ما بعده، و اليونسكو في تعليم العلوم.

و العلم في عرف التدوين العام- و هو المراد هنا- يطلق على جملة من المسائل و القواعد المنضبطة بجهة واحدة موضوعا أو غاية، كعلم التوحيد و علم النحو و ما إلى ذلك (1).

و بعبارة أخرى يطلق العلم على: المعلومات المنظمة و المنضبطة لموضوع واحد.

الجزء الثاني من المركب (القرآن): أولا: (القرآن) في اللغة: العلماء في بيان لفظة (القرآن) فريقان، فريق

ص: 32


1- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 6 و ما بعده- و المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 16- و انظر ما ألقاه فضيلة الشيخ مناع القطان على طلبة الدراسات العليا عام 1407 ه ص 4.

يرى أنه مشتق، و آخر يرى أنه اسم علم غير منقول، وضع أول ما وضع اسما لكتاب اللّه تعالى، فهو جامد غير مشتق.

الفريق الأول: الذين قالوا باشتقاقه، اختلفوا على قولين:

القول الأول: أنه مصدر مهموز، و قد اختلفوا في أصل اشتقاقه:

قيل: مصدر (قرأ) بمعنى (تلا) مرادف للقراءة، كالغفران و الرجحان (1)؛ قال تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: 17] أي: فاتبع قراءته.

قال ابن عطية: قرأ الرجل بمعنى تلا، يقرأ قرآنا و قراءة. و في التنزيل:

وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: 78] أي: قراءة الفجر. قال حسان بن ثابت (2) في عثمان بن عفان- رضي اللّه عنهما:-

ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به يقطّع اللّيل تسبيحا و قرآنا أي: قراءة (3).

ص: 33


1- انظر لسان العرب لابن منظور (قرأ): 1/ 129- و تاج العروس للزبيدي (قرأ): 1/ 103- و التيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي: 159.
2- هو حسان بن حرام بن عمرو، سيد الشعراء المؤمنين، شاعر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صاحبه، المؤيّد بروح القدس، توفي (54 ه). انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 512- و الإصابة لابن حجر: 2/ 237.
3- انظر: تفسير ابن جرير 1/ 97- و ابن عطية: 1/ 69- و القرطبي: 2/ 298- و هو في ديوان الشاعر: 410.

و قيل: مشتق من (قرأ) بمعنى (جمع)، تقول: قرأت الشي ء قرآنا، بمعنى: جمعته، و هو من ضم الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض. (1)

و قيل: مشتق من (القرء).

و هو أيضا بمعنى (الجمع) قال أبو إسحاق: القرء في اللغة بمعنى الجمع.

قال الماوردي: و لهذا سمي قرء العدّة قرءا؛ لاجتماع دم الحيض في الرحم (2).

و عن قطرب (3): قرأت الماء في الحوض: أي جمعته، و قرأت القرآن:

لفظت به مجموعا. (4)

ص: 34


1- انظر: تهذيب اللغة للأزهري (قرأ): 9/ 271- و معاني القرآن للفراء: 3/ 211- و الصحاح للجوهري (قرأ): 1/ 65- و المفردات للراغب: 402- و لسان العرب لابن منظور (قرأ): 1/ 123- و التيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي: 159- و الإتقان للسيوطي: 1/ 162.
2- انظر تفسير الماوردي: 1/ 124.
3- هو محمد بن المستنير بن أحمد اللغوي، أديب لغوي يرى رأي المعتزلة، له معاني القرآن، توفي (206 ه)، انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 4/ 312- و تاريخ بغداد للخطيب: 3/ 298.
4- انظر: معاني القرآن و إعرابه للزجّاج: 1/ 170 و 1/ 305 تحقيق د/ عبد الجليل عبده- ط عالم الكتب- و الدّر المصون للسمين الحلبي: 2/ 280- و الإتقان للسيوطي: 1/ 162.

قال أبو عبيدة (1): سمي بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض. (2)

و قيل: لأنه جمع القصص و الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و الآيات و السور بعضها إلى بعض (3) و عن الراغب قول بعضهم: سمي قرآنا لكونه جامعا لثمرات الكتب بل لجمعه ثمرة جميع العلوم (4)

القول الثاني: أنه مصدر غير مهموز، و قد اختلفوا في أصل اشتقاقه:

فقيل: مشتق من (القرى)، تقول: قريت الماء في الحوض: أي جمعته (5) و منه القرية لاجتماع الناس فيها. (6) قال السمين الحلبي (7): و هو غلطت-

ص: 35


1- هو معمر بن المثنى التيمي، كان بحرا في العلم، غير ماهر بكتاب اللّه، و لا عارف بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، أول من صنّف في الغريب، و له مجاز القرآن و غيره، توفي (209 ه). انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 445- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 326.
2- انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 1- و التيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي: 160- و البرهان للزركشي: 1/ 277- و الإتقان للسيوطي: 1/ 162.
3- انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 4/ 30- و الإتقان للسيوطي: 1/ 162.
4- انظر: المفردات للراغب: 402، و البرهان للزركشي: 1/ 277.
5- انظر تهذيب اللغة (قرأ): 9/ 271- و معاني القرآن للزجّاج: 1/ 305، و جمال القراء للسخاوي: 1/ 23.
6- انظر معجم مقاييس اللغة (قرى): 5/ 78.
7- هو أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي، لازم أبا حيان، و اشتهر في النحو و القراءات-

لأنهما مادتان متغايرتان. (1)

و يقول فضيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه-: إن في هذا الرأي تكلفا ظاهرا لكونه يؤدي إلى أن يكون أصل الهمزة حرف علة، و أن تكون النون زائدة، مع ما فيه من إغفال معنى التلاوة. (2)

و قيل: مشتق من (قرنت الشي ء بالشي ء): إذا ضممته، و هو رأي الأشعري (3) سمي به لقران السور و الآيات و الحروف فيه، و منه القران بين الحج و العمرة (4)، و يجري على هذا القول من الاعتراض ما جرى على القول السابق من جعل النون أصلية و إغفال معنى التلاوة.

و قيل: مأخوذ من (القرائن) و هو مروي عن القرطبي (5)؛ لأن الآيات

ص: 36


1- انظر الدر المصون للسمين الحلبي: 2/ 281.
2- انظر مذكرة الدراسات العليا، لفضيلة الشيخ مناع القطان، عام 1407.
3- هو أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، مؤسس مذهب الأشاعرة، كان من أئمة المتكلمين، ثم رجع عنه و جاهر بخلافه، له «مقالات الإسلاميين»، توفي (324 ه)، انظر: طبقات الشافعية: 2/ 245- و شذرات الذهب لابن العماد: 1/ 303.
4- انظر تهذيب اللغة للأزهري (قرأ): 9/ 271- و اللسان لابن منظور 1/ 129- و البرهان للزركشي 1/ 278.
5- هو يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي النحوي، أخذ عن الزمخشري و غيره، كان بارعا في العربية، بصيرا بعلل القراءات، له القرطبية في القراءات، توفي (560 ه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/ 546- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 6/ 171- الأعلام للزركلي: 8/ 147.

منه يصدق بعضها بعضا (1) و يشابه بعضها بعضا و هي قرائن، و اعترض الزجاج (2) فقال: هذا سهو، و الصحيح أن ترك الهمزة فيه من باب التخفيف و نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها. (3)

الفريق الثاني: الذين قالوا بعدم اشتقاقه، و قالوا: إنه غير مهموز، بل هو اسم علم غير منقول، وضع أول ما وضع اسما لكتاب اللّه، و به قرأ ابن كثير. (4)، و روي عن الإمام الشافعي (5)، كما روي عنه أنه قرأ علىي.

ص: 37


1- انظر البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/ 278.
2- هو إبراهيم بن السري بن سهل، نحوي بصري، أخذ عن المبرد و ثعلب، و عنه النحاس، له معاني القرآن و إعرابه، توفي (310 ه). انظر: بغية الوعاة للسيوطي: 1/ 411- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 7.
3- انظر: البرهان في علوم القرآن: 1/ 278 قال: و قد أشار إليه أبو علي الفارسي في (الحلبيات)- و الإتقان للسيوطي: 1/ 162.
4- يقرأ ابن كثير قرآن و الْقُرْآنُ المعرف و غير المعرف بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها و حذفها، و إلى ذلك يقول الشاطبي: و نقل قران و القرآن دواؤنا و في ..... انظر: حرز الأماني للإمام الشاطبي: 44 ضمن مجموع إتحاف البررة. و ابن كثير هو عبد اللّه بن كثير الداري المكي، أحد القراء السبعة، كان عطارا بمكة، قرأ على مجاهد و غيره، توفي (120 ه). انظر: غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 443، و تهذيب التهذيب لابن حجر: 5/ 367.
5- هو (محمد بن إدريس بن شافع القرشي الشافعي) المطلبي، أحد الأئمة الأربعة، ولد بغزة ثم حمل إلى مكة، من تصانيفه الرسالة، توفي (204 ه). انظر: سير أعلام النبلاء: 10/ 5- 99- و حلية الأولياء لأبي نعيم: 9/ 63- و مناقب الشافعي للرازي.

إسماعيل بن قسطنطين. (1)، كان يقول: القرآن اسم و ليس بمهموز، و لم يؤخذ من: قرأت، و لكنه اسم لكتاب اللّه مثل التوراة و الإنجيل. قال:

و يهمز: قرأت و لا يهمز القرآن. (2)، و هو اختيار السيوطي (3) في الإتقان. (4)

و يعترض على هذا الرأي بأن العلم المرتجل نادر جدا، و أن الغالب في الأعلام أنها منقولة، بل ذهب سيبويه إلى أن الأعلام كلها منقولة (5)، كما يعترض عليه بأن معظم القراء السبعة قرءوا لفظ (القرآن) بالهمز. (6)

ص: 38


1- هو إسماعيل بن عبد اللّه بن قسطنطين المخزومي، مقرئ مكة، قرأ على ابن كثير، توفي (170 ه). انظر: غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 1/ 165.
2- انظر تهذيب اللغة للأزهري (قرأ): 9/ 271، و انظر: تاريخ بغداد للخطيب، ترجمة الإمام الشافعي: 2/ 62- و البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/ 277- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 166.
3- هو عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، إمام محقق، صاحب تصانيف، برع في علوم كثيرة و له في أغلب الفنون مصنفات عظام، منها الدر المنثور في التفسير، و الإتقان، و التحبير، و هما في علوم القرآن، توفي (911 ه) انظر: حسن المحاضرة للسيوطي: 1/ 335- و شذرات الذهب لابن عماد: 8/ 51.
4- انظر: الاتقان للسيوطي: 1/ 163
5- انظر: الكتاب لسيبويه:- و انظر ما كتبه فضيلة الشيخ مناع القطان، مذكرة الدراسات العليا عام 1407.
6- انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 18.

و الذي يترجح لديّ- و اللّه أعلم- بعد النظر في أقوال أهل العلم أن نقول:

القرآن مصدر مهموز مشتق من (قرأ) بمعنى (تلا). و هو رأي يسلم من الاعتراضات الموجهة إلى غيره، فالهمزة أصلية، و فيه معنى الجمع، و لم يغفل معنى التلاوة، و الأهم من هذا أنه يستقيم تماما مع قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: 17] و المعنى: إن علينا جمعه و تلاوته، فإذا قرأناه فاتبع تلاوته و اللّه أعلم. (1)

ثانيا: (القرآن) في الاصطلاح، أو في تعريف أهل العلم:

القرآن كلام اللّه المنزّل على خاتم النبيين محمد صلى اللّه عليه و سلم. و هو غير مخلوق، تكلم اللّه به ابتداء، و كلامه تعالى قائم بذاته، و لم يزل عز و جلّ متكلما إذا شاء، و القرآن كلامه تعالى بحرف و صوت، تكلم به سبحانه بصوت نفسه و حروف نفسه، و ذلك غير مخلوق.

و القرآن هو اللفظ و المعنى معا، سمعه جبريل من اللّه عز و جلّ، و بلّغه إلى محمد صلى اللّه عليه و سلم و سمعه (2).

ص: 39


1- و ينظر هذا الرأي في مجلة لواء الإسلام العدد: 28، مقال الأستاذ: عبد الوهاب حمودة.
2- انظر: شرح العقيدة الطحاوية: 179 ط المكتب الإسلامي- و فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 12/ 36- 40، و العقيدة السلفية في كلام رب البرية لعبد اللّه الجديع: 63.

و التعريف الحقيقي للقرآن هو استحضاره معهودا في الذهن أو مشاهدا بالحس كأن يشير إليه مكتوبا بالمصحف، أو مقروءا باللسان فتقول:

هو ما بين الدّفتين. أو تقول: هو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ....... إلى قوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (1).

و قد حاول العلماء وضع تعريف للقرآن ليميزوه عن الكتب السماوية السابقة و الأحاديث القدسية، و ليس بهدف رفع الجهالة عنه إذ الجهالة مرفوعة، و لهذا عرفوه بذكر بعض خصائصه، و تفاوتت اهتماماتهم بذكر هذه الخصائص، و تناوبت بين الإطناب و الإيجاز، فمن أطنب كانت حجته أن مقام التعريف مقام إيضاح و بيان، و من اختصر فأوجز فبحجة استحالة حصر خصائص القرآن، فهو كتاب لا تنقضي عجائبه.

و فريق ثالث اقتصد فتوسط و قال: القرآن هو الكلام المعجز المنزل على النبي صلى اللّه عليه و سلم المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته. (2)

و من تعاريف الموجزين: هو اسم لهذا المنزّل العربي إذا عرّف

ص: 40


1- انظر ما كتبه فضيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه- في هذا الخصوص، مذكرة الدراسات العليا عام 1407 ه.
2- هذا التعريف منسوب للأصوليين و الفقهاء و علماء العربية، انظر: الكليات لأبي البقاء: 4/ 34- و روضة الناظر و جنة المناظر لابن قدامة: 1/ 180- و مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 12- و مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح: 21.

باللام (1). أو هو: اللفظ المنزّل على النبي محمد صلى اللّه عليه و سلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس (2).

و رأى آخرون أن القرآن ليس بحاجة إلى تعريف منطقي، فلا معنى لإضاعة الوقت حول طول التعريف أو قصره، و مدى إحاطته بصفات كتاب اللّه العزيز (3)

و لا أرى مانعا من ذكر تعريف يضم أهم خصائص كتاب اللّه لتمييزه لا لرفع الجهالة عنه، إذ الجهالة مرفوعة، و قد عرّف تعالى القرآن في كتابه الكريم فقال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 194]، و بحث العلماء في الصفات الخاصة لكتاب اللّه فوجدوها: في الإنزال على النبي صلى اللّه عليه و سلم، و الإعجاز، و النقل بالتواتر، و الكتابة في المصاحف، و التعبد بالتلاوة. (4)

فإذا أضفنا إليها صفة خامسة فقيدنا الإنزال على النبي صلى اللّه عليه و سلم بواسطة جبريل عليه السلام، نكون قد وضعنا قيودا ضابطة بإذن اللّه، و عليه نقول في تعريف القرآن الكريم بأنه: كلام اللّه المعجز، المتعبّد بتلاوته، المنزّل على النبي

ص: 41


1- انظر: الكليات لأبي البقاء: 4/ 34.
2- انظر بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي: 1/ 84- و مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 12.
3- انظر: في علوم القرآن دراسات و محاضرات للكفافي و الشريف: 22.
4- انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 20.

محمد صلى اللّه عليه و سلم بوساطة جبريل عليه السلام، و المنقول إلينا بالتواتر و الموجود بين دفتي المصحف.

كلام اللّه: قيد يخرج به كلام غيره عز و جل من ملك و جان و بشر.

المعجز: قيد يخرج به ما عبّر عنه الرسول صلى اللّه عليه و سلم بلفظه من كلام اللّه، كالأحاديث القدسية، مع دلالة هذا القيد إلى خاصية هامة للقرآن الكريم.

المتعبّد بتلاوته: قيد يخرج به ما لم يتعبد بتلاوته كالأحاديث القدسية و إن تواترت.

المنزل على النبي صلى اللّه عليه و سلم: قيد يخرج به ما نزل على غيره من الأنبياء السابقين.

بوساطة جبريل: قيد يخرج به ما كان بواسطة غيره كالأحاديث النبوية و الرؤى.

المنقول إلينا بالتواتر: خرج به ما لم يتواتر ما نسخت تلاوته أو ما هو منقول بالشهرة أو بالآحاد كقراءة بعض الصحابة.

الموجود بين دفتي المصحف: قيد يردّ مزاعم الرافضة و غيرهم ممن يدعي النقص أو الزيادة في كتاب اللّه. (1)

ص: 42


1- للمزيد عن هذا الموضوع يراجع: الكليات لأبي البقاء: 4/ 34- و شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة للالكائي: 2/ 204 و ما بعده- و المحلى لابن حزم: 1/ 13-و التحرير و التنوير لابن عاشور: 1/ 71- و روح المعاني للآلوسي: 1/ 8- و مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 7- 14- و المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 17- 23- و مذكرة الدراسات العليا لفضيلة الشيخ مناع القطان، ألقاها على طلبة الدراسات العليا- كلية أصول الدين عام 1407- و مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح:21- و في علوم القرآن دراسات و محاضرات للكفافي و الشريف: 22- و المرشد الوافي في علوم القرآن لبسيوني فودة: 9.

المبحث الثاني علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي

اشارة

أطلق أهل العلم هذا المصطلح (علوم القرآن) بلفظ الجمع لمحا للأصل ليشمل كل علم يبحث في القرآن الكريم في أيّ ناحية من نواحيه المتعددة، و ليشمل أيضا كل ما يخدم النص القرآني أو يستند إليه، و إن كان قد استعمل بلفظ الإفراد (علم القرآن) (1) قليلا، و هو (نظير علم الحديث) (2) مع اختلاف بين العلماء في إطلاقه.

و علوم القرآن كثيرة، ذكر منها الزركشي في «برهانه» سبعا و أربعين علما، و أوصلها السيوطي إلى ثمانين نوعا في «الإتقان»، و ناف بها على

ص: 43


1- من ذلك ما صنفه أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم بن يعقوب المتوفى سنة (362) ه و سماه «الأنوار في علم القرآن». انظر الفهرست لابن النديم: 49.
2- انظر: البرهان للزركشي: 1/ 9، و الإتقان للسيوطي: 1/ 7.

المائة في «التحبير»، و في «الزيادة و الإحسان» لابن عقيلة المكي وصلت أربعة و خمسين بعد المائة، و ليس المراد منها الحصر، فعلوم القرآن على ما أقره الزركشي لا تحصى و معانيه لا تستقصى. (1)

و قد صنف العلماء في جوانب كثيرة من هذه العلوم كتابات مستقلة، كعلم القراءات و الرسم العثماني و الناسخ و المنسوخ و أسباب النزول ...

و غير ذلك، ثم اختصرت هذه العلوم و المباحث و جمعت جلّ أصولها و مسائلها، و رمز إلى بعض فصولها في مصنف واحد، و وضعت القواعد العامة لتلك المسائل، و ضربت عليها الأمثلة، و أشير إلى مواطن كل علم منها و مظانّه فكان كالفهرس و الدليل، و أطلق عليه مصطلح علمي هو (علوم القرآن) (2) و هو مصطلح لم يعرّفه الأقدمون، و إنما حاول بعض المعاصرين تعريفه بمعناه العام.

و قد عرفه الأستاذ الزرقاني بقوله: مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله و ترتيبه و جمعه و كتابته و قراءته و تفسيره و إعجازه و ناسخه و منسوخه و دفع الشّبه عنه و غير ذلك. (3)

و هو تعريف لم يرق لثلّة من الباحثين من أهل الاختصاص في هذا

ص: 44


1- انظر: البرهان للزركشي: 1/ 9.
2- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 4.
3- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 20.

الفن، فقد رأوا فيه تجوّزا ملحوظا، يقول الأستاذ عدنان زرزور: إن التعريف الذي أطلقه صاحب «المناهل» ليس دقيقا، إذ إن أكثر هذه العلوم تدور حول تفسير بعض جوانب القرآن الكريم، أو يمهد لشرحها و تفسيرها، فهي عنده (علوم التفسير) (1).

و يؤكد هذا المعنى بأن الحاكم الجشمي الذي عدّ أنواع علوم القرآن في «تفسيره» إنما عنى بها في المقام الأول تلك الأمور و المعلومات التي لا بد من الوقوف عليها في تفسير كل آية، فهي و التفسير عنده- أو علوم التفسير إن صح التعبير- على حد سواء. (2)

و ما أقره الزرقاني تبناه الأستاذ فاروق حمادة، غير أنه تعقبه بالشرح فحصر المعنى المراد منه حين قال:

إن علوم القرآن تطلق في الاصطلاح على مجموعة من العلوم التي تستند إلى القرآن الكريم و تسهل للباحث فهمه على الوجه الصحيح،ه.

ص: 45


1- انظر: علوم القرآن لزرزور: 123.
2- انظر: الحاكم الجشمي و منهجه في التفسير: 455 بتصرف. و يعترض على هذا الرأي بأن التفسير له أنواعه و اتجاهاته و ألوانه، و لهذا فهو بحاجة إلى دراسة متخصصة جعلته فنا مستقلا عن بقية علوم القرآن و أطلق عليه مصطلح (علوم التفسير)، و أفردت بدراسات مستقلة منفصلة عن علوم القرآن. و انظر: تاريخ علوم القرآن: ص 10، رسالة ماجستير، إعداد: أحسن محمد أشرف الدين.، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1405 ه.

و تكشف له أسراره و معانيه، قال: و ينضوي تحت هذا المصطلح علم أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و علوم إعراب القرآن و القراءات القرآنية، و الإعجاز القرآني و الرسم و الخط و التفسير ... إلخ، فهذه العلوم تقوم كلها لتحقيق غاية واحدة هي خدمة كتاب اللّه و تيسيره للذكر لمن ادّكر.

و يتابع قوله: و ما ضمناه التعريف من العلوم التي تستند إلى القرآن الكريم، و تهدف إلى المحافظة عليه ليس كل المعارف و العلوم التي تستنبط منه، بمعنى أننا لا نستطيع أن ندخل في مصطلح علوم القرآن كل أنواع المعرفة التي وجدت و ستوجد، بل إن علوم القرآن أصبحت تنحصر في شعبتين اثنتين:

أولاهما: تاريخ القرآن الكريم، و ما ينضوي تحته من نزوله و أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ .... إلخ.

و ثانيهما: الوسيلة الصحيحة لفهمه على الوجه الحق، و ينضوي تحت ذلك علوم اللغة و الإعجاز و المحكم و المتشابه ... إلخ.

فإن على كل من يريد التعامل مع النص القرآني أن يطلع على هاتين المقدمتين اللازمتين تحت اسم علوم القرآن، و بمقدار ما يجانبهما سيجانب

ص: 46

الحقيقة و يبعد عن الصواب. (1)

و توسع الأستاذ عبد السلام الكفافي في تعريفه للمصطلح حين عرفه بقوله: علوم القرآن بالمعنى هو كل ما يتصل بالقرآن الكريم من دراسات (2).

ثم عاد ليقيد التعريف الذي أطلقه ليقول: إن كثيرا من هذه العلوم أصبح مستقلا بذاته، لوفرة ما كتب من مؤلفات، و لغزارة المادة التي عالجتها حتى أصبحت عبارة (علوم القرآن) في مفهومها الخاص تطلق على جانب معين من هذه الدراسات. لقد أصبح مجالها مقتصرا على أبحاث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله و ترتيبه و جمعه و كتابته و قراءته و تفسيره و إعجازه و ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه، و نحو ذلك. (3)

و التعريف الذي أطلقه الأستاذ الكفافي قبل تقييده يأتي على طريقة طائفة من أهل العلم كالسيوطي الذي توسع حتى أدخل علم الهيئة و الطب و الحساب. (4) و ابن العربي (5) الذي ذكر في قانون التأويل أن علوم القرآن

ص: 47


1- انظر: مدخل إلى علوم القرآن لفاروق حمادة: 5.
2- انظر: في علوم القرآن دراسات و محاضرات: 29.
3- انظر: في علوم القرآن دراسات و محاضرات: 29.
4- انظر الإتقان للسيوطي: 3/ 1030، تحقيق مصطفى البغا.
5- هو محمد بن عبد اللّه بن محمد المعافري، قاض من حفاظ الحديث، بلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين، مصنفاته كثيرة منها الناسخ و المنسوخ، توفي (543 ه). انظر: العواصم من القواصم: 9 و ما بعدها- و وفيات الأعيان: لابن خلكان: 1/ 489.

(77450) علما على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، معللا ذلك بأن لكل كلمة ظهرا و بطنا، و حدا و مطلعا. (1)

هذا و نجد أن ابن حبيب النيسابوري (2) قد حصرها في خمسة و عشرين وجها أو علما، و أوقف فهم كتاب اللّه على معرفتها و التمييز بينها، بل لم

ص: 48


1- انظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/ 17، و هو ما ذهب إليه أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب: انظره: 1/ 77؛ و هذا التقسيم مأخوذ من رواية ضعيفة منسوبة إلى ابن مسعود أخرجها ابن جرير في تفسيره كما أخرجها غيره. و سيأتي في الباب الثالث من هذا البحث إن شاء اللّه. و ما ذكر تعليل بعيد «فالعلوم الكونية و المعارف و الصنائع، و ما وجد أو يجد في العالم من فنون و معارف كالهندسة و الحساب ... لا يجمل عدّه من علوم القرآن، لأن القرآن لم ينزل ليدلل على نظريات الهندسة مثلا، أو ليقرر قانونا من قوانينها، .. و إن كان القرآن قد دعا المسلمين إلى تعلمها و حذقها و التمهر فيها، و فرق بين الشي ء يحث القرآن على تعلمه في عموماته أو خصوصاته، و بين العلم يدل القرآن على مسائله أو يرشد إلى أحكامه، أو يكون ذلك العلم خادما للقرآن بمسائله، و أحكامه أو مفرداته. ثم إن كلمات كثيرة من كتاب اللّه لها مدلول واحد و هي مكررة في ثنايا كتاب اللّه، فهل يكون لكل كلمة أربعة معان مختلفة؟! انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 17.
2- هو الحسن بن محمد بن حبيب أبو القاسم النيسابوري، مفسر واعظ، توفي (406 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 237- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 140.

يحلّ التكلم في كتاب اللّه إلا بعد معرفتها. (1)

و لعل أجود التعاريف التي وقفت عليها أثناء البحث لهذا المصطلح هو ما أطلقه الدكتور حسن ضياء الدين عتر- يحفظه اللّه- حين عرفه بقوله: علم يضم أبحاثا كلية هامة تتصل بالقرآن العظيم من نواحي شتى يمكن اعتبار كل منها علما متميزا. (2)

و يعترض على تعريفه هذا أنه عرّف العلم بلفظة العلم، و تعريف الشي ء بنفسه غير دقيق. و لهذا يحسن تعريف مصطلح علوم القرآن بأنه:

أبحاث (مباحث) كلية تتصل بالقرآن الكريم من نواحي شتى، يمكن اعتبار كل مبحث منها فنا مستقلا متميزا. و بذلك نكون قد دفعنا ما يعترض على التعريف السابق من تعريف العلم بالعلم.

دخول علم التفسير في الاصطلاح:

مما سبق تبين لنا أن بعض العلماء يطلقون (علوم القرآن) ليشمل علم التفسير إلى جانب العلوم المقصودة الأخرى، في حين يرى آخرون أنه لا ينبغي عدّ التفسير من هذه العلوم.

ص: 49


1- انظر: التنبيه على فضل علوم القرآن لابن حبيب النيسابوري: 307، ضمن مجلة المورد العراقية العدد: 7- مجلد 17- عام 1405 ه.
2- انظر: فنون الأفنان لابن الجوزي: المقدمة ص 71.

و يحصر الأستاذ الزرقاني تلك العلوم في العلوم الدينية و العربية، و يقول: إنها أنجبت وليدا جديدا هو مزيج منها جميعا، و سليل لها جميعا فيه مقاصدها و أغراضها و خصائصها و أسرارها (و الولد سر أبيه) (1)؛ و هو لهذا عدّ التفسير من تلك العلوم، و جعلها قسيما لها. في حين أن الأستاذ فاروق حمادة رغم أن ما انضوى تحت التعريف عنده يعارض ما حصره في الشعبتين المذكورتين، عدّ التفسير من العلوم التي انضوت تحت المصطلح، و المفهوم من المقدمتين السابقتين عدم اعتبار التفسير. و هو ما قرره حين عاد ليقول: يمكننا أن نقول: إن عدّ علم التفسير من علوم القرآن فيه تجوّز. (2)

و الذي يبدو لي- تبعا لبعض أهل العلم- أن عدّ التفسير من علوم القرآن و جعله قسيما أو نوعا كسائر الأنواع مسألة فيها نظر، لأن غالب تلك العلوم أريد بها تيسير سبيل شرحه و تفسيره و فهمه. يعلل الأستاذ عدنان زرزور هذه الوجهة فيقول: إن أغلب التفاسير الكبيرة قد صدّرت بمقدمة أو مقدمات شملت أهم تلك العلوم، و لهذا لا يعدّ التفسير من علوم القرآن (3).

و ختاما أقول: ينبغي النظر إلى هذا المصطلح باعتبارين:

ص: 50


1- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 4.
2- انظر: مدخل إلى علوم القرآن و التفسير لفاروق حمادة: 6.
3- انظر علوم القرآن لعدنان زرزور: 123.

الأول: باعتبار كونه مركبا من جزءين، و بمعرفتهما يعرف، و على ما سبق توضيحه يكون علوم القرآن: هو العلم الذي يبحث في القرآن الكريم في شتى أحواله. فيدخل فيه علم التفسير فضلا عن غيره، و لهذا أطلق عدد من العلماء هذا الاسم على تفاسيرهم، كالحوفي (1) الذي سماه (البرهان في علوم القرآن) و الأدفوي (2) الذي سماه (الاستغناء في علوم القرآن) و كأبي الحسن الأشعري الذي سماه (المختزن في علوم القرآن) (3).

الثاني: باعتباره علما مستقلا ظهر و تكامل لدى المتأخرين، و يعرف بأنه: أبحاث (مباحث) كلية تتصل بالقرآن الكريم من نواحي شتى، يمكن اعتبار كل مبحث منها فنا مستقلا متميزا.

و يطلق المصطلح على بعض تلك العلوم كما يطلق عليها جميعا.

و تلك المباحث تدور حول ثلاثة محاور رئيسة:

ص: 51


1- هو علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي، نحوي مصري، صنف في النحو و التفسير، له البرهان في تفسير القرآن، توفي (430 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 251- و طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: 2/ 132.
2- هو محمد بن علي الأدفوي مفسر من أهل أدفو بصعيد مصر، ت (388 ه) انظر: طبقات القراء لابن الجزري: 2/ 198، و طبقات المفسرين للسيوطي: 97، و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 197.
3- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 388 و 2/ 197، و الحاكم الجشمي و منهجه في التفسير للأستاذ عدنان زرزور: 164.

المحور الأول: ما يتعلق بالجانب التاريخي، كعلم أسباب النزول، و جمع المصحف، و المكي و المدني، و غير ذلك.

المحور الثاني: ما يتعلق بجانب الأداء، كعلم القراءات، و الوقف و الابتداء، و غير ذلك.

المحور الثالث: ما يتعلق بالنص القرآني مباشرة، و يعين على فهمه، و هي بقية العلوم.

الفرق بين علوم القرآن و أصول التفسير: فيما سبق عرفنا مصطلح (علوم القرآن) من الناحية اللغوية لمفرداته، ثم التعريف الاصطلاحي و اختلاف العلماء في وضع تعريف له.

و قد ظهر مصطلح آخر جعله بعضهم مرادفا لمصطلح علوم القرآن، و استعمل في موضعه عند كثير من المهتمين بعلوم القرآن، هذا المصطلح هو علم (أصول التفسير).

و قبل إيراد بعض تعاريف العلماء لهذا المصطلح أود الإشارة إلى أن أقدم كتاب يحمل هذا الاسم هو كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (1) (مقدمة

ص: 52


1- هو أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، شيخ الإسلام، فقيه إمام مجتهد، اعتقل في مصر و الشام، تصانيفه كثيرة، منها منهاج السنة، توفي في معتقله بقلعة الشام (728 ه). انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 1/ 144- و البداية و النهاية لابن كثير: 14/ 135.

في أصول التفسير)، و ما ذكره فيه من الفنون و العلوم هي من جملة الفنون التي كان السابقون يوردونها في مؤلفات علوم القرآن، و هي التي بقي المتأخرون كالزركشي (1) و السيوطي و ابن عقيلة (2) و الزرقاني و غيرهم يوردونها في مؤلفاتهم الخاصة في علوم القرآن.

ثم جاء ولي اللّه الدهلوي (3) و ألّف (الفوز الكبير في أصول التفسير) و تبعه آخرون في العصر الراهن.

إن الناظر في مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية يجد أنه يعرّف أصول التفسير بقوله:

أبحاث تتضمن قواعد كلية تعين على فهم القرآن، و معرفة تفسيره

ص: 53


1- هو محمد بن عبد اللّه بن بهادر الزركشي، فقيه أصولي مفسر، انقطع للاشتغال بالعلم، له البرهان في علوم القرآن، توفي (794 ه) انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 4/ 17- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 57
2- هو محمد بن أحمد بن سعيد بن مسعود المكي، المشتهر والده بعقيلة، تلقى العلم عن علماء الحرم، و رحل في طلب العلم، له مصنفات منها الزيادة و الإحسان في علوم القرآن، توفي (1150 ه). انظر: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي: 4/ 31- و المختصر من كتاب نشر النور و الزهر للمرداد: 2/ 411.
3- هو أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين العمري الدهلوي، قرأ على والده العلوم، برع في اللغة و الفقه، صنف بالعربية و الفارسية، له «الزهراوين» في التفسير، توفي (1176 ه) انظر: نزهة الخواطر: 6/ 398.

و معانيه، و التمييز- في منقول ذلك و معقوله- بين الحق و الباطل، و التنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل. (1)

و هو تعريف يصلح إطلاقه على مصطلح (علوم القرآن)، و لهذا نؤكد أن المتقدمين كانوا يستعملون المصطلحين (أصول التفسير، و علوم القرآن) لغرض واحد، يقصدون به كل القواعد و الأبحاث التي تخدم كتاب اللّه و تعين على فهمه. غير أن المتأخرين قصدوا من هذا المصطلح أمرا أخص من الذي أراده المتقدمون منه إذ حصروه على: الأسس و القواعد التي يعرف بها تفسير كتاب اللّه، و يرجع إليها عند الاختلاف فيه. و يكوّن محور هذا الفن أمران:

الأول: كيف فسّر كتاب اللّه.

و الثاني: كيف نفسّر كتاب اللّه. (2)

و عليه يكون بين المصطلحين خصوص و عموم، فعلوم القرآن مصطلح عام و أصول التفسير مصطلح خاص يطلق على بعض فنون علوم القرآن، مثل حكم التفسير، و أقسامه و أنواعه، و أسباب الاختلاف في التفسير، و قواعد الترجيح عند المفسرين، و غير ذلك من الفنون التي لها

ص: 54


1- مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 33.
2- فصول في أصول التفسير للطيار: 11.

اتصال مباشر بالتفسير، و لا يدخل فيها تلك المقدمات التعريفية و التاريخية التي هي من علوم القرآن. و اللّه أعلم.

ص: 55

المبحث الثالث نشأة علوم القرآن

تقديم:

المبحث الثالث نشأة علوم القرآن (1)

قبل الحديث عن نشأة علوم القرآن و الخوض في جزئيات الموضوع يحسن بنا التعرف على الجوانب العلمية عند الذين اختارهم اللّه الحكيم لرسالته، و اصطفى منهم نبيه صلى اللّه عليه و سلم لتبليغ الأمانة، إذ الحديث لا يستقيم إلا إذا عرفنا الحالة العلمية للعرب و المناخ العلمي في الجزيرة العربية الذي عاش فيه أولئك الذين احتضنوا الدعوة، و خير ما يهمنا في هذا المناخ هو أمر القراءة و الكتابة، فهل كانت العرب تقرأ و تكتب؟ أم إن

ص: 56


1- تطرق لنشأة علوم القرآن كثير من المهتمين بعلوم القرآن، منهم على سبيل المثال: الزرقاني في مناهل العرفان: 1/ 21- 33- و أبو شهبة في المدخل لدراسة القرآن الكريم: 26- 39- و الدكتور صبحي صالح في مباحث في علوم القرآن: 119- 126- و فضيلة الشيخ مناع القطان في المحاضرات التي ألقاها على طلبة الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- و الدكتور عدنان زرزور في أصول التفسير و قواعده: 32- 35، و علوم القرآن له: 124- 126- و الأستاذ أبو الفضل إبراهيم في المقدمة التي قدم بها كتاب الاتقان للسيوطي: 1/ 7- 8- و الدكتور حسن ضياء الدين العتر في مقدمته لكتاب فنون الأفنان لابن الجوزي: 72- 73- و الدكتور فهد الرومي في دراسات في علوم القرآن الكريم: 35- 51 و الأستاذ خالد السبت في دراسة تقويمية لمناهل العرفان: 16- 28 و غيرهم.

الإسلام هو الذي علمهم ذلك؟

أ- الكتابة في الجزيرة العربية قبل البعثة:

الذي يطالع أخبار الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية، يتبين له بوضوح و منذ الوهلة الأولى أن القوم قد عرفوا الكتابة و التدوين، و أنهم مارسوا هذا الفن، و سيضع يده على أدلة كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، و إن كانت الأخبار نفسها توحي بأن عدد الراغبين في القراءة و الكتابة و المهتمين بالتعليم كان قليلا نسيبا، و الدليل أن انتشار الكتابة كان على نطاق محدود انحصر في أبناء الحاضرة و مراكز الحضارة كمكة و المدينة و الطائف و غيرها (1)، و أن جلّ المهتمين بها كانوا من أبناء كبار الأشراف و العوائل العريقة التي رأت أن في التعليم و معرفة الكتابة مزية ترفع من شأنهم، و تعلي من قدرهم، فهم الذين كانوا يطلقون اسم الكامل على من يجيد السباحة و الرماية و الكتابة، و يعدون ذلك من صفات الكمال في الرجل (2). و لقب به عدد، منهم: رافع بن مالك (3)، و سعد بن عبادة (4)،

ص: 57


1- انظر فتوح البلدان للبلاذري: 659- 664.
2- انظر: طبقات ابن سعد: 3/ 2/ 91 ط ليدن- و عيون الأخبار لابن قتيبة: 2/ 168، و فتوح البلدان للبلاذري: 664 و الأغاني لأبي الفرج: 3/ 27.
3- هو رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري، أحد النقباء الذين شهدوا العقبة؛ و قيل: هو أول من أسلم من الخزرج. انظر: الطبقات الكبرى- لابن سعد: 1/ 218- و الإصابة لابن حجر: 1/ 499- و تهذيب التهذيب: 3/ 232.
4- هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة، من بني ساعدة من الخزرج، شهد المشاهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و خرج إلى الشام و مات بحوران سنة (14 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 259- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 270.

و أسيد بن حضير (1)، و عبد اللّه بن أبيّ (2)، و أوس بن خولي (3)، و سويد بن الصامت (4) (5). و لهذا كانت الكتاتيب التي يتعلم فيها الصبيان أمور القراءة

ص: 58


1- هو أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن نافع من بني عبد الأشهل، أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة، أسلم قديما، قال عنه صلى اللّه عليه و سلم: نعم الرجل أسيد بن حضير. توفي سنة (20 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 340- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 1/ 347.
2- هو عبد اللّه بن أبي بن مالك بن سلول الخزرجي المعروف بابن سلول، رأس المنافقين في الإسلام، سيد الخزرج، أظهر الإسلام بعد وقعة بدر تقية، مات سنة (9 ه). انظر: البداية و النهاية لابن كثير: 5/ 34- و الأعلام للزركلي: 4/ 65.
3- هو أوس بن خولي بن عبد اللّه بن الحارث الخزرجي الأنصاري، صحابي شهد بدرا و أحدا و المشاهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، كان من الذين أدخلوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين وفاته ليغسله، و من الذين أنزلوا معه القبر، توفي في خلافة عثمان بن عفان. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/ 279 و 300 ط دار بيروت- و أسد الغابة لابن الأثير: 1/ 170 ط الشعب.
4- هو سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسي، شاعر من أهل المدينة، قيل: قدم مكة معتمرا فدعاه الرسول صلى اللّه عليه و سلم إلى الإسلام فلم يبعد، و قال إن هذا القول حسن، و قتل عند انصرافه، قال قومه: إنا لنراه مسلما، انظر: الإصابة لابن حجر: 2/ 134- و الأعلام للزركلي: 3/ 145.
5- انظر: طبقات ابن سعد: 3/ 2/ 91 و 3/ 2/ 142 ط ليدن- و المعارف لابن قتيبة:259- و فتوح البلدان للبلاذري: 664.

و الكتابة موجودة و منتشرة، و لذلك أيضا وجّه زيد العبادي ولده عديا (1) ت (35 ق. ه) إلى التعليم، و طرحه في الكتّاب حين نما حتى حذق العربية، فكان أول من دوّن بالعربية في ديوان كسرى (2).

و كان بشر بن عبد الملك العبادي علّم أبا سفيان بن أمية (3)، و أبا قيس ابن عبد مناف بن زهرة الكتاب، فعلّما أهل مكة (4). و قد سجل ابن حبيب البغدادي ت (245 ه) (5) صاحب (المحبّر) قائمة بأسماء الأشراف المعلمين في العصر الجاهلي منهم بشر بن عبد الملك السكوني أخو أكيدر صاحب دومة الجندل، و منهم غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي (6)، و منهم عمرو بن

ص: 59


1- هو عدي بن زيد بن الحمار العبادي التميمي النصراني، من فحول الشعراء، و من دهاة الجاهليين، قيل: مات في الفترة (35 ق ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 110- و الأعلام للزركلي: 4/ 220.
2- انظر: الأغاني لأبي الفرج: 2/ 94.
3- هو صخر بن حرب بن أمية القرشي، أبو سفيان، زعيم قومه، و أحد الوجهاء، أسلم عام الفتح، و شهد حنينا و الطائف، توفي سنة (32 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 105- و الإصابة لابن حجر: 2/ 178.
4- انظر: المعارف لابن قتيبة: 553.
5- هو محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو البغدادي، قيل: لا يعرف أبوه، و حبيب أمه، علّامة بالأنساب و الأخبار و اللغة و الشعر، له تصانيف عديدة منها الأنساب. انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 277- و بغية الوعاة للسيوطي: 1/ 73.
6- هو غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب الثقفي، شاعر مجيد أسلم بعد فتح الطائف، و كان أحد وجوه ثقيف، و ممن وفد على كسرى، توفي سنة (23 ه): انظر: الإصابة لابن حجر: 3/ 189- و أسد الغابة لابن الأثير: 4/ 343.

زرارة بن عدس بن زيد (1) و كان يسمى بالكاتب، و غيرهم (2).

و كانت العرب تسجل أشعارها و تقيدها بالكتابة (فتسجل كل ما يتصل بالقبيلة من أخبار حروبها و أيامها، و تذكر مفاخرها و مآثرها و شعر شعرائها، و حكم بلغائها) (3)

كما دلت الدراسات العلمية على أن العرب مارسوا فن الكتابة قبل الإسلام، فكانوا يؤرخون أهم أحداثهم على الحجارة، و قد أثبتت الأبحاث الأثرية ذلك بأدلة قاطعة تعود إلى القرن الثالث الميلادي، و تحمل تلك الحجارة كتابات العرب الذين كانوا في الأطراف الشمالية للجزيرة العربية (4).

و اشتهرت المعلقات السبع التي تعلق على الكعبة، و عرفت الصحيفة

ص: 60


1- هو عمرو بن زرارة الأنصاري، صحابي، كان حمش الساقين: دقيقهما، قال له صلى اللّه عليه و سلم: إن اللّه لا يحب المسبلين. انظر: الإصابة لابن حجر: 2/ 535- و أسد الغابة لابن الأثير: 4/ 223.
2- انظر: المحبر لابن حبيب: 475- 477.
3- الشعر الجاهلي لناصر الدين الأسد: 165.
4- مصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الأسد: 24- 32.

التي تعاقدت فيها قريش على رد الحقوق و إنصاف المظلوم و علقت على الكعبة. (1)

لقد بلغت الأخبار التي تؤكد هذه الحقيقة درجة الاستفاضة و التواتر، و الذي يتتبع الكتب التي اهتمت بمثل هذا الموضوع لا شك أنه سيخرج لنا بأخبار كثيرة أخرى.

و أما دعوى أن العرب لم تكن بحاجة إلى الكتابة لكونهم أصفياء الذهن يعتمدون على قوة حفظهم، و سلامة أذهانهم، فدعوى باطلة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فالناس يختلفون في ذلك، و يتفاوتون في قدراتهم الذهنية و العقلية، نعم نحن نؤكد أن العرب قد اعتمدت كثيرا على سيلان الذهن و قوة العارضة التي عرفت بها، غير أنها لم تعتمد اعتمادا كليا على ذلك لا تصادم في الجمع بين الأمرين معا.

ب- الكتابة في الإسلام:

تبين لنا فيما سبق أن العرب عرفت الكتابة قبل الإسلام، و أنها دونت نتفا من أخبارها، و تذكر الأخبار أن من الذين كانوا يكتبون في قريش زمن نزول الوحي عمر ابن الخطاب، و علي بن أبي طالب، و عثمان بن عفان، و أبو عبيدة بن الجراح (2)، و يزيد بن أبي سفيان (3)، و أبو حذيفة بن عتبة بن

ص: 61


1- انظر الأغاني لأبي الفرج: 6/ 116 طبقة أخرى.
2- هو عامر بن عبد اللّه الجراح، بن هلال القرشي، صحابي من السابقين الأولين، و من المشهود لهم بالجنة، أسماه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمين هذه الأمة. مناقبه كثيرة، توفي (18 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 247- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 5.
3- هو يزيد بن صخر بن حرب بن أمية، أحد العقلاء الألبّاء، و الشجعان المذكورين، أسلم يوم الفتح، و كان يقال له يزيد الخير، حضر حنينا، و توفي بالطاعون سنة (18 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 345- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 328.

ربيعة (1)، و حاطب بن عمرو، أخو سهيل بن عمرو العامري (2)، ....

و غيرهم، كما كان عدد من النساء يكتبن، أمثال: الشفاء بنت عبد اللّه العدوية (3)، و حفصة أم المؤمنين (4)، و أم كلثوم بنت عقبة (5)، و عائشة بنت

ص: 62


1- هو أبو حذيفة قيل اسمه: هشيم، و قيل: مهشم، بن عتبة بن ربيعة بن عبد مناف، أحد السابقين، أسلم قبل دخول دار الأرقم، و من مهاجرة الهجرتين، استشهد يوم اليمامة سنة (12 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 272- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 164.
2- هو حاطب بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري، من السابقين، إذ أسلم قبل أن يتخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دار الأرقم، و قيل هو أول من هاجر إلى الحبشة، و شهد بدرا. أما أخوه سهيل فيكنى أبا يزيد، كان خطيب قريش و فصيحهم، و من أشرافهم أسلم يوم الفتح، و عرف عنه كثرة البكاء لسماع القرآن، خرج مجاهدا إلى الشام، قيل: استشهد يوم اليرموك، و قيل: مات في طاعون عمواس. انظر: المعارف لابن قتيبة: 284- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 194- و الإصابة لابن حجر: 1/ 301- كتاب الوحي لأحمد عيسى: 496.
3- هي الشفاء بنت عبد اللّه بن عبد شمس بن خلف، القرشية العدوية، صحابية أسلمت قبل الهجرة، قيل: اسمها ليلى و الشفاء لقب، كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقيل عندها، و كان عمر رضي اللّه عنه يقدّمها في الرأي، روى لها البخاري و غيره. توفيت نحو سنة (20 ه). انظر: تهذيب الكمال للحافظ المزي: 35/ 207- و الإصابة لابن حجر: 4/ 341.
4- هي أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم، الصوامة القوامة، أراد الرسول تركها فأمره اللّه تعالى بمراجعتها و أعلمه أنها زوجته في الجنة. توفيت سنة (41 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 227- و الإصابة لابن حجر: 4/ 273.
5- هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أبان بن ذكوان، أسلمت بمكة و هاجرت، أنزل اللّه فيها إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ [الممتحنة: 10- 11]، توفيت في خلافة علي رضي اللّه عنه. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 276- و الإصابة لابن حجر: 4/ 491.

سعد (1)، .. و غيرهن (2) و تؤكد الأخبار أن عددا من اليهود كانوا يكتبون أيضا (3)

و حين بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتب حنظلة بن أبي سفيان (4) كتابا إلى أبيه باليمين يخبره أن محمدا صلى اللّه عليه و سلم دعا الناس إلى عبادة اللّه. (5) و حين عجزت قريش عن وأد الدعوة كتبت صحيفة بيد منصور بن عكرمة العبدري الذي شلت يده، و علقوا الصحيفة في جوف الكعبة قاطعت قريش بموجبها

ص: 63


1- هي عائشة بنت سعد بن أبي وقاص الزهرية، صحابية جليلة، رأت ستا من أزواج النبي صلى اللّه عليه و سلم، و هي غير عائشة بنت سعد التابعية،. انظر الإصابة لابن حجر: 4/ 361.
2- فتوح البلدان للبلاذري: 660- 661، و العقد الفريد لابن عبد ربه: 4/ 157، و المذكور في فتوح البلدان: 660 أن عدد الذين كانوا يكتبون في قريش سبعة عشر رجلا، و قد استقل الأستاذ الأعظمي هذا العدد و قال: إنها تفيد القلة حيث إن هناك من الأسماء التي كانت تكتب، لم تذكر ضمن هؤلاء، كما كان هناك عدد من النساء يكتبن، هذا في مكة و كذا في المدينة عدد يكتبون قدر بأحد عشر رجلا. انظر دراسات في الحديث النبوي للأعظمي: 1/ 53- 55.
3- انظر فتوح البلدان للبلاذري 663- و انظر: مجلة المنار: المجلد العاشر، الجزء العاشر: 746.
4- هو حنظلة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، قتله علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يوم بدر، و لا عقب له. انظر: المعارف لابن قتيبة: 345.
5- انظر: الأغاني للأصفهاني: 6/ 365.

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و آل بيته، (1) فلما انتصر الإسلام و رفع صوت الحق تابع صلى اللّه عليه و سلم نهجه في عرض الإسلام على علية القوم و عقلائهم لعل اللّه ينصر بهم ما لا ينصر بغيرهم، و كان ممن دعي إلى اعتناق الدين الجديد سويد بن الصامت الذي- كان يلقب بالكامل- رفض الدعوة قائلا: لعل الذي معك مثل الذي معي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «و ما الذي معك؟» قال: مجلة لقمان- يعني حكمة لقمان- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «اعرضها عليّ».

فعرضها عليه.

فقال له: «إن هذا الكلام حسن، و الذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله اللّه تعالى عليّ ...» الرواية (2).

و روى عمران بن حصين (3) لبشير بن كعب (4) قول رسول اللّه

ص: 64


1- انظر: طبقات ابن سعد: 1/ 139- و تهذيب السيرة لعبد السلام هارون: 91.
2- انظر السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 426 ط 2.
3- هو عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي، صحابي جليل، أسلم عام خيبر، و غزا في سبيل اللّه، و ولي قضاء البصرة، تجنب الفتنة و لم يحارب مع علي، توفي (52 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 508- و الإصابة لابن حجر: 3/ 26.
4- هو بشير بن كعب بن أبيّ البصري، فقيه عابد، و تابعي جليل، وثقه النسائي و غيره، قيل: توفي سنة (80 ه). انظر تهذيب الكمال للمزي: 4/ 184- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 351- و فتح الباري لابن حجر: 10/ 521.

صلى اللّه عليه و سلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير». فقال بشير: مكتوب في الحكمة: إن الحياء و قار. و إن من الحياء سكينة. فقال عمران: أحدثك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تحدثني عن صحيفتك. (1) و هي المجلة التي ذكر وهب بن منبه ت (116 ه) (2) أنه قرأ فصولا منها. (3)

و لا يعني هذا نفي وصف الأمية عن العرب، فهم في غالبيتهم كانوا أميين لا يقرءون و لا يكتبون، و هو وصف يليق بأبناء البادية أكثر منه بسكان المدن و أرباب الدول البائدة كسكان اليمن و مدن نجد و الحجاز و العراق و أطراف الشام، الذين عرفت لهم دول ذات حضارة و مجد.

لقد جاء الإسلام ليجد تربة صالحة للتعلم و التعليم، فبدأ ب اقْرَأْ إيذانا بمكانة العلم، و ذكر القلم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [العلق: 4] وسيلة الكتابة و تدوين العلم و نقله ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ [القلم: 1] و أكد ذلك الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: 1- 2] و رفع من قدر الكاتبين حين وصف سبحانه الملائكة بقوله: كِراماً كاتِبِينَ [الانفطار: 11] و حين قال: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى [الأعلى:ف.

ص: 65


1- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الأدب، باب: الحياء: 7/ 100- و مسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان: 1/ 64.
2- هو وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني، أخو همام بن منبه، أخباري قصصي، وثقه العجلي و أبو زرعة. انظر: تهذيب الكمال للمزي: 31/ 140- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 544.
3- انظر المعارف لابن قتيبة: 55 ط 4 دار المعارف.

18- 19] و يجد القارئ لكتاب اللّه أن مصطلحات الكتابة و الكتاب و القرطاس و القلم و المداد و الصحف، قد تكررت مرارا، فكان في هذه الآيات و غيرها حث على طلب العلم، و توجيه رباني لمن يعتنق هذا الدين بضرورة التعلم و التفقه.

إن طبيعة الرسالة السماوية تقتضي أن يكثر المتعلمون و الكتاب، (فالوحي يحتاج إلى من يكتب، و أمور الدولة من مراسلات و مواثيق تحتاج إلى كتّاب) (1) و قد حث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من آمن على التعلم و الكتابة، و لهذا حين هاجر من أصحابه صلى اللّه عليه و سلم من هاجر أرسل لهم مصعب بن عمير ليعلمهم و ليفقههم في الدين، كما كان يأمر كتّابه بكتابة ما كان ينزل من كلام اللّه حتى يبقى محفوظا في السطور و الصدور معا، و ليبقى كل منهما شاهدا على الآخر و ضابطا له. كما كان في عمله هذا صلى اللّه عليه و سلم حض و تشجيع للصحابة على التعلم، فانتشرت الكتابة بينهم في وقت قياسي، حتى أصبح كتّاب النبي صلى اللّه عليه و سلم يقدّرون بأكثر من خمسين كاتبا، يقول المسعودي و قد ذكر أسماء كتّابه: إنما ذكرنا من أسماء كتّابه صلى اللّه عليه و سلم من قد ثبت على كتابته، و اتصلت أيامه فيها، و طالت مدته، و صحت الرواية على ذلك من أمره، دون من كتب الكتاب و الكتابين و الثلاثة، إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتبا يضاف إلى جملة كتّابه. (2)

ص: 66


1- انظر السنة قبل التدوين: 298.
2- انظر: التنبيه و الإشراف: 346- و السّنة قبل التدوين لعجاج الخطيب: 298.

فهذا علي بن أبي طالب و عثمان بن عفان و زيد بن ثابت (1)- رضي اللّه عنهم- و غيرهم يكتبون القرآن الكريم، و هذا الزبير بن العوام (2) و جهيم بن الصلت (3)- رضي اللّه عنهما- يكتبان أموال الصدقات، و عبد اللّه بن الأرقم (4) و العلاء بن عقبة (5) و حصين بن

ص: 67


1- هو زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي كان من كتاب الوحي، قيل: إنه أعلم الناس بالفرائض، و من أصحاب الفتوى و القضاء. توفي سنة (45 ه). انظر: التاريخ الكبير للبخاري: 3/ 380- و الاستيعاب لمعرفة الأصحاب لابن عبد البر: 1/ 551- و الإصابة لابن حجر: 1/ 516.
2- هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، حواري رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و ابن عمته، و أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، و أحد الستة أهل الشورى، و أول من سل سيفه في الإسلام، قتله جرموز في فتنة الجمل. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 41- و الإصابة لابن حجر: 1/ 545- و شذرات الذهب لابن عماد: 1/ 42.
3- هو جهيم بن الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف، قيل: أسلم بعد الفتح، و قال البلاذري: تعلم الخط في الجاهلية فجاء الإسلام و هو يكتب، و قد كتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، قال ابن حجر: و قال صاحب التاريخ الصمادحي: كان الزبير و جهيم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات. انظر: الإصابة لابن حجر: 1/ 255- و أسد الغابة لابن الأثير: 1/ 369.
4- هو عبد اللّه بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب القرشي الكاتب، أسلم عام الفتح، و كتب للنبي صلى اللّه عليه و سلم و لأبي بكر و عمر- رضي اللّه عنهما- ولاه عمر بيت المال، و كذا عثمان، عمي قبل وفاته. انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 482- و أسد الغابة لابن الأثير: 3/ 173.
5- هو العلاء بن عقبة، ترجم له ابن حجر فقال: ذكره المستغفري في الصحابة، و ذكره المرزباني و قال: كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يبعثه هو و الأرقم في دور الأنصار. و في تاريخ ابن صمادح: أن العلاء بن عقبة و الأرقم كانا يكتبان بين الناس المداينات و العهود و المعاملات. و قد أورد الدكتور أحمد عيسى ثلاثة كتب كتبها العلاء. انظر: الإصابة لابن حجر: 2/ 498- و كتاب الوحي لأحمد عيسى: 399.

نمير (1)، و المغيرة بن شعبة (2)- رضي اللّه عنهم- يكتبون بين الناس المداينات و سائر العقود، و شرحبيل ابن حسنة (3) رضي اللّه عنه يكتب التوقيعات إلى الملوك، و معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي رضي اللّه عنه (4) يكتب مغانم رسول اللّه

ص: 68


1- هو الحصين بن نمير بن نائل الأنصاري، صحابي من كتاب النبي صلى اللّه عليه و سلم، قيل: كان ينوب عن معاوية في الكتابة، كما كان يكتب المداينات و المعاملات. قتل في قتال شيعة علي رضي اللّه عنه قرب الموصل سنة (67 ه). انظر: الإصابة لابن حجر: 1/ 339- و كتاب الوحي لأحمد عبد الرحمن عيسى: 485.
2- هو المغيرة بن شعلة بن أبي عامر بن مسعود، من كبار الصحابة أولي الشجاعة و المكيدة، شهد بيعة الرضوان، و عرف عنه سرعة البديهة وحدة الذكاء، كتب كثيرا بين الناس و خاصة في المداينات و المعاملات. أورد له أحمد عيسى تسعة كتب. توفي سنة (50 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 294- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 21- و كتاب الوحي لأحمد عيسى: 385.
3- هو شرحبيل ابن حسنة نسبة إلى أمه، و أبوه هو عبد اللّه بن المطاع بن عمرو من اليمن، أحد السابقين إلى الإسلام، من مهاجرة الحبشة، قاد جيش أبي بكر إلى الأردن و فتح طبرية و ما حولها، مات في طاعون عمواس سنة (18 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 325- و الإصابة لابن حجر: 2/ 143.
4- هو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، أسلم قديما، و هاجر إلى الحبشة، و كان أمينا على خاتم النبي صلى اللّه عليه و سلم، و استعمله أبو بكر على الفي ء و ولي بيت المال لعمر، أصابه الجذام، و توفي سنة (40 ه). انظر المعارف لابن قتيبة: 316- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 491.

صلى اللّه عليه و سلم. (1) و قد أورد الكتاني في التراتيب الإدراية قائمة بأسماء الكتّاب الدائمين و المؤقتين (2).

لقد سلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في حث أصحابه على التعلم و الكتابة طرقا عديدة، آتت ثمارها عاجلا، فتارة يبين لهم أهمية طلب العلم و مكانة العلماء «من سلك طريقا يطلب به علما سهل اللّه له طريقا إلى الجنة» (3)، و يدلهم على حصول الأجر الكبير في تبليغ ما يتعلمونه منه صلى اللّه عليه و سلم: «نضّر اللّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلّغه، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، و ربّ حامل فقه ليس بفقيه» (4).

و تارة بالتهديد و الوعيد لمن تعلم علما فكتمه عن غيره و لم يبلغه: «منة.

ص: 69


1- انظر: التراتيب الإدارية للكتاني: 1/ 115- 124- و دراسات في الحديث النبوي للأعظمي: 120- 124.
2- انظر: التراتيب الإدراية للكتاني: ج 1/ 115- 124.
3- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: العلم، باب: العلم قبل القول: 1/ 25- و أحمد في المسند: 2/ 252- و أبو داود في السنن، كتاب: العلم، باب: الحث على طلب العلم: 3/ 317.
4- أخرجه أبو داود في السنن، كتاب: العلم، باب: فضل نشر العلم: 3/ 322- و أحمد في المسند: 1/ 437- و الترمذي في السنن، كتاب: العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع: 5/ 33 و قال: حديث حسن- و الطحاوي في مشكل الآثار: 2/ 32- و ابن عبد البر في جامع بيان أهل العلم: 1/ 39- و هو في موسوعة أطراف الحديث لزغلول: 10/ 35- 36 بطرق كثيرة، و ألفاظ مختلفة.

سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار يوم القيامة» (1).

و أخرى بتقريب الكتّاب من نفسه، و إظهار الاهتمام بهم، و منحهم المنزلة العظيمة، حتى عرف أن أقرب الناس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هم كتاب الوحي، فعن زيد بن ثابت قال: أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن أتعلّم له كتاب يهود و قال لي: «إني لا آمن يهودا على كتابي». فلم يمر بي نصف شهر حتى تعلمته. فكنت أكتب له إلى يهود، و إذا كتبوا إليه قرأت كتابهم (2).

كان من سياسته التعليمية صلى اللّه عليه و سلم أن اتخذ من بيوت ثلّة من الصحابة مراكز للتعليم، فكانت دار الأرقم (3)، و كانت دار مخرمة بن

ص: 70


1- أخرجه أبو داود في السنن، كتاب: العلم، باب: كراهية منع العلم: 3/ 321- و الترمذي في سننه كتاب: العلم، باب: ما جاء في كتابة العلم: 5/ 29 و قال: حديث حسن- و أحمد في المسند: 2/ 263- 305 و الحاكم في المستدرك: 1/ 101 و قال: هذا حديث تداوله الناس بأسانيد كثيرة تجمع و يذاكر بها، و هذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين. و أورده السيوطي في الجامع و صححه. انظر فيض القدير للمناوي: 6/ 146.
2- اخرجه أبو داود في السنن، كتاب: العلم، باب: رواية حديث أهل الكتاب: 3/ 318، و أورده البلاذري في فتوح البلدان: 664.
3- هو الأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد اللّه بن عمر المخزومي، من عقلاء قريش، و من السابقين إلى الإسلام، استخفى النبي صلى اللّه عليه و سلم في داره، و استعمله في الصدقة، توفي سنة (53 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 479 و أسد الغابة لابن الأثير: 1/ 74.

نوفل (1) (2)، و فتح المسجد في دار هجرته و خصص جزأ منه للتعليم حيث أمر عبد اللّه بن سعيد بن العاص (3) بأن يعلم الكتابة بالمدينة. (4) بل لقد أصبحت و خلال مدة وجيزة مساجد المدينة التسعة إلى جانب مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تصدر القرّاء و الكتّاب، يتعلمون فيها الكتابة و تعاليم الدين، و كان من أوائل المعلمين سعد بن الربيع الخزرجي (5) أحد النقباء الاثنى عشر، و بشير بن سعد بن ثعلبة (6)، و أسيد بن حضير، و أوس بن خولي، و العلاء

ص: 71


1- هو مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف القرشي، صحابي كان من المؤلفة قلوبهم، توفي سنة 54 ه. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 542- و الإصابة لابن حجر: 3/ 390.
2- انظر: طبقات ابن سعد: 3/ 51 و 84 و 89. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 71 ب - الكتابة في الإسلام: ..... ص : 61
3- هو عبد اللّه بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، كان اسمه في الجاهلية الحكم، فقال له النبي صلى اللّه عليه و سلم: أنت عبد اللّه، أخوته الثلاثة من كتاب الوحي، و أوكل إليه النبي صلى اللّه عليه و سلم تعليم أبناء المسلمين في المدينة، قيل: استشهد يوم بدر. انظر: الإصابة لابن حجر: 1/ 344 و 2/ 319- و كتاب الوحي لأحمد عيسى: 498.
4- انظر الإصابة لابن حجر: 1/ 344.
5- هو سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء ليلة العقبة، آخى النبي صلى اللّه عليه و سلم بينه و بين عبد الرحمن بن عوف، استشهد يوم أحد. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 318- و الإصابة لابن حجر: 2/ 26.
6- هو بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس- و قيل بفتح الخاء المعجمة و تثقيل اللام الخلّاس- بن زيد بن مالك الخزرجي، والد النعمان بن بشير، شهد بدرا، و أول أنصاري بايع أبا بكر بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه و سلم. انظر: تهذيب الكمال للمزي: 4/ 166- و الإصابة لابن حجر: 1/ 158- و أسد الغابة لابن الأثير: 1/ 231.

ابن الحضرمي (1)، و الشفاء بنت عبد اللّه العدوية، و غيرهم. (2) و في غزوة بدر نحى الرسول الكريم صلى اللّه عليه و سلم منهجا حكيما حين أمر الأسرى بأن يفدي كل كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان المدينة القراءة و الكتابة، فقد روى ابن سعد بسنده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أسر يوم بدر سبعين أسيرا، و كان يفادي بهم على قدر أموالهم، و كان أهل مكة يكتبون، و أهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء دفع له عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلّمهم فإذا حذقوا فهو فداؤه. (3) حتى انتشرت الكتابة و شملت النساء أيضا، فتعلمن الكتابة مثل شقائقهن من الرجال، فهذه الشفاء بنت عبد اللّه تقول: دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أنا عند حفصة فقال لي: «أ لا تعلّمين هذه رقية النّملة كما علّمتيها الكتابة» (4) و كان من المتعلمات أم كلثوم بنت عقبة، و عائشة

ص: 72


1- هو العلاء بن عبد اللّه بن عماد بن أكبر بن ربيعة الحضرمي، صحابي جليل، عمل على البحرين للنبي صلى اللّه عليه و سلم و أبي بكر و عمر، توفي سنة (14 ه). انظر: طبقات خليفة: 12 و 72- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 262- و كتاب الوحي لأحمد عيسى: 448.
2- انظر: فتوح البلدان للبلاذري: 663.
3- انظر طبقات ابن سعد: 2/ 1/ 14- و المستدرك للحاكم عن ابن عباس: 2/ 140 و قال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه.
4- أخرجه أبو داود في السنن، كتاب: الطب، باب: ما جاء في الرقى: 4/ 11- و أحمد في المسند: 6/ 372، و أورده البلاذري في فتوح البلدان: 661.

بنت سعد، و فاطمة بنت الخطاب (1) و كريمة بنت المقداد (2) و غيرهن (3).

و لم يكتف صلى اللّه عليه و سلم بتعليم أبناء المسلمين في المدينة فحسب بل كان يرسل الرسل إلى ديار الإسلام لتعليم المسلمين و أبنائهم أمور دينهم، كما فعل بمعاذ بن جبل (4) و مصعب بن عمير (5) و غيرهم (6).

ص: 73


1- هي فاطمة بنت الخطاب بن نفيل القرشية، أخت عمر بن الخطاب، أسلمت مع زوجها سعيد بن زيد قديما، و كان سببا في إسلام عمر- رضي اللّه عنهما. انظر: أسد الغابة لابن الأثير: 7/ 220- و الإصابة لابن حجر: 4/ 381.
2- هي كريمة بنت المقداد بن الأسود الكندية، أمها ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، روى عنها زوجها عبد اللّه بن وهب، ثقة. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر: 12/ 448.
3- انظر فتوح البلدان للبلاذري: 661.
4- هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ الأنصاري، شهد بدرا و العقبة و المشاهد، كان عالما بالحلال و الحرام، و مناقبه كثيرة، و لاه النبي صلى اللّه عليه و سلم اليمن. مات في طاعون عمواس سنة (18 ه). انظر: طبقات خليفة: 103 و 303- و سير أعلام النبلاء للذهبي 1/ 443- و كتاب الوحي: 373.
5- هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، السيد الشهيد السابق البدري، أسلم و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في دار الأرقم، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة ليعلم الناس القرآن، استشهد بأحد و معه اللواء سنة (3 ه). انظر: الاستيعاب لابن عبد البر: 3/ 468- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 145.
6- انظر: طبقات ابن سعد: 3/ 118.

و لم يتوفّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا و عدد كبير من الصحابة يجيدون الكتابة و القراءة، و لم يأت القرن الثاني للهجرة حتى كانت الكتابة منتشرة على أوسع نطاق، و الكتّاب لا يحصون كثرة، و الكتاتيب مكتظة بطلبة العلم، حتى حكي أنه بلغ عدد طلاب الضحاك بن مزاحم وحده ثلاثة آلاف صبي، و كان يطوف على حمار يشرف عليهم. (1)

هذا و لا ننكر أن عددا من الصحابة كره كتابة الحديث و تدوينه، كما كره كتابة الشعر عدد من الشعراء قبل الإسلام، و من هؤلاء الصحابة الذين كرهوا الكتابة: عمر بن الخطاب (2) و علي بن أبي طالب (3) و زيد بن ثابت (4)، و عبد اللّه بن عباس (5)، و عبد اللّه بن مسعود (6)، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص، مع أنهم كانوا يجيدون فن الكتابة بل منهم من هو من كتاب الوحي، و كانت همتهم عالية في نشر العلوم، غير أنهم- رغم تمكنهم من الكتابة بأحسن أشكالها، و إتقانها تمام الإتقان- كانوا يرون أن الاتكال

ص: 74


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 12/ 16 ط مصر.
2- انظر: تقييد العلم للخطيب: 52- و جامع بيان العلم لابن عبد البر: 2/ 42.
3- انظر: جامع بيان العلم لابن عبد البر: 1/ 72.
4- انظر: جامع بيان العلم لابن عبد البر: 1/ 63- 66.
5- انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/ 371- و مرآة الجنان لليافعي: 1/ 225.
6- انظر: تقييد العلم للخطيب. 56- و المصنف لابن أبي شيبة: 9/ 53.

على الكتابة، و الاعتماد على المكتوب يضعف عندهم ملكة الحفظ، و قوة العارضة، و سيلان الذهن الذي عرف عنهم (1). و لهذا يقول الإمام مالك رضي اللّه، عنه: لم يكن القوم يكتبون، و إنما يحفظون، فمن كتب منهم الشي ء فإنما كان يكتبه ليحفظه، فإذا حفظه محاه. و كان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن يكتبه و يدرسه من كتابه، فإذا أتقنه محا الكتاب خوف الاتكال. (2) و أيضا لأن وسائل الكتابة لم تكن ميسرة فهو يمحو المكتوب ليكتب غيره، و قد مات ابن المسيب (3) و لم يترك كتابا، و لا القاسم بن محمد (4)، و لا عروة بن الزبير (5). و سمع يونس بن حبيب (6)

ص: 75


1- انظر: تدريب الراوي للسيوطي: 50
2- انظر: تقييد العلم للخطيب: 58- و حجية السنة لأبي شهبة: 395.
3- هو سعيد بن المسيب بن حزن القرشي، سيد التابعين، و عالم أهل المدينة، توفي (94 ه). انظر: طبقات ابن سعد: 5/ 119- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 217.
4- هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، تابعي ثقة، أحد كبار فقهاء المدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه، توفي سنة (106 ه). انظر: طبقات خليفة: 244- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 53.
5- هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، عالم المدينة و أحد الفقهاء السبعة، توفي سنة (93 ه). سنة الفقهاء لكثرة ما مات فيها من الفقهاء. انظر: المعارف لابن قتيبة: 222- و طبقات خليفة: 241- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 421.
6- هو يونس بن حبيب الضبي، إمام النحو، و شيخ سيبويه و الفراء و الكسائي، له تواليف في القرآن و اللغات، توفي سنة (183 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 541- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 191.

رجلا ينشد:

استودع العلم قرطاسا فضيّعه و بئس مستودع العلم القراطيس فقال يونس: قاتله اللّه ما أشد صيانته للعلم و صيانته للحفظ. (1)

و قال الخليل بن أحمد (2):

ليس العلم ما حوى القمطرما العلم إلا ما حواه الصدر ثم إن كثيرا من الأعراب الذين دخلوا في الدين لم يكونوا قد تفقهوا، و لا جالسوا العلماء العارفين فلم يؤمن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن، و يعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن (3).

أضف إلى هذا خشية الصحابة من أن يفهم البعض أن في تدوين السنة من قبلهم حصر لها و الأمر خلاف ذلك، طلب أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه من ابنته عائشة- رضي اللّه عنها- قبل وفاته أن تأتي له بما جمعه من حديث المصطفى صلى اللّه عليه و سلم ليحرقه و كان من جملة ما قال لها: و يكون قد بقي

ص: 76


1- انظر تاريخ أبي زرعة: 1/ 517- و جامع بيان العلم: 1/ 69.
2- هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، البصري، صاحب العربية و منشئ علم العروض، شيخ سيبويه في النحو، عرف عنه حدة للذكاء و الفطنة، و اللطافة، توفي سنة (170 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 541- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 7/ 429.
3- انظر تقييد العلم للخطيب: 57.

حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما خفي على أبي بكر. (1)

كما كان لمشقة الكتابة، و ندرة و سائلها، أثرها الواضح في كراهية بعضهم لها، إذ تستدعي الكتابة على الأدم و اللخاف و العظام .. و غير ذلك، جهدا خاصا، فمجرد الكتابة عليها أمر في غاية الصعوبة.

ج- ما الذي كتبه الصحابة:
اشارة

تبين لنا فيما سبق أن عددا من الصحابة كان يجيد الكتابة و يمارسه، و أن عددا منهم تعلم الكتابة بعد أن دخل الإسلام و مارسه، و الذي يظهر من أخبارهم أنهم كانوا يكتبون كل ما تحتاجه الدولة الإسلامية من أمور الوحي، و حديث رسول صلى اللّه عليه و سلم، و تفسير القرآن الكريم، و المراسلات و الوثائق و المعاهدات و الصكوك بأنواعها و العقود و غير ذلك، و سوف أتناول هذه الأمور بالتحليل الموجز حسب ما يقتضيه المقام:

1) الوحي:

كان جل اهتمام النبي صلى اللّه عليه و سلم و الصحابة بالوحي من بدء نزوله حتى اكتمل، فقد كان صلى اللّه عليه و سلم حين تنزل عليه الآية أو الآيات يأمر الصحابة بتدوينها، و يمليها عليهم من فوره، فيدونونها على أي شي ء يكون بين أيديهم مثل الورق و الخشب أو قطع الجلد و العسب و الأكتاف و غيرها،

ص: 77


1- سبق تخريجه.

و من ثم ينسخونه و يتداولونه فيما بينهم.

روى البخاري عن البراء بن عازب (1) قال: نزلت آية لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ [النساء: 95] قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «ادعوا زيدا». فجاء و معه الدواة و اللوح أو الكتف، فقال: اكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ ... (2).

و هكذا دوّن القرآن كله في عهده صلى اللّه عليه و سلم، و بإملائه و مراجعته صلى اللّه عليه و سلم، غير أنه لم يكن مجموعا و لا مرتبا حسب السور، كما أنه لم يكن مكتوبا على وسيلة واحدة من وسائل الكتابة، و لهذا حين دعت الحاجة إلى جمعه في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه جمعت الصحف، ثم نسخت المصاحف في عهد عثمان رضي اللّه عنه فكان في مأمن من الأخطار.

2) حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:

السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب اللّه عز و جل،

ص: 78


1- هو البراء بن عازب بن الحارث الأوسي الأنصاري، له و لأبيه صحبة، استصغره النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم بدر فرده، غزا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أربع عشرة غزوة، و شهد مع علي الجمل و صفين و قتال الخوارج، توفي في خلافة مصعب بن الزبير. انظر: طبقات خليفة: 80 و 135- و الاستيعاب لابن عبد البر: 1/ 139.
2- أخرجه البخاري، كتاب: التفسير (سورة النساء)، باب: لا يستوي القاعدون: 5/ 182- و الواحدي في أسباب النزول: 168- و أبو داود في السنن: 3/ 34- و الترمذي في سننه: 5/ 242- و الطبراني في الكبير: 5/ 133.

و هي وحي منزل وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم:

3] و في الحديث «ألا إني أوتيت الكتاب و مثله معه ..» (1) أي: السنة. و لهذا حرص الصحابة على سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حرصهم على كتاب اللّه، و تنوعت أشكال هذا الحرص و هذا الاهتمام، فمن أوتي ملكة الحفظ حفظ، و من كان دون ذلك سعى لتدوين ما يشق عليه حفظه ليحفظه فيما بعد، و هكذا تنوقلت الصحف التي تحوي سنة المصطفى صلى اللّه عليه و سلم، و بإشارة منه، و لما خشي اختلاط السنة بالقرآن نهى الصحابة عن تدوين شي ء مع القرآن الكريم، و فهم بعض الصحابة من هذا النهي التوقف عن الكتابة البتة، فمزق ما كتبه و امتنع، و فهم آخرون أن هذا النهي مقيد فأولوه بمنع كتابة شي ء مع كلام اللّه في صحيفة واحدة خشية الاختلاط، لذلك لم يمتنعوا عن الكتابة، و ظلوا يستندون إلى أحاديث الإباحة، و تلك التي أذنت في الكتابة و هي كثيرة أيضا، أخرج ابن عبد البر (2) في جامع بيان العلم عن أنس بن مالك (3)- رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قيّدوا

ص: 79


1- أخرجه أبو داود في السنن، كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة: 4/ 200- و أحمد في المسند: 4/ 131.
2- هو يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي، أبو عمر، شيخ علماء الأندلس، و كبير محدثيها و أحفظ من كان بالأندلس لسنة المصطفى صلى اللّه عليه و سلم، توفي سنة (368 ه). انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض: 4/ 808- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 7/ 66.
3- هو أنس بن مالك بن النضر بن النجار، خدم النبي صلى اللّه عليه و سلم صغيرا، و سمع منه و من كبار الصحابة، شهد الحديبية و الفتح و حنين، توفي بالبصرة سنة (93 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 308- و الاستيعاب لابن عبد البر: 1/ 7.

العلم بالكتاب». (1)

و قد أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يكتب لأبي شاة (2) بقوله: «اكتبوا لأبي فلان». (3).

و روي أن رجلا من الأنصار شكا حفظه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له: «استعن بيمينك»، و أومأ بيده للخط. (4) أي بالكتابة.

ص: 80


1- أخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 106 و قال: صحت الرواية عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: قيّدوا العلم بالكتاب ... قال: و كذلك الرواية عن أنس بن مالك صحيح من قوله، و قد أسند من وجه غير معتمد. و أخرجه الخطيب في تقييد العلم: 70- و في تاريخ بغداد: 10/ 46- و ابن عبد البر في جامع بيان العلم و فضله: 1/ 72- و ابن الجوزي في العلل المتناهية: 1/ 78.
2- هو أبو شاة اليماني، و قيل: إنه كلبي، و قيل: هو من أبناء الفرس، كان ممن حضر خطبة يوم الفتح، و أمر الرسول صلى اللّه عليه و سلم أن تكتب له الخطبة. انظر: الإصابة لابن حجر: 4/ 100.
3- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: العلم، باب: كتابة العلم: 1/ 36- و أبو داود في السنن، كتاب: العلم، باب: في كتابة العلم: 3/ 319. و الترمذي، كتاب: العلم، باب: ما جاء في الرخصة فيه: 5/ 39 و قال: حديث حسن صحيح- و أحمد في المسند: 2/ 238.
4- أخرجه الترمذي، كتاب: العلم، باب: الرخصة فيه: 5/ 39 و قال: إسناده ليس بذاك. و هو في تقييد العلم: 65، و الجامع لأخلاق الراوي: 1/ 249 ط المعارف- و كنز العمال: 10/ 245.

و روى الإمام أحمد (1) عن عمرو بن شعيب (2) عن أبيه عن جده أنه قال: كنت أكتب كل شي ء أسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أريد حفظه، فنهتني قريش و قالوا: إنك تكتب كل شي ء تسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشر يتكلم في الغضب و الرّضى، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «اكتب فو الذي نفسي بيده لا يخرج مني إلا حق». (3) بل إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يملي الكتب إلى الملوك و في المصالحة و قد أملى على علي رضي اللّه عنه ليكتب، قالت أم سلمة (4) زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم: دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأديم و علي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

ص: 81


1- هو أحمد بن حنبل الشيباني أبو عبد اللّه، رابع الأئمة الأربعة، إمام عالم مجتهد، كان لموقفه من محنة القرآن أثره في ثبات أهل السنة في وجه المعتزلة، توفي سنة (241 ه). انظر: تاريخ بغداد: 4/ 412- و طبقات الحنابلة لأبي يعلى: 1/ 4.
2- هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللّه السهمي، وثقه الجمهور، و احتج به أرباب السنن الأربعة، توفي سنة (118 ه). انظر: طبقات خليفة: 286- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 165.
3- أخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 104 و قال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه. و قال الذهبي: صحيح و لم يخرجاه.- و أبو داود، كتاب العلم، باب: كتابة العلم: 3/ 318- و الدارمي: 1/ 103- و هو في تقييد العلم: 74- 82- و الجامع لأخلاق الراوي: 50.
4- هي أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية، أم المؤمنين زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم، توفيت سنة (62 ه) و هي آخر أمهات المؤمنين موتا. انظر: أسد الغابة لابن الأثير: 7/ 340- و الإصابة لابن حجر: 4/ 458.

يملي و عليّ يكتب حتى ملأ بطن الأديم و ظهره و أكارعه. (1).

يقول الأعظمي: أملى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعض الأحاديث، و كتبها الصحابة و بلغت درجة التواتر منها الرسائل التي بعثها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى مختلف الأمراء و هي أحاديث نبوية. (2)

كما أن فعل الصحابة يؤكد أن منهم من كان يكتب و يحتفظ بالمكتوب لديه، روى البخاري في «صحيحه» عن أبي جحيفة (3) قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب اللّه، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: و ما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل و فكاك الأسير، و لا يقتل مسلم بكافر. (4)

و روي عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- (5) أنه قال: ما من أصحاب رسول اللّه

ص: 82


1- انظر: أدب الإملاء و الاستملاء للسمعاني: 12 قال السمعاني: و أمثال هذه الكتب كثيرة و لو ذكرناها لطال الكتاب، و المقصود أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يملي الكتب على كتّابه رضي اللّه عنهم أجمعين- و دراسات في الحديث النبوي: 1/ 127.
2- انظر: دراسات في الحديث النبوي للأعظمي: 1/ 79.
3- هو أبو جحيفة وهب بن عبد اللّه السوائي و يقال له وهب الخير، من صغار الصحابة، لازم عليا فإذا خطب يقوم أبو جحيفة تحت منبره، مات (74 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 202- و الإصابة لابن حجر: 3/ 642.
4- صحيح البخاري، كتاب: العلم، باب: كتابة العلم: 1/ 36.
5- هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي أكثر الصحابة حفظا للحديث ببركة دعاء الرسول صلى اللّه عليه و سلم، كثير التعبد و الذكر، فيه دعابة، استعمله عمر على البحرين، توفي سنة (58 ه) انظر: المعارف لابن قتيبة: 120- و الإصابة لابن حجر: 4/ 220.

صلى اللّه عليه و سلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد اللّه بن عمرو فإنه كان يكتب و لا أكتب. (1)

و روي أنه كان لابن عباس رضي اللّه عنه مجموعة ضخمة من الكتب يحتاج في نقلها ظهر بعير، و أن مولاه و تلميذه كريب (2) قام بحفظها ثم أودعها لدى موسى بن عقبه (3) الذي قال: وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس، و كان علي بن عبد اللّه ابن عباس (4) إذا أراد الكتاب كتب إليه

ص: 83


1- أخرجه البخاري، كتاب: العلم، باب: كتابة العلم. البخاري مع الفتح: 1/ 206 و الترمذي، كتاب: العلم، باب: الرخصة فيه: 5/ 40 و قال: حديث حسن صحيح- و أحمد في المسند: 2/ 248- و الدارمي في السنن: باب: من رخص في كتابة العلم: 1/ 103- و الخطيب في جامع بيان العلم: 1/ 84، و تقييد العلم: 82.
2- هو كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولى ابن عباس، وثقه ابن معين و النسائي، توفي سنة (98 ه). انظر: طبقات خليفة: 280- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 479.
3- هو موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي، من صغار التابعين، إمام ثقة قليل الحديث، له كتاب في المغازي، و قيل: هو أول من ألف فيه، توفي سنة (141 ه). انظر: طبقات خليفة: 267- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 6/ 114.
4- هو علي بن عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب القرشي، ولد عام قتل الإمام علي فسمي باسمه، قال ابن سعد: ثقة قليل الحديث. هو جد الخلفاء من بني العباس، توفي سنة (118 ه). انظر: طبقات خليفة: 239- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 252 ر 284.

ابعث إليّ بصحيفة كذا و كذا، فينسخها و يبعث بها. (1) و لا شك أن هذا المكتوب كان خليطا من شتى اهتمامات ابن عباس العلمية: الحديث و التفسير و الشعر و اللغة و غير ذلك.

و روت سلمى (2) خادمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و زوجة أبي رافع بن خديج فقالت: رأيت ابن عباس معه ألواحه يكتب عليها عن أبي رافع شيئا من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. (3)

و عن نافع (4) أن ابن عمر- رضي اللّه عنه- كان له كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس. (5)

و أخرج الحاكم عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب

ص: 84


1- انظر: طبقات ابن سعد: 5/ 216- و تقييد العلم للخطيب: 136- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 480.
2- هي سلمى أم رافع امرأة أبي رافع مولى الرسول صلى اللّه عليه و سلم، انظر الإصابة لابن حجر: 4/ 333.
3- انظر: طبقات ابن سعد: 2/ 371- و تقييد العلم: 91- و التراتيب الإدارية للكتاني: 2/ 247.
4- هو نافع أبو عبد اللّه القرشي، مولى ابن عمر و راويته، من كبار التابعين، ديلمي الأصل، أصابه ابن عمر في بعض غزواته صغيرا توفي (117 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 5/ 367- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 95.
5- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 238.

كثيرا، فغمني فقلت: تتقلب لشكوى أو لشي ء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها، و قال:

خشيت أن أموت و هي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته و وثقت به و لم يكن كما حدثني، فأكون قد تقوّلت ذلك.

و في رواية زيادة: فأكون قد تقلدت ذلك و يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما غبي على أبي بكر، إني حدثتكم الحديث و لا أدري لعلي لم أتتبعه حرفا حرفا. (1)

و مثل هذا روي عن النعمان بن قيس أن عبيدة ت (72 ه) (2) دعا بكتبه عند الموت فمحاها فقيل له في ذلك فقال: أخشى أن يليها قوم

ص: 85


1- انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 5، و كنز العمال: 10/ 285، و عزاه لابن كثير عن الحاكم، قال الحافظ ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدا و علي بن صالح- من رجال السند- لا يعرف، و الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أكثر من هذا المقدار بألوف و لعله إنما اتفق له جمع تلك فقط ثم رأى ما رأى. و قال السيوطي: لعله جمع ما فاته سماعه من النبي صلى اللّه عليه و سلم و حدثه عنه به بعض الصحابة، ثم خشي أن يكون الذي حدثه و هم فكره تقلّد ذلك. مسند أبي بكر الصديق للسيوطي: 176- و «غبي» أي: خفي. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير:
2- هو عبيدة بن عمرو- و قيل ابن قيس- السلماني، أسلم عام الفتح بأرض اليمن، و لا صحبة له، برع في الحديث و الفقه، توفي سنة (72 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 425- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 40.

يضعونها في غير موضعها. (1)

و ترك أبو قلابة ت (104 ه) (2) وصية على فراش موته يقول فيها:

ادفعوا كتبي إلى أيوب (3) إن كان حيا، و إلا فاحرقوها. و قد حملت الكتب بعد وفاته إلى الشام لأيوب السختياني. (4)

إن ثلة من الصحابة محوا ما كتبوه أو غسلوه أو حرقوه أو دفنوه خشية أن تؤول إلى غير أهل العلم، و مهما كان ذلك فإن الشاهد منها قائم و هو كتابة الحديث و تدوينه.

أما أحاديث النهي عن كتابة السنة و كراهية ذلك فهي أيضا كثيرة:

ص: 86


1- انظر: طبقات ابن سعد: 6/ 63- و تقييد العلم للخطيب: 61- و جامع بيان العلم لابن عبد البر: 1/ 67- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 43.
2- هو عبد اللّه بن زيد بن عمرو الجرمي، ثقة كثير الحديث، كان ديوانه بالشام، و مات بداريا. انظر: المعارف لابن قتيبة: 447- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 468.
3- هو أيوب السختياني أبو بكر بن أبي تميمة كيسان العنزي، قال عنه الحسن: هذا سيد الفتيان. و قيل عنه: سيد الفقهاء، مات بالبصرة في الطاعون سنة (131 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 471- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 6/ 15.
4- انظر: طبقات ابن سعد: 7/ 185- و المعارف لابن قتيبة: 447- و تقييد العلم للخطيب: 62- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 94- و تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر لعبد القادر بدران: 7/ 427- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 473.

روى مسلم (1) في «صحيحه» عن أبي سعيد الخدري (2) أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تكتبوا عني، و من كتب عني غير القرآن فليمحه، و حدثوا عني و لا حرج، و من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». (3)

و روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: كنا قعودا نكتب ما نسمع من النبي صلى اللّه عليه و سلم فخرج علينا فقال: ما هذا تكتبون؟ فقلنا: ما نسمع منك.

فقال: أ كتاب مع كتاب اللّه ... الحديث (4). و أحاديث أخرى في هذا المعنى، يذهب بعض أهل العلم إلى عدم ثبوت المنع و منهم الأستاذ الأعظمي الذي

ص: 87


1- هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، إمام محدث حافظ، من أوعية العلم، مصنفاته كثيرة منها كتاب الصحيح، توفي سنة (261 ه). انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 3/ 100- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 10/ 126.
2- هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الخزرج، أبو سعيد الخدري، مشهور بكنيته، أول مشاهده الخندق، و غزا مع الرسول صلى اللّه عليه و سلم اثنتي عشرة غزوة، و كان ممن حفظ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سننا كثيرة و روى عنه علما جمّا، و كان من نجباء الأنصار و علمائهم و فضلائهم. توفي سنة أربع و سبعين، روى عنه جماعة من الصحابة و جماعة من التابعين. انظر الاستيعاب لابن عبد البر: 1/ 602.
3- صحيح مسلم، كتاب: الزهد، باب: التثبت في الحديث و حكم كتابة العلم: 4/ 2298- و المسند للإمام أحمد: 3/ 12- و سنن الدارمي: 1/ 98- و تقييد العلم للخطيب: 29- و جامع بيان العلم لابن عبد البر: 1/ 76.
4- المسند للإمام أحمد: 3/ 12- و تقييد العلم للخطيب: 33- و هو في مجمع الزوائد للهيثمي: 1/ 150.

يقرر عدم صحة ما ورد في هذا الباب من أحاديث المنع ظاهرها من الكتابة، عدا رواية واحدة وردت عن أبي سعيد الخدري مع الخلاف في رفعها و وقفها، و كذلك في المعنى المراد منها. (1)

و يقول الحافظ ابن حجر (2): إن السلف اختلفوا في ذلك عملا و تركا، و إن كان الأمر استقر و الإجماع انعقد على جواز كتابة العلم، بل استحبابه، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم. (3)

و قد حاول العلماء الجمع بين أحاديث النهي و الإباحة، و خرجوا بعدة وجوه منها:

1- أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، و الإذن في غير ذلك الوقت. (4)

2- أن النهي خاص بكتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة خوف الاشتباه، حيث أن الصحابة كانوا يكتبون تأويل الآيات، فربما كتبوه

ص: 88


1- انظر دراسات في الحديث النبوي للأعظمي: 1/ 80.
2- هو أحمد بن علي بن محمد بن العسقلاني، إمام حافظ، انتهت إليه رئاسة علم الحديث، مصنفاته كثيرة منها فتح الباري، توفي سنة (852 ه). انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي: 552- و الضوء اللامع للسخاوي: 2/ 36.
3- انظر: فتح الباري لابن حجر: 1/ 146- و قريب من هذا قاله ابن الصلاح، ينظر علوم الحديث: 169.
4- انظر: تدريب الراوي للسيوطي: 151- و فتح الباري لابن حجر: 1/ 4.

معها، و الإذن كان لكتابة الحديث في صحف مستقلة ليس فيها شي ء من القرآن. (1)

3- أن النهي خاص بكتاب الوحي المتلو (القرآن)- الذين كانوا يكتبونه في صحف ليحفظ في بيت النبوة، و لو أجاز لهم كتابة الحديث لم يؤمن أن يختلط القرآن بغيره- و أن الإذن لغيرهم.

4- أن النهي لمن أمن عليه النسيان، و وثق بحفظه. (2)

5- أن العارفين بالكتابة كانوا في صدر الإسلام قلة، لذا اقتضت الحكمة قصر جهودهم على كتابة القرآن الكريم و بعض أمور الدولة الهامة، و عدم الاشتغال بكتابة غير ذلك. (3)

6- أن الإذن في الكتابة ناسخ للمنع منها. (4) و اللّه أعلم.

3) تفسير القرآن الكريم و ما يتعلق به:

من أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و غريب القرآن و غيرها من

ص: 89


1- انظر: تدريب الراوي للسيوطي: 150.
2- انظر: حجية السنة للأعظمي: 442.
3- انظر: تدريب الراوي للسيوطي: 150.
4- انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 4/ 148.

المسائل المتعلقة بالآيات التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحرص على تبليغها لأصحابه عند نزول الآية أو الآيات، فكثيرا ما كان صلى اللّه عليه و سلم يبين لهم حالته زمن نزول الوحي عليه، قبيله و أثناءه و عقبه، و يحدد الموضع الذي نزلت فيه الآية أو الآيات، كما يبين لهم المنسوخ من الآيات، و يفسر لهم المجمل و يشرح الغريب و يخصص العام و يقيد المطلق و يخبر بالمغيبات و نحوها.

و بعض الصحابة كانوا يكتبون من الذي يسمعونه ما يحتاجون إلى كتابته، من المعاني و المسائل الهامة، و إن كان اعتمادهم على الحفظ هو الأساس.

و حين توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و جاء عصر صغار الصحابة و كبار التابعين، حرصت الفئتان على تلقي ما تحدّث به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و معرفة الأحوال التي أحاطت بالوحي، و التجأ بعضهم إلى تدوين ما يسمعه على هامش المصاحف أو غيرها من وسائل الكتابة، و جعلوا المكتوب معهم يلجئون إليه عند الحاجة أو رغبة حفظه، و قد تقدم في الفقرة السابقة بعض الدلائل على كتابة الصحابة للسنة، و ما التفسير المأثور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا من هذه السنة.

4) الرسائل و العقود و الوثائق:

و كل ما احتيج إلى تقييده في السطور، كحفظ الحقوق، و المكاتبات، و الاتفاقيات مع القبائل، و المعاهدات و عقود منح الأراضي، و سجلات الغزوات و المغانم، و الصكوك بين الناس بحوائجهم، و رسائله صلى اللّه عليه و سلم إلى الحكام و أمراء الجند، داخل الجزيرة العربية و خارجها يعرض عليهم الإسلام، من

ص: 90

ذلك ما كتبه صلى اللّه عليه و سلم إلى هرقل عظيم الروم، (1) و إلى ملك الفرس كسرى (2)، و إلى المقوقس ملك مصر (3)، و إلى النجاشي (4)، و منها بعثه صلى اللّه عليه و سلم سليط بن عمرو العامري (5) إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام، و كتب له

ص: 91


1- هو هرقل عظيم الروم، كانت مدة ملكه خمسا و عشرين سنة، منه ملك المسلمون الشام، و قد كتب له النبي صلى اللّه عليه و سلم يدعوه إلى الإسلام، و حمّل الرسالة دحية الكلبي، و كاد أن يتبع غير أنه خاف من قومه. انظر: المحبر لابن حبيب: 75- و صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 362- و الكامل لابن الأثير: 2/ 143 و 188.
2- هو كسرى أنو شروان عظيم الفرس، كتب له الرسول صلى اللّه عليه و سلم و دعاه إلى الإسلام فأبى، و حمل الرسالة عبد اللّه بن حذافة، فمزق كتابه، قال صلى اللّه عليه و سلم:* مزق اللّه ملكه؛ قتله ابنه شيرويه. انظر: المحبر لابن حبيب: 77- و صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 363- و الكامل لابن الأثير: 2/ 143 و 146.
3- هو المقوقس ملك مصر، كتب له الرسول صلى اللّه عليه و سلم كتابا و أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة، فقبل كتابته، و أهدى إليه صلى اللّه عليه و سلم أربع جوار منهن مارية أم إبراهيم ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. انظر: صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 364- و الكامل لابن الأثير: 2/ 143.
4- هو النجاشي ملك الحبشة، و اسمه أصحمة، معدود في الصحابة، كان ممن حسن إسلامه و لم يهاجر، و ليست له رؤية، توفي في حياة النبي صلى اللّه عليه و سلم فصلى عليه بالناس صلاة الغائب. و انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 428. انظر: المحبر لابن حبيب: 76- و صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 364- و حمل الرسالة عمرو بن أمية الضمري. انظر: الكامل لابن الأثير: 2/ 143.
5- هو سليط بن عمرو بن عبد شمس العامري، أسلم قديما، شهد بدرا، استشهد في اليمامة. انظر: الإصابة لابن حجر: 2/ 71.

كتابا، (1) و بعثه صلى اللّه عليه و سلم عمرو بن العاص (2) إلى جيفر و عبد ابني الجلندي يدعوهما إلى الإسلام و معه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إليهما (3) و بعثه صلى اللّه عليه و سلم شجاع بن وهب (4) إلى الحارث بن أبي شمّر الغساني (5) و كان عبد اللّه بن أرقم الزهري ممن يكتب هذه الرسائل، كما كان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يكتب بعض عهود النبي صلى اللّه عليه و سلم، و كان ابن عباس- رضي اللّه عنهما- يحتفظ ببعض نسخ تلك الرسائل. (6) و قد جمع عمرو بن حزم الأنصاري

ص: 92


1- كان هوذة ملك اليمامة، و كان نصرانيا، أرسل إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم و فدا بعد أن استلم كتابه، يبلغه إن جعل الأمر له بعد أن يسلم، سار إليه و نصره، و إلا قصد الحرب. فقال صلى اللّه عليه و سلم: لا و لا كرامة، اللّهم اكفنيه. فمات. انظر طبقات ابن سعد: 1/ 262- و الكامل لابن الأثير: 2/ 143.
2- هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي، يضرب به المثل في الفطنة و الدهاء و الحزم، من أبطال الجاهلية و الإسلام، أسلم عام ثمان، و ولاه النبي صلى اللّه عليه و سلم على جيش ذات السلاسل، توفي بمصر سنة (42 ه)، انظر: المعارف لابن قتيبة: 286- و صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 365- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/ 54.
3- انظر: طبقات ابن سعد: 1/ 262.
4- هو شجاع بن وهب بن ربيعة بن أسد الأسدي، من السابقين المهاجرين إلى الحبشة، شهد بدرا، و استشهد باليمامة. انظر: الإصابة لابن حجر: 2/ 138.
5- انظر: الكامل لابن الأثير: 2/ 145.
6- انظر: نصب الراية للزيلعي: 4/ 420- و تقييد العلم للخطيب: 72- و دراسات في الحديث النبوي للأعظمي: 1/ 139.

ت (50 ه) (1) بعض مكاتيب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في شكل كتاب و روى عنه ابنه هذا الكتاب. (2)

و مما كان يكتبه الصحابة ما كان يأمر بكتابته صلى اللّه عليه و سلم من التعليمات و التوجيهات لأمراء السرايا، روي أنه صلى اللّه عليه و سلم كتب لعبد اللّه بن جحش (3)، أمير سرية نخلة صحيفة من أديم خولاني (4) و قال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا و كذا. فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس، و أخبرهم بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (5). و كتب إلى خالد بن الوليد في جواب كتابه إليه صلى اللّه عليه و سلم بإسلام بني

ص: 93


1- هو عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي، الأنصاري، صحابي شهد الخندق مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و بعثه إلى اليمن بكتاب فيه الفرائض و السنن و الديات. قيل: توفي (51 ه). انظر: طبقات خليفة: 89- و تهذيب الكمال للمزي: 21/ 585.
2- و قد طبع الكتاب مع كتاب ابن طولون أعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين. انظره: ص 48، و في صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 351- 368 نماذج كثيرة من رسائله صلى اللّه عليه و سلم إلى الملوك و العظماء و الأمراء و غيرهم.
3- هو عبد اللّه بن جحش بن رياب الأسدي، من السابقين هاجر إلى الحبشة، و شهد بدرا، و كانت أول راية عقدت في الإسلام هي له، استشهد يوم أحد. انظر: المعارف لابن قتيبة: 160- و الإصابة لابن حجر: 2/ 286.
4- نسبة إلى خولان، و هي من مخالف اليمن، و قيل: قرية بقرب الشام. معجم البلدان لياقوت: 2/ 407.
5- انظر: حجية السنة للأعظمي: 402- و هو في المغازي للواقدي: 1/ 13- و البداية و النهاية لابن كثير: 3/ 249.

الحارث. (1) و أخرج البخاري عن حذيفة- رضي اللّه عنه- قال: قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس». فكتبنا له ألفا و خمسمائة. (2)

و كتب النبي صلى اللّه عليه و سلم إلى ثقيف (3) كتابا أن لهم ذمة اللّه و ذمة محمد بن عبد اللّه على ما كتب لهم، و إلى خثعم (4)، و إلى ثمالة (5) و الحدان (6) (7) كما ثبت أنه صلى اللّه عليه و سلم كتب كتبا كثيرة في بيان ديات النفس و الأطراف و الفرائض و الصدقات و غير ذلك من الأحكام، كالذي كتبها لعمرو بن حزم حين بعثه

ص: 94


1- انظر: صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 353.
2- صحيح البخاري، كتاب: الجهاد، باب: كتابة الإمام للناس: البخاري مع الفتح: 6/ 177.
3- هي بطن من هوازن، اشتهروا باسم أبيهم، فيقال لهم بني ثقيف، كانت مواطنهم بالطائف. انظر: معجم القبائل العربية لرضا كحالة: 1/ 148.
4- هي قبيلة من القحطان تنسب إلى خثعم بن أنمار، منازلهم بين بيشة و ثربة. انظر: معجم القبائل العربية لكحالة: 1/ 331.
5- هي قبيلة من القحطانية، كانت منازلهم قرب الطائف، و هي نسبة إلى ثمالة بن أسلم. انظر: معجم القبائل العربية لكحالة: 1/ 153.
6- بطن من القحطانية كانوا بالسراة، و ينسبون إلى حدان بن شمس. انظر: معجم القبائل العربية لكحالة: 1/ 250.
7- انظر: طبقات ابن سعد: 1/ 286- و قد ذكر ما يقرب من مائة كتاب كتبها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى الملوك و القبائل: 1/ 258- 291- و انظر الوثائق السياسية لمحمد حميد اللّه: وثيقة رقم: 181.

على نجران و يقال: إن هذا الكتاب بقى لدى عائلة عمرو بن حزم حتى عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه. (1)

كما أعطى صلى اللّه عليه و سلم للعلاء بن الحضرمي ت (14 ه) أثناء حكمه على البحرين قواعد مكتوبة خاصة بزكاة الإبل و البقر و الماعز. (2)

و من الاتفاقيات التي أبرمت في عهده صلى اللّه عليه و سلم و كتبت ما تم مع قبيلة بني ضمرة (3) و ذلك في غزوة الأبواء في السنة الأولى من الهجرة. (4)

و معاهدة الحديبية و كانت سنة (6 ه) (5) و الاتفاقية التي كتبت مع أكيدر حاكم دومة الجندل (6) و كانت سنة (9 ه) (7)، و معاهدته صلى اللّه عليه و سلم مع أهل

ص: 95


1- انظر: التراتيب الإدارية للكتاني: 1/ 168- و طبقات ابن سعد: 1/ 267- و تاريخ بغداد للخطيب: 8/ 228- و تقييد العلم للخطيب: 72-.
2- انظر: طبقات بن سعد: 1/ 463.
3- نسبة إلى ضمرة بن بكر، بطن من كنانة، من ديارهم المرود، موضع عند الجحفة. انظر: معجم القبائل العربية لكحالة: 2/ 667.
4- انظر: المغازي للواقدي: 1/ 12- و المعارف لابن قتيبة: 48.
5- انظر: المغازي للواقدي: 2/ 611- و البخاري مع الفتح: 6/ 282.
6- هو أكيدر دومة بن عبد الملك بن عبد الجن، صاحب دومة الجندل، أسره خالد بن الوليد، و أرسله إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم فصالحه على الجزية، ثم ارتد فقاتله خالد في أيام أبي بكر فقتله كافرا. انظر: أسد الغابة لابن الأثير: 1/ 135- و الإصابة لابن حجر: 1/ 125- و معجم البلدان لياقوت: 2/ 478.
7- انظر: فتوح البلدان للبلاذري: 82- و صبح الأعشى للقلقشندي: 6/ 356.

أيله (1)، و غير ذلك من المعاهدات و الاتفاقيات التي كتبت بإملاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

و كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لتميم الداري- رضي اللّه عنه- (2) صكا يمنحه بموجبه قرى جيرون و الرطومة و بيت عينون بالشام. (3) و هي الوثيقة التي جددها الصديق أبو بكر، و بقيت إلى عصر القلقشندي الذي ذكر أن أحد معاصريه رآها في أيدي بعض التميميين.

كما كتب صلى اللّه عليه و سلم لسلمان الفارسي- رضي اللّه عنه- (4) الفدية و فيه: هذا ما فادى

ص: 96


1- انظر: فتوح البلدان للبلاذري: 80- و البخاري مع الفتح: 6/ 266- و أيله بالفتح، موضع من آخر الحجاز و أول الشام، قدم منها يوحنه بن رؤبة على النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو في تبوك فصالحه على الجزية. انظر: معجم البلدان لياقوت: 1/ 292. قلت: و هي تسمى اليوم إيلات، يحكمها يهود.
2- هو تميم الداري بن أوس بن خارجة اللخمي الفلسطيني، وفد على النبي صلى اللّه عليه و سلم سنة تسع فأسلم، كان عابدا كثير التلاوة. توفي سنة (40 ه). انظر: الاستيعاب لابن عبد البر: 2/ 58- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 442.
3- انظر: صبح الأعشى للقلقشندي: 13/ 121- و التراتيب الإدارية للكتاني: 1/ 143- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 444.
4- هو سلمان الفارسي، صحابي مشهور، أصله من رام هرمز، خرج يبحث عن النبي المرسل، قال صلى اللّه عليه و سلم: سلمان منا أهل البيت؛ أشار على النبي صلى اللّه عليه و سلم بحفر الخندق، توفي سنة (32 ه). انظر: غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 308 و تهذيب التهذيب لابن حجر: 4/ 117.

محمد بن عبد اللّه فدى سلمان الفارسي من عثمان بن عبد الأشهل اليهودي ثم القرظي بغرس ثلاثمائة نخلة ... إلخ. و شهد أبو بكر و عمر رضي اللّه عنهما، و كتبها علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. (1)

هذا و قد وصلت إلينا بعض كتابات من عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منها ما كان على الحجر، و بعضها على الرق، و منها ما وجد على الغرانيت بجوار المدينة المنورة، يعود تاريخها إلى السنة الرابعة للهجرة، من أيام غزوة الخندق، و من الرسائل التي وجدت على الرق بعض الرسائل التي وجهها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى الملوك داخل الجزيرة العربية و خارجها. (2)

هذا ما كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غير أن الوضع اختلف بعد وفاته صلى اللّه عليه و سلم حيث توسعت دائرة الكتابة و أصبح الصحابة يسجلون و يكتبون ما يخشون ضياعه أو نسيانه، خاصة حين اتسعت دائرة الفتوحات الإسلامية، و دخل الناس في دين اللّه أفواجا، و احتاج كل أولئك إلى من يعلمهم أمور دينهم، و احتاجت أقوامهم إلى التفقه في الدين، هنا كان للكتابة دورها العظيم في التعليم و نقل الأخبار و الأحكام إلى الناس، و قد كان كبار التابعين يحرصون على تسجيل ما لدى الصحابة من العلوم خشية

ص: 97


1- انظر: ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم: 1/ 52- و تاريخ بغداد للخطيب: 1/ 170.
2- انظر: دراسات في تاريخ الخط العربي للمنجد: 29.

ذهابها بذهابهم، و لذلك رأينا مجاهدا (1) يسأل ابن عباس رضي اللّه عنهما عن تفسير القرآن و معه ألواحه فيقول له ابن عباس: اكتب. حتى سأل عن التفسير كله. (2) و رأينا سعيد بن جبير- (3) رضي اللّه عنه- يكتب عن ابن عباس فإذا امتلأت صحفه كتب في نعله حتى ملأها، و كتب في كفه. (4)

و هو الذي قال: كنت أسير بين ابن عمر و ابن عباس- رضي اللّه عنهم- فكنت أسمع الحديث منهما فأكتبه على واسطة الرّحل حتى أنزل فأكتبه. (5)

و كان الحسن البصري- رضي اللّه عنه- يدعو بنيه بني أخيه و يقول لهم: يا بني و بني أخي، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه- أو قال يحفظه- فليكتبه، و ليضعه في بيته،

ص: 98


1- هو مجاهد بن جبر تابعي من أئمة التفسير، ثقة أجمعت الأمة على إمامته، توفي سنة (104 ه). انظر: صفة الصفوة لابن الجوزي: 2/ 208- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 449.
2- انظر: تفسير ابن جرير الطبري: 1/ 30- و مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 103.
3- هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، فقيه ورع عابد، من أئمة التابعين، ثقة حجة، قتله الحجاج سنة (95 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 197- و التاريخ الكبير للبخاري: 3/ 461- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 181.
4- انظر: طبقات ابن سعد: 6/ 257- و سير أعلام النبلاء: 4/ 335- و تقييد العلم للخطيب: 102 و سنن الدارمي: 1/ 105.
5- انظر: تقييد العلم: 103- و جامع بيان العلم: 1/ 72- و انظر سنن الدارمي: 1/ 105.

و هو الذي كان يقول: إن لنا كتبا نتعاهدها. (1)

و عن أبي هلال قال: قيل لقتادة: يا أبا الخطاب أ نكتب ما نسمع؟

قال: و ما يمنعك أحد أن تكتب، و قد أنبأك اللطيف الخبير أنه قرأ و كتب عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى [طه: 52]. (2)

و بعد هذه المقدمة الذي أظنني أطلت الحديث عن الكتابة و هو أمر أعتقد أنه لا بد منه لبيان الحقيقة و تفنيد بعض الأقوال و الآراء البعيدة عن الحق، أعود إلى الحديث عن نشأة علوم القرآن لأقرر- تبعا لثلّة من المتأخرين المشتغلين بعلوم القرآن (3)- أن نشأة التفسير و علوم القرآن كانت سابقة لنشأة الحديث و مستقلة عنه. بل إنها كانت مواكبة لنزول الوحي، و هي حقيقة تضافرت الأدلة عليها، و إن كانت تعارض رؤية أعداد من أهل العلم الأقدمين منهم و المتأخرين، الذين يرون أن نشأتها تأخرت عن نشأة الحديث، بحيث كانت في البداية روايات تروى على أنها باب من أبواب الحديث إلى أن تم تجريد هذه الروايات و جمعها جمعا خاصا مرتبا بعيدا عن

ص: 99


1- انظر: العلم لأبي خيثمة: 1/ 125- و جامع بيان العلم: 1/ 124- و سنن الدارمي: 1/ 107.
2- انظر: طبقات ابن سعد: 7/ 230- و تقييد العلم للخطيب: 103- و الكفاية له: 354.
3- مثل الأستاذة ابتسام مرهون الصفار، في كتابها: معجم الدراسات القرآنية: 9- و الأستاذ مساعد مسلم آل جعفر في كتابه: أثر التطور الفكري في العصر العباسي: 54، و انظر: البغوي الفراء و تفسيره للقرآن للأستاذ محمد إبراهيم الشريف: 183- و الزركشي و منهجه في البرهان، رسالة دكتوارة جامعة الأزهر: 14.

الحديث، و كان هذا الانفصال على ما ذهب إليه الأستاذ الذهبي (1) في القرن الثالث، و بالتحديد في النصف الثاني منه على يد ابن ماجة ت (275 ه)، و على ما ذهب إليه الأستاذ عدنان زرزور على يد بقي بن مخلد الأندلسي ت (276 ه) (2)، و على يد ابن جرير الطبري ت (310 ه) (3). و إن كنت أرى أن من العدل القول بأن الصنعاني عبد الرزاق بن همام ت (211) ه، هو السابق و المجلي في هذا الباب، فقد جمع روايات التفسير و أوردها مرتبة حسب ترتيب السور. (4)

و أيّا ما كان الأمر فإنني أؤكد أن نشأة التفسير كانت سابقة، و أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- الذي أنزل عليه الوحي بلغات العرب و على أساليبهم و بلاغتهم كان يعلمه لأصحابه فيأخذون عنه القراءة و بذلك نشأ علم القراءات و علم اللغات التي أنزل عليها القرآن، و يبين لهم موضع الآية أوت.

ص: 100


1- انظر: التفسير و المفسرون للذهبي: 1/ 142.
2- هو بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي، إمام قدوة صالح، كان رأسا في العلم و العمل، رحل كثيرا في طلب العلم، صنف التفسير و المسند اللذين لا نظير لهما، كان مجاهدا؛ و قال: إنه شهد أكثر من سبعين غزوة، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 13/ 285- و البداية و النهاية لابن كثير: 11/ 56.
3- انظر: علوم القرآن للأستاذ عدنان زرزور: 406.
4- تفسيره مطبوع بعنوان (تفسير القرآن) بتحقيق الدكتور: مصطفى مسلم. مكتبة الرشد- الرياض- و طبع مؤخرا بتحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي- دار المعرفة- بيروت.

الآيات في السورة، فيعرفون ترتيب الآيات و كان ذلك بداية نشأة علم ترتيب السور و الآيات، و يفسر لهم ما استشكل عليهم من المعاني و الألفاظ الغريبة و يعلمهم الأحكام، فكان ذلك بداية نشأة علم التفسير و علم غريب القرآن، و يصف لهم كيفية نزول الآية و الآيات من الوحي، و حالته حين يلاقي جبريل و بذلك نشأ هذا العلم و هو علم حالة النبي صلى اللّه عليه و سلم حين نزول الوحي عليه ... إلى غير ذلك من الأحوال المحيطة بالوحي و بنزوله.

إنّ ملازمة الصحابة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مدة النزول جعلتهم يقفون على أسباب النزول، و كان ذلك بداية نشأة أسباب النزول، قال ابن مسعود رضي اللّه عنه (1): و الذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب اللّه إلا و أنا أعلم فيمن نزلت، و أين نزلت، و لو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب اللّه مني تناله المطايا لأتيته. (2) إذا علم الصحابة رضوان اللّه عليهم ما تحيط الآية و الآيات من ظروف و أحوال.

ص: 101


1- هو عبد اللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب، أحد المبشرين بالجنة، و صاحب نعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أول من جهر بالقرآن بمكة، عمل واليا على بيت المال بالكوفة، توفي سنة (32 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 249- و الاستيعاب لابن عبد البر: 2/ 216.
2- أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: القراء من أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم: البخاري مع الفتح: 9/ 46- و ابن جرير في تفسيره: 1/ 80 طبعة شاكر- و انظر: مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 95.

و لتأكيد هذا المعنى أذكر المثال التالي: روى البخاري (1) بسنده عن عائشة- رضي اللّه عنها- (2) أنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، و كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- و هو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله و يتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق و هو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ [العلق: 1- 3] فرجع بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم

ص: 102


1- هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، المحدث الحافظ، من كبار المحدثين المشهورين، له تصانيف عديدة منها التاريخ الكبير، و الصحيح من أوثق كتب السنة. توفي سنة (256 ه). انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 2/ 122- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 9/ 47.
2- هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق بن قحافة، تزوجها النبي صلى اللّه عليه و سلم و هي بنت تسع، و مات عنها و لها (18) سنة، كانت عالمة زاهدة، روت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكثير، توفيت سنة (58 ه). انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/ 58- و حلية الأولياء لأبي نعيم: 2/ 43.

يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي اللّه عنها- (1) فقال:

زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ... الحديث. (2)

و روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد اللّه (3): أي القرآن أنزل أول؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: 1] فقلت: أنبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1] فقال: لا أخبرك إلا بما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إني جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت الوادي فاستبطنت الوادي فنوديت، فنظرت أمامي و خلفي و عن يميني و عن شمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو جالس على عرش بين السماء و الأرض- يعني جبريل- فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة فقلت:

دثروني دثروني، و صبوا عليّ ماء باردا، فأنزل عليّ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ

ص: 103


1- هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد القرشية، أول من صدقت ببعثته مطلقا، كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة، تزوجها النبي صلى اللّه عليه و سلم قبل البعثة بخمس عشرة سنة، و كانت ذات شرف و جمال، و هي أم أولاد النبي صلى اللّه عليه و سلم إلا إبراهيم، توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات. انظر: الإصابة لابن حجر: 4/ 281- و البداية و النهاية لابن كثير: 3/ 127.
2- صحيح البخاري مع الفتح: كتاب بدء الوحي: 1/ 23، و كتاب التفسير (سورة اقرأ): 6/ 87 و كتاب التعبير- أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: 8/ 67.
3- هو جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي، شهد ما بعد بدر و أحد من المشاهد، و روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن أبي بكر و عمر و غيرهما، و عنه أولاده و غيرهم، توفي سنة (88 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 133- و الإصابة لابن حجر: 1/ 212.

فَأَنْذِرْ. وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 1- 4]. (1)

إن تحدّث رسول صلى اللّه عليه و سلم بنزول هاتين السورتين بهذا العرض و بهذه الكيفية، يفيد أنه صلى اللّه عليه و سلم كان يبلغ أصحابه الوحي و ما يحيط به من أسباب النزول و صفة حاله و أماكن النزول و غير ذلك من متعلقات النزول. و كان الصحابة يتناقلون هذه الأخبار فيما بينهم، إما رواية من أولئك الذين أوتوا قوة الحفظ و العارضة، أو كتابة من أولئك الذين كانوا دون إخوانهم في هذا الجانب ممن كان يكتب حتى يحفظ المكتوب.

كما أن الصحابة رضوان اللّه عليهم كانوا حريصين على تلقي كل ما يخرج من فيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فعن أبي عبد الرحمن السلمي (2) قال: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن- كعثمان بن عفان، و عبد اللّه بن مسعود، و غيرهما- أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى اللّه عليه و سلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم و العمل، قالوا: فتعلمنا القرآن و العلم و العمل جميعا. (3)

ص: 104


1- البخاري مع الفتح، كتاب: التفسير (سورة المدثر)، باب: قوله: قُمْ فَأَنْذِرْ: 6/ 75، و مسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: بدئ الوحي: 1/ 144.
2- هو أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن حبيب بن ربيعة الكوفي، ولد في حياة النبي صلى اللّه عليه و سلم، جوّد القرآن و عرضه على عثمان و ابن مسعود، توفي سنة (74 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 267- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 413.
3- أخرجه الطبري في تفسيره: 1/ 80- و أورده القرطبي في تفسيره: 1/ 39- و ابن تيمية في مقدمة في أصول التفسير: 36.

إن نشأة كثير من هذه العلوم القرآنية جاءت مواكبة لنزول الوحي، و سابقة لنشأة العلوم الأخرى التي تعتبر إما أدوات تعين على فهم كتاب اللّه أو تتعلق به أو تتفرع عنه، و لهذا كان المقصود بذاته هو السابق و سائر العلوم الأخرى هي المتأخرة.

و يؤكد هذه الحقيقة من المعاصرين الدكتور مساعد آل جعفر في كتابه (أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي) فقد ذكر أن نشأة التفسير كانت مستقلة عن الحديث، و أن التفسير هو أول العلوم الإسلامية ظهورا، نشأ قبل الحديث خلافا لمن يرى ظهور الحديث قبل التفسير، و اعتبار التفسير بابا من أبواب الحديث، و ذكر من الأدلة المؤيّدة لهذه الحقيقة أن أول الرسالة قرآن و ليس حديثا، و أن جبريل حين نادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال له: اقرأ فقال: ما أنا بقارئ. كان للرسول صلى اللّه عليه و سلم تفسير لكلام جبريل مختلف عن مدلول النص، و لذا فإنه أعادها إليه ثلاث مرات إلى أن أدخل في روعه أنه لا يريد منه القراءة التي هي خلاف الأمية، و إنما يريد اللّه أن يعلمه بالرسالة فقال له بعد المرة الثالثة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [سورة العلق: 1]، ففسّر له اقْرَأْ كما أرادها اللّه لا كما فهمها الرسول صلى اللّه عليه و سلم. (1)

ص: 105


1- انظر: أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي لمساعد آل جعفر: 54.

و على ما سبق نؤكد تخطئة من يقول بتأخر كتابة الأخبار و العلوم الإسلامية إلى ما بعد القرن الثاني، إذ القول بذلك مدعاة للتشكيك في صحة علومنا الإسلامية، لكون الأخبار التي تتلقى طوال هذه المدة بالرواية ثم تكتب بعد ذلك الأمد الطويل قلما يوثق بسلامتها من التحريف و التبديل مهما امتاز الناقلون لها بقوة الحفظ و سلامة الذهن، و لهذا نجد أن أعداء الإسلام يستأنسون بالطعن و التشكيك في تدوين الأخبار الإسلامية بهذه الشاكلة، فيرددون هذه المقولة و يروّجون لها و لو أدى بهم القول إلى التنطع و الافتراء.

و لهذا يؤكد الأستاذ رفيق العظم أن الذي ذهب بالباحثين إلى الظن بعدم كتابة الأخبار إلا بعد القرن الثاني هو تقيد المؤلفين في ذلك العصر بنقل الأخبار بالرواية مع فقد ما دوّن قبل ذلك لفقده لحسن التنسيق و الجمع و شروط الصحة عند المؤلفين لا سيما من جهة الترتيب و التخصيص الذي يروق أهل العصر الثاني و يناسب حالة الرقي في الحضارة. (1)

و يتابع الأستاذ رفيق العظم ليؤكد هذا المعنى: و أما في عصر التابعين و تابعيهم فقد كانت العناية بكتابة الأخبار أكثر، و أقبل الناس على اقتناء الكتب و جمع المكتبات، و من ذلك ما رواه ابن عبد البر عن هشام بن

ص: 106


1- انظر: مجلة منار الإسلام، مقال للأستاذ رفيق العظم: م 10 ج 10 ص 746.

عروة (1) عن أبيه أنه احترقت كتبه يوم الحرة و كان يقول: وددت لو أن عندي كتبي بأهلي و مالي (2)، و معلوم أن وقعة الحرة كانت سنة ثلاث و ستين ...... إلى أن يقول: ما هي كتب عروة التي احترقت سنة ثلاث و ستين؟ أ ليست في علوم شتى من العلوم التي دونها العرب و اشتغلوا بها؟

و هل احترقت كتب عروة في اليوم الذي دونت فيه؟ كلا بل كتبت هي و غيرها من الكتب في غضون القرن الأول، أو على مدى هذا القرن.

و يختم قوله: فإذا كان ذلك كذلك فهل يبقى مجال للريب في أن العرب دونوا علومهم في الصحف من ابتداء القرن الأول؟ و هل يستراب في صحة هذه العلوم مع ما ثبت معنا من أنها كتبت مدعومة بالرواية لتكون أبعد من سهو الكاتبين و تحريف الناسخين؟ (3)

إن الروايات تذكر أن ابن شهاب الزهري هو أول من دون العلم- علم الحديث- بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه و ذلك حين خشي الخليفة ضياع الحديث كما خشي أبو بكر و عمر و عثمان رضي اللّه عنهم من قبله ذهاب القرآن بذهاب حفظته، و خشية الفرقة.

ص: 107


1- هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، تابعي حجة سمع من أبيه و غيره، و دعا له ابن عمر، توفي ببغداد سنة (146 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 6/ 580- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 6/ 34.
2- انظر: طبقات ابن سعد: 5/ 179- و مختصر تاريخ دمشق: 17/ 10.
3- انظر: مجلة منار الإسلام، مقال للأستاذ رفيق العظم: م 10 ج 10 ص 749- 751.

نقول: إن تدوين ابن شهاب للسنة كان بقصد جمعها و ترتيبها و نسخها؛ و لهذا كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار و الآفاق و قال: انظروا حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاجمعوه. (1) و يقول ابن شهاب الزهري: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا. (2)

كما كتب الخليفة إلى أبي بكر محمد بن حزم رضي اللّه عنه: انظر ما كان من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو سنة ماضية أو حديث عمرة فاكتبه فإني خشيت دروس العلم و ذهاب أهله. (3)

إن ما قام به عمر بن عبد العزيز كان تدوينا منظما شاملا للسنة، بخلاف الكتابة التي كانت في عهد النبوة، حيث كانت كتابات فردية غير منظمة و لا مرتبة، كما إنها لم تكن مختصة بالسنة، فقد كتبت أقوال الصحابة إلى جانب حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتفسيرهم لبعض الآيات التي لم يفسرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معولين على الرأي المعتمد على اللغة.

هذا و إن كان البعض يرى أن خالد بن معدان الحمصي المتوفى سنة

ص: 108


1- انظر: تقييد العلم للخطيب: 105، و قواعد التحديث: 46، و فتح الباري لابن حجر: 1/ 208.
2- جامع بيان العلم و فضله لابن عبد البر: 1/ 176، و حلية الأولياء لأبي نعيم: 3/ 363.
3- انظر: طبقات ابن سعد: 8/ 353- و تقييد العلم للخطيب: 105.

(103 ه) (1) هو أول من جمع الحديث، و كان قد لقي سبعين صحابيا، يقول الذهبي في التذكرة: و قال بحير: ما رأيت أحدا ألزم للعلم منه- يريد خالد بن معدان- و كان علمه في مصحف له أزرار و عرى. (2)

بقي اعتراض قد يرد على من يتبنى هذا الرأي: و هو أين هي مصير تلك الكتب التي دونت في القرن الأول إلى منتصف القرن الثاني؟.

و الجواب أن يقال: إن المسلمين كانوا يتلقون كتب الأخبار قراءة و رواية، فلما استبحر العمران و ترقت وسائل الحضارة و اقتضى أن يترقى فن التأليف تنسيقا و ترتيبا، و كتبت في ذلك الكتب الجامعة لأصول كل فن أو فروعه أدمجت تلك الروايات أو الصحف المشتملة على مسائل متفرقة في تلك الكتب الجامعة، مع محافظة المؤلفين على أسانيدها وفاء بحق الأمانة و تصحيحا للأخبار .... و لما انتفت الحاجة إلى تلك الكتب القديمة قضت على أعيانها سنّة بقاء الأنسب بالدثور بضرورة الحال، و أما ما كتب فيها فهو هو بعينه ما كتب في الكتب الجامعة بعد ذلك العصر (3)، كما هو الحال

ص: 109


1- هو خالد بن معدان بن أبي كرب، الكلاعي، حدث عن خلق من الصحابة، و أرسل عن عدد، يعد في أئمة الفقهاء. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 536- و البداية و النهاية لابن كثير: 9/ 230.
2- انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 93- و مجلة المنار-: م 10 ج 10 ص 755 مقال للأستاذ رفيق العظم.
3- انظر مجلة المنار، المجلد العاشر، الجزء العاشر ص: 751- 752.

مثلا في تفسير ابن جرير الذي جمع مادة تفاسير من سبقه.

أضف إلى هذا ما سبق أن ذكرناه عن مصير بعض تلك الكتب بالتخلص منها، إما بإحراقها أو دفنها أو مسح و إزالة مادتها العلمية لدوافع عديدة دينية أو غيرها.

ص: 110

الكتابة و التدوين و التصنيف:

قبل الانتهاء من هذا الموضوع يحسن بنا التعرض لثلاثة مصطلحات يكثر دورانها في مثل هذا الباب، و ذكر الفرق بينها إذ بمعرفة ذلك تتضح الصورة، هذه المصطلحات هي: الكتابة و التدوين و التصنيف.

فالكتابة في اللغة: مشتقة من الكتب و هو: الجمع، تقول: كتب الكتاب كتبا و كتابا: جمع حرفا إلى حرف، و كتبه كتابة و كتبة: أي خطّه (1)، و هي تكتل الحروف الهجائية و اجتماعها، يقول السمين: الكتابة عرفا: ضم بعض حروف الهجاء إلى بعض (2). و تقول: أكتبني هذه القصيدة: أي أملها عليّ (3). و الكتابة: تقييد الألفاظ بالرسوم الخطية (4) و هي على ما في أبجد العلوم: رسوم و أشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس (5) و هي مجموعة الحروف الهجائية المجتمعة في قطعة مكتوبة، (6) و هي

ص: 111


1- انظر: تهذيب اللغة للأزهري: (كتب): 10/ 150- و تاج العروس للزبيدي (كتب): 4/ 100.
2- انظر: الدر المصون للسمين الحلبي: 1/ 84.
3- انظر: أساس البلاغة للزمخشري (كتب): 535- و تاج العروس للزبيدي (كتب): 4/ 100، و نهاية الأرب في فنون العرب للنويري: 8/ 195.
4- انظر: تاريخ الخط العربي و آدابه لطاهر الكردي: 16.
5- انظر: أبجد العلوم: 1/ 156.
6- انظر: صبح الأعشى للقلقشندي: 1/ 32.

في عرف الأدباء تقال لإنشاء النثر. (1)

و يمكن تعريفها اصطلاحا فيقال: هي تسجيل الألفاظ و المعاني و المعارف المسموعة و تقييدها بالرسوم الخطية، و تكون من الإملاء. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ [البقرة: 282].

التدوين: هو في اللغة: الجمع، جمع الصحف و الكتب، قال أبو عبيدة:

هو فارسي معرب (2) تقول: دوّن الكتب: جمعها و منه: الديوان مجمع الصحف و الكتب، و كان يطلق على كتاب يجمع فيه أسامي الجيش و أهل العطية من بيت المال، و أول من وضعه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ثم نقل إلى جمع المسائل في الصحف و الكراريس (3)، و هو جمع لما شذ و تفرق و تقييده ... (4)،

و لهذا قال ابن شهاب: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا. و قال: لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني. و قال الإمام مالك: إن أول من دون العلم ابن شهاب الزهري (5).

ص: 112


1- انظر: التعريفات للجرجاني: 234.
2- انظر: لسان العرب لابن منظور (دون): 13/ 166.
3- انظر: الكليات لأبي البقاء: 227- و أساس البلاغة للزمخشري: 199- و لسان العرب لابن منظور (دون): 13/ 166.
4- انظر: نهاية الأرب في فنون العرب للنويري: 8/ 195.
5- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 334- و حلية الأولياء لأبي نعيم: 3/ 363- و تقييد العلم للخطيب: 5.

و هكذا فسر التدوين بكتابة المجموع المرتب دفترا دفترا. و هو ما يدل عليه قول الإمام مالك رضي اللّه عنه؛ فثابت لديه أن الكتابة قد تمت في عهد الصحابة، و رغم هذا يقول مقولته الآنفة التي لا نشك أنه يقصد النسخ عن مكتوب. ف (دون) يفيد التسجيل من نص مكتوب. فهو جمع و تصنيف من نص مكتوب.

و يعرّف التدوين اصطلاحا فيقال: جمع المتفرق من الصحف و إعادة تسجيل مضمونها مجموعا مرتبا .. و لهذا يقال لمن كتب الوحي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: كتّاب الوحي، و يقال: كتابة المصحف. في حين يقال لما فعله عثمان رضي اللّه عنه: تدوين، لكونه نسخ عن الصحف المتفرقة. أما أبو بكر رضي اللّه عنه و إن كان قد جمع المصحف غير أنه لم يدونه، و لهذا يسمى ما قام به: جمع.

أما التصنيف: ففي اللغة، صنّف الأشياء: جعلها صنوفا و ميّز بعضها عن بعض، و منه تصنيف الكتب (1) كأنه ميزت أبوابه فجعل لكل باب حيّزه. (2)، و أما في الاصطلاح فلم أقف على تعريف جامع له، و يمكن القول بأنه: تأليف متكامل في علم من العلوم أو موضوع من موضوعاته. (3)ين

ص: 113


1- انظر: أساس البلاغة (صنف): 363- و لسان العرب (صنف): 9/ 198.
2- انظر: معجم مقاييس اللغة (صنف): 3/ 313.
3- انظر ما أملاه فضيلة الشيخ مناع القطان على طلبة الدراسات العليا، بكلية أصول الدين

و توضيح ذلك بأن نقول هو: الكتابة المرتبة المبوبة المميزة في علم من العلوم، أو أي موضوع من موضوعاته.

ينقل ابن تغري بردي في كتابه «النجوم الزاهرة» نصا واضحا للإمام الذهبي في هذه المسألة، يقول: في سنة ثلاث و أربعين و مائة شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث و الفقه و التفسير، فصنف ابن جريج (1) التصانيف بمكة ... و صنف ابن إسحاق (2) المغازي، و صنف معمر (3) باليمن .. إلى أن قال: و كثر تبويب العلم و تدوينه، و رتبت و دونت كتب العربية و اللغة و التاريخ و أيام الناس، و قبل هذا العصر كان سائر العلماء يتكلمون من حفظهم و يروون العلم عن صحف صحيحة غير مرتبة، فسهل و للّه الحمد تناول العلم، و أخذ الحفظ يتناقص فللّه الأمر كله (4).

ص: 114


1- هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي، فقيه من الأعلام البارزين، روى عن مجاهد و عطاء، توفي سنة (150 ه). انظر: الكاشف للذهبي: 1/ 185- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 6/ 402.
2- هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، إمام المغازي، روى عن عطاء و الزهري، توفي سنة (150 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 491- و طبقات علماء الحديث: 1/ 267.
3- هو معمر بن راشد الأزدي البصري، أبو عروة، سكن اليمن فكان عالمها، توفي سنة (154 ه). انظر: الكاشف للذهبي: 3/ 154- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 10/ 243.
4- انظر: النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر و القاهرة: 1/ 351- و تاريخ الخلفاء للسيوطي: 261.

و على هذا تكون الكتابة تسجيلا للمعلومات من إملاء، فإذا جمع مجموع ذلك المكتوب و نسخ مع الترتيب يكون تدوينا، فإذا أعيد ترتيبها و تبويبها موضوعيا و أدخلت عناصر جديدة أم لم تدخل سمي تصنيفا أو كتب ابتداء كذلك. و اللّه أعلم.

و خلاصة القول:

1) أن العرب عرفت الكتابة قبل الإسلام، و حين جاء الإسلام شجع التعليم فانتشرت القراءة و الكتابة بصورة سريعة.

2) أن نشأة علوم القرآن كانت مواكبة لنزول الوحي على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أن الكتابة و اكبت النشأة.

3) أن التصنيف في علوم القرآن كان مبكرا في القرن الأول الهجري.

4) أن الكتابة هي تسجيل المعلومة من الإملاء، و التدوين هو تسجيل المعلومة من نسخة مكتوبة، و التصنيف هو التسجيل المرتب و المبوب للمعلومة.

ظهور مصطلح علوم القرآن:

إن من الصعوبة بمكان الجزم بأن واحدا بعينه من المتقدمين هو أول من جرت هذه العبارة على لسانه، أو أنه أول من استخدم هذا المصطلح في

ص: 115

كتاباته قبل غيره، إذ يتطلب ممن يدعي ذلك الوقوف على كل ما قاله السابقون و كتبوه، و هو أمر دونه خرط القتاد، و على هذا فإن أي قول في ذلك هو من باب الظن، كما أنه يحتاج إلى تقديم نص متقدم و هو الآخر أمر متعذر، و أقدم نص وقفت عليه هو ذلك النص المنسوب إلى الإمام الشافعي رضي اللّه عنه الذي يثبت أن الإمام قد استعمل هذا المصطلح في مناظرته مع الرشيد في القرن الثاني للهجرة، فإن ثبتت نسبته إلى الإمام يكون استعمال المصطلح متقدما جدا.

تذكر الروايات أن الإمام الشافعي رضي اللّه عنه حين سيق مكبّلا بالحديد إلى الخليفة هارون الرشيد (1) في بغداد بتهمة تزعم طائفة الشيعة في اليمن، و الادعاء بكونه أحق بالخلافة منه فسأله الخليفة: كيف علمك بكتاب اللّه تعالى، فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به؟ فقال الشافعي: عن أي كتاب اللّه تسألني يا أمير المؤمنين، فإن اللّه قد أنزل كتبا كثيرة على الأنبياء، إن اللّه تعالى أنزل مائة و أربعة من الكتب، أنزل على آدم خمسين صحيفة، و على شيث عشرين، و على إدريس عشرين، و على إبراهيم عشرة، و أنزل التوراة على موسى، و الزبور على داود، و الإنجيل على عيسى، و القرآن على محمد صلى اللّه عليه و سلم، و جمع اللّه في القرآن كل ما في سائر الكتب. قال تعالى تِبْياناً لِكُلِ

ص: 116


1- هو هارون بن المهدي محمد بن المنصور، كان من أنبل الخلفاء، عرف بالعبادة و الجهاد و حصافة الرأي، محاسنه كثيرة، توفي (223 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 286- و تاريخ بغداد للخطيب: 14/ 5.

شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89] و قال تعالى كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود: 1].

فقال الرشيد: أحسنت في تفصيلك، و لكني ما سألت إلا عن كتاب اللّه المنزل على ابن عمي و عمك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. فقال الشافعي: إن علوم القرآن كثيرة، تسألني عن محكمه أو متشابهه؟ أو عن تقديمه أو تأخيره؟ أو عن ناسخه أو منسوخه؟ أو عما ثبت حكمه و ارتفعت تلاوته؟ أو عما ثبتت تلاوته و ارتفع حكمه؟ أو عما ضربه اللّه مثلا؟ أو عما جعله اللّه اعتبارا؟ أو عن أخباره؟ أو عن أحكامه؟ أو عن مكيّه أو مدنيّه؟ أو ليليّة أو نهاريّة؟ أو سفريّه أو حضريّه؟ أو تنسيق وضعه، أو تسوية سوره؟ أو نظائره؟ أو إعرابه؟ أو وجوه قراءته؟ أو عدد حروفه؟ أو معاني لغاته؟ أو عدد آياته؟

قال: و ما زال الشافعي يعدد هذه العلوم حتى عد ثلاثة و سبعين نوعا من أنواع علوم القرآن. فقال هارون: لقد أوعيت من القرآن عظيما.

ثم سأله عن علمه بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بالأحكام و الطب و الأنساب ... إلى غير ذلك (1)؛ فهذه الرواية تؤكد أن الإمام قد نطق بالمصطلح في القرن الثاني، و هو أقدم نص وقفت عليه، و لكن الذي يبدو أنه لم يسلم من المعارضة، و الطعن في صحة ثبوته، فإن الأستاذ عدنان زرزور- يحفظه اللّه- يستبعد صدور تلك العبارة من الإمام، بل يؤكد أن

ص: 117


1- انظر: مناقب الإمام الشافعي لفخر الدين الرازي: 73.

القصة تومئ إلى طابع التلفيق المتأخر على الحادثة، و لنستمع إلى الأستاذ عدنان زرزور و هو يعقب على القصة فيقول:

إننا نبعد أن يكون هذا الاصطلاح قد حاك في الصدور، و نطقت به الألسنة على النحو المشار إليه في القرن الثاني للهجرة، و ذلك أن بعضهم يجعل الإمام الشافعي أول من فعل ذلك ... إلى أن قال: و سياق القصة، و العلوم التي عدّدها الإمام الشافعي تومئ إلى طابع التلفيق المتأخر على هذه الحادثة، فالسؤال عن العلم بكتاب اللّه عز و جل لا يجاب عنه بمثل هذه الباردة التي لم يفعلها الإمام- حتى في هذا الموقف- و السؤال في كل عرف و قياس إنما هو عن القرآن الكريم!! كما أن سائر عناصر هذه القصة من استحسان الرشيد لجواب الشافعي، و الإشارة إلى النبي الكريم عليه صلوات اللّه بابن عم هارون! ... إلخ .. كل ذلك يشير إلى أن هذه التركيبات لا تليق بالرشيد و الإمام الشافعي جميعا ... (1).

بل يذهب الأستاذ زرزور إلى أبعد من هذا حين يريد التأكيد على تأخر ظهور المصطلح إلى قرنين بعد الشافعي: إن من البعيد حقا أن تكون علوم القرآن مجموعة في صدور المبرّزين من العلماء في القرن الثاني ثم لا يتنبه أحد إلى الكتابة فيها مجموعة قبل أواخر المائة الرابعة من الهجرة، على مذهب من يظن أن كتاب الحوفي السابق في هذه العلوم و ليس في تفسير

ص: 118


1- انظر: علوم القرآن، مدخل إلى تفسير القرآن و بيان إعجازه، للأستاذ عدنان زرزور: 125.

القرآن. (1)

ولي حول هذا الرأي و ما جاء في كلام الدكتور الفاضل عدنان زرزور أكثر من وقفة:

أولها: إذا كان الأستاذ زرزور قد استبعد الرأي لكون سياق القصة لم ترق له، أو لكونه استبعد العلوم التي جاء ذكرها على لسان الإمام أن تكون مجتمعة في صدورهم و لم يلتفت لها، و اعتبارها (تركيبات) لا تليق بالرشيد و الإمام. فإن غيره لا يستبعد صدور ذلك من إمام كان آية من آيات اللّه في علمه و ذكائه، و في ابتكاره و تجديده، و في قوة حجته و توفيقه، و لقد نوه البلقيني (2) في خطبة كتابه بكلمة الشافعي هذه. (3)

نعم قد يكون هناك مبالغة من الراوي في عدد تلك العلوم التي نقلت على لسان الإمام، على نحو ما ذكره الفخر الرازي (4)، غير أن ذلك لا يعني

ص: 119


1- انظر: المرجع السابق: 126.
2- هو عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني، مجتهد حافظ، عرف بسرعة الفهم، له تصحيح المنهاج في الفقه الشافعي، توفي (805 ه). انظر: الضوء اللامع للسخاوي: 4/ 106- شذرات الذهب لابن العماد: 7/ 166.
3- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 27.
4- هو محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي، مفسر متكلم، كان إمام عصره في العلوم العقلية، له التفسير الكبير، توفي (606 ه). انظر: طبقات الشافعية للسبكي: 8/ 81- و طبقات المفسرين للسيوطي: 100.

الطعن في الخبر جملة و تفصيلا.

و ثانيها: أن استبعاد الأستاذ زرزور أن تكون هذه العلوم مجتمعة في صدور المبرّزين من العلماء في القرن الثاني، و تأخر ظهوره إلى القرن الرابع على يد الحوفي، استبعاد من غير دليل، و كان الأولى أن يوحي ذلك للأستاذ الكريم زرزور أن هناك من تقدم على الحوفي في التأليف، ممن كان قريبا من عصر الإمام الشافعي، كالحارث المحاسبي و ابن المرزبان مثلا (1).

بل إن النصوص الثابتة ترد رأي الأستاذ الجليل و تؤكد أن جملة من هذه العلوم كانت معروفة لدى أهل القرن الأول من جيل الصحابة و التابعين، و أنها كانت تتناقل بين المتقدمين، و طالما وردت على ألسنتهم، فهذا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يخطب و يقول في خطبته: سلوني عن كتاب اللّه فو اللّه ما من آية إلا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل. (2)

و هو رضي اللّه عنه الذي قال: و اللّه ما نزلت آية إلا و قد علمت فيم أنزلت، و أين أنزلت ... (3)ا.

ص: 120


1- انظر: في ذلك مبحث أول من صنف في علوم القرآن ص (100) من هذه الرسالة.
2- انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 35- و الإتقان للسيوطي 2/ 1227 ط البغا.
3- انظر: الإتقان للسيوطي: 2/ 1227 ط البغا.

و هو أيضا الذي قال للقاص بعد أن سأله: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ و حين كان الرد بالنفي قال: هلكت و أهلكت. (1)

و عن ابن سيرين عن علي- رضي اللّه عنه: أنه كتب في مصحفه الناسخ و المنسوخ قال ابن سيرين: فطلبت ذلك الكتاب، و كتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. و في رواية: إنه كتبه على تنزيله. قال ابن سيرين (2): لو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير. (3)

و أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ ... الآية [البقرة: 269]. قال ابن عباس: المعرفة بالقرآن ناسخه و منسوخه، و محكمه و متشابهه، و مقدمه و مؤخره، و حلاله و حرامه، و أمثاله. (4)

إذا كان هذا هو حال جيل الصحابة، جيل الريادة، فما بال هذهر.

ص: 121


1- انظر: الإتقان للسيوطي: 2/ 20.
2- هو محمد بن سيرين بن أبي عمرة الأنصاري، أحد الأعلام البارزين، اشتهر بتعبير الرؤى، روى عن أنس بن مالك، توفي (110 ه). انظر: حلية الأولياء لأبي نعيم: 2/ 263- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 9/ 214.
3- انظر: المصاحف لابن أبي داود: 10، و المصنف لابن أبي شيبة: 10/ 545، و فضائل القرآن لابن الضريس: 76، و الإتقان للسيوطي: 1/ 166، و عزاه لابن أشتة في المصاحف.
4- تفسير ابن جرير: 5/ 576 تحقيق: محمود و أحمد محمد شاكر.

العلوم تغيب على مثل الإمام الشافعي الذي جاء في عصر ورث فيه العلماء علم السابقين، و انتشرت فيه العلوم، و كثر أولئك الذين تفقهوا في الدين، و جعلوا شغلهم الشاغل التفكر في كتاب اللّه، و تعلم كل ما يخدم تفسيره و بيانه للناس، لقد وجد رضي اللّه عنه نفسه أمام حصيلة من العلوم الشرعية أعمل فيها ما منحه اللّه من قوة الفكر و سلامة العارضة، فأجاد و أصاب.

إن ما تهيأ لمثل الشافعي لم يتهيأ لمن قبله، فالمتأخر يقف- عادة- على حصيلة علوم المتقدمين، و يجدها مجموعة في أخبارهم و المروي عنهم. فلا يستبعد عن مثل الشافعي الإلمام بمثل هذه العلوم بأي حال من الأحوال.

هذا هو الفضيل و هو أيضا من أهل القرن الثاني، يعدد لطلبته سنة خمس و ثمانين و مائة جملة من علوم القرآن، فقد أورد القرطبي في «تفسيره» أن الفضيل (1) قال لمجموعة من تلامذته: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه و محكمه من متشابهه، و ناسخه من منسوخه، إذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل و ابن عيينة (2). (3)

ص: 122


1- هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي، إمام ثبت، حدث عن الأئمة، عرف بالصلاح و الصدق في القول، توفي (187 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 421- و حلية الأولياء لأبي نعيم: 8/ 84.
2- هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، إمام مشهور لقي الكبار، و اشتهر بعلوم الإسناد، توفي (198 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 454- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 4/ 117.
3- انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 22.

ثم إن غالب هذه العلوم علوم نقلية تعتمد على الرواية أصلا، تكون مع المتقدم فيبلغها المتأخر، و بذلك يجتمع في صدر المتأخر المبرز ما لا يجتمع لغيره، و كان الشافعي واحدا من أولئك، أ ليس هو من وضع علم أصول الفقه بقواعده و ضوابطه في تلك الفترة المتقدمة جدا؟

إن النصوص تؤكد أن الكتابة في جملة من علوم القرآن كانت متقدمة جدا و إن بعض تلك العلوم قد أفردت بمؤلفات مستقلة، و نظرة سريعة في كتاب «الفهرست» لابن النديم (1) الذي صنف كتابه عام (377 ه) تبين أن التأليف في عدد من تلك العلوم كان مبكرا، فمن العلوم التي عدها ابن النديم و ذكر التأليف فيها: التفسير، و معاني القرآن، و مشكله، و مجازه، و ما ألف في غريب القرآن، و لغات القرآن، و القراءات، و النقط، و الشكل، و ما كتب في لامات القرآن، و في الوقف و الابتداء، و ما دون عن اختلاف المصاحف، و المتشابه، و هجاء المصاحف، و في مقطوع القرآن و موصوله، و في أجزاء القرآن، و فضائله، و في عد آي القرآن، و ناسخه و منسوخه، نزوله، و أحكامه ... و غيره. (2)

إن ابن النديم قد ذكر أكثر من ثلاثين علما أفرد بالتصنيف في الفترةه.

ص: 123


1- هو محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي يعقوب النديم، كان معتزليا شيعيا يعمل وراقا، له الفهرست، مات (438 ه). انظر: لسان الميزان لابن حجر: 5/ 72- و الأعلام للزركلي: 7/ 29.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 31 و ما بعده.

السابقة عليه، ناهيك عن تلك العلوم التي جاءت في ثنايا تلك المصنفات و لم تفرد كالمكي و المدني، و ما نزل بمكة و حكمه مدني، و ما نزل بالمدينة و حكمه مكي، و ما نزل ليلا و ما نزل نهارا، و علم الأماكن التي أنزل فيها القرآن، و ما نزل مشيعا و ما نزل مفردا، و علم الأحرف السبعة، و غير ذلك.

إن محاولة ابن النديم السابقة توحي لنا أن هذه العلوم كانت معروفة عند المتقدمين، و مجموعة في صدورهم، فالأسماء التي ذكرها من المؤلفين، أسماء متقدمة، بل إن أرقام سنوات وفاة بعضهم متقدمة جدا.

يحيى بن يعمر ت (89) ه (1) يؤلف كتابا في القراءات، و يجمع فيه اختلاف المصاحف المشهورة (2)، و الحسن البصري ت (110) ه (3) يكتب في نزول القرآن و في عد آي القرآن (4). و قتادة السدوسي ت (117) ه (5) يكتب

ص: 124


1- هو يحيى بن يعمر البصري العدواني، كان من أوعية العلم، أول من نقّط المصحف، له القراءات، توفي (89 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 441- و فهرست ابن النديم 47.
2- انظر: تفسير ابن عطية: 1/ 35، و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 22.
3- هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، من كبار التابعين، أخرج لطلب العلم صغيرا، و دعا له عمر بن الخطاب بالتفقه في الدين، فكان إمام عصره، و عرف بقول الحق، له نزول القرآن، توفي (110 ه). انظر: تهذيب الكمال للمزي: 6/ 95- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 563- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 235.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 36- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 25.
5- هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، تابعي مفسر حافظ، كان رأسا في العربية، له الناسخ و المنسوخ، توفي (117 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 4/ 85- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 122- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 8/ 315.

في الناسخ و المنسوخ. (1) و اليحصبي عبد اللّه بن عامر (2) يكتب في المقطوع و الموصول، كما يكتب في اختلاف مصاحف الشام و الحجاز و العراق. (3) ...

و غيرهم.

هؤلاء كلهم كانت وفاتهم قبل عام (120 ه) و هو رقم متقدم جدا في عالم التأليف، فكيف يجوز لنا بعد هذا أن نستبعد ما صدر عن الإمام الشافعي- رحمه اللّه- و نجعل ما روي عنه (تركيبات)؟!. هذا و اللّه أعلم.

و إذا كنا استبعدنا- على مضض- ما روي أن الشافعي هو أول من استعمل المصطلح، أو شككنا فيه على الأقل فإننا لا نستطيع أن نستبعد ذلك عن ابن المرزبان المتوفي سنة (309 ه) بأي حال من الأحوال، لقد حسم الخلاف حين أطلق على كتابه عنوان «الحاوي في علوم القرآن» (4)، و عليه يكون ابن المرزبان هو أول من استعمل هذا المصطلح عنوانا لكتاب،

ص: 125


1- تاريخ التراث لسزكين: 1/ 21.
2- هو عبد اللّه بن عامر بن يزيد اليحصبي، مقرئ الشام، و أحد الأعلام، قرأ على أبي الدرداء، له اختلاف المصاحف، توفي (118 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي:5/ 292- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 82.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 31- 39.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 95، 166- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 146.

ثم تبعه آخرون فأطلقوه على مؤلفاتهم أو جعلوه جزءا من عناوين مؤلفاتهم.

و ليس معنى هذا أن ابن المرزبان هو أول من صنف في علوم القرآن، فذاك له حديث مستقل سيأتي بيانه إن شاء اللّه.

و أشير هنا أن الأستاذ الدكتور عدنان زرزور يرى أن البحث و التأريخ لكل علم من علوم القرآن مستقلا ألزم و أكثر ضرورة، و أجدى للقارئ من السير وراء هذه العلوم مجتمعة، و لكونها أفردت بالتصنيف في مؤلفات خاصة، و نال بعضها العناية و تتابع القول في جميع العصور. (1)

ص: 126


1- انظر: علوم القرآن للدكتور/ عدنان زرزور: 126.
الفرق بين استعمال المتقدمين و استعمال المتأخرين:

اشتهر بين أهل الاختصاص في القرآن و علومه أن إطلاق المتقدمين لمصطلح علوم القرآن يختلف عنه عند المتأخرين، فالسابقون أطلقوه على مصنفاتهم في التفسير، كما فعل محمد بن المرزبان. (1) الذي سمى تفسيره «الحاوي في علوم القرآن»، و أبو الحسن الأشعري (2) الذي سمى تفسيره (المختزن في علوم القرآن)، و محمد بن علي الأدفوي الذي سماه «الاستغناء في علوم القرآن» (3)، و علي بن إبراهيم الحوفي (4) الذي سماه «البرهان في علوم القرآن»، بخلاف المتأخرين الذين أطلقوه على تلك المصنفات التي حوت الأبحاث الكلية المتصلة بالقرآن الكريم في شتى جوانبه، جلها أو كلها، كما فعل ابن الجوزي ت (597 ه) في كتابه «فنون الأفنان في عيون علوم القرآن» (5)، و كما فعل بدر الدين الزركشي ت (794 ه) في كتابه

ص: 127


1- هو محمد بن خلف بن المرزبان المحوّلي، أديب مؤرخ إخباري لين، مصنفاته كثيرة منها الحاوي في علوم القرآن، توفي (309 ه). انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 5/ 237- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 146.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 88- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 398.
3- انظر: طبقات القراء للذهبي: 2/ 198- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 197.
4- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 521- و مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 26.
5- الكتاب مطبوع بتحقيق الدكتور حسن ضياء الدين عتر، الناشر- دار البشائر- بيروت.

المسمى «البرهان في علوم القرآن» (1)، و كما فعل السيوطي و ابن عقيلة المكي و غيرهما.

و الذي يظهر لي أن هذا التفريق ليس دقيقا، كما أنه ليس على إطلاقه، و لبيان ذلك أقول: إن المتقدمين جعلوا عبارة (علوم القرآن) جزءا من العنوان الذي أطلقوه على تفاسيرهم، و هي عبارة مقصودة بذاتها، فقد أراد أولئك أن تشتمل تفاسيرهم على بعض تلك العلوم، و لم يكونوا يقصدون التفسير وحده، بمعنى أنهم لم يعنوا ببيان معان الألفاظ و الكلمات القرآنية و ما يستنبط من الآيات من أحكام فحسب، و إنما قصدوا بيان كل ما يتعلق بالكلمة القرآنية و الآية و الجملة من الآيات و السورة، بل و الاهتمام ببيان كل ما يحيط بالوحي المنزل، و بعض تلك التفاسير و التي وصل إلينا أجزاء منها ككتاب الأدفوي و الحوفي يؤكد لنا هذا الأمر، أنهم عنوا به علوم القرآن و إن اختلف منهج العرض و طريقته، فالحوفي مثلا حين يعرض الآية و يتكلم عليها، يتعرض للإعراب و الوقف و التمام، و القول في القراءة و في المعنى، و التفسير، و أسباب النزول، و حول مكية السورة و الآية و الآيات و مدنيتها .. إلى غير ذلك من مسائل علوم القرآن و موضوعاته.

و لهذا الأمر خلت التفاسير التي أراد مؤلفوها الاهتمام بالآثار و الروايات، أو الاقتصار على بيان معاني الألفاظ فحسب دون التعرض لما يحيط بالآية و السورة من مسائل، خلت عناوين تلك التفاسير من ذكر هذات.

ص: 128


1- الكتاب مطبوع بتحقيق الأستاذ/ محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر- بيروت.

المصطلح و رأى مؤلفوها الاقتصار على تسميتها (تفسير القرآن) منسوبا لهم و لهذا وجدنا (تفسير القرآن) لعبد الرزاق الصنعاني، و تفسير القرآن (1) لابن أبي حاتم (2)، و غيرهما.

و لا أدعي أن هذه القاعدة مطردة، و لا أن كل من ألف في التفسير المأثور دون التعرض لعلوم القرآن أنه سمى تفسيره (تفسير القرآن)، كما لا أدعي أن من تحدث عن شي ء من علوم القرآن في تفسيره أنه ضمّن العنوان هذا المصطلح، بل أقول على الغالب، و لفترة زمنية ربما إلى نهاية القرن الثالث الهجري.

إذا عبارة علوم القرآن كانت تطلق على تلك العلوم النقلية التي خدمت كتاب اللّه و سهلت سبل فهمه و تيسيره على من لم يشاهد التنزيل من صغار الصحابة و التابعين و من جاء بعدهم، سواء وردت ضمن التفاسير أم جاءت مفردة مستقلة كتلك المصنفات المتخصصة في موضوع واحد، أو عدة موضوعات، و لهذا حين ترجم ابن النديم لابن المنادى أبي الحسن أحمد بن جعفر ت (334 ه) قال: و كان عالما بالقراءات و غيرها، و له

ص: 129


1- طبع قسمان من الكتاب، القسم الأول من أول سورة الفاتحة إلى الآية رقم: 141 من سورة البقرة بتحقيق الدكتور أحمد عبد اللّه العماري. و القسم الآخر من أول سورة آل عمران إلى الآية رقم: 167 من السورة نفسها بتحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين.
2- هو عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي، حافظ الري و ابن حافظها، عالم ثبت، صنف في العلوم، له التفسير المسند، توفي (320 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 13/ 263- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 285.

نيف و عشرون كتابا في علوم متفرقة، و كان الغالب عليه علوم القرآن. (1)،

و حين ترجم لأحمد بن كامل بن شجرة ت (355 ه) قال: أحد المشهورين في علوم القرآن، و ذكر من مؤلفاته: «غريب القرآن» و «القراءات» و كتاب «موجز التأويل عن معجز التنزيل» (2). و قال عن ابن مجاهد أحمد بن موسى ت (324 ه): و كان مع فضله و علمه و ديانته و معرفته بالقراءات و علوم القرآن حسن الآداب. (3)

لقد أطلق ابن النديم هذا المصطلح ليشمل جميع المؤلفات المتعلقة بالقرآن الكريم بما في ذلك التفسير، و هو إطلاق موافق لمصطلح علوم القرآن عند من يعرفه بأنه مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله و ترتيبه و جمعه و كتابته و قراءته و تفسيره ... و نحو ذلك. (4)

بيد أن المتأخرين لم يريدوا به ما أطلقه ابن النديم أو غيره، و إنما قصدوا به الأبحاث الكلية المقعدة و المتعلقة بالقرآن الكريم من جوانبه المتعددة، سواء كانت متخصصة أم عامة، و هو تعريف مستنبط من واقع المؤلفات.

إن المتأخرين يطلقونه على تلك المصنفات التي احتوت الأسس

ص: 130


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 58- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 34.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 48- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 64.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 47- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/ 272.
4- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 20.

و القواعد و الضوابط لكل علم من علوم القرآن، و ضربت الأمثلة على تلك القواعد. سواء جمع المصنف علما واحدا من هذه العلوم أو أكثر من علم في مؤلف، و سواء اكتفى بنماذج من الأمثلة أم كانت شاملة.

و على هذا يكون من أفرد الناسخ و المنسوخ- مثلا- بالحديث، و ذكر ما يحيط بهذا العلم من معلومات و ضرب الأمثلة أو تتبعها في القرآن الكريم يقال: إنه كتب في علوم القرآن، و يصنّف مؤلفه ضمن تلك المصنفات، و كذا من جمع أكثر من علم في مؤلّف واحد، و إن لم يحط بالأمثلة. و اللّه أعلم.

ص: 131

أول من صنف في علوم القرآن:
اشارة

يرى بعض الباحثين أن التأريخ للمصنفات الموضوعية في علوم القرآن ألزم و أكثر ضرورة و أجدى للقارئ من السير وراء هذه العلوم مجتمعة، لكون تلك العلوم قد أفردت بتآليف خاصة، و نال بعضها من العناية و تتابع القول في جميع العصور مما يجعل هذا التأريخ أكثر فائدة. و هي رؤية صائبة فالكتابة و التأليف في كل علم من علوم القرآن كان سابقا لجمع أطراف تلك العلوم في كتب موسوعية جامعة، غير أن هذا لا يعني إهمال البحث عن تاريخ الكتابات الموسوعية في علوم القرآن، و بداية التصنيف الموسوعي الجامع الذي أعطى لعلوم القرآن منحى آخر، و لكون التأليف في علوم القرآن قد اتخذ ثلاثة أشكال رأيت أن البحث في هذا الموضوع ينبغي أن يكون من ثلاثة جوانب، و هي كلها تدخل تحت المصطلح الذي أطلقناه على علوم القرآن، و بذلك تتم الفائدة المرجوة و يتحقق المطلوب بإذن اللّه:

1) أولى المصنفات الموضوعية.

2) أولى التفاسير التي لها مقدمة في علوم القرآن.

3) أولى الموسوعات في علوم القرآن.

ص: 132

أولا- أولى المصنفات الموضوعية:
اشارة

موضوعات علوم القرآن كثيرة أوصلها ابن عقيلة المكي ت (1150 ه) إلى مائة و أربعة و خمسين نوعا (1)، كل نوع منه هو علم مستقل بذاته، و قد أفردت كثيرا من هذه الأنواع بتآليف مستقلة، و البحث في تاريخ كل علم من تلك العلوم و معرفة أول من صنّف فيه ليس بالأمر السهل، كما أن الفائدة المرجوة منه هي دون ذلك، لهذا رأيت أن أبحث في تاريخ أهم موضوعات علوم القرآن كأمثلة مختارة من تلك العلوم، و هي:

1- الناسخ و المنسوخ:

يرى الأستاذ الزرقاني (2) أن أبا عبيد القاسم بن سلام الهروي ت (224 ه) (3) هو أول من صنف في هذا الفن، في حين يرى آخرون أن قتادة بن دعامة السدوسي ت (117 ه) هو السابق (4)، غير أن الناظر في

ص: 133


1- اشتركت مع مجموعة من الزملاء في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بدراسته و تحقيقه، لنيل درجة الماجستير من قسم القرآن و علومه، فخرج في أكثر من عشرين مجلدا و الكتاب تحت الطبع لدى الشركة المتحدة للتوزيع بلبنان.
2- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 24.
3- هو القاسم بن سلام الخراساني الأنصاري، إمام مجتهد، و أديب نحوي مشهور، مصنفاته كثيرة منها فضائل القرآن. انظر: طبقات القراء للذهبي: 1/ 141- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 37.
4- انظر: مذكرة علوم القرآن. من إلقاء فضيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه- على طلبة الدراسات العليا بكلية أصول الدين عام 1407 ه، و انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 456- و تاريخ التراث العربي: 1/ 35.

حركة التأليف يلاحظ أن المذكورين مسبوقان في التأليف، فقد اهتم العلماء بموضوع النسخ في القرآن منذ الصدر الأول من الإسلام، فرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يبين الناسخ من الآيات و كذا المنسوخ، و قد ذكرنا أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كان قد كتب في مصحفه الناسخ و المنسوخ، نقل السيوطي في الإتقان عن ابن أشتة (1) في كتابه «المصاحف» عن ابن سيرين: أن عليا رضي اللّه عنه كتب في مصحفه الناسخ و المنسوخ و أن ابن سيرين قال: فطلبت ذلك الكتاب، و كتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. (2)

و على هذا يكون الإمام علي هو أول من كتب في الناسخ و المنسوخ، (3) و إن كنا نرجح أن تأليف قتادة قد يمتاز عن كتابة علي بن أبي طالب بكونه مستقلا في الباب و مرتبا، فالذي كتبه علي رضي اللّه عنه إنما حشى بها مصحفه.

و جاء بعد قتادة، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ت (124 ه) فألف كتابه «الناسخ و المنسوخ» (4) ثم تلاه عطاء بن مسلم الخراساني

ص: 134


1- هو أحمد بن عبد الغفار بن أشتة الأصبهاني، ثقة مسند، له المصاحف. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 183- و شذرات الذهب لابن العماد: 3/ 396.
2- انظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 166.
3- و انظر: دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان لخالد السبت: 176.
4- هو محمد بن مسلم بن عبد اللّه بن شهاب الزهري، فقيه حافظ متفق على جلالته و إتقانه، يقال: إنه أول من جمع السنة. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 4/ 177- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 108- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 296.

ت (135 ه) (1)، ثم محمد بن السائب الكلبي ت (146 ه) (2)، ثم حسين بن واقد المروزي ت (159 ه) (3)، و كلهم كانوا قبل ابن سلام- رحمه اللّه و رحمهم أجمعين-.

2- المصاحف و القراءات القرآنية و عد الآي:

لعل أول من صنف في اختلاف المصاحف هو يحيى بن يعمر ت (89 ه) الذي ألف كتابا في القراءات جمع فيه اختلاف المصاحف المشهورة (4) ثم تلاه عبد اللّه بن عامر اليحصبي ت (118 ه)، الذي سمى مصنفه (اختلاف مصاحف الشام و الحجاز و العراق) جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط، قال ابن عطية: و مشى الناس على ذلك

ص: 135


1- هو عطاء بن أبي مسلم الخراساني، صدوق يهم، له تنزيل القرآن و غيره. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 135- و الناسخ و المنسوخ للنحاس مقدمة التحقيق: ص 18.
2- هو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أخباري شيعي، متروك الحديث. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 6/ 248- و الفهرست لابن النديم: 40- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 80.
3- هو حسين بن واقد، أبو عبد اللّه المروزي، ثقة له أوهام، له وجوه القرآن، و الناسخ و المنسوخ، توفي (159 ه). انظر: الفهرست لابن النديم: 37، و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 163، و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 304.
4- انظر: غاية النهاية لابن الجزري: 2/ 381، و تاريخ التراث لسزكين: 1/ 22.

زمنا طويلا. (1)

أما القراءات القرآنية، فقد أرخ ابن الجزري (2) لحركة التدوين في هذا الفن و قال: فلما كانت المائة الثالثة، و اتسع الخرق، و قل الضبط، و كان علم الكتاب و السنة أوفر ما كان في ذلك العصر، تصدى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب: أبو عبيد القاسم بن سلام، و جعلهم فيما أحسب خمسة و عشرين قارئا مع هؤلاء السبعة توفي سنة (224 ه) (3). فهو يرى أن أبا عبيد القاسم هو أول من صنف في هذا الفن.

في حين نرى في حديث الأستاذ الزرقاني عن المجلي في التأليف في هذا الفن اضطرابا ملحوظا، فذكر أولا أن علم الدين السخاوي ت (643 ه) هو من تصدر التأليف في فن القراءات (4)، ثم قال في حديثه عن أعداد القراءات: .. ثم أهلّ عهد التدوين للقراءات و لم يكن لهذه السبعة بهذا

ص: 136


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 31، و تفسير ابن عطية المقدمة: 1/ 55، و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 22.
2- هو محمد بن محمد بن محمد بن علي الجزري، كان إماما في القراءة لا نظير له، له مؤلفات كثيرة منها النشر في القراءات العشر. انظر: ذيل تذكرة الحفاظ: 376- و طبقات الحفاظ للسيوطي: 549.
3- انظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 1/ 33.
4- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 25.

العنوان وجود أيضا، بل كان أول من صنف في القراءات أمثال أبي عبيد القاسم بن سلام، و أبي حاتم السجستاني (1)، و أبي جعفر الطبري، و إسماعيل القاضي (2). ثم عاد فقال: و مكثت القراءات السبع على هذه الحال دون أن تأخذ مكانها من التدوين حتى خاتمة القرن الثالث إذ نهض ببغداد الإمام ابن مجاهد أحمد بن موسى بن عباس، فجمع قراءات هؤلاء الأئمة ..). (3)

و كما ترى فإن بين أبي عبيد ت (224 ه) و السخاوي ت (643 ه) أكثر من أربعة قرون، ثم إن كان هناك من سبق أبا عبيد أيضا، فبالنظر في كتاب «الفهرست» لابن النديم و غيره من الكتب التي اهتمت بذكر مصنفات السابقين أو ترجمت لهم نجدهم يذكرون محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ت (123 ه) (4) و يذكرون له كتاب: اختيار في القراءة على مذهب

ص: 137


1- هو سهل بن محمد بن القاسم، أبو حاتم السجستاني، إمام في علوم القرآن و اللغة و الشعر، قرأ على الأخفش، له اختلاف المصاحف. انظر: إنباه الرواة للقفطي: 2/ 58- و طبقات المفسرين للسيوطي: 1/ 216.
2- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 409.
3- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 410.
4- هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، مقرئ أهل مكة، ثقة في الحديث. انظر: الفهرست لابن النديم: 33- و غاية النهاية لابن الجزري: 2/ 167- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 98، و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 23.

العربية، و يذكرون لعيسى بن عمر الثقفي ت (149 ه) كتابا في القراءات بعنوان: «اختيار في القراءة». (1) كما يذكرون لأبي عمرو بن العلاء ت (154 ه) كتابا بعنوان: كتاب القراءات. (2) كما يذكرون كتاب القراءة لحمزة الكوفي ت (154 ه) (3)، و كتاب القراءة لنافع المدني ت (169 ه) (4) و كتاب القراءة لهشيم بن بشير ت (183 ه) (5). و كل هؤلاء سابقون على القاسم بن سلام و متقدمون عليه.

و في عد الآي فقد كان للحسن البصري ت (110 ه) قصب السبق في

ص: 138


1- هو عيسى بن عمر الثقفي، نحوي بصري يستنكر الناس قراءته في الغالب، له أيضا الجامع و الكامل في النحو. انظر: غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 613- و الفهرست لابن النديم: 13.
2- هو زبان بن العلاء بن عمار البصري، أبو عمرو البصري، عالم زاهد، و أحد القراء السبعة، انظر: غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 288- و الفهرست لابن النديم: 53.
3- هو حمزة بن حبيب بن عمارة الكوفي، أحد القراء السبعة، أدرك الصحابة. انظر: الفهرست لابن النديم: 32- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 111- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 31.
4- هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، أحد القراء السبعة، ثقة صالح، قيل: قرأ على سبعين من التابعين. انظر: الفهرست لابن النديم: 31- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 99- و غاية النهاية لابن الجزري: 2/ 330- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 32.
5- هو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، محدث بغداد و حافظها. انظر: الفهرست لابن النديم: 284- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 8/ 278- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 88.

هذا الفن، حيث ألف كتابه: «عد الآي»، و لا أعلم أنه مسبوق بأحد. (1) علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 139 2 - المصاحف و القراءات القرآنية و عد الآي: ..... ص : 135

في أعشار القرآن كانت الريادة في التأليف لقتادة بن دعامة السدوسي ت (118 ه) الذي ألف كتابا أسماه: أعشار القرآن أو «عواشر القرآن» (2).

3- إعراب القرآن:

يعد الأستاذ الزرقاني إبراهيم بن سعيد الحوفي ت (430 ه) في طليعة من ألف في إعراب القرآن (3)، و استدرك عليه الأستاذ خالد السبت فذكر أن أبا مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي ت (238 ه) (4) هو السابق و المتقدم في هذا الفن (5)، في حين نجد أن شيخنا الفاضل مناع القطان يعين المجلي في هذا الفن فيقول هو محمد بن المستنير بن أحمد بن علي الشهير بقطرب ت (206 ه) و يذكر له كتاب: إعراب القرآن. (6) و عند البحث لم

ص: 139


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 36- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 25.
2- اختلف في عنوان الكتاب انظر: الطبقات لابن سعد: 7/ 273- و غاية النهاية لابن الجزري: 2/ 25- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 456، و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 21.
3- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 24.
4- انظر: دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان للأستاذ خالد بن عثمان السبت: 179.
5- هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان العباسي القرطبي، نحوي فقيه، اشتهر بالحذق في الفقه، له الواضحة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 102- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
6- مذكرة علوم القرآن من إلقاء فضيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه- على طلبة الدراسات العليا في كلية أصول الدين عام 1407 ه- و هو ما ذهبت إليه الدكتورة ابتسام الصفار في معجم الدراسات القرآنية: 20- و انظر: الفهرست لابن النديم: 55.

نظفر بأحد تقدم عليه. ثم تلاه يحيى بن زياد بن عبد اللّه بن منظور الديلمي المعروف بالفراء ت (207 ه) فألف كتابا أسماه «الجمع و التثنية في القرآن»، و كان رحمه اللّه أعلم الكوفيين بالنحو و اللغة (1). و تلاهما أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي ت (209 ه) (2) ثم كان عبد الملك بن حبيب السابق ذكره، و تلاهم أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني ت (248 ه) (3). ثم أبو العباس المبرّد ت (286 ه) (4). ثم أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد المعروف بثعلب ت (291 ه) (5).

4- غريب القرآن:

يعد الأستاذ الزرقاني أبا بكر السجستاني ت (316 ه) (6) أول من

ص: 140


1- انظر: مراتب النحويين: 86- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 368.
2- انظر: أنباه الرواة للقفطي: 3/ 276- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 327- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 1/ 106.
3- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 268- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
4- هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المبرد البصري، إمام في النحو، له الكامل. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 13/ 576- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
5- هو أحمد بن يحيى بن زيد البغدادي، المشتهر بثعلب، إمام النحو، و كان أعلم الكوفيين، له اختلاف النحويين، و القراءات. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 5- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
6- هو عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني، إمام حافظ حدث عنه ابن

ألف في الغريب (1) و استدرك عليه الأستاذ السبت فقال: هو مسبوق بأبان ابن تغلب ت (141 ه) (2)، غير أننا نجد أن ما ذهبا إليه لا يسلم لهما، فقد سبقهما عطاء بن أبي رباح ت (114 ه) (3) و تبعه أبان ثم مؤرج بن عمرو السدوسي البصري ت (174 ه) (4) ثم الإمام الجليل مالك بن أنس ت (179 ه) الذي ألف كتابه: تفسير غريب القرآن، (5)، ثم علي بن حمزةه.

ص: 141


1- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 24.
2- هو أبان بن تغلب الكوفي، إمام مقرئ شيعي، قال الذهبي: بدعته خفيفة. له: غريب القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 6/ 308- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1207- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 42- و دراسة تقويمية لمناهل العرفان لخالد السبت: 178.
3- هو عطاء بن رباح بن أسلم القرشي، مفتي الحرم، كان من أوعية العلم. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 78- و مذكرة علوم القرآن من إلقاء فضيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه- على طلبة الدراسات العليا في كلية أصول الدين عام 1407 ه.
4- هو مؤرج بن عمرو أبو فيد السدوسي، شيخ العربية، له غريب القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 309- و الفهرست لابن النديم: 37- 53، و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1207.
5- هو الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، إمام دار الهجرة، له الموطأ. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر: 10/ 509- و البداية و النهاية لابن كثير: 1/ 174- و انظر مذكرة علوم القرآن من إلقاء فضيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه- على طلبة الدراسات العليا في كلية أصول الدين عام 1407 ه.

الأسدي الكسائي ت (189 ه) (1).

5- مجاز القرآن:

و ذكر الأستاذ الزرقاني أن العز بن عبد السلام ت (660 ه) (2) هو أول من تصدر للتأليف في مجاز القرآن (3)، و هو قول لا يسلم له مع غرابته، فالعز مسبوق بقرون، و لعل أول من صنف في هذا الفن هو ابن المستنير محمد المعروف بقطرب ت (206 ه) (4)، ثم تلاه أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري ت (210 ه)، ثم الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى العلوي ت (406 ه) و أسماه: تلخيص البيان في مجاز القرآن. (5).

ص: 142


1- هو علي بن حمزة بن عبد اللّه الكوفي، المشتهر بالكسائي، لغوي نحوي، إمام في القراءة، له معاني القرآن. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب لابن الجزري: 3/ 97- و الفهرست لابن النديم: 29- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 407- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1730.
2- هو عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، عز الدين الملقب بسلطان العلماء، فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد، له التفسير الكبير، و غيره. انظر: طبقات الشافعية للسبكي: 5/ 80- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 315.
3- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 24.
4- و انظر مذكرة علوم القرآن من إلقاء فصيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه- على طلبة الدراسات العليا في كلية أصول الدين عام 1407 ه.
5- هو محمد بن الحسين بن موسى الموسوي، انتهت إليه نقابة الأشراف، شاعر واسع الاطلاع، له ديوان الشعر، و مجاز القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 285- و مرآة الجنان لليافعي: 3/ 18.
6- نزول القرآن:

لعل أول من كتب في نزول القرآن الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي ت (105 ه) (1)، ثم تلاه الحسن البصري ت (110 ه) (2).

7- معاني القرآن:

تصدر للتأليف في هذا الفن و اصل بن عطاء الغزال، أبو حذيفة ت (131 ه) (3)، ثم تلاه محمد بن الحسن بن أبي سارة الرؤاسي ت (170 ه) (4)، ثم علي بن حمزة بن عبد اللّه الكسائي ت (189 ه) (5) ثم قطرب محمد بن المستنير ت (206 ه) (6)، ثم يحيى بن زياد الفراء ت (207 ه) .. (7)

ص: 143


1- هو الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي المفسر، معلم قيل: كان في مكتبة ثلاثة آلاف صبي، وثقه ابن معين و غيره. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/ 499- و الفهرست لابن النديم: 38- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 186.
2- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 446- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 72.
3- واصل بن عطاء أبو حذيفة المخزومي، عالم في اللغة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 464- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 357- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 357.
4- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 134- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1730.
5- انظر: الفهرست لابن النديم: 29- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 407.
6- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 256.
7- انظر: الفهرست لابن النديم: 66- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 368- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 1/ 167.
8- المحكم و المتشابه:

أول من صنف في متشابه القرآن هو مقاتل بن سليمان الأزدي البلخي ت (150 ه) (1)، تلاه علي بن حمزة الكسائي ت (187 ه) (2)، ثم ألف قطرب محمد بن المستنير ت (206 ه) كتاب «الرد على الملحدين في متشابه القرآن». (3).

و أكتفي بهذه النماذج المختارة من عيون فنون علوم القرآن كأمثلة على أوائل التأليف في الموضوعات، و سيأتي المزيد عند الحديث عن مراحل التأليف في علوم القرآن في الفصل الثاني من هذا الباب بمشيئة اللّه تعالى.

ثانيا: أولى التفاسير التي لها مقدمات:

1- مقدمة تفسير القرآن العزيز: لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ت (211 ه).

يعد عبد الرزاق أول من قدم تفسيره بمقدمة في علوم القرآن، روى فيها بعض الآثار دون أن يقطع لذلك جانبا من الفكر.

ص: 144


1- هو مقاتل بن سليمان بن كثير البلخي، مفسر رمي بالتجسيم، و ترك حديثه، حكي عن الشافعي أنه قال: الناس عيال على مقاتل في التفسير. له الآيات المتشابهات. انظر: الفهرست لابن النديم: 179- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 331.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 29- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 407.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 256.

2- مقدمة تفسير جامع البيان في تفسير القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري ت (310 ه).

يعد ابن جرير رائد علم التفسير بلا منازع، و إذا كان عبد الرزاق قد قدم لتفسيره بعض الروايات عن علوم القرآن، فإن ابن جرير يعد أول من صنف في التفسير مقدما التصنيف بمقدمة طويلة درس فيها موضوعات مختارة من علوم القرآن تعد من أهم الموضوعات في هذا الفن، دون أن يكتفي بما اكتفى به الصنعاني، بل أعمل الفكر، و أبدى الرأي، و أحسن الاختيار و جمع الآراء و الأقوال، و رجح بين الروايات، و يكاد يجمع كل من صنف في علوم القرآن على ريادة ابن جرير في هذا المنهج.

3- مقدمة كتاب المباني في نظم المعاني: لمؤلف مجهول، و قد طبعت المقدمة مع مقدمة تفسير ابن عطية و عنون لها ب: مقدمتان في علوم القرآن، حققهما المستشرق آرثر جفري.

و يعود تاريخ هذه المقدمة إلى عام (425 ه) حيث كتب مؤلفه في الصفحة الثانية منه أنه بدأ في تأليفه عام 425 ه. و شملت هذه المقدمة عشرة فصول، تضمنت أهم موضوعات علوم القرآن كجمع المصحف، و نزول القرآن، و المحكم و المتشابه، و نزول القرآن على سبعة أحرف، و غير ذلك من مباحث القرآن.

و ممن قال بأسبقية هذه المقدمة و انتصر لهذا الرأي فضيلة الشيخ محمد أبو شهبة- رحمه اللّه- حيث صرح بذلك في كتابه «المدخل لدراسة القرآن

ص: 145

الكريم» و أثنى عليها و على موضوعاتها، كما أثنى على بلاغة الكاتب و قوة حجته، و حصافة رأيه، و رجح كونه من علماء الأندلس و قال: و إن أغلب ما ذكره السيوطي في مقدمته الإتقان من الكتب المؤلفة في هذا الفن لا يداني هذه المقدمة، بل إن بعضها لا يزيد عن فصل من فصولها، فهي جديرة بأن تذكر في كتب هذا الفن، و هي- بحق- تعتبر محاولة جدية في التأليف في هذا العلم، و لا يغض من قيمتها أنها مقدمة لتفسير، فكتاب الإتقان الذي هو عمدة كتب هذا الفن قد جعله مؤلفه مقدمة لتفسيره الكبير كما ذكر. ثم قال: و لعل أطول المقدمات و أحفلها هي مقدمة القرطبي و هي- على طولها- لا تبلغ ما بلغته هذه المقدمة في طولها و تنوع موضوعاتها. (1)

قلت: لهذه المقدمة أهمية خاصة عند المشتغلين بعلوم القرآن و إن كانت جهالة المؤلف قد أفقدته شيئا من تلك الأهمية، غير أن الحديث هنا هو عن الأسبقية و الريادة، و ليس عن الإتقان و الإجادة، و بما أن عبد الرزاق من المتقدمين على المؤلف فهو الحائز قصب السبق و ليس مؤلف المقدمة، و اللّه أعلم.

ثالثا: أولى الموسوعات في علوم القرآن:

يقول الأستاذ الزرقاني في المناهل (2): اشرأبّت أعناق العلماء أن

ص: 146


1- انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 34- 35.
2- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 26.

يعتصروا من تلك العلوم- علوم القرآن- علما جديدا يكون كالفهرس لها، و الدليل عليها، و المتحدث عنها. فكان هذا العلم هو ما نسميه (علوم القرآن).

قلت: و قد عنيت بمصطلح (موسوعات علوم القرآن) تلك المصنفات التي ألفت في هذا العلم بالمعنى المذكور في كلام الأستاذ الزرقاني السابق.

لقد كثرت الأقوال في تعيين المجلي في هذا الباب، و تباينت الآراء إلى حد الغرابة أحيانا، و لعل السبب الرئيس- في اعتقادي- هو الإيهام الذي أحدثته عبارة علوم القرآن الواردة في بعض عناوين المؤلفات القديمة، و ظن البعض أنها مصنفات في علوم القرآن، و هي في حقيقتها في التفسير، و انتشرت هذه الأقوال حتى اشتهرت، و اعتمد اللاحق على السابق بأن كفى النفس مؤنة البحث و التقصي.

و قد رأيت أن أذكر أهم تلك الأقوال ثم الرد عليها، و أتبعها بذكر ما ترجح لديّ و اللّه المستعان، و أشهر الأقوال:

1) كتاب البرهان في علوم القرآن: علي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي ت (430 ه) (1)، قال ياقوت (2) في «معجمه»: بلغني أنه يقع في

ص: 147


1- الكتاب مخطوط يقع في ثلاثين مجلدا، يوجد منه خمسة عشر مجلدا بدار الكتب المصرية تحت رقم (59) تفسير، و نسخة أخرى من سبعة مجلدات، من الأول إلى الخامس، و الحادي عشر و جزء آخر ناقص من أوله تحت رقم 517 تفسير، و انظر: فهرس معهد مخطوطات جامعة الدول العربية.
2- هو ياقوت بن عبد اللّه الرومي الحموي، نحوي أخباري، كانت له همة عالية في تحصيل العلوم، له معجم البلدان و غيره، توفي (630 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 6/ 127، و سير أعلام النبلاء للذهبي: 22/ 312.

ثلاثين مجلدا بخط دقيق. (1)

و قد ذكر الأستاذ الزرقاني- رحمه اللّه- أن كتاب الحوفي هو أول تصنيف ظهر في علوم القرآن بالمعنى المصطلح عليه، حيث قال: لقد كان المعروف لدى الكاتبين في تاريخ هذا الفن، أن أول عهد ظهر فيه هذا الاصطلاح- أي اصطلاح علوم القرآن- هو القرن السابع.

لكني ظفرت في دار الكتب المصرية بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي المتوفى سنة (430 ه) اسمه «البرهان في علوم القرآن»، ....

إلى أن قال: و إذن نستطيع أن نتقدم بتاريخ هذا الفن نحو قرنين من الزمان؛ أي إلى بداية القرن الخامس بدلا من القرن السابع (2)

و قال في موضع آخر: إن علوم القرآن استهلت صارخة على يد الحوفي في أواخر القرن الرابع و أوائل الخامس. (3) و قال في موضع ثالث من كتابه المناهل: و لا نعلم أحدا قبل المائة الرابعة للهجرة ألف أو حاول أن يؤلف في علوم القرآن بالمعنى المدون. (4)

ص: 148


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 12/ 221.
2- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 28.
3- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 32.
4- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 26.

و لعل الأستاذ الزرقاني هو أول من تبنى هذا الرأي كما يظهر من مقولته، و قد تبعه ثلة من الذين ألفوا في علوم القرآن (1) فيما بعد.

و هو رأي مرجوح في اعتقادي لأمرين:

الأول: أن كتاب الحوفي هذا كتاب في التفسير و ليس في علوم القرآن.

و قد تضافرت الأدلة على ذلك، بل إن الكتاب و هو بين أيدينا خير شاهد على جنوح الرأي و عدم سداده.

و قبل ذكر طريقة المؤلف في التفسير ننقل ما ورد في تسميته، فقد ذكر ياقوت الحموي في معجمه السابق أن الحوفي سمى كتابه «البرهان في تفسير القرآن» (2) و قال الداودي (3): له- أي للحوفي- تفسير جيد سماه: «البرهان في تفسير القرآن» (4) و بنحو ذلك قال السيوطي و حاجي خليفة (5)

ص: 149


1- مثل الدكتور محمد أمين فرشوخ، انظر كتابه المدخل إلى علوم القرآن و العلوم الإسلامية: 10، و الدكتور محمد بكر إسماعيل، انظر كتابه دراسات في علوم القرآن: 17.
2- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 12/ 221.
3- هو محمد بن علي بن أحمد الداودي، شيخ أهل الحديث في عصره، أخذ عن السيوطي، له طبقات المفسرين. انظر: شذرات الذهب لابن العماد: 8/ 264- و الأعلام للزركلي: 6/ 291.
4- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 388.
5- هو مصطفى بن عبد اللّه كاتب جلبي، يعرف بحاجي خليفة، مؤرخ بحاثة، له كشف الظنون، قيل: هو أنفع ما كتب في هذا الباب. انظر: الأعلام للزركلي: 7/ 236.

و غيرهما (1).

و لا ندري من أين استقى الأستاذ الزرقاني هذا الاسم «البرهان في علوم القرآن» لكتاب الحوفي، و الحال أن الجزء الأول منه مفقود، و لا أدري من أين عرف التسمية؟ و لعله اعتمد على فهرس دار الكتب المصرية.

قال: و قد رجعت إلى كتاب كشف الظنون فتبين لي أن اسم الكتاب «البرهان في تفسير القرآن»، و بذلك زالت الشبهة في عدّه من علوم القرآن، و ثبت أنه كتاب تفسير و هو الحق و الصواب. (2)

و بالرجوع إلى التفسير رأينا أن الكتاب لا يخرج عن كتب التفسير، يتعرض فيه المؤلف للآية أو الآيات حسب ترتيب المصحف، فيذكر الإعراب، و الوقف و التمام، و القراءات و الغريب، و المعنى و التفسير و الأحكام و أسباب النزول و النسخ و غير ذلك، و يعقد لكل فن عنوانا فيقول: (القول في القراءات) و يتكلم تحت العنوان عن القراءات الواردة في الآيات المعروضة، ثم يقول: (القول في الإعراب) فيذكر اللغويات و النواحي الإعرابية، و هكذا في بقية الفنون. فهو كتاب تفسير تطرّق فيه المؤلف لمواضيع في علوم القرآن و ليس ذلك بدعا من القول.

فلا فرق بين صنيعه و بين صنيع القرطبي و الفخر الرازي في

ص: 150


1- انظر: طبقات المفسرين للسيوطي: 70- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 241.
2- انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 35.

تفسيريهما، و صنيع غيرهما ممن كان كتابه أمسّ بالتفسير منه بعلوم القرآن. (1) و قد أقر الأستاذ الزرقاني نفسه بهذه الحقيقة حين استعرض الكتاب و قال: إن الكتاب أتى على علوم القرآن و لكن لا على طريقة ضم النظائر و الأشباه بعضها إلى بعض تحت عنوان واحد لنوع واحد، بل على طريقة النشر و التوزيع تبعا لانتشار الألفاظ المتشاكلة في القرآن و توزعها.

حتى كأن هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع علوم القرآن عند المناسبات (2).

الثاني: أن الكتاب مسبوق بالتأليف، و من الذين سبقوه في هذا المضمار الحارث المحاسبي ت (243 ه) بكتابه «فهم القرآن»، و أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري ت (406 ه) بكتابه «التنبيه على فضل علوم القرآن» (3)، هذا حسب الاصطلاح، و إلا فلو نظرنا باعتبار التسمية فإن هناك من سبقه أيضا مثل محمد بن خلف بن المرزبان ت (309 ه) بكتابه «الحاوي في علوم القرآن» (4)، و أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت (334 ه) بكتابه «المختزن في علوم القرآن» (5)،

ص: 151


1- انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 35.
2- انظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 28.
3- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 145.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 95، و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 146.
5- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 11/ 346، و سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/ 88.

و محمد بن علي الأدفوي ت (388 ه) بكتابه «الاستغناء في علوم القرآن» (1).

2) كتاب الحاوي في علوم القرآن: لمحمد بن خلف بن المرزبان بن بسام المحوّلي ت (309 ه) (2)، و الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية (3)، و يقع في نحو من سبعة و عشرين جزءا.

و ممن انتصر لهذا القول و رأى أن ابن المرزبان هو السابق في التأليف فضيلة الدكتور صبحي الصالح- رحمه اللّه- حيث قال في ثنايا حديثه عن ظهور هذا المصطلح: نبهنا آنفا إلى ظهور كتب عالجت الدراسات القرآنية باسمها الصريح (علوم القرآن)، و كان أسبقها في نظرنا كتاب ابن المرزبان في القرن الثالث. (4)

و هو اختيار فضيلة الشيخ مناع خليل القطان- يحفظه اللّه- الذي قال

ص: 152


1- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 398، و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 440.
2- أخباري مصنف حسن التأليف، روى عن الزبير و الرمادي و عنه أبو عمر بن حيويه و جماعة، و المحوّلي نسبة إلى قرية غرب بغداد. انظر النجوم الزاهرة: 3/ 203، و الفهرست: 95 و 166، و تاريخ بغداد: 5/ 237، و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 146، و معجم مصنفات القرآن الكريم: 3/ 199.
3- انظر: مذكرة علوم القرآن من إلقاء فضيلة الشيخ مناع القطان يحفظه اللّه على طلبة الدراسات العليا في كلية أصول الدين عام 1407 ه.
4- انظر: مباحث في علوم القرآن، د/ صبحي الصالح: 124.

عند حديثه عن نشأة علوم القرآن: أما جمع هذه الأنواع من علوم القرآن- كلها أو جلها- في كتاب واحد باعتبارها علما مستقلا فقد كانت بداية ذلك في مؤلف مخطوط بعنوان «الحاوي في علوم القرآن» بدار الكتب المصرية لأبي عبد اللّه محمد بن خلف بن المرزبان .... إلى أن قال: و هو بهذا أول من جمع علوم القرآن في مؤلف واحد (1).

و هو ما ذهب إليه أيضا فضيلة الدكتور فهد الرومي، الذي قال: ظهر هذا الاصطلاح أول ما ظهر في أواخر القرن الثالث و أوائل القرن الرابع الهجري حين ألف محمد بن خلف بن المرزبان ت (309 ه) كتابه الحاوي في علوم القرآن (2).

و هذا الرأي أيضا مرجوح في اعتقادنا، و ذلك لأمرين:

الأول: أن كتاب ابن المرزبان كتاب في التفسير و ليس في علوم القرآن و إن حمل مصطلح علوم القرآن، يدل على ذلك سعته فقد جاء في ثلاثين مجلدا، في عصر لم يكن البحث في علوم القرآن بالمعنى المقصود قد بلغ نصيف هذا الاتساع. (3)

الثاني: أنه مسبوق بكتاب «فهم القرآن» للحارث المحاسبي

ص: 153


1- انظر: مذكرة علوم القرآن. من إلقاء فضيلة الشيخ مناع القطان يحفظه اللّه على طلبة الدراسات العليا في كلية أصول الدين عام 1407 ه.
2- انظر: دراسات في علوم القرآن الكريم، د/ فهد الرومي: 45.
3- و انظر: فنون الأفنان لابن الجوزي- مقدمة المحقق: 73.

ت (243 ه) و سيأتي الحديث عنه بمشيئة اللّه.

3) كتاب عجائب علوم القرآن: المنسوب لأبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار ابن الأنباري ت (328 ه) (1)، و الكتاب مخطوط توجد منه نسخة في مكتبة البلدية بالإسكندرية برقم: 3599 (2).

و قد انتصر لهذا القول فضيلة الدكتور/ حسن ضياء الدين عتر، الذي قال في تحقيقه لكتاب فنون الأفنان لابن الجوزي: و إني أتوقع أن يكون أسبق كتاب في هذا المضمار هو: «عجائب علوم القرآن» للإمام الجليل أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري ت (328 ه). (3)

و قد استبشرت خيرا بهذا القول لكونه يتقدم بتاريخ تدوين علوم القرآن بالمعنى المصطلح عليه قرنا كاملا على مذهب من يرى أن ابن حبيب النيسابوري هو السابق، و بأكثر من قرنين و نيف على مذهب من يرى أن المجلي هو ابن الجوزي صاحب فنون الأفنان. غير أنني ما لبثت أن اختالني الشك حين عدت إلى ترجمة ابن الأنباري في مظانه فلم أجد لهذا الكتاب

ص: 154


1- مقرئ نحوي، زاهد فاضل، اشتهرت تصانيفه منها الوقف و الابتداء، و الرد على من خالف مصحف عثمان. انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 280- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 228.
2- انظر: مباحث في علوم القرآن، الدكتور صبحي الصالح: 122، و دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان: 183- و فنون الأفنان- مقدمة المحقق: 74.
3- انظر: فنون الأفنان- مقدمة المحقق: 73.

ذكرا، غير الزركلي في الأعلام (1) الذي ذكر ضمن مؤلفات ابن الأنباري الكتاب المذكور و أشار إلى أنه مخطوط، و غير الشواخ في «معجم مصنفات القرآن» (2)، و كان مصدره الوحيد الأعلام للزركلي، مما زاد من حيرتي.

و أثناء البحث و تقليب النظر في المصادر و مظان الحديث عن مثل هذا الموضوع وقفت على استعراض لمخطوط ابن الأنباري في رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بعنوان: «دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان»، للباحث خالد بن عثمان السبت، فألفيته يقول: وقفت على كتاب ابن الأنباري- رحمه اللّه- فوجدته يتحدث عن موضوعنا الذي نحن بصدده، و قد قال في أوله: لما ألفت كتاب التلقيح في غرائب علوم الحديث، رأيت أن تأليف كتاب في عجايب علوم القرآن أولى، فشرعت في سؤال التوفيق ...)

إلى أن قال: (باب ذكر نبذة من فضائل القرآن ...)، ثم قال: (باب في أن القرآن كلام اللّه غير مخلوق) ثم قال: (باب نزول القرآن على سبعة أحرف) و ساق أربعة عشر قولا. ثم قال (باب في كتابة المصحف و هجائه) ثم قال: (باب عدد سور القرآن، و آياته، و كلماته، و حروفه، و نقطه) ثم قال:

(باب ذكر أجزاء القرآن) ثم قال: (باب عدد آيات السور) و هكذا يسوق

ص: 155


1- انظر: الأعلام للزركلي: 6/ 334 و الذي يظهر لي أنه اعتمد فهرست المكتبة في إثبات المعلومة.
2- انظر: معجم مصنفاته القرآن الكريم للشواخ: 3/ 219.

الأبواب) (1)، و هكذا لم يذكر الباحث شيئا عن نسبة الكتاب إلى ابن الأنباري، غير أن العرض الذي قدمه أدخل السكينة إلى النفس التي لم تدم طويلا فسرعان ما وقفت على تنبيه في الحاشية، للباحث نفسه في أوائل رسالته قوض البنيان حين قال ما نصه: ذهب البعض إلى القول بأن كتاب عجائب علوم القرآن المنسوب لابن الأنباري هو أول المؤلفات في هذا الشأن، و الصواب أن الكتاب المذكور لا تصح نسبته لابن الأنباري، بل هو كتاب فنون الأفنان لابن الجوزي، و يعرف هذا بالمقارنة بينهما و بدلائل لا مجال لذكرها في هذا الموضع أه (2). و عند جهينة الخبر اليقين، فبالعودة لكتاب ابن الجوزي تبين اليقين، و تأكد لي ذلك مرة أخرى ما أقره الباحث حين وقفت على كلام لفضيلة الدكتور فهد الرومي يحفظه اللّه و هو الخبير بمعرفة الكتب و المخطوطات المتحققة في التفسير و علوم القرآن يثبت فيه هو الآخر خطأ نسبة الكتاب لابن الأنباري و يؤكد النسبة لابن الجوزي و يقول:

ينسب كثير من الباحثين كتاب «عجائب علوم القرآن» لأبي بكر بن الأنباري ت (328 ه) مستندين في ذلك إلى ما ذكره الزرقاني في «مناهل العرفان» (3)، و قد ظهر لي- و القول لفضيلة الدكتور- يقينا أن الكتابه!

ص: 156


1- انظر: دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان: 184.
2- انظر: دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان: 28.
3- سبق أن بينا أن الزرقاني رجح أن الحوفي هو المجلي في هذا الباب، و معلوم أن الحوفي توفي سنة 430 ه، بيد أن ابن الأنباري هو المتقدم تاريخا، فكيف يذكره و لا يعزو الأسبقية إليه!

المذكور ليس لأبي بكر الأنباري بل هو كتاب «فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن» لابن الجوزي، و سبب وقوع هذا الوهم نسخة مخطوطة في مكتبة البلدية بالإسكندرية أخطأ مفهرسو المكتبة في معرفة المؤلف فنسبوها لأبي بكر الأنباري. أه (1).

و الغريب في الأمر أن يذهب محقق كتاب ابن الجوزي الأستاذ العتر من دون الآخرين إلى ترجيح هذا الرأي، و كأن وحدة التسمية و الموضوعات لم تحدث له إشكالا، و لا قول المؤلف في بداية حديثه: لما ألفت كتاب «التلقيح في غرائب علوم الحديث»، رأيت أن تأليف كتاب في عجايب علوم القرآن أولى. و كما هو معلوم فإن كتاب التلقيح هو لابن الجوزي.

و على ما سبق فإنه لا يعتد بهذا القول أيضا.

4) كتاب فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البكري المعروف بابن الجوزي ت (597 ه) (2)، و الكتاب مطبوع عدة طبعات.

ص: 157


1- انظر: دراسات في علوم القرآن الكريم، د/ فهد الرومي: 46 هامش (1) قلت: و قول الدكتور الكريم: «و ينسب كثير من الباحثين كتاب عجائب ...» قول فيه نظر إذ القائلون بذلك قلة.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 365- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 375.

كان المعروف لدى الكاتبين في هذا الفن أن ظهور هذا الاصطلاح كان في القرن السادس الهجري على يد أبي الفرج بن الجوزي، استنتاجا من الذي ذكره السيوطي في مقدمة الإتقان. (1)

و كان ممن انتصر لهذا القول فضيلة الشيخ غزلان، في كتابه: «البيان في مباحث من علوم القرآن»، فقد ذكر بعد أن عرض لحركة التأليف في علوم القرآن أن ابن الجوزي هو السابق في التصنيف في هذا الفن و قال: فمن هذا كله يتبين لنا أنه لم يعرف أن أحدا قبل ابن الجوزي جمع هذه الأبحاث و سماها باسم علوم القرآن. (2)

و هو قول بعيد و غريب فابن الجوزي مسبوق بقرون على مذهب من يرى أن الحارث المحاسبي هو السابق، أو أن ابن حبيب النيسابوري هو المجلي أو ابن المرزبان أو غيرهم.

5) أقوال أخرى: و قد وردت أقوال أخرى تقول بأسبقية بعض المؤلفات و لغرابتها و بعدها أعرضت عن التحدث عنها تفصيلا، و من ذلك:

أ- البرهان في علوم القرآن، لأبي عبد اللّه، بدر الدين، محمد بن عبد

ص: 158


1- انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة: 34.
2- انظر: البيان في علوم القرآن لغزلان: 41.

اللّه بن بهادر الزركشي ت (794 ه) (1).

و قد شهد السيوطي للزركشي بالزيادة في هذا الباب لكن على سبيل البسط و الإحصاء و السير على منهج الاستقصاء، فقد قال في خطبة كتابه «الإتقان»: خطر لي بعد ذلك- يعني بعد تأليف كتاب «التحبير»- أن أؤلف كتابا مبسوطا، و مجموعا مضبوطا أسلك فيه طريق الإحصاء، و أمشي فيه على منهاج الاستقصاء، هذا كله و أنا أظن أني متفرد بذلك غير مسبوق بالخوض في هذه المسائل، فبينا أن أجيل في ذلك فكرا ....... إلى أن قال: إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد اللّه الزركشي ألف كتابا في ذلك حافلا يسمى «البرهان في علوم القرآن» فتطلّبته حتى وقفت عليه. (2)

تلكم كانت شهادة السيوطي، و قد كان الزركشي ذاته قد أثبت الأسبقية لنفسه حين ذكر في تقديمه للبرهان أنه مما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه، كما وضع ذلك بالنسبة إلى علم الحديث؛ قال: فاستخرت اللّه تعالى- و له الحمد- في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه. (3)

و قد اختار هذا الأستاذ أبو الفضل إبراهيم في تحقيقه لكتاب الإتقان

ص: 159


1- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 162- و الدرر الكامنة لابن حجر: 4/ 17-.
2- انظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 123 ط البغا.
3- انظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/ 9.

للسيوطي (1).

ب- مواقع العلوم من مواقع النجوم، لجلال الدين، عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني ت (824 ه) (2).

و هو اختيار السيوطي في كتابيه «الإتقان»، و «التحبير» حيث قال: و مما أهمل المتقدمون تدوينه حتى تحلى في آخر الزمان بأحسن زينة [علم التفسير] الذي هو كمصطلح الحديث، فلم يدونه أحد لا في القديم و لا في الحديث حتى جاء شيخ الإسلام و عمدة الأنام علامة العصر قاضي القضاة جلال الدين البلقيني رحمه اللّه تعالى فعمل كتابه «مواقع العلوم من مواقع النجوم»، فنقحه و هذّبه و قسّم أنواعه و لم يسبق إلى هذه المرتبة (3).

ج- التيسير في قواعد علم التفسير لأبي عبد اللّه، محيي الدين، محمد بن سليمان بن سعد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي ت (879 ه) (4)

نقل السيوطي عن شيخه الكافيجي قوله: قد دونت في علوم التفسير

ص: 160


1- انظر: الإتقان للسيوطي، مقدمة المحقق: 1/ 7 ط أبو الفضل إبراهيم.
2- انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي: 4/ 106- و شذرات الذهب لابن عماد: 7/ 166- و بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس: 2/ 73.
3- انظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 9- 10.
4- عالم فاضل بارع في المعقولات و المنقولات، و قد سمي بالكافيجي لكثرة اشتغاله بكافية ابن الحاجب في النحو. انظر: بغية الوعاة للسيوطي: 1/ 117- و الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية: 1/ 124- و شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: 7/ 326.

كتابا لم أسبق إليه (1) ثم أنكر على شيخه دعواه في ذلك و قال: و كان يقول أنه ابتدع هذا العلم و لم يسبق إليه، و ذلك لأنه لم يقف على البرهان للزركشي و لا على مواقع النجوم للبلقيني (2).

و لا يخفى علينا بعد هذه الآراء و غرابتها، فهم مسبوقون بلا شك، بالحارث المحاسبي ت (243 ه)، و بابن حبيب النيسابوري ت (406 ه) و بابن الجوزي ت (597 ه)، و بالسخاوي ت (643 ه) و بأبي شامة المقدسي ت (665 ه)، و بنجم الدين الطوفي ت (716 ه) صاحب كتاب «الإكسير في علم التفسير».

و الذي يترجح لي- و اللّه أعلم- بعد أن استعرضنا معا ما قيل في هذا الشأن، أن المجلي و السابق، و رائد المنهج الموسوعي في علوم القرآن، و الذي وضع النواة و اللبنات الأولى لهذا النهج، هو الحارث بن أسد المحاسبي ت (243 ه)، ثم جاء بعده من أقام البنيان على الأساس الذي وضعه حتى اكتمل و تحلى بأجمل زينة، فما ذا عن تصنيفه؟

6) كتاب فهم القرآن: لأبي عبد اللّه الحارث بن أسد المحاسبي ت (243 ه) (3)، و الكتاب مطبوع و متداول بين أيدي طلبة العلم (4).ر.

ص: 161


1- انظر: الإتقان للسيوطي: 7، ط البغا.
2- انظر: بغية الوعاة للسيوطي: 1/ 118.
3- عابد زاهد صوفي، تصدى للمعتزلة و الرافضة ورد عليهم، أثنى عليه الإمام أحمد- من وجه، و حذّر منه. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 110- و حلية الأولياء لأبي نعيم: 10/ 73.
4- طبع الكتاب بتحقيق الأستاذ حسين القوتلي، مجموعا مع كتاب آخر للحارث هو كتاب «العقل»، و قد أخرج الكتابين بعنوان «العقل و فهم القرآن» و كانت الطبعة الثانية عام 1398 ه- 1978 م نشر و توزيع دار الكندي و دار الفكر.

و قد انتصر لهذا الرأي فضيلة الأستاذ فاروق حمادة، فعدّ كتاب الحارث هذا في طليعة كتب علوم القرآن كفن مدون، و ألصقها بالمعنى الاصطلاحي لعلوم القرآن، (1) كما انتصر له قليل من الباحثين المتأخرين (2).

و بالعودة إلى الكتاب و الاطلاع عليه وجدت أن المؤلف يعالج موضوعات هامة من علوم القرآن، و إن لم يكن هدفه تأليف كتاب مستقل في علوم القرآن بقدر ما كان يهدف منه الحديث عن نهج العقل المؤمن، و وضع أبحاث جزئية لفهم القرآن على منهج أهل السنة و الجماعة، لا على طريقة المعتزلة و الرافضة و غيرهم، حيث أشهر المصنف في وجههم سيف الحق و فنّد مذاهبهم، و بالخصوص في مسألة النسخ، غير أن الموضوعات جاءت في صلب موضوعنا، و لم تختلف كثيرا عن المعالجات التي جاءت متأخرة إلا بقدر ما تستدعيه الفترة الزمنية التي فصلت بينها، و ما تستلزمه تلك الفترة من تطور في العلوم.ه.

ص: 162


1- انظر: مدخل إلى علوم القرآن و التفسير، لفاروق حمادة: 10.
2- انظر: تاريخ علوم القرآن حتى نهاية القرن الخامس الهجري: 14، للباحث أحسن محمد أشرف الدين- رسالة ماجستير- الجامعة الإسلامية عام 1405 ه.

و الموضوعات التي بحثها المؤلف هي: فضائل القرآن، فقه القرآن، المحكم و المتشابه. ما لا يجوز النسخ فيه و ما يجوز فيه، الناسخ و المنسوخ في الأحكام، في أساليب القرآن، التقديم و التأخير، الإضمار. الحروف الزائدة، المفصول و الموصول، هذه هي موضوعات كتاب الحارث المحاسبي فهم القرآن، و هي كما يراها القارئ موضوعات من صلب مباحث علوم القرآن.

إننا نستطيع أن نقول: إن أول كتاب وضع نواة لعلوم القرآن بالمعنى الموسوعي الصحيح هو كتاب الحارث المحاسبي لكونه لم يجاوز في موضوعاته و فنونه دائرة تلك العلوم.

و لعل أول من جاء بعد الحارث بكتاب مستقل هو:

7) الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب، أبو القاسم النيسابوري ت (402 ه):

الذي كتب كتابة خاصة عن فضل علوم القرآن و سماه: «التنبيه على فضل علوم القرآن»، و قد حقق الكتاب الأستاذ محمد عبد الكريم الراضي، و حين استعرضته وجدته تطرق لأشرف تلك الفنون، و قال: إن من أشرف علوم القرآن علم نزوله و جهاته، و ترتيب ما نزل بمكة ابتداء و وسطا ....

الخ. فذكر خمسة و عشرين وجها ثم قال: من لم يعرفها و يميز بينها لم يحلّ له أن يتكلم في كتاب اللّه عز و جل.

ص: 163

بعدها فصّل ما أجمله و قال: و أنا أذكر من كل وجه منها فصلا غير مشروح و لا مبسوط لئلا يطول الكتاب .. (1)

و بعد: فإننا نستخلص مما سبق أن التدوين في علوم القرآن حسب الاصطلاح الموسوعي قد بدأ في منتصف القرن الثالث على يد الحارث المحاسبي، ثم نمى على يد ابن حبيب النيسابوري في نهاية هذا القرن، تم تطور على يد ابن الجوزي و السخاوي و أبي شامة و الطوفي و غيرهم في القرنين السادس و السابع الهجريين، و ترعرع على يد الزركشي في نهاية القرن الثامن، و بلغ ذروته على يد جلال الدين السيوطي في نهاية القرن التاسع و بداية العاشر و اللّه أعلم.ه.

ص: 164


1- انظر: التنبيه على فضل علوم القرآن لابن حبيب: 307، ضمن مجلة المورد العدد: 4 المجلد: 17 عام: 1409 ه.

الفصل الثاني التأليف في علوم القرآن

اشارة

1- المرحلة الأولى من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري.

2- المرحلة الثانية من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر الهجري.

3- المرحلة الثالثة من بداية القرن العاشر إلى العصر الحالي.

ص: 165

ص: 166

تمهيد:

شهدت حركة التأليف في علوم القرآن- كغيره من العلوم الإسلامية- تطورا سريعا، فما أن أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالكتابة حتى تسابقت أقلام الصحابة إلى تدوين العلوم و الأخبار، و خاصة ما تعلق منها بالوحي المنزل و بالسنة النبوية القولية منها و الفعلية.

و استمرت الكتابة و التأليف في شتى الموضوعات و الفنون المتعلقة بكتاب اللّه في العصور المختلفة، و أعمل العلماء فكرهم لاستنباط درر هذا الكتاب و كنوزه، و تسابقوا في مضمار هذا الشرف العظيم، فكان منهم المجلي و منهم من دون ذلك، حتى رأت الأجيال المسلمة و خلال فترة قصيرة المكتبات الخاصة و العامة تكتظ بالمصنفات العظيمة التي يقف الإنسان أمامها مشدوها كمّا و كيفا.

و قد استمر التأليف إلى عصرنا الراهن، و مر خلال تلك المدة بمراحل متنوعة من القوة و الضعف، فيقوى في فترة من الفترات، و تشتد أوارها، و تكثر المصنفات، و يزدهر التأليف و التصنيف، و يفتر حينا فيمر بفترة ضعف و جمود، تخفت فيها تلك الجذوة الوهّاجة التي شهدها من قبل، فيضعف التأليف، كما يضعف الإقبال على طلب العلم.

كما تنوعت اهتمامات العلماء في العصور المختلفة، فتوجهت حينا إلى التصنيف الموضوعي، فظهرت العناوين المختصة في جزئية من جزئيات

ص: 167

العلم، فصّلت مسائلها تفصيلا دقيقا، و حينا آخر إلى التصنيف الموسوعي الذي قصد به العلماء وضع أطراف مسائل العلم بين يدي طلبته مجتمعة.

و يستطيع المتابع لحركة التأليف تلك أن يحدد ثلاث فترات رئيسة مر فيها التأليف في هذا الفن، لكل مرحلة سماتها الموضوعية و المنهجية، و هي:

المرحلة الأولى: من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري:

اشارة

اتجهت الهمم في هذه المرحلة إلى الكتابة الموضوعية، و بذرت البذرة الأولى في بدايات الدعوة، غير أنها كانت كتابات متنوعة غير منظمة و لا مرتبة، تبعتها فترة الترتيب و التدوين، و جاء القرن الثاني الهجري ليجد حركة علمية و نهضة فكرية كانت بحق عصب النماء و الرافد القوي الذي مد العصور اللاحقة بمادة علمية أساسية، أقامت عليها بنيانها، و جعلتها ركيزة و أساسا لذلك البنيان. فظهرت الرسائل الصغيرة و ذلك بفصل المواد العلمية المجموعة بعضها عن بعض، و تخصيص كل موضوع بكتاب يحمل عنوانا مستقلا، و ظهرت حركة الترجمة، و اتسعت دائرة التدوين، و فصلت الموضوعات و تكاملت، و عدّ هذا القرن بحق قرن تدوين العلوم الإسلامية.

و قد امتازت المصنفات في هذه الفترة بتوسع في المادة العلمية عن ذي قبل، و شمول لم يوجد في القرن الذي سبقه، و تنوعت الموضوعات تنوعا أفضل و ظهرت موضوعات جديدة لم تكن مطروحة عند السابقين، فأفردت بالتصنيف كعلم مجاز القرآن و معانيه، و كعلم أسباب النزول و إعراب القرآن

ص: 168

و الأمثال و غيرها، و كان الغالب على هذه المصنفات السمة التجميعية، جمع الروايات المعنية بالموضوع، يكتفي المصنف بذكر الآيات أو الروايات و الآثار التي تبين ذلك و توضحه. دون التعرض للمناقشات و الإشكالات التي قد تعترض طريق القارئ، و دون التطرق للقواعد أو الضوابط التي تضبط الموضوع المطروق.

و حين ظهرت المذاهب الفقهية، و أوجد علم الكلام، و كثرت الفرق الإسلامية، و تعددت النحل، و تأثر المسلمون بالثقافات التي وردت إليهم عن طريق الشعوب التي أسلمت، و كثر كيد اليهود و غيرهم للإسلام، كثر التصنيف، و وضعت الضوابط و القواعد، و اتجه العلماء إلى تدقيق النظر في الروايات، و التحري في صحتها، و تمحيصها من الكذب و دخيل القول، فأصبحت المصنفات أكثر دقة من ذي قبل.

و هكذا استمر التأليف يتطور يوما بعد يوم، و تتكامل الموضوعات تكاملا دقيقا، و تتوضح الرؤية في كثير من مسائل العلم توضيحا أدق، و لعل جلّ اهتمام العلماء في خدمة كتاب اللّه في هذه الفترة كان منصرفا إلى:

1) علم التفسير، و ما يتعلق به من بيان المعاني و الغريب من الألفاظ و المتشابه منه و المحكم، و إعراب القرآن.

2) علم القراءات القرآنية، و ما يتعلق به من رسم المصحف و الأحرف السبعة، و قد لقيت هذه العلوم اهتماما خاصا من علماء

ص: 169

الإسلام، لكونها تمس النص القرآني، و تؤكد سلامته من النقص و الزيادة و التحريف.

3) علم الناسخ و المنسوخ، يدخل فيه المطلق و المقيد، و العام و الخاص و ما إلى ذلك، تتبعها المصنفون في جميع المصحف، و قيدوها تحت هذا المصطلح، حتى جاء المتأخرون الذين رأوا الفصل بين تلك الموضوعات، فأفردوا المطلق و المقيد، و العام و الخاص بتآليف مستقلة.

4) علم إعجاز القرآن، و كان الاهتمام بإفراده بالتصنيف متأخرا نسبيا.

و المصنفات التي ظهرت في هذه المرحلة كثيرة يصعب حصرها، و لهذا سأكتفي بذكر نماذج، من أهمها:

أولا: المصنفات الموضوعية:
أ- علم التفسير:

1) تفسير مجاهد بن جبر ت (104 ه) (1).

2) تفسير الضحاك بن مزاحم ت (105 ه) (2).

ص: 170


1- انظر: المعارف لابن قتيبة: 444- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 70.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 47- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 71.

3) تفسير عكرمة مولى ابن عباس ت (107 ه) (1).

4) تفسير محمد بن كعب القرظي ت (108 ه) (2).

5) تفسير الحسن البصري (110 ه) (3).

6) تفسير عطاء بن أبي رباح ت (114 ه) (4).

7) تفسير قتادة بن دعامة السدوسي ت (117 ه) (5).

8) تفسير عطاء بن دينار ت (126 ه) (6).

9) تفسير إسماعيل السدي ت (127 ه) (7).

ص: 171


1- هو عكرمة البربري أبو عبد اللّه، مولى ابن عباس، تابعي و أحد أوعية العلم بالتفسير و المغازي. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 386- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 453.
2- هو محمد بن كعب بن سليم القرظي، ثقة عالم بالحديث. انظر: المعارف لابن قتيبة: 458- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 9/ 420- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 457.
3- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 446- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 72.
4- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 453- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 73 و قد طبع الكتاب.
5- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 456- و تاريخ التراث العربي لسزكين 1/ 75.
6- انظر: تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 76.
7- هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، إمام عارف بالوقائع و أيام العرب، روى عن ابن عباس، توفي (127 ه). انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر: 1/ 313- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 109- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 77.

10) تفسير عطاء بن أبي رباح الخراساني ت (133 ه) (1).

11) تفسير زيد بن أسلم ت (136 ه) (2).

12) تفسير هشيم بن بشير السلمي ت (183 ه) (3).

13) تفسير عبد الرزاق الصنعاني ت (211 ه).

14) تفسير الإمام أحمد بن حنبل ت (241 ه) (4).

15) تفسير ابن ماجة ت (273 ه) (5).

16) الحاوي في علوم القرآن لابن المرزبان ت (309 ه) (6).

ص: 172


1- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 453- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 78.
2- هو زيد بن أسلم العدوي، مفسر محدث فقيه، كانت له حلقة في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، له تفسير. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 316- و طبقات المفسرين للداودي 1/ 182- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 448.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 284- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 88.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 229- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 72.
5- هو محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، محدث عالم، صاحب السنن، رحل في طلب الحديث، له التفسير. انظر: البداية و النهاية لابن كثير: 1/ 52- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 274.
6- انظر: الفهرست لابن النديم: 95 و 167- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 146.

17) جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري ت (310 ه).

18) تفسير أبي بكر النيسابوري ت (318 ه) (1).

19) تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت (327) (2).

20) الاستغناء في علوم القرآن لأبي بكر الأدفوي ت (388 ه) (3).

ب- علم معاني القرآن:

1) معاني القرآن: واصل بن عطاء الغزال ت (131 ه) (4).

ص: 173


1- هو محمد بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوري، فقيه عالم حافظ، له تصانيف معتبرة، منها التفسير. انظر: الفهرست لابن النديم: 215- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 55.
2- طبع القسم الأول من سورة البقرة بتحقيق د/ أحمد عبد اللّه العماري، و القسم الأول من سورة آل عمران بتحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين، عام 1408 ه و بقية الكتاب لا زال مخطوط.
3- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 79- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 106- و قد حققت سورة الفاتحة من الكتاب مع دراسته من قبل الأخ عبد اللّه عبد الغني كحيلان، نال بها درجة الماجستير من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
4- انظر: فوات الوفيات للكتبي: 2/ 624- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 375.

2) معاني القرآن: لمحمد بن الحسن الرؤاسي ت (170 ه) (1).

3) معاني القرآن: للكسائي علي بن حمزة بن عبد اللّه الأسدي ت (189 ه) (2).

4) معاني القرآن: لقطرب بن المستنير ت (206 ه) (3).

5) معاني القرآن: للفراء يحيى بن زياد ت (207 ه) (4).

6) معاني القرآن: لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط ت (216 ه) (5).

7) معاني القرآن: لابن كيسان ت (299 ه) (6).

ص: 174


1- انظر: الوافي بالوفيات للصفدي: 2/ 334- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 134- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1730.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 29- و النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 5/ 323- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 407.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و البداية و النهاية لابن كثير: 10/ 259- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 256.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 66- و المعارف لابن قتيبة: 545- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 368.
5- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 192- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 61.
6- هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي، قيل: كان أنحى من المبرد و ثعلب، قصده الرؤساء و الأشراف لعلمه، له معاني القرآن، و غيره، توفي (299 ه). انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 58- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 1/ 160.

8) معاني القرآن: لسلمة بن عاصم النحوي ت (310 ه) (1).

9) معاني القرآن و إعرابه: إبراهيم بن سري الزجاج ت (311 ه). (2)

10) معاني القرآن: لأبي جعفر النحاس ت (338 ه) (3).

ج- علم إعراب القرآن:

1) إعراب القرآن: لمحمد بن المستنير الشهير بقطرب ت (206 ه) (4).

2) الجمع و التثنية في القرآن: ليحيى بن زياد المعروف

ص: 175


1- هو سلمة بن عاصم أبو محمد البغدادي النحوي، صاحب الفراء، عالم بالمعاني، قيل: إن كتابه في المعاني من أجود الكتب، توفي (310 ه). انظر: الفهرست لابن النديم: 67- و إنباه الرواة للقفطي: 2/ 56- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 201.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 60- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 9- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 262.
3- هو أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر، كان نحويا حاذقا، واسع العلم، غزير الرواية، له أكثر من خمسين تصنيفا في علوم القرآن و الأدب، توفي (338 ه) انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 68- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 311.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و البداية و النهاية لابن كثير: 10/ 259- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 256.

بالفراء ت (207 ه). (1).

3) إعراب القرآن: لأبي عبيدة معمر بن المثنى ت (209 ه) (2).

4) إعراب القرآن: لابن حبيب القرطبي ت (238 ه) (3).

5) إعراب القرآن: لأبي حاتم سهل السجستاني ت (248 ه) (4).

6) إعراب القرآن: لأحمد بن يحيى المعروف بثعلب ت (291 ه) (5).

7) إعراب القرآن: لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد ت (286 ه). (6)

8) إعراب القرآن: للزجاج إبراهيم بن السري ت (311 ه) (7).

ص: 176


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 66- و المعارف لابن قتيبة: 525- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 367.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 53- و المعارف لابن قتيبة: 543- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 326.
3- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 355- و ترتيب المدارك للقاضي عياض: 3/ 30- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 58- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 268- و طبقات المفسرين للداودي 1/ 217- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
5- انظر: الفهرست لابن النديم: 74- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 5- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
6- انظر: الفهرست لابن النديم: 59- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 13/ 576- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 210- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 123.
7- انظر: الفهرست لابن النديم: 60- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 9- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 262.

9) إعراب القرآن: لأبي جعفر النحاس ت (338 ه) (1).

10) إعراب ثلاثين سورة من القرآن: الحسين بن أحمد بن خالويه ت (370 ه) (2).

د- علم غريب القرآن:

1) غريب القرآن: لعطاء بن أبي رباح أسلم القرشي ت (114 ه) (3).

2) غريب القرآن: لأبان بن تغلب ت (141 ه) (4).

3) غريب القرآن: مؤرج بن عمرو السدوسي ت (174 ه) (5).

ص: 177


1- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 68- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 311.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 84- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 152- و النجوم الزاهرة لابن ثغري بردي: 4/ 139.
3- انظر: المعارف لابن قتيبة: 444- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 453- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 73.
4- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 3- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 207- و تاريخ التراث العربي: 1/ 42.
5- انظر: الفهرست لابن النديم: 37- 53 و المعارف لابن قتيبة: 543- طبقات المفسرين للداودي: 2/ 340- و كشف الظنون: 2/ 1207.

4) تفسير غريب القرآن: للإمام مالك بن أنس ت (179 ه). (1)

5) غريب القرآن: لعلي بن حمزة الأسدي الكسائي ت (189 ه). (2)

6) غريب القرآن: لقطرب محمد بن المستنير ت (206 ه). (3)

7) تأويل غريب القرآن: للفراء يحيى بن زياد ت (207 ه). (4)

8) غريب القرآن: لأبي عبيدة معمر بن المثنى ت (209 ه). (5)

9) تأويل غريب القرآن: لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ت (216 ه). (6)

ص: 178


1- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 310- و الديباج المذهب لابن فرحون: 17.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 29- و المعارف لابن قتيبة: 445- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 404- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1730.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و البداية و النهاية لابن كثير: 10/ 259- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 256.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 66- و المعارف لابن قتيبة: 525- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 367.
5- انظر: الفهرست لابن النديم: 53- و المعارف لابن قتيبة: 543- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 326.
6- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 192- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 61.

10) غريب القرآن: لأبي عبيد القاسم بن سلام ت (223 ه). (1)

11) غريب القرآن: لمحمد بن سلام الجمحي ت (231 ه). (2)

12) غريب القرآن: لابن السكيت ت (244 ه). (3)

13) تفسير غريب القرآن: لابن قتيبة الدينوري ت (276 ه). (4)

14) غريب القرآن: لمحمد بن العباس بن محمد اليزيدي ت (311 ه). (5)

ص: 179


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 71- البداية و النهاية لابن كثير: 1/ 281- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 37.
2- هو محمد بن سلام بن عبد اللّه بن سالم الجمحي، لغوي بصري، له غريب القرآن. انظر: الفهرست لابن النديم: 113- و تاريخ بغداد للخطيب: 5/ 327- و طبقات المفسرين للسيوطي: 2/ 156.
3- هو يعقوب بن إسحاق بن السكيت النحوي المؤدب، شيخ العربية، قيل: كانت إليه المنتهى في اللغة، له أكثر من عشرين كتابا، منها إصلاح المنطق. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 16- و الفهرست لابن النديم: 72- و هدية العارفين للبغدادي: 2/ 536- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 3/ 302.
4- هو عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوري النحوي، كان رأسا في العربية و الأخبار، له إعراب القرآن. انظر: الفهرست لابن النديم: 77- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 251- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 191.
5- هو محمد بن العباس بن محمد البغدادي، المشتهر بابن اليزيدي، كان رأسا في نقل النوادر و كلام العرب إماما في النحو، له غريب القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 361- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 3/ 302- و تاريخ الأدب العربي: 1/ 109.

15) غريب القرآن، المسمى نزهة القلوب: لأبي بكر السجستاني ت (330 ه). (1)

16) الإشارة في غريب القرآن: لأبي بكر النقاش ت (351 ه). (2)

17) غريب القرآن: لأحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ت (355 ه). (3)

ه- علم الناسخ و المنسوخ:

1) الناسخ و المنسوخ: لقتادة بن دعامة السدوسي ت (118 ه). (4)

ص: 180


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 37- و تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 1/ 103.
2- هو محمد بن الحسين بن محمد بن زياد الموصلي النقاش، مفسر مقرئ، قيل: كان يكثر من القصص، له شفاء الصدور في التفسير، توفي: (351 ه) انظر: الفهرست لابن النديم: 33- و تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 201- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/ 573- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 136.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 32- و إنباه الرواة للقفطي: 1/ 97- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 66.
4- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 456- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 35.

2) الناسخ و المنسوخ: لابن شهاب الزهري ت (124 ه). (1)

3) الناسخ و المنسوخ: لعطاء بن مسلم الخراساني ت (135 ه). (2)

4) ناسخ القرآن و منسوخه: لمحمد بن السائب الكلبي ت (146 ه). (3)

5) الناسخ: للحسين بن واقد المروزي ت (159 ه). (4)

6) الناسخ و المنسوخ: لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي ت (182 ه). (5)

ص: 181


1- انظر: تذكرة الحفاظ: 1/ 108- و النسخ لمصطفى زيد: 1/ 296 و الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية، انظر الناسخ و المنسوخ لمحمد صالح: 26.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 385- و مرآة الجنان لليافعي: 1/ 281- و الناسخ و المنسوخ للنحاس، المقدمة: ص 18.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 40- 95- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 149- و تاريخ التراث لسزكين: 1/ 80.
4- هو حسين بن واقد المروزي، قاض ثقة، له الناسخ و المنسوخ، و له وجوه القرآن. انظر: الفهرست لابن النديم: 37- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 163- و النسخ في القرآن لمصطفى زيد: 1/ 304.
5- هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري، فيه لين، له تفسير جمعه في مجلد، و له في الناسخ و المنسوخ. انظر: الفهرست لابن النديم: 40- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 271- و النسخ لمصطفى زيد 1/ 305.

7) الناسخ و المنسوخ: لعبد الوهاب العجلي الخفاف ت (204 ه). (1)

8) الناسخ و المنسوخ: لحجاج بن محمد المصيصي الأعور ت (206 ه). (2)

9) الناسخ و المنسوخ: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي ت (224 ه). (3)

10) الناسخ و المنسوخ: للحسن بن فضال الكوفي ت (244 ه). (4)

11) الناسخ و المنسوخ: لمحمد بن سعد بن منيع العوفي ت (230 ه). (5)).

ص: 182


1- هو عبد الوهاب بن عطاء العجلي الخفاف، وثقه ابن معين، له التفسير، الناسخ و المنسوخ. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 369- و النسخ في القرآن لمصطفى زيد: 1/ 310.
2- هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، إمام حجة حافظ، رفع الإمام أحمد من أمره و أثنى عليه، له الناسخ و المنسوخ. انظر: الفهرست لابن النديم: 37- 40- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 131- و النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 2/ 181.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 71- البداية و النهاية لابن كثير: 1/ 281- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 37. و الكتاب مخطوط بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم 602 ف، 2783 ف- و حقق رسالة ماجستير، ثم طبع مؤخرا.
4- هو الحسن بن علي بن فضال الكوفي، مصنف شيعي، له التفسير و غيره، انظر: الفهرست لابن النديم: 223- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 141.
5- انظر: النسخ في القرآن الكريم، لمصطفى زيد: 1/ 320، قال: و كتابه مفقود، و لم نجد من ذكر أنه اطلع عليه عدا ابن سلامة (صاحب كتاب الناسخ و المنسوخ).

12) ناسخ القرآن و منسوخه: لجعفر بن مبشر الثقفي المعتزلي ت (235 ه). (1)

13) الناسخ و المنسوخ: لسريج بن يونس المروزي ت (236 ه). (2)

14) ناسخ القرآن و منسوخه: للإمام أحمد بن حنبل ت (241 ه). (3)

15) الناسخ و المنسوخ: لأبي داود السجستاني ت (275 ه). (4)

16) ناسخ القرآن و منسوخه: لإبراهيم بن إسحاق الحربي ت (285 ه). (5)

ص: 183


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 37- 62- و تاريخ بغداد للخطيب: 7/ 162- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 128.
2- هو سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي، ثقة عابد، روى عنه البخاري و مسلم، له التفسير و القراءات. انظر: الفهرست لابن النديم: 231- و النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 2/ 282- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 185.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 229- و تاريخ بغداد للخطيب: 4/ 421- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 307.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 62- و البرهان للزركشي: 2/ 28- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 318.
5- هو إبراهيم بن إسحاق الحربي، إمام فاضل، له تصانيف عديدة، منها ناسخ القرآن و منسوخه. انظر: الفهرست لابن النديم: 231- و تاريخ بغداد للخطيب: 6/ 26- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 7.

17) الناسخ و المنسوخ: لأبي مسلم إبراهيم الكجي الكشي ت (292 ه) (1).

18) الناسخ و المنسوخ: للحسين بن منصور الحلاج ت (309 ه). (2)

19) الناسخ و المنسوخ: لأبي بكر السجستاني ت (316 ه). (3)

20) ناسخ القرآن و منسوخه: للزبير أحمد الزبيري ت (317 ه). (4)

21) معرفة الناسخ و المنسوخ: لعلي بن أحمد بن حزم الأنصاري ت (320 ه). (5)).

ص: 184


1- الكجي نسبة إلى تبنيه دارا بالبصرة بالكجة، و الكج هو الجص. و الكشي: نسبة إلى جده كش. انظر: مرآة الجنان لليافعي: 2/ 220- و طبقات المفسرين: 1/ 13- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 322.
2- سمي بالحلاج لزعمه أنه يحلج الأسرار، أي يخبر عن أخبار الناس، صوفي تنكر له بعضهم و نسبوه إلى الزندقة، له علم البقاء و الفناء، و غيره، صلب سنة (309 ه). انظر: الفهرست لابن النديم: 190- و النجوم الزاهرة: 3/ 202- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 162.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 232- و طبقات الشافعية للسبكي: 3/ 307- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 236- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 324.
4- هو الزبير بن أحمد بن سليمان بن حواري رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الزبير بن العوام، عالم شافعي ثقة، له الكافي. انظر: الفهرست لابن النديم: 37- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/ 57- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 182- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 324.
5- هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، فقيه أصولي محدث، له المحلى. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 325- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 324. و الكتاب مطبوع على هامش تفسير الجلالين، و أخرى باسم (الناسخ و المنسوخ في القرآن).

22) الناسخ و المنسوخ: لمحمد بن عثمان الشيباني المعروف بالجعد ت (322 ه). (1)

23) الناسخ و المنسوخ: لابن الأنباري ت (328 ه). (2)

24) (....) لابن المنادى ت (336 ه). (3)

25) الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم: لأبي جعفر النحاس ت (338 ه). (4)ا.

ص: 185


1- هو محمد بن عثمان بن مسبح الملقب بالجعد الشيباني، نحوي من العلماء الفضلاء، له معاني القرآن و له غريب القرآن. انظر: الفهرست لابن النديم: 82- و الوافي بالوفيات للصفدي: 4/ 82- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 195.
2- هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، عالم زاهد متواضع، مقرئ نحوي، صاحب تصانيف، له الوقف و الابتداء. انظر: الفهرست لابن النديم: 75- و إنباه الرواة للقفطي: 3/ 201- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 228- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 325.
3- انظر: النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 325.
4- انظر: إنباه الرواة للقفطي: 1/ 101- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 68- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 326 و قد طبع الكتاب عام 1323 ه باسم: الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم مما اجتمع عليه و اختلف فيه عن العلماء من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و التابعين و الفقهاء و شرح ما ذكروه و ما فيه من اللغة و النظر ثم طبع محققا.

26) الناسخ و المنسوخ: لأبي بكر محمد بن عبد اللّه البردعي المعتزلي ت (350 ه). (1)

27) الناسخ و المنسوخ: لأبي الحكم منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي ت (355 ه). (2)

28) لأبي سعيد الحسن بن عبد اللّه بن المرزبان السيرافي ت (368 ه). (3)

29) الناسخ و المنسوخ: لأبي الحسين محمد بن محمد النيسابوري ت (368 ه). (4)

30) الناسخ و المنسوخ: لمحمد بن علي بن بابويه القمي ت (381 ه). (5)

ص: 186


1- هو محمد بن عبد اللّه البردعي، معتزلي فقيه، عاصره ابن النديم صاحب الفهرست و أبلغه أنه صنف عدة كتب في الفقه، و له الناسخ و المنسوخ. انظر: الفهرست لابن النديم: 237- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 177- و النسخ في القرآن لمصطفى زيد: 1/ 326.
2- انظر: جذوة المقتبس: 326- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 326- و النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 326.
3- انظر: النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد: 1/ 326.
4- انظر: ترجمته في طبقات المفسرين للداودي و لم يذكر له هذا الكتاب: 2/ 236 و ذكر أنه توفي بعد التسعين و ثلاثمائة.
5- هو محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، رافضي صاحب تصانيف، يضرب بحفظه المثل، قيل: بلغت مصنفاته ثلاثمائة، له الملاهي. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 16/ 303- إيضاح المكنون: 4/ 341- و الأعلام للزركلي: 6/ 274- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 246.
و- علم المحكم و المتشابه:

1) متشابه القرآن: لمقاتل بن سليمان الأزدي ت (150 ه). (1)

2) متشابه القرآن: لعلي بن حمزة الكسائي ت (187 ه). (2)

3) الرد على الملحدين في متشابه القرآن: لمحمد بن المستنير المعروف بقطرب ت (206 ه). (3)

4) تأويل مشكل القرآن: لابن قتيبة الدينوري ت (276 ه). (4)

5) توضيح المشكل في القرآن: لسعيد بن محمد الغساني بن الحداد ت (302 ه). (5)

ص: 187


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 179- و تاريخ بغداد: 13/ 160- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 330.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 29- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 404.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 52- و البداية و النهاية: 10/ 259- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 256.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 77- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 251- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 191.
5- هو سعيد بن محمد بن صبيح بن الحداد المغربي، صاحب سحنون، كان بحرا في الفروع و رأسا في العربية، و من رءوس السنة، له مناظرات مع المعتزلة، من تصانيفه مشكل القرآن. انظر: مرآة الجنان لليافعي: 2/ 240- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 205- و الأعلام للزركلي: 3/ 100 قال: منه قطعة مخطوطة في جامعة القيروان.

6) متشابه القرآن: لابن المنادى ت (336 ه). (1)

ز- علم فضائل القرآن و القراءات القرآنية و عد الآي:

1) فضائل القرآن و ما نزل منه بمكة و ما نزل بالمدينة: لابن الضريس ت (194 ه). (2)

2) فضائل القرآن: لمحمد بن إدريس الشافعي: ت (204 ه). (3)

3) فضائل القرآن: لأبي عبيد القاسم بن سلام ت (223 ه). (4)

4) فضائل القرآن: لخلف بن هشام بن ثعلب ت (229 ه). (5)

ص: 188


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 34- و تاريخ بغداد للخطيب: 4/ 69.
2- هو محمد بن أيوب بن يحيى بن ضريس البجلي، محدث انتهى إليه علو الإسناد بالعجم، له فضائل القرآن. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 109- و شذرات الذهب لابن العماد: 2/ 216- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 97 (مطبوع).
3- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1277.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 71- و البداية و النهاية لابن كثير: 1/ 281- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 37. حقق رسالة ماجستير في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، و اعتمدته كثيرا، و قد علمت أنه طبع مؤخرا في المغرب و لم أقف على المطبوع إلى وقت كتابة هذه الأسطر.
5- هو خلف بن هشام بن ثعلب البغدادي المقرئ، له اختيار في القراءة خالف فيه حمزة حدث عنه مسلم و غيره، له فضائل القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 10/ 576- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 167.

5) فضائل القرآن: لهشام بن عمار بن نصير الظفري ت (245 ه). (1)

6) فضائل القرآن: لحفص بن عمر بن عبد العزيز بن صبهان ت (246 ه). (2)

7) فضائل القرآن: ليحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين ت (259 ه). (3)

8) فضائل القرآن: لعلي بن الحسن بن فضال الشيعي ت (290 ه). (4)

9) فضائل القرآن و ما جاء فيه من الفضل و في كم يقرأ و السنة في ذلك: للفريابي ت (301 ه). (5)

ص: 189


1- هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة السلمي الظفري، خطيب مقرئ حافظ. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي: 4/ 302- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 352.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 11/ 541- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 165.
3- انظر: الديباج المذهب لابن فرحون: 354- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 368.
4- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 403.
5- هو جعفر بن محمد بن الحس الفريابي، قاض من أوعية العلم، ثقة مأمون، له تصانيف مفيدة منها فضائل القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 96- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1277- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 325.

10) فضائل القرآن: للإمام النسائي ت (303 ه). (1)

11) فضائل القرآن: لابن الحداد (2)

12) القراءات: ليحيى بن يعمر (ت 89 ه) .. (3)

13) اختيار في القراءة على مذهب العربية: لابن محيصن ت (123 ه) (4)

14) اختيار القراءة: لعيسى بن عمر الثقفي ت (149 ه). (5)

15) كتاب القراءات: لأبي عمرو بن العلاء ت (154 ه). (6)

16) القراءة: لحمزة الكوفي ت (156 ه). (7)

ص: 190


1- هو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان النسائي، برع في الحديث، و تفرد بالمعرفة و علو الإسناد، قيل: كان أفقه مشايخ عصره، له السنن. انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 2/ 698- و البداية و النهاية لابن كثير: 11/ 123- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 3/ 319.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 76- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 336.
3- انظر: سير أعلام النبلاء: 4/ 441- تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 22.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 33- و غاية النهاية لابن الجزري: 2/ 167- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 98.
5- انظر: الفهرست لابن النديم: 33.
6- انظر: الفهرست لابن النديم: 53.
7- انظر: الفهرست لابن النديم: 31- و تاريخ التراث العربي لسزكين 1/ 31- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 111.

17) القراءة: لنافع المدني ت (169 ه). (1)

18) القراءة: لهشيم بن بشير ت (183 ه). (2)

19) القراءة: لأبي عبيد القاسم بن سلام ت (224 ه). (3)

20) القراءة: لأحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية، (ت 258 ه). (4)

21) القراءة: للقاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي ت (282 ه). (5)

22) الجامع: لابن جرير الطبري ت (310 ه). (6)

23) القراءة: لأبي بكر محمد الداجوني ت (324 ه). (7)).

ص: 191


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 31- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 99- و تاريخ التراث لسزكين: 1/ 32.
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 284- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 88.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 71- البداية و النهاية: 1/ 281- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 37.
4- هو أحمد بن جبير بن محمد الكوفي الأنطاكي، إمام مقرئ ثقة ضابط، له القراءة. انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 207- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 42- و النشر لابن الجزري: 1/ 34.
5- انظر: الفهرست لابن النديم: 200- و النشر: 1/ 34- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 106.
6- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 110.
7- هو محمد بن أحمد بن عمر الرملي الضرير، أبو بكر الداجوني الكبير، أحد من جمع القراءات، و صنف فيها. انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 268- و النشر لابن الجزري: 1/ 34 (مطبوع).

24) القراءات السبع: لابن مجاهد ت (324 ه). (1)

25) القراءات: لأحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ت (355 ه). (2)

26) القراءة: لأبي بكر أحمد بن نصر الشذائي ت (370 ه). (3)

27) القراءة: للحسين بن عثمان البغدادي الضرير ت (378 ه) أول من نظم في القراءات السبع. (4) علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 192 ز - علم فضائل القرآن و القراءات القرآنية و عد الآي: ..... ص : 188

28) كتاب الشامل و الغاية: لأبي بكر بن مهران ت (381 ه). (5)).

ص: 192


1- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34- و مقدمة تحقيق كتاب الحجة لأبي زرعة: 14 (مطبوع).
2- انظر: الفهرست لابن النديم: 32- 48- و طبقات القراء لابن الجزري: 1/ 98- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 64.
3- هو أحمد بن نصر بن منصور الشذائي، أحد القراء المشهورين بالضبط و الإتقان، بصير بالعربية. انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 319- و النشر لابن الجزري: 1/ 34.
4- هو حسين بن عثمان أبو علي المجاهدي الضرير، مقرئ قيل: هو آخر من قرأ القرآن على ابن مجاهد، كان ممن يأخذون المال على الختمة. انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 360- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 243- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 1317.
5- هو أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني، مقرئ عابد صالح، قيل: كان مجاب الدعوة، توفي (381 ه). انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 347- و النشر لابن الجزري: 1/ 34 و كتابه الغاية (مطبوع).

29) عد الآي: للحسن البصري ت (110 ه). (1)

30) أعشار القرآن أو (عواشر القرآن): قتادة بن دعامة السدوسي ت (118 ه). (2)

و ظهرت مصنفات في فنون أخرى، ففي الوقف و الابتداء كتب ابن الأنباري ت (328 ه): إيضاح الوقف و الابتداء في كتاب اللّه. (3)

و في نزول القرآن كتب الضحاك بن مزاحم البلخي ت (105 ه) (4)، و الحسن البصري ت (110 ه) (5)، و كتب علي بن الحسن بن فضال الكوفي ت (224 ه) كتابا أسماه: التنزيل في القرآن (6).

و في أسباب النزول كتب علي بن عبد اللّه المديني شيخ البخاري

ص: 193


1- انظر: الفهرست لابن النديم: 36- و تاريخ العربي التراث لسزكين: 1/ 25.
2- انظر: طبقات ابن سعد: 7/ 273- و غاية النهاية لابن الجزري: 2/ 25- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 456- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 21.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 75- و مرآة الجنان لليافعي: 2/ 294- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 228.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 38- تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 186.
5- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 446- و تاريخ التراث لسزكين: 1/ 72.
6- انظر: معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 134.

ت (234 ه) كتابه: أسباب النزول. (1)، و كتب عبد الرحمن بن أصبغ (أبو المطرف) ت (402 ه) كتابه: القصص و الأسباب التي نزل القرآن من أجلها الكتاب. (2).

و في اختلاف المصاحف كتب يحيى بن يعمر كتابا أسماه: القراءة. جمع فيه اختلاف المصاحف المشهورة (3) و كتب عبد اللّه بن عامر اليحصبي ت (118 ه) كتاب: اختلاف مصاحف الشام و الحجاز و العراق. (4) جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط (5).

ص: 194


1- هو علي بن عبد اللّه بن جعفر بن نجيح السعدي، المعروف بابن المديني، أمير المؤمنين في الحديث، شيخ البخاري، له مصنفات عديدة قيل: انقرضت كلها و لم تبق إلا أربعة كتب أو خمسة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 11/ 41- و الإتقان في علوم القرآن-- للسيوطي: 1/ 82- و إيضاح المكنون: 3/ 69.
2- هو عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بن أصبغ، أندلسي من كبار المحدثين، جمع من العلوم ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره بالأندلس، قيل: ما كان يسمع بكتاب حسن إلا اشتراه أو استنسخه، و كان له ستة وراقين ينسخون له. و كتابه القصص و الأسباب في نحو مائة جزء و نيف. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 291- و الصلة لابن بشكوال: 303- و تاريخ قضاة الأندلس: 87- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 133.
3- انظر: غاية النهاية لابن الجزري: 2/ 381- و تاريخ التراث لسزكين: 1/ 22.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 31- و تاريخ التراث لسزكين: 1/ 22.
5- انظر: مقدمة تفسير ابن عطية: 1/ 55.

و في أمثال القرآن كتب الحكيم الترمذي ت (313 ه) كتابا أسماه:

الأمثال من الكتاب و السنة. (1)، و كتب نفطويه الأزدي العتكي ت (323 ه): أمثال القرآن (2).

و في المقطوع و الموصول كتب عبد اللّه بن عامر اليحصبي ت (118 ه) (3).

و في إعجاز القرآن، كتب أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ت (355 ه) كتابه: موجز التأويل عن معجز التنزيل (4)، و كتب علي بن عيسى الرماني ت (386 ه) كتابه: النكت في إعجاز القرآن (5)، و كتب عبد).

ص: 195


1- هو محمد بن علي بن الحسين بن بشر، الحكيم الترمذي، صنف كتابا أسماه ختم الولاية، فضّل فيه الولاية على النبوة، فنفوه و شهدوا عليه بالكفر، و له كتاب الفروق، و غيره. انظر: صفوة الصفوة لابن الجوزي: 4/ 140- و طبقات الحفاظ للسيوطي: 352. و قد ذكره الشواخ في معجمه، و ذكر أن وفاة المصنف هو (279 ه) و أن الكتاب مخطوط و يحمل رقم 21817 بدار الكتب العربية، انظر معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 3/ 182- و أبلغني أستاذي الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع أنه مطبوع و يحتفظ بنسخة منه.
2- هو إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي، المشهور بنفطويه، صاحب التصانيف، كان ذا دين و قوة و مروءة، له غريب القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/ 75- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 21- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 3/ 183.
3- انظر: الفهرست لابن النديم: 39.
4- انظر: الفهرست لابن النديم: 32- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 64.
5- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 12/ 16- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 167 (مطبوع).

اللّه بن عبد الرحمن النفزاوي القيرواني ت (386 ه) كتابه: إعجاز القرآن (1)، كما كتب حمد بن محمد الخطابي البستي ت (388 ه) كتابه: بيان إعجاز القرآن (2) و كتب أبو منصور الثعالبي (ت 355 ه) الإعجاز و الإيجاز (3).

ثانيا: المؤلفات الموسوعية:

لم يظهر خلال هذه الفترة من الموسوعات في علوم القرآن عدا كتاب:

«فهم القرآن» للحارث بن أسد المحاسبي ت (243 ه) (4). و اللّه أعلم.

ثالثا: مقدمات التفاسير:

إن المتابع للتأليف في هذه المرحلة يجد عناوين لكثير من التفاسير غير أن الوقوف على أغلب تلك التفاسير أمر متعذر إذ إن معظمها قد فقد و لم تصل إلينا لسبب أو لآخر، و لعل ما وصلنا من هذه التفاسير التي تحمل مقدمات هي:

ص: 196


1- انظر: شذرات الذهب لابن العماد: 3/ 131- و بروكلمان: 1/ 301- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 146.
2- انظر: إنباه الرواة للقفطي: 1/ 125- و خزانة الأدب للبغدادي: 1/ 282 (مطبوع).
3- هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، أديب شاعر، له يتيمة الدهر و غيره، توفي (430 ه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 437- و شذرات الذهب لابن العماد: 3/ 246 (مطبوع).
4- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 12/ 110- و حلية الأولياء لأبي نعيم: 10/ 73.

1) تفسير القرآن لعبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى (211 ه).

2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لمحمد بن جرير الطبري ت (310 ه).

3) تفسير أبي الليث السمرقندي ت (373 ه). و هي كلها مطبوعة، و سأتناولها في الباب الثاني إن شاء اللّه تعالى.

المرحلة الثانية: من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر:

اشارة

شهدت هذه المرحلة نهضة علمية كبيرة، و استمر نشاط العلماء و هاجا كالسابق، و ازدهرت حركة التأليف و التصنيف حتى بلغت الذروة، فما تكاد تجد علما من تلك العلوم إلا و قد طرق العلماء أبوابه، و جالوا النظر في مبناه، حتى أطنبوا في البيان، و كشفوا عن دقائقه، و ألفوا فيه المؤلفات التي شهدت لهم برسوخ القدم و علو الكعب.

و قد تميزت هذه المرحلة بالتالي:

1) تشعب العلوم و اتساعها، فقد ظهرت مصنفات كثيرة في فنون علوم القرآن المتنوعة، و ارتقت تلك المؤلفات في معالجتها للموضوعات عن المرحلة السابقة و توسعت، كما توسعت في نظرتها لمادة تلك الموضوعات، حيث نهجت نهج الاستقراء و الاستيعاب للأنواع التي ألفت فيها.

2) التوجه لتحديد كثير من المفاهيم المتعلقة بعلوم القرآن، و تمحيص

ص: 197

الكتابات السابقة، فوضعت الضوابط و القواعد التي جعلت الكتابة أكثر موضوعية، و التي ساهمت إلى حد كبير في إسقاط ما كان حشوا و فضولا من الأقوال و الآراء التي وجدت في المراحل المتأخرة من المرحلة السابقة، عند بعض المنتسبين للعلم.

3) ظهور المصنفات الموسوعية الجامعة في علوم القرآن، و كانت هي السمة الجديدة في التأليف في هذه المرحلة، و قد كانت في البدايات محاولات لضم مجموعة من العلوم الهامة و المشكلة، و التي كثرت في تفسيرها الأقوال و تعددت المذاهب، في مصنف واحد، و تضمنت تلك المصنفات علوما بعدد، ثم سرعان ما اتجهت الهمم لجمع كل العلوم التي تخدم النص القرآني، أو تسهل سبل فهمه، بين دفتين، تسهيلا لطالب العلم، و تنظيما للمعرفة على غرار علوم الحديث. فبلغت على يد العالم الموسوعي جلال الدين السيوطي- رحمه اللّه- ثمانين نوعا، على سبيل الإدماج، و لو نوعت باعتبار ما أدمجه في ضمنها لزادت على الثلاثمائة (1).

و سار التصنيف الموسوعي إلى جانب التصنيف الموضوعي جنبا إلى جنب، فمن العلماء من توجه للكتابة في علوم القرآن كفنّ مستقل، و منهم من كتب في نوع من أنواعه، و فن من فنونه.

و مع اعترافنا بأن غالب الذين صنفوا في هذا العلم قد أجادوا في

ص: 198


1- انظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 20.

عرض الموضوعات و معالجتها- مع تفاوت بينهم في هذه الإجادة- غير أننا نقر و نعترف بالفضل للزركشي صاحب «البرهان» الذي جاء في منتصف هذه المرحلة، و الذي تولى ريادة هذا النهج العلمي الدقيق في عرض الموضوعات، الذي سار عليه جلّ من جاء بعده، حتى الحافظ السيوطي صاحب أشهر المصنفات في هذا الفن.

بل نقرّ للزركشي بأن من جاء بعده قد اعتمد على مادة كتابه العلمية، فكان الأساس الذي بنى عليه المتأخرون تآليفهم، حتى الأمثلة التي استشهد بها الزركشي نجدها هي نفسها التي اعتمدها المتأخرون. و لهذا لم يجد السيوطي بدا من الاعتراف للزركشي بهذا الفضل، و لم يزد على أن قال:

و رتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب البرهان، و أدمجت بعض الأنواع في بعض، و فصلت ما حقه أن يبان، و زدته على ما فيه من الفوائد و الفرائد، و القواعد و الشوارد ما يشنف الأذان. (1)

و من أهم المصنفات التي ظهرت في هذه المرحلة:

أولا: المؤلفات الموسوعية:

أ- التنبيه على فضل علوم القرآن: للحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب، أبو القاسم النيسابوري ت (402 ه).

ص: 199


1- انظر: المرجع السابق: 1/ 16.

ب- أنوار الفجر: لأبي بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد المعافري الإشبيلي، المعروف بابن العربي ت (543 ه) (1) يقول ابن جزي الكلبي في التسهيل: صنف ابن العربي كتاب «أنوار الفجر» في غاية الاحتفال و الجمع لعلوم القرآن، فلما تلف تلافاه بكتاب «قانون التأويل» (2).

و كتابه قانون التأويل قد ذكر فيه الحروف في أوائل السور، و الأمثال في القرآن، و المحكم و المتشابه، و النسخ في القرآن، و غير ذلك، و قد قال مصنفه في مقدمته: مختصر مجموع في علوم القرآن ليكون مفتاحا للبيان.

ج- فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن: لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي ت (597 ه).

د- المجتبى في علوم القرآن: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت (597 ه).

ه- مفتاح الباب المقفل لفهم الكتاب المنزل: لأبي الحسن علي بن

ص: 200


1- قاض من حفاظ الحديث، ولد في أشبيليا، برع في علوم عديدة، و بلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين، درس على أبي حامد الغزالي و غيره، و أخذ عنه السهيلي و غيره، مصنفاته كثيرة منها: الناسخ و المنسوخ. انظر: نفح الطيب من غصن أندلس الرطيب لابن المقري: 1/ 340- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 1/ 489- و العواصم من القواصم لابن العربي، تحقيق: محب الدين الخطيب: 9 و ما بعدها.
2- انظر: تسهيل السبيل لابن جزي: 1/ 17.

إبراهيم الحرالي ت (637 ه) (1) قال الداودي: جعله قوانين كقوانين أصول الفقه (2).

و- جمال القراء و كمال الإقراء: لعلم الدين أبو الحسن علي بن محمد ابن عبد الصمد السخاوي ت (643 ه) (3).

ز- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز: لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ت (665 ه) (4).

ح- الإكسير في علوم التفسير: لنجم الدين أبو الربيع سليمان بن

ص: 201


1- فلسفي متصوف، أخذ العربية عن ابن خروف، و جال البلاد، يضرب به المثل في الحلم، قال الذهبي: كان ابن تيمية يحط من كلامه، و يقول: تصوفه على طريقة الفلاسفة،. من تآليفه: شرح أسماء اللّه الحسنى. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 23/ 47- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 392.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 392.
3- مقرئ مفسر نحوي لغوي، ولد بسخا من مصر، أخذ عن الشاطبي و التاج و الكندي و غيرهم و تصدر للتدريس بجامع دمشق، و زاحم عليه الطلبة، له تصانيف كثيرة منها شرح الشاطبية، و سفر السعادة و سفير الإفادة. انظر: غاية النهاية: 1/ 568- و بغية الوعاة: 2/ 192- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 429.
4- إمام حجة، قرأ القراءات على السخاوي، و سمع صحيح البخاري و مسند الشافعي، من مؤلفاته: شرح الشاطبية. انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 2/ 537- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 365.

عبد القوي ابن عبد الكريم الطوفي الصرصري ت (716 ه). (1)

ط- مقدمة في أصول التفسير: لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ت (728 ه) (2).

ي- الفوائد المشوق إلى علوم القرآن و علم البيان: لشمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية ت (751 ه). (3)

ك- البرهان في علوم القرآن: لبدر الدين محمد بن عبد اللّه الزركشي ت (794 ه).

ل- مواقع العلوم عن مواقع النجوم: لجلال الدين عبد الرحمن بن عمر البلقيني ت (824 ه).

م- التيسير في قواعد علم التفسير: لأبي عبد اللّه محي الدين

ص: 202


1- ولد بقرية طوفا من صرصر، و جالس العلماء، و عاشر فضلاء بغداد و سمع منهم، كما التقى ابن تيمية و المزي و أبي حيان النحوي، و كان شيعيا سيّئ الاعتقاد، أقيمت عليه البينة فعزر و شهّر به، من تصانيفه الرياض النواضر في الأشباه و النظائر. انظر: شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: 6/ 40.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 46- و البداية و النهاية لابن كثير: 14/ 163.
3- أصولي مفسر نحوي، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية، و أخذ عنه، و تفنن في علوم الإسلام، و كان ذا تهجد و عبادة، أوذي في سبيل اللّه مرات عديدة، و سجن مع شيخه في سجن القلعة، قيل: ليس تحت أديم السماء أوسع علما منه. تصانيفه كثيرة منها زاد المعاد في هدي خير العباد. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 93- و الدرر الكامنة لابن حجر: 4/ 21.

الكافيجي ت (879 ه).

ن- التحبير في علوم التفسير: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه).

س- الإتقان في علوم القرآن: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه).

ثانيا: مقدمات التفاسير:

لقد سن عبد الرزاق الصنعاني، و ابن جرير الطبري- رحمهما اللّه- سنة حسنة حين قدما لتفسيريهما مقدمات، و قد تبعهما جل الذين جاءوا من بعدهما، فحذوا حذوهما و قدموا لتفاسيرهم بمقدمات عن علوم القرآن المتنوعة، و من أهم تلك التفاسير التي ظهرت في هذه الفترة:

1) مقدمة كتاب (المباني في نظم المعاني) لمؤلف مجهول، يعود تاريخ الكتاب إلى عام (425 ه).

2) مقدمة تفسير (الكشف و البيان عن تفسير القرآن): لأحمد بن محمد الثعلبي ت (427 ه). (1)

ص: 203


1- هو أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الملقب بالثعلبي، و قيل الثعالبي، شيخ التفسير، و أحد أوعية العلم، له التفسير الكبير. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 435- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 66.

3) مقدمة التفسير (الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن و تفسيره و أحكامه و جمل من فنون علومه)، لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) (1).

4) مقدمة تفسير (التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل)، لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي ت (440 ه) (2).

5) مقدمة التفسير (النكت و العيون في تفسير القرآن) لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت (450 ه).

6) مقدمة تفاسير الواحدي (البسيط و الوسيط الوجيز) لعلي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري ت (468 ه).

7) مقدمة تفسير (معالم التنزيل) لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ت (516 ه).

ص: 204


1- هو مكي بن أبي طالب حموش بن محمد القيسي القيرواني، فقيه مقرئ أديب، من أوعية العلم، صاحب التصانيف الكثيرة في علوم القرآن، منها إعراب القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 591- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 331.
2- هو أحمد بن عمار بن أبي العباس المهدوي، نسبة إلى المهدية بالمغرب، أستاذ و مقرئ مشهور، له التفسير، و الهداية في القراءات السبع. توفي بعد (340 ه). انظر: غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 1/ 92- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 56.

8) مقدمة تفسير (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز): لأبي محمد عبد الحق ابن عطية الغرناطي ت (541 ه).

9) مقدمة تفسير: (زاد المسير في علم التفسير) لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي ت (597 ه).

10) مقدمة التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي ت (606 ه).

11) مقدمة تفسير (الجامع لأحكام القرآن و المبين لما تضمن من السنة و آي الفرقان)، لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد القرطبي ت (671 ه).

12) مقدمة تفسير (لباب التأويل في معاني التنزيل) لأبي الحسن علي بن محمد الشيحي المعروف بالخازن ت (741 ه).

13) مقدمة تفسير (البحر المحيط) لأبي عبد اللّه محمد بن يوسف الغرناطي الشهير بأبي حيان ت (745 ه).

14) مقدمة تفسير (القرآن العظيم)، للحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي ت (774 ه).

ثالثا: المؤلفات الموضوعية:
أ- أسباب النزول:

1) القصص و الأساليب التي نزل من أجلها القرآن: لأبي المطرف

ص: 205

عبد الرحمن ابن عيسى بن إصبع ت (402 ه). (1)

2) أسباب النزول: لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد علي النيسابوري الواحدي ت (468 ه). (2)

3) مدد الرحمن في أسباب نزول القرآن: زين الدين عبد الرحمن بن علاء الدين علي بن إسحاق التميمي المقدسي الشافعي ت (876 ه) (3).

4) لباب النقول في أسباب النزول: للحافظ عبد الرحمن السيوطي ت (911 ه).

ب- إعجاز القرآن:

1) إعجاز القرآن: لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت (403 ه) (4).

2) الانتصار لصحة نقل القرآن: لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني ت (403 ه) (5).

ص: 206


1- انظر: الصلة لابن بشكوال: 303- و تاريخ قضاة الأندلس: 87- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 133.
2- انظر: النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 5/ 104- و إنباه الرواة للقفطي: 2/ 223- طبقات المفسرين للداودي: 1/ 394- (مطبوع).
3- انظر: الضوء اللامع للسخاوي: 4/ 95- و إيضاح المكنون: 4/ 455- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 136.
4- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 5/ 379- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 190.
5- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 5/ 379- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 190 (حقق جزء منه في كلية أصول الدين بالرياض).

3) الكلام في وجوه إعجاز القرآن: لمحمد بن عبد السلام العكبري ت (413 ه) (1).

4) المغني في إعجاز القرآن: للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني ت (415 ه) (2).

5) الرسالة الشافية في الإعجاز: لعبد القاهر الجرجاني ت (471 ه) (3).

6) دلائل الإعجاز: لعبد القاهر الجرجاني ت (471 ه) (4).

7) الجمان في تشبيهات القرآن: لعبد اللّه بن محمد المعروف بابن ناقيا البغدادي ت (485 ه) (5).

8) أسرار التكرار في القرآن: لمحمود بن حمزة بن نصر الكرماني ت (505 ه) (6).

ص: 207


1- انظر: إيضاح المكنون: 4/ 375.
2- هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، الهمذاني، معتزلي متكلم، من كبار فقهاء الشافعية، له تنزيه القرآن عن المطاعن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 244- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 166.
3- انظر: مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 1/ 165- و مرآة الجنان لليافعي: 3/ 101.
4- انظر: مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 1/ 165- و مرآة الجنان لليافعي: 3/ 101.
5- هو عبد اللّه بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا، أديب شاعر لغوي، تصانيفه كثيرة حسنة. انظر: لسان الميزان للذهبي: 3/ 384- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 261.
6- هو محمود بن حمزة بن نصر الكرماني، تاج القراء، و أحد العلماء الفقهاء، له لباب التفاسير، و غيرها، توفي في حدود الخمسمائة. انظر: غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 2/ 291- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 312- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 143.

9) إعجاز القرآن: لمحمد بن بابجوك البقالي الخوارزمي ت (562 ه) (1).

10) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن: لعبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني ت (562 ه) (2).

11) بديع القرآن: لعبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن أبي الأصبع ت (654 ه) و له التحبير في صناعة الشعر و النثر و بيان إعجاز القرآن (3).

12) بديع القرآن: لهبة اللّه بن عبد الرحمن بن البارزي ت (738 ه) (4).

ص: 208


1- هو محمد بن أبي القاسم بن بابجوك البقالي الآدمي، نحوي أديب حجة في لسان العرب، لقب بالآدمي لحفظه كتاب الآدمي في النحو، له تصانيف منها مفتاح التنزيل، تفسير للقرآن. انظر: طبقات المفسرين للسيوطي: 102- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 231.
2- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 241- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 150.
3- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 230- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 149.
4- هو شرف الدين هبة اللّه بن عبد الرحيم بن إبراهيم الجهيني الحموي، المعروف بابن البارزي، قاضي حماة، كان معظما عند الناس، و جمع فنون عديدة، و صنف كتبا جما كثيرا. انظر: البداية و النهاية لابن كثير: 14/ 182- و إيضاح المكنون: 1/ 181.

13) الطراز في علوم حقائق الإعجاز: عماد الدين يحيى بن حمزة العلوي ت (745 ه) (1).

14) تبصير الرحمن و تيسير المنان ببعض ما يشير إلى إعجاز القرآن:

لعلي بن أحمد بن علي المهائمي الهندي المعروف بالمجذوم ت (835 ه) (2).

15) معترك الأقران في إعجاز القرآن: للحافظ عبد الرحمن السيوطي ت (910 ه) (3).

16) بيان أسلوب الحكيم: لأحمد بن سليمان بن كمال باشا ت (940 ه) (4).

ج- إعراب القرآن:

1) البيان في إعراب القرآن: لأحمد بن محمد المعافري الأندلسي (429 ه) (5).

ص: 209


1- انظر: إيضاح المكنون: 4/ 82.
2- انظر: معجم المطبوعات: 1717- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 153.
3- انظر: معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 165.
4- هو أحمد بن سليمان الحنفي الشهير بابن كمال باشا، كان جده من أمراء الدولة العثمانية، اجتهد في طلب العلم كبيرا، حتى برع فيه، له رسائل كثيرة بلغت أكثر من مائة رسالة. انظر: شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: 8/ 238- و إيضاح المكنون: 3/ 69- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 151.
5- هو: أحمد بن محمد بن عبد اللّه المعافري الأندلسي، إمام حافظ، أول من أدخل القراءات إلى الأندلس، له الروضة في القراءات. انظر: غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 120- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 181.

2) إعراب القرآن: لأبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي ت (430 ه)، مستخرج من تفسيره البرهان، استخرجه إسماعيل بن خلف المقري الأنصاري (1).

3) مشكل إعراب القرآن: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) (2).

4) الملخص في إعراب القرآن: لأبي زكريا يحيى بن علي التبريزي ت (502 ه) (3).

5) البيان في إعراب غريب القرآن: لعبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري ت (577 ه) (4).

6) التبيان في إعراب القرآن: و يسمى (إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب و القراءات في جميع القرآن): لأبي البقاء عبد اللّه بن الحسين

ص: 210


1- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 388- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 177.
2- انظر: مفتاح السعادة: 2/ 74- و معجم الشواخ: 1/ 192.
3- هو يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي، علم ثقة في علمه، مخلط في دينه، لم يكن بالصين، له تفسير القرآن. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 269- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 373- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة: 1/ 202- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 190.
4- انظر: هدية العارفين: 1/ 519- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 181.

العكبري ت (616 ه)، (1)، و له إعراب القراءات الشواذ (2).

7) الفريد في إعراب القرآن المجيد: للمنتجب بن أبي العز الهمداني ت (643 ه) (3).

8) المجيد في إعراب القرآن المجيد: لإبراهيم بن محمد السفاقسي الفقيه المالكي ت (742 ه) (4).

9) إعراب القرآن: للحسن بن قاسم المرادي المصري ت (749 ه) (5).

10) إعراب القرآن الكريم: لأبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي

ص: 211


1- هو عبد اللّه بن الحسين بن عبد اللّه العكبري، مقرئ فقيه مفسر لغوي، له تصانيف كثير جدا منها إعراب الشواذ. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 232- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 118.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 232- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 174.
3- هو منتجب بن أبي العز بن رشيد الهمداني، شيخ القراء، له شرح الشاطبية. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 333- و نوادر المخطوطات لرمضان ششن: 2/ 445.
4- هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السفاقسي، فقيه مالكي، جمع إعراب القرآن، له المجيد، و غيره. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 1/ 55- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 194 (رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر).
5- هو الحسن بن قاسم بن عبد اللّه بن علي المرادي، نحوي لغوي فقيه، له شرح التسهيل، و غيره. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 142- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 178.

ت (745 ه) (1).

11) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: لأحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي، المعروف بالسمين ت (756 ه) (2).

12) إعراب مواضع من القرآن (المسائل السفرية) لأبي محمد عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري ت (761 ه) (3).

13) تحفة الإخوان في إعراب بعض آيات القرآن: لعبد الرحمن بن محمد الجزائري المعروف بالثعالبي ت (875 ه) (4).

14) ضمائر القرآن: لمحمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني ت (786 ه) (5).

ص: 212


1- منه نسخة مخطوطة في جامعة الملك سعود بالرياض برقم: 475/ 2 ف.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 102- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 185.
3- هو عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن عبد اللّه بن هشام، جمال الدين النحوي، نحوي مشهور، انفرد بالفوائد الغريبة، و المباحث الدقيقة، قيل: كان أنحى من سيبويه، له قطر الندى و بل الصدى. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 2/ 308- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 179.
4- انظر: إيضاح المكنون: 3/ 239- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 182.
5- هو محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني البغدادي، إمام لغوي، فقيه، محدث، مفسر، صنف في شتى العلوم، منها شرح البخاري. انظر: طبقات المفسرين 2/ 85- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 88.

15) إعراب القرآن: لشيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري ت (926 ه) (1).

د- أمثال القرآن:

1) أمثال القرآن: لمحمد بن حسين السلمي النيسابوري ت (406 ه) (2).

2) أمثال القرآن: علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت (450 ه) (3).

3) أمثال القرآن: محمد بن علي بن علي أبو طالب بن الخيمي ت (642 ه) (4).

ص: 213


1- هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي، حفظ الكتب، و جدّ في الطلب حتى فاق الأقران، مصنفاته كثيرة، منها شرح شذور الذهب. انظر: البدر الطالع للشوكاني: 1/ 252- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 175.
2- هو محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي، إمام حافظ محدث صوفي، له حقائق التفسير فيه أشياء لا تسوغ أصلا، عدّها بعض الأئمة من زندقة الباطنية. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 247- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 1268- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 3/ 183.
3- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 428- و الإتقان للسيوطي: 1/ 20- و معجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار: 94.
4- هو محمد بن علي بن علي بن علي، أبو طالب، مهذب الدين، المعروف بابن الخيمي، إمام لغوي، و عالم أديب شاعر، مصنفاته كثيرة منها حروف القرآن، و أمثال القرآن. انظر:بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة للسيوطي: 1/ 184- هدية العارفين-- للبغدادي: 2/ 121- و معجم الدراسات القرآنية لابتسام الصفار: 93.
ه- غريب القرآن:

1) مشكل غريب القرآن: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) (1).

2) مفردات غريب القرآن: لحسين بن علي المعروف بالراغب ت (502 ه) (2).

3) تذكرة الأريب بما تفسير الغريب: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت (597 ه) و له غريب الغريب.

4) تحفة الأريب بما في القرآن الكريم من الغريب: لأبي حيان الأندلسي ت (745 ه) (3).

5) بهجة الأريب في غريب القرآن: لابن التركمان علي بن عثمان المارديني أبو الحسن ت (750 ه) (4).

ص: 214


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت الحموي: 19/ 170- و إنباه الرواة للقفطي: 3/ 317.
2- انظر: مرآة الزمان: 8/ 483- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 71- و هدية العارفين: 1/ 521.
3- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 290.
4- هو: علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني، مفسر محدث فقيه صنف و أفتى و درس، كان لا يمل الكتابة، له شرح الهداية، و مختصر علوم الحديث لابن الصلاح. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 420- و الدرر الكامنة لابن حجر: 3/ 84

6) تفسير غريب القرآن: لأبي حفص عمر بن أبي الحسين علي بن أحمد الأنصاري، المعروف بابن الملقن ت (804 ه).

و- القراءات القرآنية:

1) المنتهى في القراءات: لأبي الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ت (408 ه) (1).

2) الروضة: لأحمد بن محمد المعافري الطلمنكي ت (429 ه) (2).

3) التبصرة في القراءات السبع: لأبي محمد مكي بن أبي طالب ت (437 ه) (3).

4) الكشف عن القراءات السبع: لأبي محمد مكي بن أبي طالب ت (437 ه) (4).

5) التيسير في القراءات السبع: لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني ت (444 ه) (5).

ص: 215


1- هو محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي الجرجاني إمام مقرئ حاذق، له المنتهى في القراءات جمع فيه مائتين و خمسين رواية. انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34- و غاية النهاية له: 2/ 109- و قد حقق الكتاب في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- رسالة دكتوراه.
2- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 79- و ترتيب المدارك للقاضي عياض: 4/ 749- حقق رسالة ماجستير في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
3- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 331.
4- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 331.
5- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34.

6) التمهيد لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني ت (444 ه) (1).

7) جامع البيان: لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني ت (444 ه) (2).

8) الوجيز في القراءات: لأبي علي الحسن بن إبراهيم الأهوازي ت (446 ه) و له «الإيجاز» و «الإيضاح» و غيره. (3) قال ابن الجزري: لم يلحقه أحد في هذا الشأن.

9) الكامل في القراءات: ليوسف بن علي بن جبارة الهذلي. ت (465 ه) (4).

10) التلخيص في القراءات الثمان: لأبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطان ت (478 ه)، و له «الرشاد في القراءة الشاذة»، و «سوق العروس» (5).

ص: 216


1- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 381.
2- انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 34.
3- هو الحسن بن إبراهيم بن يزداد المقرئ الأهوازي، شيخ القراء في عصره، محدث من أهل الشام، قيل: ضعيف اتهم في لقي بعض الشيوخ، و قيل: بل ثقة ثقة. انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 35- و غاية النهاية له: 1/ 220- و شذرات الذهب لابن العماد: 3/ 274.
4- هو يوسف بن علي بن جبارة بن المغربي المتكلم النحوي، علم كبير. قال ابن الجزري: لا أعلم أحدا في هذه الأمة رحل في القراءات رحلته. انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 35- و غاية النهاية له: 2/ 397- و شذرات الذهب لابن العماد: 3/ 324.
5- هو عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن علي الطبري، مقرئ محدث، صاحب التصانيف الكثيرة. انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 35- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 338.

11) الجامع الأكبر و البحر الأزخر: لأبي القاسم عيسى بن عبد العزيز الإسكندري ت (629 ه) (1).

ز- مبهمات القرآن:

1) التعريف و الإعلام بما في القرآن من الأسماء و الأعلام: لعبد الرحمن بن عبد اللّه الخثعمي السهيلي ت (581 ه) (2).

2) التكميل و الإتمام لكتاب التعريف و الإعلام: لمحمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني المعروف بابن عسكر ت (636 ه) (3).

ص: 217


1- هو عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي الشريشي الإسكندراني المقرئ، أحد الضعفاء المتهمين، رأس في القراءات. انظر: النشر لابن الجزري: 1/ 35- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 2/ 614.
2- هو عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أحمد بن أصبغ أبو القاسم السهيلي، عالم بالعربية و اللغة و القراءات و التفسير و الحديث، حافظ للتاريخ، له الروض الأنف. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 272، و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 3/ 113.
3- هو محمد بن علي بن خضر الغساني، المشتهر بابن عسكر، عالم اعتنى بالرواية على كبر، ملم بالفقه و النحو و الشعر. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 23/ 65- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 3/ 13- و حقق الكتاب في كلية أصول الدين- بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- رسالة دكتوراة- و تعمل دار الرفاعي للنشر حاليا على طباعته و نشره.

3) التبيان لمبهمات القرآن: لابن جماعة بدر الدين محمد بن إبراهيم ت (733 ه). (1) و له: غرر البيان لمبهمات القرآن. و هو مختصر للسابق (2).

4) صلة الجمع و عائد التنزيل لموصول كتابي الإعلام و التكميل: جمع بين كتابي السهيلي و ابن عسكر: لمحمد بن علي الأوسي المغربي (3).

5) مفحمات الأقران في مبهمات القرآن: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه). (4)

ح- المحكم و المتشابه:

1) حل الآيات المتشابهات: لمحمد بن الحسن بن فورك ت (406 ه). (5)

ص: 218


1- هو محمد بن إبراهيم بن سعد بن سعد اللّه بن جماعة الشافعي الحموي، مفسر محدث فقيه، و خطيب شاعر، له مشاركات جيدة، مصنفاته عديدة منها كتاب علوم الحديث. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 53، و هدية العارفين: 2/ 248، و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 3/ 222.
2- و قال فضيلة الشيخ مناع القطان: حقّق و لمّا يطبع.
3- انظر معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 190.
4- انظر: معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 3/ 157.
5- هو محمد بن الحسن بن فورك الأصفهاني، متكلم أصولي نحوي، له ما يقرب من مائة مصنّف. انظر: النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 4/ 240- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 132- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 47 و 4/ 199- و تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 1/ 175.

2) المتشابهات في القرآن: للشريف الرضي محمد بن الحسين ت (406 ه). (1)

3) متشابه القرآن: لعبد الجبار بن أحمد الهمذاني الأسترآبادي ت (415 ه).

4) درة التنزيل و غرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب اللّه العزيز: لمحمد بن عبد اللّه المعروف بالخطيب الإسكافي ت (431 ه). (2)

5) مشكل القرآن: لمحمد بن أحمد بن مطرف الكناني أبو عبد اللّه ت (545 ه).

6) البرهان في مشكلات القرآن: لأبي المعالي عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجيلي المعروف بشيذلة ت (494 ه). (3)

7) حل متشابهات القرآن: للراغب الأصفهاني الحسين بن

ص: 219


1- انظر: إيضاح المكنون: 4/ 426- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 204.
2- هو محمد بن عبد اللّه الخطيب الإسكافي، أبو عبد اللّه. أديب عالم باللغة، صاحب تصانيف، له شواهد سيبويه. انظر: بغية الوعاة للسيوطي: 1/ 149- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 200.
3- هو عزيز بن عبد الملك بن منصور الجيلي، المعروف بشيذلة، فقيه شافعي أصولي، كان يناظر بمذهب الأشعري، له مصنفات عديدة، انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 259- و شذرات الذهب لابن عماد: 3/ 401- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 241- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 196.

محمد ت (502 ه). (1)

8) البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة و البيان: لبرهان الدين محمود بن حمزة بن نصر الكرماني المقري ت (505 ه). (2)

9) تأويل متشابهات القرآن: لمحمد بن علي بن شهراسوب ت (588 ه). (3)

10) تذكرة المنتبه في عيون المشتبه: لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي ت (597 ه). (4)

11) الآيات المتشابهات: لأحمد بن يزيد بن بقي بن مخلد ت (625 ه). (5)

ص: 220


1- انظر: معجم مصنفات القرآن للشواخ 4/ 199.
2- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 241- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 195 و قد حقق الكتاب فضيلة الدكتور ناصر بن سليمان العمر، يحفظه اللّه.
3- هو محمد بن علي بن شهراسوب السروري، أحد شيوخ الشيعة، و فقيه مذهبهم، اجتهد في التفسير و الفقه و النحو و القراءات، هو عند الشيعة كالخطيب البغدادي عند أهل السنة، انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 201 و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 196.
4- انظر: معجم مصنفات القرآن للشواخ 4/ 205.
5- هو أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن شيخ الأندلس بقي بن مخلد، محدث مسند، و نحوي أديب من رجالات الأندلس الظاهرين، اشتغل بالقضاء ثم بالتدريس. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 22/ 274- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 194.

12) بيان مشتبه القرآن: لعيسى بن عبد العزيز اللخمي الإسكندري ت (629 ه). (1)

13) ري الظمآن في متشابه القرآن: لأبي محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الأندلسي ت (634 ه). (2)

14) ملاك التأويل القاطع لذوي الإلحاد و التعطيل في توجيه المتشابه من آي التنزيل: لابن الزبير الغرناطي أحمد بن إبراهيم. ت (708 ه). (3)

15) رد معاني الآيات المتشابهات إلى معاني الآيات المحكمات: محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الأسعردي المعروف بابن اللبان. ت (749 ه). (4)

ط- مناسبات القرآن:

ص: 221


1- انظر: غاية النهاية لابن الجرزي: 1/ 609- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 196.
2- انظر: ايضاح المكنون: 3/ 604- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 200.
3- هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد الغرناطي، مفسر محدث، و نحوي مقرئ، له اهتمام بالتاريخ، تصانيفه كثيرة منها تعليق على كتاب سيبويه. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 27- و شذرات الذهب لابن عماد: 6/ 16- و علوم القرآن للأستاذ عدنان زرزور: 172.
4- هو محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الإسعردي المعروف بابن اللبان مفسر محدث، فقيه أديب شاعر، جمع بين العلم و العمل، تصانيفه مفيدة، متشابه القرآن و الحديث. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 3/ 73- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 80- و معجم المطبوعات: 229- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 200.

1) نظم السور: لأبي العلاء أحمد بن عبد اللّه بن سليمان المعري ت (449 ه). (1)

2) البرهان في ترتيب سور القرآن: لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي ت (708 ه) (2).

3) نظم الدرر في تناسب الآيات و السور: لبرهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي ت (885 ه) (3). و له دلالة البرهان القويم على تناسب آي القرآن العظيم (4).

4) تناسق الدرر في تناسب السور: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه) (5).

5) ربط السور و الآيات: لمحمد بن مبارك المعروف بحكيم شاه

ص: 222


1- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة 2/ 1963- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 71.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 27- و شذرات الذهب لابن عماد: 6/ 16- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 241- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 34.
3- هو إبراهيم بن عمر بن حسن بن الرباط بن أبي بكر البقاعي، درس على أكابر عصره، ففاق الأقران، و برع في شتى الفنون، نال منه ثلة من علماء عصره و تعرضوا له إلى حد التكفير. انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 7/ 340- و البدر الطالع للشوكاني: 1/ 19- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 71.
4- انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 7/ 339- و إيضاح المكنون: 3/ 475.
5- انظر: معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 42.

القزويني ت (920 ه) (1).

6) نظم سور القرآن: لعبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد المكناسي ت (964 ه) (2).

ي- الناسخ و المنسوخ:

1) الناسخ و المنسوخ: لعبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس ت (402 ه). (3)

2) الناسخ و المنسوخ من القرآن العظيم: لأبي القاسم هبة اللّه بن عبد السلام البغدادي المفسر الضرير ت (410 ه). (4)

ص: 223


1- هو محمد بن مبارك شاه بن محمد الهروي الرومي الحنفي، حكيم شاه القزويني، باحث كتب في التفسير و الشعر و الحكمة، له شرح حكمة العين للقزويني. انظر: هدية العارفين: 2/ 229- و الأعلام للزركلي: 7/ 17- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 51.
2- هو عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي، عالم أديب مقرئ، صاحب عدة منظومات في علوم شتى، انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 8/ 342- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 1/ 72- و تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 2/ 517.
3- انظر: تاريخ قضاة الأندلس: 87- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 242.
4- هو هبة اللّه بن سلامة بن نصر الضرير المقرئ، مفسر نحوي، قيل: كان من أحفظ الناس للتفسير و النحو، له التفسير و غيره. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 348- و كشف الظنون: 2/ 1921- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 234.

3) الناسخ و المنسوخ: لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر الأسفراييني ت (429 ه). (1)

4) الإيضاح في ناسخ القرآن و منسوخه و معرفة أصوله و اختلاف الناس فيه: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه).

5) الناسخ و المنسوخ: لأبي محمد علي بن حزم الظاهري ت (456 ه). (2)

6) الناسخ و المنسوخ: لأبي الوليد سليمان بن خلف التجيبي الباجي ت (474 ه). (3)

7) الإيجاز في الناسخ و المنسوخ: محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد السعيدي المصري ت (520 ه). (4)

ص: 224


1- هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي، أبو منصور البغدادي، عالم عظيم القدر، فقيه أصولي نحوي متكلم، قيل: كان يدرّس في سبعة عشر فنا، من تصانيفه التفسير، و فضائح المعتزلة. انظر: إنباه الرواة للقفطي: 2/ 185- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 332- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 242.
2- انظر: نفح الطيب: 1/ 364- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 243-.
3- هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي التجيبي، مفسر أديب، و أصولي متكلم، تصانيفه كثيرة جدا منها المعاني في شرح الموطأ. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 208- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 243.
4- هو محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد السعيدي، أديب نحوي لغوي، شيخ العربية و اللغة في مصر في عصره. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 455- و شذرات الذهب لابن عماد: 4/ 62- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 227.

8) ناسخ القرآن و منسوخه: لأبي بكر محمد بن عبد اللّه بن العربي المعافري الإشبيلي ت (543 ه). (1)

9) الموجز في الناسخ و المنسوخ: لأبي القاسم محمود بن أبي الحسن النيسابوري الغزنوي ت (550 ه). (2)

10) رسوخ الأخبار في الناسخ و المنسوخ من الأخبار: لابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ت (597 ه). (3)

11) الناسخ و المنسوخ: لعلي بن محمد بن محمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي المعروف بابن الحصار ت (611 ه). (4)

ص: 225


1- انظر: الإتقان للسيوطي: 1/ 19- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 246- و الكتاب مخطوط بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية باسم: الناسخ و المنسوخ
2- هو محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي، الملقب بيان الحق، فقيه مفسر لغوي بارع، له إيجاز البيان في معاني القرآن، و الموجز في الناسخ و المنسوخ، [و هو مخطوط في جامعة الإمام برقم 3883 ف]. انظر: معجم الأدباء لياقوت: 19/ 124- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 311-.
3- انظر: معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 230- و مرآة الزمان لليافعي: 8/ 481- و الكتاب مطبوع باسم نواسخ القرآن 1405 و باسم: أخبار الرسوخ بمقدار الناسخ و المنسوخ عام 1322- و باسم: المصفّى بأكفّ أهل الرسوخ من علم الناسخ و المنسوخ تحقيق الأستاذ صالح الضامن.
4- هو علي بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي، أبو الحسن المعروف بابن الحصّار، فقيه فاضل صاحب تصانيف جيدة، له الناسخ و المنسوخ سمعه منه الحافظ المنذري، و له غير ذلك. انظر: التكملة لوفيات النقلة للمنذري: 2/ 309- و الإتقان للسيوطي: 1/ 19- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 243.

12) الطود الراسخ في الناسخ و المنسوخ: لعلم الدين السخاوي علي ابن محمد بن عبد الصمد ت (643 ه). (1)

13) رسوخ الأخبار في الناسخ و المنسوخ من الأخبار: برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل أبو إسحاق الشافعي ت (732 ه).

14) الناسخ و المنسوخ: لأبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الأسفراييني العامري. (2)

ص: 226


1- هو علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد. علم الدين أبو الحسن السخاوي، مفسر نحوي، شيخ القراء بدمشق في زمانه، له جمال القراء و غيره. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 429- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1118- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 231.
2- مطبوع ملحق بلباب النقول للسيوطي. [قال فضيلة الشيخ مناع: لم نجد فيما اطلعنا عليه من كتب التراجم شخصا بهذا الاسم.]. و المخطوط موجود في جامعة الإمام برقم 1860. قلت: هو أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن علي الأسفراييني، أورده الشواخ في معجمه، و ذكر أن له: الناسخ و المنسوخ، مخطوط بمكتبة الحرمين بمكة المحروسة برقم (15) تفسير دهلوي- معجم الشواخ: 4/ 246. و قد وقفت أخيرا في معجم الدراسات القرآنية للصفار، أن كتاب الأسفراييني هذا، حقق في جامعة الملك سعود بالرياض، رسالة ماجستير للباحث صالح بن عبد اللّه المحيمد. معجم الدراسات القرآنية: 1/ 631.

15) ناسخ القرآن العزيز و منسوخه: لشرف الدين هبة اللّه بن عبد الرحيم بن إبراهيم ابن البارزي ت (738 ه). (1)

16) ناسخ القرآن و منسوخه: يحيى بن عبد اللّه الواسطي الشافعي ت (738 ه). (2)

17) عقود القيان في الناسخ و المنسوخ في القرآن: محمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى ت (728 ه). (3)

ص: 227


1- هو هبة اللّه بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة اللّه الجهني الحموي، المعروف بابن البارزي، قاض راسخ في العلم، انتهت إليه مشيخة الشافعية ببلاد الشام، تصانيفه كثيرة، منها روضات الجنان في تفسير القرآن. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 350- و البدر الطالع للشوكاني: 2/ 324- (مطبوع).
2- هو يحيى بن عبد اللّه بن عبد الملك الواسطي، فقيه بارز، قيل عنه: فقيه العراق في زمانه، له مؤلفات نافعة. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 4/ 419- و إيضاح المكنون: 4/ 615- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 244.
3- هو محمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى، إمام زيدي بويع بالخلافة عند موت والده، له تصانيف تدل على علم واسع، منها السراج الوهاج في حصر مسائل المنهاج. انظر: البدر الطالع للشوكاني: 2/ 271- و إيضاح المكنون: 4/ 114- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 231.

18) الناسخ و المنسوخ: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت (852 ه). (1)

19) ناسخ القرآن و منسوخه: لشهاب الدين أحمد بن إسماعيل الأبشيطي ت (883 ه). (2)

20) الآيات التي فيها الناسخ و المنسوخ: لإبراهيم بن محمد المعروف بابن أبي شريف المقدسي ت (923 ه). (3)

ك- الوجوه و الأشباه و النظائر:

1) الأشباه و النظائر في القرآن الكريم: لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي ت (429 ه). (4)

2) وجوه القرآن: لإسماعيل بن أحمد الحيري النيسابوري الضرير

ص: 228


1- انظر: معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 246.
2- هو أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن بريدة، الشهاب الأبشيطي، عالم برع في الفقه و أصوله و العربية و الفرائض و غيرها، و تصدى للإقراء مدة، له تصانيف منها شرح الرحبية. انظر: البدر الطالع للشوكاني: 1/ 37- و إيضاح المكنون: 4/ 615- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 244.
3- هو إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي المعروف بابن أبي شريف المقدسي، إمام محقق مدقق، ذو ذكاء مفرط، طار صيته و صار المعول عليه في الفتوى في مصر، انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 8/ 118- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 233.
4- انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 3/ 246- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 255.

ت (430 ه). (1)

3) الوجوه و النظائر: للحسن بن أحمد بن البناء البغدادي الحنبلي: ت (471 ه). (2)

4) إصلاح الوجوه و النظائر في القرآن الكريم. للحسين بن محمد الدامغاني ت (478 ه). (3)

5) الوجوه و النظائر: لعلي بن عبيد اللّه الزاغوني الحنبلي: ت (527 ه). (4)

ص: 229


1- هو إسماعيل بن أحمد بن عبد اللّه أبو عبد الرحمن الحيري النيسابوري، مفسر مقرئ ضرير، محدث، رحل لطلب الحديث كثيرا، له تفسير مشهور. انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 106- و شذرات الذهب لابن عماد: 3/ 338- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 263.
2- هو الحسن بن أحمد بن عبد اللّه بن البناء البغدادي، مقرئ محدث فقيه واعظ، عرف بصفاء الذهن و جودة القريحة، و دلت تصانيفه على علومه و فنونه، قيل: صنّف خمسمائة مصنف. منها شرح على الخرقي في الفقه. انظر: المقصد الأرشد لابن مفلح: 1/ 309- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 2001- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 262.
3- هو الحسين بن محمد بن إبراهيم الدامغاني أبو عبد اللّه، فقيه حنفي، له سوق العروس و أنيس النفوس. انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1067- و إيضاح المكنون: 1/ 615- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 256.
4- هو علي بن عبد اللّه بن نصر بن السري الزاغوني البغدادي، فقيه محدث واعظ، من أعيان الحنابلة، تفنن في الأصول و الفروع و صنّف الكثير، له الإقناع و غيره. انظر: المقصد الأرشد لابن مفلح: 1/ 232- و شذرات الذهب لابن عماد: 4/ 80- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 2001.

6) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه و النظائر: لعبد الرحيم بن الجوزي ت (579 ه). (1)

7) الذخائر في الأشباه و النظائر: لعبد الرحمن بن علي بن إسحاق التميمي الداري ت (876 ه). (2)

8) كشف السرائر في معنى الوجوه و الأشباه و النظائر: لمحمد بن محمد بن علي البلبيسي المعروف بابن العماد ت (887 ه). (3)

9) معترك الأقران في مشترك القرآن: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه). (4)

ص: 230


1- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 2001- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 260.
2- انظر الضوء اللامع للسخاوي: 4/ 95- و هدية العارفين: 1/ 533- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 258.
3- هو محمد بن محمد بن علي البلبيسي المعروف بابن العماد، فقيه شافعي، عمل ناسخا. انظر: الضوء اللامع للسخاوي: 9/ 162- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 258، و كتابه كشف السرائر في معنى الوجوه و الأشباه و النظائر، مخطوط في خزانة السيد حسن حسني عبد الوهاب الصمادحي بتونس، بخط المؤلف. الأعلام للزركلي: 7/ 50.
4- انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة: 2/ 1732- و معجم مصنفات القرآن للشواخ: 4/ 260.

المرحلة الثالثة: من بداية القرن العاشر إلى العصر الحديث:

اشارة

و بعد هذه الجهود المباركة جاءت على المسلمين فترة ضعف خفت فيها تلك الجذوة الوهاجة التي شهدتها القرون السابقة، فضعف التأليف في العلوم عامة، و في علوم القرآن خاصة، و لم يظهر في العالم الإسلامي الواسع من المصنفات إلا اليسير النادر بين الفينة و الفينة، يعتمد مؤلفوها على جهود سابقيهم و مصنفاتهم، فغلب على مؤلفاتهم النادرة صبغة الاختصار حينا، و الشرح و التبسيط حينا آخر، و قد دامت مدة الفتور هذه أكثر من ثلاثة قرون، و لعل أسبابه تعود إلى ما تعرض له العالم الإسلامي من كيد الإعداء، و الضربات الموجعة التي تلقاها في مواطن عديدة من دياره، كان أقواها تلك الحملة الصليبية الشرسة التي نكبت بديار الأندلس في المغرب العربي، و الأندلس كما هو معروف مركز من مراكز الإشعاع الحضاري و العلمي الذي مد العالم الإسلامي خلال القرون الماضية بنخبة من المفسرين الذين لا يشق لهم غبار، بل يستطيع المرء أن يقرر هنا أن التفسير و علوم القرآن نضجا و استويا على سوقهما بالصورة المشرقة التي نراها من خلال جهود المفسرين من الديار المغربية و علمائها، و خاصة أهل الأندلس، غير أن الهجمة التي تعرض إليها أرض العلم و مأوى العلماء في الأندلس، و الاحتلال الذي اغتصب أرض الخير هناك، جعل العلماء الذين هم القادة ينصرفون عن التعليم ليحملوا السلاح، و ليدافعوا عن ديار الإسلام لتطهير الأراضي كما كانوا يفعلون لتطهير القلوب، و حين سألت المؤرخ الإسلامي الأستاذ القدير/ محمود شاكر عن سبب فتور العلم في هذه المرحلة، و عدم

ص: 231

ظهور المصنفات، لم يتردد يحفظه اللّه في عزو ذلك إلى انشغال العلماء بالجهاد حيث قال: حين سقطت الأندلس عام 897 ه، و بدأت سيطرة النصارى، توجه العلماء و طلبة العلم و الخيرون إلى المقاومة، و كان العلماء هم الذين يقودون المقاومة. و قد دامت هذه الفترة العصيبة مدة طويلة. قال:

و لهذا نجد حقد الصليبية على العلماء و على فكرهم إلى يومنا هذا.

و أضاف يقول: و هذه الظاهرة لم تقتصر على العلوم الدينية بل شملت العلوم التجريبية؛ و تابع قوله: و بعد سقوط الخلافة الإسلامية، انحصر كل مصر من أمصار المسلمين بنفسه، و استقل بذاته، و فصلت الديار الإسلامية. و حين رأى الخيرون من أبناء المسلمين أنهم أصبحوا في عزلة من إخوانهم اتجهوا مرة أخرى إلى الاهتمام بالعلم، فعقدت الحلقات العلمية في المساجد، و دفع الناس أبناءهم إليها، و تزاحم الطلبة على أبواب من بقي من أهل العلم، ينهلون المعارف، حتى شهد العالم الإسلامي بفضل اللّه نهضة مباركة شملت كثيرا من ميادين الحياة، فكانت المرحلة الثالثة في العصر الحديث.

هذا و قد وجدت مجموعة مؤلفات هنا و هناك من ديار الإسلام بين الحين و الآخر، و من ذلك:

1) قلائد المرجان في الناسخ و المنسوخ من القرآن: لمرعي بن يوسف

ص: 232

الكرمي ت (1033 ه) و قد طبع. (1)

2) تحفة الفقير ببعض علوم التفسير: لشمس الدين أبو عبد اللّه محمد ابن سلامة الإسكندري المالكي ت (1149 ه) و قد طبع. (2)

3) الزيادة و الإحسان في علوم القرآن: لابن عقيلة محمد بن أحمد الحنفي المكي ت (1150 ه). (3)

4) الفوز الكبير في أصول التفسير: لولي اللّه الدهلوي ت (1176 ه).

5) إرشاد الرحمن لأسباب النزول و النسخ و المتشابهة و تجويد القرآن:

لعطية اللّه بن عطية البرهان الأجهوري ت (1190 ه). (4)س.

ص: 233


1- هو مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي المقدسي الحنبلي، فقيه مؤرخ أديب، له نحو من سبعين مؤلفا، منها دليل الطالبين في الفقه. انظر: خلاصة الأثر للمحبي: 4/ 358- و إيضاح المكنون: 4/ 239- و الأعلام للزركلي: 7/ 203- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 4/ 232.
2- هو محمد بن سلامة بن إبراهيم بن خليل الضرير الإسكندري المصري، مفسر شاعر، له تفسير القرآن. توفي بمكة. انظر: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي: 4/ 123.
3- حقق الزيادة و الإحسان في كلية أصول الدين و نال به خمسة من الباحثين درجة الماجستير في القرآن- قسم القرآن و علومه، و كنت واحدا منهم فلله الحمد و المنة ... انظر ترجمته: سلك الدرر للمرادي: 4/ 30- و الزيادة و الإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة/ تحقيق محمد صفاء حقي، قسم الدراسة: 1/ 17- 45.
4- هو عطية اللّه بن عطية البرهان الشافعي مفسر فقيه تصدر للتدريس في جامع الأزهر له عدة مصنفات منها حاشية على تفسير الجلالين. انظر: سلك الدرر للمرادي: 3/ 265- و إيضاح مكنون: 1/ 60- و قد حقق في الجامعة الزيتونية بتونس.

6) لب التفاسير في معرفة أسباب النزول و التفسير: لمحمد بن عبد اللّه القاضي الرومي ت (1195 ه) (1)

7) عجيب البيان في علوم القرآن: للشيخ عبد الباسط بن رستم علي بن علي أصغر القنوجي ت (1223 ه). (2)

8) جواهر القرآن في التجويد: محمود بن محمد بن مهدي العلوي التبريزي ت (1287 ه).

و كان الغالب على تلك المؤلفات سمة النقل و الانتخاب، يتخللها أحيانا تعليقات و إضافات هي الأخرى مختارة و منتقاة من علوم الأولين، و يستطيع المرء أن يؤكد هنا فقدان هذه الفترة لعنصر التجديد و الابتكار.

في عصرنا الحديث نهضت جملة من العلوم، و شهدت الساحة العلمية تنافسا قويا في شتى ميادين المعرفة، و قد كان للعلوم الإسلامية عامة و علوم القرآن بصورة خاصة حظ وافر، و نصيب كبير من ذلك الاهتمام، فظهرت المؤلفات التي تخصصت بالدراسات القرآنية، و أعاد ثلة من العلماء النظر في

ص: 234


1- انظر: إيضاح المكنون 4/ 400- و معجم مصنفات القرآن الكريم للشواخ: 1/ 135.
2- هو عبد الباسط بن رستم علي بن علي أصغر القنوجي، هندي مستعرب، عالم بالفرائض، له عجيب البيان في أسرار القرآن. انظر: الأعلام للزركلي: 3/ 271.

ذلك التراث الضخم الذي بقي مخطوطا و الذي أثقلت رفوف المكتبات العامة و الخاصة من حمله، فأخرجته أيدي المحققين، بعد أن نفضت عنه تراب السنين، و عكف الباحثون على تحقيقه و إخراجه بصورة مرضية، وفق أسس منهجية علمية، يعيدون النظر في المواضع التي تحتاج منهم إلى إعادة نظر، فقوّموا النص، و أخرجوه على أفضل صورة بعد أن وقفوا على النسخ المتعددة و قابلوا بينها، و لم يأل أولئك جهدا في إثبات التعليقات المفيدة، و الإضافات النافعة، و شرح الغامض من الألفاظ و العبارات، و خاصة تلك التي أصبحت غريبة على جيل العصر، فذيلت الأصول بحواش قربت البعيد، و يسّرت الصعيب، و أصبح في إمكان طالب العلم فهم نصوص السلف على مرادهم بيسر و سهولة.

و اتجه فريق آخر من أهل العلم إلى الكتابة ابتداء، و رأى أن لكل جيل مفهومه و قدراته و حاجاته، و أن من حق أبناء العصر أن يقدم لهم العلم بالطريقة التي يفهمونها، و بالأسلوب الذي يرتاحون له، فظهرت المصنفات التي بدت عليها هذه السمات، مع التحقيق و التمحيص بين المنقولات، و يمثل كتاب الأستاذ الدكتور مصطفى زيد «النسخ في القرآن الكريم» واحدا من هذه المصنفات التي عالجت موضوعا قرآنيا بنظرة حديثة، و كذا كتاب الأستاذ غانم قدوري الذي أسماه: رسم المصحف، دراسة لغوية و تقويمية.

كما كان للاستحداث الذي حدث لأسلوب التعليم في الجامعات و الأكاديميات العلمية، أثر عظيم في نوعية التآليف التي ظهرت.

ص: 235

و لأن العصر الحديث قد أفرز على السطح علوما تجريبية علمية، و وضعت النظريات العلمية الحديثة و التي على ضوئها شهدت الساحة هذا التفوق الحضاري في الميادين التجريبية، و كانت الحاجة لتفسير نصوص الشرع التي فيها إشارات قريبة كانت أم بعيدة تفسيرا علميا يواكب التقدم ضرورة ملحة، فظهرت المؤلفات التي حاول مؤلفوها مواكبة هذا التطور، و ظهر ما يسمى بالتفسير العلمي، فكان فنا من فنون علوم القرآن، و ظهر التفسير الموضوعي الذي عالج موضوعا معينا من خلال القرآن كله، أو من خلال سورة منه، أو بتتبع لفظة من كتاب اللّه، و زاد الاهتمام بإظهار جوانب الإعجاز العلمي في القرآن، و ظهرت المؤلفات في الإعجاز الطبي و الكوني ... و غير ذلك، و المؤلفات في ذلك كثيرة لعلنا نشير إلى بعضها في ختام هذا المبحث.

كما دعت الحاجة حين أصبح التواصل بين شعوب العالم يسيرا، إلى تقديم ترجمات ميسرة من معاني كتاب اللّه إلى تلك الشعوب، فأصبح البحث الدقيق في مسألة ترجمة معاني القرآن إلى تلك اللغات العالمية، أمرا في غاية الضرورة. و قل مثل هذا في عدد من العلوم التي دعت حاجة العصر إلى نشوئها أو التعمق فيها.

أريد أن أؤكد هنا أن العصر الحالي قد أوجد مجموعة من العلوم لم تكن موضع اهتمام العلماء السابقين لكونها لم تكن موجودة، أو لأنها لم تتضح لهم بمثل ما اتضح للجيل الذي عاصر التقدم العلمي في المجالات

ص: 236

التجريبية.

و على العموم يستطيع المرء أن يؤكد أن التأليف في علوم القرآن في العصر الحديث قد اتصف بالآتي:

1) عدم التجديد غالبا، و الاعتماد الكبير على علوم الأقدمين و كتاباتهم.

2) سهولة العبارة، و عدم التعمق، في الغالب أيضا.

3) التكرار، و عدم التوثيق.

4) التركيز على بعض العلوم دون بعض.

5) جودة التبويب، و حسن العرض و الترتيب.

6) ظهور فنون جديدة لم تكن عند الأقدمين، أو لم تكن موضع عنايتهم.

و من أهم المؤلفات التي ظهرت في العصر الحديث و هي كثيرة أذكر منها:

أولا: المؤلفات الموسوعية:
اشارة

يغلب على المؤلفات الموسوعية في عصرنا الحالي سمة الانتخاب و الاختصار، و قد اعتمد المؤلفون في كتاباتهم على كتابي الإتقان للسيوطي، و البرهان للزركشي، و كان السيوطي هو الأكثر اعتمادا.

و تفاوتت نظرة المؤلفين إلى الفنون التي اختاروها لدراستها، فربما كان

ص: 237

الاختيار خاضعا لأنظمة الجامعات التي تقرر بعض الموضوعات على طلبتها كمقررات دراسية، كما تفاوتت معالجتهم لتلك الفنون، إذ غالب المؤلفات الموسوعية في هذا العصر هي في الأصل محاضرات ألقيت على الطلبة، ثم جمعها كاتبها و نشرها كتابا مستقلا، سواء أدخلت عليها التعديلات التي ترتقي بها إلى مستوى إخراجها كتابا مستقلا، أم لم تدخل.

و أود أن أشيد هنا ببعض تلك البحوث و الكتابات التي كانت جادة في معالجتها، قوية في مضامينها، رائدة في بابها، حملت لطلبة العلم نظرات علمية فاحصة، يشهد المرء لكاتبها بعمق التفكير، و سلامة الاختيار، و قوة الدليل و صحته، فيسلّم لكثير من ترجيحاتهم، و تهدأ النفس لأدلتهم و طريقة معالجتهم، و لهذا ذاع صيتها و انتشرت بين طلبة العلم حتى صنفت في مستوى أمهات المؤلفات. و خير مثال نقدمه هنا هو كتاب «مناهل العرفان» للأستاذ عبد العظيم الزرقاني رحمه اللّه و كتاب «التفسير و المفسرون» للأستاذ محمد حسين الذهبي رحمه اللّه و «مباحث في علوم القرآن» للشيخ مناع القطان، و لصبحي الصالح، و «علوم القرآن، مدخل إلى تفسير القرآن و بيان إعجازه» للأستاذ عدنان زرزور، و «مدخل إلى علوم القرآن و التفسير» للدكتور فاروق حمادة، و غيرها.

و من أهم المؤلفات الموسوعية التي ظهرت في هذه المرحلة:

1) الإيجاز و البيان في علوم القرآن: محمد صادق قمحاوي.

ص: 238

2) تاريخ القرآن: د/ عدنان زرزور.

3) البيان في علوم القرآن: محمد حسنين مخلوف العدوي.

4) البيان في مباحث من علوم القرآن: الشيخ عبد الوهاب غزلان.

5) التبيان في علوم القرآن: د/ القصيبي محمود زلط.

6) التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريقة الإتقان: الشيخ طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري الدمشقي ت (1338 ه).

7) دراسات في أصول القرآن: د/ محسن عبد الحميد.

8) دراسات في التفسير و رجاله: أبو اليقظان عطية الجبوري.

9) دراسات في علوم القرآن: د/ أمير عبد العزيز.

10) دراسات في علوم القرآن: د/ عبد القهار داود العاني.

11) دراسات في علوم القرآن الكريم: د/ فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي.

12) دراسات في علوم القرآن: د/ محمد أمين فرشوخ.

13) دراسات في علوم القرآن: د/ محمد بكر إسماعيل.

14) علوم القرآن: د/ أحمد عادل كمال.

ص: 239

15) علوم القرآن: د/ عبد المنعم النمر.

16) علوم القرآن: د/ عزت حسين.

17) علوم القرآن: د/ محمد الكومي، و د/ محمد القاسم.

18) علوم القرآن: مدخل إلى تفسير القرآن و بيان إعجازه: د/ عدنان زرزور.

19) علوم القرآن المنتقى: د/ فرج توفيق الوليد و د/ فاضل شاكر النعيمي.

20) علوم القرآن و الحديث: الشيخ أحمد محمد علي داود.

21) في علوم القرآن: كفافي الشريف.

22) القرآن المجيد، تنزيله، أسلوبه، أثره، جمعه: محمد عزة دروزة.

23) القرآن الكريم، تاريخه و آدابه: إبراهيم علي عمر.

24) لمحات في علوم القرآن و اتجاهات المفسرين: د/ محمد لطفي الصباغ.

25) مباحث في علوم القرآن: د/ صبحي الصالح.

26) مباحث في علوم القرآن: فضيلة الشيخ مناع بن خليل القطان.

27) المعجزة الكبرى القرآن (نزوله كتابته جمعه إعجازه جدله علومه تفسيره حكم الغناء به): محمد أبو زهرة.

28) مدخل إلى علوم القرآن و التفسير: د/ فاروق حمادة.

ص: 240

29) المدخل لدراسة القرآن الكريم: محمد محمد أبو شهبة.

30) المرشد الوافي في علوم القرآن: د/ محمود بسيوني فودة.

31) المنار في علوم القرآن: د/ محمد علي الحسن.

32) مناهل العرفان في علوم القرآن: محمد بن عبد العظيم الزرقاني ت (1367 ه).

33) من علوم القرآن: د/ عبد الفتاح القاضي.

34) من علوم القرآن: د/ فؤاد علي رضا.

35) منهج الفرقان في علوم القرآن: محمد بن علي سلامة ت (1362 ه).

36) يتيمية البيان في شي ء من علوم القرآن: محمد يوسف البنوري.

ثانيا: المؤلفات الموضوعية:
اشارة

فرق بين المؤلفات الموضوعية عند الأقدمين عنه عند المتأخرين، فالأقدمون كان اهتمامهم منصب إلى الموضوعات التي تخدم كتاب اللّه، و تيسر سبل فهمه، و تلك التي تهتم بتاريخ القرآن، فكانت ألصق بمصطلح علوم القرآن الذي أطلقناه من قبل بمفهومه الخاص، بخلاف المتأخرين الذين وجهوا اهتمامهم إلى الموضوعات و الدراسات القرآنية التي تتعلق بالنص القرآني، فقد لقيت هذه الموضوعات منهم عناية خاصة في هذه المرحلة، و كان حظها من التأليف أفضل من غيرها، و لعل سبب ذلك يعود إلى ما

ص: 241

ذكرنا من قبل من توجه المتأخرين إلى البحوث التخصصية الدقيقة التي تفي بحاجة العصر، فتوضح المشكل، و تقرب البعيد، و لعل آخر هذه البحوث التي وقعت في يدي ما كتبه الدكتور الفاضل عبد العزيز القارئ حول «حديث الأحرف السبعة»، و ما كتبه أستاذي الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع عن «أسباب اختلاف المفسرين»، و ما كتبه الشيخ مساعد بن سليمان الطيار بعنوان «فصول في أصول التفسير».

إضافة إلى أن الجامعات و دور العلم في الفترة الأخيرة من العصر الحديث يسرت الدراسة في أقسام الدراسات العليا بكلياتها أكثر من ذي قبل، و التحق طلبة العلم بالتخصصات الدقيقة في علوم القرآن و التفسير، و قدمت البحوث التخصصية التي هي من متطلبات الحصول على الدرجات العلمية، تحت إشراف نخبة من أهل العلم، فظهرت بحوث قيّمة هنا و هناك، و ظهر ثلة من الباحثين المتخصصين الذين قدموا بحوثا جليلة غيرت كثيرا من المفاهيم السائدة و الخاطئة، و اشتهرت تلك الرسائل حتى أخذت مكانها بين أمهات الكتب، و إن كان أغلبها قد بقي مخطوطا.

و من الرسائل التي اشتهرت، «دستور الأخلاق في القرآن» للأستاذ القدير محمد عبد اللّه دراز رحمه اللّه، و كتاب «اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر» و «منهج المدرسة العقلية في التفسير» و كلاهما لفضيلة الدكتور/ فهد بن عبد الرحمن الرومي يحفظه اللّه، و «مدرسة التفسير في

ص: 242

الأندلس» للأستاذ مصطفى إبراهيم المشني، و «ابن جزي الكلبي و منهجه في التفسير» للأستاذ علي بن محمد الزبيري. و غيرها.

هذا و المؤلفات الموضوعية التي طبعت كثيرة، و أكثر منها تلك التي بقيت حبيسة الرفوف في الجامعات فلم تجد طريقها إلى النشر، و سأذكر هنا نماذج منها:

1) اتجاهات التفسير في العصر الراهن: د/ عبد المجيد المحتسب.

2) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: د/ فهد الرومي.

3) الأحرف السبعة في القرآن الكريم: د/ حسن ضياء الدين عتر.

4) أسباب اختلاف المفسرين: د/ محمد بن عبد الرحمن الشائع.

5) أسباب النزول و أثرها في التفسير: الشيخ عصام عبد المحسن الحميدان.

6) استخراج الجدل في القرآن: د/ زاهر عواض الألمعي.

7) الإعجاز العددي للقرآن الكريم: د/ عبد الرزاق نوفل.

8) إعجاز القرآن و البلاغة النبوية: مصطفى صادق الرافعي ت (1356 ه).

9) الإعجاز النحوي في القرآن الكريم: د/ فتحي الدجني.

10) إعراب القرآن الكريم: محيي الدين درويش.

ص: 243

11) أمثال القرآن و أثرها في الأدب العربي إلى نهاية القرن الثالث الهجري: نور الحق تنوير.

12) الأمثال القرآنية دراسة و تحليل و تصنيف و رسم لأصولها و قواعدها و مناهجها: عبد الرحمن حبنكة الميداني.

13) بلاغة القرآن: محمد الخضر حسين.

14) تاريخ القرآن: إبراهيم الأبياري.

15) التجويد الميسر: عبد العزيز عبد الفتاح القارئ.

16) حديث نزول القرآن على سبعة أحرف: د/ عبد العزيز القارئ.

17) التفصيل و البيان عن تفصيل آي القرآن: محمد زكي صالح.

18) التصوير الفني في القرآن: سيد قطب ت (1385 ه).

19) جواهر البيان في تناسب سور القرآن: عبد اللّه محمد صديق الغماري.

20) دراسات في أسلوب القرآن الكريم: محمد عبد الخالق عظيمة ت (1403 ه).

21) دراسات الإحكام و النسخ في القرآن الكريم: محمد حمزة.

22) الرأي الصواب في منسوخ الكتاب: جواد موسى محمد عفانة.

23) رسم المصحف، دراسة لغوية و تقويمية: غانم قدوري.

ص: 244

24) الفروق اللغوية و أثرها في التفسير: د/ محمد بن عبد الرحمن الشائع.

25) في إعجاز القرآن، دراسة تحليلية لسورة الأنفال (المحتوى و البناء): د/ أحمد مختار البزرة. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 245 ثانيا: المؤلفات الموضوعية: ..... ص : 241

) القصص القرآني: عماد زهير حافظ.

27) قصة التفسير: د/ أحمد الشرباصي.

28) اللامات في القرآن: عبد الهادي الفضلي.

29) مباحث في إعجاز القرآن: د/ مصطفى مسلم محمد.

30) متشابه القرآن دراسة موضوعية: عدنان زرزور.

31) المشاهد في القرآن الكريم: د/ حامد صادق قنيبي.

32) مشاهد القيامة في القرآن: سيد قطب ت (1385 ه).

33) المعجزة القرآنية: محمد العفيفي.

34) مناهج المفسرين من العصر الأول إلى العصر الراهن: د/ محمد النقراشي السيد علي.

35) نزول القرآن على سبعة أحرف: للشيخ مناع القطان.

36) النسخ في القرآن الكريم دراسة تشريعية تاريخية نقدية: د مصطفى زيد.

ص: 245

37) النسخ في القرآن الكريم مفهومه تاريخه دعاواه: د/ محمد صالح.

38) الوجوه و الأشباه و النظائر في القرآن الكريم (دراسة موازنة):

د/ سليمان حمد القرعاوي.

أما الرسائل الجامعية التي لم تطبع فيما أعلم فهي كثيرة، أذكر منها بعض العناوين المسجلة في جامعات المملكة:

1) آيات البعث في القرآن الكريم: عبد العزيز بن راجي الصاعدي، جامعة أم القرى كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية الدراسات العليا الشرعية رسالة ماجستير 1397 ه.

2) آيات العتاب في القرآن الكريم، دراسة تحليلية موضوعية: نورة محمد الجليل الرئاسة العامة لتعليم البنات الآداب للبنات بالرياض الدراسات الإسلامية رسالة ماجستير 1408 ه.

3) اختلاف المفسرين: أسبابه و آثاره: سعود عبد اللّه الفنيسان جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1402 ه.

4) اختلاف التنوع و التضاد في تفسير السلف: عبد اللّه بن عبد اللّه الأهدل، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1408 ه.

ص: 246

5) أصول التفسير بين شيخ الإسلام ابن تيمية و غيره من المفسرين:

عبد اللّه ديرية أبتدون الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1403 ه.

6) الإمام الدهلوي، منهجه في التفسير و آراؤه في مباحث من علوم القرآن: خليل الرحمن سجاد الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1402 ه.

7) أمثال القرآن: منصور بن عون العبدلي، جامعة أم القرى، رسالة ماجستير، 1394 ه.

8) تاريخ علوم القرآن حتى نهاية القرن الخامس الهجري: أحسن بن سخاء محمد أشرف الدين الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1405 ه.

9) تفاسير آيات الأحكام و مناهجها: علي بن سليمان العبيد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1407 ه.

10) التفسير بالرأي، ما له و ما عليه: أحمد بن عمر بن عبد اللّه الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1401 ه.

11) التفسير بين الرأي و الأثر: محمد حلمي أبو غزالة جامعة أم

ص: 247

القرى كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية الدراسات العليا الشرعية ماجستير، 1398 ه.

12) التفسير في عهد الصحابة، مصادره و مزاياه: ناصر بن محمد الحميد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة ماجستير 1399 ه.

13) التفسير في القرن الأول الهجري: فائقة إدريس عبد اللّه جامعة أم القرى كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية الدراسات العليا الشرعية رسالة ماجستير 1404 ه.

14) دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان للزرقاني: خالد بن عثمان السبت، الجامعة الإسلامية، رسالة ماجستير 1411 ه.

15) فواتح السور في القرآن الكريم: فاروق حسين محمد أمين الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1403 ه.

16) قواعد الترجيح عند المفسرين: حسين بن علي الحربي كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة ماجستير 1416 ه.

17) المدرسة الأندلسية في التفسير: زيد عمر عبد اللّه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1404 ه.

ص: 248

18) الوقف و أثره في التفسير: مساعد بن سليمان الطيار جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة ماجستير 1414 ه.

ص: 249

ص: 250

الباب الثاني: مقدمات التفاسير

اشارة

1- تفسير القرآن العزيز: لعبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني ت (211 ه)

2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت (310 ه)

3- تفسير القرآن العظيم: لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي ت (373 ه)

4- النكت و العيون في تأويل القرآن الكريم: لأبي الحسن علي بن حبيب الماوردي ت (450 ه)

5- الوسيط في تفسير القرآن المجيد: لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي ت (468 ه)

6- معالم التنزيل: لمحيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي ت (516 ه)

7- المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز: لأبي محمد عبد الحق بن عطية ت (546 ه)

8- زاد المسير في علم التفسير: لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي الجوزي ت (597 ه)

9- الجامع لأحكام القرآن و المبين لما تضمنه من السنة و آي الفرقان: لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الخزرجي القرطبي الأندلسي ت (671 ه)

10- تسهيل السبيل لعلوم التنزيل: لمحمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ الكلبي ت (741 ه)

11- لباب التأويل في معاني التنزيل: لأبي الحسن علاء الدين علي بن محمد الشيحي البغدادي المعروف بالخازن ت (741 ه)

12- البحر المحيط في التفسير: لأبي عبد اللّه محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الشهير بأبي حيان ت (745 ه)

13- تفسير القرآن العظيم: للحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ت (774 ه)

ص: 251

1- تفسير القرآن العزيز لعبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني المتوفى سنة (211 ه)

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مؤلف هذا التفسير هو الإمام الحافظ أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني المولود سنة ست و عشرين و مائة للهجرة (126 ه) (1).

ولد المصنف في أسرة علم و فضل و صلاح، و تربى في حجر أبيه الذي أولاه الرعاية و الاهتمام، و قد كان والده من أهل العلم، يروي الحديث عن سالم بن عبد اللّه (2) و غيره (3)، فنشأ عبد الرزاق نشأة سليمة، و انكب على الدرس و المطالعة، و صرف الوقت في طلب العلم، و ارتحل لذلك فطاف الحجاز و الشام و العراق (4)، حتى تصدر المجالس، و لقي الكبار، و أخذ عن

ص: 252


1- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 563- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 216.
2- هو سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، كان من خيار الناس و فقهائهم، توفي بالمدينة سنة (106 ه). انظر: المعارف لابن قتيبة: 186- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/ 475.
3- انظر المعارف لابن قتيبة 226.
4- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي 9/ 564.

المشاهير، فحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث (1).

وثّقه غير واحد من الأئمة، و حديثه مخرّج في الصحاح (2)، و نعته الذهبي بالحافظ الكبير و عالم اليمن (3)، و قد شهد المشاهير بعلمه و أشادوا بحفظه و علو منزلته، فعن علي بن المديني قال: قال لي هشام بن يوسف (4):

كان عبد الرزاق أعلمنا و أحفظنا. (5)

و قال شيخ عبد الرزاق معمر بن راشد، و هو أكثر من روى عبد الرزاق الحديث عنه، قال: أما عبد الرزاق فإن عاش فخليق أن تضرب إليه أكباد الإبل.

قال ابن السري: فو اللّه لقد أتعبها. (6)

شيوخه و تلاميذه:

أكثر عبد الرزاق الحديث عن معمر بن راشد، و هو شيخه في أغلب ما يرويه في تفسيره، كما حدّث عن عبيد اللّه بن عمر و عن أخيه عبد اللّه،

ص: 253


1- انظر تهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 314.
2- انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 364.
3- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي 9/ 563.
4- هو هشام بن يوسف الصنعاني، من أقران عبد الرزاق، ثقة متقن، توفي سنة (197 ه). انظر: تهذيب الكمال للمزي: 30/ 265- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 580-.
5- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 566.
6- انظر تهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 311.

و عن هشام بن حسان (1)، و ابن جريج، و الأوزاعي، و سفيان الثوري، و غيرهم من كبار التابعين. أما تلامذته، فقد صدق معمر حين قال:

ستضرب إليه أكباد الإبل.

و قد عمّر عبد الرزاق طويلا، و ذاع صيته، و علم الناس فضله و علمه و كثرة تحمله، فشدوا إليه الرحال، و أقبلوا عليه من كل حدب و صوب، و كان منهم الأئمة المعتبرون كالإمام أحمد بن حنبل، و ابن راهويه (2)، و ابن معين (3)، و علي بن المديني، و غيرهم، كما حدّث عنه شيخه سفيان بن عيينة. (4)

ص: 254


1- هو هشام بن حسان الأزدي، إمام حافظ محدث، قيل: رأى أنس بن مالك، كان من البكائين، توفي سنة (146 ه). انظر: طبقات خليفة: 219- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 6/ 355.
2- هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي، الملقب بابن راهويه: أي المولود في الطريق. إمام كبير، و شيخ المشرق في عصره، و سيد الحفاظ، توفي سنة (237 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 1/ 199- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 11/ 358.
3- هو يحيى بن معين بن عون الغطفاني، إمام في الحديث، ثقة مأمون، له الكنى و الأسماء، توفي سنة (233 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 11/ 71- تاريخ بغداد للخطيب: 14/ 177.
4- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 564، و وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 216.
مؤلفاته:

ذكر العلماء أن عبد الرزاق صنف كثيرا، و أن من أشهر ما صنفه:

«تفسير القرآن العزيز» و «المصنف الكبير» و هو «الجامع الكبير» و «السنن» في الفقه و «المغازي» و «الأمالي في آثار الصحابة» (1).

وفاته:

فقد الحافظ الكبير بصره بعد المائتين للهجرة، و توفي في منتصف شوال سنة إحدى عشرة و مائتين (211 ه) عن عمر يناهز الخامسة و الثمانية باليمن، رحمه اللّه تعالى (2).

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

يمثل هذا التفسير نموذجا فريدا بين أيدينا من تفاسير القرن الثاني للهجرة، يعطي صورة واضحة عن لون التفسير السائد في ذلك العصر و هو

ص: 255


1- انظر كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 452- و هدية العارفين لإسماعيل باشا: 5/ 566- و معجم المؤلفين لرضا كحالة: 5/ 219- و تاريخ التراث العربي لسزكين: 1/ 144.
2- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 580- و وفيات الاعيان لابن خلكان: 3/ 217-. و ينظر للمزيد في ترجمته: البداية و النهاية لابن كثير: 10/ 256- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 364- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 563- و شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: 2/ 27- و طبقات الحنابلة لأبي يعلى: 152- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 302- و الفهرست لابن النديم: 228- و ميزان الاعتدال للذهبي: 2/ 609- و النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 2/ 202- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 216.

التفسير بالأثر المجرد عن الرأي، إذ ليس فيه إلا ما هو مروي عن رسول صلى اللّه عليه و سلم أو مسند إلى الصحابة و التابعين و تابعيهم، فهو من أقدم نصوص التفسير المسندة، و مصنفها متقدم على ابن جرير المتوفى سنة (311 ه) بقرن كامل، فهو من أوثق ما وصل إلينا من غير تحريف و لا تبديل (1).

تتبع المصنف أقوال السلف في المعاني و أسباب النزول، و رواها بأسانيدها مرتبة حسب ترتيب المصحف، و بالرغم من محاولة المصنف تجنب رواية الإسرائيليات، و خاصة ما تعلق منها بعصمة الأنبياء، أو تتنافى مع العقيدة، و ظاهر نصوص الشريعة، إلا أنه ذكر بعض الروايات الساقطة التي رواها القوم (2).

و قد قدم المصنف لتفسيره مقدمة موجزة ذكر فيها شيئا من المروي في علوم القرآن، فهو بهذا يعد رائد هذا النهج، و أول من قدم للتفسير بعلوم القرآن.

و قد كان هذا التفسير إلى عهد قريب مخطوطا حبيس المكتبات، طبع عليها الزمن آثاره، فوجد مبتورا من أوله، مصابا بالرطوبة في مواطن كثيرة منه، خاصة في بداياته، حتى قيّض اللّه له من ينفض عنه غبار الأيام، و يخرجه للنور للمرة الأولى، فجزى اللّه القائمين على إحياء التراث خير

ص: 256


1- انظر تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني، مقدمة تحقيق الدكتور مصطفى مسلم: 1/ 5.
2- انظر: المصدر السابق: 1/ 32.

الجزاء، و أجزل لهم المثوبة و الأجر.

و حين صنفت التفاسير المرشحة للدراسة في هذا البحث جاء تفسير عبد الرزاق أول تفسير يحتوي مقدمة في علوم القرآن من حيث الترتيب الزمني للمؤلف، و حين عدت إلى التفسير بتحقيق الدكتور مصطفى مسلم وجدته- يحفظه اللّه- يذكر أن النسختين الوحيدتين للكتاب فيهما نقص من أولهما، مما اضطره الرجوع إلى تفسير الطبري و الدر المنثور ليسد النقص بنقل الروايات الثابتة فيها عن عبد الرزاق، حتى استخرج منها ما يتعلق بتفسير سورة الفاتحة و القسم المحذوف من سورة البقرة، (1) و تمنيت لو أن فضيلته أثبت شيئا من المقدمة، فالروايات التي جاءت فيها هي الأخرى على الراجح مبثوثة في الطبري و الدر المنثور و غيرهما من كتب الأثر و علوم القرآن، ثم صدرت طبعة أخرى للتفسير نفسه بتحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي يحفظه اللّه فوجدت المحقق استطاع أن يثبت شيئا من تلك المقدمة التي لم يعثر عليها الدكتور مصطفى.

و قد جاءت مقدمة عبد الرزاق موجزة في أربع صفحات، روى المصنف فيها بعض الآثار حول علوم القرآن بأسانيدها، دون أن يعلق عليها، و هي طريقته في التفسير كله، و مجموع ما أورده المصنف تسعة آثار، الأول منها حول جمع القرآن، و يحمل العنوان نفسه، و هي مقدمة مستقلة،

ص: 257


1- انظر: المصدر السابق: 1/ 35.

أما المقدمة الأخرى فتحمل عنوان ما جاء فيمن قال في القرآن برأيه و هذا العنوان هو من إطلاق المصنف كما يظهر من الصفحة الأولى من المخطوط، بخلاف العنوان الأول فغير مقروء و قد يكون من عمل المحقق.

و الآثار الأخيرة أوردها المحقق مبتورة لصعوبة قراءة بعضها، و لآثار الرطوبة التي أتلفت بعضها الآخر، و الكلمات المبتورة ليست كثيرة، و أظن أنه كان من الممكن إثباتها لو تتبع المحقق ذلك في كتب التفسير، و اللّه أعلم.

و لم تطبع المقدمة إلا هذه الطبعة، التي صدرت عن دار المعرفة ببيروت عام 1411 ه، و هي متأخرة عن تحقيق الدكتور مصطفى مسلم للتفسير الذي ظهر عام (1410 ه) عن دار الرشد بالرياض، غير أن طبعة الدكتور مصطفى خالية من المقدمة.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

ذكر المصنف في الرواية الأولى التي افتتح بها تفسيره جمع المصحف الذي تم على يد زيد بن ثابت، بأمر أبي بكر الصديق بناء على رأي من عمر رضي اللّه عنهم أجمعين و هو الجمع الأول لكتاب اللّه.

أعقب ذلك بباب مستقل عن القول في القرآن بالرأي، و التحذير الشديد الوارد في ذلك، ثم بين أن التفسير على أربعة وجوه على ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. بعدها روى أثرا في المعاني التي نزل القرآن عليها، ثم تاريخ نزول القرآن و الكتب السابقة، بعدها نزول القرآن جملة

ص: 258

واحدة ليلة القدر، ثم نزوله منجّما على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

رابعا: منهج عبد الرزاق في مقدمته:

منهج عبد الرزاق في مقدمته أنه يسرد الروايات بسندها في المعنى الذي أراده دون أي تعقيب أو بيان، مكتفيا برواية واحدة في كل مسألة تعرض له.

ص: 259

2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت (310 ه)

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مؤلف هذا التفسير هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي الطبري، أبو جعفر (1).

ولد المفسر بآمل طبرستان (2) سنة أربع و عشرين و مائتين، و قيل: خمس و عشرين (3)، و استوطن بغداد إلى حين وفاته بها (4)، يتردد على موطنه بين فترة و أخرى.

ص: 260


1- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 14/ 267- و معجم الأدباء لياقوت: 18/ 40- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 110.
2- هي من أكبر مدن طبرستان تقع في السهل، خرج منها كثير من العلماء غير أنهم ينسبون إلى طبرستان فيقال الطبري. انظر: معجم البلدان لياقوت: 1/ 75.
3- سئل ابن جرير عن الخلاف الذي في مولده فقال: لأن أهل بلدنا يؤرخون بالأحداث دون السنين، فأرخ مولدي بحدث كان في البلد، فلما نشأت سألت عن ذلك الحادث فاختلف المخبرون لي فقال بعضهم: كان ذلك في آخر سنة أربع، و قال آخرون: بل كان أول سنة خمس و عشرين و مائتين. ا ه انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 48.
4- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 40- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 267- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 110.

عاش ابن جرير حياته في عائلة ميسورة، و نشأ و ترعرع في كنف والده الذي دفعه إلى التعليم منذ الصغر، و يسر له أسباب التلقي، فما كاد يبلغ سن الجلوس إلى أهل العلم حتى رأته أزقّة آمل متأبطا دواته و قرطاسه، ملتحقا بالكتاب و متنقلا من شيخ إلى آخر، و من حلقة إلى أخرى، فحفظ كتاب اللّه و له سبع سنين، و صلى بالناس و هو ابن ثمان، و كتب الحديث و هو ابن تسع (1)، حتى إذا اشتد عوده، و فاق أقرانه، و اعترفوا بتفوقه و أظهر الشيوخ إعجابهم به، لبّى الأب طلب ولده و رغبته في الترحال لطلب العلم، و توجه أولى وجهته إلى دار السلام، و أنّى للأب أن لا يبارك الرحلة و هو الذي رأى ولده بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه مخلاة مملوءة حجارة، و هو يرمي بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. الرؤيا التي عبرت بأن الولد إذا كبر نصح في دينه، و ذبّ عن شريعته، يقول ابن جرير: فحرص أبي على معونتي على طلب العلم، و أنا حينئذ صبي صغير (2).

و يكثر ابن جرير من الترحال، و يلتقي نبلاء الرجال، فيقرأ القرآن، و يسمع الحديث في العراق و الشام و مصر و المغرب العربي حتى غدا بفضل اللّه أحد الأئمة الأعلام، يحكم بقوله، و يرجع إلى رأيه لمعرفته و فضله. و لم يضنّ رحمه اللّه علينا بسيرته و أخباره، فطالما حدّث الرجل تلامذته و طلبته

ص: 261


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 49.
2- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 49.

عن طفولته و نشأته و طلبه للعلم.

جمع علوما كثيرة، فإضافة إلى حفظ كتاب اللّه عرف القراءات القرآنية، و اجتهد في الفقه فكان عالما بأحكام القرآن، بصيرا بمعانيه، عالما بالسنن و طرقها و صحيحها و سقيمها، ناسخها و منسوخها، عارفا بأقوال الصحابة و التابعين (1)، حتى تفرد بمسائل حفظت له (2) و عدّه السيوطي رأس المفسرين على الإطلاق (3) و لقّبه المتأخرون بشيخ المفسرين.

شهد له البغدادي بأنه جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره (4)، و وثقه الذهبي وعده حافظا رأسا في التفسير، إماما في الفقه و الإجماع و الاختلاف، علّامة بالتاريخ و أيام الناس، عارفا بالقراءات و باللغة و غير ذلك. (5)

و كان ابن جرير شافعيا ثم انفرد بمذهب مستقل، و له أقاويل و اختيارات، حين ملك أدوات الاجتهاد، و احتج لمذهبه، و له أتباع

ص: 262


1- انظر: تاريخ بغداد للخطيب 2/ 163- و سير أعلام النبلاء للذهبي 14/ 269.
2- انظر: معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 264- طبقات المفسرين للداودي 2/ 110.
3- انظر: طبقات المفسرين للسيوطي: 82.
4- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 162.
5- و منها العروض و الحساب و الطب، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 270.

و مقلّدون. (1)

و قد جمع ابن جرير إلى علمه و نبوغه الزهد و القناعة، و الشجاعة و الورع، و عفة النفس، و الترفع عن الطلب، لا تأخذه في اللّه لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى و الشناعات من جاهل و حاسد و ملحد (2).

و كتب التراجم تزخر بكم هائل من أخباره في هذا الشأو، و لعل في إيراد شي ء من شعره الرائق إظهار لبعض تلك المعاني، روي أن ابن جرير أنشد لنفسه:

إذا أعسرت لم يعلم رفيقي و أستغني فيستغني صديقي

حيائي حافظ لي ماء وجهي و رفقي في مطالبتي رفيقي

و لو أني سمحت ببذل ماء وجهي لكنت إلى العلى سهل الطريق و له أيضا:

خلقان لا أرضى فعالهمابطر الغنى و مذلّة الفقر

فإذا غنيت فلا تكن بطراو إذا افتقرت فته على الدهر (3)

ص: 263


1- انظر: طبقات المفسرين للسيوطي: 82.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 274- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 118.
3- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 165- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 276- و معجم الأدباء لياقوت: 18/ 43.
تهمة و تحقيق:

اتهم ابن جرير بموالاة الشيعة، و بمناصرة مذهبهم الفاسد، يقول أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي، و أصله من آمل، و كان يزعم أن أبا جعفر الطبري خاله:

بآمل مولدي و بنو جريرفأخوالي و يحكي المرء خاله

فها أنا رافضيّ عن تراث و غيري رافضي عن كلاله (1) و قد ذكر الذهبي (2) في الميزان أن فيه تشيّعا يسيرا، و موالاة لا تضر، و قال:

أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ (3) فقال: كان يضع للروافض. كذا قال السليماني! و هذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام و المعتمدين، و ما ندعي عصمته من الخطأ، و لا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل و الهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنّى فيه و لا سيما في مثل إمام كبير، فلعل السليماني أراد الآتي [يزيد محمد بن جرير بن رستم

ص: 264


1- انظر: معجم البلدان لياقوت: 1/ 57.
2- هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني، أبو عبد اللّه الذهبي، إمام محدث حافظ، من كبار المصنفين في الرجال، له ميزان الاعتدال، و سير أعلام النبلاء، توفي (748 ه). انظر: فوات الوفيات للكتبي: 3/ 315- و الدرر الكامنة لابن حجر: 3/ 336.
3- هو أحمد بن علي بن عمرو السليماني البخاري، الإمام الحافظ، محدث ما وراء النهر، صاحب التصانيف الكبار، عمر طويلا و توفي (404 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 200- و طبقات السبكي: 4/ 41.

الطبري الرافضي] (1) (2)

قال الحافظ ابن حجر: و لو حلفت أن السليماني ما أراد إلا الآتي لبررت. (3)

و لا شك أن ابن جرير المفسر قد اتّهم بالتشيع في حياته حتى إنه دفن بالليل خوفا من العامة لهذه التهمة (4).

و الذي أراه أن الأمر كان مجرد اتهام لا صلة له بالواقع، فابن جرير كما ذكر الذهبي من كبار أئمة الإسلام المعتمدين، غير أن الآثار و الأحاديث التي رواها و التي تظهر مكانة آل البيت، و تحث على وجوب حبهم و الثناء عليهم و هي كثيرة و ما أملاه من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه و هي كلها حق، ظن البعض أن ذلك ميل منه يرحمه اللّه إلى التشيع، و البون شاسع بين حب آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذين جاء الأمر بالصلاة عليهم مقرونين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و بين التشيع مذهبا عقديا

ص: 265


1- هو محمد بن جرير بن رستم الطبري الرافضي، صنف كتبا كثيرة في ضلالات الرافضة، له الرّواة عن أهل البيت. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 282- و طبقات أعلام الشيعة: 250.
2- انظر ميزان الاعتدال للذهبي: 3/ 499.
3- انظر: لسان الميزان لابن حجر: 5/ 100.
4- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 40.

و فكرا منحرفا فاسدا.

و التهمة كما قال الذهبي رجم بالظن الكاذب، فابن جرير لم يترك آمل بعد أن عاد إليها عالما لا يشق له غبار إلا لما رأى من الرفض قد ظهر، و سب أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين أهلها قد انتشر، فانبرى لهم، و قام يملي فضائل أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما و هو خير دليل على دفع التهمة عنه يرحمه اللّه.

و حين سمع السلطان بما يمليه كره ذلك، و أرسل في طلبه يريد أن يؤذيه، فخرج من آمل مختفيا لم يشعر به أحد. (1)

شيوخه و تلامذته:

كانت همة ابن جرير في طلب العلم عالية، فتلقى العلم عن كثير من أعيان علماء عصره في المشرق و المغرب، الذين أتاح له الترحال اللقاء بهم، حتى ارتوى من موردهم العذب الزلال، و هم كثير ذكر منهم الذهبي ما يربو على الخمسين، و ذكر غيره غيرهم، و أذكر منهم الشيخ يونس بن عبد الأعلى (2) و الشيخ محمد بن حميد الرازي (3)، و الشيخ سفيان بن

ص: 266


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 40.
2- هو يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص الصدفي، شيخ الإسلام، ثقة مقرئ حافظ، توفي (264 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 7/ 249- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 348-
3- هو محمد بن حميد بن حيان الرازي، إمام علامة حافظ، قال الذهبي: و هو رغم إمامته منكر الحديث صاحب عجائب، و قال النسائي: ليس بثقة. توفي (248 ه). انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 259- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 11/ 503.

وكيع (1)، و خلق كثير غيرهم من علماء الشام و مصر و العراق و المغرب (2).

و من تلامذته الذين تلقوا العلم عنه: ابن مجاهد، و أبو القاسم الطبراني (3)، و محمد بن أحمد الداجوني، و آخرون (4).

مصنفاته:

ذكر الخطيب في تاريخه أن محمد بن جرير الطبري مكث أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة، (5) و هو خبر فيه مبالغة ظاهرة غير أنه يدل على عظيم ما صنفه ابن جرير، فالذي وصل إلينا من مصنفاته تؤكد أن

ص: 267


1- هو سفيان بن وكيع بن الجراح الكوفي الحافظ، محدث الكوفة، كان أحد أوعية العلم، لحقه لين، توفي (247 ه) انظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى: 1/ 170- سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 152.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 368- و إنباه الرواة للقفطي: 3/ 89- و معجم الأدباء لياقوت: 18/ 41- و طبقات المفسرين للسيوطي: 82- و للداودي: 2/ 117.
3- هو سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني، إمام، حافظ ثقة، محدث، سمع من ألف شيخ و يزيدون، و عنه خلق كثير، له تصانيف منها المعجم الكبير، توفي (360 ه). انظر: ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم: 1/ 335- و المنتظم لابن الجوزي: 7/ 54- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 16/ 119.
4- انظر المراجع السابقة.
5- انظر تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 163- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 272.

الرجل كان عالما كاتبا، شغوفا بالعلم، لا يترك علما يمكنه تحصيله إلا سعى له، و أعد له العدة، حدّث عن نفسه: أن رجلا جاءه يسأله عن شي ء في علم العروض و لم يكن قد نشط في هذا العلم فقال: إذا كان غدا تعال إليّ. قال:

و طلبت سفر العروض للخليل، فجاءوني به، فاستوعبته في ليلة واحدة، فأمسيت غير عروضي، و أصبحت عروضيا. (1)

و الناظر في مصنفات ابن جرير، إن أراد الفقه قال: هو فقيه فحسب، و إن أراد التفسير قال: هو رائد التفسير و فارسه بلا منازع. و إن أراد النحو و البلاغة و الفصاحة قال: هو لغوي لا يحسن غيره. و كذا في القراءات و الأحكام و الحديث.

و إضافة إلى تفسيره الذائع الشهرة فقد صنف ابن جرير الآتي:

1) أخبار الملوك و الأمم، مصنف في التاريخ مطبوع متداول، تؤكد كل صفحة منه إلمام المصنف بتاريخ العالم و أيام الناس.

2) تهذيب الآثار، قال الخطيب: لم أر سواه في معناه لكن لم يتمه (2).

و قال الفرغاني أبو محمد (3): هو من عجائب كتبه لكنه مات قبل تمامه (4).

ص: 268


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 56.
2- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 163.
3- هو عبد اللّه بن أحمد بن جعفر خذيان الفرغاني، عالم وثقه ابن سرور، له التاريخ المذيل على تاريخ ابن جرير، توفي (362 ه). انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 9/ 389- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 16/ 132.
4- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 273.

3) تاريخ الرجال، من الصحابة و التابعين و إلى شيوخه الذين لقيهم.

4) لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، قال الفرغاني: هو مذهبه الذي اختاره و جوّده، و احتج له، و هو في ثلاثة و ثمانين كتابا (1).

5) القراءات و التنزيل و العدد.

6) الخفيف في أحكام شرائع الإسلام، و هو مختصر.

7) التبصرة، و هي رسالة إلى أهل طبرستان يشرح فيها ما وقع بين أهل طبرستان من الخلاف، و في مذاهب أهل البدع. (2)

8) اختلاف علماء الأمصار، و هو مطبوع.

و غيرها من المؤلفات التي ذكرها الحموي في معجمه (3).

و قد تجلت شخصية ابن جرير في مؤلفاته واضحة بارزة، عكست بوضوح مدى ما وصل إليه من تحصيل العلوم، و قوة الحفظ و الاستنباط.

وفاته:

نذر الطبري حياته للعلم، و رأى أن المتعة الحقيقية إنما هي في تعلم

ص: 269


1- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 273- و معجم الأدباء لياقوت: 8/ 80 و فيه: «البصير في معالم الدين».
2- انظر معجم الأدباء لياقوت: 18/ 63 و ما بعده.
3- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 55.

آية، أو رواية أثر أو حل معضلة، و لم يلتفت رحمه اللّه إلى الدنيا و زخرفها، حتى الزواج أشغله طلب العلم ثم التعليم عنه، فكان من جملة العلماء العزاب، يقول عن نفسه: أنا لا ولد لي، و ما حللت سروالي على حرام و لا حلال قط. بل أفنى عمره الذي بلغ ستا و ثمانين سنة على الراجح في طلب العلم و المدارسة و التفقه في الدين و تعليمه.

و قد توفي يرحمه اللّه ببغداد في شهر شوال سنة عشر و ثلاثمائة، يوم السبت مساء، و دفن يوم الأحد (1) بداره برحبة يعقوب، و حضر وقت موته جماعة من أهل العلم فأوصاهم، و أكثر من التشهد و ذكر اللّه، و غمض بصره بيده. و رثاه خلق من الأدباء، و أهل الدين، منهم ابن دريد (2) في مرثية مبكية تدمي القلب، أظهر ما كان يحمل بين جنبيه من علم و فقه و فضل، و من أبياتها:

إنّ المنيّة لم تتلف به رجلابل أتلفت علما للدّين منصوبا

أهدى الرّدى للثّرى إذ نال مهجته نجما على من يعادي الحقّ مصبوبا

كان الزّمان به تصفو مشاربه فالآن أصبح بالتّكدير مقطوبا

أودى أبو جعفر و العلم فاصطحباأعظم بذا صاحبا أو ذاك مصحوبا (3) ك.

ص: 270


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 40.
2- هو محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية البصري، شيخ الأدب، كان آية من آيات اللّه في قوة الحفظ، قيل عنه أشعر العلماء، و أعلم الشعراء، توفي (321 ه). انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 127- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/ 96.
3- انظر: ديوان ابن دريد: 67- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 280. و ينظر للمزيد في ترجمته: إنباه الرواة للقفطي: 3/ 89- و البداية و النهاية لابن كثير: 11/ 145- و تاريخ بغداد للخطيب: 2/ 162- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 2/ 410- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 267- و شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: 2/ 260- و طبقات الحفاظ للسيوطي: 310- و طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 3/ 120- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 110- و طبقات المفسرين للسيوطي: 82- و لسان الميزان لابن حجر: 5/ 110- و معجم الأدباء لياقوت: 18/ 40- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 264 و غير ذلك.

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

إن من بركة العلم أن ييسر اللّه للعالم من يحيي سيرته بعد وفاته، كأن يسخر من ينشر علمه بإحياء مؤلفاته و مصنفاته، و إخراجها لطلبة العلم و الباحثين في صورة تسهل الوقوف على مراده، و قد قيض اللّه لمفسرنا ابن جرير الطبري و لتفسيره فارسين من فرسان البلاغة و البيان فحققا أجزاء منه خير تحقيق، و يسراه لطلبة العلم، حتى عدّ بحق من أفضل التفاسير المحققة (1).

و تفسير ابن جرير «جامع البيان» يعد من أنفس الآثار في التفسير، لكونه قد حوى إلى جانب بيان معاني الآيات علوما كثيرة أخرى، أسس

ص: 271


1- لقد حقق الكتاب كاملا مؤخرا بتحقيق معالي الدكتور عبد اللّه بن عبد الحسن الذكي أمد اللّه في عمره و أبقاه و بارك في أعماله و خدماته للمسلمين و في شتى ديار الإسلام.

المصنف بنيانها، و وضع اللبنات الأولى، و ساق الروايات و الأقوال بأسانيدها، و لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: و أما التفاسير التي في أيدي العامة فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، و ليس فيه بدعة، و لا ينقل عن المتهمين. (1)

و يقول الإمام ابن عطية: إن محمد بن جرير جمع على الناس أشتات التفسير، و قرب البعيد، و شفا الإسناد (2).

و قد جوّد ابن جرير تفسيره «تفسير القرآن» و بيّن فيه أحكامه و ناسخه و منسوخه، و مشكله و غريبه، و معانيه و اختلاف أهل التأويل و العلماء في أحكامه و تأويله، و الصحيح لديه من ذلك، و إعراب حروفه، و الكلام على الملحدين فيه، و القصص و أخبار الأمة و القيامة و غير ذلك (3).

و هو تفسير على ما قال الإمام النووي (4): أجمعت الأمة على أنه لم

ص: 272


1- انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 13/ 385.
2- انظر المحرر الوجيز لابن عطية: 1/ 31.
3- انظر: طبقات المفسرين للداودي 2/ 114.
4- هو محيي الدين يحيى بن شرف بن مري النووي، إمام فقيه حافظ، ولي مشيخة دار الحديث، له تصانيف في الحديث و الفقه و غيرهما، توفي (676 ه). انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 4/ 1470- و شذرات الذهب لابن عماد: 5/ 354.

يصنف في التفسير مثله. وعده السيوطي من أجلّ التفاسير لتميز منهجه، (1) و لهذا أيضا استعاره ابن خزيمة (2) من ابن خالويه و أبقاه عنده عدة سنوات، ثم قال مقولته: ما رأيت على أديم الأرض أعلم من ابن جرير (3).

و قال عنه أبو حامد الأسفراييني (4): لو سافر الرجل إلى الصين حتى يحصل له تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرا عليه (5).

و ما من شك أن هذا التفسير يعد من أمهات كتب التفسير بالمأثور و الرأي المبني على القواعد و الأصول، و هو أمر مشاهد لكل مطّلع عليه، قارئ فيه، متابع له، فمصنفه إمام مجتهد صاحب مذهب فقهي، و هو من أئمة الحديث، و من رجال التاريخ و اللغة، جمع علوما كثيرة فوعاها، و تفسيره بين أيدينا يشهد على تفوقه.

ص: 273


1- انظر: طبقات المفسرين للسيوطي: 82.
2- هو محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الشافعي، شيخ الإسلام، و إمام الأئمة، صاحب التصانيف، فقيه مجتهد عالم بالحديث، له الصحيح، توفي (311 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 14/ 365- و النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 3/ 209.
3- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 43- و التفسير و المفسرون للذهبي: 1/ 208.
4- هو أحمد بن محمد بن أبي طاهر محمد الأسفراييني، شيخ الشافعية ببغداد، ثقة، قيل: إنه كان من أنظر الفقهاء، توفي (406 ه). انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 4/ 368- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 193.
5- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 18/ 42- و معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/ 266.

و أود الإشارة هنا إلى أن المصنف يعد رائد الطريقة و المنهج الذي سار عليهما في تفسيره، و تبقى للزيادة و الأولوية مآخذها و نواقصها، و في مثل هذا يقول ابن الأثير (1): كل مبتدئ لشي ء لم يسبق إليه، و مبتدع لأمر لم يتقدم فيه عليه فإنه يكون قليلا ثم يكثر، و صغيرا ثم يكبر (2)؛ و لهذا فإن القارئ المتفحّص المتعمّق لعلم التفسير قد يجد على هذا التفسير من الملحوظات و المآخذ التي ربما استدركها كثير ممن جاء بعد ابن جرير، و من تلك المآخذ التطويل بإيراد الطرق العديدة لإفادة معنى لغوي واحد.

و مجانبته الصواب في بعض الآراء، كما أنه لم يخل من ذكر الإسرائيليات التي ينبغي أن يخلو منها كتب التفسير، إذ مظان ما سكت الشرع عنه منها، كتب القصص و الأساطير و الحكايات (3).

علمنا من خلال سيرة ابن جرير السابقة اهتمامه العظيم بالمأثور من الأحاديث و الآثار، و كيف أن العلماء يعدون تفسيره أفضل تفسير بالمأثور،ة.

ص: 274


1- هو أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، المعروف بابن الأثير، عمل كاتبا و عرف عنه الذكاء، صنف كثيرا من ذلك المثل السائر، و النهاية في غريب الحديث. توفي (606 ه) انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 4/ 141- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 488.
2- انظر: النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الأثير: 1/ 5.
3- انظر: تاريخ التفسير للقيسي: 147 و مثاله: إيراده سبعة عشر طريقا لإفادة أن الكأس الدهاق هي المتابعة، و هو معروف عند أهل اللغة، و لا يتعلق به حكم شرعي من حيث الحل و الحرمة.

و أصحه، و ما ذلك إلا لما حواه من الآثار التي رواها المصنف بسنده، و تحرّى صحتها بطريقته، و قد كان لهذا الكم الهائل الأثر الواضح في توسع ابن جرير في المقدمات التي قدمها بين يدي تفسيره، حيث وجد منها منطلقا فسيحا رحبا، للحديث عن علوم القرآن التي يرى المصنف ضرورة إلمام المفسر و قارئ التفسير بها، قبل الخوض في الطوال من المصنفات، و قد أضاف ابن جرير إلى ذخيرته من المأثور ما توصل إليه بإعمال الفكر، و إدامة النظر في النصوص، حتى فاق في مقدماته من جاء بعده، بل عدّ مرجعا يستند إليه المفسرون و المصنفون في علوم القرآن، خاصة في جانب الرواية، و عرض الآراء.

و كان لجهوده أثر بيّن واضح في خدمة هذا الفن- أقصد فن المقدمات- حتى نما و ترعرع و ضبطت مسائله، و اتسعت مباحثه و علومه.

و عدد هذه المقدمات التي قدمها المصنف بين يدي تفسيره بلغت عشر مقدمات، حسب تقسيم المصنف، يطول في بعضها نفس المؤلف طولا ملحوظا، في حين يقتصر في البعض الآخر على ذكر روايات بعدد، يرويها في المعنى الذي هو بصدده.

و قد سودت المقدمات مائة و ست صفحات من الطبعة التي اعتمدتها أصلا في هذه الدراسة، و هي الطبعة التي نحسبها خالية من الأخطاء بعناية الأخوين الفاضلين محمود و أحمد محمد شاكر.

و بالنظر في المقدمات العشر و دراستها بإمعان يلحظ المرء أن ابن جرير

ص: 275

قد أدمج موضوعات، و أدخلها تحت مسمّى واحد، ربما لوحدة الموضوع، إلا أن من حقها أن تفرد، فهي موضوعات مستقلة، قائمة بذاتها، لها آثارها و رواياتها، و لها ضوابطها المستقلة ما دمنا قد ارتضينا فصل أو (نزع) علوم القرآن من علم الحديث و الرواية و هو أمر تفهّمه المتأخرون و ارتضوه، و ساروا عليه كالسيوطي و ابن عقيلة و جل المعاصرين.

و مهما يكن الأمر؛ فإن هذه المقدمات تثبت بحق بلاغة المصنف الأدبية، و عظيم ما حصله من علم اللغة و البلاغة و الأدب، الأمر الذي مكّنه من صياغة هذه العلوم بأسلوب بليغ، و تقديمها قطعة أدبية لا يملّ القارئ النظر فيها، تجرّه كل عبارة للتي تليها، و إن كانت بعض عباراته تعصى بين حين و آخر على القارئ فيلتجئ إلى ما حشاه المحقق من بيان معاني الكلمات و توضيح العبارات، ليفهم النص على مراد المصنف.

هذا و قد طبعت المقدمات مع التفسير طبعات مختلفة في أقطار عديدة، نذكر منها:

1) الطبعة الأميرية بولاق، مصر، الطبعة الأولى عام 1323 ه.

2) طبعة دار المعارف، مصر، ستة عشر مجلدا فقط، و هي بتحقيق الشيخين محمود و أحمد محمد شاكر، صدرت الطبعة الأولى منها عام 1374 ه.

3) طبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعات من الأولى إلى الثالثة عام 1388 ه.

ص: 276

4) طبعة دار المعرفة، بيروت 1398 ه، مصورة عن الطبعة الأميرية الأولى، و صورت بالأوفست إلى الطبعة الرابعة عام 1400 ه.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

اشارة

استهل الطبري تفسيره و مقدماته التي قدمها بين يدي تفسيره بخطبة بليغة، ظهر فيها تعمقه في العلوم العربية، و النكات البلاغية، فبعد أن أثنى على اللّه بما هو أهله، و شكره على فضله، و نزّهه عن الند و المثل، تحدث عن فضائل الأنبياء عامة و كيف أن اللّه سبحانه قد أبانهم عن سائر خلقه بأن أيدهم بالحجج البالغة، و الآي المعجزة، ثم خصّ نبينا صلى اللّه عليه و سلم فتحدث عن فضله و فضائله، و دعوته و رسالته، و ما خص أمته و شرّفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة.

و تكلم عن معجزة الرسول الكبرى، و كيف أنه تقدست أسماؤه جعله دليلا على حقيقة نبوته صلى اللّه عليه و سلم.

بعدها سأل اللّه سبحانه التوفيق لإصابة القول، و شكره على ما أنعم به عليه من حفظ كتابه و العلم بحدوده، ليؤكد أن أحق ما صرفت إليه الهمم هو كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفة تنزيل من حكيم حميد.

و ذكر أنه مقبل على شرح كتاب اللّه و تأويله و بيان معانيه، موضحا منهجه و طريقته. ليبدأ بالمقدمات، و هي:

ص: 277

1) القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، و معاني منطق من نزل بلسانه القرآن من وجه البيان، و الدلالة على أن ذلك من اللّه تعالى ذكره هو الحكمة البالغة مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام.

أراد ابن جرير أن يؤكد بادئ ذي بدء أن من لم يعان رياضة العلوم العربية، و لم يعرف تصاريف و جودة هذا اللسان يقف عاجزا عن فهم معاني كتاب اللّه.

فذكر أن من أعظم نعم اللّه على خلقه- و نعمه لا تحصى- ما منحهم من فضل البيان حتى صاروا عن ضمائر صدورهم يبينون، و به إياه يوحدون و يسبحون و يقدسون، و جعلهم في هذا الفهم طبقات، و رفع بعضهم فوق بعض درجات، و جعل أعلى منازل البيان درجة أبلغه في حاجة المبين عن نفسه، و أبينه عن مراد قائله، و أقربه من فهم سامعه.

و أشار إلى أن ما تجاوز هذا المقدار، و ارتفع عن وسع الأنام كان حجة على من كانوا رؤساء صناعة الخطب و البلاغة، و قيل الشعر و الفصاحة، و السجع و الكهانة، و تدرج ابن جرير في القول على هذا المنوال ليثبت رسالة الرسول صلى اللّه عليه و سلم، و ليبين أن القرآن هو المعجزة الكبرى، و ليقرّ أصلا معلوما هو الإعجاز البياني، و كيف أن القوم كانوا عن الإتيان بمثل بعضه عجزة، و عن القدرة عليه نقصة، فأقروا بالعجز، و أذعنوا بالتصديق.

بعدها سفّه المصنف من تجاهل و تعامى، و استكبر و تعاشى، فحاول مجاراة النبي صلى اللّه عليه و سلم فيما أتى به من الحق المبين، فقال من الحماقات المشبهة

ص: 278

دعواه الكاذبة.

و ليؤكد المصنف أن معاني كتاب اللّه المنزل على نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم هي لمعاني كلام العرب موافقة، و ظاهره لظاهر كلامها ملائمة، و لأساليبه في أساليبها نظير و مثيل و إن كان مباينة كتاب اللّه بالفضل و الفضيلة ظاهر أثبت منطقيا أنه تعالى يتعالى أن يخاطب خطابا أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه، فالمخاطب و المرسل إليه إن لم يفهم ما خوطب به أو أرسل إليه يكون حاله قبل الخطاب و بعد مجيئه سواء، إذ لم يفده الخطاب و الرسالة شيئا، و لهذا كان كل كتاب أنزل فإنما هو بلسان قوم من أنزل عليه، و عليه فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين.

2) القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب و ألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم.

ما أقره الطبري في الباب السابق من تنزيه اللّه جل ذكره مخاطبة أحد من خلقه إلا بما يفهمه و هو أمر مسلم لا ينازع فيه بصير يثبت عربية جميع ألفاظ القرآن الكريم و معانيه، و لأنه ورد في بعض الآثار ما يوحي بأعجمية شي ء من ألفاظ القرآن الكريم، و أنه بلغات أقوام و أجناس غير العرب و هو أمر مشكل يفيد ظاهره أن في القرآن من غير لسان العرب خصّ المصنف الموضوع بحديث مستقل لتجلية الأمر، و توضيح المراد.

فبعد أن عرض جملة من تلك الآثار المشكلة في ظاهرها، و التي لم يكثر منها إيمانا منه أن في ذكرها إطالة للكتاب دونما فائدة، بيّن أن ما ورد في هذه

ص: 279

الآثار لا تخالف ما انتهى إليه في الباب السابق، و لا تخرج عن معناه، لكون ما جاء فيها لم تنف عربية تلك الكلمات، بل غاية ما دلت عليه هو وجود اتفاق بين الأجناس في معنى هذه الألفاظ، و هو أمر يقره المصنف، و على ذلك سرد احتمالات و أوجه ما قد يبين أصول تلك الألفاظ، و انتهى إلى أن من يدعي أحقيته بأصل هذه الألفاظ، و أنه مصدرها و مخرجها إلى الأجناس الأخرى كان مستجهلا و مدع أمرا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم، و يزيل الشك، و هو أمر متعذر.

و يرى المصنف أن القول هو أن تضاف هذه الألفاظ إلى كل جنس من الأجناس المشتركة فيها، و كونها موجودة في لغة العرب لا تعني بالضرورة عدم وجودها في لغات أخرى، و ضرب لذلك مثالا، فقال: إن الدرهم و الدينار و الدواة و القلم، كلمات اتفقت ألسن العرب و الفرس فيها بالألفاظ الواحدة، و المعنى الواحد.

بعدها رد المصنف على من يدعي استحالة هذا الاجتماع في المنطق قياسا على استحالة ذلك في الأنساب فأفسد القياس و اعوجاج المنطق الذي قالوا به. لينتقل لعرض فهمه من قولهم: إن في القرآن من كل لسان، أي أنّ فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب و غيرها من الأمم التي تنطق به، لكون الاعتقاد بأن بعض القرآن فارسي لا عربي، أو نبطي لا عربي ...

إلخ، فيه نفي عن بعض القرآن أنه عربي، و اللّه يصف القرآن كله بأنه عربي قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف: 2] فالعربية صفة شاملة لا يجوز لأحد أن يخصص

ص: 280

شمولها على بعض القرآن دون بعض. و لكون البعض يقرون بإمكانية الاشتراك غير أنهم يدّعون أن الأصل لجنس دون آخر، و أن الآخر إنما نطق بها، رد المصنف هذا الادعاء و أبطل هذا الزعم بإلزام المدعي بدليله.

3) القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب:

و يعدّ هذا الموضوع نموذجا للموضوعات التي طال فيها نفس المصنف، فقد شغل أكثر من ثمان و أربعين صفحة من مجموع صفحات مقدمته البالغ مائة و ست صفحات.

و سبق أن أشرت بأن ابن جرير إذا أراد إثبات أمر أو أراد نفيه تدرج في القول لتحقيق المراد بأيسر السبل و على أحكم الوجوه، و جاء هذا التدرج في المقدمات التي ذكرها بين يدي تفسيره، و التي سميتها أنواعا اقتداء بأصحاب الموسوعات في علوم القرآن، فبعد أن أثبت المصنف في النوع السابق عربية كل ما جاء في كتاب اللّه، و لكون ألسنة العرب كثيرة بكثرة قبائلها و أحيائها، أراد أن يبين في هذا النوع اللسان الذي نزل عليه القرآن من تلك الألسنة، فسرد الأخبار التي تظاهرت عنه صلى اللّه عليه و سلم في اللغات التي نزل بها القرآن، و التي بلغت ستة و ستون أثرا، رواها كلها بسنده، بينت بمجموعها نزول القرآن على سبع لغات، و الاختلاف في قراءة الصحابة، و ما أقرّ الرسول صلى اللّه عليه و سلم منها، و ما غضب لأجلها، و اختلاف السلف في تفسير هذه اللغات، و الأوجه و الأحرف، ليؤكد أن القرآن نزل على بعض ألسن العرب دون الجميع، فألسنتها أكثر من سبعة.

ص: 281

عقب ذلك انتقل المصنف للتفريق بين اللغات السبع أو (الأحرف السبعة) و الأبواب السبعة، و به ردّ على من تأول اللغات بالأبواب، و ناقشهم في أدلتهم، و أكد نقلا و عقلا صحة ما تبناه، و خطأ ما ذهبوا إليه.

و لما ترجح لديه اقتناع القارئ بما ذهب إليه تساءل ليزيل احتمال شكّ يعلق ببعض الأذهان إيجاد لفظة في القرآن تقرأ بسبع لغات، فقال نافيا ذلك: إنا لم ندّع أن ذلك موجود اليوم .... و لم تنسخ فترفع، و لا ضيعتها الأمة و هي مأمورة بحفظها، و لكن الأمة أمرت بحفظ القرآن و خيّرت في قراءته و حفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت .... فرأت قراءته بحرف، و رفض القراءة بالأحرف السبعة الباقية.

أتبع ذلك بيان العلة التي أوجبت الثبات على حرف واحد دون سائر الحروف، و استهل ذلك بذكر جملة من الآثار مشيرا إلى كثرتها في هذا المعنى، و موضحا أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه هو الذي جمع الأمة على حرف واحد إشفاقا عليهم و رأفة بهم لما رأى التكذيب ببعض الحروف رغم حداثة عهدهم بنزول القرآن، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، و رأت في فعله الرشد و الهداية، و تركت القراءة بالأحرف الستة.

و لهذا يرى الطبري أنه لا سبيل لأحد القراءة بها لأنها درست من الأمة معرفتها، و تعفّت آثارها، و تتابع المسلمون على رفض القراءة بها من غير جحود منها.

و ليسوغ المصنف عمل سيدنا عثمان رضي اللّه عنه في إلغاء الأحرف الستة على

ص: 282

اعتقاده و قبول الأمة ذلك منه، و تركهم قراءة أقرأهموها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أمرهم بقراءتها، بين أن الأمر كان أمر إباحة و رخصة، لا أمر إيجاب و فرض، و بين دليل التخيير.

و قبل أن يختم حديثه ببيان الألسن السبعة التي نزل عليها القرآن، و تحديدها أشار إلى ما أشكل على بعض العامة حين ظنوا أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع، فنفى الإشكال و أبطل الظن، و أكد أنه بمعزل عن قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم: «أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف».

و جاءت الخاتمة ليقرر المصنف أنه لا فائدة اليوم من معرفة تلك الأحرف لكونها لا يقرأ بها أحد، و ليسرد بعض الأخبار الموضحة لها من غير أن يرجح بينها.

4) معنى قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم: «أنزل القرآن» من «سبعة أبواب الجنة» و ذكر الأخبار الواردة في ذلك:

حين أكد المصنف في النوع السابق أن اللغات السبعة التي نزل بها القرآن، هي غير الأبواب السبعة التي نزل منها القرآن، و بين هناك المراد بالأحرف السبعة، خصّ هذا الباب لبيان المراد بالأبواب السبعة.

فاستهل الحديث بذكر اختلاف النقلة في ألفاظ الخبر الوارد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدال على نزول القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، و هي ألفاظ متقاربة المعنى، و أشار في ثنايا حديثه إلى أن نزول

ص: 283

القرآن على النحو المذكور خاصية خصّ اللّه بها أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم دون سائر الأمم.

و بيّن الفرق بين النزول على سبعة أحرف و النزول من سبعة أبواب، و قال: إن الكتب السابقة كانت تنزل على حرف واحد بلسان واحد، متى حوّل إلى غير اللسان الذي أنزل عليه كان ذلك ترجمة و تفسيرا لا تلاوة، أما القرآن الكريم فبأي السبعة تلاه التالي كان تاليا للقرآن، لا مترجما و لا مفسرا حتى يحوله عن تلك الألسن. و هي معنى نزوله على سبعة أحرف، أما من سبعة أبواب فلكون الكتب السابقة كانت تنزل خالية من الحدود و الأحكام، و الحلال و الحرام (1)، و كانت تنزل ببعض المعاني السبعة التي يحوي جميعها كتابنا الذي خص اللّه به نبينا صلى اللّه عليه و سلم و أمته و هي: الأمر، و الزجر، و الحلال، و الحرام، و المحكم، و المتشابه، و الأمثال.

و بذلك أوضح أنّ من سبقنا من الأمم كانوا يتعبدون اللّه بهذا الوجه، و يستوجبون منه القرب، أما أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم التي أنزل كتابها من سبعة أبواب فإنهم يتقربون إلى اللّه بالأوجه السبعة، و به يأملون إدراك الفوز بالجنة، و بيّن كيفية حصول ذلك.

و لأنه ورد في بعض ألفاظ الخبر أن لكل آية حد و مطلع، و ظهرض.

ص: 284


1- ذكر المصنف مثال ذلك زبور داود عليه السلام، و قال: إنه تذكير و مواعظ، و إنجيل عيسى عليه السلام كان تمجيدا و محامدا و حضا على الصفح و الإعراض.

و بطن، بيّن المصنف المراد بذلك و المقصود منه، و بذلك أنهى المبحث.

5- القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن:

قدم المصنف لهذا النوع خلاصة ما توصل إليه في الأنواع السابقة، من عربية القرآن كله، و نزوله بألسن العرب، و أنها تقرأ اليوم ببعض الألسن دون جميعها، ثم تحدث عن الموضوع الذي هو بصدده، فبين أن أقسام التفسير- و هو ما عبر عنه بالوجوه التي من قبلها يصل إلى معرفة تأويل القرآن- فاستهلّه بسرد الآيات الدالات على أن تبيان الذكر هو من خاصيات الرسول صلى اللّه عليه و سلم، و أن هذه الوظيفة- وظيفة البيان- هو فيما أمره اللّه أن يبينه، و أن من الآيات ما هو محكم، و آخر متشابه لا يعلم تأويله إلا اللّه، و به وضّح أن التفسير ثلاثة أقسام:

1) قسم لا يوصل إلى تأويله إلا ببيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، إما بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله، و هو ما لا يجوز لأحد القول فيه.

2) قسم لا يعلم تأويله إلا اللّه، استأثر سبحانه بعلمه على خلقه.

3) قسم ثالث يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن، و هذا يختلف فيه الناس و يتفاوتون حسب صلتهم بلغة القرآن.

و ضرب المصنف الأمثلة على ما ذكره و ختم المبحث ببيان ما جاء عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- في بعض الروايات من كون الأقسام

ص: 285

أربعة، و أن الرابع هو ما لا يعذر أحد بجهالته، فأوضح أن ما ذكره لا يعد وجها يوصل إلى معرفة تأويله، و إنما هو إخبار عن ابن عباس بأن تأويله لا يجوز لأحد الجهل به.

و ما ذكره المصنف تخريج جيد، و فهم مقبول لمقولة ابن عباس السابقة.

6- ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي:

لما كان من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، أو نصبه صلى اللّه عليه و سلم الدلالة عليه- و هو الأمر الذي أقره المصنف في الباب السابق- عمد المصنف في هذا النوع إلى سرد جملة من الآثار المحذّرة من القول في القرآن بغير علم، و أكد أن وعيدا ورد في حق من يقول في القرآن برأيه بعد أن ثبت قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم فيه، و إن أصاب القائل الحق في مقولته، و علل إصابة القول من مثله بأنها إصابة خارص ظان ليس موقن، و الظان قائل على اللّه ما لم يعلم.

و أوضح أن ما ذهب إليه هو مراده صلى اللّه عليه و سلم من قوله:* «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». و خطأه هو فعله من القول على اللّه بغير علم.

7- ذكر الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن و من كان يفسره من الصحابة:

انتهى بنا المصنف في النوع السابق إلى تأثيم من تقوّل على اللّه، فقال

ص: 286

في القرآن برأيه بغير علم و لم يتتبع الوارد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لأنه صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر القرآن كله، بل «فسر آيا بعدد علّمه إياهنّ جبريل»، كما ورد ذلك عن السيدة عائشة- رضي اللّه عنها- و لكون المصنف ذكر من أقسام التفسير ما يعلمه كل ذي علم باللسان العربي، فقد كان من اللزوم أن يزيل المصنف ما قد يحصل من التباس و تعارض، و لهذا خص هذا النوع لذكر الأخبار التي رويت في الحض على التفسير و إعمال الفكر لفهم مراد اللّه العظيم، و ذكر المبرزين من الصحابة في هذا الشأن.

بدأه بذكر الأخبار المروية، و أنهاه بفساد قول من أنكر تفسير المفسرين فيما لم يحجب عن الخلق تأويله، و بين البداية و النهاية أكد أن معرفة تأويل آي القرآن واجبة على الأمة، فقد حثّ سبحانه على ذلك، و أمر عباده بالاتعاظ بأمثال القرآن و الاعتبار بها، و الاتعاظ و الاعتبار لا يكون إلا عن طريق معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم، لأنه محال أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له و لا يعقله: اعتبر بما قيل لك.

و إذا كان ذلك كذلك علم أنه سبحانه لم يأمر عباده بتدبر كلامه، و يحثهم على تفهم معانيه إلا و هم بما يدلهم عليه عالمون، و منه صح أنهم بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آية عارفون.

و بهذا جوّز المصنف التفسير بالرأي على ما بينه، و لأنه تبقى بعض الآثار التي تفيد ظاهرها خلاف ما أقره المصنف هنا، خص لذلك النوع التالي، و هو:

ص: 287

8- ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكر و القول في القرآن:

بعد أن سوغ المصنف التفسير بالرأي المبني على القواعد، و أثبت ذلك نقلا، و بين ضرورته عقلا، انتقل ليزيل الالتباس، و يوضح تلك الآثار التي تدل على إحجام ثلة من الصحابة و التابعين- رضي اللّه عنهم- عن القول في القرآن و تفسيره بالرأي، و تؤكد وقوفهم عند المأثور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فوجّه الآثار، و خرّج الأقوال، و بين المراد منها، و علل أن إحجام من أحجم عن خوض هذا الميدان إنما هو إحجام حذر أن لا يبلغ أداء ما كلّف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم، تماما كإحجام بعض التابعين عن الفتيا في النوازل و الحوادث، مع إقراره بأن اللّه جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه إلا بعد إكمال الدين لعباده، و علمه بأن للّه في كل نازلة و حادثة حكما موجودا بنصّ أو دلالة.

و هكذا استند المصنف في بيانه هذا إلى المنقول من الأثر، و المعقول من صريح الرأي.

9- ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير، و من كان منهم مذموما علمه به:

عرف بالتفسير من المتقدمين صنفان:

صنف نقل عنه التفسير المحمود المقبول المعتمد على القواعد

ص: 288

و الأصول، و الصادر عن علم و دراية، مثل ابن عباس و مجاهد.

و صنف أقحم نفسه هذا الميدان و ليس له فيه ناقة و لا جمل، فهذر و تقوّل حتى نقل عنه المذموم المستنكر، مثل باذام (1) و السدي.

ذكر ابن جرير- رحمه اللّه- في هذا النوع نتفا من أخبار الصنفين المذكورين، روى الأخبار بإسناده، و أكد ما سبق أن بيّنه من وجوه تأويل القرآن، موضحا أن أحق الناس بالتفسير و إصابة الحق أوضحهم حجة فيما تأوّل و فسّر، مبينا أن وضوح الحجة يكون من جهتين:

الأولى: معرفته بالثابت عنه صلى اللّه عليه و سلم من أي جهة كان ثبوته (2).

الثانية: معرفته باللسان من جهة علمه بالشواهد من الأشعار، و منطق العرب و لغاتهم المعروفة.

مؤكدا أن من كانت هذه صفته كان تفسيره معتمدا لا يخرج عن تفسير الصحابة و التابعين.ه.

ص: 289


1- هو باذام، و قيل: باذان، أبو صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب، قال ابن معين: ليس به بأس. و قال أبو حاتم: يكتب حديثه و لا يحتج به. و قال النسائي: ليس بثقة. ذكره البخاري فيمن توفي بين سنة (90- 100 ه). انظر: تهذيب الكمال للمزي: 4/ 6- و تاريخ البخاري الكبير: 2/ 1/ 444.
2- كالنقل المستفيض، و النقل عن العدول و الأثبات، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته.
10- القول في تأويل أسماء القرآن و سوره و آية:

أورد المصنف في هذا النوع الأسماء التي سمى المنزّل سبحانه بها تنزيله، فذكر «القرآن» و «الفرقان» و «الكتاب» و «الذّكر»، كما ذكر لكل تسمية دليلها من كتاب اللّه، و وجه التسمية من كلام العرب، و الخلاف في ذلك.

انتقل بعدها لعرض أسماء سور القرآن التي سماها بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و عرض الآثار الواردة فى ذلك، و توجيه تلك الأسماء و معانيها في كلام العرب، كتسميته صلى اللّه عليه و سلم بعض السور بالمفصل و المئين و السبع المثاني و غيرها.

و ثلّث الحديث ببيان معنى السورة في اللغة، ثم أصل الاشتقاق، و المعنى على كل أصل، مدعما قوله بكلام العرب و أشعارها.

و أخيرا بيّن معنى الآية في اللغة و ما تحمله من وجوه.

و بهذا الموضوع ختم ابن جرير مقدماته، ليبدأ بمقدمات سورة الفاتحة، أول سورة في الترتيب العثماني.

رابعا- منهج ابن جرير في مقدمته:

أوضح ابن جرير السمات الأساسية لمنهجه حين ذكر في مقدمته أنه مقبل على إنشاء كتاب في شرح القرآن و تأويله، و بيان معانيه، مبينا أن منهجه فيه هو بيان ما اتفق عليه العلماء و ما اختلفوا فيه، و ذكر أدلة كل

ص: 290

مذهب مع بيان الصحيح منه و السقيم، بعبارة موجزة، و اختصار غير مخلّ.

و هو نهج قويم لو التزمه المصنف و سار عليه باطراد، غير أن المتابع يلحظ أن المؤلف يخلّ بنهجه من حين لآخر، و إن كان هذا الإخلال في التفسير أكثر منه في المقدمة، التي التزم فيها إلى حد كبير بما ذكره، و لعل الإطالة في ذكر طرق بعض الروايات في أحايين كثيرة، و عدم بيان درجة كثير من الآثار خير شاهد على هذا الأمر، و لست أزعم وحدة المنهج بين المقدمة و صلب التفسير إلا في كليات المنهج، أما في الجزئيات فالفرق و التباين بين طبيعة الموضوعين يستدعي الاختلاف في نهج المعالجة.

هذا و قد جاءت مقدمة الطبري بمقدماته العشر، كمقدمة واحدة، و هو أمر أراده المصنف، فقد ربط كل مقدمة بالتي قبلها، و وصلها بالتي تليها، و على المتقدم بنى المتأخر (1)، و هو نهج اتبعه ابن جرير- يرحمه اللّه- حتى ضمن النوع الواحد، فإن انتصر لفكرة أو رأي، سعى لإثبات ذلك منطقيا، ينطلق من أمر هو من البدهيات، ثم يتدرج في الجزئيات، كل جزئية تكون نتيجة للتي قبلها، حتى إذا اكتمل العقد صرّح المصنف بمراده، و أظهر ما أضمره و يريد لإثباته، و يمكن ضرب المثل على هذا المنهج بالمقدمة الأولى.

فلكي يثبت المصنف أن القرآن الكريم نزل على أساليب كلام العرب و معانيها، بيّن أولا أن من أعظم نعم اللّه على عباده ما منحهم من فضلة.

ص: 291


1- انظر امثلة ذلك في الصفحات: 13- 21- 73 من المقدمة.

البيان الذي به يعبرون عن ما في صدورهم، و أنهم في هذا البيان متفاوتون، ما بين خطيب مسهب و عيّ لا يبين، و أن أعلى مراتب البيان أبينه عن مراد قائله، و أبلغه عن حاجة المبين عن نفسه، و أقربه إلى فهم سامعه، فإن تجاوز هذا المقدار، و عجز أن يأتي بمثله العباد كان حجة و علما للرسول.

و على ذلك بيّن أن القرآن هو في أعلى درجات البيان لأنه تعالى تحدى به قوما كانوا رؤساء الفصاحة، و قيل: الشعر و السجع و الكهانة، فأقروا بالعجز و أذعنوا بالتصديق، فكان فضل كلام اللّه على كلام غيره كفضله جلّ و علا على عباده.

و إذا كان الأمر كذلك، فإن من خاطب غيره بما لا يفهمه لم يكن مبينا عن نفسه، و عليه بنى المصنف استحالة مخاطبة اللّه جلا و علا أحدا، من خلقه بما لا يفهم، أو إرساله رسولا لقوم لا يفهمون خطابه، إذ إن ذلك لا يوجب فائدة، و هو أمر يستحيل على اللّه سبحانه، و على ذلك فكل رسول أرسل بلسان قومه، و كل كتاب أنزل بلسان من نزل عليه، و عليه فالقرآن الكريم نزل بلسان محمد صلى اللّه عليه و سلم، فبيّن أن القرآن عربي.

و يستوجب ذلك أن تكون معاني كتاب اللّه تعالى المنزّل على محمد صلى اللّه عليه و سلم لمعاني كلام العرب موافقة، و ظاهره لظاهر كلامها ملائم. (1)

و لطول باع ابن جرير، و تمكنه في فنون العلم المتنوعة، فإن كل ما يمليهة.

ص: 292


1- انظر الصفحات: 8- 12 من المقدمة.

يؤيده بالأدلة و الحجج، فيستشهد بالآيات و الأحاديث و الآثار و اللغة و الشعر، فإن كانت طويلة أو عديدة أحال القارئ إلى موطنها من صلب التفسير، أو اعتذر عن ذكرها خشية الإطالة و السآمة، مصرحا بذلك من حين لآخر. (1)

يبدأ ابن جرير حديثه عن الموضوع الذي هو بصدد بيان القول فيه بذكر الروايات و الآثار، ثم يعقب بالمناقشات و بيان الآراء و الاتجاهات، ثم الرد على المخالفين، و التصريح برأيه. (2)

و لعل أظهر سمة لمنهج ابن جرير في مقدمته هو ما عمد إليه في عرض الموضوعات و المناقشات بأسلوب علمي هادئ يكفي القارئ مؤنة السؤال و الاستفسار، فللوصول إلى بيان الفكرة التي يريد إثباتها، يطرح المصنف سؤالا على لسان قائل، ثم يجيب عنه، أو يورد معضلة أو إشكالا يعقبه بالتوضيح المدعوم بالأدلة، و هذا الفن هو ما يسمى بفن (الفنقلة) (3)، و هو أسلوب جيد يربط القارئ بالنص و يشده إليه، و يبعد عنه السآمة و الملل، يلجأ إليه كثيرون في حل المسائل العويصة و الطويلة المملة. (4)

ص: 293


1- انظر مثال ذلك الصفحات: 14- 15.
2- انظر مثال ذلك الصفحات: 16- 17- 19- 57.
3- أي المراد: إن قيل: .. قلت: ..
4- انظر الصفحات: 15- 16- 21- 47- 55- 59.

و من منهج ابن جرير يرحمه اللّه يضيف إلى أدلته النقلية أدلة عقلية قوية، فيجمع بذلك بين العقل و النقل في مناقشاته، و هو منهج قويم يزيد القارئ قناعة، و يلزم على المصنفين نهجه إن كان الموضوع محلا لذلك، و إلا بقي في نفس القارئ ما قد يضعف الاقتناع، و الأمثلة على هذا المنهج عديدة (1).

و المستغرب في منهج المصنف أنه لا يعيّن القائل عند ذكره للأقوال، و لا ينسب الآراء أثناء مناقشاته، بل يكتفي بقوله: فإن قال لنا قائل. أو بقوله: قال بعض من خفت معرفته. أو قوله: قال جماعة. إلى غير ذلك من العبارات التي لا تبين القائل. (2)

و إذا ارتضينا بعدم تعيين المصنف للقائل عند إيراد الإشكالات، و قلنا: إنه أسلوب كتابي يقصد منه التوضيح بعد إيراد اعتراض يورده الكاتب على نفسه، لعلمه أن ذلك قد يورد في ذهن القارئ، فإننا لا نرتضي ذلك للمصنف في الحالات التي ينبغي بل يتعين فيها تعيين القائل، فمن حق أولئك أن يعيّنوا و يذكروا، حتى يعرفوا و حتى يوثق القارئ بالمعلومة و يطمئن إليها، و يتأكد منها، ثم إن من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله. هذا و اللّه أعلم.

ص: 294


1- انظر الصفحات: 48- 49- 50- 82- 83.
2- انظر الصفحات: 47- 64- 65- 103.

خامسا: مصادر المؤلف:

لم يذكر الطبري في مقدمته التي بلغت مائة و ست صفحات مصدرا واحدا من مصادره، و لا صرّح باسم قائل خلا أولئك الذين يذكرهم في أسانيد الروايات، و كان من حق القارئ على المصنف أن يذكر مصدر معلوماته، و أن يحيل القارئ إلى مظان تلك المعلومات، بأن يذكر بعض من ألف في الموضوع الذي يريد طرقه ليرشد من أراد التوسع إلى منابعه، و هو ما تفطن له كثير من المصنفين، من أقران المصنف و من المتأخرين، فصنيعه هذا إذا ليس عائدا إلى منهجية التأليف زمن المصنف كما يرى بعض الباحثين.

سادسا: أهم مزايا مقدمة ابن جرير:

أومأت قبل أن الريادة في أي فن من الفنون لا بد أن تترك جوانب نقص، يأتي المتأخر فيكمل و يضيف و يتمم حتى يستوي على سوقه، و تبقى المزية و الفضل للرائد الذي بذر البذرة، و وضع الأساس، و على هذا كان من أهم مزايا مقدمة ابن جرير هو الريادة بوضع مقدمة تضم علوما يحتاج إليها المفسر، كما يحتاج إليها القارئ للتفسير، فلم يسبقه فيما أعلم في هذا المجال أحد، إلى جانب مزايا أخرى امتاز بها المصنف:

1) حسن الترتيب و التبويب، حيث تدرّج المصنف في ذكر العلوم بأن بنى كل علم على الذي قبله.

ص: 295

2) احتكام المصنف إلى الرواية أصلا و أساسا في تصويب الآراء.

3) إيراد المصنف للإشكالات التي قد ترد على المسألة بشكل تفصيلي، و الرد عليها تفصيلا نقلا و عقلا.

سابعا: أظهر المآخذ على المقدمة:

فلعل أكثر ما يؤخذ على المصنف في مقدمته:

1) هو عدم ذكره لموضوعات تعد من أهم ما يجب على قارئ علم التفسير الاطلاع عليه، و للمفسر الإلمام به، لتتم الفائدة و يكتمل المقصود، كعلم المكي و المدني و علم الناسخ و المنسوخ و غير ذلك.

2) إغفال المصنف لكثير من العلوم التي تدخل تحت مسمى أصول التفسير.

3) و من المآخذ: التطويل بإيراد الطرق العديدة لإفادة معنى واحد.

4) الإكثار من الأدلة في المسألة الواحدة.

5) عدم بيان درجة كثير من الروايات. و اللّه أعلم.

ص: 296

3- تفسير القرآن العظيم لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي المتوفى سنة (373 ه)

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مصنف هذا التفسير هو إمام الهدى، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد ابن إبراهيم السمرقندي البلخي (1) المولود بسمرقند (2) من خراسان.

لم تذكر المصادر سنة ولادته، و إن كان بعضهم قد أشار أنه عاش قريبا من سبعين عاما، و لكون وفاته كانت عام (373 ه) على الراجح يتبين من ذلك أنه ولد في مطلع القرن الرابع الهجري، و اللّه أعلم. (3)

تربى أبو الليث في أسرة مغمورة لم تعرف بالعلم، و إن كان والده من المحبين لمجالس العلماء، فقد روى الابن بعض المرويات عن أبيه خاصة تلك المتعلقة بالوعظ، و قد استطاع الوالد أن يدفع بولده إلى مجالس العلم حتى حقق ما حققه من تقدم في العلوم و الفنون، ساعده في ذلك أن أبا الليث

ص: 297


1- انظر: الجواهر المضية للقرشي: 3/ 544- و تاج التراجم لابن قطلوبغا: 310.
2- سمرقند بلد مشهور من خراسان، قيل: من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر. انظر: معجم البلدان لياقوت: 3/ 246.
3- انظر: تفسير القرآن الكريم لأبي الليث، تحقيق عبد الرحيم الزقة: 1/ 49.

عاش في فترة انتشرت فيها العلوم انتشارا عظيما، بالرغم من الحالة السياسية المضطربة التي شهدتها خراسان و سائر البلاد الإسلامية، فالسامانيون (1) الذين كانوا يحكمون سمرقند، كانوا يكرمون أهل العلم و يقربونهم، و يحثون الطلبة بشتى الوسائل إلى التعمق و النبوغ في العلوم، فتحوا لذلك معاهد العلم، و ازدهرت المكتبات، و نسخت المصنفات و توزعت، حتى كان هذا الإقليم من أجل الأقاليم و أكثرها أجلة و علماء. (2)

عاش السمرقندي بدايات حياته في هذا الجو المفعم بالنشاط العلمي، و إكرام أهل العلم و ذويه، و رغم ذلك لم تذكر كتب التراجم غير أبي جعفر الهنداوي المتوفى (362 ه) شيخا لأبي الليث. و كان الهنداوي و اسمه محمد ابن عبد اللّه إماما في عصره و على جانب عظيم من الفقه و الذكاء و الزهد و الورع (3).

ص: 298


1- السامانيون نسبة إلى (سامان الفارسي)، و هو جد الأسرة السامانية، أسلم في أواخر العهد الأموي، و هو من أصل فارسي. انظر: اللباب لابن الأثير: 2/ 524، و تاريخ الإسلام السياسي و الديني و الثقافي لحسن إبراهيم: 3/ 71.
2- انظر: اللباب لابن الأثير: 2/ 524- و تاريخ الإسلام السياسي و الديني و الثقافي لحسن إبراهيم: 3/ 332- 334.
3- انظر: الجواهر المضية للقرشي: 3/ 192 و 544- و تاج التراجم لابن قطلوبغا: 264 و 310- و الفوائد البهية: 179- و مفتاح السعادة لكبرى زاده: 2/ 277، و الشذرات لابن العماد: 3/ 41.

كما توصل بعض الباحثين (1) إلى معرفة أسماء عدد من شيوخ أبي الليث و ذلك بتتبع مصنفاته، أذكر منهم:

الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد الحدادي (2)، و الخليل بن أحمد السجزي (3)، هذا إضافة إلى والده و غيره من أهل العلم.

و قد استفاد أبو الليث من تلك الكوكبة استفادة عظيمة، فتكونت لديه منذ الصبا ملكة البحث و التحقيق، حتى غدا علما يشار إليه في الفقه و التفسير و الوعظ، فعرف بإمام الهدى، و لقب بالفقيه حتى أصبح هذا اللقب ملازما له، فلا يذكر إلا به.

أما تلامذة أبي الليث فقد اقتصدت المصادر بذكرهم أيضا، و منهم أبو عبد اللّه

ص: 299


1- هو الزميل/ صالح يحيى صواب، انظر تحقيقه لتفسير أبي الليث: 1/ 20.
2- انظر: تنبيه الغافلين لأبي الليث: 81. و الحدادي هو محمد بن الحسين بن محمد بن مهران المروزي الحدادي، شيخ مرو في الحديث و الفقه و الفتيا، توفي (388 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 16/ 470- الجواهر المضية للقرشي: 3/ 144.
3- انظر: تنبيه الغافلين لأبي الليث: 88 و السجزي هو الخليل بن أحمد بن محمد السجزي، شيخ أهل الرأي في زمانه، و من أعظم الناس كلاما في الوعظ، توفي (378 ه). انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا: 167- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 16/ 437- و الجواهر المضية للقرشي: 2/ 178.

طاهر بن محمد بن أحمد الحدادي صاحب عيون المجالس (1)، و لقمان بن حكيم الفرغاني (2)، و قد أخذ هؤلاء و غير هم العلم عن المصنف كما أخذوا عن مصنفاته، حيث اشتهرت مؤلفاته حتى نعته القرشي (3) في جواهره بقوله: هو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة، و التصانيف المشهورة (4).

و الذي يظهر أن المصنف اشتغل بالتأليف دهرا من الزمن، و ترك ثروة علمية ضخمة بلغت في تعداد بعضهم (5) أكثر من ثلاثين تصنيفا في فنون العلم المتعددة، أذكر منها:

خزانة الفقه (مطبوع)، و مختلف الرواية في الخلافيات (قدمت رسالة علمية في جامعة الإمام كلية الشريعة)، و عيون المسائل في الفروع (مطبوع)،

ص: 300


1- انظر: الأنساب للسمعاني: 4/ 81- و تفسير القرآن لأبي الليث (رسالة علمية)، تحقيق/ صالح صواب: 1/ 22.
2- انظر: الجواهر المضية للقرشي: 2/ 718- و تفسير القرآن لأبي الليث (رسالة علمية)، تحقيق صالح صواب: 1/ 22- و ينظر تفسير القرآن الكريم لأبي الليث، تحقيق عبد الرحيم الزقة (مطبوع): 1/ 53- 66.
3- هو عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر اللّه القرشي، فقيه ماهر، عنى بالطلب و كتب كثيرا، جمع طبقات الحنيفة، و خرج أحاديث الهداية، توفي (775 ه). انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 2/ 392- و شذرات الذهب لابن العماد: 6/ 238.
4- انظر الجواهر المضية للقرشي: 3/ 544.
5- انظر: تفسير القرآن لأبي الليث (رسالة علمية) تحقيق صالح صواب: 1/ 27.

و رسالة في أصول الدين، و تنبيه الغافلين (مطبوع)، قرة العيون و مفرّح القلب المحزون (مطبوع). و غيرها من التآليف المفيدة. (1)

وفاته:

اتفق المترجمون لأبي الليث أنه توفي ليلة الثلاثاء الحادي عشر من شهر جمادى الثانية، و اختلفوا في تحديد العام الذي توفي فيه، و الراجح أنه عام (373 ه) (2) لكونه يوافق الحادي عشر من شهر جمادى الثانية في سنة (373 ه) دون غيرها من السنوات المذكورة. (3)

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

ص: 301


1- انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا: 310- و الجواهر المضية للقرشي: 3/ 545- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 487- 703- 1183- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 2/ 277.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 16/ 322- و الجواهر المضية للقرشي: 3/ 545- و الفوائد البهية: 220- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 243- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 2/ 278.
3- انظر: تفسير القرآن لأبي الليث (رسالة علمية)، تحقيق صالح صواب: 1/ 18. و ينظر للمزيد في ترجمته: الأعلام للزركلي: 8/ 27- و تاج التراجم لابن قطلوبغا: 310- و التفسير و المفسرون للذهبي: 1/ 225- و الجواهر المضية في تراجم الحنفية للقرشي: 3/ 544- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 16/ 322- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 346- و الفوائد البهية: 220- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 441- و معجم المؤلفين لرضا كحالة: 13/ 91- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 2/ 277- و هدية العارفين للبغدادي: 6/ 490.

لقي هذا التفسير الاهتمام و العناية منذ عهد قديم، حين ترجمه إلى التركية ابن عربشاه الحنفي (1)، و حين خرّج أحاديثه الشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي (2) (3).

و قد اختلف في عنوانه، فذهب بعضهم إلى تسميته (بحر العلوم) و هو العنوان الذي اشتهر به، و حملته النسخة المطبوعة من التفسير، غير أنه ترجح لدى ثلة من المعنيين بهذا التفسير و المشتغلين به، أن هذه التسمية وردت خطأ على بعض نسخ الكتاب المخطوط، و هو من عمل المتأخرين، فبحر العلوم تفسير لسمرقندي آخر غير أبي الليث، و رأى هؤلاء أن الصحيح هو أن يقال: (تفسير القرآن لأبي الليث السمرقندي) أو نحو ذلك. (4)

ص: 302


1- هو أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم، المعروف بابن عربشاه، مؤرخ له اشتغال بالأدب، كان مجيدا للعربية و الفارسية و التركية، ترجم بعض المصنفات، له منتهى الأرب في لغات الترك و العجم و العرب، توفي (854 ه). انظر شذرات الذهب لابن عماد: 7/ 280- و البدر الطالع للشوكاني: 1/ 109.
2- هو قاسم بن قطلوبغا بن عبد اللّه المصري الحنفي، عالم متفنن أثنى عليه مشايخه، سما في العلم و انتشر صيته، له تاج التراجم و غيره، توفي (879 ه). انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 7/ 326- و البدر الطالع للشوكاني: 2/ 45.
3- انظر: البدر الطالع للشوكاني: 1/ 110- و كشف الظنون لحاجي خليفة: 1/ 441.
4- حول تسمية الكتاب انظر: تفسير القرآن الكريم لأبي الليث، تحقيق عبد الرحيم الزقة (مطبوع): 1/ 92- و تفسير القرآن لأبي الليث تحقيق: الشيخ صالح يحيى صواب: 1/ 34، و الأعلام للزركلي: 8/ 28.

يعدّ تفسير أبي الليث مصدرا من مصادر التفسير بالمأثور حيث اعتمد المصنف تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسّنة، ثم بأقوال الصحابة و التابعين، كما أورد أقوال أهل العلم السابقين، و أعمل الرأي و اجتهد في تفسير بعض الآيات، و بين رأيه غير أن اعتماده المأثور كان الغالب، و بالرغم من أن أبا الليث لم يذكر تفسير ابن جرير في تفسيره غير أنه سلك المسلك نفسه في نقل المأثور من الروايات و الأقوال، و إن كان ابن جرير قد ساق ذلك بأسانيده فحصر تفسيره على المختصين، بخلاف أبي الليث الذي حذف الأسانيد فجعله للعامة و الخاصة.

و كما أفاد ابن جرير من اللغة و جهود أهلها في بيان المعاني و التراكيب كذلك أفاد أبو الليث، فاعتمد كثيرا على الزجاج و الفراء و ابن قتيبة و غيرهم.

كما أولى المصنف اهتماما بالقراءات القرآنية، و معاني القرآن و إعرابه، و أحكام القرآن، و المغازي و السير، و الوعظ، و الزهد، و الحكم.

و طريقة أبي الليث أنه يفسر القرآن بالجزء، و يسرد الأقوال في بيان المعاني، و لكنه نادرا ما يرجح بين الأقوال، و قليلا ما يذكر اختياره.

و بالرغم من تأثر بعض الأعلام بالمصنف، و النقل عنه، و اعتماده أقواله، كالقاضي عياض (1)، و الكرماني (2)، و القرطبي ت (671 ه)،

ص: 303


1- هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي، إمام في الحديث و علومه، و النحو و اللغة، و أيام العرب و أنسابها، تصانيفه عديدة منها المدارك، توفي (544 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/ 212- و البداية و النهاية لابن كثير: 12/ 225.
2- هو محمود بن حمزة بن نصر الكرماني، المعروف بتاج القراء، له تفسير فيه آراء مستنكرة، توفي (505 ه). انظر: بغية الوعاة للسيوطي: 2/ 277- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 312.

و السيوطي ت (911 ه) و البرسوي ت (1127) (1) و غيرهم، فإنه يؤخذ على هذا التفسير مآخذ عديدة أشار إليها المشتغلون به (2)، من أهمها الركاكة في العبارة، و الضعف في التعبير، الذي ظهر في مواطن عديدة منه، و الإسهاب و الاستطراد في سرد الحكاية التي لا فائدة منها، إضافة إلى اعتماده بعض الأحاديث الضعيفة.

و قد جاءت مقدمة أبي الليث قصيرة موجزة، أشار المصنف فيها لمسألتين فقط، الأولى في بيان الحاجة إلى علم التفسير، و الأخرى في إباحة التفسير بالرأي المبني على وجوه اللغة و أحوال التنزيل، و استدل على ما ذهب إليه ببعض الآثار روى بعضها بسنده.

و قد طبعت المقدمة ثلاث طبعات، الأولى منها نسخت على الآلة الكاتبة، و قدمت رسالة علمية من (أول الكتاب إلى نهاية سورة الأنعام)،

ص: 304


1- هو إسماعيل حقي بن مصطفى الإسلامبولي الحنفي، تركي مستعرب، له روح البيان في التفسير، توفي (1127 ه) انظر: الأعلام للزركلي: 1/ 313.
2- انظر: تفسير القرآن لأبي الليث (رسالة علمية)، تحقيق صالح صواب: 1/ 73.

إلى جامعة القاهرة، كلية دار العلوم عام 1983 م، نال بها الباحث عبد الرحيم أحمد الزقة، درجة الدكتوراة.

ثم طبعت بمطبعة الإرشاد في بغداد عام 1405 ه 1985 م، الطبعة الأولى في ثلاثة مجلدات.

و الطبعة الأخرى أيضا نسخت على الآلة الكاتبة مع سورتي الفاتحة و البقرة، قدمت رسالة علمية إلى كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، نال بها الباحث الدكتور/ محمد آل عبد القادر درجة الدكتوراة في القرآن و علومه.

و طبعت طبعة ثالثة و ظهرت كاملة غير منقوصة، في ثلاثة مجلدات، و صدرت عن دار الكتب العربية في بيروت، عام 1413 ه، بتحقيق علي محمد عوض و عادل أحمد عبد الموجود، و زكريا عبد المجيد النوتي.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

على غير عادة المفسرين الذين يستهلون تفاسير هم بخطبة موجزة يثنون فيها على المنعم الذي جعلهم من أهل القرآن، و وفقهم للتأليف في تفسيره، كما يبينون مناهجهم و مصادرهم و الباعث على التأليف و غير ذلك قبل الشروع في المقدمة التي تخصّص في العادة للبحث في بعض المسائل الهامة للمفسر، على غير هذا النهج استهل أبو الليث مقدمته بسرد شي ء من الآيات و الآثار التي تحث على طلب علم التفسير، و تبين مدى الحاجة

ص: 305

إليه لمن أراد فهم مراد اللّه تعالى، ليقرر بذلك أن طلب التفسير و التأويل واجب ما دام أنه تعالى أنذرهم بهذا الوحي وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19].

و ليس معنى هذا أن لكل أحد أن يطرق باب التفسير من ذات نفسه برأيه، بل من اللزوم معرفة وجوه اللغة و أحوال التنزيل، فقد ورد التحذير الشديد من الشارع في حق من يقدم على مثل ذلك، و روى المصنف في هذا المعنى بعض الآثار التي تبين تحرّج جماعة من الصحابة من القول في القرآن بالرأي. و به ختم المقدمة، ليشرع في تفسير البسملة فالفاتحة.

ص: 306

4- النكت و العيون في تأويل القرآن الكريم لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري المتوفى سنة (450 ه)

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مصنف هذا التفسير هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري (1). و الماوردي بفتح الميم و الواو و سكون الراء في آخرها دال مهملة نسبة إلى بيع الماورد و عمله. (2) و البصري نسبة إلى موطنه.

عاش الماوردي ستة و ثمانين عاما، و لم يذكر المترجمون تاريخ ميلاده، غير أن حسم هذا العمر من سنة الوفاة الذي هو عام (450 ه) يوضح لنا أنه ولد عام (364 ه). (3)

تربّى الماوردي في موطنه البصرة، في أسرة يغلب عليها الاهتمام بالعلم، و تلقى تعليمه الأولي برعاية والده الذي دفعه إلى حلقات العلم، و كانت البصرة في عهده مركزا للعلم و الحضارة، و على درجة عالية من

ص: 307


1- انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 267- و معجم الأدباء لياقوت: 15/ 52- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/ 285.
2- انظر: الأنساب للسمعاني: 5/ 181- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/ 287.
3- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 12/ 102- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 429- و انظر ما كتبه أستاذي الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع في مقدمة تحقيقه للنكت و العيون: 1/ 8.

التقدم العلمي و الحضاري، و هو السر الذي دفع قوافل طلبة العلم التوجه إليها، و كانت الثانية بعد بغداد، و حين استكمل البدايات، و تقدم في التحصيل، و تضلّع من ينابيع البصرة العلمية، وجه النظر إلى بغداد، العاصمة العلمية، فشد الرحال و ودع الأهل لينضم إلى حلقات العلم هناك، و لينتظم بها، و ما أن أخذ مكانه، حتى انكبّ على الدرس و المطالعة في جو مفعم بالحركة و النشاط و الحيوية، و زاحم مئات الطلبة في مدينة تعجّ بأهل العلم، علماء و متعلمين، في زمن كان لأهل العلم عامة و العلم الشرعي على الخصوص مكانتهم و منزلتهم و تقديرهم الخاص، حتى كان السلاطين و الأمراء يتباهون بأصحاب العمائم في مجالسهم، و يقربونهم و يغدقون عليهم العطايا و الهبات، و قلّما يردون أحكامهم.

و ظل الشيخ يتنقل في هذا الخضم الهائل من أهل العلم من عالم إلى آخر حتى حصل غايته، و نال مبتغاه، و تخرّج على أيدي ثلّة من أولئك المبرزين في علوم عديدة، فقدّم للتدريس، و قرر العودة إلى موطنه معلما بعد أن كان تركها طالب علم، و تصدّر للتدريس هناك مدة ثم عاد الكرّة إلى بغداد ليستقر به المقام، دون أن يغادره الشوق و الحنين إلى مراتع الصبا، و كانت المراسلات بينه و بين أحبته هناك تسد مسد الرؤية.

بقي في بغداد مدرسا فقاضيا ثم أقضى القضاة، و انكبّ على التأليف و التصنيف حتى اشتهر صيته و ذاع اسمه، و انتهت إليه رئاسة و إمامة

ص: 308

المذهب الشافعي في عصره. (1)

لقي الماوردي تقديرا و إكراما واضحين من أهل عصره، لما امتاز به يرحمه اللّه من علوّ الهمة و طول الباع في العلوم و المعارف، و لما عرف به من الوقار و الأدب، يقول السبكي: كان إماما جليلا رفيع الشأن، له اليد الباسطة في المذهب، و المتفنن في سائر العلوم. (2)

و يقول ابن كثير: كان حليما وقورا أديبا. (3) و يقول تلميذه ابن خيرون (4): كان رجلا عظيم القدر، متقدما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن من العلم. (5)

و حين يصف عبد الملك الهمذاني (6) و هو تلميذ له أدبه الجم و حياؤه

ص: 309


1- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 12/ 102- و طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 267- 269- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/ 285- 287.
2- انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 268.
3- انظر البداية و النهاية لابن كثير: 12/ 80.
4- هو أحمد بن الحسن بن خيرون، المعروف بابن الباقلاني، محدث بغداد، كان ثقة عدلا واسع الرواية، توفي (488 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 105- و لسان الميزان لابن حجر: 1/ 155.
5- انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 268- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/ 286.
6- هو عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد الهمذاني، عرف عنه العلم بالفرائض و القسمة و التركات، عرض عليه القضاء فامتنع، توفي (489 ه). انظر: طبقات السبكي: 5/ 162- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 31.

و وقاره يقول: لم أر أوقر منه، و لم أسمع منه مضحكة قط، و لا رأيت ذراعه منذ صحبته إلى أن فارق الدنيا. (1)

و قد عرف عن الماوردي إلى جانب الرسوخ في العلم، الجرأة في قول الحق و الصراحة فيه فهو لا يخشى في اللّه لومة لائم، و عظيم التقدير لأهل العلم، و التواضع و البعد عن العجب بالذات، كما عرف عنه أنه كان أوابا، متى عرف الخطأ تراجع عنه، و سيرته مليئة بأخبار تحكي هذه المعاني. (2)

و أشيع عن الماوردي أنه معتزلي، يقول ببعض مقولاتهم، و أول من اتهمه بذلك ابن الصلاح (3) المحدث عفا اللّه عنه (4) و تبعه آخرون، و تصدى للتهمة ثلة من أهل العلم (5)، و بقي الاتهام مدار البحث بين مثبت و ناف،

ص: 310


1- انظر: معجم الأدباء لياقوت: 15/ 54.
2- انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 270- 272- و أدب الدنيا و الدين للمصنف: 81.
3- هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري، المعروف بابن الصلاح، أحد فضلاء عصره في التفسير و الحديث، له معرفة أنواع علوم الحديث، توفي (643 ه) انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 243- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 23/ 140.
4- انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 270.
5- انظر لسان الميزان لابن حجر: 4/ 260.

إلى أن جاء الأستاذ عدنان زرزور ليذهب بعيدا فيجعل تفسيره من تفاسير المعتزلة، و ليقول مقولته: و أيا ما كان الأمر فإن الماوردي وضع تفسيره على أصول المعتزلة و منهجهم في التفسير، سواء خالفهم في بعض المسائل أم لا، و سواء أ جاهر بالاعتزال أم لا، و إن كنا لا ندري ما هو (حد) الجهر عند ابن الصلاح. (1)

و قد قيّض اللّه للماوردي بعض أهل العلم، ردوا على الأستاذ عدنان زرزور، و بينوا أن ما قاله اتهام لا محل له من الصحة، و أنه حكم متسرع يعوزه التحقيق، و أن الماوردي و إن وافق القوم في القول بالقدر فإن ذلك لا يعني أنه معتزلي، بل غاية ما يقال فيه أن له مسائل وافق اجتهاده فيها مقالات المعتزلة، و لا ينبغي أن يطلق عليه اسم الاعتزال، كما قال ابن حجر. (2)

شيوخه و تلاميذه:

تتلمذ الماوردي على خلق كثير من أهل موطنه البصرة، و مهجره بغداد، و زاحم الركب في حلقات عديدة، و من شيوخه:

ص: 311


1- انظر الحاكم الجشمي و منهجه في التفسير، للدكتور/ عدنان زرزور: 143.
2- انظر: العز بن عبد السلام حياته و آثاره و منهجه في التفسير، للدكتور/ عبد اللّه بن إبراهيم الوهيبي: 192- و انظر: ما كتبه أستاذي الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع في مقدمة تحقيقه للنكت و العيون: 1/ 141- 156.

أبو القاسم عبد الواحد الصميري (1)، و أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الأسفراييني و غيرهما.

أما الذين تلقوا العلم عن الماوردي فهم أيضا خلق كثير، فالماوردي كما علمنا من سيرته عمل بالتدريس ردحا من الزمن في البصرة و بغداد، كما أن عمله في سلك القضاء و حيازته لقب أقضى القضاة، و إسناد رئاسة و إمامة مذهب الشافعية له، جعل الطلبة يحرصون على التلقي عنه.

فمن تلامذته:

أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (2)، و علي بن سعيد العبدري ت (493 ه) (3) و غيرهما.

ص: 312


1- هو عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي الصميري، أحد أئمة الشافعية، نسبة إلى صمير أحد أنهار البصرة، من تصانيفه الإيضاح في المذهب، توفي (386 ه). انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 3/ 339- و معجم البلدان لياقوت: 3/ 439.
2- هو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب، حافظ ناقد مؤرخ، مصنفاته كثيرة جدا، منها تاريخ بغداد، أطال الذهبي في ترجمته، توفي (463 ه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 270- تذكرة الحافظ للذهبي: 3/ 317- و البداية و النهاية لابن كثير: 12/ 101.
3- هو علي بن سعيد بن عبد الرحمن بن محرز العبدري، عالم عارف باختلاف العلماء، صاحب الفتيا، توفي (493 ه) انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 257.
مؤلفاته:

للماوردي تصانيف حسان في كل فن، كما قال ياقوت في معجمه (1)، فهو مصنّف موسوعي، و قد وصل عدد مؤلفاته إلى ثمانية عشر مؤلّفا، نذكر منها: الأحكام السلطانية، و لأهميته ترجم إلى عدد من اللغات، و هو من أشهر مصنفات المؤلف (2)، و أمثال القرآن، و يعد الماوردي أول من أفرد هذا الفن بتأليف مستقل، و الحاوي الكبير في الفقه (مطبوع)، الاقناع، و هو مختصر للحاوي، مجرد عن الأدلة، و كتاب في البيوع، و قوانين الوزارة و سياسة الملك (مطبوع)، و أدب الدنيا و الدين (مطبوع). إضافة إلى تفسيره النكت و العيون، و غيرها من المصنفات. (3)

وفاته:

توفي الماوردي رحمه اللّه يوم الثلاثاء، آخر شهر ربيع الأول سنة 450 ه، و دفن في بغداد، و حضر جنازته جمع غفير من أهل العلم و الريادة. (4)

ص: 313


1- انظر: معجم الأدباء: 15/ 54.
2- انظر: مقدمة تحقيق النكت و العيون للدكتور الشائع: 1/ 59.
3- ينظر: أدب الدنيا و الدين للمصنف: 81- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 428- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/ 286- و انظر ما كتبه الدكتور الشائع عن مصنفات الماوردي في مقدمة تحقيقه للنكت و العيون: 1/ 24- 66.
4- انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 12/ 102. و طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 269. قد أورد فضيلة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، في المقدمة التي قدمها بين يدي تحقيقه للنكت و العيون: 1/ 1- 66 قائمة طويلة بالمصادر التي ترجمت للماوردي بلغت ستا و أربعين مرجعا، نختار منها ما رجعت إليه و هي: الأنساب للسمعاني: 5/ 181- البداية و النهاية لابن كثير: 12/ 80- و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 12/ 102- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/ 285- 287- و طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 167- 185- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 427- 429 دار الكتب العلمية- بيروت- و طبقات المفسرين للسيوطي: 71- و لسان الميزان لابن حجر: 4/ 260- و معجم الأدباء لياقوت الحموي: 15/ 52.

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

اشارة

حصر الأقوال، و حسن العرض، مع جمال الأسلوب، و دقة العبارة و الإيجاز، كلها نعوت تنطبع في فكر الناظر في النكت و العيون للماوردي منذ الوهلة الأولى، و هي كلها تدل على ما أوتي المصنف من قوة البيان و سلامة الفكر التي مكّنته من تقديم مادة تفسيره بصورة تترك ذاك الانطباع الجميل لدى القارئ.

فالقارئ للماوردي في تفسيره لا يجد الاستطراد الذي قد يبعد بالمعاني، و ينأى بالقريب، كما هو الحال عند بعض المفسرين، مع أن المصنف قلّما يهمل قولا ذي بال دون أن يذكره.

لقد اقتصر الماوردي في تفسيره على بيان الغامض الخفي من آيات الذكر الحكيم، دون الظاهر الجلي إذ هو مفهوم من التلاوة، جمع لبيان ذلك

ص: 314

أقوال أهل العلم من السلف و الخلف، و أضاف ما سنح به الخاطر مما توصل إليه بإعمال الفكر، و النظر في الأدلة، متبعا الإيجاز و الاختصار في نقل الأقوال و الأخبار، و عرضها بأسلوب بديع و عبارة زادت المعاني جلاء و وضوحا، دون أن يغفل عن التصريح بالقائل، أو التعقيب على الردي ء المتكلف من الأقوال أحيانا كثيرة.

و اهتم المصنف في تفسيره أيضا ببيان أسباب النزول و القراءات غالبا، كما أولى الجانب اللغوي اهتماما عظيما، و خاصة الفروق اللغوية بين المفردات التي يظن أنها مترادفة، و كذا اهتم ببيان الأحكام الفقهية، و استطاع أن يعالج الأحكام معالجة قرآنية بعيدا عن الاستطرادات الفقهية، رغم أن الماوردي عرف فقيها أكثر منه مفسرا.

و قد استمد المصنف مادة تفسيره من مصادر عديدة و متنوعة، في شتى الفنون، من الأثر و المعقول. و بين في الخطبة التي قدمها بين يدي تفسيره منهجه في التصنيف فقال:

(و لما كان ظاهر الجليّ مفهوما بالتلاوة، و كان الغامض الخفيّ لا يعلم إلا من وجهين: نقل و اجتهاد، جعلت كتابي هذا مقصورا على تأويل ما خفي علمه، و تفسير ما غمض تصوّره و فهمه، و جعلته جامعا بين أقاويل السلف و الخلف، و موضحا عن المؤتلف و المختلف، و ذاكرا ما سنح به الخاطر من معنى يحتمل، عبّرت عنه بأنه محتمل، ليتميّز ما قيل مما قلته، و يعلم ما استخرج مما استخرجته.، و عدلت عمّا ظهر معناه من فحواه، علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 316 ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: ..... ص : 314

ص: 315

اكتفاء بفهم قارئه و تصوّر تاليه، ليكون أقرب مأخذا، و أسهل مطلبا). (1)

و طريقة المصنف يرحمه اللّه أنه يسرد الآية أو الجزء من الآية التي هو بصدد بيان غامضه، و تأويل خفيّه، ثم يعقب ذلك بالبيان بعبارة موجزة، فإن كان هناك اختلاف بين أهل العلم في تعيين المراد، يصرّح بذلك في الغالب ثم يقول: (فيه أقوال)، أو يقول: (فيه قولان)، أو (ثلاثة أقوال) ...

و هكذا. ثم يقول: (القول الأول) و يذكره، ثم (الثاني) و يذكره .. و هكذا.

و لتفسير الماوردي أثر واضح في كثير من التفاسير التي جاءت بعده كابن الجوزي و القرطبي و أبي حيان، و غيرهم و إن كان الأول أكثرهم تأثرا، فقد التزم منهج الماوردي و طريقته في العرض و الإيجاز.

و سبق أن أشرت إلى ما أشيع حول الماوردي من تهمة الاعتزال، و عدّ تفسيره واحدا من تفاسير القوم، و بينت أن ذلك اتهام لا يخرج التفسير من تفاسير أهل السنة بأية حال و إن وافق بعض اجتهاداته مقولات القوم.

و على العموم يستطيع المرء أن يلخص القول في هذا التفسير و يقول:

1) إنه مختصر كامل للقرآن، و تفسير للغامض من ألفاظ و معاني الذكر الحكيم.

2) إنه تفسير جمع المصنف فيه بين الرواية و الدراية، و جعله جامعا

ص: 316


1- انظر المقدمة: 1/ 21.

لأقاويل السلف و الخلف.

3) إن المصنف اهتم بذكر اللغة و القراءات و أسباب النزول و الأحكام الفقهية.

4) امتاز هذا التفسير بحسن عرض الآراء و الأقوال و حصرها، مع نسبتها إلى قائليها، بأسلوب جميل و عبارة دقيقة موجزة.

و قد قدم الماوردي لتفسير القرآن (فصولا تكون لعلمه أصولا، يستوضح منها ما اشتبه تأويله، و خفي دليله) (1) بهذه العبارة نعت الماوردي المقدمة التي قدمها بين يدي تفسيره و التي استغرقت ما يربو على عشرين صفحة من القطع المتوسط، و جاءت كالتفسير تماما من حيث البلاغة و البيان و قوة العبارة و الإيجاز.

تعرض المصنف لعدة موضوعات، و أسماها فصولا، سلك فيها مسلك الإيجاز فيما يتعلق بنقل الأقوال و الآراء، و ذكر الأدلة باختصار، دون اعتماد الردود و المناقشات، مع تجنب ذكر الأقوال الضعيفة و المردودة.

و امتازت المقدمة بحسن السبر و التقسيم للأقوال و الموضوعات، و هو أمر أجلى الموضوعات المطروقة و بيّنها، فكانت في غاية الوضوح، و هذه الموضوعات هي:

ص: 317


1- انظر المقدمة: 1/ 21.

1- أسماء القرآن.

2- أسماء سور القرآن.

3- معنى السورة و الآية.

4- الأحرف السبعة.

5- إعجاز القرآن.

6- حكم التفسير بالرأي أو الاجتهاد.

7- أقسام التفسير.

8- الظهر و البطن و الحد و المطلع.

و قد طبعت المقدمة فيما أعلم ثلاث طبعات، إحداها بالآلة الكاتبة، و الطبعات على النحو التالي:

1) طبعت على الآلة الكاتبة، مع دراسة للمؤلف و للكتاب، و تحقيق أجزاء منه، بتحقيق فضيلة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، بعنوان:

تفسير الماوردي النكت و العيون في تأويل القرآن الكريم، قدمت رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراة في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

2) قامت وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية بدولة الكويت بطباعة و نشر الكتاب بتحقيق السيد خضر محمد خضر، و مراجعة الدكتور/ عبد

ص: 318

الستار أبو غدة. و على الطبعة ملحوظات و فيها سقط أشار إليها فضيلة الدكتور الشائع في دراسته للكتاب. (1)

3) صدرت أخيرا طبعة علق عليها و راجعها السيد عبد المقصود بن عبد الرحيم، و قامت دار الكتب العلمية، و مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت بطباعتها و نشرها. و هي التي اعتمدتها في هذه الدراسة.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

أسدى الماوردي الشكر للمنعم الذي هداه و المسلمين للدين القويم، و منّ عليهم بالكتاب المعجز المبين، و لأن من الكتاب ما هو ظاهر جلي مفهوم بالتلاوة يفهمه العامة فضلا عن الخاصة، و منه الغامض الخفي الذي خص اللّه لتأويله العلماء دون غيرهم، جعل المصنف كتابه هذا مقصورا على تأويل ما خفي علمه، و تفسير ما غمض فهمه.

كان هذا في التقديم الذي قدمه المارودي بين يدي تفسيره، كما بيّن فيه منهجه في التفسير، و ما قدّم بين يدي تفسيره من مقدمات هي كالأصول له، يستوضح منها ما اشتبه تأويله، و خفي دليله. ثم سأل اللّه العون و السداد، و شرع في بيان المقصود.

فذكر أنه تعالى جلّت قدرته سمى كتابه المنزل بأسماء، هي القرآن

ص: 319


1- انظر النكت و العيون تحقيق الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع: 1/ 47- 53.

و الفرقان و الكتاب و الذكر، فبين دليل كل تسمية من آيات الذكر الحكيم، ثم شرع في بيان تأويل تلك التسميات، و بيان أقوال العلماء فيها، و كان هذا هو مضمون الفصل الأول من المقدمات.

في حين خصص الفصل الذي يليه لبيان تأويل أسماء كتب اللّه المنزلة، التوراة و الزبور و الإنجيل.

و انتقل عقب ذلك إلى قوله صلى اللّه عليه و سلم في الحديث الذي رواه واثلة بن الأسقع رضي اللّه عنه (1): أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطوال، و مكان الإنجيل المثاني، و مكان الزبور المئين، و فضلني ربي بالمفصل. (2)

فذكر ما هي السبع الطوال، كما ذكر سبب التسمية، و بين ما هي المئين، ثم المثاني و الأقوال الواردة في بيانها، و أخيرا المفصل و سبب التسمية و الخلاف في تحديد أول المفصل.

ثم بين في الفصل الذي يليه معنى السورة و الآية، فبيّن أولا أن

ص: 320


1- هو واثلة بن الأسقع بن كعب الليثي، صحابي شجاع فاضل، أحد فقراء الصفة، قدم المدينة و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتجهز لغزوة تبوك فأسلم، و عاد إلى قومه فأسلمت أخته، ثم عاد فشهد تبوك مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، توفي (85 ه). انظر: طبقات ابن سعد: 1/ 305- و الإصابة لابن حجر: 3/ 626.
2- رواه الطبري في التفسير: 1/ 100، قال الأستاذ شاكر- يرحمه اللّه-: رواه الطبري هنا بإسنادين، أحدهما صحيح، و الآخر ضعيف. و رواه الطبراني في الكبير: 22/ 75.

السورة وردت بالهمز و بغير همز، و بيّن خلاف أهل العلم على كلّ، ثم أوضح معنى الآية و تأويلها و سبب التسمية.

عقب ذلك انتقل إلى الحديث عن الأحرف السبعة، فذكر الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نزول القرآن على سبعة أحرف. (1) و اختلاف المفسرين في تأويل السبعة أحرف التي نزل القرآن بها، فذكر أن الأقوال أربعة، سردها بعبارة مختصرة و ذكر الأدلة بإيجاز، و دون أن يرجّح شيئا منها.

ثم كان الحديث عن إعجاز القرآن الذي عجزت العرب عن الإتيان بمثله، فذكر ثمانية وجوه للإعجاز، هي حصيلة أقوال أهل العلم في المسألة، و هي:

1) أن وجه إعجازه هو الإعجاز و البلاغة.

2) أنه البيان و الفصاحة.

3) و قيل: بل هو الرصف الذي تنقضي به العادة، حتى صار خارجا

ص: 321


1- قال صلى اللّه عليه و سلم: «نزل القرآن على سبعة أحرف و المراء في القرآن كفر (ثلاث مرات) فما عرفتم منه فاعملوا به، و ما جهلتم فردوه إلى عالمه». أخرجه الطبري في تفسيره: 1/ 21، و الإمام أحمد في المسند: 2/ 300 ط الحلبي. و أورده الهيثمي في المجمع: 7/ 151.

عن جنس كلام العرب من النظم و النثر و الخطب ... و غير ذلك.

4) أن وجه إعجازه هو أن قارئه لا يكلّ و أن سامعه لا يملّ.

5) أنه لما فيه من الأخبار بما كان مما علموه أو لم يعلموه، و إذا سألوا عنه عرفوا صحته.

6) هو ما فيه من علم الغيب، و الإخبار بما يكون.

7) كونه جامعا لعلوم لم تكن فيهم آلاتها، و لا تتعاطى العرب الكلام فيها، و لا يحيط بها من علماء الأمم واحد، و لا يشتمل عليها كتاب.

8) أن وجه إعجازه هو في الصّرفة بأحد وجهيه، إما أن العرب صرفوا عن القدرة عليه، و لو تعرضوا لعجزوا عنه، أو أنهم صرفوا عن التعرض له.

و انتهى المصنف إلى القول بأن القرآن معجز بكل تلك الوجوه. و يعد رأيه هذا بمثابة قول تاسع، و هو أبلغ في الإعجاز و أبدع في الفصاحة و الإيجاز.

انتقل المصنف بعد هذا للحديث عن التفسير بالرأي و الاجتهاد، فبيّن أن كون القرآن في تلك المنزلة من الإعجاز في النظم و المعنى يستدعي لمن أراد العمل بموجبه ضرورة استخراج معاني ألفاظه، و هو أمر يحتاج إلى زيادة تأمل في الألفاظ و الآيات ليصل المرء إلى جميع ما تضمنته تلك الألفاظ من المعاني، و احتملته من التأويل، و لهذا لا مناص من القول بضرورة

ص: 322

الاجتهاد في فهم النص، و هو أمر تعبّد اللّه تعالى به خلقه في خطابهم بلسان عربي مبين، فقال تعالى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].

ثم عرّض بأولئك الذين فهموا قوله صلى اللّه عليه و سلم في الحديث الذي رواه جندب بن عبد اللّه رضي اللّه عنه (1): «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (2) فهما خاطئا، فظنوا أنه الإحجام عن التفسير و إن كانت الشواهد واضحة، و أمرّوا الحديث على ظاهره، فوصفهم بقلة العلم، و نعتهم بضعف الخبرة.

بعدها بيّن تأويل الحديث على الوجه الصحيح الذي رآه، فقال: و لهذا الحديث إن صحّ تأويل معناه: أن من حمل القرآن على رأيه، و لم يعمل على شواهد ألفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدليل. (3) و هو فهم معتبر للنص ارتضاه خلق ممّن جاء بعده كابن عطية و القرطبي و غيرهما.

إثرها ذكر المصنف المروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن

ص: 323


1- هو جندب بن عبد اللّه بن سفيان البجلي العلقي، صحابي سكن الكوفة و البصرة، توفي في فتنة الزبير فيما بين (60- 70 ه) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر: 1/ 217- و الإصابة لابن حجر: 1/ 248.
2- رواه الطبري في التفسير: 1/ 79، و البغوي في شرح السنة: 1/ 259، و النسائي في فضائل القرآن: 114، و الترمذي في سننه: 5/ 200، و قال: و قد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم. و قال الحافظ في التقريب: 1/ 338 عن سهيل بن أبي حزم: ضعيف.
3- انظر النكت و العيون: 1/ 35.

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه». (1)

فبين تأويل مفردات الأثر، و قال: و هذا دليل على أن تأويل القرآن مستنبط منه. (2)

انتقل المصنف بعد هذا ليبيّن أقسام التفسير، فأوضح أنه إذا جاز الاجتهاد في استخراج معاني القرآن من فحوى ألفاظه، و شواهد خطابه الأمر الذي أقره قبل قليل فإن الحبر ابن عباس رضي اللّه عنهما قسم التفسير أربعة أقسام، ذكرها و ارتضاها، و عقب على الأخير منها و هو القسم الذي لا يعذر أحد بجهالته، فبين أنه داخل في جملة ما يعلمه العلماء، و بذلك يصير التفسير عنده ثلاثة أقسام:

1) قسم اختص اللّه تعالى بعلمه، و استأثر به و لم يطلع عليه عباده.

2) قسم يرجع في معرفته إلى لسان العرب.

3) و قسم ثالث يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء، و هو تأويل المتشابه، و استنباط الأحكام، و بيان المجمل و ما إلى ذلك.

و بين أن العلماء قد يختلفون في تأويل بعض المعاني للألفاظ المحتملة لأكثر من معنى، و حينئذ لا مناص للترجيح بين الأقوال من التعويل على

ص: 324


1- رواه الدارقطني في السنن عن ابن عباس: 4/ 145، و في إسناده زكريا بن عطية، قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث. انظر ميزان الاعتدال: 2/ 74.
2- انظر: النكت و العيون: 1/ 36.

الضوابط التي وضعها العلماء، لهذا ذكر المصنف ما الذي يفعل في مثل هذه الحالات.

و جاء الختام لبيان معنى الحد و المطلع، و الظهر و البطن، و هي المفردات الواردة في الأثر الوارد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم: «ما نزل من القرآن من آية إلا لها ظهر و بطن، و لكل حرف حدّ، و لكل حدّ مطلع». (1)

رابعا: منهج الماوردي في مقدمته:

قسم الماوردي المقدمة التي قدمها بين يدي تفسيره و التي جعلها أصولا فصولا، خصّ كل فصل لأصل من تلك الأصول التي رأى أنها توضح المشتبه، و تظهر الدليل للناظر في التفسير.

و قد اقتصد المصنف في القول و البيان، لكل ما رأى بحثه من الأصول و الفنون، فقدم ما أراد تقديمه بعبارة موجزة رصينة، متبعا نهجا يعدّ الرائد فيه، و من أبرز ملامح هذا النهج:

ص: 325


1- رواه ابن حبان في صحيحه برقم 74: 1/ 157، عن ابن مسعود. و ذكره الهيثمي في المجمع: 7/ 152 و نسبه للبزار و أبي يعلى و الطبراني في الأوسط. و قال: رجال أحدهما ثقات. و أخرجه الطبري في التفسير: 1/ 22 عن ابن مسعود بلفظ: أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل حرف منها ظهر و بطن، و لكل حرف حد، و لكل حد مطلع. قال أحمد شاكر: روي بإسنادين ضعيفين، أما أحدهما فلانقطاعه بجهالة راويه. و أما الآخر فمن أجل إبراهيم الهجري.

1- حسن عرض الأقوال في المسائل المختلف فيها، فتراه يجمل الأقوال و يحصرها في عدد، ثم يفصلها بعد ذلك بذكر الأول فالثاني فالثالث ... ذاكرا ما قد يتفرع على ما سبق أن ذكره من أقوال مع نسبة الأقوال إلى قائليها من الصحابة و التابعين و الأئمة المعتبرين.

2- إيجاز العبارة، و دقة التعبير، و جمال الأسلوب. (1)

فقد أحسن المصنف القول، و أحكم العبارة، و هو أمر يعزو فضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن الشائع التوفيق فيه بعد اللّه إلى موسوعية المصنف، و سعة علمه، و تنوع ثقافته، الأمر الذي مكّن المصنف من صياغة تفسيره و منها المقدمة بأسلوب أدبي رفيع أظهرت تمكنه من ناصية اللغة، و البراعة في اختيار المفردات و التراكيب، حتى إنك نادرا ما تجد عبارة أو جملة يمكن حذفها أو الاستغناء عنها بغيرها، و هو بهذا جمع بين دقة عبارة الفقيه، و جمال أسلوب الأديب. (2)

و من منهج المصنف ذكر الأدلة لأغلب الأقوال و الآراء التي يوردها، آية كانت أم حديثا أم شاهدا من كلام العرب و أشعارها، و هو في استشهاده بالأثر لا يذكر صحة ما يستشهد به، إلا نادرا. (3)

ص: 326


1- انظر: النكت و العيون بتحقيق الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع 1- 124.
2- انظر: النكت و العيون بتحقيق الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع 1/ 124.
3- انظر: النكت و العيون: 1/ 35.

و للماوردي اختياراته في بعض المسائل، فهو قد يرد على بعض الأقوال و يضعفها، و قد يصرح برأيه في بعض الأحايين. (1)

تلك هي السمات البارزة لمنهج الماوردي. (2)

خامسا: مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

الناظر في خطبة الماوردي التي قدم بها تفسيره يجده حدد ملامح منهجه بوضوح، فهو قد حصر تفسيره على بيان الغامض إذ هو محل بحث العلماء، دون الظاهر الذي يفهمه كل عارف بلغة العرب، و هذا شرط التزمه و سار عليه. (3)

و من شرطه جمع أقوال علماء السلف في بيان هذا الغامض، و عرضها، و هذا الآخر التزمه المصنف فهو لا يتوانى عن عرض أقوال السلف في بيان معاني الألفاظ و مدلولاتها، و نسبة ذلك إليهم في الغالب، كما أنه يصرح بموقفه و رأيه في كثير منها، معللا رأيه أحيانا، و تاركا التعليل في أحايين أخرى. (4)

ص: 327


1- ينظر مثال ذلك: 1/ 26- 28.
2- انظر أمثلة ذلك: 1/ 30- 32- 34- 36.
3- انظر: أمثلة ذلك: 1/ 139- 259- 466.
4- انظر: أمثلة ذلك: 1/ 187- 263- 410- 461.

كما اشترط الماوردي أن يضيف إلى أقوال السابقين ما سنح به خاطره من المعاني. (1)

سادسا: مصادر الماوردي في مقدمته:

لم يصرح الماوردي في مقدمته باسم مصدر واحد من مصادره التي استمد منها مادة مقدمته، و إن كان قد صرح بذكر أسماء بعض الأعلام ممن لهم اختيارات في بعض المسائل، و تأويل لبعض الآثار، و هي سمة لمنهج الماوردي كما ذكرت ذلك قبل قليل، و قد عزا جملة من الأقوال إلى قائليها سواء من الصحابة كابن عباس رضي اللّه عنهما (2)، أو التابعين كسعيد بن جبير (3)، و الحسن البصري (4)، و قتادة (5)، كما عزا إلى أبي عبيد القاسم بن سلام في أكثر من موضع (6)، و الأصمعي. (7)

ص: 328


1- انظر أمثلة التزام المصنف بمنهجه في: 1/- 370- 465.
2- انظر مثاله الصفحات: 1/ 23- 26- 27- 35- 36.
3- انظر مثاله الصفحات: 1/ 26.
4- انظر مثاله: 1/ 26.
5- انظر مثاله: 1/ 24.
6- انظر مثاله الصفحات: 1/ 30- 41.
7- انظر مثاله: 1/ 31، و الأصمعي هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك الأصمعي، نحوي لغوي إخباري، نعته الذهبي فقال: حجة الأدب، لسان العرب، توفي (215 ه). انظر: طبقات النحويين و اللغويين للزبيدي: 167- و سير أعلام النبلاء لذهبي: 10/ 175.

و طريقته في العزو في الغالب أنه يذكر القول، ثم يقول: و هو قول فلان. أو و هذا قاله فلان (1). أو أن يحكي القول أو الحكاية ثم يقول: حكاه فلان. (2)

سابعا: أهم مزايا مقدمة الماوردي:

اشارة

يعدّ الماوردي من المفسرين المتقدمين الذين قدموا بين يدي تفاسيرهم مقدمات في علوم القرآن، و هي في حد ذاتها ميزة لها أهمية خاصة إذ هم الذين أصّلوا فن المقدمات.

و قد امتازت المقدمة بميزات أظهرها:

1- تناوله جملة من الموضوعات التي لها أهميتها في عصر المؤلف، كموضوع الإعجاز و التفسير بالرأي.

2- حسن السبر و التقسيم، مع الشمول و الحصر للأقوال في المسائل المطروقة، و عرضها بعبارة موجزة جميلة و أسلوب أدبي رصين.

3- عزو الأقوال إلى قائليها في الغالب.

ص: 329


1- انظر: النكت و العيون: 1/ 24- 26- 41.
2- انظر: النكت و العيون: 1/ 30- 31.

4- التوجيه و التوضيح لبعض النصوص و الآثار.

ثامنا: أهم المآخذ على المقدمة:

1) عدم تناول بعض الموضوعات الهامة كالمحكم و المتشابه، و الناسخ و المنسوخ، و أحسن طرق التفسير، و حكم تفسير الصحابي، و التابعي، و غير ذلك مما هو من صلب أصول التفسير.

2) القصور في معالجة بعض المسائل التي كان من المفترض بيانها بصورة أفضل، كالأحرف السبعة، الموضوع الذي تعددت فيه الأقوال حتى في زمن المصنف بل قبله، و تباينت بصورة ملحوظة، فكان من حق القارئ أن يبين المصنف الرأي الراجح فيه.

3) عدم بيان درجة الآثار التي استشهد بها المصنف عند ذكره للأقوال و سرده للآراء.

ص: 330

5- الوسيط في تفسير القرآن المجيد (1) لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة (468 ه)

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

5- الوسيط في تفسير القرآن المجيد (1) لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة (468 ه)

مؤلف هذا التفسير هو الإمام أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن متّويه الواحدي (2) النيسابوري المولود عام (398 ه) (3).

ص: 331


1- ورد في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 1/ 730 تسميته: «الوسيط بين المقبوض و البسيط».
2- متّويه- بفتح الميم و تشديد التاء المثناة من فوقها و ضمها و سكون الواو و بعدها ياء مفتوحة مثناة من تحتها ثم هاء ساكنة- نسبة إلى الجد المنتسب إليه. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 304- و الأنساب للسمعاني: 5/ 194- و الواحدي: قال ابن خلكان: لم أعرف هذه النسبة إلى أي شي ء هي، و لا ذكرها السمعاني، ثم وجدت هذه النسبة إلى الواحد بن الديل بن مهرة، ذكره أبو أحمد العسكري. انظر: وفيات الأعيان: 3/ 304- و مرآة الجنان لليافعي: 3/ 96.
3- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 339- و طبقات المفسرين للسيوطي: 66- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 303.

نشأ الواحدي ميسورا في رغد من العيش، ضمن أسرة عرفت بالتجارة، و اشتهرت بالثراء، و عرف أنه ثالث أخويه، عبد الرحمن (1) الفقيه المحدث، و سعد السمسار المتفقّه، انضم إلى الكتاتيب في نيسابور، و ندبه أهله للعلم فتلقّى على أفاضل البلدة التعليم الأولي، ثم التحق بدار السّنة في نيسابور نفسها طالب علم مجدّ، فأخذ عن علمائها سماعا و إملاء، و هو لا يزال في مقتبل العمر، لم يتجاوز الثانية عشرة (2)، و دأب على تحصيل العلوم بنهم و جلد، فكلما أتيح له فرصة اللقاء بعالم أسرع إليه، يختار النخبة، و ينتقي الفضلاء، و يشد الرحال فينتقل من مصر إلى آخر يتلقى عن الشيوخ، حتى أكثر منهم، و عرف بعلو السند، يقول عن شيوخه يرحمه اللّه:

و لو أثبتّ المشايخ الذين أدركتهم و اقتبست عنهم هذا العلم يعني علم التفسير من مشايخ نيسابور و سائر البلاد التي وطئتها لطال الخطب، و ملّ الناظر. (3) و من شيوخه:

شيوخه:

ص: 332


1- هو عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، ثقة صادق معمر، أملى مجالس، توفي (487 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 342- و النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 5/ 104.
2- انظر أسباب النزول للواحدي: 306- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 342.
3- انظر: البسيط للواحدي: المقدمة.

أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (1)، و أبو الفضل أحمد بن محمد العروضي الصفّار (2)، و غيرهم. (3)

تبحّر الواحدي في الفنون و العلوم، و أحرز ما عجز غيره عن تحصيله، فكان مفسرا واحد عصره في التفسير، و إمام علماء التأويل (4)، أثنى عليه أهل الفضل من العلماء، نعته ابن قاضي شهبة بقوله: كان فقيها إماما في النحو و اللغة و غيرهما، شاعرا، و أما التفسير فهو إمام عصره. (5)

و قال ابن خلكان (6): كان أستاذ عصره في النحو و التفسير. (7)

ص: 333


1- هو أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، شيخ التفسير، أحد أوعية العلم، صاحب التفسير، توفي (427 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 435- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 66.
2- هو أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن يوسف النيسابوري، شيخ النحو، و أديب نيسابور، توفي (416 ه). انظر: معجم الأدباء لياقوت: 4/ 261- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 389.
3- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 339- و طبقات المفسرين للسيوطي: 66.
4- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 339- و طبقات المفسرين للسيوطي: 66.
5- انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1/ 257.
6- هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان البرمكي، أديب مؤرخ، صاحب أشهر المصنفات في التراجم، توفي (681 ه). انظر: طبقات الشافعية للسبكي: 5/ 14- و شذرات الذهب لابن العماد: 5/ 371.
7- انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 303.

و نقل الذهبي عن السمعاني قوله: كان الواحدي حقيقا بكل احترام و إعظام لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة. قال الذهبي: و هو لكونه قال في تفسير السلمي: و لو قال ذلك تفسير القرآن لكفّرته. قال الذهبي: الواحدي معذور مأجور. (1)

و قال غيرهم غير ذلك، فأجمع الجميع على إمامته، و قعد للتدريس و تخرج به طائفة من الأئمة، و لهذا شد طلبة العلم الرحال إليه زرافات و وحدانا، و اعتكفوا بين يديه، يتلقون عنه سماعا و إملاء، و كان منهم أئمة أعلام و من هؤلاء التلاميذ:

تلاميذه:

عبد الجبار بن محمد الخواري ت (536 ه) (2)، و علي بن سهل بن العباس النيسابوري ت (491 ه)، و أحمد عمر بن عبد اللّه بن أحمد الأرغياني ت (534 ه) و طائفة غيرهم. (3)

و قد صنف الواحدي كثيرا، و رزق السعادة فيها، و أمتع الناس على

ص: 334


1- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 342.
2- هو عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري، ثقة خيّر، توفي (536 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/ 71- و طبقات السبكي: 7/ 144.
3- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 394- و طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1/ 256.

حسنها، و ذكرها المدرسون في دروسهم (1)، و من ذلك:

البسيط في تفسير القرآن الكريم، و الوسيط في تفسير القرآن المجيد، و الوجيز في تفسير القرآن العزيز، قال الذهبي: و بتلك الأسماء سمى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه. (2)، و له أسباب النزول، و هو أعظم ما ألف في هذا الباب كما قال الزركشي (3)، و رسالة في شرف علم التفسير، و شرح ديوان المتنبي (مطبوع). و غير ذلك. (4) و بعد رحلة علمية مباركة دامت ما يقرب من سبعين عاما توفي الواحدي، و انتقل إلى جوار ربه في شهر جمادى الأولى سنة (468 ه) بعد أن عانى من مرض عضال ألّم به طويلا. (5)

ص: 335


1- انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 303.
2- انظر: سير أعلام النبلاء: 18/ 340.
3- انظر البرهان في علوم القرآن:
4- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 340- و طبقات المفسرين للسيوطي: 67- و للداودي: 1/ 394.
5- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 339- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 303- و شذرات الذهب لابن العماد: 3/ 330- و ينظر للمزيد في ترجمته: البداية و النهاية لابن كثير: 12/ 114- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 339- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/ 330- و طبقات الشافعية لابن قاضي شهبه: 1/ 256- و طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 5/ 240- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 394- و طبقات المفسرين للسيوطي: 66- و غاية النهاية لابن الجزري: 1/ 523- و الكامل في التاريخ لابن الأثير: 10/ 101- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 303. و ترجم له الدكتور جودة محمد المهدي ترجمة وافية حقق فيها كثيرا من المسائل في كتابه: الواحدي و منهجه في التفسير: 55.

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

امتاز الواحدي بأنه الوحيد الذي صنّف تفسير القرآن على ثلاث مراحل، مراعيا قدرات المتلقين عنه و مستوياتهم، و قد جاءت تفاسيره الثلاثة في قالب عكست بوضوح ثقافته الواسعة و إلمامه بالعلوم المتنوعة، كما أظهرت براعة يراعه.

و يغلب على الواحدي اهتمامه بالنقل و الأثر، كما أعطى المصنف لإعمال الفكر مجالا رحبا، فاستخرج كثيرا من دقائق المعاني، و صاغها بعبارة رصينة محكمة، زانها بالمأثور المنقول عن سلف الأمة.

و قد اخترت الوسيط من بين تفاسيره، لكونه ينحط عن درجة البسيط الذي تجر فيه أذيال الأقوال، و يرتفع عن مرتبة الوجيز الذي اقتصر على الإقلال، و هكذا عرّف الواحدي الوسيط الذي أعفاه من التطويل و إكثار الأقوال، فجاء أسلم من خلل الوجازة و الاختصار، و أتى على النمط الأوسط، و القصد الأقوم، حسنة بين السيئتين، و منزلة بين المنزلتين، لا إقلال و لا إملال. (1)

و الوسيط تفسير بالجزء، و يعد من التفاسير التي اهتمت بالأثر و اللغة

ص: 336


1- انظر: الوسيط: 1/ 50.

و النحو و الغريب غير أنه لم يطنب في ذلك كما فعل في البسيط، كما أولى الواحدي المسائل الفقهية شيئا من الاهتمام، و كذا أسباب النزول.

و طريقته أنه يذكر الكلمة القرآنية أو الجزء من الآية ثم يبدأ الحديث عنها من ناحية اللغة فيبين المراد و الأصل اللغوي للكلمة، و قد يتكلم على نحوها ثم يسرد الأثر المحفوظ فيها و يتبعها بنقل أقوال السلف دون ذكر الأسانيد إلا نادرا، و يذكر ما استخرجه بإعمال الفكر.

هذا و للوسيط قدر و اعتبار خاص عند أهل العلم فهو غاية في بابه، و قد حظي باهتمام بالغ من طلبة العلم، حتى أن السهروردي أبو النجيب المتوفى (563 ه) (1) حفظه فقال: و حفظت وسيط الواحدي في التفسير (2).

و قد جاءت المقدمة مع خطبة الكتاب في ست صفحات، و لا تعد من المقدمات التي أولت علوم القرآن اهتماما خاصا، و لعل ذلك يعود إلى كون المصنف قد أفرد شيئا من ذلك في تصانيف خاصة كأسباب النزول، و الرسالة التي خصها لبيان شرف علم التفسير.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

اشارة

ص: 337


1- هو عبد القاهر بن عبد اللّه بن محمد بن عموية، أبو النجيب السهروردي، زاهد عابد من أعلام الصوفية، له مصنفات، و أملى مجالس، و أوذي و أهين في نهاية عمره، توفي (563 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/ 475- و طبقات الشعراني: 1/ 140.
2- انظر: طبقات الشافعية للسبكي: 7/ 175.

حمد المصنف اللّه القادر العليم، و صلى على نبيه الكريم و على آله و صحبه الأخيار، ثم بين أن العلم أشرف منقبة، و أجل مرتبة، و أن العلماء هم خواص عباد اللّه، و هم ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء، و ساق لبيان ذلك أثران بسنده، أحدهما صحيح أخرجه البخاري و الآخر فيه من هو ضعيف، و ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1).

عقب ذلك بيّن أن أم العلوم الشرعية كتاب اللّه، و أن العلم بتفسيره و أسباب تنزيله و معانيه و تأويله هو أشرف العلوم، و أن من شرفه أنه يعتمد على السماع و النقل من الشارع و ممن شاهدوا التنزيل من الصحابة و من جاء بعدهم من التابعين الذين جعلوا المصيب فيه برأيه مخطئا، و أورد بسنده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ورد من التحذير في القول بالرأي، و ما يبين أن خير ما يتمسك به العبد هو كتاب اللّه و سنة نبيه صلى اللّه عليه و سلم، إشارة إلى وجوب اعتماد ما ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في التفسير و غيره، فهو يذكر المعنى ثم يورد ما يعضده من الأثر.

و ختم المقدمة ببيان جهده في خدمة كتاب اللّه و ما سبق أن صنفه في التفسير، ثم بيان غايته من الوسيط الذي أقدم عليه طالبا العون من اللّه.

و قد طبعت المقدمة مع التفسير طبعتان:

الأولى: على آلة النسخ، قدمت رسائل علمية إلى كلية أصول الدين-

ص: 338


1- انظر: مجمع الزوائد للهيثمي: 1/ 126- و الموضوعات لابن الجوزي: 1/ 263.

بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لنيل درجة الماجستير.

و الثانية: ظهرت مطبوعة في أربع مجلدات، بتحقيق مجموعة من الباحثين، صدرت عن دار الكتب العلمية في بيروت عام 1415 ه.

رابعا: منهج الواحدي في تفسيره:

نهج الواحدي في مقدمته منهجا واضحا، فهو يذكر المسألة التي يريد عرضها بعبارته مبينا رأيه، ثم يذكر أثرا في المعنى الذي أشار إليه، ذاكرا سنده في الرواية (1).

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

اشترط الواحدي على نفسه أن ينهج في تدوين تفسيره منهجا متوسطا، لا بالطويل الممل، و لا القصير المقل، يعفيه من إكثار الأقوال و التطويل، و يسلمه من خلل الوجازة و الاختصار.

و هذا الشرط التزمه المصنف في تفسيره، و سار عليه باضطراد، و يظهر هذا الالتزام جليا للناظر في تفسيري المصنف البسيط و الوسيط (2).

سادسا: مصادره:

ص: 339


1- انظر أمثلة ذلك: 1/ 45- 47- 49.
2- انظر مثال ذلك في الوسيط: 1/ 112- 247- 281.

لم يذكر الواحدي مصدرا لمقدمته لكونه لم يذكر قولا أو رأيا لغيره.

سابعا: أهم الميزات و أظهر المآخذ:

لا يستطيع المرء أن يصنف مقدمة الوسيط للواحدي في المقدمات التي اهتمت بعلوم القرآن، فالمصنف ما أراد إلا التنبيه إلى بعض الأمور بشكل مختصر، لذا لا يمكن ذكر شي ء من الميزات أو المآخذ.

ص: 340

6- معالم التنزيل لمحيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفي سنة (516 ه)

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مؤلف هذا التفسير هو: أبو محمد، الحسين بن محمد بن مسعود بن محمد المعروف بابن الفراء البغوي (1) الشافعي، المتوفى سنة (510 ه) (2)، و الذي لم تشر إليه معظم المصادر التي ترجمت له إلى سنة ولادته، غير أن ياقوت صاحب المعجم قال: إنه ولد سنة 433 ه (3)، كما ذكر الزركلي في الأعلام أن ولادته كانت عام 436 ه (4).

و لم تسعفنا المصادر التي وقفت عليها بشي ء من المعلومات عن نشأة

ص: 341


1- (البغوي) نسبة إلى (بغشور)- بضم الشين المعجمة، و سكون الواو، وراء- بليدة بين هراة و مرو الروذ من مدن خراسان، نسبوا إليها على غير القياس، و قيل (بغشور) اسم الولاية، و اسم المدينة (بغ) انظر: معجم البلدان لياقوت: 1/ 467- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/ 137- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة: 2/ 91.
2- اختلف في سنة وفاته، فقيل: إنه توفي سنة (515 ه)، و قال ابن خلكان: و قد رأيت في كتاب ( (الفوائد السفرية)) التي جمعها الشيخ الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري أنه توفي سنة ستة عشر و خمس مائة. انظر: وفيات الأعيان: 2/ 136.
3- انظر معجم البلدان لياقوت: 1/ 467.
4- انظر الأعلام للزركلي: 2/ 259.

الإمام، و لا وضعت بين أيدينا أخبارا عن حياته زمن الطلب، و مزاحمة الركب، فهي الأخرى إذا مرحلة مجهولة لنا، غير أننا نستطيع أن نعتقد بأن البغوي عاش حياته كغيره من طلبة العلم الذين تنقلوا بين حلقات العلم، يلتقون الشيوخ و يسمعون منهم، غير أنه كان مثابرا جادا ذا نظر ثاقب، بشهادة العلماء المشهود لهم بالصلاح و العلم، و بأمارة المكانة التي تبوأها بين أهل العلم حتى حصلت له من الألقاب ما لم يحصل لغيره.

يقول الذهبي: كان عالما، علامة، زاهدا، قانعا باليسير، بورك في تصانيفه، و رزق فيها بالقبول التام، لحسن قصده، و صدق نيته (1).

و قال الحافظ ابن كثير: برع في التفسير و الحديث و الفقه، و كان علامة زمانه فيها (2).

و قال السيوطي: كان من العلماء الربانيين، ذا تعبد و نسك و قناعة باليسير. (3) و قال: كان إماما في التفسير، إماما في الحديث، إماما في الفقه. (4)

و عن ابن الأهدل (5): هو صاحب الفنون الجامعة، و التصانيف

ص: 342


1- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 439.
2- انظر: البداية و النهاية: 12/ 193.
3- انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي: 456.
4- انظر: طبقات المفسرين للسيوطي: 38.
5- هو حسين بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني العلوي، مفتي الديار اليمنية، و شيخها بلا مدافع، صنف كثيرا، و من تصانيفه القول النضر على الدعاوى الفارغة بحياة الخضر، توفي (855 ه). انظر: البدر الطالع للشوكاني: 1/ 218- و الأعلام للزركلي: 2/ 240.

النافعة (1).

و قد نشأ البغوي شافعيا في الفروع، سلفيا في الأصول، و لم يكن ليتعصب لرأي إمامه، بل كان يتبع الدليل و الحجة، كما كان يدعو إلى الاعتصام بالكتاب و السنة، و لهذا عرف عن الإمام سلامة العقيدة، و قوة الحجة، و دقة العبارة، و وضوح المعنى، و كان لهذه السمات الأثر الكبير لدى العلماء حتى نعتوه بالإمام، و بشيخ الإسلام، و ركن الدين، و محيي السنة (2).

عقيدته:

يعدّ البغوي من أئمة السلف المتبعين للكتاب و السنة، و النصوص المبثوثة في ثنايا تآليفه إضافة إلى شهادة العلماء التي تشهد له على هذه الحقيقة، و من هذه النصوص:

روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «ما من قلب مؤمن إلا و هو بين إصبعين من أصابع رب العالمين، إذا شاء أن يقيمه أقامه، و إذا شاء أن يزيغه

ص: 343


1- انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 4/ 48.
2- لقب ب «محيي السنة» و ذلك حين صنف كتابه الشهير «شرح السنة» رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المنام و قال له: لقد أحييت سنتي بشرح أحاديثي. فلقب بمحيي السنة.

أزاغه ..» (1) الحديث.

قال البغوي في شرحه لهذا الحديث: و الأصبع المذكور في الحديث صفة من صفات اللّه عز و جل و جل، و كذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات اللّه تعالى كالنفس، و الوجه، و العين، و اليد، و الرجل، و الإتيان، و المجي ء، و النزول إلى السماء الدنيا، و الاستواء على العرش، و الضحك، و الفرح.

إلى أن قال: فهذه و نظائرها صفات للّه تعالى، ورد بها السمع، يجب الإيمان بها و إمرارها على ظاهرها، معرضا فيها عن التأويل، مجتنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري سبحانه و تعالى لا يشبه شي ء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق، قال اللّه سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] و على هذا مضى سلف الأمة و علماء السنة، تلقوها جميعا بالإيمان و القبول و تجنبوا فيها عن التمثيلي.

ص: 344


1- أخرجه البغوي عن النواس بن سمعان الكلابي، شرح السنة: 1/ 166، و أحمد في المسند: 4/ 182. و أوردها السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: بين إصبعين من أصابع الرحمن. و عزاه لأحمد و ابن ماجة و الحاكم، و حسنه. قال المناوي: و أخرجه النسائي في الكبرى عن عائشة، قال الحافظ العراقي: و سنده جيد. فيض القدير: 5/ 493. و قد أخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 525 و 4/ 321 و قال: صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه. و أقره الذهبي.

و التأويل (1).

كما امتلأ تفسير المصنف بالأقوال التي انتصر فيها لمذهب أهل السنة و الجماعة و تصدى لأهل البدع و الأهواء. (2)

شيوخه و تلاميذه:

أخذ البغوي العلم عن ثلة من العلماء البارزين، و الشيوخ المجيدين في صنوف العلم المعتبرة، في بلاده و خارج دياره، و من هؤلاء:

القاضي حسين بن محمد المرورّوذي، و قد تفقه عليه البغوي قبل عام (460 ه) (3)، و أبو بكر يعقوب بن أحمد النيسابوري (4)، و أبو تراب عبد

ص: 345


1- انظر: شرح السنة: 1/ 168.
2- ينظر تفسير قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: 103]، و قوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ [يونس: 26]، و قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: 22]
3- هو القاضي حسين بن محمد بن أحمد المروذي، و قيل: المروروذي، شيخ الشافعية بخراسان، قيل: كان من أنبل شيوخ محيي السنة، توفي (462 ه). انظر: سير أعلام النبلاء: 18/ 261- و 19/ 440- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 161.
4- هو يعقوب بن أحمد بن محمد الصيرفي النيسابوري، الشيخ الرئيس الثقة المسند، قال الذهبي: كان صحيح الأصول. توفي (466 ه) انظر: سير أعلام النبلاء: 18/ 245- و 19/ 440- و شذرات الذهب: 3/ 325.

الباقي المراغي، مفتي نيسابور (1)، و غير هؤلاء كثير (2).

أما تلامذة البغوي فهم أيضا كثر، نذكر منهم:

أبو منصور محمد بن أسعد بن العطاري ت (571 ه) (3)، و أبو المكارم فضل اللّه بن أبي سعيد النّوقاني (4)، و غيرهما.

مؤلفاته:

ترك الإمام البغوي آثارا مفيدة من علوم التفسير و الحديث و الفقه، و امتازت مؤلفات المصنف بسهولة العبارة، و قوة الدليل و صحته، و إسقاط الحشو و التطويل، و من تلك المصنفات:

ص: 346


1- هو عبد الباقي بن يوسف بن علي المراغي الشافعي، إمام فقيه قدوة، عرف عنه حب النفع للخلق، توفي (492 ه). انظر: سير أعلام النبلاء: 19/ 170- و 19/ 440- و شذرات الذهب: 3/ 398.
2- ينظر: سير أعلام النبلاء: 19/ 440.
3- هو محمد بن أسعد بن محمد بن الحسين العطاري المعروف بحفدة، فقيه واعظ، سمع من البغوي تفسيره و شرح السنة و كتبهما، توفي (571 ه). انظر: سير أعلام النبلاء: 20/ 539 و 19/ 440- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 161.
4- هو فضل اللّه بن محمد بن أحمد النوقاني الشافعي، فقيه عالم، أخذ له والده من محيي السنة إجازة بمروياته، توفي (600 ه). انظر: سير أعلام النبلاء: 21/ 413- و 19/ 440- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 161.

1) التهذيب في فقه الشافعية، و هو من الكتب المحررة و المعتمدة عند الشافعية، نقل النووي منه مرارا في الروضة (1).

2) معالم التنزيل: و هو تفسيره المشهور الذي نحن بصدد الحديث عنه.

3) شرح السنة: و هو من أجلّ شروح السنة التي وصلت إلينا، انتقى المؤلف الأحاديث التي شرحها بدقة تامة، و أولى هذا الكتاب عناية خاصة، فجاء مليئا بالفوائد.

4) مصابيح السنة: ضمن المصنف هذا الكتاب مجموعة من الأحاديث الصحاح و الحسان، و عنى بالصحاح الأحاديث التي أخرجها البخاري و مسلم، و بالحسان التي أخرجها أصحاب السنن، و قد حذف الأسانيد.

5) الأنوار في شمائل النبي المختار- صلى اللّه عليه و سلم (2).

6) مجموعة من الفتاوى الفقيهة: سأل عنها شيخه أبا علي المروزي (3). و غيرها.

وفاته:

ص: 347


1- انظر: روضة الطالبين و عمدة المفتين للنووي: 1/ 9.
2- انظر: كشف الظنون: 1/ 195- و الرسالة المستطرفة للكتاني: 105.
3- انظر: شرح السنة: 1/ 29- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 161.

توفي رحمه اللّه تعالى بمرو في شهر شوال سنة ست عشرة و خمس مائة للهجرة (516 ه)، على الراجح من أقوال أهل العلم (1).

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

أثنى شيخ الإسلام ابن تيمية على تفسير البغوي حين سئل يرحمه اللّه عن أقرب التفاسير إلى الكتاب و السنة: الزمخشري أم القرطبي أم البغوي؟

و كانت إجابته أن: (أسلمها من البدعة و الأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، و حذف منه الأحاديث الموضوعة، و البدع التي فيها، و حذف أشياء غير ذلك) (2). و قال: صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة و الآراء المبتدعة. (3)

و قد ألف البغوي تفسيره هذا استجابة لجماعة من أصحابه المخلصين

ص: 348


1- انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/ 136. و للمزيد في ترجمته ينظر: البداية و النهاية للحافظ ابن كثير: 12/ 193- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 439- 440- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 4/ 48- و طبقات الحفاظ للسيوطي: 456- و طبقات الشافعية للسبكي: 7/ 57- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 160- و طبقات المفسرين للسيوطي: 38- و مرآة الجنان لليافعي: 3/ 213- و مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: 2/ 91 و 2/ 129- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/ 136.
2- انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: 31/ 386.
3- انظر: مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 76.

الذين طلبوا إليه تفسيرا لكتاب اللّه. فصنف هذا التفسير الذي جاء متوسطا بين الطويل الممل، و القصير المخل.

كما صرح المصنف بأن ما ضمنه هذا التفسير ليس زيادة على من سبقوه من المفسرين، و لا إضافة إلى ما قدموه، و لكنه جاء تلبية لحاجة زمانه من التجديد الذي طال به العهد، و تنبيها للمتوفقين، و تحريضا للمتثبطين (1).

و قد جاء هذا التفسير الذي هو في الأصل مختصر لتفسير الثعلبي في أجمل صورة، و أحلى زينة، فكان- على حد قول الخازن- من أجلّ المصنفات في علم التفسير و أعلاها و أنبلها و أسناها، جامعا للصحيح من الأقاويل، عاريا عن الشبه و التصحيف و التبديل، محلى بالأحاديث النبوية مطرزا بالأحكام الشرعية، موشى بالقصص الغربية، و أخبار الماضين العجيبة، مرصعا بأحسن الإشارات، مخرجا بأوضح العبارات، مفرغا في قالب الجمال بأفصح مقال (2).

هذا و قد طعن البعض في هذا التفسير الجليل، و أفاد بأنه يوجد فيه من المعاني و الحكايات ما يحكم بضعفه أو وضعه (3). و هو ما يفهم من ظاهر

ص: 349


1- ينظر مقدمة التفسير: 1/ 33.
2- انظر: لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن: 1/ 3.
3- انظر: الرسالة المستطرفة للكتاني: 78، يقول الدكتور محمد إبراهيم شريف: لقد نقل الذهبي هذه العبارة من الكتاني، و تبعه الشيخ د/ عبد اللّه شحاتة في كتابه تاريخ القرآن و التفسير؛ انظر: البغوي الفراء و تفسيره للقرآن الكريم: 104.

تلك الجملة الموهمة التي أطلقها الخازن قبل قليل، و التي تفيد بأن البغوي جاء في تفسيره بالقصص الغريبة التي لا أصل لها.

و هو زعم باطل في رأي بعض الدارسين (1)، الذين يرون أن الناس قد تلقوا هذا التفسير بقبول حسن، و أن أرباب الصناعة قد شهدوا له بالإعجاب و التقدير، و أن ما لقيه من الرواج و الانتشار بين أهل العلم ينفي عنه هذه التهمة.

و الحق و التفسير بين أيدينا يشهد على البغوي أنه أورد بعض الإسرائيليات التي نص أئمة الحديث على أنها أخبار موضوعة، كالذي أورده في قصة هاروت و ماروت، و لا يعفيه من المسئولية- و هو المفسر المحدث- أنه تابع في ذلك ما جاء في كتب التفسير بالمأثور، و إن كان تفسيره أسلم في هذا من غيره.ه.

ص: 350


1- أشار الدكتور محمد إبراهيم الشريف إلى أنّ البغوي الذى عناه الكتاني في رسالته هو بغوي آخر غير محيي السنة و اسمه عبد اللّه بن محمد، المعروف بالبغوي الكبير و أن المعنيّ توفي سنة (317 ه) و أورد نص الكتاني و توصل منه إلى ما أقره من نفي هذه الشبهة و ردّها. انظر: البغوي الفراء و تفسيره للقرآن: 104. قلت: كلام الكتاني هو عن التفسير المسمى «معالم التنزيل» و معروف أنه للبغوي محيي السنة، و لا نعلم للبغوي الكبير تفسيرا بهذا الاسم، و إنما جاء الخطأ من الكتاني الذي نسبه للبغوي الكبير، ثم إن تفسير البغوي «معالم التنزيل» موجود بين أيدينا يشهد له أو عليه.

مهما يكن الأمر فإن ما جاء من هذا القبيل في هذا التفسير هو أقل بكثير مما جاء في غيره من التفاسير السابقة عليه و اللاحقة. كما أن ما جاء فيه لا ينقص من قدره و قيمته، لكونه لا يذكرها في مناط الجزم و الاعتماد لتوجيه الآية، و لكون رواية الإسرائيليات المسكوت عنها أمر لا حرج فيه.

و امتاز تفسير البغوي بسهولة العبارة بعيدا عن التكلف و التطويل، ثم الاعتماد على أحسن الطرق في التفسير و هو التفسير بالمأثور، كما يلاحظ أن تفسيره قد امتلأ بالمواطن التي انتصر فيها المصنف لأهل السنة و الجماعة، فهو لهذا يعد واحدا من التفاسير الهامة التي تحوي آراء أهل السنة.

و قد قدم البغوي تفسيره بمقدمة مختصرة، بين فيها منهجه في الكتابة و دواعي التأليف، كما ذكر مصادره من كتب التفسير بالمأثور و كتب الأخبار و السير و القراءات و الحديث، و عقد فصولا لبعض موضوعات علوم القرآن.

قدم الإمام البغوي لتفسيره مقدمة استغرقت أربع عشرة صفحة من القطع الكبير، بين فيها الدواعي إلى تأليف هذا التفسير، كما بين فيها مصادره من الصحابة و التابعين و أئمة السلف، و تعرض لثلاثة موضوعات من موضوعات علوم القرآن، و أفردها بالحديث، و جعل كل موضوع في فصل مستقل، و هي:

ص: 351

1) فضائل القرآن و تعليمه.

2) فضائل تلاوة القرآن.

3) وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم.

كما تعرض لبيان معنى التفسير و التأويل، و نزول القرآن على سبعة أحرف.

و قد انتخب المصنف لكل موضوع جملة من الآثار، و لم يكثر منها، و أوردها بأسانيده، و ذكر من خرجها من الأئمة، و بين حكمها و درجتها.

و قد طبعت بعدد طبعات الكتاب، نذكر منها: 1) طبعة حجرية عام 1285 ه، مكونة من أربعة أجزاء، عليها بعض التعليقات.

2) طبع على هامش تفسير ابن كثير في تسعة مجلدات، بمطبعة المنار بمصر عام 1343 ه.

3) طبع على هامش تفسير الخازن في أربعة مجلدات عام 1375 ه.

4) طبع طبعة جيده بتحقيق الأستاذين: خالد بن عبد الرحمن العك، و مروان سوار، و نشر دار المعرفة- بيروت- لبنان عام 1406 ه.

5) طبع طبعة ممتازة، و من أفضل طبعات الكتاب بتحقيق الأساتذة:

محمد عبد اللّه النمر، و عثمان جمعة ضميرية، و سليمان مسلم الحرش،

ص: 352

و نشرته دار طيبة بالرياض عام 1409 ه.

ثالثا- عرض موضوعات المقدمة:

اشارة

استهل المصنف مقدمته بحمد اللّه و الثناء عليه، و الصلاة و السلام على نبيه و صفيه محمد صلى اللّه عليه و سلم خاتم النبيين، ثم وضّح مهمة الرسول صلى اللّه عليه و سلم، و إنزال الكتاب عليه الذي كان به الإعجاز و التحدي للخليقة أجمع، لذا كان في اتباعه النجاة و في الإعراض عنه الخسارة و الضياع، و بيّن ما اشتمل عليه القرآن الكريم من أمور العقيدة و الفقه و القصص و الأمثال، و الذي يفهم بمعرفة تفسيره.

و أشار إلى أن السابقين قد بذلوا جهودا مباركة في تفسير كتاب اللّه، و ألفوا الكتب لبيان علومه و فنونه، ثم نقل لنا دواعي تأليفه لهذا التفسير و أجملها في أمرين:

الأول: استجابة لجماعة من أصحابه من طلبة العلم، و يقول في ذلك:

فسألني جماعة من أصحابي المخلصين، و على اقتباس العلم مقبلين كتابا في معالم التنزيل و تفسيره، فأجبتهم إليه معتمدا على فضل اللّه تعالى و تيسيره ... (1)

الثاني: اقتداء بأئمة السلف الذين رأوا في تقييد العلم بالكتاب إبقاء للخلف.

ص: 353


1- انظر: مقدمة معالم التنزيل: 1/ 34.

ثم صرح بأنه اختار لتفسيره طريقة بين الطويل الممل و القصير المخل، فجاء متوسطا كما أراد.

بعدها بيّن المصنف أن التعبد يكون بتلاوة الكتاب كما يكون باتباع أحكامه، على أن تكون التلاوة وفق رسم المصحف الإمام الذي اتفقت الصحابة عليه و أن لا تتجاوز بأية حال قراءة أحد القراء المعروفين الذين خلفوا الصحابة و التابعين و اتفقت الأئمة على اختياراتهم و إمامتهم و ذكر أسانيدهم في القراءة.

و قبل أن يتعرض لموضوعات علوم القرآن الثلاثة التي قدمها بين يدي تفسيره، بيّن منهجه في الاستشهاد بالأحاديث و الآثار النبوية.

الفصل الأول: فصل في فضائل القرآن و تعليمه:

اكتفى المصنف في هذا الفصل بسوق مجموعة من الآثار الدالة على فضل القرآن بأسانيده، مع عزوها إلى من أخرجها من أئمة الحديث في مصنفاتهم، و لم يشأ المصنف بيان النصوص المشكلة، و لا شرح غريبها على عادة العلماء، و هو منهج اتخذه في الفصول اللاحقة أيضا.

الفصل الثاني: فصل في فضائل تلاوة القرآن:

كان من حق هذا الفصل أن يدمج مع سابقه غير أن المصنف فصل بينهما، فأورد في هذا الفصل تسعة آثار ساقها بسنده بينت فضل تالي القرآن، و ما ينتظره من الأجر و المثوبة، و لم أر مسوغا لصنيع المصنف هذا

ص: 354

بفصل الموضوعين و هما موضوع واحد، و لهذا أدمجهما الخازن في تفسيره.

الفصل الثالث: فصل في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم:

ثلاثة آثار هي التي أوردها المصنف ليبين الوعيد الشديد الذي ورد في حق المتقوّل على كتاب اللّه برأيه، كما ذكر أثرين عن الصحابة يؤكدان ما أحدثه الوعيد الوارد من الخشية في نفوس الصحابة حتى أحجموا عن خوض هذا المضمار.

و لأن المصنف يرى جواز التأويل في كتاب اللّه، و خشية أن يلتبس ذلك بالقول في القرآن بالرأي أشار المصنف إلى أن التأويل لا يدخل تحت هذا الوعيد، كما بين معنى التفسير بأنه الكلام في أسباب نزول الآية و نشأتها و قصتها، و أن ذلك يكون بالسماع بعد ثبوته بالنقل.

و ختم الفصل بسوق الأثر الذي رواه عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي يبين نزول القرآن على سبعة أحرف و أن لكل آية ظهر و بطن، و حد و مطلع. كما ذكر اختلاف العلماء في تأويلهم للظهر و البطن و الحد و المطلع.

رابعا- منهج البغوي في مقدمته:

منهج البغوي في المقدمة أنه يبدأ الفصل بسرد الآثار التي اختارها مما يليق بموضوع الباب، و ذلك بذكر الأثر بإسناده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. ثم يبين من أخرجه من الأئمة في الغالب، و إن كان المخرج قد قال فيه مقولة، نقله،

ص: 355

أو حكما أورده، و إلا حكم هو على المروي بالصحة أو الغرابة أو غير ذلك- في الغالب- أيضا. و قد يترك الرواية دون أن يذكر من خرجها من الأئمة، و في الغالب يكون له أصل أو شاهد قوي في الصحيح.

و قد أعفى البغوي نفسه تتبع الغريب من الألفاظ بالبسط و الشرح، و لهذا لم نجده وقف عند لفظة غريبة، و هو الأمر الذي دعا الخازن- مختصر الكتاب- إلى استدراكه، و استبدال الغريب بالأسانيد، و كأن البغوي استغنى عن شرح الغريب لكونه قد خصص لذلك كتابه الحافل الجامع شرح السنة.

هذا و لم يخرج البغوي عن هذه القاعدة في مقدمته إلا عند حديثه عن الحد و المطلع، و الظهر و البطن، حيث بيّن اختلاف أهل العلم في تفسير هذه الألفاظ (1).

خامسا- بيان مدى التزام البغوي في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

بيّن البغوي منهجه الذي انتهجه في تفسيره، فوصفه بالتوسط و الاعتدال في ذكر الأقوال و بسطها، و الإعراض عن ذكر المناكير من الأحاديث و الآثار، و ما لا يليق بحال التفسير، و الاكتفاء بما ثبت في الكتب

ص: 356


1- ينظر أمثلة المنهج في: 1/ 38- 39.

المسموعة للحفاظ و أئمة الحديث، كما تعهد المصنف بذكر القراءات القرآنية للقراء المشهورين و اختياراتهم.

و هي ضوابط التزمها المصنف في تفسيره على العموم، فالقارئ في معالم التنزيل يجد البغوي قد تحاشى مثلا النكات البلاغية، و المباحث اللغوية، إلا ما كان ضروريا منها لأجلاء المعنى (1)، و يجده تجنب ذكر ما ولع به أصحاب المطولات في التفسير كالرازي و غيره من المباحث التي لا صلة لها بعلم التفسير.

كما يلاحظ أن المصنف قد أورد أقوال العلماء في بيان معنى الآية، و اقتصد في ذلك، و ذكر الاختلاف من غير إطالة في الغالب، و لا ترجيح (2).

و كذا التزامه بذكر القراءات، فهو يتعرض للقراءات من غير إسراف منه في ذلك (3).

أما ما ذكره من الالتزام بالإعراض عن المناكير، و الاعتماد على الثابت عند الحفاظ، فقد التزمه إلى درجة كبيرة، و إن كان قد وقع في شي ء

ص: 357


1- انظر مثال ذلك: 1/ 160- 181.
2- انظر مثال ذلك: 1/ 121- 279.
3- انظر مثال ذلك: 1/ 117- 212- 258- 336.

منها، فذكر بعض الإسرائيليات دون أن يعقب عليها، أو يبين ما فيها (1).

سادسا- مصادر البغوي في مقدمته:

رغم التزام البغوي بالنهج الذي انتهجه من رواية الأحاديث و الآثار بأسانيده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فقد ذكر من خرج الروايات التي ساقها من الأئمة في كتبهم، و هي و إن كانت لا تعد مصادر للبغوي لكونه لم يعتمد عليها غير أن ذكره لها، و اعتماده حكم أصحابها يجعلنا نعدها بمثابة مصادره في المقدمة و هي:

1) صحيح البخاري (2).

2) صحيح مسلم (3).

3) سنن الترمذي (4).

سابعا- مزايا المقدمة و المآخذ عليها:

لا يستطيع المرء اعتبار مقدمة البغوي هذه مقدمة في علوم القرآن

ص: 358


1- انظر مثال ذلك: 1/ 298- 302.
2- انظر مثاله صفحة: 1/ 39- 42.
3- انظر مثاله صفحة: 1/ 41.
4- انظر مثاله صفحة: 1/ 39- 41.

بالمصطلح المعروف، و ذلك لكونه لم يقدم لنا إلا أحاديث بعدد انتقاها ليؤكد على أهمية تلاوة كتاب اللّه، و فضل التلاوة و التعليم، و النهي عن التفسير بالرأي ليؤكد به أن ما نهجه من التفسير بالأثر هو المطلوب و السالم عن المعارضة، فهو لم يتعرض لموضوعات هامة في علوم القرآن، كما أنه لم يفصل- و لو بقدر- في الموضوعات الثلاثة التي تعرض لها، و لهذا فإننا لا نستطيع أن نحكم على هذه المقدمة فنذكر ما لها من المزايا، أو عليها من المآخذ اكتفاء بما سبق من الحديث عنها.

ص: 359

7- المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز (1) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي المتوفي سنة (546) ه

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

7- المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز (1) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي المتوفي سنة (546) ه

مصنف هذا التفسير الجليل هو القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرءوف بن تمام بن عبد اللّه بن تمام ابن عطية بن خالد بن عطية المحاربي الداخل (2)، المولود سنة (481 ه).

و ينحدر المصنف- رحمه اللّه- من سلالة عربية أصيلة، فقد كان جدهم جنديا من جنود الفتح الإسلامي للأندلس، و هو عطية بن خالد بن خفاف

ص: 360


1- إطلاق هذه التسمية على التفسير ليس من صنيع ابن عطية- يرحمه اللّه- بل جاء متأخرا، فقد ذكر المترجمون أن له تفسيرا جيدا، غير أنهم لم يسموه، كما أن المصنف لم يسمه، و هذه التسمية التي عرف بها التفسير، أطلق جزءا منها لسان الدين الخطيب ت (776 ه) فقال: (الوجيز)، ثم جاء ملا كاتب جلبي ت (1067 ه) فأطلق عليه اسم الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، اقتبسها من قول المصنف في مقدمته: و قصدت فيه- أي في التفسير- أن يكون جامعا وجيزا محررا. هذا و قد عالج الأستاذ عبد الوهاب فائد هذه التسمية معالجة علمية. انظر: مختصر الإحاطة: 2/ 165- و كشف الظنون: 2/ 1613- و منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم للدكتور عبد الوهاب فائد: 82.
2- انظر: فهرس ابن عطية: 59- و الصلة لابن بشكوال: 431 تحقيق عزت العطار.

المحاربي، نازل قرية (قشتالة) (1). أنسل- كما يقول ابن فرحون- كثيرا لهم قدر و فيهم فضل (2). و عن ابن خاقان قوله في أحد رجالات هذه الأسرة: نشأ في بيئة كريمة، و أرومة من الشرف غير مرومة، لم يزل فيها على وجه الزمان أعلام علم، و أرباب مجد ضخم، قد قيدت مآثرهم الكتب، و أطلقتهم.

التواريخ كالشهب (3).

نشأ ابن عطية في كنف أبيه، و تربى منذ الصغر على تعاليمه و توجيهاته، محيطا بعنايته، وفر له- رحمه اللّه- أسباب الراحة، و يسر له النجاح، فاجتمعت الرعاية الحسنة و صدق التوجه و قوة العزيمة، مع سلالة الأرومة، حتى سعى لطلب العلم منذ اليفاعة و لازمه هذا الطموح حتى برزت مواهبه، و غدا شخصية علمية يشار إليها بالبنان، فكان رحمه اللّه يتوقد ذكاء، سابق الأمجاد فاستولى على الأمد بغلابة، و لم ينض ثوب شبابه، أدمن التعب في السؤدد جاهدا حتى تناول الكواكب قاعدا (4).

سما إلى رتبة الكهول صغيرا، و شنّ كتيبة ذهنه على العلوم

ص: 361


1- انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب: 1/ 133.
2- انظر الديباج المذهب لابن فرحون: 174 ط عباس بن شقرون، عام 1351 م.
3- انظر: قلائد العقيان لابن خاقان: 216.
4- انظر: المراجع السابق: 217.

مغيرا، فسباها معنا و فضلا، و حواها فرعا و أصلا. (1)

و يرجع نبوغ المصنف إلى الاهتمام العظيم الذي أولاه والده- رحمه اللّه كما ذكرنا قبل قليل- فقد كان من علماء غرناطة المعتبرين، و المشهود لهم برسوخ القدم في العلوم الشرعية، دفع بولده إلى حلقات العلم المنتشرة في أنحاء المدينة العامرة، كما كانت لحلقات والده، و أرتال الطلبة في غدو و رواح، متناوبين لحضور تلك الحلقات، و والده يتوسطهم يعلم و يربي و يوجه، كان لهذا المشهد البديع أثره الكبير في نفس ابن عطية، و شغوفه بالعلم، حتى دفعه هذا الهيام إلى الانخراط في ذلك الجمع المبارك، حتى فاق أقرانه، يتصيد العلماء الواردين على غرناطة و ينتقيهم، فما أن يسمع بوجود أحدهم في المدينة حتى يعزم لقاءه، و التلقي عنه، و قد روي أن محمد عبد العزيز بن عبد الوهاب القيرواني، دخل غرناطة، و كان عالي الرواية، قديم السماع، فأسرع إليه ابن عطية حين علم بوجوده، رغم صغر سنه، و طلب الإجازة، و حين رآه الشيخ أهلا كتب له بخطه إجازة علمية (2). و كذا فعل مع غير واحد كالحافظ أبي علي الغساني، و غيره. (3)

كما كان لترحاله في أنحاء الأندلس طالبا للعلم، دور في علو قدره،ت.

ص: 362


1- انظر: نفح الطيب للمقري: 3/ 279.
2- انظر: فهرس ابن عطية: 94.
3- ينظر فهرس ابن عطية فهو ملي ء بمثل هذه الروايات.

فمن لم يلتق به في غرناطة من العلماء شد الترحال إليه حيث وجد من ديار الأندلس، قصد أرباب العلم في كافة عواصم الأندلس و حواضرها، مثل قرطبة و أشبيلية و مرسية و بلنسية و غيرها، و كان في ذلك عوضا له من الترحال إلى المشرق الذي كان يومها مصدر إشعاع حضاري في كثير من العلوم. (1)

مكانته العلمية:

كان ابن عطية- رحمه اللّه- فقيها عالما بالتفسير و الأحكام، محدثا عالي السند، لغويا عارفا بالنحو و الأدب، مقيدا حسن التقييد، له نظم رائق، و نثر محكم رصين، ولي القضاء بالمرية، فكان غاية في الدهاء و الذكاء، و التهمّم بالعلم، سري الهمة في اقتناء الكتب (2).

و كان رحمه اللّه من الرجال البارزين الذين أسهموا إسهاما فعالا في نشر العلم في ديار الأندلس حتى قال عنه السيوطي: هو الإمام الكبير، قدوة

ص: 363


1- يعلل بعضهم عدم توجه ابن عطية للمشرق طالبا للعلم انشغاله- يرحمه اللّه- بالجهاد و الدفاع عن ديار الأندلس، حيث كانت مهددة بالسقوط آنذاك، [انظر: منهج ابن عطية في تفسير القرآن العظيم للدكتور عبد الوهاب فائد: 55] و يدل على ذلك أن المصنف- يرحمه اللّه- قد اشترك في عدة غزوات، و دافع عن الديار، كما أن لبعض شعره و قصائده و رسائله إلى الملوك و الأمراء دورا عظيما في تثبيت الهمم.
2- انظر: الإحاطة للسان الدين بن الخطيب: 3/ 539- و الديباج المذهب لابن فرحون: 174.

المفسرين. (1)

و قال صاحب البحر المحيط أبو حيان عنه و عن الزمخشري: إنهما أجل من صنف في علم التفسير، و أفضل من تعرض للتنقيح فيه و التحرير، و قد اشتهرا و لا كاشتهار الشمس.

إلى أن قال: و في خطبتي كتابهما و في غضون كتاب الزمخشري ما يدل على أنهما فارسا ميدان، و ممارسا فصاحة و بيان.

و يتابع فيقول: إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير، و ممارسا تحريره و التحبير، نشراه نشرا، و طار لهما به ذكرا، و كانا متعاصرين في الحياة، متقاربين في الممات. (2)

و قال ابن عاشور عنه و عن الزمخشري: كلاهما عضادتا الباب، و مرجع من بعدهما من أولي الألباب. (3)

و يقول ابن خاقان (4): فيه نبعة روح العلا، و محرز ملابس الثنا، فذ الجلالة، و واحد العصر و الأصالة، وقّار كما رسا الهضب، و أدب كما اطّرد السلسل العذب، أثره في كل معرفة، علم في رأسه نار، و طوالعه في آفاقها

ص: 364


1- انظر: بغية الوعاة للسيوطي: 295.
2- انظر: البحر المحيط لأبي حيان: 1/ 20- 21.
3- انظر: التحرير و التنوير لابن عاشور: 1/ 16.
4- هو الفتح بن محمد بن عبيد اللّه بن خاقان، كاتب مؤرخ، من أذكياء الأدباء، كثير الأسفار، كان لعابا مستهترا، له قلائد العقيان، توفي مقتولا (535 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 4/ 23- الأعلام للزركلي: 5/ 134.

صبح و نهار (1)

إن هذه النصوص توكد المنزلة العلمية، و المكانة المرموقة التي شغلها ابن عطية- رحمه اللّه- كما أن تفسيره و هو شاهد بين أيدينا، خير دليل على نبوغ المصنف، و ما اتكال جل المفسرين من بعده عليه، مع الإكثار من الاستشهاد بنصوصه، و ترجيح اختياراته إلا تعزيز لتلك المكانة. (2)

شيوخه و تلاميذه:

يعد العلماء المعتبرين ابن عطية من أعيان غرناطة، و علما من أعلامها البارزين في القرن السادس الهجري، خاصة في علم التفسير، و من كبار العلماء الذين صدرتهم الأندلس الحبيب، و لا شك أن استحق هذا الثناء أن يكون من الواردين على أكثر من نبع يتلقى العلم و يتضلع منه، كما كان لدور والده أثر كبير في كثرة شيوخه، و علو مكانتهم، و لهذا فلا غرو أن نجد من بين شيوخ ابن عطية من اشتهر بالعلم و الفضل، و علو الكعب، و سمو القدر، و من قصدهم الغريب البعيد، و فهرس شيوخه الذي أعده و ضمنه

ص: 365


1- انظر: البحر المحيط لأبي حيان: 1/ 20.
2- سيرد مزيد من النصوص عند الحديث عن تفسيره بمشيئة اللّه.

أسماءهم دليل و شاهد على ما ذكرنا.

كما كان للطرق التي تتبعها المصنف في تحصيل العلوم الأثر الواضح في كثرة الشيوخ، و الإفادة منها، فقد تلقى العلم- يرحمه اللّه- سماعا و قراءة و مناولة و إجازة، حتى بلغ عدد شيوخه الذين هم من أهل الذروة في العلم، في شتى ميادينه تفسيرا و حديثا و أدبا و لغة و فقها و غيرها، أكثر من ثلاثين شيخا، ضمنهم فهرسه، و من هؤلاء:

والده الإمام غالب بن عطية (1)، و الحسين بن محمد الغساني (2)، و غيرهم كثير ينظر فهرس ابن عطية للوقوف عليهم.

أما تلاميذه:

فكثيرون بلا شك تلقوا العلم عن المصنف، منهم المواظبون على مدرسة أبيه- رحمه اللّه- حيث تلقوا عنه أمدا من الزمن، و منهم الذين شاركوا المصنف في ساحات الجهاد، و أسفار الغزو، كما أن الأمراء الذين

ص: 366


1- هو غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي، إمام ناقد مجود، حافظ للحديث و طرقه و علله، عارف بالرجال، له اهتمام بالأدب و الشعر، توفي (518 ه). انظر: قلائد العقيان لابن خاقان: 215- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 586.
2- هو الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني، حافظ حجة ناقد أديب شاعر، محدث الأندلس في عصره، مصنفاته كثيرة منها تقييد المهمل، توفي (498 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 19/ 148- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 4/ 1233- و الصلة لابن بشكوال: 142.

عرفوا قدره، و كانوا محبين للعلم سمعوا منه، و من هؤلاء: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي (1). و الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (2) و غيرهم.

مؤلفاته:

كان مما جاء في التقديم الذي قدمه المصنف بين يدي تفسيره: رأيت أن من الواجب على من احتبى، و تخير من العلوم و اجتبى، أن يعتمد على علم من علوم الشرع، يستنفد فيه غاية الوسع، يجوب آفاقه، و يتبع أعماقه، و يضبط أصوله، و يحكم فصوله، و يلخص ما هو منه، أو يؤول إليه، و يفي بدفع الاعتراضات عليه .... إلى أن قال: فلما أردت أن أختار لنفسي، و أنظر في علم أعد أنواره لظلم رمسي؛ سبرتها بالتنويع و التقسيم، و علمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم، فوجدت أمتنها حبالا، و أرسخها جبالا، و أجملها آثارا، و أسطعها أنوارا: علم كتاب اللّه جلت قدرته ... فثنيت

ص: 367


1- هو محمد بن خير بن عمر بن خليفة الإشبيلي، حافظ مجود مقرئ أديب، تلقى العلم عن كثيرين، توفي (575 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 85- و فهرس ابن خير: 22- و التكملة لابن الأبار: 524.
2- هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه بن يوسف الأنصاري، المعروف بابن حبيش، فارس من فرسان الحديث بالأندلس، بارع في اللغة، تصانيفه كثيرة منها المغازي، توفي (584 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 118- و تذكرة الحفاظ للذهبي: 4/ 1353- و شذرات الذهب: 4/ 280.

إليه عنان النظر، و أقطعته جانب الفكر، و جعلته فائدة العمر. (1)

يتبين من هذا النص أن ابن عطية- رحمه اللّه- قد انتهج لنفسه منهجا خاصا، و هو أنه رأى أن الفائدة تكون أعظم حين ينصرف كل عالم إلى فرع من فروع العلم يفني في مسائله العمر، و يجعل همه ضبط أصوله، و هو منهج آل إليه أهل العصر، و أسموه التخصص الدقيق.

و لهذا الأمر لا يقف الناظر في ترجمة ابن عطية على مؤلف له غير التفسير الذي ذكر أنه أفنى فيه العمر، و كانت حصيلة جده و اجتهاده، كما يجد القارئ أن المترجمين يذكرون للمصنف فهرسا أثبت فيه- يرحمه اللّه- أسماء شيوخه الذين تلقى العلم عنهم، و قد بلغ عددهم ثلاثون شيخا، و الفهرس مطبوع متداول.

وفاته:

اختلف في تحديد سنة وفاة ابن عطية، و الراجح أنه توفي سنة (546 ه) (2) في منتصف شهر رمضان المبارك، في مدينة (لورقة)، غرب

ص: 368


1- انظر: المحرر الوجيز: 1/ 8- 9.
2- انظر: المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي لابن الأثير: 261 ط مدريد 1885 م- و الصلة لابن بشكوال: 368- و الديباج المذهب لابن فرحون: 175- و نفح الطيب للمقري: 3/ 279- و طبقات المفسرين للسيوطي: 50- و للداودي: 265. و ينظر للمزيد في ترجمته: الإحاطة في أخبار غرناطة، للوزير لسان الدين الخطيب: 1/ 133- و الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون: 174- و الصلة لأبي القاسم بن بشكوال: 431- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 265 طبعة دار الكتب العلمية، طبقات المفسرين للسيوطي: 50- و فهرس ابن عطية- و قلائد العقيان لأبي نصر بن خاقان: 215- و المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي، لابن الأبار: 261- و منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم، د/ عبد الوهاب فائد- و نفح الطيب من غصن أندلس الرطيب للمقري: 3/ 279.

مرسية، و قد بلغ ستين عاما، رحمه اللّه رحمه واسعة، و غفر اللّه لنا و له.

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

لم يحظ تفسير ابن عطية بالاهتمام المطلوب من أهل عصرنا، حيث تأخر ظهوره مطبوعا عن تفاسير كثيرة لا تدانيه مرتبة، و لا تقربه منزلة، بل اعتمد كثير منهم على ابن عطية و آرائه في قضايا مشكلة في التفسير، مع أن جلّ العلماء المعتبرين قد أشادوا بهذا التفسير و بمصنفه، قديما و حديثا، حتى قيّض اللّه لإخراجه و تحقيقه- بعد أن طبعت مقدمته طبعة مستقلة- ثلة من أهل التحقيق، فأخرجوه في طبعة أنيقة، و حلة قشيبة، و تكرم بعض من رجا الخير من وراء طبعه، فطبعها على نفقته الخاصة، و وزع على طلبة العلم و المكتبات الخاصة و العامة فانتشر بذلك انتشارا عظيما عم به النفع.

و القارئ في تفسير ابن عطية يستشعر أمرين ربما امتاز بهما المصنف عن غيره ممن سبقوه، أكسبا التفسير قوة و حظوة، أولهما ما يلاحظه القارئ من العناية الفائقة بالتحقيق و التدقيق في المسائل العلمية، و تحري ما هو أقرب

ص: 369

إلى الصواب، و أبعد عن البدع، إضافة إلى النّفس الطويل الذي يظهر بوضوح في معالجته للنصوص المشكلة، و المسائل المعضلة، و الغوص في خبايا النص، و هو أمر غير مستغرب إذا علمنا أن هذا التفسير كان أثرا من آثار الشباب، فقد أفنى المصنف فيه عمره، و رسم بداياته منذ اليفاعة، فكم أيقظه والده و هو شاب من النوم في أنصاف الليالي يقول له: قم يا ولدي اكتب كذا و كذا في موضع كذا من تفسيرك (1).

و الأمر الآخر الملاحظ في هذا التفسير هو قوة البيان، و سلامة العبارة و سلاستها، و النصوص الأدبية المحبوكة كأفضل ما يكون، و المنسجمة بقوة، و هي كلها أعطت لهذا التفسير قدرا خاصا عند المشتغلين باللغة، و ربما يعود سبب هذا التفوق و اللّه أعلم إلى عروبة المصنف، فقد أفادته طبعا أصيلا، و سليقة صافية حتى فاض بيانه قويا سائغا سلسلا (2).

و قد سار المصنف في تفسيره على منهج السلف، حيث جعل ظاهر الآيات هو مدار البحث و الدرس، دون القول بالرمز و الإشارة، الذي يلجأ إليه أهل الزيغ و الضلالة (3).

ص: 370


1- انظر: بغية الملتمس: 427.
2- انظر: التفسير و رجاله لابن عاشور: 92.
3- انظر: المحرر الوجيز: 1/ 11.

و هو أمر جعل للتفسير قدرا و اعتبارا عند أهل العلم، حتى أغدقوا عليه الثناء، يقول ابن عميرة الضبي ت (599 ه) (1): ألف ابن عطية في التفسير كتابا ضخما أربى فيه على كل متقدم. (2)

و يقول ابن جزي الكلبي ت (741 ه): و أما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف و أعدلها، فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها و لخصها، و هو مع ذلك حسن العبارة، مسدد النظر، محافظ على السنة. (3)

و قال أبو حيان عنه و عن تفسير الزمخشري أنهما: قد أنجدا و أغارا، و أشرقا في سماء هذا العلم بدرين و أنارا، و تنزلا من كتب التفسير منزلة الإنسان من العين، و الذهب الإبريز من العين ... إلى أن قال: و كتاب ابن عطية أنقل و أجمع و أخلص. (4)

هذا و قد كان لإخلاص ابن عطية، و الغاية التى لها صنّف كتابه، أثره البالغ في انتشاره، و قبوله عند الخاصة من أهل العلم، حتى صار أصدق

ص: 371


1- هو أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي، مؤرخ من علماء الأندلس، كان يعمل وراقا، آية في سرعة الكتابة، له بغية الملتمس في تاريخ الأندلس، توفي (599 ه). انظر: الأعلام للزركلي: 1/ 268.
2- انظر: بغية الملتمس: 376.
3- انظر: التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: 1/ 17.
4- انظر البحر المحيط لأبي حيان: 1/ 20.

شاهد على إمامته، فحين ذكر المصنف الغاية التي لها صنف قال: و رجوت أن اللّه تعالى يحرّم على النار فكرا عمرته أكثر عمره- معانيه، و لسانا مرن على آياته و مثانيه، و نفسا ميزت براعة رصفه و مبانيه (1).

و المحرر الوجيز تفسير جمع بين مدرستي التفسير، التفسير بالأثر، و التفسير بالرأي المحمود. و طبقا للمنهج الذي انتهجه المصنف، و هو تحقيق الغرض المراد بإيجاز و توسط، فقد حذف يرحمه اللّه أسانيد الروايات التي استشهد بها في مواضعها المتعددة.

و جاء اهتمام المصنف باللغة و القضايا اللغوية في المرتبة الأولى، فقد أولى هذا الجانب اهتماما خاصا، تمثلت في شرح المفردات القرآنية، و الآراء النحوية و قصدت تتبع الألفاظ حتى لا يقع طفر (2) كما في كثير من المفسرين (3).

كما اهتم المصنف بالقراءات القرآنية، حتى الشاذة منها، يوجهها أو ينقدها و قصدت إيراد جميع القراءات، مستعملها و شاذها (4).

ص: 372


1- انظر: المحرر الوجيز: 1/ 9.
2- الطفر: و ثبة في ارتفاع، و طفر الحائط: وثبه إلى ما وراءه. و المراد هنا: أنه تتبع ألفاظ الآيات عكس بعض المفسرين الذين تركوا بعض الألفاظ. انظر: لسان العرب لابن منظور (طفر): 2/ 597.
3- انظر: المحرر الوجيز: 1/ 11.
4- انظر: المحرر الوجيز: 1/ 11.

و لم يغفل الأحكام القرآنية المستفادة من الآيات، و لا المسائل الفقهية، دون الإكثار منها متمشيا مع الدليل.

هذا و لم يسلم تفسير ابن عطية- رغم الحيطة- من بعض الإسرائيليات، فقد اشترط المصنف على نفسه أن لا يذكر منها إلا ما لا تنفك الآية إلا به (1)، غير أنه وقع في المحظور الذي حذّر منه في بعض المواضع- و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه- و هو مع هذا يبقى الرائد الذي خلّص التفسير من كثير من الدخيل، يقول الأستاذ عبد الوهاب فائد: إن ابن عطية في تفسيره على وجه العموم قد اتخذ لنفسه منهجا علميا دقيقا بالنسبة للروايات الإسرائيلية، و من هنا يرتقي ابن عطية إلى مصاف المفسرين الذين احتاطوا في الأخذ بالإسرائيليات، و قاموا بمحاولات جدية و مشكورة لتصفية التفسير من هذا الهشيم الإسرائيلي المركوم، الذي يشوه كتاب اللّه تعالى. (2)

و هو الأمر الذي حدا بابن خلدون إلى القول: فلما رجع الناس إلى التحقيق و التمحيص، و جاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها، و تحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، و وضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب و الأندلس حسن

ص: 373


1- انظر: المحرر الوجيز: 1/ 10.
2- انظر: منهج ابن عطية في تفسير القرآن، د/ عبد الوهاب فائد: 185.

المنحى. (1)

هذا و قد استحوذت مقدمة ابن عطية- رحمه اللّه- على اهتمام العلماء، حيث كانت محل عناية المفسرين و المهتمين بعلوم القرآن، فلم تخل كتاباتهم و مصنفاتهم من نصوص ابن عطية و آرائه، و ما ذلك إلا لأهمية ما أثبته المصنف في مقدمته، و لهذا الأمر وجدنا الأيدي تمتد لإخراجها مستقلة عن أصلها منفصلة عنه، فقد كانت هذه المقدمة أول مقدمة في علوم القرآن تطبع مستقلة، و كان ذلك عام 1954 م على يد المستشرق (آرثر جفري) حيث ضمها إلى مقدمة كتاب «المباني»، و أخرجهما معا بعنوان «مقدمتان في علوم القرآن»، و نال الشهرة و الانتشار بين طلبة العلم.

و قد جاءت مقدمة المصنف- حسب النسخة التي اعتمدتها، المثقلة بالهوامش- في أربع و ستين صفحة من القطع المتوسطة، شغلت الهوامش ما يربو على نصفه، شارحة لعباراته، مخرجة لرواياته، معرّفة برجالاته.

قسم ابن عطية مقدمته إلى تسعة أبواب، إضافة إلى التقديم الذي بين فيه أهمية علم التفسير، و الأسباب الداعية للتصنيف، و المنهج المتبع في التأليف، و هذه الأبواب هي:

1) ما ورد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة و نبهاء العلماء- رضي اللّه عنهم- في فضل القرآن المجيد و صورة الاعتصام به.ة.

ص: 374


1- انظر: مقدمة ابن خلدون: 314 طبعة دار المصحف بالقاهرة.

2) في فضل تفسير القرآن، و الكلام على لغته. و النظر في إعرابه و دقائق معانيه.

3) ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، و الجرأة عليه، و مراتب المفسرين.

4) معنى قول النبي: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه».

5) ذكر جمع القرآن، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره.

6) في ذكر الألفاظ التي في كتاب اللّه و للغات العجم بها تعلق.

7) نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن.

8) في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب اللّه تعالى.

9) في تفسير أسماء القرآن، و ذكر السورة و الآية.

و هذه الأبواب كما يظهر من عناوينها قد حوت موضوعات أربت على عدد الأبواب، و هي من الموضوعات التي ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في التفسير، مجتمعة لذهنه، بذل فيها المصنف جهدا عظيما حتى استوى على سوقه، فأكثر من الروايات و الآثار بقدر ما تدعو إليه الحاجة، و بين اختلاف أهل العلم في المعضلات و المشكلات، بعبارة رصينة محكمة، عصمته من التطويل الذي اشترط على نفسه تجنبه.

و قد وقفت على ثلاث طبعات للمقدمة، إحداها مستقلة طبعت

ص: 375

بعناية المستشرق (آرثر جفري) و هي التي أشرت إليها قبل قليل، طبعت قبل طباعة صلب التفسير بأكثر من ثلاثة عقود، و اعتمدها طلبة العلم بتحريفاتها و أغلاطها التي ربما كان بعضها متعمدة من المحقق، بل يجزم الأستاذ عبد الوهاب فائد في دراسته لتفسير ابن عطية بأنها تحريفات مقصودة، أراد منها المحقق الدس في هذا التفسير العظيم. (1)

و الطبعتان الأخريتان هما اللتان طبعتا مع صلب التفسير، الأولى من إصدارات المجلس العلمي بفاس، عام 1395 ه، صدرت على أجزاء متفرقة في عدة سنوات على نفقة ملك المغرب.

و الثانية عام 1398 ه طبع على نفقة أمير دولة قطر، بتحقيق الأساتذة الرحالي الفاروق- و عبد اللّه بن إبراهيم الأنصاري- و السيد عبد العال السيد إبراهيم- و محمد الشافعي صادق العناني.

و هذه الطبعة هي التي اعتمدتها في هذه الدراسة و هي قليلة الأخطاء، مثقلة بالحواشي.

ص: 376


1- ذكر ابن عطية في معرض حديثه عن البسملة أثران يقتضيان أن البسملة آية من الحمد، ثم قال: و يرد ذلك حديث أبيّ بن كعب الصحيح و جاءت هذه العبارة في نسخة آرثر جفري على النحو التالي: (و يبين ذلك حديث أبي بن كعب الصحيح). انظر المقدمة: 287، و انظر المحرر الوجيز: 1/ 79، و قد ذكر الأستاذ الفايد أكثر من تحريف في هذه المقدمة، انظره في: منهج ابن عطية في تفسير القرآن: 84.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

اشارة

بدأ ابن عطية- يرحمه اللّه- تفسيره بالحمد للّه، و الشكر له على تفضله و امتنانه، حيث جعل أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم أمة وسطا بين الأمم، و ألهمها من العوارف و المعارف ما يوصلها إلى معرفته جلت قدرته.

و أسدى التزكيات المباركات على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذي نهض بأعباء الرسالة حتى بلّغها أتم تبليغ.

بعدها بيّن- رحمه اللّه- أنه تحمل المتاعب الجمة، و ركب الصعاب، فأوصل الليل بالنهار طالبا للعلم، و باحثا عن المعرفة، حتى نال ما سعى إليه و تمناه، فأخذ من العلوم ما قدر عليه، ثم إنه حين رأى تنوع العلوم و كثرتها، و تشعبها، أراد أن يختار لنفسه علما يقضي في بحث مسائله جلّ أوقاته، و يفني فيه العمر، فكان أن هداه اللّه إلى علم كتابه جلت قدرته، أمتن العلوم و أرسخها و أسطعها، فجعله مدار بحثه و درسه، و أثنى إليه عنان النظر، و أقطعه جانب الفكر.

ثم عرض المصنف منهجه في كتابه، فوصفه بالتوسط و الإيجاز، على مذهب السلف في النظر إلى ظواهر النصوص، دون الخوض في الرمز و الإيحاء على مذهب أهل الزيغ و الإلحاد.

و قبل أن يقدم بين القول في التفسير الأشياء التي ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم، مجتمعة له، قبل ذلك رجا اللّه الثواب

ص: 377

من وراء العمل، و أن يبارك له في الذي فعل.

الباب الأول: ما ورد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة و نبهاء العلماء- رضي اللّه عنهم- في فضل القرآن المجيد و صورة الاعتصام به

ذكر المصنف في هذا الباب جملة من الأحاديث و الآثار و أقوال أهل العلم، في فضل القرآن الكريم، أراد من خلالها بيان فضل كتاب اللّه تعالى، و أن المتمسك به لن يضل أبدا، كما أشارت تلك الآثار إلى العديد من خواص كتاب اللّه، و كان من جملة تلك الآثار التي أوردها تلك التي أكدت على فضل تلاوة القرآن الكريم، و فضل تعلمه و تعليمه، و ما يلقاه التالي له من النور، و ما ينتظره من الوعد المقيم.

أعقب ذكر الآثار التنبيه إلى أن التلاوة الحقة تقتضي العمل بالمتلو، فذكر أن مراد الحق تعالى من ثَقِيلًا في قوله إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: 5] هو العلم بمعانيه و العمل به، و القيام بحقوقه.

و قد جاء هذا الباب في اثني عشرة صفحة.

الباب الثاني: في فضل تفسير القرآن، و الكلام على لغته، و النظر في إعرابه و دقائق معانيه

جاء هذا الباب مختصرا، أكد فيه المصنف أن إعراب القرآن أصل في الشريعة لأنّ به تقوم معانيه، و روى في ذلك حديثين للدلالة على أهمية

ص: 378

الموضوع، و عدة آثار عن كبار الصحابة و التابعين تبين مكانة العارف بتفسير كتاب اللّه، و مدى حرص السلف رضوان اللّه عليهم على تعلم علم القرآن، و النظر في دقائق معانيه.

و قد اختار المصنف الآثار التي ذكرها كنماذج للدلالة على ما أراد بيانه، و لم يكثر من ذلك تمشيا مع المنهج الذي رسمه لنفسه، و هو الإيجاز و الاختصار غير المخل، و إلا فالآثار الواردة في هذا الباب كثيرة.

الباب الثالث: ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، و الجرأة عليه، و مراتب المفسرين

في هذا الباب تحدث المصنف عن ثلاثة موضوعات كما يظهر من عنوانه:

1) الكلام في تفسير القرآن.

2) التفسير بالرأي، و هو ما عبر عنه بالجرأة عليه.

3) مراتب المفسرين.

أورد المصنف للموضوع الأول، الأثر الوارد عن أم المؤمنين عائشة- رضي اللّه عنها- و هي تؤكد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر القرآن كله، و إنما فسر آيا بعدد علّمه إياهن جبريل؛ ثم تحدث عن تأويل ذلك و بين أنه وارد في مغيبات القرآن، و تفسير مجمله، مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من اللّه تعالى.

انتقل عقب ذلك إلى الموضوع الثاني، فأورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه

ص: 379

قال: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»، و ذكر أن مراده صلى اللّه عليه و سلم أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب اللّه فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قاله العلماء، و لهذا فإن التفسير المبني على النظر في الأدلة لا يدخل في هذا الحديث، و أن من السلف من كان يتحرج من الخوض في تفسير الآيات بالرأي تورعا و احتياطا، و أن آخرين منهم فسروا كثيرا من الآيات بعد أن ملكوا أدوات التفسير، و هؤلاء كانوا أشفق على الأمة في ذلك، إذ بينوا الغريب من الألفاظ، و الغامض من المعاني.

و بذلك انتقل للحديث عن الموضوع الثالث، و هو الأخير في هذا الباب، فذكر- يرحمه اللّه- نماذج ممن برزوا في جانب التفسير، من الجيل الأول، و إلى عصره، و قال معقبا: و كلهم مجتهدون مأجورون. و قد جاء هذا الباب في أربع صفحات.

الباب الرابع: معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه»

هذا أطول باب تعرض له المصنف في مقدمته، فقد جاء في خمس عشرة صفحة، قرر المصنف في بدايته اختلاف الناس فيه اختلافا شديدا، ثم ذكر بعض تلك الآراء في بيان معنى الأثر الوارد فيه، يعقب على كل قول يورده، فيضعف بعضها، و يجوّز غيرها، و يناقش القائل.

و ارتضى من الأقوال اختيار أبي عبيد و غيره من أهل العلم، و هو أن

ص: 380

معنى الحديث أنه سبع لغات لسبع قبائل، و رجح الرأي و انتصر له، ثم سعى لتحديد القبائل التي نزل القرآن على لغاتها، فذكر أنها قريش، و كنانة، و أسد، و هذيل، و تميم، و ضبّة و ألفافها، و قيس، و هي القبائل التي انتهت إليها الفصاحة، و سلمت لغاتها من الدّخل.

و لكون أبي عبيد و المبرد و غيرهما من القائلين بهذا القول كانوا قد ذكروا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها، لهذا الأمر أوّل المصنف قولهم، و قال: ذلك عندي إنما هو فيما استعمله عرب الحجاز من لغة اليمن، فأما ما انفردوا به فليس في كتاب اللّه منه شي ء، فقد أفسد كلام اليمن خلطة الحبشة و الهنود.

بعد هذا ذكر من أفسد لغة شرقي الجزيرة مما والى العراق، و شمال الجزيرة مما والى الشام، و ذكر أن ما يقوي هذا المنزع أنه حين اتسع نطاق الإسلام، و تجرد أهل البصرة و الكوفة لحفظ لسان العرب، و كتب لغتها، لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة، و تجنبوا اليمن و العراق و الشام، كما تجنبوا لغة الحواضر مكة و المدينة و الطائف، لأن السبي و التجار من الأمم كثروا فيها، فأفسدوا اللغة، و قد كانت في مدة النبي صلى اللّه عليه و سلم سليمة لقلة المخالطة.

إذا سبع قبائل عربية، بلغة جملتها نزل القرآن، هو التفسير الراجح لدى المصنف في معنى الحديث الوارد في هذا الباب.

و حين انتشرت الروايات الكثيرة في القراءات التي وردت على لسان

ص: 381

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و افترقت الصحابة رضوان اللّه عليهم في البلدان، و وقع بين أهل الشام و العراق ما وقع من الخلاف في القراءة، و نقل حذيفة الأمر لعثمان بن عفان- رضي اللّه عنهما- رجاء أن يدرك الأمة قبل أن يشتد الخلاف، استناب عثمان الكفاءات العلمية الفصحاء ليكتبوا القرآن، و يجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أفصح اللغات، فترك الناس ما خرج عنه مما كان كتب، سدا للذريعة، و تغليبا للمصلحة.

بعدها ذكر المصنف مصحف ابن مسعود- رضي اللّه عنه- و أن العلماء تركوه سدا للذريعة و لكونه حوى أشياء على جهة التفسير، كما ذكر قراءات القراء السبع المشتهرة، و شاذ القراءة، و قراءة أبي السمال.

و ختم الباب بالإشارة إلى أن ما تعرض له في هذا الباب قد وقع فيه خلاف غير أنه أعرض عن ذكره و الغوص فيه تجنبا و كراهية للإطالة، و التزاما بالمنهج.

الباب الخامس: ذكر جمع القرآن، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره

أشار المصنف في بداية حديثه أن القرآن كان مجموعا في صدور الرجال، كما كان مكتوبا في الصحف و اللخاف و غيرها من وسائل حفظ المكتوبات، فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة، جمع المصحف بإشارة من عمر- رضي اللّه عنه- و ندب من أبي بكر رضي اللّه عنه- فجمعت الصحف على

ص: 382

يد زيد رضي اللّه عنه، و بقيت تلك الصحف مجموعة إلى خلافة عثمان- رضي اللّه عنه حين اختلف الناس في المصاحف التي انتشرت على الأحرف السبعة، كمصحف ابن مسعود، و مصحف أبيّ بن كعب و غيرهما، فندب عثمان- رضي اللّه عنه زيد بن ثابت و غيره بإيحاء من حذيفة- رضي اللّه عنه إلى جمع الناس على مصحف واحد، و وضع لهم عثمان منهج الجمع و التدوين، فنسخت الصحف، عدة نسخ، و أرسلت إلى الأمصار لاعتمادها، و أمر بما سواها أن تحرق أو تخرق.

بعدها تحدث المصنف عن ترتيب السور، لكونها مختلفة في مصاحف الصحابة، فذكر قول الباقلاني و غيره بأن ترتيب السور كان من زيد و من معه، بمشاركة من عثمان رضي اللّه عنه و هو رأي مكي بن أبي طالب، أما ترتيب الآيات و وضع البسملة فهي توقيفية من النبي صلى اللّه عليه و سلم، خلا براءة التي أرجأ المصنف الحديث عنها إلى حينه.

ثم بيّن أن ظواهر الآثار تؤكد أن السبع الطول و الحواميم و المفصل كان مرتبا في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و كان من السور ما لم يرتب، فذلك هو الذي رتّب وقت الكتب.

و ختم الحديث عن شكل المصحف و نقطه و تحزيبه و تعشيره، فصرح أن العلماء مختلفون في تعيين أول من أقدم على ذلك.

و قد جاء هذا الباب في سبع صفحات.

ص: 383

الباب السادس: في ذكر الألفاظ التي في كتاب اللّه و للغات العجم بها تعلق

بدأ المصنف هذا الباب بذكر اختلاف العلماء في هذه المسألة، فذكر أنهم فريقان، الأول يرى أن في كتاب اللّه من كل لغة، و الآخر يرى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا و هي عربية صريحة، و ذكر الأمثلة على الكلمات التي وقع الخلاف فيها. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 384 الباب السادس: في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله و للغات العجم بها تعلق ..... ص : 384

صرح باختياره، فبين أن تلك الألفاظ في أصلها أعجمية، لكن استعملتها العرب و عربتها، فغيرت بعضها بالنقص من حروفها، و جرت إلى تخفيف العجمة، و استعملتها في أشعارها و محاوراتها، حتى جرت مجرى العربي الأصيل، و وقع بها البيان.

و ختم الباب بالرد على ابن جرير رائد الفريق الثاني، و القائل أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة، فاستبعد ذلك، و أكد أن إحداها أصل و الأخرى فرع.

الباب السابع نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن

ذكر المصنف أن الناس اختلفوا في إعجاز القرآن بأي شي ء هو؟

فأورد بعض تلك الأقوال، و بين أن التحدي وقع بنظمه، و صحة معانيه، و توالي فصاحة ألفاظه، و في ذلك ردّ على القائلين بالصرفة.

ثم أوضح أن كلام البشر لا يمكن أن يصل إلى الإحكام الذي هو في كلام منزل الكتاب، و ضرب الأمثلة من كلام الفصحاء و الشعراء، و كيف أن

ص: 384

كلامهم يميّز رغم تنقيحه مدة طويلة، و لذلك أذعنت العرب للأمر، و تأكدت أنه لا يمكن لبشر أن يأتي بمثل ما أتى به محمد صلى اللّه عليه و سلم، فكان سبب إيمان بعضهم.

و لهذا فإنه تعالى اختار معجزة كل نبي بالوجه الشهير في زمانه، و عليه كانت معجزة موسى عليه السلام للسحرة، و عيسى عليه السلام للطب، و محمد صلى اللّه عليه و سلم للفصاحة.

الباب الثامن في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب اللّه تعالى

أراد المصنف من وراء هذا الباب في مقدمته أن يبين موقفه من إسناد بعض الأفعال إلى اللّه، و هي لم تثبت بتوقيف من الشارع، فذكر أن جلة من المفسرين قد أبا حوا ذلك، و فعلوه، و ذلك جريا على عادة العرب في استعمال ذلك في سياق كلامها، و هي محمولة على المجاز، كقولهم: حكى اللّه تعالى عن أم موسى أنها قالت قُصِّيهِ [القصص: 11] و كقولهم: وقف اللّه ذرية آدم على ربوبيته بقوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: 172] و نحو ذلك.

يريد المصنف بذلك الاحتراز من الخوض في مثل هذا الأمر، فكلام اللّه صفة قديمة من صفاته، و الحكاية عن المذكورين أمر محدث، و هو يقتضي تأخير المحكي.

أوضح يرحمه اللّه أنه يتحفظ من مثل هذا الأمر، و هو يخشى أن يقع منه ذلك، مع أنه جار في كلام العرب، و هو الأمر الذي يبرر للمفسرين

ص: 385

الذين وقعوا فيه، و لهذا اعتذر لإخوانه من المفسرين فعلتهم، و ذكر أدلة كثيرة من كلام فصحاء العرب، و شعر شعرائها.

الباب التاسع في تفسير أسماء القرآن، و ذكر السورة و الآية

ذكر للقرآن أربعة أسماء: القرآن، و الكتاب، و الفرقان، و الذكر، و هي الأسماء الأربعة المشهورة، و بيّن أصل تلك التسميات، و الأدلة عليها.

ثم انتقل لذكر السورة، فذكر الاختلاف المشهور فيها حول كونها مهموزة أو غير مهموزة، و كذا سبب إطلاقها على ذلك المجموع من كلام اللّه.

كما بين معنى الآية في كلام العرب، و سبب إطلاقها على الجملة التامة من القرآن، و الخلاف في ذلك، و أصل اللفظة و اشتقاقها.

تلك هي المقدمات التي بدأ بها ابن عطية كتابه، ليدل على أن الدواعي إلى معرفة هذه العلوم قوية، و أن الحاجة إليها ماسة لمن أراد فهم كتاب اللّه على الشكل الصحيح المبني على القواعد السليمة.

رابعا: منهج ابن عطية في مقدمته:

اشارة

الإيجاز و حذف فضول القول كانت السمة الأساسية لمنهج ابن عطية يرحمه اللّه- فقد ظهر ذلك جليا في مادة مقدمته كلها، و الإيجاز قد يكون مخلا بالمادة العلمية أحيانا، فيظهر القصور في العبارة، و الغموض في القول، و النقص في الأدلة، غير أن الأمر يختلف إذا كان الموجز من فرسان البلاغة، صاحب عبارة رصينة، و أسلوب بياني محكم كابن عطية.

ص: 386

لقد استطاع المصنف أن يوجز دون أن يخل، و يوضح دون أن يطيل، حتى جاءت المقدمة غاية في الدقة و الإيجاز، عبارة و منهجا.

و يتلخص منهج المصنف في مقدمته في الآتي:

1) ذكر أقوال أهل العلم في المسائل منسوبة إليهم (1)، و هو النهج الذي ألزم المصنف نفسه به، و قد التزمه في الغالب، غير أنه قد يخرج عن نهجه هذا فيطلق نسبة القول، و يقول: قال بعض العلماء، أو نحو ذلك. (2)

2) إيراد الخلاف في المسائل الهامة، مع عرض الآراء بعبارة موجزة. (3)

3) التصريح بموقفه من الخلاف و بيان رأيه و مناقشة الآراء الوجيهة بعبارة مختصرة (4).

4) عدم الإكثار من الآثار و الأدلة على المسألة الواحدة، و الاكتفاء بما يبين المقصود.

5) و من منهج المصنف الاستشهاد بالحديث و الأثر و اللغة و الشعر

ص: 387


1- انظر أمثلة ذلك في الصفحات:: 14، 15، 20، 21، 37، 38، 55، 57، 68، 71.
2- انظر أمثلة ذلك في الصفحات: 19، 20، 35، 38.
3- انظر أمثلة ذلك في الباب الرابع و السادس و السابع، من المقدمة.
4- انظر أمثلة ذلك في الصفحات: 28، 35، 51، 52، 53، 54، 57، 59.

لتأكيد معنى، أو تأييد رأي (1).

6) عدم ذكر سند الرواية، و الاكتفاء بذكر الصحابي الذي روى الحديث في الغالب (2)، و قد يحذف الصحابي أيضا (3).

7) و هذا و المصنف يرحمه اللّه- قد يحيل القار في المسائل الهامة التي تحتاج إلى بسط القول فيها إلى موضعه من التفسير، خصوصا تلك التي تعرض لها، و لها تعلق بالسور و الآيات. (4)

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

أما ما يخص التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته، فقد ذكر المصنف أنه قصد من تفسيره أن يكون جامعا للأقوال و العلوم، و جيزا بحذف فضول القول، مبينا أن العناصر التي سيذكرها عند حديثه عن الآية أو الآيات هي النحو و اللغة و المعنى و القراءة. و هو أمر يجده القارئ بوضوح في تفسيره، فقد راعى المصنف ذلك إلى حد كبير.

كما ذكر المصنف أنه سيسقط القصص الإسرائيلي، و لن يذكر منه إلا ما لا تنفك الآية إلا به، و هو أمر حاول المصنف الالتزام به، فكثيرا ما نجده

ص: 388


1- انظر أمثلة ذلك في الصفحات: 14، 25، 26، 46، 69، 70، 71.
2- انظر أمثلة ذلك في الصفحات: 17، 18، 22، 25، 27.
3- انظر أمثلة ذلك في الصفحات: 13، 14، 23، 26.
4- انظر: المحرر الوجيز: 1/ 54.

يذكر القصة ثم ينبه إلى أن المروي في الباب أكثر، غير أنه اختصرها لكونه لا يقطع منها بشي ء، أو يقول في نحو قوله تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 248] و كثر الرواة في قصص التابوت و صورة حمله بما لا أرى لإثباته وجها للين إسناده، أو نحو ذلك (1).

غير أنه لم يلتزمه دائما، فقد يجد القارئ ابن عطية في أكثر من موضع و هو يورد الرواية الإسرائيلية و يتركها دون تعقيب و بيان لحالتها (2).

و من شرطه في كتابه أيضا إثبات أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقى السلف الصالح رضوان اللّه عليهم كتاب اللّه من مقاصده العربية السليمة من إلحاد أهل القول بالرموز، و أهل القول بعلم الباطن. و هذا مما التزمه المصنف بشكل تام، فهو إذا شرع في تفسير الآية و كان لأصحاب المنحى الإشاري قول فيه ذكره أو أشار إليه مستبعدا له، (3) و خاصة من أولئك الذين قال عنهم في مقدمته: فمتى وقع لأحد من العلماء الذين حازوا حسن الظن بهم لفظ ينحو إلى شي ء من أغراض الملحدين نبهت عليه.

و من شرطه أيضا ذكر القراءات المستعملة منها و الشاذة، و يقصد بالمستعملة التي ثبتت بالإجماع و التي يقرأ بها في الصلاة، و الشاذة التي لا

ص: 389


1- انظر مثاله: 2/ 360- 371- 4/ 284.
2- انظر مثاله: 3/ 95- 131.
3- انظر مثاله: 5/ 122- 223- 8/ 158- 416.

يصلى بها لأنها لم تثبت بالإجماع. و الناظر في المحرر الوجيز يجد أن المصنف قد التزم هذا الشرط، و سار عليه من بداية تفسيره إلى منتهاه. (1)

سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته:

اشارة

اعتمد ابن عطية يرحمه اللّه في مقدمته على عدد من المصادر الهامة، و المعتمدة لدى المشتغلين بعلوم القرآن، و قد اختلف منهجه في الاستفادة منها، فهو مرة ينقل النص من المصدر و يذكر ذلك، و حينا يذكر نصا و ينسبه إلى قائله، و يكون القائل صاحب تصنيف مشهور في الباب، و هذا الأخير هو الغالب عليه، و الأمثلة على ذلك كثيرة.

و من أهم مصادر ابن عطية:

محمد بن جرير الطبري. (2)، و أبو بكر بن الطيب الباقلاني، و قد اعتمد أقواله في باب الأحرف السبعة، و جمع القرآن و هي مما جاء في كتابه الانتصار لصحة نقل القرآن (3)، و أبو عبيدة صاحب مجاز القرآن (4) و أبو عبيد القاسم

ص: 390


1- انظر مثاله: 2/ 407- 4/ 401- 7/ 147.
2- انظر مواضع النقل عنه في الصفحات: 51، 52، 57.
3- انظر مواضع النقل عنه في الصفحات: 36، 37، 38، 41، 53.
4- انظر مواضع النقل عنه في الصفحة: 57- 70.

بن سلام، صاحب فضائل القرآن، (1) و الإمام المقرئ أبو عمرو الداني (2) و أبو علي الفارسي (3) و الإمام البخاري (4) و ثابت بن قاسم، صاحب كتاب الدلائل في شرح الحديث، هو من الكتب القليلة التي صرح المصنف بالأخذ عنه. (5)

و عدد آخر لم يرد ذكرهم إلا قليلا كأبي المعالي الجويني و كتابه الإرشاد (6) و مكي ابن أبي طالب (7)، و الفراء (8) و الإمام مسلم القشيري صاحب الصحيح (9)، و الجاحظ في كتاب الأمصار (10)، و الزبيدي في كتاب

ص: 391


1- انظر مواضع النقل عنه في الصفحات: 41، 43.
2- انظر مواضع النقل عنه في الصفحات: 21، 56.
3- انظر مواضع النقل عنه في الصفحات: 64، 65، 72.
4- انظر مواضع النقل عنه في الصفحات: 45، 46، 47، 51.
5- انظر موضع النقل عنه في الصفحات: 35، 38، 42.
6- انظر موضع النقل عنه في الصفحة: 63.
7- انظر موضع النقل عنه في الصفحة: 72.
8- انظر موضع النقل عنه في الصفحة: 72.
9- انظر موضع النقل عنه في الصفحة: 35.
10- انظر موضع النقل عنه في الصفحة: 55.

الطبقات (1) و أبو الفرج صاحب الأغاني (2) و غيرهم.

سابعا- أهم مزايا المقدمة:

لمقدمة ابن عطية يرحمه اللّه مزايا عديدة، ربما تفرد ببعضها، و أذكر منها:

1) تنوع الموضوعات التي اختارها المصنف، و قدمها بين يدي تفسيره.

2) الإيجاز و الاختصار في عرض الموضوعات، و كذا في سرد الأقوال.

3) الإعراض عن الأقوال الساقطة، و فضول القول.

4) الرد التفصيلي على بعض الأقوال المرجوحة و مناقشة قائليها.

ثامنا- أظهر المآخذ على المقدمة:

1) إغفال بعض أصول التفسير، و عدم التوسع فيما ذكر منها.

2) عدم بيان درجة كثير من الآثار المستشهد بها.

3) القصور في معالجة بعض الموضوعات مثل إعجاز القرآن.

هذا ما قلته في تفسير ابن عطية و أستغفر اللّه من الزلل.

ص: 392


1- انظر موضع النقل عنه في الصفحة: 55.
2- انظر موضع النقل عنه في الصفحة: 55.

8- زاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي المعروف بابن الجوزي المتوفى سنة (597 ه).

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مؤلف هذا الزاد العظيم هو الإمام أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد اللّه الجوزي القرشي البغدادي، و المعروف بابن الجوزي (1).

اختلف أهل العلم في تحديد العام الذي ولد فيه الإمام (2) و الذي يترجح أنه كان عام (510 ه) أو قريبا منه كما يظهر من كلام الإمام نفسه،

ص: 393


1- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 365- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 140- و الجوزي نسبة إلى جدهم، و قد عرف بذلك؛ قيل: لجوزة كانت في دارهم بواسط لم يكن بها جوزة سواها، و قيل غير ذلك. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 372- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 276.
2- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 366- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 276- و ذيل الطبقات الحنابلة لابن رجب: 1/ 400- و فنون الأفنان لابن الجوزي- مقدمة المحقق: 26.

فقد سئل يرحمه اللّه عن ذلك فقال: لا أتحقق مولدي. (1) ثم قال في موضع آخر: يكون تقريبا في سنة عشر (2). أي و خمس مائة.

و الإمام ابن الجوزي منسوب لخليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه فهو ينحدر من أرومة شريفة، و نسب عظيم، ظهر أثره في حياته الخاصة و العامة.

نشأ الإمام يتيما، حيث توفي والده و هو لم يتجاوز ربيعة الثالث، و انصرفت عنه الأم في وقت هو أحوج ما يكون فيه إليهما، فتلقته العناية الإلهية، و حاشا للّه الرحيم أن يترك أحبابه، لقد سخر اللّه للصغير عمة فاضلة، نهضت و انتصبت لتحتضن اليتيم، و لتقوم على رعايته و الاهتمام به، و ألقى اللّه في روعها أن تهبه للعلم الشرعي، فحملته لتلقيه في حضن مربّ فاضل، و عالم نحرير، هو الإمام أبو الفضل بن ناصر، فتوسم فيه خيرا، و أجلسه موضع التعليم، و أولاه العناية و الرعاية، بجد و اهتمام، و جعله اللّه سببا لإرشاده، فحمله مرارا إلى المشايخ، و أسمعه مسند الإمام أحمد و هو في سنّ لا يدري ما العلم من الصّغر، فكان بديلا عن أبيه، كما كانت العمة خير بديلة عن أمه، حتى غدا بفضل اللّه أولا، ثم برعاية العمة و الأستاذ ثانيا، ثم بما غرس اللّه في نفسه من حب العلم ثالثا، كأفضل من كان في

ص: 394


1- انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 142.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 368.

زمانه، أدبا و سلوكا و تحملا و خلقا و علما.

ذاق ابن الجوزي الصعاب في تلقي العلم، و منع نفسه متع الدنيا، و ألجمها من البحث عن ملذاتها، حيث وجد المتعة الحقيقة في الدرس و طلب العلم (و لقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب و أرجو). (1) و رأى أن ذلك كان سببا لفلاحه في العلم و تحصيله (كنت زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج إلى طلب الحديث، و أقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، و عين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث سير رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أحواله و آدابه ...) (2) و لم تدفعه حاجته إلى أن يمد يده للناس أو ينظر إلى الذي في أيديهم، فعاش عفيفا، و طلب العلم للّه و من يتّق اللّه يجعل له مخرجا. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2]

انكب ابن الجوزي على العلم، و انتقل من شيخ لآخر، و من كتاب إلى آخر حتى طالع أكثر من عشرين ألف مجلد، و هو لا يزال في طلب العلم (3).

و هكذا حتى انتهت إليه معرفة الحديث و علومه، و الوقوف على صحيحه

ص: 395


1- انظر: صيد الخاطر لابن الجوزي: 213.
2- المصدر السابق: 213.
3- انظر: المصدر السابق: 375.

من سقيمه، فكان من أحسن الناس كلاما، و أتمهم نظاما، و أعذبهم لسانا، و أجودهم بيانا (1)، يسير على منهج السلف و يلتزمه سلوكا و عملا و عبادة، و يرشد إليه أعز الناس، كتب لولده تصنيفه القيم «لفتة الكبد» حثه فيه مرارا و تكرارا على التزام هذا المنهج، و الاقتداء بسيرة السلف، و الالتزام بسلوكهم.

كما (كان بحرا في التفسير، علّامة في السير و التاريخ، موصوفا بحسن الحديث و معرفة فنونه، فقيها عليما بالإجماع و الاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن و فهم و ذكاء و حفظ و استحضار و إكباب على الجمع و التصنيف مع التصون و التجمل، و حسن الشارة و رشاقة العبارة، و لطف الشمائل، و الأوصاف الحميدة، و الحرمة الوافرة، عند الخاص و العام، ما عرفت أحدا صنّف ما صنف). (2)

شيوخه و تلامذته:

تضمن (مشيخة ابن الجوزي) أسماء شيوخه و ترجمة وافية لهم، كما ذكر يرحمه اللّه في (صيد الخاطر) جملة من أخبارهم و قال: لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، و كان أنفعهم لي في صحبته

ص: 396


1- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 373.
2- قاله الإمام الذهبي: انظر سير أعلام النبلاء: 21/ 367.

العامل منهم بعلمه، و إن كان غيره أعلم منه (1).

و من شيوخه الذين تتلمذ عليهم، و أخذ عنهم:

أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي ت (550 ه) (2)، و أبو الحسن علي بن عبيد اللّه الزاغوني ت (527 ه) (3)، و أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي ت (540 ه) (4).

أما تلامذته فهم كثر، منهم الأئمة و العلماء، و قد أورد الذهبي نصا فيه ذكر بعضهم، منهم: الشيخ موفق الدين ابن قدامة (5)، و ابن النجار (6) و خلق سواهما. (7)

ص: 397


1- انظر: صيد الخاطر: 140.
2- انظر: لفتة الكبد لابن الجوزي: 30- و المنتظم له: 10/ 162- و ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 1/ 401.
3- انظر: المنتظم لابن الجوزي: 10/ 32- و ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 1/ 180- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 276.
4- انظر: صيد الخاطر لابن الجوزي: 140- و ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 1/ 204.
5- هو موفق الدين عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، فقيه زاهد عابد مجاهد، قيل: كان أعلم أهل الشام في زمانه، له مصنفات مشهورة منها المغني في الفقه، توفي (620 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 22/ 165- و ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 4/ 133.
6- هو محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار، مؤرخ حافظ للحديث، رحل في طلب العلم و استمر في رحلته (27) سنة، اشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ، له ذيل تاريخ بغداد، توفي (643 ه) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 4/ 1428- و شذرات الذهب- لابن عماد: 5/ 226.
7- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 367.
مؤلفاته:

قال الحافظ ابن كثير عن الإمام ابن. الجوزي أنه جمع المصنفات الكبار و الصغار، و نحوا من ثلاثمائة مصنف، و كتب بيده نحوا من مائتي مجلدة. (1)

و قال سبطه أبو المظفر: سمعت جدي على المنبر يقول: بإصبعيّ هاتين كتبت ألفي مجلدة ... إلى أن قال: و مجموع تصانيفه مائتان و نيّف و خمسون كتابا (2).

و قد نالت مصنفات الإمام شهرة واسعة، و تلقتها الأمة في جملتها بقبول حسن، و لا زالت تعول على كثير منها، و هي متنوعة شملت كل الفنون، فله في التفسير و الحديث و الفقه و الوعظ و اللغة و التاريخ و السير و غير ذلك، و منها أنه صنف في التفسير أربعة تصانيف، (المغني) و هو كتاب واسع مبسوط، و (زاد المسير) و هو كتاب وسيط، (و تيسير البيان) كتاب وجيز، و (تذكرة الأريب في تفسير الغريب) مقتصر على تفسير الغريب.

و له في علوم القرآن (فنون الأفنان) و غيره.

و في الحديث صنف الكثير، منها (جامع المسانيد بألخص الأسانيد)

ص: 398


1- انظر البداية و النهاية لابن كثير: 13/ 31.
2- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 370.

و (الضعفاء و المتروكين) و (الموضوعات) و غيرها.

و كتب في اللغة و التراجم و السير و التاريخ و المواعظ و من ذلك: كتاب (صفوة الصفوة) (و صيد الخاطر) و (مناقب بغداد) و غيرها.

هذا و قد ألف الأستاذ عبد الحميد العلوجي كتابا في مصنفات ابن الجوزي أسماه (مؤلفات ابن الجوزي) طبع في بغداد 1965 م شمل جميع ما كتبه الإمام، كما اهتم فضيلة الدكتور حسن ضياء الدين عتر، بذكر مؤلفات الإمام، المطبوع منها و المخطوط و أماكن وجودها في تحقيقه لفنون الأفنان للمصنف، فجزاهما اللّه خير الجزاء.

وفاته:

كان آخر ما خطه يراع الإمام ابن الجوزي من النظم أبيات عظيمة غلب عليها جانب الرجاء، و هي تدل على حسن ظنه باللّه:

يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه

جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه

أنا ضيف و جزاء الضيف إحسان إليه بقي الإمام مريضا بعدها خمسة أيام إلى أن توفي ليلة الجمعة بين المغرب و العشاء عام سبع و تسعين و خمسمائة للهجرة (1)، رحمه اللّه رحمة

ص: 399


1- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 379- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 280- و ينظر للمزيد في ترجمته: البداية و النهاية لابن كثير: 13/ 28- و ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 1/ 399- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 21/ 365- و شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: 4/ 329- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 275- و طبقات المفسرين للسيوطي: 50- و صيد الخاطر لابن الجوزي: 140- 213- و فنون الأفنان لابن الجوزي، مقدمة المحقق.- و وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 140.

واسعة، و أدخله مدخلا كريما.

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

يعتبر زاد المسير في نظر كثير من أهل العلم من أجلّ التفاسير التي وصلت إلينا من حيث سلامة عقيدة المصنف، و من حيث المنهج و الترتيب الذي سار عليهما المصنف في تفسيره، فقد حاول يرحمه اللّه تجنب ما وقع فيه أسلافه من عيوب في التصنيف، فتلافى ذلك بحسن العرض للأقوال و المعاني، و هو منهج سار عليه من قبله الماوردي المتوفى سنة (450 ه) رحمه اللّه.

لقد حرص المصنف على أن يجعل تفسيره هذا مختصرا وافيا، حاويا لما أثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، جامعا لأقاويل علماء الصحابة و نبهاء التابعين، مشتملا لما نقل عن السلف في بيان المعاني، ضم إلى ذلك القراءات القرآنية المشهور منها و الشاذ، فجاء تفسيرا في غاية الإحكام و الإتقان، و في ذلك يقول المصنف: لا يعتقدن من رأى اختصارنا أنّا أقللنا، فإنا قد أشرنا بما

ص: 400

ذكرنا إلى ما تركنا و دللنا، فليكن الناظر في كتابنا متيقظا لما أغفلنا، فإنا ضمنا الاختصار مع نيل المراد، و قد فعلنا. (1)

و قد تأثر ابن الجوزي في منهجه كما ذكرت بالماوردي، حتى أنه قد يصعب على القارئ التمييز بين منهجيهما، و طريقتهما في عرض الأقوال، و سرد المعاني.

أما من حيث المعاني فقد اعتمد ابن الجوزي كثيرا على شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، و على ابن قتيبة في كتابيه (مشكل القرآن) و (غريب القرآن) كما اعتمد على غيرهما كالزجاج و الفراء و أبي عبيدة و غيرهم، و هو يذكر أنه انتقى تفسيره من أنقى التفاسير، فأخذ منه الأصح و الأحسن و الأصون، و نظم ذلك في عبارة مختصرة (2).

و قد كان المفترض من ابن الجوزي، و هو المفسر المحدث، تلافي ما وقع فيه السابقون من إيراد بعض الأحاديث الضعيفة و المنكرة، أو الاستشهاد بالإسرائيليات التي أغنانا اللّه عنها بما هو أصح، غير أن المصنف وقع في ذلك، و في مواضع عديدة، و كان ذلك من أشد ما يؤخذ على المصنف، كما يؤخذ عليه عدم الترجيح بين الأقوال في الغالب، فهو حين يذكر المفردة القرآنية، أو الآية فإنه قد يذكر لها خمسة أقوال في بعض الأحايين، دون أن

ص: 401


1- انظر: زاد المسير: 9/ 380.
2- انظر: زاد المسير: 1/ 7.

يبين الراجح منها، أو الذي يميل إليه على أقل تقدير، و بذلك يترك القارئ حائرا لا يعرف الراجح من المرجوح.

و قد جاءت مقدمة (زاد المسير) على وفق ما ذكر المصنف من الاختصار و الإيجاز، فسودت أربع صفحات و نصف من القطع المتوسط، تعرض المصنف فيها لعدة فنون من فنون علوم القرآن دون أن يتعمق في البحث، و ما ذكره هو حصيلة أقوال أهل العلم السابقين عليه.

و قد طبعت المقدمة مع التفسير طبعة واحدة فيما أعلم، ثم تم تصويرها عدة مرات بأحجام مختلفة، و اعتبر الناشر كل تصوير بمثابة طبعة مستقلة، و هي طبعة المكتب الإسلامي ببيروت: 1384 ه 1964 م، بعناية الأستاذ زهير الشاويش، و كانت الطبعة الرابعة مصغرة و هي التي اعتمدتها، و كانت في عام 1407 ه 1987 م.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

افتتح المصنف كتابه بحمد اللّه، و الثناء عليه، و إسداء الشكر له تعالى الذي شرف الأمة بخير نبي أرسله، جعله سراجا منيرا، و لم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا، و أنزل عليه الكلام الذي كان التحدي به.

ثم بين يرحمه اللّه أن شرف العلم من شرف المعلوم و لذلك كان علم القرآن من أشرف العلوم، و هو الأمر الذي دعاه إلى النظر في كتب التفسير التي تناولت بيان معاني كلماته فوجدها بين كبير يئس الحافظ منه، و صغير

ص: 402

لا يستفاد كل المقصود منه، فكان هذا المختصر اليسير الذي وسمه به (زاد المسير في علم التفسير) و رجا اللّه أن يكون قد أدى المطلوب.

ثم ذكر فصلا في فضيلة علم التفسير، فأورد فيه ما روي من أنّ صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يكونوا يتجاوزون عشر آيات من كتاب اللّه، حتى يعلموا ما فيها من العلم و العمل، كما بيّن حرص الصحابة على معرفة كل ما يتصل بالقرآن من الأمور و الأحوال التي تعين على فهم معانيه.

انتقل بعدها للموضوع الآخر و هو معنى التفسير و التأويل و الفرق بينهما، فأورد اختلاف أهل العلم في ذلك بعبارة مختصرة، ذاكرا قول الجمهور.

ثم ذكر المدة التي نزل فيها القرآن على قلب النبي صلى اللّه عليه و سلم مبينا تعدد الأقوال في ذلك.

تعرض بعدها لذكر أول ما نزل من القرآن و آخر ما نزل، و الخلاف في ذلك مع ذكر الروايات المبينة لها، مرجحا بينها، و جاء الختام ببيان غايته من التصنيف في التفسير، و اهتمامه بمسائل علوم القرآن، فذكر أن جمهور كتب المفسرين لا يكاد الكتاب منها يفي بالمقصود بمفرده، و أن المتابع يحتاج إلى التنقل بينها حتى يحصل مراده، و أنه بسبب ذلك أدرج في كتابه هذا جلّ تلك الفنون بحيث يستغني الناظر فيه عن غيره.

ص: 403

كما بين الخطوط الرئيسة لمنهجه، و أومأ إلى نوعية مصادره و قيمتها.

رابعا: منهج ابن الجوزي في مقدمته:

أما منهج ابن الجوزي فإنه يذكر الروايات التي تتحدث عن الموضوع المطروح للبحث، مع التصريح بذكر الراوي أو القائل، و إن كان في المسألة خلاف أشار إلى ذلك و قد يرجح حينئذ بينها، و قد يكتفي بذكر الروايات دون الترجيح. (1)

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

نعت المصنف تفسيره بأنه تفسير وسط بالغ في اختصار ألفاظه، مرتب ترتيبا يسهل فهمه، أوضح الألفاظ المشكلة، و شرح الغريب منها. و هي كلها نعوت التزمها المصنف، فالتفسير كما ذكر من أجود التفاسير ترتيبا و تنسيقا، و هو مختصر بعبارة موجزة، لا يتوانى المفسر من شرح غريب الألفاظ، و توضيح المشكل، و الأمثلة على ذلك كثيرة (2).

هذا و ذكر المصنف أنه أتى بما لم يأت به بعض المفسرين من إغفال لبعض المسائل و العلوم كالناسخ و المنسوخ، أو أسباب النزول، أو بيان المكي من المدني أو غير ذلك مما بيانه من مهام المفسر، و لا يستغني عنه

ص: 404


1- انظر: زاد المسير: 1/ 5.
2- انظر: زاد المسير: 1/ 113- 183- 337- 435.

التفسير.

و قد التزم المصنف هذه الشروط أيضا في تفسيره، فهو يبين الناسخ و المنسوخ، و يذكر الأقوال في ذلك (1)، و يتحدث عن أسباب النزول (2)، و يبين مكية السورة أو مدنيتها فيبين إن كانت السورة بتمامها مدنية، أو بتمامها مكية، أو أن بعضا منها مكي و الآخر مدني، أو العكس (3).

و من شروط ابن الجوزي أنه لا يعيد تفسير الكلمات التي سبق أن فسرها إلا على وجه الإشارة، و أنه لا يترك الأقوال المعتبرة بل يذكرها، و قد يترك فرش الآيات لأحد الأمرين، إما أن يكون قد سبق، أو يكون ظاهرا لا يحتاج إلى تفسير.

و هذه الضوابط التزمها المصنف في الغالب أيضا، كما فعل في أول سورة آل عمران حيث أغفل تفسير الآية الأولى منها مكتفيا بما قال في البقرة من تفسير الأحرف المقطعات التي في أوائل السور، و كذا تفسير الْحَيُّ الْقَيُّومُ من الآية نفسها مكتفيا بما ذكره في تفسير آية الكرسي. (4)

سادسا: مصادره في المقدمة:

ص: 405


1- انظر: زاد المسير: 1/ 275- 305- 365.
2- انظر: زاد المسير: 1/ 133- 218- 223.
3- انظر: زاد المسير: 1/ 19- 349- 2/ 267.
4- انظر: زاد المسير: 1/ 20 و 349.

غالب النصوص و الآثار التي استشهد بها المصنف جاءت معزوة لأصحابها، و هم في جملتهم من الصحابة و التابعين، كابن مسعود و ابن عباس و جابر بن عبد اللّه و عكرمة و الشعبي و غيرهم رضي اللّه عنهم أجمعين

أما مصادر المصنف من الكتب، فالمصدران الوحيدان اللذان وردا في مقدمة ابن الجوزي، هما صحيحا البخاري و مسلم، ذكر البخاري في موضعين، و مسلما في موضعين قرن بينهما في أحد الموضعين، و أحال إليهما الروايات الواردة في أول ما نزل، و آخر ما نزل (1).

سابعا: أهم المميزات و أظهر المآخذ:

مقدمة (زاد المسير في علم التفسير) من المقدمات المختصرة التي لم تخصص لما هدف إليه أصحاب المطولات من إثبات ما يلزم أن يكون في ذهن طالب العلم الناظر في التفسير حتى يفهمه على النحو الصحيح، فالمصنف قد أفرد لعلوم القرآن و أصول التفسير كتابا مستقلا، و ما ذكره في هذه المقدمة تذكير بفضيلة التفسير و نزول القرآن، و لهذا الأمر لا يحسن الحكم على هذه المقدمة بالميزان الذي حكم به على غيرها. و اللّه أعلم

هذا ما عرفته عن تفسير ابن الجوزي، و أستغفر اللّه من التقصير أو

ص: 406


1- انظر: زاد المسير: 1/ 5- 6.

الخطأ في القول.

ص: 407

9- الجامع لأحكام القرآن و المبين لما تضمنه من السنة و آي الفرقان لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الخزرجي الأندلسي القرطبي المتوفى سنة 671 ه

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مؤلف هذا السفر العظيم هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح بسكون الراء و الحاء المهملة الأنصاري الخزرجي المالكي، أبو عبد اللّه القرطبي.

ولد في قرطبة من بلاد الأندلس، و نشأ و ترعرع في كنف أبيه و رعايته، و لم تشر المصادر التي وقفت عليها إلى سنة ولادته، غير أن أستاذي الدكتور علي بن سليمان العبيد حفظه اللّه و بارك فيه استدل من خلال نصوص وردت في ثنايا التفسير أن ولادته ربما كانت في بداية القرن السابع الهجري (1).

و الذي يظهر من سيرة القرطبي رحمه اللّه أنه تلقى العلم في مقتبل العمر، فزاحم الركب، و أخذ عن جلة من العلماء، و صفوة من الأخيار

ص: 408


1- انظر: تفاسير آيات الأحكام للدكتور علي بن سليمان العبيد: 1/ 313 رسالة دكتوراه كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

المشاهير من أهل العلم و الصلاح في وقته، من أهل قرطبة و ما جاورها من منابر الإشعاع، و لازمهم حتى حصّل ما عجز غيره عن تحصيله في القرآن و القراءات و الحديث و النحو و الفقه و البلاغة، و غيرها من علوم العربية، حتى كان عام 627 ه حين قتل والده، و سقطت قرطبة في أيدي القشتاليين سنة 633 ه قرر الرحيل، و ترك مرابع الصبا، ليتوجه إلى الإسكندرية و ليتم ما بدأه في دياره، فجلس إلى علمائها يتلقى العلم طالبا.

و قد عرف عن القرطبي الصلاح و التقى، و الإكثار من العبادة و النوافل حتى ذكر المترجمون له بأن أوقاته كانت معمورة ما بين توجّه و عبادة و تصنيف، و ذكروا من مآثره البعد عن التكلف و ما يشغل أهل الدنيا و طلابها، و من نعوته أنه كان شيخا صالحا وقّافا عند حدود اللّه، يحرص على السنة و يحارب البدعة و المبتدعين. (1)

شيوخه و تلاميذه:

يقول ابن خلدون: إن البشر يأخذون معارفهم و أخلاقهم، و ما ينتحلون به من المذاهب و الأخلاق، تارة علما و تعليما و إلقاء، و تارة محاكاة و تلقينا بالمباشرة، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة و التلقين أشد

ص: 409


1- انظر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري: 2/ 412- و الديباج المذهب لابن فرحون: 317- و شجرة النور الزكية: 2/ 197، و تفاسير آيات الأحكام و مناهجها للدكتور علي سليمان العبيد: 1/ 313.

استحكاما، و أقوى رسوخا، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات و رسوخها (1).

و قد تلقى القرطبي يرحمه اللّه ثقافته و علمه من شيوخ أجلاء تأثر بهم، و تكونت شخصيته على أيديهم، و تحت أنظارهم، و من هؤلاء: الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي (2)، و الشيخ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (3)، و غيرهم من شيوخ قرطبة و مصر و الإسكندرية و غيرها.

و الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب في سيرة القرطبي رحمه اللّه أن لا يذكر له تلميذ واحد، سوى ما روى أن ابنه شهاب الدين أحمد قد روى عنه و بالإجازة.

و هو أمر يدعو إلى التعجب حقا، و ربما علل بعض الباحثين ذلك لانشغاله بأمر نفسه، و انصرافه إلى تلقي العلم و مجالسة العلماء، و تأليف

ص: 410


1- مقدمة ابن خلدون: 4/ 1245، تحقيق علي عبد الواحد.
2- هو أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي، محدث مالكي، من كبار الأئمة في الحديث، اختصر الصحيحين، و ألف المفهم في شرح صحيح مسلم، توفي (656 ه). انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 70- و شذرات الذهب لابن عماد: 5/ 273.
3- هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد اللّه المنذري، حافظ حجة، برع في العربية و الفقه و الحديث حتى قيل: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث، له مختصر مسلم و غيره، توفي (656 ه)، انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 6/ 143- و شذرات الذهب: 5/ 277.

الكتب، و إلى العبادة، إضافة إلى عدم مشاركته في أعمال القضاء و التدريس (1).

و هو تعليل لا يشفي الغليل، إذ كيف يترك عالم جليل دل كتابه الجامع لأحكام القرآن فضلا عن موسوعاته الأخرى على علوّ كعبه في المنقول و المعقول، و سمو مكانته و تبحره في العلم، فمثله يهرع إليه طلبة العلم، و يجلسون على بابه لتلقي كلمة أو سماع أثر، بل كان الأمر يصل ببعضهم أن يعمل ما يزج به في السجن ليلتقي عالما قد حكم عليه بالسجن فيأخذ عنه فيتحمل العذاب المضني لتلقي العلم، فكيف أغفله طلاب العلم و لم يتلقوا عنه؟!

و بالنظر إلى الفترة التي عاشها القرطبي في مصر، و ما عرف عنه يرحمه اللّه من مناهضة الرافضة و الرد عليهم، و إشهار سيف الحق في وجوههم، و بيان زيفهم و انحرافهم و ضلالهم (2)، و كأنني و أنا أقرأ في سيرة القرطبي و شيئا من مقدمته التي أفاض فيها التصدي للقوم و مواقفهم المخزية من القرآن الكريم، و كأنني أرى أنه منع نتيجة ذلك من التدريس و منع عنه الطلبة فتفرغ للتأليف منعزلا حتى أخرج لنا هذا التراث العظيم وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [الصف: 8]، فالتعليل الأقرب إذا لعدم وجودم.

ص: 411


1- انظر: تفاسير آيات الأحكام للدكتور علي بن سليمان العبيد: 1/ 313.
2- ينظر مقدمة التفسير للوقوف على بعض ردوده عليهم.

تلاميذ للقرطبي عائد و اللّه أعلم إلى التسلط السياسي الذي مارسته الفئة الباغية على أهل العلم، و هو ما يسمى في عصرنا الحالي ب (الإقامة الجبرية) فلا التدريس و التعليم مسموح به، و لا الهجرة و السياحة في الأرض مسموحة. وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الأنفال: 30].

تصانيفه و مؤلفاته:

روى غير واحد عن الإمام الذهبي قوله في القرطبي: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه و وفور عقله و فضله. (1).

و صدق الذهبي فيما قال فإن المطّلع على النتاج العلمي الذي خلّفه القرطبي ليشهد بقوة على هذه الحقيقة، فهي كالشمس في رابعة النهار.

و من مؤلفاته:

1) الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى.

2) التذكار في أفضل الأذكار.

3) التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة.

4) قمع الحرص بالزهد و القناعة و رد ذل السؤال بالكتب و الشفاعة.

ص: 412


1- قاله الذهبي في تاريخ الإسلام، و انظره في نفح الطيب للمقري: 2/ 414- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 69.

5) شرح التقصي.

6) الإعلام بما في دين النصارى و إظهار محاسن دين الإسلام.

إضافة إلى تفسيره الذي هو موضوع دراستنا هنا، و غير ذلك من التصانيف (1).

وفاته:

و لكل شروق غروب، ففي ليلة الاثنين، التاسع من شوال سنة 671 ه أفل نجم القرطبي ليلقى وجه ربه في النعيم المقيم إن شاء اللّه الغفور الرحيم، و كانت وفاته في منية ابن خصيب، مستقره من الصعيد الأدنى من ديار مصر، و هي المسمى حاليا ببلدة، المنيا (2) رحمه اللّه رحمة واسعة.

ص: 413


1- انظر: الديباج المذهب لابن فرحون: 317- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 69- و نفح الطيب للمقري: 2/ 413- و هدية العارفين: 6/ 129.
2- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 69- و شذرات الذهب: 5/ 335. و ينظر للمزيد في ترجمته: تفاسير آيات الأحكام و مناهجها، للدكتور/ علي بن سليمان العبيد: 1/ 313، رسالة دكتوراه بكلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية. و التفسير و المفسرون، لمحمد بن حسين الذهبي: 2/ 457- و الديباج المذهب، لابن فرحون: 317- و الذيل و التكملة لكتابي الموصول و الصلة- السفر الخامس- القسم الثاني: 585- و شجرة النور الزكية، محمد مخلوف: 197- و شذرات الذهب، لابن عماد الحنبلي: 5/ 335- و طبقات المفسرين، للداودي: 2/ 69- و طبقات المفسرين، للسيوطي: 28- و من الجامع لأحكام القرآن، د/ محمد أديب الصالح: 8- و نفح الطيب

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

حين سئل شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه اللّه عن خير تفسير بين تفاسير ثلاثة ذكرت له، تفسير الزمخشري و القرطبي و البغوي، كان جوابه يرحمه اللّه- أن: تفسير القرطبي خير من تفسير الزمخشري، و أنه أقرب إلى طريقة أهل الكتاب و السنة، و أنه أبعد عن البدع. (1)

و لهذه المزية و لغيرها انتقاه العلماء و طلبة العلم، فطالما ارتووا من مورده العذب الزلال، و هو تفسير عظيم الشأن سار بذكره الركبان، و هو كما قال الذهبي: تفسير لا نظير له، فضله الأشياخ المتأخرون على أكثر ما بالأيدي من التفاسير. (2)

و الذي أراه أنه لو ادعى من اقتنى هذا التفسير الجليل من طلبة العلم أنه قد يستغني به عن غيره من التفاسير لما حقّ لأحد أن يستنكر عليه قوله، فهو تفسير جامع شامل لجميع اتجاهات التفسير، من المأثور و الرأي، لا يستغني عنه مغرم باللغة و النكات البلاغية، و لا فقيه باحث عن الأحكام القرآنية، و لا مهتم بالعقائد، فالكل يجد فيه بغيته و مبتغاه، ناهيك عن شيوخ

ص: 414


1- انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 31/ 387.
2- انظر: الذيل و التكملة لكتابي الموصول و الصلة- السفر الخامس- القسم الثاني: 585- و نفح الطيب للمقري: 2/ 414 نقلا عن الذهبي في تاريخ الإسلام.

القراءات الذين يعدون هذا السفر الجليل مرجعا هاما في فنهم، خاصة في توجيه القراءات القرآنية.

و لهذه المزايا و لغيرها عدّ المترجمون للقرطبي تفسيره هذا من أجلّ التفاسير و أعظمها نفعا، فقد أسقط يرحمه اللّه القصص و التواريخ، و أثبت عوضها أحكام القرآن مع استنباط الأدلة، كما ذكر القراءات و الإعراب و الناسخ و المنسوخ، (1) كل ذلك دون أن يخرج عن الهدف الذي رسمه و هو تفسير كتاب اللّه، و توضيح ألفاظه، و بيان معانيه.

و قد تأثر القرطبي بسلفه ابن عطية تأثرا واضحا، خصوصا في تمحيص الآثار الواردة عن أهل الكتاب، و تلك التي هي محل نظر مما ابتليت به التفاسير عامة، و لهذا ذكر ابن خلدون أن القرطبي قد تأثر بابن عطية في منهجه و طريقته في هذا المنحنى (2).

هذا و قد استطاع المصنف بعبارته السهلة، و تقسيمه الدقيق للموضوعات، و منهجه التميز في هذا الشأن، أن يقدم للقارئ نصا يرتاح معه، فلا يكلّ من دراسته، و لا يملّ النظر فيه، و هي الأخرى ميزة عظيمة لهذا التفسير الجليل.

أما ما يخص التعريف بالمقدمة فلا أظنني جانبت الصواب حين ادعيتة.

ص: 415


1- انظر: الديباج المذهب: 317.
2- انظر: مقدمة ابن خلدون: 314 ط دار المصحف القاهرة.

في مقدمة هذه الرسالة أن كثيرا من المفسرين ضمنوا مقدمات تفاسيرهم خلاصة أفكارهم، و زبدة آرائهم حول علوم القرآن، و أنهم بنوا هياكل تفاسيرهم على هذه الآراء .. و لا حين ادعيت أن من الأهمية دراسة هذه المقدمات دراسة تحليلية جادة، و الغوص فيها لإبراز الدقائق العلمية في ثناياها .. لأنني كنت أعي و أعني ما أقول، فقد كنت على علم بكثير من هذه المقدمات، و على دراية بإحداها على الأقل، دراية تامة، طالما أشار إليها أساتذتنا الأفاضل، و نبه على أهميتها شيوخنا الأجلاء، أقصد بذلك مقدمة الجامع لأحكام القرآن، تلك المقدمة التي ما فتأت أرجع إليها بين الحين و الحين في البحث الذي أعددته في المرحلة العلمية السابقة لهذه المرحلة.

لقد حوت مقدمة تفسير الإمام القرطبي خلاصة فكره حول كثير من علوم القرآن، عرضها بأسلوب يجمع بين الغزارة العلمية، و الطراوة الأدبية، تبنى المصنف كثيرا مما نقله ممن سبقوه، و ما لم يرتضه عقّب عليه و ناقش صاحبه و قدّم أدلته ليفند حجج مخالفه، جمع فيه بين مأثور النصوص و قوة الاستنباط و التحليل.

إن هذه المقدمة تعد بحق من أوفى المقدمات التي وقفت عليها في علوم القرآن، من نشأة التفسير و حتى نهاية القرن الثامن الهجري و هي الفترة التي يتناولها هذا البحث جاءت في ست و ثمانين صفحة من القطع المتوسطة، مسطرتها 24/ 17، عدد الأسطر من 19 إلى 22 سطرا.

و قد جاءت هذه المقدمة قليلة الأخطاء بالنظر إلى الطبعات الأخرى

ص: 416

التي وقفت عليها.

أما عدد طبعات المقدمة فهي بعدد طبعات التفسير نفسه، فلم تطبع منفردة، ربما لأنه تيسر لهذا التفسير أن يطبع قبل مثيلاته، فلم تكن هناك حاجة لعزله عن أصله، أو ربما لأن عزله عن أصله يخلّ ببعض ما فيه، فقد أراد المصنف أن يربط المقدمة بالتفسير ربطا محكما ليكتمل العقد، و لتتحقق الغاية التي لأجلها قدم هذه المقدمة. يدل على هذا أن المؤلف كثيرا ما يحيل قارئ المقدمة إلى صلب التفسير بقوله: و سيأتي مزيد بيان في سورة كذا (1)

بل قد يترك البيان كله فيقول: و بيان ذلك في سورة كذا .. (2) و كأنه يريد أن يقول: لا تغفل عن التفسير إنّ فيه خيرا كثيرا، فهو بهذا العمل يريد أن تكون المقدمة و التفسير صنوان.

و هذا و قد طبع الكتاب عدة طبعات منها:

1) طبعة دار الكتب المصرية.

2) طبعة دار الكتاب العربي- القاهرة 1387 ه الطبعة الثالثة مصورة عن طبعة دار الكتب. قام بتصحيحه و التعليق عليه: أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، و أحمد عبد العليم البردوني، و مصطفى السقا.

ص: 417


1- انظر: مثال ذلك: 1/ 20- 58- 86.
2- انظر: 1/ 39- 49- 53- 59- 83.

3) طبعة دار إحياء التراث- بيروت، الطبعة الثانية.

4) طبعة دار الكتب العلمية- بيروت 1408 ه، الطبعة الأولى.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

اشارة

قدم الإمام القرطبي بين يدي تفسيره مقدمة مطولة حوت تسع عشرة مقدمة جزئية باعتبار أن كل باب ذكره يعد بمثابة مقدمة مستقلة، هذا على سبيل الإجمال و الإدماج، و إلا فإن الموضوعات التي طرحها للبحث و النقاش تربو على هذا العدد بقدر الضعف.

قدم المصنف تلك المقدمات بكلمة بليغة موجزة، غير أنها كافية ضافية، تحدث فيها عن بلاغة الكتاب المبين، و علو قدر حفظته و العاملين به، ثم بين الباعث إلى التأليف و الكتابة، و الأمور التي اعتزم أن يضمنها تفسيره، و ختم الكلمة ببيان شرطه في كتابه، ليبدأ بالتفصيل في الأبواب التي رأى أنه يحسن لطالب التفسير و المشتغل به الإحاطة بها، و هي:

باب: ذكر جمل من فضائل القرآن، و الترغيب فيه، و فضل طالبه، و قارئه و مستمعه و العامل به:

بدأ المصنف هذا الباب بالحديث عن أهمية الموضوعات المطروقة، و عن فضل كلام اللّه تعالى، و أشار في ثنايا حديثه إلى أن علماء كثر كتبوا فيه تآليف مستقلة، كما أومأ إلى مسألة خلق القرآن غير أنه لم يفصّل، و اكتفى ببيان مذهب أهل السنة و الجماعة بإيجاز، و حسن فعل. فالخوض في مثل

ص: 418

هذه المسائل يكون في موضعه من التآليف المختصة، و لا حاجة من طرقه في مثل المقدمات.

و ذكر المصنف فضل اللّه سبحانه و تعالى و تكرمه حيث منّ على الأمة الإسلامية بتيسير القرآن للذكر، فجعل الناس قادرين على حمله و حفظه حين عجزت السماوات و الأرض عن حمله، و لو لا هذا الفضل لما استطاع الإنسان حمله، قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: 21].

ثم ذكر في ختام هذا الباب جملة من الآثار الواردة في فضائل القرآن، ليختم الباب بقوله: و الآثار في معنى هذا الباب كثيرة و فيما ذكرنا كفاية، و اللّه الموفق للهداية.

باب: كيفية التلاوة لكتاب اللّه تعالى، و ما يكره منها و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك:

تعرض القرطبي لهذا الموضوع في ثماني صفحات، و ذكر فيه نيفا و عشرين حديثا و أثرا، بدأه بالصحيح الذي رواه البخاري عن قتادة في وصف أنس رضي اللّه عنه لقراءة النبي صلى اللّه عليه و سلم بأنه كان يمد مدا.

و قد حلّق المصنف في هذا الباب و سما في الذي ذكره، و أنهاه بعد أن أسبغ عليه الحلل، فما ترك مسألة بحاجة إلى نقاش إلا و قد أشبعها درسا حتى أقنع القارئ حجة.

ص: 419

ثم تحدث عن كيفية قراءة النبي صلى اللّه عليه و سلم فأورد من الأثر الصحيح ما لا يحتاج معه إلى مزيد بحث، و عن حسن صوت من قرأ و هو يخشى اللّه، و شين رفع الصوت و التطريب بالقراءة و النبر، خاصة من كان حادّ النبرات رفيع الصوت منكره. مدعما ما ذكره بالأدلة، و ذاكرا من كرهوا ذلك من الأئمة.

ثم عاد مرة أخرى إلى ما ذكره أولا من كراهية رفع الصوت و التطريب فذكر الخلاف في المسألة بين مجيز و مانع، ذاكرا أدلة ذلك و القائلين بكل قول، دون أن يبخسهم حقهم في العرض و البيان، حيث عرض الأدلة بأمانة و صدق، حتى إن القارئ حين يقرأ له و هو يورد أدلة مخالفيه يذهب به الظن إلى أن المصنف يتبنى هذا الرأي، و بمثل هذه المواقف التي يقفها القرطبي بين الفينة و الفينة، كان الحق في جانب أولئك الذين ينفون التعصب المذهبي عن القرطبي، و يذكرون أنه إنما يتبع الدليل بغض النظر عن قائله و مذهبه.

فهو حين ذكر أدلة المجيزين سماهم، و ذكر منهم أرباب الفصاحة و فرسان البيان، و من شهدت لهم الأمة بالإمامة كأبي حنيفة و الشافعي و ابن المبارك و الطبري و ابن بطال (1) و القاضي المالكي ابن العربي، و غيرهم. و كل واحد ممن ذكره يكفي بنفسه أن يرفع بسهم الطائفة عاليا، فكيف بهم

ص: 420


1- هو علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي، محدث من أهل العلم و المعرفة، شرح صحيح البخاري، توفي (449 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/ 47- و الديباج المذهب لابن فرحون: 302.

مجتمعين!!

أقول هذا لأدلل على قوة القرطبي في اختياراته، فهو مع الدليل، و لهذا ظهر رسوخ قدمه، و علو كعبه حين أعلن بعد أن ذكر أدلة المجيزين، و هم من هم، أعلن أنه يرى كراهية التطريب، و أنه الأصح من الأقوال مدللا و معللا لما ذهب إليه، و أن تزيين الصوت يكون بقراءة القرآن، و ليس تزيين القرآن بالصوت الحسن كما يراه المخالفون، ورد على المخالفين بأدلة قوية.

كما رأى أن التغني هو تحسين الصوت بالقرآن، ليس التطريب، أو أن يكون بمعنى الاستغناء ضد الافتقار، و هو التأويل الذي ارتضاه سفيان بن عيينة (1)، و وكيع بن الجراح (2)، و هو المروي عن سعد بن أبي وقاص. أو يكون بمعنى الاستغناء به عن سواه من الأحاديث، و هو مذهب البخاري صاحب الصحيح ...

و هكذا نقل ما تأوله العلماء في معنى التغني، فذكر منها التحزن به الذي هو إظهار الحزن ضد السرور، و ذكر حسن الصوت بالترجيع، أو أنه بمعنى الجهر بالقرآن.

ص: 421


1- هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي، ثقة ثبت حافظ فقيه، تغير حفظه بأخرة، توفي (198 ه). انظر: طبقات القراء لابن الجزري: 1/ 308، و ميزان الاعتدال للذهبي: 2/ 170.
2- هو وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي الكوفي، إمام حافظ، كان من بحور العلم و أئمة الحفظ، توفي (197 ه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 140- و شذرات الذهب لابن عماد: 1/ 349.

ثم انتقل إلى الحديث عن الترجيع، و صفته، و علل دعوى أن النبي صلى اللّه عليه و سلم رجّع في قراءته، بأنه محمول على إشباع المد في موضعه، أو أنه حكاية عن صوته عند هزّ الراحلة. و صرح أثناء حديثه بأن المبالغة في الترجيع و الترديد حرام لكون من يفعل ذلك إنما يقصد به الزجر و الجوائز، كالذي يقرأ أمام الملوك و الجنائز، فضلّل سعيهم، و خيب عملهم، و أنكر عليهم بشدة استحلالهم تغيير كتاب اللّه، و الاجتراء عليه سبحانه لأجل غرض زائل من الدنيا، يزينه الشيطان لهم، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، و هم في غيّهم يترددون، و بكتاب اللّه يتلاعبون، و صدق الصادق المصدوق، بأن ذلك سيكون: «اقرءوا القرآن بلحون العرب و أصواتها، و إياكم و لحون أهل الفسق و لحون أهل الكتابين، و سيجي ء قوم يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء و النوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم و قلوب الذين يعجبهم شأنهم». (1)

و أنهى القرطبي الباب بتعريف اللحن و الترجيع و الترتيل ليختمه بالأثر الوارد في نعت قراءته صلّى اللّه عليه و سلم بأنها كانت مفسرة حرفا حرفا. و لأن حفظ كتاب اللّه، و حسن الصوت قد يلقي في النفس البشرية شيئا من الإعجاب، و حظوظ النفس، و خشية أن ينقلب ذلك إلى الرياء و العياذ باللّه فيضيعم.

ص: 422


1- أخرجه البيهقي في الشعب: ح (641)، 3/ 1087) و المروزي في قيام الليل، انظر المختصر: 119، و أبو عبيد في فضائله: ح 232 ص 99، و الهيثمي في المجمع: 7/ 179 و نسبه للطبراني و قال: و فيه بقية و راو لم يسم.

الأجر، خصص يرحمه اللّه الباب الثاني للتحذير من ذلك و غيره.

باب: تحذير أهل القرآن من الرياء و غيره:

روي عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تخادع اللّه، فإنه من يخادع اللّه يخدعه اللّه، و نفسه يخدع لو يشعر». قالوا: يا رسول اللّه، و كيف يخادع اللّه؟ قال: «تعمل بما أمرك اللّه به، و تطلب به غيره، و اتقوا الرياء فإنه الشرك، و إن المرائي يدعى يوم القيامة على رءوس الأشهاد بأربعة أسماء ينسب إليها: يا كافر، يا خاسر، يا غادر، يا فاجر، ضلّ عملك، و بطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع».

هذا باب عظيم، و خطره جسيم، و قد أحسن القرطبي رحمه اللّه عملا حين أفرده بباب مستقل، و لم يكتف بما يمكن التحدث به من أمر التحذير من الرياء في صلب التفسير، كما أشار إلى ذلك.

استهل القرطبي رحمه اللّه هذا الباب الذي جاء في ثلاث صفحات، لتقرير ما ضمنه بقوله تعالى وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء: 36]، و قوله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف: 110] ليشير بذلك إلى أن من تعلم العلم و علّمه، و قرأ القرآن و أقرأه، ليقال عالم و قارئ للقرآن قد ارتكب إثما عظيما، و لهذا استحق مرتكبه أن يسحب في النار على وجهه حتى يلقى في

ص: 423

النار.

و أورد- رحمه اللّه- من الأحاديث و الآثار ما يؤكد هذا المعنى، و يحذر القراء من الغرور و الرياء الذي قد ينفد إلى النفس فيعرّض صاحبه للخطر، و يحرمه من عرف الجنة، و يدخله جب الحزن يوم القيامة.

و انتقل بعد هذا ليقدم العلاج الذي يقي القارئ من الوقوع في المهالك، فيذكره أولا و آخرا بتقوى اللّه بأن يتقي اللّه في نفسه، و يخلص العمل للّه، و يوجه من أصابه شي ء مما يكره إلى الإسراع في التوبة و الإنابة إلى اللّه، و أن يبدأ بالإخلاص في الطلب و العمل. و ليؤكد أن هذا الأمر خير له، أورد من الأثر ما يؤكد أن على قارئ القرآن و حامله أن يتحفظ أكثر من غيره لأن له من الأجر أكثر من غيره.

و ختم بوعد للقارئ بمزيد بيان مما يتعلق بالموضوع في صلب التفسير.

باب: ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به، و لا يغفل عنه:

أكد القرطبي في هذا الباب أن أهم ما ينبغي لصاحب القرآن الأخذ به، و عدم الإغفال عنه هو الإخلاص للّه.

بدأ الباب بالتنبيه إلى ذلك، و ختمه بالتأكيد على إخلاص النية للّه أولا و آخرا، و بين البداية و الختام ذكر جملة من الصفات التي يجب على حامل القرآن أن يتحلى بها، كالقراءة في الليل و النهار، في الصلاة و خارجها، و كالشكر للّه، و الخوف من ذنوب النفس، و الرجاء في عفو اللّه

ص: 424

و مراقبته جلت قدرته في أوامره و مناهيه، و الاتصاف بالحلم و الأناة و الوقار ... و غير ذلك من صفات الكمال.

ثم شرع المصنف في ذكر المسائل العلمية التي ينبغي لقارئ القرآن معرفتها كالمكي و المدني، و الإعراب، و اللغة، و غير ذلك من العلوم المطلوبة.

يريد بذلك التأكيد على أن العلم لا ينتفع به إن لم يصحبه خلق و أدب و إخلاص للنية، كما أن تلك النعوت الحميدة لا تنفع صاحبها إذا كان مجردا عن العلم خاويا. فما أقبح لحامل القرآن الذي يتلو فرائضه و حدوده و أحكامه و هو لا يفهم معنى ما يتلوه، إذ كيف يعمل بما لا يفهم معناه!!

بعدها ختم المصنف هذا المبحث حيث أرشد طالب العلم الذي يريد بعلمه المباهاة و الشرف في الدنيا إلى تغيير النية لينتفع بما تعلم، (كنا نطلب العلم للدنيا، فجرّنا إلى الآخرة).

باب: ما جاء في إعراب القرآن و تعليمه و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا:

عشرون أثرا عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و صحابته و التابعين أوردها القرطبي في هذا الباب، الذي جاء في ثلاث صفحات، حثت كلها على تعلم الإعراب و العربية، و دلت بمجموعها على ذم اللحن و كراهيته، مما يوجب على قراء كتاب اللّه و حفظته أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه.

و قد دعّم القرطبي ما ذكره قبل أن يختم هذا المبحث بالأمثلة التي تؤكد

ص: 425

المعنى المراد، و كيف أن اللحن يغير المقصود، و بين كيف أن الصحابة فهموا مراد اللّه بما أوتوا من العلم بالعربية و بأشعارها، و أن الشعر ديوان العرب لا ينبغي إغفاله.

باب: ما جاء في فضل تفسير القرآن و أهله:

علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- و هو من هو في علوّ منزلته، و عظيم قدره، يذكر عنده جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- فيصفه بالعلم مثنيا عليه، فيقوم رجل مستغربا يقول: جعلت فداءك، تصف جابرا بالعلم و أنت أنت؟! فيقول كرم اللّه وجهه معللا: إنه كان يعلم تفسير قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: 85].

استدل القرطبي بهذا الأثر و سبعة آثار أخرى عن الصحابة و التابعين و هي مجموع ما أورده في هذا الباب على فضل التفسير، و مكانة المفسر، و علو منزلته و قدره.

و قد جاء هذا الباب موجزا بخلاف المباحث السابقة، حيث اقتصر المصنف على ما لم يذكره سابقا.

باب: ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه:

سبق أن حذر المصنف قارئ القرآن من الرياء و الغرور في باب خاص، و عاد ليثبت في هذا الباب أن من امتثل ذلك من القراء، و ابتعد عن

ص: 426

الرياء حقا استحق الفوز في الدنيا بإكرام الناس له، و الخوف و الخشية من معاداته، و في الآخرة بالنعيم المقيم، و قد جاء هذا الباب في أقل من نصف صفحة.

باب: ما يلزم قارئ القرآن و حامله من تعظيم القرآن و حرمته:
اشارة

كان عمدة القرطبي في هذا الباب هو الحكيم الترمذي، فقد نقل عنه ما أورده في نوادره من آداب التلاوة، و قد استغرق هذا النقل أربع صفحات احتوى على أكثر من أربعين أدبا من آداب التلاوة، و ما يلزم حامل القرآن من تعظيمه و حرمته، و بعد أن أنهى نقل ما ذكره صاحب نوادر الأصول أتبع ذلك باستدراك ما قد فاته من تلك الآداب كاستحباب جمع الأهل عند ختم القرآن، و كراهية اتخاذ التعاويذ و غير ذلك.

و لم يكن القرطبي رحمه اللّه مجرد ناقل في ذكره لتلك الآداب، بل تجده يتدخل في المنقول بالتعقيب حينا و بالمناقشة حينا آخر، فيخالف الحكيم الرأي مدللا على ما ذهب إليه بما ثبت، و هو مسلك حسن يذكر للمصنف فيشكر.

و قد شمل هذا الباب ثلاثة أمور:
الأول: الآداب المطلوبة قبل البدء في التلاوة،

كاستحباب الاستياك قبل البدء، و اتخاذ الزينة، و استقبال القبلة و غير ذلك.

ص: 427

الثاني: ما يستحب أثناء التلاوة، و ما يكره،

فذكر للأول القراءة المرتلة و استعمال الذهن و غير ذلك، و ذكر للثانية كراهية قطع القراءة بكلام الآدميين و غير ذلك.

الثالث: آداب عامة لتعظيم القرآن،

كتحريم توسّد المصحف، و تحريم كتابته

على الأرض و غير ذلك.

باب: ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي، و الجرأة على ذلك، و مراتب المفسرين:
اشارة

القارئ لهذا الباب يلاحظ للوهلة الأولى أن المصنف اتكأ على ابن عطية رحمه اللّه فيما أورده في مقدمة تفسيره حول هذا الموضوع، و كأن لسان حاله يقول: لم يترك هذا المفسر شيئا أريد ذكره إلا سبقني إليه، و لا شك أن نقل القرطبي عن ابن عطية على هذا النحو، و اعتماد كثير من آرائه يعد بحق شهادة للأول برسوخ القدم و علو الكعب في تلك العلوم.

جاء هذا الباب في أكثر من خمس صفحات، أشار المصنف في بدايته إلى أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر من القرآن إلا آي بعدد، علمه إياهن جبريل، و وقف بذلك مع جمع غفير من المفسرين الذين رأوا أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم بين ما احتاج إليه الصحابة من المعاني، و ما استشكل عليهم من الألفاظ و تعذر فهمها، و أن ما سوى ذلك تركه لاجتهادهم و لغتهم و فهمهم.

و ما ذهب إليه المصنف فيه إشارة و إيحاء إلى جواز التفسير بالرأي، و هو

ص: 428

أمر يعارض ظاهر جملة من النصوص الواردة في التحذير من القول في القرآن بمجرد الرأي، لذلك ذكر القرطبي جملة من تلك الآثار مع تأويلات ثلة من العلماء من الصحابة و غيرهم لها، و انتهى إلى أن الراجح هو أن التحذير وارد بحق من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره، أو قال قولا يوافق فيه هواه.

بعد هذا ذكر رحمه اللّه شيئا من شروط التفسير بالرأي، كأن يملك الأدوات اللازمة للتفسير، و أن يكون تفسيره عن علم و نظر فيما قاله العلماء، و اقتضته قوانين العربية، لا أن يتسور على كتاب اللّه برأيه بغير بصيرة و لا تدبر، فيضل بنفسه و يضل غيره.

و لأنه قد يفهم بعضهم أن التفسير كله موقوف على السماع فهما منهم لقوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ [النساء: 59] لذلك ردّ المصنف على هذا الفهم و بين وجه الحق و عاد ليؤكد من جديد أن النهي في التفسير بالرأي محمول على وجهين:

1) أن يكون له في الشي ء رأي، و إليه ميل في طبعه و هواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه و هواه، ليحتج على تصحيح غرضه.

و فصّل القول في هذه المسألة تفصيلا بين فيه جميع احتمالات الرأي و الميل إليه. و حذر من هذا الأمر، كما أكد على أن ذلك من دأب الباطنية لتغرير الناس و دعوتهم إلى مذاهبهم الباطلة، فينزلون القرآن على وفق رأيهم و مذهبهم، و هم يعلمون أنها غير مرادة.

ص: 429

2) أن يفسّر كتاب اللّه بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع و النقل فيما يتعلق بغرائب القرآن.

و صرح بأن سوى هذين الوجهين لا يتطرق النهي إليه، غير أنه يبقى مسألة في غاية الأهمية و هي:

هل كل من ملك هذه الشروط، جاز له أن يفسر كتاب اللّه و يقول فيه برأيه؟

ذكر المصنف تحرج بعض السلف من ذلك، و أنهم كانوا يحجمون عن القول في كتاب اللّه، و يتوقفون تعظيما للقرآن، و احتياطا لأنفسهم، مع أنهم كانوا يملكون أدوات القول بالرأي. و ذكر لهذا مقولة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه المشهورة: أي سماء تظلني، و أي أرض تقلني، و أين أذهب، و كيف أصنع، إذا قلت في حرف من كتاب اللّه بغير ما أراد اللّه تبارك و تعالى.

و أنهى المصنف الباب بالحديث عن التفسير و المفسرين، فذكر من المفسرين في الصدر الأول ثلة، و جماعة من المشهورين من بعدهم الذين تتلمذوا على أيديهم، و من جاء بعدهم، إلى أن ذكر من ألف في التفسير كتبا مستقلة ممن ذكرهم ابن عطية في تفسيره من المجتهدين.

باب: تبين الكتاب بالسنة، و ما جاء فيه:
اشارة

لما بين المصنف في الباب السابق أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر من القرآن إلا آي بعدد، و أجاز لذلك التفسير بالرأي المبني على العلم، خشي أن يعدل

ص: 430

البعض عن بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيفسر القرآن برأيه، لذا خصص هذا الباب للحديث عن وجوب طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اتباعه فيما أمر و بيّن، و من ذلك ما ورد عنه صلى اللّه عليه و سلم من تفسير لبعض الكلمات و الآيات القرآنية، فإن الأخذ به و اعتماده واجب، كما أن العدول عنه عدول عن اتباع الحق الذي لا مراء فيه.

و قد جاء هذا الباب في أكثر من صفحتين، سرد المصنف في أوله جملة من الآيات الدالة على لزوم اتباعه صلى اللّه عليه و سلم، و التحذير من مخالفته، ثم ذكر شيئا من الآثار الواردة عن صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينت التزامهم بما ورد عنه صلى اللّه عليه و سلم في بيان الآيات الكريمات.

بعد هذا بين أهمية اتباع السنة، و أن مخالفتها تؤدي إلى الضلال، كما حدث للخوارج و الروافض الذين تعلقوا بظاهر القرآن و تركوا السنن.

و صرح المصنف أن بيان السنة لكتاب اللّه كان على ضربين:

1) بيان لمجمل ما في الكتاب، كبيان الصلوات الخمس و أوقاتها ... إلخ.

2) بيان زاد به على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها و خالتها ..

ثم تحدث عن مسألة احتياج القرآن إلى السنة، أو السنة إلى القرآن، و أيهما القاضية.

ص: 431

باب: بيان كيفية التعلم و الفقه لكتاب اللّه تعالى و سنة نبيه صلى اللّه عليه و سلم و ما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه:

أشار المصنف في هذا الباب إلى مسألتين:

الأولى: أن الصحابة رضي اللّه عنهم تعلموا العلم و العمل معا، فلم يكونوا ليتجاوزوا القدر الذي يحفظونه حتى يعملوا به، و جاء هذا القدر في قول بعضهم عشر آيات، و أورد من أقوال الصحابة ما يؤكد هذا المعنى.

الثانية: أن من فضل اللّه على الصحابة رضوان اللّه عليهم أن يسر لهم العمل بما في كتاب اللّه، و إن وجد بعضهم صعوبة في حفظ بعض ألفاظه.

و لهذا الأمر حث القرطبي في نهاية هذا الباب على ضرورة اتباع الإرشادات السليمة التي تجعل الإنسان يعمل بما في الكتاب ليتعلم العلم و العمل معا، و جاء ختام هذا الباب بنظم رائق ورد في بيان أجلّ العلوم و أنفعها.

باب: معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه»:

نزول القرآن على سبعة أحرف مبحث عظيم، كثر في بيان مفهومه التأويلات، و اشتد الخلاف حتى أفرده بعضهم بتآليف مستقلة، بل إن ابن حبان البستي ذكر في بيان معناه خمسة و ثلاثين قولا.

ص: 432

و قد شغل هذا المبحث عند القرطبي ثمان صفحات من مقدمته، ذكر فيها الخلاف حول معنى الأحرف السبعة، مقتصرا على إيراد خمسة من تلك الأقوال التي ذكرها البستي، موردا دليل كل قول، ذاكرا من قال به من العلماء، و من تبناه، ثم الرد عليهم.

و لأن كثيرا من العامة، بل حتى بعض طلبة العلم يستشكل عندهم الأمر عند ذكر المسألة، فينصرف ذهنهم إلى القراءات السبع، و لا يفرقون بينها و بين تلك القراءات المنسوبة لأئمة القراءات، لذلك أفرد المصنف فصلا خاصا مستقلا لدفع هذا الإشكال، و بيان أن القراءات السبع راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، و هو الذي جمع عليه عثمان رضي اللّه عنه المصحف.

كما أكد في ثنايا حديثه عدم قرآنية القراءات الشاذة، و أنها في أحسن محاملها تأويل لمن ينسب إليه القراءة.

و أفرد المصنف فصلا مستقلا للحديث عن الاختلاف في قراءة بعض الصحابة، و إقرار النبي صلى اللّه عليه و سلم لكل واحد بأنها نزلت وفق قراءته، كالمشهور المروي عن عمر و هشام رضي اللّه عنهما أراد بذلك التأكيد على معنى هام هو ما أشار إليه ابن عطية رحمه اللّه حيث نبه إلى أن اللّه سبحانه أباح لنبيه صلى اللّه عليه و سلم هذه الحروف السبعة، و عارضه بها جبريل عليه السلام على الوجه الذي فيه الإعجاز، و لم تقع الإباحة في قوله: «فاقرءوا ما تيسر منه». بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه

ص: 433

اللغات جعلها من تلقاء نفسه، إذ لو كان هذا لذهب إعجاز القرآن، و لكان فيه ما نزل من عند غير اللّه، و إنما الإباحة وقعت في الحروف السبعة ليوسع بها على أمته، فأقرأ مرة لأبيّ بما عارضه جبريل، و مرة لابن مسعود بما عارضه جبريل أيضا، و هكذا، و لو كان التبديل لكل أحد لبطل معنى قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9].

و قد أنهى الباب بما يزيل الريب و الشك الذي قد يحصل في بعض النفوس بسبب هذا الاختلاف، حيث أورد ما روي أن بعض الصحابة رضي اللّه عنهم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأنهم يجدون في أنفسهم ما يتعاظم أحدهم أن يتكلم به. فقال صلى اللّه عليه و سلم: «و قد وجدتموه؟» قالوا: نعم. قال «ذلك صريح الإيمان». يريد بذلك أن ما اعتراهم من الحيرة و الدهشة أن منشأها نزعة من الشيطان.

باب: ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف و إحراقه ما سواها، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة رضي اللّه عنهم في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم:

ديدن أعداء الإسلام البحث عن منفذ ينفذون منه للطعن في دين اللّه، و لأنه كثر الحديث حول جمع عثمان للمصاحف، و إحراقه ما سواها، و وجود بعض الأدعية، و ما ليس بقرآن في مصاحف بعضهم، فقد حسب أعداء الإسلام من الفرق الضالة، و النحل الهدامة، أن في هذا الأمر منفذا للطعن في صحة نقل القرآن، و هي مسألة تصدى لها أعلام علماء،

ص: 434

قبل القرطبي و بعده، و قد نال قصب السبق و الريادة في هذه المسألة الباقلاني- رحمه اللّه- و أدلى القرطبي بدلوه فيها على عجالة بقدر ما يسمح به في مثل هذه المقدمة، بيانا لأهمية الأمر، و عظيم خطورته، فذكر الأدلة المؤكدة لمذهب أهل السنة و الجماعة، و سلامة كتاب اللّه من الزيادة و النقصان إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9].

و قد استهل المؤلف هذا الباب بذكر الداعي إلى جمع القرآن و كتابته زمن الصديق أبي بكر رضي اللّه عنه لما استحرّ القتل بالقراء، و كيف تم تكليف زيد بن ثابت بالجمع، و ما أحيط بالتكليف من إشكالات و ملابسات، ثم ذكر الجمع الآخر الذي جاء على يد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه بإشارة من حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه خوف الاختلاف و التنازع.

و لأنه استشكل على بعضهم تكليف زيد بالجمع و ابن مسعود سابق عليه، تطرق القرطبي لهذا الإشكال، و أورد من الجمع ما يفيد أن الاختيار كان موفقا، و أن تكليف زيد لا يعني البتة الحط من قيمة ابن مسعود، الذي شهد له الجميع بالأسبقية و الأفضلية، و إنما هو الحفظ، فبينما حفظ زيد القرآن كله زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم، فإن ابن مسعود على الأرجح من الأقوال أنه لم يحفظه كاملا عن ظهر غيب إلا بعد وفاته صلى اللّه عليه و سلم.

بعد هذا تحدث المصنف عن عدد المصاحف التي أمر عثمان رضي اللّه عنه بنسخها و إرسالها إلى الأمصار، و الاختلاف الواقع في عدد تلك المصاحف، و في كتابتها، و مصير المصاحف السابقة، و لكون عثمان رضي اللّه عنه قد أمر أن تحرق

ص: 435

بقية المصاحف، وجد القرطبي مجالا للحديث عن مسألة حرق المصحف، و ما فيه لفظ الجلالة، أو آيات من القرآن الكريم، و خشية من أن يقع في النفس شي ء من حرق المصحف، أورد المصنف من أقوال السلف ما ينفي أية تهمة عن عثمان رضي اللّه عنه الذي أمر بالحرق.

و قد تصدى القرطبي في هذا الباب للفرق الهدامة، كالحشوية و الحلولية، القائلين بقدم الحروف و الأصوات، و أن القراءة و التلاوة قديمة، حيث جعل من فعل عثمان رضي اللّه عنه و إجماع الصحابة على سلامة عمله، ما يفند به مزاعم الطائفة الضالة، و يدحض حججهم، و يردهم بالدليل على أعقابهم خاسرين.

كما تصدى للرافضة، الذين رأوا أن في قول زيد بن ثابت عند ما كلف بجمع المصحف: حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع غيره. ما يفيد بأن خبر الواحد يكفي في نقل الآية و الحرف، فردّ عليهم، و أورد الإجماع في ذلك، ليبطل مقصدهم في تأييد انحرافات مذهبهم في هذا الباب.

و ختم الباب بذكر أسماء من جمعوا القرآن، و حفظوه على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

ص: 436

باب: ما جاء في ترتيب سور القرآن، و آياته، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره، و عدد حروفه، و أجزائه، و كلماته، و آية:

قسم القرطبي هذا الباب إلى عدة فصول، خص كل موضوع بفصل مستقل، استهله بالحديث عن ترتيب السور و الآيات ليقرر بعد أن أورد الأدلة توقيف ذلك الترتيب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

ثم ذكر مصاحف الصحابة و اختلاف تلك المصاحف في الترتيب، و أورد من أقوال الأئمة ما يجب معها اتباع ترتيب المصحف الذي جاء هكذا من رب العزة، و أكد أنه لا التفات إلى تاريخ النزول ما دام أن اللّه سبحانه قد ارتضى لكتابة هذا الترتيب.

و تطرق إلى مسألة قراءة القرآن منكوسا، و هو مبحث كان موضعه آداب التلاوة لو لا أن الاختلاف في ترتيب السور جعل القرطبي يذكره هنا أيضا، كما بين أن كون ترتيبه توقيفيا لا يعني أن القراءة و الحفظ على الترتيب نفسه، إذ حكم التلاوة و الحفظ مختلف عن حكم الترتيب.

بعدها تطرق المصنف للمكي و المدني من السور، فعرف بهما، و ذكر السور المدنية بأسمائها المشهورة، ثم أعلن أن ما عداها مكي بالطبع.

و في الفصل الثاني خص الحديث عن شكل المصحف و نقطه، و ذكر أول من أمر بذلك، و الخلاف فيه.

ص: 437

كما خص التعشير و التحزيب بحديث مستقل، ذاكرا أول من عشّر القرآن و حزّبه، و من أمر بذلك، و من كرهه من الصحابة، و من أجازه.

ثم انتقل للحديث عن حروف المصحف و أجزائه و أشار إلى أن في مصنف أبي عمرو الداني المسمى (البيان) تفصيل ما أجمله هنا.

و كان الفصل الأخير لكلمات القرآن و عدد آياته و حروفه، ذكر فيه العدد المدني الأول و الأخير، و عد المكيين و الكوفيين، معرفا بهم، و عد البصريين و الشاميين، و أنهى الباب بذكر الخلاف في عدد الكلمات و الحروف.

باب: ذكر معنى السورة، و الآية، و الكلمة، و الحرف:

جاء هذا الباب في ثلاث صفحات، خصها جميعها لبيان معاني مدلول الكلمات الأربع: السورة، الآية، الكلمة، الحرف. فعرف بها لغة ثم اصطلاحا، و ذكر ما يتعلق بها من اختلاف بين النحويين، و في بيان معنى الكلمة ذكر أطول كلمة في كتاب اللّه، و أقصر كلمة، و إمكانية أن تكون الكلمة الواحدة آية مستقلة، و أنهى الباب بالحرف، و العلاقة بين الحرف و الكلمة، و ما يواكب هذه العلاقة من إشكالات.

باب: هل ورد في القرآن كلمة خارجة عن لغات العرب أو لا؟

أثبت المصنف رحمه اللّه أن الأئمة متفقون على أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العربية، و أنهم متفقون على أن في القرآن

ص: 438

أسماء أعلام لمن لسانه غير لسان العرب.

ثم تعرض بعد هذا إلى ما يمكن أن يكون موضوع الخلاف، و هو هل وقع في القرآن الكريم ألفاظ من غير كلام العرب- غير الأعلام- فذكر أن الخلاف أنشأ فريقين:

الأول و فيهم القاضي أبو بكر الباقلاني، و الإمام ابن جرير الطبري، قالوا: إن القرآن عربي صريح، ليس فيه ما هو غير عربي، و ما وجد من ألفاظ يشبه أنها غير عربية فإنما هي مما تواردت عليه اللغات.

و الفريق الثاني رأوا في القرآن ألفاظ غير عربية، و هي قليلة بحيث لا تخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، و تعليل وجودها مخالطة العرب لغيرهم من الأقوام، حتى أصبحت تلك الألفاظ عربية بالاستعمال، و ذكر المصنف شيئا من تلك الألفاظ مع أدلة القائلين به، وردهم على المانعين.

باب: ذكر نكت من إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة و حقيقتها:

إعجاز القرآن موضوع في غاية من الأهمية، و هو من الأدلة على صدق ما دعى إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لهذا حين وقف عليه العقلاء من القوم الذين أرسل فيهم النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يجدوا بدا من الإيمان به، و دخلوا في دين اللّه أفواجا.

و قد خص القرطبي هذا الموضوع بحديث مستقل، فذكر المعجزة،

ص: 439

و عرفها، و بين شروطها التي إذا اختل واحدة منها لم تكن معجزة، كما بين أهمية هذه الشروط، ضاربا لذلك الأمثلة، من المعقول، و الأدلة من المنقول.

و لكون خوارق العادات تشترك و المعجزة في بعض الوجوه، و لأنها ستظهر على يد المسيح الدجال، و هو أمر ثابت جاء في المروي عن الصادق المصدوق، لذا نبه المصنف إلى ذلك، و أزال ما قد يلتبس على البعض من أمر هذا المسيح الذي يدعي الربوبية، في حين أن أصحاب المعجزات، و هم الأنبياء عليهم السلام يدّعون الرسالة و النبوة، و هو فرق لا يغفل عنه عاقل.

بعد هذا بيّن المصنف أنواع المعجزات، و صنفها ضربين، ما اشتهر نقله و انقرض عصره بموت النبي صلى اللّه عليه و سلم، و ما تواترت الأخبار بصحته و حصوله، و تناقله جمع عن جمع يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، و هي المعجزة الباقية إلى قيام الساعة لنبينا صلى اللّه عليه و سلم، في الوقت الذي انقرضت معجزة كل نبي بانقراضه، و أدخلها التبديل و التغيير، كالتوراة و الإنجيل.

و ذكر المصنف أن العلماء قد ذكروا وجوها لإعجاز القرآن وقع بها التحدي للمشركين، فكان إفحاما لهم، عجزوا، و هم أرباب الفصاحة و البلاغة، أن يأتوا بشي ء من مثله.

و قد اختار المصنف عشرة من وجوه الإعجاز، مما استحسنها العلماء، فكان ناقلا أمينا لها، و أضاف إليها ما جادت به قريحته مما فتح اللّه به عليه، ثم تصدى لما قالته بعض الفرق الضالة، و نطقت به الألسن المضللة، في إعجاز القرآن، ففند بحمد اللّه آراءهم بالدليل و الحجة، ورد على النظّام

ص: 440

الذي تولى كبر القول بالصرفة، و على أتباعه من القدرية، و أثناء الرد ذكر المصنف نتفا من فصاحة القرآن، و بلاغته الذي به كان معجزا.

و أنهى الباب بعد أن أثبت أن بلاغة الكتاب في أعلى طبقات الإحسان، و أرفع درجات الإيجاز و البيان، بل إنه متجاوز للإحسان و الإجادة إلى حيز الإرباء و الزيادة. و معجزة كل رسول هي من جنس أبرع ما اشتهر به عصره، و كان العرب أصحاب فصاحة و بيان، فكان الإعجاز في البلاغة و البيان.

باب: التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن و غيره:

حذر رسول اللّه عليه أفضل الصلاة و السلام، من الكذب عليه فقال:

«اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار»؛ الحديث، و لذا بين القرطبي أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم كان يعلم أنه سيكذب عليه، لهذا خوف أمته و حذرهم من ذلك.

فأشار في هذا الباب إلى أن أغراض الواضعين على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متفاوتة، و أهدافهم متباينة، و هم أصناف أربعة:

صنف أراد بعمله إيقاع الريب في قلوب المؤمنين، و تشكيك الناس بأمر دينهم، و هؤلاء هم قوم فسدت قلوبهم، و هم الزنادقة و من شايعهم.

و صنف وضعوا ذلك لهوى يدعون الناس إليه، كما فعلت الخوارج.

ص: 441

و صنف ثالث حسنت نواياهم و ساء فعلهم حسبوا أنهم يحسنون صنعا، كذبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حسبة و تقربا إلى اللّه بزعمهم، كما فعل أبي عصمة و غيره، حين وضعوا لكل سورة فضيلة.

و صنف رابع أرادوا أن يسترزقوا، فوضعوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحاديث اختلقوا ألفاظها، و وضعوا لها أسانيد صحيحة حفظوها، يقفون في الأسواق و المساجد يتقوّلون على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

و قد ذكر المصنف لكل نوع أمثلة، و أنهى الباب بالتنبيه إلى الاعتصام بالسنة و بما ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ففيه الغنية عن غيره.

باب: ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة و النقصان:

أجمع أهل السنة و الجماعة على أن من ادعى أن في القرآن زيادة أو نقصان كان كافرا رادا لكتاب اللّه و لما جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

و لأهمية هذا الباب وقف المصنف في وجه الزائغين عن الملة، الممهدين الطريق لأهل الكفر و الإلحاد، ليدخلوا في القرآن ما يحلون به عرا الإسلام، و لهذا الأمر جاء هذا الباب و هو الأخير في الترتيب مستفيضا يزيد من همة القارئ لدراسة التفسير، و يجدد نشاطه بعد تلك الجولة في فنون علوم القرآن التي زينت بها المقدمة و هو مطمئن مسلح بكل ما يرد كيد الكائدين، من الأدلة و الحجج و البراهين.

ص: 442

و كل ما أراد المصنف إيراده هنا جاء في ست صفحات، وقف فيها بقوة و صلابة في وجه العصبة الهالكة، القائلة بوقوع الزيادة و النقصان في كتاب اللّه، تريد به إبطال الشريعة. نقل في هذه الصفحات إجماع الأمة، من أهل السنة و الجماعة على كفر من ادعى الزيادة و النقصان في كتاب اللّه، فمدعي ذلك مبطل لما أجمعت عليه الأمة من أن كتاب اللّه محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف، معلومة على الاضطرار سوره و آياته، مبرأة من الزيادة و النقصان حروفه و كلماته.

و مدعي ذلك مبطل لآية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فالمقدور عليه ليس بآية.

و مدعي ذلك راد لقوله تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88]

و المصنف يشير بما ذكره، و بما نقله عن ابن الأنباري، إلى طائفة الرافضة من الشيعة و ممن شايعهم من الطاعنين في كتاب اللّه.

غير أن اللّه جلّت قدرته، قد قيّض لكتابه جماعة من أهل الفضل و العقل في كل زمان و مكان، ينفون عن كتابه قول المبطلين و تحريف الزائغين، حارسين الشريعة من مكايد أهل العداوة و الكفر.

كما تعرض المصنف لما ادعاه الزائغون من وجود سقط في بعض المواضع من مصحف عثمان، و زيادة في مواضع أخرى وضعت على علم

ص: 443

من عثمان و الصحابة، و ليست من القرآن، و أن المصحف الذي بين أيدينا مشتمل على حروف مفسدة مغيرة نتيجة التصحيف، و ادعى الأفاكون أن عثمان رضي اللّه عنه قد أخطأ حين أسند أمر الجمع إلى زيد بن ثابت، و على ذلك أباحوا لأنفسهم مخالفة مصحف عثمان.

كل هذه المزاعم أورد المصنف لها أمثلة، و أحال القارئ إلى مواطن الرد التي فند فيها مثل هذه المزاعم، توخيا للاختصار، و منعا للتكرار، غير أنه سرد ردود أبي بكر الأنباري و هو فارس في هذا الميدان على هذه المزاعم، و إبطاله لها بالحجة و الدليل.

بقي ما يرد على لسان ثلة من السلف رضي اللّه عنهم مما يشبه الزيادة، فذكرها المصنف أجزل اللّه له المثوبة و بين أنه لم ينقل عن أحد من أهل العلم أن الصلاة بها جائزة، و لا أن جاحدها يكون كافرا، بخلاف مصحف عثمان، فإن منكر بعضه مرتد يستتاب، و إلا ضربت عنقه.

يريد المصنف بهذا أن يقول إن ما ورد على لسان السلف مما كان من هذا القبيل هو تفسير و بيان، و هو ما يسمى عند أهل العلم بالقراءة التفسيرية، أو أنه مما نسخ لفظه و حكمه، أو لفظه دون حكمه.

و ختم الباب بالتنبيه إلى أن اللّه تعالى قد تكفل بحفظ كتابه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] و في هذا الحفظ دليل على كفر مدعي النقص أو الزيادة، كما أورد في النهاية جملة من الآيات القرآنية التي زاد فيها الأفاكون، و تقوّلوا فيها على اللّه عز و جل و جل، فرد زعمهم،

ص: 444

و فند ادعاءهم، و حكم بكفرهم.

رابعا: منهج القرطبي في مقدمته:

اشارة

قبل أن يستعرض لنا القرطبي العلوم التي رأى أنه يحسن لطالب العلم الإحاطة بها، قدم توطئة بين فيها ما يريد التنبيه إليه كعادة المفسرين، و كان مما بينه في هذه التوطئة شرطه في الكتاب و لكون مقدمته جزءا من كتابه فإن ما ذكره ينطبق عليها و إن كانت بصلب الكتاب ألصق.

فمن شرطه إضافة الأقوال إلى قائليها، و الأحاديث إلى مصنفيها، و هو منهج التزمه المصنف في أغلب مقدمته، و جاء هذا الالتزام مطردا إلا ما ندر، فالمصنف يرى أن من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله.

و للقرطبي في إضافة الأقوال إلى قائليها طريقتان:

الأولى: التصريح باسم القائل، مع المصدر الذي استقى منه المعلومة، و هو كثير، و من أمثلة ذلك: في باب ما يلزم قارئ القرآن و حامله من تعظيم القرآن و حرمته، قال: قال الحكيم الترمذي أبو عبد اللّه في نوادر الأصول:

فمن حرمة القرآن ألا يمسه إلا طاهر ...... الخ (1) و نقل عنه ما يربو على ثلاث صفحات.

و مثال ذلك أيضا: ما نقله عن أبي بكر الأنباري في ثنايا حديثه عن

ص: 445


1- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 27.

جمع المصحف، قال: و قد ذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد .. (1)، يريد بذلك كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان.

الثانية: أن يشير إلى القائل، و يصرح باسمه أو كنيته أو لقبه، دون أن يذكر المصدر، و غالبا ما يسلك هذا النهج مع أصحاب المصنفات المشهورين بمصنفاتهم كالبخاري و ابن عطية و غيرهما، إذ المتبادر عند ذكر البخاري هو صحيحه، و عند ذكر ابن عطية هو تفسيره. و من أمثلة ذلك ما نقله في باب:

ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي: قال: قال ابن عطية: و معنى الحديث في مغيبات القرآن و تفسير مجمله، و نحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من اللّه تعالى .... (2)

و المصنف يريد بعمله هذا أن يضع بين يدي القارئ مصدر المعلومة لمن أراد التوسع أو التأكد، كما أنه يرفع بذلك من القيمة العلمية للمعلومة، لكون مصادره في مجملها من أمهات الكتب المعتمدة.

و نادرا ما يعدل المصنف عن هذا النهج، فلا يصرح باسم القائل

ص: 446


1- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 58، و ينظر المزيد من الأمثلة في الصفحات: 1/ 5، 39، 58، 59.
2- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 31، و ينظر المزيد من الأمثلة في الصفحات: 1/ 8، 59، 73.

مكتفيا بقوله: قال علماؤنا، أو: قال بعض العلماء. (1)

و كما أضاف الأقوال إلى قائليها، عزا الأحاديث و الآثار إلى مخرجيها و مصنفاتها، و يستطيع المرء أن يلخص منهج القرطبي في الاستشهاد بالأحاديث و الآثار في النقاط التالية:

1) أن غالب ما أورده، و استشهد به عزاه لمن خرجه أو ذكره، و ما تركه دون عز و قليل نادر. (2)

2) قد يستقصي من خرج الرواية، و يورد السند. (3)

3) ينقل حكم الأئمة على الروايات في أحايين كثيرة، و ما كان منها في الصحيحين اكتفى بالعز و دليلا على صحتها. (4)

4) إذا ورد في سند إحدى الروايات من هو محل نظر، بين القول فيه مع ذكر أقوال الأئمة لبيان حاله. (5)

5) إذا ورد في الروايات لفظة غامضة، بينها، و وضح معناها، و المراد

ص: 447


1- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 55 و ينظر المزيد من الأمثلة في الصفحات: 1/ 17، 26، 33، 46.
2- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 5، 7، 9، 11، 18.
3- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 8، 23، 83.
4- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 10، 32، 58.
5- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 7، 36.

منها. (1)

6) الروايات التي قد يختلف في توجيه المراد منها يوجهها، أو ينقل توجيه العلماء لها. (2)

هذا و قد يكتفي المصنف في العز و بالبناء للمجهول، فيورد الأثر بلفظ: روي. و مثل هذا قليل نادر (3).

و بين المصنف سبب تبنيه لمنهجه في العز و فيقول: كثيرا ما يجي ء الحديث في كتب الفقه و التفسير مبهما لا يعرف من أخرجه إلا من اطّلع على كتب الحديث، فيبقى من لا خبرة له بذلك حائرا، لا يعرف الصحيح من السقيم، و معرفة ذلك علم جسيم، فلا يقبل من الاحتجاج به، و لا الاستدلال حتى يضيفه إلى من خرجه من الأئمة الأعلام، و الثقات المشاهير من علماء الإسلام. (4) فكأن الإمام القرطبي رحمه اللّه أراد بمنهجه هذا تكملة النقص في بعض المؤلفات التي تهمل عز و الأحاديث، و إعانة للقارئ مقدرا حاجته إلى معرفة صحة الأثر من ضعفه.

ص: 448


1- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 13، 17، 28، 49.
2- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 12، 16، 78 و للمزيد من الأمثلة على ما سبق ينظر: 1/ 3- 5- 10- 11- 23- 40 42 50.
3- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 10.
4- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 3.

و المصنف رحمه اللّه لا يقتصر في الاستشهاد على ما يورده أو يتبناه من الآراء على الأحاديث و الآثار، بل يذكر من أقوال العلماء المعتبرين في الفنون التي يتعرض لها ما يؤيد به الرأي الذي ارتضاه، أو عرضه، و يضرب لذلك من الأمثلة ما يوضح به المقال، كما أنه لا يغفل عن الاحتكام إلى اللغة و الاستشهاد بالشعر، إذا دعى الأمر لذلك. (1)

و لكون كثير مما تعرض له المصنف في مقدمته مسائل خلافية تباينت آراء العلماء فيها فقد اتخذ منهجا واضحا في مناقشة مثل هذه المسائل، يتمثل في الآتي:

1) ذكر المسألة المختلف فيها.

2) تعيين أصحاب الخلاف في الغالب، و بيان وجهة كل فريق مع إيراد أدلتهم و مناقشاتهم.

3) الترجيح بين الأقوال، و الرد على المخالفين، و ذكر الأدلة المرجحة.

و أشير هنا إلى أن القرطبي غالبا ما يكون موفقا في اختياراته. (2)

هذا و إذا رأى المصنف أن في الذي رجحه و تبناه من الرأي، إشكالا

ص: 449


1- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 54 و 56.
2- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 13- 15- 33.

قد يفسد على القارئ مسوغات الترجيح، أسرع بذكر الإشكال و بالتالي رده و تفنيده (1).

و من المحمود في منهج القرطبي رحمه اللّه إحالة القارئ إلى مزيد بيان، و مزيد من الأدلة في ثنايا التفسير، و ذلك خشية الإطالة، خاصة إذا كانت المسألة التي تطرق لها متشعبة تحتاج إلى أكثر من وقفة، و قد تكون الإحالة إلى غير التفسير مما هو من مظان المسألة (2).

و من منهج المصنف أيضا أنه إذا استدل بنص من أقوال أحد العلماء، و رأى أنه لم يذكر من الأدلة ما يطمئن به القارئ، أو أنه لم يجمع أطراف المسألة، فترك ما يراه المصنف أن من الأهمية ذكره، تولى هو ذلك، فذكر من الأدلة المزيد، و من الرأي و القول ما يجمع به أطراف المسألة. (3)

و أخيرا .. فإن القرطبي لا يترك المسائل التي يتطرق لها حتى يشبعها درسا و تمحيصا و تحليلا على ما يناسب المقدمة.

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

ص: 450


1- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 69 و ينظر المزيد من الأمثلة في الصفحات: 1/ 51، 53، 56، 81.
2- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 53- 64.
3- انظر: الجامع لأحكام القرآن: 1/ 30 و ينظر المزيد من الأمثلة في الصفحات: 1/ 30، 31، 48، 57.

في التقديم الذي قدمه القرطبي بين يدي تفسيره اشترط لكتابه عدة أمور:

فاشترط أولا أن يضمّن كتابه نكتا من التفسير و النكات و الإعراب و القراءات، و أن يرد في مواطن الرد على أهل الزيغ و الضلالات، و أن يذكر الأحاديث و الآثار الشاهدة على اختياراته في الأحكام و نزول الآيات، موضحا ما أشكل منها بأقاويل السلف و اختيارات الخلف.

و هي شروط التزمها المصنف بحق، فالقارئ في التفسير يقف على شواهد عديدة لكل جزئية من الجزئيات السابقة، فهو يذكر الإعراب و القراءات (1)، و يرد على الزيغ و الضلالات كما أسماهم (2)، و يذكر الأحاديث و الآثار و يستشهد بها على المسائل (3)، كما يذكر الأحكام المستنبطة من الآية أو الآيات، و يورد أقوال الأئمة في ذلك مبينا رأيه في أحايين كثيرة. (4)

و من شرطه إضافة الأقوال إلى قائليها، و الأحاديث إلى مصنفيها، و هو

ص: 451


1- انظر: أمثلة ذلك: 1/ 211- 300- 2/ 377- 3/ 327.
2- انظر: أمثلة ذلك: 1/ 193- 378- 4/ 47- 73.
3- انظر: أمثلة ذلك: 2/ 189- 394.
4- انظر: أمثلة ذلك: 1/ 198- 228- 307- 2/ 212- 333- 354.

شرط التزمه المصنف إلى حد كبير في تفسيره. (1)

كما تعهد المصنف بأن يضرب عن كثير من قصص المفسرين، و أخبار المؤرخين، و يقصد به القصص الإسرائيلي، إلا ما لا بد منه، و لا غنى عنه، و هو شرط التزمه المصنف، فإذا ذكر القصة تعقبها و وقف من بعضها موقف الناقد يبيّن ما عليها (2)، و قد يذكرها دون الوقوف عليها، بل يمررها كما جاءت، و غالب ما هو من هذا الباب إنما هي تلك التي لا دليل على ردها و لا على قبولها (3)، و قد يفوته فيذكر بعض القصص التي بطلانها ظاهر دون أن يرد عليها، و ما هو من هذا القبيل قليل، و اللّه أعلم (4).

سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته:

تعد المصادر التي يعتمدها المصنف في التأليف من الدلائل الهامة على مكانة ما صنفه، قبولا وردا، ضعفا و قوة، فالذي يعتمد في التصنيف على أمهات الكتب، لمن عرف بعلوّ القدر و سموّ المكانة بين أهل العلم، يكون تصنيفه في الغالب مفيدا، خاصة إذا كان المصنف من أهل العلم.

و القارئ في مقدمة القرطبي يلاحظ بوضوح كثرة دوران أسماء

ص: 452


1- انظر: أمثلة ذلك: 1/ 249- 377- 425- 2/ 151- 266.
2- انظر: أمثلة ذلك: 6/ 132- 7/ 338.
3- انظر: أمثلة ذلك: 2/ 120- 9/ 68- 11/ 200.
4- انظر: أمثلة ذلك: 9/ 31- 169- 15/ 166.

الأعلام من العلماء، و المشهور من المصنفات، يورد المصنف أقوالهم، و يستشهد بأدلتهم، و يستأنس بآرائهم، و يعتمد الكثير منها.

و قد كثرت مصادر المقدمة حتى جاوزت الخمسين مصدرا، في فنون العلم و المعرفة، من التفاسير و المؤلفات في علوم القرآن، و مصنفات الحديث، و كتب اللغة و غيرها.

فمن كتب التفسير و علوم القرآن التي أكثر النقل عنها:

1) المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (1).

2) جامع البيان عن تأويل القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (2).

3) الرد على من خالف مصحف عثمان، لأبي بكر بن الأنباري (3).

كما نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني (4)، و أبي عبيد القاسم بن سلام (5)، و أبي عمرو الداني. (6)

ص: 453


1- انظر: أمثلة ذلك: 1/ 24- 32- 37- 44- 54- 68- 76.
2- انظر أمثلة ذلك: 1/ 11- 15- 21- 42- 51- 68.
3- انظر أمثلة ذلك: 1/ 5- 8- 23- 32- 35- 40- 53- 58- 61- 81.
4- انظر أمثلة ذلك: 1/ 11- 43- 45- 57- 68- 74- 84.
5- انظر أمثلة ذلك: 1/ 5- 43- 84.
6- انظر أمثلة ذلك: 1/ 39- 64- 67.

و من مصادره التي اعتمدها في الحديث و الآثار و شروحها:

الكتب الستة، صحيح الإمام البخاري (1) و صحيح الإمام مسلم (2)، سنن الإمام الترمذي (3)، و سنن الإمام النسائي (4)، و سنن الإمام ابن ماجة (5)، و سنن الإمام أبي داود (6).

و من المسانيد: مسند الدارمي (7)، و مسند أبي داود الطيالسي (8).

ص: 454


1- انظر أمثلة ذلك: 1/ 6- 10- 13- 39- 48- 54- 56.
2- انظر أمثلة ذلك: 1/ 7- 11- 20- 29- 41- 48- 49- 58. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 454 سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته: ..... ص : 452
3- انظر أمثلة ذلك: 1/ 4- 8- 10- 18- 54.
4- انظر أمثلة ذلك: 1/ 8- 11.
5- انظر أمثلة ذلك: 1/ 8.
6- انظر أمثلة ذلك: 1/ 11- 18- 32- 43. و أبو داود هو: سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو، اختلف في اسم جده، إمام حافظ مقدم، لقب بشيخ السنة، و محدث البصرة، قال الحاكم: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة، له السنن، توفي (275 ه). انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 9/ 55- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 13/ 203.
7- انظر أمثلة ذلك: 1/ 7- 8. و الدارمي هو عبد اللّه بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي، إمام حافظ ثبت متقن، له المسند، توفي (255 ه) انظر: تاريخ بغداد للخطيب: 10/ 29- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 12/ 224.
8- انظر أمثلة ذلك: 1/ 9- 79.

و قد كان جلّ اعتماده في الشروح على التمهيد لابن عبد البر (1).

و في اللغة معجم الصحاح للجوهري (2).

و من مصادره أيضا نوادر الأصول للحكيم الترمذي (3)، و المصاحف لابن أبي داود (4)، و الجامع لابن وهبة (5). و غير ذلك.

و من مصادر المصنف التي لم يصرح فيها باسم المصدر، مكتفيا باسم المصنف: أبو الحسن البطال (6)، و ابن حبان البستي (7)،

ص: 455


1- انظر أمثلة ذلك: 1/ 5- 18- 37- 43- 56- 78.
2- انظر مثال ذلك: 1/ 12. و الجوهري هو: إسماعيل بن حمّاد التركي الجوهري، إمام يضرب به المثل في ضبط اللغة، و في حسن الخط، له الصحاح، توفي (393 ه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 80- و شذرات الذهب لابن عماد: 3/ 142.
3- انظر أمثلة ذلك: 1/ 17- 27.
4- انظر مثال ذلك: 1/ 45. و ابن أبي داود هو عبد اللّه بن أبي داود بن سليمان الأشعث، أبو بكر السجستاني، شيخ بغداد، تكلم فيه أبوه، له المصاحف، توفي (316 ه). انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 13/ 221- و شذرات الذهب لابن عماد: 2/ 273.
5- انظر مثال ذلك: 1/ 59.
6- انظر أمثلة ذلك: 11- 15- 54- 61.
7- انظر أمثلة ذلك: 1/ 13- 42. و ابن حبان هو محمد بن حبان بن أحمد البستي، ثقة نبيل من حفاظ الآثار و فقهاء الدين له الثقات، توفي (354 ه) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 3/ 920- و الوافي بالوفيات للصفدي: 2/ 317.

و الخطابي (1)، و أبو بكر الخطيب البغدادي (2) و الأوزاعي (3)، و سعيد بن منصور (4)، و عبد الرزاق صاحب التفسير (5) و ابن الصلاح (6) و غيرهم.

سابعا: أهم مزايا مقدمة القرطبي:

اشارة

1- إضافة الأقوال إلى قائليها، و الأحاديث و الآثار إلى مصنفاتها.

ص: 456


1- انظر أمثلة ذلك: 1/ 11- 38- 43- 59. و الخطابي هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، حافظ لغوي صاحب تصانيف، و له معالم السنن، توفي (388 ه). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/ 214- و سير أعلام النبلاء للذهبي: 17/ 23.
2- انظر مثال ذلك: 1/ 36.
3- انظر مثال ذلك: 1/ 39. و الأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي، إمام في الحديث، ثقة مأمون فاضل، توفي (157 ه) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 7/ 107- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 6/ 138.
4- انظر مثال ذلك: 1/ 39. و سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المروزي، ثقة صاحب سنن، توفي (229 ه). انظر: التاريخ الكبير للبخاري: 3/ 516- و تهذيب التهذيب لابن حجر: 4/ 89.
5- انظر مثال ذلك: 1/ 39.
6- انظر أمثلة ذلك: 1/ 73- 79.

2- الاستقصاء و الشمولية عند بحث المسائل.

3- سلامة المنهج، مع حسن عرض الموضوعات.

4- عرض الآراء بعبارة سهلة، و التعقيب عليها و مناقشتها.

5- تنوع المصادر مع أهميتها.

6- محاولة المصنف ربط بعض مسائل علوم القرآن بالواقع.

أظهر المآخذ:

1- إغفال بعض الموضوعات كقواعد الترجيح.

2- ذكر بعض المسائل دون أدلتها.

3- تعرضه لمسائل فرعية ليست ذات أهمية كبرى بحيث تذكر في المقدمة مثل الفصل الذي خصه في الرد على الحلولية و الحشوية.

4- التوسع في ذكر بعض الموضوعات، مثل الأبواب التي خصها لفضائل القرآن.

هذا ما عرفته عن مقدمة القرطبي، و أستغفر اللّه من الخطأ و الزلل في القول.

ص: 457

10- تسهيل السبيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ الكلبي ت (741 ه)

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مؤلف هذا التفسير هو محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي، المكنى بأبي القاسم، و المشتهر بابن جزي بالتصغير.

ولد المصنف يوم الخميس تاسع ربيع الثاني عام ثلاثة و تسعين و ستمائة للهجرة المباركة (693 ه)، في غرناطة مأوى العلماء و ملاذهم بعد سقوط قرطبة و غيرها من عواصم العلم في الأندلس (1).

و ينحدر المصنف من أسرة عربية أصيلة، فهو من قبيلة كلب اليمانية (2)، و ينتمي لأسرة علم كابرا عن كابر، و بيته من البيوتات المشهورة بالمغرب و الأندلس، المعروفة بالعلم و النباهة و الأصالة (3)، تربى في حجر والده العالم، الذي كان محمودا من أهل العلم، و تلقى عنه أبجديات العلوم حتى قوي عوده، فقرأ على بعض مشايخ غرناطة، كابن الزبير و ابن الكماد

ص: 458


1- انظر نفح الطيب للمقري: 8/ 30.
2- نسبة إلى كلب بن و برة بن تغلب بن قضاعة.
3- انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب: 3/ 20- و نفح الطيب للمقري: 1/ 142.

و غيرهما ممن عرفوا بالنباهة و الصبر على التدريس و الملازمة، و انتقل من شيخ إلى شيخ، حتى حاز قصب السبق في فنون عديدة، و تصدر لمهمات كثيرة.

مكانته العلمية:

ظهر نبوغ ابن جزي منذ اليفاعة، حين تقدم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده و هو في حداثة سنه، و تدرج منذ ذلك الحين مرقاة أهل العلم، و اشتهر كواحد من أفاضل العلماء المعدودين، و لهذا حين ذكره الداودي قال عنه: كان يرحمه اللّه على طريقة مثلى، من العكوف على العلم و الاشتغال بالنظر و التقييد و التدوين، فقيها حافظا قائما على التدريس، مشاركا في فنون، من عربية، و أصول، و قراءات، و حديث، و أدب، حفظة للتفسير، مستوعبا للأقوال، جمّاعة للكتب، ملوكي الخزانة، حسن المجلس، ممتع المحاضرة، صحيح الباطن، تقدم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنه، فاتفق على فضله، و جرى على سنن أصله. (1)

و لمكانته أسند إليه يرحمه اللّه أمور و مهمات عديدة فاشتغل بالتدريس ردحا من الزمن و تخرج به أناس كثيرون، يقول في مقدمته: و إن اللّه أنعم عليّ بأن شغلني بخدمة القرآن و تعلمه و تعليمه، و شغفني بتفهم معانيه،

ص: 459


1- انظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/ 85.

و تحصيل علومه .. (1)

كما أسند إليه مهمة الخطابة و الإمامة منذ وقت مبكر، و كان من أهل الفتيا بغرناطة (2)، هذا فضلا عن اهتمامه البالغ بالتصنيف و التأليف.

و الناظر في المصادر التي درست الأندلس و تعرضت للفترة التي عاشها ابن جزي يجد الاهتمام البالغ بشخصية ابن جزي حيث أظهرته تلك المصادر في غاية التقدير عالما مربيا يعتز به، و مجاهدا باسلا يعتمد عليه.

شيوخه و تلامذته:

تهيأ لابن جزي أمران جعلا منه طالب علم جادّ، يكثر التلقي و يتابع الشيوخ:

أما الأول فلكون أبيه من أهل العلم، فهو إذا يعرف قدر العلماء و مكانتهم.

و أما الثاني: فلكونه كان يملك أرضا زراعية تدرّ عليه غلة وافرة، تكفيه مؤنة العيش، و تعينه على التفرغ التام لطلب العلم حتى سن متقدمة.

هذا إضافة إلى نباهته، و ما أودعه اللّه في نفسه من الشغوف بالعلم و التحصيل.

ص: 460


1- انظر المقدمة: 1/ 4.
2- انظر: نثير الجمان للداية: 165.

و قد كثر شيوخ ابن جزي حتى صنّف فهرسا بأسمائهم، و أذكر منهم:

أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي (1).

و أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن الكماد. (2) و غيرهم كثير.

و الملاحظ في شيوخ ابن جزي أنهم كانوا من ذوي الهمم العالية، و من المؤثرين في الحياة العامة، و ظهر تأثر ابن جزي بهم واضحا من خلال مشاركاته العديدة في الجهاد و الانخراط في صفوف المقاتلين.

أما تلامذة ابن جزي فقد تخرج به أناس علماء، و خلق كثير، منهم:

محمد بن عبد اللّه السلماني المعروف بابن الخطيب (3).

ص: 461


1- هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، صدر العلماء المقرئين في عصره، عرف عنه الصبر في الطلب، و الصلابة في الحق، له البرهان في ترتيب سور القرآن، توفي (708 ه). انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب: 1/ 188، و الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر: 1/ 89، و البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني: 1/ 33.
2- هو محمد بن أحمد بن داود بن موسى اللخمي المعروف بابن الكماد، فقيه مقرئ محدث، عرف عنه الزهد و التقشف، له الممتع في تهذيب المقنع، في القراءات، توفي (712 ه). انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب: 3/ 60، و غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 2/ 63، و الديباج المذهب لابن فرحون: 2/ 279.
3- هو لسان الدين محمد بن عبد اللّه السلماني المعروف بابن الخطيب، كاتب شاعر أديب، ذو الوزارتين، قتل خنقا في (776 ه) انظر: مقدمة الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب: 1/ 3- 71، و الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر: 3/ 469 ط 1، و البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني: 2/ 91.

و أبو الحسن علي بن عبد اللّه الجذامي الشهير بالنباهي (1) و غيرهم.

مؤلفاته:

دوّن ابن جزيّ الكثير و صنّف، و فرط المسامع و شنّف، كما يقول لسان الدين الخطيب: و لم يزل يسلك طريق المجتهدين، فدون في الفقه دواوين، و سفر في علم اللسان عن وجه الإحسان، و رحل في علم التفسير إلى كل طية، و أركض في أغراضه كل مطية، حتى أنشأ الزمخشري و ابن عطية، و له من الأدب حفظ وافر، و مذهب عن الحسن سافر (2).

كما كان له- رحمه اللّه- اهتمام و إلمام جيدين بالشعر، تمثل ذلك في الرقاق و المدائح النبوية، و قد احتفظ لسان الدين الخطيب بجملة طيبة منها (3).

ص: 462


1- هو علي بن عبد اللّه بن الحسن الجذامي، الشهير بالنباهي، عالم من أسرة علم، كان بينه و بين ابن الخطيب ودّ، تحول إلى عداوة حتى أصبح من المحرضين على ابن الخطيب، له تاريخ قضاة الأندلس، توفي بعد (792 ه) انظر: نثير الجمان لابن الأحمر: 170- و أزهار الرياض في أخبار عياض للمقري: 2/ 5.
2- انظر: أوصاف الناس في التاريخ و الصلات لابن الخطيب: 27.
3- انظر: الكتيبة الكامنة لابن الخطيب: 46.

و مع ما أسداه العلماء من الثناء على المصنف إلا أن مصنفاته لم تنل الشهرة المطلوبة، و لا وجدت من طلبة العلم الإقبال المرتقب، عدا تفسيره الذي كان له في المغرب شأوا خاصا ثم حين طبع و تيسر أمره اقتناه المشارقة و اعتمد أهل العلم آراءه.

و من مؤلفات المصنف:

1) التسهيل لعلوم التنزيل، و هو تفسيره المطبوع و هو موضوع البحث.

2) المختصر البارع في قراءة نافع.

3) أصول القراءة الستة غير نافع.

4) وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم.

5) الدعوات و الأذكار المخرجة من صحيح الأخبار.

6) القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية.

7) فهرس ابن جزي.

8) الأنوار السّنية في الكلمات السّنية.

9) التنبيه على مذهب الشافعية و الحنفية.

ص: 463

10) تقريب الوصول إلى علم الأصول (1).

وفاته:

طالما تمنى ابن جزي الشهادة في سبيل اللّه و الموت في ساحات الوغى، يقول الفقيه المحدث ابن الوزير أبو بكر بن ذي الوزارتين ابن الحكيم:

أنشدني- ابن جزي- يوم الوقيعة من آخر شعره قوله:

قصدي المؤمّل في جهري و إسراري و مطلبي من إلهي الواحد الباري

شهادة في سبيل اللّه خالصةتمحو ذنوبي و تنجيني من النار

إن المعاصي رجس لا يطهرهاإلا الصوارم في أيمان كفار ثم قال: في هذا اليوم أرجو أن يعطيني اللّه ما سألته في هذه الأبيات.

و أعطاه اللّه مسألته و استجاب دعوته كذا أمر اللّه مع الصادقين، و استشهد يرحمه اللّه ضحوة يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام واحد و أربعين و سبعمائة (741 ه) في ساحة الجهاد، و هو يشحذ الهمم، و يحرض المجاهدين، و يثبت بصائرهم (2).

ص: 464


1- انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب: 3/ 20- 23- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 86.
2- انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب: 3/ 31، و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 87. و ينظر للمزيد في ترجمة: ابن جزي الكلبي و منهجه في التفسير، لعلي بن محمد الزبيري: 1/ 43 و ما بعده.- و الإحاطة في أخبار غرناطة، لسان الدين ابن الخطيب: 3/ 20- و أوصاف الناس في التواريخ و الصلات، لسان الدين ابن الخطيب: 27- و درة الحجال في أسماء الرجال، لابن القاضي المكناسي: 2/ 117- و الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني: 3/ 315 ط محمد سيد جاد الحق- و الديباج المذهب لابن فرحون: 2/ 274- و طبقات المفسرين للداودي: 2/ 85- و غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري: 2/ 83- و نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري: 8/ 61 ط محمد محيي الدين عبد الحميد- و نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي، على على هامش الديباج المذهب: 238.

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

احتل تفسير ابن جزي (التسهيل لعلوم التنزيل) مكانة مرموقة لدى أهل المغرب العربي عامة، و اشتهر أيما شهرة. لعظيم ما ضمنه المصنف من المعاني، و لما فتح اللّه به عليه من البيان، غير أنه بقي مغمورا لدى المشارقة، فلم يكتب له الشهرة و الانتشار التي تخرجه من ذاك الحصار الذي ضرب عليه في المغرب نتيجة الظروف التي تعرضت لها الأندلس، إضافة إلى ظهور تفاسير لأناس احتلوا مكانة علمية مرموقة في المشرق في عصره أمثال أبي حيان و ابن كثير و غيرهما.

و يعد تفسير ابن جزي هذا آخر التفاسير الأندلسية التي تناولت القرآن جميعه، و هو آخر تفسير يصل إلينا من تلك الديار، و قد استطاع المصنف أن يقدمه في صورة رائعة، بعبارة قوية، و جمل رصينة، و أسلوب جمع فيه بين الإيجاز و حسن العرض دون أن يخل بالمعاني المراد بيانها، يورد الجزء أو

ص: 465

الجملة من الآية و يفسرها مستقلة. و لهذا وصفه بعضهم بأنه تفسير جملي- إن صح التعبير-.

حاول المصنف إيراد أقوال المفسرين في بيان الآية بعبارة مختصرة، مسخرا ما أوتي من العلوم و المعارف لخدمة التفسير، فجمع بين التفسير بالمأثور و التفسير بالاجتهاد المبني على القواعد و أدوات التفسير، و إن كان الغالب جانب الرواية.

و قد أولى المصنف الجانب اللغوي اهتماما خاصا و قدرا كبيرا من العناية، حتى أنه خصص مقدمة لبيان معاني الكلمات و المفردات التي يكثر دورانها في القرآن الكريم، و بذلك يعد ابن جزي رائد هذا النهج و المبتدع فيه- و إن لم يحذو حذوه أحد من العلماء فيما أعلم- لقد استغنى بعمله هذا عن تكرار القول في بيان تلك المعاني اللغوية التي تضخم من حجم الكتاب.

و التفسير ملي ء بالنكات البلاغية و التوجيهات النحوية، فالمصنف صاحب قدم راسخة في هذا الباب، كما أنه لا يتوانى عن اللجوء إلى الشعر باعتباره ديوان العرب لبيان الألفاظ الغربية.

هذا و اهتم المصنف بأسباب النزول، غير أنه اختصر القول التزاما بالمنهج الذي رسمه، و هو الاختصار و الإيجاز، و له وقفات محمودة حيال القصص و الإسرائيليات، فقد ألزم نفسه بأن لا يذكر من القصص إلا ما ورد في الحديث الصحيح، و لهذا انتقد المصنف بشدة أولئك الذين أكثروا

ص: 466

من ذكر الإسرائيليات، و حشدوا القصص في تفاسيرهم، و نبه إلى أنهم قد ذكروا ما لا يجوز ذكره.

و ذكر المصنف الهدف من عمله. و الغاية التي توخاها من تأليفه، و هي أمور أربعة: جمع كثير من العلم في كتاب صغير، مع إضافة ما جادت به القريحة من النكات و الفوائد، و إيضاح المشكل من المعاني، و التحقيق في أقوال المفسرين لتمييز الصحيح من السقيم.

و للحق فإن شهرة تفسير ابن جزي لا توازي إجادته، و لا تعدل إبداعه.

و قد قدم ابن جزي لتصنيفه (التسهيل لعلوم التنزيل) خطبة و مقدمتان، أما المقدمتان فإحداهما في أبواب نافعة، و قواعد كلية جامعة، و أما الأخرى ففي بيان المعاني التي كثر دورانها في كتاب اللّه، و أما خطبة الكتاب فلبيان المنهج و الغرض من التأليف.

ثم ضمّن المقدمة الأولى اثنا عشر بابا، منها أبواب لم يسبق إليها المصنف مثل هذا الموضع، كالذي جعل عنوانه: المعاني و العلوم التي تضمنها القرآن، و كالباب الذي خصه للحديث عن الوقف. كما أنه انفرد بين المفسرين- في حدود علمي- بمقدمته الثانية في تفسير معاني اللغات، و التي استهدف منها أمورا ثلاثة كما ذكر: تيسير تلك الكلمات و المعاني للحفظ، جعلها كالأصول الجامعة لمعاني التفسير، و أخيرا الاختصار بحيث يستغنى عن ذكرها في صلب التفسير.

ص: 467

و هذا العمل من المصنف اجتهاد منه، غير أنني أرى أن إيراد المعاني في سياق الآية لها مدلولها الخاص، و فصل المصنف للكلمة من موقعها، و إلزامه القارئ بالعودة إلى مقدمته لمعرفة المراد من مفردة ما، فيه تشتيت للذهن و بتر للمعاني. فكان الأولى أن لا يستغني عن البيان في موضعه من الآية، و يبقى ما في المقدمة لمن أراد التوسع في معنى المفردة.

و قد نافت المقدمتان مع خطبة الكتاب على خمسين صفحة من القطع المتوسط، استطاع المصنف أن يضيف شيئا جديدا إلى هذا الفن، و أن يعالج المسائل المطروقة برؤية جادة، و نظرة فاحصة، فالمصنف لم يكن تبعا في الذي أورده، بل تجده معتدا بنفسه، يقدم رأيه بوضوح و ثبات.

و مع ما جاء فيها من الآراء و المناقشات فإن تأثيرها لم يظهر في المتأخرين، حتى أولئك الجماعين في علوم القرآن، فأصحاب المصنفات لم يعتمدوه مرجعا لهم، و لا تطرقوا لآراء المصنف، و لعل ذلك يعود إلى عدم شهرة الكتاب، فإن السيوطي فارس هذا الشأن لم يذكر ابن جزي في إتقانه، و لا ذكره في كتابه الذي خصه لذكر المفسرين (طبقات المفسرين)، و لهذا استدركه تلميذه الداودي، فأورد له ترجمة مختصرة في طبقاته.

و حين طبع الكتاب، و انتشر في العهد الأخير، و تناقله طلبة العلم، وجدنا اسم ابن جزي يتردد على صفحات المؤلفات المختصة في الدراسات القرآنية، كما وجدنا لآرائه صدا طيبا، سواء في علوم القرآن خاصة أو في التفسير عامة، حتى خصّ بدراسة مستفيضة أظهرت كثيرا من الجوانب

ص: 468

الشخصية و العلمية المتفوقة في حياة ابن جزي.

و قد طبعت المقدمة مع الأصل عدة طبعات نذكر منها:

1) دار الكتب الحديثة- مصر 1973 م، بتحقيق الأساتذين: محمد عبد المنعم اليونسي، و إبراهيم عطوة عوض- و هي الطبعة التي اعتمدتها في هذه الدراسة. و هي في أربعة مجلدات.

2) المكتبة التجارية الكبرى، مصر 1355 ه الطبعة الأولى، و كانت هي المرة الأولى التي يطبع فيها التفسير، أربعة أجزاء في مجلد واحد.

3) دار الكتاب العربي، لبنان 1393 ه و هي مصورة عن سابقتها.

4) دار الكتاب العربي، لبنان 1403 ه، أربعة أجزاء في مجلد واحد.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

اشارة

أثنى المصنف على اللّه منزل الكتاب الحاوي للعلوم النافعة، و البراهين القاطعة على كونه المعجزة الباقية، و شكره تعالى على ما خصه به من الخصائص العلية، و ثنى الشكر له سبحانه بإرساله خير رسول بلّغ ما أنزل إليه من ربه، حتى أقام الحجة، و أظهر الحق و فصّل الخطاب، ثم تحدث عن شرف علم القرآن، تعلّمه و تعليمه، و شكر المسدي على ما وجهه إليه من الشغل بخدمة كتابه، حتى عرف المصنفات في بيان معانيه، و اختلاف المصنفين في النهج الذي ساروا عليه، و المنحى الذي سلكوه، و المذهب الذي ارتضوه، و كلّا وعد اللّه الحسنى، و بين أنه رغب في سلوك طريقهم،

ص: 469

و الانخراط في مساق فريقهم، ليظهر ما يريد بيانه مما حواه صدره، و استقر عليه رأيه، فشرع في هذا التفسير الذي قصد منه جمع كثير من العلم في كتاب صغير تسهيلا و تقريبا، بعبارة مختصرة، بعد التمحيص و التدقيق، و حذف فضول القول و التطويل، و إضافة ما جادت به القريحة من الفوائد و النكت مما هو من بنات الصدر و ينابيع الذكر، ثم عدم الإغفال عن إيضاح المشكلات و حلّ المقفلات و رفع الاحتمالات، و أخيرا التحقيق في الأقوال بطرح السقيم و تمييز الراجح القويم.

عقب ذلك شرع المصنف في بيان المنهج الذي سلكه في تصنيفه، و بين أنه قدم بين يدي تفسيره مقدمتين نافعتين، ليطلب من اللّه جعل عمله هذا خالصا مبرورا، و ليبدأ بأولى المقدمات التي جعلها في اثني عشر بابا.

المقدمة الأولى: و فيها اثنا عشر بابا.
اشارة

هذا في الجملة و إلا فقد تعرض فيها لأكثر من عشرين موضوعا، و أثبت ما يراه من القول دون أن يوغل في مناقشة الآراء أو يكثر من الأدلة.

و قد سودت المقدمة بأبوابها أكثر من عشرين صفحة، و كانت أولى الموضوعات المطروحة هو نزول القرآن.

الباب الأول: نزول القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:

تحت هذه التسمية تعرض المصنف لأكثر من موضوع، فذكر أولا مدة نزول الوحي على الرسول صلى اللّه عليه و سلم في كلّ من مكة و المدينة، و سنّه صلى اللّه عليه و سلم وقتئذ،

ص: 470

كما ذكر الاختلاف في أول القرآن و آخره نزولا، فذكر الأقوال المروية في ذلك، و رجح كون صدر سورة العلق هو أول ما نزل، و سورة النصر آخر القرآن نزولا، و تعرض لجمع القرآن فذكر قصة الجمع بعد وفات الرسول صلى اللّه عليه و سلم، إلى جمع عثمان- رضي اللّه عنه- للمصاحف، و مصير المصاحف السابقة بعد هذا الجمع، و أكد أن ترتيب السور في المصحف العثماني إنما هو من فعل عثمان و زيد بن ثابت و الذين كتبوا المصاحف، و استبعد كونها توقيفية مكتفيا بقوله: و ذلك- أي القول بتوقيفيتها- تردّه الآثار الواردة في ذلك.

ثم ذكر نقط المصحف و شكله و وضع الأعشار، و أول من فعله، و الأقوال في ذلك. كما تعرض لأسماء القرآن و حصرها في أربعة أسماء جاعلا البقية صفات، و ذكر أصول تلك الأسماء و اشتقاقاتها، كما وضح معنى السورة و الآية.

الباب الثاني: في السورة المكية و المدنية:

ضمّن المصنف هذا الباب خلاصة القول، و ما يتعلق بالمكي و المدني، فعرّف المكي ثم المدني، و المراد من هذا الاصطلاح، ثم ذكر أنّ السور بهذا الاعتبار تنقسم أقساما ثلاثة، مدنية، باتفاق، و هي اثنتان و عشرون سورة، و مختلف في مكيتها و مدنيتها، و هي ثلاث عشرة سورة و سماها، و البقية مكية باتفاق.

و أومأ إلى وقوع آيات مكية في سورة مدنية و كذا العكس، و هي قليلة مختلف فيها.

ص: 471

كما تعرض لذكر بعض خصائص و ضوابط السور المكية و المدنية.

الباب الثالث: في المعاني و العلوم التي تضمنت القرآن:

هذا الباب خير شاهد على ما امتاز به المصنف من حسن العرض و التقسيم المقربان للفكرة، فلكي يبين العلوم التي تضمنها القرآن، أوضح أولا أن المقصود الأعظم بالقرآن هو دعوة الخلق إلى عبادة اللّه، و ذلك من خلال أمرين:

أولاهما: بيان العبادة التي هي العقائد و الأحكام.

و ثانيهما: البواعث الموصلة للعبادة. و هي الترغيب و الترهيب.

هذا في الجملة، أما العلوم المتضمنة على التفصيل فهي على ما بينه المصنف سبعة علوم، علم الربوبية المثبت لوجود الباري و الاستدلال عليه بمخلوقاته، و التعريف بصفاته و التنزيه عما لا يليق به.

علم النبوة، المثبت لنبوة الأنبياء- عليهم السلام- و كتبهم و لزوم الإيمان بهم.

علم المعاد، بإقامة البراهين على إثبات الحشر و الدار الآخرة و الحساب و نحو ذلك.

علم الأحكام بأنواعها، من واجب و مندوب و حرام و مكروه و مباح، و متعلقاتها كالتي تتعلق بالأبدان أو الأقوال أو غير ذلك.

ص: 472

علم الوعد و الوعيد المذكورين مقرونين في القرآن ليتبين أحدهما بالآخر.

علم القصص، و هي ذكر الأخبار السابقة للعظة و العبرة، و غيرها من الفوائد، كما ذكر حكمة تكرار القصص في القرآن، و خاصة تلك التي جرت للأنبياء عليهم السلام.

الباب الرابع: في فنون العلم التي تتعلق بالقرآن:

و هي العلوم التي يحتاجها المفسر ليقدم على التكلم في تفسير كلام اللّه، و قد أوصلها بعضهم إلى خمسة عشر علما (1) اقتصر المصنف على اثني عشر علما.

و هي: التفسير، و هو العلم المقصود بذاته، و القراءات، و الأحكام، و النسخ، و الحديث، و القصص، و التصوف، و أصول الدين، و أصول الفقه، و اللغة، و النحو، و البيان، و هي أدوات تعين على التفسير أو تتعلق به أو تتفرع منه.

و أوجز القول في توضيح كل فن من تلك الفنون، و بين معنى التفسير و أنواعه و الفرق بينه و بين التأويل، و الخلاف في ذلك، و صوب كون التفسير

ص: 473


1- انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2/ 1209، و الزيادة و الإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة المكي: 3/ 979، تحقيق مصلح السامدي.

هو الشرح، و التأويل هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك، و يخرّج على ظاهره.

انتقل عقب ذلك للعلم الثاني و هو القراءات، فبين منزلتها و أقسامها، و تعريف كل قسم، ثم ذكر أنه اعتمد في تفسيره على قراءة نافع لكونها القراءة المستعملة في الأندلس و المغرب، و لكونها قراءة أهل المدينة، و أنه يذكر من سائر القراءات ما فيه فائدة، من غير أن يلتزم هذا النهج دائما خشية الإطالة، و اكتفاء بالمصنفات المتخصصة.

و في علم الأحكام أشار إلى أن من العلماء من أوصل آيات الأحكام إلى خمسمائة آية، ثم ذكر بعض المصنفات في هذا الفن.

و في الفن الرابع و هو النسخ، بين أن النسخ يختص الأحكام دون الأخبار، و أن أناسا قد صنّفوا فيه، كما أشار إلى أنه خص النسخ بحديث مستقل في مقدمته تحدث فيها عن قواعد النسخ.

و الفن الخامس هو الحديث، ذكر ابن جزي أن المفسر يحتاج هذا الفن لأمرين و بينهما، ثم انتقل بعدها لذكر القصص، و أوضح أن الضروري منها ما يعتمد عليه التفسير، و ما عدا ذلك زائد مستغنى عنه، كما عاب على المفسرين الذين أكثروا من ذكر القصص حتى ذكروا قصصا لا يجوز ذكرها بأية حال.

أعقب ذلك الحديث عن فن التصوف، و مدى تعلقه بالقرآن، ثم بين أن من القوم من تكلم في التفسير فكان منهم المحسن المجيد الذي وصل بنور

ص: 474

البصيرة إلى دقائق المعاني، و المسي ء المتوغل في الباطنية الذي حمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة، و ذكر أن واحدا من القوم و هو السلمي قد جمع في تفسيره الغث و السمين من كلام القوم، فخلط بين الحق و الباطل، ثم ختم الحديث بذكر بعض ما أسماه مقامات التصوف كالشكر و التوبة و التقوى ... إلخ.

و ما ذكره المصنف من حاجة المفسر إلى هذا الفن بعيد متكلّف فيه، فقد أقحمه المصنف في هذا الموضع إقحاما، فكم من علم كان مرجعا في التفسير و هو أبعد الناس عن رموز الصوفية و تأويلاتهم و بدعهم، و كم من صوفي أبعد في القول و نأى بالتفسير عن أصله، و حمّل المعاني ما لا يطاق.

انتقل المصنف بعد هذا لأصول الدين فذكر أن تعلقه بالقرآن من طرفين، إثبات العقائد بإقامة البراهين، و الرد على أصناف الكفار، و الثاني تعلق الطوائف المختلفة من المسلمين بالقرآن، و الاحتجاج لمذاهبها.

ثم ذكر أصول الفقه فبين أنه من الأدوات التي تعين على فهم المعاني و ترجيح الأقوال، و هي فنون كثيرة كالظاهر و المجمل و المبين و العام و الخاص و غير ذلك.

و ختم بعلم اللغة و النحو و البيان، و هي علوم لا غنى لمفسر عنها، و لهذا خصها بمقدمات مستقلة.

ص: 475

الباب الخامس: في أسباب الخلاف بين المفسرين، و الوجوه التي يرجح بها أقوالهم

ذكر من أسباب الخلاف اثني عشر سببا، عرضها إجمالا، و بين أن وجوه الترجيح مثل ذلك العدد، و سردها هي الأخرى إجمالا.

الباب السادس: في ذكر المفسرين

جعل المصنف بيان حال السلف في التفسير و التكلم في القرآن مدخلا لهذا الباب، فذكر أولا أن الأكثرين أجازوا تفسير القرآن، و أن ثلة توقفوا عن الكلام احتياطا، مستدلين بالآثار الواردة و التي ظاهرها النهي عن ذلك، و ذكر أثرين صح نقلهما، مع بيان تأويلهما عند المجيزين.

ثم انتقل للحديث عن طبقات المفسرين، من لدن الصحابة إلى عصره، و ذكر من الصحابة من اشتهر بالتفسير كابن عباس، و علي بن أبي طالب و ابن مسعود و غيرهم، و من طبقة التابعين عددا من الأعلام كالحسن البصري و سعيد بن جبير و مجاهد و علقمة و غيرهم.

ثم بين أن عدولا حملوا التفسير من بعدهم، و أن أناسا انكبّوا على التأليف في هذا الفن كعبد الرزاق و البخاري و ابن جرير الذي جمع أقوال المفسرين، و تبعهم غيرهم من المشرق و من المغرب، و ذكر عددا من التفاسير المتأخرة و ما امتاز به كل تفسير منها.

ص: 476

الباب السابع: في الناسخ و المنسوخ:

عرّف ابن جزي النسخ في اللغة و في اصطلاح الشرع، و بيّن أوجه النسخ التي وقع في القرآن، فذكر نسخ اللفظ و المعنى، و اللفظ دون المعنى، و المعنى دون اللفظ، و بين أن الأخير هو الكثير، و استشهد لكل وجه بمثال، كما بين أن العلماء أدخلوا في النسخ ما ليس بنسخ كالتخصيص و التقييد و الاستثناء و غيرها من الذي بينها و بين النسخ فروق ظاهرة.

و أرجأ الحديث على مثل هذه المواضع إلى حينه، و ضرب مثلا واحدا و هو نسخ مسالمة الكفار، و العفو عنهم، و الصبر على آذاهم، بالأمر بقتالهم.

الباب الثامن: في جوامع القراءة:

ذكر المصنف في هذا الباب أنواع القراءة المشهورة منها و الشاذة، و شروط القراءة الصحيحة، ثم بين أن اختلاف القراء هو على نوعين، أصول و فرش، و تحدث عن كل نوع، و ختم الباب ببيان القواعد التي يرجع إليها عند الاختلاف في الأصول.

الباب التاسع: في الوقف:

و هو الباب الذي سبق أن أشرت إليه و قلت أن المصنف هو أول من خص الوقف بباب مستقل في المقدمة، ذكر المصنف في هذا الباب أنواع الوقف، التام و الحسن و الكاف و القبيح، و عرّف كل نوع، و ختم الباب بتنبيه

ص: 477

أشار فيه إلى أن الوقف بمراعاة الإعراب و المعنى جائز استقر عليه العمل، و أخذ به القراء، و أن الأوائل كانوا يراعون الوقوف على رءوس الآي لحديث أم سلمة و هي تنعت قراءة النبي صلى اللّه عليه و سلم للفاتحة آية آية، يقطع قراءته يقول: «الحمد للّه رب العالمين، ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف» (1).

الباب العاشر: في الفصاحة و البلاغة و أدوات البيان:

للفصاحة خمسة شروط، أوردها المصنف في هذا الباب بعبارة موجزة، أتبع ذلك تعريف البلاغة، ليختم الباب بتعريف البيان و أدواته، فذكر أنه وجد في القرآن اثنان و عشرون نوعا، ذكرها و بين معناها كالمجاز و الكناية و الالتفات و التجديد و غير ذلك.

الباب الحادي عشر: في إعجاز القرآن و إقامة الدليل على أنه من عند اللّه عز و جل:

قدم المصنف في هذا الباب عشرة أوجه تثبت إعجاز القرآن، و تقيم الدليل و البرهان على أنه من الباري جل جلاله.

ص: 478


1- أخرجه الإمام أحمد في المسند: 6/ 302، و أبو داود في السنن: (ح 4001- 4/ 37)، و الحاكم في المستدرك: 1/ 232 و قال: صحيح على شرط الشيخين.
الباب الثاني عشر: في فضل القرآن:

اقتصر المصنف في هذا الباب على إيراد جملة من الأحاديث و الآثار الصحيحة التي تبين فضل قارئ القرآن، و ما أعده اللّه له من الأجر و الرضوان، و ما يلزم القارئ من الحرص على الاستذكار خشية التفصي و النسيان، كما أورد مختارات من الآثار التي تبين فضل بعض السور و الآيات. و كان هذا الباب هو خاتمة المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية: في تفسير معاني اللغات

افتتح المصنف هذه المقدمة بقوله (نذكر في هذه المقدمة الكلمات التي يكثر دورها في القرآن الكريم، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء و الأفعال و الحروف).

و ذكر أنه إنما شرع في هذا الصنيع لأمور ثلاثة:

1) أنها أيسر للحفظ.

2) ليكون الباب كالأصول الجامعة لمعاني التفسير.

3) الاقتصار، فيستغنى بذكرها هنا عن ذكرها في مواضعها.

و بين أنه رتّب الكلمات ترتيب المعجم معتمدا فاء الكلمة، دون اعتبار للحروف الزائدة، ابتدأ بالهمزة و بمفردة (آية) ف (أتى) ف (أبى) .. و هكذا، يذكر بعد كل مفردة المعاني التي وردت بها، دون أن يغفل عن ذكر

ص: 479

اشتقاقات الكلمة عند الحاجة لبيان ذلك.

و قد أخلّ المصنف بترتيب بعض الكلمات، كما فاته بعض المفردات (1).

و قد استغرقت المقدمة نحوا من خ

مس و عشرين صفحة.

رابعا: منهج ابن جزي في مقدمته:

السمة البارزة لمنهج ابن جزي هي الإيجاز و الاختصار، و التنقيح و حذف فضول القول، و هو ما صرح به في الخطبة التي قدمها بين يدي مقدماته حين قال: جعلته وجيزا جامعا. و حين قال: إني عزمت على إيجاز العبارة و إفراط الاختصار و ترك التطويل و التكرار (2).

فقد لخص المصنف الأقوال و نقّح الفصول، و حذف الحشو و الفضول، و ذكر اللبّ دون القشور، بعبارة موجزة من غير إفراط و لا تفريط. و هو نهج التزمه المصنف في مقدمته كلها، فهو يجمل الحديث في أية مسألة تطرق لها، و يورد الأقوال و الآراء بعبارة موجزة، و إن ذكر دليلا لرأي فهو يعرضه بإيجاز دون أن يعزوه لمصدر.

و من نهجه أيضا عدم نسبة الأقوال إلى قائليها إلا قليلا، و تعليل ذلك

ص: 480


1- انظر: ابن جزي و منهجه في التفسير: 2/ 635.
2- انظر: المقدمة: 1/ 4- 5.

عند المصنف أن درجة الإسناد لا تصح إلا قليلا، أو هو لاختلاف الناقلين في نسبتها إليهم، و هو الآخر نهج التزمه المصنف في مقدمته.

و ما ذكره من التعليل قاصر لا يرتقي لأن يكون حجة في ترك نسبة الأقوال لقائليها، و لا مبررا في عدم إسناد الفضل لأهله، فإن من المعروف أن من بركة العلم إضافة الأقوال إلى قائليها كما ذكر القرطبي المفسر (1)، و إن للتصريح باسم القائل فوائد لا تخفى على مثل المصنف، و هو القائل:

فإن صرحت باسم القائل فلأحد أمرين: إما للخروج عن عهدته، و إما لنصرته إن كان قائله ممن يقتدى بهم (2)، فكان ينبغي له- يرحمه اللّه- عدم إغفال هذا الجانب.

و السمة الثالثة لنهج ابن جزي هو أنه إن ذكر شيئا من الأقوال دون حكاية قوله عن أحد- و هو الغالب الكثير- فذاك إشارة إلى أنه يتقلده و يرتضيه، سواء من تلقاء نفسه، أو مما اختاره من كلام غيره (3).

و أخيرا فإن المصنف قد تعهد بعدم إيراد الأقوال الساقطة و الضعيفة تنزيها للكتاب عن مثلها، و التزاما بحذف الحشو و الفضول، فإن ذكر شيئا فهو للتحذير منه و الترغيب عنه.

ص: 481


1- ينظر مقدمة الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 3.
2- انظر: المقدمة: 1/ 4.
3- انظر: المقدمة: 1/ 5.

تلك هي أبرز سمات منهج ابن جزي في تفسيره بصورة عامة، و في مقدمته بصورة خاصة.

و يحسن بي أن أشير هنا أن المصنف يجمل في عرض الموضوعات في أحايين كثيرة ثم يعقب ذلك بالبسط و التفصيل مع التزام الإيجاز و حذف الفضول، كما أنه يذكر الأقوال- في أحايين كثيرة أيضا- دون أدلتها، و إن ذكر الدليل اكتفى بذكر الصحابي دون من خرّجه من الأئمة، و دون عزوه لمصدر معين إلا نادرا، مكتفيا بما ألزم نفسه من الاقتصار على ذكر الصحيح دون السقيم، و هو يكتفي بسرد الأثر دون أن يعقب بشرح الغامض من المعنى أو الغريب من اللفظ (1).

و قد كان لابن جزي نهج خاص في مقدمته الثانية التي خصها في تفسير معاني اللغات، و يتلخص ذلك في الآتي:

1) الاقتصار على الكلمات التي يكثر دورها في القرآن، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء و الأفعال و الحروف.

2) ترتيب الكلمات حسب حروف العجم باعتبار الكلمة دون الحرف الزائد.

فهو يذكر المفردة ثم يذكر معانيها، فيقول: لها معنيان. أو ثلاثة معان،

ص: 482


1- انظر المقدمة: 1/ 7، و لمزيد من الأمثلة ينظر الصفحات: 1/ 6- 11- 15- 19- 20- 24.

أو خمسة معان، و هكذا.

و إن كان في بيان اشتقاقات المفردة فائدة مرجوة بيّنها، و قد يبيّن ما يتعلق بالمفردة من النواحي الإعرابية (1). و الأمثلة كثيرة.

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

لم يترك ابن جزي للقارئ في تفسيره أن يحدد ملامح منهجه، فقد أفاض هو في توضيح ذلك و بينه غاية البيان، و قد سبق أن تحدثت عن منهجه في مقدمته، و هو قريب من منهجه في تفسيره، و لهذا سأكتفي هنا ببيان مدى التزام المصنف بأصول منهجه الذي وضعه لكتابه:

و أول هذه الأصول أنه جعل تفسيره و جيزا جامعا للأقوال، تاركا التطويل و التكرار، قصد منه جمع كثير من العلم في كتاب صغير. و قد التزم المصنف هذا الأصل عدا التطويل و الإطناب في بعض المواضع (2)، و إلا فقد حاول ابن جزي جمع الأقوال و إيرادها بعبارة مختصرة، تاركا التطويل الذي سلكه جماعة من المفسرين (3).

و ثاني هذه الأصول: أنه أضاف أمورا جديدة إلى التفسير من بنات

ص: 483


1- انظر المقدمة: 1/ 26.
2- انظر أمثلة ذلك: 1/ 112- 3/ 376- 399- 4/ 38.
3- انظر أمثلة ذلك: 1/ 99- 183- 208- 253.

فكره و ينابيع ذكره، و مما أخذه من شيوخه أو التقطه من مستطرفات النوادر.

و هو أمر يجده القارئ في تفسيره، و إن كان المصنف لا يصرح بذلك أثناء التفسير، بل يجد القارئ أن التفسير قد حوى جملة من النكت و النوادر و الفوائد (1).

و ثالثها: إيضاح المشكلات من الألفاظ و المعاني بعبارة حسنة ترفع الاحتمالات. و هذا مما التزمه المصنف، و هو واضح جلي للقارئ (2).

أما الرابع من هذه الأصول فتحقيق أقوال المفسرين، السقيم منها و الصحيح، و تمييز الراجح من المرجوح، مع استبعاد الأقوال الساقطة إلا على سبيل التحذير منها. و هذا الأصل قد التزمه المصنف أيضا إلى درجة كبيرة، فالمصنف له شخصيته الواضحة حيال تلك الأقوال، و من ذلك أن له وقفات محمودة حيال القصص الإسرائيلي، فقد انتقد المصنف بشدة أولئك الذين أكثروا من ذكر الإسرائيليات، و حشدوا القصص في تفاسيرهم، و نبه إلى أنهم قد ذكروا ما يجوز ذكره (3).

سادسا: مصادر المصنف في مقدمته:

لا يستطيع المرء أن يحدد مصدرا للمصنف طالما صرّح بأنه لن يذكر

ص: 484


1- انظر أمثلة ذلك: 1/ 55- 70- 75- 2/ 275- 3/ 123- 267.
2- انظر أمثلة ذلك: 1/ 158- 2/ 63- 323- 3/ 124- 4/ 130- 136.
3- ينظر: 1/ 77- 2/ 103- 168- 3/ 61- 268- 380- 4/ 289- 312.

المصدر الذي استقى منه المعلومة، كما أنه لن ينسب القول إلى قائله، و لهذا لم أقف في مقدمته على اسم علم نسب المصنف إليه قولا، أو عنوان كتاب صرّح بالعزو إليه، عدا الترمذي فقد عزا إليه حديثا واحدا في باب الوقف، ليؤكد أن السلف كانوا يقفون على رءوس الآي قال: و يؤكد ذلك ما أخرجه الترمذي عن أم سلمة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يقطع قراءته يقول: «الحمد للّه رب العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف» (1).

سابعا: أهم مزايا المقدمة:

يعد الإيجاز و حذف فضول القول أظهر ميزة لمقدمة ابن جزي، فقد استطاع المصنف أن يقدم المعنى الكثير في عبارات قليلة، بأسلوب سهل ممتع، لا يمل القارئ من متابعته و لا يسأم من قراءته، كما امتازت هذه المقدمة بالآتي:

1) أن المصنف اختار موضوعاته التي قدمها بين يدي تفسيره من أهم الموضوعات التي لا يستغني عنها عالم أو متعلم، و استطاع أن يقدم من خلالها فوائد جليلة، دون أن يتيه القارئ فيجعله في خضم المناقشات.

2) حسن السبر و التقسيم، الذي أظهر إلمام المصنف بعلوم القرآن،

ص: 485


1- انظر المقدمة: 1/ 24، و قد سبق تخريج الحديث.

و قد ظهر ذلك جليا في طرحه لعدة موضوعات تشترك في الناحية الموضوعية تحت مسمّى واحد، فتحت مسمّى نزول القرآن تعرض المصنف لأكثر من ثمانية موضوعات، لها جميعها ارتباط واضح بموضوع الباب.

3) عدم الإطالة في ذكر الأقوال، و الحرص على ذكر الأقوال المفيدة و الوجيه، و اجتناب الإطالة في ذكر الخلافيات.

4) وضوح المنهج الذي سلكه المصنف و التزامه التام بما ألزم به نفسه في خطبة الكتاب، سواء في المنهج أو في ذكر المصادر و نسبة الأقوال.

5) ذكره للمقدمة الثانية، تلك التي خصها لتفسير معاني اللغات، و التي عرض فيها الكلمات التي كثر دورانها في القرآن، و وردت في أكثر من موضعين. و إن كنت أرى أن موضع بسط هذا الباب ليس هنا بين يدي المفسر، بل اللازم إفراده بتأليف مستقل، كما فعل غيره من الذين صنّفوا في الوجوه و الأشباه و النظائر.

6) قد جرت عادة المفسرين أن يذكروا في هذا الموضع- أقصد المقدمة- الفنون الهامة التي لها تعلق بالتفسير، أو تلك التي تخدم المفسر. و إن كان ما فعله المصنف قد جاء رائقا لبعضهم حتى اعتبروه ميزة انفرد بها ابن جزي.

ثامنا: أظهر المآخذ:

1) عدم نسبة الأقوال إلى قائليها، و عدم عزو النصوص إلى مورديها،

ص: 486

و إغفال المصنف للمصادر التي استقى منها مادة مقدمته العلمية.

2) الاختصار الشديد في بعض المواضع، و عدم عرض الآراء المخالفة أحيانا، و عدم الردّ على بعض الآراء الوجيهة، و قد ظهر هذا جليا في موضوع جمع المصحف، و حكم ترتيب السور و الآيات، كما ظهر الاختصار في موضوع التفسير بالرأي.

3) إغفال المصنف لبعض الموضوعات الهامة كالأحرف السبعة، و كموضوع وجود ألفاظ غير عربية في القرآن. و غيرها، و هي موضوعات في غاية من الأهمية لطالب علم التفسير.

تلك هي أظهر المآخذ التي رأيتها على مقدمة ابن جزي، فجزى اللّه المصنف خير الجزاء و أجزل له الثواب، و تقبل عمله بقبول حسن.

ص: 487

11- لباب التأويل في معاني التنزيل لأبي حسن علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي البغدادي المعروف بالخازن المتوفى سنة 741 ه

أولا: التعريف بالمؤلف:

اشارة

مؤلف هذا التفسير هو علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي (1) البغدادي الشافعي الملقب بالخازن (2) المولود سنة (678 ه) ببغداد.

نشأ في بغداد مسقط رأسه، و انكبّ على الدرس و المذاكرة على أيدي ثلة من أهل العلم هناك، فتلقى عنهم العلوم الأولية، ثم علوم الحديث على يد أبي عبد اللّه محمد بن عبد المحسن البغدادي المعروف بالدواليبي، ثم انشغل بعد ذلك في طلب الحديث و سماعه (3).

و تذكر الأخبار أن الخازن حين تضلع من ينابيع العلم في بغداد قصد

ص: 488


1- الشيحي نسبة إلى شيحة قرية من قرى حلب ينسب إليها بعض الأعيان، معجم البلدان لياقوت الحموي: 3/ 430.
2- لقب بالخازن لأنه كان خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق، الخانقاه (دار الصوفية) انظر: منادمة الأطلال لبدران: 2/ 21.
3- انظر شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي: 6/ 131.

الشام موطن الأهل، فدخلها و تسلم خزانة كتب السميساطية، و جلس بين تلك المصنفات، فوضع بذلك يده على كنز من المعارف، فكانت لمهنته بعد ذلك أثر واضح على توجهه و إنتاجه، حيث جمع و حدّث و ألف، و تنوعت مصنفاته لتشمل علوما كثيرة و إن لم تنل تلك المؤلفات من الشهرة ما ناله تفسيره الذي أقبل عليه طلبة العلم إقبالا منقطع النظير حين انتشر في الآفاق.

و قد كان الخازن- رحمه اللّه- إلى جانب اهتمامه بالعلم صالحا فيه خير كثير، بشوش الوجه ذا تودد و سمت حسن (1).

شيوخه و تلاميذه:

تتلمذ الخازن في بداية حياته العلمية على يد واحد من علماء بغداد، المدينة التي نشأ فيها و ترعرع و هو: أبو عبد اللّه محمد بن عبد المحسن البغدادي المعروف بالدواليبي ت: (728 ه) (2) و لم تذكر الأخبار غيره من شيوخه في بغداد، و لما انتقل إلى دمشق تلقى العلم عن شيوخ السميساطية و منهم: أبو القاسم بن المظفر، كما أخذ عن الشيخة العابدة ست الوزراء

ص: 489


1- انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 8/ 171، و شذرات الذهب لابن عماد: 6/ 131.
2- هو محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي، الحنبلي، أحد من انتهى إليه علو الإسناد ببغداد، عرف عنه كثرة العبادة و التلاوة، توفي (728 ه). انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 4/ 28- و شذرات الذهب لابن عماد: 6/ 88.

بنت عمر بن أسعد التنوخية ت: (716 ه) (1).

و قد ضنت المصنفات بذكر آخرين تلقى الخازن عنهم العلم. و لا شك أنهم كثر فمصنفات الخازن تدل على تنوع اهتماماته كما تدل على تعدد شيوخه (2).

أما تلامذة الخازن فلم نقف على ذكر لأحدهم في تلك المصنفات التي ترجمت للخازن، و هي ظاهرة تكررت لعدد من العلماء البارزين، و قد سبق ما ذكرناه عن القرطبي- رحمه اللّه- و غالب الظن أن حالة القرطبي مختلفة عن الخازن، فالأول ربما كان لمواقفه الشجاعة و تصديه للفرق الضالة، أما الخازن فإنني أرى أن مهنته ربما صرفت الناس عنه و صرفته عنهم، فالعاملون في المكتبات و بين الكتب يزداد نهمهم للعلم، و يتجدد باستمرار، و يجدون أنفسهم في شوق دائم للمزيد من المعلومات، كما يغلب على مؤلفاتهم طابع الجمع و الاختصار و الشرح، فلا يجدون الوقت الكافي للاختلاط بالناس و تقديم ما لديهم إذ يفضلون تقديم العلم مكتوبا، و هذا أمر ملاحظ حتى في عصرنا الحالي، هذا و إن كنا نظن أن عددا من الذين تتلمذوا في السميساطية فترة وجود الخازن لا بد أن يكونوا قد وردوا من

ص: 490


1- هي ست الوزراء بنت عمر بن أسعد التنوخية الحنبلية، كانت طويلة الروح على سماع الحديث، و هي آخر من حدث بالمسند بالسماع عاليا، توفيت (716 ه). انظر: الدرر الكامنة لابن حجر: 2/ 129- و شذرات الذهب لابن عماد: 6/ 40.
2- انظر البداية و النهاية لابن كثير: 14/ 141، و 14/ 108، و العبر للذهبي: 4/ 44.

مورده، و تتلمذوا على يديه، على أقل تقدير أولئك الذين كانوا على اتصال مستمر بالخانقاه و خازنها، فلا بد و أنهم اكتشفوا أن الذي يتعاملون معه رجل من أهل العلم، و هو أيضا أمر مشاهد في عصرنا الحالي و إن كان على نطاق ضيق، و اللّه أعلم.

مؤلفاته:

يسرت مهنة الخازن له الاطلاع على كثير من أمهات الكتب التي حوتها خزانة السميساطية- كما ذكرت قبل قليل- و لا غرو بعد هذا أن تتعدد اهتمامات الخازن العلمية و تتنوع تآليفه، و قبل ذكر مؤلفات الخازن أود الإشارة إلى أن طابع الجمع و النقل هي السمة البارزة لمؤلفات الخازن، فلم يصرف اهتمامه إلى تقديم موضوع جديد يؤسس بنيانه بنفسه، بل اعتمد على من سبقه، على أن المنصف لا يجرد الخازن من آراء جديدة أو مختارة على أضعف تقدير، يجدها بين ثنايا كتبه.

و من مؤلفات الخازن:

1) لباب التأويل في معاني التنزيل، و هو تفسيره الذي اشتهر باسم تفسير الخازن.

2) شرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني.

3) الروض و الحدائق في تهذيب سيرة خير الخلائق محمد المصطفى سيد أهل الصدق و الوفاء.

ص: 491

3) مقبول المنقول (1) في عشرة مجلدات، جمع فيه بين مسندي الشافعي و أحمد بن حنبل و الكتب الستة و الموطأ و سنن الدارمي، و قد رتبه على الأبواب.

وفاته:

توفي رحمه اللّه في آخر رجب أو مستهل شعبان سنة 741 ه بمدينة حلب (2) موطنه الأصلي، و قيل: توفي في دمشق (3).

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة:

تفسير الخازن من التفاسير المشهورة المتداولة بين عامة المسلمين، و من

ص: 492


1- انظر الدرر الكامنة لابن حجر: 3/ 171، و الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة: 180- ط- دار البشائر.
2- انظر: شذرات الذهب لابن عماد: 6/ 131، و الدرر الكامنة لابن حجر: 3/ 171، و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 427.
3- انظر معجم المؤرخين الدمشقيين لرضا كحالة: 147، ط دار الكتب الجديدة. و ينظر للمزيد في ترجمته: البداية و النهاية للحافظ ابن كثير- و تاريخ التفسير للقيسي: 126- و التفسير و المفسرون للذهبي: 1/ 311- و الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر: 3/ 171- و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 6/ 131- و طبقات المفسرين للداودي: 1/ 426- و لباب التأويل في معاني التنزيل- مقدمة المحقق.- و معجم البلدان لياقوت: 3/ 430- و معجم المؤرخين الدمشقيين: 147- و منادمة الأطلال و مسامرة الخيال لبدران 2/ 21- و مناهل العرفان للزرقاني 1/ 537؛ و غيرها من المصادر التي ترجمت لأمثال المؤلف.

أعظمها انتشارا بين طلبة العلوم الشرعية في كثير من ديار الإسلام، و هو تفسير أثري ثري بالعلوم، جليل القدر، رصين العبارة، رمي بنعوت أساءت إليه كثيرا حتى كادت تصد الناس عن الرجوع إليه فضلا عن التعويل عليه (1)، مما ألزمني الدقة في البحث فيه و التقصي عنه، لحاجة البحث إلى إصدار حكم سليم أولا، ثم لإشباع نهمي العلمي ثانيا، إذ كيف يتعرض تفسير مثل هذا التفسير لآراء على طرفي نقيض، فاستعنت باللّه في قراءة نماذج منه، بدأت بالمقدمة، و لم أكد أنتهي منها حتى اعترفت للرجل بكثير مما كنت أستبعده عنه، و أدركت أنني أمام رجل راسخ القدم في المنقول و المعقول، جيد الاطلاع و المعرفة، مكثر من الرواية تبعا لأصليه البغوي و الثعلبي، معنى بتقرير الأحكام و أدلتها، صاحب قلم سيّال و أسلوب بياني رائع، أضاف إلى البغوي عناصر جديدة من المعارف المتصلة بتوضيح البحث. و أدخل عنصر النقد، فنقد تلك الروايات التي أوردها البغوي في تفسيره و تركها دون أن يبين ما عليها، فكرّ الخازن على كثير منها و أسقطها بالحجة و الدليل، و هو أمر يردّ بعض ما رمي به الخازن- رحمه اللّه- من بعض المتأخرين حين و صفوه بأن (ما فيه من دخيل القول و الكذب على سول اللّه الكثير) (2).

و أن خير ما يقال فيه على زعم القيسي أنه مجموعة من الأكاذيب لو

ص: 493


1- انظر التفسير و المفسرون للذهبي: 1/ 311.
2- تاريخ التفسير للقيسي: 126.

جرد الإنسان ما فيه من الأكاذيب الموضوع على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الأقاصيص الكاذبة التى وضعها اليهود كقصة بابل و الغرانيق و إرم ذات العماد و غيرها، لكانت فوق نصف الكتاب إلى أشياء أخر إن لم تضر لم تنفع (1).

فالخازن- رحمه اللّه- مع إقرارنا بأنه أورد- بل أكثر- من نقل الأخبار التاريخية و القصص الإسرائيلي غير أنه ليس بأول رائد أعجبته خضرة الدمن، و رأى فيها حسن ما ليس بالحسن، فهو تبع لغيره، و هو أمر لم يسلم منه حتى ابن جرير و ابن كثير و لا غيرهما من المفسرين.

و اذا كان وصفه بمجموعة من الأكاذيب هو خير ما يقال فيه فما هو شر ما يقال فيه يا ترى؟! ثم ما ذا يقال في تفاسير الباطنية التي عطلت مفاهيم اللغة و الشرع جميعا (2).

بل قد يمتاز الخازن عن غيره من المفسرين كما يقرر الزرقاني- رحمه اللّه- أنه يتبع القصة ببيان ما فيها من باطل حتى لا ينخدع بها غرّ و لا يفتن جاهل (3). و هو قول لا يسلّم له بتمامه غير أنه إلى حد ما مطابق للواقع،

ص: 494


1- المصدر السابق: 126.
2- انظر ما كتبه الأستاذ محمد بهجت البيطار في مجلة المنهل السعودية- المجلد السابع- ربيع الثاني 1366 ه بعنوان: أمهات كتب التفسير القديمة و الحديثة ما لها و ما عليها.
3- مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 537.

فللخازن مواقف سليمة أمام كثير من الروايات كما ذكرت- قبل قليل- غير أنه يمر أحيانا على بعض تلك القصص دون أن يكرّ عليها، و لعل من الإنصاف أن نقول:

إن الذي جعل هذه التهمة تشاع حول تفسير الخازن ليشتد أوارها عند أمثال القيسي من المتأخرين هو نتيجة لأحد ثلاثة أمور، أو هي نتيجة لها جميعا و هي:

1) أن التفسير قد حوى حقيقة بعض الإسرائيليات التي وقف الخازن منها موقف سلفيه البغوي و الثعلبي .. و يعلل له من بعض المعجبين أن السير مع الشرع في حكاية الإسرائيليات المسكوت عنه أولى، «بلّغوا عني و لو آية، و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج ...» (1).

ص: 495


1- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل. البخاري مع الفتح: 6/ 496. و يرى الشيخ أحمد محمد شاكر- رحمه اللّه- أن مثل هذه الإسرائيليات- و إن جاز أن يتحدث بها- فإنه لا يجوز أن تذكر في مقام التفسير للقرآن الكريم، يقول: إن إباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل على صدقه لا كذبه- شي ء، و ذكر ذلك في تفسير القرآن و جعله قولا أو رواية في معنى الآيات أو في تعيين ما لم يعين فيها، أو في تفصيل ما أجمل فيها شي ء آخر، لأن في إثبات مثل ذلك بجوار كلام اللّه ما يوهم أن هذا الذي لا نعرف صدقه و لا كذبه مبين لقول اللّه سبحانه، و مفصل لما أجمل فيه، و حاشا للّه و لكتابه من ذلك .. و أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- أذن بالتحدث عنهم- أمرنا أن لا نصدقهم و لا نكذبهم فأي تصديق لرواياتهم و أقاويلهم أقوى من أن نقرنها بكتاب اللّه، و نضعها منه موضع التفسير أو البيان، اللّهم غفرا) رحم اللّه الشيخ المحقق، و أجزل له الأجر. انظر عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير: 1/ 15.

2) أن الأسلوب البياني لدى الخازن، و سيولة قلمه، و جميل عبارته، إضافة إلى طريقته في إيراد تلك الروايات، جعله و كأنه المتميز في هذا الجانب، مع أن واحدا من المشتغلين بتفسير الخازن- و هو الدكتور/ قاسم القثردي- تتبع ما أورده الخازن من الإسرائيليات في سورتي الفاتحة و البقرة فلم يجده زاد رواية واحدة على إمام المفسرين ابن جرير الطبري (1).

أضف إلى هذا ما عند الخازن من التصوف، و القوم عادة يكثرون من المواعظ و الرقائق في كتبهم أو يعرضونها بعبارة مشوقة و هو الثالث من الأسباب.

بقي أن أشير إلى أن لباب التأويل تفسير أثري يصنف مع مثيلاته من كتب المأثور، و أن حجة من صنفه ضمن تفاسير الرأي (2) ربما لاهتمام الخازن بتقرير الأحكام الفقهية.

و قد استهل الخازن تفسيره بمقدمة جاءت في أربع عشرة صفحة من

ص: 496


1- انظر لباب التأويل بتحقيق الأستاذ قاسم القثردي: 1/ 32.
2- كما ذهب إليه الأستاذ محمد حسين الذهبي- رحمه اللّه- في التفسير و المفسرون: 1/ 310، و قد صنفه غيره مع مدرسة الأثر، انظر: محاضرات في علوم القرآن للأستاذ العتر: 151.

القطع المتوسط (1)، تضمنت ثمان موضوعات هي:

الأول: فضل القرآن و تلاوته و تعليمه.

الثاني: وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم.

الثالث: وعيد من أوفى القرآن فنسيه و لم يتعاهده.

الرابع: جمع القرآن.

الخامس: ترتيب القرآن.

السادس: نزول القرآن على سبعة أحرف.

السابع: الحد و المطلع.

الثامن: معنى التفسير و التأويل و الفرق بينهما.

أوردها تحت ثلاثة فصول رئيسة، أسبق تلك الفصول تقديما بيّن فيه منهجه و طريقته في التأليف.

و قارئ المقدمة بفصولها المتنوعة يجد أن الخازن قد انتخب في كل موضوع تناوله مجموعة من الآثار و الروايات ليؤكد أن الدواعي إلى معرفة هذه الموضوعات و العلوم قوية، و أن الحاجة إليها ماسة لمن أراد الغوص فيم.

ص: 497


1- من النسخة المعتمدة في البحث و هي طبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 2 عام 1375 ه 1955 م.

دراسة كتاب اللّه و فهمه على الوجه الصحيح.

هذا و قد اختصر الخازن فاصطلح رموزا لمخرجي الروايات و الآثار، فرمز للبخاري مثلا بحرف (خ) و لمسلم (م) و لما اتفقا عليه (ق)، و هكذا لبقية الأئمة. يذكر الرمز قبل الرواية و الأثر، و قد يؤخره و في هذه الحالة يصرح باسمه فيقول: أخرجه الترمذي؛ مثلا.

و الخازن لا يقف من هذه الروايات موقف السارد، بل نراه يتدخل من حين لآخر كلما دعت الحاجة، فإن كان في أحد رجال السند مقال قاله، أو ضعف بيّنه و نقل حكم الأئمة عليه.

كما أنه يقف من الغوامض موقف المبين المفسر، يفسر الألفاظ الغامضة، و يبين غريب الحديث، و يشرح العبارة المستعصية و يوضحها، و لا تخلو مقدمته من فوائد انتقاها المصنف من أقوال أهل العلم، و استخلصها من ثنايا مصنفاتهم.

و قد طبعت المقدمة مع التفسير عدة طبعات نذكر منها:

1) طبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1375 ه، تلتها طبعتان:

2) طبعة المطبعة التجارية، مصر.

3) طبعة دار الفكر، بيروت 1399 ه و بهامشه تفسير البغوي.

4) المطبعة العامرة، بتركيا، الطبعة الأولى. و غيرها.

ص: 498

5) طبع على الآلة الكاتبة، المقدمة و تفسير سورتي الفاتحة و البقرة، بتحقيق الدكتور قاسم القثردي، رسالة دكتوراه في كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة:

اشارة

بعد أن أثنى المصنف على اللّه منزّل الكتاب بما هو أهله، و حمده على تواتر نعمائه، و صلى على نبيه الأكرم الذي أرسل بالدين الحق، و أكمل اللّه به بنيان النبوة حيث أنزل عليه الكتاب المعجز الذي عجز الخلائق عن معارضته مع يسر تلاوته.

ذكر بعدها أغراض القرآن الكريم، و حث على لزوم تعلمه للعمل به، و بين أن ذلك لا يمكن إلا بتعلم علوم القرآن و التفسير، و أشار إلى أن اللّه جلت قدرته قد قيض لكتابه رجالا موفقين، و بالحق ناطقين، و يسرهم للتصنيف في سائر علوم الدين و ذكر منهم صاحب معالم التنزيل الحسن بن مسعود البغوى، الذي أعجب المصنف بتفسيره فحداه هذا الإعجاب إلى اختصار تفسيره، و إظهار محاسنه، مع إضافة ما رآه حسنا من كتب التفسير الأخرى من الفوائد و الفرائد.

أتبع ذلك بيان منهجه و طريقته التي سار عليها مع تحليل المصطلحات التي كثر دورانها في متن الكتاب.

و لأنه قد يظن ظان أن عمل المصنف قد اقتصر على اختصار كتاب

ص: 499

سلفه ليس إلا، عمد رحمه اللّه إلى بيان جهده و عمله، و الجديد الذي قدمه، و ذلك حين ختم التقديم بذكر ما ينبغي أن لا يخلو منه أي كتاب سبق مصنفه في موضوعه، في إشارة منه إلى استبعاد ذلك الظن من ذهن القارئ، و التأكيد على أن لديه ما هو جديد، و أنه قد أعمل الفكر فاستنبط ما كان معضلا، و جمع المتفرق، و شرح الغامض و أحسن التبويب، و أسقط الحشو و التطويل، و سأل اللّه التوفيق و القبول، ثم قبل أن يشرع في التفسير قدم المقدمات الثلاثة و اعتبرها فصولا، و هي:

الفصل الأول: في فضل القرآن و تلاوته و تعليمه:

هذا باب واسع، يذكر المصنفون تحته آثارا و روايات كثيرة، بل يفردونه بالتأليف لأهميته، غير أن الخازن لم يكن من أولئك، و كأنه رأى أن المقام ليس مقام ذلك، فذكر روايات بعدد انتقاها من بين تلك الآثار الكثيرة، و هي روايات مشهورة صحيحة تناولت فضل القرآن و فضل حامله و تعلمه و تعليمه، و تلاوته و قراءته، مع بيان الغامض من الألفاظ، و شرح الغريب منها، و تحليل العبارات و بيان المعنى المراد منها، و التعقيب على ما احتاج منها إلى تعقيب.

الفصل الثاني: في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم، و وعيد من أوفى القرآن فنسيه و لم يتعاهده:

الذي ذكره المصنف في هذا الفصل موضوعان مختلفان، يجمع بينهما الوعيد الوارد في حقهما و هو الأمر الذي ربما لأجله جمع المصنف بينهما في

ص: 500

حين نجد أن معظم من تناولهما قد فصل بينهما و لم يقرن، و قد نهج الخازن في عرضهما نهجه في الموضوع السابق، فاستهل الفصل بالمروي عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- في تبوأ النار لمن قال في القرآن برأيه بغير علم، و أورد عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه إحجامه عن تفسير كلام اللّه برأيه، ثم ذكر اختلاف العلماء في المراد من النهي عن القول في القرآن بالرأي، فذكر أن النهي وارد في حق من يتأول القرآن على مراد نفسه، و ما هو تابع لهواه، بعلم، كاحتجاج الباطنية و الخوارج ببعض الآيات على تصحيح بدعتهم و هم يعلمون أن المراد غير ذلك أو بغير علم، كتفسير الآية بغير ما تحتمله من الوجوه. و هما قسمان مذمومان داخلان في النهي، و الوعيد الوارد هو في حقهما.

أما التأويل على المعنى الذي ورد في دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لابن عباس- رضي اللّه عنهما-: «اللّهم فقّهه في الدين و علمه التأويل»، فجائز.

بعد هذا انتقل المصنف إلى الحديث عن الشطر الآخر من عنوان الفصل و هو تعهد القرآن و عدم نسيانه، فأورد الآثار الواردة في الحث على تعهد كتاب اللّه و كثرة تلاوته و تكراره خشية نسيانه و تفلته، و فسر الألفاظ الغامضة، و شرح الغريب و بيّن الدلالة.

و ختم الفصل بذكر بعض الآثار الواردة في موضوعات أخرى تتعلق بالقرآن الكريم ورد النهي عنها كما ورد النهي عن موضوعات الباب،

ص: 501

فأشار إلى عدم جواز السفر بالقرآن إلى ديار الكفر مخافة أن ينال بسوء، و النهي عن قراءة القرآن للكسب و كذا الجهر به.

الفصل الثالث: في جمع القرآن، و ترتيب النزول، و في كونه نزل على سبعة أحرف:

كما يظهر لنا من العنوان فقد أدرج الخازن تحت هذا الفصل ثلاثة موضوعات في غاية من الأهمية، أطال الحديث عنها نسبيا، و إن كانت تحتاج منه إلى وقفات أطول و أعمق عند تلك النصوص المشكلة، و تحليل أدق للآثار الواردة التي كثرت الأقوال في جلّها و تباينت الاتجاهات بل بقيت إلى يومنا هذا لم نجد لأهل العلم اتفاقا أو شبه اتفاق بخصوصها، و كلها تحتاج إلى القول الفصل.

بدأ المصنف بجمع القرآن فأورد الصحيح الثابت عن زيد بن ثابت رضي اللّه عنه في تكليف خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بجمع القرآن من الرقاق و العسب و اللخاف و صدور الرجال، و الصحيح الثابت عن أنس رضي اللّه عنه في حث حذيفة بن اليمان عثمان بن عفان رضي اللّه عنه على جمع الناس على مصحف واحد خشية الاختلاف في الكتاب، و بذلك أثبت المصنف ما يقرر الجمع و يجوزه.

بعدها شرع رحمه اللّه في شرح الغريب من ألفاظ الحديث، و ما يتعلق به من بيان المعاني، ليبين عقب ذلك أن القرآن كان على هذا التأليف و على هذا الجمع زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و أنه لم يترك أمرا جمعه حينذاك إلا لأمر هام هو خشية الاختلاف و الاختلاط عند نسخ شي ء من التلاوة، فإذا انقضى زمن

ص: 502

النسخ بدأ الجمع حيث وفق اللّه الخلفاء لذلك.

ثم إن سعي الصحابة كان لجمعه في موضع واحد لا لترتيبه، فالترتيب موقوف على رسول اللّه- صلى اللّه عليه و سلم- بتوقيف من جبريل عليه السلام عن رب العزة و الجلال

و تعرض لذكر نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة، ثم إنزاله مفرقا على الرسول- صلى اللّه عليه و سلم- مدة الرسالة عند الحاجة، كما ذكر أن ترتيب النزول غير ترتيب المصحف و التلاوة.

و لكون ترتيب التلاوة بين أيدينا اقتصر رحمه اللّه على ذكر السور مرتبة حسب ترتيب النزول، المكي منها و المدني، مع الإشارة إلى ما اختلف فيه، هل هو مكي أم مدني، و أحال القارئ إلى تفصيل ذلك في مواضعها من الكتاب.

و هكذا أتم الخازن الحديث عن موضوعين من الموضوعات الثلاثة التي عنون لها الفصل.

و لأهمية الموضوع الثالث و هو الذي أشرت إلى اختلاف العلماء فيه إلى حد كبير، موضوع الأحرف السبعة و نزول القرآن على سبعة أوجه، حيث وصلت الأقوال فيه إلى أكثر من خمسة و ثلاثين قولا، فقد خص المصنف هذا الموضوع بحديث مستقل فقال:

فصل في كون القرآن نزل على سبعة أحرف و ما قيل في ذلك. و بدأ

ص: 503

الحديث بذكر ما اتفق عليه الشيخان من قصة عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- مع هشام بن حكيم، و اختلافهما في قراءة سورة الفرقان، و ما ترتب على ذلك من الاحتكام إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و إقراره لقراءتهما.

و بعد أن شرح الألفاظ الغامضة من متن الرواية بين ما دلت عليه الواقعة من حرص الصحابة على حفظ كتاب اللّه، و الاعتناء به، و الذب عنه، و ذكر اختلاف العلماء في الأحرف، و هل هي للحصر أم للتوسعة و التسهيل؟ و ارتضى الرأي الأول و رجحه ثم بين أن الاختلاف واقع أيضا في تحديد الأوجه السبعة، و ذكر الأوجه منها في رأيه و هو سبع قراءات، دون أن يبين للقارئ أدلة معتبرة تؤيد ترجيحه، و قد كان ينبغي له بيان ذلك، خاصة إذا علمنا أن ما رجحه هو رأي مرجوح عند كثير من أهل العلم، حتى نقل عن بعضهم قوله: (هو جهل قبيح) (1). فكان ينبغي على من تبنى مثل هذا الرأي أن يقدم أدلة معتبرة يعضد بها رأيه، و يرد على المخالفين و يفند حججهم. كما كان عليه أن يرد الأقوال الأخرى التي يراها الآخرون راجحة بأدلة دامغة، و بذلك يكون قد انتصر لاختياره، و هو ما لم يفعله عفا اللّه عنه، خلا ردود ضعيفة لا ترقى إلى مستوى أدلة المخالفين، ناهيك عن إبطالها.

و قبل أن يختم الفصل ذكر المزيد من الأدلة على نزول القرآن على

ص: 504


1- نقل السيوطي في الإتقان عن الشرف المزني قوله: ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبعة، و هو جهل قبيح، الإتقان للسيوطي: 1/ 51.

سبعة أحرف، و كعادته شرح الغريب، ثم أوضح معنى الحد و المطلع، و الظاهر و الباطن الواردة في بعض الآثار، و كان الختام بيان معنى التفسير و التأويل، و هو الموضوع الذي درج عليه أغلب المفسرين إذ لا تكاد تجد تفسيرا إلا و بحث هذا الموضوع. ذكر معنى التفسير في اللغة و كذا معنى التأويل، و الفرق بينهما ليقرر أن التفسير هو ما توقف على النقل المسموع، و التأويل ما توقف على الفهم الصحيح (1). و اللّه أعلم.

رابعا: منهج الخازن في مقدمته:

عرض الخازن في مقدمته منهجه و طريقته في تفسيره بعبارة سهلة موجزة، كفى القارئ مؤنة البحث، و حدد معالم منهجه حين ذكر أنه لم يجعل لنفسه تصرفا في الإضافة إلى الأصل- و هو كتاب البغوي- سوى النقل و الانتخاب، مجتنبا حد التطويل و الإسهاب، مجتهدا في تصحيح الآثار التي أخرجها من الكتب المعتبرة، مع حذف الأسانيد خشية الإطالة، و استبدال شرح غريب الحديث بها، بعبارة بليغة موجزة ... مع الترتيب و التسهيل و التقريب.

هذا بالنسبة إلى تفسيره، و لكون المقدمة من التفسير لا شك أن المنهج فيها تبع للأصل، و أول ما يبدو لنا من منهجه في المقدمة، الفصول الثلاثة التي قدمها بين يدي تفسيره، و هي موضوعات تطرق البغوي إلى أصولها،

ص: 505


1- حول التفسير و التأويل يراجع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 5/ 35.

و تحدث عنها حديثا عابرا، غير أن الخازن وضع الرحل عندها، فأجاد في العرض كما أجاد في السبر و التقسيم، و إن كان من حق هذه الموضوعات أن تفصل أكثر من تفصيله.

فما فصله البغوي أدمجه الخازن و ضم بعضه إلى بعض، و رآه موضوعا واحدا، حيث أفرد البغوي فضائل القرآن و تعليمه بفصل مستقل، و فضائل تلاوة قراءة القرآن، بفصل آخر. رآهما الخازن موضوعا واحدا عرضهما و عنون لهما ب (فضل القرآن و تلاوته و تعليمه).

و ما أدمجه البغوي من الموضوعات رأى الخازن أن من حقها أن تفصل، ففصل بينها، و أفرد كل موضوع بعنوان مستقل، فقد ذكر البغوي فصلا (في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم)، و أدرج تحت هذه التسمية معى التفسير و التأويل، و موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف، و موضوع الحد و المطلع، و موضوع الظهر و البطن، إضافة إلى ما دل عليه عنوان الفصل، و هو الوعيد الوارد في حق من يقول في القرآن برأيه.

لم يفصل البغوي القول في تلك الموضوعات، بل عرج عليها مرورا و لم يقف عندها وقفة تأمل، و كان من حقها هي الأخرى أن تفصّل، و هو ما عمد الخازن- رحمه اللّه- الى عمله، فأضاف ما رآه مناسبا للمقام متوخيا الاختصار و الدقة، فذكر فصلان:

الأول: في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم، و وعيد من أوفى القرآن فنسيه و لم يتعاهده.

ص: 506

الثاني: في جمع القرآن و ترتيب النزول و في كونه نزل على سبعة أحرف:

و مع اعترافنا أن الخازن قد جمع في هذين الفصلين بين موضوعات كان من حقها الفصل و عرضها منفصلا، إلا أنه كان أكثر توفيقا من البغوي، و أجود عرضا، و أكثر عمقا، و أفضل ترتيبا، لقد أضاف رحمه اللّه إضافات كان من حقها الإضافة لأهميتها، كالحديث عن جمع القرآن و ترتيب النزول.

و هكذا يلاحظ القارئ أن الخازن رحمه اللّه رأى أنه لا بد من إدخال عناصر جديدة لمقدمة سلفه ليكتمل العقد الذي أراده، فأدخل جملة من الفوائد التي لا يعدم الفطن الوقوف عليها، و على خدمتها للنص و الموضوع.

و طريقة الخازن في الفصول الثلاثة من المقدمة مطردة لم تختل، يبدأ بذكر جملة من الآثار الواردة في موضوع الباب رامزا إلى مخرج كل رواية في أوله، و قليلا ما يؤخره فيصرح به عند الانتهاء من ذكرها (1)، ثم الصحابي الذي رواه، متبعا ذلك ذكر زيادات في روايات أخرى تخدم الفكرة التي هو بصدد بيانها (2)، و التزاما منه بمنهجه الذي تعهده، فإنه لا يتوانى عن شرح

ص: 507


1- ينظر مثال تأخير مخرج الرواية: 1/ 6.
2- مثاله الفصل الثالث من المقدمة: 1/ 8- و الفصل الأول: 1/ 4.

غريب الحديث و الألفاظ المبهمة و الغامضة مع بيان معانيها و دلالتها في الغالب، يقول بعد ذكر الرواية: (قوله). ثم يذكر الكلمة أو الجملة التي يريد بيانها و توضيحها (1) و قليلا ما يصرح فيقول: شرح غريب ألفاظ الحديث و ما يتعلق به (2).

فإن كان بين العلماء خلاف في دلالة لفظة أو توجيه شي ء من متن الأثر، فإن الخازن- رحمه اللّه- يذكر الخلاف، و يبين موقفه منه (3). كما أنه ينقل حكم الأئمة على بعض الروايات مع التعقيب على سندها إن كان في أحد رجالها مقال (4).

بقي أن أشير الى أن المصنف- رحمه اللّه- يقدم لقارئه عند إيراد الأحاديث و الآثار ما تسمح به قريحته من الفوائد التي يستنبطها من تلك الآثار المستشهد بها (5).

كما أنه يذكر مصدره الذي استقى منه المعلومة (6)، و قد يكتفي بقوله:

ص: 508


1- ينظر في ذلك أغلب أبواب المقدمة.
2- ينظر المقدمة: 1/ 8.
3- ينظر مثاله، المقدمة: 1/ 12 و ما بعده.
4- ينظر مثاله المقدمة: 1/ 5- 6.
5- ينظر مثاله المقدمة: 1/ 12.
6- ينظر مثاله المقدمة: 1/ 12.

قال العلماء (1).

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته:

سبق القول بأن الخازن قد وضع أسس منهجه، و ما ألزم به نفسه في مقدمته، و يتخلص ذلك في النقاط التالية:

1) أنه حوى خلاصة منقول البغوي و نكته و أصوله. و هو أمر التزمه المصنف، فهو يورد ما للبغوي ثم إن رأى أن يضيف شيئا أضاف، و لم أقف على آية و للبغوي فيه كلام إلا و قد نقله الخازن سواء بنصه أو بمعناه (2).

2) إضافة فوائد و فرائد نقلها الخازن و لخصها من كتب أخرى. و التزم ذلك المصنف كثيرا (3).

3) اجتناب التطويل و الإسهاب و هذا الأمر لم يلتزمه الخازن، فهو و إن حاول الاختصار في الغالب (4)، إلا أنه وقع في الإطالة، و أسهب في القول في مواضع عديدة (5).

ص: 509


1- ينظر مثاله المقدمة: 1/ 6- 12.
2- انظر أمثلة ذلك: 1/ 245- 324- 380 و غير ذلك من المواضع الكثيرة في تفسيره.
3- انظر أمثلة ذلك: 1/ 284- 485- 622.
4- انظر أمثلة الاختصار: 1/ 195- 367- 353- 392.
5- انظر أمثلة ذلك: 1/ 395- 398- 402- 403- 589.

4) حذف أسانيد الأحاديث و الآثار التي استشهد بها البغوي و عزوها إلى مخرجيها، و بيان اسم ناقلها، و التعويض عن حذف الأسانيد بشرح غريب الحديث. و قد التزم المصنف هذه الشروط، فحذف الأسانيد و اكتفى بذكر الراوي و الإشارة إلى من خرج الرواية (1)، كما شرح الغريب (2).

5) حسن الترتيب، مع التسهيل و التقريب. و هذا الأمر أيضا ملاحظ في تفسير الخازن، فترتيبه أفضل من ترتيب البغوي في كثير من المواطن (3).

سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته:

اشارة

المصادر التي صرح الخازن بها في مقدمته، و عزا ما نقله إليها هي مصادره في السنة و الأثر، و هي تلك المصادر التي ذكر بعضا منها في تقديمه حين عرض منهجه، عدا ذلك من المصادر لم يذكرها المصنف في المقدمة اللّهم باستثناء مصدر لغوي واحد هو الخصائص لابن جني (4).

و الذي يستعرض المقدمة يجد أن المصنف لم يترك أثرا أورده إلا و عزاه

ص: 510


1- انظر أمثلة ذلك: 1/ 173- 266- 291- 338- 485- 525.
2- انظر أمثلة ذلك: 1/ 229- 522.
3- انظر أمثلة ذلك: 1/ 479- 533- 539- 567.
4- ينظر مثاله في المقدمة: 1/ 9.

إلى مخرجه، معللا ذلك بقوله: ليهون على الطالب طلبه (1).

هذا بالنسبة للروايات أما النقول الأخرى كشرح غريب الحديث، و بيان المعاني و الاختلافات في توجيه بعض الروايات فإن المصنف قلما يذكر مصدره.

و من أهم مصادر الخازن في مقدمته:

1) صحيحا البخاري و مسلم، ينقل عنهما مفردا كما يجمعهما رامزا لهما ب (ق) رمز الاتفاق على رواية الأثر، و هو كثير (2).

2) سنن الترمذي، و قد أكثر المصنف النقل عنه (3) كما اعتمد حكمه على الروايات، و قد يقرن الترمذي بأبي داود (4).

3) سنن أبي داود (5).

و من مصادره البغوي فيما يرويه بسنده (6)، و ابن عبد البر (7)، و أبي عبيد (8)، و القاضي

ص: 511


1- ينظر المقدمة: 1/ 3.
2- ينظر أمثلته في المقدمة: 1/ 4- 5- 6- 7- 8- 9- 11- 13.
3- ينظر أمثلته في المقدمة: 1/ 4- 5- 7.
4- ينظر أمثلته في المقدمة: 1/ 6- 7.
5- ينظر أمثلته في المقدمة: 1/ 6- 7.
6- انظر المقدمة: 1/ 13.
7- انظر المقدمة: 1/ 9.
8- انظر المقدمة: 1/ 1- 12.

عياض (1).

سابعا: أهم مزايا مقدمة الخازن:

1- التزام المصنف بالمنهج الذي ذكره إلى درجة كبيرة.

2- حسن السبر و التقسيم للأنواع، و المسائل التي تعرض لها.

3- عزو الآثار إلى مخرجيها، و بيان حكم الأئمة عليها.

4- الاختصار في ذكر الأدلة، و الاقتصار على الصحيح الثابت منها في الغالب.

5- التفصيل في المسائل التي أجملها البغوي و هي مهمة كالأحرف السبعة.

ثامنا: أظهر المآخذ:

1- إدراج المصنف بعض الموضوعات في الفصل الثاني، و العنوان لا يشمله، كحديثه عن الكسب بالقرآن أو السفر به إلى بلاد الكفر.

2- رغم أن المصنف قد فصل في بعض الموضوعات إلا أنها جاءت

ص: 512


1- لعله من كتابه: الإكمال بشرح مسلم، فالمصنف نقل قول القاضي في بيان معنى حديث رواه مسلم «ضرب في صدري ففضت عرقا» انظر المقدمة: 1/ 13.

دون تحقيق المراد، كالأحرف السبعة، لقد كان من حق هذا الموضوع المشكل أن يعالج معالجة موضوعية جادة، ما دام المصنف لم يرتض حديث سلفه و رأى أنه قد قصر في هذا الجانب، فكان المأمول منه الإلمام و الشمول في المعالجة، و هو ما لم نجده.

3- عدم ذكر كثير من الموضوعات الهامة و التي تذكر عادة في المقدمات كتلك التي تخدم المفسر و القارئ.

هذا ما عرفته عن مقدمة الخازن و دونته، أرجو اللّه أن أكون مصيبا في القول، و أسأله المغفرة من الخطأ.

ص: 513

ص: 514

المحتويات

ص: 515

ص: 516

المقدمة 5

أهمية مقدمات التفاسير 16

التمهيد: 19

أ- تعريف المقدمة: 19

ب- نشأة مقدمات التفاسير 22

الباب الأول علوم القرآن دراسة تاريخية 25

الفصل الأول تعريف عام بعلوم القرآن و نشأته 26

المبحث الأول: علوم القرآن بالمعنى اللغوي 27

المبحث الثاني: علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي 43

دخول علم التفسير في الاصطلاح 49

الفرق بين علوم القرآن و أصول التفسير 52

المبحث الثالث نشأة علوم القرآن 56

تقديم 56

أ- الكتابة في الجزيرة العربية قبل البعثة 57

ب- الكتابة في الإسلام 61

ج- ما الذي كتبه الصحابة 77

1) الوحي 77

2) حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم 78

3) تفسير القرآن الكريم و ما يتعلق به: 89

4) الرسائل و العقود و الوثائق: 90

الكتابة و التدوين و التصنيف: 111

ظهور مصطلح علوم القرآن: 116

الفرق بين استعمال المتقدمين و استعمال المتأخرين: 127

ص: 517

أول من صنف في علوم القرآن: 132

أولا: أولى المصنفات الموضوعية: 132

1- الناسخ و المنسوخ: 133

2- المصاحف و القراءات القرآنية و عد الآي: 135

3- إعراب القرآن: 139

4- غريب القرآن: 140

5- مجاز القرآن: 142

6- نزول القرآن: 143

7- معاني القرآن: 143

8- المحكم و المتشابه: 144

ثانيا: أولى التفاسير التي لها مقدمات: 144

ثالثا: أولى الموسوعات في علوم القرآن: 146

الفصل الثاني: التأليف في علوم القرآن 165

تمهيد 167

المرحلة الأولى: من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري: 168

أولا: المصنفات الموضوعية: 170

أ- علم التفسير: 170

ب- علم معاني القرآن: 173

ج- علم إعراب القرآن: 175

د- علم غريب القرآن: 177

ه- علم الناسخ و المنسوخ: 180

و- علم المحكم و المتشابه: 187

ص: 518

ز- علم فضائل القرآن و القراءات القرآنية و عد الآي: 188

ثانيا: المؤلفات الموسوعية: 196

ثالثا: مقدمات التفاسير: 196

المرحلة الثانية: من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر: 197 علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 519 المحتويات ..... ص : 515

لا: المؤلفات الموسوعية: 199

ثانيا: مقدمات التفاسير: 203

ثالثا: المؤلفات الموضوعية: 205

أ- أسباب النزول: 205

ب- إعجاز القرآن: 206

ج- إعراب القرآن: 209

د- أمثال القرآن: 213

ه- غريب القرآن: 214

و- القراءات القرآنية: 215

ز- مبهمات القرآن: 217

ح- المحكم و المتشابه: 218

ط- مناسبات القرآن: 222

ي- الناسخ و المنسوخ: 223

ك- الوجوه و الأشباه و النظائر: 228

المرحلة الثالثة: من بداية القرن العاشر إلى العصر الحديث: 230

أولا: المؤلفات الموسوعية 237

ثانيا: المؤلفات الموضوعية 241

الباب الثاني: مقدمات التفاسير 255

ص: 519

1- تفسير القرآن العزيز لعبد الرزاق الصنعاني 257

أولا: التعريف بالمؤلف 252

شيوخه و تلاميذه 253

مؤلفاته 254

وفاته 255

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة 255

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة 258

رابعا: منهج عبد الرزاق في مقدمته 259

2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري 265

أولا: التعريف بالمؤلف 260

تهمة و تحقيق 264

شيوخه و تلامذته 266

مصنفاته 267

وفاته 269

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة 271

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة 277

1- القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، و معاني منطق من نزل بلسانه القرآن من وجه البيان 278

2- القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب و ألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم 279

3- القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب 280

ص: 520

4- معنى قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم أنزل القرآن من «سبعة أبواب الجنة و ذكر الأخبار الواردة في ذلك 283

5- القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن 285

6- ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي 286

7- ذكر الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن و من كان يفسره من الصحابة 286

8- ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكر و القول في القرآن 288

9- ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير، و من كان منهم مذموما علمه به: 288

10- القول في تأويل أسماء القرآن و سوره و آية: 290

رابعا: منهج ابن جرير في مقدمته: 290

خامسا: مصادر المؤلف: 295

سادسا: أهم مزايا مقدمة ابن جرير: 295

سابعا: أظهر المآخذ على المقدمة: 296

3- تفسير القرآن العظيم لأبي الليث السمرقندي 297

أولا: التعريف بالمؤلف: 297

وفاته: 301

شيوخه و تلاميذه 303

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 301

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 305

4- النكت و العيون في تأويل القرآن الكريم لابن حبيب المارودي 307

ص: 521

أولا: التعريف بالمؤلف: 307

شيوخه و تلاميذه: 311

مؤلفاته: 313

وفاته: 313

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 314

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 319

رابعا: منهج الماوردي في مقدمته: 325

خامسا: مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 327

سادسا: مصادر الماوردي في مقدمته: 328

سابعا: أهم مزايا مقدمة الماوردي: 329

ثامنا: أهم المآخذ على المقدمة: 330

5- الوسيط في تفسير القرآن المجيد لأبي الحسن الواحدي 331

أولا: التعريف بالمؤلف: 331

شيوخه 331

تلاميذه 331

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 336

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 337

رابعا: منهج الواحدي في تفسيره: 339

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 339

سادسا: مصادره: 339

سابعا: أهم الميزات و أظهر المآخذ: 340

6- معالم التنزيل لأبي محمد البغوي 341

ص: 522

أولا: التعريف بالمؤلف: 341

عقيدته: 343

شيوخه و تلاميذه: 345

مؤلفاته: 346

وفاته: 347

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 348

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 353

الفصل الأول: فصل في فضائل القرآن و تعليمه: 354

الفصل الثاني: فصل في فضائل تلاوة القرآن: 354

الفصل الثالث: فصل في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم: 355

رابعا: منهج البغوي في مقدمته: 355

خامسا: بيان مدى التزام البغوي في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 356

سادسا: مصادر البغوي في مقدمته: 3583

سابعا: مزايا المقدمة و المآخذ عليها: 358

7- المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز لابن عطية الأندلسي 360

أولا: التعريف بالمؤلف: 360

مكانته العلمية: 363

شيوخه و تلاميذه: 365

مؤلفاته: 367

وفاته: 368

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 369

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 377

ص: 523

الباب الأول: ما ورد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة و نبهاء العلماء رضي اللّه عنهم في فضل القرآن المجيد و صورة الاعتصام به 378

الباب الثاني: في فضل تفسير القرآن، و الكلام على لغته، و النظر في إعرابه و دقائق معانيه 378

الباب الثالث: ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، و الجرأة عليه، و مراتب المفسرين 378

الباب الرابع: معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه» 380

الباب الخامس: ذكر جمع القرآن، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره 382

الباب السادس: في ذكر الألفاظ التي في كتاب اللّه و للغات العجم بها تعلق 383

الباب السابع: نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن 384

الباب الثامن: في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب اللّه تعالى 386

الباب التاسع: في تفسير أسماء القرآن، و ذكر السورة و الآية 386

رابعا: منهج ابن عطية في مقدمته: 387

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 389

سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته: 390

سابعا: أهم مزايا المقدمة: 485

ثامنا: أظهر المآخذ على المقدمة: 386

8- زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 387

أولا: التعريف بالمؤلف: 387

ص: 524

شيوخه و تلامذته: 266

مؤلفاته: 313

وفاته: 313

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 314

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 319

رابعا: منهج ابن الجوزي في مقدمته: 404

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 404

سادسا: مصادره في المقدمة: 405

سابعا: أهم المميزات و أظهر المآخذ: 406

9- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 408

أولا: التعريف بالمؤلف: 408

شيوخه و تلاميذه: 409

تصانيفه و مؤلفاته: 412

و من مؤلفاته: 412

وفاته: 413

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 414

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 418

باب: ذكر جمل من فضائل القرآن، و الترغيب فيه، و فضل طالبه، و قارئه و مستمعه و العامل به: 418

باب: كيفية التلاوة لكتاب اللّه تعالى، و ما يكره منها و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك: 419

باب: تحذير أهل القرآن من الرياء و غيره: 423

ص: 525

باب: ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به، و لا يغفل عنه: 424

باب: ما جاء في إعراب القرآن و تعليمه و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا: 425

باب: ما جاء في فضل تفسير القرآن و أهله: 426

باب: ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه: 426

باب: ما يلزم قارئ القرآن و حامله من تعظيم القرآن و حرمته: 427

باب: ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي، و الجرأة على ذلك، و مراتب المفسرين: 428

باب: تبين الكتاب بالسنة، و ما جاء فيه: 430

باب: بيان كيفية التعلم و الفقه لكتاب اللّه تعالى و سنة نبيه صلى اللّه عليه و سلم و ما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه: 432

باب: معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه»: 432

باب: ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف و إحراقه ما سواها، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة رضي اللّه عنهم في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم: 434

باب: ما جاء في ترتيب سور القرآن، و آياته، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره، و عدد حروفه، و أجزائه، و كلماته، و آية: 437

باب: ذكر معنى السورة، و الآية، و الكلمة، و الحرف: 438

باب: هل ورد في القرآن كلمة خارجة عن لغات العرب أو لا؟ 438

باب: ذكر نكت من إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة و حقيقتها: 439

ص: 526

باب: التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن و غيره: 441

باب: ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة و النقصان: 442

رابعا: منهج القرطبي في مقدمته: 445

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 450

سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته: 452

سابعا: أهم مزايا مقدمة القرطبي: 456

ثامنا: أظهر المآخذ: 486

10- تسهيل السبيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي 465

أولا: التعريف بالمؤلف: 488

مكانته العلمية: 363

شيوخه و تلامذته: 396

مؤلفاته: 398

و من مؤلفات المصنف: 463

وفاته: 464

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 465

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 469

المقدمة الأولى: 470

الباب الأول: نزول القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: 470

الباب الثاني: في السورة المكية و المدنية: 471

الباب الثالث: في المعاني و العلوم التي تضمنت القرآن: 472

الباب الرابع: في فنون العلم التي تتعلق بالقرآن: 473

ص: 527

الباب الخامس: في أسباب الخلاف بين المفسرين، و الوجوه التي يرجح بها أقوالهم 486

الباب السادس: في ذكر المفسرين 476

الباب السابع: في الناسخ و المنسوخ: 477

الباب الثامن: في جوامع القراءة: 477

الباب التاسع: في الوقف: 477

الباب العاشر: في الفصاحة و البلاغة و أدوات البيان: 478

الباب الحادي عشر: في إعجاز القرآن و إقامة الدليل على أنه من عند اللّه عز و جل: 487

الباب الثاني عشر: في فضل القرآن: 488

المقدمة الثانية: في تفسير معاني اللغات 488

رابعا: منهج ابن جزي في مقدمته: 489

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 490

سادسا: مصادر المصنف في مقدمته: 484

سابعا: أهم مزايا المقدمة: 485

ثامنا: أظهر المآخذ: 486

11- لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 488

أولا: التعريف بالمؤلف: 488

شيوخه و تلاميذه: 489

مؤلفاته: 491

وفاته: 492

ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 492

ص: 528

ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 499

الفصل الأول: في فضل القرآن و تلاوته و تعليمه: 500

الفصل الثاني: في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم، و وعيد من أوفى القرآن فنسيه و لم يتعاهده: 500

الفصل الثالث: في جمع القرآن، و ترتيب النزول، و في كونه نزل على سبعة أحرف: 502

رابعا: منهج الخازن في مقدمته: 505

خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 509

سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته: 510

سابعا: أهم مزايا مقدمة الخازن: 512

ثامنا: أظهر المآخذ: 512

ص: 529

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.