الفوائد العلیة - القواعد الکلیة المجلد2

اشارة

موضوع: موضوعات مختلف نویسنده: بهبهانی، سید علی تاریخ وفات مؤلف: 1395 ه ق زبان: عربی قطع: وزیری تعداد جلد: 2 ناشر: کتابخانه دار العلم تاریخ نشر: 1405 ه ق نوبت چاپ: دوم مکان چاپ: اهواز- ایران‌

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ
الحمد لله رب العالمین، و الصلاة و السلام علی خیر البریة أجمعین: محمد و آله الطاهرین، و اللعنة الدائمة علی أعدائهم من الأولین و الآخرین.
أما بعد فهذا هو الجزء الثانی من الفوائد العلیة.

(فائدة 41) فی عقد القراض و المضاربة

اشارة

و ینبغی التکلم فیها فی مقامات: الأول: فی تحقیق حقیقته و یلحق به بیان مفهومی اللفظین و وجه انطباقهما علی حقیقته و ماهیته.
و الثانی: فی أنه هل هو من العقود الصحیحة عرفا و شرعا أم لا.
و الثالث: فی أنه علی فرض صحته جائز أم لازم و بیان شطر من أحکامه.

أما الأول [فی تحقیق حقیقته]

فهو علی ما عرف:" أن یدفع مال لیعمل فیه بحصة معینة من ربحه" و هل یکون ذلک علی وجه المعاوضة أو علی وجه آخر یوجب الشرکة فی الربح وجهان أوجههما بل الوجیه منهما هو الثانی و إن کان ظاهر التعریف و جملة من
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 282
کلماتهم هو الأول إذ المعاوضة لا تتم فی المقام من وجوه ثلاثة:
الأول: أن الربح معدوم عند العقد و حصوله بعد العمل غیر معلوم فلا یملکه رب المال حال العقد حتی یملک العامل حصة منه عوضا عن عمله.
فإن قلت: نعم تملیک الشی‌ء فرع دخوله فیملک المملک و وقوعه تحت سلطنته و هو فرع وجوده فی الخارج إذا تعلق الملک به أصالة و أما إذا کان تعلقه به تبعا فیکفی فی تحققه کون أصله الموجود فی الخارج ملکا له و لذا یصح تملیک سکنی الدار و رکوب الدابة و لبس الثوب و هکذا من المنافع المعدومة فی مدة معلومة بعوض معلوم بعقد الإجارة و الصلح و هکذا یصح تملیک حصة من الربح المعدوم باعتبار أنه ملک لرب المال تبعا لرأس ماله.
قلت: أولا أن مرجع تملیک المنفعة إلی تملیک العین فی جهة المنفعة لا إلی تملیک نفس المنفعة فإن ملک الشی‌ء له مراتب و درجات.
أولها: و أقواها الملک المطلق المقتضی لنفوذ جمیع التصرفات ما لم یمنع عنه مانع و هو المعبر عنه بملک العین و الرقبة.
و ثانیتها: الملک المقید بجهة من جهات العین من دون تقید بشخص خاص ذاتا و هو المعبر عنه بملک المنفعة المقتضی لنفوذ التصرفات الراجعة إلی الجهة المذکورة نقلا و انتقالا ما لم یمنع عنه مانع.
و ثالثتها: الملک المقید بالشخص ذاتا فی جهة المنفعة و هو المعبر عنه بملک الانتفاع و هو أضعف المراتب فالملک متعلق بالعین فی جمیع المراتب غایة الأمر أنه تختلف مراتبه إطلاقا و تقییدا و شدة و ضعفا لا أنه یختلف متعلق الملک و التعبیر بملک المنفعة و الانتفاع تنبیه علی ضعف مرتبة الملک و عدم إطلاقه کما أن التعبیر یملک العین و الرقبة تنبیه علی إطلاقه و عدم تقییده.
و ثانیا لو سلم جواز تعلق الملک بالمنفعة المعدومة تبعا لملک الأصل فهو مقصور علی المنافع التی هی إعراض غیر مستقلة فی الوجود و تکون من شئون وجود
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 283
الأصل، و أما العین المتجددة من عین أخری فلا یتطرق فیه ذلک لاستقلال کل منهما فی الوجود الخارجی و ربح المال عین متجددة من رأس المال لا منفعة له.
فإن قلت: قد یجوز ذلک فی عین متجددة من عین أخری فإنه قد روی جواز بیع ثمرة النخل قبل ظهورها عامین فصاعدا.
قلت: قد علل ذلک فی الروایة بتیقن ظهورها حینئذ فهی منزلة منزلة الثمرة الظاهرة فی هذه الصورة و لا یکون حصول الربح متیقنا بالعمل فی رأس المال الموجود حتی یقال إنه منزل حینئذ منزلة الموجود.
فإن قلت: یمکن أن یقال العوض عن العمل هو صحة من الربح فی ذمة رب المال فالعوض هو ما فی الذمة فی الحقیقة و لکن مقیدا بوفائه من ربحه المعاملة فلا ینافی تحقق المعاوضة حینئذ مع عدم وجود العوض فی الخارج، ضرورة جواز صیرورة الکلی حینئذ طرفا للمعاوضة قلت: أولا أنه لا یصح أن یلتزم الشخص إلا بما یکون حصوله معلوما أو موثوقا به و لذا لا یصح الاستیجار علی اصطیاد صید بعینه لعدم الوثوق بحصوله، و حصول الربح بالعمل لا یکون معلوما و لا موثوقا به. و ثانیا أنه لو کان مرجع القراض إلی اشتغال ذمة رب المال بما یطابق حصة من الربح مقیدا بوفائه منه لزم أن یختص الربح برب المال و أن یکون تعلق حق العمل بحصة منه من قبیل تعلق الحق بالکلی الخارجی فیلزم حینئذ أن یحتسب التالف من الربح علی رب المال فلو حصل ربح و کان حصة العامل منه النصف مثلا فتلف نصف منه فی ید العامل من غیر تعد و لا تفریط لزم أن یحتسب التالف علی رب المال و یختص النصف الباقی بالعامل کما هو مقتضی تعلق حقه بالکلی الخارجی، و اللازم باطل بالضرورة فکذا الملزوم و ثالثا أنه یلزم حینئذ أن یختص ربح الربح برب المال و لا یشترک فیه العامل فلو غصب غاصب ربح مال القراض و عمل فیه فحصل منه ربح یلزم حینئذ أن یکون
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 284
الربح لرب المال إذا أمضی معاملات الغاصب و أن لا یکون للعامل المضارب فیه نصیب لعدم مشارکته فی أصل الربح حینئذ حتی یصیر شریکا فی ربحه، و بطلان اللازم واضح.
و الثانی أن الربح علی فرض حصوله مجهول القدر و کذا کسره فلا تصح المعاوضة علیه للغرر سواء جعل طرفا للمعاوضة ابتداء أم جعل قیدا لما فی الذمة و الثالث أنه لو کان کذلک لزم ثبوت أجرة المثل فی ذمة رب المال للعامل مع فرض عدم حصول ربح فی الخارج إذ مع عدم حصوله فی الخارج تفسد المعاوضة لعدم ثبوت العوض، و کل عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده فإذا لم یسلم للعامل العوض الذی سمی له یثبت له أجرة مثل عمله من دون تفاوت بین أن یجعل عوض عمله حصة من الربح الخارجی أو ما فی الذمة مقیدا بوفائه منه، و الملازمة واضحة و بطلان اللازم أوضح.
فالتحقیق أن رجوع حصة من الربح إلی العامل و مشارکته مع رب المال فی الربح باعتبار تنزیل العمل منزلة المال فرجوعه إلی العامل حینئذ باعتبار أنه فائدة عمله و نماؤه لا عوضه و أجره.
توضیح ذلک أن الربح حاصل من العمل و المال معا و لکل منهما دخل فیه کما هو ظاهر غایة الأمر أنه یختلف دخلهما فیه و یکون دخل المال فیه أقوی من دخل العمل فإن منزلة المال من الربح منزلة المقتضی من مقتضاه و منزلة العمل منه منزلة الشرط و لذا یکون الربح تابعا لرأس المال ذاتا و ابتداء إلا أن استقلاله فی انفراده بالربح و عدم مشارکة العمل معه إنما هی علی وجه الاقتضاء لا العلیة التامة، فلا ینافی تشریک العمل معه جعلا و تنزیلا.
و الحاصل أن العمل صالح لأن یتبعه الربح و النماء جعلا و تنزیلا و إن لم یکن موجبا له أولا و ذاتا فلا یقرب منه تمام القرب حتی ذاتا و لا یبعد عنه کل البعد حتی لا یتبعه جعلا، بل هو أمر بین الأمرین و برزخ بین العالمین، فحاله حال
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 285
الظن بالنسبة إلی التنجیز و الحجیة حیث إنه لخروجه عن مرتبة التحیر المحض و التردد الصرف لم یکن کالشک حتی لا یقبل الحجیة بالجعل و لتطرق احتمال الخلاف فیه و عدم بلوغه مرتبة الرجحان التام لم یکن کالعلم حتی یکون حجة بالذات، فحقیقة المضاربة عبارة عن تنزیل العمل من الربح منزلة المال منه و تقدیره بقدر المال أو نصفه أو ثلثه و هکذا، فإن قدر مقدار رأس المال فالربح بینهما إنصافا، و إن قدر نصف المال فهو بینهما أثلاثا و إن قدر ثلث المال فهو بینهما أرباعا، و من هذا القبیل المزارعة و المساقاة فإن مرجعهما إلی تنزیل الأرض و عمل العامل منزلة البذر و الشجرة بالنسبة إلی الغلة و الثمرة فالمضاربة و المزارعة و المساقاة متحدة فی الذات و الحقیقة، و اختلاف الأسامی باعتبار اختلاف خصوصیات الموارد و کذا اختلافها فی بعض الأحکام کاعتبار تعیین المدة فیهما و لزومهما و عدم اعتباره فیها و جوازها فإن قلت: إذا لم یکن العمل فی عرض رأس المال ذاتا من حیث تبعیة الربح له فکیف یتصور جعله سببا عدیلا لرأس المال تنزیلا.
قلت: تنزیل العمل منزلة المال کسائر الجهات الوضعیة التی یعتبرها العرف و یرتب علیها الآثار قابل للجعل و أی فرق بین جعل المبادلة بین المالین بعقد البیع و علقة الأزواج بین الرجل و المرأة بعقد النکاح و تنزیل شخص منزلة آخر بالتوکیل و بین المقام، فکما ینفذ التصرفات المذکورة و یترتب علیها الآثار فکذلک تنزیل العمل منزل المال فإن مقتضی مرجعیة الشخص فی جهاته و أموره و استقلاله فیها نفوذ تصرفاته و تقلباته الراجعة إلی شئونه اقتضاء ما لم یمنعه من هو أولی به من نفسه، فبطلان تصرفه یحتاج إلی الدلیل و أما نفوذه فهو مقتضی الأصل ما لم تختل شرائطه العرفیة و کان جامعا لها.
إذا اتضح لک ما حققناه و أتقنت ما بیناه من أن مرجع القراض و المضربة إلی تنزیل العمل منزلة المال الموجب لاشتراک الربح بین العامل و رب المال اتضح لک أمران
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 286
الأول: سر عدم جواز جعل حصة من ربح مال آخر للعامل فإن دخل العمل لیس إلا فی ربح المال الذی وقع فیه العمل فلا یصلح جعل ربح مال آخر نماء للعمل فی مال القراض.
الثانی: عدم کون القراض عقدا متوقفا علی إنشاءین فإن تنزیل العمل منزلة المال و جعله دخیلا فی ربحه بحیث یوجب الشرکة فیه أمر یرجع إلی المالک و رب المال فیکفی فیه إنشاؤه و لا یتوقف علی إنشاء من المعامل، فهی نظیر الجعالة حیث ترجع إلی الجاعل و تتحقق بإنشائه و لا حاجة معه إلی إنشاء من طرف المال، نعم لعمل العامل دخل فیهما فی الجملة فإن العمل لم یتمحض فی العنوانین بإنشاء المالک و الجاعل و إنما صار العنوانان بهما من أحد وجوهه و عناوینه بعد أن لم یکونا منه، فللعامل حینئذ أن یقصد بعمله التبرع أو المضاربة و الجعالة، فاتصاف العمل بأحد الوجهین و العنوانین یتوقف علی صدوره من العامل علی أحد الوجهین و لا تأثیر لقبول العامل فی هذه الجهة لجواز وقوع العمل منه علی وجه التبرع بعد قبوله، و إن کان له تأثیر فی المقام فی جهة أخری مثل وجوب حفظ المال علیه و هکذا، فهی شبیهة بالوکالة من هذا الوجه إذ الوکالة فی العمل و صیرورة الشخص وکیلا و مرجعا فی الموکل فیه بحیث لو تصرف فیه لوقع تصرفه من قبل الموکل تحصل بمجرد إنشائه، و قبول الوکیل إنما یؤثر فی صیرورته فی وثاق العمل و علی عهدته فالمضاربة کالجعالة و الوکالة لا تکون عقدا محضا حتی تتوقف فی تحققها علی إنشاء من الطرفین و لا إیقاعا صرفا حتی لا یکون لقبول العامل و عمله دخل فیه بوجه من الوجوه، فهی أمر بین الأمرین و برزخ بین العالمین.
و هکذا الحال فی جمیع العقود الجائزة بالذات من الطرفین المسماة بالعقود الإذنیة، فإن العقد التحقیقی المتوقف حصوله علی عمل الطرفین و وصل الحبلین و شدهما کما لا یتحصل من عمل أحدهما فکذا لا ینحل منه أیضا، إذ لو أمکن له الحل لأمکن له الإثبات فإن نسبة القدرة إلی الوجود و العدم علی حد سواء، فاللزوم من لوازم حقیقة
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 287
العقد التحقیقی، فالأمور الجائزة بالذات خارجة عن سلسلة العقود التحقیقیة منتظمة فی سلسلة أخری.
فإن قلت: مقتضی تحقق القراض و الجعالة بإیجاب المالک و عدم توقفهما علی قبول العامل الحکم باستحقاق العامل الجعل فی الجعالة و حصة من الربح فی القراض و لو قصد التبرع بعمله، لأن المقتضی لاستحقاق العامل حینئذ هو إیجاب المالک و قد حصل و مانعیة قصد التبرع غیر معلومة کما أفاده المحقق جمال الدین (قدس سره) فی حاشیته علی الروضة البهیة فی باب الجعالة.
قلت: إیجاب المالک إنما یقتضی استحقاق العامل الجعل أو حصة من الربح إن عمل بقصد الاستحقاق أو ما لم یقصد التبرع لا أنه یقتضی استحقاقه مطلقا حتی نشک فی أن قصد التبرع مانع أم لا، ضرورة أنه کما تقتضی سلطنة المالک علی نفسه و جهاته نفوذ ما اختاره و أوجبه فکذلک تقتضی سلطنة العامل علی نفسه و جهاته نفوذ ما اختاره من قصد التبرع أو الاستحقاق، فکما یکون للشخص أن یبیح ماله لغیره أو یملکه إیاه بعوض أو مجانا فکذلک له أن یبذل عمله لغیر تبرعا أو بعوض أو علی وجه استحقاق حصة من الربح، فإیجاب المالک إنما یقتضی استحقاق العامل لو أراد لا استحقاقه مطلقا و لو قصد التبرع و إلا لزم سلطنة المالک علی العامل و سلب سلطنته علی نفسه و عمله.
و إذا اتضح لک أن العقود الجائزة بالذات لا تکون عقودا تحقیقیة، اتضح لک أمران: الأول: سر ما اشتهر بینهم من عدم اعتبار التواصل بین الإیجاب و القبول فیها فإن الحاصل من الإیجاب و القبول فیها لیس أمرا وحدانیا بسیطا حتی یتوقف حصوله علی اجتماعهما و عدم انفصالهما، بل الحاصل من القبول فیها أمر آخر مرتب علی الحاصل من إیجابه.
الثانی: سر قیام الفعل فیها مقام القبول بل قیامه مقامه فی الحقیقة عبارة عن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 288
استغنائها عن القبول و إلا لزم عدم نفوذ الفعل من قبل العقد إذ مقتضی کونه قبولا للعقد توقف حصوله و ترتبه علیه، فلا یجوز نفوذ الفعل من قلة ضرورة أن المحقق للشی‌ء لا یعقل أن یتحقق منه، فظهر لک أن توهم عدم الاکتفاء لعمل العامل بعد إیجاب المالک و اعتبار التواصل بین الإیجاب و القبول فی القراض و المضاربة فی غیر محله لما عرفت من أنه لیس من قبیل العقود التحقیقیة.
هذه جملة مما یتعلق ببیان حقیقتها.
فلنذکر ما یتضح به مفهوما اللفظین و وجه انطباقهما علیها.
ففی المسالک:" هی مفاعلة من الضرب فی الأرض لأن العامل یضرب فیها للسعی علی التجارة و ابتغاء الربح بطلب صاحب المال فکان الضرب مسبب عنهما طردا لباب المفاعلة فی طرفی الفاعل و من ضرب کل منهما فی الربح بسهم أو لما فیه من الضرب بالمال و تقلیبه و یقال للعامل: مضارب بکسر الراء لأنه الذی یضرب به فی الأرض و یقلبه و لم یشتق أهل اللغة لرب المال من المضارب اسما، و هذه لغة أهل العراق، و أما أهل الحجاز فیسمونه قراضا إما من القرض و هو القطع و منه المقراض لأنه یقرض به فکأن صاحب المال اقتطع له من ماله قطعة و سلمها للعامل أو اقتطع له قطعة من الربح، أو من المقارضة و هی المساواة و الموازنة یقال" تقارض الشاعران" إذا وازن کل منهما الآخر بشعره، و منه:" قارض الناس ما قارضوک فإن ترکتهم لم یترکوک" یرید ساوهم فیما یقولون، و وجهه أن المال هنا من جهة مالکه و العمل من جهة العامل فقد تساویا فی قوام العقد بهما أو لاشتراکهما فی الربح، و تساویهما فی أصل استحقاقه و إن اختلفا فی کمیته و یقال: منه للمالک مقارض بالکسر و للعامل مقارض بالفتح" انتهی.
و التحقیق: أن القرض له مفهوم واحد مطرد فی جمیع موارد استعماله و هو القطع و الفصل و تقارض الشاعرین عبارة عن قرض کل منهما الکلام مثل ما یقرضه الآخر فإن نظم الکلام و صوغه علی الوجه الموزون لیس إلا بفصل بعضه عن بعض، و لذا سمی الشعر قریضا فمفاده فی المقام لیس إلا القطع و الفصل المستفاد
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 289
منه فی سائر الموارد، و المساواة و الموازنة إنما تستفاد من هیئة التفاعل، و أما قارض الناس ما قارضوک فالمساواة فیه إما مستفادة من هیئة المفاعلة إن قلنا: بإفادتها اشتراک الفاعل و المفعول فی الفعل فی المقام کما هو الحال فی أغلب موارد استعمالاتها و إلا فمن ترکیب الکلام و هیئته الترکیبیة کما یستفاد ذلک من قولک: عاقب الناس ما عاقبوک و آخذهم ما آخذوک و هکذا، فالتعبیر بالقراض لا یکون لا بالاعتبار الأول.
و لکن الأولی فی وجه أخذه منه أن یقال: إن تنزیل العمل منزلة المال لما أوجب قطعه و قرضه عن محله الأصلی من کونه موجبا للأجرة لا الشرکة و هو مستتبع لقرض المال عن محله أیضا من تبعیة النماء کله له فکل من المالک و العامل مقارض للآخر فی المال و العمل، و لما کان الأصل فی ذلک المالک فهو مقارض و العامل مقارض، و یمکن أن یکون التعبیر بالمضاربة من هذا الباب أیضا فإن المالک لما ضرب عمل العامل منزل ماله و استتبع منه ضرب المال و تنزله منزلة غیر منزلته الأولیة فکل منهما مضارب للآخر فی المال و العمل باعتبار تعلقهما بهما، و لکن التعبیر بالمضارب بصیغة الفاعل عن العامل لا یلائمه و إنما الملائم له أخذه من الضرب فی الأرض کما ذکره (قدس سره).
إذا اتضح لک ذلک اتضح لک أن التعبیر بالقراض الذی هو لغة أهل الحجاز أو فی بحقیقته من التعبیر بالمضاربة التی هی لغة أهل العراق.

و أما المقام الثانی [فی أنه هل هو من العقود الصحیحة عرفا و شرعا أم لا]

اشارة

فقد اختلف فیه کلماتهم فالمحکی عن المفید و الشیخ فی النهایة و سلار و ابن البراج (قدس سرهم) الحکم بعدم صحتها و استحقاق العامل أجرة المثل لا الحصة لجهالة العوض، و المشهور صحتها بل قیل علیه إجماع المسلمین و التحقیق ما ذهب إلیه الأکثر من أنه صحیح لموافقتها مع الأصل و دلالة الدلیل علیها.
أما الأصل فلما عرفت من أن مرجعه إلی تنزیل العمل منزلة المال و هو أمر معقول ممکن الوقوع و لا ینافیه القواعد المعتبرة، فالأصل حینئذ صحته و انعقاده
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 290
لأن الإنسان البالغ مرتبة الکمال بالبلوغ و العقل و الرشد مسلط علی نفسه و جهاته و شئونه فینفذ تصرفاته و تقلباته ما لم یمنعه الشارع منها.
و أما الدلیل علی صحتها فهی النصوص الصحیحة الواردة فی باب المضاربة المستفیضة بل المتواترة فإن قلت: بناء علی ما ذکرت یصیر القراض من قبیل الشرکة بین العمل و المال و هو مخالف للأصل المسلم بین الأصحاب من انحصار الشرکة الصحیحة فی شرکة العنان و بطلان ما عداها من شرکة الأعمال أو المرکب منها و من الأموال و شرکة الوجوه و المفاوضة.
قلت: الاشتراک فی الربح بسبب تنزیل العمل منزلة رأس المال لا یتوقف علی تحقق الشرکة بین العمل و المال حتی یقال إنه مخالف لما أطبقوا علیه من بطلانها حینئذ، کما أن الاشتراک فی المثمن أو الثمن لا یتوقف علی تحقق الإشاعة فی الثمن أو المثمن فإنه إذا بیع متاع واحد بمالین متمیزین لشخص صار المبیع مشاعا بینهما بنسبة مالیهما مع عدم إشاعة الثمن بینهما، و إذا اشتری المشتری أمتعة متمایزة من أشخاص متعددة کل منها بثمن معین فدفع إلیهم ما یفی بأثمان الجمیع صار الثمن مشاعا بینهم بنسبة حقوقهم.
و الحاصل أن الأصل المسلم إنما هو بطلان الشرکة بین الأعمال أو المرکب منها و من الأموال لا بطلان الشرکة فی الربح الحاصل منها، کیف و حصول الشرکة فی الربح أمر مسلم سواء قلنا بأن المضاربة من باب المعاوضة أو من باب تنزیل العمل منزل رأس المال أو حصة منه، مع أن الشرکة المنحصرة فی شرکة العنان إنما هی الشرکة الحاصلة من امتزاج المالین و من المعلوم أن الامتزاج لا یتطرق فی الأعمال أو المرکب منها و من الأموال، و مجرد البناء علی الشرکة من دون حصول سببها لا یؤثر فی شی‌ء، و أما الشرکة المستندة إلی سبب غیر الامتزاج فکما یتطرق فی الأموال فکذلک یتطرق فی الأعمال و المرکب منها و من الأموال فلو نوی کل من
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 291
العاملین إیقاع عمل من حیازة أو أحیاء، أو اصطیاد و هکذا عن نفیه و عن صاحبه شارکه الآخر فی عمله و یکون کل من العملین مشاعا بینهما.
و بعد ما اتضح لک أن صحته مما تطابق علیه الأصل و الدلیل فهل یعتبر فی إیجابه اللفظ أو یکفی فیه دفع المال علی وجه القراض ظاهر المحکی عن کثیر من کلماتهم الأول، و لکن التحقیق خلافه للأصل و عدم الدلیل علی اعتباره فإن تنزیل العمل منزلة المال جهة عرفیة واقعیة کما اتضح لک، و العرف یری حصوله من اللفظ و غیره علی حد سواء، فالشک لو وقع فهو فی الاعتبار الشرعی علی خلاف الأصل الأولی فمرجع الشک فیه إلی الشک فی المانع لا المقتضی، و من المعلوم أن الأصل حینئذ هو الرکون إلی المقتضی و عدم الاعتداد باحتمال المانع، فتوهم أن الأصل یقتضی عدم حصول القراض عند الشک فی اعتبار اللفظ و عدمه فی غیر محله، فالاکتفاء بدفع المال بعنوان المضاربة لا یخلو عن قوة و إلیه یشیر التعریف المعروف عنهم المتقدم ذکره و لعله إلیه یشیر أیضا ما فی المالک تبعا للتذکرة حیث قال:" و اعلم أن من دفع إلی غیر مالا لیتجر به فلا یخلو إما أن یشترطا کون الربح بینهما أو لأحدهما أولا یشترط شیئا، فإن شرطاه بینهما فهو قراض و إن شرطاه للعامل فهو قرض و إن شرطا للمالک فهو بضاعة، و إن لم یشترطا شیئا فکذلک إلا أن للعامل أجرة المثل" و من هنا ظهر لک اندفاع ما أورده علیه فی الجواهر حیث قال:" و فیه منع تحقق القرض مع فرض صدور ذلک بعنوان المضاربة إذ أقصاه کونها من القسم الفاسد لا أنها من القرض المحتاج إلی إنشاء تملیک المال بعوض فی الذمة، و قصد کون الربح للعامل أعم من ذلک، و إن کان هو من اللوازم الشرعیة لملک المال.
و دعوی الاکتفاء بقصد ذلک فی تحقیقه لفحوی الصحیح عن أبی جعفر عن أمیر المؤمنین علیه السلام"
من ضمن تاجرا فلیس له إلا رأس المال و لیس له من الربح شی‌ء
و الموثق عن أبی جعفر علیه السلام"
من ضمن مضاربة فلیس له إلا رأس المال و لیس له من الربح شی‌ء
" إذ کما أن التضمین من لوازم القرض فکذا الاختصاص
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 292
بالربح یدفعها بعد تسلیم مضمونهما و عدم رجحان معارضهما علیهما الاقتصار علی ذلک فیما خالف الضوابط الشرعیة انتهی" فإن غرضه الدفع المجرد عن عنوان خاص کما هو ظاهر کلامه مع أن الدفع بعنوان القراض مع اشتراط الربح للعامل یرجع إلی القرض أیضا، غایة الأمر أنه عبر عنه بالقراض و وجه عدم کونه قراضا حینئذ علی ما بنینا علیه واضح، و کذا إن قلنا بأنه معاوضة لأن رجوع الربح کله إلیه موجب لرجوع فائدة عمله إلی نفسه فلا معنی لاستحقاق الأجر و العوض علیه و أما کونه قرضا فلأن حقیقته عبارة عن إعطاء المال للغیر و التصدق بشخصه، و إرجاع الربح کله إلیه لا معنی له إلا ذلک إذ لا یمکن رجوع تمام فائدة المال و ربحه إلی العامل مع بقائه علی ملک مالکه.
و هکذا الأمر فی تضمین العامل فإن تضمینه لا یکون إلا بأحد وجهین انتقال المال إلیه قرضا أو صیرورة یده ید ضمان و لا یصح الثانی مع بقاء عنوان القراض فینقلب قرضا، و الروایة ناظرة إلی هذه الجهة أی عدم مجامعة التضمین مع القراض و هذا الوجه یجری فی اشتراط انفراد العامل بالربح لعدم مجامعته مع القراض و تنزیلها علی مجرد التعبد و الاقتصار علیها فی خصوص التضمین فی غایة البعد إذ من الواضح الظاهر أنه علیه السلام فی مقام بیان ما تقتضیه المعاملة الواقعة بینهما.
فإن قلت: تضمین العامل أو اشتراط انفراده بالربح مخالف لمقتضی العقد و أقصی ما یقتضیه فساد العقد لا نفوذه و انقلابه قرضا.
قلت: جعل الربح للعامل أو تضمینه المال من الجهات الراجعة إلی المالک و لا مانع من وقوعه و نفوذه ابتداء کما هو ظاهر و هکذا الأمر فی جعله فی ضمن عقد جائز بالذات، لما عرفت من أن مرجع العقود الجائزة بالذات من الجانبین المسماة بالعقود الإذنیة إلی الإیقاعات و عدم اعتبار القبول الإنشائی فی تحققها، فلا یکون تقدمها مانعا عن نفوذه و وقوعه بل تأخره عنها موجب للرجوع عنها.
فإن قلت: لا یتحقق الرجوع إلا مع قصده و أما مع عدم قصده و بقائه علی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 293
القصد الأول فإنما یلزم بطلان العقد لأن العقد، المشروط الذی هو المقصود لا یقبل الوقوع و وقوع الشرط فقط مخالف للمقصود.
قلت: الرجوع عما أوجبه کما یتحقق بقصد الرجوع کذلک یتحقق بفعل ما ینافیه، أ تری أن الرجوع عن التوکیل کما یتحقق بقولک: عزلت الوکیل کذلک یتحقق ببیع الموکل فیه سواء قصد الرجوع عن الوکالة أم لا.
فإن قلت: هذا إذا لم یکن الأمر المنافی من قیود العقد و توابعه و أما إذا کان من قیود العقد واقعا فی ضمنه فلا مجال للحکم بوقوع دون المقید، لأن المقید أمر واحد لا یجوز التفکیک بینه و بین قیده فی الحکم بل لو جاز التفکیک من طرف المقید، و قیل: بجواز وقوع المقید دون قیده کما حکم بعضهم بعدم فساد العقد بالشرط الفاسد لم یجز ذلک فی القید لأنه تابع للمقید و لا یجوز الحکم بوقوع التابع دون متبوعه.
قلت: بعد ما عرفت بأن العقود الجائزة بالذات من الجانبین لا یتوقف علی القبول الإنشائی و إنما تحصل و تتحقق بالإیجاب، و القبول معتبر فی مرحلة متأخرة عن التحقق.
ظهر لک أن القیود المتعلق بالإیجاب لا تکون واقعة فی ضمن العقد حتی تتبعه فی الحکم، فما تعقب الإیجاب به فی العقود الإذنیة إن کان منافیا للإیجاب و یقبل الاستقلال بالوقوع فهو نافذ لأنه مقصود و رجوع عن الإیجاب لمنافاته له، و إنما یتم ما ذکرت فی العقود اللازمة فافهم و اغتنم فإنه فی غایة النفاسة و الدقة.
ثم إنه لو لم یحمل کلام صاحب المسالک علی صورة الإطلاق و التجرد عن عنوان خاص لا وجه لتخصیص هذه الصورة بالإشکال لجریانه فی الصورتین الأخریین فإن اشتراط الربح للمالک أو عدم اشتراطه لأحدهما مناف للقراض فمع فرض صدور الدفع بعنوان القراض ینبغی أن یحکم حینئذ بأنه قراض فاسد لا بضاعة فتسلیمه البضاعة فی الصورتین مع استشکاله تحقق القرض فی الصورة الأولی متهافتان
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 294
بقی الکلام فیما یعطیه صریح کلام صاحب المالک من الفرق بین قسمی البضاعة فی استحقاق الأجرة مع عدم اشتراط الربح و عدمه مع اشتراطه فإن التحقیق عدم الفرق بینهما من هذه الجهة، إذ الأمر بالعمل استیفاء له مع اشتراط الربح و عدمه فمقتضاه استحقاق العامل أجرة عمله فی الصورتین، ضرورة ثبوت الأجرة للعمل المستوفی علی مستوفیه فهو فی وثاق العمل ما لم یظهر منه قصد التبرع و لو لم یظهر منه قصد الأجرة و لم یتبرع به العامل و لو لم ینو الرجوع بها، لأن المانع من استحقاق الأجرة هو قصد التبرع بالعمل لا عدم نیة الرجوع بها، و لا فرق فی ذلک بین کون العامل من المعدین لأخذ الأجرة و غیره مع فرض کون العمل مما له أجرة فی العادة فالفرق المذکور غیر ظاهر الوجه و لعل الوجه فیه عنده استظهاره (قدس سره) من اشتراط الربح و عدم التعرض لأجرة العمل قصد التبرع، و هو فی محل المنع لعدم ظهوره فیه بمجرد ذلک نعم قد یظهر منه ذلک بملاحظة خصوصیة المورد کما قد یظهر منه خلافه فالحکم به علی إطلاقه فی غیر محله.
ثم إنه اتضح لک بما بیناه من عدم کون القراض من العقود أن إعطاء المال و دفعه لیعمل فیه بحصة معینة من ربحه قراض و مضارب حقیقة، لا أنه مغایر له فی الحقیقة قائم مقامه فی الأثر کالمعاطاة، حیث إنها معاوضة مستقلة و مبادلة فعلیة لا عقدیة تقوم مقام البیع الذی هو عقد معاوضة و التزام مبادلة فی بعض الآثار، و من هنا قد یظن أنها بیع علی سبیل الحقیقة و أن البیع نوعان: عقدی لازم و غیر عقدی جائز.
و إذ قد اتضح لک مما حققناه أن صحة القراض و نفوذه موافقة للأصل اتضح لک أمور.
الأول: أنه لا یشترط صحته بوقوع العمل فی السفر لأن مقتضی الأصل صحته مطلقا، فتضییق دائرته بجعل السفر شرطا و الحضر مانعا یحتاج إلی الدلیل فمع عدم وجود دلیل یدل علی التقیید یحکم بالإطلاق الذی هو مقتضی الأصل، و لا یقدح فیه ورد أکثر الروایات فی مورد المضاربة و الاتجار بالسفر، لأن تقریر
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 295
الأصل فی مورد لیس إبطالا له فی مورد آخر، و المورد لا یکون مخصصا کما هو ظاهر.
الثانی: أن دفع قطیعة غنم إلی الراعی لیرعاها فی مدة معلومة بحصة من نمائها من لبنها و صوفها و شعرها و وبرها کما هو المتعارف فی بعض البلدان لا إشکال فیه لجواز تنزیل عمل الراعی فی مدة معلومة منزلة القطیعة فی الاستنماء، و هو موافق للأصل الذی أصلناه و لم یدل دلیل علی بطلانه فی المقام.
و من هذا القبیل دفع دابة إلی المکاری لیحمل علیها أو یرکب بالأجرة علی أن یکون الحاصل بینهما، فإن عمل المکاری له دخل فی الحمل و الرکوب و إن لم یکن دخله فیهما کدخل الدابة فهو صالح لأن ینزل منزلتها بالنسبة إلیهما فتعود الأجرة حینئذ إلی الدابة و عمل المکاری فیشترک فیها المالک و المکاری.
فإن قلت: الأجرة إنما هی فی مقابل الحمل و الرکوب و هما من منافع الدابة فلا یجوز رجوع حصة منها إلی غیر المالک.
قلت: لا منافاة بین عود حصة من الأجرة إلی المکاری باعتبار دخل عمله فی الرکوب و الحمل کما أنه لا منافاة بیع عود حصة من الربح إلی العامل باعتبار دخل عمله فی حصول الربح من رأس المال.
الثالث: أنه کما یجوز تنزیل العمل منزلة رأس المال أو الشجرة بالنسبة إلی الربح أو الثمرة لمکان دخل العمل، فکذلک یجوز تنزیل الآلة منزلة العمل إذا کان العمل أصلا لوجود ملاک التنزیل و هو الدخل فلو دفع آلة الصید کالشبکة إلی الصیاد بحصة من الصید جاز و اشترک الدافع مع الصائد فی صیده لموافقته مع الأصل و عدم دلیل قائم علی بطلانه.
و أکثر الأصحاب (قدس سرهم) حکموا بالبطلان و عدم حصول الشرکة فی الحاصل فی هذه الفروع و أمثالها و لا بأس بنقل شطر من کلماتهم و بیان ما فیها.
قال المحقق قدس سره فی کتاب القراض من الشرائع:" و لو دفع آلة الصید
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 296
کالشبکة بحصة فاصطاد کان للصائد، و علیه أجرة الآلة".
و فی المالک:" الحکم بکون الصید للصائد مبنی علی عدم تصور التوکیل فی تملک المباح و إلا کان الصید لهما علی حسب ما نواه الصائد.
و قد سبق الکلام علی نظیره، و یبعد بناؤه علی أن العامل لم ینو بالتملک إلا نفسه لأن ظاهر الحال دخوله علی الشرکة، و حیث یکون الصید لهما فعلی کل منهما من أجرة مثل الصائد و الشبکة بحسب ما أصابه من الملک، و لو کان المدفوع إلیه بدل الشبکة دابة لحمل علیها و یرکب بالأجرة، و الحاصل بینهما فالحاصل بأجمعه لصاحب الدابة و علیه أجرة مثل العامل و لم تصح المعاملة أیضا لعین ما ذکر.
و الفرق بین الشبکة و الدابة فی کون الحاصل لصاحب الدابة دون مسألة الشبکة أن الأجرة تابعة للعمل و العمل فی الدابة حاصل منها و فی الصید من الصائد و الشبکة تبع لعمله کما أن التسبیب بحمل الدابة و عملها تابع لها فیکون الحاصل للعامل و لا مدخل هنا للنیة کما ففی مسألة الصید" انتهی.
و قال فی کتاب الشرکة منها:" و لو دفع إنسان دابة و آخر راویة إلی السقاء علی الاشتراک فی الحاصل لم ینعقد الشرکة و کان ما یحصل للسقاء و علیه أجرة مثل الدابة و الراویة" و فی المالک" بطلان هذه الشرکة ظاهر مما سبق لأنها مرکبة من شرکة الأبدان و شرکة الأموال مع عدم مزجه فیقع باطلة، و لا یکون من صاحب الدابة و الراویة إجارة لأن الأجرة غیر معلومة فالحاصل من العمل للسقاء و للآخران علیه أجرة مثل مالهما لذلک العمل، و هذا یتم مع کون الماء ملکا للسقاء أو مباحا و نوی الملک لنفسه أو لم ینو شیئا أما لو نواه لهم جمیعا کان کالوکیل.
و الأقوی أنهم یشترکون فیه و یکون أجرته و أجرة الراویة و الدابة علیهم أثلاثا فیسقط عن کل واحد ثلث الأجرة المنسوبة و یرجع علی کل واحد بثلث، و یکون فی سقیه للماء منزلة الوکیل لإذنهم له فی التصرف إن قلنا: ببقاء الإذن الضمنی مع فساد المطابقی، و إلا توقفت المعاوضة علی الماء علی إجازتهما فإن أجازا أو قلنا بعدم الافتقار
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 297
إلیها فالحاصل من العمل بینهم أثلاثا و یرجع کل واحد علی الآخرین بثلث أجرة نفسه أو ماله.
فلو فرضنا أن السقاء حصل أربعة و عشرین و کانت أجرة مثله خمسة عشر و أجرة الدابة اثنی عشر و الراویة ثلاثة فلملک واحد منهم من الحاصل ثمانیة لأنه عوض مالهم بناء علی ما اخترناه من جواز التوکیل فی حیازة المباح و سیأتی تحقیقه، ثم یرجع السقاء علی کل واحد منهما بخمسة و یرجع صاحب الدابة علی کل واحد بأربعة و صاحب الراویة بدرهم فیأخذان من السقاء خمسة و یعطیانه عشرة یفضل له ثلاثة عشر و یأخذان من صاحب الدابة ستة یعطیانه ثمانیة، یبقی معه عشرة، و یأخذان من صاحب الراویة تسعة و یعطیانه درهمین یفضل له من المجموع درهم فالمجتمع معهم أربعة و عشرون هی الحاصل من عوض الماء" انتهی.
و فی الجواهر" صاحب الراویة و الدابة إن کانا قد وکلا السقاء فی الحیازة لهما و قد أمراه بذلک و قد حازه بنیتهما مع نفسه اتجه حینئذ شرکة الجمیع بالماء و کان لکل منهم ثلثا الأجرة علی الآخرین، فإن تساوت لم یرجع أحدهم علی الآخر و إلا رجع بالتفاوت.
و إن لم یکن ثم توکیل و قد حازه بنیة الجمیع و لم نقل بجریان الفضولیة فی نحوه أو لم تحصل الإجازة أشکل ملکه له أیضا بناء علی اعتبار نیة التملک فی الحیازة ضرورة کون الفرض نیة الملک للغیر معه فضلا عن نیة التملک بل حینئذ باق علی الإباحة الأصلیة یملکه إذا تجدد النیة لملکه" انتهی.
أقول: قد عرفت أنه لا مانع من تنزیل آلة الصید منزلة عمل الصیاد من الصید و عمل المکاری منزلة الدابة من الأجرة عرفا و شرعا، و لو منعنا ذلک و قلنا: بعدم نفوذه شرعا فالوجه أن یقال: بإشاعة الصید بینهما أیضا لأن ظاهر الحال دخول الصائد علی الشرکة.
و القول بعدم تطرق التوکیل فی الحیازة أصلا کما یظهر من کلام المحقق قدس سره حیث قال:" لو حاش صیدا أو احتطب أو احتش بنیة أنه له و لغیره
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 298
لم تؤثر تلک النیة و کان بأجمعه له خاصة" لا وجه له، ضرورة أنها لیست من الأمور التی لا تتحقق إلا بالمباشرة.
فإن قلت: مجرد دخوله علی الشرکة لا یکفی فی تحققها لعدم بقاء الإذن الضمنی مع فساد المطابقی و تأثیر الإجازة اللاحقة فیها غیر معلوم.
قلت: لا ینافی عدم نفوذ الشرکة التی بنیا علیها مع بقاء الإذن «1» فیها، لأن البناء علی الشرکة کسائر العقود الإذنیة لا یکون عقدا تحقیقیا متوقفا علی الإیجاب و القبول حتی یکون الجهات المتعلقة بها قیودا تابعة لها وجودا و عدما فالإذن فی الشرکة منضمة إلی البناء علی حصولها بدفع الآلة إلی الصیاد لا ینتفی بانتفاء المنضم إلیه لأن الضمیمة إذا لم تکن فی عقد لازم بالذات لا ترجع إلی التقیید، فإذا کان المنضم قابلا للاستقلال کما فی المقام فلا مانع من وقوعه و تحققه، مع انتفاء ضمیمته و لو تنزلنا و قلنا بعدم بقاء الإذن الضمنی مع فساد المطابقی فی أمثال المقام فهو فضولی یؤثر فیه الإجازة لأن الإجازة متحدة مع الوکالة فی الحقیقة و إنما یختلفان فی التقدیم و التأخیر عن العمل، فالوکالة إجازة متقدمة کما أن الإجازة وکالة متأخرة فکلما تتطرق فیه الوکالة تتطرق فیه الإجازة إلا أن یدل دلیل علی عدم تطرقها فیه کالطلاق و العتق حیث یتطرق فیهما التوکیل و لا یتطرق فیهما الإجازة، و قد عرفت أنه لا مانع من تطرق التوکیل فی الحیازة و لم یدلل دلیل علی عدم جریان الفضولیة فیها.
ثم إنه لو قلنا: بعدم تطرق التوکیل فی الحیازة فما ذکره المحقق (قدس سره) من وقوع الملک للمحیز و عدم قدح نیة إیقاع الملک له و لغیره فی اختصاص الملک بنفسه فی محله.
______________________________
(1) التحقیق خلافه لأن المأذون فیه هی الشرکة التی لا یرجع أحد المتشارکین فیها علی الآخر بأجرة، فالشرکة التی یرجع فیها کل واحد منهما علی الآخر بأجرة عمله أو ماله لا تستند إلی الإذن المذکور إلا أن یلتزم بعدم استحقاق رجوع أحدهما علی الآخر و لو باعتبار احتساب أجرة الآلة فی مقابل أجرة العمل علی وجه الجعالة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 299
و ما ذکره صاحب الجواهر (قدس سره) من بقائه علی الإباحة الأصلیة حینئذ لا یملکه إذا تجدد النیة لملکه حینئذ فی غیر محله، لأن نیة الملک حینئذ کافیة فی وقوعه لنفسه، ضرورة أن العمل الصادر عن الشخص ینصرف إلیه فی حد نفسه و لا ینصرف عنه إلا بصارف إذا کان قابلا للانصراف عنه و التملک بالحیازة علی فرض عدم تطرق التوکیل فیه لا یقبل الانصراف عنه حتی یقدح فیه نیة وقوعه للغیر فلا یکون نیة وقوعه للغیر حینئذ إلا لغوا.
بل لو قلنا بصلوح وقوعه للغیر إما بوکالة سابقة أو بإجازة لاحقة کما هو التحقیق و أوقعه للغیر من دون وکالة سابقة و لم یلحقه إجازة یختص الملک به أیضا لأن مجرد نیة الغیر لا یکفی فی انصراف الفعل عن الفاعل إلی غیره فمع عدم الوکالة و عدم لحوق الإجازة یستقر الفعل لنفس الفاعل إذ لا یحتاج وقوعه لنفسه إلی قصد، و الحاصل أن وقوع الملک لنفسه و لغیره لم یکن علی حد واحد حتی یتوقف حصول کل منهما علی قصد زائد بل وقوعه لنفسه ذاتی لا یحتاج إلی نیة جدیدة.
فتبین بما بیناه أن الصیاد و دافع الآلة یشترکان فی الصید علی کلا التقدیرین إما لأجل نفوذ تنزیل الآلة منزلة عمل الصیاد و إما لأجل قصده الشرکة بعمله، غایة الأمر أنه علی التقدیر الثانی یرجع کل منهما علی الآخر من أجرة مثل الصائد و الشبکة بحسب ما أصابه من الملک کما نبه علیه صاحب المالک (قدس سره).
و قد تبین بما بیناه أیضا أنه لو کان الماء مباحا یشترک صاحب الدابة و الراویة مع السقاء فی الماء و ثمنه لما عرفت من بقاء الإذن حینئذ و إن ظاهر الحال دخول السقاء علی الشرکة فیصیر الحاصل بینهم أثلاثا و یرجع کل منهم علی الآخر بثلث الأجرة من مثل عمله أو ماله کما ذکره فی المالک، هذا و أما ما ذکره من أنه لو کان المدفوع إلیه بدل الشبکة دابة لیحمل علیها أو یرکب بالأجرة و الحاصل بینهما فالحاصل بأجمعه لصاحب الدابة و علیه أجرة مثل العامل فظاهره أن علیه أجرة مثل العامل مطلقا.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 300
و فی القواعد:" لو دفع دابته إلی آخر لیحمل علیها و الحاصل لهما فالشرکة باطلة فإن کان العامل قد آجره الدابة فالأجرة لمالکها و علیه أجرة مثل العامل فإن قصر الحاصل عنهما تحاصا إن کان بسؤال العامل و إلا فالجمیع".
و فی جامع المقاصد:" و یندرج فی قوله: بسؤال العامل ما إذا کان بسؤالهما لأنه بسؤال العامل أیضا، و فی الفرق نظر لأن الفرض حصول الرضاء بذلک سواء کان بسؤاله أو بسؤال المالک أو بسؤالهما فیستوی المسألتان فی التحاص، و احتمل شیخنا الشهید فی بعض حواشیه وجوب أقل الأمرین من الحصة المشروطة و الحاصلة بالتحاص، أما إذا کانت المشروطة أقل لأنه قد رضی بالأقل فلا یستحق الزیادة و أما إذا کان الحاصل بالتحاص أقل فلمعارضة حق المالک و لا ترجیح.
و احتمل أیضا وجوب الأقل إن کان بسؤال العامل لأنه ألزم نفسه بذلک بسؤاله.
و وجوب الأکثر إن کان بسؤال المالک لأنه إن کان الأکثر المشروط فقد رضی به المالک و إن کان هو الحاصل بالتحاص فلفساد الشرط" انتهی.
و التحقیق: أنه یجوز أن یجعل الأجرة فی مقابل منفعة الدابة و عمل المکاری من تسبیب الحمل و الرکوب و ما یتبعهما فلا إشکال فی اشتراط الشرکة فی الأجرة و لا فی تحققها بالإجارة حینئذ و لا یکون دفع الدابة إلی المکاری علی أن یکون الحاصل بینهما مخالفا لقاعدة من القواعد الشرعیة، نعم لا تحصل الشرکة بمجرد الدفع بل بعد الإجارة، فما ذکره صاحب المالک من اختصاص الأجرة بصاحب الدابة حینئذ و رجوع العامل علیه بأجرة مثل عمله لا وجه له.
و أما ما ذکره فی القواعد من أنه إن قصر الحاصل عن أجرة مثل عمل المکاری و أجرة منفعة الدابة تحاصا فیه إن کان بسؤال العامل ففی غایة الغرابة و باطل من وجوه عدیدة: الأول: أن الرجوع إلی أجرة مثل العمل و مثل الدابة إنما هو علی تقدیر فساد الشرکة و الإجازة معا کما هو ظاهر، و مع فسادهما لا یستحق المالک الأجرة
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 301
المسماة بل یستحق حینئذ أجرة مثل منفعة دابته، فالجمع بین استحقاق أجرة المثل و الأجرة المسماة و الحکم بمحاصد العامل معه فیها جمع بین المتناقضین.
و الثانی: أن أجرة مثل عمل العامل إنما یتعلق بذمة صاحب اللدبة لا بالحاصل فلا مجال لتحاصهما فیه لأن تحاصهما فیه فرع تعلق حقهما به.
و الثالث: أن التفصیل بین سؤال العامل و عدمه فی الحکم مع فرض حصول الرضاء من الجانبین فی جمیع الصور لا وجه له، و أغرب منه ما حکی عن الشهید قدس سره فی بعض حواشیه إذ بعد فرض فساد العقد یستحق العامل أجرة مثل عمله لقاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، و رضاه بالعقد الفاسد و ما لا یسلم له لا یؤثر انقلاب استحقاق أجرة المثل إلی أقل أو أکثر.

تنبیه: لو دفع الدابة إلی المکاری لیحمل علیها

أو یرکب بالأجرة علی أن یکون الحاصل بینهما نصفین أو أثلاثا و هکذا فهو لو دفعها إلیه علی أن یکون الحاصل بینهما من دون تعیین فحینئذ یقوم کل من أجرة مثل العمل و أجرة مثل منفعة الدابة منفردا.
و ینسب قیمة أحدهما إلی مجموع القیمتین و یأخذ کل منهما من الحاصل بنسبة قیمة عمله أو ماله إلی مجموع القیمتین، فلو کان أجرة مثل منفعة الدابة ثلاثة دراهم و أجرة مثل العمل درهمان فللمالک ثلاثة أخماس الحاصل و للمکاری خمساه، و لیس هذا تحاصا بل طریقا إلی معرفة حق کل منهما من الحاصل.
و بما بیناه تبین لک الحال فی نظائرها من الفروع.

و أما المقام الثالث [فی أنه علی فرض صحته جائز أم لازم و بیان شطر من أحکامه]

فقد اتضح حاله بما بیناه فی المقام الأول من تحقیق حقیقته و شرح ماهیته و أنه جائز بالذات، لأن اللزوم من لوازم العقد التحقیقی المرکب من إنشاءین، و قد ذکرنا أن القراض کسائر العقود الإذنیة لا یتوقف تحققه علی إنشاءین و عملین، و قد اتفق الأصحاب قدس سرهم علی أنه من العقود الجائزة من الجانبین و یجوز لکل منهما الرجوع فیه سواء نض المال أو کان عرضا، فلو اشترط فیه الأجل
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 302
لم یلزم و فائدته المنع من التصرف فیما بعده.
قال المحقق قدس سره فی الشرائع:" و لو اشترط فیه الأجل لم یلزم، لکن لو قال:" إن مرت بک سنة فلا تشتر بعدها و بع صح" لأن ذلک من مقتضی العقد و لیس کذلک لو قال:" علی أنی لا أملک فیها منعک، لأن ذلک مناف لمقتضی العقد".
و فی الجواهر: بل المشهور کما قیل بطلان العقد معه فالتحقیق حینئذ أن یقال إن أرید باشتراط الأجل المعنی الأول صح و إن أرید به المعنی الثانی بطل و أبطل کما صرح به غیر واحد بل لم أجد خلافا هنا فی بطلانه.
و زاد فی القواعد و جامع المقاصد اشتراط ضمان العامل المال أو إلزامه بحصة من الخسارة إلا أنه قد یناقش فی ذلک إن أرید بها الکتابة عن اللزوم مثلا بالعارض و لو بالشرط، لا أن المراد به ما ینافی حکمها شرعا فإنه لا إشکال فی البطلان حینئذ إنما المناقشة فی الأول بمنع کونها من منافیات مقتضی العقد المراد به ما یعود علی العقد بالنقض.
و لا ریب فی عدم منافاة اللزوم لعقد المضاربة إذ هو کالجواز فی العقد اللازم الذی لا إشکال فی صحة اشتراطه، و من هنا کان له شرطه أی اللزوم فی العقد الجائز بعقد لازم آخر، و لو أنه من المنافی لمقتضاه لم یصح ذلک إذ هو کاشتراط عدم الملک فی البیع و نظیره هنا عدم ملک العامل الحصة من الربح لا اشتراط اللزوم فی المضاربة و کذا الکلام فی الضمان الذی لا ینافی کون الشی‌ء أمانة فإن کثیرا من الأمانات مضمونة کعاریة الذهب و الفضة و العاریة المشترط فیها و المقبوض بالسوم و غیر ذلک بل ستسمع ضمان العامل فی کثیر من صور المضاربة بل و کذا الکلام فی اشتراط إلزام العامل صحة من الخسارة فإن جمیع هذه الأمور من الأحکام أو مما هو مقتضی إطلاق العقد لا أنها من منافیات مقتضاه التی تعود علیه بالنقض فتأمل جیدا.
بقی شی‌ء و هو أنه قد صرح الفاضل و تبعه فی جامع المقاصد بصحة شرط المالک
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 303
علی العامل المضاربة فی مال آخر أو أخذ بضاعة منه أو قرض أو خدمة فی شی‌ء بعینه معللا له الثانی منهما بعموم قوله تعالی:" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" و قوله:"
المؤمنون عند شروطهم
" لکن عن ابن البراج الجزم بفساد العقد و الشرط و کذا عن المبسوط إلا أنه قال أخیرا: لو قلنا: القراض و الشرط جائز لکن لا یلزم الوفاء به کان قویا.
ثم إنه فی جامع المقاصد قد حکی عن السرائر عدم لزوم الوفاء به، ثم قال:" و هو حق فإن العقد جائز من الطرفین لکن لم یذکروا حکم ما إذا عمل العامل و لم یف بالشرط فظهر ربح، و الذی یقتضیه النظر أن للمالک الفسخ بفوات ما جری علیه التراضی فیکون للعامل أجرة المثل و للمالک الربح" إلی أن قال و لو شرط ذلک من طرف العامل علی المالک فالحکم کما هنا بغیر تفاوت إلا أن الفسخ هنا بعد العمل إذا لم یحصل الوفاء یکون للعامل لأنه إنما رضی بالحصة القلیلة مع هذا الشرط" انتهی.
أقول: و فیما ذکره نظر من وجهین: الأول فیما ذکره من عدم منافاة اشتراط اللزوم فی العقود الجائزة بالذات کاشتراط الجواز فی العقود اللازمة لأن الجواز فی العقود الجائزة بالذات من أحکام العقد و من شئون سلطنة الشخص علی نفسه و عمله، لما عرفت من أن مرجع العقود الجائزة بالذات المسماة بالعقود الإذنیة إلی عملین مستقلین مترتبین، فیکون حینئذ لکل واحد من المتعاقدین الرجوع عن عمله و لا یقبل الإسقاط و الانقلاب إلی اللزوم لاستحالة سلب سلطنة الشخص عن نفسه و عمله، بخلاف لزوم العقود اللازمة بالذات فإن مرجعه إلی عدم سلطنة أحد المتعاقدین علی حل عمل الآخر و رفعه لما ظهر لک من أن مرجع العقود اللازمة بالذات إلی أمر وحدانی بسیط فی الخارج منتزع عن عملین، فلا یستقل أحدهما فی رفعه و حله کما لا یستقل فی إثباته فمرجع الجواز المجعول حینئذ إلی إثبات سلطنة لأحدهما علی الآخر فی حل عمله، أو بجعل الشارع أو بجعل المتعاقدین و هو أمر معقول و یکون من الحقوق فیقبل الجعل و الإسقاط.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 304
و بما بیناه ظهر أن اشتراط عدم ملک المنع مطلقا مناف لمقتضی العقد سواء أرید به لزوم العقد بالشرط أم لا، کما ظهر أن العقد الجائز لا یصیر لازما و لو وقع فی ضمن عقد لازم و جعل شرطا فیه لاستحالة سلب سلطنة الشخص علی نفسه و عمله، و الوکالة المشترطة فی الرهن إنما تصیر لازما من قبل الراهن کنفس الرهن من جهة رجوعها إلی إثبات ولایة للمرتهن علی العین فی بیعها و استیفاء دینه من ثمنها، فهی ولایة لا وکالة و إن عبر عنها بالوکالة و من المعلوم أن الولایة لازمة من طرف من علیه السلطنة و إن کانت جائزة من طرف من له السلطنة.
و الثانی: أن العقد قد یکون علة تامة للایتمان کالودیعة فلا یجوز اشتراط الضمان فیها لمنافاته لمقتضی العقد و قد یکون مقتضیا له کالعاریة فیجوز اشتراطه فیها، و قد یلتبس أمره کعقد الإجارة و لذا اختلفوا فی جواز اشتراط الضمان فیها، فمنهم من جعله فی حکم الودیعة و منهم من جعله فی حکم العاریة.
و من المعلوم أن لا یحکم فی هذا النوع بنفوذ شرط الضمان إلا بعد إحراز صلاحیة العقد و قبوله، و عقد القراض لو لم یکن من قبیل الأول فهو من قبیل القسم الثالث فلا یحکم بنفوذ شرط الضمان فیه بمجرد أن بعض الأمانات یقبل شرط الضمان و مما بیناه ظهر حال اشتراط إلزام العامل حصة من الخسارة.
و أما ما ذکره من ضمان العامل فی کثیر من صور المضاربة فإنما هو فی صورة التعدی أو التقصیر، و من المعلوم أنه لا ینافی مع عدم قبوله الضمان بالشرط، ثم إن ما جعله صاحب جامع المقاصد مقتضی النظر من عود الربح إلی رب المال و استحقاق العامل الرجوع علیه بأجرة مثل عمله بعد الفسخ من جهة عدم وفاء رب المال بالشرط لا یلائم مع انفساخ العقد حین الفسخ لا بطلانه من رأس، ضرورة أن الفسخ إنما یوجب زوال العقد من حین الفسخ لا بطلانه من حین وقوعه، و لعله لذا قال صاحب الجواهر: ما جعله مقتضی النظر مما لم یمکن التزام فقیه له.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 305‌

(فائدة 42) الکر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم یعلم السبق منهما

حکم بنجاسته إلا فی صورة واحدة و هو العلم بتاریخ الکثرة لأن الأصل حینئذ عدم حدوث الملاقاة قبل هذا التاریخ فیکون محکوما بالطهارة.
فإن قلت: نعم فی صورة العلم بتاریخ الملاقاة یحکم بالنجاسة استصحابا للقلة إلی هذا التاریخ و أما فی صورة الجهل بتاریخهما معا فیتعارض استصحاب عدم الملاقاة إلی زمان حدوث الکریة مع استصحاب عدم الکریة إلی زمان ملاقاة النجاسة فیتساقطان فیجب الحکم بالطهارة حینئذ استنادا إلی أصالة الطهارة.
قلت إنما یرجع إلی أصالة الطهارة مع عدم إحراز مقتضی الانفعال و هی ملاقاة النجس، و أما مع إحرازه و وقوع الشک فی اقترانه بالمانع یحکم بالانفعال أخذا بالمقتضی المعلوم و إلغاء للمانع المشکوک و هذه قاعدة شریفة مطردة جاریة فی جمیع الموارد.
فإن قلت: تحقق المقتضی غیر معلوم، أولا لأن قلة الماء من شرائط الانفعال و هی مشکوکة غیر محرزة.
مع الشک فی الشرط یکون المقتضی مشکوکا لأن المقصود فی باب قاعدة الاقتضاء و المنع ما لوجوده دخل فی التأثیر سواء کان مقتضیا أو شرطا کما أن المراد من المانع ما کان وجوده مخلا سواء کان مزاحما أو مانعا و ثانیا أن وجوب الأخذ به و الرکون إلیه ممنوع.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 306
قلت: القلة عبارة عن عدم الکثرة فهو أمر عدمی و العدم لا یکون مؤثرا و لا متأثرا و لو کان مضافا فلا یجوز أن یکون شرطا للانفعال فالماء مطلقا قابل للانفعال فی حد نفسه و إنما یکون بلوغه حد الکریة دافعة للانفعال علی وجه الاقتضاء، و لذا تسقط عن التأثیر إذا استولی النجس علیها و صارت مقهورة فی جنب النجس الملاقی له بسبب تغیر أحد أوصافها الثلاثة به.
و أما اعتبار هذه القاعدة الشریفة فقد أثبتناه فی الفائدة الأولی من هذا الکتاب و أزحنا الشبهات المتوهم فی هذا الباب، بل قد تبین أنه لا أصل سواء و إن جمیع الأصول المعتبرة لفظیة أو عملیة راجعة إلیها.
و مما بیناه تبین أنه لا فرق فی الحکم بالنجاسة مع الجهل بتاریخهما و عدم العلم بتاریخ واحد منهما بین الکر المسبوق بالقلة و القلیل المسبوق بالکریة، نعم إذا علم تاریخ الکثرة فی الصورة الأولی و جهل تاریخ الملاقاة یحکم بطهارة الماء لأن الأصل عدم حدوث الملاقاة قبل هذا التاریخ، کما أنه إذا علم تاریخ الملاقاة فی الصورة الثانیة مع الجهل بتاریخ القلة یحکم بطهارة الماء أیضا استصحابا لبقاء کثرته إلی هذا التاریخ، هذا کله إذا علم بملاقاة النجاسة إجمالا و لم یعلم المتقدم و المتأخر من الملاقاة و الکریة.
و أما إذا وجد نجاسة فی الکر المسبوق بالقلة و احتمل وقوعها فی حال القلة فالحکم فیه الطهارة إلا إذا علم تاریخ الوقوع و جهل حدوث الکریة، لاستصحاب القلة إلی هذا التاریخ فیحکم بالنجاسة حینئذ.
و أما فی صورة الجهل بتاریخهما أو الجهل بتاریخ الوقوع مع العلم بتاریخ الکریة فیحکم بالطهارة حینئذ لأجل انحلال العلم الإجمالی و رجوعه إلی الشک البدوی فإن وجود النجاسة فی الکر موجب لعلم بملاقاتها فی حال الکریة تفصیلا و وقوع الشک فی ملاقاتها قبل الکریة و الأصل عدم ملاقاتها قبل الکریة حینئذ لعدم العلم بملاقاة أخری غیر الملاقاة الحاصلة حال الکریة بسبب العلم بوجود النجس
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 307
فی الکر، کما هو المفروض بخلاف المسألة السابقة فإن ملاقاة النجاسة مع الماء معلوم إجمالا و حصولها فی حال القلة أو الکثرة مجهول فلا یرجع الشک فی أحد طرفیه إلی الشک البدوی، لعدم انحلال العلم الإجمالی حینئذ.
و الحاصل أن العلم التفصیلی بوجود النجس فی الکر أخرج أحد طرفی التردید و هی الملاقاة حال الکریة عن الشبهة فتخص الشبهة حینئذ بملاقاتها قبل الکریة و یکون الشک فیها شکا بدویا مجری لأصالة عدم الملاقاة، بخلاف المسألة السابقة فإنه لم یحصل العلم التفصیلی فیها بأحد الطرفین حتی تخص الشبهة بالطرف الآخر و ینحل العلم الإجمالی.
و قد اشتبه الأمر فی هذا المقام علی کثیر ممن عاصرناه فزعموا أن هذه المسألة من فروع المسألة السابقة و الحکم فیهما واحد.
و لقد أجاد من لم یجعله من متفرعات المسألة السابقة و جعله مسألة أخری و إن اشتبه علیه الأمر فی تشریکهما فی الحکم.
فإن قلت: ملاقاة النجاسة مع الکر من حیث البقاء معلوم تفصیلا و لکن حدوثها غیر معلوم إلا علی وجه الإجمال و کما یحتمل أن یکون فی حال کثرة الماء فکذلک یحتمل أن یکون فی حال قلته و لا مرجح فی البین و الکلام إنما هو فی الحدوث.
قلت: إذا کانت الملاقاة مستندة إلی وجود النجس فی الماء و کان وجوده متیقنا مع الکر و لا أثر لحدوث ملاقاة النجس مع الکر غیر ما یترتب علی وجوده فیه ینحل العلم الإجمالی حینئذ و یؤخذ بحکم المعلوم تفصیلا و لا یعتد باحتمال الحدوث قبل ذلک.
أ لا تری أنه لو رأی الشخص منیا فی ثوبه و علم بأنه احتلم و لم یعلم بأنه احتلم فی البارحة أو قبلها یقتصر علی القدر و لا یعتد باحتمال حدوثه قبل و هکذا الحال فی نظائرها.
و السر فیه ما بیناه من انحلال العلم الإجمالی و رجوعه إلی الشک البدوی حینئذ.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 308‌

(فائدة 43) [إذا تزوج العبد بمملوکة ثم أذن له المولی فی ابتیاعها]

قال المحقق (قدس سره):" فی الشرائع إذا تزوج العبد بمملوکة ثم أذن له المولی فی ابتیاعها فإن اشتری لمولاه فالعقد باق و إن اشتراها لنفسه بإذنه أو ملکه إیاها بعد ابتیاعها فإن قلنا العبد یملک بطل العقد".
و فی الجواهر:" کما یبطل نکاح الحر للأمة إذا اشتراها لظهور قوله تعالی:" إِلّٰا عَلیٰ أَزْوٰاجِهِمْ*" و غیره فی منع الجمع بین سببی الوطی و انقطاع الشرکة بینهما فیکون کل واحد منهما مؤثرا تاما فی إباحة الوطی ففی حال الاجتماع إما أن یرتفع تأثیرهما و هو معلوم الفساد أو یکون المؤثر واحدا و لیس هو إلا الطاری فما فی ذلک عن المناقشة فی ذلک بأن علل الشرع معرفات فلا یضر اجتماعها یدفعه ما عرفته من ظهور الأدلة هنا فی کونها فی الفرض کالعلل العقلیة بالنسبة إلی ذلک.
نعم قد یناقش فی ترجیح الطاری بعدم ما یقتضی ترجیحه بل لعل الأول أرجح باعتبار سبق تأثیر فلا یصادف الثانی موضوعا للتأثیر فیتجه بطلان البیع حینئذ لا النکاح اللهم إلا أن یقال الإجماع علی صحة البیع یرفع ذلک أو یقال إن السبب نفسه أقوی فی التأثیر من استدامة الأول أو غیر ذلک مما یتجه معه حینئذ بطلان النکاح فیما نحن فیه" انتهی.
و فی الجمیع نظر لأن استظهار منع الجمع من الآیة الکریمة إن کان من جهة التعبیر بأو کما یستفاد من کلام بعضهم ففیه أن التعبیر بأو کما یصح فی المنفصلة
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 309
الحقیقیة و فی مانعة الجمع کذلک یصح فی مانعة الخلو و لا ظهور له فی أحد الوجوه مع قطع النظر عن القرینة فلا یصح الاستدلال به علی منع الجمع و لا قرینة فی المقام تدل علی کون التفصیل بینهما علی وجه منع الجمع بل یمکن أن یقال إن القرینة قائمة علی أن التفصیل بینهما علی وجه منع الخلو فإن قوله تعالی:" فَمَنِ ابْتَغیٰ وَرٰاءَ ذٰلِکَ فَأُولٰئِکَ هُمُ العٰادُونَ*" ناظر إلی أن استباحة الوطی لا تخلو عن أحد السببین و إن کان من جهة استفادة أن کلا من السببین کاف فی استباحة الوطی و علة تامة لها مطلقا کما یستفاد من کلام بعضهم و لازم کون کل منهما علة تامة لاستباحة الوطی مطلقا عدم جواز اجتماعهما علی موضوع واحد إذ مع اجتماعهما علی موضوع واحد إما یبطل تأثیر کل منهما فیسقطان عن صفة التمامیة و کلاهما مناف لکون کل منهما علة تامة لاستباحة الوطی علی سبیل الإطلاق.
ففیه أن استباحة الوطی بکل من السببین إنما توجب أن یکون کل منهما تاما اقتضاء و مستقلا فی التأثر فی حد نفسه و لا ینافی تمامیة کل منهما فی حد نفسه مع عدم استقلال کل منهما فی التأثیر بسبب اجتماعهما علی محل واحد مع عدم التنافی بینهما کما لا ینافی سقوطهما عن التأثیر رأسا عند اجتماعهما علی موضوع واحد و تنافیهما فی التأثیر مع بقائهما علی صفة العلیة اقتضاء.
فتبین بما بیناه أنه لا ضیر فی اجتماع العلتین سواء کانتا عقلیتین أو شرعیتین و ما یظهر من صاحب المسالک من التفصیل بین العلل العقلیة و الشرعیة فی غیر محله مع أن ما ذکره و اشتهر بینهم من أن العلل الشرعیة معرفات فی غیر محله ضرورة أن الطهارة و الحدث إنما یتحصلان بأسبابهما لا أن أسبابهما معرفات و علائم علی حصولها بلا سبب مقارنة لأسباب أو متقدمة علیها.
و هکذا الحال فی سائر الأسباب الشرعیة بالنسبة إلی مسبباتها.
هذا مع أنه لو سلم عدم جواز اجتماعهما علی محل واحد لزم بطلان الطاری لا السابق، ضرورة أن أثر السابق ثابت قبل طرو الطاری فلا مجال لطروه بعد ثبوت
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 310
أثر السابق، و ما ذکره من أنه یمکن أن یقال إن الإجماع علی صحة البیع یرفع التزویج فی غایة البشاعة إذ بعد فرض عدم جواز اجتماعهما فی محل واحد لا یعقل صحة البیع مع ثبوت التزویج حتی یرد صحیحا و یرفع التزویج و لا رافع له غیر البیع کما هو المفروض و الإجماع لا یصحح الأمر الغیر المعقول.
و أما ما ذکره ثانیا من أنه یجوز أن یقال إن السبب نفسه أقوی فی التأثیر من استدامة الأول فأبشع لأن أقوائیة أحد السببین إنما یؤثر سقوط السبب الآخر عن التأثیر إذا تنافیا فی الأثر و تقارنا و أما إذا لم یتنافیا فی الأثر فلا یتعارضان حتی یتقدم أقواهما علی أضعفهما فإن تقارنا حینئذ اشترکا فی التأثیر و إن ترتبا ینفرد المتقدم بالتأثیر و لا أثر للمتأخر لاشتغال المحل بالمثل سواء کان أقوی من المتقدم أم لا فلا مجال لسقوط الأضعف بالأقوی فی المقام من وجهین: الأول: عدم تقارنهما فی الوجود.
و الثانی عدم التنافی بینهما فی الأثر بل لو فرض التنافی بینهما فی المقام لا مجال لتأثیر الأقوی، منهما لأن الأقوائیة إنما تؤثر مع تقارنهما.
و أما عدم تقارنهما فالأثر للمتقدم علی کل حال و لا ینافی ما بیناه تأثیر المتأخر من سببی الطهارة و الحدث فی الارتفاع و الانتقاض لأن تأثیر المتأخر منهما لیس من جهة تعارض السببین و تقدیم المتأخر منهما بل جهة إعمال السببین لعدم تعارضهما فإن ارتفاع الحدث بسبب الطهارة أو انتقاضها بسبب الحدث لا یعارضه السبب الأول و لا ینافیه، إذ السبب الأول إنما یؤثر حدوث الحدث أو الطهارة و لا یستند إلیه بقاؤه و إنما یکون باقیا من جهة أنه فی حد نفسه قار الذات لا یزول إلا بمزیل فکل من السببین یؤثر أثره لعدم المعارض و المانع من تأثیره.
و التحقیق فی وجه بطلان تزویج الأمة باشترائها الزوج ما حققناه و فصلنا الکلام فیه فی محله، و إجماله أن ملک البضع الحاصل بالتزویج من قبیل ملک الانتفاع لا المنفعة و لذا لو وطئت الزوجة شبهة أو إکراها ثبت مهر المثل علی الواطئ للزوجة
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 311
لا لزوجها و لو کان من قبیل ملک المنفعة لزم رجوع مهر المثل إلی الزوج لا الزوجة و من شأن ملک الانتفاع زواله بتجدد ملک العین و الرقبة لمالک الانتفاع فإن المستعیر أو الودعی أو الوکیل إذا اشتری العین المستعارة أو المودعة أو الموکل فیها تبطل استعارته و ودیعته و وکالته إذ لا مجال لکون مالک الرقبة مالکا للانتفاع من العین المشتراة من قبل البائع الذی انتقلت الرقبة و العین مستتبعة للمنفعة عنه، لأن مرجع ملک الانتفاع إلی الرخصة فی الانتفاع لا استحقاق المنفعة فلا یتصور بقاء الرخصة من قبل المالک الذی زال ملکه عینا و منفعة لمن انتقل الملک إلیه.
فإن قلت: کما أن من شأن ملک الانتفاع عدم مجامعته مع ملک الرقبة المستتبع لملک المنفعة کذلک من شأنه الجواز و عدم اللزوم ذاتا مع أن عقد التزویج لازم.
قلت: نعم من شأن ملک الانتفاع الجواز ذاتا و لکن لا ینافیه اللزوم تعبدا و لذا لا یکون اللزوم فیه من قبیل لزوم عقد البیع و سائر عقود المعاوضات مستندا إلی نفس العقد قابلا للإسقاط بجعل الخیار فیه، بل لزومه من قبیل لزوم الهبة المعوضة و هبة ذی رحم حکم غیر قابل للإسقاط.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 312‌

(فائدة 44) [إذا نذر صوم یوم الجمعة دائما فوافق ذلک الیوم یوم عید فطر أو أضحی]

فی الکافی عن أبی علی الأشعری عن محمد بن عبد الجبار عن علی بن مهزیار قال:"
کتبت إلیه یعنی إلی أبی الحسن علیه السلام یا سیدی رجل نذر أن یصوم یوما من الجمعة دائما ما بقی، فوافق ذلک الیوم یوم عید فطر أو أضحی أو أیام التشریق أو سفر أو مرض هل علیه صوم ذلک الیوم أو قضاؤه و کیف یصنع یا سیدی؟ فکتب إلیه:" قد وضع الله عنه الصیام فی هذه الأیام کلها و یصوم یوما بدل یوم إنشاء الله
". أقول: و یستفاد من هذه الروایة الشریفة الصحیحة الساطعة منها أنوار العصمة و الإمامة أنه ینعقد النذر فیما وافق هذه الأیام إذا کان النذر متعلقا بکلی یجوز انفکاکه عنها و تکون موافقته معها اتفاقیا و إن حرم صومه حینئذ و وجب الإفطار، ضرورة أن الحکم بالقضاء و صیام یوم بدل یوم فرع فوت الأصل و فوته فرع ثبوته بالنذر و هو فرع انعقاده.
و لعلک تقول إن کان النذر منعقدا بالنسبة إلی ما وافق هذه الأیام و لا ینحل فمقتضاه وجوب صومه لا حرمته و وجوب إفطاره و إن انحل و لم یکن منعقدا فیه فمقتضاه عدم ثبوت القضاء لعدم وجوب الأصل حینئذ حتی یجب قضاؤه.
قلت: مستعینا برب الأرباب و أمنائه الأطیاب علیهم السلام أن انعقاد النذر یقتضی وجوب المنذور علیه، و أما تنجزه فهو فرع استجماع شرائط التنجز من قدرته علی إتیانه و عدم مزاحمته بأقوی منه و عدم المانع من تحقق الامتثال، فإن لم یقدر علیه
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 313
أو زوحم بأقوی منه أو تحقق مانع من الامتثال یصیر معذورا فی ترکه و یجب علیه القضاء حیث کان له قضاء فإن قلت: الموضوع الواحد لا یقبل حکمین مختلفین من وجهین حتی یقع التزاحم بینهما و یتقدم الأقوی منهما، و الموضوع واحد فی المقام و هو صوم یوم معین اجتمعت فیه جهتان کونه جمعة و عیدا و هکذا.
قلت: الموضوع فی المقام متعدد و إن اجتمعا فی مصداق واحد لأن یوم الجمعة فی حد نفسها مغایر لهذه الأیام و منفک عنها کما أنها منفکة فی حد نفسها عنه، و الحکم فی کل منهما متعلق بأمر کلی یجوز انفکاک کل منهما عن الآخر فلا یضر اجتماعهما فی یوم واحد و تصادقهما علیه فی أصل الحکم و إنما یتزاحمان فی مرحلة التنجز فإن تساویا یتخیر المکلف بینهما لعدم المرجح و إلا یتنجز الأقوی منهما و یصیر معذورا فی الآخر و یترتب علیه القضاء إن کان له قضاء و لما کان حرمة صوم هذه الأیام أهم عند الشارع من وجوب الصوم المنذور و تقدم الحکم بالتحریم علی وجوب الوفاء بالنذر و صار الناذر معذورا فی عدم الوفاء وجب علیه الإفطار و القضاء.
نعم لو تعلق النذر بیوم معین شخصی و وافق هذه الأیام کما لو نذر صوم غد، و وافق أحد هذه الأیام لا ینعقد نذره لعدم رجحان متعلقة حینئذ.
فإن قلت: إذا نذر الناذر صوم یوم الجمعة دائما فلا یخلو الأمر من أحد وجوه ثلاثة: الأول: جعل یوم الجمعة ظرفا للمنذور مطلقا أی سواء وافق الأیام المحرمة الصوم أو لا.
و الثانی: جعله مقیدا بعدم موافقته معها.
و الثالث: أخذه مهملا و لا یجوز أخذه مهملا و إلا لزم بطلان النذر حینئذ لإبهام متعلقة حینئذ، و لا مطلقا و إلا لزم انعقاد النذر فیما إذا کان المتعلق مرجحا و هو ما وافق الأیام المحرمة الصوم، و لجاز نذر صوم یوم العید بعینه حینئذ إذ لا فرق بین انعقاد نذر صومه بخصوصه أو فی ضمن المطلق الشامل له و لغیره، و إذا لم یجز کونه مهملا و لا مطلقا فلا بد من جعله مقیدا فینحل النذر حینئذ
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 314
بالنسبة إلی ما وافق الأیام المحرمة و لا یجب قضاء صومه کما اختاره المحقق (قدس سره) حیث قال: و الأشبه عدم وجوبه.
قلت: إذا کان الکلی راجحا فی حد نفسه و لا یلازم أمرا مرجوحا یصح جعله منذورا من دون تقیید و ینعقد نذره مطلقا و لا ینافیه طرو المرجوحة علی أفراده أحیانا لأن الفرد لا یکون متعلقا للنذر ابتداء و إنما یتعلق به النذر من جهة انطباق الکلی علیه.
و من المعلوم أن مرجوحیة الفرد من جهة اجتماعه مع عنوان موجب للإفطار لا یوجب عروض المرجوحیة علی الکلی الذی هو متعلق النذر فلا یضر بقاء الکلی علی رجحانه فلا یوجب تقیید النذر بغیر هذا الفرد، نعم إذا تعلق النذر بفرد بعینه یجب أن یکون راجحا بخصوصیاته المشخصة فلا ینعقد صوم یوم العید لأنه مرجوح بحسب خصوصیاته الشخصیة و النذر تعلق بشخصه ابتداء فلا ینعقد و یبطل.
و الحاصل: أن الحکم العرضی المتعلق بالکلی کالحکم الأصلی المتعلق به فکما لا ینافی تعلق وجوب صوم رمضان بالبالغ العاقل إطلاقا مع حرمة الإتیان به فی حال المرض و السفر و لا یوجب عروض المنع من الامتثال فی الحالین تقیید وجوب الصوم و لذا بجب قضاؤه علی المریض و المسافر بعد البرء و الحضور، فکذلک الأمر فی الوجوب العرضی الثابت بالنذر.
فإن قلت: الحکم التکلیفی عبارة عن الخطاب الإنشائی من إباحة الفعل أو طلبه أو طلب ترکه أو معلول عنه و لا یصلح الخطاب الإنشائی إلا لمن استجمع شرائط التکلیف من البلوغ و العقل و القدرة عقلا و شرعا، ضرورة أنه لا یجوز طلب الفعل و الترک ممن لا یقدر علی الفعل عقلا أو شرعا، و قضاء کل من المریض و المسافر و الحائض صومه لا یدل علی بقاء الأمر الأول لأن القضاء بأمر جدید لا بالأمر الأول فلا یمکن تعلق نذر یوم الجمعة بما وافق الأیام المحرمة لعدم جواز تعلق
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 315
خطاب:" فه بنذرک" إلا بمن قدر علیه عقلا و شرعا، و إذا وافق یوم الجمعة أحد الأیام المحرمة الصوم لا یقدر الناذر علی وفاء النذر شرعا فکیف ینعقد نذره حینئذ.
قلت: الحکم التکلیفی سابق علی الخطاب و الإنشاء ضرورة أن استحقاق العقاب الذی هو من آثار مخالفة الحکم لا عن عذر مترتب علی مخالفة الإرادة النفسیة الحتمیة الثابتة فی نفس المولی و إن لم یکن فی البین خطاب و الإنشاء و الخطاب إنما یؤثر فی تنجیز الحکم من جهة کونه أحد أسباب العلم بالحکم و رفع العذر عنه بل الحکم المولوی سابق علی الإرادة النفسیة الفعلیة لترتب استحقاق العقاب علی مجرد تحیث الواقعة بحیثیة من الحیثیات الخمسة بالنسبة إلی نفس المولی بحیث لو سئل عنها لأراد فعلها أو ترکها حتما أم ندبا أو ترخص فیها.
فالحکم فی الحقیقة عبارة عن إتقان الواقعة و خروجها عن التزلزل بالنسبة إلی الحیثیات الخمسة فی نظر المولی و إن کان غافلا عنها، فلا یدور الحکم التکلیفی مدار الإرادة الفعلیة فضلا عن دورانه مدار الخطاب و الإنشاء، بل قد یکون الحکم متعلقا بالمکلف مع توجه الخطاب بخلافه إلیه کالمریض و المسافر فإنهما فی هذا الحال معذوران عن الصوم ممنوعان منه مخاطبان بالترک مع وجوبه علیهما تعلقا و لذا یقضیانه.
و توهم أن وجوب القضاء لا یدل علی تعلق الحکم به لأن القضاء بأمر جدید وهم فاحش ضرورة أن القضاء فرع الفوت و الفوت فرع التعلق فلا یعقل ثبوت القضاء مع عدم التعلق، و لا ینافی ذلک مع کون القضاء بأمر جدید إذ معناه أنه أولا الأمر الجدید لم یعلم أن له قضاء إذ لیس کل فائت له قضاء لا أن معناه أن القضاء تکلیف جدید مستقل بل قد یتنجز الحکم علی المکلف مع عدم جواز مخاطبته به کمن توسط أرضا مغصوبة عمرا عصیانا فإن تحریم الغصب منجز علیه فی هذا الحال
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 316
و لذا یستحق العقاب علیه و لا یکون معذورا لعجزه لأن الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار مع عدم جواز صدور لا تغصب بالنسبة إلیه.
و ما قیل: من أن عقابه إنما هو علی مخالفة الحکم الثابت قبل دخوله المغصوبة فی غیر محله إذ لا یعقل استحقاق العقاب علی ارتکاب أمر لم یکن حراما حین ارتکابه.
و بما بیناه تبین غایة التبین أن الحکم بالإفطار و ثبوت القضاء موافق للأصل و منطبق علی القواعد العامة.
و منه یتبین أن من نذر زیارة مولانا أبی عبد الله الحسین علیهم السلام فی کل عرفة فاستطاع الحج یجب علیه تقدیم لحج و قضاء زیارة یوم عرفة.
توضیح الحال فیه أن زیارة الحسین علیها السلام فی عرفة راجح فی حد نفسه فینعقد نذره مطلقا، وجوب الحج و یتنجز لأهمیته عند الشارع من وجوب الوفاء بالنذر فیصیر معذورا فیه و علیه قضاؤه لأن القضاء فرع التعلق لا التنجز.
و ما قیل: من عدم وجوب الحج حینئذ لانعقاد نذر زیارة یوم عرفة مطلقا و انعقاده کذلک مانع عن تعلق وجوب الحج لعدم إمکان اجتماع وجوبهما حینئذ و قد حصل المتقدم حیث لا مانع فلا یحصل المتأخر فی غیر محله إذ لا مانع من ثبوت وجوب کل منهما فی حد نفسه علی وجه الإطلاق اقتضاء و إنما یتزاحمان فی مرحلة التنجز فیقدم الأهم حینئذ و من المعلوم أن وجوب حجة الإسلام أهم فیقدم و یصیر معذورا فی الوفاء بالنذر.
فإن قلت: وجوب حجة الإسلام فرع ثبوت الاستطاعة و مع انعقاد النذر مطلقا لا یکون الناذر مستطیعا للحج فلا یتعلق وجوب الحج به حینئذ.
قلت: انعقاد النذر کذلک إنما یمنع الاستطاعة للحج إذا کان وجوب الوفاء به لهم من وجوب حجة الإسلام لا مطلقا.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 317
و ما قیل من انحلال النذر بالنسبة إلی عام الاستطاعة لعدم جواز تعلق النذر بزیارة قبر مولانا الحسین (علیه السلام) یوم عرفة فی عام الاستطاعة فی غیر محله أیضا لما عرفت من عدم وجود مانع من ثبوت الحکمین علی وجه الإطلاق لتغایر موضوعیهما فی حد أنفسهما و عدم ملازمة أحدهما للآخر و اجتماعهما فی مصداق واحد أحیانا لا یؤثر فی رفعهما أو رفع أحدهما، و إنما یقع التزاحم فی مرحلة التنجز.
و بما حققناه یظهر لک حال سائر الفروع المرتبطة بالمقام فافهم و اغتنم.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 318‌

(فائدة 45) [فی معنی الاسمی و الحرفی]

اتفق القوم علی أن المعنی الاسمی مستقل و المعنی الحرفی إلی غیر مستقل لکن اضطربت کلماتهم فی تفسیر الاستقلال و عدمه.
و المعروف بینهم ما ذکره المحقق الشریف من أن المعنی إن لوحظ قصدا و بالذات فهو معنی مستقل اسمی و إن لوحظ تبعا و آلة لتعرف حال غیر فهو معنی آلی حرفی، فکل مفهوم یجری فیه اللحاظان کالمعانی النسبیة یقبل أن یوضع بإزائه اسم باللحاظ الأول و حرف باللحاظ الثانی کمفهوم الابتداء حیث وضع بإزائه لفظ الابتداء باللحاظ الأول و لفظة من باللحاظ الثانی.
و فیه أن المعانی النسبیة و إن کانت تابعة فی الوجود لوجود المنتسبین و لا وجود لها استقلالا بل وجودها فی الخارج عبارة عن خصوصیة وجود المنتسبین إلا أنها فی مرحلة القصد مقصودة بالذات بمعانیها الحرفیة، فإن المقصود بالأصالة فی القضایا إنما هو إفادة الإسناد الثابت فیها إیجابا أو سلبا، و ما یتبعه من القیود و الموضوع و المحمول مع أنهما مفهومان مستقلان لا یتعلق بهما القصد إلا باعتبار وصف الموضوعیة و المحمولیة الراجع إلی الإسناد الثابت بینهما.
و أیضا لو سلم أن قوام المعنی الاسمی بلحاظه قصدا و بالذات، و قوام المعنی الحرفی بلحاظه تبعا و توطئة للغیر لزم أن تکون ألفاظ الکنایات حال کونها کنایات حروفا لأن معانیها الحقیقیة حینئذ ملحوظة لإفادة ملزوماتها أو لوازمها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 319
و بعضهم فسر الاستقلال و الآلیة بما فسره المحقق الشریف لکن مع القول بخروجهما عن الموضوع له، و الالتزام بهما فی مرحلة الاستعمال من جهة اشتراط الواضع حین الوضع أن لا یستعملهما إلا کذلک.
و فیه مضافا إلی ما مر فی کلام الشریف أنه لا تأثیر لاشتراط الواضع مع إطلاق الموضوع له.
و التحقیق أن الحروف آلات و أدوات متممة لأنحاء استعمالات الأسماء و مرکبة للکلمات بعضها مع بعض، فهی موجدة لمعانی معتورة فی لفظ غیرها.
توضیح ذلک أن القضیة علی أقسام ثلاثة: لفظیة و ذهنیة و خارجیة و کل منها یشتمل علی أجزاء ثلاثة المسند إلیه و المسند به و الإسناد، و الإسناد اللفظی مغایر للإسناد الذهنی کما أن الإسناد الذهنی مغایر للنسبة الخارجیة و اللفظ الحاکی عن النسبة الخارجیة لا یوجب النسبة اللفظیة و لا یتم به أمر القضیة اللفظیة و إنما یصلح القضیة اللفظیة ما یوجد النسبة بین الألفاظ و یتم به أمر استعمالها.
و لذا تری أن الإسناد الاختصاصی الاستعلائی و الظرفی فی القضیة اللفظیة لا یتحصل إلا باللام و علی و فی، و لا یتحصل بلفظ الاختصاص و الاستعلاء و الظرفیة و هکذا الأمر فی سائر الموارد، فإن القضیة اللفظیة لا تتم إلا بالحروف أو ما بمنزلتها من الهیئة الترکیبیة أو الاشتقاقیة، و هذا معنی ما أفاده مهبط الوحی (علیه السلام) من أن" الحرف ما أوجد معنی فی غیره" علی ما رواه فی العوالم و نفائس الفنون.
و أما ما فی بعض النسخ من أن" الحرف ما أنبأ عن معنی لیس باسم و لا فعل" فلعله نقل بالمعنی، لأن المعنی الحرفی الموجد فی لفظ الاسم أو الفعل یترتب علیه الإنباء عن النسبة الذهنیة و الخارجیة.
و کیف کان فقد تبین بهذا البیان أن مرجع عدم استقلال المعنی الحرفی إلی کونه وجها من وجوه استعمال لفظ غیره، کما أن مرجع استقلال المعنی الاسمی إلی کونه مستعملا فیه بنفسه و عدم کونه وجها من وجوه استعمال لفظ آخر
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 320
و قد اختلط الأمر علی بعض المعاصرین فی المقام فجمع بین ما استفدناه من کلام مولانا أمیر المؤمنین علیه و علی أبنائه الطاهرین سلام الله الملک الأمین و ما ذکره المحقق الشریف بل جعل مدار الفرق علی ما ذکره الشریف، فقال بعض مقرری بحثه أن" الفرق بین المعنی الاسمی و الحرفی یبتنی علی أربعة أرکان: الأول: أن معانی الحروف بأجمعها إیجادیة.
و الثانی: أن لازم کون المعانی الحرفیة إیجادیة أن لا واقع لها بما هی معان حرفیة فی غیر التراکیب الکلامیة.
الثالث: عدم الفرق بین الهیئات فی الأخبار و الإنشاء فی أن معانیها إیجادیة.
الرابع: أن المعنی الحرفی حاله حال الألفاظ حین استعمالاتها فکما أن المستعمل حین الاستعمال لا یری إلا المعنی و غیر ملتفت إلی الألفاظ، کذلک المعنی الحرفی غیر ملتف إلیه حال الاستعمال بل الملتفت إلیه هی المعانی الاسمیة الاستقلالیة.
توضیح ذلک أنک تارة تخبر عن نفس السیر الخاص فتقول: سرت من البصرة فالنسبة الابتدائیة فی هذا المقام مغفول عنها، و أخری عن نفس النسبة فتقول النسبة الابتدائیة کذا فهی الملتفت إلیها.
و هذا الرکن هو الرکن الرکین و بانهدامه ینهدم الأرکان کلها، فإن المعانی الحرفیة لو کانت ملتفتا إلیها لکانت إخطاریة و لکان لها واقعیة سوی التراکیب الکلامیة انتهی ما أردناه.
و کأنه زعم أن لازم کون المعانی الحرفیة الموجدة فی التراکیب و هی النسب اللفظیة توطئة کاللفظ کون ما یقابلها من النسب الذهنیة و الخارجیة کذلک و هو غفلة واضحة، لأن کون النسب اللفظیة توطئة لا یلازم کون ما یقابلها توطئة بل یستحیل ذلک فی النسب النفس الأمریة، إذ لا یقابلها شی‌ء حتی یکون توطئة له نعم یتصور ذلک فی النسب الذهنیة فإنها قد تلحظ توطئة لإفادة النسبة الخارجیة کما هو الشائع الغالب فی القضایا الصادرة من المتکلم فی مقام الإفادة و الاستفادة،
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 321
و قد تلحظ أصالة کمقام الإفتاء و الشهادة و إظهار الحیاة و الفضل، بل قد عرفت مما حققناه أن القصد و العنایة إنما تتعلق بالنسب فإن المقصود فی القضایا إنما هو إفادة الإسناد الثابت فیها.
و أما نفس الموضوع و المحمول فمع قطع النظر عن وصف الإسناد لا یتعلق به غرض أصلا کما هو ظاهر، و لذا خص المعنی الذی هو محل العنایة و القصد فی کلام مولانا أمیر المؤمنین (علیه السلام) بالحرف و ما ذکره من أن النسبة الابتدائیة فی قولک: سرت من البصرة مغفول عنها لأنک تخبر عن السیر الخاص حینئذ فی غیر محله لأن الإخبار عن السیر الخاص إخبار عن ثبوت السیر له علی وجه مبدئیة البصرة له، فالخاص بخصوصیة مقصود للمتکلم فکیف تکون الخصوصیة مغفولا عنها.
نعم هناک نسبتان تامة و هی مفاد هیئة الفعل و ناقصة تقییدیة و هی مفاد للفظة من فی المثال المزبور و النسبة التامة مقصودة أصالة و أما الناقصة فهی مقصودة تبعا لها بمقتضی کونها قیدا للتامة لا أنها مغفول عنها و توطئة لأمر آخر.
مع أنه لو سلم کون النسب الناقصة التقییدیة مغفولا عنها و أن قوام المعنی الحرفی به لزم أن تکون النسب التامة معانی اسمیة، فیلزم أن تکون النسبة المستفادة من هیئة الفعل معنی اسمیا إذا کانت تامة و معنی حرفیا إذا کانت ناقصة کان ضرب مثلا، و أن تکون الابتداء و الاختصاص و الاستعلاء و الظرفیة فی قولک سیری من البصرة و المال لزید و زید علی السطح و بکر فی الدار معانی اسمیة فی الأمثلة المزبورة لأنها حینئذ تامة لا ناقصة، و لذا یکون المجرور بالحرف فیها خبرا عما قبله و بطلان اللوازم بین علی أنه قد یکون المعنی الحرفی الموجد فی عالم اللفظ مقصودا بالأصالة لاتحاد وجوده الخارجی مع وجوده فی عالم اللفظ، کمعانی حروف النداء فإن النداء مقصود أصالة و لا یکون توطئة لنداء آخر.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 322
و الحاصل أنه لم یحقق ما ذکره أولا و لم یتأمل فی مفاد الروایة الشریفة حق التأمل فخلط به ما قرع الأسماع، و اشتهر فی الأفواه من أن المعنی الحرفی ملحوظ تبعا لا قصدا و بالذات.
لا یقال: یمکن أن یکون المراد من قوله: فالنسبة الابتدائیة فی هذا المقام مغفول عنها النسبة الابتدائیة المتعلقة باللفظ لا النسبة الخارجیة فلا یرد ما ذکرت.
قلت: کلامه فی المخبر عنه و النسبة الابتدائیة فیه إنما هی النسبة الخارجیة، و أما النسبة الابتدائیة المتعلقة باللفظ فإنما هی متعلقة بالجملة الخبریة و لا ترتبط بالمخبر عنه بوجه.
و بعض المتأخرین مع موافقته لما اشتهر و شاع مما فسر به الاستقلال و الآلیة زعم أنه لا یمکن ورودهما علی معنی واحد باختلاف اللحاظ، و قال:" إن مقتضی النظر الدقیق أن المعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات لا اشتراک لهما فی طبیعی المعنی الواحد.
و البرهان علی ذلک هو أن الاسم و الحرف لو کانا متحدی المعنی و کان الفرق بمجرد اللحاظ الاستقلالی و الآلی لکان طبیعی المعنی الواحد قابلا لأن یوجد فی الخارج علی نحوین کما یوجد فی الذهن علی طورین مع أن الحرفی کأنحاء النسب و الروابط لا یوجد فی الخارج إلا علی نحو واحد و هو الوجود لا فی نفسه و لا یعقل أن توجد النسبة فی الخارج بوجود نفسی و إلا لم یکن ثبوت شی‌ء لشی‌ء بل ثبوت أشیاء ثلاثة فنحتاج إلی رابطة أخری" انتهی.
و فیه مضافا إلی ما مر فی کلام المشهور أن تحقق الاختلاف فی مرحلة النظر و اللحاظ لا یتوقف علی قبوله الوجود فی الخارج علی نحوین فإن النسبة الواحدة ترد تامة و ناقصة باختلاف لحاظ المتکلم و نظره، و لا اختلاف بینهما فی الخارج بالضرورة و من هنا اشتهر بینهم أن الأوصاف قبل العلم بها أخبار و الأخبار بعد العلم بها أوصاف.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 323
و السر فیه أن النقص و التمام إنما ینتزعان من لحاظ المتکلم النسبة أصالة و تبعا لا من صفة موجودة فی الخارج حتی یجب وجود منشئهما فی الخارج و هکذا الأمر فی صفة الاستقلال و الآلیة فإنهما منتزعان من لحاظ المتکلم علی وجه الآلیة و الاستقلال علی المشهور و لا ینافی ما بیناه من قبول اللحاظ الاستقلال و النقص کون النسبة بحیث لو لوحظت فی حد نفسها و لو خلیت و طبعها تکون تامة غیر مستقلة و الحاصل أن الأمر الواحد یقبل الاتصاف بصفتین متقابلتین إذا کان منشأ انتزاعهما اختلاف لحاظ المتکلم و الاستقلال و الآلیة بالمعنی الذی ذکروه یرجعان اختلاف لحاظ المتکلم و نظیر عروض الآلیة و الاستقلال علی المعنی الواحد عروضهما علی لفظ واحد باختلاف لحاظه استقلالا و توطئة لإراءة المعنی، غایة الأمر أن اللفظ فی حد نفسه مستقل و الآلیة عارض عکس النسبة.
ثم استشکل علی نفسه بأنه إذا لم یکن بین الاسم و الحرف قدر جامع فما المحکی عنه بلفظ الربط و النسبة و الظرفیة أشباهها من المعانی الاسمیة.
فأجاب بأنه لیس المحکی عنه بتلک الألفاظ إلا مفاهیم و عناوین لا حقیقة الربط و النسبة و بالجملة المعانی علی قسمین بالإضافة إلی ما فی الخارج، فتارة من قبیل الطبیعی و فرده و الجامع بین الموجود و الخارجی متحقق و أخری من قبیل العنوان و المعنون، و العنوان لا یتعدی عن مرحلة الذهن و هو غیر المعنون ذاتا و وجودا انتهی.
و فیه أولا أنه إذا لم یکن متحدا مع المعنون ذاتا و لا وجودا فکیف یکون عنوانا له و ما یتوهم من أن المراد بکونه عنوانا للمعنی الحرفی أنه حاک عنه و یجوز التباین بین الحاکی و المحکی عنه فإن العلة و المعلول متباینان و کل منهما حاک عن الآخر.
ففیه أولا أن تفسیر العنوان بالحاکی فی غیر محله.
و ثانیا أن حکایة شی‌ء عن شی‌ء آخر، لا بد أن یکون لمناسبة ذاتیة أو وضعیة و لا یعقل الحکایة مع عدمها بأحد الوجهین و لا مناسبة ذاتیة بین المفهومین حینئذ لعدم العلیة و لا وضعیة لعدم الوضع.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 324
و ثانیا یلزم حینئذ أن یکون الربط و الظرفیة و الاختصاص و الاستعلاء و هکذا من قبیل المفاهیم الممتنعة الوجود کاجتماع الضدین و ارتفاع النقیضین، حیث لا تکون موجودة إلا فی الذهن کسائر الممتنعات و ثالثا أن یلزم عدم صحة قولک، ابتداء سیری من البصرة مثلا لأن المحکوم علیه حینئذ إن کان نفس العنوان فهو کذب لأن ما فی الذهن لا یتعلق بما فی الخارج و هو السیر و إن کان باعتبار المعنون الذی هو معنی حرفی فهو باطل لأن المعنی الحرفی لا یصلح وقوعه محکوما علیه بما هو معنی حرفی و إذا کان اللفظ توطئة للعنوان و العنوان للمعنون لزم کون المعنی الحرفی بما هو معنی حرفی محکوما علیه، و بطلان اللوازم فی غایة الوضوح.
و بالجملة سخافة هذا الکلام مما لا تخفی بل لا یکاد تحصی مفاسده.
و توهم أن لفظ العدم من هذا القبیل حیث إنه لا یحکی إلا عما هو موجود فی ظرف الذهن لا عما هو عدم بالحمل الشائع و هم، فإن للفظ العدم موضوع بإزاء نفس العدم مع قطع النظر عن وجوده فی الذهن لا بإزائه بقید وجوده فی الذهن حتی یصیر عنوانا لنفس العدم بزعمه، فلا یکون حاکیا إلا عن نفس العدم و أعجب منه توهم أن الأمر فی لفظ الوجود کذلک بناء علی أصالة الوجود لأنه إن أراد أن تصور الوجود فی الذهن لیس وجودا للوجود فیه فهو صحیح و لکنه لا ینفعه، إذ یکفی فی وضع اللفظ للمفهوم تصوره فی الذهن و لا یلزم وجوده فیه بل قد بینا فی محله أن تصور الشی‌ء فی الذهن لیس وجودا للمتصور حقیقة مطلقا و أن التعبیر بالوجود الذهنی کالتعبیر بالوجود اللفظی و الکتبی توسع فی التعبیر.
و ما توهم من أنه وجود ظلی ضعیف للمتصور حقیقة و إلا لزم عدم صدق القضایا الحقیقیة غلط فاحش، و إن أراد أن الوجود غیر متصور أصلا و المتصور أمر آخر وراء الوجود و أن الشخص إذا حاول تصور الوجود یقع تصوره علی أمر آخر لا یکون متحدا مع الوجود ذاتا و وجودا و مع ذلک فهو عنوان للوجود فهو بدیهی البطلان و أیضا یلزم أن یکون المتصور للوجود متصورا للعدم أو الماهیة لانحصار المفاهیم فی ثلاثة و لیس وراء الوجود إلا العدم و الماهیة و هو أقبح و أشنع.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 325‌

(فائدة 46) [فی العقد الفضولی]

قد اشتهر بین الفقهاء قدس الله أسرارهم أن إجازة الأصیل العقد الفضولی کاشفة عن صحة العقد حینه لا ناقلة من حینها و أنها إنما تؤثر ما لم تسبق بالرد لأنه یستقر فی البطلان بالرد کما یستقر فی الصحة بالإجازة فلا مجال لتأثیر الإجازة حینئذ بعد الرد.
و قد استشکله بعض الفضلاء المعاصرین سلمه الله تعالی، و قال، ما محصله: إن فعل الفاعل لا یمکن أن یستند إلی غیره بوجه من الوجوه لعدم صدوره إلا عن فاعله فالعقد بالمعنی المصدری الذی هو فعل المتعاقدین لا یعقل أن یستند إلی المالک و إنما یستند إلیه بإجازته معنی اسم المصدر منه و هو المعنی المنتزع من فعل المتعاقدین، و هی المبادلة القائمة بالمالین فی عقد البیع، و إسناد الإجازة إلی العقد بالمعنی المصدری تسامح بل الأمر فی الوکالة أیضا کذلک فإنها فی الحقیقة راجعة إلی رضی المالک بوقوع المبادلة مثلا، فالأمر المتزلزل الذی یستقر بإجازة المالک إنما هو الأمر المنتزع لا منشأ الانتزاع فإنه مستقر فی کونه فعلا لفاعله و لا یتطرق التزلزل فیه بوجه و هذا المعنی الانتزاعی المتزلزل إنما یستقر فی الصحة بإجازة المالک لاستناده إلیه و لا یستقر فی البطلان برد المالک، لأن رده لا یؤثر فی بطلان فعل غیره إذ لا سلطنة للمالک علی فعل غیره حتی یجعله باطلا، علی أن منشأ الانتزاع و هو الإنشاء علة تامة لحدوث الأمر المنتزع، فلا یعقل تخلفه عن الإنشاء کما لا یعقل انقلاب حدوث الإنشاء
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 326
إلی اللاحدوث و مقتضی بقائه بعد رد المالک نفوذ الإجازة فیه بعد الرد کما یظهر ذلک من صحیحة ابن قیس الواردة فی باب البیع.
و من هذا البیان یتبین أیضا أن الإجازة ناقلة لا کاشفة لأنها إنما تتعلق بالمعنی الانتزاعی الباقی حال الإجازة فیستقر فی الصحة من حین لحوق الإجازة و لا تتعلق بمنشإ الانتزاع و هو فعل المتعاقدین حتی وجب استقرار العقد حین صدوره.
ثم اعترض علی نفسه فقال:" فإن قلت: ینافی ما بیناه الروایة الواردة فی باب النکاح الدالة علی تنفیذ العقد الفضولی بعد موت أحد الزوجین فإنها تدل علی أن الإجازة إنما ترتبط بالعقد المصدری، ضرورة أن العلقة قائمة بالزوجین و بموت أحدهما لا مجال لتحققها.
قلت: الزوجیة قائمة بنفس الزوجین أی الجوهر المجرد المعبر عنه بالنفس الناطقة و بعد موت الشخص لا ینعدم و لذا یحکم بثبوت العدة بعد الموت، و أنه لو أحیی المیت بإحیاء الله جل شأنه تبقی الزوجیة بحالها و انقطاع کل منهما عن الآخر بعد العدة إنما هو لتنزیل الشارع العلقة منزلة العدم باعتبار عدم إمکان جریان آثارها، و القول بأن العلقة أمر اعتباری صرف و یکفی فی تحققها و اعتبارها ثبوت منشأ انتزاعها حدوثا و لا دخل لبقائها ثبوت محلها و موضوعها بعیدة جدا".
ثم صرح بأنه لا یعتبر کون المجیز مالکا حین العقد لأنه بناء علی کونها ناقلة لا بتفاوت بأن کون المجیز مالکا حین العقد أم لا انتهی کلامه.
أقول بعون الله تعالی و مشیته: إن العقد له نسبتان: نسبة إلی المتعاقدین و هی علی وجه الصدور و نسبة إلی المعقود علیه و به و هی علی وجه الوقوع و لا شبهة فی أن النسبة الثانیة مستقرة غیر متزلزلة و لذا اتفقت کلمات الأصحاب علی بطلان العقد إذا وقع فی غیر محله.
و قد اختلفت کلماتهم فی النسبة الأولی و هی صدوره من غیر أهله، فمنهم
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 327
من قال بأنها مستقرة کالنسبة الوقوعیة فحکم ببطلان العقد الفضولی، و اختار الأکثر منهم أنها غیر مستقرة فحکموا بأنها تقع موقوفة علی إمضاء الأصیل و رده، فإن أمضاه یستند إلیه صدوره و یصیر العقد صادرا عن المجیر بالتسبیب لا بالمباشرة لأن صدور العمل من الشخص علی نحوین صدور بالمباشرة و صدور بالتسبیب، فحال العقد الفضولی بعد الإجازة حال العقد الصادر عن الوکیل بعینه فی استناد صدور العقد إلی الأصیل بل الإجازة و الوکالة حقیقة واحدة و إنما یختلفان فی التأخر و التقدم.
فما ذکره الفاضل المعاصر من عدم جواز استناد فعل العامل إلی غیره و عدم تطرق التزلزل فیه بوجه فی غیر محله و لو تم لاقتضی الحکم ببطلان العقد الفضولی لأن المنتزع کمنشأ انتزاعه فعل للفاعل غایة الأمر أن المنتزع فعل تولیدی ثانوی للفاعل، و منشأ انتزاعه فعل ابتدائی له فلا وجه للتفکیک بینهما و القول بتأثیر الإجازة فی المنتزع دون منشئه، مع أن الفرق بین معنی المصدر و اسمه إنما هو باشتمال الأول علی النسبة دون الثانی فإن مدلول اسم المصدر هو الحدث الصرف فلا یفارق مدلوله عن مدلول المصدر إلا فی النسبة فلا مجال لجعل الإجازة مؤثرة فی نفس الحدث دون الحدث المنتسب.
فإن قلت: تأثیر الإجازة استناد الأمر المنتزع إلی المالک لیس علی وجه الصدور بل علی وجه آخر فلا یرد ما ذکرت من عدم جواز التفکیک بین المنتزع و منشأه لکون کل منهما فعلا للفاعل.
قلت: نسبة العقد منحصرة فی الصدور و الوقوع و لیس له نسبة ثالثة حتی یتوهم أن استناده إلی المجیز علی وجه آخر، و من المعلوم أن نسبة العقد إلیه لیس علی وجه الوقوع فتکون علی وجه الصدور.
ثم إن تأثیر الإجازة فی استناد الأمر المنتزع إلی المالک دون منشئه محال مناف للانتزاع، ضرورة أن الأمر المنتزع علی منشأ انتزاعه فی الخارج و لا یعقل
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 328
استناد الأمر المنتزع إلی شی‌ء ابتداء بل ینحصر استناده إلی شی‌ء فی استناد منشئه إلیه.
و بهذا البیان تبین أن القول بأن الإجازة نافلة باطل من وجوه: أحدها: أن استناد الأمر المنتزع إلی الشخص لا یمکن إلا بتوسط منشئه ضرورة منافاة الانتزاع لاستناده إلی الشخص ابتداء فلا یعقل تأثیر الإجازة فی استناد الأمر المنتزع إلی المجیز ابتداء بدون منشئه و استناده إلیه بتوسط منشإ الانتزاع لا یجامع مع النقل لأنه إنما حصل قبل لا حین الإجازة.
و ثانیها: أنه لو أغمضنا عن ذلک و قلنا بجواز استناده إلی الشخص ابتداء لزم القول بالکشف لا النقل أیضا لأن استناد العقد إلی المالک المجیز لیس إلا علی وجه الصدور و صدور الأمر المنتزع متحد مع صدور منشئه و لا یعقل التفکیک بینهما.
و ثالثها أن ما یظهر من کلامه من استقرار منشإ الانتزاع و عدم تزلزله فی صدوره من غیر أهله لا یجامع مع تزلزل المنتزع فی صدوره حتی یقال إن الإجازة حینئذ ناقلة أم کاشفة.
و الحاصل أن الأمر المنتزع تابع لمنشإ انتزاعه فی تزلزله و استقراره، فإن کان المنشأ مستقرا فی الصحة یکون المنتزع کذلک و إن کان مستقرا فی البطلان یکون المنتزع کذلک أیضا و إن کان متزلزلا موقوفا یکون المنتزع موقوفا متزلزلا و لا یعقل استقرار أحدهما مع عدم استقرار الآخر فإن قلت: العقد الواحد و إن کان له صدور واحد تحقیقا، و لکنه ینحل إلی صدورات متعددة حسب تعدد الآنات التالیة له، فیجوز أن یقال حینئذ أن الإجازة إنما تؤثر فی استناد صدور العقد إلی المجیز فی الآن الذی وقعت فیه فلا ینافی تأثیر الإجازة صدور العقد مع القول بالنقل.
قلت: العقد الواحد لا ینحل فی صدوره بالنسبة إلی الآنات الصالح بقاؤه فیها، ضرورة أن ظرف صدور العقد لیس إلا زمان حدوثه و لا تعلق له بسائر الأزمنة
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 329
حتی تحلیلا، بل و کذا وجوده المستمر فیها فإن استمراره و بقاءه فیها إنما هو باعتبار أنه قار فی نفسه باق ما لم یطرء علیه المزیل، لا أنه باق باعتبار تعلقه بالأزمنة التالیة بحیث إذا طرء علیه المزیل انقلب بعض ما شمله العقد عما وقع علیه أولا کما هو الظاهر، و هذا بخلاف العقد المتعلق بأمور متعددة فإنه متعلق بکل واحد منها فی ضمن المجموع، و لذا ینحل إلی عقود متعددة حسب تعددها.
و لا ینافی ما بیناه انحلال عقد الإجارة بالنسبة إلی أجزاء زمان الإجارة لأن الزمان لیس ظرفا صرفا فی عقد الإجارة بل متعلق له و من جملة أرکانه فهو متعلق بکل جزء من أجزاء الزمان الذی أخذ قیدا و متعلقا له فانحلاله بالنسبة إلی أجزاء الزمان انحلال للعقد بالنسبة إلی متعلقة.
ثم إن القول بالنقل مع مخالفته لما بیناه من الوجوه مخالف للروایات منها الروایة الواردة فی باب النکاح التی أشار إلیها فإن الحکم بوراثة أحدهما من الآخر بسبب الإجازة اللاحقة بعد موت المورث لا یتم إلا علی القول بأنها کاشف لا ناقلة إذ التزویج اللاحق بعد الموت علی فرض تصوره لا یوجب الإرث کما هو ظاهر.
و مما بیناه تبین لک أنه یجب أن یکون للمجیز مرجعا للعقد فی زمان صدوره کما یجب أن یکون مرجعا له فی حال الإجازة، غایة الأمر أنه یکفی فی المرجعیة له فی زمان الصدور رجوع متعلق العقد إلیه بالملکیة و نحوها و إن لم یکن تاما نافذ الإقرار فی هذا الحال کالصغیر و السفیه و المکره و هکذا.
و إذ قد اتضح لک ما حققناه من أن العقد الفضولی متزلزل فی صدوره و استناده إلی من إلیه الأمر.
فاعلم أن لمن إلیه الأمر إخراجه عن التزلزل و إقراره فی أحد طرفیه من الصحة أو البطلان بالإمضاء أو الرد و لا ینافی ذلک مع کون الإنشاء تاما فی نفسه و لا مع حدوث المنشأ به لأن المنشأ الحادث بالإنشاء إنما هو أمر متزلزل و إخراجه عن تزلزله و إقراره فی أحد طرفیه لا ینافی مع حدوثه فالأصل بسلطته علی نفسه
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 330
و علی جهاته و شئونه یجعل العقد الصادر من غیر أهله مستندا إلی نفسه بالإجازة و الإمضاء أو یدفعه عن نفسه برده و إبطاله، و لا مجال لأن یقال: لا سلطنة للأصیل علی عمل الغیر فی هدمه و إبطاله، إذ کما له السلطنة علی جعل عمل الغیر عمل نفسه باعتبار تعلقه بما یرجع إلیه فکذلک له السلطنة علی دفعه عما یرجع إلیه باعتبار تعلقه به و لو کان هذا المقدار من التصرف ممنوعا لزم عدم تأثیر إمضائه فی صیرورة عمل الغیر عمل نفسه طریق أولی لأن الإمضاء یقلب عمل الغیر إلی عمل نفسه.
و أما الرد فلا یقلبه عما هو علیه و إنما یجعله مستقرا فی وقوعه عن الغیر فسلطنة من إلیه الأمر علی إمضاء عمل الغیر و هدمه إنما هی باعتبار تعلقه بما یرجع إلیه لا باعتبار صدوره عن الغیر، فلو لم یکن التعلق بما یرجع إلیه کافیا فی جواز التصرف فیه لزم أن لا یؤثر فیه الإمضاء و الرد معا، و لا وجه للتفکیک بینهما، و لیس مرجع الرد إلی قلب الإنشاء عن کونه إنشاء و لا إلی قلب منشإ الانتزاع عن کونه منشأ له حق یحکم باستحالتهما بل مرجعه إلی دفع المنتزع عن التعلق بالأصیل الموجب لاستقراره فی البطلان.
و الحاصل أن السلطنة علی العمل تحصل بأحد أمرین إما لکونه عمل نفسه مع تعلقه بما یرجع إلیه، و إما لأجل تعلقه بما یرجع إلیه فکما له السلطنة علی عمل نفسه إبقاء و رفعا، فکذلک له السلطنة علی العمل المتعلق بما یرجع إلیه ردا و إمضاء بل المدار علی تعلق العمل بما یرجع إلیه، و لذا لا یکون للفضول هدم عمل نفسه بحیث لا یقبل إمضاء الأصیل، فما زعمه من أن مرجع الرد إلی عدم التقید و الإمضاء فقط فیقبل الإمضاء بعد الرد فی غیر محله بل واضح الفساد.
و لعله لأجل کمال وضوح الأمر فیه لم یخالف أحد من الأصحاب (قدس سرهم) فی بطلانه بالرد و عدم تأثیر الإمضاء بعده و لم یعتد أحد منهم بما یتراءی من روایة محمد بن قیس و أولوها بما ینطبق علی القواعد.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 331‌

(فائدة 47) [بحث فی عتق الأمة المزوجة]

لا شبهة فی أن عتق الأمة المزوجة یوجب تخیرها فی إبقاء التزویج و إزالته، کما أن بیعها من غیر زوجها یوجب تخیر المشتری فی إبقائه و رفعه، و هل هو خیار فی حل العقد و إلزامه ثبت تعبدا و سلطنة علی إمضاء العقد و رده من جهة طرو التزلزل علی العقد و أنه منطبق علی القواعد العامة.
تحقیق الکلام فیه یتوقف علی توضیح الحال فی مقامین: الأول: فی أن ملک البضع الحاصل بعقد النکاح هل هو من قبیل ملک المنفعة أو الانتفاع؟.
فأقول بعون الله تعالی و مشیته: لا شبهة فی عدم إفادته ملک الرقبة و لا ملک المنفعة بحیث یجوز للزوج النقل و الانتقال و الإسقاط، و ما ورد فی الخبر من أنها خیر مستام اشتراها بأغلی ثمن مبنی علی ضرب من التأویل و التنزیل.
و إنما الکلام فی أنه من قبیل ملک المنفعة ذاتا و عدم ترتب الآثار المذکورة من جهة خصوصیة المورد، من حیث إن الزوجیة واسطة فی العروض تدور الآثار مدارها حدوثا و بقاء فلیست قابلة للنقل و الانتقال و الإسقاط بخلاف الإجارة، مثلا فإنه یحدث بها استحقاق المنفعة للمستأجر و هو محل للعرض لا عنوان للحکم و لذا یصلح للنقل و الانتقال و الإسقاط و الصلح لو لا المانع بخلاف استحقاق الاستمتاع الدائر مدار عنوان الزوجیة أو أنه من قبیل ملک الانتفاع ذاتا و استقلال الزوج فیه من قبل لزوم العقد.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 332
و التحقیق أنه من قبیل الثانی لا الأول، و إلا لزم ضمان الواطئ عوض البضع للزوج مع کون الوطی شبهة أو إکراها، مع أنه إنما یضمنه للزوجة إن کانت حرة و لمولاها إن کانت أمة، بل یلزم حینئذ ثبوت المهر مع بغیها للزوج أیضا، لأن بغیها لا یوجب سقوط حق مالک البضع و هو الزوج حینئذ، ضرورة أن البغی إنما یوجب سقوط عمل البغی عن الاحترام إذا کانت مالکة لبضعها باذلة له فی الحرام باختیارها.
و أما إذا کان البضع مملوکا للغیر فلا تأثیر لبغیها فی سقوط حقه، فکما أن بغی الأمة لا یوجب سقوط المهر الرجع إلی مولاها علی ما حققناه فی محله، و تدل علیه النصوص، فکذلک بغی الزوجة لا یوجب سقوط حق زوجها.
و ما ورد من أنه" لا مهر لبغی" لا ینافیه حینئذ لأن المهر علی هذا التقدیر راجع إلی الزوج و النفی فی الروایة ثبوت المهر للبغی فتختص الروایة حینئذ بغیر الزوجة.
فاتضح أنه من قبیل ملک الانتفاع ذاتا، و الاستقلال الحاصل فی المقام إنما هو من ناحیة لزوم عقد الازدواج فتعبیر الأصحاب (قدس سرهم) عنه بملک الانتفاع علی سبیل التحقیق لا لمجرد مشارکته معه فی بعض الآثار.
فإن قلت: العقود التی ثمرتها ملک الانتفاع کالوکالة و الودیعة و العاریة یکفی فیها القبول الفعلی و لا تکون لازمة بل جائزة بالذات فلو کان عقد الازدواج من قبیل هذه العقود لزم أن یکون جائزا و أن یکتفی فیه بالقبول الفعلی و التالی باطل فکذا المقدم.
قلت: وجه عدم الاکتفاء فیه بالقبول الفعلی إنما هو من أجل توقف حل الاستمتاع علی ثبوت عنوان المزاوجة، و هی لا تتحقق إلا بالقبول الإنشائی بخلاف جواز التصرف فی الموکل فیه، و العین المستعارة و المودعة، فإنه یکفی فیه الرخصة الحاصلة من قبل الموکل و المودع و المعیر.
و أما لزومه فتعبدی و لا یکون من قبیل لزوم العقود اللازمة بالذات کعقود
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 333
المعاوضات و لذا لا یجری فیه اشتراط الخیار و لا یتطرق فیه الإقالة لأن مرجع اللزوم التعبدی إلی عدم سلطنة کل من المتعاقدین علی رجوعه عن عمل نفسه بسبب المنع الوضعی ممن هو أولی له من نفسه، فلا یؤثر فیه الاشتراط و لا یتطرق فیه التقاول، لمنافاتهما حینئذ مع حکم الشرع، و هذا بخلاف اللزوم الذاتی الثابت بمقتضی العقد فإن مرجعه إلی عدم استحقاق کل من المتعاقدین حل عمل صاحبه فیؤثر فیه الاشتراط علی صاحبه و یتطرق فیه الإقالة، إذ باجتماعهما علیها یحل کل منهما عمل نفسه لا عمل صاحبه.
المقام الثانی: فی أن العتق و البیع إن طرءا علیهما ملک منفعته بعقد إجارة أو صلح و هکذا من العقود الموجبة لملک المنفعة یقعان مسلوبی المنفعة من دون فرق بین کون ملک المنفعة علی وجه اللزوم أو الجواز بأن اشترط فی العقود المزبورة الخیار فی مدة استحقاق المنفعة و إن طرءا علی ما ملک انتفاعه دون منفعته یقعان تامی المنفعة، ضرورة أنه إذا بیع العبد المستعار أو المودع أو الموکل فی بیعه أو أعتق یقع تام المنفعة لبقاء منفعته علی ملک البائع و المعتق حینئذ ضرورة أن مالک الانتفاع إنما یجوز له الانتفاع من دون أن یملک المنفعة لأن مرجع ملک الانتفاع إلی رخصته فی الانتفاع لا إلی استحقاقه المنفعة و إلا لزم رجوعه إلی ملک المنفعة لا الانتفاع و هو خلف للفرض و إذا اتضح لک ما حققناه اتضح لک أن العتق و البیع الطاریین علی الأمة المزوجة یقعان تامی المنفعة، و مقتضی وقوعها تامی المنفعة استقلال الأمة فی بضعها فی صورة العتق و استقلال المشتری فیه فی صورة البیع، و مقتضی استقلالها فی بضعها تزلزل التزویج و صیرورته موقوفا علی إمضائها فإن أمضته نفذ و استقر و إن ردته بطل کما أن مقتضی استقلال المشتری فی بضعها حینئذ بطلان التزویج فیما إذا اشتراها الزوج، إذ لا مجال للبقاء ملک الانتفاع حینئذ مع استحقاقه المنفعة فکما لا یعقل بقاء الودیعة و العاریة و الوکالة مع انتقال العین المستعارة أو الموکل فیها
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 334
المستعیر أو الودعی أو الوکیل فکذلک لا یعقل بقاء التزویج مع انتقال الأمة إلی الزوج و تزلزله و عدم استقراره و صیرورته موقوفا علی إمضاء المشتری فیما إذا کان المشتری غیر الزوج، فإن أمضاه نفذ و استقر و إن رد بطل.
فإن قلت: إذا کان بضع الأمة المزوجة باقیا علی ملک مولاها یلزم أن یجوز له وطؤها حینئذ.
قلت: تزویجها مانع عن جواز وطئها لمولاها و حل الوطی موقوف علی مجامعة السبب مع الشرط و عدم المانع فلا یکفی فیه وجود السبب فقط.
فإن قلت إنما یقع البیع أو العتق الطاری علی ملک الانتفاع تام المنفعة موجب لزوال ملک الانتفاع أو تزلزله إذا کان ملک الانتفاع جائزا کالعاریة و الودیعة و هکذا و أما مع لزومه کما فی المقام فلا یقع الطاری کذلک ضرورة أن للزوم العقد السابق و لو علی وجه ملک الانتفاع مانع عن وقوع الطاری تام المنفعة بحیث ینافی مع لزومه قلت لا یعقل تأثیر لزوم ملک الانتفاع فی صیرورة العتق أو البیع مسلوب المنفعة، و إلا لزم انقلابه عن حقیقته و صیرورته ملک المنفعة و هو محال.
و توهم أن لزومه مناف لتزلزله فلا یجتمعان فی غیر محله، إذ المنافی للزوم العقد هو جوازه، و أما تزلزل العقد و عدم استقراره فی الصحة و البطلان فهو مجامع مع اللزوم و الجواز ضرورة أن الفضولی کما یجری فی العقود الجائزة یجری فی العقود اللازمة.
فإن قلت التحقیق أن الإجازة کاشفة لا ناقلة کما تبین فی الفائدة السابقة و مرجع کشفها إلی استقرار العقد المتزلزل من حینه لا من حینها الموجب لترتب الآثار علیه کذلک، و لا تزلزل فی المقام فی حدوث العقد حتی یلحقه الإجازة و التزلزل فی البقاء لا یجبر بها لأنها إنما تتعلق بالعقد لا بأثره، و مقتضاه تنفیذ العقد من حین وقوعه و حدوثه و هو فی المقام غیر معقول لاستحالة تنفیذ النافذ، و تحصیل الحاصل و لذا اشتهر بینهم الحکم ببطلان الإجارة بانقراض البطن الأول فی أثناء
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 335
المدة، إذا کان المؤجر هو الناظر بالنسبة إلی البطن الأول فقط، فاللازم الحکم ببطلان التزویج فی جمیع الصور حینئذ. قلت مقتضی کون الإجازة کاشفة استقرار العقد بها من حین تزلزله و لا ینافی ذلک تعلق الإجازة ابتداء بمنشإ الانتزاع، و هو الإیجاب و القبول، لأنهما منشأ لانتزاع عقد الازدواج بین الأمة و زوجها علی وجه الإطلاق، فإذا صدر الإیجاب من مولاها یستقر فی الصحة لاستناده إلی أهله، و إذا خرجت الأمة عن ملکها بالبیع أو العتق لا یبطل عقد التزویج لأن مجرد الخروج عن الملک لا یکون مضادا للازدواج کالطلاق و الفسخ، بل یتزلزل حینئذ لعدم استناد منشإ الانتزاع إلی من وجب استناده إلیه و هو نفس الأمة إن کانت معتقة أو مشتریها إن کانت مبتاعة فمنشأ الانتزاع حینئذ متزلزل بالنسبة إلی الأمة أو مشتریها و یقع موقوفا علی إمضائها أو إمضاء مشتریها فإمضاء کل منهما إنما یتعلق بمنشإ الانتزاع بالنسبة إلی أحدهما لا بالنسبة إلی المولی الأول.
فالصواب عدم بطلان إجارة العین الموقوفة بانقراض البطن الأول و وقوعها موقوفة علی إمضاء البطن الثانی کما اختاره المحقق قدس سره فی الشرائع، بل المشهور هو الحکم بالصحة و الوقوف علی إمضاء البطن الثانی، و المراد من البطلان فی عباراتهم صیرورته فضولیا کما نبه علیه فی الجواهر.
فإن قلت: قد مر فی الفائدة السابقة أنه کما یعتبر أن یکون المجیز مرجعا للعقد فی حال إجازته، یعتبر أن یکون مرجعا له فی زمان صدوره، و لو جاز اختلافهما لزم نفوذ إجازة الوارث فی البیع الفضولی الصادر فی زمان مورثه، و اللازم باطل بالضرورة عند القائلین بأن الإجازة کاشفة لا ناقلة، و المرجع فی زمان صدور العقد هو المولی، و المرجع فی زمان الإجازة هو الأمة أو مشتریها فلا یعقل تأثیر إجازة أحدهما فی تنفیذ العقد علی القول بالکشف.
قلت: إنما یعتبر أن یکون المجیز مرجعا للعقد فی حال تزلزله کما یعتبر أن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 336
یکون مرجعا له فی حال إجازته، فإن کان التزلزل مقارنا لحدوث العقد یجب أن یکون مرجعا له فی حال حدوثه و لذا لا یعقل تأثیر إجازة الوارث فی البیع الفضولی الواقع فی حیاة مورثه، و إن کان متأخرا عن حدوث العقد کما فی المقام فإنما یعتبر أن یکون مرجعا فی حال تزلزله، لأن تأثیر الإجازة إنما هو فی صیرورة المتزلزل مستقرا فی الصحة و النفوذ و المرجع فی هذا الحال هو المرجع فی حال الإجازة فی المقام.
فإن قلت: المولویة کالأبوة و الجدودة من أسباب الولایة علی عقد الزوجیة، مقتضاها نفوذ العقد من أهلها و لو بعد استقلال المولی علیه أو تبدل المولی، ألا تری أنه لا یتخیر البنت و الابن فی إمضاء العقد الصادر من ولیهما و رده بعد بلوغهما و رشدهما.
قلت: نفوذ عقد المالک علی مملوکه کنفوذ سائر تقلباته فیه من شئون مالکیته، فولایته علیه من أطوار ملکه، بخلاف ولایة سائر الأولیاء، فإنها راجعة إلی تنزلهم منزلة المولی علیه بجعل الشرع، فتصرفهم قائم مقام تصرف الصغیر، فهذا النحو من الولایة متحدة مع الوکالة فی الحقیقة غایة الأمر أن الولایة وکالة شرعیة یجب علیه القیام بها و لذا لا ینفذ تصر ف سائر الأولیاء إلا مع ملاحظة المصلحة و الغبطة بخلاف تصرف المالک، فعقد غیره من الأولیاء إنما ینفذ بعد البلوغ و الرشد لقیامه مقام عقد المولی علیه، فالولی کالوکیل هو المباشر للعقد من قبل المعقود علیها بخلاف عقد المالک علی مملوکه فإنما یباشره من قبل نفسه کما هو ظاهر.
و مما بیناه ظهر السر فی نفوذ عقد الحاکم علی الصغیر بعد بلوغه و رشده.
إن قلنا بولایته علیه فی العقد فإن الحاکم بالولایة الشرعیة یباشر العقد للصغیر فحاله کحال سائر الأولیاء فی هذه الجهة و إن کان بینهما فرق من جهات آخر.
فإن قلت: لو کان الأمر کما ذکرت من رجوع الخیار فی المقام إلی السلطنة علی الإمضاء و الرد، لزم أن یکون حکما لاحقا قابلا للإسقاط ضرورة أن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 337
السلطنة علی الإمضاء، و الرد من شئون السلطنة علی غیر القابلة للإسقاط، مع أن صحیحة مالک بن عطیة تدل علی جواز إسقاطه قال:"
سألت أبا عبد الله (علیه السّلام) عن رجل کان له أب مملوک، و کان تحت أبیه جاریة مکاتبة قد أدت بعض ما علیها فقال لها ابن العبد هل لک أن أعینک فی مکاتبتک حتی تؤدی ما علیک، بشرط أن لا یکون لک الخیار بعد ذلک علی أبی إذا أنت ملکت نفسک، قالت: نعم فأعطاها فی مکاتبتها علی أن لا یکون لها الخیار بعد ذلک قال (علیه السّلام): لا یکون لها الخیار، و المسلمون عند شروطهم
". قلت الصحیحة و إن کانت ظاهرة فیما ذکرت، إلا أنه یجب صرفها عن ظاهرها لوجوه:
الأول: أن الشرط إنما یلتزم به إذا وقع فی ضمن العقد اللازم و الشرط المذکور لم یقع فی ضمن العقد فلا وجه لالتزام به.
و الثانی: أن اشتراط عدم الخیار قبل العتق إسقاط لما لم یحب و هو غیر معقول.
و الثالث: أنه لا ینفذ التزام المکاتبة قبل أداء مالک الکتابة بالاشتراط علیها مع عدم إجازة المولی.
و الرابع: أن الوجوه الدالة علی أنه حکم أقوی دلالة بل تفید القطع به فیتعین حینئذ حمل الروایة علی استحباب الوفاء بشرطها.
قال المحقق الأنصاری قدس سره:" و الروایة محمولة بقرینة الإجماع علی عدم لزوم الشروط الابتدائیة علی صورة وقوع الاشتراط فی ضمن عقد لازم أو المصالحة علی إسقاط الخیار المتحقق سببه بالمکاتبة بذلک المال" انتهی.
و فیه: أن سبب الخیار و هو العتق إنما یترتب علی أداء مال الکتابة فبمجرد عقد الکتابة لا یثبت الخیار لا بنفسه و لا بسببه فإسقاطه حینئذ بالصلح علیه أو بجعله شرطا فی ضمن عقد لازم إسقاط لما لم یجب و استحالته من أوائل البدیهیات فلا مناص
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 338
إلا بحمل الروایة علی استحباب الوفاء بالشرط کما یومی إلیه قوله (علیه السّلام):"
و المسلمون عند شروطهم
" فإن الشروط اللازمة من قبیل العقود حقوق ثابتة للمتعاقدین أو لأحدهم مطلقا و لا یختص المسلمون بالوفاء بها.
فاتضح بما بیناه غایة الاتضاح، أن ملک المنفعة سواء کان لازما أم جائزا لا یزول و لا یتزلزل بطرو العتق أو البیع علیه، بل یقعان مسلوبی المنفعة، و إن ملک الانتفاع سواء کان لازما أو جائزا، لا یبقی علی حاله من النفوذ و المضی عند طرو العتق أو البیع علیه بل إما یزول أو یتزلزل لأنهما یقعان حینئذ تامی المنفعة، فلا ینفذ ملک الانتفاع لأن مرجعه إلی الرخصة فی الانتفاع من قبل مالک المنفعة، و لا تأثیر للرخصة، و الإذن إلا من قبله، فمع طرو العتق أو البیع علیه، و قیام ملک المنفعة تبعا للعین بغیر المالک الأول الذی ثبتت الرخصة من قبله فی الانتفاع لا بد فی نفوذه و مضی من استناده إلی من تجدد له الاستقلال فی المنفعة ولایة أو ملکا إن جاز بقاؤه، و إلا فیزول و یبطل.
و إذ قد تبین لک فی المقام الأول أن عقد الازدواج إنما یفید ملک الانتفاع لا ملک المنفعة.
و قد اتضح لک غایة الاتضاح، أن الأمة المزوجة إذا أعتقت یقع عقدها موقوفة متزلزلة فإن أمضتها نفذ و إن ردته بطل، و إذا بیعت من غیر زوجها فکذلک و لکن إمضاء العقد و رده موکول إلی مشتریها، و إذا بیعت من زوجها یبطل و یزول إذ لا یعقل بقاء ملک الانتفاع لمن ملک الرقبة و المنفعة استتباعا، ضرورة أن مرجع ملک الانتفاع إلی الرخصة فی الانتفاع و لا یعقل بقاء نفوذ رخصة البائع لزوال ملکه عنها کما أنه لا یعقل استناد نفس الرخصة إلی المشتری إذ لا معنی لکون المالک مرخصا من قبل نفسه فی التصرف فی ملکه.
و ما اشتهر من أن وجه البطلان استباحة البضع بالملک حینئذ فتبطل الزوجیة لعدم جواز استباحته بالملک و الزوجیة، نظرا إلی التفصیل بینهما فی الآیة الشریفة،
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 339
و التفصیل یقطع الشرکة فی غیر محله إذ لو سلمنا أن ملک البضع بالزوجیة من قبیل ملک الانتفاع لا یحتاج إلی الاستدلال علی بطلان التزویج بالتفصیل فی الآیة الشریفة و لو لم نسلمه و جعلناه من قبیل ملک المنفعة لا یلزم الاشتراط حتی یکون منافیا للتفصیل ضرورة أن مقتضی تأخر ملک الرقبة عن الزوجیة حینئذ عود الأمة إلی المالک فی غیر جهة البضع، کما أن مقتضی تأخر البیع عن الإجارة رجوع المبیعة إلی المشتری مسلوب المنفعة فیختص استباحة البضع حینئذ بالزوجیة مع أنه لو قلنا بحصول الاشتراک حینئذ لا ینافیه التفصیل لاحتمال کونه علی سبیل منع الخلو، لا منع الجمع و مجرد الاحتمال یکفی فی بطلان الاستدلال، بل قوله عز من قائل:" فَمَنِ ابْتَغیٰ وَرٰاءَ ذٰلِکَ فَأُولٰئِکَ هُمُ العٰادُونَ" ظاهر فی أن المنظور منع الخلو لا منع الجمع، بل یتعین الحمل علی منع خلو، و إلا اقتضی عدم جواز الجمع بینهما و لو فی فردین، لأن التفصیل فی الآیة الشریفة إنما هو بین العنوانین الکلیین لا بین انطباقهما علی مصداق واحد، و من المعلوم أنه یحل للمؤمنین الجمع بین التزویج و ملک الیمین.
و أما اجتماع العنوانین علی مصداق واحد فمسکوت عنه لا نظر إلیه أصلا علی أن طرو المالک علی التزویج لو کان موجبا للاشتراک الممنوع لزم بطلان الأحق لا السابق.
و بما بیناه ظهر فساد ما احتمله سیدنا الأستاذ العلامة (قدس سره) من أن المراد بالبطلان اضمحلال الزوجیة فی جنب ملک الیمین اضمحلال الضعیف فی جنب القوی مع اجتماعهما فإن مقتضی تقدم الزوجیة علی الملک، و عدم زوالها به اختصاص استباحة البضع بها فلا تضمحل حینئذ فی جنب الملک مع أن مقتضی بقائها حقیقة ترتب الآثار علیها لو فسخ الطاری، و قد رجع عنه (قدس سره) للوجه الثانی و وجه البطلان ثانیا بأن إقدام الزوج علی تملک رقبة الزوجة الذی هو أقوی و أتم من التزویج إعراض عنه و طلاق لها و هو فی غیر محله أیضا، لأن الإقدام علی تملک الرقبة لا یلازم الإعراض مع أنه یلزم الحکم بعدم بطلانه فی صورة انتقالها إلیه قهرا بالإرث.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 340
و قد تحقق لک مما حققناه أن ما یظهر من الأصحاب (قدس سرهم) من أن تخیر الأمة المزوجة إذا أعتقت أو مشتریها إذا بیعت من غیر زوجها خیار فی فسخ العقد و إلزامه لصیرورته حینئذ جائزا بسبب العتق أو البیع الطاری تعبدا فی غیر محله.
إذ لو قلنا بأن ملک البضع الحاصل بالتزویج من قبیل ملک الانتفاع، و یقع العتق أو البیع الطاری تام المنفعة لا یبقی مجال للقول باستقرار العقد حینئذ حتی یحکم بجوازه لا لزومه.
و لو قلنا بأنه من قبیل ملک المنفعة و یقع العتق أو البیع الطاری مسلوب المنفعة یلزم رجوع البضع عند الفسخ فی صورة العتق إلی المعتق و فی صورة البیع إلی البائع إذ لا وجه لرجوع البضع حینئذ إلی الأمة أو مشتریها و علی کل تقدیر لا مجال للقول بأن الخیار فی المقام من قبیل الخیار فی حل العقد و إقراره.
و لا ینافی ما بیناه التعبیر بالاختیار أو التخیر فی النصوص، لأن کلا منهما کما یطلق علی الخیار المعروف یطلق علی الخیار فی إمضاء العقد و رده بل مجموع الروایات بملاحظة انضمام بعضها ببعض ظاهرة فیما بیناه، بل مصرحة به فإن قوله علیه السلام فی مرسل ابن بکیر"
بأنها أملک بنفسها
" ظاهر فی ملک الإمضاء و الرد لا ملک الإقرار و الحل، إذ ملک الأمة نفسها لا یوجب الاختیار فی فسخ حق غیره، فاختیارها فی إبقاء التزویج و إزالته من قبل أنها ملکت نفسها لا یتم إلا علی ما بیناه من کون التزویج من قبیل ملک الانتفاع الموجب لتزلزله، و عدم استقراره.
و یصرح بما بیناه خبر الحسن ابن زیاد قال:"
سألت أبا عبد الله (علیه السّلام) عن رجل اشتری جاریة یطأها فبلغه أن لها زوجا قال:" یطأها فإن بیعها طلاقها، و ذلک أنهما لا یقدران علی شی‌ء من أمرهما إذا بیعا
" و صحیح محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام"
طلاق الأمة بیعها أو بیع زوجها
" و قال فی الرجل یزوج أمته رجلا حرا ثم یبیعها قال: هو فراق ما بینهما إلا أن یشاء المشتری أن یدعها
"، و یقرب منهما صحیح عبد الرحمن:"
سأله عن الأمة تباع و لها زوج فقال: صفقتها طلاقها
" فإن جعل صفقتها
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 341
و بیعها طلاقها و فراق ما بینهما لا یلائم إلا مع زوال العقد أو تزلزله الذی هو فی حکمه من حیث عدم ترتب الأثر علیه فی حد نفسه، و احتیاجه فی ترتب الأثر علیه إلی أمر آخر.
و أما مجرد تسلط المشتری علی حل العقد ببیعها فلا یوجب سقوط العقد عن الأثر، حتی یوجب تنزل بیعها منزلة طلاقها المصحح لحمله علیه، و أوضح منه قوله علیه السلام:"
هو فراق ما بینهما إلا أن شاء المشتری أن یدعها
" فإن کون البیع فراقا بین المتزاوجین إلا مع مشیة المشتری بقاء العقد صریح فی تزلزل العقد و عدم استقراره إلا بإمضاء المشتری فلو کان البیع سببا لتسلط المشتری علی حل العقد و إقراره لکان إزالة العقد بمشیته لإبقائه.
و أصرح منه قوله علیه السلام"
فإن بیعها طلاقها و ذلک أنهما لا یقدران علی شی‌ء من أمرهما إذا بیعا
" فإن تعلیل کون بیعها طلاقها بعدم قدرتهما علی تنفیذ شی‌ء من أمرهما لا یوجب إثبات حق و سلطنة للمشتری علی حل العقد الذی عقده المولی کما هو ظاهر فلا یتم التعلیل، إلا علی ما بیناه من انتقال البضع إلی المشتری و عدم کون الازدواج إلا تملیک الانتفاع فلو استقر و نفذ حینئذ من دون إجازة المشتری، و إمضائه لزم استقلالهما فی أمرهما لانقطاعه عن البائع ببیعه إیاها فلا مجال لنفوذه من قبله، و المفروض عدم استناده إلی المشتری فینحصر وجه نفوذه فی استقلالهما فی أمرهما و هو باطل بالضرورة فکذلک النفوذ المستند إلیه.
و الحاصل أن نفوذ عقد الأمة حینئذ إما مستند إلیها، أو إلی بائعها أو مشتریها، و الکل باطل.
أما الأول فلعدم استقلالها فی أمرها.
و أما الثانی: فلانقطاع العقد عنه ببیعه إیاها.
و أما الثالث فلعدم استناده إلیه قبل إمضائه، فیکون العقد متزلزلا حینئذ لا محالة، و لا ینفذ إلا بإجازة المشتری و إمضائه إذا لم یکن المشتری هو الزوج، و إلا یزول و یبطل لأن الإجازة إنما تؤثر فیما إذا کان المحل قابلا للعقد، و من
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 342
المعلوم عدم صحة عقد الأمة لمولاها و مالکها، فکما لا یصح عقدها لمولاها ابتداء فکذلک لا یصح استدامته له بإجازته و إمضائه.
فاتضح من الروایات الشریفة الساطعة منها أنوار العصمة و الإمامة أمور:
الأول: تزلزل عقد نکاح الأمة بعتقها أو بیعها من غیر زوجها، و أنه جهة واقعیة موافقة للأصل الأولی نبه علیها الإمام (علیه السّلام) لا أنه جهة تعبدیة شرعیة ثابتة علی خلاف الأصل، و إن کان انطباقه علی الأصل فی غایة الدقة بحیث لو لم یکشف عنه المعصوم لم ینکشف لنا، بل مع کشفه و إیضاحه عنه بما ینبئ عن عصمته لم ینکشف علی الأصحاب (قدس سرهم) زعموا أنه من قبیل ملک الحل و الإقرار و الثانی: بطلانه فیما إذا ملکها الزوج.
و الثالث: نفوذه بالإجازة و الإمضاء ممن ملک الانتفاع تبعا للعین و عدم قدح التزلزل فی بقائه مع حدوثه فی تأثیر الإجازة و الإمضاء و الحمد لله الذی هدانا لهذا و ما کنا لنهتدی لو لا أن هدانا الله.
و إذا أحطت خبرا بما بیناه، فاعلم أن أغلب الفروع المتفرعة علی ما بنینا علیه و أحکمنا قوائمه تخالف الفروع المتفرعة علی ما بنی علیه الأصحاب (قدس سرهم) و اختاروه.
منها: أن هذا الخیار علی ما بنینا علیه حکم لاحق فلا یقبل الإسقاط و الصلح علیه.
و منها: عدم استحقاق المعتقة النفقة علی زوجها قبل إمضائها الزوجیة لتزلزلها، و عدم استقرارها إلا بإمضائها، و أما علی ما بنوا علیه فالزوجیة ثابتة مستقرة و إنما تفسخ بردها فتستحق النفقة ما لم تفسخ.
و منها: صحة تزویج الزوج أختها قبل تحقق الرد منها، و وقوعه موقوفا، فإن ردت المعتقة زوجیتها ینفذ تزویج الأخت و إن أمضتها یبطل، و هکذا الأمر فی تزویج الخامسة، و أما علی مبناهم فلا یجوز تزویج الأخت، و الخامسة إلا بعد فسخها زوجیتها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 343
و منها: عدم وراثة کل من الزوجین علی الآخر قبل إجازتها و إمضائها، فلو ماتت و لم تجز الزوجیة و لم تردها لا یرث منها زوجها، و لو مات الزوج ترث منه إن أجازت و حلفت علی أنه لا یدعو إلیها أخذ المال، و أما علی ما بنوا علیه فیرث کل منها عن الآخر ما لم یتحقق منها رد و منها: ثبوت الخیار لها بعتق بعضها علی ما بنینا علیه لأن استقلالها فی بعضها ینافی نفوذ التزویج فی حقها بالنسبة إلی جمیعها کما هو ظاهر، و التبعیض فی التزویج بمعنی نفوذه بالنسبة إلی سهم المولی و وقوفه فیما استقلت فیه غیر معقول فتتخیر فی تنفیذه و رده و أما علی ما بنوا علیه، من أن مرجعه إلی ملک الإقرار و الحل، فهو حکم تعبدی یجب الاقتصار فیه علی مورد النص و هو عتق الکل.
و منها: ثبوت الخیار للولی إن کانت قاصرة بالصغر أو الجنون إذ کما له السلطنة علی إحداث عقد التزویج لهما فکذا له السلطنة علی إبقائه بل السلطنة علی أحدهما عین السلطنة علی الآخر لا یعقل التفکیک بینهما.
و منها: عدم جواز الاستمتاع منها قبل إمضائها أو إمضاء ولیها، ضرورة عدم ترتب أثر الصحة علی العقد المتزلزل ما لم یستقر بالإمضاء.
و منها: أن الانعتاق کالعتق فی إیجاب الخیار إذ المناط فیه هو استقلالها فی نفسها، و هو حاصل فیهما، و أما علی ما بنوا علیه فاقتصروا فی الحکم علی العتق لأنه حکم تعبدی عندهم فلا یتجاوز إلی الانعتاق.
و منها: عدم اعتبار الفوریة فی هذا الخیار، إذ بعد ما اتضح لک من أن مرجعه إلی السلطنة علی إمضاء العقد و رده لم یبق لاعتبارها فیه مجال، إذ لا یعقل تحدید دائرة سلطنة الشخص فی التقلبات الراجعة إلی نفسه، أو الواقعة فی ملکه إمضاء و ردا و الأصحاب قدس سرهم لما خفی علیهم ما حققناه و زعموا أنه سلطنة علی إقرار العقد و حله لم یظهر منهم خلاف إلا التردد عن بعض فی اعتبار الفوریة فیه حال العلم بالعتق و الخیار و فوریته، اختلفت کلماتهم فی حال الجهل بواحد منها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 344
ففی الحدائق بعد نقل ظهور اتفاق الأصحاب علی اعتبار الفوریة و الاستشکال فیه بعدم الوقوف علی دلیل معتمد قال:" و کیف کان، فالظاهر کما صرح به جملة منهم أنه لو أخرت الفسخ جهلا بالعتق أو جهلا بالخیار فإنه لا یسقط خیارها فتعذر فی عدم الفوریة و هل تعذر مع الجهل بالفوریة احتمالان العدم لاندفاع الضرر مع العلم بالخیار و لإشعاره بالرضا حیث علمت الخیار و أخرت، و المعذوریة لاحتمال کون التأخیر لفائدة التروی و نحوه حیث لا تعلم باشتراط الفوریة، و التأخیر لا یکون دلیلا علی الرضا إلا مع العلم باشتراط الفوریة و إلا فلا" انتهی.
و فیه أنه بعد تسلیم اعتبار الفوریة فیه لا وجه للتأمل فی سقوط الخیار فی الصورة الأخیرة إذ مرجع اعتبار الفوریة فیه علی فرض ثبوته إلی الوضع لا التکلیف، و إلا لزم ثبوته مطلقا و حرمة التأخیر مع العلم فلا محل للعذر و عدمه ضرورة أنهما من توابع الأحکام التکلیفیة لا الوضعیة و قد اشتهر اشتهار الضروریات أنه لا تختلف الوضعیات باختلاف العلم و الجهل.
و من هنا ظهر الأمر فی صورة نسیانها، و لا یمکن أخذ العلم بفوریة الخیار أو الالتفات إلیه مأخوذ فی ثبوت فوریته، لاستلزامه الدور المحال نعم یمکن أخذ العلم بالعتق و إیجابه الخیار مأخوذا فی موضوع الحکم بفوریته علی مختارهم، من أنه حق، و لکنه لم یقم علیه دلیل کما لم یقم دلیل علی اعتبارها أصلا.
و منها: أنه لو کان للمالک جاریة قیمتها مائة فزوجها بمائة، و هو یملک مائة أخری ثم أعتقها فی مرض موته أو أوصی بعتقها یکون لها رد التزویج مطلقا سواء دخل بها زوجها أم لم یدخل بها، و لا یمنع من الرد عدم الدخول الموجب لسقوط المهر، و عدم نفوذ العتق إلا فی ثلثیها لما عرفت من أن عتق البعض کعتق الکل فی تزلزل العقد، و عدم استقراره إیجاب الخیار فی الرد و الإمضاء فما عن القواعد و غیرها من عدم الفسخ لها قبل الدخول، و إلا لسقط المهر حینئذ فتصیر الجاریة نصف ماله، فیبطل عتق بعضها و هو ثلثها فیبطل خیارها المعتبر
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 345
فیه عتقها أجمع، فیدور الفسخ إلی الفساد، و یکون مما یستلزم وجوده عدمه مبنی علی کون الخیار فی المقام حقا تعبدیا مترتبا علی عتق الکل، و قد ظهر لک خلافه.
و منها: أن عتق العبد کعتق الأمة موجب لتزلزل العقد، و ثبوت الخیار إذ بعد ما انکشف لک أن الموجب للخیار تزلزل العقد المسبب عن استقلال أحد طرفیه، أو انتقاله عن المالک المزوج إلی غیره انکشف لک مساواتهما فی الحکم، و عدم الفرق بینهما.
و من هنا یختار مشتری العبد فی إمضاء التزویج و رده، و لیس هذا قیاسا لأن الحکم لیس تعبدیا بل موافق للأصل الجاری فی الموردین، فالاقتصار فی الخیار علی عتق الأمة من جهة اختصاصه بالدلیل و عدم وروده فی عتق العبد کما عن الأکثر فی غیر محله کما أن التفصیل بین بقاء الزوجة علی الملکیة حینئذ و عدمه، أو بین إجبار العبد علی التزویج و اختیاره له بإثبات الخیار فی الصورتین الأولیین دون الأخریین فی غیر محله أیضا مع أن التفصیل الثانی غیر معقول فی حد نفسه لأن اختیار العبد لو کان موجبا لنفوذ التزویج لکان إکراهه مانعا عنه، فکما أن إکراهه علیه لا یقدح فی نفوذه، فکذا اختیاره إیاه لا یؤثر فیه.
و الحاصل أن رقیة العبد کما توجب سقوط إکراهه عن تأثیر المنع، فکذا توجب سقوط اختیاره عن التأثیر فی النفوذ، و لا یجوز التفکیک بینهما لأن الموجب لسقوطهما عن التأثیر عدم استقلال الشخص فی نفسه، کما أن الموجب لتأثیرهما استقلاله فی نفسه فتفکیک أحدهما عن الآخر خلف، و تفکیک للشی‌ء عن نفسه.
و قد ظهر مما بیناه أنه یثبت الخیار لکل واحد من العبد و الأمة، فیما إذا أعتقا معا دفعة أو ترتیبا کما یثبت الخیار لکل من المشتریین، فیما إذا بیعا کذلک فما شاع من تخصیص الأمة بالخیار حینئذ فی غیر محله، هذه جملة من الفروع المترتبة علی ما بنینا علیه المخالفة للفروع المترتبة علی ما بنوا علیه، و هناک فروع أخر مترتبة علی الأصلین یختلف بعض أحکامها باختلافهما، فینبغی التنبیه علیها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 346
منها: أنه لا فرق فی ثبوت الخیار بین حدوث العتق قبل الدخول و بعده، فلو أعتقت بعد الدخول، یثبت المهر لمولاها مطلقا سواء اختارت القیام مع زوجها أم لا، لاستقراره بالدخول بها حال کونها فی ملکه، و لو أعتقت قبله، و اختارت الفراق سقط المهر المسمی، لأن فراقها عن زوجها، إنما ثبت من قبل مولاها، فهو بإعتاقه إیاها فرقها عن زوجها و أزال حبله عنها، و مقتضی ثبوت الحیلولة من قبله سقوط المهر الذی سماه هو.
و لا فرق فی ذلک بین اختیارها الفراق قبل الدخول بها و بعدها بأن لم تعلم بعتقها أو بحکمه حتی دخل بها زوجها، ثم علمت فاختارت الفراق، و إن افترقا فی ثبوت مهر المثل فی الصورة الثانیة دون الأولی و إن اختارت القیام ثبت المهر المسمی من غیر فرق بین اختیارها القیام قبل الدخول، و بعده و لکن المهر المسمی فی هذه الصورة، و مهر المثل فی الصورة السابقة إنما یرجعان إلی المعتقة لا مولاها لانقطاعها و انقطاع التزویج عنه بمجرد العتق و نفوذه إنما یکون من قبل إمضائها، فلا وجه لرجوع المهر المسمی المترتب علی التزویج النافذ من قبلها لا قبل مولاها إلیه لا إلیها کما أنه لا وجه لرجوع مهر المثل المترتب علی الدخول مع انقطاعها عن مولاها إلیه أیضا.
و هذا مقتضی ما بنینا علیه، و أما علی ما بنوا علیه من أن الخیار فی المقام سلطنة علی حل العقد النافذ و إقراره، فاختاروا ثبوت المهر للسید فی صورة وقوع العتق قبل الدخول، و اختیارها المقام بناء علی ثبوته بالعقد کما هو التحقیق و لها بناء علی ثبوته بالدخول.
و أما فی صورة اختیارها الفراق بعد الدخول و وقوع العتق قبله بأن لم تعلم به أو بحکمه حتی دخل بها، فمقتضی ما بنوا علیه اتحاده مع ما تقدم فی الحکم أیضا من ثبوت المسمی للسید بناء علی وجوبه بالعقد و لها بناء علی وجوبه بالدخول و لکن عن التحریر و المبسوط أنه یثبت لها حینئذ مهر المثل لاستناد الفسخ إلی العتق
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 347
و لم یستقر المسمی قبله فالوطی خال عن النکاح، بل لا بد أن یکون مهر المثل لها لا للمولی، و هو لا یتم إلا علی الأصل الذی أصلناه، و لذا استشکله فی الجواهر بناء علی ما بنوا علیه بأن الموجب للانفساخ هو الفسخ لا العتق.
و منها: ثبوت الخیار لها إذا أعتقت فی العدة الرجعیة بناء علی بقاء الزوجیة فیها، و عدم زوالها إلا بانقضائها کما هو التحقیق، و حینئذ فإن اختارت الفراق تبطل الزوجیة الباقیة الغیر المستقرة فتسقط الرجعة و لا تبطل العدة، و لکنها تتم عدة الحرة لصیرورتها کذلک و إن اختارت المقام تنفذ الزوجیة الغیر المستقرة، فتصح الرجعة و لیس لها اختیار الفراق بعد اختیارها المقام، و إن قلنا بعدم بقاء الزوجیة فی العدة الرجعیة لا خیار لها حینئذ لا ردا و لا إمضاء، فما یظهر من بعضهم من جواز الفسخ دون الإقرار حینئذ لا یرجع إلی محصل.
و مما بیناه ظهر عدم ثبوت الخیار لها إذا أعتقت فی عدة الطلاق البائن، و لو أعتقت و لم تختر القیام و لا الفراق لعدم العلم به أو بحکمه، ثم طلقت رجعیا أو بائنا فمقتضی ما بنینا علیه وقوع الطلاق موقوفا، فإن اختارت القیام صح الطلاق، و ترتبت علیه أقرّه من الرجعة أو البینونة، و إلا بطل و مقتضی ما بنوا علیه صحة الطلاق و نفوذه مطلقا، و ثبوت الخیار لها فی الرجعی و سقوطه فی البائن.
فما عن العلامة قده فی القواعد، من إیقاف الطلاق البائن، فإن اختارت الفسخ بطل و إلا وقع إنما یتم علی أصل الذی أصلناه، إن کان المراد من قوله" و إلا وقع" اختیار القیام لا عدم اختیار الفراق و إلا لا یتم علی الأصلین.
و أما ما عن المبسوط من احتمال بطلان الطلاق لأنها غیر معلومة الزوجیة، و عدم وقوع الطلاق موقوفا، و أنه اللائق بمذهبنا فهو صریح فیما بنینا علیه من تزلزل الزوجیة بالعتق و لکن حکمه ببطلان وقوف الطلاق فی غیر محله لأن الممنوع منه إنما هو فیما إذا صادف التزویج المستقر، و أما وقوفه باعتبار تزلزل موضوعه و عدم استقراره فمما لم یقم دلیل علی نفیه و منعه.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 348
و منها: عدم الفرق فی ثبوت الخیار لها بین کونها تحت عبد أو تحت حر.
أما علی ما بنینا علیه من تزلزل العقد، و عدم استقراره بسبب العتق، و حصول الاستقلال فلا یعقل التفصیل بینهما، و أما علی ما بنوا علیه من کونه حقا شرعیا فالتفصیل معقول و لکن الروایات دلت علی ثبوت الخیار فی الصورتین، فإنها بین مطلقة و مصرحة بالتسویة بینهما و واردة فیما إذا کانت تحت عبد و فیما إذا کانت تحت حر.
أما المطلقة، فصحیح الکنانی عن الصادق علیه السلام:"
أیما امرأة أعتقت فأمرها بیدها إن شاءت أقامت معه، و إن شاءت فارقته
" و أما المصرحة بالتسویة فروایة محمد بن آدم عن الرضا (علیه السلام)"
إذا أعتقت الأمة و لها زوج خیرت إن کانت تحت عبد أو حر
" و مثله خبر الشحام عن أبی عبد الله (علیه السلام).
و أما الواردة فیما إذا کان الزوج عبدا فالروایات المتضمنة لقضیة بریرة المشهورة، فإن زوجها علی أکثر الروایات کان عبدا، و أما الواردة فیما إذا کان الزوج حرا فموثق ابن بکیر عن أبی عبد الله (علیه السلام)" فی رجل حر نکح أمة مملوکة، ثم أعتقت قبل أن یطلقها قال: هی أملک بنفسها" فتفصیل بعض الأصحاب قدس سرهم بین الصورتین و قصر الحکم علی ما إذا کانت تحت عبد استنادا إلی أصالة لزوم العقد، و الاقتصار علی القدر المتیقن مما خالف الأصل فی غیر محله.
أما علی ما بنینا علیه فواضح لعدم المجری للأصل المزبور حینئذ و أما علی ما بنوا علیه فلانقطاعه بالروایات المتقدمة، و تضعیفها فی غیر محله أما علی مصطلح المتأخرین، فلصحة خبر الکنانی.
و أما علی مصطلح قدماء الأصحاب قدس سرهم من أن الصحیح ما یصح العمل به لأجل الوثوق و الاطمئنان بصدوره عن المعصومین علیهم السلام فأخبار الکتب الأربعة کلها صحیحة، و قد حققنا فی محله تفصیل الکلام فیها بما لا مزید علیه.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 349
و منها: أنه لا فرق فی ثبوت الخیار لها فی رد عقد النکاح بین الدائم و المنقطع لاتحاده مع الدائم فی الحقیقة، و إفادة ملک الانتفاع لا المنفعة فما بیناه الدائم منه جار فی المنقطع منه بعینه، فلا یعقل التفصیل بینهما فیما نحن فیه.
فإن قلت: العقد المنقطع کعقد الإجارة و لذا عبر عن المتمتعات بالمستأجرات و عن مهورهن بالأجور و یلحقه بعض أحکامها من وجوب ذکر الأجر، و المدة و توزیعه علیها فیقرب حینئذ لحوقه بالإجارة فی الحکم من حیث استثناء المنفعة المستأجرة عن العتق و وقوعه مسلوب المنفعة.
قلت: التعبیر بالاستیجار و الأجر کالتعبیر بالاشتراء بأغلی ثمن فی طرف الدوام مبنی علی ضرب من التأویل و التنزیل و وجوب ذکر المدة و المهر، و توزعه علیها لا یوجب لحوق بالإجارة فیما نحن فیه لأن سبب استثناء المنفعة عن العتق بالإجارة المتقدمة کونها من قبیل ملک المنفعة لا الانتفاع، و العقد المنقطع کالدائم من قبیل ملک الانتفاع لا المنفعة کما هو ظاهر.
فاحتمال التفصیل بینهما فی غیر محله مع أن النصوص مطلقة و لا مقید لها، فالتفصیل بینهما و لو علی مبنی الأصحاب فی غیر محله أیضا.
نعم قد یتأمل فی توزیع المهر فیه بسبب الفسخ، و الظاهر توزعه به هذه جملة من الفروع المشترکة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 350‌

(فائدة 48) [یجوز ابتیاع جزء معلوم النسبة مشاعا]

قال الشهید قدس سره فی اللمعة:" یجوز ابتیاع جزء معلوم النسبة مشاعا تساوت أجزاؤه أو اختلفت، إذا کان الأصل معلوما، فیصح بیع نصف الصبرة المعلومة، و نصف الشاة المعلومة، و لو باع شاة غیر معلومة من قطیع بطل و لو باع قفیزا من صبرة صح و إن لم یعلم کمیة الصبرة فإن نقصت تخیر المشتری بین الأخذ بالحصة و بین الفسخ" و قال الشهید الثانی قدس سره فی الشرح:" و اعلم أن أقسام بیع الصبرة عشرة ذکر المصنف بعضها منطوقا، و بعضها مفهوما و جملتها أنها إما أن تکون معلومة المقدار أو مجهولة فإن کانت معلومة صح بیعها أجمع و بیع جزء منها معلوم مشاع و بیع مقدار کقفیز تشتمل علیه، و بیعها کل قفیز بکذا لا بیع کل قفیز منها، و المجهولة یبطل بیعها فی جمیع الأقسام الخمسة إلا الثالث و هل ینزل القدر المعلوم فی الصورتین علی الإشاعة، أو یکون المبیع ذلک المقدار فی الجملة وجهان، أجودهما الثانی.
و تظهر الفائدة فیما لو تلف بعضها فعلی الإشاعة یتلف من المبیع بالنسبة و علی الثانی یبقی المبیع ما بقی قدره".
أقول: و فی الصحیح:"
رجل اشتری من رجل عشرة آلاف طن فی أنبار بعضه علی بعض من أجمة واحدة و فی الأنبار ثلاثون ألف طن، فقال البائع قد بعتک
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 351
من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتری: قد رضیت و اشتریت فهو أعطاه من ثمنه ألف درهم و وکل المشتری من یقبضه فأصبحوا و قد وقع فی القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طن فقال: علیه السلام الباقی للمشتری و المحترق من البائع
". و الروایة صریحة فی عدم الإشاعة، و لکن استشکل بعضهم صحة البیع حینئذ من حیث جهالة عین المبیع فیه الموجبة للغرر المنهی عنه الموجب لفساد المعاملة جزما.
أقول: إن کان المبیع هو الفرد الشخصی المردد بین أفراد متعددة مع عدم رجوعه إلی جزء مشاع لزم الجهالة فی عین المبیع علی وجه الإبهام الموجب لبطلان البیع عقلا و شرعا لا علی وجه الغرر المنهی عنه شرعا، و إن کان المبیع الکلی المنحصر أفراده فی جملة معینة المعبر عنه بالکلی الخارجی لا یلزم الجهالة فی عین المبیع لا جهالة الإبهام و لا جهالة الغرر.
فإن قلت: ما فی الخارج لا یکون إلا فردا، و لا یعقل أن یکون ما فی الخارج کلیا باقیا علی عمومه و اشتراکه، فإن کان المبیع کلیا لا یعقل أن یکون خارجیا، و إن کان المبیع خارجیا لا یعقل أن یکون کلیا، و توصیف أحدهما بالآخر مناقضة محضة.
قلت: متعلق البیع حینئذ إنما هو الکلی المقید بوفائه من أعیان خارجیة معینة، و توصیف الکلی بالخارجی باعتبار تقییده من حیث الوفاء بالأعیان المعینة فی الخارج، فلا یتناقضان، فالمبیع حینئذ عند التحقیق هو ما فی الذمة لکن بقید وفائه من أعیان معینة، و لذا یلزم البیع و یبقی المبیع ما بقی مقدار یمکن وفاء المبیع معه علی هذا الفرض.
و من جملة الثمرات المترتبة، أنه علی هذا الفرض یتعین المبیع بتعین البائع.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 352
و أما علی الإشاعة فإنما یتعین بالتقسیم المتوقف علی اختیار الطرفین.
و من جملتها أنه لو عابت بعض الصبرة و ما بمنزلتها قبل القبض و بقی منها مقدار المبیع غیر معیب وجب علی البائع الوفاء منه علی هذا الفرض.
و أما علی الإشاعة فیقسم بینهما السالم و المعیب کل حسب حصته و إن کان البائع ضامنا للعیب الحادث حینئذ و یتخیر المشتری فی فسخ البیع و عدمه، و أخذ الأرش.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 353‌

(فائدة 49) [من تیقن الحدث و شک فی الطهارة أو تیقنهما، و شک فی المتأخر منهما]

قال فی الشرائع:" من تیقن الحدث و شک فی الطهارة أو تیقنهما، و شک فی المتأخر منهما تطهر.
أقول: إنما یتم هذا إذا لم یکن تاریخ الطهارة معلوما و لم یعلم بأن الحالة السابقة علی الحالتین هی الحدث و أما إذا علم تاریخ الطهارة فتستصحب الطهارة حینئذ و لا یعارضه العلم الإجمالی بحدوث الحدث لانحلاله، و رجوعه إلی الشک البدوی ضرورة أنه لا أثر للحدث إن وقع قبل تاریخ الطهارة، فالعلم بالحدث المردد بین أن یکون قبل تاریخ الطهارة أو بعده لم یکن له أثر علی کل تقدیر حتی یوجب اشتغال الذمة برفعه، فلا مجال لاستصحاب الحدث المعلوم بالإجمال لا ینقلب بالاستصحاب عن کونه معلوما بالإجمال إلی کونه معلوما بالتفصیل، بل یبقی علی ما کان علیه من الإجمال، فلا یترتب علیه أثر لما ظهر لک من انحلال العلم الإجمالی و رجوعه إلی الشک البدوی حینئذ، فلا ینافی استصحاب الطهارة حتی یعارضه مع أن الاستصحاب متقوم بأمرین، الیقین بشی‌ء و الشک فی بقائه و زواله و لا شک هنا فی بقاء المعلوم بالإجمال حتی یستصحب بل المعلوم بالإجمال باق علی حاله و لم یتطرق فیه شک.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 354
فتبین غایة التبین فساد ما یتوهم من جریان الاستصحاب فی مجهول التاریخ و معارضته مع الاستصحاب الجاری فی معلوم التاریخ.
فإن قلت: إنا نعلم قطعا بحدوث حدث فی البین، و شککنا فی بقائه و زواله من جهة الشک فی وقوعه قبل تاریخ الطهارة أو بعده، فیکون زائلا علی التقدیر الأول و باقیا علی التقدیر الثانی فیجری فیه الاستصحاب لتحقق رکنیة و هو الیقین بالحدث و الشک فی بقائه و زواله.
قلت: هذا الشک لیس شکا طارئا علی العلم بالحدث بل من لوازم العلم الإجمالی الفعلی بالحدث المردد بین وقوعه قبل تاریخ الطهارة، أو بعده و لو کان شکا طارئا علی العلم لزم عدم اجتماعه مع العلم الإجمالی الفعلی، ضرورة أن اجتماع الشک و الیقین فی باب الاستصحاب لیس علی وجه الفعلیة بالنسبة إلی زمان واحد بل الیقین فیه سابق علی الشک و متعلق بالزمان السابق و الشک طار متعلق بالزمان اللاحق لا یجتمع معه الیقین فی حال الشک، و إنما یؤخذ بأثر الیقین السابق، و لا یعتد بالشک الطاری.
فانکشف بما بیناه غایة الانکشاف أن الاستصحاب لا یجری فی مجهولی التاریخ لأن العلم الإجمالی فی کل منهما فعلی، و الشک فی تأخر کل منهما عن الآخر من لوازم العلم الإجمالی، و إنما لا یترتب علی العلم بکل منهما کذلک الحکم بالطهارة أو الحدث لتصادم الاحتمالین و عدم رجحان أحدهما علی الآخر لا لأجل تعارض الاستصحابین و تساقطهما لأجل تکافئهما کما قد یتوهم.
و الحکم بلزوم تحصیل الطهارة حینئذ لیس لأجل الحکم بکونه محدثا بل لأجل أن صحة الصلاة و ما بمنزلتها تتوقف علی الطهارة، فیجب علیه الوضوء لأجل إحراز شرط صحة الصلاة، و ما بمنزلتها فهو لا محدث و لا متطهر.
و کیف کان فقد تبین بما بیناه أن الحکم بالتطهر مطلقا مع الشک فی المتأخر
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 355
منهما کما أفاده المحقق (قدس سره) فی غیر محله.
و التحقیق أنه یستصحب معلوم التاریخ إن کان کما أوضحنا الکلام فیه و إلا فإن علم بالحالة السابقة علی الحالتین بنی علی ضدها و إلا یتطهر، کما اختاره المحقق الثانی و شیخ مشایخنا المحقق الطهرانی (قدس الله روحهما) و یظهر من المصنف (قدس سره) المیل إلیه فی المعتبر، قال فیه:" أما إذا تیقنهما و شک فی المتأخر فقد قال الثلاثة و من تبعهم: یعید الطهارة لعدم الیقین، و عندی فی ذلک تردد.
و وجه ما قالوا إن یقین الطهارة معارض بیقین الحدث، و لا رجحان فیجب الطهارة لعدم الیقین بحصولها، لکن یمکن أن یقال: ینظر إلی حاله قبل تصادم الاحتمالین، فإن کان حدثا بنی علی الطهارة، لأنه تیقن انتقاله عن تلک الحالة إلی الطهارة، و لم یعلم تجدد الانتقاض و صار متیقنا فی الطهارة، و شکا فی الحدث" انتهی، و ما ذکره (قدس سره) جید جدا.
فإن قلت: کما علم ارتفاع الحدث السابق علی الحالتین بالطهارة اللاحقة علم حدوث حدث جدید، و شک فی المتأخر منهما و لا رجحان لأحد الاحتمالین علی الآخر، فیجب التطهر حینئذ کما اختاره الأکثر تحصیلا أو إحرازا لشرط صحة الصلاة و ما بمنزلتها.
قلت: المعلوم حینئذ إنما هو حدوث سبب الحدث لا الحدث نفسه إذ الأمر مردد بین عروض سبب الحدث عقیب الحدث أو الطهارة، فإن فرض عروضه عقیب الحدث فلا أثر له لاشتغال المحل بالمثل و تأثیره الحدث الجدید موقوف علی عروضه عقیب الطهارة، و هو غیر معلوم فتحقق الطهارة متیقن علی کل تقدیر، و وجود الحدث الجدید مشکوک فیه، و لا یعارض الشک الیقین.
و الحاصل أن العلم بعروض سبب الحدث إجمالا إذا لم یکن له أثر علی کل
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 356
تقدیر ینحل و یرجع إلی الشبهة البدویة.
فإن قلت: یمکن أن یقال: إن سبب الحدث موجد للحدث علی کل تقدیر غایة الأمر أنه إذا کان مسبوقا بالحدث یوجب اشتداد الحدث، لا أنه یسقط عن التأثیر رأسا.
قلت: نعم یمکن ذلک، بل هو کذلک و لکن إذا لم یکن لاشتداد الحدث حکم جدید، فهو فی حکم العدم، فإن الحدث الأصغر سواء اشتد بسبب عروض أسباب متعددة أم لا، إنما یؤثر التکلیف بالوضوء مرة واحدة، و لا یؤثر اشتداده إیجاد تکلیف آخر.
فإن قلت: ما ذکرت من أن المعلوم عروض سبب الحدث لا الحدث نفسه، مبنی علی کون الحدث أمرا معنویا مسببا عن الأسباب المعهودة.
و أما إذا قلنا: بأن الحدث هی نفس الأسباب، فعروض الحدث الجدید متیقن کما أن حصول الطهارة متیقن.
قلت: أولا من الواضحات أن الحدث هو المسبب عن الأسباب المعهودة، لأن القابل للبقاء و الارتفاع بالطهارة إنما هو المسبب لا الأسباب.
و ثانیا بأنا لو سلمنا أن الحدث هو نفس الأسباب، فلا یضر بما نحن بصدده، لأن الحدث عقیب الحدث لا یؤثر تکلیفا جدیدا، فهو فی حکم العدم، و لذا تری أنهم لا یحکمون بنجاسة الإناء الطاهر بسبب العلم بوقوع قطرة من البول مثلا فی أحد الإناءین اللذین أحدهما نجس و الآخر طاهر مع التردد بین وقوعه فی النجس أو الطهر، بل یحکمون ببقاء الإناء الطاهر علی طهارته و عدم وجوب الاجتناب عنه لعدم تأثیر العلم الإجمالی تکلیفا جدیدا، بالنسبة إلی الإناء النجس علی فرض وقوع البول فیه، فینحل العلم الإجمالی إلی الشبهة البدویة حینئذ بالنسبة إلی الإناء الطاهر، فیجری فیه استصحاب الطهارة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 357
فإن قلت: ثبوت الحدث عند عروض سببه مقطوع به لأنه محدث حینئذ، إما بالحدث السابق أو بالحدث الجدید، فهو متیقن حینئذ بالحدث کما أنه متیقن بالطهارة، فیستصحب الحدث المتیقن کما یستصحب الطهارة المتیقنة، فیتعارض الاستصحابان، و یتساقطان لتکافئهما، فلا بد أن یتطهر حینئذ لأجل إحراز شرط صحة الصلاة و ما بمنزلتها.
قلت: لا مجال لاستصحاب الحدث المردد بین کونه سابقا و حادثا لأن السابق قد زال قطعا بالطهارة اللاحقة و الحادث مشکوک الحدوث، فلا متیقن حتی یستصحب ضرورة أن الحدث السابق ارتفع بالطهارة و لا شک فیه فالشک إنما هو فی الحدث الجدید، و الشک فیه إنما هو فی حدوثه لا فی بقائه بعد الیقین بحدوثه، و الاستصحاب إنما یجری فیما یتیقن حدوثه، و شک فی بقائه لا فیما شک فی حدوثه.
فاتضح بحمد الله غایة الاتضاح أن الحکم بوجوب التطهر مطلقا فیما إذا تیقنهما و شک فی المتأخر منهما فی غیر محله، و إن الحق التفصیل کما بیناه و توهم وقوع الإجماع علی وجوب التطهر مطلقا حینئذ باطل من وجهین: الأول وجوب المخالف.
و الثانی تعلیل الحکم به بتعارض الیقینین، و عدم رجحان أحدهما لا بالإجماع، و یمکن حینئذ تنزیل إطلاقاتهم علی ما بیناه لعدم تعارض الیقینین إلا فیما إذا لم یعلم تاریخ أحدهما، و لم یعلم الحالة السابقة علی الحالتین.
و بما بیناه تبین الحال فیما إذا علم بجنابة و غسل و شک فی المتأخر منهما، فإنه إن علم بتاریخ أحدهما أخذ به و استصحبه، و إن جهل تاریخهما، فإن علم بأن حالته السابقة علیهما هی الجنابة بنی علی الطهارة، و إن علم بأن حالته السابقة علیهما هی عدم الجنابة سواء علم بأنه متطهرا أو محدث بالحدث الأصغر بنی علی الجنابة،
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 358
و إن لم یعلم بالحالة السابقة علیهما فهو لا متطهر و لا مجنب لتعارض الیقینین، و عدم رجحان أحدهما فیجوز له اللبث فی المساجد و قراءة العزائم لعدم الحکم بکونه جنبا و لا یجوز له الدخول فی الصلاة و ما بمنزلتها لعدم الحکم بکونه متطهرا، و لا یصح له الدخول فیها إلا بالغسل لعدم تأثیر للوضوء علی کل تقدیر.
هذا کله إذا کان الغسل غسل جنابة، و أما إذا علم بغسل مطلق، فلا یفیده العلم بتاریخه بناء علی المشهور من عدم کون مطلق الغسل طهارة، و حینئذ فإن علم بأن حالته السابقة علیهما هی الجنابة بنی علی الطهارة بناء علی تداخل الأغسال قهرا.
و لو لم ینوها کما هو التحقیق عندنا، و إن علم بأن حالته السابقة علیهما هی عدم الجنابة أو لم یعلم بها بنی علی الجنابة للعلم لها، و عدم العلم بالمزیل.
و أما بناء علی ما اخترناه، و حققناه من کون مطلق الغسل طهارة و إجزائه عن الوضوء فلا فرق بین الصورتین.
و قد نسب إلی العلامة (قدس سره) أنه حکم فی مورد العلم بالحالة السابقة علی الحالتین بالأخذ بالحالة السابقة لا بضدها، و هو اشتباه ناش عن قلة التأمل فی أطراف کلامه، فإن حکمه (قدس سره) بالبناء علی الحالة السابقة إنما هو فی مورد الیقین بحدوث الحالة المطابقة للحالة السابقة و الشک فی رافعها.
قال فی المختلف:" إذا تیقن عند الزوال أنه نقض طهارة، و توضأ عن حدث و شک فی السابق فإنه یستصحب حاله السابق علی الزوال فإن کان فی تلک الحال متطهرا بنی علی طهارته، لأنه تیقن أنه نقض تلک الطهارة، و نقض الطهارة الثانیة مشکوک فیه، فلا یزول الیقین بالشک، و إن کان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث، لأنه تیقن أنه انتقل عنه إلی الطهارة، ثم نقضها و الطهارة بعد نقضها مشکوک فیه" انتهی، فإن المفروض فی الصورة المذکورة، و هی التوضی عن حدث و نقض طهارة الیقین بما یوافق الحالة السابقة و الشک فی زواله، فغرضه من استصحاب
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 359
الحالة السابقة استصحاب الحالة الموافقة للحالة السابقة لا عین الحالة السابقة کما هو صریح کلامه.
و قال فی القواعد:" و لو تیقنهما متحدین متعاقبین، و شک فی المتأخر فإن لم یعلم حاله قبل زمانهما تطهر و إلا استصحبه" انتهی، فإن تعاقب الحدث و الطهارة عبارة عن وقوع کل منهما عقیب الآخر، و من المعلوم حینئذ أن الحالة الباقیة موافقة للحالة السابقة، و استصحابها عبارة عن الأخذ بها و عدم رفع الید عنها لا التعویل علی الأصل لأن موافقة حالته لحالته السابقة حینئذ لا تکون موردا للشک مع فرض اتحادهما و تعاقبهما و مثله ما فی المعتبر حیث قال (قدس سره) فیه بعد أن اختار البناء علی ضد الحالة السابقة من دون فاصلة".
مسألة: لو تیقن أنه تطهر بعد الصبح عن حدث، و تیقن أنه أحدث، و لم یعلم السابق بنی علی الحال التی کان علیها قبل ذلک، لأنه إن کان قبل ذلک محدثا، فقد تیقن الطهارة المزیلة للحدث و الحدث بعدها و تأخر الطهارة مشکوک فیه، و إن کان قبل ذلک متطهرا، فقد تیقن أنه نقض تلک الطهارة بالحدث ثم توضأ لأن التقدیر أن طهارته الثانیة عن حدث" انتهی. فإن غرضه أنه أحدث عن طهارة، و تطهر عن حدث کما یظهر من تعلیله فحینئذ یحصل الیقین بما یوافق الحالة السابقة، و یقع الشک فی طرو الرافع علیه.
و العجب أنه لم ینسب أحد إلی المحقق (قدس سره) القول بالبناء علی وفق الحالة السابقة مع أن عبارة المعتبر کما رأیت کعبارة المختلف بل تعبیر المختلف أظهر فیما وجهناه، هذا و قد یتوهم أنه اشتهر أن الأصل تأخر الحادث، و مقتضاه الحکم بتأخر مجهول التاریخ عن معلوم التاریخ و البناء علیه دون معلوم التاریخ.
و فیه أن التأخر کالتقدم و التقارن مخالف للأصل لأنها جهات وجودیة و الأصل عدمها، و ما اشتهر من أن الأصل تأخر الحادث لا أصل له إلا أن یراد به أن الأصل
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 360
تأخر الحادث عن الزمان المشکوک فیه إلی الزمان المتحقق وقوعه فیه، یعنی الأصل الاقتصار علی القدر المتیقن مثلا إذا علم بأنه احتلم إما فی هذه اللیلة أو اللیلة الماضیة لا یحکم بوقوعه إلا فی هذه اللیلة لأن الأصل عدم وقوعه فی اللیلة الماضیة فیقتصر علی القدر المتیقن من ثبوت الجنابة فی هذه اللیلة و لا قدر متیقن فی المقام لا بعد معلوم التاریخ و لا قبله، فلا یحکم بکونه بعده و لا قبله.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 361‌

(فائدة 50) إذا خرج المقیم عن محل إقامته إلی ما دون المسافة و عزم علی العود و الإقامة الجدیدة

أتم ذاهبا و آئبا و فی محل الإقامة بلا خلاف معتد به، و إذا عزم علی العود من دون إقامة ففیه خلاف، و المسألة کانت ذات قولین بین الأصحاب (قدس سرهم) علی ما ذکره فی الجواهر.
أحدهما التقصیر فی الإیاب و محل الإقامة و الإتمام فی الذهاب و المقصد.
و ثانیهما التقصیر بعد الخروج عن محل الترخص مطلقا، و إنما حدث التفصیل فی کلمات المتأخرین و منشأ اختلاف القولین علی ما ذکره هو و غیره أن القائلین بالتقصیر فی الإیاب زعموا أن الإیاب مبدء للسفر الذی من نیته أن یسافر و لا یقیم و جزء منه، و القائلین بالتقصیر مطلقا جعلوا الذهاب و الخروج عن محل الإقامة مبدءا له و جزءا منه، و لم یدعوا نصا فی هذا الباب، بل قیل: إنه لم تکن المسألة معنونة فی کلام من تقدم علی الشیخ (قدس سره).
و أول من تعرض لهذه المسألة الشیخ (قدس سره) فی المبسوط، و التحقیق
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 362
کما اختاره جمع من المحققین الإتمام مطلقا ذهابا و إیابا و فی المقصد و محل الإقامة.
توضیح الحال فیه یتوقف علی تقدیم أمور: الأول: فی أن السفر الموضوع للقصر مفهوم عرفی أو شرعی.
و الثانی: فی أن قصد إقامة العشرة تتوقف علی قصد مکان معین أم لا.
و الثالث: فی أن قصد الإقامة هل هو قاطع للسفر أو حکمه.
أما الأول: فمن المعلوم أن للسفر حقیقة عرفیة واقعیة یعرفها أهل العرف، و هو الضرب فی الأرض أی طی البعد بین المکانین للوصول من أحدهما إلی الآخر، و تحدید البعد بثمانیة فراسخ طولیة أو تلفیقیة من الذهاب و الإیاب المنطبق علی شغل الیوم إن لم نقل بأنه جهة واقعیة کشف عنها الشارع.
و إن خفی علی أغلب أهل العرف لدقته و غموضه لا ینافی مع کونه مفهوما عرفیا لأن للشارع أن یتصرف فی المفاهیم العرفیة بالتحدید قلة أو کثرة و جعل شرط أو مانع و هکذا کما تصرف فی البیع الذی هو مفهوم عرفی بجعل القبض فی المجلس شرطا فی خصوص بیع الصرف و جعل الخیار للمشتری إلی ثلاثة أیام فی بیع الحیوان و هکذا.
و من المعلوم أیضا أن موضوع حکم القصر هو هذا المفهوم العرفی قال عز من قائل" وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ".
و أما الثانی: فالتحقیق عدم توقف الإقامة علی تحققها فی مکان معین، حتی یعتبر فی قصدها قصد مکان معین لأن الغرض من الإقامة فی المقام ضد الارتحال و هو یتحقق بالإعراض عن السفر و رفع الید عنه، و هو لا یتوقف علی الوقوف فی مکان معین، بل یکفی فیه البناء علی التوقف المضاد للجد المعتبر فی السفر عرفا، و مضادة الإقامة للسفر لا تکون أمرا تعبدیا، و إن قلنا بأن تحدیدها بعشرة أیام تعبد من الشارع، فلا مجال لتوهم اعتبار قصد المکان المعین فیها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 363
و أما الثالث: فمن المعلوم، أن الإقامة المتحققة عن قصر قاطعة للسفر ضرورة أن مفهوم الإقامة مضادة لمفهوم السفر و الارتحال، فالبناء علی الإقامة مضاد للبناء علی السفر و الارتحال، فإذا قصد المسافر الإقامة زال عنه التلبس بالسفر و الارتحال، مراعی و إنما یستقر بترتیب أثر الإقامة من إقامة صلاة تامة، بل یمکن أن یقال بترتیب أثر الإقامة مطلقا و لو بإتیان نافلة الظهر مثلا.
و کیف کان فمضادة الإقامة الخارجة عن الحد المتعارف للمسافرین فی توقفهم فی المنازل و المقصد للسفر أمر واضح، لأن السفر أمر عرفی واقعی یعتبر فیه الجد فی الطی طبعا.
فإذا توقف المسافر عن السیر و الطی بحیث خرج عن حد الاشتغال بالسفر عرفا صدق علیه أنه مقیم لا راحل و مسافر، غایة الأمر أن الکلام فی أن الحد المخرج عن صدق السفر هل هو إقامة عشرة أیام فی الواقع و الشارع کشف عنه، و إن خفی علی أهل العرف لدقته و غموضه أو یکون التحدید المزبور تعبدا من الشارع و کونه تعبدیا لا یوجب صیرورة إقامة عشرة أیام قاطعة للحکم لا الموضوع، و إنما یوجب عدم صدق الإقامة المضادة للسفر علی إقامة ما دون العشرة و اختصاصها بإقامة العشرة فما فوقها.
إذا اتضح لک ما بیناه اتضح لک أن خروج المقیم إلی ما دون المسافة لا یضر بالإقامة بوجه و لا یوجب التقصیر مطلقا.
توضیح الحال أن الاستشکال فی خروج المقیم عن محل إقامته إلی ما دون المسافة إن کان من جهة تقوم الإقامة بالمحل الذی نوی الإقامة فیه، و إذا خرج عنه خرج عن کونه مقیما و زال عنه حکم التمام لارتفاع موضوعه فیعود إلی التقصیر.
ففیه ما عرفت من أن الإقامة لا تتقوم بالمحل و لا یعتبر فی تحققها قصد مکان
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 364
معین، مع أنه لو سلمنا ذلک فلا وجه لعود حکم التقصیر لانقطاع السفر بالإقامة و لا یعود بزوال الإقامة السفر الأول حتی یعود التقصیر فهو حینئذ لا مقیم و لا مسافر و حکمه التمام لأن فرض التمام لا یحتاج إلی بقاء الإقامة، بل یکفی فیه عدم کونه مسافرا سواء صدق علیه عنوان المقیم أم لا، و لیس عنوان المقیم و المسافر من قبیل الضدین لا ثالث لهما، حتی یقال إنه لا یخلو الشخص من أحدهما.
و توهم أن المقیم مسافر فی حال الإقامة، و أنها قاطعة للحکم لا الموضوع فی غایة السخافة ضرورة أن الإقامة مضادة للسفر، و لا تکون من قبیل کثرة السفر مانعة عن الحکم و قاطعة له مع بقاء السفر.
فإن قلت نعم الإقامة لا تتقوم بالمحل، و لا یعتبر فیها قصد مکان معین، و یجوز له أن یقصد الإقامة من دون تعیین مکان کما یجوز له أن یقصدها فی مکان معین، فإن قصدها من دون تعیین مکان وقعت مطلقة.
و إن قصدها مع تعیین مکان وقعت مقیدة.
فإذا خرج حینئذ عن محل إقامته الذی نوی الإقامة فیه بطلت إقامته، و رجع إلی حکم التقصیر لأن التمام إنما شرع لأجل الإقامة.
قلت: بعد أن ظهر لک أن الإقامة المضادة للسفر عبارة عن رفع الید عن السفر و الإعراض عنه ظهر لک أنها صفة للشخص، و لا تعلق له بالمکان أصلا، فلا یتقید بمکان مخصوص باعتبار قصد التوقف فیها، و لو کانت الإقامة متعلقة بالمکان لم تتحقق إلا بقصد مکان معین، فمع فرض جواز تحققها من دون تعیین محل کاشف عن عدم تعلقها به، فلا مجال للتقیید به حینئذ.
ثم إنه لو سلم تقیید الإقامة بالمحل، فلا وجه لعود حکم التقصیر بسبب خروجه عن محل إقامته، لأنه حکم السفر و لا یعود السفر بعد انقطاعه بالإقامة حتی یعود التقصیر، و لیس الحکم بالتمام لأجل الإقامة بل لأجل زوال السفر بالإقامة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 365
و إن کان الاستشکال من جهة توهم أن الخروج عن محل إقامته إلی ما دون المسافة أو الإیاب عنه مبدءا للسفر الذی من قصده أن ینشأه بعد وصوله إلی محل إقامته، فهو فی غیر محله أیضا ضرورة أن المفروض أنه لم ینشأ السفر حین الخروج فی محل إقامته إلی ما دون المسافة مع نیة عوده إلیه و لا حین إیابه و عوده إلیه، فکیف یصیر جزءا و مبدءا للسفر الذی لم ینشأه بعد.
فاتضح بما بیناه غایة الاتضاح أن التحقیق الإتمام مطلقا ذهابا و إیابا، و فی المقصد و محل إقامته، کما أنه اتضح أیضا عدم الفرق بین أن یبدو له الخروج إلی ما دون المسافة بعد استقرار إقامته بإتمام فریضة واحدة أو قبل استقرارها، و بین نیة الخروج فی حال نیة الإقامة أو بعدها.
لما اتضح لک أنه لا یعتبر فی نیة الإقامة قصد مکان معین، و أنه إنما تزول الإقامة بالسفر لا بالخروج إلی ما دون المسافة فما یظهر من کلمات بعضهم أن الخروج إلی ما دون المسافة قبل استقرار الإقامة بإتمام فریضة واحدة مخل بالإقامة، و قاطع لها سواء نوی إقامة جدیدة بعد العود إلی محل الإقامة أم لا فی غیر محله، لأن الخروج إلی ما دون المسافة لیس مضادا للإقامة حتی تبطل به، و لا یکون مجال لاستقرارها بإتمام فریضة و کذا ما یظهر من کلمات بعضهم أیضا من التفصیل بین نیة الخروج إلی ما دون المسافة فی حال الإقامة، و بعدها و الحکم بوجوب القصر أو الاحتیاط بالجمع فی الصورة الأولی إذا کان من نیته المبیت بلیلة أو أزید، لما تبین لک من أن نیة الخروج إلی ما دون المسافة لا تضاد الإقامة بوجه، فلا مجال للتفصیل بین وقوعها فی حال الإقامة و بعدها.
و بما بیناه تبین أیضا أن لو کان مترددا فی العود و عدمه أو ذاهلا عنه، فالحکم الإتمام لتحقق الإقامة الموجبة للإتمام و عدم مزیل لها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 366
و الحاصل أن الحکم فی جمیع الصور التی ذکروها فی هذه المسألة الإتمام، إلا إذا رجع متلبسا بالسفر فی حال رجوعه، و یکون مروره علی محل الإقامة من جهة أنه منزل من منازل سفره، و کذا إذا کان فی حال خروجه متلبسا بالسفر، و یکون عوده إلی محل إقامته من قبیل رجوع المسافر إلی بعض منازل سفره لقضاء حاجة له، لکن الأحوط حینئذ الجمع فی حال خروجه و فی المقصد.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 367‌

(فائدة 51) فی جواب ما أورده بعض أفاضل العصر،

اشارة

فقال (سلمه الله تعالی) ما محصله: أن فعل الفاعل لا یمکن أن یستند إلی غیره بوجه من الوجوه، و الذی یصح أن یستند إلیه هو المعنی المنتزع عن منشإ انتزاعه أی المنشأ فهو یجیز المبادلة القائمة بالمالین، و إسناد الإجازة إلی العقد بالمعنی المصدری تسامح و إنما تستند إلی العقد بمعنی اسم المصدر و الأمر المنتزع المتزلزل ثابت أبدا لصدور منشإ انتزاعه، و یخرج عن التزلزل بإجازة من له الأمر و لیس له الرد أی إبطال العقد و إعدامه، لأن منشأ الانتزاع علة تامة للأمر المنتزع و لا ینقلب منشأ الانتزاع عن الوقوع إلی اللاوقوع و تفکیک العلة التامة عن المعلول غیر معقول.
و إنما الذی للمالک هو الإجازة و عدمها و بالإجازة یتم العقد و مع عدمها یبقی علی تزلزله، و الرد لا أثر له و لازم ذلک نفوذ العقد من حین الإجازة من غیر فرق بین کون المجیز مالکا حین العقد أم لا.
ثم قال:" توضیح الأمران العلة الفاعلیة للعقد هی الموجب و القابل، و الآلة هی الصیغة المشتملة علی الإیجاب و القبول و هی علة تامة لتحقق جسد العقد مطلقا، و العلة المادیة هی المعقود علیه و به، و الأصیل إنما یرجع إلیه تنفیذ جسد العقد، و إتمامه لرجوع المعقود علیه أو المعقود به إلیه، و لا دخل له فی فعل الفاعل بوجه حتی یؤثر رده فی إبطاله.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 368
و إنما المرجع فی إنشاء جسد العقد هو الموجب و القابل، و لا یعقل تأثیر رد الأصیل فیما لا یکون مرجعا فیه مع أن الإنشاء لا ینقلب عما وقع علیه، و هو علة تامة لتحقق المنشإ، و لو متزلزلا فلا یعقل زواله مع عدم تطرق خلل فی علته، نعم لو عقد الأصیل لغیر من عقد الفضول له أو تلف محل العقد قبل إجازة الأصیل، لا یبقی مجال للإجازة، فیصیر العقد الفضولی باطلا".
ثم قال:" و یترتب علی ما بیناه أمور:
الأول: ثبوت التنفیذ للإجازة من حین تحققها لا من حین العقد.
الثانی: أنه لا سلطنة للأصیل علی الرد، و إنما له السلطنة علی الإجازة و عدمها الثالث: نفوذ العقد بالمعنی اسم المصدری بسبب إجازة الأصیل.
الرابع: نفوذ العقد بالمعنی المذکور بعد الرد بإجازة من له الإجازة کما یدل علی ذلک صحیحة محمد بن قیس الواردة فی هذا المقام، و حمل الروایة علی المحامل البعیدة مبنی علی ما التزموا به من بطلان العقد الفضولی بالرد، و بعد ما عرفت یظهر لک أنها منطبقة علی القواعد، و لا حاجة إلی التأویل.
فإن قلت: ینافی ما بیناه الروایة الواردة فی باب النکاح الدالة علی تنفیذ العقد الفضولی بعد موت أحد الزوجین، فإنها تدل علی أن الإجازة ترتبط بالعقد بالمعنی المصدری، ضرورة أن العلقة قائمة بالزوجین و بموت أحدهما لا مجال لتحققها.
قلت: الزوجیة قائمة بنفس الزوجین أی الجوهر المجرد المعبر عنه بالنفس الناطقة، و بعد موت الشخص لا تنعدم و لذا یحکم بثبوت العدة، و أنه لو أحیی المیت بإحیاء الله جل شأنه تبقی الزوجیة بحالها، و انقطاع کل منهما عن الآخر بعد العدة إنما هو لتنزیل الشارع العلقة منزلة العدم باعتبار عدم إمکان جریان آثارها" انتهی.
أقول بعون الله تعالی و مشیته: إن للعقد نسبة إلی المتعاقدین علی وجه الصدور و إلی المعقود علیه و به علی وجه الوقوع، و لا شبهة فی نفوذه و مضیه إذا صدر من أهله و وقع فی محله، کما أنه لا شبهة فی بطلانه إذا وقع فی غیر محله، و إنما اختلفت
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 369
کلماتهم فیما إذا صدر من غیر أهله، فقیل یبطل مطلقا، و قیل یقع موقوفا مطلقا علی إمضاء الأصیل و إجازته.
و فصل بعضهم بین عقد النکاح و غیره، و لا شبهة أن القول بوقوعه موقوفا علی إمضاء الأصیل مبنی علی عدم استقرار العقد الصادر من غیر أهله فی صدوره کذلک إذ مع فرض استقراره فی صدوره من غیر أهله لا مجال لنفوذه، و مضیه بإمضاء الأهل و الأصیل، و القول بوقوعه موقوفا.
و مقتضی ذلک أمور:
الأول: استقرار العقد الفضولی فی البطلان بالرد و الإبطال کاستقراره فی النفوذ بالإجازة و الإمضاء.
و الثانی: کون الإجازة کاشفة لا ناقلة.
و الثالث: عدم تأثیر الإمضاء فی نفوذ إلا ممن کان مرجعا للعقد فی زمان صدوره و إمضائه.
توضیح ذلک غایة الإیضاح، یتوقف علی بیان أمور:
الأول: أن استناد العقد إلی الأهل لا یکون إلا علی وجه الصدور کما أن استناده إلی المحل لا یکون إلا علی وجه الوقوع، فتأثیر إجازة الأصیل و إمضائه فی استناد العقد الفضولی إلیه لیس إلا فی جعله صادرا عنه، و انقلابه عن کونه فضولیا غایة الأمر أن الصدور من الأصیل حینئذ لا یکون بالمباشرة، بل بالتسبیب کاستناد العقد الصادر عن الوکیل إلی موکله مع عدم صدوره عنه بالمباشرة بل الوکالة و الإجازة فی الحقیقة حقیقة واحدة، و إنما یختلفان فی التأخر و التقدم، فإن الإجازة وکالة متأخرة کما أن الوکالة إجازة متقدمة عند النظر الدقیق.
الثانی: أن الأفعال علی قسمین: ابتدائی أولی و تولیدی انتزاعی و لا یعقل استناد الأفعال الانتزاعیة التولیدیة إلی الشخص إلا بتوسط استناد منشإ انتزاعها إلیه، إذ لو جاز استنادها إلیه ابتداء لزم عدم کونه انتزاعیا تولیدیا، و هو خلف محال.
الثالث: أن الأمور الانتزاعیة التولیدیة علی قسمین:
منها ما ینتزع حدوثها
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 370
من حدوث منشإ انتزاعها، کالعقود و الطهارة عن الحدث و الخبث حیث إن العلقة المتولدة من الإیجاب و القبول إنما یتولد حدوثها من حدوثهما و هکذا الأمر فی الطهارة فإنها تحدث بحدوث أسبابها.
________________________________________
بهبهانی، سید علی، الفوائد العلیّة - القواعد الکلیّة، 2 جلد، کتابخانه دار العلم، اهواز - ایران، دوم، 1405 ه ق

الفوائد العلیة - القواعد الکلیة؛ ج‌2، ص: 370
و منها ما ینتزع وجودها من وجود منشإ انتزاعها بحیث یدور مدار منشإ انتزاعه حدوثا و بقاء کالفوقیة و التحتیة المنتزعتین من تقابل الجسمین بحیث لو وقع أحدهما لوقع علی الآخر.
و الأول علی قسمین أیضا: فمنها ما یکون قارا فی حد نفسه و یکون باقیا بعد حدوثه من منشإ انتزاعه ما لم یطرء علیه مزیل کالعقود المنتزعة من الإیجاب و القبول فإنها حادثة بحدوثهما و تکون باقیه ما لم یطرء علیها رافع من جهة أنها قارة فی حد أنفسها و لا تکون فی بقائها مسندة إلی منشإ انتزاعها إلا باعتبار حدوثها ضرورة أنه لا تأثیر للصیغة فی بقاء العقد و عدمه و هکذا الأمر فی الطهارة المنتزعة من الوضوء و الغسل فإنهما إنما یوجبان حدوث الطهارة و لا تأثیر لهما فی بقائها و عدمه.
و منها ما لا یکون قارا فی حد نفسه کالتعلیم و التدریس المنتزع من إلقاء الکلام نحو المستمع فإنه حادث بحدوث منشإ انتزاعه منقضیا بانقضائه.
الرابع: أن الأمور المنتزعة مطلقا متحدة مع منشإ انتزاعها فی الخارج و لا وجود لها وراء وجود منشإ انتزاعها و لا ینافی ذلک من بقاء الأمور المنتزعة القارة من حدوث منشئها الذی لا یکون باقیا لأن الانتزاع فیها إنما هو بین الحدوثین و هما متحدان فی الخارج و لا یکون بقاؤها منتزعا مستندا إلی المنشإ بوجه.
الخامس: أن رفع الأمر لا یتوقف علی رفع منشإ انتزاعه، إذا کان حدوثه منشأ لانتزاع حدوث الأمر المنتزع، ضرورة أنه ینتقض الطهارة بالحدث، و یرتفع الحدث بالطهارة من دون تطرق خلل فی منشإ انتزاعهما، و لا ینافی ذلک مع اتحاد الأمر المنتزع من منشإ انتزاعه، و لا مع کونه علة تامة للانتزاع، لأن الاتحاد و العلیة لا یکونان إلا بین الحدوثین، و لم یتطرق بالنسبة إلی حدوث المنتزع حینئذ خلل حتی ینافیه الاتحاد أو العلیة التامة، نعم إذا کان الانتزاع فی الوجود لا فی الحدوث،
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 371
فإن کان الانتزاع علی وجه العلیة التامة کانتزاع الفوقیة و التحتیة من تقابل الجسمین یتوقف رفع الأمر المنتزع حینئذ علی رفع منشئه و إلا فلا، بل یتحقق بفقد شرط أو وجود مانع أو مزاحم أقوی أو مماثل.
السادس: أنه إذا کان الأمر المنتزع متزلزلا مراعی موقوفا غیر مستقر، فإن کان حدوثه منتزعا من حدوث منشإ انتزاعه فهو متزلزل موقوف فی حدوثه، و إذا استقر استقر فیه صحة أو بطلانا، و لا یعقل أن یستقر فی بقائه مع عدم استقراره فی حدوثه، لأنه مع تزلزله فی حدوثه لم یحدث، حتی یحکم علیه بالبقاء مستقرا.
السابع: أن العقد الواحد لا ینحل فی صدوره و لا فی وجوده إلی عقود متعددة بالنسبة إلی أجزاء الزمان الذی یصلح بقاؤه فیها، کما ینحل العقد الواحد المتعلق بأشیاء متعددة إلی عقود متعددة حسب تعددها، ضرورة أن ظرف صدور العقد لیس إلا زمان حدوثه، و لا تعلق له بسائر الأزمنة حتی تحلیلا، و کذا وجوده، فإن العقد إنما یبقی فی الأزمنة التالیة باعتبار أنه قار فی نفسه فهو باق ما لم یطرء علیه رافع، لا أنه یبقی باعتبار تعلقه بالأزمنة التالیة بحیث إذا طرء علیه المزیل انقلب بعض ما شمله العقد عما وقع علیه أولا، کما هو ظاهر، بخلاف العقد المتعلق بأشیاء متعددة، فإنه متعلق بکل واحد منها فی ضمن المجموع، و لذا ینحل إلی عقود متعددة حسب تعددها، نعم ینحل عقد الإجازة و نحوه باعتیار الأزمنة المتعددة، حیث کان الزمان رکنا فیه و متعلقا له.
إذا اتضحت لک هذه الأمور فاعلم أنه لا یعقل استناد فعل الفاعل إلی غیره علی وجه المباشرة بالضرورة، سواء کان الفعل ابتدائیا أم تولیدیا، و أما استناده إلی غیره علی وجه التسبیب، فکما یجری فی الفعل التولیدی کذلک یجری فی الفعل الابتدائی، و التفکیک بینهما بالقول باستحالة الاستناد فی الفعل الابتدائی، و تطرق الاستناد فی الفعل التولیدی باطل جدا.
ثم إن جعل العقد بالمعنی المصدری منشأ للانتزاع، و بالمعنی اسم المصدری
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 372
منتزعا منه فی غیر محله، فإن معنی المادة فیهما واحد، و هو الحدث السازج، و لا اختلاف بینهما من حیث المادة لفظا و معنی، و إنما یختلفان فی الهیئة فهیئة المصدر تدل علی النسبة الناقصة إلی الفاعل أو المفعول، و لذا قد یرد المصدر مبنیا للفاعل و قد یرد مبنیا للمفعول، و هیئة اسم المصدر لا تدل علی شی‌ء، و إنما هی وقایة للمادة.
و من المعلوم أنه لا وجه لانتزاع اسم المصدر حینئذ، ضرورة أن الحدث الواحد لا ینتزع من نفسه، و لا من نسبته إلی الفاعل أو المفعول، فإن کان العقد بالمعنی المصدری فعلا ابتدائیا، فهو بمعنی اسم المصدری کذلک، فما ذکره من استحالة الاستناد إلی غیر الفاعل علی فرض تمامیته جار فیهما.
ثم إن ما ذکره فی وجه استحالة تأثیر الرد فی إبطال المعنی المتزلزل الحاصل بإنشاء الفضول من أن الإنشاء علة تامة له، و لا یعقل انقلاب الإنشاء عما وقع علیه، و لا انتفاء المعلول الحاصل منه لاستحالة انفکاک المعلول عن علته التامة قد عرفت ضعفه، لأن المعلول من الإنشاء إنما هو حدوث المنشإ لا وجوده، و إبطال المنشإ بعد حدوثه لا یوجب انقلاب الإنشاء عما وقع علیه.
و لا تفکیک المعلول عن العلة، أ تری أن حل عقد البیع بالإقالة أو الفسخ بالخیار یوجب خللا فی الإیجاب و القبول؟ أو انفکاک المعلول عن العلة؟ مع أن تأثیر الرد فی إبطال العقد المتزلزل لیس بحله و إعدامه بعد حدوثه، بل بجعله مستقرا فی صدوره من غیر أهله، و لازم استقراره فی صدوره من غیر أهله بطلانه و صیرورته بحکم العدم.
توضیح ذلک: أنه کما ثبت لذی الخیار باعتبار خیاره و سلطنته علی عمل نفسه، و عمل طرفه السلطنة علی حل العقد و إقراره، بحیث إذا أقرّه لیس له حله، و إذا حله لم یکن مجال لإقراره، فکذلک للأصیل و من إلیه الأمر باعتبار سلطنته علی نفسه و جهاته و شئونه إنفاذ التقلب الواقع فی ماله، بحیث إذا رده بطل و استقر فی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 373
البطلان، و إذا أمضاه استقر فی الصحة و النفوذ، و لا ینافی ذلک مع کون الإنشاء تاما فی نفسه و لا مع حدوث المنشإ به، لأن الحادث به إنما هو أمر متزلزل و لا ینافی خروجه عن التزلزل و استقراره فی الصحة أو البطلان بإمضاء الأصیل، أو رده.
و لا مجال لأن یقال إنه لا سلطنة للأصیل علی عمل الغیر فی هدمه و إبطاله، إذ کما له السلطنة علی إسناد عمل الغیر إلی نفسه، و جعله صادرا عن نفسه تسبیبا باعتبار تعلقه بما یملکه فکذلک له السلطنة علی دفعه عما یرجع إلیه باعتبار تعلقه به، و لو کان هذا القدر من التصرف ممنوعا لزم عدم تأثیر إمضائه فی صیرورة عمل الغیر عمل نفسه بطریق أولی، لأن الإمضاء یقلب عمل الغیر إلی عمل نفسه.
و أما الرد فلا یقلبه عما هو علیه و إنما یجعله مستقرا فی صدوره عن الغیر، فسلطنة من إلیه الأمر علی إمضاء عمل الغیر و عدمه إنما هو باعتبار تعلقه بما یرجع إلیه، لا باعتبار صدوره عن الغیر، فلو لم یکون التعلق بما یرجع إلیه کافیا فی جواز التصرف فیه لزم أن لا یؤثر فیه الإمضاء، و الرد معا، و لا وجه للتفکیک بینهما، و لیس مرجع الرد إلی قلب الإنشاء عن کونه إنشاء و لا إلی قلب منشإ الانتزاع عن کونه منشأ له حتی یحکم باستحالتهما، بل مرجعه إلی دفع المنتزع عن التعلق بالأصیل الموجب لاستقراره فی البطلان.
و الحاصل أن السلطنة علی العمل تحصل بأحد أمرین، إما لکونه عمل نفسه مع تعلقه بما یرجع إلیه، و إما لأجل تعلقه بما یرجع إلیه، فکما له السلطنة علی عمل نفسه إبقاء و رفعا، فکذلک له السلطنة علی العمل المتعلق بما یرجع إلیه ردا و إمضاء، بل مدار السلطنة علی تعلق العمل بما یرجع إلیه، و لذا لم یکن للفضول هدم عمل نفسه، و هذا فی غایة الوضوح و لأجل کمال وضوحه لم یخالف أحد من الأصحاب (قدس سرهم) فی بطلانه بالرد، و عدم تأثیر الإمضاء بعده، و لم یعتد أحد منهم بما یتراءی من روایة محمد بن قیس، و أولوها بما ینطبق علی القواعد.
و بما بیناه تبین أن الإجازة کاشفة لا ناقلة، إذ بعد ما ظهر لک أنه لا نسبة للعقد إلی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 374
الأصیل إلا صدوره منه، و إن إجازة الأصل إنما تؤثر فی نسبة صدور العقد إلیه، و جعل العقد الصادر عن الفضول صادرا" من الأصیل یظهر لک أنه لا مجال للقول بالنقل، لأن العقد له صدور واحد، و لا تعلق له إلا بزمان وقوع العقد.
و توهم انحلال صدور العقد إلی صدورات متعددة باعتبار تعدد الأزمنة التالیة قد عرفت فساده، و أیضا استناد الأمر المنتزع فی الصدور إلی الأصیل من دون استناد منشئه إلیه غیر معقول، و مناف للانتزاع و التولید، فاستناد الأمر المنتزع فی الصدور أو الوجود إنما یکون باستناد منشئه إلیه، و لا استناد لمنشإ الانتزاع بزمان الإمضاء حتی تصیر الإجازة ناقلة.
و منه یظهر لک أنه یجب أن یکون المجیز مرجعا للعقد فی زمان صدوره، کما یجب أن یکون مرجعا له فی حال الإجازة، غایة الأمر أنه یکفی فی المرجعیة فی زمان الصدور رجوع متعلق العقد إلیه بالملکیة و نحوها و إن لم یکن تاما نافذ الإقرار فی هذا الحال کالصغیر و السفیه و المکره و هکذا.
فإن قلت: ما ذکرت من أن الإجازة کاشفة لا ناقلة، و أن المجیز یجب أن یکون مرجعا للعقد فی زمان صدوره، و إمضائه ینافی مع ما اخترته من أن مرجع خیار مشتری الأمة المزوجة فی حل التزویج و تقریره إلی السلطنة علی إمضاء العقد و رده، و کذا خیار الأمة المزوجة بعد عتقها، إذ لا یکون کل منهما مرجعا للعقد الصادر من المولی فی زمان صدوره، و لا تکون إجازته کاشفة عن استقراره عقد التزویج فی زمان صدوره.
قلت: لا منافاة بینهما لأن عقد التزویج إنما یصیر فضولیا، أو فی حکم الفضولی بعد عتق الأمة أو اشترائها من مولاها، و کل منها مرجع للعقد بعد العتق أو الاشتراء و تکون إجازته کاشفة عن استقرار العقد بعد تزلزله، و أما حال صدوره من المولی فهو نافذ تام، و لا یکون متزلزلا حتی یتطرق فیه ما یوجب استقراره فی النفوذ أو البطلان فإن قلت قد ذکرت أن العقد لا ینحل إلی عقود متعددة باعتبار أجزاء الزمان إلا إذا کان الزمان رکنا فیه، و متعلقا له کعقد الإجارة، و عقد التزویج لا تعلق له
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 375
بالزمان و الدوام فیه اقتضائی، و لا یکون قیدا زائدا فلا ینحل باعتبار تعدد أجزاء الزمان و یکون أمرا واحدا تحقیقا و تحلیلا، فلا یعقل أن یقبل النفوذ و التزلزل، مع بقائه علی وحدته و عدم انحلاله إلی متعدد.
قلت: اتصافه بالنفوذ و التزلزل علی وجه التعاقب باعتبار اختلاف الطرف، کاتصافه باللزوم و الجواز کذلک لا یتفرع علی أوله إلی متعدد و انحلاله إلیه، و إنما لا یقبل اتصافه بهما فی زمان واحد لأوله إلی التناقض.
فإن قلت: الإجازة کما ذکرت إنما تتعلق بصدور العقد، لأنها تجعل العقد الصادر من الفضول صادرا من الأصیل، فلا مجال لتحققها فی المقام لأنه صادر من الأصیل، و لا ینحل صدوره إلی صدورات متعددة حتی یتطرق النفوذ و التزلزل معا باعتبار تعدده تحلیلا.
قلت: الصادر الواحد مع بقائه علی وحدته، و عدم انحلاله إلی متعدد إذا تعلق بمرجعین، و لو ترتیبا لا یمتنع أن یتطرق فیه النفوذ بالنسبة إلی أحد المرجعین، و التزلزل بالنسبة إلی الآخر فینفذ بإجازته بالنسبة إلیه أیضا، فکما أن تزویج الأمة المشاعة بین مولیین بإذن أحدهما مع وحدته، و عدم تطرق التعدد فیه، و لو بالکسر نافذ فی صدوره بالنسبة إلی الإذن منهما و متزلزل فیه بالنسبة إلی الآخر، و لا امتناع فی اجتماع النفوذ و التزلزل فیه، باعتبار اختلاف الطرف فکذلک فی المقام، فإن قلت: الأمر فی المقام لیس کذلک، لنفوذه فی صدوره و عدم التزلزل فیه بوجه، و إنما تزلزل فی بقائه فلا سبیل لتعلق الإمضاء بالصدور حینئذ.
قلت مقتضی تزلزل عقد التزویج فی بقائه عند تعلقه بالمرجع الثانی صیرورته محلا لإمضائه و رده، فبالإمضاء یصیر صادرا من حین تزلزله من المرجع الثانی علی وجه التسبیب لا المباشرة فافهم و اغتنم، فإنه فی غایة الدقة و النفاسة.
فإن قلت: إذا کان الأمر کذلک، فلم لا یجوز تنفیذ عقد البیع من حین الإجازة إذا کان مرجعا له حینها، و لو لم یکن مرجعا له حین وقوعه.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 376
قلت: الوجه فی عدم جواز کون الإجازة ناقلة من حینها لا من حین العقد، إذا کان مرجعا له حینه أنه یلزم حینئذ تزلزل العقد فی حال حدوثه و استقراره فی بقائه، و هو محال لأن البقاء فرع الحدوث، فإذا کان متزلزلا فی حدوثه و لم یستقر فیه، فکیف یستقر فی بقائه، ضرورة أنه إذا لم یثبت الحدوث،، فکیف یثبت البقاء و أما إذا لم یکن مرجعا له من حینه، ثم صار مرجعا له بسبب انتقال المبیع أو الثمن إلیه، فالوجه فیه استقرار العقد فی البطلان حینئذ لأن العقد حین وقوعه من جهات المنتقل عنه، و شئونه، فإذا لم یمضه المنتقل عنه حتی خرج المبیع أو الثمن عن ملکه استقر العقد فی البطلان، و إذا بطل العقد فی حدوثه بالنسبة إلی المنتقل عنه فلا مجال للبقاء حینئذ بالنسبة إلی المنتقل إلیه، حتی یتطرق فیه الإمضاء فلو نفذ العقد حینئذ بإجازة من انتقل إلیه من حین انتقاله إلیه، أو من حین إمضائه لزم تأثیر الإمضاء فی انقلاب زمان الصدور و جعل العقد الصادر فی زمان صدوره صادرا من حین انتقال المبیع أو الثمن إلیه أو من حین إجازته و هو محال.

تنبیهان:

الأول: أنک قد عرفت أن عقد الإجارة ینحل إلی عقود متعددة باعتبار أجزاء الزمان لکونه رکنا فیه و متعلقا له،

فلو آجر البطن الأول العین الموقوفة فی مدة معینة، و انقرضوا فی أثنائها فلا ینبغی الإشکال فی صیرورته فضولیا بالنسبة إلی البطن الثانی فی بقیة المدة، ما لم یکن المؤجر ناظرا علی البطن الثانی، فالقول ببطلان عقد الإجارة حینئذ باعتبار أنه لا محل لإمضائه علی القول بالکشف لعدم تزلزله حال صدوره فی غیر محله، لانحلاله إلی عقدین، باعتبار زمان استحقاق البطن الأول، و زمان استحقاق البطن الثانی و اختلافهما، فأحد العقدین اللذین ینحل إلیهما العقد الواحد المتعلق بالزمانین، متزلزل فی حدوثه و صدوره، فیستقر فی الصحة و النفوذ بإمضاء أهله و هو البطن الثانی، کما یستقر البطلان بردهم.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 377‌

و الثانی: أنه لیس المراد من کون الإجازة کاشفة لا ناقلة، أنها تکشف عن أن العقد حال وقوعه، وقع نافذا

و لم نعلم به و الإجازة کشفت عنه، إذ من المعلوم أن العقد الصادر عن الفضول قبل لحوق الإجازة و الرد متزلزل واقعا لا أنه مستقر واقعا أما فی الصحة أو البطلان، و لحوق الإجازة أو الرد کاشف عنه، ضرورة أن الإجازة إنما توجب تتمیم السبب من حیث تأثیرها فی استناده إلی الأصیل، فیؤثر من حین وقوعه، کما أن الرد یوجب بطلان السبب من جهة استقراره فی صدوره عن الفضول فلا یؤثر من حین وقوعه، و هذا المعنی دقیق جدا.
و قد خفی وجهه علی أکثر من تأخر حتی زعم بعضهم أن الکشف بالمعنی الذی بیناه غیر معقول، و جمع بین الضدین، من حیث إن تأثیر الإجازة فی استقرار العقد و خروجه عن التزلزل یوجب الحکم بترتب الأثر من حین وقوعها و الحکم بترتیب الأثر من حین وقوعه یوجب الحکم بسبق الاستقرار علیها الموجب للحکم بعد تأثیرها فیه، و هما ضدان لا یجتمعان، فاختار الکشف التعبدی بمعنی أنها ناقلة تحقیقا و الشارع حکم بترتیب الأثر من حین وقوع العقد تعبدا.
و فیه أن مقتضی حدوث السبب و زواله، و صیرورته نافذا تاما بالإجازة اللاحقة ترتب الأثر علی السبب الزائل من حین حدوثه، و لا یعقل ترتب الأثر من حینها لعدم وجود سبب فی هذا الحال حتی یؤثر، فالقول بکونها ناقلة باطل جدا، و الأمر دائر بین أمرین أما القول ببطلان العقد الفضولی، و أما القول بصحته موقوفا، و تأثیر الإجازة فیه علی وجه الکشف بالمعنی الذی بیناه.
و أما الکشف التعبدی فغیر معقول لأنه فرع القول بالنقل تحقیقا، و الالتزام بترتیب الأثر من حین العقد تعبدا.
و قد ظهر لک أن القول بالنقل غیر متصور، فما دل من الروایات علی صحة العقد الفضولی، و أن الإجازة کاشفة إنما تدل علی الکشف تحقیقا، فحملها علی الکشف التعبدی بزعم أن الکشف التحقیقی غیر متصور فی غیر محله.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 378
و العجب من الفاضل المعاصر، أنه أنکر دلالة الروایة الواردة فی باب النکاح علی کون الإجازة کاشفة، فقال: و لا ینافی الروایة الدالة علی تأثیر الإجازة بعد موت أحد الزوجین مع کونها ناقلة، لأن الزوجیة قائمة بنفس الزوجین القائمة بعد الموت، فإن عدم جواز حدوث الزوجیة بعد الموت من البدیهیات الأولیة، نعم لا مانع من بقائها بعد الموت، و فرق بین بین بقائها بعد الموت و حدوثها بعده، مع أنه لو سلم جواز حدوثها بعده، فلا یترتب علیها الوراثة.
ضرورة أن الإرث إنما یترتب علی السبب الحاصل عند الموت فالروایة الشریفة الدالة علی تأثیر الإجازة بعد موت أحدهما، و وراثة الحی منه بعد الإجازة منافیة لکونها ناقلة من وجهین، بل ما ورد فی الروایة من إحلافها بالله ما دعاها إلی أخذ المیراث إلی رضاها بالتزویج ثم یدفع إلیها المیراث و نصف المهر یدل أیضا علی أنها کاشفة، إذ لو کانت الإجازة ناقلة، و کان الإرث مترتبا علی الزوجیة و لو حدثت بعد الموت لم یکن لإحلافها حینئذ وجه، فالروایة الشریفة تدل علی أنها کاشفة لا ناقلة من وجوه ثلاثة.
ثم اعلم أن الروایة الشریفة تدل علی أن موت الزوج قبل الدخول منصف للمهر، بل یستفاد منها أیضا أن الرد مبطل للعقد، إذ لو لم یکن مبطلا له.
و کان باقیا علی تزلزله لکان الحکم بالعزل بعد الرد إلی أن یعرض ما یبطله، فالروایة الشریفة تدل علی أحکام ثلاثة: کون الإجازة کاشفة، و الرد مبطلا، و موت الزوج قبل الدخول منصفا للمهر.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 379‌

(فائدة 52) [فی اعتبار بلوغ المتعاقدین فی صحة العقد]

قد اشتهر بین الأصحاب (قدس سرهم) اعتبار بلوغ المتعاقدین فی صحة العقد، و أنه لا اعتبار بعبارة الصبی، و أنه مسلوب العبارة کالبهائم.
فی المسالک فی باب النکاح:" لا فرق فی ذلک بین الصبی الممیز و غیره، و لا بین قوله ذلک لنفسه و لغیره، فإن الشارع سلب عبارته بالأصل، و فی باب البیع لا فرق فی الصبی بین الممیز و غیره، و لا بین کون المال له أو للولی أو لغیرهم إذن مالکه أو لا، فلا یصح التصرف فیما صار إلیه و إن کان مالکه قد أذن، لأنه بیع فاسد فیلزمه الحکم السابق فی الرجوع علی القابض.
نعم لیس له الرجوع علی الصبی بعوض ماله لو تلف أو أتلفه، لأنه فرط فیه بتسلیطه علیه مع عدم أهلیته، و لو أمره ولیه بالدفع إلیه، فدفع فإن کان مال الولی برئ من ضمانه، و کان هو المفرط و إن کان مال الصبی لم یبرء من ضمانه، و لو کان عوض ما ابتاعه من الصبی أو باعه فالمال للدافع و هو المضیع فلا عبرة بإذن الولی فی ضمانه و لا ضمان الصبی".
و فی المقابیس، فی کتاب البیع بعد أن نسب عدم صحة عقد الصبی مطلقا إلی الأکثر قال:" و هذا هو الأصح، و تمسک له بالأصل السالم من المعارض، و بکونه أحد الثالثة الذین رفع عنهم القلم کما روی فی النبوی المشهور.
و بما رواه الکلینی (قدس سره) مستندا عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث أنه قال"
إن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 380
الجاریة إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنین ذهب عنها الیتم، و دفع إلیها مالها و جاز أمرها فی البیع و الشراء
إلی أن قال:
و الغلام لا یجوز أمره فی الشراء و البیع و لا یخرج من الیتم حتی یبلغ خمس عشرة سنة، أو یحتلم أو یشعر أو ینبت قبل ذلک
" و بما رواه الصدوق (قدس سره) فی الفقیه مرسلا عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال"
إذا بلغت الجاریة تسع سنین دفع إلیها مالها و جاز أمرها فی مالها
" و بروایات آخر متحدة مع الروایتین فی المضمون أو قریبة منهما" انتهی.
و فیه أن الأصل صحة العقد و انعقاده، لأن الکلام فی کلام الصبی العارف بالوضع القاصد للإنشاء و عبارته حینئذ معتبرة ذاتا، و محصلة للعقد، لأن العقود کسائر المفاهیم الإنشائیة من الطلب و التمنی و الترجی و الاستفهام، و هکذا أفعال تولیدیة و أمور اعتباریة، و جهات انتزاعیة تحصل بمجرد وجود منشإ انتزاعها فی الخارج، و لا تکون من قبیل الأحکام الشرعیة التکلیفیة و لا الوضعیة حتی یتوقف الحکم بالثبوت علی ورود النص.
کشف الحال فیه: أن انتزاع فعل من فعل و تولده منه علی نحوین.
فقد یکون جهة واقعیة و أمرا عرفیا یعرفه العقل و أهل العرف من دون مراجعة إلی الشرع، کانتزاع علقة المجاورة و الرفاقة و الشرکة و هکذا، حیث تنتزع من منشئها مع قطع النظر عن جعل الشرع، نعم للشارع هدم هذا الانتزاع و إبطاله کما أبطل التولید الحاصل من السفاح.
و قد یکون مجعولا بحیث لا یترتب علیه واقعا کانتزاع الحدث و الطهارة من أسبابهما، فإن المترتب علی الغسل و الوضوء، واقعا هی النظافة الظاهریة کما أن المترتب علی البول و الجنایة کذلک هی الخباثة الظاهریة، و انتزاع النظافة و الخباثة النفسیتین منها إنما هو بجعل الشرع و انتزاع العقود من الإنشاءات من قبیل الأول.
ضرورة أن الإنشاء کالإخبار أمر عرفی و جهة واقعیة، فکما أن ترتب کشف المفهوم علی الجملة الخبریة أمر واقعی عرفی لا یکون مجعولا لأحد، فکذا ترتب
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 381
حدوث مفهوم علی الإنشاء و هذا ظاهر جدا، فما یظهر من بعض أن العقد حکم شرعی لا یحکم به إلا بعد قیام الدلیل علیه بمکان من الوهن، نعم العقد موضوع للحکم الشرعی من التقریر أو الإبطال، و کأنه اختلط علیه أمر الموضوع بالمحمول.
و إذا اتضح لک أن العقود أمور واقعیة و أفعال غیر مجعولة تتولد من الإیجاب و القبول ذاتا، اتضح لک أن الأصل فی العقد الصادر من الصبی الصحة ما لم یعلم إبطاله من الشارع، فمع الشک فی أنه مسلوب العبارة الأصل فیه الصحة، لأن الشک إنما هو فی تصرف الشارع و جعله مسلوب العبارة تنزیلا و مع عدم الدلیل علی الإبطال الأصل فیه العدم أخذا بالمقتضی المعلوم و إلغاء للمانع المحتمل، فتوهم أن الأصل عدم العقد حینئذ، و الأخذ بالقدر المحقق منه فی غیر محله.
و أما حدیث رفع القلم فیختص بالحکم التکلیفی، لأن القابل للوضع علی الشخص و الرفع عنه إنما هی الأحکام التکلیفیة المتعلقة به مرة و المرتفعة عنه أخری و أما الأحکام الوضعیة فلا تکون طرفا للشخص حتی یوضع علیه مرة و یرفع عنه تارة و لو سلم جواز تعمیم رفع القلم إلیهما فلا دلالة له علی المطلوب أیضا، لما عرفت من أن العقود أمور واقعیة و أفعال تولیدیة غیر مجعولة، فلا تکون من قبیل الأحکام الوضعیة حتی تندرج فی حدیث رفع القلم علی فرض شموله لها.
و أما سائر الروایات فإنما تدل علی عدم جواز أمر الصبی و نفوذه ما لم یبلغ لا علی بطلان تعبیره و عدم تأثیره أصلا بحیث یکون کلامه کأصوات البهائم.
ثم قال (قدس سره) بعد حکمه ببطلان عقده مطلقا:" و قد وقع الخلاف و الإشکال فی مواضع.
الأول: بیع من بلغ عشرا أو شراؤه، فحکی فیه قول بالجواز، و عزاه بعضهم إلی الشیخ، و ذکر العلامة فی التذکرة وجها لأصحابنا و یظهر من ظاهر الشرائع و صریح المسالک، أن ذلک فیما إذا بلغ عشرا عاقلا، و عزی فی المفاتیح إلی الشیخ قال صاحب المسالک بعد حکایة القول بذلک-: و المراد بالعقل هنا الرشد فغیر
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 382
الرشید لا یصح بیعه و إن کان عاقلا اتفاقا، و فصل الکلام فیه إلی أن قال:" الموضع الثانی: بیع الممیز مطلقا، أو إذا أذن له الولی أو أجاز بیعه، و کذلک شراءه، و الخلاف فی ذلک منقول فی الخلاف عن أبی حنیفة، حیث قال:" إن کان بإذن الولی صح، و إن کان بغیر إذنه وقف علی إجازته" و حکم الشیخ بالمنع، و حکاه عن الشافعی، و حکی ابن زهرة إجماع الأصحاب علی البطلان، و هو الذی یظهر من کنز العرفان أیضا کما یأتی" إلی أن قال: و قال العلامة فی حجر القواعد" هل یصح بیع الممیز و شراؤه مع إذن الولی نظر" و قال ولده فی الشرح: الأقوی عندی الصحة".
ثم قال" و قد استدل فخر الإسلام و غیره علی الجواز بأن العقد إذا وقع بإذن الولی کان کما لو صدر منه فیکون صحیحا و احتج والده فی التذکرة لأبی حنیفة بقوله تعالی:" وَ ابْتَلُوا الْیَتٰامیٰ" فإن الابتلاء و الاختبار إنما یتحقق بتفویض التصرف إلیهم، فیلزم صحة العقد الصادر منهم بإذن الولی، و بأن المقتضی لصحة العقد موجود و هو العقل و التمییز، و المانع و هو الحجر یرتفع بالإذن فیکون صحیحا و نقل عن المقدس الأردبیلی (قدس سره) المیل إلی جواز بیعه و شرائه مع الرشد و إذن الولی مستدلا بالآیة المتقدمة، و عموم الآیات و الأخبار و الأصل، مع منع الإجماع و عدم دلیل صریح فی المنع" ثم قال:" و قال المحقق الکرکی: لا یبعد بناء المسألة علی أن أفعال الصبی و أقواله شرعیة أم لا و حکم بأنها غیر شرعیة، و إن الأصح بطلان العقد" ثم أطال الکلام فی النقض و الإبرام إلی أن قال:" الموضع الثالث: بیعه و شراؤه إذا أذن له الولی فی مقام الاختبار" إلی أن قال:" الموضع الرابع: بیع الممیز و شراؤه وکالة، و الخلاف فیه مبنی علی جواز توکیله و عدمه، و الظاهر من أصحابنا اتفاقهم علی المنع و عدم خلاف فی ذلک یعتد به و هو المنقول عن الشافعیة إلی أن قال:" الموضع الخامس: بیعه و شراؤه فیما جرت العادة منه به الشی‌ء الیسیر علی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 383
وجه الاستقلال، و ظاهر الأصحاب عدم الفرق بینه و بین الخطیر، و یشهد به أیضا ما سبق عنهم فی الاختبار، مع أن الغالب وقوعه فی أول الأمر فی الشی‌ء الیسیر، فإذا لم یصح العقد منه فی ذلک مع إذن الولی و وقوعه فی محل الحاجة فبدون الإذن أولی بالمنع" إلی أن قال و قال صاحب المفاتیح:" الأظهر جواز بیعه و شرائه فیما جرت العادة به منه نفی الشی‌ء الدون دفعا للحرج فی بعض الأحیان" إلی أن قال:" الموضع السادس: بیعه و شراؤه فیما کان فیه بمنزلة الآلة لمن له الأهلیة، و ظاهر الأصحاب بطلانه أیضا فی هذه الصورة، حتی أنهم لم یجوزوا له فی مقام الاختبار إلا السوم و المماکسة، و لم یجوزوا له إجراء الصیغة، و اختار صاحب المفاتیح الجواز کما فی المسألة السابقة، و تبعه بعض مشایخنا المعاصرین" انتهی ما أردناه من کلامه (قدس سره).
أقول: یمکن رجوع هذه التفاصیل إلی نفوذ العقد، و عدمه لا إلی صحة الصیغة و عدمها، و شاع التعبیر عن النافذ بالصحیح، و عن غیر النافذ بالباطل بل الظاهر ذلک، فإن القائلین بصحة بیع الممیز و شرائه، مع إذن الولی أو إجازته مطلقا أو فی خصوص مقام الاختبار، و مع وکالته و فیما جرت العادة منه و فیما کان فیه بمنزلة الآلة لمن له الأهلیة إنما یحکمون بصحة بیعه و شرائه و نفوذهما، کما أن القائلین بصحة بیع من بلغ عشرا إذا کان عاقلا، إنما یحکمون أیضا بنفوذ بیعه فی هذه الصورة.
و لذا فسر الشهید الثانی العقل هنا بالرشد تمسکا بعدم صحة بیع غیر الرشید اتفاقا فإن الاتفاق إنما هو علی عدم نفوذ بیع غیر الرشید، لا علی بطلان صیغته فالمفصلون جمیعا حاکمون بصحة صیغته مطلقا، ضرورة أنه لا یعقل تأثیر إذن الولی أو إجازته أو توکیل الغیر، أو جریان العادة، أو الآلیة فی صحة الصیغة، و إنما یؤثر هذه الأمور فی نفوذ العقد، و مضیه بعد صحة الصیغة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 384
نعم یمکن التفصیل بین صحة الصیغة و بطلانها فی البالغ عشرا و غیره، و لکن اعتبارهم العقل و الرشد فی الصحة دلیل علی تفصیلهم فی النفوذ و عدمه، فالصحیح جعل المسألة ذات قولین القول باعتبار البلوغ فی صحة الصیغة مطلقا، و القول بعدمه کذلک.
و إذا وقفت علی کلماتهم فاعلم أن التحقیق عدم اعتبار البلوغ فی صحة الصیغة لاستصحاب المقتضی و عدم قیام الدلیل علی خلافه، کما نبه علیه العلامة فی التذکرة و ولده فخر الإسلام و المقدس الأردبیلی و من تبعهم (قدس سرهم) و قد خفی وجه الأصل علی صاحب المقابیس، فزعم أن الأصل عدم ترتب الأثر و قد ظهر لک ضعفه و فساده.
و أما ما ذکره المحقق الکرکی (قدس سره) من ابتناء المسألة علی أن أفعال الصبی و أقواله هل هی شرعیة أم لا، ففیه أن ترتب وجود المنشإ علی الإنشاء کترتب کشف المدلول علی الأخبار أمر عرفی لا یرجع إلی الشرع ابتداء، و إنما للشارع التصرف فیه تقریرا و إبطالا، و ثانیا أن التحقیق أن أفعاله و أقواله شرعیة کما أوضحنا الکلام فیه فی محله، و من الغریب توهم قیام الإجماع علی اعتبار البلوغ فی صحة الصیغة، مع ذهاب جماعة کثیرة من الأجلة إلی خلافه و أغرب منه ادعاء صاحب الجواهر الضرورة فیه.
و إذ قد اتضح لک ما حققناه، فقد اتضح لک غایة الاتضاح أن صیغته صحیحة فی حد نفسها، و لا یمنع من صحتها عدم بلوغه، کما أنه اتضح لک عدم الإشکال فی نفوذ عقده مطلقا، فیما یرجع إلیه مع إذن الولی أو إجازته و لا وجه لاختصاصه بمقام الاختبار، أو بالشی‌ء الیسیر أو بما کان فیه بمنزلة الآلة لمن له الأهلیة، کما أنه لا إشکال فی نفوذ عقده، فیما یرجع إلی غیره ولیا کان أم لا مع إذن من إلیه الأمر فی إجراء الصیغة أو إجازته مطلقا، و لا اختصاص له بإحدی الصورتین الأخیرتین، بل لا یبعد استقلاله فیما جرت العادة منه للشی‌ء الیسیر، کما اختاره صاحب المفاتیح، بل یمکن القول باستقلاله إذا بلغ عشرا عاقلا رشیدا مطلقا.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 385
فإن قلت: إذن غیر الولی له فی إجراء الصیغة یرجع إلی توکیله فیه، و هو لا یتحقق إلا بإیجاب الموکل و قبول الوکیل، و لا عبرة بقبول الصبی مع عدم إذن الولی له، فلا ینفذ عقده حینئذ کغیره، ضرورة أن الصبی لا یملک نفسه فلا تتم الوکالة بقبوله مع عدم إذن الولی له، فلا یقع عقده عن الوکالة حینئذ.
قلت: الوکالة لا تکون عقدا متوقفا فی تحققه علی الإیجاب و القبول، لأن الموکل فیه من شئون الموکل و جهاته و یکفی فی وقوعه عن قبله إذنه فیه، و لا یحتاج إلی إعمال سلطنة من طرف الوکیل، و القبول إنما یعتبر فی تعهد الوکیل الوکالة و صیرورته فی وثاقها لا فی تحققها، و عده من قبیل العقود إنما هو باعتبار دخل القبول فیها فی الجملة.
و لذا اتفق الأصحاب (قدس سره) علی الاکتفاء بإتیان الموکل فیه عن القبول و عدم احتیاجها إلی إنشاء القبول، و التعبیر عنه بالقبول الفعلی إنما هو من جهة الاکتفاء به عن القبول، لأنه قبول تحقیقا، إذ لو کان کذلک لزم أن یکون جزءا محققا للوکالة کالإیجاب، فیلزم حینئذ عدم وقوعه عن وکالة، ضرورة أنه لا یعقل أن یکون المحقق للشی‌ء متحققا منه.
و لو سلم أن الوکالة عقد تحقیقی متوقف علی الإیجاب و القبول فتوقف نفوذ المأذون فیه علی تحقق الوکالة ممنوع، بل یکفی فیه تحقق الإذن فقط، لأن الموجب لنفوذ العمل استناده إلی من إلیه الأمر و یکفی فیه إذنه و ترخیصه.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 386‌

(فائدة 53) و مما یعتبر فی نفوذ العقد و مضیه اختیار المتعاقدین،

اشارة

حیث لا یکون الإکراه بحق، و وجه اعتباره فی نفوذ العقد ظاهر، ضرورة أن العقد من جملة الأفعال الاختیاریة للمتعاقدین فلا یتحقق الالتزام به إلا باختیارهما و طیب نفسهما به، نعم إذا کان الإکراه بحق لا یعتبر فیه الاختیار، لإن العقد حینئذ لازم علیه شرعا و لا یکون مخیرا فی فعله و ترکه حتی یعتبر فیه الاختیار و طیب النفس به.
و کیف کان فاعتباره إنما هو فی نفوذ العقد لا فی صحته و علیه یتفرع ما اشتهر بینهم من الحکم بنفوذ عقد المکره لو رضی به بعد زوال الإکراه، و إن کان الظاهر من جملة من کلماتهم أنه من شروط الصحة عندهم إلا أن تصریحهم بنفوذ عقد المکره بحصول الرضاء بعد زوال العذر، صریح فی أنه کالعقد الفضولی موقوف علی حصول الرضاء و زوال العذر کما أن تعلیلهم بعبارة المکره دون غیره صریح فی تمامیة عقد المکره فی مرحلة الصحة، و إن قصوره إنما هو فی مرحلة النفوذ، و أیضا استثناء الإکراه بحق یشهد بما بیناه، إذ لو کان الإکراه مانعا عن الصحة مطلقا و رافعا للقصد إلی المعنی کما یظهر من بعضهم لکان مانعا عن الصحة مطلقا و لوجبت مباشرة إجراء الصیغة ممن تصح مباشرته نیابة عن المکره بحق أو ولایة علیه، بل لا تصح النیابة حینئذ إلا لمن الولایة علیه، و حیث اشتبه الأمر علی بعضهم
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 387
و زعم أن المکره کالهازل فاقد لما به قوام صحة العقد من قصد المعنی وجب توضیح الکلام فیما به یتقوم صحة العقد حتی یتضح فصل الکلام فی المقام.
فأقول بعون الله تعالی و مشیته: إن منشأ انتزاع العقد اقتضاء هو اللفظ المستعمل فی مفهومه فی مقام الإنشاء و إیجاد المفهوم أو ما بمنزلته من إشارة الأخرس فإن جامع الشرط مع قابلیة المحل و فقد المانع و المزاحم ترتب علیه المنتزع و إلا فلا، فصحة الصیغة المترتب علیها النفوذ تتقوم عرفا بأمور أربعة یتقوم بها منشأ الانتزاع.
فلو لم یکن فی البین لفظ أو ما بمنزلته، أو کان و لم یستعمل فی مفهومه بل صدر ذهولا أو سهوا أو هزلا أو عبثا و لغوا، أو استعمل فی مفهومه و لم یکن فی مقام الإنشاء بل فی مقام الإخبار، أو کان فی مقام الإنشاء و لم یکن فی مقام إیجاد المفهوم بل فی مقام الاستفهام التمنی أو الترجی و هکذا من وجوه الإنشاء، لا تتم الصیغة و لا تصح و لا یعقل النفوذ حینئذ، و إذا اجتمعت الأمور الأربعة صحت الصیغة و کانت محلا للنفوذ و عدمه بسبب اجتماع ما له دخل فیه و عدمه.
إذا تحقق لک ما حققناه فاعلم أن المراد من الاختیار هو طیب النفس و الرضاء بالعقد، کما أن المراد من الإکراه هو عدم طیب النفس و الرضاء به، لا أن المراد من الاختیار قصد العقد و من الإکراه عدمه، ضرورة أن مجرد قصد العقد لا یکون کافیا فی النفوذ، فلو کان المراد من الاختیار قصد العقد لزم ذکر الرضاء أیضا فی جملة الشروط، فاستکمال العقد عندهم ببلوغ العاقد و عقله و اختیاره دلیل علی أن المراد منه الرضاء و طیب النفس، و أیضا لو کان المراد به قصد المدلول کما یوهمه ظاهر کلام بعض الأساطین لم یکن لاعتباره بعد اعتبار قصد العقد وجه.
فتبین لک أن الهازل حیث لا یکون فی مقام الإفادة و الاستفادة و استعمال اللفظ لا یکون تامة الصیغة بخلاف المکره فإنه فی مقام الإفادة، غایة الأمر أنه لا یطیب نفسه بما أفاده، و إلیه یرجع ما ذکره الأساطین من الوثوق بعبارته، فتوهم أن المکره
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 388
کالهازل فی عدم قصد المعنی فی غیر محله.
و قد تبین لک مما بیناه أن تأثیر الاختیار و الإکراه إنما هو بالنسبة إلی من إلیه الأمر لا المباشر، ضرورة أن تأثیرهما إنما هو فی النفوذ و عدمه و هما إنما یعتبران فی من إلیه الأمر، و یکفی فی المباشر صحة صیغته سواء کانت نافذة أم موقوفة کالعقد الفضولی، فتقسیم الإکراه إلی أقسام ثلاثة: إکراه من إلیه الأمر، و إکراه المباشر، و إکراههما معا، فی غیر محله، ضرورة عدم تأثیر إکراه المباشر فی عدم صحة الصیغة و لا فی نفوذ العقد.
نعم قد یتأمل فی نفوذ العقد و الإیقاع حینئذ من جهة أن استناد العقد إلی من إلیه الأمر حینئذ إنما هو من جهة صدوره عن وکیله، و مع إکراه المباشر علی المباشرة لا یکون وکیلا، لتوقف عقد الوکالة علی قبوله إیاها اختیارا، و مع تحقق وکالته عمن إلیه الأمر لأجل إکراهه علی القبول لا یقع عقده عن وکالة، فلا یستند إلی من إلیه الأمر حتی یصیر نافذا.
و فیه أن الوکالة إنما تتحقق بإیجاب الموکل کما أشرنا إلیه و سنحققه تفصیلا إنشاء الله تعالی و قبول الوکیل إنما یؤثر تعهده الوکالة لا تحققها، مع أن الاستناد إلی من إلیه الأمر یتحقق بإذنه و ترخیصه و لا یتوقف علی تحقق الوکالة.
و قد تبین لک بما بیناه أن القدرة علی التوریة، لا تنافی تحقق الإکراه فی المقام، و أنه لا تجب التوریة علی المکره مع قدرته علیها، لأن عدم طیب النفس و الرضاء بالعقد کاف فی عدم النفوذ، فلا حاجة إلی التوصل بالتوریة و إبطال الإنشاء و توهم أن المکروه إنما یکره علی إیجاد اللفظ لا قصد الإنشاء فهو مختار فی قصده و عدمه، فقصده إیاه لا یکون إلا عن اختیاره، فینفذ العقد حینئذ مع قصد الإنشاء، فی غیر محله، لأن مجرد الاختیار فی استعمال اللفظ فی مدلوله لا یکفی فی النفوذ مع عدم طیب نفسه بوقوعه.
و کان المتوهم فسر الاختیار و الإکراه فی المقام بالقدرة علی الفعل و الترک
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 389
و عدم القدرة علیهما، و غفل عن أن المراد من الاختیار و الإکراه فی المقام طیب النفس و الرضاء بالعقد و عدمه، و بما بیناه تستغنی عن القول بأن القادر علی التوریة فی حکم المکره شرعا و إن لم یکن مکرها حقیقة بل القدرة علیها لا تنافی تحقق الإکراه بمعنی الإجبار فی التکلم بکلمات الکفر و نحوها، لأن التکلم بما یحکی عن الکفر إنما یکون کفرا إذا صدر عن الاختیار، و أما إذا صدر لا عن الاختیار فلا یجب إرادة معنی آخر من اللفظ حینئذ.
توضیح الحال أن حقیقة الکفر هو الإدبار الراجع إلی التردد أو الإنکار، و هو لا یکون إلا بالقلب، و اللفظ إنما یکون کفرا و إنکارا إذا کان اللافظ فی مقام الإفادة و الإخبار عما فی الضمیر، و مع الإکراه و الإجبار لا کشف عما فی الضمیر فلا کفر و لا إنکار حینئذ، فلا یکون صدور الکلام الحاکی عن الکفر فی مقام الإکراه وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمٰانِ کفرا حتی یجب علیه الفرار منه بالتوریة.
و ببیان أوضح للفظ دلالتان تصوریة و تصدیقیة، و الأولی تترتب علیه بالوضع مطلقا صدر من اللافظ سهوا، أم عمدا إکراها أم اختیارا، لغوا أو فی مقام الإفادة، و هی فی الحقیقة لا تکون دلالة بل حکایة کما حققناه فی محله، و أما الثانیة فبالترکیب الصادر عن العارف بالوضع فی مقام الإفادة و الإخبار عما فی ضمیره، و هو إنما یکون فی مقام الاختیار لا الإجبار، و الکفر و الإنکار کالإیمان و الإقرار و الشهادة و هکذا من العناوین إنما تترتب علی اللفظ باعتبار الدلالة التصدیقیة لا التصوریة الخارجة عن الاختیار المترتبة علیه قهرا کما هو ظاهر، و إلا لکان نقل الکفر کفرا و لکان التکلم بکلام الکفر سهوا کفرا، فمع انتفاء الکشف التصدیقی الذی هو مدار الإیمان و الکفر فی صورة الإجبار لا یترتب علی اللفظ عنوان الکفر و الإنکار باعتبار الدلالة التصوریة حتی یجب الفرار منه بالتوریة.
فإن قلت لو کان ترتب عنوان الکفر و الإنکار و الإقرار و الشهادة و الإخبار و هکذا من العناوین علی اللفظ موقوفا علی الاختیار لکان ترتب الإسلام علی کلمتی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 390
الشهادة موقوفا علی الاختیار أیضا، و کذا ترتب عنوان الإنشاء علی اللفظ مع أن الإسلام یتحقق بالتکلم بکلمتی الشهادة إجبارا بالاتفاق بل بالضرورة، و کذا یترتب عنوان الإنشاء علی اللفظ إکراها و إلا لزم بطلان عقد المکره رأسا، و هو مناف لما اعترفت به من صحته و نفوذه بالرضاء بعد زوال العذر تبعا لما أفتی به أکثر الأصحاب (قدس سرهم).
قلت: إیجاد القضیة اللفظیة فی الخارج إن کان علی سبیل الاختیار، فالباعث علیه هی إحدی الصفات الثلاثة النفسیة: من العلم و الإرادة و الکراهة، فإن کانت خبرا فالباعث علی إیجادها العلم بمضمونها، و إن کانت إنشاء فالباعث علی إیجادها إرادة مضمونها أو کراهته، و إن کان علی سبیل الإجبار و الإکراه فالباعث علیه إنما هو دفع المکروه و المحذور.
و العناوین المترتبة علی الاختیار و ثبوت إحدی الصفات المذکورة فی النفس کالإقرار و الشهادة و الإخبار عما فی الضمیر و الإیمان و الکفر و الإنکار و هکذا لا تترتب علی اللفظ إلا فی حال الاختیار.
و أما العناوین المشترکة بین الاختیار و الإکراه فتترتب علی اللفظ فی الصورتین، و منها الإسلام و الإنشاء.
فإن الإسلام هو التسلیم لدین الإسلام و الالتزام به و البناء علی الأخذ به دینا، و لا ینافیه التردد فی حقیته بل القطع بخلافه، قال عز من قائل" قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا یَدْخُلِ الْإِیمٰانُ فِی قُلُوبِکُمْ" فإن الباعث علی التسلیم و الالتزام قد یکون العلم بحقیته فیجامع الإیمان و یترتب علیه الآثار الدنیویة و الأخرویة معا.
و قد یکون حقن دمه و حفظ ماله أو رجاء الوصول إلی الرئاسة و غیرها من الفوائد الدنیویة فیفارقه و لا یترتب علیه إلا الآثار الدنیویة من طهارة البدن و حل الذبیحة و جواز النکاح و الإرث من المسلم و هکذا، و لیس هذا نفاقا و إن شارکه فی الحرمان
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 391
من فوائد الإیمان لأن المنافق بناؤه علی الموافقة فی ظاهره و علانیته و المخالفة فی باطنه، و سره بخلاف المسلم فإن بناءه علی الموافقة فی الظاهر و الباطن و لو خوفا أو طمعا.
و أما الإنشاء فهو جعل الکلام لا فی وزان الواقع بل فی مقام إیجاد المفهوم أو طلبه أو الاستعلام عنه و هکذا من وجوه الإنشاء و من المعلوم أنه قد ینبعث من الإرادة النفسیة و قد ینبعث من الإکراه و الإجبار، و لا تجمع الکراهة و الإرادة فی محل واحد لتضادهما فالمکره علی العقد کاره له لا یریده.
و لا ینافی ذلک ما ذکرته آنفا من ثبوت قصد المعنی فی حال الإکراه لأن ثبوت القصد الاستعمالی المتقوم به الإنشاء لا ینافی انفکاکه عن الإرادة النفسیة الباعثة علی صدوره عن طیب نفسه به و اختیاره له، و لعله مراد بعض الأساطین من خلو المکره عن قصد المدلول و إلا فعدم خلو الإنشاء عن القصد الاستعمالی فی غایة الوضوح.
فإن قلت کما أن جعل الکلام لا فی وزان الواقع ینبعث تارة من الإرادة و بالاختیار و مرة مع الکراهة و الإکراه فکذلک فی وزان الواقع ینبعث مرة من ثبوته المخبریة فی الضمیر و تارة بالإکراه مع عدم ثبوته فی ضمیره فالإخبار کالإنشاء من العناوین المشترکة فکیف حکمت بأن الإخبار لا یترتب علی اللفظ إلا فی حال الاختیار؟ قلت: نعم اتصاف القضیة بالخبر و الإنشاء باعتبار جعلها فی وزان الواقع و لا فی وزانه لا تختص بحال الاختیار و لکن دلالتها علی ما فی الضمیر مع العلم و الإرادة و الکراهة بالدلالة الآنیة تختص به کما هو ظاهر و المقصود من ترتب عنوان الإخبار علی الاختیار ترتب کشف اللفظ عما فی الضمیر علیه لا عنوان الخبر المتحقق بمجرد جعل القضیة فی وزان الواقع فی مرحلة الاستعمال.
و الحاصل أن المقصود من القضیة الخبریة و هو الإخبار و الکشف عما فی الضمیر أصالة کمقام الإقرار و الشهادة و الإیمان و الکفر و هکذا أو توطئته للخارج کما
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 392
هو الغالب الشائع فی القضایا لا یتحقق إلا فی حال الاختیار، ضرورة عدم ثبوت المخبر به فی الضمیر حال الإکراه فلا یتحقق الکشف عنه و لا عن الخارج حینئذ.

تنبیه:قد استفید مما بیناه أن زوال الإکراه و حصول الرضاء بمضمون العقد کاف فی نفوذه و مضیه

من دون حاجة إلی إنشاء الإمضاء، و هو مفارق عن العقد الفضولی فی هذه الجهة حیث إنه لا یتم و لا ینفذ إلا بالإمضاء، و لا یکفی فیه ثبوت الرضاء باطنا بمضمون العقد مع عدم إمضائه، و السر فیه أن العقد الصادر عن الفضول لا بد فی نفوذه من إسناده إلی الأصیل و لا یستند إلیه إلا بإمضائه إیاه و أما العقد الصادر عن المکره فهو صادر عن الأصیل و مستند إلیه بصدوره عنه، و إنما لا یتم بواسطة فقد الاختیار و طیب النفس به، فإذا حصل الرضاء و طیب النفس به تحقق الاختیار و تم العقد و نفذ و لم یتوقف علی شی‌ء آخر حتی یصیر متزلزلا موقوفا علی حصوله.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 393‌

(فائدة 54) [هل یجب أن المعرفة فی الرسول صلی الله علیه و آله أفضل من الإمام علیه السلام]

قد ورد عن سید الأنبیاء صلی الله علیه و آله و علیهم أنه قال
" ما عرفناک حق معرفتک
" و عن سید الأوصیاء أمیر المؤمنین علیهم السلام أنه قال"
لو کشف الغطاء لما ازددت یقینا
" قال السید الجزائری فی حاشیته علی شرح الجامی" و ما یتراءی ظاهرا من لزوم کون معرفة الإمام أزید من معرفة الرسول صلی الله علیه و آله فیندفع، إما بحمل طلب النبی صلی الله علیه و آله لزیادة المعرفة علی أکملیة قبول المادة، یعنی لما کان مادة النبی صلی الله علیه و آله أکمل من مادة الإمام فهی قابلة إذن لزیادة المعرفة.
و أما مادة الإمام فقد کمل کمالها، أو بحمل طلب الزیادة علی أیام الحیاة و قبل استکمال المعرفة التی لا یتصور فوقها بالنسبة إلی مراتب البشر، لأن درجات معرفته بربه کانت تزید یوما بعد یوم إلی أن قبضه إلیه و أکمل له المعرفة اللائقة بجنابة، و هو قد دفع تلک العلوم بأسرها إلی الإمام، فهو (علیه السلام) بذلک العلم الکامل قال هذا القول هذا، و الأول مسلکی فی حل هذا الخبر، و ثانیه مسلک العلامة الحلی و لا یخفی ما فیه" انتهی.
أقول: و لا یخفی ما فیهما: أما الأول فلما ثبت بالکتاب و السنة أنه علیه السلام نفس الرسول و أخوه فی الدنیا و الآخرة، و هو قاض بمساواتهما فی القابلیة و الکمال بالضرورة.
و أما الثانی فلأن أخبار النورانیة تدل علی أنهما صلی الله علیهما و علی آلهما کانا فی عالم الأرواح و الأشباح کاملین عالمین بالعلم کله.
و الصواب فی الجواب
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 394
أنه لا منافاة بین الروایتین بوجه، لأن العرفان إنما یرجع إلی ذات الشی‌ء و حقیقته و لا یتصور للممکن الإحاطة بمعرفة ذات الواجب تعالی شأنه و کنهه، و کل ما یتصوره المخلوق و یمیزه بوهمه بأدق معانیه مخلوق مثله مردود إلیه، فالکل متحیر فی معرفة کنه الباری تعالی و تقدس و إنما یعرف تعالی شأنه بالوجه و الآثار، و تختلف معرفة طبقات الناس فی هذه المرحلة بمراتب شتی و أما الیقین فهو متعلق بوجود الباری تعالی شأنه و وجود القیامة و الحساب و الجنة و النار و عالم البرزخ و کیفیاته و هکذا مما غاب عن الأبصار و استتر عن الأنظار، و الوصول إلی أعلی مرتبة الیقین بحیث لا یتصور مرتبة فوقها لا ینافی مع عدم معرفة الذات حق المعرفة، فلا منافاة بین الروایتین بوجه، و توهم المنافاة إنما نشأ من عدم التدبر فی معنی المعرفة و الیقین.
هذا، و قد اقتضی منی بعض الإخوان الکشف عما روی فی مصباح الشریعة عن مولانا الصادق علیه السلام من أنه قال:"
العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة فما فقد من العبودیة وجد فی الربوبیة و ما خفی من الربوبیة أصیب فی العبودیة
". فأقول: حمل الجوهرة علی العبودیة علی وجه الاستعارة إن قلنا بأن الجوهر یختص لغة بالعین و لا یعم الأعیان و الأعراض، ضرورة أن العبودیة من الأعراض لا الجواهر، و التعبیر بالکنه حینئذ أیضا علی وجه الاستعارة، إذ کنه الشی‌ء حقیقة عبارة عن الحقیقة و الذات التی لا تکون إلا فی الجواهر.
و کیف کان لما کانت العبودیة تنتهی إلی درجة تحصل معها حکم الربوبیة کما فی الحدیث القدسی
" عبدی أطعنی حتی أجعلک مثلی، إذا قلت للشی‌ء کن فیکون"
جعلت الربوبیة کنهها فکما أن الشی‌ء ینتهی فی مقام التحدید إلی حقیقته و کنهه لیس وراء الحقیقة شی‌ء ظاهر فکذلک العبودیة ترتقی و تنتهی فی مرحلة الکمال إلی الربوبیة فما فقد من الکمال فی أوائل العبودیة أصیب فی الربوبیة التی هی منتهی درجة العبودیة و ما خفی عن الربوبیة من کمال التذلل و التخضع أصیب فی العبودیة.
هذا ما ظهر لی فی معنی الروایة علی فرض صحة سندها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 395‌

(فائدة 55) [فی أن القضیة مشتملة علی عقدین: عقد الوضع و عقد الحمل]

اعلم أن القضیة مشتملة علی عقدین: عقد الوضع و هو اتصاف ذات الموضوع بوصفه، و عقد الحمل و هو اتصافها بوصف المحمول، و قد اتفق أهل المنطق علی أن العقد الثانی الصالح لجهات متعددة فقد یکون الاتصاف بوصف المحمول بالإمکان عاما أو خاصا، و قد یکون بالضرورة و قد یکون بالدوام و هکذا.
و اختلفت کلماتهم فی العقد الأول، فنسب إلی أبی نصر الفارابی أنه بالإمکان و إلی الشیخ الرئیس أنه بالفعل، فمن اختار الثانی حکم لأنه لا عکس للممکنتین قالوا إذ لا یلزم من صدق الأصل صدق العکس مثلا إذا فرض أن مرکوب زید بالفعل منحصر فی الفرس صدق کل حمار مرکوب زید بالإمکان و لم یصدق عکسه، و هو أن بعض مرکوب زید بالفعل حمار بالإمکان و من اختار الأول حکم بثبوت العکس لهما إذ یصدق حینئذ بعض مرکوب زید بالإمکان حمار بالإمکان.
أقول: التحقیق أنه لا وجه للتفصیل بین العقد لأنه إن أرید أنه یجب أن یکون اتصاف الموضوع بوصفه أن یکون بالفعل و لا یجوز أن یکون بالإمکان فهو خلاف الضرورة، إذ کما یجوز تقیید الاتصاف بالمحمول تارة بالإمکان، و تارة بالفعل و هکذا یجوز تقیید الاتصاف بوصف الموضوع تارة بالإمکان.
فیقال: کل کاتب بالإمکان متحرک الأصابع بالإمکان، و تارة بالفعل فیقال کل کاتب بالفعل متحرک الأصابع بالفعل، و إن أرید أن الظاهر من القضیة عند إطلاقها
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 396
هو اتصاف ذات الموضوع بوصفه بالفعل فهو صحیح، و لکنه لا یوجب التفکیک بین العقدین لأن عقد المحمول عند الإطلاق و عدم التقیید أیضا ظاهر فی أنه بالفعل.
فما ذکره التفتازانی فی تهذیبه من أنه لا عکس للممکنتین فاسد جدا، لأنه إن أرید أن المحمول إذا جعل موضوعا فی عکس القضیة یجب أن یکون اتصاف ذات الموضوع به بالفعل و إن کان اتصافها فی الأصل بالإمکان، فهو خلاف الضرورة کما عرفت.
و إن أرید أن اتصاف الموضوع بوصفه ظاهر فی أنه بالفعل عند الإطلاق فهو لا ینتج ما حکم به من عدم ثبوت العکس لهما حینئذ، إذ القضیة لیست مطلقة حینئذ إذ المفروض تقیید القضیة بالإمکان.
فیجب أن یجعل المحمول المقید بقید الإمکان موضوعا فی العکس.
فما ذکره بعض المحشین من أنه لما اختار مذهب الشیخ، لأنه المتبادر فی العرف و اللغة حکم بأنه لا عکس للممکنتین علیل جدا إذ لا ینافی التبادر مع التقیید بخلافه کما هو المفروض
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 397‌

(فائدة 56) [فی أجزاء القضیة التامة]

اعلم أن القضیة تشتمل علی أجزاء ثلاثة: النسبة التامة و طرفاها و هما الموضوع و المحمول، و تنقسم إلی أقسام ثلاثة: لفظیة، و معقولة و واقعیة أی النفس الأمریة، و ینقسم کل منها إلی موجبه و سالبة و لا بد من وجود الموضوع فیهما فی اللفظیة و المعقولة إذ کما لا تتحقق الموجبة اللفظیة أو المعقولة إلا بعد تحقق وجود موضوعها فی عالم اللفظ أو الذهن فکذلک السالبة اللفظیة أو المعقولة لا تحقق إلا بعد وجود موضوعها کذلک، فالسالبة عن الموجبة فی القضیة النفس الأمریة، إذ تعتبر فی سالبتها وجود موضوعها إذ کما تصدق السالبة بانتفاء المحمول کذلک تصدق بانتفاء الموضوع، و أما الموجبة منها فلا بد من وجود الموضوع فیها، لأن الحکم فیها بثبوت شی‌ء لشی‌ء و ثبوت شی‌ء لشی‌ء فرع ثبوت المثبت له.
ثم إن ملاک الموجبة عند أهل النظر کون النسبة إیجابیة فی القضیة اللفظیة و لو لم یکن ثبوت فی نفس الأمر، إما لأجل امتناع وجود موضوعه فی الخارج کاجتماع الضدین محال، و شریک الباری ممتنع، و إما لأجل عدم وجوده فی الخارج اتفاقا.
و إما لأجل کون محمولها أمرا عدمیا فالتجأوا إلی جعل الوجود المعتبر فیها أعم من الوجود الخارجی و الذهنی و الخارجی أعم من التحقیقی و التقدیری، فإن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 398
کان الموضوع فیها من الممتنعات أخذوا الوجود المعتبر فیه ذهنیا.
و إن کان ممکنا و لم یوجد أخذوا وجوده تقدیریا، و إن کان الحکم فیها علی الأفراد المحققة فی الخارج أخذوا وجوده تحقیقا.
قال التفتازانی فی تهذیبه:" و لا بد فی الموجبة من وجود الموضوع إما محققا و هی الخارجیة، أو مقدرا فالحقیقة، أو ذهنا فالذهنیة" قال بعض شراح کلامه:" القضایا الموجبة لها ثلاثة أقسام، لأن الحکم فیها إما علی الموضوع الموجود فی الخارج محققا نحو کل إنسان حیوان بمعنی أن کل إنسان موجود فی الخارج حیوان فی الخارج.
و أما علی الموضوع الموجود فی الخارج مقدرا نحو کل إنسان حیوان بمعنی أن کل ما لو وجد فی الخارج کان إنسانا فهو علی تقدیر وجوده فی الخارج حیوان و هذا الموجود المقدر إنما اعتبروه فی الأفراد الممکنة لا الممتنعة، و أما علی الموضوع الموجود فی الذهن کقولنا شریک الباری ممتنع بمعنی أن کل ما یوجد فی العقل و یفرضه العقل شریک الباری فهو موصوف فی الذهن بالامتناع فی الخارج و هذا إنما اعتبروه فی الموضوعات التی لیست لها أفراد ممکنة التحقق فی الخارج" انتهی.
أقول: إیجاب القضیة فی عالم اللفظ لا یکون تابعا لإیجاب القضیة النفس الأمریة و کاشفا عنه حتی نلتزم بأنه لا بد من وجود الموضوع فی القضایا اللفظیة الموجبة، و نحکم بعموم الوجود للذهنی و الخارجی للتحقیقی و التقدیری، فإن القضایا الموجبة فی عالم اللفظ علی أقسام ثلاثة: الأول: ما تکون سالبة فی نفس الأمر و هی القضایا التی حکم فیها بامتناع وجود موضوعاتها فی الخارج، فإن مرجع الحکم باستحالة اجتماع الضدین و النقیضین و امتناع شریک الباری و نظائرها إلی أن موضوع هذه القضایا لا یقبل الوجود، فهذا القسم من القضایا الحقیقیة سالبة و إن کانت فی الصورة موجبة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 399
و هکذا الأمر إذا کان المحمول فی القضیة اللفظیة عدما کقولک الإنصاف معدوم فی هذا الزمان، أو عدمیا کقولک زید لا بصیر، فإن القضیة اللفظیة و إن کانت موجبة فی الصورتین إلا أن القضیة النفس الأمریة المحکیة بهما سالبة، فإن مضمون القضیتین عدم الإنصاف فی هذا الزمان و عدم البصر لزید.
و لا یختلف مضمونهما باختلاف التعبیر إیجابا و سلبا، ضرورة أنه لا تختلف القضیة النفس الأمریة سلبا و إیجابا باختلاف قولک لیس الإنصاف بموجود فی هذا الزمان، و قولک الإنصاف معدوم فی هذا الزمان، و قولک لیس زید بصیرا و قولک زید لا بصیر، و ما ذکره السبزواری فی منظومته من أن سالبة المحمول موجبة یلزمها وجود الموضوع إذ ربط سلب لیس سلب ربط فاسد جدا، لأن ربط سلب إنما یوجب إیجاب القضیة اللفظیة لا النفس الأمریة فلا یلزمها وجود الموضوع.
ثم إن ما یظهر من کلامه من أن القضیة السالبة هی التی سلب الربط فیها فی غیر محله، فإن سلب الربط إنما هو فی الأسماء المعدودة و القضیة السالبة مشتملة علی الربط السلبی، فإن الربط علی نحوین إیجابی و سلبی، و السلب و الإیجاب إنما یتعلقان بالمحمول لا بالربط.
و الثانی: ما لا تکون قضیة فی نفس الأمر حتی تکون موجبة أو سالبة، و هی القضیة المشتملة علی حد الشی‌ء فإنها و إن کانت فی الصورة قضیة تامة مشتملة علی الموضوع و المحمول و النسبة التامة إلا أنها لا تکون قضیة فی الحقیقة فإن الحد عبارة عن حقیقة الشی‌ء و کنهه، و لا تکون أمرا زائدا علیه حتی یکون موضوعا، و الحد محمولا علیه فلا وجه لاعتبار الوجود فی المحدود الذی هو صورة موضوع فی القضیة اللفظیة، بل و هکذا الأمر فی حمل الجنس أو الفصل علی النوع، بل علی أفراده و مصادیقه نحو قولک الإنسان حیوان أو ناطق، و کل إنسان حیوان أو ناطق، لأن الجنس و الفصل لا یکونان أمرین زائدین علی النوع أو مصادیقه، بل هما داخلان
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 400
فی حقیقته فلا یحملان علیه أو علی مصادیقه و أفراده.
و الثالث: ما تکون موجبة فی نفس الأمر و هی علی قسمین: الأول: ما یکون ثبوت المحمول للموضوع فیه ربطیا غیر أصیل نحو قولک: الأربعة زوج، و الإنسان کلی، و بحر من الزیبق بارد بالطبع، و هکذا من القضایا التی لا یتوقف صدقها علی وجود موضوعاتها فی الخارج، فإن ثبوت المحمولات للموضوعات فی أمثال هذه القضایا ثبوت ربطی غیر أصیل، و الثبوت الربطی لا یقتضی ثبوت طرفیه لا ذهنا و لا خارجا، ضرورة أن الثبوت الربطی فی أمثال هذه القضایا کثبوت إحدی النسب الأربع بین کل کلیین ذاتی للمفهومین، فلا یتوقف علی وجودهما و إلا لزم خلف الفرض.
و الثانی: ما یکون ثبوت المحمول للموضوع أصیلا نحو قولک جاء زید و قام عمرو و قتل من فی العسکر و انهدمت دور البلد و هکذا، و هذا القسم من القضایا الموجبة لا بد فیها من وجود الموضوع فی الخارج، لأن ثبوت شی‌ء لشی‌ء فرع ثبوت المثبت له، فالقضیة الفرعیة تختص بهذا القسم من الموجبة و لا تجری فی غیر هذا القسم من الموجبات.
و بما بیناه تبین لک أن ما اشتهر بین أرباب النظر و الحکمة من القول بالوجود الذهنی للأشیاء، و الاستدلال علیه بأنا نحکم حکما إیجابیا علی ما لا وجود له فی الخارج کقولنا بحر من زیبق بارد بالطبع، و اجتماع النقیضین مغایر لاجتماع الضدین، و ثبوت شی‌ء للشی‌ء فرع ثبوت المثبت له، و إذ لیس المثبت له هنا فی الخارج ففی الذهن فی غایة السخافة، لما عرفت من أن المحمولات فی أمثال هذه القضایا إما راجعة إلی سلب الوجود عن الموضوعات و إما عوارض للماهیات و صفات و حالات لها، و ثبوت صفات الماهیات لها لیس ثبوتا أصیلا بل ثبوتا ربطیا، و لیس الثبوت الربطی فرعا لثبوت المثبت له، ضرورة أن کل مفهوم له نسبة إلی مفهوم آخر مع قطع النظر عن وجودهما فی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 401
الخارج أو الذهن، لو توقفت ثبوت صفات الماهیات لها علی تصورها فی الذهن کما زعموه لزم أن تکون الماهیات عاریة عن صفاتها و حالاتها ما لم یتصورها متصور أ تری أن الأربعة لا تکون زوجا، و اجتماع النقیضین لیس مغایرا لاجتماع الضدین و الحجر لیس مباینا للإنسان قبل تصورها فی الذهن، و حدثت هذه الصفات فیها بعد تصورها کلا ثم کلا.
و بالجملة سخافة ما توهموه مما لا ینبغی أن یختفی علی من له أدنی دربة.
و إذا تبین لک فساد ما توهموه من توقف ثبوت عوارض الماهیات علی وجودها تبین لک أن تقسیم العرض إلی عرض الماهیة و عرض الوجود علی سبیل الحقیقة، و لما خفی الأمر علی أکثرهم و لم یهتدوا إلی ما حققناه فسروا عرض الماهیة بعرض الوجود أعم من الذهنی و الخارجی و عرض الوجود بعرض خصوص الوجود الخارجی أو الذهنی، و مثلوا للأول بزوجیة الأربعة، و للثانی بإحراق النار، و للثالث بکلیة المفاهیم الکلیة، فجعلوا الأقسام ثلاثة و هو باطل جدا.
نعم عرض الماهیة علی قسمین: ما لا ینافیه الوجود فی الخارج کزوجیة الأربعة فإنها متصفة بالزوجیة وجدت فی الخارج أم لم توجد و ما ینافیه الوجود فی الخارج کالکلیة العارضة علی الماهیات فإنها منافیة مع وجودها فی الخارج، فإنها بعد وجودها فی الخارج تصیر جزئیة.
و قد تبین بما بیناه أیضا فساد تقسیم القضایا الموجبة باعتبار موضوعها إلی أقسام ثلاثة: ما یعتبر وجود موضوعها ذهنا، و ما یعتبر وجود موضوعها مقدرا و ما یعتبر وجود موضوعها محققا، فإن القسمین الأولین مما لا یعتبر وجود موضوعهما لأن المحمول فیهما من عوارض الماهیة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 402‌

(فائدة 57) [فی حکم التولید من قبل النکاح أو السفاح]

اعلم أنه لا شبهة فی أن التولید مطلقا سواء حصل من قبل النکاح أو السفاح یقتضی انتساب أطرافه ببعض واقعا، کما أنه لا شبهة فی أن الشارع قد أسقط الحاصل من السفاح من الاعتبار مطلقا، أو فی الجملة، فینبغی التکلم حینئذ فی أطراف.
الأول: فی أنه هل جعل الشارع النکاح شرطا فی ترتب الانتساب علی التولید؟ أو جعل السفاح مانعا عنه؟.
و الثانی: فی أن السفاح ساقط عن الاعتبار مطلقا، أو بالنسبة إلی الأب فقط؟.
و الثالث: فی أنه هل یکون فی البین أصل شرعی أو واقعی یوجب إلحاق الولد بالنکاح فی صورة احتمال الطرفین أم لا؟.
فأقول بعون الله تعالی و مشیته:
أما الأول فالتحقیق فیه أن السفاح مانع لترتب آثار الانتساب علی التولید الحاصل من قبل الشبهة بجمیع أنحائها و لو کان النکاح شرطا لم یترتب الآثار علی الشبهة، و أیضا ظاهر الروایات من الحکم بکون ولد الزنا لغیة لا یورث سقوط الزنا عن الاعتبار لا اعتبار النکاح کما هو ظاهر، مع أن الأصل عند الشک و تردد الأمر بینهما و عدم قیام دلیل علی اشتراط النکاح ترتیب آثار المنع لأنه المتیقن.
فإن عدم ترتب الأثر علی التولید الحاصل من قبل السفاح ثابت علی التقدیرین، و الشک إنما هو فی التولید الحاصل من شبهة هل هو ساقط من أجل أن النکاح شرط أو باق علی اقتضائه الأصلی من جهة أن السفاح مانع فالمقتضی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 403
معلوم و الشک إنما هو فی المانع و هو اشتراط النکاح، فیترتب أثر المقتضی حینئذ للعلم بثبوته و عدم العلم بالمانع.
و أما الطرف الثانی فالتحقیق فیه سقوط السفاح عن الاعتبار مطلقا، و انقطاع نسبة الولد من الطرفین کما ذهب إلیه أکثر الأصحاب (قدس سرهم).
الأولی: روایة علی بن مهزیار عن محمد بن الحسن القمی قال:"
کتب بعض أصحابنا علی یدی إلی أبی جعفر علیه السلام جعلت فداک ما تقول فی رجل فجر بامرأة فحملت ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد و هو أشبه خلق الله به؟ فکتب بخطه و خاتمه: الولد لغیة لا یورث"
فإن حمل اللغیة المشتقة من اللغو علی الولد و جعله ساقطا عن الاعتبار لا یتم إلا بانقطاع نسبته من طرفیه، إذ انقطاع نسبة الولد من أحد طرفیه لا یوجب صیرورة الولد لغوا و لغیة، و لذا لا یصح أن تقول ولد الملاعنة لغیة من جهة انقطاعه عن أبیه.
و من هنا تبین لک فساد ما قد یتوهم من أن الروایة مهملة من هذه الجهة أو ناظرة إلی انقطاعه عن أبیه بقرینة سوق السؤال.
و یدل علی ما بیناه أیضا عدوله علیه السلام عن الفعل المعلوم إلی المجهول الناظر إلی نفس الولد من دون نظر إلی خصوص أحد طرفیه، و لو کان ناظرا إلی خصوص الأب لوجب أن یقال:" لا یرثه".
الثانیة: صحیحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام:"
قال: قلت فإنه مات یشیر إلی ولد الزنا و له مال من یرثه قال: الإمام علیه السلام
". لا یقال: لا یرجع إرث ولد الزنا إلی الإمام علیه السلام إلا بعد فقد الولد و الزوجة و ضامن الجریرة، فکیف یصح الحکم علی الإطلاق برجوع إرثه إلی الإمام فدلالته علی المقصود موهومة.
لأنا نقول: أولا أن تقیید المطلق کتخصیص العام شائع و لا یوجب و هنا فی دلالته، و ثانیا أن الزنا إنما یتعلق بأطراف التولید کما هو ظاهر فالسؤال عن أمر الزنا إنما یقع عن أطرافه.
فالجواب حینئذ برجوع إرث الولد إلی الإمام علیه السلام لا تقیید فیه بوجه فلا مجال
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 404
للطعن فی الروایة بوجه.
الثالثة: صحیحة الحلبی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال:" أیما رجل وقع علی ولیدة قوم حراما ثم اشتراها فادعی ولدها فإنه لا یورث منه شی‌ء، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال
الولد للفراش و للعاهر الحجر
، و لا یورث ولد الزنا إلا رجل یدعی ابن ولیدته" وجه الدلالة أنه علیه السلام نفی إرث ولد الزنا إلا لرجل یدعیه ابن ولیدته فحصر إرثه فیه یدل علی انقطاع نسبته من أبیه و أمه، و أوضح منه أن الاستثناء المذکور منقطع، ضرورة أن الولد المذکور فی صورة ادعائه ابنا لولیدته لم یکن ولد زنا، فاستثناء هذه الصورة مع عدم کونها من أفراد المستثنی منه کالصریح فیما بیناه.
و قد رویت الروایة بأسانید مختلفة معتبرة هذا.
و أما مستند مثبتی النسب بالنسبة إلی الأم فأمران، قال فی المسالک:" و قال ابن الجنید و أبو الصلاح ترثه أمه لروایة إسحاق بن عمار عن الصادق (علیه السلام)"
أن علیا (علیه السلام) کان یقول ولد الزنا و ابن الملاعنة ترثه أمه و إخوته لأمه أو عصبتها".
و روایة یونس قال
" میراث ولد الزنا علی نحو میراث ابن الملاعنة"
انتهی.
و یمکن أن یحتج لهم بالأصل أیضا فإن الأصل فی صورة الشک فی انقطاع نسبته عن الأم و عدمه بقاؤها و عدم انقطاعها فی الشرع، و لکن الوجوه کلها فی غیر محله أما الأصل فلارتفاعه بالروایات المتقدمة فإن الأصل دلیل حیث لا دلیل علیه و أما روایة یونس فموقوفة غیر مسندة إلی أحد من الأئمة علیهم السلام، و یمکن أن یکون فتوی منه لا روایة فلا حجیة فیها، و لعله استنبطه من الروایة المتقدمة، فینحصر الأمر حینئذ فیها، و هی مع شذوذها و ضعف سندها محتملة للتقیة لموافقتها للعامة، مع أنه لا تصریح فیها بکونه زنا من الطرفین، فیحتمل الزنا فیه من طرف الأب فقط، علی أن مقتضی قواعد العربیة أن یقال: یرثهما أمهما و إخوتهما لأمهما، و إفراد الضمیر فی المواضع الأربعة فی جمیع النسخ ینبئ عن رجوعه إلی الأخیر فقط، فیحتمل قریبا أن یکون فی الروایة سقط و کان الأصل هکذا کأن یقول
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 405
ولد الزنا لا یورث و ابن الملاعنة ترثه أمه و إخوته لأمه، و الشاهد علیه إفراد الضمیر فی المواضع کلها.
و کیف کان فلا تقاوم هذه الروایة الروایات المتقدمة الصحیحة، فلا سبیل للأخذ بها مع وجود الروایات الصحیحة المعارضة لها.
ثم إن هناک روایتین تنافیان الروایات جمیعا، عن حنان عن أبی عبد الله علیه السلام:" قال:
سألته عن رجل فجر بنصرانیة فولدت منه غلاما فأقربه ثم مات فلم یترک غیره أ یرثه؟ قال نعم".
عنه أیضا عن أبی عبد الله علیه السلام
" قال سألته عن رجل مسلم فجر بامرأة یهودیة فأولدها ثم مات و لم یدع وارثا؟ قال: فقال: یسلم لولده المیراث من الیهودیة قلت فرجل نصرانی فجر بامرأة مسلمة فأولدها غلاما ثم مات النصرانی و ترک مالا لمن یکون میراثه؟ قال یکون میراثه لابنه من المسلمة"
و حیث إن الروایتین منافیان للروایات المذکورة، و الروایات الواردة فی باب أولاد الإماء من لحوقها بالمالک و صیرورتها أرقاء إذا کانت من السفاح، إذ لو لم تنقطع النسبة عن الأب بالزنا لزم صیرورتها أحرارا بل ضرورة المذهب فلا بد من صرفهما عن ظاهرهما فأقول: یمکن أن یکون أمره علیه السلام بتسلیم المیراث إلی الابن تبرع منه علیه السلام إذ المیراث فی مفروض السؤال راجع إلی الإمام علیه السلام و لعله لعدم بسط یده صلی الله علیه و آله لم یمکنه إرجاعه إلی نفسه، مع أنه یحتمل أن یکون الغرض من الإقرار فی الروایة الأولی إقراره بالولد مع عدم ثبوت فجوره شرعا.
و کیف کان فلا مجال للتأمل فی أصل الحکم.
بقی الکلام فی الطرف الثالث، فأقول بعون الله تعالی و مشیته: أنه اتفق الأصحاب بل قاطبة أهل الإسلام علی لحوق الولد بالناکح عند احتمال لحوقه به و التردد فی انتسابه إلیه و إلی الزانی، و احتجوا علیه بقول رسول الله صلی الله علیه و آله"
الولد للفراش و للعاهر الحجر
" و قد استفاضت الروایة الشریفة من طریق الفریقین بل کادت
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 406
أن تکون متواترة فلا شبهة فی صحة سندها: فالمهم تفسیرها و بیان کیفیة انطباقها علی ما راموه.
فاعلم أن (الفراش) بکسر الفاء، و هو عنوان ینطبق علی الزوجة أو ما بمنزلتها اتفاقا، قال عز من قائل" وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ" أی نساء مرتفعة الأقدار، و عن المصباح المنیر أنه یطبق علی الزوج أیضا و فی المجمع: و فی الحدیث:"
الولد للفراش
" أی للزوج فإن کل واحد من الزوجین یسمی فراشا للآخر، کما یسمی کل واحد منهما لباسا للآخر.
و کیف کان فصدق عنوان الفراش دائر مدار التزویج أو ما بمنزلته، و إطلاقه علی المرأة مزوجة کانت أم لا مما لم یعهد فی العرف و لا فی اللغة.
فما توهم من أن المراد بالفراش فی الروایة الشریفة مطلق المرأة و أنها تدل علی مختار ابن الجنید و أبی الصلاح من ثبوت نسب الولد للأم فی مورد السفاح و عدم انقطاعه إلا بالنسبة إلی الأب فی غایة السخافة.
إذا اتضح لک ما بیناه فاعلم أن الروایة الشریفة مع قطع النظر عن موردها تحتمل وجوها: الأول: أن یکون المقصود تبعیة الولد للفراش و ثبوت النسب به لا بالفجور من دون نظر إلی صورة الشک.
و الثانی: أن یکون المقصود تبعیة الولد للمرأة المزوجة و لحوقه بها عند احتمال کونه من النکاح أو السفاح من دون أن یکون ملحقا بالزوج، فالروایة الشریفة حینئذ ناظرة إلی أصل واقعی و مقررة له، لما عرفت من أن الزنا مانع لا أن النکاح شرط، فعند احتمال الزنا و عدم ثبوته یدفع المانع بالأصل و یرتب أثر المقتضی.
و الثالث: أن یکون المقصود تبعیة الولد للفراش عند احتمال کونه من قبله أو من قبل الزنا بمعنی لحوقه بالمتزاوجین فهی حینئذ أصل شرعی مضروب لبیان حکم الشک فی کون الولد من الناکح و العاهر هذا کله إن قلنا باختصاص الزوجة بالفراش
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 407
و أما إن قلنا بانطباقه علی الطرفین کانطباق اللباس علیهما کما فی المصباح و المجمع فیسقط الوجه الثانی و ینحصر الأمر فی الآخرین، و کیف کان فالظاهر من الروایة الشریفة مع قطع النظر عن موردها هو الوجه الأخیر، فإن الظاهر من العبارة أنه مع تحقق نکاح و فجور و احتمال تکون الولد من ماء الزانی و ماء الزوج یلحق الولد بالفراش لا بالفاجر، کما أن الظاهر من إسناد الولد إلی الفراش استتباع النسبة إلی الزوج أیضا فإن إثبات الولد للزوجة بعنوان أنها زوجة و فراش کما هو الظاهر بل الصریح لا ینفک عن ثبوته للزوج، بل لحقوق الولد بالزوجة بعنوان أنها زوجة عین لحوقه بالزوج و هل هو إلا کإلحاق النماء بالملک الذی هو عین إثباته للمالک.
و توهم الافتراق بینهما من جهة عدم تصور لحوق النماء بالملک مع عدم ثبوته للمالک، بخلاف المقام لتصور ثبوت الولد للزوجة مع عدم ثبوته للزوج فی غیر محله، لأن الانفکاک إنما یتصور إذا لم یکن رجوع الولد إلی الزوجة بعنوان أنها زوجة، و أما إذا کان کذلک کما هو المفروض فإن إثبات الولد للفراش و نفیه عن العاهر تصریح بدوران لحوق الولد مداره و کونه عنوانا للحکم فلا مجال للتفکیک فتبین لک غایة التبین أن نسبة الولد إلی الفراش مع إطلاقه علی الزوجة یوجب الانتساب إلی الزوج من دون حاجة إلی تقدیر مضاف من الصاحب و ما فی معناه، هذا کله بناء علی اختصاص الزوجة بالفراش، و أما إن قلنا بانطباقه علی الطرفین کما فی المصباح و المجمع فالأمر فیه أظهر، و یؤید إطلاقه علی الزوج فی المقام مقابلته بالعاهر.
و إذ قد اتضح لک ظهور الروایة فی الوجه الأخیر مع قطع النظر عن مواردها فاعلم أنها مع ملاحظتها صریحة فیه، عن سعید الأعرج عن أبی عبد الله علیه السلام:"
قال: قلت له: الرجل یتزوج المرأة لیست بمأمونة تدعی الحمل؟ قال: لیصبر لقول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الولد للفراش و للعاهر الحجر
" فإنه من المعلوم أن المقصود السؤال عن أمر الولد بالنسبة إلی الزوج من حیث اتهام المرأة، و احتمال کون حملها
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 408
من غیر زوجها، فأمره (علیه السلام) بالصبر و عدم نفی الولد، و تعلیله بقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) صریح فیما بیناه، و ستمر علیک أخبار متظافرة فی لحوق ولد الأمة بمولاها عند احتمال الفجور، أو تحققه معللا بالروایة الشریفة، فلا شبهة فی انطباقها علی مرام الأصحاب (قدس سره).
و إنما الکلام فی أنه هل یختص الفراش بالمعقودة بالعقد الدائم أو یعم المعقودة مطلقا و المملوکة و المحللة بل الموطوءة بالشبهة، و الظاهر منهم اختصاصه بالأولی بل قد ادعی الاتفاق علی عدم تحققه بمجرد الملک و التحلیل و عقد المتعة.
و إن الخلاف إنما وقع فی تحققه بالوطی الحاصل من قبل الأمور المذکورة ففی الشرائع فی باب اللعان:" و لا تصیر الأمة فراشا بالملک، و هل تصیر فراشا بالوطی فیه روایتان أظهر هما أنها لیست فرشا و لا یلتحق ولدها إلا بإقراره، و لو اعترف بوطئها و لو نفاه لم یفتقر إلی لعان" و فی اللمعة فی باب اللعان:" و لا یلحق ولد المملوکة بمالکها إلا بالإقرار به، و لو اعترف بوطئها و لو نفاه انتفی بغیر لعان".
و فی الجواهر فی ذیل قول المحقق (قدس سرهما):" و لا تصیر الأمة فراشا بالملک بلا خلاف أجده فیه و إن خلت به و خلا بها و أمکن تکونه منه بل فی المسالک الإجماع علیه، قال: بخلاف النکاح الذی یلحق به الولد بمجرد الإمکان، لأن المقصود منه الاستمتاع و الولد، و ملک الیمین قد یقصد به ذلک و قد یقصد به التجارة و الاستخدام.
و لذا لا یتزوج من لا تحل له.
و یملک بملک الیمین من لا تحل له".
ثم قال بعد ذلک:" إذا کان الفراش زوجة دائمة تحقق فراشها من حین العقد و إمکان وصوله إلیها، ثم لها بالنسبة إلی الولد حکمان: أحدهما فی ظاهر الأمر، و هو أنه یحکم بإلحاق الولد الذی تلده بعد العقد و إمکان الوصول إلیها فیما بین أقل الحمل و أکثره بالزوج و إن لم یعترف به و لم یعلم وطؤه لها، سواء کان من أهل الاعتراف کالبالغ العاقل، أو لا کالمجنون و الصبی الذی یمکن تولده منه قبل أن یحکم ببلوغه علی ما سبق".
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 409
ثم إنه بعد أن ذکر أن الأمة کالحرة بعد الوطی فی لحوق الولد قال:" لکنه یفارق ولد الزوجة فی أمرین: أحدهما أنه لا یحکم بلحوقه به إلا مع ثبوت وطئه لها إما بإقراره أو بالبینة بخلاف ولد الزوجة فإنه یکفی فیه إمکان الوطی، و الوجه فیه أن المعتبر فیهما ثبوت الفراش و لما کان فی الزوجة متحققا بالعقد و إمکان وصوله إلیها کان المعتبر ثبوت ذلک.
و لما کان فراش الأمة لا یتحقق إلا بالوطی اعتبر ثبوته، فمرجع الأمر فیهما إلی شی‌ء واحد و هو ثبوت الفراش إلا أنه فی الزوجة یظهر غالبا بغیر الزوج بحضور العقد و العلم بإمکان وصوله إلیها، و فی الأمة لا یظهر غالبا إلا منه لأن الوطی من الأمور الخفیة فاعتبر إقراره به إن لم یتفق الاطلاع علیه بالبینة نادرا إلی غیر ذلک من کلماته فی هذا الشرح الذی أطنب فیه و تبعه علیه فی کشف اللثام لکن قد یناقش بأنه مناف لما ذکروه فی حکم إلحاق الأولاد من اعتبار تحقق الدخول بالزوجة فی لحوق الولد بالزوج" انتهی.
و التحقیق أن اعتبار الدخول فی لحوق الولد بالزوج کاعتبار مضی ستة أشهر من حین الوطی و عدم تجاوز أقصی الحمل إنما هو من جهة تحصیل الاحتمال، و ثبوت المورد للروایة الشریفة فإن مضمونها أن الفراش فی نظر الشارع مقتض للحوق الولد به عند الشک و التردد فی تکون الولد من النکاح أو الفجور، و من المعلوم أنه یؤخذ بالمقتضی عند عدم العلم بالمانع، فمع العلم بانتفاء الولد عن الفراش بسبب العلم بعدم الدخول من قبل الزوج، أو بعدم مضی ستة أشهر من الوطی أو بتجاوز التولد عن أقصی الحمل لا وجه لإلحاقه بالفراش من جهة الروایة الشریفة فیعتبر حینئذ إمکان الدخول و لا یلزم حصول العلم بالدخول کما ذکره فی المسالک فجعل الدخول حینئذ شرطا فی غیر محله، و إن لم یکن فیه ضیر بعد وضوح الأمر، و لکن یرد علیهم إشکال عظیم لا محیص عن دفعه من جهة اقتصارهم علی الدخول و التقیید بغیبوبة الحشفة أو مقدارها، و التعمیم بالنسبة إلی القبل و الدبر
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 410
و الإنزال و عدمه، و توضیحه یتوقف علی ذکر شطر کلماتهم.
ففی الروضة:" و المراد به علی ما یظهر من إطلاقهم و صرح به المصنف فی قواعده غیبوبة الحشفة قبلا أو دبرا و إن لم ینزل، و لا یخلو ذلک من إشکال إن لم یکن مجمعا علیه للقطع بانتفاء التولد عنه عادة فی کثیر من موارده، و لم أقف علی شی‌ء ینافی ما نقلناه و یعتمد علیه" و یقرب منه ما فی المسالک.
و فی الجواهر:" الدخول بغیبوبة الحشفة أو مقدارها قبلا أو دبرا بل فی کشف اللثام، و غیره أنزل أم لا، لإطلاق الفتاوی، و نحو قول الباقر (علیه السلام) لأبی مریم الأنصاری" إذا أتاها فقد طلب ولدها" ثم ذکر کلام الروضة إلی أن قال:" و تبعه فی الریاض فقال ولد الزوجة الدائمة التام خلقة یلحق بالزوج الذی یمکن التولد عنه عادة، و لو احتمالا مع شروط ثلاثة: أحدها الدخول منه بها دخولا یحتمل فیه ذلک و لو احتمالا بعیدا قبلا کان أو دبرا إجماعا، و فی غیره إشکال و إن حکی الإطلاق عن الأصحاب و احتمل الإجماع، مع أن المحکی عن السرائر، و یر عدم العبرة بالوطی دبرا، و استوجهه من المتأخرین جماعة و هو حسن إلا مع الإمناء و احتمال السبق و عدم الشعور به لا مطلقا.
قلت: مع فرض إمکان سبق المنی و عدم الشعور به لا سبیل حینئذ للقطع بنفی الاحتمال و لو بعیدا مع تحقق مسمی الدخول، علی أنه یمکن التولد من الرجل بالدخول و إن لم ینزل، و لعله لتحرک نطفة المرأة و اکتسابها العلوق من نطفة الرجل فی محلها أو غیر ذلک من الحکم التی لا یحیط بها إلا رب العزة، و لذا أطلق أن الولد للفراش المراد به الافتراش فعلا، لا ما یقوله العامة من الافتراش شرعا بمعنی أنه یحل له وطؤها، فلو ولدت و إن لم یفترشها فعلا ألحق به الولد إذ هو مع ما فیه من فتح باب الفساد للنساء أشبه شی‌ء بالخرافات.
و ربما یومی إلی بعض ما قلنا خبر أبی البختری المروی عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن علی علیهم السلام قال:"
جاء رجل إلی رسول الله صلی الله علیه و آله قال کنت
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 411
أعزل عن جاریة لی فجاءت بولد فقال:" الوکاء قد ینفلت" و ألحق به الولد.
و فحوی التوقیع المروی عن إکمال الدین و إتمام النعمة فی جملة مسائل منها
استحللت بجاریة و شرطت علیها أن لا أطلب ولدها و لم ألزمها منزلی فلما أتی لذلک مدة قالت: قد حبلت، ثم أتت بولد لم أنکره إلی أن قال: فخرج جوابها عن صاحب الزمان صلوات الله علیه" و أما الرجل الذی استحل بالجاریة و شرط علیها أن لا یطلب ولدها فسبحان من لا شریک له فی قدرته شرطه علی الجاریة شرط علی الله تعالی، هذا ما لا یؤمن أن یکون و حیث عرض له فی هذا شک و لیس یعرف الوقت الذی أتاها فلیس ذلک یوجب البراءة من ولده
" انتهی.
و بعد ما ظهر لک من صدق عنوان الفراش علی المرأة المزوجة بالعقد الدائم و عدم اعتبار الدخول فی صدقه علیها کما یظهر من کلماتهم الاتفاق علیه ظهر لک أن اعتبارهم دخول الزوج بها فی لحوق الولد به لیس إلا لأجل حصول احتمال الحمل منه و ثبوت المجری للقاعدة المضروبة لحکم الشک، و من المعلوم أن الاحتمال کما یتحقق بالدخول یتحقق بالإنزال علی الفرج من دون دخول، فلا وجه للاقتصار علی الدخول حینئذ.
و یدل علی ما بیناه مع وضوحه ما فی الوسائل عن قرب الإسناد عن أبی البختری عن جعفر بن محمد عن أبیه علیهم السلام:"
إن رجلا أتی علی بن أبی طالب (علیه السلام) فقال: إن امرأتی هذه حامل و هی جاریة حدثة و هی عذراء و هی حامل فی تسعة أشهر و لا أعلم إلا خیرا، و أنا شیخ کبیر ما افترعتها و أنها لعلی حالها فقال له علی (علیه السلام)" نشدتک الله هل کنت تهریق علی فرجها؟" قال: نعم فقال علی (علیه السلام)" إن لکل فرج ثقبین: ثقب یدخل فیه ماء الرجل و ثقب یخرج منه البول و إن أفواه الرحم تحت الثقب الذی یدخل فیه ماء الرجل، فإذا دخل فی فم واحد من أفواه الرحم حملت المرأة بولد، و إذا دخلت من اثنین حملت باثنین و إذا دخلت من ثلاثة حملت بثلاثة، و إذا دخل من أربعة حملت بأربعة و لیس هناک غیر ذلک، و قد ألحقت بک ولدها"
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 412
فشق عنها القوابل و جاءت بغلام فعاش
". و عن محمد بن محمد المفید فی الإرشاد قال:" روی نقلة الآثار من العامة و الخاصة
أن امرأة نکحها شیخ کبیر فحملت، و زعم الشیخ أنه لم یصل إلیها و أنکر حملها فالتبس الأمر علی عثمان و سأل المرأة هل افتضک الشیخ؟ و کانت بکرا فقالت: لا، فقال عثمان: أقیموا علیها الحد، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام" إن للمرأة سمین: سم البول و سم المحیض، فلعل الشیخ کان ینال منها فسال ماؤه فی سم المحیض فحملت منه، فاسألوا الرجل عن ذلک" فسئل فقال: قد کنت أنزل الماء فی قبل من غیر وصول إلیها بالافتضاض فقال أمیر المؤمنین علیه السلام" الحمل حمله و الولد ولده و أری عقوبة علی الإنکار له" فصار عثمان إلی قضائه.
أقول: إذا کان إنزال الماء علی فرج البکر موجبا للحمل فإنزاله علی فرج الثیب یوجبه بطریق أولی، فمع احتمال الحمل من دون دخول و صدق الفراش قبله، و تصریح الروایتین بلحوق الولد بالزوج حینئذ لا وجه لاعتبار خصوص الدخول فی إلحاق الولد، کما أنه لا وجه لتفسیره فی المقام بغیبوبة الحشفة أو مقدارها، ضرورة أن احتمال الحمل کما یحصل به یحصل بما دونه، مع أنا قد بینا فی محله أن المناط فی الجنابة و الحد و غیرهما مسمی الدخول أیضا لا المقدار المخصوص.
و کیف کان فما اشتهر فی المقام فی غیر محله، و أعجب منه التعمیم إلی صورة الإنزال و عدمه ضرورة عدم احتمال الحمل مع عدم الإنزال نعم مع احتمال الإنزال و عدم الشعور به لا سبیل إلی نفی الولد.
و ما ذکر فی الجواهر من أنه مع تحقق مسمی الدخول لا سبیل للقطع بنفی احتماله فی غیر محله، أن الإنزال لا یکون إلا عن کمال الشهوة، و استشهاده بلحوق الولد به فی صورة العزل فی غیر محله أیضا لغلبة السبق فی حال العزل کما هو ظاهر، فالروایة الشریفة ناظرة إلی عدم حصول الیقین للشخص بعدم السبق فی هذا الحال، و أغرب منه الاستشهاد بالتوقیع المذکور لعدم ارتباطه
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 413
بالمقام کما هو واضح.
و أما ما ذکره من إمکان تولد الولد من الرجل مع دخوله و عدم إنزاله من جهة تحرک نطفة المرأة و اکتسابها العلوق من نطفة الرجل فی محلها ففی غایة الغرابة و المهانة، ضرورة عدم خلقة الولد بحسب مجاری العادات إلا بعد امتزاج الماءین و اختلاطهما، قال عز من قائل" إِنّٰا خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ" و الروایات فی هذا الباب کثیرة جدا، نعم یمکن خلق الولد من المرأة فقط أو علی الوجه المذکور علی سبیل الإعجاز و لکنه غیر نافع للمقام.
ثم إن ما ذکره من أن المراد من الفراش الافتراش الفعلی فمع أنه مخالف لظاهر الروایة بل اتفاق الأصحاب (قدس سرهم) لما ظهر لک من ظهور اتفاقهم علی تحقق الفراش قبل الدخول لا یفیده ضرورة أن مفاد الروایة المذکورة لیس إلا الأصل، و هو إنما یتقوم بالاحتمال و الشک و مع عدم الإنزال لا احتمال و لا شک.
و من هنا ظهر لک أن ما نقله من العامة من لحوق الولد بالفراش مع عدم الدخول و عدم إنزال الماء علی الفرج من الخرافات المضحکة لا أنه أشبه شی‌ء بها بداهة أن الفراش لیس من أسباب الأنساب حتی یوجب لحوق ولد غیر الزوج به، و إنما هو أصل شرعی یؤخذ به فی مورد الشک و الاحتمال، فالعامة إن تفوهوا بهذه المقالة القبیحة فهو لجهلهم لمورد الروایة الشریفة و أنها أصل مضروب لحکم الشک، لا من جهة اشتباههم فی تفسیر الفراش، لما عرفت من اشتراک أصحابنا (قدس سرهم) معهم فی هذا التفسیر.
فاتضح لک بما بیناه غایة الاتضاح أن المناط فی المقام إنزال الماء من الزوج سواء کان مع الدخول أو مع إهراقه علی الفرج، و سواء کان فی القبل أو الدبر، فإن الماء فی الدبر قد یسری إلی الرحم فیحتمل منه الحمل فجعل الدخول المفسر بغیبوبة الحشفة أو مقدارها مناطا مع التعمیم للإنزال و عدمه فی غایة الغرابة و الظاهر أن قدماء الأصحاب إنما عبروا بالدخول من باب الغلبة،
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 414
و قد التبس الأمر علی غیرهم فزعموا أنهم إنما عنوا به خصوص الدخول فاقتصروا علیه، و عمموه مجامعة للإنزال و عدمه بزعم الإطلاق و غفلوا عن أن ذکره فی مقام احتمال الحمل ینافیه.
و کیف کان فلا وجه للاقتصار علی الدخول فضلا عن تقییده بغیبوبة الحشفة أو مقدارها، و توهم انعقاد الإجماع علی اعتبار خصوص الدخول فی غیر محله، بعد ما عرفت من اتفاقهم علی تحقق الفراش قبل الدخول و عدم اعتباره فی صدقه و تحققه.
ثم إنه ظهر مما بیناه من تحقق الفراش فی الزوجة قبل الدخول، و إنه إنما اعتبر لأجل تحقق الاحتمال و ثبوت المجری للأصل عدم لزوم العلم بالدخول و کفایة احتماله و إمکان وقوعه، ضرورة أن احتمال الحمل من الزوج کما یتحقق بالعلم بدخوله یتحقق من احتماله و جواز وقوعه.
و من هنا صرح فی المسالک بلحوق الولد بالزوج بعد تحقق عقد الزوجة و إمکان وصول الزوج إلیها، و لکنه لا بد من کون الاحتمال متعارفا عادیا فلا یکفی فیه الاحتمال العقلی الصرف، و من هنا لا یلحق ولد الزوجة بزوجها الغائب عنها باحتمال قدومه سرا و وصوله إلیها.
فی الوسائل عن یونس:" فی المرأة یغیب عنها زوجها فتجی‌ء بولد أنه لا یلحق الولد بالرجل و لا تصدق أنه قدم فأحبلها إذا کانت غیبته معروفة بذلک" و یمکن أن یکون الوجه فیه أن الغیبة مانعة عن الوصول، و مع الشک فی انقلابها بالحضور یستصحب فیحکم فی مرحلة الظاهر بعدم إمکان الوصول فلا تجری قاعدة الفراش لاستصحاب الغیبة المانعة عن الوصول.
و من هنا ظهر أنه لو أتت الزوجة بولد قبل التصرف و الزفاف لا یلحق بزوجها باحتمال وصوله إلیها سرا لأن الزوج قبل الزفاف لا یمکنه الوصول إلی زوجته عرفا و إن أمکنه عقلا، فاحتمال الدخول منفی حینئذ فی مرحلة الظاهر فلا تجری قاعدة الفراش لترتبها علیه.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 415
بل یمکن أن یکون الأمر فی المقام أظهر من غیبة الزوج، لما قد یقال من عدم تحقق الافتراش قبل الزفاف و هذا المعنی و إن کان مخالفا لظاهر کلمات الأکثر علی ما یظهر من کلام صاحب المسالک إلا أنه لیس بعیدا عن التحقیق، فإن الافتراش الاستحقاقی و إن تحقق بالعقد إلا أنه لم یتم ما لم یتصرفها الزوج و لم یقبضها، و الفراش ینصرف إلی ما اتصف بالفراشیة علی وجه التمام، و بعد تحقق الزفاف یکفی فی لحوق الولد بالزوج احتمال الدخول، و لا یجب العلم بالدخول.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 416‌

(فائدة 58) إذا تزوج الحر أمة بدون إذن المالک فوطئها کذلک کان زانیا

و علیه الحد إن لم یجز المولی، و هل لها المهر إذا کانت عالمة مطاوعة فیه قولان: أحدهما عدمه لما ورد من أنه لا مهر لبغی.
و الثانی ثبوته للمولی لأن بضعها منفعة ملکه فلا یؤثر بغیها فی سقوط حقه، و الأقوی هو الثانی.
توضیح الحال یتوقف علی تحقیق حقیقة المال و ما یتقوم به و ما یوجب سقوطه عقلا و شرعا.
فأقول مستعینا بالله تعالی: إن المال ما یکون له منفعة یعتد بها فی نظر العرف و لا یکون مبذولا بحیث لا یکون مجال لاختصاص بعض دون بعض، فما لا منفعة له أصلا کرطوبات بدن الإنسان و الأخلاط و هکذا لا یکون مالا، و إذا لا یصح بیعها و بذل المال بإزائها و ما قلت فائدته بحیث تکون فی حکم العدم فی نظر العرف لا تعد مالا و لذا لا یضمن من أتلفها کما أن ما یکون مبذولا فی الغایة کذلک و لذا لا یضمن من أهرق ماء غیره عند النهر و إن أثم، و ما یحرم منافعه المقصود فی حکم ما لا منفعة له أصلا فی عدم المالیة ضرورة أنه إذا لم یکن سبیل إلی الانتفاع به شرعا فهو کعادم المنفعة أصلا و یکفی فی سقوط المالیة عن الخمر و آلات اللهو و القمار و أمثالها حرمة المنافع المقصود منها، و لا یتوقف إثبات عدم المالیة لها إلی دلیل
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 417
آخر هذا إذا کانت المنفعة المقصودة محرمة.
و أما إذا کانت المنفعة المقصودة من العین محللة فی حد نفسها و لکن یمکن استعمالها فی الحرام أیضا فلا یؤثر تطرق الانتفاع بها فی الحرام فی سقوط المالیة عن العین.
نعم تسقط المنفعة عن المالیة إذا بذلها مالکها فی الحرام فإذا بذل المالک دابته فی خصوص حمل الخمر و آلات القمار و اللهو و نحوها من الأعمال المحرمة لا یستحق شیئا علی المبذول له إذ لا مالیة لها حینئذ و لذا تبطل إجارة الدابة فی الأعمال المذکور.
و أما إذا لم یبذل المالک ما ملکه فی العمل المحرم و إنما استعمله المتصرف فی الحرام یستحق أجرة ما استوفاه المتصرف من المنفعة إذ لا یسقط احترام مال المالک لأجل صرفه إیاه فی الحرام.
فاتضح بما بیناه اختصاص سقوط المهر بالبغی بالحرة لأنها إذا بذلت بضعها فی الحرام من دون إکراه و إجبار أسقطها عن الاحترام باختیارها للحرام و أما الأمة فلا تملک بضعها فلا یؤثر اختیارها الحرام فی سقوط حق المالک فما ورد من أنه لا مهر لبغی یختص بالحرة مع أن المهر ظاهر فی مهر الحرة فلا یقال لعوض بضع الأمة المهر إلا مجازا و إنما یطلق علیه اسم العقر أو العشر أو نصفه و من ثم یطلق علی الحرة المهیرة.
فإن قلت: مقتضی ما ذکرت سقوط المهر بالنسبة إلی البغی التی لم تکن تحت حبالة غیره لأن من کان تحت حبالة غیره بضعها مملوک له فیلزم ثبوت المهر لمالک البضع و هو الزوج قلت: قد أوضحنا فی بعض الفوائد السابقة أن ملک البضع لا یکون من قبیل ملک المنفعة بل من قبیل ملک الانتفاع و لذا لو وطئت الزوجة شبهة أو إکراها یرجع مهر مثلها إلیها لا إلی زوجها و لزوم عقد التزویج لا ینافی مع کونه من قبیل ملک
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 418
الانتفاع کما بیناه سابقا و إذا ثبت أن الزوج لا یملک بضعها إلا فی جهة الانتفاع فمالک منفعة البضع إنما هی الزوجة فیؤثر بغیها فی سقوط احترام بضعها ثم إنه بعد ما تبین أن بغی الأمة لا یوجب سقوط مهرها فهل للمولی مهر مثلها أو العشر إن کانت بکرا و نصفه إن کانت ثیبا؟ الظاهر من الروایات هو الثانی، و هو مهر المثل الذی یقدر المهر بقدره، و هو مطابق لمهر السنة فی الأبکار من الأحرار فإن مهر السنة فیها خمسمائة درهم و هو عشر دیتها فإن دیة المرأة خمسة آلاف درهم نصف دیة الرجل التی هی عشرة آلاف درهم.
و من هنا یمکن استنباط مهر السنة فی الثیبات من الأحرار أیضا و أنه نصف عشر دیتها و هو مائتان و خمسون درهما فتفطن.
ثم إن الظاهر دخول أرش الجنایة و ذهاب البکارة فی العشر و إن نصفه للانتفاع بالوطی المشترک فیه البکر و الثیب، و إن نصفه أرش الجنایة و ذهاب البکارة فلو کان المتزوج بالأمة عبدا بدون إذن مولاه یتعلق نصفه برقبته، لأنه أرش جنایته فتباع رقبته فیها و یتعلق نصفه بذمته یتبع به بعد عتقه، و لو أتت بولد کان الولد رقا لمولاها و علله فی الجواهر بأنه نماء ملکه و الفرض عدم العقد المقتضی لثبوت النسب فهو کولدها منه زنا، هذا إذا کان الزوج عالما بالحرمة.
و أما إذا کان جاهلا بالتحریم أو کان شبهة فلا حد قطعا و وجب المهر و کان الولد حرا و یلزمه قیمته لمولی الأمة لکونه کالمتلف مال غیره بغیر إذنه، لکونه نماء للجاریة و تابعا لها هکذا ذکروه.
أقول: مقتضی ما ذکروه من تنصیف الولد بین الأبوین إلا فی مورد الزنا المسقط للنسب غرامة نصف قیمة الولد لا تمامها فغرامة تمام القیمة لا یتم إلا علی مبنی أبی الصلاح (قدس سره): من تبعیة الولد للأم فی الإنسان کسائر الحیوانات أو علی مبنی آخر استظهرناه من الروایات و سیأتی لک بیانه فی الفائدة اللاحقة إنشاء الله تعالی.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 419‌

(فائدة 59) إذا عقد الحر علی أمة لدعواها الحریة فلمولاها العشر إن کانت بکرا و نصفه إن کانت ثیبا

اشارة

و اختلفوا فی الولد لو أتت به فقیل إنه رق و یجب علی الزوج فکه بالقیمة و علی المولی دفعه إلیه و قیل إنه حر و یجب علی أبیه غرامة القیمة لمولاها و فی المسالک" و أظهر فائدة القولین مع اتفاقهما علی وجوه دفع القیمة و حریته بدفعها فیما لو لم یدفعها لفقر أو غیره فعلی القول بحریته تبقی دینا فی ذمته و الولد حر، و علی القول الآخر تتوقف علی دفعها.
و أما الحکم باستسعاء الأب فی القیمة فمبنی علی روایة سماعة و سندها ضعیف به، و هو من جملة الدیون و لا یجب الاستسعاء فیها بل ینظر إلی الیسار" انتهی، و علی کل حال فإن أبی السعی فهل یجب أن یفدیه الإمام علیه السلام؟ قیل: نعم تعویلا علی روایة و قیل: لا یجب لأن القیمة لازمة للأب لأنه سبب الحیلولة، و لو قیل بوجوب الفدیة علی الإمام علیه السلام فمن أی شی‌ء یفدیه؟ قیل: من سهم الرقاب، و منهم من أطلق و منشأ الاختلاف اختلاف الروایات فی نظرهم.
أقول: مستعینا بالله تعالی أنه لا اختلاف فی روایات الباب و أنه یفسر بعضها بعضا فلا بد لنا من ذکر روایات الباب أولا ثم توضیح ما فیها حتی یتضح عدم اختلافها ففی صحیح الولید بن صبیح عن الصادق علیه السلام"
فی رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة دلست نفسها له؟ قال: إن کان الذی زوجها إیاه من غیر موالیها فالنکاح
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 420
فاسد قال: قلت: کیف یصنع بالمهر الذی أخذت منه؟ قال: إن وجد ما أعطاها فیأخذه و إن لم یجد شیئا فلا شی‌ء له علیها، و إن کان زوجها إیاه ولی لها ارتجع علی ولیها بما أخذت منه و لمولاها عشر قیمتها إن کانت بکرا و إن کانت غیر بکر فنصف عشر قیمتها بما استحل من فرجها و تعتد منه عدة الأمة قلت: فإن جاءت منه بولد؟ قال: أولادها منه أحرارا إذا کان النکاح بغیر إذن المولی
". و فی صحیح محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام"
فی رجل تزوج جاریة رجل علی أنها حرة ثم جاء رجل آخر فأقام البینة علی أنها جاریته؟ قال: یأخذها و یأخذ قیمة ولدها
". و فی موثق سماعة"
سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مملوکة أتت قوما و زعموا أنها حرة فتزوجها رجل منهم و أولدها ولدا ثم إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البینة أنها مملوکة و أقرت الجاریة بذلک؟ فقال: تدفع إلی مولاه هی و ولدها، و علی مولاها أن یدفع ولدها إلی أبیه بقیمته الیوم یصیر إلیه قلت: فإن لم یکن لأبیه ما یأخذ به ابنه؟ قال: یسعی أبوه فی ثمنه حتی یؤدیه و یأخذ ولده قلت: فإن أبی الأب أن یسعی فی ثمنه ابنه؟ قال: فعلی الإمام علیه السلام أن یفدیه و لا یملک ولد حر
". و فی حسن زرارة:"
قلت لأبی عبد الله علیه السلام: أمة أبقت من مولاها فأتت قبیلة غیر قبیلتها فادعت أنها حرة فوثب علیها رجل فتزوجها فظفر بها مولاها بعد ذلک و قد ولدت أولادا؟ فقال:" إن أقام الزوج البینة علی أنه تزوجها علی أنها حرة أعتق ولدها و ذهب القوم بأمتهم، و إن لم یقم البینة أوجع ظهره و استرق ولده
". و فی موثق سماعة آخر:
" سأله عن مملوکة أتت قبیلة غیر قبیلتها فأخبرتهم أنها حرة فتزوجها رجل منهم فولدت له؟ قال: ولده ممالیک إلا أن یقیم البینة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة فلا یملک ولده و یکونون أحرارا
". و فی موثق محمد بن قیس الآخر عن أبی جعفر علیه السلام"
قضی علی علیه السلام فی امرأة أتت قوما فأخبرتهم أنها حرة فتزوجها أحدهم و أصدقها صداق الحرة ثم جاء سیدها
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 421
فقال: ترد علیه و ولدها عبید
". هذه روایات الباب، و المستفاد من مجموعها أن الولد یتبع المملوک من أبویه و إن جنبة رقیة أحد الأصلین غالبة علی جنبة أحدهما بالنسبة إلی الولد اقتضاء، إذ لو لم تکن جنبة الرقیة غالبة علی جنبة الحریة لم یکن للحکم برقیة الولد أو حریته مع غرامة قیمته وجه لأن مقتضی عدم غلبة إحدی الجنبتین علی الأخری رقیة نصف الولد أو غرامة نصف القیمة کما أن مقتضی غلبة الحریة علی الرقیة الحکم بحریة الولد مع عدم غرامة القیمة فالحکم برقیة الولد بتمامه أو غرامة تمام القیمة یکشف عما بیناه: من غلبة جنبة الرقیة.
و لکن الحکم بتبعیة الولد للرق من أبویه لما کان علی وجه الاقتضاء فقد یصیر الحکم برقیة الولد حینئذ فعلیا لأجل وجود المقتضی و عدم المانع و المزاحم الأقوی و قد یصیر حرا لأجل مزاحم أقوی مع غرامة القیمة و قد یصیر حرا مع عدم غرامة القیمة.
توضیح الکلام فیه أنه اجتماع وصفی الحریة و الرقیة فی الأبوین یقتضی اجتماع الوصفین فی الولد تبعا لأبویه و صیرورة نصفه حرا و النصف الآخر رقا و لکن الشارع أبطل اشتراکه فی الوصفین و إذا أبطل اشتراکه فیهما تزاحم المقتضیان فی الولد و غلبت الحریة علی الرقیة فی صورة واحدة و هی وقوع التزویج بإذن المولی مع علمه بحریة الطرف فإن الولد یلحق بالحر فی الصورة المذکورة من دون غرامة حسب الأخبار المستفیضة.
و لعل السر فیه أن إقدام المالک علی التزویج عبده أو أمته بالحر إقدام علی حریة الولد و إسقاط لحقه من النماء فلا یتبعه الغرامة و فی غیر هذه الصورة تکون الغلبة للرقیة علی الحریة و لکنه ینقسم إلی قسمین.
الأول: ما لم تستقر فی رقیته و وجب فکه من الرقیة، و هو ما إذا کان الزوج حرا و الزوجة أمة مدلسة أو مدعیة للحریة و حصلت الشبهة للزوج فتزوجها بعنوان
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 422
أنها حرة، و ولدت منه ولدا فإنه یجب علی أبیه فکه من الرقیة بأداء قیمته یوم سقوطه حیا إلی مولاها، کما دلت علیه الأخبار المتقدمة.
و الثانی: ما تستقر فی رقیته، و هو ما إذا کان الزوج حرا و الزوجة أمة، و لم یکن للزوج بینة علی أنها ادعت الحریة کما دلت علیه الأخبار المتقدمة أیضا أو کان الزوج عبدا مدلسا أو مدعیا للحریة و الزوجة حرة کما تدل علیه روایة العلاء بن رزین و حکم به المفید (قدس سره) و تبعه صاحب الحدائق.
العلاء بن رزین عن مولانا الصادق (علیه السلام):"
فی رجل دبر غلاما فأبق الغلام فمضی إلی قوم فتزوج منهم و لم یعلمهم أنه عبد فولد له أولاد، و کسب مالا و مات مولاه الذی دبر فجاءه ورثة المیت الذی دبر العبد فطلبوا العبد فما تری؟ قال: العبد و ولده لورثة المیت قلت: أ لیس قد دبر العبد؟ قال: إنه لما أبق هدم تدبیره و رجع رقا".
و أکثر الأصحاب (قدس سرهم) حکموا بأن الزوجة الحرة إذا کانت جاهلة بکون الزوج عبدا، أو بحرمة ذلک علیها أولادها أحرار و لا یجب علیها دفع قیمتها إلی مولی العبد.
أقول: روایة العلاء ظاهرة قریبة من الصریحة فی جهل الزوجة بکون الزوج عبدا، و حمل جهل الزوجة بکون الزوج عبدا علی جهل الزوج بکون الزوجة أمة، و الحکم باتحاد الصورتین فی صیرورة الأولاد أحرارا تبعا للحر من أبویهما قیاس لاختلاف الموضوعین مع أن حمل إحداهما علی الأخری یوجب الحکم بوجوب دفع قیمة أولادها منه علیها إلی مولی العبد، و هم حاکمون بالحریة مع عدم غرامة القیمة فی هذه الصورة.
فإن قلت: إذا کان لحوق الولد بالحر من أبویه من جهة غلبة جنبة الحریة علی جنبة الرقیة یلزم اتحاد الصورتین فی الحکم، لأن ملاک اللحوق بالحر و هی غلبة جنبة الحریة موجود فیهما.
قلت: غلبة جنبة حریة الولد علی رقیته فی غیر صورة علم المولی بکون الطرف
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 423
حرا لا أصل له أصلا، و حریة ولد الحر مع غرامة قیمة الولد فیما إذا کان الزوج حرا و الزوجة أمة مدلسة أو مدعیة للحرمة لا تکشف عن غلبة جنبة الحریة، و إلا لم تکن لغرامة قیمة الولد و لا للتعبیر بالعتق کما وقع فی حسن زرارة وجه.
و لعل الوجه فی حریة الولد حینئذ مع غرامة القیمة أن نسبة الولد إلی أبیه أقوی من نسبته إلی أمه، قال عز من قائل" وَ عَلَی الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ کِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" فالأب مع مشارکته للأم فی کون کل منهما منشأ لولادة الولد ینفرد عنها بمزید اختصاص و هو کونه مولودا له، فکما تجب علی الأب نفقة ولده یجب علیه فک رقبته بغرامة قیمته لمولی الأمة، و کما لا تجب علی الأم نفقة الولد لا یجب علیها فک رقبته بغرامة القیمة لمولی العبد، فمرجع غنم الولد و غرمه إنما هو الأب، و الولد رقیق فی الصورتین و إنما تجب فک رقبته فی إحدی الصورتین دون الأخری، فلا مجال لجعله حرا مع عدم غرامة القیمة فی هذه الصورة کما ذکروه.
فاتضح بما بیناه أن الحریة بغرامة القیمة فک لرقبة الولد و عتق له فلا تنافی الروایات الدالة علی أن الولد رقیق حینئذ، ضرورة عدم المنافاة بین ثبوت الرقیة و وجوب فک رقبته من الرقیة، و لو کان المراد بحریة الولد، حینئذ أن التشبث بحریة العبد مقتضیا لحریة الولد و یکون أقوی من المقتضی لرقیته، و هو کونه نماء لملک المولی و موجبا لعدم ترتب الأثر علیه و دافعا للرقیة الاقتضائیة، لزم عدم غرامة قیمة الولد علی الأب، إذ المفروض حینئذ عدم رجوع الولد إلی مولی الأمة و عدم دخوله فی ملکه حتی یکون الأب متلفا لما له و حائلا بینه و بین ملکه، و إنما اللازم حینئذ غرامة أجرة مدة حملها بولده، فغرامة قیمة الولد کاشفة عن ترتب الرقیة علی مقتضیها و عدم مزاحمة التشبث بالحرمة معها، فحریة الولد حینئذ عتق قهری بتعهد قیمته کما یدل علیه حسن زرارة و حیث إن وجوب فک رقبة الولد علی الأب لأجل أنه مولود له لا یقتضی فی حد نفسه إجبار المولی علی قبول القیمة و فک رقبته فالحکم بأخذ القیمة و فک الرقبة و عدم
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 424
استقرار الرقیة قهرا حکومة شرعیة، فالحکم المزبور مرکب من ولایتین: ولایة الأب علی ولده، و الولایة الشرعیة.
و مما بیناه یتضح لک سر الأحکام التی تضمنتها روایة سماعة الساطعة منها أنوار الإمامة و الولایة:
الأول: دفع الولد إلی مولی الأمة حتی یدفع الأب قیمته.
و الثانی: دفع قیمة الولد یوم یصیر إلیه.
و الثالث: استسعاء الأب فی ثمن الولد.
و الرابع: وجوب الإفداء علی الإمام علیه السلام مع إباء الأب عن الاستسعاء، فإن الولد لیس حرا قبل دفع قیمته حتی لا یجوز حبسه فی قیمته، بل هو رق محکوم بالحریة بدفع قیمته فیجوز حبسه فی ثمنه و قیمته، فحریته إنما تستقر بعد دفع قیمته.
فظهر سر اعتبار القیمة یوم صیرورته إلی الأب، مع أنه یمکن أن یکون المراد من یوم یصیر إلیه یوم الصیرورة الاستحقاقیة المتحد مع یوم سقوطه، لا الصیرورة الفعلیة المتأخرة عنه أحیانا.
و أما استسعاء الأب فی ثمن الولد فهو مقتضی الولایة الموجبة لوجوب الفک الغیر المستقر إلا بدفع القیمة.
و أما وجوب الإفداء علی الإمام علیه السلام فلعله لأجل إعمال الولایة الشرعیة من الحکم بعدم استقرار الولد فی ملک المولی، فمع حکمه (علیه السلام) بعتقه علیه قهرا بالولایة الشرعیة رعایة لولی الولد یکون جبرانه علیه مع إباء الولی عن السعی أو عدم تمکنه منع، مع أن المراد من وجوب الإفداء علی الإمام (علیه السلام) دفع الفدیة من بیت المال فهی حینئذ موادة من سهم الرقاب.
فاتضح بما بیناه غایة الاتضاح أن المستنبط من الروایات حریة الولد بمعنی عدم استقراره فی الرقیة المترتب علیها المجامع لها، کما ینبئ عنه قوله علیه السلام" فعلی الإمام أن یفدیه".
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 425
و من الغریب ما فی الجواهر حیث قال بعد ذکر موثق سماعة:" فإنه صریح فی کون الولد حرا علی ما فی جامع المقاصد: من أنه ضبطه المحققون بالوصف لا الإضافة، فیکون المراد حینئذ أنه ولد حر، و الولد الحر لا یکون مملوکا فیجب علی الأب أو الإمام فداؤه.
و منه یعلم حینئذ أن دفع القیمة و دفع الولد لمولی الجاریة لا لکونه مملوکا بل لاستحقاقه القیمة علی الأب" انتهی، فإن إفداء الولد صریح فی رقیته، و قوله: لا یملک ولد حر، لکونه فی مقام التعلیل لوجوب الإفداء صریح فی الإضافة لا التوصیف، و أن المراد عدم استقراره فی الملکیة.
و لیت شعری کیف یتفرع وجوب الإفداء علی الحریة! و کیف یجوز حبس الحر فی دین الأب! مع أن استحقاق القیمة علی الأب لا وجه له إلا رقیة الولد.
فظهر أن القول بحریة الولد بمعنی کونه حرا ابتداء فی غیر محله، کما أن القول برقیته و توقف زوالها علی دفع القیمة من الأب بحیث لو لم یدفعها لفقر أو غیره استقر فی الرقیة فی غیر محله أیضا، لأنه غیر مستقر فیها إما بإفداء الأب أو الإمام (علیه السلام) فهو علی کل حال یصیر حرا و لا یبقی علی الرقیة، و حیث خفی ما حققناه علی کثیر منهم من أن الحریة فی المقام عبارة عن عدم استقرار الرقیة خفی علیهم أسرار الأحکام التی تضمنتها روایة سماعة و اضطربت کلماتهم فیها.
ففی الجواهر:" و علی کل حال فالخبر المذکور بعد البناء علی الحریة لا بد من طرح هذه الأحکام فیه أو تأویلها بما یرجع إلی القواعد الشرعیة و إلا فإنه من الشواذ کما هو واضح" انتهی، و قد اتضح لک بحمد الله تعالی أنها منطبقة علی الموازین و لا حاجة إلی التأویل و الرمی إلی الشذوذ.
و بعد ما اتضح لک أن المستنبط من روایات غلبة الرقیة علی الحریة مع عدم إذن المولی و إجازته فی تزویج أمته أو عبده اتضح أنه لا فرق بین أفراد الشبهة فی کون الولد رقا، فالتفصیل بین موارد الشبهة بجعل الولد حرا مع غرامة القیمة-
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 426
إذا کان الزوج جاهلا بالحرمة، أو کان هناک شبهة و بجعله رقا مع وجوب فکه بدفع القیمة إذا عقد علیها لدعواها الحریة، و بجعله حرا مع عدم غرامة القیمة إذا تزوجت الحرة بعبد جاهلة بکونه عبدا أو بحرمة ذلک علیه.
نعم افترقت الصورة الأخیرة عن الصورتین الأولیین فی استقرار الرقیة فیها دونهما کما أوضحنا الکلام فیها غایة الإیضاح، و من الغریب أنهم حکموا بحرمة الولد فیها مع عدم الغرامة.
ثم إنه إذا علم بأن الزوج کان جاهلا بالحرمة أو کان هناک شبهة أو عقد علیها لدعواها الحریة فهو، و أما إذا لم یعلم ذلک فهل یسمع دعوی الزوج الجهل أو الشبهة أو وقوع العقد علیها لدعواها الحریة؟ الظاهر من الروایات أنه لا یسمع قوله إلا مع قیام البینة علی حریتها، أو علی تزویجها بعنوان أنها حرة.
فإن قلت: الشبهة مطابقة للأصل لأن الأصل عدم علم الزوج بأنها أمة أو بحرمتها علیه، و کذا الأصل سماع قوله فی فعله الذی هو المرجع فیه.
قلت: مطابقة الشبهة للأصل إنما هی بالنسبة إلی حکم نفس الزوج.
و أما بالنسبة إلی حق الغیر فلا، و لذا یرتفع عنه الحد باحتمال الشبهة و لا یحکم بزوال تبعیة الولد للمملوک من أبویه الثابتة اقتضاء بمجرد احتمال الشبهة.
و ببیان أوضح الحد مرتب علی الزنا فمع احتمال الشبهة و الشک فی تحقق الزنا الأصل عدمه، فیرتفع الحد الذی هو حکمه و هکذا الأمر فی سائر الحدود الشرعیة المترتبة علی السرقة و اللواط و أمثالهما من العناوین التی الأصل عدمها عند الشک فیها، و هذا هو السر فیما اشتهر من أن الحدود تدرء بالشبهات.
و أما حریة ولد الأمة من الحر فهی حکم تزویجها علی أنها حرة و الأصل عدمه فی صورة الشک، و مجرد أن الأصل عدم علم الزوج بکونها أمة لا یکفی فی الحکم بوقوع التزویج علی أنها حرة إلا من باب الأصل المثبت، و عدم اعتباره من الواضحات کما حققناه فی محله، و سماع قوله فی فعله إنما هو فیما یرجع إلی نفسه
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 427
لا فیما یرجع إلی غیره، فإنه بالنسبة إلیه ادعاء لا یثبت إلا بالبینة.
و بما بیناه اتضح أن الحکم باستقرار الرقیة فیما إذا لم یقم بینة علی أنه شهد لها شاهدان علی أنها حرة أو أنه زوجها علی أنها حرة حکم ظاهری موافق للأصل‌

و ینبغی التنبیه علی أمور:

الأول: أن الشبهة المتحقق معها النسب شرعا لا تکفی فی وجوب فک الولد عن الرقیة و دفع قیمته إلی مولی الأمة،

لما عرفت من أن الشبهة المتحقق معها النسب المترتب علیه الإرث و سائر آثاره الشرعیة أمر عدمی یکفی فی تحققه عدم تحقق المانع و هو الزنا.
و أما الشبهة الموجبة لوجوب فک الولد عن الرقیة فهی أمر وجودی منتزع من وقوع العقد علیها علی أنها حرة أو ما بمنزلته، و لذا لا یصیر الولد حرا مع عدم قیام البینة علی وقوع العقد علی أنها حرة أو ما بمنزلته بل یستقر علی رقیته حینئذ.

الثانی: أنه لو ادعت المرأة بأنها حرة و تزوجها رجل علی أنها حرة،

ثم ادعی مدع أنها أمته فأقرت بذلک لا یسمع إقرارها لمولاها فی إبطال التزویج إلا أن یقیم بینة علی أنها أمته، و لو لم تدع المرأة الحریة و تزوجها رجل بزعم أنها حرة فأتاها مولاها و ادعی أنها أمته فأقرت المرأة بذلک، فهل یسمع إقرارها لمولاها حینئذ کما یظهر من موثق سماعة أو یکون محمولا علی ظهور صدقها من الخارج الظاهر أن إقرارها حینئذ مسموع بعدم دعوی منها قبل التزویج علی خلاف إقرارها.

الثالث: اشتهر عندهم أنه إذا تزوج عبد بأمة غیر مولاه فإن أذن المولیان فالولد لهما،

و إن لم یأذنا فکذلک، و لو أذن أحدهما کان الولد لمن لم یأذن، و لو زنی بأمة غیر مولاه کان الولد لمولی الأمة.
و فی الجواهر ما محصله فإن زنی الحر بأمة کان الولد رقا لعدم العقد المقتضی للتشریک فی قاعدة النماء فی الأم، و لو اشتبه العبد و الأمة بلا نکاح فحصل الولد بینهما فالظاهر التشریک إجراء للشبهة مجری الصحیح، و لو کانت مشتبهة و العبد
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 428
زانیا فالولد لمولی الأمة قطعا لقاعدة النماء و الشبهة، أما العکس فیحتمل التنصیف إعمالا للشبهة المقتضی للملک للمشتبه و للنمائیة المقتضیة للملک لمولی الأمة، فیثبت التنصیف جمعا بین السببین، و لو اشتبه العبد فوطئ حرة مشتبهة أیضا کان الولد حرا قطعا، أما لو کانت زانیة فالولد لمولی العبد" انتهی.
أقول: تحقیق المقام یتوقف علی بیان أن الزنا هل یمنع من لحوق الولد بمولی الزانی فی الملک؟ فأقول: لا شبهة فی انقطاع نسب الولد عن الزانی شرعا و أنه لغیة لا یورث و فی انقطاعه عن الزانیة خلاف، و الأظهر انقطاعه عنها کما بیناه سابقا، فحینئذ نقول: إن کان عده نماء فرع عدم انقطاعه شرعا یلزم عدم لحوق الولد فی صورة زنا العبد و الأمة بواحد من المولیین ملکا کما لا یلحق بأبویهما ولادة شرعا و إن لم یکن النماء تابعا لتحقق النسب شرعا یلزم لحوقه بالمولیین.
و التحقیق عدم تفرع النماء علی النسب الشرعی بل فرع تکونه منهما، و الملکیة من متفرعات النماء فلا یسقطها الزنا، و أیضا زنا الأمة و بغیها کما لا یسقط المهر الراجع إلی المولی فکذلک لا یوجب سقوط حق المولی من نماء ملکه عبدا کان أو أمة، مع أن الزنا إنما یسقط النسب فی مورد الإرث و النفقة و الولایة لا مطلقا، و لذا یحرم علی الزانی بنته من الزنا و علی الزانیة ابنها من الزنا بل یحرم الأخت من الزنا علی أخیها و هکذا.
و الحاصل أن السبب من الزنا بمنزلة النسب الصحیح فی محرمات النکاح، فانقطاع النسب بالزنا لم یکن بالنسبة إلی تمام الأحکام مع أن منع الزنا عن الملکیة إن کان باعتبار منعه عن تحقق النسب لزم عدم الفرق بین العبد و الأمة فی لحوق الولد و عدمه.
إذا اتضح لک ما بیناه، فاعلم أنه إن تحقق الزنا بین العبد و الأمة فمقتضی ما بیناه لحوق الولد بمولاهما إلا علی مختار أبی الصلاح من تبعیته للأم، و إن اشتبها یلحق الولد کذلک، و إن اشتبه أحدهما دون الآخر فکذلک أیضا، و لو اشتبه العبد فوطئ
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 429
حرة مشتبهة أیضا فالولد ملحق بالعبد و یکون رقا لمالک العبد، لما بیناه من غلبة الرقیة علی الحریة، و التشبث بها لا یؤثر فی حریة الولد فی المقام لعدم إقدام المولی علی اختیار عبده للنکاح، و عدم ولایة الحرة علی الولد المقتضیة لفکه، و لو اشتبه دون الحرة فلحوق الولد بالعبد واضح.
و لو اشتبه الحرة دون العبد فالظاهر أیضا رقیة الولد و رجوعه إلی مالک العبد و إن انقطع نسبه عن العبد، و لو لم یشتبها فالولد لمالک العبد، و لو اشتبه الحر فوطئ، أمة مشتبهة فالولد رق لمالک الأمة و علی أبیه فکه بالقیمة کما فصلناه و لو اشتبه الحر دون الأمة فکذلک.
و لو اشتبهت الأمة دون الحر فالولد رق و لا فک هنا لعدم الولایة لانقطاع النسب شرعا، و لو زنی الحر أمة فالولد رق لمالکها و إن انقطع نسبه عن أبویه شرعا.
و ما بیناه مقتضی القواعد، فإن قام إجماع علی خلافه فی بعض الفروع فهو المعتمد و إلا فلا مجال للعدول عما بیناه، و قد تبین مما بیناه أن تزویج العبد بالأمة مع إذن المالکین و عدم إذنهما و إذن أحدهما متحد فی الحکم و التفصیل لا مدرک له.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 430‌

(فائدة 60) [ما إذا کان للواجب علی العامل منفعة تعود إلی من یبذل بإزائه]

اشارة

قال شیخنا العلامة الأنصاری (قدس سره) فی متاجره فی القسم الخامس من المکاسب المحرمة و اعلم أن موضوع هذه المسألة ما إذا کان للواجب علی العامل منفعة تعود إلی من یبذل بإزائه، کما لو کان کفائیا و أراد سقوطه منه فاستأجر غیره، أو کان عینیا علی العامل و رجع نفعه منه إلی باذل المال کالقضاء للمدعی إلخ.
أقول: مقتضی الإجارة رجوع العمل إلی الباذل و صیرورته ملکا له فی قبال ما بذله و حقا من حقوقه لا عود منفعته إلیه، أ لا تری أنه تصح الإجارة علی تعمیر دار غیره و علی العبادة عن المیت مع عدم عود منفعتها إلی الباذل، نعم إذا اختص العامل بمنفعة عمله لا یصح إیجاره من جهة عدم إمکان القبض، فإن العمل الذی لا یمکن بذله لغیره لا یمکن إقباضه إیاه، فملاک الصحة عدم اختصاص العامل بمنفعة عمله سواء عادت إلی الباذل أم إلی غیره.
إذا تبین لک ما بیناه فاعلم أن الوجوب مطلقا تعبدیا أم توصلیا عینیا أم کفائیا تعیینیا أم تخییریا مانع عن الإجارة و الجعالة، لأن تملیک العمل و إرجاعه إلی غیره بحیث یصیر مالکا و مستحقا له موقوف علی اجتماع أمور أربعة:
الأول: کون العمل مملوکا للعامل.
و الثانی: کون ملکه تاما بحیث یجوز له أنحاء التقلبات فیه.
و الثالث: کونه مما یمکن بذله و إقباضه لغیره.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 431
و الرابع: کونه مما یقبل أن یتملکه باذل الأجرة و یستحقه، فخرج بالقید الأول: عمل العامل الذی استحقه غیره و عمل العبد بناء علی أنه لا یملک شیئا و بالثانی: عمل الصغیر و نحوه حیث لا یجوز له التقلب فیه لعدم تمامیته فی ملکه و عمله و بالثالث: عمل العامل إذا اختص به منفعته لما عرفت و بالرابع: ما لا یقبل أن یصیر حقا من حقوق المستأجر.
إذا اتضح لک ذلک فاعلم أنه لا اختیار للشخص فیما وجب علیه، بل یتعین علیه إیجاده فلا یکون مالکا تاما له حتی یصح تقلباته فیه، بل هو مملوک فی عمله و ذمته مشغولة به، فعمله و إن لم یکن مملوکا للشارع بمعنی الجدة، حیث إنه منزه عن قیام الملک به بمعنی الجدة و صیرورته محلا للحوادث، إلا أن وجوبه علیه من أطوار المولویة التی هی أقوی من الملک بمعنی الجدة، فحبل العمل مشدود بحبل المولویة المانع من نفوذ تقلبات العبد فیه.
و لعله یرجع إلی ما بیناه ما ذکره بعض الأساطین فی شرحه علی عد: من أن التنافی بین صفة الوجوب و التملک ذاتی لأن المملوک المستحق لا یملک و لا یستحق ثانیا.
توضیحه: أن الذی یقابل المال لا بد أن یکون کنفس المال مما یملکه المؤجر حتی یملکه المستأجر فی مقابل تملیکه المال إیاه، فإذا فرض العمل واجبا لله لیس للمکلف ترکه، فیصیر نظیر العمل المملوک للغیر، ألا تری أنه إذا آجر نفسه لدفن المیت لشخص لم یجز أن یوجر نفسه ثانیا من شخص آخر لذلک العمل، و لیس إلا لأن الفعل صار مستحقا للأول و مملوکا له فلا معنی لتملیکه ثانیا للآخر مع فرض بقائه علی ملک الأول.
و هذا المعنی موجود فیما أوجبه الله تعالی خصوصا فیما یرجع إلی حقوق الغیر، حیث إن حاصل الإیجاب هنا جعل الغیر مستحقا لذلک العمل من هذا العامل، کأحکام تجهیز المیت التی جعل الشارع المیت مستحقا لها علی الحی فلا یستحقها غیره ثانیا" انتهی.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 432
فإن المتراءی من کلامه و إن کان انتفاء أصل الملکیة بالإیجاب فیرد علیه ما ذکره شیخنا الأنصاری (قدس سره): من أن الاستحقاق المنتزع من إیجاب الفعل لیس من قبیل الاستحقاق، التملکی حتی یصیر الفعل بالإیجاب خارجا عن تحت تملکه، أنه یمکن إرجاعه إلی ما بیناه کما لا یخفی.
ثم قال شیخنا (قدس سره): بعد تزییف ما ذکروه: و الذی ینساق إلیه النظر أن مقتضی القاعدة فی کل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز أخذ الأجرة و الجعل علیه و إن کان داخلا فی العنوان الذی أوجبه الله علی المکلف، ثم إن صلح ذلک المقابل بالأجرة، لامتثال الإیجاب المذکور أو إسقاطه به أو عنده سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة، و إن لم یصلح استحق الأجرة و بقی الواجب فی ذمته لو بقی وقته و إلا عوقب علی ترکه.
و أما مانعیة مجرد الوجوب من صحة المعاوضة علی الفعل فلم یثبت علی الإطلاق بل اللازم التفصیل، فإن کان واجبا عینیا تعیینیا لم یجز أخذ الأجرة لأن أخذ الأجرة علیه مع کونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علی فعله أکل للمال بالباطل، لأن عمله هذا لا یکون محترما لأن استیفاءه منه لا یتوقف علی طیب نفس، لأنه یقهر علیها مع عدم طیب النفس و الامتناع.
و مما یشهد بما ذکرنا أنه لو فرض أن المولی أمر بعض عبیده بفعل لغرض و کان مما یرجع نفعه أو بعض نفعه إلی غیره، فأخذ العبد العوض من ذلک الغیر علی ذلک العمل عد أکلا للمال مجانا بلا عوض ثم إنه لا ینافی ما ذکرنا حکم الشارع بجواز أخذ الأجرة علی العمل بعد إیقاعه، کما أجاز للوصی أخذ أجرة المثل أو مقدار الکفایة، لأن هذا حکم شرعی لا من باب المعاوضة.
ثم لا فرق فیما ذکرنا بین التعبدی من الواجب و التوصلی مضافا فی التعبدی إلی ما تقدم من منافاة أخذ الأجرة علی العمل للإخلاص کما نبهنا علیه سابقا-
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 433
و تقدم عن الفخر (رحمه الله) و قرره علیه بعض من تأخر عنه، و منه یظهر عدم جواز أخذ الأجرة علی المندوب إذا کان عبادة یعتبر فیها التقرب.
و أما الواجب التخییری فإن کان توصلیا فلا أجد مانعا من جواز أخذ الأجرة علی أحد فردیه بالخصوص بعد فرض کونه مشتملا علی نفع محلل للمستأجر، و المفروض أنه محترم لا یقهر المکلف علیه فجاز أخذ الأجرة بإزائه، فإذا تعین دفن المیت علی شخص و تردد الأمر بین حفر أحد موضعین، فاختار الولی أحدهما بالخصوص لصلابته أو لغرض آخر، فاستأجر ذلک لحفر ذلک الموضع بالخصوص لم یمنع من ذلک کون مطلق الحفر واجبا علیه مقدمة للدفن.
و إن کان تعبدیا فإن قلنا بکفایة الإخلاص بالقدر المشترک و إن کان إیجاد خصوص بعض الأفراد لداع غیر الإخلاص فهو کالتوصلی.
و إن قلنا بأن اتحاد وجود القدر المشترک مع الخصوصیة مانع عن التفکیک بینهما فی القصد کان حکمه کالتعیینی.
و أما الکفائی فإن کان توصلیا أمکن أخذ الأجرة علی إتیانه لأجل باذل الأجرة فهو العامل فی الحقیقة.
و إن کان تعبدیا لم یجز الامتثال به و أخذ الأجرة علیه، نعم یجوز النیابة، إن کان مما یقبل النیابة، لکنه یخرج عن محل الکلام لأن محل الکلام أخذ الأجرة علی ما هو واجب علی الأجیر لا علی النیابة فیما هو واجب علی المستأجر فافهم انتهی.
و فیه أن مالیة العمل تتقوم بالمنفعة المحللة المقصودة، و من المعلوم أن مجرد تحقق المالیة لا یکفی فی جواز الإجارة، بل یتوقف علی اجتماع أمور أربعة کما بیناه و ما ذکره من عدم مانعیة الوجوب علی سبیل الإطلاق فی غیر محله، لأن وجوب العمل مطلقا عینیا أم کفائیا تعیینیا أم تخییریا یوجب نقص سلطنة العامل علی عمله و منع نفوذ التقلبات فیه.
توضیحه: أن الفعل بالوجوب مطلقا یتعین و یتمحض فی الإیجاد.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 434
أما العینی التعیینی فالأمر فیه واضح.
و أما الکفائی فالعمل فیه أیضا متعین للإیجاد، و إن لم یتعین مکلف معین له و لا تنافی بینهما.
و أما التخییری فأحد البدلین فیه بعینه، و إن لم یتعین علی المکلف إیجاده إلا أنه یتعین کل منهما علی وجه التخییر، فبأیهما أتی فی الخارج یکون مجزیا متمحضا فی وقوعه علی صفة الوجوب، فملاک نقص الملک و السلطنة و هو تعین العلم للإیجاد و تمحضه فیه المانع علی نفوذ التقلبات فیه موجود فی الجمیع.
فإن قلت تعین الفعل للإیجاد و تمحضه فیه إنما یمنع ما ینافیه من التقلبات لا مطلقا، و الإیجار فی الواجب و جعله حقا راجعا إلی المستأجر إنما ینافی الوجوب التعبدی المعتبر فیه الإخلاص و إرجاع العمل إلیه تعالی خالصا، و أما التوصلی المقصود منه الإیجاد کیف اتفق، فلا ینافیه استحقاق المستأجر إیجاده علی المکلف بل یوافقه و یؤکده.
قلت: الواجب تعبدیا أم توصلیا یکون حقا من حقوق المولی علی العبد علی وجه أتم و أقوی من الاستحقاق التملکی، فینافی استحقاق الغیر إیاه و صیرورته حقا من حقوقه فإن الاستحقاقین، و إن لم یکونا من سنخ واحد إلا أن الأول لقوته لا یجامع مع الآخر.
هذا و أما ما ذکره من أن أخذ الأجرة علی الواجب العینی التعیینی أکل للمال بالباطل، لأنه مقهور من قبل الشارع علی إیجاده فلا احترام لعمله، محل نظر مع قطع النظر عما بیناه، لأن مجرد المقهوریة علی إیجاد العمل بمعنی وجوبه علیه شرعا لا یوجب سلب الاحترام عن عمله، و علی فرض تسلمه یختص بالواجب المضیق إذ لا قهر بالنسبة إلی الواجب الموسع لأنه مخیر فی اختیار کل فرد من أفراده حال کونه موسعا.
ثم إن ما ذکره أولا من جواز أخذ الأجرة علی ماله منفعة محللة مقصودة و إن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 435
کان واجبا، و قوله: باستحقاق الأجرة علی کل تقدیر سواء صلح فعله لإسقاط الواجب أم لم یصلح، مناف للتفصیل الذی ذکره بعد إذ مقتضی تفصیله دوران استحقاق الأجرة مدار صحة عمله و عدم استحقاقها مع فساد عمله.
و أیضا ما ذکر أخیرا من جواز أخذ الأجرة علی إتیان الکفائی التوصلی لأجل باذل الأجرة فهو العامل فی الحقیقة فی غیر محله، لأنه إن رجع إتیانه لأجل باذل العلم إلی إتیانه بالواجب الکفائی نیابة عنه فهو خارج عن محل الکلام.
و إن لم یرجع إلی نیابته عنه بل هو آت حینئذ بما وجب علی نفسه و بما هو وظیفته و إن کان الداعی علی إتیانه بوظیفته بذل الأجرة فلا یرجع عمل حینئذ إلی باذل الأجرة حتی یستحق علیه الأجر.
و بما بیناه تبین حال ما ذکره فی إتیانه بأحد فردی الوجب المخیر بخصوصه، فإنه إن أتی به بعنوان النیابة عن باذل الأجرة فهو خارج عن محل الکلام، و إن أتی به بعنوان أنه واجب علی نفسه و وظیفته لا یرجع عمله إلی الباذل حتی یستحق علیه الأجر.
ثم إن الإتیان بقصد النیابة عن الباذل لا یختص بصورة اختیار فرد بخصوصه، کما أنه لا یختص قصد الإتیان بوظیفة نفسه بصورة عدم اختیار فرد بخصوصه.
و کیف کان فقد تحصل مما بیناه أن المانع عن أخذ الأجرة علی الواجب مطلقا عینیا أم کفائیا تعیینیا أم تخییریا أمران: الأول: قصور سلطنة العامل فی مرجعیته فیما وجب علیه.
و الثانی: عدم قابلیة الباذل لاستحقاقه، ضرورة أن الشخص إنما یستحق مما یصلح أن یصیر من جهاته و شئونه، و الواجب المأتی به بعنوان أنه وظیفته إنما یقع عمن أتی به فلا یرجع إلی الباذل بوجه، و جواز أخذ الأجرة علی الوجب مع قصد النیابة عن باذلها خارج عن محل الکلام، مع أن فی صحة النیابة عن الباذل مع وجوب العمل علی العامل تأملا.
ثم اعلم إن هاهنا إشکالین مشهورین ینبغی التنبیه علیهما و علی دفعهما.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 436
الأول: أن الصناعات التی یتوقف النظام علیها تجب کفایة لوجوب إقامة النظام، بل قد یتعین بعضها علی بعض المکلفین عند انحصار المکلف القادر فیه، مع أن جواز أخذ الأجرة علیها مما لا کلام لهم فیه، و کذا یلزم أن یحرم علی الطبیب أخذ الأجرة علی الطبابة لوجوبها علیه کفایة أو عینا کالفقاهة.
و الثانی أنه لا شبهة فی جواز استیجار الشخص للعبادة عن المیت و أخذ الأجرة علی التعبد بها عنه و هو مناف للإخلاص المعتبر فی صحة العبادة، ضرورة أنه لا إخلاص فی إتیان العبادة بالأجرة.
و قد أجیب عن الإشکالین بوجوه متعددة لا یخلو کثیر منها عن النظر.
و التحقیق فی الجواب عن الأول: أن العقل إنما یحکم بوجوب بذل الصناعة فی مقابل العوض لأن حفظ النظام إنما یکون ببذل الصناعة فی مقابل المال الموجب لانتظام أمر الطرفین، و أما إیجابها تبرعا فهو موجب لاختلال النظام.
و الحاصل أن العقل إنما یحکم بوجوب بذل الصنعة بالمعاملة علیها إیجارا أو جعالة أو صلحا و هکذا، فموضوع الوجوب هو المعاملة علیها لا نفس الصناعة حتی یحرم المعاملة و أخذ الأجرة علیها و هکذا الأمر فی الطبابة، دون الفقاهة لأنها وظیفة شرعیة و لا یجوز أخذ الأجرة علی إقامة الوظائف الشرعیة و إنما یرتزق من بیت المال.
و عن الثانی بأن الأجرة فی العبادة عن المیت إنما هو علی نیابته عنه فی العبادة، و هو لا ینافی الإخلاص المعتبر فیها.
توضیحه أن العبادة لها طرفان العابد و المعبود، و الإخلاص فی العبادة إنما یعتبر فی ارتباط العبادة بالمعبود.
و النیابة فی العبادة لا توجب مشارکة المنوب عنه مع المعبود حتی تنافی الإخلاص من العبادة، و هی مؤثرة فی طرف الارتباط بالفاعل، فإنها تجعل المنوب عنه فاعلا للعبادة فأخذ الأجرة علیها إنما هو علی جعل نفسه نائبا عن المیت فی إتیان العبادة متقربا إلی الله تعالی.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 437‌

تنبیه: الحق أن أحکام الموتی من الغسل و التکفین و الصلاة و الدفن واجبة بالوجوب العینی علی أولیاء المیت

، و لذا لا یصح التصدی للأعمال المذکورة من غیرهم إلا بإذنهم، فعلی هذا یجوز للأجانب أخذ الأجرة من أولیاء المیت للأعمال المذکورة، و المشهور أنه تجب الأعمال المذکورة علی عامة المکلفین کفایة و إن اشتراط إذن أولیاء المیت فی صحة الأعمال المذکورة من غیرهم کاشتراط صحة الصلاة بالطهارة و استقبال القبلة لا ینافی مع تحقق الوجوب قبل وجود الشرط.
و فیه أولا: أن شرط صحة العمل لا وجوبه لا بد أن یکون من الأفعال الاختیاریة التی یمکن تحصیلها، و إذن ولی المیت لا یکون تحت اختیار غیره فلا یعقل أن یقع شرطا فی صحة عمله.
و ثانیا: أن إذن ولی المیت إنما یؤثر فی جواز تجهیزه لغیره إذا کان مرجعا فیه، و لا یکون مرجعا فیه بحیث لا یجوز العمل إلا بإذنه إلا باختصاص وجوبه به، إذ لا مجال لجعله مرجعا فیه مع مساواته لغیره و مشارکة الجمیع فی تعلق وجوب العمل و الحاصل أن مرجعیته فی جواز العمل و صحته کاشفة عن ولایته علی المیت و اختصاص وجوب تجهیزه به، و إن لم یکن للمیت ولی یجب علی الحاکم تجهیزه من بیت المال و مع عدم بیت المال أو عدم إمکان الرجوع إلی الحاکم یجب علی کافة المسلمین حسبة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 438‌

(فائدة 61) [إذا استقر الحج فی ذمته ثم مات قضی عنه من أصل ترکته]

فی الشرائع فی کتاب الحج:" مسائل أربع: الأولی: إذا استقر الحج فی ذمته ثم مات قضی عنه من أصل ترکته، فإن کان علیه دین و ضاقت الترکة قسمت علی الدین و أجرة المثل بالحصص".
و فی الحدائق" و یجب أن یلحق بهذه المسألة فوائد:
الأولی: قد صرح الأصحاب بأنه إنما یقضی الحج من أصل الترکة متی استقر فی الذمة بشرط أن لا یکون علیه دین و تضیق الترکة عن قسمتها علی الدین و أجرة المثل". قال فی (ک) بعد ذکر المصنف ذلک:" و أما أنه مع ضیق الترکة یجب قسمتها علی الدین و أجرة المثل بالحصص فواضح لاشتراک الجمیع فی الثبوت و انتفاء الأولویة ثم إن قامت حصة الحج من التوزیع أو من جمیع الترکة مع انتفاء الدین بأجرة الحج فواضح و لو قصرت عن الحج و العمرة من أقرب المواقیت و وسعت لأحدهما فقد أطلق جمع من الأصحاب وجوبه، و لو تعارضا احتمل التخییر لعدم الأولویة، و تقدیم الحج لأنه أهم فی نظر الشارع، و یحتمل قویا سقوط الفرض مع القصور عن الحج و العمرة إن کان الفرض التمتع لدخول العمرة فی التمتع علی ما سیجی‌ء بیانه و لو قصر نصیب الحج عن أحد الأمرین وجب صرفه فی الدین إن کان معه و إلا عاد میراثا" انتهی.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 439
أقول: لا یخفی أنه قد تقدمت صحیحة معاویة بن عمار أو حسنته دالة علی أن من علیه خمس مائة درهم من الزکاة و علیه حجة الإسلام و لم یترک إلا ثلثمائة درهم، فإنه یقدم الحج أولا من أقرب الأماکن و یصرف الباقی فی الزکاة.
و مثلها ما رواه الشیخ فی التهذیب عنه أیضا عن أبی عبد الله علیه السلام"
فی رجل مات و ترک ثلاثمائة درهم و علیه من الزکاة ستمائة درهم، و أوصی أن یحج عنه قال:" یحج عنه من أقرب المواضع و یجعل ما بقی فی الزکاة
" و ظاهر الخبرین المذکورین بل صریحهما أنه یجب أولا الحج عنه من أقرب الأماکن، ثم یصرف الباقی فی الزکاة کائنا ما کان و أنه لا تحاصص بینهما.
و لا یخفی ما فی ذلک من الدلالة علی بطلان ما ذکروه من التفصیل، و بیان ذلک من وجوه و بین وجوها ثلاثة، إلی أن قال: و لا ریب أنهم بنوا فی هذه المسألة علی مسألة تزاحم الدیون و أن الحکم فیها التوزیع بالحصص و الحج دین، و النص ظاهر فی إخراج دین الحج من هذه القاعدة التی بنوا علیها، و هذا مما یؤید ما قدمناه فی أصل المسألة: من أنه لا یکفی فی إثبات الحکم الشرعی مثل هذه الأدلة، لجواز خروج موضوع البحث عنها، و هو مؤید لما حققناه فی غیر موضع من توقف الفتوی فی المسألة و الحکم علی النص الصریح الواضح الدلالة، فإن الناظر فی کلامهم هنا فی الموضعین لا یکاد یختلجه الریب فی صحة ما ذکروه بناء علی القاعدتین المذکورتین، و النصوص کما تری فی الموضعین علی خلاف ذلک انتهی.
أقول: إن أراد خروج دین الحج عن هذه القاعدة خروجه عن تزاحم الدیون و تقدمه علی سائر الدیون مطلقا، ففیه أن الروایتین الشریفتین لا تدلان علی ذلک، و إنما تدلان علی تقدمه علی دین الزکاة.
و إن أراد خروجه عن هذه القاعدة بالنسبة إلی دین الزکاة بمعنی دلالتهما علی أهمیة دین الحج بالنسبة إلی دین الزکاة فنعم، بل یمکن أن یقال: دین الحج بالنسبة إلی دین الزکاة لا یتزاحمان، فإن من جملة مصارف الزکاة صرفها فی سبیل الله و قضاء الحج من جملة سبیل الله فقضاء الحج
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 440
من الوجه المزبور جمع بین الحقین لا تقدیم لدین الحج علی دین الزکاة.
فإن قلت: لو جاز إتیان الحج عن المیت من دین الزکاة التی وجبت علیه لجاز إتیان الحی ما وجبت علیه من حجة الإسلام من الزکاة التی تعلقت به، مع أن عدم جوازه من البدیهیات.
قلت: الملازمة ممنوعة لأن الحقین بالموت یتعلقان بالترکة لأن کلا منهما حق مالی، فمع عدم المزاحمة بینهما لا بد من إعمالها و الجمع بینهما.
و قد عرفت بما بیناه طریق الجمع بینهما فحینئذ لا یجوز صرف الزکاة فی غیر الحج من سائر المصارف إلا ما زاد عن مصرف الحج و أما فی حال الحیاة فکل من الحقین متعلق بذمة الحی فلا اجتماع لهما فی محل واحد حتی یجب الجمع بینهما مع الإمکان، فلا مجال لصرف الزکاة التی تعلقت بذمته فی الحج عن نفسه، مع أن عدم جواز صرف زکاته المتعلقة به فی حج نفسه مع عدم التمکن من إتیان الحج من غیر الوجه المذکور ممنوع.
و الحاصل أن تقدیم صرف الترکة فی الحج علی صرفها فی سائر مصارف الزکاة لا ینافی القاعدة المقررة فی تزاحم الحقوق، أما من جهة أن صرفها لا ینافی مع کونها زکاة، کما بیناه و لعله هو الظاهر، و أما من جهة أن الحج أهم من الزکاة فی نظر الشارع و تقدیم الأهم علی المهم حکم عقلی مطرد فی جمیع الموارد، و الحکم بالتوزیع إنما هو مع تساوی الحقوق.
ثم إن ما ذکره من أنه لا یکفی فی إثبات الحکم الشرعی مثل هذه الأدلة إلی آخره.
إن أراد منه أنه لا یکفی فی الحکم الشرعی بمجرده من دون مراجعة إلی الأدلة الشرعیة فهو حق متین، إذ یمکن أن یکون فی کلام الشارع ما یدل علی تقدیم أحدهما علی الآخر لأهمیته فی نظر الشارع، و إن أراد منه أنه لا یکفی فی إثبات الحکم و لو بعد المراجعة و عدم الظفر علی ما یدل علی تقدیم أحدهما علی الآخر مع احتماله و خفائه
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 441
علیه فهو علیل، إذ بعد المراجعة التامة من أهلها و عدم الظفر علی ما یدل علی أهمیة أحدهما من الآخر فالأصل هو التساوی و عدم أهمیة أحدهما من الآخر.
و الحاصل أن الحکم حینئذ هو التوزیع، سواء علم بتساوی الحقوق أو احتمله و لم یظهر علیه خلافه، غایة الأمر أن الحکم بالتوزیع فی الصورة الأولی حکم واقعی و فی الصورة الثانیة حکم ظاهری فلا یتوقف فی الحکم حینئذ لأجل عدم وجود النص علی التوزیع، و علی تقدیم إحداهما علی الآخر.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 442‌

(فائدة 62) [الأمر بالعلم بالشی‌ء فهل یستلزم حصول ذلک الشی‌ء فی تلک الحالة أم لا]

قال المحقق القمی فی کتاب القوانین فی ذیل مبحث أن الأمر بالأمر أمر-:" و أما الأمر بالعلم بالشی‌ء فهل یستلزم حصول ذلک الشی‌ء فی تلک الحالة أم لا؟ الأظهر لا، فإن الأمر طلب ماهیة فی المستقبل فقد یوجد و قد لا یوجد، فقول القائل: اعلم أنی طلقت زوجتی لا یوجب الإقرار بالطلاق بالنظر إلی القاعدة، و لکن المتفاهم فی العرف فی مثله الإقرار و إن لم یتم علی تلک القاعدة فافهم" انتهی.
أقول: إن أراد منه أن الأمر بالعلم بالشی‌ء لا یستلزم حصول ذلک الشی‌ء أی المعلوم فهو صحیح فی الجملة، لأن العلم کما یتعلق بأمر موجود حاصل فی الخارج کذلک قد یتعلق بأمر غیر حاصل فی الخارج، فإنه کما یصح أن تقول: اعلم أنی تزوجت هندا، کذلک یصح أن تقول: اعلم أنی سأتزوج هندا فمجرد تعلق العلم بشی‌ء لا یستلزم حصوله فی الخارج، فیختلف الموارد باختلاف متعلق العلم.
فإن کان متعلق العلم أمرا مستقبلا لا یستلزم حصوله و إلا یستلزمه، فإذا تعلق العلم بوقوع الطلاق فی الزمان الماضی استلزمه و کان إقرارا به، فالمثال المزبور إقرار بالطلاق بالنظر إلی القاعدة و العرف.
و توهم أنه لیس إقرار بالطلاق و تعلیله بأن الأمر طلب ماهیة فی المستقبل فقد یوجد و قد لا یوجد علیل جدا، لأن المطلوب فی المستقبل هو العلم بوقوع الطلاق و حصول العلم فی المستقبل لا ینافی تحقق المعلوم فی الماضی، کما أن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 443
عدم حصول العلم للمخاطب بمضمون القضیة لا ینافی مع ثبوت إقرار المتکلم بمضمونه.
و إن أراد منه أن الأمر بالعلم بالشی‌ء لا یستلزم حصول العلم للمخاطب به أی بمضمون القضیة، ففیه أنه إن أراد أنه لا یستلزم حصول العلم للمخاطب بوقوع مضمون القضیة فی الخارج فهو مسلم لعدم الملازمة بینهما، و لکنه لا ینافی ثبوت إقرار المتکلم به.
و إن أراد أنه لا یستلزم حصول العلم بمراد المتکلم حتی یثبت الإقرار بمضمونه فهو باطل جدا، لأن الکلام الصادر عن المتکلم العارف بالوضع فی مقام الإفادة و الاستفادة منبعث عن إرادته مضمون کلامه و کاشف عنها کشف المعلوم عن علته، و کشفه عن إرادته فی المقام یوجب إقراره بمضمونه، فکما أن قولک: طلقت زوجتی، إقرار بوقوع الطلاق من جهة کشفه عن إرادة المتکلم مضمونه.
فکذلک قولک: اعلم أنی طلقت زوجتی، إقرار بوقوع الطلاق، و لا فرق بین القضیتین من هذه الجهة، بل القضیة الثانیة تأکید للقضیة الأولی فإنها تفید الإخبار و الإعلام بمضمونها بتوسط الهیئة الترکیبیة التی تفید مفادها بالنظر الآلی کالحروف، بخلاف القضیة الثانیة الناظرة إلی إفادة العلم للمخاطب بالنظر الاستقلالی بتوسط مادة الفعل.
و بالجملة صدور مثل هذا الکلام من مثله فی غایة الغرابة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 444‌

(فائدة 63) إذا باع شخص مال غیره و کان راضیا به فی نفس الأمر،

بحیث لو عرض البیع علیه حینئذ لإجازة و أمضاه، فهل یکفی رضاه بالبیع فی نفوذه و مضیه؟ و هل له أن یرده بعد رضاه به؟.
التحقیق أنه لا یکفی و له رده، لأن العقد إنما ینفذ إذا استند إلی أهله و استناده إلی أهله إنما یکون بأحد أمرین: إما بوکالة متقدمة، أو بإجازة لاحقة، و مجرد طیب النفس و الرضا بالبیع لا یوجب استناد فعل الفضول إلیه فلا یکفی نفوذه و مضیه کما أن الکراهة المقابلة للرضاء و طیب النفس لا توجب البطلان و عدم الصحة، و لو کان الرضاء بالبیع کافیا فی نفوذه لکانت الکراهة موجبة لبطلانه، لأن حکمی المتقابلین فی المقام متقابلان.
و الحاصل أنه لو کان حکم الرضاء حکم الإجازة و الإمضاء لکان حکم الکراهة حکم الرد، مع أن بیع المکره موقوف متزلزل کالبیع الفضولی.
فإن قلت: لو لم یکن الرضاء و طیب النفس کافیا فی النفوذ و المضی لکان بیع المکره موقوفا علی الإجازة و الإمضاء مع أن کلماتهم صریحة فی نفوذه برضائه و طیب نفسه و زوال کراهته.
قلت: بیع المکره صادر من أهله و إنما المانع من نفوذه کون صدوره منه علی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 445
وجه الإکراه، فیزول المانع حینئذ بزوال الإکراه بسبب حصول الرضاء و طیب النفس به، بخلاف المقام فإن المانع من نفوذه صدوره من غیر أهله فلا ینفذ حینئذ إلا باستناده إلی أهله.
و لا یتحقق الاستناد إلی أهله إلا بوکالة متقدمة أو إجازة لاحقة منه، و هذا أمر واضح لا شبهة تعتریه.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 446‌

(فائدة 64) اعلم أنه لا شبهة فی أن الأجل شرط فی عقد المتعة،

و أنه لا ینعقد مع الإخلال بذکر الأجل، و لکن الکلام فی أنه لو أخل به عمدا أو نسیانا، أو جهلا باعتباره فیه ینقلب دائما أو یبطل رأسا.
و فصل القول فی المقام یتوقف علی بیان أن تقابل الدوام و الانقطاع هل هو من قبیل تقابل التضاد؟ أو من قبیل تقابل التناقض.
فإن قلنا: بأن تقابلهما من قبیل تقابل التضاد یبطل رأسا، إذ کما یتوقف حینئذ تخصص عقد الازدواج بالانقطاع علی ذکر الأجل و قصده، کذلک یتوقف تخصصه بالدوام علی قصده بل علی ذکره أیضا، لأن کلا منهما حینئذ أمر وجودی زائد علی أصل العقد فلا یعقل تحقق أحدهما من دون قید و قصد، و مجرد انتفاء قصد الأجل لا یکفی فی تحقق قصد الدوام حینئذ.
و إن قلنا: بأن تقابلهما من قبیل تقابل التناقض و یکون مرجع الدوام إلی إطلاق العقد و عدم کونه مؤجلا، یصح عقد الازدواج و یقع دائما، لأن الدوام حینئذ لیس أمرا زائدا علی نفس العقد حتی یحتاج إلی القصد.
و التحقیق أن تقابلهما من قبیل تقابل التناقض، ضرورة أن مرجع دوام عقد الازدواج إلی عدم تقییده بأجل و مدة، فهو منتزع من إطلاق العقد و عدم تقییده، فلا یکون أمرا زائدا علی نفس العقد و إلا وجب ذکر الدوام فی العقد الدائم کما وجب ذکر الأجل فی العقد المنقطع، فاختلافهما لیس فی الحقیقة و الماهیة بل فی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 447
کیفیة الإیجاد مع اتحاد الحقیقة و الماهیة النوعیة.
فإن أوجد عقد الازدواج علی وجه الإطلاق فهو دائم.
و إن أوجد مؤجلا بأجل معین فهو منقطع.
فما توهمه بعض من أن العقد الدائم و المنقطع حقیقتان مختلفتان لاختلاف أحکامهما من ثبوت التوارث و النفقة فی الدائم دون المنقطع فی غیر محله، لأن اختلاف الأحکام کما یجوز استناده إلی اختلاف الحقیقة کذلک یجوز استناده إلی اختلاف کیفیة الإیجاد إطلاقا و تقییدا، و لا دلالة للأعم علی الأخص.
و بما بیناه تبین أن وقوع العقد علی وجه الدوام فی الصور المذکورة مطابق للأصل، و قد قرره الشارع ففی موثق ابن بکیر عن الصادق علیه السلام"
إن سمی الأجل فهو متعة، و إن لم یسم الأجل فهو نکاح ثابت
" فإنه بإطلاقه یشمل الصور الثلاثة.
و فی خبر أبان بن تغلب قال له لما علمه کیفیة عقد المتعة-:"
إنی أستحیی أن أذکر شرط الأیام فقال: هو أضر علیک قلت: و کیف؟ قال: إنک إن لم تشترط کان تزویج دوام و لزمتک النفقة و العدة و کانت وارثا و لم تقدر علی أن تطلقها إلا طلاق السنة
". و فی خبر هشام بن سالم:"
قلت لأبی عبد الله علیه السلام أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة؟ قال: فقال: ذاک أشد علیک ترثها و ترثک و لا یجوز لک أن تطلقها إلا علی طهر و شاهدین قلت: أصلحک الله فکیف أتزوجها؟ قال: أیاما معدودة بشی‌ء مسمی
، إلی آخره".
و هاتان الروایتان و إن اختصتا بصورة التعمد فی ترک الأجل مع قصد المتعة إلا أنهما تدلان علی الانقلاب إلی الدائم فی صورة نسیان الأجل بطریق أولی، فإن الانقلاب إلی الدائم مع قصد المتعة و الإخلال بالأجل نسیانا أهون من الانقلاب إلیه مع قصد المتعة و الإخلال بالأجل عمدا، و أولی منه الانقلاب إلیه مع قصد التزویج و الغفلة عن المتعة و الدوام.
و لا ینافیها مضمر سماعة"
سألته عن رجل أدخل جاریة یتمتع بها ثم إنه نسی أن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 448
یشترط حتی واقعها یجب علیه حد الزانی؟ قال: لا و لکن یتمتع بها بعد النکاح، و یستغفر الله مما أتی
" لاحتمال أن یراد من نسیان الاشتراط نسیان عقد المتعة لا نسیان الأجل، بل یمکن أن یقال: إنه هو الظاهر من قوله یتمتع بها بعد النکاح.
إن قلت: العقود تابعة للقصود لأنها أفعال اختیاریة و الفعل الاختیاری بما هو اختیاری تابع للقصد بالضرورة، فلا یعقل انعقاد العقد دائما مع قصد المتعة، کما أنه لا یعقل انعقاده کذلک مع قصد التزویج من دون قصد دوام و انقطاع، و الروایات الدالة علی انعقاده دائما مع قصد المتعة، أولا مع قصدها و الدوام، ضعیفة الإسناد فلا یجوز العمل بها أولا لضعفها، و ثانیا لمعارضتها مع القاعدة المسلمة الضروریة.
قلت: قد عرفت مما بیناه أن الدوام لیس أمرا زائدا علی العقد حتی یحتاج إلی قصد زائد علی قصد العقد فمع قصد التزویج من دون قصد دوام و انقطاع یقع دائما لأنه مقتضی إطلاقه و عدم تقییده، کما أنه مع قصد المتعة و عدم الإتیان بمقتضاه من التقیید بالأجل یقع دائما أیضا، لأن مرجع قصد المتعة إلی قصد التزویج مقیدا بأجل معین فقصد أصل التزویج ثابت و قصد تقییده بأجل معین مع عدم الإتیان به عمدا أو نسیانا یقع لغوا و لا یخل بقصد أصل التزویج فیقع مطلقا دائما.
و الحاصل أن الإتیان بما یقتضی الدوام بإطلاقه عن قصد و قصد تقییده بأجل محدود مع عدم الإتیان به لا یخل بالمقتضی، بل یقع قصد التقیید لغوا لعدم الوفاء به، فحال دوام عقد التزویج المنتزع عن إطلاقه، و عدم قیده بأجل حال لزوم عقد البیع المنتزع عن إطلاقه، فکما أنه إذا قصد إیقاع عقد البیع علی أن یکون له الخیار فی مدة معینة و غفل حال العقد عن الإتیان بالشرط أو ترکه عمدا یقع العقد لازما و لا یخل به قصده إیقاعه مشروطا بالخیار فی مدة معینة قبل إجراء صیغة العقد فکذلک الأمر فی المقام، و ببیان آخر أنه إذا نسی ذکر الأجل فهو قاصدا للتحدید و القصد السابق علی إجراء الصیغة لا أثر له، و إذا ترکه عمدا فهو قادم باختیاره علی إجراء
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 449
العقد مطلقا فیؤخذ بمقتضی إطلاقه لقدومه علیه باختیاره.
فاتضح بما بیناه غایة الاتضاح أنه لا ینافی وقوع العقد علی وجه الدوام فی الصور الثلاثة مع قضیة" العقود تابعة للقصود".
و أما ما ذکر من أن الروایات ضعیفة الإسناد ففیه أن ضعفها منجبر بالشهرة، مع أن الأولی منها من قبیل الموثق علی أنها مقررة للأصل فلا یقدح حینئذ فیها ضعف الإسناد مع عدم معارضتها بما ینافی الأصل فلا مجال للقول بالبطلان مطلقا کما عن المسالک و لا التفصیل بأنه إن کان الإیجاب بلفظ التزویج و النکاح انقلب دائما.
و إن کان بالتمتع بطل العقد، لأجل أن اللفظین الأولین صالحان لهما بخلاف الثالث فإنه مختص بالمتعة، کما عن ابن إدریس لأن لفظ التمتع یصلح للتزویج الدائم أیضا، و إن کان أغلب استعماله فی المنقطع.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 450‌

(فائدة 65) إذا أقر المریض فی مرض موته بدین لوارث أو أجنبی هل یسمع إقراره من الأصل أو الثلث مطلقا أو فیه تفصیل؟

اشارة

قد حکی فیه أقوال متشتتة و منشأ اختلاف الأقوال اختلاف الروایات فلا بد لنا من ذکر الروایات الواردة فی الباب، و بیان ما یستفاد منها، ففی خبر منصور بن حازم"
سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أوصی لبعض ورثته أن له علیه دینا فقال: إن کان المیت مرضیا فأعطه الذی أوصی له
". و نحوه خبر أبی أیوب عنه أیضا، و فی خبر العلاء بیاع السابری"
سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة استودعت رجلا مالا فلما حضرها الموت قالت له: إن المال الذی دفعته إلیک لفلانة و ماتت المرأة فأتی أولیاؤها للرجل فقالوا له: إنه کان لصاحبتنا مال و لا نراه إلا عندک فاحلف لنا ما لها قبلک شی‌ء أ فیحلف لهم؟ فقال: إن کانت مأمونة عنده فیحلف لهم و إن کانت متهمة فلا یحلف لهم و یضع الأمر علی ما کان فإنما لها من مالها ثلثه
". و فی خبر أبی بصیر"
سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل معه مال مضاربة فمات و علیه دین و أوصی أن هذا الذی ترک لأهل المضاربة أ یجوز ذلک؟ قال: نعم إذا کان مصدقا
". و فی صحیح الحلبی"
قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): الرجل یقر لوارث بدین؟ فقال:" یجوز إذا کان ملیا
". و خبره الآخر أنه"
سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أقر
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 451
لوارث الدین فی مرضه أ یجوز ذلک؟ قال: نعم إذا کان ملیا
". و فی مکاتبة محمد بن عبد الجبار إلی العسکری (علیه السلام)"
عن امرأة أوصت إلی رجل و أقرت له بدین ثمانیة آلاف درهم، و کذلک ما کان لها من متاع البیت من صوف و شعر و شبه و صفر و نحاس و کل مالها أقرت به للموصی له و شهدت علی وصیتها، و أوصت أن یحج عنها من هذه الترکة حجة و یعطی مولاة لها أربعمائة درهم و ماتت المرأة و ترکت زوجها، فلم ندر کیف الخروج من هذا و اشتبه علینا الأمر، و ذکر کاتب أن المرأة استشارته فسألته أن یکتب لها ما یصح لهذا الوصی؟ فقال لها: لا تصح ترکتک لهذا الوصی إلا بإقرارک له بدین یحیط بترکتک بشهادة الشهود و تأمر به بعد أن ینفذ من توصیه به، فکتب له بالوصیة علی هذا و أقرت للوصی بهذا الدین فرأیک أدام الله عزک فی مسألة الفقهاء قبلک عن هذا، و تعرفنا ذلک لنعمل به إنشاء الله؟ فکتب (علیه السلام) بخطه: إن کان الدین صحیحا معروفا مفهوما فیخرج الدین من رأس المال إنشاء الله، و إن لم یکن الدین حقا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها کفی أو لم یکف
". و فی خبر إسماعیل بن جابر"
سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أقر لوارث له و هو مریض بدین له علیه؟ قال:" یجوز إذا أقر به دون ثلث
". و خبر سماعة"
سألته عمن أقر لوارث له بدین علیه و هو مریض؟ قال:" یجوز علیه ما أقر به إذا کان قلیلا
". و خبر أبی ولاد"
سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل مریض أقر عند الموت لوارث بدین له علیه؟ قال: یجوز ذلک قلت: فإن أوصی لوارث بشی‌ء قال: جائز
". و خبر القاسم بن سلیمان
سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل اعترف لوارث له بدین فی مرضه؟ فقال" لا تجوز وصیة لوارث و لا اعتراف له بدین
". و خبر السکونی"
قال أمیر المؤمنین فی رجل أقر عند موته لفلان و فلان لأحدهما عندی ألف درهم ثم مات علی تلک الحال أیهما أقام البینة فله المال فإن لم یقم واحد منهما البینة فالمال بینهما نصفان
".
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 452
و خبر سعد بن سعد عن الرضا علیه السلام قال:"
سألته عن رجل مسافر حضره الموت فدفع مالا إلی رجل من التجار فقال له: إن هذا المال لفلان بن فلان لیس لی فیه قلیل و لا کثیر فادفعه إلیه یصرفه حیث شاء فمات و لم یأمر فیه صاحبه الذی جعله له بأمر و لا یدری صاحبه ما الذی حمله علی ذلک کیف یصنع حینئذ؟ قال: یضعه حیث شاء
________________________________________
بهبهانی، سید علی، الفوائد العلیّة - القواعد الکلیّة، 2 جلد، کتابخانه دار العلم، اهواز - ایران، دوم، 1405 ه ق

الفوائد العلیة - القواعد الکلیة؛ ج‌2، ص: 452
". أقول بعون الله تعالی و مشیته: إن الذی یستفاد من مجموع الروایات الشریفة أنه إن ثبت الدین بإقراره إما بواسطة کون المقر مرضیا مأمونا مصدقا کما تدل علیه الروایات الستة المتقدمة فإن الملی فی روایة الحلبی راجع إلی کونه مصدقا مأمونا، بناء علی ما فی الصحاح من أنه ملأ الرجل صار ملیا أی ثقة، أو علی أن الملاءة کنایة عن رفع التهمة، و أما بواسطة قرائن خارجیة کما تدل علیه المکاتبة المذکورة حیث علق فیها النفوذ من الأصل علی کون الدین صحیحا معروفا مفهوما، و هو بإطلاقه شامل لصحته من الخارج و إن لم یثبت به لاتهام المقر و عدم ثبوته من الخارج نفذ من الثلث.
توضیح الأمر غایة الإیضاح أن الإقرار فیه جنبتان جنبة الموضوعیة و جنبة الکشف، و نفوذه إنما هو من جهة جنبة الموضوعیة کما ینبئ عنه قضیة إقرار العقلاء علی أنفسهم جائز، و من ملک شیئا ملک الإقرار به (فإن نفوذ إقرار العاقل علی نفسه و إقرار المالک فیما یتعلق بمحل سلطنته و ملکه لا یتوقف علی إحراز صدق إقراره فیما أقر به.
و أما جهة کشفه فهی ناقصة فلا یکون مثبتا لما أقر به إلا بضمیمة کونه موثوقا به مصدقا أو بضمیمة قرائن خارجیة، فإذا ثبت المقر به من طرف کون المقر مصدقا أو من الخارج نفذ من أصل الترکة لأن الدین مقدم علی الإرث و مع ثبوته لا مجال لمزاحمة الورثة، و إذا لم یثبت به لاتهام المقر و عدم ثبوت المقر به من الخارج لم یبق إلا جنبة الموضوعیة، و هی لا تقتضی نفوذه إلا من الثلث لأنه فی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 453
مرض موته لا اختیار له إلا من ثلث ماله، لتثبت حق الورثة بثلثی ماله حینئذ و لو لم تکن الورثة متشبثة بثلثی ماله حینئذ لم یکن وجه لإلغاء إقراره فی ثلثی ماله و قصر نفوذه علی ثلثه، کما هو ظاهر.
و تبین مما بیناه أن المراد بکونه متهما فی إقراره عدم کونه مرضیا مصدقا لا أمرا زائدا علیه فلا واسطة بینهما، فما لم یحرز کونه مرضیا یکون متهما لا ینفذ إقراره إلا فی ثلثه، کما تبین أنه لا فرق بین الإقرار بدین أو عین و لا بین إقراره لوارث أو أجنبی لأن ملاک النفوذ فی الجمیع و عدمه نفوذه إلا فی الثلث إنما هو کونه مرضیا و متهما فلا یختلف الحکم باختلاف المقر به أو المقر له.
فما حکی عن بعض من التفصیل بین الدین و العین، و عن بعض من التفصیل بین الوارث و الأجنبی مع تصریح الروایات باستواء الدین و العین و الوارث و الأجنبی فی الحکم و عدم اختلافه إلا باختلاف حال المقر من حیث الاتهام و عدمه فی غایة التعجب.
ثم إنه قد تبین مما بیناه أن سبب عدم نفوذ إقرار المریض فی مرض موته مع التهمة إلا فی ثلث ماله تشبث حق الورثة بثلثی ماله حینئذ إذ لو کان المریض تاما فی أمره بالنسبة إلی جمیع ماله کالصحیح نفذ إقراره فی الجمیع، ضرورة أن من ملک شیئا ملک الإقرار له، فمرجع التهمة حینئذ إلی احتمال جعل الإقرار باعتبار کشفه عن حق ثابت وسیلة إلی منع الوارث عن حقه فی ثلثی الدین إلا فیما ملک أمره و هو ثلث ماله.
و منه یظهر أن تبرعات المریض المنجرة فی مرض موته لا ینفذ إلا فی ثلث ماله، و لا مجال للتفصیل هنا بین کونه مأمونا و متهما، إذ لا یتطرق فیها الکشف عن حق ثابت سابق حتی یتطرق فیها التهمة و عدمه.
و من الغریب ما احتمله فی الجواهر من جریان التفصیل بین التهمة و عدمها فی سائر المنجزات.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 454
فتبین مما بیناه أن عدم نفوذ إقرار المریض بالدین فی مرض موته مع التهمة إلا فی الثلث ما له دلیل قاطع علی عدم نفوذ تبرعاته المنجزة إلا فی ثلث ماله من دون احتمال تفصیل.
و أغرب منه ما توهمه بعض من أن المتجه مع التهمة إخراج ثلث ما أقر به من الدین من ثلثه و الإمضاء فی ثلث العین المقر بهما من دون غرامة قیمة الباقی من ثلثه، لأن الدین بعد الموت یتعلق بمجموع الترکة، و لذا لو أقر الوارث نفذ فی حصته بالنسبة، و لأن تعلق حق الورثة یمنع من نفوذ الإقرار فی الزائد علی الثلث فلا تقصیر منه یوجب الضمان للمالک، کما أنه لا مقتضی لغرامته للوارث من ثلثه لو أخذها المقر له بالإقرار" انتهی.
و فیه أنه مع التهمة لا یثبت الدین حتی یتعلق بمجموع الترکة و یوزع علی الجمیع و إنما یغرم المریض ما أقر به من قبل إقراره به فإن العاقل مأخوذ بإقراره و لیس له حینئذ إلا ثلث ماله فیخرج ما أقر به من ثلث ماله کفی أو لم یکف، و مقایسة ما نحن فیه بإقرار الوارث بدین مورثه فی غایة البشاعة، لأن إقرار الوارث بدین مورثه إقرار علی نفسه و علی غیره فلا ینفذ تمام ما أقر به علی نفسه، بل یوزع علیهما فینفذ فی حقه بالنسبة إلی سهمه و لا ینفذ بالنسبة إلی سائر الورثة لعدم نفوذ الإقرار علی غیره، بخلاف المقام فإنه إقرار علی نفسه فیجب علیه دفع تمام ما أقر به للمقر له و لیس له حینئذ إلا ثلث ماله فیخرج تمام ما أقر به من ثلثه و لا یتطرق فیه التوزیع.
إذا اتضح لک ما بیناه فقد تلخص لک أمور:
الأول: أن المدار فی نفوذ الإقرار من الأصل و عدم نفوذه إلا فی الثلث علی ثبوت المقر به بإقراره و عدم ثبوته به، و التفصیل فی النفوذ من الأصل و عدمه باختلاف حال المقر فی کونه مأمونا و متهما إنما هو بهذا الاعتبار لا بذاته فلا واسطة بینهما لعدم تصور الثالث حینئذ، فما یظهر من الجواهر من ثبوت الواسطة بینهما و نفوذ الإقرار من الأصل حینئذ فی غیر محله.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 455
و الثانی: أن التفصیل فی نفوذه من الأصل و الثلث باختلاف المقر به دینا و عینا أو باختلاف حال المقر له من حیث کونه وارثا أو أجنبیا فی غیر محله.
و الثالث: أن مجرد إقرار المریض فی مرض موته بدین أو عین إنما یقتضی نفوذه من الثلث، و تنفیذه من الأصل یحتاج إلی أمر زائد و هو کون المقر مرضیا مصدقا مأمونا.
و الرابع: أن وجه عدم نفوذ إقراره مع التهمة إلا فی الثلث تعلق حق الورثة بثلثی ماله حینئذ.
و منه یتبین حینئذ عدم نفوذ تبرعاته المنجزة إلا فی الثلث من دون تفصیل.
و الخامس: أن ما قد یتوهم من أن مقتضی تعلق حق الورثة بثلثی ماله نفوذ إقراره فی ثلث ما أقر به من ثلثه فی غایة السخافة لما ظهر لک من أن إقراره بالدین إقرار علی نفسه فینفذ جمیع ما أقر به فیخرج من ثلثه إذ لا یملک حینئذ سواء.

تنبیه: خبر القاسم بن سلیمان الدال علی عدم جواز وصیة المریض

و اعترافه بدین لوارث مطلقا و خبر أبی ولاد الدال علی جواز وصیة و اعترافه بدین لوارث مطلقا و خبر سعد بن سعد الدال علی جواز اعترافه بمال لأجنبی تتقید بالأخبار المفصلة لوجوب حمل المطلق علی المقید، فلا منافاة حینئذ بین الأخبار المطلقة، و لا بینها و بین الأخبار المفصلة المقیدة.
و أما خبر السکونی فلا إطلاق له لأنه إخبار عن قضاء مولانا أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی مورد خاص، و العمل المقر به کان دون الثلث أو المقر کان مرضیا ثم إن قضاءه (علیه السلام) بتنصیف المقر به بینهما إذا لم یقم أحدهما البینة هو من باب قاعدة العدل و الإنصاف، و هذا أحد المواضیع المنصوصة من هذه القاعدة الشریفة التی أوضحنا الکلام فیها فی الجزء الأول.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 456‌

(فائدة 66) اعلم أنه لا شبهة فی أن الوکالة من العقود الإذنیة الجائزة بالذات من الجانبین،

اشارة

فیجوز للموکل الرجوع عن توکیله کما یجوز للوکیل الرجوع عن قبوله، و لکن اشترطوا فی رجوع الموکل إعلامه الوکیل بعزله عن الوکالة، فما لم یعلمه بعزله لم ینعزل، و لم یشترطوا ذلک فی رجوع الوکیل بل حکموا بتحقق رجوعه عن قبول الوکالة أعلم الموکل برجوعه أم لا، و حکی عن جماعة من الفقهاء (قدس سرهم) أنه إن تعذر إعلام الموکل وکیله بالعزل فأشهد علیه ینعزل الوکیل بالإشهاد، و إلا فلا ینعزل إلا بإعلامه إیاه بعزله، و الروایات تدل علی عدم انعزاله إلا بإعلام.
ففی صحیح ابنی وهب و یزید عن الصادق (علیه السلام)"
من وکل رجلا علی إمضاء أمر من الأمور فالوکالة ثابتة أبدا حتی یعلمه بالخروج منها کما أعلمه بالدخول فیها
" و صحیح ابن سالم عنه (علیه السلام) أیضا"
فی رجل وکل آخر علی وکالة فی أمر من الأمور و أشهد له بذلک شاهدین فقام الوکیل فخرج لإمضاء الأمر فقال اشهدوا أنی قد عزلت فلانا عن الوکالة فقال: إن کان الوکیل أمضی الأمر الذی وکل فیه قبل العزل، فإن الأمر ماض علی ما أمضاه الوکیل کره الموکل أم رضی قلت فإن الوکیل قد أمضی الأمر الذی قد وکل فیه قبل أن یعلم بالعزل أو یبلغه أنه قد عزل عن الوکالة فالأمر علی ما أمضاه؟ قال: نعم قلت فإن بلغه العزل قبل أن یمضی ثم ذهب حتی أمضاه لم یکن
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 457
ذلک بشی‌ء؟ قال: نعم إن الوکیل إذا و لک ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، و الوکالة ثابتة حتی یبلغه العزل عن الوکالة بثقة یبلغه أو یشافه بالعزل عن الوکالة
". و صحیح العلاء بن سیابة عن الصادق (علیه السلام) المتضمن للإنکار علی من فرق فی هذا الحکم بین النکاح و غیره ینعزل فی الأول بالإشهاد، بخلاف الثانی فلا ینعزل إلا بالعلم و الاستدلال علیهم بقضاء أمیر المؤمنین علیه السلام فی الامرأة التی استعدته و قد وکلت أخاها
فقال یا أمیر المؤمنین إنها وکلتنی و لم تعلمنی أنها عزلتنی عن الوکالة حتی زوجتها کما أمرتنی فقال: لها ما تقولین؟ قالت قد أعلمته یا أمیر المؤمنین فقال له: أ لک بینة بذلک؟ فقالت: هؤلاء شهودی یشهدون فقال لهم:" ما تقولون؟" قالوا: نشهد أنها قالت اشهدوا أنی قد عزلت أخی فلانا عن الوکالة بتزویجی فلانا و إنی مالکة لأمری قبلا إن زوجنی فقال:" أشهدتکم علی ذلک بعلم منه و محضره" فقالوا: لا فقال:" تشهدون أنها أعلمته العزل کما أعلمته الوکالة؟" قالوا لا، قال:" أری الوکالة ثابتة و النکاح واقعا أین الزوج؟" فجاء فقال:" خذ بیدها بارک الله لک فیها" فقالت: یا أمیر المؤمنین أحلفه أنی لم أعلمه العزل و لم یعلم بعزلی إیاه قبل النکاح، قال:" و تحلف" قال: نعم یا أمیر المؤمنین فحلف و أثبت وکالته و أجاز النکاح.
فلا مجال للتأمل فی هذا الحکم بعد هذه الروایات الصحیحة الصریحة.
و إنما الکلام فی أنه حکم تعبدی علی خلاف الأصل، أو أنه حکم واقعی موافق للأصل کشف عنه الشارع و إن لم یکن مکشوفا لنا قبل کشفه إیاه لدقته؟ و قد ذهب سیدنا الأستاد العلامة (قدس سره) إلی أنه حکم واقعی فقال: إن التعبیر بأن الوکالة ثابتة أبدا حتی یعلمه بالخروج منه کما أعلمه بالدخول فیها، و إن الوکالة ثابتة حتی یبلغه العزل عن الوکالة و أنی أری الوکالة ثابتة، ظاهر فی أن الحکم علی طبق الموازین الواقعیة الأولیة، فقال (قدس سره): فی توضیحه" إن الموکل بإعلامه الوکیل بالتوکیل نصبه علی الوکالة و لا یرتفع النصب إلا بطرو ضده و هو العزل.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 458
و لا یتحقق العزل إلا بإعلامه الرجوع عنها، کما لا یتحقق النصب إلا بالإعلام بتوکیله إیاه و قبوله لها، و لا ینافی هذا جواز الوکالة و عدم لزومها، فإن مقتضی جوازها استقلال الموکل فی إزالتها و لا ینافی توقف إزالتها و رفعها علی الإعلام بالرجوع عنها مع استقلاله فی رفعها، و لعله إلی هذا المعنی یشیر قوله (علیه السلام)" حتی یعلمه بالخروج عنها کما أعلمه بالدخول فیها".
و ببیان آخر أن هنا مفهومین مختلفین ثبوت الوکالة و نصبه علیها و مقابل ثبوتها الرجوع عنها، و مقابل نصبه علیها عزله عنها، فمع ثبوت الوکالة من دون نصبه علیها کما إذا وکله و لم یعلمهم بتوکیله إیاه، تزول الوکالة بمجرد الرجوع عنها، و أما مع نصبه علیها کما إذا أعلمه بتوکیله إیاه لا تزول الوکالة المنصوب علیها إلا بعزله عنها، و لا یتحقق العزل إلا بإعلامه الرجوع عنها فافهم و اغتنم فإنه دقیق نفیس جدا.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 459
قال المحقق (قدس سره) فی کتاب الوقف من الشرائع:" القسم الرابع فی شرائط الوقف و هی أربعة: الدوام، و التنجیز، و الإقباض و إخراجه عن نفسه، فلو قرنه بمدة بطل و کذا لو علقه بصفة متوقعة، کذا لو جعله لمن ینقرض غالبا کان یقفه علی زید و یقتصر أو یسوقه إلی بطون تنقرض غلابا أو یطلقه فی عقبه و لا یذکر ما یصنع به بعد الانقراض، و لو فعل ذلک قیل یبطل الوقف و قیل یجب إرجاؤه حتی ینقرض المسمون و هو الأشبه فإذا انقرضوا رجع إلی ورثة الواقف و قیل إلی ورثة الموقوف علیهم و الأول أظهر" و فی المسالک" هنا مسألتان:.
إحداهما: أن یقرن الوقف بمدة کسنة مثلا و قد قطع المصنف ببطلانه لأن الوقف شرطه التأبید فإذا لم یحصل الشرط یبطل، و قیل: إنما یبطل الوقف و لکن یصیر حبسا کالثانیة لوجود المقتضی و هو الصیغة الصالحة للحبس لاشتراک الوقف و الحبس فی المعنی فیمکن إقامة کل واحد مقام الآخر.
فإذا قرن الوقف بعدم التأبید کان قرینة إرادة الحبس کما لو قرن الحبس بالتأبید فإنه یکون وقفا کما مر و هذا هو الأقوی و لکن هذا إنما یتم مع قصد الحبس فلو قصد الوقف الحقیقی وجب القطع بالبطلان لفقد الشرط.
و الثانیة: أن یجعله لمن ینقرض غالبا و لم یذکر المصرف بعده کما لو وقف علی أولاده و اقتصر علی بطون تنقرض غالبا، و فی صحته وقفا أو حبسا أو بطلانه من
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 460
رأس أقوال، أشار إلیها المصنف و اختار أولها، و یمکن أن یکون اختار الثانی لأن وجوب إجرائه حتی ینقرض المسمون یشمله.
و وجه الأول أن الوقف نوع تملیک أو صدقة فیتبع اختیار الملک فی التخصیص و غیره، و لأصالة الصحة و لعموم الأمر بالوفاء بالعقد، و لأن تملیک الأخیر لو کان شرطا فی تملیک الأول لزم تقدم المعلول، و لروایة أبی بصیر عن الباقر (علیه السلام)"
إن فاطمة علیها السلام أوصت بحوائطها السبعة إلی علی (علیه السلام) ثم إلی الحسن (علیه السلام) ثم الحسین (علیه السلام) ثم إلی الأکبر من ولدها
، و لعموم ما سلف من توقیع العسکری (علیه السلام)" الوقوف حسب ما یوقفها أهلها".
و أجیب عن الأول بأن التملیک لم یعقل موقتا و کذا الصدقة، و أصالة الصحة متوقفة علی اجتماع شرائطها و هو عین المتنازع، لأن الخصم یجعل منها التأبید و الأمر بالوفاء بالعقد موقوف علی تحقق العقد و هو موضع النزاع، و کون تملیک الأخیر شرطا غیر لازم و إنما الشرط بیان المصرف الأخیر لیتحقق معنی الوقف و فعل فاطمة علیها السلام لا حجة فیه من حیث إنها لم تصرح بالوقف بل بالوصیة و لا إشکال فیها و لو سلم إرادتها الوقف فجاز علمها علیه السلام بتأبید ولدها للنص علی الأئمة علیهم السلام و أنهم باقون ببقاء الدنیا و قوله علیه السلام"
حبلان متصلان لم یفترقا حتی یردا علی الحوض
". و قول العسکری علیه السلام متوقف علی تحقق الوقف و هو المتنازع.
و فیه نظر لأن التملیک الموقت متحقق فی الحبس و أخویه و هذا منه و اشتراط التأبید متنازع مشکوک فیه، فیجوز التمسک بالأصل و عموم الأمر بالوفاء بالعقد إذ لا شبهة فی کونه عقدا غایته النزاع فی بعض شروطه و الاستدلال بعدم افتراق الحبلین إلی أن یردا الحوض علی بقاء الذریة إلی آخر الزمان، فیه أن افتراقهما لازم بعد الموت إلی البعث فعدم الافتراق إما کنایة عن الاجتماع باعتبار بقاء النفوس الناطقة أو علی ضرب من المجاز و معهما لا یفید المطلوب و القول بالصحة حسن.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 461
و لکن لا یظهر الرفق بین کونه وقفا أو حبسا بدون القصد فالأولی الرجوع إلیه فیه، و لا یقدح فی الحبس استعماله فیه علی وجه المجاز إما لأنه شائع فی هذا الاستعمال أو لمنع اختصاص کل بصیغة خاصة، بل لما أفاده و هو حاصل و القول باستلزام الصحة انتقال الملک عن الواقف و إلا فهو الحبس فیجب أن لا یعود عین النزاع و بالجملة فالقول بالصحة فی الجملة متجه" انتهی.
و فصل الکلام فی المقام یتوقف علی تحقیق حقیقة الوقف و أنه یعتبر فیه التأبید أم لا؟ و أنه علی فرض اعتباره فیه عرفی قرره الشارع أم مجعول له فالکلام یقع فی مقامین: الأول: فی تحقیق حقیقة الوقف: فأقول مستمدا برب الأرباب و أمنائه الأطیاب علیهم صلوات الله الملک الوهاب إن للوقف حقیقة واحدة و لا تختلف حقیقة الشی‌ء باختلاف الموارد فالقول بأن حقیقة الوقف هی تملیک رقبة الموقوفة للموقوف علیه بحیث لا تباع و لا توهب و لا تورث فی غیر محله، لعدم اطراده فی الوقف علی المصالح بل الأوقات العامة مطلقا لأن المصالح و الأمور العامة لا تقبل التملک، بل لا یطرد فی الوقف علی المنقطع الآخر بناء علی کونه وقفا.
کما أن القول بأنه إخراج المال عن الملک علی وجه مخصوص فی غیر محله أیضا لأنه إن أرید بأن حقیقته هی الإخراج عن الملک کالإعراض و التحریر لزم أن یکون الوقف کالإبراء و العتق إیقاعا لا عقدا فیلزم حینئذ عدم نفوذ الاشتراط و التقیید فیه لأن الشرط إنما ینفذ فی العقد لا فی الإیقاع، و نفوذ عتق العبد مشترطا علیه الخدمة فی مدة معینة لا ینافی ما بیناه، لأن مرجعه إلی استثناء منفعة العبد فی مدة معینة عن العتق لا إلی اشتراط شی‌ء علی المعتق فی إعتاقه.
و إن أرید أن حقیقته هی ما یترتب علیه الخروج عن الملک ففیه أولا أنه لا یکون حقیقته حینئذ هی الإخراج عن الملک و ثانیا أنه لا یجری فی الوقف علی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 462
المنقطع الآخر و عوده إلی الواقف أو ورثته بعد انقطاعه و انقراضه، و ثالثا أنه یرجع إلی القول الأول لأن الذی یترتب علیه إخراج الرقبة عن الملک إنما هو تملیک الرقبة.
و توهم أنه لا ینافی انقطاع الآخر و انقراضه مع تملیک الرقبة أو إخراجها عن الملک و عودها إلی الواقف أو ورثته بعد انقطاعه و انقراضه کما یظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) حیث قال ردا علی القائل بأن التملیک لم یعقل موقتا:" بأنه کالاجتهاد فی مقابل النص و الفتوی" و أطال الکلام إلی أن قال:" إن الناقل عن مقتضی الملک إنما نقل هذا المقدار و لیس هذا من التوقیت فی الملک أو الوقف الذی قد حکینا الإجماع علی عدم جوازه، ضرورة کون ذلک قد أخذت فیه المدة غایة إلا ما إذا جاءت تبعا لانقراض الموقوف علیه، فالعود إلی الملک بانتهاء سبب النقل کالعود بسبب الفسخ بالإقالة و الخیار اللذین لیسا بسبب ملک جدید للمال الذی خرج عن ملک الواقف" انتهی فی غایة الضعف.
ضرورة أن ملک العین و الرقبة لا یقبل التوقیت أصلا و لو تبعا لانقراض الموقوف علیه و ما ذکر من أن العود بسبب الفسخ بالإقالة أو الخیار فی غایة البشاعة لأن سبب النقل إنما هی الصیغة المرکبة من الإیجاب و القبول و هی زائلة بمجرد حدوثها و لا بقاء لها حتی تقبل الانتهاء، و الفسخ بالإقالة و الخیار لا یتعلق بها لعدم بقائها و إنما یتعلق بالعلقة الباقیة المتولدة من حدوثها و تعلقه بها عبارة عن إزالتها و حلها فلا یوجب انتهاء النقل و سببه لأن النقل الذی هو ملک العین قار ثابت علی وجه الإطلاق و هو یقتضی الدوام و الفسخ بالإقالة و الخیار لا ینافی الثبوت علی وجه الإطلاق و لا یوجب تحدید النقل و توقیته، ضرورة أن الرفع و الإزالة لا ینافی الثبوت علی وجه الإطلاق بل یتوقف علیه إذ لو کان محدودا لکان مرتفعا بنفسه بسبب انتهاء حده و لا یتطرق فیه الرفع و الإزالة و أما الوقف بانقراض الموقوف علیه و عود الموقوفة إلی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 463
الواقف أو وارثه فهو من قبیل انتفاء المقید بانتفاء قیده، و لا یکون من قبیل فسخ العقد و حله فجعلهما من قبیل واحد فی غیر محله.
إذا اتضح لک ما بیناه فقد اتضح لک أن التوقیت فی الوقف کما یحصل بتقییده بأمد معدود کذلک یحصل بتقییده بالمنقطع الآخر.
فإن قلت: لو کان انقطاع الموقوف علیه لتوقیته و عدم تأبیده لزم أن یکون البیع و سائر العقود الناقلة للعین موقتة لأجل أن المنتقل إلیه فیها لا یکون إلا منقطع الآخر.
قلت: مجرد تعلق العقد بمنقطع الآخر لا یوجب توقیته و إنما یوجبه تقییده به، و فرق بین بین التعلق و التقیید.
توضیح الکلام فیه أن البیع و سائر العقود الناقلة للعین إنما تتعلق بالمنتقل إلیه بمعنی صیرورتها ملکا طلقا له، و لا تکون مقیدة به، و لذا یجوز له نقل العین إلی غیره کیف شاء و تورث بخلاف الوقف فإنه مقید بالموقوف علیه و لا یکون طلقا، و لذا لا یجوز له بیع الموقوفة و هبتها و سائر التصرفات الناقلة للعین و لا تورث و الموجب للتوقیت إنما هو التعلق علی وجه التقیید الموجب لانتفاء المقید عند انتفاء قیده لا التعلق فقط.
و قد تبین ما بیناه أن التوقیت فی الوقف یحصل بأحد أمرین أخذ المدة فیه غایة أو تقییده بمنقطع الآخر، و أما فی البیع و سائر العقود الناقلة للعین فلا یحصل إلا بأخذه المدة غایة فدوام عقد البیع و ما بمنزلته من العقود منتزع من إطلاقه و عدم تقییده بمدة و فی الوقف منتزع منه و من التقیید بأمر دائم غیر منقرض آخره.
إذا اتضح لک ما بیناه فأقول: إن الذی یطرد معه الوقف فی جمیع موارده و لا ینفک عنه و یناسبه التعبیر بالوقف هو تحبیس الأصل و تسبیل الثمرة و لیس المراد من تحبیس الأصل المنع من التصرفات الناقلة للعین، لأن المنع من التصرف
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 464
قسمان تکلیفی و وضعی، و الأول لیس مرادا قطعا، و الثانی من آثار حقیقة الوقف المتحققة بالتحبیس و التسبیل معا کما هو ظاهر فلا یعقل أن یصیر جنسا للوقف.
و أیضا المنع من التصرفات الناقلة للعین قد یستند إلی عدم المقتضی و قد یستند إلی وجود المانع فهو من الأمور المترتبة و اللوازم المستتبعة و لا یکون من المفاهیم الأولیة القابلة للإنشاء ابتداء فالمراد منه تقریر الأصل و قصره علی أمر خاص أو عام بحیث لا یخرج عنه إلی غیره و لا ینفک عنه ما دام موجودا مسبلا ثمرته إلی المحبوس علیه فتحبیس الأصل بمنزلة الجنس و تسبیل ثمرته بمنزلة الفصل، فإن تحبیس العین علی وجهین: الأول: تحبیسها فی استیفاء الدین ابتداء کما فی الرهن أو تبعا کما فی التفلیس و لا یترتب علیهما تحبیس الثمرة و لا تسبیلها فیما حبس فیه العین و هو الدین و الثانی: تحبیسها بمعنی إرجاعها إلی طرف و تخصیصها به مقیدا به بحیث یترتب علیه تسبیل ثمرتها إلیه کما هو المقصود فی المقام.
ثم إن التحبیس المترتب علیه تسبیل ثمرة الأصل یجامع مع دوام الطرف و عدمه کما یجامع مع إطلاقه من حیث المدة و تقییده بها ضرورة أن إرجاع الأصل إلی طرف و تقییده به قابل للأمرین و صالح لهما فی حد ذاته.
المقام الثانی فی أنه هل یعتبر التأبید فیه بمعنی إطلاقه أمدا سواء کان مع دوام الطرف أو انقراضه أم بمعنی إطلاقه مع دوام طرفه.
و قد تبین بما بیناه فی المقام الأول عدم اعتباره فیه بکلا المعنیین ذاتا و لم یدل دلیل شرعی علی اعتباره فیه بل الدلیل الشرعی دال علی عدم اعتباره فیه فإن ثبوت الحبس فی الشرع کاشف عنه لأنه قسم من الوقف و لا ینافیه التعبیر عنه بالحبس و جعله بابا آخر فی الفقه لأن غرضهم من الوقف هو المؤبد من تحبیس الأصل و تسبیل ثمرته و هو لا یدل علی اختصاصه به ذاتا أو شرعا.
و توهم أن حقیقة الوقف هی تملیک رقبة الموقوفة للموقوف علیه أو إخراجها
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 465
عن ملک الواقف فلا یجامع مع اقترانه بمدة أو تعلیقه علی منقطع الآخر قد تبین لک فساده کما تبین لک فساد التفصیل بین الاقتران بمدة و التعلق علی منقطع الآخر حینئذ کما عن صاحب الجواهر و بعض المعاصرین (قدس سرهما) إذ لو سلم أن حقیقته هی تملیک الرقبة للموقوف علیه أو إخراجها عن ملک الواقف لم یتطرق فیه الاقتران بمدة و لا التعلیق علی المنقطع الآخر.
و إذا اتضح لک مما بیناه حقیقة الوقف و أنه لا یعتبر فیه التأبید و لا یضره الاقتران بمدة و لا التعلیق علی منقطع الآخر، اتضح لک عدم بطلان الوقف مع اقترانه بمدة و لا مع تعلیقه علی منقطع الآخر.
فالحکم ببطلانه رأسا مع الاقتران بمدة کما ذکره المحقق قدس سره أو الحکم ببطلانه وقفا و صحته حبسا کما حکاه صاحب المسالک عن بعض أو التفصیل بین صورة إرادة الحبس منه فیصح و بین صورة إرادة الوقف الحقیقی فیبطل کما اختاره قدس سره فی غیر محله لما تبین أن حقیقة الوقف لا تأبی عن التقیید بمدة و لم یدل دلیل شرعی علی اعتباره الإطلاق فیه أمدا و عدم صحته مع التقید فیه بمدة فلا وجه حینئذ للحکم بالبطلان رأسا.
کما أنه لا وجه للحکم ببطلانه وقفا و صحته حبسا، لأنهما إن کانا حقیقتین مختلفتین لا یعقل مع قصد الوقف و بطلانه صیرورته حبسا، و إن لم یکونا حقیقتین مختلفتین و کان الحبس مرتبة من الوقف لا مجال للحکم ببطلانه وقفا.
کما أن التفصیل بین قصد الوقف و قصد الحبس و الحکم ببطلانه فی صورة الأولی و بصحته فی الصورة الثانیة لا وجه له، مع اتحادهما فی الحقیقة و عدم اختلافهما إلا فی المرتبة، بل فی کون الوقف أعم و الحبس أخص، لأن قصد الوقف حینئذ مع الاقتران بالمدة لا ینافی مع وقوعه حبسا، لأن الحبس حینئذ مرتبة من الوقف لا قسیم له.
و بما بیناه تبین لک الحال فی الوقف علی المنقطع الآخر، و أنه یصح وقفا
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 466
لا بمعنی إخراج رقبة الموقوفة عن ملک الواقف، و لا بمعنی تملیکها للموقوف علیه، لما عرفت من عدم اعتبارهما فی حقیقة الوقف بل بمعنی تحبیس الأصل علی الموقوف علیه المنقرض الآخر مقیدا به، فرقبة الموقوفة حینئذ باقیة علی ملک الواقف فهو مع کونه وقفا حبس حینئذ، لا بمعنی صیرورته فی حکم الحبس کما یظهر من بعض، لعدم اختلافهما فی الحقیقة حتی ینافی کونه وقفا مع کونه حبسا حقیقة، لما تبین لک من أن الوقف منه مؤبد و منه غیر مؤبد، و غیر المؤبد منه هو الحبس.
فظهر أنه لا وجه للقول بالبطلان رأسا حینئذ کما ظهر أنه لا وجه للحکم بصحته حبسا لا وقفا، أو أنه یصح حبسا مع قصد الحبس، و أما قصد الوقف فیصح وقفا أو یبطل.
و بما بیناه تبین أیضا أنه إذا انقرض الموقوف علیهم ترجع الموقوفة إلی الواقف أو ورثته، لما ظهر لک أن رقبتها حینئذ باقیة علی ملک الواقف و لم تخرج عن ملکه، فلا وجه للقول بصرفها حینئذ فی وجود البر، کما أنه لا وجه للقول برجوعها إلی ورثة الموقوف علیهم، مع أنه إن قلنا ببقاء الوقف حینئذ فلا مجال للعود إلی ورثة الموقوف علیهم إرثا و لا وقفا، بل یتعین حینئذ صرفها فی وجوه البر، و إن قلنا ببطلان الوقف حینئذ یتعین رجوعها إلی ورثة الواقف، فعلی کل تقدیر لا وجه لرجوعها إلی ورثة الموقوف علیهم.

تنبیهات:

الأول: أنه إن قلنا بتملیک العین للموقوف علیه أو إخراجها عن ملک الواقف فی الوقف المؤبد

لا ینافی ما بیناه من أنه لا یکون أحدهما حقیقة للوقف، لأن ثبوت تملیک العین أو إخراجها عن ملک الواقف حینئذ علی فرض تسلیمه إنما هو من جهة ملازمته مع تأبید الوقف، فلا ینافی خروجه عن حقیقة الوقف المشترکة بین المؤبد و المنقطع الآخر.

الثانی: أن التأبید علی فرض اعتباره فإنما هو فی الوقف بمعنی عدم تقییده بمدة

الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 467
و عدم تعلیقه علی المنقرض الآخر، و أما تأبید العین الموقوفة و دوامها فلا وجه لاعتباره، فإخراج تحبیس الفرس فی سبیل الله عن الوقف، و درجة فی الحبس الذی جعلوه قسیما للوقف فی غیر محله.

الثالث: أن انقراض الآخر و انقطاعه إنما یتصور فی الأوقاف الخاصة المتعلقة بالأفراد الموجودة،

و أما الأوقاف العامة المتعلقة بالعناوین الکلیة فلا یتصور الانقراض فیها، إذ لا یعتبر فیها الوجود حتی یکون انتفاعها فی الخارج موجبا لانقراض الآخر و انقطاعه، و ارتباط الوقف بالعناوین الکلیة باق حینئذ سواء وجدت أفرادها فی الخارج أم لم توجد، فإن وجدت فی الخارج فهو و إن لم توجد تصرف ثمرة الموقوفة فی وجوه البر مطلقا أو فیما هو أقرب إلیها.
و الحاصل أنه إن اعتبر فی الموقوف علیه الوجود فی الخارج یکون الوقف خاصا و یتطرق فیه انقراض الآخر و انقطاعه بسبب انعدامه و عدم وجوده، و إن لم یعتبر فیه الوجود بل تعلق الوقف بأمر عام أی بالکلی بعنوان أنه کلی لا ینقطع تعلق الوقف عنه بسبب انتفاء مصادیقه فی الخارج، لعدم تعلق الوقف بمصادیقه حینئذ حتی ینقطع بانقطاعها.

الرابع: قد ظهر مما بیناه أن العین الموقوفة باقیة علی ملک الواقف قطعا فی غیر المؤبد منه،

إذ لا یعقل التوقیت فی تملیک العین و الرقبة، فهی عند موت الواقف تنتقل إلی ورثته مسلوب المنفعة و تصیر طلقا حین انقراض الموقوف علیه، لا أنها تنتقل إلیهم عند انقراضه.
و تظهر الفائدة فیما لو مات الواقف عن ولدین ثم مات أحدهما عن ولد قبل الانقراض فعلی ما بیناه یشترک هو و ابن أخیه لتلقیه من أبیه، غایة الأمر أنه تلقاه مسلوب المنفعة.
و أما لو قلنا بانتقاله إلی الوارث حین الانقراض یختص الابن به، و لا حظ لابن أخیه لتأخره عنه فی الدرجة، فما فی المسالک من أن المعتبر وارثه حین انقراض
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 468
الموقوف علیه کالولاء عند موته مسترسلا إلی أن یصادف الانقراض فی غیر محله، لأنه إن قلنا ببقاء العین الموقوفة علی ملک الواقف فی الصورة المزبورة کما هو المختار فلا وجه لاعتبار الوارث حین انقراض الموقوف علیه.
و إن قلنا بخروجها عن ملک الواقف فلا وجه لعودها إلی وارثه، لا حین موت الواقف و لا حین انقراض الموقوف علیه، لأن انقراض الموقوف علیه لیس من الأسباب الناقلة للعین الموقوفة إلی واقف أو وارثه، کما هو ظاهر.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 469‌

(فائدة 68) یطلق النکاح فی اللغة علی الوطی کثیرا، و علی العقد بقلة،

و قیل فی الشرع بالعکس حتی قیل إنه لم یرد فی الکتاب العزیز بمعنی الوطی إلا فی قوله تعالی حَتّٰی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ بل قیل إنه فیها بمعنی العقد أیضا و اشتراط الوطی إنما علم من السنة.
و کیف کان فهل هو حقیقة فی الوطی و مجاز فی العقد، إطلاقا لاسم المسبب علی السبب، أو بالعکس إطلاقا لاسم السبب علی المسبب لغة أو شرعا، أو فیهما أو مشترک بینهما فیهما، أو فی أحدهما؟ و قد نسب کل من الوجوه إلی قائل.
و التحقیق أن النکاح فی أصل اللغة یقرب من الضم الدخولی بشهادة الاطراد فی موارد الاستعمال، فإن قولهم تناکحت الأشجار إذا انضم بعضها إلی بعض من هذا الباب، فإن انضمام الأشجار بعضها ببعض لا یخلو غالبا من دخول بعض أغصانها فی بعض الأخری، و إلیه یرجع قولهم: نکح الماء الأرض، إذا اختلط بترابها، فلا یکون الاختلاط معنی مغایرا کما توهم.
و أما استفادة الغلبة منه فی قولهم: نکحه الدواء إذا خامره و غلبه، فإنما هی من جهة المورد فإن جعل الداء ناکحا و الشخص منکوحا یقتضی غلبة الدواء علیه، و قولهم: تناکح الجبلان، إذا التقیا، یرجع إلی ما بیناه أیضا تحقیقا أو تنزیلا، و إلا فمجرد الالتقاء لا یسمی تناکحا بالضرورة، إذ لو صح التعبیر بالتناکح لأجل مجرد
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 470
الملاقاة لم یختص الجبلین و اطرد فی کل ملاقاة.
فاتضح بما بیناه أن الوطی أحد مصادیق النکاح لا أنه حقیقة فیه بخصوصه و إطلاق النکح بالضم علی بضع المرأة من جهة أنه ما به یتحقق انضمام الرجل إلیه فی الدخول، و أما إطلاق النکاح علی عقد الازدواج فیمکن أن یکون تحقیقیا، من حیث إنه مرتبة من الانضمام فی جهة الدخول، إن قلنا بأن مفهوم النکاح أعم من الانضمام الحسی و المعنوی وضعا، و تنزیلیا من جهة تنزله منزلة الانضمام الحسی إن قلنا باختصاصه به وضعا.
فتوهم أنه حقیقة فی العقد بخصوصه مجاز فی الوطی فی غایة البشاعة کما أن توهم کونه حقیقة فی الوطی مجازا فی العقد بعلاقة السببیة و المسببیة باطل أیضا، و إلا صح إطلاقه علی ملک الیمین أیضا تجوزا، مع أن إطلاق السبب علی المسبب و بالعکس إنما یصح فیما إذا اتحدا وجودا و یکون أحدهما منتزعا من الآخر کما أوضحنا الکلام فیه فی محله و سننبه علیه علی أن إطلاق أحدهما علی الآخر بعلاقة السببیة لو سلم فإنما هو فی تسبیب الوجود لا تسبیب الحل و الجواز، و العقد إنما یکون سببا لحل الوطی و جوازه لا لوجوده و تحققه.
و إذا قد اتضح لک ما بیناه فاعلم أن النکاح المنطبق علی الوطی إنما یحل شرعا بأحد أمرین التزویج و ملک الیمین، قال تعالی شأنه" و الحافظون لفروجهم إِلّٰا عَلیٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَکَتْ أَیْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ" فالکلام یقع فی مقامین: الأول: فی عقد التزویج و هو مرتب علی الإنشاء المترتب علی الکلام أو ما بمنزلته و الجمیع متحد فی الوجود الخارجی ضرورة أنه لا وجود للعقد فی الخارج مغایرا للإنشاء، کما أنه لا وجود له مغایرا للکلام أو ما بمنزلته، فإن الصادر عن الشخص فی مقام الإنشاء کالأخبار لیس إلا الکلام أو ما بمنزلته، فإنشاء المنشئ و عقده التزویج فی الخارج لیس إلا کلامه الصادر عنه أو ما بمنزلته، فهما کسائر الأمور الانتزاعیة من التأدیب و التعلیم و التعلم و هکذا متحدان مع منشأ انتزاعهما
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 471
فی الخارج، و یترتب علی کل من الترتب و الاتحاد ما لا یترتب علی الآخر.
فمن جهة الترتب الطبعی و المغایرة التحلیلیة یعد الکلام و ما بمنزلته آلة و سببا للإنشاء و العقد، و من جهة الاتحاد الخارجی یحملان علیه، و قسموا الکلام إلی الإخبار و الإنشاء و عرفوا العقد بالإیجاب و القبول المنطبقین علی الکلام و ما بمنزلته و من آثار الترتب و التعدد صحة إدخال اللام علی التأدیب و الجبن و نحوهما و ترکیبهما مع الضرب و العقود علی وجه التعلیل، فتقول: ضربت للتأدیب و قعدت عن الحرب للجبن.
و من آثار الاتحاد صحة انتصابهما علی التمییز الرافع للإبهام الناشئ من ناحیة النسبة، فتقول: ضربت تأدیبا، و قعدت عن الحرب جبنا، فیمیزان و یبینان الضرب و القعود من حیث وجهه و نوعه.
و قد خفی هذا المعنی علی أهل العربیة فزعموا أن الانتصاب فی هذا النحو من الترکیب علی وجه التعلیل و وقوع المنصوب مفعولا له، و لم یتنبهوا أن الانتصاب لو کان علی وجه التعلیل و ناظرا إلیه لاطرد فی کل علة و لم یختص بالمصدر المتحد مع الفعل وقتا و فاعلا، و قد تنبه الزجاج أن الانتصاب من جهة الاتحاد، حیث أدرج ما سموه مفعولا له فی المفعول المطلق بحذف مصدر مضاف إلیه، و لکن لم یتنبه أن ما سموه مفعولا مطلقا یرجع إلی التمییز أیضا و لیس عنوانا آخر، و قد أوضحنا الکلام فیه فی أساس النحو و شرحه و بینا هناک أن المفعول منحصر فیما سموه مفعولا به.
ثم إن العقد قد یستعمل مصدرا دالا علی الحدث و النسبة إلی الفاعل أی جعل الشی‌ء ذا عقدة المعبر عنه فی الفارسیة (بگره بستن) و قد یستعمل اسم مصدر دالا علی الحدث الصرف و هو العقدة المعبر عنها فی الفارسیة (بگره) و اتحاده مع الکلام باعتبار الأول أقوی منه باعتبار الثانی، فإنه باعتبار الأول دائر مدار الکلام حدوثا و بقاء و لا انفکاک عنه بوجه، و أما باعتبار الثانی فلا یدور مداره بقاء لانفکاکه عنه فی مرحلة البقاء لبقائه بعد انقضاء الکلام کما هو ظاهر.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 472
توضیح الکلام فیه أن الأمور المنتزعة علی نحوین: فمنها ما ینتزع وجوده من وجود منشإ انتزاعه، فیدور الأمر المنتزع حینئذ مدار منشئه حدوثا و بقاء کالفوقیة و التحتیة المنتزعتین من تقابل الجسمین بحیث لو وقع أحدهما لوقع علی الآخر.
و منها ما ینتزع حدوثه من حدوث منشئه فیدور الأمر المنتزع حینئذ مدار منشئه حدوثا لا بقاء، کالطهارة المنتزعة من الوضوء و الغسل و التیمم و الفسق المنتزع من ارتکاب الکبائر.
و العقد باعتبار الأول من قبیل الأول کما أنه بالاعتبار الثانی من قبیل الثانی فإن عقدة النکاح و البیع و هکذا تبقی بعد انقضاء الصیغة.
و من هنا یجوز حل البیع بالفسخ و الإقالة و إزالة النکاح بالطلاق من دون أن ینقلب المنشأ و هو الحدوث إلی اللاحدوث.
و إذ قد اتضح لک ما بیناه فاعلم أن مقسم الأقسام و الجامع بین الأنواع و موضوع الآثار و الأحکام هو المعنی الثانی، ضرورة أن البیع و الصلح و النکاح و هکذا من المفاهیم العقدیة التی تترتب علیها حلیة الوطی و جواز التصرفات إنما تکون أنواعا و أقساما له بهذا المعنی، کما أن الإقالة و الفسخ و الطلاق إنما تلحقه کذلک، فالآثار إنما تدور العلقة الباقیة حدوثا و بقاء لا مدار الصیغة الزائلة.
و إذا اتضح لک أن موضوع الأحکام و مقسم الأقسام هو المعنی الثانی، اتضح لک أنه المبحوث عنه أیضا، ضرورة أنه إنما یبحث عن الشی‌ء لبیان أحکامه.
و حیث خفی ما حققناه علی أکثر المتأخرین من الأصحاب (قدس سرهم) زعموا أن العقد حقیقة هو الإیجاب و القبول، و أن إضافته إلی البیع و سائر الأنواع لامیة إن قلنا أن الأنواع هی الآثار المترتبة علیها، و بیانیة إن قلنا إنها هی الإیجاب و القبول حقیقة.
و قد اتضح لک بما بیناه فساد الجمیع، فإن العقد حقیقة هو الأثر المترتب علیهما و إن اتحد معهما فی الخارج اتحاد الأمر المنتزع مع منشإ انتزاعه، و المبحوث عنه هو المعنی الثانی المفارق عنهما فی مرحلة البقاء فإضافته إلی الأنواع بیانیة بناء علی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 473
تحدیدها بالمعانی المنشئة من الإیجاب و القبول کما هو التحقیق ثم توهم الاختلاف فی أن حقیقتها هل هی من قبیل المعانی المنشئة أو من قبیل الصیغ المشتملة علی الإیجاب و القبول من الغرائب، ضرورة أن الأنواع هی المفاهیم المنشئة القارة القابلة للحوق الإقرار و الحل و الإقالة و الطلاق، و اختلاف تعاریفهم لا یدل علی اختلافهم فی حقائقها لأن الغرض منها تقریب الحقیقة من وجه لا تحقیقها من کل وجه کما هو الشأن فی غالب التعاریف المتداولة فی الکتب المصنفة، فهی شبه التعاریف اللفظیة من حیث عدم تعلق الغرض بالکشف منها إلا فی جملة، فلا یدل اختلاف التعاریف حینئذ علی اختلاف الحقیقة، ضرورة جواز اختلاف التقریبات مع وحدة الحقیقة.
و أعجب منه توهم وقوع النزاع فی وضع ألفاظ العقود من البیع و الصلح و هکذا الإیجاب و القبول، أو للمعانی المنشئة، فنسب إلی بعض وضعها للأول و إن استعماله فی الثانی من قبیل استعمال السبب فی المسبب و إلی آخر عکسه، و إلی ثالث اشتراکهما فی المعنیین، فإن التعاریف إنما هی لبیان حقائق الأنواع لا لتفسیر الألفاظ و بیان وضعها، و لیست الحقیقة النوعیة تابعة للحقیقة اللفظیة کما هو ظاهر مع أن ألفاظ العقود إنما تستعمل فی معنی واحد و هو المفهوم المنشأ من الإیجاب و القبول، فلا مجال للتجوز و الاشتراک، و الإطلاق علی الإیجاب و القبول لا ینافیه إذ یکفی فی صحة الإطلاق الاتحاد فی الخارج مع المغایرة فی المفهوم، کما یقال: الضرب تأدیب و ظلم و قصاص، فیحمل المفاهیم المختلفة علی الضرب مع بقائه علی مفهومه الأصلی، فالتعدد فی الصدق و الإطلاق، لا فی الاستعمال فلا تجوز و لا اشتراک.
ثم إن وضع ألفاظ العقود للإیجاب و القبول و استعمالهما فیهما أو فی أحدهما غیر معقول لاستلزامه اتحاد طرفی الوضع و الاستعمال حینئذ، فإن الإیجاب و القبول عین ألفاظ العقود.
و الالتزام باستعمال مثل: بعت و صالحت و أنکحت.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 474
و هکذا فی آثار الأنواع لا فیها مجازا غیر نافع أولا فی دفع إشکال اتحاد طرفی الوضع، و باطل ثانیا لأن المتعاقدین إنما یکونان فی مقام إنشاء الأنواع لا آثارها و لوازمها، و مناف ثالثا لما ذکروه من اعتبار الألفاظ الصریحة الحقیقیة فی صیغ العقود اللازمة و عدم وقوعها بالکنایات و المجازات، مع أن الالتزام بأن الأنواع هی ألفاظ الإیجاب و القبول و أن المنشأ آثارها لأنفسها یوجب الالتزام یعدم ارتفاع نفس الأنواع بالإقالة و الفسخ بالخیار و الطلاق و هو بدیهی البطلان.
ثم إن الاستعمال بعلاقة السببیة و المسببیة باطل لا أصل له أصلا و إلا اطرد فی جمیع الموارد، و صح إطلاق العقد علی العاقد و السریر علی النجار و التأدیب علی المؤدب و بالعکس و فساده مما لا یخفی علی من له أدنی مسکة.
و قد بینا فی محله أن علاقة السببیة و المسببیة کسائر العلائق المرسلة لا یوجب جواز التجوز، و إنما التجأوا إلیها جهلا بحقیقة الحال و وجه الاستعمال فی الموارد التی استنبطوها منها، فالتجوز ینحصر فی الاستعارة.
بل قد حققنا فی کشف الأستار عن وجه أسرار الروایة العلویة علیه و علی أبنائه الطاهرین آلاف تحیة فی تقسیم الکلام إلی أقسام ثلاثة المنفتح منها أبواب کثیرة المنفتح من کل باب منها أبواب أن التجوز فی اللفظ لا أصل له أصلا حتی فی الاستعارة، لا کما زعمه السکاکی بل علی وجه أدق قد خفی علی جمیع الأقوام، قد استفدناه من أنوار إشاراته علیه السلام.
فاتضح بما بیناه غایة الاتضاح أن المستعمل فیه فی ألفاظ العقود واحد و إن اختلف محل الإطلاق، فلا مجال للتجوز و الاشتراک.
ثم اعلم إن مفهوم العقد حقیقة یختص بالعقدة الحاصلة من شد أحد الحبلین بالآخر، و إطلاقه علی سائر الموارد کنایة أو استعارة، فإطلاقه علی عقود الأصابع و القصب من جهة ارتباط طرفی العظم و القصب و اتصالهما علی نحو یوجب تنزله منزلة العقدة الحاصلة بین الحبلین، کما أن إطلاقه علی ما یقابل الإیقاعات من
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 475
جهة وجود حبلین تنزیلیین من طرف المتعاقدین مشدود أحدهما بالآخر، أو حبل واحد شد أحد طرفیه بالمعقود علیه، کما سیظهر لک تفصیل الحال فی بیان أقسام العقود.
و هکذا الأمر فی إطلاق العقود علی العهود الموثقة الإلهیة المأخوذة فی ولایة مولانا أمیر المؤمنین صلوات الله علیه و علی أبنائه الطاهرین فی عشر مواطن المفسر بها قوله عز من قائل" یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" أو مطلق العهود الإلهیة أو التکالیف الشرعیة، فإن حبل الإلزام من الله تعالی فیها مشدود بحبل الالتزام من المؤمنین.
و من هذا الباب أیضا إطلاق العقدة علی الإشکال لأنه إذا اشتکلت جهات فی أمر و أبهم و خفی وجه المطلب یکون حبل الواقع مشدودا بحبل غیره.
و من هذا القبیل أیضا إطلاق الاعتقاد علی إذعان النفس بأمر علما کان أو اطمینانا، فإن النفس إذا سکنت و استقرت فی أمر یکون حبلها مشدودا بحبله، و من هنا لا ینطبق علی ما دون الإذعان و الاطمئنان من مراتب الظن، ضرورة عدم حصول الشد و العقد مع عدم الإذعان و الاطمئنان.
و بالتأمل فیما بیناه یظهر لک الحال فی سائر الموارد، و إذ قد تحقق لک مفهوم العقد لغة و حقیقة المبحوث عنها فی الفقه، فلا بد لنا من التکلم فی مقامات:.
الأول: فی بیان أن الأصل فیه الصحة و النفوذ، فأقول: إن المفاهیم العقدیة کسائر المفاهیم الإنشائیة من الطلب و التمنی و الترجی و الاستفهام و هکذا أفعال تولیدیة و أمور اعتباریة انتزاعیة تحصل بمجرد وجود منشإ انتزاعها فی الخارج، و لا تکون من قبیل الأحکام الشرعیة تکلیفیة أو وضعیة حتی یتوقف الحکم بالثبوت علی ورود النص.
کشف الحال فیه أن انتزاع فعل و تولده منه علی نحوین: فقد یکون أمرا واقعیا مجبولا علیه الطباع یعرفه العقل و أهل العرف من دون مراجعة إلی الشرع کانتزاع علقة المجاورة و الرفاقة و الشرکة و هکذا حیث تنتزع
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 476
من منشئها مع قطع النظر عن جعل الشرع، نعم للشارع هدم هذا الانتزاع و إبطاله کما سنبین لک إنشاء الله تعالی.
و قد یکون مجعولا بحیث لا یترتب علیه واقعا من دون جعل الشارع، کانتزاع الحدث و الطهارة من أسبابها فإن المترتب علی الغسل و الوضوء واقعا إنما هی النظافة الظاهریة کما أن المترتب علی البول و إنزال المنی هی الخباثة الظاهریة، و انتزاع الطهارة الشرعیة و الحدث الأصغر و الأکبر منها إنما هو بجعل الشارع، و انتزاع العقود من الإنشاءات من قبیل الأول، ضرورة أن الإنشاء کالإخبار أمر عرفی و جهة واقعیة، فکما أن ترتب کشف المفهوم علی الکلام الخبری أمر واقعی عرفی لا یکون مجعولا لأحد، فکذا ترتب حدوث المفهوم علی الکلام الإنشائی، و هذا ظاهر جدا.
فما یظهر من بعض من أن العقد حکم شرعی لا یحکم به إلا بعد قیام الدلیل علیه بمکان من الوهن، نعم قد یکون العقد موضوعا للحکم الشرعی و کأنه اختلط علیه أمر الموضوع بالمحمول و إذا اتضح لک أن العقود واقعیة و أفعال غیر مجعولة تتولد من الإیجاب و القبول ذاتا فاعلم أن انعقادها و انتزاعها من منشئها إنما یکون بعد وقوعها فی المحل و استنادها إلی أهلها فالحکم بالصحة و النفوذ إنما یکون بعد اجتماع أمور ثلاثة تحقق منشإ انتزاع العقد و وقوعه فی محله و صدوره من أهله.
و توضیح الکلام فیه غایة الإیضاح یتوقف علی بسط الکلام فی کل من الأمور الثلاثة و بیان ما یعتبر فیها عرفا و شرعا.
فأقول بعون الله تعالی و مشیته: یعتبر فی الأمر الأول عرفا و شرعا الإیجاب و القبول ما إذا کان العقد لازما ذاتا، أو کان من قبیل الهبة و النکاح و لا بد من توصلهما و تولیهما حینئذ لأنهما بمنزلة أمر واحد فی مرحلة انتزاع العقد منهما فلا مجال لانتزاعه منهما مع انفصال أحدهما عن الآخر بما یخرج عن الاتحاد.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 477
و أما اللفظ و العربیة و الماضویة و الصراحة و تأخر القبول عن الإیجاب و تعدد الموجب و القابل و بلوغهما و اختیارهما فلا تعتبر فیه عرفا، و مع عدم قیام الدلیل علی اعتبارها شرعا و وقوع الشک فیه الأصل عدم الاعتبار و مقتضاه الحکم بالصحة و انعقاد العقد مع وقوعه فی محله و صدوره عن أهله و توهم أن الأصل عدم تحقق العقد حینئذ و الأخذ بالقدر المحقق منه فی غیر محله لأن مرجع الاشتراط الشرعی إلی تضییق دائرة منشإ الانتزاع العرفی فمع الشک فیه إنما نشک فی وجود المانع مع إحراز المقتضی فیحکم حینئذ بالصحة أخذا بالمقتضی المعلوم و إلغاء للمانع المشکوک.
نعم یتم ذلک فی الشرط العرفی إذ الشرائط العرفیة لها دخل فی تحقق الاقتضاء فمع الشک فی تحققها و لو مع الشک فی أصل الاشتراط لا یکون المقتضی محرزا، لأن المراد بالمقتضی فی باب الاستصحاب ما له دخل فی وجود المقتضی مع اتحادهما خارجا اتحاد الأمر المنتزع مع منشإ انتزاعه لا مجرد السبب.
إذا تحقق لک ما بیناه فاعلم أنه قد قام الإجماع علی اعتبار اللفظ فی الإیجاب و القبول مع قدرة المتعاقدین علی النطق و هو المعتمد.
و أما العربیة و الماضویة و الصراحة و ترتب القبول علی الإیجاب و تعدد القابل و الموجب فلم ینهض علی اعتبارها ما یعتمد علیه کما هو ظاهر لمن راجع إلی کلماتهم (قدس سره) إلا أنه لا ینبغی ترک الاحتیاط فی ما عدا الأخیر سیما فی الثلاثة المتقدمة.
و أما البلوغ فقد اشتهر اعتباره فیه و أنه لا یصح عقد الصبی مطلقا و أنه مسلوب العبارة کالبهائم، و التحقق أن عبارته تامة فیصح عقده لنفسه و لغیره و إنما لا ینفذ عقده فیما یرجع إلی نفسه من دون إذن ولیه لعدم ولایته علی نفسه و ماله فیقع عقده حینئذ فضولیا فإن إجازة الولی أو هو بعد بلوغه و رشده نفذ و إلا فلا.
و أما عقده لغیره فإن کان بإذنه فهو نافذ و إلا فهو فضولی أیضا موقوف مراعی، یستقر فی الصحة بإمضائه و فی البطلان برده.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 478‌

(فائدة 69) [فی انقسام العقود]

تنقسم العقود إلی ما یکون لازما بالذات من الجانبین، و ما یکون جائزا کذلک و ما یکون جائزا ذاتا من طرف الموجب دون القابل، و ما یکون بالعکس و الضابط فیه أنه إن کانت نسبة العلقة المتکونة و العقدة المنعقدة من إنشائی المتعاقدین إلیهما علی حد سواء، و یکون العقد حینئذ لازما بالذات من الجانبین، إذ کما لم یکن أحد المتعاقدین حینئذ منفردا بإیجابه لم یستقل أحدهما فی رفعه و حله و إلا لزم سلطنة أحدهما علی الآخر، و ذلک کعقد البیع و الإجارة و الصلح المعاوضی، فإن کلا منها یشتمل علی بدلیتین بدلیة المعوض عن العوض و بدلیة العوض عن المعوض و من المعلوم أنه لا تأثیر لعمل أحد المتعاقدین إلا فی إحدی البدلیتین لعدم سلطنته إلا علی إحدی المالین فمجموع البدلیتین إنما یتکون من عملی المتعاقدین فهما متشارکان فی إیجاب العلقة و لا یختص الإیجاب بأحدهما، و مقتضی اشتراکهما فی إیجاب العلقة عدم استقلال أحدهما فی حله و رفعه إلا بسلطنة جدیدة و هذا معنی اللزوم الذاتی.
فإن قلت ترکیب العقد من بدلیتین ممنوع لأن بدلیة مال عن مال یستلزم بدلیة الآخر عنه، و لا مجال لتحقق البدلیة من أحد الطرفین مع عدم تحققها من الطرف الآخر، فالعلقة لا تکون مرکبة من عملین مستندة إلی المتعاقدین بل هی عمل واحد
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 479
و إن اشتمل علی لازم و ملزوم فهی صادرة عن أحد المتعاقدین و الآخر قابل له.
قلت: بدلیة أحد المالین عن الآخر لا تستلزم بدلیة الآخر عنه أ لا تری أن بدل الحیلولة مثلا أو قیمته بدل عن التالف و لا یکون التالف بدلا عنه بل باقیا علی ملک صاحبه و لذا لو عاد التالف یرجع البدل إلی المتلف و یعود التالف إلی صاحبه و الحاصل أن بدلیة مال عن مال کبدلیة شخص عن شخص و نیابته عنه فکما أن نیابة الوکیل عن الموکل لا تقتضی نیابة الموکل عن الوکیل فکذلک بدلیة مال عن مال لا تقتضی بدلیة الآخر عنه و لا تستلزمه.
فإن قلت: لو اشترک المتعاقدان فی إیجاب العقد و کان العقد صادرا منهما علی حد سواء لزم أن یتساویا فی نسبة إیجاب العقد إلیهما، مع أنه یختص أحدهما بکونه موجبا و الآخر بکونه قابلا و انفراد أحدهما بالإیجاب و الآخر بالقبول دلیل علی عدم اشتراکهما فی الإیجاب.
قلت: اختلاف المالین فی تعلق القصد أصالة بأحدهما و تبعا بالآخر من حیث المبادلة أوجب اختلافهما فی صیرورة أحدهما مثمنا و الآخر ثمنا، و العمل المتعلق بأحدهما إیجابا و بالآخر قبولا، و عامل أحد العاملین موجبا و الآخر قابلا.
توضیح الحال أن نظر المتبایعین فی البیع ابتداء أو أصالة إلی المتاع تسلیما و تسلما، و ثانیا و تبعا إلی النقد من جهة أنه وصلة إلی المتاع فصار المتاع أصلا فی مرحلة إیجاد البیع و النقد تبعا، و إن کان قوام البیع بهما فی مرحلة انعقاد العلقة فکان البیع حینئذ واقع علی المتاع و صادر من صاحبه فبهذه الملاحظة صار المتاع مبیعا و صاحبه بائعا و عمله بیعا و صار النقد ثمنا و صاحبه مبتاعا و عمله قبولا للبیع و هکذا الأمر فی عقد الإجارة فإن نظر الموجر و المستأجر أصالة إلی تملیک المنفعة و تملکها و لا یکون نظرهما إلی الأجرة إلا تبعا و توطئة و وصلة إلی المنفعة المعقود علیها، و لذا صار صاحب المنفعة موجرا و صاحب الأجرة مستأجرا و أما المصالحة فلا یتمحض أحد طرفیها فی کونه موجبا لا نظر المتعاقدین
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 480
فیها إلی ما صولح علیه و به علی حد سواء، و لذا یجوز لکل منهما أن یوجب المصالحة من قبل نفسه فیقول لصاحبه: صالحتک علی ما ذکر بما ذکر، و یقول الآخر قبلت هکذا.
فإن قلت: سلمنا أن عقود المعاوضات تشتمل علی بدلیتین، و لکن مجرد اشتمالها علی بدلیتین لا یقتضی لزومها، و لم لا یجوز حینئذ أن یرجع کل منهما عن عمل نفسه قلت: لو کان عمل کل منهما مستقلا و کان متحققا فی الخارج مع قطع النظر عن الآخر لاستقل کل منهما فی الرجوع عن عمل نفسه و أما إذا لم یکن مستقلا بحیث لا یتحقق فی الخارج إلا مع الآخر و کان المتحقق فی الخارج أمرا وحدانیا منحلا إلی أمرین، کما هو الحال فی المقام لا یستقل کل منهما فی الرجوع عن عمل نفسه لأن رجوعه عن عمل نفسه یتوقف علی إزالة عمل صاحبه و لا سلطنة له علیه حتی یتمکن من إزالة عمله.
نعم إذا اجتمعا علی إقالة العقد فلهما حله حینئذ لأن کلا منهما یرجع عن عمل نفسه من دون استلزام لإزالة عمل صاحبه و إن کان العقد مرکبا من إیجاب و قبول و کان صدوره من أحد الطرفین و هو الموجب له و الطرف الآخر مطابق صرف و قابل محض و لا دخل له فی إیجاب العقد بوجه کالهبة و الرهن لا یقتضی اللزوم من الجانبین و إن اقتضاه من أحد الطرفین.
توضیح الحال: أن عقد الهبة عبارة عن تملیک عین مجانا و من المعلوم أن التملیک فعل الواهب و لا دخل للمتهب فی إیجابه و إنما یتوقف تحققه علی قبول المتهب و مطاوعته إیاه من جهة أنه لیس مقهورا علی القبول فکما للواهب إیجاب الهبة و عدمه فکذا للمتهب القبول و عدمه.
و دخول العین فی ملکه یتوقف علی قبوله فقبوله إنما یعتبر لأجل تتمیم المحل من حیث الانفعال لا لأجل تتمیم الفاعل فی فعله، ضرورة أن حبل العین بید الواهب و إلقاءه إلی المتهب علی وجه التملیک إنما هو فعله
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 481
و اتهاب المتهب إنما هو أخذ الحبل الملقی إلیه لا فعل فی عرض فعل الواهب فلا تأثیر له فی الفعل و إنما له التأثیر فی الانفعال من جهة أن دخول العین فی ملکه إنما یکون باختیاره و مطاوعته فرجوع الواهب عن هبته حینئذ إنما یکون رجوعا عن عمل نفسه و لیس فیه حل و إزالة العمل صاحبه.
و لذا اتفق الأصحاب (قدس سره) علی أن رجوع الواهب عن هبته حکم لاحق قابل للإسقاط بخلاف الخیار الثابت فی عقود المعاوضات فإنهم اتفقوا علی أنه حق قابل للإسقاط لرجوعه إلی سلطنة ذی الخیار علی حل عمل صاحبه و إزالته فهی سلطنة جدید ثابتة إما بجعل الشرع أو باشتراط المتعاقدین فی متن العقد.
فإن قلت: مجرد کون الهبة فعل الواهب و علمه لا یقتضی جواز رجوعه عنها لخروج العین الموهوبة عن ملک الواهب و دخولها فی ملک المتهب فلا ینفذ تقلب الواهب فیها لعدم سلطنته علی المتهب و ماله.
قلت: سلطنته علی الرجوع عنها لا تکون من شئون ملک العین حتی یقال إنه لا موضوع لها بعد الهبة الخروج العین الموهوبة عن ملکه بل من شئون سلطنته علی عمله و هو التملیک إذ کما له إحداثه و إیجاده، فکذلک له إبقاؤه و إزالته ما لم یصادف مانعا، و هذه السلطنة أی سلطنته العمل علی عمله باقیة حتی فی العقود اللازمة.
و من هنا تنفذ الإقالة من المتبایعین و لو زالت سلطنتهما علی عملهما بلزوم العقد لزم أما بطلان الإقالة أو رجوعها إلی عقد الحل لا حل العقد کما نسب إلی أبی حنیفة و اللازم بکلا شقیه باطل بالضرورة هذا کله بالنسبة إلی الواهب.
و أما المتهب فلا یستقل فی الرجوع عنها بمعنی إلقاء حبل الموهوبة إلی الواهب و إدخاله فی ملکه لعدم سلطنته علی الواهب حتی یدخلها فی ملکه قهرا فلا تدخل فی ملکه إلا بإیجاب جدید منه و قبول الواهب إیاه و هذا معنی لزوم الهبة بالنسبة إلیه.
و أما الرهن فهو کالهبة مرکب من إیجاب و قبول محض لأنه عبارة عن إعطاء ولایة للمرتهن فی استیفاء حقه من العین المرهونة فإیجابه من الراهن و لا دخل
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 482
للمرتهن فی إیجابه بوجه، و إنما هو مطاوع و قابل له و لکنه بعکس الهبة لازم من طرف الموجب دون القابل و وجهه واضح.
أما لزومه من طرف الراهن فلأن نفوذ رجوعه عن الرهن مستلزم لسلطنته علی المرتهن فی إسقاط حقه و من المعلوم أنه لا سلطنة له علی ذلک فلا مجال لرجوعه عنه، و أما جوازه من قبل المرتهن فلأنه مسلط علی نفسه و جهاته و الرهن من جهاته و حقوقه و من له الحق مخیر فی استیفاء حقه و إسقاطه و هذا معنی جواز الرهن من قبله.
و إن کان العقد متحققا من قبل الموجب و لا یتوقف فی تحققه علی قبول الطرف و إن توقف علیه هو باعتبار آخر کالوکالة و الودیعة و العاریة و نظائرها من العقود الإذنیة یکون جائزا من الجانبین و یستقل کل منهما فی الرجوع عن عمله.
توضیح ذلک: أن التوکیل عبارة عن جعل الوکیل قائما مقام الموکل فی نفوذ تصرفه فیما وکل فیه.
و من المعلوم أنه یتحقق ذلک المعنی بإیجاب الموکل ضرورة أن جواز تصرف الوکیل فیما وکل فیه من التزویج و الإیجار و الاستیجار و البیع و الشراء، و هکذا من التصرفات و التقلبات التی هی من شئون الموکل إنما یحصل بإذنه و ترخیصه و لا یستلزم التصرف فی شئون الوکیل و جهاته حتی یتوقف علی قبوله، و لذا ینفذ تصرفه فیما وکل فیه قبل إنشائه القبول و الاکتفاء بالقبول الفعلی فی العقود الإذنیة یرجع إلی ما بیناه لا إلی احتیاج التوکیل إلی إنشاء القبول و قیام إتیان الوکیل بما وکل فیه مقام إنشاء القبول و إلا لزم ترتب الوکالة علیه ترتب العقد علی تحقق سببه من الإیجاب و القبول فیلزم حینئذ عدم تحقق الفعل عن الوکالة و عدم نفوذه ضرورة أنه لا یعقل أن یکون المحقق للشی‌ء متحققا منه.
و هکذا الأمر فی سائر العقود الإذنیة فإن إذن المعیر و المودع کاف فی تحقق جواز الانتفاع للمستعیر و حفظ الودیعة للودعی، و لا یتوقف جواز الانتفاع بالعین المستعارة و حفظ الودیعة علی قبول المستعیر و الودعی و کذلک الحال فی سائر العقود الإذنیة من الشرکة و المضاربة و هکذا: فالقبول لا تأثیر له فی العقود
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 483
الإذنیة بوجه و إنما له التأثیر فی غرض الموجب و هو تعهد حفظ الودیعة و العین المستعارة و مباشرة أمر الوکالة و هکذا من الآثار المقصودة المترتبة علی القبول.
و من هنا لا یعتبر فیها التواصل و التوالی بین الإیجاب و القبول باتفاق الأصحاب (قدس سرهم).
و بما بیناه ظهر أنه لو تصرف الوکیل فی مال موکله مثلا قبل وصول خبر التوکیل إلیه طبق ما وکله یقع صحیحا غیر موقوف علی إمضاء موکله لأن تصرفه حینئذ لم یکن فضولیا حتی یقع موقوفا علی إمضاء الأصیل.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 484‌

(فائدة 70) اعلم أنه لا جبر و لا تفویض فی أفعال العباد بل أمر بین الأمرین

و منزلة بین المنزلین و توضیح المرام یتوقف علی بیان شبهات الجبریة و المفوضة و دفعهما حتی یتضح فصل القول فی المقام و یتحقق أنه لا جبر و لا تفویض.
فأقول: عمدة شبهات الجبریة ترجع إلی أمور أربعة: الأولی: أنه لا یمکن صدور فعل من العبد علی خلاف مشیة الباری تعالی شأنه و إلا لزم أن یکون العبد مستقلا فی قدرته و استطاعته و هو باطل بالضرورة، فلا یصدر منه فعل إلا بمشیته تعالی شأنه و مع مشیته تعالی شأنه تکون إرادة العبد مقهورة تحت إرادته تعالی شأنه، فتکون إرادته حینئذ کلا إرادة فیکون مجبورا فی أفعاله.
و الثانیة: أن الشی‌ء ما لم یجب لم یوجد و هذه قضیة ضروریة لا شبهة فیها ففعل العبد إنما یوجد فی الخارج بعد وجوبه و مع وجوبه لا یمکنه ترکه فیکون مضطرا فی فعله.
و الثالثة: أن ما بالغیر لا بد أن ینتهی إلی ما بالذات و هذه قضیة ضروریة ففعل العبد لا بد أن ینتهی إلی الواجب بالذات و هو الباری تعالی شأنه، فالفعل صادر منه تعالی شأنه فی الحقیقة و إن کان محل صدوره العبد.
و الرابعة: أنه تعالی عالم بأفعال العباد قبل صدورها منه و یستحیل تخلف العبد
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 485
عما علم به الباری تعالی شأنه فیکون مضطرا فیه، ضرورة أن الفعل الاختیاری ما یکون الفاعل مختارا فی فعله و ترکه و یتمکن من إعمال القدرة فی کل من الفعل و الترک و أما ما لا بد من وقوعه فهو اضطراری.
و الجواب عن الشبهة الأولی أن مشیة الباری تعالی لا تتعلق بفعل العبد أصلا حتی یردد أمرها بین تعلقها بإیجاد الفعل أو الترک و یلزم ما ذکروه من المحذور، و إنما تعلقت بجعل العبد قادرا علی إیجاد الفعل و الترک و إرسال عنانة إلی أمد معدود فی أفعال مخصوصة حتی یمتحن و یظهر سریرته و یتم الحجة علیه قال عز من قائل أَ حَسِبَ النّٰاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لٰا یُفْتَنُونَ، وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللّٰهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکٰاذِبِینَ.
و من المعلوم أن الامتحان لا یتحقق إلا مع کونه قادرا مختارا فی الفعل و الترک ضرورة أن عنوان الطاعة و العصیان لا یتحققان مع کونه مجبورا فی فعله، فانکشف بما بیناه أن الطاعة و العصیان مشترکتان فی عدم تعلق المشیة التکوینیة بهما و أنه لا یعقل مع تحقق العنوانین فی أفعال العباد تعلق المشیة التکوینیة بها و ما ورد من أنه لا یصدر من العبد طاعة و لا معصیة إلا بمشیة الباری تعالی شأنه و أنهما مشترکان فی کونهما موردین للمشیة لا ینافی ما بیناه، لأن المقصود منه أن الطاعة و المعصیة لا یصدران من العبد إلا بتقدیر فی الفعل و مهلة فی المدة من قبل الرب تعالی ردا علی المفوضة الزاعمین أن العبد مرسل و لا تقدیر و لا تحدید فی أفعال العباد من قبله تعالی شأنه هذا بالنسبة إلی الإرادة التکوینیة.
و أما بالنسبة إلی الإرادة التشریعیة فمختلفان فإن الطاعة مأمور بها و مرضاة للرب تعالی و العصیان منهی عنه و سخط له تعالی شأنه.
و الجواب عن الشبهة الثانیة أن مجرد وجوب وجود المعلول لأجل وجود علته التامة فی الخارج لا یوجب خروجه عن تحت الاختیار بل یختلف حاله باختلاف علته، فإن کانت غیر اختیاریة فالمعلول کذلک و إن کانت اختیاریة فکذلک، أ تری
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 486
أن حرکة الأصابع الملازمة للکتابة الاختیاریة اضطراریة لأجل وجوب وجودها من قبل وجود الکتابة، کلا ثم کلا بل هو مختار فی حرکة الأصابع کما أنه مختار فی الکتابة.
و المقام من هذا القبیل فإن العبد لا اضطرار له فی إیجاد الإرادة بل یکون مختارا فیه بل هی عین الاختیار فلا یکون مضطرا فی الفعل الذی هو معلول عنها و أیضا لو کان وجوب وجود المعلول بواسطة وجود العلة التامة موجبا لصیرورة الفاعل مضطرا فی فعله لزم أن یکون الباری تعالی مضطرا فی فعله لأن فعله تعالی مسبوق بمشیته و هی تامة فی وجود الفعل و اللازم باطل بالضرورة و کذا الملزوم و هذا فی غایة الوضوح و الظهور.
و الجواب عن الشبهة الثالثة أن انتهاء ما بالغیر إلی ما بالذات لا یوجب اضطرار العبد فی أفعاله إذ مقتضاه عدم وجود ما بالغیر من دون انتهائه إلی ما بالذات، و أما انتهائه إلیه علی وجه الاضطرار فلا، و الفعل الصادر من العبد علی وجه الاختیار منته إلی الواجب تعالی شأنه و دلیل علیه، إذ لو لم یکن الواجب بذاته لم یکن فی الخارج ممکن حتی یصدر فعل منه.
و قد خفی الأمر فی المقام علی بعضهم فزعم أن الانتهاء إلی ما لا بالاختیار ینافی العقاب علی فعل العبد من الکفر و العصیان فأجاب" بأن العقاب إنما یتبع الکفر و العصیان التابعین للاختیار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتیة اللازمة لخصوص ذاتهما فإن السعید سعید فی بطن أمه و الشقی شقی فی بطن أمه و الناس معادن کمعادن الذهب و الفضة کما فی الخبر و الذاتی لا یعلل فانقطع سؤال أنه لم جعل السعید سعیدا و الشقی شقیا فإن السعید سعید بنفسه و الشقی شقی کذلک و إنما أوجدهما الله تعالی" و فیه نظر من وجوه:.
الأول أن الانتهاء إلی ما لا بالاختیار لو لم یکن منافیا للاختیار لا حاجة إلی هذا التکلف الذی ارتکبه و لو کان منافیا للاختیار فی نظره لا یندفع الإشکال بانتهاء کفره و عصیانه إلی شقاوته الذاتیة اللازمة لذاتهما.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 487
و الثانی: أنه لو کانت الشقاوة ذاتیة لزم أن لا یستحق العقاب علی ما یلزمها من الکفر و العصیان، لخروجهما عن اختیاره حینئذ، و لا یصلحه أن الذاتی لا یعلل.
و الثالث: أنه کما یکون وجود الممکن فعلا للواجب تعالی شأنه و مستندا إلیه فکذلک الماهیات من الإنسانیة و الحجریة و الشجریة، و هکذا من الماهیات و لوازمها لأنها تعینات للوجود و لا یعقل صدور الوجود من دون تعینات فلو کانت السعادة و الشقاوة ذاتیتین للسعید و الشقی بحیث لا یمکنهما التخلف عنهما و أوجدهما الله تعالی بهاتین الصفتین لزم استنادهما إلیه، و أن تکونا فعلین له تعالی شأنه فیعود الإشکال و ما اشتهر من:" أن الله تعالی لم یجعل المشمشة مشمشة بل أوجدها". إن أرید منه أنها لم تجعل بجعل تألیفی بل جعلت بجعل بسیط فهو کذلک.
و إن أرید منه أنها لا تکون مجعولة أصلا و أن الماهیات أعیان ثابتة کما نسب إلی بعض فهو باطل جدا، و بالجملة ما ذکره زلة فاضحة لا ینبغی الإصغاء إلیه.
فإن قلت: ما معنی الروایة الشریفة حینئذ؟.
قلت: الروایة نبویة و قد فسرت فی روایة أهل البیت علیه السلام بأن المراد منها أنه علم الله تعالی أنه سیسعد و هو فی بطن أمه و أنه سیشقی و هو فی بطن أمه.
و الجواب عن الشبهة الرابعة أن عدم جواز تخلف العبد عن علم الباری تعالی شأنه لا یوجب اضطرار العبد فی فعله، لأن العلم عبارة عن انکشاف المعلوم علی ما هو علیه عند العالم، فلا یعقل تأثیره فی المعلوم و صیرورته اضطراریا بواسطة تعلق العلم به فإن کان المعلوم مع قطع النظر عن تعلق العلم به اختیاریا فهو بلحاظ تعلق العلم به اختیاری أیضا و لا یعقل انقلابه إلی الاضطراری بواسطة تعلق العلم به و إلا لزم عدم مطابقة العلم مع المعلوم.
و أما التفویض بمعنی إرسال عنان العبد و إطلاقه بحیث یکون العبد مستقلا بمعنی أنه إن شاء فعل سواء شاء الله ذلک أو شاء عدم وقوعه فهو باطل بالضرورة، إذ قدرته إنما هی بمشیة الباری تعالی شأنه فلا یعقل استقلاله فیها، و کذلک التفویض
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 488
بمعنی إطلاق عنان العبد و إرساله بحیث یقدر إمضاء ما شاء و أراد، من دون تقدیر و قضاء فی أفعاله و لو لم یکن مستقلا فی فعله، لأنه إهمال للحکمة و مناف لمصلحة نظام الکل، فوجب فی الحکمة لأجل امتحانه و افتتانه إطلاق عنانة مع تقدیر و قضاء فی أفعاله، بحیث لا یقدر علی ما یتجاوز إلی ما یخالف الحکمة و مصلحة نظام الکل، و هذا معنی أمر بین الأمرین و المنزلة بین المنزلتین.
و بما بیناه تبین أن القضاء و القدر جاریان فی أفعال العباد کما یجریان فی سائر شئونهم، و لا یوجبان إجبارهم علی فعل ما قدر لهم و إنما یوجبان منعهم عما لم یقدر لهم، و ما ورد فی بعض الأدعیة من مساعدة القضاء علی ما یرتکبه العبد من العصیان إنما هی من جهة إمهاله و إطلاق عنانة و عدم منعه عما قدر له.
فإن قلت: الإرادة من جملة أفعال العباد و الأشیاء الحادثة منه، و الشی‌ء ما لم یجب لم یوجد، فما لم تجب الإرادة لم توجد فی الخارج، و إذا وجبت لم یکن الشخص مختارا فی الإرادة و الفعل المنبعث عنها.
قلت: إرادة العبد فعلا من أفعاله عبارة عن إعمال اختیاره فلا یعقل أن تصیر واجبة خارجة عن تحت اختیاره، و قضیة الشی‌ء ما لم یجب لم یوجد لا تجری فی الإرادة کما هو ظاهر، و إنما تحدث الإرادة فی النفس بسبب الدواعی لا بالعلة الموجبة، ضرورة أن الوجوب إنما یجری فی المحل القابل له و الإرادة لا تقبل الوجوب.
و الحاصل أن کل فعل منبعث عن إرادة الفاعل فهو اختیاری و کل فعل لا ینبعث عنها فهو اضطراری، فما لک اختیاریة الفعل هی الإرادة فلا یعقل جریان الاضطرار فیها.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 489‌

(فائدة 71) [فی أن المفاهیم الإنشائیة فی العقود و الإیقاعات لا توجد فی الخارج بالإنشاء]

قد نسب إلی بعض المعاصرین أن المفاهیم الإنشائیة فی العقود و الإیقاعات لا توجد فی الخارج بالإنشاء، و إنما هی معان ذهنیة ثابتة فی النفس و صیغ الإنشاءات إنما تبرزها و تکشف عنها، لأنها أمور اعتباریة لا وجود لها فی الخارج و إنما یعتبرها المنشئ فی نفسه قبل الإنشاء.
غایة الأمر أنه لا یترتب الأثر علی هذا المعنی النفسی إلا بعد وجود مبرز فی الخارج، فالإنشاء کالخبر کاشف و حاک و لا فرق بینهما فی هذه الجهة، و إنما یفترقان فی أن الخبر کاشف عن الخارج و الإنشاء کاشف عن الأمر النفسی من أنحاء العلائق و الالتزامات.
أقول: التحقیق أن المفاهیم الإنشائیة فی العقود و الإیقاعات أمور انتزاعیة من صیغ إنشائیة مترتبة علیها موجدة منها علی وجه الانتزاع لا علی وجه الاستقلال و لا ینافی کونها أمورا اعتباریة عدم انتزاعها إلا من الصیغ الموجودة فی الخارج کما أنه لا ینافی مع انتزاعها منها و ترتبها علیها عدم انتزاعها منها إلا مع سبق المعنی الذهنی علیها، بحیث لو لا تصورها قبل فی الذهن لا یتحقق الانتزاع.
توضیح الکلام فیه: أن الأمور الانتزاعیة الاعتباریة علی قسمین:
أحدهما: ما ینتزع من منشئه سواء کان فعلا لفاعل أم لا، کالزوجیة المنتزعة من الأربعة مثلا الفوقیة التحتیة المنتزعتین من تقابل الجسمین بحیث لو وقع
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 490
أحدهما لوقع علی الآخر، و هذا القسم منتزع من عرض متأصل موجود فی الخارج و لا یتوقف انتزاعه منه علی اعتبار معتبر و تصور متصور، و معنی اعتباریته أنه لا استقلال له فی الوجود لا أنه یتوقف تحققه علی اعتبار معتبر.
و ثانیهما: ما ینتزع من فعل فاعل و هو علی قسمین أیضا: أحدهما: ما ینتزع منه قهرا قصده الفاعل أم لا، کتولد الإحراق من إلقاء الحطب فی النار.
و ثانیهما: ما لا ینتزع منه إلا مع قصد الفاعل إیاه، کالتأدیب و القصاص المنتزعین من الضرب و نحوه و التعظیم المنتزع من القیام و نحوه، و الأمر المنتزع متحد مع منشإ انتزاعه فی الخارج و مترتب علیه طبعا، و لذا یصح حمله علیه فیقال: الضرب منه تأدیب و منه قصاص و منه ظلم، و أن یجعل المنتزع علة غائیة لمنشإه فیقال: ضربت للتأدیب، و لا منافاة بینهما لاختلاف الاعتبارین، فباعتبار متحد معه و باعتبار علة غائیة له یتأخر وجودها عنه.
ثم إن الأمر المنتزع قد ینتزع حدوثه من حدوث شی‌ء فیتحدان فی مرحلة الحدوث و إن انفک وجود أحدهما من وجود الآخر، کعلقة الازدواج و المبادلة و سائر العلائق المنتزعة من الإیجاب و القبول، فإن حدوثها منتزع من حدوثهما، فهی متحدة معهما فی الحدوث منفکة عنهما فی الوجود فإنها باقیة بعد انقضائهما، و قد ینتزع وجوده من وجود شی‌ء فیدور الأمر المنتزع حینئذ مدار منشإ انتزاعه وجودا و عدما، کالفوقیة و التحتیة المنتزعتین من تقابل الجسمین فإنهما باقیتان مع بقائه و زائلتان بزواله.
فتبین بما بیناه أن المفاهیم الإنشائیة فی العقود و الإیقاعات منتزعة من حدوث الإنشاء فی الخارج و حادثة به علی وجه الانتزاع لا علی وجه الاستقلال، و أنه لا ینافی منه احتیاجه إلی قصد الفاعل إیاها بحیث لو لا قصده إیاها لا تنتزع منه، کاحتیاج انتزاع التأدیب من الضرب مثلا علی قصد الضارب إیاه، فکما أن التأدیب لا یتحقق إلا بعد تحقق الضرب فی الخارج و بتحققه یتحقق علی وجه الانتزاع و المعنی النفسی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 491
السابق علیه إنما یکون مقدمة، فکذلک المفاهیم الإنشائیة فی العقود و الإیقاعات إنما تتحقق بحدوث الإنشاء فی الخارج علی وجه الانتزاع و ما فی النفس لا یکون إلا مقدمة و لو کان الأمر کما توهم من أنها أمور اعتباریة ذهنیة لا وجود لها فی الخارج أصلا حتی علی وجه الانتزاع لزم أن یترتب علیها الآثار، سواء تحقق فی الخارج ما یبرزها و یکشف عنها أم لا، و أیضا لو تنزلنا و قلنا بلزوم وجود مبرز و کاشف عنها فی ترتیب الآثار لزم جواز الاکتفاء بالقضیة الخبریة فی ترتیب الآثار، إذ لا فرق بینها و بین القضیة الإنشائیة حینئذ فی تحقق إبراز ما فی الضمیر بهما.
فإن قلت: نعم مقتضی المیزان ترتب الآثار علی ما فی الضمیر مطلقا سواء تحقق مبرز فی الخارج أم لا، و سواء کان المبرز إنشاء أم إخبارا و لکن لا مانع من تقیید الشارع ترتیب الأثر علیه علی وجود مبرز مخصوص فی الخارج.
قلت: عدم ترتیب الأثر علی ما فی الضمیر من دون إنشاء لیس شرعیا تعبدیا حتی ینسب التقیید إلی الشارع، بل هو أمر عرفی واقعی ثابت فی حد نفسه، و من المعلوم أن الکاشف فی حد نفسه طریق إلی الواقع و لا موضوعیة له، فعدم ترتب الأثر علیه إلا بعد تحقق الإنشاء فی الخارج قولا أو فعلا کاشف عن عدم تمامیته إلا بالإنشاء و عدم تمامیته إلا به یدل علی ما بیناه من انتزاعه منه.
ثم إن ما ذکره من الفرق بین الخبر و الإنشاء من أن الأول کاشف عن الخارج و الثانی کاشف عما فی الضمیر إن أرید منه أن الکلام مطلقا ناظر إلی الکشف عن مفهومه و ینقسم إلی قسمین باعتبار اختلاف المکشوف عنه، فإن کان کاشفا عنه بقید کونه فی الخارج فهو خبر، و إن کان کاشفا عنه بقید کونه فی النفس فهو إنشاء، فهو باطل جدا، لأن الکلام المجعول فی وزان الواقع و الناظر إلی الکشف عن مفهومه خبر سواء جعل ناظرا إلی الکشف عما فی الضمیر کمقام الإفتاء و الشهادة و إظهار الحیاة، أم إلی الخارج کما هو الشائع الغالب فی الاستعمالات
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 492
و لذا یحتمل الصدق و الکذب و یتطرق إلیه المطابقة و عدمها.
بل الخبر مطلقا ناظر إلی الکشف عما فی الضمیر ابتداء، و لکن قد یکون النظر الأصیل إلی الخارج و یکون النظر إلی ما فی الضمیر توطئة للکشف عنه کما هو الشائع فی الاستعمالات و یکون صدق الکلام و کذبه حینئذ باعتبار مطابقته مع الخارج و عدم مطابقته معه، و قد یکون النظر الأصیل إلی الکشف عما فی الضمیر و لا نظر له إلی الخارج کالمقامات المزبورة، و یکون صدق الکلام و کذبه حینئذ باعتبار مطابقته مع ما فی الضمیر و عدمها.
فانقسام الکلام إلی الخبر و الإنشاء باعتبار جعله فی وزان الواقع و ناظرا إلی الکشف عنه، و جعله لا فی وزان الواقع، فإن جعل وزان الواقع و ناظرا إلیه فهو خبر سواء طابقه أم لم یطابقه، و إن لم یجعل فی وزان الواقع و ناظرا إلی الکشف عنه بل جعل لغرض آخر من طلب مفهومه أو الاستعلام عنه أو تمنیه أو ترجیه أو إیجاده و هکذا من الأغراض فهو إنشاء، و لذا لا یکون الکلام حینئذ محتملا للصدق و الکذب و موردا للمطابقة و عدمها.
ضرورة أن الکلام إذا لم یکن فی مقام تطبیقه علی الواقع لم یتصف بالمطابقة و عدمها.
فالمنشئ فی مقام العقد و الإیقاع أن جعل کلامه ناظرا إلی الکشف عما فی الضمیر فهو حینئذ مخبر عما فی ضمیره و کلامه خبر لا إنشاء، و إن لم یجعل کلامه فی وزان الواقع و الکشف عنه، فإن جعله فی مقام إیجاد مفهومه و إثباته فهو مخالف لما ذکره، و إن جعله فی مقام غرض آخر من الأغراض المترتبة علی الإنشاء من الطلب أو التمنی أو الترجی و هکذا لزم عدم تحقق العقد و الإیقاع حینئذ، و إن لم یجعله فی مقام غرض معین من الأغراض المترتبة علی الإنشاء لزم أن یکون کلامه لغوا لا یترتب علیه أثر.
و الحاصل أن الشخص فی مقام العقد و الإیقاع لا یخلو کلامه عن أربع صور لا یصح منها إلا واحدة.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 493
الأول: أن یجعله فی وزان ما فی الضمیر و الکشف عنه، فیلزم حینئذ أن یکون کلامه خبرا محتملا للصدق و الکذب و موردا للمطابقة مع ما فی الضمیر و عدمها، لا إنشاء و توهم أنه إنشاء باعتبار کشفه عما فی الضمیر لا الخارج باطل بالضرورة کما عرفت فیلزم حینئذ أن لا یتحقق عقد و لا إیقاع.
و الثانی: أن یجعله لا فی وزان الواقع، و الکشف عنه و حینئذ لا یخلو عن صور ثلاث:.
الأول: أن یجعله فی مقام إیجاد مفهومه فیلزمه الرجوع عما أصر علی نفیه و الاعتراف بما ذکره القوم.
و الثانی: أن یجعله فی مقام سائر الأغراض المترتبة علی الإنشاء من الاستفهام و الطلب أو التمنی أو الترجی و هکذا، فیلزمه حینئذ الالتزام بعدم تحقق العقد و الإیقاع، ضرورة عدم تحققهما بالأمور المذکورة.
و الثالث: أن لا یجعله لغرض من الأغراض المترتبة علی الإنشاءات فیلزم حینئذ أن یکون کلامه لغوا لا یترتب علیه أثر.
فظهر بما بیناه أن الصحیح من الوجوه إنما هو الوجه الأول من الوجه الثانی الذی حکم ببطلانه و عدم صحته.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 494‌

(فائدة 72) [فی البحث عن علم الإجمالی]

إذا علم المکلف بتحریم شی‌ء إجمالا و تردد المحرم بین أمور محصورة، و قلنا بتنجز الحکم بالعلم الإجمالی کما هو التحقیق، فهل یجری أصل العدم فی کل من أطراف الشبهة باعتبار أنه مجهول الحکم بعینه، و تتساقط الأصول لاستحالة إعمال الجمیع مع تنجز الحکم بالعلم، و عدم جواز إعماله فی بعض دون بعض لاستحالة الترجیح بلا مرجح؟ أو لا یجری رأسا لمکان تنجز الحکم و عدم تطرق العذر فیه؟ وجهان: و التحقیق هو الوجه الثانی لأن مؤدی الأصول إنما هو أحد أمرین التنجیز أو العذر، و هما أمران متقابلان لا یعقل اجتماعهما فی محل واحد فمع فرض تنجز الحکم بالعلم الإجمالی یجب الاحتیاط فی مرحلة الامتثال بالاجتناب عن الجمیع، فلا مجال لإجراء أصل العدم النافی لوجوب الاحتیاط الموجب لثبوت العذر حینئذ.
توضیح الکلام فیه: أن الأحکام الظاهریة التی هی مؤداة الأصول معلولة عن العلم أو الجهل، و تأثیرهما إنما هو فی تنجز الحکم الواقعی أو الإعذار عنه، لا جعل حکم تکلیفی فی قبال الحکم الواقعی کما یوهمه التعبیر عنها بالوجوب و الحرمة و الإباحة، و هذا فی غایة الوضوح و کمال الظهور، فإن مرجع وجوب الاحتیاط فی مورد العلم الإجمالی إلی تنجز الحکم الموجب لوجوب الموافقة القطعیة التی
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 495
لا تحصل إلا بالاجتناب عن الجمیع، لا أنه ثبت حکم جدید للأطراف، و هکذا الأمر فی أصالة التخییر فإنها راجعة إلی الاکتفاء بالموافقة الاحتمالیة فی مورد الامتثال للعجز عن الموافقة القطعیة لأجل عدم إمکان الجمع بین الأطراف عقلا أو شرعا، و هکذا الأمر فی الاستصحاب فإنه بناء علی الیقین و رکون إلیه و إلغاء للشک، و من المعلوم أن أثر الیقین إنما هو التنجیز أو الإعذار، و هذه الأصول الثلاثة من آثار العلم.
و أما أصل العدم و البراءة، فإن قلنا إنه من آثار الجهل فمرجعه إلی ثبوت العذر و عدم تنجز الحکم کما هو ظاهر، و إن قلنا إنه من آثار العلم بالعدم الأزلی کما هو التحقیق حیث إن ترجیح العدم علی الوجود و البناء علیه فی مشکوک الحدوث و الوجود علی العدم فی مشکوک البقاء لیس إلا من قبل العلم فکذلک أیضا، لأن تأثیر العلم إنما هو فی التنجیز أو الإعذار، و هکذا الأمر فی الأمارات فإنها منزلة منزلة الدلیل العلمی فمؤداها العلم التنزیلی الموجب لتنجیز الحکم أو الإعذار عنه.
و إذا اتضح لک ما بیناه فقد اتضح لک أمور:.
الأول: أن مؤدی الأصول و الأمارات المعبر عنه بالحکم الظاهری لیس من سنخ الحکم التکلیفی و إن اشترک معه فی التعبیر عنه بالوجوب و الحرمة و الإباحة فلا مجال لما یتوهم من أنه مع مطابقته مع الحکم الواقعی یلزم اجتماع المثلین و مع مخالفته معه یلزم اجتماع الضدین، ضرورة أن اجتماع المثلین أو الضدین إنما یلزم إذا کانا من سنخ واحد،.
و أما إذا کان الحکم الظاهری عبارة عن تنجز الحکم التکلیفی أو العذر عنه کما أوضحناه فهو من لواحق الحکم التکلیفی و توابعه المتفرعة علیه، فمرجعهما إلی قضیتین مختلفتین موضوعا و محمولا، فإن موضوع الحکم الواقعی هو فعل المکلف و محموله الحکم التکلیفی المولوی، و موضوع الحکم الظاهری هو نفس الحکم الواقعی و محموله تنجزه علی المکلف أو العذر عنه.
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 496
و الثانی: أن موافقة المأتی به مع الأصل أو الأمارة لا تقتضی الإجزاء عن المأمور به بالأمر الواقعی إذا انکشف خلافه، لأن موافقة الحکم الظاهری إنما یقتضی العذر مع المخالفة لا الإجزاء.
و الثالث: أنه إذا علم بنجاسة أحد الإناءین مثلا إجمالا و لاقی أحدهما شی‌ء آخر فالملاقی (بالکسر) فی حکم الملاقی (بالفتح) فهو محکوم بالنجاسة و وجوب الاجتناب عنه فی الظاهر، سواء قلنا بأن نجاسة الملاقی بالسرایة أو أنها نجاسة حکمیة تعبدیة، لما عرفت من أن مقتضی تنجز الحکم بالعلم الإجمالی وجوب الاحتیاط و الاجتناب عن الأطراف المشتبهة، و عدم جریان الأصل فی الأطراف، من دون فرق بین أن یکون الطرف طرفا ابتداء أم تبعا.
و ما ذهب إلیه شیخنا العلامة الأنصاری (قدس سره) من جریان الأصل فی الأطراف و تساقط الأصلین فی الملاقی و صاحبه، من جهة وقوع کل منهما فی عرض الآخر فیتعارض الأصلان الجاریان فیهما و یتساقطان، و أما الملاقی (بالکسر) فهو فی طول الملاقی (بالفتح) فیبقی الأصل فیه سلیما عن المعارض فهو محکوم بالطهارة فی غیر محله من وجوه:.
الأول: أنه مع تنجز الحکم بالعلم الإجمالی کما هو المفروض یجب الاحتیاط، و لا سبیل للأصل الموجب للعذر لا فی الطرف الابتدائی و لا التبعی، کما أوضحناه لک.
و الثانی: أن أصل العدم أصل واحد لأن موضوعه هو الکلی الواحد و لا یتعدد بتعدد المجری حتی یتطرق فیه التعارض، أ تری أن أصل البراءة یرجع إلی أصول غیر متناهیة باعتبار عدم تناهی مجاریه؟ کلا ثم کلا.
و الثالث: أن الأصل وظیفة صرفة و هی عبارة عن نفس الحکم الظاهری من البراءة أو الاحتیاط أو التخییر أو البناء علی الحالة السابقة، و هی من قبیل المسببات لا یجتمع اثنان منها فی محل واحد حتی یقع التعارض بینهما، و إنما یقع التعارض بین سببین
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 497
متنافیین فی الأثر إذا اجتمعا علی محل واحد، فإن تعادلا تساقطا و لم یؤثر واحد منهما و إن کان أحدهما أقوی من الآخر اختص الأقوی بالتأثیر.
و الرابع: أن التعارض بین شیئین تنافیهما فی الأثر و لا تنافی بین الأصول الجاریة فی أطراف الشبهة بعضها مع بعض، و إنما التنافی بینها و بین وجوب الاحتیاط الذی هو أثر تنجز الحکم بالعلم الإجمالی، و لا تعارض بینهما، إذ بعد فرض تنجز الحکم الموجب لوجوب الاحتیاط لا یکون مجال للعذر حتی یجری فیها أصالة العدم.
فإن قلت: التعارض حینئذ بین العلم الإجمالی بالحکم الموجب لتنجزه و جهل المکلف به الموجب للعذر، و هما سببان متعارضان.
قلت: أولا أن مطلق الجهل لیس سببا للعذر حتی یعارض مع العلم بالحکم و إنما الموجب للعذر هو الجهل التصدیقی بالحکم لا الجهل التصوری المتعلق بالمکلف به، و الحکم معلوم فی المقام بالعلم التصدیقی فلا سبیل للعذر فیه لعدم تطرق الجهل فیه بوجه، و الجهل بمعنی فقد المعرفة إنما هو فی المکلف به لتردده بین أمور محصورة، و هو لا یوجب العذر حتی یعارض العلم.
و ثانیا لو سلم فهو لا یوجب المعارضة بین الأصول الجاریة فی أطراف العلم الإجمالی بعضها مع بعض.
و الحاصل: أن توهم جریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی و وقوع التعارض بینها فی الأطراف الأصلیة و تساقطها من أجل عدم ترجیح بعضها علی بعض وهم فاحش.
ثم إنه استثنی (قدس سره) مما ذکره صورة واحدة فحکم فیها بالاجتناب عن الملاقی (بالکسر) فقال:" و لو کان ملاقاة شی‌ء لأحد المشتبهین قبل العلم الإجمالی و فقد الملاقی (بالفتح) ثم حصل العلم الإجمالی بنجاسة المشتبه الباقی أو المفقود قام ملاقیه مقامه فی وجوب الاجتناب عنه و عن الباقی، لأن أصالة الطهارة فی الملاقی (بالکسر) معارضة
الفوائد العلیة - القواعد الکلیة، ج‌2، ص: 498
بأصالة الطهارة فی المشتبهة الآخر، لعدم جریان الأصل فی المفقود حتی یعارضه، لما أشرنا إلیه فی الأمر الثالث من عدم جریان الأصل فیما لا یبتلی به المکلف، و لا أثر له بالنسبة إلیه" انتهی.
و فیه أن فقد الملاقی لا یوجب وقوع الملاقی (بالکسر) فی عرض الباقی حتی یتعارض الأصلان فیهما و یتساقطان، بل اللازم علی مبناه انحلال العلم الإجمالی و صیرورة الشبهة بدویة بالنسبة إلی الباقی لفقد معارضه و عدم معارضة الملاقی معه لوقوعه فی طوله نعم إن قیل بأن حصول العلم الإجمالی إذا کان بعد الملاقاة یکون الملاقی (بالکسر) کالملاقی (بالفتح) من أطراف العلم الإجمالی ابتداء فله وجه.
ضرورة أنه لا تترتب التبعیة علی العلم الإجمالی حینئذ و إنما تترتب التبعیة علیه إذا کانت الملاقاة بعد حصوله و لکن یلزم حینئذ أن یحکم بنجاسة الملاقی مطلقا، سواء فقد الملاقی (بالفتح) أم کان باقیا.
و لعل وجه نظره (قدس سره) أنه بعد فقد الملاقی ینحصر الشبهة فی الطرفین فیجب الاجتناب عنهما معا، إذ لو لم نحکم به، فإما أن نحکم بعدم وجوب الاجتناب عنهما معا فیلزم مخالفة العلم التفصیلی، و إما أن نحکم بوجوب الاجتناب عنهما معا فیلزم مخالفة العلم التحصیلی، و إما أن نحکم بوجوب الاجتناب عن أحدهما بعینه أو لا بعینه فیلزم الترجیح بلا مرجح، و الحکم بعدم وجوب الموافقة القطعیة مع إمکانها و کیف کان فالتحقیق عندی: أن الملاقی فی حکم الملاقی مطلقا سواء حصل العلم الإجمالی قبل الملاقاة أو بعدها، و سواء فقد الملاقی (بالفتح) أم لا، لما عرفت من جریان الأصول فی أطراف العلم الإجمالی و أن الجهل بالمکلف به لا یکون منشأ للعذر.
________________________________________
بهبهانی، سید علی، الفوائد العلیّة - القواعد الکلیّة، 2 جلد، کتابخانه دار العلم، اهواز - ایران، دوم، 1405 ه ق


تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

بسم الله الرحمن الرحیم
جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.