العقائد الاسلاميه: عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه - المجلد4

اشارة

عنوان و نام پديدآور : العقائد الاسلاميه: عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه/ قام باعداده مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه؛ برعايه علي السيد السيستاني.

مشخصات نشر : قم: مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه، 1419ق. = -1377

مشخصات ظاهري : 5 ج.

شابك : دوره 964-319-117-6 : ؛ 7000 ريال : ج. 1 964-319-118-4 : ؛ 7000 ريال : ج. 2 964-319-119-2 : ؛ 7000 ريال : ج. 4 964-319-121-4 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1419ق = 1377).

يادداشت : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1. الفطره و المعرفه.- ج. 3. الشفاعه.- ج. 4. يشتمل علي مسائل: شفاعه اهل البيت عليهم السلام والاستشفاع والتوسل

موضوع : اسلام -- عقايد

شناسه افزوده : سيستاني، علي ، 1309 -، مصحح

شناسه افزوده : مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه

رده بندي كنگره : BP203 /ع7 1377

رده بندي ديويي : 297/41

شماره كتابشناسي ملي : م 77-14486

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 4)

العقائد الإسلامية (المجلد 4)

شفاعة أحد شيعة أهل البيت

اويس القرني أحد كبار الشفعاء شفيع تشتاق اليه الجنة

اويس خير التابعين

خير التابعين صارت: من خير التابعين

هل أن كلمة (من) إضافة أموية

كان أويس أسمر اللون جسيما مهيبا

صورة من تزاحم المسلمين علي أويس

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالي

و هو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالي

زاهد يضرب بزهده المثل

زاهد يحمل هم الفقراء و يتصدق عليهم حتي بطعامه و ثيابه

و قد ربي أويس تلاميذ علي سيرته

رأيه في الحكام غير علي

اضطهاد مخابرات الخلافة لاويس

اويس من شيعة علي

صاحب البصيرة الزاهد، شجاع مجاهد

نسب أويس القرني و نسبته

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

روايات لقائه بعمر و استغفاره له

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

من هم الذين خاطبهم النبي في

البشارة بأويس؟

آراء شاذة و أخري مشبوهة الهدف في أويس

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم علي أويس القرني

و زعم بعضهم أن قبر أويس طار من الأرض

آراء مضادة مغالية في أويس القرني

صورة عن أويس القرني من مصادرنا روائح الجنة تفوح من قرن!

خير التابعين و نفس الرحمن

كان راعي إبل فصار الشفيع الموعود

اويس من أركان التشيع لعلي

اويس ختام المسك الموعود في حرب الجمل

اويس ختام المسك الموعود في حرب صفين

متفرقات عن أويس

من الأدعية المروية عن أويس

شفاعة أويس القرني لمئات الألوف أو الملايين

نتيجة

النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

حكم النواصب في الفقه الإسلامي

علي ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق

محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة

قصة بريدة وحدها حجة بالغة

من دلالات قصة بريدة

لمحة عن بريدة و أحاديثه في مصادرن

والزهراء والحسنان جزء من المقياس النبوي أيض

و كل (أهل البيت) جزء من المقياس النبوي

و ويل لمبغضيهم

و ويل للمكذبين بفضلهم

واللعنة علي ظالميهم و قاتليهم

و لا يقبل عمل المسلم إلا بحبهم

و الأمة مسؤولة عنهم يوم القيامة

و هذه الأحكام مختصة بهم و لا يقاس بهم أحد

و محبو أهل البيت و شيعتهم جزء من المقياس النبوي

كيف طبقت الخلافة القرشية سنة النبي فيهم

و أجبرت المسلمين علي أن يكونوا نواصب

مرسوم آخر لخليفة المسلمين معاوية

مرسوم ثالث لخليفة المسلمين معاوية

مرسوم رابع لخليفة المسلمين معاوية

بعض ما ورد عن المقياس النبوي في مصادرن

بعض ما ورد في مصادرنا في عدم شمول الشفاعة للنواصب

بعض ما ورد في مصادرنا في أحكام التعامل مع النواصب

النصب يجر إلي التجسيم

فضل العلماء

الذين يدفعون شبهات النواصب

شفاعة النبي يوم القيامة بيد أهل بيته

علي صاحب لواء النبي يوم القيامة

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر و لواء الحمد؟

علي آمر السقاية علي حوض النبي يوم القيامة

محاولات الأمويين التكذيب بأحاديث الحوض

ندم أئمة المذاهب علي تدوين أحاديث الحوض

و النتيجة للمتأمل في أحاديث حوض الكوثر

نماذج من أحاديث الحوض والصحابة المطرودين

اسس تدوين أحاديث القيامة عند علماء الخلافة

نتيجة كلية

احاديث أن عليا هو الساقي علي الحوض والذائد عنه

من أحاديث الحوض في مصادرنا

اهل البيت و شيعتهم علي الحوض

شعر حوض الكوثر في مصادر الحديث والأدب

علي قسيم الله بين الجنة والنار

حديث قسيم الجنة والنار في الشعر

علي أول الواردين علي النبي عند حوض الكوثر

لا يعبر إنسان الصراط إلا بجواز من علي

عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب علي

من هو المخاطب بقوله تعالي: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد

شفاعة علي و الأئمة من ذريته

احاديث في شفاعة الأئمة من أهل بيت النبي

احاديث في شفاعة فاطمة الزهراء

يا فاطمة لا تبكي، علي و شيعته غدا هم الفائزون في الجنة

نماذج من أحاديث شفاعة النبي و آله لزوار مشاهدهم المشرفة

الشفاعة لمن زار قبر أميرالمؤمنين

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسين

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضا

ختام في بعض قواعد الشفاعة و أحكامه

النهي عن الإتكال علي الشفاعة

امل العاصين بشفاعة النبي وآله

الاولي بشفاعة النبي وآله

الدعاء للنبي باعطائه الشفاعة

الدعاء بطلب الشفاعة لوالديه و أقاربه

مسائل حول التوسل

مفردات التوسل

الدعاء والنداء

التوسل في الأديان السابقة

الفرق بين التوسل و أنواع الشرك

الرسول داعي الله

المؤمنون يدعون الله تعالي وحده

الاولياء الشياطين

انكشاف عدم فائدة الأولياء من دون الله في الآخرة

لا وجود حقيقيا لولي من دون الله

شبهة علي أصل التوسل

مسألة التوسل دقيقة و حساسة

تأكيد الأئمة علي المحافظة علي التوحيد في التوسل

من هم المتوسل بهم عند المسلمين

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

التوسل الواسع في صلاة الإستسقاء

التوسل العملي بالأعمال الصالحة

التوسل إلي الله في مصادر السنيين

تعليم النبي التوسل به إلي الله تعالي

توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي

توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبي

ما ورد عندهم من الدعاء للنبي بالوسيلة

ما هي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبي؟

احاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا

خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

التوسل إلي الله في مصادرنا

التوسل إلي الله بالأعمال الصالحة

التوسل إلي الله بذاته و صفاته عزوجل

الاستشفاع إلي الله تعالي بحبه و معرفته

افتتاح الصلاة بالتوجه إلي الله بالنبي و آله

دلالة استحباب التوسل عند الأذان و افتتاح الصلاة

التوجه بالنبي و آله لدفع شر السلطان

التوجه إلي الله بالنبي و آله عند الحاجة والشدة

الاستشفاع بالنبي والأئمة عند زيارة قبورهم الشريفة

تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية 01

عمل المفسرين السنيين لإبعاد الوسيلة عن النبي

الآية 02

جاؤوك، تشمل المجئ إلي قبر النبي والمجئ إلي وصيه

الآية 03

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

مناقشة تفسيرهم للآيات

علي أقرب الخلق وسيلة إلي الله

الترابط بين الوسيلة والوصية

الشيعة وسيلة إلي الله يوم القيامة

ما ورد في مصادرهم من تشويش علي الأحاديث المتقدمة

آيات مؤيدة لآيات التوسل

شذوذ الوهابيين عن اجماع المسلمين في التوسل والإستشفاع

تلبيس ابن تيمية لتحريم التوسل والإستشفاع

غرض ابن تيمية من نقل التوسل

من فروع الفقه إلي أصول العقائد

هل تراجع ابن تيمية أمام القاضي أو في سجنه عن تحريم التوسل

علماء المذاهب الإسلامية يردون علي شذوذ ابن تيمية

نماذج من ردهم علي مذهب ابن تيمية

مقتطفات من أهم كتب علماء المذاهب في الرد علي ابن تيمية

كتاب (التوسل بالنبي و جهلة الوهابيين)

كتاب (شفاء السقام) للإمام السبكي

حديث توسل آدم بالنبي

توسل عيسي بالنبي

توسل نوح و ابراهيم و سائر الأنبياء بنبيا

التوسل بالنبي (بعد موته)

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة

كتاب (حقيقة التوسل والوسيلة في الكتاب والسنة)

شفاعة أحد شيعة أهل البيت

اويس القرني أحد كبار الشفعاء شفيع تشتاق اليه الجنة

ثبت في مصادر الطرفين أن النبي صلي الله عليه وآله نص علي عدد من الصحابة بأسمائهم، أن لهم مقاماً كبيراً عند الله تعالي، وأن الجنة تشتاق إليهم!

والملاحظ أنهم كلهم من شيعة أهل البيت عليهم السلام.

أما من التابعين فمن المتفق عليه أنه صلي الله عليه وآله أخبر عن أويس القرني وبشر بأنه يأتي بعده، وأنه من كبار أولياء الله تعالي، وأنه مستجاب الدعوة، وأنه يشفع عند الله تعالي لمئات الألوف، أو ملايين الناس!

ولما رأي المسلمون أويساً بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله استبشروا به وتبركوا به، وكانوا يحرصون علي الفوز بدعاء منه، ولو بكلمة (غفر الله لك)!

وقد حاول الخلفاء أن يتقربوا اليه، ولكنه هرب منهم، وفضل أن يعيش مغمورا مع الفقراء من شيعة علي عليه السلام، حتي إذا وصلت الخلافة لعلي عليه السلام نهض معه، وشارك في حروبه، واستشهد تحت رايته في صفين.. وقبره هناك إلي جانب قبر عمار بن ياسر، في مدينة الرقة السورية، وقد وفقنا الله لزيارته.

والمتأمل في النصوص الواردة في مصادر السنيين في أويس، يلاحظ فيها تناقضاً

كثيراً، نشأ من أنهم أرادوا أن يغطوا علي فراره من عمر، وامتناعه من الدعاء له والاقامة عنده، فوضعوا أحاديث عن لقائه به، يناقض بعضها بعضاً!

كما أن شهادة أويس في صفين مع علي عليه السلام، كانت حجة لعلي والمسلمين علي أن معاوية وحزبه هم أهل الباطل، والفئة الباغية التي أخبر النبي صلي الله عليه وآله أنها تقتل عمار بن ياسر رحمه الله.

لذلك حاول الأمويون وأتباعهم أن ينفوا أصل بشارة النبي صلي الله عليه وآله بأويس، ومكانته المميزة عند الله تعالي!

ثم عندما عجزوا عن ذلك حاولوا أن ينفوا أنه قتل في صفين، وادعوا أنه توفي في طريقه إلي الشام، وجعلوا له في الشام قبراً ومزارا!!

اويس خير التابعين

روي مسلم في صحيحه: 7/188:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، وكان به بياض فبرئ... وستأتي بقية الحديث.

ورواه أحمد في مسنده: 1/38

وروي ابن سعد الطبقات: 6/161:

قال أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله (ص): خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

قال أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر أن عمر، أنه قال لأويس: استغفر لي.

قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله(ص)؟!

قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس.

ورواه الحاكم في المستدرك: 3/402 ورواه الخطيب في الجمع والتفريق: 1/480 ورواه ابن معين في تاريخه (رواية الدوري): 1/324 ونحوه في الجامع الصغير: 3 حديث رقم 4001

وروي أبو نعيم

في حلية الأولياء: 2/86:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قال: قلنا نعم، وما تريده منه؟

قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضي الله تعالي عنهم.

وقال أبو نعيم في الحلية: 2/82، بعد حديث عن أويس: فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين... انتهي.

وقال في كنز العمال: 12/73:

إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، وكان به بياض فبرئ، فمروه فليستغفر لكم (م. عن عمر)...

خير التابعين أويس (ك. عن علي).

خير التابعين أويس القرني (ك عن علي، ق، كر عن رجل). انتهي.

وقد وردت صفة (خير التابعين) في أحاديث أخري، كما سيأتي.

خير التابعين صارت: من خير التابعين

قال الهيتمي في مجمع الز وائد: 10/22:

عن ابن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال سمعت رسول الله(ص)يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد، وإسناده جيد. انتهي.

ورواه في تاريخ ابن معين رواية الدوري: 1/324

وفي طبقات ابن سعد: 6/161:

عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين فقال: أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم، قال إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن من خير التابعين أويساً القرني، ثم ضرب دابته فدخل فيهم.

ورواه اللالكائي في كرامات الأولياء/109، بطريقين.

وفي كنز العمال: 12/73:

إن من خير التابعين أويس القرني (حم، وابن سعد عن عبد

الرحمن بن أبي ليلي عن رجل من الصحابة، حم، كر، عن رجل). انتهي.

راجع للتدقيق: طبقات ابن سعد: 6/113، وميزان الاعتدال: 1/279 و282، ولسان الميزان: 1/472، وسير أعلام النبلاء: 4/21، وتاريخ الإسلام للذهبي: 3/556، والبداية والنهاية: 6/225.

راجع أيضاً: أسد الغابة: 1/151، وأعلام النبلاء: 4/20، وكنز العمال: 12/74

هل أن كلمة (من) إضافة أموية

من الطبيعي أن تكون قصة الرجل الذي سأل عن أويس في صفين، وشهادة الرسول صلي الله عليه وآله التي رواها في حقه وحق علي عليه السلام، واحدة من الحجج التي استعملها المسلمون لاثبات أن معاوية وأهل الشام علي الباطل.

ويبدو أن الأحاديث في عمار بن ياسر وأنه تقتله الفئة الباغية، والأحاديث في أويس، لم يكن لها جواب عند مؤيدي معاوية، ولكن بعد سيطرته علي بلاچ المسلمين عمل علي تضعيف هذه الأحاديث وإبطال مفعولها.

ويظهر أن البصريين كانوا أكثر استجابة له من الكوفيين، فقد قال ابن أبي الوفاء في الجواهر المضية في طبقات الحنفية/419:

أهل المدينة يقولون أفضل التابعين سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة أويس القرني، وأهل البصرة الحسن البصري. انتهي.

وقد حاول النووي أن يوفق بين رواية مسلم وبين قول لأحمد بن حنبل! فقال في شرح مسلم - بهامش الساري: 9/429:

قوله (ص) خير التابعين رجل يقال له أويس... وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب؟!

والجواب: أن مرادهم أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية.. لا في الخير. انتهي.

وهذا النوع من العمل كثير عند الفقهاء السنيين، فتراهم يتركون الرواية التي صحت عندهم عن نبيهم صلي الله عليه وآله - وهي تقول هنا إن أويساً خير التابعين مطلقاً، ولا تقيد ذلك بناحية دون ناحية-لكي يصححوا قول شخص في مقابل حديث

رسول الله صلي الله عليه وآله؟!!

كان أويس أسمر اللون جسيما مهيبا

في حلية الأولياء: 2/82، عن النبي صلي الله عليه وآله:

يا أبا هريرة إن الله تعالي يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا علي الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.

قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟

قال: ذاك أويس القرني.

قالوا: وما أويس القرني؟

قال: أشهل، ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلي صدره، رام بذقنه إلي موضع سجوده، واضع يمينه علي شماله يتلو القرآن، يبكي علي نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء، لو أقسم علي الله لابر قسمه.

ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفع لله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر.

وفي حلية الأولياء: 2/84:

عن هرم بن حيان العبدي قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أويس، أسأل عنه فدفعت اليه بشاطئ الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم محلوق الرأس كث اللحية مهيب المنظر، فسلمت عليه ومددت إليه يدي لأصافحه، فأبي أن يصافحني! فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس، كيف أنت يا أخي؟

قال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان، من دلك علي؟

قلت: الله عز وجل.

قال: سبحان ربنا إن

كان وعد ربنا لمفعولا.

قلت: يرحمك الله من أين عرفت اسمي واسم أبي، فوالله ما رأيتك قط، ولا رأيتني!

قال: عرفت روحي روحك، حيث كلمت نفسي، لأن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بعد بهم الدار وتفرقت بهم المنازل! انتهي، ونحن نشك في شهادة هرم لنفسه عن لأن أويس!

ورواهما في سير أعلام النبلاء: 4/28

صورة من تزاحم المسلمين علي أويس

روي الحاكم: 2/365، وصححه:

أخبرني الحسن بن حليم المروزي، ثنا أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله بن المبارك، أنبأ جعفر بن سليمان، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن أسير بن جابر قال: قال لي صاحب لي وأنا بالكوفة: هل لك في رجل تنظر إليه؟ قلت نعم، قال هذه مدرجته وإنه أويس القرني، وأظنه أنه سيمر الآن.

قال: فجلسنا له فمر، فإذا رجل عليه سمل قطيفة، قال والناس يطؤون عقبه، قال وهو يقبل فيغلظ لهم ويكلمهم في ذلك فلا ينتهون عنه، فمضينا مع الناس، حتي دخل مسجد الكوفة ودخلنا معه، فتنحي إلي سارية فصلي ركعتين، ثم أقبل الينا بوجهه فقال: يا أيها الناس مالي ولكم، تطؤون عقبي في كل سكة، وأنا إنسان ضعيف، تكون لي الحاجة فلا أقدر عليها معكم، لا تفعلوا رحمكم الله، من كانت له إلي حاجة فليلقني هاهنا.

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالي

في مستدرك الحاكم: 3/405:

أخبرنا أبو العباس السياري، ثنا عبدالله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا يزيد بن يزيد البكري قال: قال أويس القرني: كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم. انتهي.

ومعني كلامه رحمه الله: أن خوف الله تعالي يجب أن يكون في نفس المؤمن بدرجة عالية، كأن في رقبته قتل الناس كلهم، ليكون في تصرفاته مثل القاتل الملاحق دقيقاً حذراً متقياً، وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالي عميقاً.

وروي نحوه البيهقي في شعب الإيمان: 1/524

و هو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالي

في كتاب المجروحين لإبن حبان: 3/151:

أخبرنا رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك علي، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له، فليستغفر له. انتهي.

وقد وردت هذه القصة في أحاديثه، كما ستري.

زاهد يضرب بزهده المثل

في حلية الأولياء: 2/87:

عن علقمة بن مرثد قال: انتهي الزهد إلي ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن. انتهي. وهو يقصد بالأخير الحسن البصري.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/19:

هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء: 18/558:

ذكر ابن خلكان في الوفيات: 2/263 أن الذي ضرب به الحريري المثل في المقامات هو دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي المتوفي سنة 529، من أحفاد المترجم، وقد وهم المؤلف في ذلك، وأورد ذكره الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين وهي المقامة العمانية، وفيها يصف كيف أحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه، وتقبل يديه، حتي خيل إلي أنه القرني أويس، أو الأسدي دبيس. انظر مقامات الحريري/342 (ط: صادر).

وفي لسان الميزان: 1/471:

قال ابن عدي ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد العزيز بن سلام، سمعت اسحاق بن ابراهيم يقول: ما شبهت عدي بن سلمة الجزري إلا بأويس القرني تواضعاً. وذكره في ميزان الاعتدال: 1/279.

زاهد يحمل هم الفقراء و يتصدق عليهم حتي بطعامه و ثيابه

في مستدرك الحاكم: 3/406:

أخبرني أبو العباس قاسم بن القاسم السياري بمرو، ثنا عبد الله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا سفيان الثوري قال: كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض، وكان يقول: اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة وجسد عار، وليس لي إلا ما علي ظهري وفي بطني.

ورواه البيهقي في شعب الإيمان: 1/524

وفي حلية الأولياء:

2/87:

عبيد الله بن عبد الكريم ثنا سعيد بن أسد بن موسي ضمرة بن ربيعة عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسي يقول هذه ليلة الركوع، فيركع حتي يصبح.

وكان يقول إذا أمسي: هذه ليلة السجود، فيسجد حتي يصبح.

وكان إذا أمسي تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/29:

عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبوبكر بن عياش، عن مغيرة، قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه، حتي يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه إلي الجمعة.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال قال النبي (ص): إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني، وفرات بن حيان.

(ورواه في كنز العمال: 12/74 وقال: حم، في الزهد، حل عن محارب بن دثار وعن سالم بن أبي الجعد).

أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك عن جابر، عن الشعبي قال: مر رجل من مراد علي أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟

قال: أصبحت أحمد الله عز وجل.

قال: كيف الزمان عليك؟

قال: كيف الزمان علي رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسي ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت لم يترك لمؤمن فرحاً... لم يترك له صديقاً... الخ.

وكان إذا أمسي تصدق بما في بيته

من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياً فلا تؤاخذني به. (الحلية 2/83)

وفي حلية الأولياء: 2/84:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال: قال رسول الله (ص): إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس! منهم أويس القرني وفرات بن حيان.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: وكان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتي يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه. أي الي الجمعة.

وفي كتاب الزهد للشيباني/346:

حدثنا عبدالله، حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: إن أويس القرني ليتصدق بثيابه حتي يجلس عرياناً لا يجدها يروح فيه إلي الجمعة.

وفي لسان الميزان: 1/474:

سفيان الثوري: حدثني قيس بن يسير بن عمرو، عن أبيه أن أويساً القرني عري غير مرة فكساه أبي، قال وكان أويس يقول: اللهم لا تؤاخذني بكبد جائعة، أو جسد عار.

وفي صفحة 280: وقال ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، قال: كان أويس يجالس رجلاً من فقهاء الكوفة يقال له يسير ففقدته، فإذا هو في خص له قد انقطع من العري... وذكره في ميزان الاعتدال: 1/282، وفي سير أعلام النبلاء: 294 - 33. انتهي.

وهذه النصوص تكشف عن الفقر الشديد الذي كانت تعيشه طبقة

واسعة من المجتمع الإسلامي، وأن أموال الفتوحات صرفت في الطريق قبل أن تصل اليها، فكان بعضها لا يملك حتي ثوبين مناسبين يتستر بهما، بل كان فيهم من يموت من الجوع!!

ولذلك كان أويس يدعو الله تعالي أن لا يؤاخذه بعري العارين، وجوع الجائعين، لأنه لا يملك إلا ثوبيه اللذين يلبسهما، ولا يملك إلا ما في بطنه من طعام، وكل ما يحصل عليه من عمله ومن هدايا الناس، كان يعطيه لهؤلاء للفقراء!!

وهي تدل أيضاً علي أن زهد أويس كان زهداً واعياً يحمل هم الفقراء، وكان يحمل مسؤولية فقرهم وبؤسهم للخليفة والدولة، والطبقة المترفة التي كونت ثروتها من الفتوحات، وكانت تنقم من أويس أنه يهتم بهم، ويأمر من أجلهم بالمعروف وينهي عن المنكر، وسيأتي رأيه في الخلفاء غير علي عليه السلام وما لاقاه منهم!

و قد ربي أويس تلاميذ علي سيرته

في مستدرك الحاكم: 3/408:

حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيي بن معين، حدثني أبو عبيدة الحداد، ثنا أبو مكين قال: رأيت امرأة في مسجد أويس القرني قالت: كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا، يصلون ويقرؤون في مصاحفهم فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا، حتي يصلوا الصلوات، قالت: وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتي غزوا، فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.

رأيه في الحكام غير علي

قال الشاطبي في الإعتصام: 1/30:

نقل عن سيد العابدين بعد الصحابة أويس القرني أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا!! ويجدون علي ذلك أعواناً من الفاسقين!!

وفي مستدرك الحاكم: 3/405:

حدثنا أحمد بن زياد الفقيه الدامغاني، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن يونس، ثنا أبو الأحوص، حدثني صاحب لنا قال: جاء رجل من مراد إلي أويس القرني فقال السلام عليكم، قال وعليكم.

قال: كيف أنتم يا أويس؟

قال: الحمد لله.

قال: كيف الزمان عليكم؟

قال: لا تسأل! الرجل إذا أمسي لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي!

يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحاً.

يا أخا مراد، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهباً.

يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً! والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذوننا أعداء، ويجدون علي ذلك من الفاسقين أعواناً، حتي والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق!! انتهي.

وفي بحار الأنوار: 68/367:

أعلام الدين: روي عن أويس

القرني رحمه الله قال لرجل سأله كيف حالك؟

فقال: كيف يكون حال من يصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يبشر بالجنة ولا يعمل عملها، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها.

والله إن الموت وغصصه وكرباته وذكر هول المطلع وأهوال يوم القيامة، لم تدع للمؤمن في الدنيا فرحاً، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة، وإن قيام المؤمن بالحق في الناس لم يدع له صديقاً، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون أعراضنا، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون علي ذلك أعواناً من الفاسقين!! إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله!

اضطهاد مخابرات الخلافة لاويس

يفهم من نصوص أويس أن سلطة الخلافة لم تتحمل منه ابتعاده عن الحكام وامتناعه أن يستغفر لهم ثم أمره إياهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعريضه وإعلانه بسيرته ودعائه كل يوم أنهم مسؤولون عن جوع الجائعين وعري العارين.. وكأنه بذلك يقول للناس إنهم لا يصلحون للحكم باسم رسول الله صلي الله عليه وآله!!

لقد عبر هذا الولي الذي هو آية من آيات الله تعالي، ومعجزة من معجزات رسوله بكلماته القليلة عن محنته ومعاناته من مخابرات السلطة في زمن عمر وأبي بكر وعثمان، ولم يكن ذنبه أنه نافس أحداً في سلطان، ولا جمع حوله قبيلته قرن وكون منهم قوة سياسية تطالب بحصة من أموال الفتوحات.. بل كان يعيش عيشة الفقراء مع الفقراء، ويعبد ربه عز وجل، ويأمر بالمعروف وينهي المنكر..

ولكن السلطة مع ذلك لم تتركه، فاتخذته عدواً! وسلطت عليه الفساق واتهمته بالعظائم والجرائم والمعايب، علي حد تعبيره!!

ولهذا ينبغي أن نبحث عن السلطة وراء كل ما نشك فيه من روايات أويس، ومن أولها الروايات التي تقول أن القرنيين سئلوا عنه

فلم يعرفوه، والتي احتج بها البخاري علي تضعيف أويس، وعدم قبول روايته!!

فكيف يتعقل إنسان أن شخصية بمستوي أويس، كان يبحث عنه الخليفة عمر، وكل أمله أن ينطق له بكلمة (غفر الله لك) لأن الرسول صلي الله عليه وآله قال له إن استطعت أن يستغفر لك فهنيئا لك!! ثم لا يكون معروفاً عند القرنيين وكل اليمانيين وموضع افتخارهم؟!

إن نفي القرنيين لمعرفتهم بأويس وتشكيكهم بنسبه، إما أن يكون مكذوباً، وإما أن تكون السلطة قد شوهت سمعة أويس وعزلته، حتي اضطر بعض القرنيين من قبيلته الصغيرة أن ينكروا أنه منهم!!

وتدل الروايات علي أن سلطة الخلافة لم تستطع الانتقام من أويس مباشرة، بسبب مكانته في قلوب المسلمين.. ولذلك اتبعت أسلوب إيذائه وتحقيره، ووكلت به رجلاً حكومياً من عشيرته، يؤذيه ويشيع التهم حول شخصيته ونواياه، وأنه رجل مراء ومجنون!!

فابن عمه الذي ورد أنه كان من رجال حاكم الكوفة، وكان مولعاً بأويس يشتمه ويؤذيه.. كان واحداً من عملاء السلطة المكلفين بتحقير أويس وأذيته، لاسقاط شخصيته ومنع تأثيره علي المسلمين!

فقد روي الحاكم في المستدرك: 3/404 عن أسير بن جابر، قال:

فكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكرهم وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره، ففقدته يوماً فقلت لجليس لنا: ما فعل الرجل الذي كان يقعد الينا، لعله اشتكي؟

فقال: الرجل من هو؟

فقلت: من هو؟

قال: ذاك أويس القرني.

فدللت علي منزله فأتيته فقلت يرحمك الله أين كنت، ولم تركتنا؟

فقال: لم يكن لي رداء، فهو الذي منعني من إتيانكم!

قال: فألقيت إليه ردائي، فقذفه إلي!

قال فتخاليته ساعة، ثم قال:

لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته فرآه علي قومي

قالوا انظروا إلي هذا المرائي لم يزل في الرجل حتي خدعه وأخذ رداءه!!

فلم أزل به حتي أخذه، فقلت: انطلق حتي أسمع ما يقولون!

فلبسه فخرجنا، فمر بمجلس قومه فقالوا: أنظروا إلي هذا المرائي لم يزل بالرجل حتي خدعه وأخذ رداءه!!

فأقبلت عليهم فقلت: ألا تستحيون؟! لم تؤذونه؟! والله لقد عرضته عليه فأبي أن يقبله.

وروي ابن حبان في المجروحين: 3/151:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر رجلاً من قرن، وكان من أهل الكوفة وكان من التابعين، فخرج وبه وضح، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه فقال: اللهم دع في جسدي ما أتذكر به نعمتك. فترك الله منها ما يذكر به نعمته عليه، وكان رجلاً يلازم المسجد في ناس من أصحابه، وكان ابن عم له يلزم السلطان تولع به، فإن رآه مع قوم أغنياء قال ما هو إلا يشاكلهم! وإن رآه مع قوم فقراء، قال ما هو إلا يخدعهم!

وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيراً!! غير أنه إذا مر به استتر منه مخافة أن يأثم في سبه! انتهي.

وستأتي بقيته في روايات لقائه بعمر بن الخطاب.

اويس من شيعة علي

في مسند أحمد: 3/480:

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أبو نعيم قال: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين:

أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال: سمعت رسول الله (ص): إن من خير التابعين أويساً القرني. انتهي. وقد رواه أبونعيم في الحلية: 2/86 وقال في مجمع الزوائد: 10/22: رواه أحمد وإسناده جيد ورواه ابن سعد في الطبقات: 6/163 واللالكائي في كرامات الأولياء/109 وابن معين في تاريخه (رواية الدوري): 1/324

واللواتي في تحفة النظار: 2/190

وورواه أبو نعيم في الحلية: 2/221، وقال بعده:

ورواه جماعة عن شريك، وقال ابن عمار الموصلي: ذكر عند المعافي بن عمران أن أويساً قتل في الرجالة مع علي بصفين، فقال معافي: ما حدث بهذا إلا الأعرج! فقال له عبد ربه الواسطي: حدثني به شريك، عن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي! قال: فسكت!! انتهي.

ورواه كذلك في الإصابة: 1/221:

وقد تقدمت روايته عند الحاكم عن أبي مكين.

ورواه أبو نعيم أيضاً بذلك في صفحة 222، ثم قال:

ومن طريق الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياً يوم صفين يقول من يبايعني علي الموت، فبايعه تسعة وتسعون رجلاً فقال: أين التمام؟

فجاءه رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس فبايعه علي القتل، فقيل: هذا أويس القرني، فما زال يحارب حتي قتل.

ورواه الحاكم في: 3/402، فقال:

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن ابي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: لما كان يوم صفين نادي مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

فضرب دابته حتي دخل معهم، ثم قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين أويس القرني. انتهي.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: 3/556، بنحو رواية أحمد، قال:

عن ابن أبي ليلي قال: إن أويساً شهد صفين مع علي، ثم روي عن رجل أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أويس خير التابعين بإحسان.

ورواه في سير أعلام النبلاء: 4/31، بنحو رواية الحاكم، قال:

شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل

من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قلنا نعم وما تريد منه؟

قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان، وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي (رض). رواه عبد الله بن أحمد، عن علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك. وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد، عن ابن أبي ليلي، قال: فوجد في قتلي صفين.

وكذا رواه في أسد الغابة: 5/380 وروته مصادرنا بنحوه في اختيار معرفة الرجال: 3141، وشرح الأخبار: 2/3، ومعجم رجال الحديث: 4/154، وجامع الرواة: 1/110، وغيرها.

صاحب البصيرة الزاهد، شجاع مجاهد

في ميزان الاعتدال: 1/281:

وقال فضيل بن عياض: أخبرنا أبوقرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادي عمر بمني علي المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار والرمال.

قال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي.

فعادوا إلي قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله(ص)، فقال: عرفني أمير المؤمنين، وشهر اسمي، ثم هام علي وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك علي أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. انتهي.

راجع أيضاً: لسان الميزان: 1/474، وتاريخ الإسلام للذهبي: 3/558، وسير أعلام النبلاء: 4/32

وفي مستدرك الحاكم: 2/365:

قال ثم قال أويس: إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر: مؤمن فقيه، ومؤمن لم يتفقه ومنافق... لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، فقضاء الله الذي قضي شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.

اللهم ارزقني شهادة تسبق كسرتها أذاها، وأمنها فزعها، تؤوب الحياة والرزق. ثم سكت.

قال أسير فقال لي صاحبي: كيف

رأيت الرجل؟

قلت ما ازددت فيه إلا رغبة، وما أنا بالذي أفارقه، فلزمناه فلم نلبث إلا يسيرا حتي ضرب علي الناس بعث أمير المؤمنين علي (رض)، فخرج صاحب القطيفة أويس فيه، وخرجنا معه فيه، وكنا نسير معه وننزل معه، حتي نزلنا بحضرة العدو.

قال ابن المبارك: فأخبرني حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضزة، عن أسير بن جابر قال: فنادي علي (رض): يا خيل الله اركبي وأبشري.

قال فصف الثلثين لهم، فانتضي صاحب القطيفة أويس سيفه حتي كسر جفنه فألقاه، ثم جعل يقول:

يا أيها الناس: تموا تموا، ليتمن وجوه ثم لا تنصرف حتي تري الجنة.

يا أيها الناس تموا تموا، جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول ذلك ويمشي إذ جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه، كأنما مات منذ دهر.

قال حماد في حديثه فواريناه في التراب. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة.

نسب أويس القرني و نسبته

قال الطبري في تاريخه: 10/145:

وأويس القرني من مراد، وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، وهو يحابر بن مالك.

وقال الجوهري: 6/2181:

والقرن: موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني.

وقال في هامشه: القرن هنا بتسكين الراء، وأما أويس القرني فليس منسوباً إلي ميقات أهل نجد، وإنما نسبته إلي بني قرن، بطن من مراد من اليمن.

وقال الخليل في كتاب العين: 5/142:

وقرن: حي من اليمن، منهم أويس القرني.

وقال السمعاني في الانساب: 4/481:

القرني: بفتح القاف والراء وكسر النون.. هذه النسبة إلي قرن، وهو بطن من مراد، يقال له قرن بن ردمان

بن ناجية بن مراد، نزل اليمن، والمشهور بهذه النسبة المعروف في الأقطار: أويس بن عامر القرني، وقصته في الزهد معروفة، وقال الدار قطني: قرن، بفتحتين، فهو فيما ذكر ابن حبيب، قال: في مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، قوم أويس بن عامر القرني الزاهد.

والموضع الذي يحرم منه أهل نجد يقال له: قرن المنازل، بسكون الراء. وأويس سكن الكوفة، وكان عبداً زاهداً.

وفي أسد الغابة: 1/151:

أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعده بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجيه بن مراد المرادي ثم القرني، الزاهد المشهور، هكذا نسبه ابن الكلبي، أدرك النبي(ص)، ولم يره، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها.

وفي إكمال الكمال: 7/113:

أما قرن بفتح القاف والراء ففي مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. منهم أويس بن عمرو القرني الزاهد وغيره.

وفي صفحة 142: أويس بن عمرو القرني، ويقال ابن عامر.

وفي تهذيب التهذيب: 1/337:

(مسلم) أويس بن عامر القرني المرادي سيد التابعين.

وفي هامشه: قال في التقريب المغني: القرني بفتح القاف والراء بعدها نون، نسبة إلي قرن بن رومان، والمرادي بمضمومة وخفة راء ودال مهملة، نسبة إلي مراد. اسمه يحابر بن مالك. اه.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/19:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبوعمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد. انتهي.

وبذلك يتضح أن نسبته (القرني) بفتح الراء إلي قبيلة يمانية، وليس إلي قرن المنازل بسكون الراء، وقد اشتبه ذلك علي الجوهري وغيره، كما نص عليه ابن الأثير وغيره.

راجع أيضاً: اختيار معرفة الرجال/314، والتحرير الطاووسي/74،

وطرائف المقال: 2/192، ومجمع البحرين: 1/131، والأعلام: 1/375، والبداية والنهاية: 6/225.

وبهذا يتضح أن أويساً عربي يماني، ومن الطبيعي أن يكون أسمر اللون، ولكن بعض الروايات تذكر أنه كان آدم شديد الادمة، وكأنها تريد القول إنه كان أفريقيا أسود! في محاولة لذم أويس في ذلك المجتمع الأموي المتعصب ضد الأفارقة.

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

في معجم قبائل العرب: 3/1019

اللويسات: من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور، أحد أقضية محافظة حلب. ينتسبون إلي أويس القرني، وقد قطنوا الغاب في القرن الحادي عشر، وقريتهم الحويجة، ويعدون 32 بيتاً.

روايات لقائه بعمر و استغفاره له

قال مسلم في صحيحه: 7/188

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، وكان به بياض فبرئ، فمروه فليستغفر لكم...

كان عمر بن الخطاب إذا أتي عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتي أتي علي أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: من مراد، ثم من قرن؟

قال: نعم.

قال: فكان بك برص فبرئت منه، إلا موضع درهم؟

قال: نعم.

قال: لك والدة؟

قال: نعم.

قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم علي الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له...

عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا إلي عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين؟

فجاء ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله(ص)قد قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم.

وروي أحمد: 1/38، رواية مسلم المطولة، وفيها:

قال له عمر (رض): استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله(ص).

فقال عمر (رض): إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، فاستغفر له ثم دخل في غمار الناس، فلم يدر أين وقع! قال: فقدم الكوفة قال وكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكر هو وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره. انتهي.

ورواه الحاكم في: 3/404، والبيهقي في الدلائل: 6/376 والذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/20

وقال الحاكم في: 3/403:

وقد صحت الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) عن رسول الله صلي الله عليه وآله. أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني... فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أويس كيف تركته؟ فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.

فلما قدم الرجل أتي أويساً فقال استغفر لي فقال: أنت أحدث الناس بسفر صالح فاستغفر لي.

فقال:لقيت عمر بن الخطاب؟

فقال: نعم.

قال فاستغفر له، قال ففطن له الناس، فانطلق علي وجهه.

قال أسير: فكسوته برداً، فكان إذا رآه عليه إنسان قال من أين لاويس هذا؟!

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وروي نحوه في: 3/404، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/20.

وفي طبقات ابن سعد: 6/113

عن أسير بن جابر

قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس القرني، قال: سمعت رسول الله يقول يأتي عليك أويس بن عامر من أمداد أهل اليمن من مراد.. بر لو أقسم علي الله لابره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.. ورواه في سير أعلام النبلاء: 4/20 والبيهقي في شعب الإيمان: 5/319، وابن كثير في البداية والنهاية: 6/225

وفي المجروحين لابن حبان: 3/151:

وكان عمر بن الخطاب يسأل الوفود إذا قدموا من الكوفة: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا، فقدم وفد من أهل الكوفة فيهم ابن عمه فقال عمر: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين هو ابن عمي وهو رجل فاسد، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت يا أمير المؤمنين!!

فقال له عمر: ويلك هلكت ويلك هلكت، إذا أتيته فاقرئه مني السلام، ومره فليقدم إلي، فقدم الكوفة فلم يضع ثياب سفره عنه حتي أتي المسجد قال: فرأي أويساً فسلم به وقال: استغفر لي يا ابن عمي!

قال: غفر الله لك يا ابن عمي!

قال: وأنت يا أويس يغفر الله لك، أمير المؤمنين يقرئك السلام.

قال: ومن ذكرني لامير المؤمنين؟

قال: هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد إليه.

فقال: سمعا وطاعة لامير المؤمنين! فوفد إليه حتي دخل علي عمر فقال:

أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهب عنك فأذهبه فقلت: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك؟

قال: نعم.

قال: أخبرنا رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل من قرن

يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه، فيقول:اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك علي، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له. استغفر لي يا أويس بن عامر، فقال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

قال آخر: استغفر لي يا أويس، وقال آخر: استغفر لي يا أويس، فلما أكثروا عليه انساب فذهب! فما رؤي حتي الساعة.

راجع أيضاً: الطبقات الكبري 111/6، الميزان 492/4، سير أعلام النبلاء: 4/25، كنز العمال: 14/10، الموضوعات لابن الجوزي 43/2. انتهي.

فهذه الروايات تدل علي أن أويساً جاء من اليمن إلي الكوفة وسكن بها، قبل أن يعرفه عمر، مع أن طريقه تمر علي الحجاز.

وتدل علي أن ايذاء السلطة له في الكوفة كان قبل مجيئه إلي المدينة، إلي عمر.

ومن البعيد أن حاكم الكوفة كان يجرؤ علي مضايقة شخصية مثل أويس بدون رأي عمر، وإذا صحت رواية استدعائه له، فقد يكون الغرض محاولة كسبه، وأنها فشلت، لأنه أنسل من المدينة وهرب راجعاً إلي الكوفة بدون رضا عمر!

ولا بد أن مشكلته مع حاكم الكوفة ورجاله قد زادت أو بقيت علي حالها!

وفي كنز العمال: 14/10:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا قدموا عليه: تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا.

وكان أويس رجلاً يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه، وله ابن عم يغشي السلطان ويؤذي أويساً، فوفد ابن عمه إلي عمر فيمن وفد من أهل الكوفة، فقال عمر: أتعرفون أويس بن عامر القرني؟ فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين إن أويساً لم يبلغ أن تعرفه

أنت، إنما هو إنسان دون، وهو ابن عمي...

فقال له عمر: ويلك هلكت! إن رسول الله صلي الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد اليه، فلما دخل عليه قال:أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك؟ قال: وأني دريت يا أمير المؤمنين؟ والله إن أطلعت علي هذا بشرا! قال: أخبرني به رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل، فيقول: اللهم اترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس بن عامر.فقال الناس: استغفر لنا يا أويس، فراغ، فما رئي حتي الساعة (ع، وابن منده، كر).وفي هامشه: راغ إلي كذا: مال اليه سرا وحاد (ع، وابن منده، كر) انتهي.

وفي هامشه: راغ إلي كذا: مال إليه سرا وحاد).

وقد روي قوله (فراغ فما رئي حتي الساعة) ابن حبان في المجروحين: 3/151، وفي لسان الميزان: 1/471..

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

الأمر الثابت في الروايات، والمنطقي أيضاً، أن عمر كان يبحث عن أويس لكي يستغفر له، كما تقدم.

بل في بعضها أنه كان يبحث عنه إلي آخر سنة من خلافته..

ففي طبقات ابن سعد: 6/113:

قال بن عون عن محمد

قال: أمر عمر أن نري رجلا من التابعين أن يستغفر له، قال محمد: فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم، يعني أويساً.. انتهي.

وتدل الرواية التالية علي أن أويساً لم ير عمر أبدا، وأنه بقي في اليمن إلي خلافة علي عليه السلام، ولم يقبل دعوة عمر للمجئ إلي المدينة!! وعندما وجدوه في اليمن وبلغوه سلام عمر وسلام الرسول صلي الله عليه وآله فقال له عمر: ويلك هلكت! إن رسول الله (ص)حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فاقرءه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد إليه، فلما دخل عليه قال:

أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك؟ قال: وأني دريت يا أمير المؤمنين؟ والله إن أطلعت علي هذا بشراً!

قال: أخبرني به رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل، فيقول: اللهم أترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس بن عامر. فقال الناس: استغفر لنا يا أويس. رد علي سلام الرسول وآله، ولم يرد سلام عمر!!

وفي كنز العمال: 14/10:

عن سعيد بن المسيب قال: نادي عمر بن الخطاب وهو علي المنبر بمني:

يا أهل قرن! فقام مشايخ فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين!

قال: أفي قرن من اسمه

أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال ولا يألف ولا يؤلف!

فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم إلي قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له: إن رسول الله(ص)بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليك سلامه.

فعادوا إلي قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله(ص)، فقال: أعرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي؟! السلام علي رسول الله، اللهم صل عليه وعلي آله، وهام علي وجهه فلم يوقف له بعد ذلك علي أثر دهراً ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه، فاستشهد في صفين (كر).

وكذا في سير أعلام النبلاء: 4/32

فهذه الروايات تدل علي أنه بقي في اليمن، ولم ير عمر أصلاً!!

بينما تقول لرواية أخري إنه قدم من اليمن علي عمر في المدينة، ولكنه لم يستغفر له، وهرب منه!

ففي سير أعلام النبلاء: 4/24:

قال عمر: فقدم علينا ها هنا فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس.

قلت: من تركت باليمن؟

قال: أما لي.

قلت: هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟

قال: نعم.

قلت: استغفر لي.

قال: يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك؟!

قلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. انتهي.

وقال في صفحة 27: وفي لفظ: أو يستغفر لمثلك؟!

وروي نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه!! انتهي.

وفي دلائل النبوة للبيهقي: 6/376:

لما أقبل أهل اليمن جعل عمر (رض) يستقرئ فيقول هل فيكم أحد من قرن؟... فوقع زمام عمر أو زمام أويس... فناوله عمر فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

فقال له عمر: استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي.

ونحوه في مسند أحمد:

1/38، وسير أعلام النبلاء: 4/20

وفي مستدرك الحاكم: 3/404:

عن أسير بن جابر قال لما أقبل أهل اليمن جعل عمر (رض) يستقري الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتي أتي عليه قرن فقال: من أنتم؟

قالوا: قرن.

فرفع عمر بزمامه أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت، فقال له عمر:

ما اسمك؟قال أنا أويس. قال: هل كان لك والدة؟ قال: نعم. قال: هل بك من البياض؟ قال: نعم، دعوت الله تعالي فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لاذكر به ربي. فقال له عمر: إستغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله. انتهي.

وروي الذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/27، نصاً طريفاً عن أبي هريرة، ورده، وقد جاء فيه:

فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام علي أبي قبيس فنادي بأعلي صوته:

يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد؟

فقام شيخ كبير فقال: إنا لا ندري من أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعي إبلنا بأراك عرفات فذكر اجتماع عمر به وهو يرعي فسأله الاستغفار، وعرض عليه مالاً، فأبي. انتهي.

ثم قال الذهبي: وهذا سياق منكر لعله موضوع. انتهي.

وسبب حكمه عليه بالوضع أنه ينص علي امتناع أويس من الاستغفار لعمر، وأنه لم يلقه إلا في آخر سنة من عمره!

ولكن لو صح إشكال الذهبي علي هذا النص، فإن تعارض الروايات الصحيحة عندهم في القول بأنه استغفر لعمر أو لم يستغفر له، ورفضه أن يأخذ منه شيئاً مادياً أو معنوياً، وهروبه منه.. كل ذلك يؤيد مانص

منها علي أنه رفض الإستغفار له!

ويؤيد ذلك: أن التاريخ لم يذكر أن أويساً بايع أبا بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا شارك في حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم، بل لم تذكر عنه شيئاً طيلة خلافتهم التي امتدت ربع قرن، حتي ظهر مع علي عليه السلام، وبايعه، وشارك في حروبه.

ويؤيده: أن روايات ذكرت أن عمر طلب منه أن يبقي عنده وقال له (أنت أخي لا تفارقني) فلم يقبل أويس وهرب منه، ولا تفسير لهروبه إلا أنه خاف أن يحرجه عمر في كلام، أو يصر عليه أن يوليه عملاً في دولته!

ويؤيده: أن عمر كان مركزياً شديد المركزية في إدارته، وكان أويس معروفاً في الكوفة، فلا يمكن القول بأن اضطهاد حاكم الكوفة لاويس كان بدون أمر من عمر! وبذلك يكون إحضاره إلي المدينة إن صح، محاولة من عمر لاستمالته، وقد فشلت!

ويؤيد أيضاً: تعارض الروايات في وقت لقائه بعمر!

فبعضها يقول إنه كان يبحث عنه في موسم الحج، كما في كنز العمال: 14/7، عن محمد بن سيرين قال: أمر عمر بن الخطاب إن لقي رجلاً من التابعين أن يستغفر له قال محمد: قال فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم يعني أويساً (ابن سعد، كر).

وبعضها: يقول إنه وفد عليه من اليمن، كما في أسد الغابة: 1/151:

قال فقال عمر إن رسول الله(ص)قد قال إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس لا يدع باليمن غير أم... فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال ألا أكتب لك إلي عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي... ونحوه في كنز العمال: 14/5، وتاريخ الإسلام: 3/556..

وبعضها: ينص علي أنه كان في آخر سنة من خلافته

يبحث عنه! كالتي تقدمت من كنز العمال، وسير أعلام النبلاء: 4/27، عن أبي هريرة...

ويؤيد ذلك أيضاً: تناقضات أسير بن جابر راوي لقاء أويس بعمر، ففي رواية الحاكم المتقدمة عنه (: 2/365) أن أسيراً لم يعرف أويساً إلا في الكوفة في خلافة علي عليه السلام، وأن أويساً لم يلبث بعد معرفته به إلا قليلاً حتي ذهب إلي صفين!

ورواياته الأخري تقول إنه عرفه من عهد عمر، أي قبل بضع عشرة سنة من خلافة علي علي عليه السلام.

هذا، مضافاً إلي تناقض الاحداث والمضامين التي رواها أسير، والصورة الساذجة التي أعطاها لهذا الولي الواعي، والدور الذي أعطاه لنفسه في حياة أويس، كأنه ولي نعمته!

والمتأمل في روايات أسير يلاحظ أن همه أن يبرز دوره ودور عمر في حياة أويس!

وقد قال عنه الحاكم في المستدرك: 2/365 (وأسير بن جابر من المخضرمين ولد في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله. وهو من كبار أصحاب عمر (رض)). انتهي.

وقد جرح صعصعة بن معاوية في أسير هذا، وصعصعة هو عم الأحنف بن قيس وقد وثقه النسائي وابن حبان، وشهد صعصعة بأن أسيراً كان من شرطة دار الإمارة بالكوفة وكان عمله إيذاء أويس (يغشي السلطان ويؤذي أويساً)!

وقد اعترف أسير بذلك ولكنه ادعي أنه تاب، وأن أويساً استغفر له!!

وإقراره علي نفسه حجة، وادعاؤه التوبة دعوي تحتاج إلي دليل.

أما رواية صعصعة بن معاوية عن لقائه بعمر، التي رواها كنز العمال: 12/10، ورواها أبو يعلي في مسنده: 1/187 ح 212، فهي مقطوعة، لأن صعصعة لم يدرك عمر، ولم يذكر ممن سمعها، وقد ذكروا أن صعصعة أدرك أبا ذر ورآه، وأنه كان حياً في زمن الحجاج، ولا يعلم متي قال

هذا الكلام، ولعله بعد زمن علي عليه السلام.

من هم الذين خاطبهم النبي في البشارة بأويس؟

تتعارض الروايات في تعيين المخاطبين في البشارة بأويس.. فبعضها تقول إن المخاطب بذلك هم المسلمون، بدون تحديد شخص أو أشخاص.

وروايات أسير بن جابر تقول إن النبي صلي الله عليه وآله خاطب بذلك عمر بن الخطاب، فهو يزعم أن ذلك إخبار غيبي بخلافة عمر، أو نوع من الوصية له، مع أن خلافة أبي بكر وعمر قامتا علي أساس أن النبي صلي الله عليه وآله لم يوص لاحد، وأن عشائر قريش الثلاث والعشرين كلها ترث ملكه صلي الله عليه وآله لأنه ابن قريش!

وبعض الرويات، كما في سير الذهبي: 4/24، تقول إن المخاطب هما عمر وعلي (يا عمر ويا علي إذا رأيتماه، فاطلبا إليه يستغفر لكما، يغفر الله لكما. فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه). انتهي.

ومن الطبيعي أن هذه الرواية تريد تلطيف رواية أن المخاطب بذلك عمر وحده، لأن أويساً كان من شيعة علي ولم يكن من شيعة عمر، فجعلت الخطاب لهما معاً!

أما ابن سلام الأباضي فقد ذكر في كتابه بدء الإسلام/79، أن المخاطب بذلك هما أبو بكر وعمر...

ولعل بعضهم روي أن المخاطب بذلك عثمان بن عفان، مع أن اسم عثمان غائب عن أحاديث أويس كلياً، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة!

فهذا الاضطراب في تسمية الذين خاطبهم النبي صلي الله عليه وآله في أمر أويس، يقوي ما ورد في مصادرنا من أن النبي صلي الله عليه وآله خاطب المسلمين عامة، وخاطب علياً عليه السلام خاصة، بأن أويساً سيبايعه ويقتل معه، فجعل الرواة هذه الفضيلة للخلفاء قبله، كما هو دأبهم في مصادرة فضائل علي عليه السلام وتلبيسها لغيره!

ولا يتسع البحث للافاضة

في هذا الموضوع.

قال المفيد في الإرشاد: 1/315:

في حديث عن علي عليه السلام أنه قال: الله أكبر أخبرني حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله، يموت علي الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. انتهي.

ونحوه في الخرائج والجرائح: 1/200، وإعلام الوري/170، والثاقب في المناقب/266، وبحار الأنوار: 37/299 و38/147.

آراء شاذة و أخري مشبوهة الهدف في أويس

1 - حاولوا إعطاء شخصية أويس لعدوي وأموي

مع كثرة الأحاديث والروايات الصحيحة في مصادر الشيعة والسنة حول أويس، ومع أن اسمه مميز لا يختلط بغيره.. إلا أن بعضهم حاول أن يجعل الشخص الذي بشر النبي صلي الله عليه وآله بشفاعته شخصاً آخر غير أويس!!

قال ابن الأثير في أسد الغابة: 3/29:

صلة بن أشيم العدوي من عدي بن الرباب وهو عدي ابن عبد مناة بن أد بن طابخة، أورده سعيد القرشي... صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين، وكان عمره ثلاثين ومائة سنة، وقد ذكر النبي(ص)صلة فقال فيما روي يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي(ص)قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. أخرجه أبو موسي.

روي يزيد عن جابر قال: بلغنا أن النبي قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة (بن أشيم) يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. انتهي. ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: 5/127

وترجم الذهبي في سير أعلام النبلاء: 3/497، لصلة هذا باحترام كبير فقال:

صلة بن أشيم الزاهد العابد القدوة، أبو الصهباء العدوي البصري زوج العالمة معاذة العدوية، ما علمته روي سوي حديث واحد عن ابن عباس.

حدث عنه أهله معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.

ابن المبارك

في الزهد: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي (ص)قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. هذا حديث معضل. انتهي. ثم ذكر الذهبي أنه استشهد في سجستان سنة اثنين وستين.

وقال في هامشه عن معاذة زوجة صلة: من رجال التهذيب، وحديثها في الكتب الستة. وقال عن الحديث: إسناده ضعيف لأعضاله كما قال المؤلف، والحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان علي التوالي.

والخبر في حلية الأولياء 2/241 من طريق ابن المبارك. انتهي.

وكفي الله المؤمنين هذا الحديث حيث ضعفه ناقلوه.. لكن تبقي دلالتة علي أن وجود أويس كان ثقيلاً علي السلطة وخاصة الأموية، لأنه شهادة نبوية حية علي أن الحق مع علي عليه السلام ولذلك حاولوا التخلص منه تارة بإنكار وجود أويس من الأساس! أو بتضعيفه، أو بإعطاء شخصيته لشخص عدوي قريب من الخليفة عمر.

وبعصهم سلم بوجود أويس لكن ادعي أنه قتل في سجستان أو آذربيجان، ولم يقتل مع علي في صفين!!

وأخيراً.. حاول بعضهم أن يعطي شفاعة أويس لعثمان بن عفان! فقال في تذكرة الموضوعات/94: في المختصر (يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر) قيل هو أويس، والمشهور أنه عثمان بن عفان. انتهي.

ومعني قوله (والمشهور) أنه يريد أن يجعله مشهوراً، وإن لم يكن كذلك حتي بين السنيين المحبين لعثمان!!

2 - والبخاري ضعف أويساً ولم يقبل روايته!

في ميزان الإعتدال: 1/278 ولسان الميزان: 1/471:

أويس بن عامر،ويقال ابن عمرو القرني اليمني العابد نزيل الكوفة، قال البخاري يماني مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه! وقال البخاري أيضاً في الضعفاء: في إسناده نظر: يروي عن أويس في إسناد ذلك.

قلت

هذه عبارته! يريد أن الحديث الذي روي عن أويس في الإسناد إلي أويس نظر، ولولا أن البخاري ذكر أويساً في الضعفاء لما ذكرته أصلاً، فإنه من أولياء الله الصادقين، وما روي الرجل شيئاً فيضعف أو يوثق من أجله!

وقال أبو داود: حدثنا شعبة قال: قلت لعمرو بن مرة: أخبرني عن أويس، هل تعرفونه فيكم؟ قال: لا.

قلت: إنما سألت عمراً عنه لأنه مرادي، هل تعرف نسبه فيكم؟ فلم يعرف. ولولا الحديث الذي رواه مسلم في فضل أويس لما عرف، لأنه عبد لله تقي خفي، وما روي شيئاً، فكيف يعرفه عمرو، وليس من لم يعرف حجة علي من عرفه! انتهي.

وشبيه به في سير أعلام النبلاء: 4/19، قال:

أويس القرني. هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد.

وفد علي عمر وروي قليلاً عنه، وعن علي.

روي عنه يسير بن عمرو، و عبد الرحمن بن أبي ليلي، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم، حكايات يسيرة، ما روي شيئاً مسنداً ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين. انتهي.

وقال الجرجاني في الكامل: 1/12، بعد أن أورد عدداً من أحاديث أويس: قال الشيخ: وهذا الحديث معروف لأويس يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة وليس لأويس من الرواية شئ، وانما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد شك قوم فيه، إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار مايروي عنه. انتهي.

والذي يقرأ

البخاري في صحيحه وتاريخه وبقية مؤلفاته، يراه حريصاً علي الخط المتشدد لمذهب عمر وآرائه، ولذا فإن موقفه السلبي من أويس يمثل ما كان في عصره من التهوين من شخصيته.. وهو دليل كاف علي أن صلة أويس بعمر لم تكن كما يحبون.

3 - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أويس!

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم علي أويس القرني

قال أبو يعلي في طبقات الحنابلة: 2/63:

فقال البربهاري إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فكم يدخل في شفاعة أبي الحسن بن بشار؟!

قال أحمد البرمكي: صدق البربهاري لأن أويساً كان من الأبدال، وأبا الحسن كان من المستخلفين، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله، لأن المستخلف في الأرض مقامه مقام النبيين (عليهم السلام)!! لأنه يدعو الخلق إلي الله، فبركته عائدة عليه وعلي كافة الخلق، وبركة البدل عائدة علي نفسه!! انتهي.

لكنا نسأل البرمكي والبربهاري وأبا يعلي الذي ارتضي كلامهما: إن درجات الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غيب لا سبيل إلي العلم به الا من الذي له نافذة علي الغيب! وقد عرفنا مقام أويس من شهادة الرسول صلي الله عليه وآله، فمن أين عرفتم مقام صاحبكم!! وأن الله تعالي جعله خليفته في أرضه! وجعله في رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم؟!

إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا؟!

أما الذهبي فقد قيد قول النبي صلي الله عليه وآله المطلق في أويس! وقال إنه أفضل التابعين في عصره فقط.. ويقصد أنه بعد عصره يوجد كثيرون أفضل منه!!

قال في سير أعلام النبلاء: 4/19:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس... انتهي.

وأما ابن تيمية، فقد تناول أويساً من جهة أخري قد تكون هي السبب

في حساسية بعضهم منه، فقد أكد علي أن أمر الرسول صلي الله عليه وآله لعمر أن يطلب من أويس أن يستغفر له، لا يدل علي أن أويساً أفضل من عمر!

قال في التوسل والوسيلة/327:

وحتي أمر النبي(ص)أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر للطالب، وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير.

وقد قال النبي(ص)في الحديث الصحيح: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلي علي مرة صلي لله عليه عشراً... انتهي.

فمن أين عرف ابن تيمية أفضلية عمر علي أويس؟! وكيف جعل طلب الإستغفار كطلب الدعاء؟!

وكيف شبه أمر النبي لعمر أن يطلب الإستغفار من أويس، بطلب الرسول منا أن نصلي عليه صلي الله عليه وآله؟!! مع الفارق الكبير بينهما؟!

فطلب الرسول منا أن ندعو له بالصلاة عليه إنما هو من أجلنا، ولم يستمد منا المساعدة!

أما توجيهه أحداً أن يطلب الإستغفار من أحد، فلا يكون إلا إذا كان للثاني مقام عند الله تعالي يؤمل به أن ينفع الأول!! فهو من قبيل قوله تعالي (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ...).

4 - وفضلوا أموياً علي أويس القرني!

في حلية الأولياء: 9/223:

قال وسمعت أبا سليمان وأبا صفوان يتناظران في عمر بن عبد العزيز وأويس، فقال أبو سليمان لأبي صفوان: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس!

فقال له: ولم؟

قال: لأن عمر بن عبد العزيز ملك الدنيا فزهد فيها.

فقال له أبو صفوان: وأويس لو ملكها لزهد فيها مثل ما فعل عمر!

فقال أبو سليمان: أتجعل من جرب كمن لا يجرب، إن من جرت الدنيا علي يديه ولم يكن لها في قلبه موقع.

وقال

في البداية والنهاية: 9/233:

قال أبو سليمان الداراني: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القرني، لأن عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزهد فيها، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟! ليس من جرب كمن لم يجرب! انتهي.

فهل تعامي الداراني وأبو نعيم وابن كثير أن أويساً شهد له سيد المرسلين صلي الله عليه وآله بأنه من كبار أولياء الله تعالي، والشفعاء عنده يوم القيامة، وأن معني ذلك أن الملك والخلافة ومغريات الدنيا لو عرضت له وقبلها فسوف لا تغير منه شيئاً!

بينما لم يشهد صلي الله عليه وآله لعمر بن عبد العزيز بحرف من ذلك!

فتفضيله علي أويس وجعله في درجته، ماهو إلا الظن والتعصب لبني أمية!

5 - ثم حاولوا إنكار شهادة أويس في صفين

في سير أعلام النبلاء: 4/25:

وروي نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره. انتهي.

وقد حاول المعلق علي سير الذهبي أن يؤكد الشك في شهادة أويس في صفين، فقال في هامشه: هناك أخبار مختلفة حول موته والمكان الذي دفن فيه، ذكرها أبو نعيم في الحلية 2/83، وابن عساكر في تاريخه 3/110، وما بعدها.

وفي حلية الأولياء: 2/84:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيي ابن زحمويه، ثنا الهيثم بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب، ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه، فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب، وكفن

وحنوط، فغسلناه وكفناه!!

وفي لسان الميزان: 1/473:

وأخرج مسلم... عن أسير بن جابر فذكر اجتماع عمر (رض) بأويس، وفيه:

قال: أين تريد؟

قال: الكوفة.

قال: ألا أكتب لك إلي عاملها فيستوصي بك؟

قال: لا، بل أكون في غبرات الناس أحب إلي.. الحديث، وفي آخره أنه مات بالحيرة. انتهي.

وإذا كان يقصد أن الحديث الآخر في مسلم، فلم نجد فيه ذكراً لموته في الحيرة! وهذا يوجب الشك في أن نسخ صحيح مسلم متفاوتة، وأنه أضيف إلي بعضها أنه مات بالحيرة!

وفي لسان الميزان: 1/475:

وقال ابن حبان في ثقات التابعين: أويس بن عامر القرني من اليمن، من مراد سكن الكوفة، وكان زاهداً عابداً، يروي عن عمر، اختلفوا في موته، فمنهم من يزعم أنه قتل يوم صفين في رجالة علي (رض)، ومنهم من يزعم أنه مات علي جبل أبي قبيس بمكة، ومنهم من يزعم أنه مات بدمشق، ويحكون في موته قصصاً تشبه المعجزات التي رويت عنه.

وقد كان بعض أصحابنا ينكر كونه في الدنيا، حدثني عبد الله بن الحسين الرحبي ثنا عباس بن محمد قراد أبو نوح، فذكر ما تقدم، والأثر الذي تقدم عن لوين أخرج أحمد في مسنده عن أبي نعيم عن شريك به، وفي آخره سمعت رسول الله (ص) يقول: إن من خير التابعين أويساً القرني (رض). انتهي.

وفي تاريخ الطبري: 10/116:

(ذكر من هلك من التابعين سنة 32)

ومنهم أويس بن الخليص القرني. كذلك ذكر ضمرة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه قال: سمعت من رجل من قومي يعني من قوم أويس وأنا أحدث بحديثه، فقال تدري يا أبا عثمان أويس ابن من؟

قلت: لا.

قال: أويس بن الخليص.

وأما يحيي

بن سعيد القطان فإنه قال: حدثنا يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد بأنه قال: أويس بن أنيس القرني.

واختلف في وقت مهلكه فقال بعضهم: قتل مع علي عليه السلام بصفين، روي محمد بن أبي منصور قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلي قال: نادي منادي علي عليه السلام يوم صفين: ألا اطلبوا أويساً القرني بين القتلي، فطلبوه فوجدوه فيهم. أو كلاماً هذا معناه. انتهي.

وفي تاريخ الطبري: 10/145:

وأويس القرني، من مراد وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد وهو يحابر بن مالك.

وكان ورعاً فاضلاً روي أنه قتل يوم صفين: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا هشام عن الحسن قال: قال رسول الله(ص): ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر. قال هشام فأخبرني حوشب أنه قال هو أويس القرني.

وفي وقعة صفين لنصر بن مزاحم/324:

نصر، عن حفص بن عمران البرجمي، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: أصيب أويس القرني مع علي بصفين.

وفي أنساب الاشراف/320:

وبعض الرواة يزعم أن أويساً القرني العابد، قتل مع علي بصفين. ويقال: بل مات بسجستان. قالوا: وكان علي بصفين في خمسين ألفاً، ويقال: بل في مئة ألف. وكان معاوية رحمه الله!! في سبعين ألفاً، ويقال: في مأة ألف، فقتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً، والله أعلم.

وقال في هامشه:

وهذا هو الشائع المعروف بين العلماء، لم يتردد فيه إلا بعض النواصب، وقد ذكر

الكثيرون من منصفي أهل السنة استشهاد أويس بصفين، وذكره ابن عساكر بطرق في ترجمة أويس من تاريخ دمشق: 6/69، وفي ترجمة زيد بن صوحان: 19/131، وفي تهذيبه: 6/14.

قال في مجمع الزوائد: 10/22: وعن ابن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد بن حنبل وإسناده جيد.

وقال ابن مسكويه في الحكمة الخالدة/134: وذكر ابن أبي ليلي الفقيه أن أويساً وجد في قتلي رجالة علي بن أبي طالب يوم صفين.

وقال الحاكم في ترجمة أويس من المستدرك: 3/402:

سمعت أباالعباس محمد بن يعقوب قال: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيي بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب يوم صفين.

وبالسند المتقدم عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن عباس بن الدوري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمان بن أبي ليلي قال: ولما كان يوم صفين نادي مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتي دخل معهم ثم قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

وأخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، حدثنا عبدالله بن روح المدائني، حدثنا عبيد الله ابن محمد العبسي، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال:

شهدت علياً (رض) يوم صفين وهو يقول:

من يبايعني علي الموت؟ - أو قال: علي القتال؟

فبايعه تسع وتسعون قال: فقال:

أين التمام؟ أين الذي وعدت به؟

قال: فجاء رجل

عليه أطمار صوف محلوق الرأس فبايعه علي الموت والقتل[كذا ]قال فقيل: هذا أويس القرني. فما زال يحارب بين يديه حتي قتل (رض).

وقال في تاريخ الخميس:2/277: وقتل مع علي خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأويس القرني زاهد التابعين.

وقال في المختصر الجامع: قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا، منهم عمار بن ياسر، وأويس القرني، وخمسة وعشرون بدريا.

وقال ابن عساكر قبل ختام ترجمة أويس بحديث: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علية[كذا]بن الحسن الحسيني، حدثنا القاضي محمد بن عبدالله الجعفي، حدثنا الحسين بن محمد ابن الفرزدق، أنبأنا الحسن بن علي بن بزيع، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا عبدالله بن أذنية البصري، عن أبان بن أبي عباش عن سليمان[كذا]بن قيس العامري: قال رأيت أويساً القرني بصفين صريعاً بين عمار وخزيمة بن ثابت.

وتقدم في تعليق الحديث (347) في صفحة 286 عن ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ دمشق: 19/130، وفي تهذيبه: 6/14، بسند آخر أن أويس القرني قتل في الرجالة يوم صفين. انتهي.

وكان ينبغي لهؤلاء المؤرخين أن يتقيدوا بمنهجهم في الأخذ بالأحاديث الصحيحة التي نصت علي شهادة أويس مع علي عليه السلام في صفين، وأن لا يشككوا الناس بسرد أحاديث ضعيفة في مقابلها.

ولكن بغضهم لعلي عليه السلام يدفعهم دائماً إلي ترك منهجهم والتشبث بالطحلب لكي يتخلصوا من أويس، هذه الآية الربانية النبوية التي شهدت علي حق علي عليه السلام وباطل خصومه ومقاتليه، وحكمت عليهم بنصوص صحيحة عندهم بأنهم الفئة الباغية المحاربة لله ورسوله!!

تري أحدهم لا يشهد بأن الحق مع علي عليه السلام إلا مجبوراً، كأنه يساق إلي الموت!! ويبقي قلبه مشرباً بحب أعداء علي ومقاتليه، وكأنه يقول لهم (أحسنتم

وتقبل الله جهادكم وطاعاتكم)!!

قال الحاكم في المستدرك: 3/402:

ذكر مناقب أويس بن عامر القرني (رض).

أويس راهب هذه الأمة ولم يصحب رسول الله صلي الله عليه وآله إنما ذكره رسول الله صلي الله عليه وآله ودل علي فضله، فذكرته في جملة من استشهد بصفين بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رض).

سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيي بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين.

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: لما كان يوم صفين نادي مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته حتي دخل معهم، ثم قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

أخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، ثنا عبد الله بن روح المدايني، ثنا عبيد الله بن محمد العبسي، حدثني اسمعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياً (رض) يوم صفين وهو يقول: من يبايعني علي الموت، أو قال علي القتال؟ فبايعه تسع وتسعون.

قال فقال: أين التمام أين الذي وعدت به؟

قال فجاء رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايعه علي الموت والقتل، قال فقيل هذا أويس القرني، فما زال يحارب بين يديه حتي قتل (رض).

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا علي بن حكيم، ثنا شريك قال ذكروا

في مجلسه أويس القرني فقال: قتل مع علي بن أبي طالب(رض) في الرجالة. انتهي.

وقد تقدم من صحيح مسلم وغيره أن أويساً كان في صفين.

راجع أيضاً: طبقات ابن سعد: 6/113 - 114، وغيره.

6 - وجعلوا له قبرين في الشام ليبعدوه عن صفين

في رحلة ابن بطوطه: 1/93:

أن جماعه من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلي الشام، فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه...

بعض المشاهد والمزارات بها (الشام): فمنها بالمقبرة التي بين باب الجابية والباب الصغير... وقبر بلال مؤذن رسول الله (ص)، وقبر أويس القرني، وقبر كعب الأحبار. انتهي.

أما ابن تيمية الذي مذهبه تحريم زيارة القبور، فقد صرح بأن قبر أويس الذي في الشام لا أصل له، قال في كتابه زيارة القبور/446: أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعاً مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلي أبي بن كعب، والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلي أويس القرني، والمشهد الذي بمصر المضاف إلي الحسين (رض)، إلي غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الامصار، حتي قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني كل هذه القبور المضافة إلي الأنبياء لا يصح شئ منها إلا قبر النبي(ص)، وقد أثبت غيره أيضاً قبر الخليل عليه السلام!!

و زعم بعضهم أن قبر أويس طار من الأرض

قال حلية الأولياء: 2/84:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيي بن زحمويه، ثنا الهيثم بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن

الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه!

فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر!!

وقال اللواتي في تحفة النظار في غرائب الأمصار: 1/55:

فمن بعض المشاهد والمزارات بدمشق التي بين باب الجابية والباب الصغير قبر أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين، وقبر أخيها أمير المؤمنين معاوية، وقبر بلال مؤذن رسول الله(ص)، رضي الله عنهم أجمعين، وقبر أويس القرني وقبر كعب الأحبار رضي الله عنهما.

ووجدت في كتاب المعلم في شرح صحيح مسلم للقرطبي أن جماعة من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلي الشام فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء، فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ثم ركبوا فقال بعضهم: كيف نترك قبره بغير علامة، فعادوا للموضع فلم يجدوا للقبر من أثر. انتهي.

ومن الواضح أنهما روايتان أمويتان تريدان إبعاد قبر أويس عن صفين، وتنفيان استشهاده مع علي عليه السلام!!

7 - ورووا عن مالك أنه أنكر وجود أويس

في سير أعلام النبلاء: 4/32:

قال أبو أحمد بن عدي في الكامل: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويساً! ثم قال: ولا يجوز أن يشك فيه. أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.

ميزان الإعتدال: 1/279:

قال ابن عدي: ليس لأويس من الرواية شئ، إنما له حكايات ونتف في زهده، وقد شك قومه فيه، ولا يجوز أن يشك فيه لشهرته ولا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو ثقة صدوق.

قال: ومالك ينكر أويساً يقول: لم يكن. انتهي.

ولعل إنكار مالك لوجوده فيه إن صح مبني علي أن القرنيين قالوا لا نعرف نسبه فينا، أو شككوا في وجوده بينهم!

وقد تقدم أن مخابرات الخلافة كلفت ابن عمه بأذاه وتسقيط شخصيته، فلا يبعد أن تكون هذه الشائعة من صنعهم.

كما تقدم قول أويس عن رد فعل الخلفاء وعمالهم علي نصحه لهم (حتي والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق).

وقوله (نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، فيشتمون أعراضنا، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون علي ذلك أعواناً من الفاسقين، إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله)!

ومن المعروف للجميع أن الخلفاء (ماعدا علي عليه السلام) لم يكن يتسع صدرهم للإنتقاد، وأن سياستهم قامت علي أن المنتقد عدو، بل الممتنع عن البيعة عدو.. وقد أرادوا قتل سعد بن عبادة في السقيفة، وأشعلوا الحطب في اليوم الثاني لوفاة النبي صلي الله عليه وآله في دار علي وفاطمة ليحرقوه بمن فيه! إن لم يبايعوا!! الخ.

وعندما يكون منتقد للخليفة شخصية مهمة مبشراً به مشهوداً له من النبي صلي الله عليه وآله فإن جرمه يكون أكبر، لأن كلامه يكون مؤثراً في الناس أكثر!

وعليه فليس بعيداً أن تكون السلطة طلبت من القرنيين إنكار أويس، أو تبرعوا هم بإنكاره خوفاً من تحميلهم مسؤولية معارضته!

وهو عمل مألوف حتي في عصرنا من العشيرة التي لا تريد أن تتحمل مسؤولية ابنها المعارض للسلطة.

ويؤيد ذلك سلوك أويس الفريد في العناية بالفقراء، وتربيته مجموعة من الزهاد السائرين علي نهجه، وكان مركزهم في مسجد بالكوفة.. وأنه ورد عنه أنه كان يكرر (ماذا لقيت من عمر) وهو شبيه بالكلام الذي كانت

تكرره فاطمة الزهراء عليها السلام..

هذا، ومن المحتمل أن محبي بني أمية أشاعوا عن مالك تشكيكه في وجود أويس القرني، لأن أويساً كعمار بن ياسر رضي الله عنهما ظل شهادة صارخة من النبي صلي الله عليه وآله علي أنهم أهل الباطل!

ومن طريف ماجري في عصرنا أن الإيرانيين بنوا في صفين (الرقة) مسجداً كبيراً ضمنوه قبر عمار بن ياسر وأويس القرني رضي الله عنهما، وعندما كمل المشروع أقاموا لافتتاحه احتفالاً ودعوا بعض العلماء والمؤرخين لالقاء خطبهم فيه، ومنهم الدكتور سهيل زكار المحب للأمويين، فتكلم في افتتاح مسجد أويس، وأنكر وجود شخصيته من أساسها!!

والطريف أن الملحقية الثقافية الإيرانية نشرت خطابه في مجلتها!!

فإذا كنا إلي الآن نري أن المتعصبين لبني أمية مثل الدكتور زكار، يثقل عليهم وجود أويس القرني، ويحاولون إنكاره، فإن أسلافهم الذين عاصروه أو رأوا تأثيره العميق علي الأمة، أجدر من المتأخرين بإنكار وجوده للتخلص منه!

آراء مضادة مغالية في أويس القرني

من جهة أخري غالي بعضهم في أويس وجعلوه خليل رسول الله صلي الله عليه وآله

ففي طبقات ابن سعد: 6/163:

أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله (ص): خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

ورواه في الجامع الصغير: 3/298، برقم 3942 وفي مختصر تاريخ دمشق: 3 جزء 895 وفي كنز العمال: 12/74. انتهي.

وهذه الرواية لا تصح عندنا ولا عند غيرنا.

أما عندنا فلانه ثبت أن النبي صلي الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: أنت أخي، وخليلي، وأول من يصافحني يوم القيامة.

وأما عندهم، فلانهم رووا حديثاً ينفي وجود خليل للنبي صلي الله عليه وآله وأنه لو كان متخذاً خليلاً لاتخذ أبا بكر خليلاً!

وحديثهم عن

ابي بكر كحديثهم عن أويس يراچ بهما نفي أن يكون خليل النبي علياً عليه السام! كما وضعوا حديث أن عمر أول من يصافح الرحمن يوم القيامة، مقابل حديث أن يكون علياً أول من يصافح النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة!

قال أحد العلقين في هامش المجروحين لابن حبان: 3/151:

وأخبار أويس أورد الكثير منها ابن سعد في الطبقات، وأورد ابن الجوزي خبراً منها ثم قال: قد وضعوا خبراً طويلاً في قصة أويس من غير هذه الطريق. وإنما يصح في الحديث عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر، وأخبره رسول الله(ص)فقال: يأتي عليكم أويس فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فأطال القصاص وعرضوا في حديث أويس بما لا فائدة في الإطاله بذكره. انتهي.

وقد حصر هذا المحشئ سبب الوضع في أحاديثه بالقصاص، ولكن عرفت مشكلة الخلافة والأمويين مع أويس، وهي دواع للإنكار والوضع معاً!!

8 - ورووا أنه أوصي إلي هرم بن حيان وبكي علي عمر

في مستدرك الحاكم: 3/406:

أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم بن عبد الله بن معاوية السياري شيخ أهل الحقائق بخراسان قال: أنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري، أنا عبدان بن عثمان، أنا عبد الله بن الشميط بن عجلان، عن أبيه أنه سمع أسلم العجلي يقول: حدثني أبو الضحاك الجرمي، عن هرم بن حيان العبدي قال:

قدمت الكوفة فلم يكن لي بها هم إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه حتي سقطت عليه جالساً وحده علي شاطئ الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فاذا رجل لحم آدم شديد الادمة، أشعر محلوق الرأس يعني ليس له جمة، كث اللحية عليه ازار من صوف ورداء من صوف

بغير حذاء، كبير الوجه مهيب المنظر جداً، فسلمت عليه فرد علي، ونظر الي فقال: حياك الله من رجل، فمددت يدي إليه لاصافحه فأبي أن يصافحني وقال: وأنت فحياك الله.

فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت رحمك الله؟

ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي له، لما رأيت من حاله ما رأيت حتي بكيت وبكي.ثم قال: وأنت فرحمك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي، من دلك علي؟ قلت: الله.قال: لا اله إلا الله سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، حين سماني والله ماكنت رأيته قط ولا رآني.

ثم قلت: من أين عرفتني وعرفت اسمي واسم أبي؟ فوالله ما كنت رأيتك قط قبل هذا اليوم!

قال: نبأني العليم الخبير، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك. إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأحياء، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً ويتحدثون بروح الله وإن لم يلتقوا، وإن لم يتكلموا ويتعارفوا، وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل.

قال قلت: حدثني عن رسول الله صلي الله عليه وآله بحديث أحفظه عنك.

قال: إني لم أدرك رسول الله صلي الله عليه وآله ولم تكن لي معه صحبة، ولقد رأيت رجالاً قد رأوه وقد بلغني من حديثه كما بلغكم، ولست أحب أن أفتح هذا الباب علي نفسي أن أكون محدثاً أو قاضياً ومفتياً. في النفس شغل يا هرم بن حيان.

قال فقلت: يا أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله أسمعهن منك فإني أحبك في الله حباً شديداً، وادع بدعوات وأوص بوصية أحفظها عنك.

قال فأخذ بيدي علي شاطئ الفرات وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، قال فشهق شهقة ثم

بكي مكانه، ثم قال قال ربي تعالي ذكره وأحق القول قوله وأصدق الحديث حديثه وأحسن الكلام كلامه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ.. حتي بلغ إلي من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم. ثم شهق شهقة ثم سكت، فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشئ عليه، ثم قال: يا هرم بن حيان، مات أبوك، وأوشك أن تموت ومات أبو حيان. فإما إلي الجنة وإما إلي النار. ومات آدم ومات حواء.

يا ابن حيان ومات نوح وابراهيم خليل الرحمن.

يا ابن حيان ومات موسي نجي الرحمن.

يا ابن حيان ومات داود خليفة الرحمن.

يا ابن حيان ومات محمد رسول الرحمن.

ومات أبو بكر خليفة المسلمين.

يا ابن حيان ومات أخي وصفيي وصديقي عمر بن الخطاب.

ثم قال: واعمراه، رحم الله عمر وعمر يومئذ حي!! وذلك في آخر خلافته.

قال فقلت له: رحمك الله إن عمر بن الخطاب بعد حي!

قال: بلي إن تفهم فقد علمت ما قلت! وأنا وأنت في الموتي. وكان قد كان ثم صلي علي النبي صلي الله عليه وآله ودعا بدعوات خفاف ثم قال:

هذه وصيتي اليك يا هرم بن حيان: كتاب الله واللقاء بالصالحين من المسلمين والصلاة والسلام علي النبي صلي الله عليه وآله، ولقد نعيت علي نفسي ونعيتك، فعليك بذكر الموت، فلا يفارقن عليك طرفة، وأنذر قومك إذا رجعت اليهم، وانصح أهل ملتك جميعاً واكدح لنفسك، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار يوم القيامة!

قال ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك، اللهم عرفني وجهه في الجنة، وأدخله علي زائرآ في دارك دار السلام، واحفظه

مادام في الدنيا حيث ما كان، وضم عليه ضيعته ورضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فيسره له، واجعله لما تعطيه من نعمتك من الشاكرين، واجزه خير الجزاء.

استودعتك الله يا هرم بن حيان، والسلام عليك ورحمة الله.

ثم قال لي: لا أراك بعد اليوم رحمك الله فإني أكره الشهرة والوحدة أحب الي لأني شديد الغم كثير الهم مادمت مع هؤلاء الناس حياً في الدنيا، ولا تسأل عني ولا تطلبني. واعلم أنك مني علي بال ولم أرك ولم ترني!! فاذكرني وادع لي فاني سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله تعالي.

انطلق ها هنا حتي آخذ هاهنا.

قال فحرصت علي أن أسير معه ساعة فأبي علي، ففارقته يبكي وأبكي!

قال فجعلت أنظر في قفاه حتي دخل في بعض السكك، فكم طلبته بعد ذلك وسألت عنه فما وجدت أحداً يخبرني عنه بشئ، فرحمه الله وغفر له.

وما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين! أو كما قال.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/28:

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم المعدل، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد، قال: انتهي الزهد إلي ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خثيم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبي مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن.

وروي عن هرم بن حيان، قال: قدمت الكوفة، فلم يكن لي هم إلا أويس أسأل عنه، فدفعت إليه بشاطئ الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه،

فعرفته بالنعت... إلي آخر القصة، وقال: أوردها أبونعيم في الحلية، ولم تصح، وفيها ما ينكر. انتهي.

ويكفي لرد هذه القصة أنها تنسب إلي أويس أن الله تعالي نعي إليه عمر، وأنه لو صح أنه أخبر بوفاة عمر في الكوفة قبل أن يعرف الناس لشاع ذلك ورواه غير هرم. مضافاً إلي تعارض ما فيها، وما يعارصها من أن هرما هذا كان يبحث عن أويس ولم يجده.

ثم إن هذه القصة شهادة من هرم لنفسه بأنه الوارث الشرعي لزهد أويس، وكان ينبغي أن يشهد له بذلك غيره، كما شهد النبي صلي الله عليه وآله والمسلمون لأويس.

وأخيراً، فإن الكرامات الباطلة التي رووها عن هرم توجب الشك في اصل تدينه وفي كل ماروي عنه وله.. فقد رووا أنه سمي هرما لأنه هرم في بطن أمه وبقي حملا لمدة سنتين، أو أربع سنين!! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/48:

وقيل: سمي هرماً لأنه بقي حملاً سنتين حتي طلعت أسنانه!

قال أبو القاسم ابن عساكر: قدم هرم دمشق في طلب أويس القرني. انتهي.

وقال في اختيار معرفة الرجال: 1/313:

قال القتيبي: وإنما سمي هرماً لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. انتهي.

فهذا هو هرم الذي هرموه، وكبروه علي حساب أويس!

9 - وادعوا أن أويساً ورث خرقة التصوف ثم ورثها لموسي الراعي

في طرائف المقال: 2/594:

عن تذكرة الأولياء أن علياً عليه السلام وعمر أعطيا خرقة النبي صلي الله عليه وآله حسب الوصية أويساً فلما رآه الثاني أن ثوبه وكساه شعر الابل ووبره، ورأسه ورجليه مكشوفان، وكان له رئاسة الدنيا والدين تغير حاله فقال عمر: من يشتري الخلافة مني برغيف من الخبز؟

وفي لسان الميزان: 6/117:

(موسي) بن

زيد الراعي أبو عمران الديلمي نزيل بلخ.

لم أجد له ذكراً، وأظن أن بعض من في إسناد خبره اختلقه، فإنه أسندت عنه خرقة التصوف، فزعم أو من اختلقه أن أويسآ القرني ألبسه الخرقة لما قدم بلاد الديلم، ومات بها، وأن عمر ألبسه قميصه بعرفات بحضور علي، وأن علياً ألبسه رداء ثم ألبسه قميصه بصفين، وهما لبسا من النبي صلي الله عليه وآله.

ذكره الفخر الفارسي، وهو محمد بن ابراهيم الذي تقدمت ترجمته عن أبيه، عن نصر بن خليفة البيضاوي، عن ابراهيم بن شهريار، عن أبي محمد الحسن الآبار الشيرازي، عن محمد بن خفيف، عن ابن عمر الإصطخري، عن أبي تراب النخشبي، عن أبي عمران المذكور.

وفي السياق أن كلا من هؤلاء ألبس الذي دونه.

وهذا خبر باطل مشوش. وأويس قتل بصفين كما ذكرته في ترجمته، وقيل مات قبل ذلك، فالله أعلم. انتهي.

وهذه الروايات وغيرها من الإدعاءات الباطلة، تدل علي المكانة التي كانت لأويس(رض) في وجدان المسلمين، وعلي تأثير شخصيته ومسلكه في نفوسهم، حتي كثرت الأحاديث عنه، وادعي كثير الإرتباط به والقرب منه، أو ادعوا قربه من أئمتهم الذين يحبونهم!

وهو أمر يزيد من التأكيد علي وجود شخصية أويس، وتأثير سيرته تأثيراً عميقاً في أجيال المسلمين ومتدينيهم.. رضوان الله عليه.

صورة عن أويس القرني من مصادرنا روائح الجنة تفوح من قرن!

في الفضائل/107:

مما روي أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن الشمس، واشوقاه اليك يا أويس القرني، ألا من لقيه فليقرأه عني السلام.

فقيل: يا رسول الله ومن أويس القرني؟

فقال صلي الله عليه وآله: إن غاب لم يفقدوه، وإن ظهر لم يكترثوا له، يدخل في شفاعته إلي الجنة مثل ربيعة ومضر، آمن بي ومارآني، ويقتل

بين يدي خليفتي علي بن أبي طالب في صفين. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 38/155

وفي شرح الأخبار: 2/35:

وأويس بن عامر القرني، قتل مع علي صلوات الله عليه بصفين، وهو الذي قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن من بعدي رجل يقال له: أويس به شامة بيضاء، من لقيه فليبلغه مني السلام، فإنه يشفع يوم القيامة لكذا وكذا من الناس.

خير التابعين و نفس الرحمن

في هامش مجمع البحرين: 3/498:

هو من التابعين الاخيار، ممن كانوا علي الهدي وثبتوا عليه.

شهد مع علي عليه السلام حرب صفين، واستشهد في سبيل حقه. ووصفه المؤرخون بأنه من خواص أمير المؤمنين وحوارييه، وورد في شأنه مدح كثير وثناء من النبي صلي الله عليه وآله، قال صلي الله عليه وآله في وصفه: إنه نفس الرحمن وخير التابعين.

كان راعي إبل فصار الشفيع الموعود

في طرائف المقال: 2/597:

وروي ضمرة عن أصبغ بن زيد قال: أسلم أويس علي عهد النبي صلي الله عليه وآله لكن منعه من القدوم بره بأمه.

واستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي عليه السلام، وقد ذكرنا أن أويساً كان راعياً للابل ويأخذ الاجرة علي الرعي، ويصرفها لأمه الصالحة الصادقة. فذات يوم استأذن من أمه أن يذهب إلي زيارة النبي صلي الله عليه وآله، فأذنت له لكن إن لم يكن النبي صلي الله عليه وآله في بيته فلا تتوقف وارجع معجلاً، فلما ذهب إلي زيارته ولم يكن في البيت رجع إلي اليمن، فلما أتي صلي الله عليه وآله إلي بيته فرأي نوراً لم ير مثله، فسأل أنه هل أتي في درب البيت أحد؟ فأجيب جاء أحد من اليمن اسمه أويس، فحيا وذهب. فقال صلي الله عليه وآله: نعم هذا نور أويس، جعله هدية في بيتنا. راجع أيضاً: سير أعلام النبلاء: 4/27

اويس من أركان التشيع لعلي

في الاختصاص/6: ذكر السابقين المقربين من أمير المؤمنين عليه السلام:

حدثنا جعفر بن الحسين، عن محمد بن جعفر المؤدب: الاركان الاربعة: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، هؤلاء الصحابة.

ومن التابعين: أويس بن أنيس القرني، الذي يشفع في مثل ربيعة ومضر...

وفي الإختصاص/81:

أحمد بن هارون الفامي، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أبي عبدالله محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول الله صلي الله عليه وآله بالجنة ولم يرهم:

أويس القرني، وزيد بن صوحان العبدي، وجندب الخير الأزدي، رحمة الله عليهم. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 29/618.

وفي اختيار معرفة الرجال: 1/314:

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبي صلي الله عليه وآله ولم يصحبه، فقال النبي صلي الله عليه وآله ذات يوم لاصحابة: أبشروا برجل من أمتي يقال له أويس القرني، فإنه يشفع لمثل ربيعة ومضر.

روي يحيي بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي زياد، عن ابن أبي ليلي عبد الرحمن، قال: خرج رجل بصفين من أهل الشام، فقال: فيكم أويس القرني؟ قلنا نعم. قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين، أو من خير التابعين أويس القرني، ثم تحول الينا. انتهي.

وروي الأول في روضة الواعظين/289، وبحار الأنوار: 38/156، وجامع الرواة: 1/110، ووسائل الشيعة: 20/144، ومعجم رجال الحديث: 4/154

وفي طرائف المقال: 2/592

وعن غوث المتأخرين السيد محمد النور بخشئ نور الله مرقده في شجرة الأولياء قال: أويس القرني المجذوب قدس سره، هو الذي وصفه رسول الله صلي الله عليه وآله بالولاية، وقال: إني لاجد نفس الرحمن من جانب اليمن.

وفيه أيضاً في أوائل الكتاب: محمد بن قولوية، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن سليمان بن داود الرازي، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، قال قال أبو الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام): إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين حواري محمد بن عبد الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا إليه؟

فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.

ثم ينادي المنادي: أين حواري علي بن أبي طالب عليه السلام وصي رسول الله صلي الله عليه وآله، فيقوم عمرو بن الحمق، ومحمد بن أبي بكر،

وميثم التمار مولي بني أسد، وأويس القرني... الحديث. راجع أيضاً: معجم رجال الحديث: 4/154.

وقد نقل عن أويس أنه في بعض الليالي يقول: هذه ليلة الركوع ويتم الليلة بركوع واحد، وفي الليلة الأخري يقول: هذه ليلة السجود ويتمها بسجدة، فقيل له: يا أويس كيف تطيق علي مضي الليالي الطويلة علي منوال واحد؟

فقال أويس: أين الليلة الطويلة؟ فياليت كان من الأزل إلي الأبد ليلة واحدة حتي نتمها بسجدة واحدة، ونتوفر علي الأنين والبكاء إلي آخرها.

اويس ختام المسك الموعود في حرب الجمل

قال المفيد في الإرشاد: 1/315:

نقلاً عن ابن عباس أن أمير المؤمنين عليه السلام جلس بذي قار لأخذ البيعة فقال:

يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً يبايعونني علي الموت.

قال ابن عباس: فجزعت لذلك أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، فيفسد الأمر علينا، ولم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتي ورد أوايلهم فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعماة وتسعة وتسعون رجلاً، ثم انقطع مجئ القوم فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا حمله علي ماقال؟!

فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتي إذا دنا وإذا هو رجل عليه قباء صوف معه سيفه وترسه وإداوته، فقرب من أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: أمدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: علي م تبايعني؟ قال: علي السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتي أموت، أو يفتح الله عليك.

فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

قال: أنت أويس القرني؟

قال: نعم.

قال: الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت علي الشهادة، يدخل في

شفاعته مثل ربيعة ومضر.

قال ابن عباس: فسري والله عني. انتهي.

ورواه في الخرائج والجرائح: 1/200، وإعلام الوري/170، والثاقب في المناقب/266، وبحار الأنوار: 37/299

وفي مناقب آل ابي طالب: 2/104:

ابن عباس أنه قال عليه السلام يوم الجمل: لنظهرن علي هذه الفرقة، ولنقتلن هذين الرجلين. وفي رواية: لنفتحن البصرة وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلاً، فكان كما قال. وفي رواية ستة آلاف وخمسة وستون.

وقال المفيد في الجمل/49:

ونحن نذكر الان جملة من بايع أمير المؤمنين عليه السلام الراضين بإمامته الباذلين أنفسهم في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم ممن يعترف المنصف بوقوفه علي أسمائهم تحقيق ما وصفناه، من غنايتهم في الدين وتقدمهم في الإسلام، ومكانهم من نبي الهدي، وأن الواحد منهم لو ولي العقد لامام لانعقد الأمر به، خاصة عند خصومنا فضلاً عن جماعتهم، وعلي مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الإمامة بالإختيار وآراء الرجال، وتضمحل بذلك عنده شبهات الأموية فيما راموه من القدح في دليلنا، بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا.

ومن بايع أمير المؤمنين بغير ارتياب ودان بامامته علي الإجماع والإتفاق، واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته، والحاضرون معه في حرب البصرة ألف وخمسمائة رجل، من وجوه المهاجرين الأولين والسابقين إلي الإسلام والأنصار البدريين العقبيين، وأهل بيعة الرضوان، من جملتهم سبعمائه من المهاجرين وثمانمائة من الأنصار، سوي أبنائهم وحلفائهم ومواليهم، وغيرهم من بطون العرب والتابعين بإحسان، علي ماجاء به الثبت من الأخبار... إلي أن قال:

بيعة باقي الشيعة:

ومن يلحق منهم بالذكر من أوليائهم وعلية شيعتهم، وأهل الفضل في الدين والإيمان والعلم والفقه والقرآن، المنقطعين إلي الله تعالي بالعبادة والجهاد، والتمسك بحقائق الإيمان: محمد بن أبي

بكر، ربيب أمير المؤمنين وحبيبه. ومحمد بن أبي حذيفة وليه وخاصته المستشهد في طاعته.

ومالك ابن الحرث الأشتر النخعي، سيفه المخلص في ولايته.

وثابت بن قيس النخغي.

وعبد الله بن أرقم.

وزيد بن الملفق.

وسليمان بن صرد الخزاعي.

وقبيصة وجابر وعبد الله ومحمد بن بديل الخزاعي.

وعبد الرحمن بن عديس السلولي.

وأويس القرني...

اويس ختام المسك الموعود في حرب صفين

في خصائص الأئمة/53:

وبإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً، ثم قال: أين تمام المائة؟ فقد عهد إلي رسول الله صلي الله عليه وآله (أنه) يبايعني في هذا اليوم مائة رجل!

قال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين فقال: هلم يدك أبايعك.

فقال: علي م تبايعني؟

قال: علي بذل مهجة نفسي دونك!

قال: ومن أنت؟

قال: أويس القرني، فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتي قتل، فوجد في الرجالة مقتولاً.

وفي اختيار معرفة الرجال: 1/315:

وروي الحسن بن الحسين القمي، عن علي بن الحسن العرني، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قا ل كنا مع علي عليه السلام بصفين، فبايعة تسعة وتسعون رجلا، ثم قال: أين المائة لقد عهد الي رسول الله صلي الله عليه وآله أن يبايعني في هذا اليوم مائة رجل. قال: إذ جاء رجل عليه قباء صوف متقلداً بسيفين فقال: أبسط يدك أبايعك.

قال علي عليه السلام: علي م تبايعني؟ قال: علي بذل مهجة نفسي دونك.

قال: من أنت؟ قال: أنا أويس القرني.

قال: فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتي قتل، فوجد في الرجالة.

وفي رواية أخري، قال له أمير المؤمنين عليه السلام: كن أويساً.

قال: أنا أويس.

قال: كن قرنياً قال: أنا أويس

القرني.

وإياه يعني دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها علي نزار، وينقض علي الكميت بن زيد قصيدته التي يقول فيها:

ألا حييت ع_نا يا مدينا أويس ذو الشفاعة كان من

فيوم البعث نحن الشافعون

راجع أيضاً: الخرائج والجرائح: 1/200 والثاقب في المناقب/266 وجامع الرواة: 1/110، ومدينة المعاجز: 2/299، ومعجم رجال الحديث (ط.ج): 4/154

وفي بحار الأنوار: 29/583

وبرز عبد الله بن جعفر في ألف رجل، فقتل خلقا حتي استغاث عمرو بن العاص. وأتي أويس القرني متقلداً بسيفين ويقال: كان معه مرماة ومخلاة من الحصي، فسلم علي أمير المؤمنين عليه السلام وودعه، وبرز مع رجالة ربيعة، فقتل من يومه، فصلي عليه أمير المؤمنين عليه السلام ودفنه. انتهي.

وفي المناقب/249

وفي رواية: قتل من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام في ذلك اليوم والليلة ألفا رجل وسبعون رجلاً، وفيهم أويس القرني زاهد زمانه، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ذوالشهادتين، وقتل من أصحاب معاوية في ذلك اليوم سبعة آلاف رجل. انتهي.

وتدل هذه النصوص علي أن أويساً رضي الله عنه ملهم من الله تعالي، حيث قال في بيعته لامير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل (علي السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتي أموت، أو يفتح الله عليك) فكان الفتح.

وقال يوم صفين (علي بذل مهجة نفسي دونك) ولم يذكر الفتح!

وتدل علي مقادير الله تعالي لهذا الولي الكبير أن يكون تمام الالف في حرب الجمل، ثم تمام المئة في صفين، مبايعاً علي الموت في سبيل الله تعالي.

وتدل هي وغيرها علي أنه وجماعته كانوا فوجاً مقاتلاً، وأنهم قاتلوا قتال الابطال المستميتين، فقد كسر أويس جفن سيفه، ووجد فيه أربعون طعنة، وصلي عليه ودفنه أمير المؤمنين عليه السلام.

وليس كما

ذكر أسير بن جابر أنه سرعان ماجاءه سهم فقتل، وأنه هو دفنه.. الخ.

متفرقات عن أويس

في طرائف المقال: 2/592:

وفي رجال الكشي: علي بن محمد بن قتيبه قال: سئل أبو محمد عن الزهاد الثمانية فقال: الربيع بن خيثم، وهرم بن حيان، وأويس القرني، وعامر بن عبد قيس، وكانوا مع علي عليه السلام ومن أصحابه، وكانوا زهاداً أتقياء.

وأما أبو مسلم أهبان بن صيفي، فإنه كان فاجراً مرائياً، وكان صاحب معاوية، وهو الذي كان يحث الناس علي قتال علي فقال لعلي عليه السلام: إدفع الينا المهاجرين والأنصار حتي نقتلهم بعثمان، فأبي علي ذلك، فقال أبومسلم: الآن طاب الضراب إنما! كان وضع فخاً ومصيدة.

وأما مسروق، فانه كان عشاراً لمعاوية، ومات في عمله ذلك بموضع أسفل من واسط علي دجلة يقال له الرصافة، وقبره هناك.

والحسن كان يلقي كل فرق بما يهوون، ويتصنع للرئاسة، وكان رئيس القدرية.

وأويس القرني مفضل عليهم كلهم.

قال أبومحمد: ثم عرف الناس بعد.

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبي صلي الله عليه وآله ولم يصحبه، بل آمن به في الغياب، ولعدم المكنة وتفرق الحال والإشتغال علي خدمات أمه لم يدرك صحبته، وكان شغله رعي الجمال وأخذ الاجرة. انتهي.

راجع أيضاً: خلاصة الاقوال/24، والتحرير الطاووسي/74، ووسائل الشيعة: 20/144، ومعجم رجال الحديث: 4/154، ولسان الميزان: 1/471

وفي بحار الأنوار: 63/390:

قال أويس لهرم بن حيان: قد عمل الناس علي رجاء، فقال: بل نعمل علي الخوف والخوف خوفان ثابت وعارض، فالثابت من الخوف يورث الرجا، والعارض منه يورث خوفاً ثابتاً.

والرجاء رجاءان: عاكف وباد، فالعاكف منه يقوي نسبة العبد، والبادي منه يصحح أمل العجز والتقصير والحياء.

مستدرك الوسائل: 16/73:

مجموعة الشهيد رحمه الله: نقلاً

من كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، عن أويس القرني قال: كنا عند أمير المؤمنين إذ أقبلت امرأة متشبثة برجل، وهي تقول: يا أ مير المؤمنين لي علي هذا الرجل أربعمائة دينار، فقال عليه السلام: للرجل: ما تقول المرأة؟

فقال: ما لها عندي إلا خمسون درهماً مهرها.

فقالت: يا أمير المؤمنين، أعرض عليه اليمين، فقال عليه السلام: تقول باركاً وتشخص ببصرك إلي السماء:

اللهم إن كنت تعلم أن لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها وطلب نشوها وأنكر ما ذكر ته من مهرها، فلا استعنت بك من مصيبة، ولا سألتك فرج كربة، ولا احتجت إليك في حاجة، وإن كنت أعلم أنك تعلم أن ليس لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها فلا تقمني من مقامي هذا حتي تريها نقمتها منك.

فقال: والله يا أمير المؤمنين لا حلفت بهذا اليمين أبداً، وقد رأيت أعرابياً حلف بها بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله، فسلط الله عليه ناراً فأحرقته من قبل أن يقوم من مقامه، وأنا أوفيها ما ادعته علي. انتهي.

ورواه في الخرائج والجرائح: 1/200، والثاقب في المناقب/266، ومدينة المعاجز: 2/299

من الأدعية المروية عن أويس

في مستدرك الوسائل: 5/48:

السيد رضي الدين علي بن طاووس في مهج الدعوات: عن موسي بن زيد، عن أويس القرني، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن رسول الله صلي الله عليه وآله، في حديث أنه قال: من دعا بهذا الدعاء في منامه، فيذهب به النوم وهو يدعو بها، بعث الله جل ذكره، بكل حرف منه سبعين ألف ملك من الروحانية، وجوههم أحسن من الشمس بسبعين ألف مرة، يستغفرون الله، ويدعون له، ويكتبون له الحسنات... الخبر.

الدعاء: يا سلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر،

الطاهر المطهر، القاهر القادر المقتدر، يا من ينادي من كل فج عميق، بألسنة شتي ولغات مختلفة، وحوائج اخري، يا من لا يشغله شأن عن شأن، أنت الذي لا تغيرك الأزمنة، ولا تحيط بك الأمكنة، ولا تأخذك نوم ولا سنة، يسر لي من أمري ما أخاف عسره، وفرج من أمري ما أخاف كربه، وسهل لي من أمري ما أخاف حزنه، سبحانك لا اله إلا أنت، إني كنت من الظالمين، عملت سوءا، وظلمت نفسي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 88/390

وفي حلية الأولياء: 8/56:

سفيان الثقفي الكوفي، ثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الوزان، ثنا أبو سعيد عمران بن سهل، ثنا سليمان بن عيسي، عن سفيان الثوري، عن إبراهيم بن أدهم، عن موسي بن يزيد، عن أويس القرني عن عمر بن الخطاب عن علي بن أبي طالب قالا:

قال رسول الله (ص): من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له دعاءه. والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الأسماء علي صفائح من الحديد لذابت بإذن الله، ولو دعا بها علي ماء جار لسكن بإذن الله.

والذي بعثني بالحق إنه من بلغ إليه الجوع والعطش، ثم دعا بهذه الأسماء أطعمه الله وسقاه، ولو دعا بهذه الأسماء علي جبل بينه وبين الموضع الذي يريده الآن الله له شعب الجبل، حتي يسلك فيه إلي الموضع الذي يريده.

وإن دعا به علي مجنون أفاق من جنونه، وإن دعا به علي امرأة قد عسر عليها ولدها هون الله عليها، ولو أن رجلاً دعا به والمدينة تحرق وفيها منزله أنجاه الله ولم يحترق منزله.

وإن دعا أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل، ولو أن رجلاً دعا علي سلطان جائر لخلصه الله من جوره.

ومن دعا بها عند منامه بعث الله إليه بكل اسم منها سبعين ألف ملك مرة يكتبون له الحسنات ومرة يمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات إلي يوم ينفخ في الصور.

فقال سلمان: يا رسول الله فكل هذا الثواب يعطيه الله؟

قال: نعم يا سلمان، ولولا أني أخشي أن تتركوا العمل وتقتصروا علي ذلك لأخبرتك بأعجب من هذا!

قال سلمان: علمنا يا رسول الله.

قال: نعم، قل:

اللهم إنك حي لا تموت، وغالب لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وقهار لا تقهر، وأبدي لا تنفد، وقريب لا تبعد، وشاهد لا تغيب، واله لا تضاد، وقاهر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومحتجب لا تري، وجبار لا تضام، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وجبار لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وكنز لا تنفد، وحكم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، ووتر لا تستشار، وفرد لا يستشير، ووهاب لا ترد وسريع لا تذهل، وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وعليم لا تجهل، وحافظ لا تغفل، وقيوم لا تنام، ومجيب لا تسأم، ودائم لا تفني، وباق لا تبلي، وواحد لا تشبه، ومقتدر لا تنازع.

هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه، وموسي بن يزيد ومن دون إبراهيم وسفيان فيهم جهالة.

وفي حلية الأولياء: 10/380:

ثنا عبد الله بن عبيدة العامري، ثنا سورة بن شداد الأزهد، عن سفيان النوري، هو عن إبراهيم بن

أدهم عن موسي بن يزيد عن أويس القرني عن علز بن أبي طالب، قال قال رسول الله (ص): إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد، ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة، إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام.. إلي قوله الرشيد الصبور.. مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة حديث الأعرج عن أبي هريرة صحيح متفق عليه، وحديث الثوري عن إبراهيم فيه نظر لا صحة له.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: 3/175:

دعاء منقول: أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي، أنبأنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة، أنبأنا أبي، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن رجاء الوراق، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يزيد بن خالد المروزي، حدثنا محمد بن موسي السلمي، حدثنا أحمد بن عبد الله النيسابوري، عن شقيق البلخي، عن إبراهيم بن أدهم، عن موسي بن يزيد، عن أويس القرني، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله (ص): من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له:

اللهم أنت حي لا تموت، وخالق لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وصادق لا تكذب، وقاهر لا تغلب، وأبدي لا تنفذ، وقريب لا تبعد، وغافر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، وجبار لا تقهر، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وعليم لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وحكيم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، وغالب لا تغلب، ووتر لا تستأمر، وفرد لا تستشير، ووهاب لا تمل، وسريع لا تذهل،

وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وحافظ لا تغفل، وقائم لا تنام، ومحتجب لا تري، ودائم لا تفني وباق لا تبلي، وواحد لا تشبه ومقتدر لا تنازع.

قال رسول الله (ص): والذي بعثني لو دعي بهذه الدعوات والأسماء علي صفائح الحديد لذابت، ولو دعي بها علي ما جار لسكن، ومن أبلغ إليه الجوع والعطش ثم دعا به أطعمه الله وسقاه، ولو أن بينه وبين موضع يريده جبل لانشعب له الجبل حتي يسلكه إلي الموضع الذي يريد، ولو دعي به علي مجنون لافاق، ولو دعي علي امرأة قد عسر عليها ولدها، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها منزله لنجا ولم يحترق منزله، ولو دعي بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر له كل ذنب بينه وبين الله عزوجل، ولو أنه دخل علي سلطان جائر ثم دعي بها قبل أن ينظر السلطان إليه لخلصه الله من شره، ومن دعي بها عند منامه بعث الله عز وجل بكل حرف منها سبعمائة ألف ملك من الروحانيين، وجوههم أحسن من الشمس والقمر، يسبحون له ويستغفرون له ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات ويرفعون له الدرجات.

فقال سلمان: يا رسول أيعطي الله بهذه الأسماء كل هذا الخير؟ فقال: لا تخبر به الناس حتي أخبرك بأعظم منها، فإني أخشي أن يدعوا العمل ويقتصروا علي هذا. ثم قال: من نام وقد دعا بها، فإن مات مات شهيدا وإن عمل الكبائر وغفر لأهل بيته، ومن دعي بها قضي الله له ألف ألف حاجة.

وقد رواه سليمان بن عيسي عن سفيان الثوري، عن إبراهيم بن أدهم إلا أن الألفاظ تختلف. ورواه مختصراً الحسين بن داود البلخي، عن شقيق بن إبراهيم.

هذا حديث موضوع علي

رسول الله(ص)، وفي طرقه كلمات ركيكة يتنزه رسول الله(ص)عن مثلها وأسماء لله يتعالي الحق عنها، ولم نر التطويل بذكر الطرق لأنها من جنس واحد.

وفي الطريق الأول أحمد بن عبد الله وهو الجويباري.

وفي الطريق الثاني سليمان بن عيسي.

وفي الثالث الحسين بن داود، وثلاثتهم كانوا يضعون الحديث، والله أعلم أنهم ابتدوا بوضعه، ثم سرقه الآخران وبدَّلا فيه وغيرا.

وقد روي لنا من طريق مظلم فيه مجاهيل وفيه زيادات ونقصان. انتهي.

ونحن لا نحكم بصحة الأدعية المروية عن أويس رحمه الله، وهي أكثر من هذه النماذج التي ذكرناها، فرواياتها خاضعة للبحث العلمي وقواعد الجرح والتعديل، ولكنها تدل علي المكانة العميقة له رحمه الله في نفوس المسلمين من الشيعة والسنة، وأنه ثبت عندهم أن أويساً من أولياء الله الخاصين النادرين، كما ثبتت عندهم أحاديث شفاعته الواسعة..

جعلنا الله ممن تشملهم شفاعة النبي وآله، وشيعتهم المقربين.

شفاعة أويس القرني لمئات الألوف أو الملايين

تقدم ذكر شفاعة أويس القرني رحمه الله في أحاديث عديدة، ومنها أحاديث صحيحة من الدرجة الأولي عند الطرفين، ونورد هنا ما يلي:

في مستدرك الحاكم: 3/408

حدثنا أبو زكريا يحيي بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبدالسلام، ثنا اسحاق بن ابراهيم، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن عبدالله بن أبي الجدعاء أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم.

قال الثقفي قال هشام: سمعت الحسن يقول إنه أويس القرني. صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه في سير أعلام النبلاء: 4/32.

وفي مستدرك الحاكم: 3/405:

حدثنا أبو العباس احمد بن زياد الفقيه بالدامغان، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا

أبو بكر بن عياش، عن هشام عن الحسن قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام: فأخبرني حوشب عن الحسن أنه أويس القرني.

قال أبو بكر بن عياش: فقلت لرجل من قومه: أويس بأي شئ بلغ هذا؟

قال: فضل الله يؤتيه من يشاء.

وفي تاريخ الطبري: 10/145:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشام، عن الحسن قال قال رسول الله (ص): ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر: قال هشام: فأخبرني حوشب أنه قال: هو أويس القرني.

وفي تاريخ الطبري: 11/662:

عن هشام عن الحسن.. قال رسول الله (ص) ليدخلن الجنه بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر.. أنه قال هو أويس القرني.

وفي كنز العمال: 12/73:

سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني، وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر (عد، عن ابن عباس).

وفي كنز العمال: 12/76:

يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر (ش، ك، هق، وابن عساكر عن الحسن مرسلاً، قال الحسن: هو أويس القرني).

وفي كنز العمال: 14/8:

عن الحسن قال قال رسول الله (ص): يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر، أما أسمي لكم ذلك الرجل؟

قالوا: بلي.

قال: ذاك أويس القرني...

وقال: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، ثم سماك.. الحديث. وروي نحوه في صفحة 13

وفي كنز العمال: 12/74:

سيقدم عليكم رجل يقال له أويس كان به بياض فدعا الله له فأذهبه الله، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر له (ش، عن عمر).

وفي كنز العمال: 14/7:

مسند عمر، عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر من التابعين رجل من قرن، وإن عمر بن الخطاب قال: أخبرنا رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له في جسده ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدرك منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له (الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة، ق، في الدلائل، كر) راجع أيضاً: 14/8 و10. ونحوه في سير أعلام النبلاء: 4/26

وفي سير أعلام النبلاء: 4/32:

وروي هشام بن حسان عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.

أبو بكر الأعين: حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وتميم. قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: أويس القرني. هذا حديث منكر تفرد به الاعين، وهو ثقة.

ونحوه في ميزان الاعتدال: 2/445.

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: 3/558:

عن عمر قال: قال رسول الله (ص): يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر.

وفي بدء الإسلام لابن سلام الاباضي/79:

أويس القرني... جاء في الاثر عن النبي (ص) قال لأبي بكر وعمر: أوصيكم أن تقرؤوا مني أويس القرني السلام، يقدم المدينة بعدي... يدخل في شفاعته يوم القيامة عدد ربيعة ومضر...

وفي ميزان الإعتدال: 1/282:

عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي، أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام عن الحسن: هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي: حدثنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء:

سمع رسول الله(ص)يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي ميزان الإعتدال: 1/282 ولسان الميزان: 1/474

يونس وهشام عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي أكثر من ربيعة ومضر. قال هشام عن الحسن هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء سمع رسول الله(ص)يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي لسان الميزان: 1/473

وقال أبو صالح: ثنا الليث، حدثني المقبري، عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: ليشفعن رجل من أمتي في أكثر من مضر. قال تميم: ومضر، وأنه أويس القرني. انتهي.

نتيجة

النتيجة التي يخرج منها الباحث في أحاديث أويس وشفاعته:

أن الله تعالي أعطي هذه الكرامة العظيمة لراعي إبل من جبال اليمن، فجعله بسبب طاعته وإخلاصه له، موعوداً مبشراً به، علي لسان أشرف الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وآله وجعل المسلمين يتبركون به ويطمعون منه بكلمة (غفر الله لك) فيبخل بها علي أكثرهم! وينطق بها لمن أدركته الرحمة منهم.

ثم جعله يوم القيامة شفيعاً لمئات الألوف أو لملايين المذنبين، يدخلون ببركته جنة النعيم.

وقوله صلي الله عليه وآله (يشفع في مثل ربيعة ومضر.. أكثر من مضر وتميم.. أكثر من ربيعة وبني تميم) إنما هو إشارة إلي الكثرة وتفهيمها للناس بجمهور قبائل كانت تمثل الكثرة في ذلك المجتمع.. ولذلك قد يبلغ عدد من يشفع لهم أويس الملايين..

ومما يثير العجب، أن هذا الإنسان الكريم علي ربه، صاحب المقام العظيم عنده، الذي لا ينطق بكلمة (غفر الله لك) في غير محلها.. تراه يقول لعلي عليه السلام: مد

يدك أبايعك علي بذل مهجة نفسي دونك!!

فما هو مقام علي؟! الذي يتقرب كبار الأولياء إلي الله بالموت دونه، ودون نصرة حقه وقضيته؟!!

وهل يستطيع مسلم بعد هذا أن يشكك في مقام الشفاعة العظيمة لعلي وبقية أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله.. وهو يري أن أويساً صاحب الشفاعة العظيمة، فدائي لهم!!

وختاماً، فإن شفيع المحشر علي الإطلاق، هو رسول الله صلي الله عليه وآله.. بل يفهم من أحاديثنا أن الشفاعة بالأصل إنما هي كرامة من الله تعالي له صلي الله عليه وآله

وأن الأنبياء الاخرين إنما يشفعون بما يعطيهم سيد المحشر وصاحب لوائه مما أعطاه ربه عز وجل!

وهذه الشفاعة العظمي لنبينا صلي الله عليه وآله ملكٌ كبيرٌ.. لا بد له من مدراء ومفوضين يوم القيامة.. وهؤلاء إنما هم عترة النبي الذين نص عليهم أنهم يكونون معه، وهم علي وفاطمة والمعصومون من أولادهم، صلي الله علي رسوله وعليهم.

ولا بد أن يكون لهم أعوان من الملائكة والصالحين.

وقد خصصنا هذا الفصل بشفاعة أويس رحمه الله، لأنه شيعي ثبتت له هذه الشفاعة العظيمة بإجماع المسلمين، وكفي بها دليلاً علي شفاعة أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله.

النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

حكم النواصب في الفقه الإسلامي

عقدنا هذا الفصل لإستعراض الأحاديث التي رواها الجميع في قرار الحرمان الإلهي من الشفاعة والجنة، لمن أبغض أهل البيت النبوي (عليهم السلام)، أو نصب العداوة والبغضاء لهم أو لمن أحبهم، أو حمل في نفسه غلاً عليهم، أو كرهاً أو حسداً.. ولو بمقدار ذرة!!

فقد اتفقت مذاهب السنيين علي أن من يعادي علياً، أو أهل البيت النبوي (عليهم السلام)، فهو منافق.

أما في فقهنا فمبغض أهل البيت (عليهم السلام) الناصب لهم، كافرٌ نجس..

ويسمي المبغض والمعادي في الفقه

الإسلامي (الناصب والناصبي)

وهو اسم مشتق من: نصب له العداوة، أي أبغضه، وتكلم عليه، أو عمل ضده، شبيهاً بقولك: نصب له الحرب!

والمبغض والمخالف والمعادي والناصب، كلمات متقاربة، ولكنها متفاوتة.. فالمخالف ناظرةٌ إلي مخالفة الشخص في الرأي والمسلك.

والمبغض ناظرة إلي حالة النفرة النفسية المضادة للحب.

والمعادي ناظرة إلي الموقف النفسي والعملي المضاد.

والناصب تزيد عليهما بأن البغض والعداء يصير هم الناصب!

هذا في أصل اللغة، أما في الشرع فقد وردت استعمالاتها بمعني واحد وكأن المصطلح الإسلامي للمبغض يشملها جميعاً.

والذي يدخل في بحثنا من أحكام النواصب، أن الشفاعة النبوية الكبري علي سعتها يوم القيامة لا تنالهم، بل يؤمر بهم إلي النار!!

وهذا يعني أن بغض أهل البيت جريمةٌ كبري في نظر الإسلام، جزاؤها الطرد من الرحمة الإلهية والنبوية، واستحقاق العذاب في جهنم!

ونورد فيما يلي عدداً من أحاديث هذه المسألة، وفيها أحاديث صحيحةٌ عند الجميع:

علي ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق

روي الحاكم: 3/129

عن أبي ذر (رض) قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب (رض). هذا حديث صحيح علي شرط مسلم، ولم يخرجاه.

ورواه أحمد في فضائل الصحابة: 2/639، والدارقطني في المؤتلف والمختلف: 13763، والهيثمي في مجمع الزوائد: 9/132

وروي الترمذي: 4/327، و: 5/293 و298-باب مناقب علي:

عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روي هذا عن الاعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد.

وروي النسائي في: 8/115

عن أم سلمة قالت: كان رسول الله(ص)يقول: لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن. وقال: هذا حديث حسن.

ورواه

النسائي أيضاً في خصائص علي 5/137

وابن ماجة: 1/42

والترمذي: 4/327 وج 5/594

وأحمد في مسنده: 2/579 وص 639 وفي فضائل الصحابة: 2/264

وعبد الرزاق في مصنفه: 11/55

وابن أبي شيبة في مصنفه: 12/56

والحاكم في المستدرك: 3/129، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه! ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.

ورواه الطبراني في الأوسط: 3/89

والهيثمي في مجمع الزوائد:1299، وقال: رجال أبي يعلي رجال الصحيح.

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن صحابة متعددين في: 2/72 و: 4/41 و: 13/32/153 و: 14/426 و: 2/255

والبيهقي في سننه: 5/47

وابن عبد البر في الاستيعاب: 3/37

وفي الترمذي: 5/601

عن الأعمش: إنه لا يحبك إلا مؤمن. وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.

وفي الطبراني الكبير: 1/319 و 23/380

عن أبي الطفيل قال: سمعت أم سلمة تقول: أشهد أني سمعت رسول الله (ص)يقول: من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله. ورواه الهيثمي في الزوائد: 9/132.

وفي فردوس الأخبار: 3/64

عن ابن عباس أن النبي (ص) قال: علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً.

عن أبي ذر أن النبي (ص) قال: علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي. حبه إيمانٌ، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودة عبادة.

وفي صحيح مسلم: 1/60، تحت عنوان: باب حب علي من الإيمان.

عن زر بن حبيش قال قال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي(ص)إلي، أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.

ورواه ابن ماجة: 1/42

والنسائي في سننه: 8/115 و117 وفي خصائص علي: 1375

وأحمد في مسنده: 1/84 و 95 و 128 وفي فضائل الصحابة: 2/264

وابن أبي شيبة في المصنف: 12/56

وعبد الرزاق في المصنف: 11/55

وابن أبي عاصم في السنة: 5842

وابن حبان في صحيحه: 9/40

والخطيب في تاريخ بغداد: 2/255 و: 14/426

وابن عبد البر في الاستيعاب: 3/37

وأبو نعيم في حلية الأولياء: 8/185

وابن حجر في الإصابة: 2/503

والحاكم في المستدرك: 3/139

والبيهقي في سننه: 5/47

وابن حجر في فتح الباري: 7/57

وفي مسند أبي يعلي: 1/237

عن الحارث الهمداني قال: رأيت علياً جاء حتي صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله علي لسان نبيكم النبي الامي صلي الله عليه و(آله) وسلم إلي: إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افتري.

وفي فتح الباري: 7/72

وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا علي أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمانها علي المنافق علي أن يحبني ما أحبني! وذلك أنه قضي فانقضي علي لسان النبي الأمي صلي الله عليه و (آله) وسلم أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق.

وهو في نهج البلاغة: 2/154، شرح محمد عبده، وقال ابن أبي الحديد في شرحه 2: 485: في الخبر الصحيح المتفق عليه أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وحسبك بهذا الخبر، ففيه وحده كفاية:

وقال ابن ابي الحديد في موضع آخر كما في هامش بحار الأنوار: 39/294:

قال شيخنا أبو القاسم البلخي: قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب عند المحدثين فيها أن النبي قال له: لا يبغضك إلا منافق ولا يحبك إلا مؤمن.

وفي

بشارة المصطفي للطبري الشيعي/107

أخبرنا الشيخ الفقيه المفيد أبو علي الطوسي رحمه الله بقراءتي عليه في شعبان سنة إحدي عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: أخبرنا السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي رحمه الله قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال: حدثنا علي بن العباس بن الوليد قال: حدثنا ابراهيم بن بشير بن خالد قال: حدثنا منصور بن يعقوب قال: حدثنا عمرو بن ميمون، عن ابراهيم بن عبد الاعلي، عن سويد بن غفلة قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: والله لو صببت الدنيا علي المنافق صباً ما أحبني، ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لاحبني، وذلك أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق! انتهي.

ورواه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين (ع): 2/484، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين/295

وفي فردوس الأخبار: 5/316

قال النبي (ص): يا علي محبك محبي، ومبغضك مبغضي.

ونحوه في الطبراني في الأوسط: 3/89، عن عمران بن حصين.

وأحمد في فضائل الصحابة: 2/639، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

والحاكم في: 3/130، عن سلمان الفارسي. وفي: 3/129، عن أبي ذر الغفاري

والهيثمي في مجمع الزوائد: 9/129، عن أبي يعلي، عن أبي رافع.

وفي تاريخ بغداد: 9/72، وفي: 4/41، وفي: 13/23، عن ابن مسعود، وفي صفحة 153، عن ابن عباس.

- ورواه أيضاً في: 9/72، وروي فيها: عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله يقول لعلي: يا علي طوبي لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن

أبغضك وكذب فيك.

وروي الحاكم في المستدرك: 3/128

عن ابن عباس قال: نظر النبي(ص)الي علي فقال: يا علي أنت سيدٌ في الدنيا وسيدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي!! صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ورواه في تاريخ بغداد: 4/41، وفي فردوس الأخبار: 5/324

وفي الطبراني الأوسط: 3/89

عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله(ص)يقول لعلي:إن الله تبارك وتعالي زينك بزينة لم يزين العباد بزينة مثلها! إن الله تعالي حبب اليك المساكين والدنو منهم، وجعلك لهم إماما ترضي بهم، وجعلهم لك أتباعاً يرضون بك، فطوبي لمن أحبك وصدق عليك، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك.

فأما من أحبك وصدق عليك فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك من جنتك.

وأما من أبغضك وكذب عليك، فإنه حق علي الله عز وجل أن يوقفهم مواقف الكذابين.

وفي مستدرك الحاكم في صفحة 138 (عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا علي الحسن بن علي بالمدينة، ومعنا معاوية بن حديج، فقيل للحسن: إن هذا معاوية بن خديج الساب لعلي، فقال: عليَّ به، فأتي به فقال: أنت الساب لعلي؟! فقال: ما فعلت! فقال: والله إن لقيته، وما أحسبك تلقاه يوم القيامة، لتجده قائماً علي حوض رسول الله صلي الله عليه وآله، يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصاً من عوسج.. حدثنيها الصادق المصدوق، وقد خاب من افتري. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انتهي.

وفي مسند أبي يعلي: 6/174

(عن علي بن أبي طلحة مولي بني أمية قال: حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن خديج، وكان من أسب الناس لعلي، قال: فمر في المدينة وحسن بن علي ونفرٌ من

أصحابه جالسٌ فقيل له: هذا معاوية بن خديج الساب لعلي! قال: عليَّ الرجل، قال: فأتاه رسوله فقال: أجب.

قال: من؟

قال: الحسن بن علي يدعوك، فأتاه فسلم عليه.

فقال له الحسن: أنت معاوية بن خديج؟

قال: نعم.

فرد ذلك عليه، قال: فأنت الساب لعلي بن أبي طالب؟!

قال: فكأنه استحيا.

فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الازار علي ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الابل. قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افتري.

ورواه أبو يعلي في مسنده: 12/139، والطبراني في الأوسط: 3/22، وفي الكبير: 913، وفي مجمع الزوائد: 9/130، و272

وفيه: قال يامعاوية بن خديج إياك وبغضنا، فإن رسول الله قال: لا يبغضنا ولا يحسدنا أحدٌ إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار.

ورواه في مختصر تاريخ دمشق: 12 جزء 24/393، وفي كفاية الطالب /89، عن أبي كثير، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 8 جزء 15/18، عن المدائني.

وفي شواهد التنزيل للحسكاني: 1/551 ح 585

بسنده عن جابر وأنس قالا قال رسول الله (ص): يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله علي مناخرهم في النار.

وفي شواهد التنزيل: 1/550 ح 583

بسنده عن جابر قال: قال رسول الله (ص) يا علي، لو أن أمتي صاموا حتي صاروا كالأوتاد، وصلوا حتي صاروا كالحنايا، ثم أبغضوك لأكبهم الله علي مناخرهم في النار!!.

وفي شواهد التنزيل: 1/496 ح 524

بسنده عن جابر قال: خطبنا رسول الله (ص) فسمعته يقول: من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً.

وفي شواهد التنزيل: 1/550 ح 584

بسنده عن أبي سعيد قال: قتل قتيل بالمدينة علي

عهد النبي (ص)... فقال: والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أكبه الله عز وجل في النار علي وجهه.

وفي بشارة المصطفي للطبري الشيعي/204

قال حدثنا الهيثم بن حماد، عن يزيد الرقاشئ، عن أنس بن مالك قال: رجعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله قافلين من تبوك فقال في بعض الطريق: ألقوا إلي الأحلاس والأقتاب ففعلوا، فصعد رسول الله صلي الله عليه وآله فخطب فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله ثم قال: معاشر الناس مالي أراكم إذا ذكر آل ابراهيم تهللت وجوهكم، فإذا ذكر آل محمد كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان!!

والذي بعثني نبياً لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال، ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار!!

محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة

قال في فتح الباري: 1/63

وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي (ص) قال له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن الغناء في الدين!

قال صاحب المفهم: وأما الحروب الواقعة بينهم، فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضي المخالفة! ولذلك لم يحكم بعضهم علي بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد!! والله أعلم.

وقال في فتح الباري: 7/72، في شرح رواية البخاري: 1/525): لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله: وقوله في الحديثين إن علياً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله: أراد بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة.

وفي الحديث تلميح

بقوله تعالي: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، فكأنه أشار إلي أن علياً تام الإتباع لرسول الله (ص) حتي اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق، كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه، قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي (ص) أن لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد. انتهي.

فقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام في خيبر، وشهادته له بأن حبه وبغضه ميزان الإيمان.. ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة!!

أما في خيبر فقد حاصر المسلمون خيبر وفتحوا عددا من حصونها، ولكنهم عجزوا عن فتح أهم حصن فيها (حصن السلالم)!

وكانت آخر محاولتين لفتحه حملتان، قاد المسلمين في الأولي منهما أبو بكر، وما أن اقتربوا من الحصن حتي واجهتهم دفاعات اليهود من أعلي الحصن بوابل السهام والاحجار.. فانهزموا راجعين إلي مقر قيادة النبي صلي الله عليه وآله!!

وفي اليوم التالي قاد الحملة عمر بن الخطاب فتكرر نفس المشهد وأشد، فانهزم المسلمون ورجعوا، وهم يجبنون عمر وهو يجبنهم!!

عندها غضب النبي صلي الله عليه وآله وقال كلمته الخالدة (لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه) وكان علي مريضاً برمد العينين، فأحضره النبي صلي الله عليه وآله ومسح بريقه علي عينيه فشفاه الله تعالي، وأعطاه الراية، فتقدم علي أمام المسلمين وصعد في جبل الحصن قبلهم، وهو يدفع السهام والأحجار حتي تكسر ترسه، وتمكن من الصعود إلي باب الحصن وبه جراحات، فاستعان بالله تعالي ودحا الباب الحديدي

الضخم فانفتح، فدخل عليهم وحده وقتل فارسهم مرحباً، ورفع صوته بالتكبير، ففهم المسلمون أنه النصر، فدخلواالحصن علي أثره وأكملوا تحريره!!

فانظر كيف حاول ابن حجر توسيع هذه الشهادة النبوية لتشمل كل الصحابة، ويغمض عينيه عن صوصياتها المتعددة، التي لا تنطبق إلا علي علي؟!

والأعجب من ذلك أنه عمد إلي الميزان الإلهي لايمان الأمة، والذي هو ميزان منصوص، لشخص مخصوص، فجعله ميزاناً واسعاً ضائعاً مائعاً متناقضاً! فقال:

وهذا جار بأطراد في أعيان الصحابة، لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن الغناء في الدين!

يعني بذلك أن حب كل واحد من الصحابة علامة علي الإيمان، وبغض أي واحد منهم علامة علي النفاق، لأنهم جميعاً شاركوا في نصرة النبي صلي الله عليه وآله!

يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد علي حب علي عليه السلام أن يضع للامة خطاً ومقياساً ليعرف به هدي المهتدين به، وكذب المنافقين في ادعائهم الإسلام.

وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعاً مقياساً لذلك، وعددهم عنده أكثر من مئة ألف، وقد كانوا في عهد النبي صلي الله عليه وآله مختلفي المشارب والإتجاهات والمستويات، وصاروا بعده أكثر اختلافاً وعداوة وبغضاء.. حتي انقسمت الأمة بسببهم إلي محب لهم ومبغض، وقامت بينهم الحروب!!

فلو جعلنا بغضهم مقياساً للنفاق، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة!

لأن المنافقين في زمنه وبعده، إما صحابة أو يحبون أحداً من الصحابة!

وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة التبي صلي الله عليه وآله

كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية علي الصحابة أنفسهم.. لأنه لا يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابياً آخر، فيكونون جميعاً بهذا المقياس (الحجري) منافقين!!

وقد حاول ابن حجر أن

يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاماً غير مفهم، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم، وقد اشتهر بغض معاوية لعلي، ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقاً! لأن قصد النبي صلي الله عليه وآله أن علامة النفاق هو بغض علي بسبب نصرته للنبي فقط.. وأما بغضه لسبب آخر فهو حلالٌ زلال، لا يوجب نفاقاً ولا من يحزنون!!

وهي حيلةٌ وجدها علماء الخلافة القرشية قبل ابن حجر، فحللوا بهابغض علي، وزعموا أن التأكيد النبوي المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبي صلي الله عليه وآله فقط! فلا يشمل الذين يبغضونه لأسباب أخري غير النصرة!!

وقد تشبثوا بتلك الحيلة لرفع حكم النفاق عن معاوية، وتبرير أمره بلعن علي عليه السلام علي منابر الإسلام في خطب الجمعة عشرات السنين، وتشريد أهل بيت النبي ومطاردتهم في كل صقع، وتقتيل شيعتهم وهدم بيوتهم، وتقريب مبغضيهم ولاعنيهم، وإعطائهم مناصب الدولة!!

وقد تمسك بهذه الحيلة بعض فقهاء النواصب في عصر ابن حجر، ودافعوا بها أمام القضاة السنيين، الذين أصدروا حكمهم علي ابن تيمية، بأنه ناصبي منافق مبغض لعلي عليه السلام! فقال المدافعون: إن بغضه لعلي الذي ليس بسبب نصرته للنبي صلي الله عليه وآله! فهو مثل معاوية يبغض علياً لأسباب أخري، فبغضه له حلالٌ لا يصير بسببه من المنافقين، كما أن معاوية لم يصر من المنافقين!!

ولكنه منطق متهافت:

أولاً، لأن كلام النبي صلي الله عليه وآله صريح في الإطلاق والعموم.. فأين دليلهم علي التخصيص، وأين المخصص والمقيد من عقل أو نقل؟

وثانياً، أنهم بذلك جوزوا للمسلمين أن يصيروا كلهم رافضة، وأن يبغضوا الصحابة ويلعنوهم لأسباب أخري غير نصرتهم للنبي صلي الله عليه وآله!!

فما دام بغض معاوية والنواصب ولعنهم علياً حلالٌ،

وهم مصدقون في إدعائهم أن بغضهم له لسبب آخر غير النصرة! فكل مسلم يجوز له أن يبغض من شاء من الصحابة ويلعنهم، ويكفي لتبرئته أن يزعم أن ذلك لسبب آخر غير النصرة!!

والواقع أن ابن حجر وأمثاله يعرفون أن علياً هو المقياس النبوي الإلهي للإيمان في الأمة في حياة النبي وبعده، ويروون في الصحاح قصة بغض بريدة وخالد وغيرهما لعلي وغضب النبي صلي الله عليه وآله عليهم لذلك!

ولكن علماء الخلافة يجادلون نبيهم، ويحتالون علي أحاديثه تخصيصاً وتوسيعاً وتمييعاً، لمصلحة مبغضي أهل بيت نبيهم من قبائل قريش الأخري، التي أشربوا حبها علي حساب أهل بيت نبيهم!! ولله في خلقه شؤون.

قصة بريدة وحدها حجة بالغة

روت الصحاح السنية قصة بريدة، ولكنها اختصرتها وحذفت منها!!

وما بقي منها عظيم! وخلاصتها:

أن الصحابي بريدة الاسلمي اعترف بأنه كان مع عدد من الصحابة القرشيين في زمن النبي صلي الله عليه وآله يبغضون علياً عليه السلام ويعملون ضده!

وذات يوم أرسل النبي صلي الله عليه وآله جيشين إلي اليمن، أحدهما بقيادة علي، والاخر بقيادة خالد بن الوليد، فاختار بريدة أن يذهب مع جيش خالد، لأن خالداً علي خطه في بغض علي عليه السلام.

وتوغل جيش علي داخل اليمن، وأنجز الجيشان مهماتهما العسكرية، كل في جبهته، وانتصرا وغنما ثم التقيا، فصار القائد عليهما علي كما أمر النبي صلي الله عليه وآله.

وكان خالد ومبغضو علي يراقبون حركات علي وسكناته، لعلهم يجدون عليه مأخذاً ينتقدونه به، ويضعفون شخصيته عند المسلمين، أو عند النبي صلي الله عليه وآله!

وعندما وزع علي الغنائم وعزل منها الخمس للرسول وآله صلي الله عليه وآله، اختار منه جارية فقوم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس، ولعله تزوجها.

فرأي خالد في

ذلك نصراً عظيما علي علي پ وكتب رسالة إلي النبي صلي الله عليه وآله وأرسلها مع وفد من ثلاثة أشخاص، وأرسل معهم بريدة شاهداً مصدقاً للرسالة!

ومفاد الرسالة أن علياً خان غنائم المسلمين وأخذ جارية لنفسه، وتزوج علي بنت النبي صلي الله عليه وآله!

ووصل بريدة إلي المدينة، واتصل بمبغضي علي وبشرهم برسالة خالد ضد علي ففرحوا بها، وأوصوه أن يقدم معها تقريراً شفهياً قوياً ضد علي، حتي تسقط مكانته عند النبي صلي الله عليه وآله ويرتاحوا من شره في المستقبل!!

وقام بريدة بالمهمة كما أرادوا، ولكن النتيجة كانت معكوسة عليهم تماماً!

فقد غضب النبي غضباً شديداً من رسالة خالد وتقرير بريدة، ومن حركة الصحابة الذين يقفون وراءهما ضد علي.. وكشف لهم حقائق تتعلق بعلي، تضمنتها أحاديث بريدة الصحيحة في مصادر السنة والشيعة، ومن أهم نقاطها ما يلي:

أولاً: أن علياً بأمر الله تعالي خليفة النبي صلي الله عليه وآله وولي المسلمين من بعده.

ثانياً: أنه لا يتصرف من عنده أبداً، حتي عندما يكون في اليمن بعيداً عن النبي صلي الله عليه وآله بل كل تصرفاته إما أن تكون بأمر الرسول، أو بإلهام الله تعالي!!

ثالثاً: أن علياً مع النبي وآله، هم أصحاب الخمس الشرعيون في الغنائم وغيرها، فحق علي في الخمس أكثر من جارية.

رابعاً: أن خبر زواج علي أو تسريه علي زوجته فاطمة الزهراء (عليهما السلام)، خاصة عندما يكون في سفر، لايؤذيها ولا يؤذي أباها، لأنهما لايخالفان شرع الله، ولأنهما علي ثقة منه، ومن مقامه الذي خصه به الله تعالي.

خامساً: أن مبغضي علي إما منافقون أو كفار.. وعلي مبغضيه من الصحابة أن يتوبوا من ذلك ويجددوا إسلامهم، ويستغفروا الله تعالي ويستغفر لهم

الرسول صلي الله عليه وآله، عسي أن يغفر نفاقهم أو ارتدادهم، ويقبل توبتهم وإسلامهم!!

وبالفعل فقد جدد بريدة إسلامه، وتاب من بغض علي وأخذ يحبه، وطلب من النبي صلي الله عليه وآله أن يستغفر له!

أما الباقون فلم نسمع بتوبتهم!

وفيما يلي نستعرض عدداً من نصوص القضية، التي تحتاج من الباحث والقارئ إلي تأمل لكي يفهم مداليلها، ويعرف هدف الرواة من صياغاتهم لها بإشكال مخففة، ويفهم معني تعليقات الحاكم في مستدركه علي رواياتها الصحيحة علي شرط البخاري ومسلم، اللذين تجاهلاها أو بتراها!!

ولنبدأ بإحدي روايات مسند أحمد المتعددة، قال في: 5/356

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بعث رسول الله(ص)بعثين إلي اليمن علي أحدهما علي بن أبي طالب وعلي الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعلي علي الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما علي جنده، فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون علي المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفي عليٌّ امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلي رسول الله(ص)، يخبره بذلك!

فلما أتيت النبي(ص)دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله(ص)، فقلت: يارسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله (ص): لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي!!

وقال الحاكم في المستدرك: 2/129

عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال إني لامشي مع أبي إذ مر بقوم ينقصون علياً (رض) يقولون فيه! فقام فقال: إني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شئ، وكنت مع خالد بن الوليد في جيش، فأصابوا غنائم،

فعمد علي إلي جارية من الخمس فأخذها لنفسه، وكان بين علي وبين خالد شئ، فقال خالد هذه فرصتك! وقد عرف خالد الذي في نفسي علي علي، قال فانطلق إلي النبي صلي الله عليه وآله فاذكر ذلك له، فأتيت النبي صلي الله عليه وآله فحدثته، وكنت رجلاً مكباً وكنت إذا حدثت الحديث أكببت، ثم رفعت رأسي فذكرت للنبي صلي الله عليه وآله أمر الجيش، ثم ذكرت له أمر علي، فرفعت رأسي وأوداج رسول الله صلي الله عليه وآله قد احمرت! قال قال النبي صلي الله عليه وآله: من كنت وليه فإن علياً وليه. وذهب الذي في نفسي عليه.

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرجه البخاري من حديث علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه مختصراً، وليس في هذا الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة.

وهذا رواه وكيع بن الجراح، عن الأعمش، أخبرناه أبو بكر بن اسحاق الفقيه، أنبأ موسي بن اسحاق القاضي، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، أنه مر علي مجلس... ثم ذكر الحديث بطوله. انتهي.

وقال عنه في مجمع الزوائد: 9/108: ورجاله رجال الصحيح. وورد فيه (فقلت لا أسوؤك فيه أبداً).

وروي الحاكم القصة أيضاً: 3/110

وفيها أن مبغضي علي كانوا أربعة، وأنهم تعاقدوا فيما بينهم علي شكايته إلي النبي صلي الله عليه وآله، قال الحاكم:

عن عمران بن حصين (رض) قال بعث رسول الله صلي الله عليه وآله سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب(رض)، فمضي علي في السرية فأصاب جارية، فأنكروا

ذلك عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله إذا لقينا النبي صلي الله عليه وآله أخبرناه بما صنع علي!

قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله صلي الله عليه وآله، فنظروا إليه وسلموا عليه ثم انصرفوا إلي رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا علي رسول الله صلي الله عليه وآله فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا!!

فأعرض عنه! ثم قام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه! ثم قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه! ثم قام الرابع فقال: يارسول الله ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا! فأقبل عليه رسول الله صلي الله عليه وآله والغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي! إن علياً مني وأنا منه، وولي كل مؤمن. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهي. وروي نحوه آخر، وصححه علي شرط مسلم أيضاً.

أما البخاري فهو علي عادته في أمثال هذا الحديث، إما أن يحذفه كلياً، أو يحذف منه ولاية علي عليه السلام ويرويه مبتوراً!

قال في صحيحه: 5/110

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (رض) قال: بعث النبي(ص)علياً إلي خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا تري إلي هذا؟

فلما قدمنا علي النبي(ص)ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض علياً؟

قلت: نعم. قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك. انتهي.

بل نلاحظ أن البخاري زهد في بريدة بسبب أحاديثه في فضل علي، وطبق عليه مذهبه في الاقلال من الرواية عن الصحابة والرواة الذين يحبون علياً، ومنهم بريدة الاسلمي!! فقد رووا عنه في الصحاح وغيرها أكثر من

مئتي حديث، ولكن البخاري لم يرو منها في صحيحه بعدد أصابع اليد الواحدة!!

كما أنه في تاريخه، ترجم لعشرات النواصب ومدحهم بمدائح كبيرة، ولكنه اختصر في ترجمة بريدة جداً، لأنه لا يحبه ولا يحب الإطالة في ترجمته!

والحديث الوحيد الذي ذكره في ترجمته حديث عام سيأتي!

قال البخاري في تاريخه: 2/141

بريدة بن حصيب الأسلمي له صحبة، نزل البصرة، قال لي عياش: حدثنا عبد الأعلي قال: ثنا الجريري عن أبي نضرة قال: كنت بسجستان فإذا بريدة الأسلمي فجلست إليه، قال لي محمد بن مقاتل: أخبرنا معاذ، حدثنا عبد الله بن مسلم السلمي من أهل مرو، سمعت عبد الله بن بريدة يقول: مات والدي بمرو وقبره بجصين. وقال: هو قائد أهل المشرق يوم القيامة ونورهم.

وقال ابن بريدة: قال النبي (ص): أيما رجل من أصحابي مات ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة، فقال: مات في خلافة يزيد بن معاوية، ومات بعده الحكم بن عمرو الغفاري، ودفن إلي جنبه. انتهي.

وهذه الترجمة المختصرة من البخاري، لا تناسب شخصية بريدة، وكثرة أحاديثه في المصنفات والصحاح.

بل نلاحظ أن البخاري يروي عن عبد الله بن بريدة، ولكن عن غير أبيه.. مع أن روايات عبد الله عن أبيه كثيرة، ومنتشرة في المصادر!!

والسبب في ذلك: أن عبد الله مقبولٌ عند الخلافة القرشية أكثر من أبيه، وكان قاضياً عندهم علي مرو، وكثيراً ما نراه يحذف من أحاديث أبيه بريدة ما يتعلق بولاية علي عليه السلام وفضائله! وهذا ما يريده البخاري!

وقد وجدت للبخاري رواية واحدة من روايات بريدة في حق علي عليه السلام، وهي (فلتةٌ)، ذكرها تاريخه في ترجمة أبي ربيعة الأيادي!

ولكن البخاري ألف تاريخه في شبابه قبل صحيحه، ولعله

كان أحسن حالاً علي علي يومذاك، قال في: 9/31:

حدثنا محمد بن الطفيل قال: نا شريك، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): إن الله أمرني بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني أنه يحبهم.

فقلنا يا رسول الله من هم، فكلنا نحب أن نكون منهم؟

فقال: إن علياً منهم، ثم سكت ساعة، ثم قال: إن علياً منهم، وسلمان الفارسي، وأبا ذر، والمقداد بن الأسود الكندي. انتهي.

وهذا الحديث يدل علي أن هؤلاء الأربعة هم صفوة الله تعالي من الصحابة، وهو بالحقيقة اصطفاء لعلي وحده عليه السلام، لأن هؤلاء الثلاثة هم كبار شيعة علي وأتباعه في زمن النبي صلي الله عليه وآله وبعده! خاصة مع ملاحظة تأكيد النبي صلي الله عليه وآله علي علي من بينهم.

ويدل حديث بريدة الذي فلت به قلم البخاري، علي أن بقية الصحابة لم يبلغوا مستوي أن يأمر الله تعالي رسوله والمسلمين بحبهم!

وقد روي هذا الحديث الحاكم في: 3/130، وصححه علي شرط مسلم، وفي نصه تأكيد أكثر علي علي، ورواه الترمذي: 5/299

ولا يبعد أن يكون هذا الحديث جزءاً مما قاله النبي صلي الله عليه وآله لبريدة عندما جاء بالرسالة من اليمن، أو جواباً نبوياً آخر لخطط مبغضي علي التي تواصلت ضده!

كما روي الترمذي حديثاً آخر عن بريدة في: 5/360، جاء فيه أن علياً وفاطمة أحب الناس إلي النبي علي الإطلاق.

علي أن هناك سبباً آخر لإقلال البخاري من أحاديث بريدة، قد لا يقل عند محبي قبائل قريش عن أحاديث بريدة في فضائل علي عليه السلام

وهو موقف بريدة من السقيفة وبيعة أبي بكر! فقد ذكرت الروايات أنه كان مسافراً إلي الشام، ورجع

إلي المدينة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله بقليل، وتفاجأ ببيعة أبي بكر، فأعلن عدم شرعية السقيفة، وذهب إلي قبيلته القريبة من مكة ونصب الراية في وسطهم، وأعلن الاعتصام والنفير، حتي يأمرهم علي بأمره!

فاستجابت له قبيلته، وكانت أول تهديد مسلح ضد أهل السقيفة! ولذلك صرح عمر أنه بقي متخوفاً من عدم نجاح بيعة السقيفة (حتي بايعت أسلم فأيقنت بالنصر!)

وقد استمرت مشكلة بريدة وقبيلته حتي أرسل اليهم علي عليه السلام أن الوقت فات، وأن أكثر قريش والأنصار قد بايعوا أبا بكر.. والإختلاف والحرب بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله مباشرة، ليس في مصلحة الإسلام..الي آخره.

هذا، وقد عقد الهيثمي في مجمع الزوائد فصلاً كاملاً، أورد فيه عدداً من روايات قصة بريدة وصحح بعضها، قال في: 9/127:

باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه:

عن بريدة يعني ابن الحصيب قال: أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط!

قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا علي بغضه علياً (رض)، قال فبعث ذلك الرجل علي جيش فصحبته، ما صحبته إلا ببغضه علياً (رض).

قال: فأصبنا سبايا، فكتب إلي رسول الله(ص)إبعث الينا من يخمسه، قال: فبعث علياً (رض)، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي، قال: فخمس وقسم، فخرج ورأسه يقطر، فقلنا يا أبا الحسن ما هذا؟

قال: ألم تروا إلي الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي(ص)، ثم صارت في آل علي، فوقعت بها.

قال: فكتب الرجل إلي نبي الله(ص)، فقلت: إبعثني مصدقاً.

قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق!

قال: فأمسك يدي والكتاب، وقال: أتبغض علياً؟!

قال: قلت نعم.

قال: فلا تبغضه: وإن كنت تحبه

فازدد له حباً، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة!

قال: فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله(ص)أحب إلي من علي.

قال عبد الله يعني ابن بريدة: فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي(ص)في هذا الحديث إلا أبو بريدة.

قلت: في الصحيح بعضه، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الجليل بن عطية وهو ثقة، وقد صرح بالسماع، وفيه لين.

وعن بريدة قال: بعث رسول الله(ص)بعثين إلي اليمن، علي أحدهما علي بن أبي طالب (رض)وعلي الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي علي الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما علي جنده.

قال فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون علي المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفي عليٌّ امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلي رسول الله(ص)يخبره بذلك، فلما أتيت النبي(ص)دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (ص)فقلت:

يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله (ص): لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

قلت: رواه الترمذي باختصار، رواه أحمد والبزار باختصار، وفيه الاجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

وعن بريدة قال بعث رسول الله(ص)علياً أميراً علي اليمن، وبعث خالد بن الوليد علي الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعليٌ علي الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها، فأخبر النبي ما صنع!

فقدمت المدينة ودخلت المسجد، ورسول الله(ص)في منزله، وناسٌ من أصحابه علي

بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟

فقلت: خيراً فتح الله علي المسلمين.

فقالوا: ما أقدمك؟

قلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي(ص).

فقالوا: فأخبر النبي، فإنه يسقط من عين النبي!! ورسول الله يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:

ما بال أقوام ينتقصون علياً؟!!

من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني.

إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة ابراهيم، وأنا أفضل من ابراهيم، ذريةٌ بعضها من بعض، والله سميع عليم.

يا بريدة: أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم بعدي؟

فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني علي الإسلام جديداً!!

قال: فما فارقته حتي بايعته علي الإسلام!!

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جماعة لم أعرفهم، وحسين الأشقر ضعفه الجمهور، ووثقه ابن حبان.

وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: بعث رسول الله(ص)علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد، كل واحد منهما وحده، وجمعهما فقال: إذا اجتمعتما فعليكم علي، قال فخذا يميناً ويساراً، فدخل علي وأبعد، وأصاب سبياً، وأخذ جارية من السبي.

قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي، قال: فأتي رجلٌ خالد بن الوليد فذكر أنه أخذ جارية من الخمس، فقال: ما هذا؟!

ثم جاء آخر ثم جاء آخر، ثم تتابعت الأخبار علي ذلك، فدعاني خالدٌ فقال:

يا بريدة، قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلي رسول الله!

فكتب إليه فانطلقت بكتابه حتي دخلت علي رسول الله(ص)، فأخذ الكتاب بشماله، وكان كما قال الله عز وجل لا يقرأ ولا يكتب، وكنت إذا تكلمت طأطأت رأسي حتي أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي فتكلمت فوقعت في علي حتي فرغت، ثم رفعت

رأسي فرأيت رسول الله(ص)غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير!!

فنظر الي فقال: يا بريدة أحب علياً، فإنما يفعل ما أمر به!!!

فقمت وما من الناس أحد أحب إلي منه.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ضعفاء وثقهم ابن حبان.

وعن أبي سعيد الخدري قال: اشتكي علياً الناس، فقام رسول الله(ص)فينا خطيباً، فسمعته يقول:

أيها الناس لا تشكوا علياً، فو الله إنه لاخشن في ذات الله أو في سبيل الله.

رواه أحمد.

وعن عمرو بن شاس الأسلمي، وكان من أصحاب الحديبية قال: خرجت مع علي عليه السلام الي اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتي وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد، حتي سمع بذلك رسول الله(ص)، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله(ص)جالسٌ في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدي لي عينيه - يقول حدد الي النظر - حتي إذا جلست قال: يا عمرو والله لقد آذيتني!!!

قلت: أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله.

قال: بلي، من آذي علياً فقد آذاني.

رواه أحمد والطبراني بإختصار، والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات.

وعن أبي رافع قال: بعث رسول الله(ص)علياً أميراً علي اليمن، وخرج معه رجلٌ من أسلم يقال له عمرو بن شاس، فرجع وهو يذم علياً ويشكوه، فبعث إليه رسول الله(ص)فقال:

إخسأ يا عمرو!!! هل رأيت من علي جوراً في حكم، أو أثرة في قسمة؟!

قال: اللهم لا.

قال: فعلام تقول الذي بلغني؟!!

قال: بغضه، لا أملك.

قال: فغضب رسول الله(ص)حتي عرف ذلك في وجهه، ثم قال:

من أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله!! ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله تعالي.

رواه البزار، وفيه رجال

وثقوا علي ضعفهم.

وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله(ص)غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه فقال:

ما لكم وما لي؟!!

من آذي علياً فقد آذاني!!!

رواه أبو يعلي والبزار باختصار، ورجال أبي يعلي رجال الصحيح، غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.

وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة، أنه أتي سعد بن مالك فقال: بلغني أنكم تعرضون علي سب علي بالكوفة، فهل سببته؟!

قال: معاذ الله، والذي نفس سعد بيده لقد سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في علي شيئاً، لو وضع المنشار علي مفرقي ما سببته أبداً.

رواه أبو يعلي وإسناده حسن.

وعن أبي عبد الله الحدلي قال: دخلت علي أم سلمة فقالت لي:

أيسب رسول الله(ص)فيكم؟!

قلت: معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها.

قالت: سمعت رسول الله(ص)يقول: من سب علياً فقد سبني!!!

رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير أبي عبد الله الحدلي وهو ثقة.

وعن أبي عبد الله الحدلي قال: قالت لي أم سلمة:

يا أبا عبدالله، أيسب رسول الله(ص)فيكم؟!

قلت: أني يسب رسول الله(ص)؟!

قالت: أليس يسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله(ص)يحبه!!

رواه الطبراني في الثلاثة، وأبو يعلي، ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير أبي عبد الله، وهو ثقة.

وروي الطبراني بعده بإسناد رجاله ثقات إلي أم سلمة، عن النبي(ص)قال: مثله.

وعن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله (ص):

لا تسبوا علياً فإنه ممسوسٌ في ذات الله.

رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه سفيان بن بشر أو بشير، متأخرٌ ليس هو الذي روي عن أبي عبد الرحمن الجيلي، ولم

أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وفي بعضهم ضعف.

وعن أبي كثيرة قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي فجاءه رجل فقال لقد سب عند معاوية علياً سبا قبيحا رجل يقال له معاوية بن خديج... الخ. انتهي.

وقد تقدم ذلك من حديث الإمام الحسن عليه السلام. ورواه الهيثمي هنا بروايتين، وقال:

رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما علي بن أبي طلحة مولي بني أمية، ولم أعرفه. وبقية رجاله ثقات، والآخر ضعيف... الخ.

وفي مجمع الزوائد: 9/108

عن بريدة قال: بعثنا رسول الله(ص)في سرية فاستعمل علينا علياً، فلما جئنا قال: كيف رأيتم صاحبكم؟

فإما شكوته، وإما شكاه غيري، قال فرفع رأسه وكنت رجلاً مكباباً فإذا النبي (ص)قد احمر وجهه يقول: من كنت وليه فعلي وليه.

فقلت: لا أسوؤك فيه أبداً.

رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وعن عمار بن ياسر قال قال رسول الله (ص):

أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب.

من تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولي الله عز وجل.

ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله تعالي.

ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل.

رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء، وقد وثقوا.

وعن وهب بن حمزة قال: صحبت علياً إلي مكة فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت لئن رجعت لأشكونك إلي رسول الله(ص)، فلما قدمت لقيت رسول الله (ص)فقلت: رأيت من علي كذا وكذا.

فقال: لا تقل هذا، فهو أولي الناس بكم بعدي.

رواه الطبراني، وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله وثقوا. انتهي.

وفي الصراط المستقيم للبياضي: 2/59

وروي ابن حنبل أيضاً أن علياً أخذ في اليمن جارية فكتب خالد مع

بريدة إلي النبي صلي الله عليه وآله فأعلمه فغضب وقال: يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه.

وأورده ابن مردويه من طرق عدة وفي بعضها أن النبي صلي الله عليه وآله قال لبريدة: إيهاً عنك فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنك لتقع في رجل أولي الناس بكم بعدي.

وفي بعضها إنه طلب من النبي صلي الله عليه وآله الإستغفار، فقال له: حتي يأتي علي، فلما أتي علي قال النبي صلي الله عليه وآله لعلي: إن تستغفر له فاستغفر.

وفي بعضها أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر لأجل النص الذي سمعه من النبي صلي الله عليه وآله بالولاية بعده.

وفي بعضها أن بريدة بايع النبي صلي الله عليه وآله علي الإسلام جديداً، ولولا أن الإنكار علي علي يوجب تكفيراً لم يكن لبيعة بريدة ثانياً معني.

وهذا شئ لم يوجد لغيره من أصحابه قطعاً.

فهذه كتب القوم التي هي عندهم صادقة، بولاية علي عليه السلام ناطقة، إذ في جعله من بدنه مثل الراس، دليل تقديمه علي سائر الناس. انتهي.

من دلالات قصة بريدة

أولاً: أن الفائدة العملية لهذا الميزان في حياة النبي صلي الله عليه وآله كانت اختباراً للمسلمين في قبولهم تحدي الإسلام لقريش والمشركين الذي مثله علي عليه السلام بصفته سيف الله تعالي، وعضد رسوله صلي الله عليه وآله.

كما كانت اختباراً لقبول المسلمين الحقيقي للنبي صلي الله عليه وآله بقبول عترته الذين نص علي أنهم إمتداده في الأمة..

ولكن فائدة هذا الميزان الإلهي كانت في مرحلة ما بعد النبي أكثر منها في حياته! ولهذا ركز عليها صلي الله عليه وآله في أحاديث ومناسبات عديدة!

ثانياً: هذه النصوص النبوية القوية، تجعل المسلم يتيقن بأن

الله تعالي جعل حب علي بن أبي طالب ميزاناً للاسلام والكفر، ومقياساً للايمان والنفاق، وجعل ولايته فريضة مع حب الرسول وولايته صلي الله عليه وآله وهو مقامٌ لم يجعله الله تعالي لأي واحد من الصحابة!!

وبذلك يتضح ضعف محاولة السنيين أن يجعلوا ولاية بعض الصحابة غير علي جزءا من الوحي الذي نزل علي محمد صلي الله عليه وآله في الوقت الذي ما زالوا متحيرين في العثور علي صيغة فقهية تثبت شرعية خلافتهم للنبي صلي الله عليه وآله!

بل ما زالوا يبحثون عن نص صحيح يسمح لهم بإدخالهم في صيغة الصلاة علي النبي ليجوز لهم القول (عليهما السلام وصحبه) فيضيفون صحبه إلي آله الذين أوجب الله الصلاة عليهم معه!!

ثالثاً: إن هذا المقام الرباني لعلي عليه السلام، وأمره المسلمين بحبه وتحريمه بغضه.. تكليفٌ موجه إلي الصحابة أنفسهم، ومن بعدهم إلي أجيال الأمة.. فحب علي فريضةٌ علي الصحابة قبل غيرهم، وميزانٌ لإيمان الصحابي أو نفاقه قبل غيره!

وبهذه الأحاديث الصحيحة ينحسم الأمر، ولا يبقي معني لمقايسة أحد من الصحابة بعلي عليه السلام وهل يقاس الميزان بالموزون؟!

والدليل الإلهي بالمدلول عليه؟!

والمنار الرباني بمن يحتاج إلي شهادة علي بأن فيه شيئاً من نور الإيمان؟!

وهل يقاس الإنسان الكامل بمن لا تعرف درجة إنسانيته وكماله إلا به؟!

فعلي عليه السلام بنص هذه الصحاح هو: المسلم الرباني الكامل، الذي جعل الله حبه وبغضه، ورضاه وغضبه، مختبراً للأمة، وجعل شخصيته قدوة للعالمين، بعد رسول الله صلي الله عليه وآله.

رابعاً: بعد أن أذعن جميع المسلمين بصحة هذه الأحاديث القاطعة في علي عليه السلام فإن قولهم بتفضيل غيره عليه، ونسبتهم ذلك إلي النبي صلي الله عليه وآله، يكون إتهاماً للنبي بالتناقض، وأنه

أمر بحب علي وجعله ميزاناً، ثم ناقض نفسه وفضل التابع علي المتبوع، وجعل غير علي أفضل منه، وأوصي الأمة بحبه واتباعه بدل علي!!

وهو أمر لا يرتكبه رئيس عادي، ولا أمير قبيلة حكيم، ولا رب أسرة عاقل في أولاده!!

وبعد صحة هذه الأحاديث وصراحتها في مصادر السنيين، وعلو حجتها، لا نحتاج إلي روايتها من مصادرنا، إلا لتكميل صورة الموضوع، أو لبيان جوانب أخري لم تتعرض لها النصوص السنية، من قصة هذا الصحابي المؤمن، ورواياته الأخري لفريضة حب علي واتباعه علي الأمة، وتحريم كرهه ومخالفته!

لمحة عن بريدة و أحاديثه في مصادرن

بريدة الأسلمي صحابيٌ مميز، بشخصيته وأحاديثه.. لم يعط حقه في مصادر السنيين، لأنه أطاع النبي في علي وأهل بيته صلي الله عليه وآله.

وبريدة واحدٌ من مجموعة فرسان الصحابة، كان لهم دورٌ رياديٌ قيادي هام في حروب الردة، ثم في الفتوحات الإسلامية، ولكن جزاءهم كان طمس أدوارهم وإعطاء منجزاتهم إلي أشخاص آخرين، تبنتهم السلطة القرشية ثم الأموية، لأنهم أطاعوا الخلافة، ووقفوا في وجه علي وأهل البيت النبوي!!

ومن هؤلاء الأبطال الشيعة: عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، والمقداد بن عمر وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وخالد بن سعيد بن العاص، وأخوه أبان، وسعد بن عبادة، وابنه قيس بن سعد، وأبو أيوب الأنصاري... وآخرون يصلون إلي نحو مئة صحابي، كان لهم أدوارٌ هامة في حروب الردة والفتوحات، وقد وقفوا من أول الأمر مع علي عليه السلام أو انضموا إليه فيما بعد، أو قاتلوا معه في حروبه، واستشهدوا بين يديه، أو ثبتوا بعد شهادته علي ولائه..

وكل واحد من هؤلاء يستحق دراسة جادة، لشخصيته وأحاديثه.. فهم ظاهرةٌ يقل مثيلها في الأديان الأخري، تمثل الوجه الآخر لما قالته الحكومات القرشية ودونته عن إجراءات

النبي صلي الله عليه وآله وأقواله عن مستقبل الإسلام ومسيرته من بعده.. إلي أن يبعث الله الإمام المهدي الموعود علي لسانه بعده.

ونكتفي هنا بإيراد مقتطفات عن بريدة من مصادرنا:

قال أبو جعفر الطوسي في أماليه: 1/249

أبو العباس قال: حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال: حدثنا الحسن - يعني ابن عطية قال: حدثنا سعاد، عن عبد الله بن عطاء، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده، وجمعهما فقال: إذا اجتمعتما فعليكم علي.

قال: فأخذنا يميناً أو يساراً.

قال: وأخذ علي فأبعد، فأصاب سبياً فأخذ جارية من الخمس.

قال بريدة: وكنت أشد الناس بغضاً لعلي وقد علم ذلك خالد بن الوليد، فأتي رجل خالداً فأخبره أنه أخذ جارية من الخمس فقال: ما هذا؟ ثم جاء آخر، ثم أتي آخر، ثم تتابعت الأخبار علي ذلك، فدعاني خالد فقال: يا بريدة، قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلي رسول الله فأخبره، وكتب إليه.

فانطلقت بكتابه حتي دخلت علي رسول الله وأخذ الكتاب فأمسكه بشماله، وكان كما قال الله لا يكتب ولا يقرأ، وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتي أفرغ من حاجتي، فطأطأت وتكلمت، فوقعت في علي حتي فرغت، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله قد غضب غضباً شديداً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير، فنظر إلي فقال:

يا بريدة إن علياً وليكم بعدي، فأحب علياً فإنما يفعل ما يؤمر.

قال: فقمت وما أحد من الناس أحب إلي منه.

وقال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة،

فقال: كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث أن رسول الله قال له: أنافقت بعدي يا بريدة؟!!

وقال السيد شرف الدين في المراجعات/221

وكذلك حديث بريدة ولفظه في/356 من الجزء الخامس من مسند أحمد قال: بعث رسول الله بعثين إلي اليمن... الخ.

ولفظه عند النسائي في/17 من خصائصه العلوية: لا تبغضن يا بريدة لي علياً، فإن علياً مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

ولفظه عند ابن جرير: قال بريدة: وإذا النبي قد أحمر وجهه، فقال: من كنت وليه فإن علياً وليه، قال: فذهب الذي في نفسي عليه، فقلت لا أذكره بسوء.

والطبراني قد أخرج هذا الحديث علي وجه التفصيل، وقد جاء فيما رواه: أن بريدة لما قدم من اليمن، ودخل المسجد، وجد جماعة علي باب حجرة النبي صلي الله عليه وآله، فقاموا إليه يسلمون عليه ويسألونه فقالوا: ما وراءك؟

قال: خير فتح الله علي المسلمين.

قالوا: ما أقدمك؟

قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي بذلك.

فقالوا: أخبره أخبره، يسقط علياً من عينه، ورسول الله صلي الله عليه وآله، يسمع كلامهم من وراء الباب، فخرج مغضباً فقال:

مابال أقوام ينتقصون علياً؟ من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم. ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم.

يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ. وأنه وليكم بعدي.

وهذا الحديث مما لاريب في صدوره، وطرقه إلي بريدة كثيرة، وهي معتبرة بأسرها، ومثله ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس، من حديث جليل، ذكر فيه عشر خصائص لعلي فقال: وقال له رسول الله صلي

الله عليه وآله: أنت ولي كل مؤمن بعدي.

ومثله ما أخرجه ابن السكن، عن وهب بن حمزة قال، كما في ترجمة وهب من الإصابة: سافرت مع علي فرأيت منه جفاء، فقلت لئن رجعت لاشكونه، فرجعت فذكرت علياً لرسول الله فنلت منه، فقال: لا تقولن هذا لعلي، فإنه وليكم بعدي...

وقال المفيد في الإرشاد: 1/148

وكان أميرالمؤمنين عليه السلام قد اصطفي من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلي النبي صلي الله عليه وآله وقال له:

تقدم الجيش إليه فأعلمه بما فعل علي عليه السلام من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه، وقع فيه.

فسار بريدة حتي انتهي إلي باب رسول الله صلي الله عليه وآله، فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذي أقدمه؟ فأخبره أنما جاء ليقع في علي عليه السلام، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر:

إمض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي!

فدخل بريدة علي النبي صلي الله عليه وآله ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة، فجعل يقرأه ووجه رسول الله صلي الله عليه وآله يتغير، فقال بريدة: يارسول الله إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم!

فقال له النبي صلي الله عليه وآله: ويحك يابريدة أحدثت نفاقاً!!

إن علي بن أبي طالب يحل له من الفئ مايحل لي، إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي.

يا بريدة! إحذر أن تبغض علياً فيغبضك الله!

قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها، وقلت: أعود بالله من سخط الله وسخط رسول الله، يا رسول الله استغفر لي فلن أبغضن علياً

عليه السلام أبداً، ولا أقول فيه إلا خيراً، فاستغفر له النبي صلي الله عليه وآله.

وفي الشافي للشريف المرتضي: 3/243

وروي الثقفي قال: حدثني محمد بن علي، عن عاصم بن عامر البجلي، عن نوح بن دراج، عن محمد بن اسحق، عن سفيان بن فروة، عن أبيه قال: جاء بريدة حتي ركز رايته في وسط أسلم، ثم قال: لا أبايع حتي يبايع علي، فقال علي عليه السلام: يا بريدة أدخل فيما دخل فيه الناس، فإن اجتماعهم أحب إلي من اختلافهم اليوم.

وروي إبراهيم، عن يحيي بن الحسن بن الفرات، عن ميسر بن حماد، عن موسي بن عبد الله بن الحسن قال: أبت أسلم أن تبايع وقالوا: ما كنا نبايع حتي يبايع بريدة، لقول النبي صلي الله عليه وآله لبريدة: علي وليكم من بعدي.

فقال علي عليه السلام: يا هؤلاء إن هؤلاء خيروني أن يظلموني حقي وأبايعهم، أو ارتدت الناس، حتي بلغت الردة أحداً، فاخترت أن أظلم حقي، وإن فعلوا ما فعلوا.

وقال في هامشه: بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، صحابي أسلم هو وقومه - وكانوا ثمانين بيتاً - عند مرور رسول الله صلي الله عليه وآله بهم في طريقة إلي المدينة، وبقي في أرض قومه، ثم قدم المدينة بعد أحد، فشهد بقية المشاهد، وسكن البصرة أخيراً، ثم خرج غازياً إلي خراسان فأقام بمرو، وأقام بها حتي مات، ودفن بها (أسد الغابة 1/175).

وفي الإحتجاج للطبرسي: 1/97

وعن أبان بن تغلب قال: قلت لابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): جعلت فداك هل كان أحدٌ في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله أنكر علي أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله

صلي الله عليه وآله؟

قال: نعم، كان الذي أنكر علي أبي بكر إثنا عشر رجلاً. من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية، وسلمان الفارسي، وأبوذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي.

ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان، وسهل، وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري.

قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلي الله عليه وآله.

وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً أعنتم علي أنفسكم، فقد قال الله عزوجل: ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة، فانطلقوا بنا إلي أمير المؤمنين عليه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه.

فانطلق القوم إلي أمير المؤمنين بأجمعهم، فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت أحق به وأولي به من غيرك، لأنا سمعنا رسول الله يقول: علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال.

ولقد هممنا أن نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله صلي الله عليه وآله، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟

فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لاتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال، وإذا لاتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلا بد لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلي الله عليه وآله أوعز الي قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي، وإنك مني بمنزلة هارون من موسي، وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه، والسامري ومن اتبعه!

فقلت: يارسول الله، فما تعهد الي إذا كان ذلك؟

فقال: إذا وجدت أعواناً فبادر اليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً كف يدك واحقن دمك، حتي تلحق بي مظلوماً... الخ.

فانطلقوا بأجمعكم إلي الرجل فعرفوه ماسمعتم من قول نبيكم، ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر، وأبعد لهم من رسول الله صلي الله عليه وآله إذا وردوا عليه.

فسار القوم حتي أحدقوا بمنبر رسول الله صلي الله عليه وآله وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر، فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص... قال: إتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الل قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له... الخ.

ثم قام إليه بريدة الاسلمي فقال:

إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا لقي الحق من الباطل! يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله من تسمية علي بإمرة المؤمنين والنبي بين أظهرنا، وقوله له في عدة أوقات: هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين؟!

إتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها، وأنقذها مما يهلكها، واردد الأمر إلي من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح، ودللتك علي طريق النجاة، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين... الخ.

وفي تأويل الآيات/465

ويؤيده ما ذكره في تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله بعث جيشاً وأمر عليهم علياً عليه السلام، وما بعث جيشاً قط وفيهم علي عليه السلام إلا جعله أميرهم، فلما غنموا رغب علي عليه السلام أن يشتري من جملة الغنائم

جارية وجعل ثمنها من جملة الغنائم، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي وزايداه، فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه انتظر إلي أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك.

فلما رجعا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله تواطآ علي أن يقولا ذلك لرسول الله صلي الله عليه وآله فوقف بريدة قدام رسول الله صلي الله عليه وآله وقال: يارسول الله ألم تر إلي علي بن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين؟ فأعرض عنه رسول الله صلي الله عليه وآله، فجاء عن يمينه فقالها، فأعرض عنه، فجاء عن يساره فقالها، فأعرض عنه.

قال: فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله غضباً لم ير قبله ولا بعده غضباً مثله، وتغير لونه وتربد وانتفخت أوداجه، وارتعدت أعضاؤه، وقال:

مالك يا بريدة آذيت رسول الله منذ اليوم؟!

أما سمعت قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا.

فقال بريدة: ما علمت أني قصدتك بأذي.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أو تظن يا بريدة أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي؟ أما علمت أن علياً مني وأنا منه، وأن من آذي علياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله فحق علي الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم!

وفي اختيار معرفة الرجال: 1/308

وبهذا الإسناد: عن أبان، عن فضيل الرسان، عن أبي داود قال: حضرته عند الموت، وجابر الجعفي عند رأسه، قال فهم أن يحدث فلم يقدر، قال ومحمد بن جابر أرسله، قال فقلت: يا أبا

داود حدثنا الحديث الذي أردت.

قال: حدثني عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله صلي الله عليه وآله أمر فلاناً وفلاناً أن يسلما علي علي عليه السلام بإمره المؤمنين، فقالا: من الله ومن رسوله؟! ثم أمر حذيفة وسلمان فسلما، ثم أمر المقداد فسلم، وأمر بريدة أخي وكان أخاه لأمه.

فقال: إنكم قد سألتموني من وليكم بعدي، وقد أخبرتكم به، وقد أخذت عليكم الميثاق!!

والزهراء والحسنان جزء من المقياس النبوي أيض

روي الترمذي في: 4/331

عن علي بن أبي طالب أن النبي(ص)أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين، وأباهما، وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة. هذا حديث حسن.

وروي الحاكم في المستدرك: 3/166

عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله ومعه الحسن والحسين، هذا علي عاتقه وهذا علي عاتقه، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة، حتي انتهي إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما؟ فقال: نعم، من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. ورواه أحمد في مسنده: 2/531، وأبو يعلي في مسنده: 5/449. وقد صححه الحاكم والذهبي.

وفي الطبراني في الكبير: 3/47

عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: من أحب الحسن والحسين، فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. انتهي.

ورواه ابن ماجة: 1/51 في باب: فضل الحسن والحسين.

وفي الطبراني الكبير: 3/50

عن سلمان قال: قال رسول الله(ص)للحسن والحسين: من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغي عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنم، وله عذاب مقيم!

ونحوه في: 6/241، وفي مستدرك الحاكم في: 3/166، وفردوس الأخبار: 4/336، وتاريخ بغداد: 13/32

وفي سنن ابن ماجة: 2/1366

عن عبد الله قال:

بينما نحن عند رسول الله(ص)إذ أقبل فتيةٌ من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رأهم النبي(ص)اغرورقت عيناه وتغير لونه! قال: فقلت: ما نزال نري في وجهك شيئاً نكرهه؟!

فقال: إنا أهل بيت أختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً! حتي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي فيلمؤها قسطاً كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً علي الثلج.

ورواه ابن أبي شيبة:15/235

والبيهقي في الدلائل:6 ص515

والحاكم في المستدرك: 4/464

والطبراني في الكبير: 10/104 و 108

ونحوه في فردوس الأخبار: 5/499

والدولابي في الكني: 2/26

وابن أبي عاصم في السنة: 2/619

وفي الطبراني الكبير: 4/192، ومجمع الزوائد: 9/194:

عن عمارة بن يحيي قال: كنا عند أبي (خالد بن عرفطة) يوم قتل الحسين بن علي فقال لنا خالد: هذا ما سمعت من رسول الله(ص)يقول: إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي.

وفي الطبراني الكبير: 25/23

في حديث أم الفضل قالت: بينا أنا قاعدة عند رأس رسول الله (ص) وهو مريض، فبكيت فقال: ما يبكيك؟

فقلت: أخشي عليك، فلا ندري ما نلقي بعدك من الناس؟

قال: أنتم المستضعفون بعدي!!

ورواه أحمد: 6/339، ومجمع الزوائد: 9/34

وقال الفخر الرازي في تفسيره: 25/35

وثبت بالنقل المتواتر أنه(ص)كان يحب علياً والحسن والحسين، وإذا كان ذلك، وجب علينا محبتهم، لقوله فاتبعوه.

وكفي شرفاً لآل رسول الله (ص) فخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كل صلاة. انتهي.

و كل (أهل البيت) جزء من المقياس النبوي

في سنن الترمذي: 4/344

عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): أحبوا الله

لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي.

وقال العزيزي في السراج المنير: 1/57: هذا حديثٌ صحيح من طريق ابن عباس، وأخرجه الحاكم والترمذي. انتهي

ورواه الطبراني في الكبير: 3/46 و 10 /281

والحاكم في المستدرك: 3/150

والخطيب في تاريخ بغداد: 4 /160

وأحمد في فضائل الصحابة: 2/986

وفي الطبراني الأوسط: 3/203

عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن أبيه قال قال رسول الله (ص): لا يؤمن عبدٌ حتي أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته. انتهي.

فقال رجلٌ من القوم: يا أبا عبد الرحمن: ما تزال تجئ بالحديث يحي الله به القلوب! انتهي.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: 1/264

وفي الطبراني الكبير: 3/39

عن سلمان الفارسي قال: أنزلوا آل محمد(ص)بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعينين.

ورواه الهيثمي: 9/172

وفي سنن الترمذي: 4/337

أن العباس بن عبد المطلب دخل علي رسول الله(ص)مغضباً وأنا عنده فقال: ما أغضبك؟

قال: يارسول الله ما لنا ولقريش! إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا بغير ذلك!!

قال: فغضب رسول الله(ص)حتي احمر وجهه ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله. هذا حديث حسن صحيح.

ورواه الطبراني في الكبير: 11/433،

والخطيب: 5/317

ورواه أحمد في مسنده: 1/207

وروي نحوه في: 4/165، بعدة روايات، منها:

عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال: أتي ناسٌ من الأنصار النبي(ص)فقالوا: إنا لنسمع من قومك حتي يقول القائل منهم: إنما مثل محمد مثل نخلة

نبتت في كباء! قال حسين الكباء الكناسة!

فقال رسول الله (ص): أيها الناس من أنا؟

قالوا: أنت رسول الله(ص).

قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - قال فما سمعناه قط ينتمي قبلها - ألا إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلني من خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتاً، وأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً!!

وروي نحوه ابن ماجة: 1/50، وقال بعده: في الزوائد: رجال إسناده ثقات.

إلا أنه قيل: رواية محمد بن كعب عن العباس مرسلة.

ونحوه في الترمذي: 5/317، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ورواه الحاكم في مستدرك: 3/333 وص 568 و4/75، بعدة روايات.

والهيثمي في مجمع الزوائد: 1/88، بعدة روايات.

والخطيب في تاريخ بغداد: 5/317

وكنز العمال: 11/700 (حم، ت، ك - عن عبد المطلب بن ربيعة، ك - عن العباس) وفي: 12/41 (طس، ك عن عبدالله بن جعفر) (ط،/عن عبدالله بن جعفر) (خط، كر، عن أبي الضحي عن مسروق عن عائشة، وقال الخط يب: غريب والمحفوظ عن أبي الضحي عن ابن عباس، وقال: ورواه جماعة عن أبي الضحي مرسلاً).

وفي/97 (هعن العباس بن عبد المطلب) (حم، ت عن علي). انتهي.

وفي الترمذي: 4/292

عن المطلب بن أبي وداعة، قال: جاء العباس إلي رسول الله(ص)وكأنه سمع شيئاً فقام النبي(ص)علي المنبر فقال: من أنا؟

فقالوا: أنت رسول الله عليك السلام.

قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب: إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم

بيتاً وخيرهم نفساً. هذا حديث حسن.

وقال العزيزي في السراج المنير: 1/364: هذا حديث صحيح.

وروي الحاكم: 3/311، وصححه علي شرط مسلم قال:

عن أبي هريرة: خيركم خيركم لأهلي من بعدي.

ورواه الديلمي: 2/170، والهيثمي: 9/174، عن أبي يعلي، وقال: رجاله ثقات.

وفي الصواعق المحرقة/176

أخرج الديلمي..: من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصل أهل بيتي.

و ويل لمبغضيهم

في فردوس الأخبار: 3/508

عن النبي (ص) أنه قال: من مات وفي قلبه بغض علي بن أبي طالب، فليمت يهودياً أو نصرانياً!!

وفي فردوس الأخبار: 2/85

عن جابر بن عبد الله عن النبي (ص): ثلاثٌ من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: بغض علي، ونصب أهل بيتي، ومن قال الإيمان كلام.

وفي الطبراني الكبير: 11/146

عن ابن عباس قوله: أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله. قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس.

عن عطاء بن أبي رباح، عن عبدالله بن عباس أن رسول الله(ص)قال: بغض بني هاشم والأنصار كفر، وبغض العرب نفاق.

ورواه في مجمع الزوائد: 9/172

وفي تاريخ بغداد: 3/290

عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله (ص): رجل من أمتي يبغض عترتي، لا تناله شفاعتي.

وفي ميزان الاعتدال: 2/410

عن أنس (رض) مرفوعاً: من أحبني فليحب علياً، ومن أبغض أحداً من أهل بيتي حرم شفاعتي.. الحديث. وذكره في لسان الميزان: 3/276

وفي مجمع الزوائد: 7/580

عن النبي (ص) قال.. لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أكبه الله في النار..

ورواه الدهلوي في حياة الصحابة: 2/369

وفي فردوس الأخبار: 3/626

عن علي عليه السلام (عن النبي): من لم يعرف حق عترتي فهو لاحدي ثلاث:

إما منافق وإما لزنية، وإما امرؤ حملت به أمه بغير طهر.

وفي بشارة المصطفي للطبري الشيعي/150

قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي، أخبرنا الحسين بن موسي، أخبرنا الحسين بن ابراهيم بن بابويه، أخبرنا علي بن ابراهيم بن همام، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن زياد، عن عبيد الله بن صالح، عن زيد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا علي من أحبني وأحبك وأحب الأئمة من ولدك، فليحمد الله علي طيب مولده، فإنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته، ولا يبغضنا إلا من خبثت ولادته!!

و ويل للمكذبين بفضلهم

وفي كنز العمال: 12/103

من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويلٌ للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي (الخطيب، والرافعي، عن ابن عباس).

ورواه الكنجي في كفاية الطالب/214، عن ابن عباس عن النبي (ص).

ورواه في مناقب آل أبي طالب: 1/251

واللعنة علي ظالميهم و قاتليهم

في مستدرك الحاكم: 2/525

عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب قال سمعت علي بن الحسين يحدث عن أبيه عن جده (رض) قال: قال رسول الله (ص): ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستحل لحرم الله. انتهي.

ثم رواه بسند آخر وصححه، وقال: قد احتج الإمام البخاري بإسحاق بن محمد الفروي وعبد الرحمن بن أبي الرجال في الجامع الصحيح. وهذا أولي بالصواب من الإسناد الأول. انتهي.

راجع أيضاً: المستدرك: 3/149، و: 1/36

ورواه الطبراني في الأوسط: 2/398

ومجمع الزوائد: 9/272

وابن أبي عاصم في السنة: 2/628

والأزرقي في أخبار مكة: 1 جزء 2/125

وفي المعجم الكبير للطبراني: 17/43

عن عمرو بن سعواء اليافعي قال قال رسول الله (ص): سبعة لعنتهم.. الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي والمستأثر بألفئ، والمتجبر بسلطانه.

وفي تاريخ الطبري: 5/426

عن كثير بن عبد الله.. قال زهير بن القين لشمر: يا بن البوال علي عقبيه ما إياك أخاطب، إنما أنت

بهيمة! والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين...

فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة!

قال أفبالموت تخوفني.. ثم أقبل علي الناس.. فقال: عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي.. فوالله لا تنال شفاعة محمد قوماً أراقوا دماء ذريته وأهل بيته!!

و لا يقبل عمل المسلم إلا بحبهم

في المعجم الكبير للطبراني: 11/142

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثاً، سألته أن يثبت قائمكم، ويعلم جاهلكم، ويهدي ضالكم... فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام وصلي وصام، ثم مات وهو مبغضٌ لأهل بيت محمد رضي الله عنهم، دخل النار!!

ورواه الدهلوي في حياة الصحابة: 2/362

وفي الطبراني الأوسط: 3/122

عن الحسن بن علي عليه السلام أن رسول الله(ص)قال: إلزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا.

ورواه المفيد في الامالي/13 وص 44،

ورواه في مجمع الزوائد: 9/172

وفي مناقب آل أبي طالب: 3/2

كتاب ابن مردويه، بالاسناد عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلي الله عليه وآله قال: يا علي لو أن عبداً عبد الله مثل ما دام نوح في قومه، وكان له مثل جبل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومد عمره حتي حج ألف عام علي قدميه، ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثم لم يوالك يا علي، لم يشم رائحة الجنة، ولم يدخلها.

وفي تاريخ النسائي، وشرف المصطفي واللفظ له: قال النبي صلي الله عليه وآله:

لو أن عبداً قام لله تعالي بين الركن والمقام ألف عام، ثم ألف عام، ولم يكن يحبنا أهل

البيت، لأكبه الله علي منخره في النار!! انتهي.

وفي فردوس الأخبار: 2/142 وص 226

عن ابن مسعود عن النبي (ص) قال: حب آل محمد يوماً، خير من عبادة سنة. ومن مات عليه دخل الجنة.

و الأمة مسؤولة عنهم يوم القيامة

في صحيح مسلم: 7/122

عن زيد بن أرقم (قام رسول الله(ص)يوماً فينا خطيباً بماء يدعي خماً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ وذكر، ثم قال:

أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث علي كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:

وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي!!

وفي مجمع الزوائد: 1/170

عن زيد بن ثابت، عن رسول الله(ص)قال: إني تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض.

رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

ورواه بنحوه: 9/162، وقال: رواه أحمد، وإسناده جيد.

وروي الطبراني في الأوسط: 2/226

عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت.

وفي مجمع الزوائد: 10/626

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا تزول قدما يوم القيامة حتي يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسد فيما أبلاه... وعن حبنا أهل البيت. قيل: يارسول الله فما علامة حبكم؟ فضرب بيده علي منكب علي!

ورواه الكنجي في كفاية الطالب/324، عن أبي ذر.

وروي

الحسكاني في شواهد التنزيل: 2/106

وفي حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص): وقفوهم إنهم مسؤولون. عن ولاية علي بن أبي طالب.

و هذه الأحكام مختصة بهم و لا يقاس بهم أحد

في فردوس الأخبار: 5/34 ح 7094

عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد. انتهي.

وفي فردوس الأخبار: 4/283

وفي كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد، ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة. انتهي.

ولا نطيل في استعراض أحاديث المكانة الشرعية المختصة بأهل البيت (عليهم السلام)، فهي في مصادر السنيين كثيرة وصريحة، تدل علي أن حبهم وولايتهم وإطاعتهم بعد النبي صلي الله عليه وآله من أركان الدين.. والإفاضة في ذلك تخرجنا عن غرضنا.

و محبو أهل البيت و شيعتهم جزء من المقياس النبوي

فتح الباري: 1/431

روي حديث (تقتل عماراً الفئة الباغية) جماعة من الصحابة، منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو اليسر، وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم.

وفي هذا الحديث علمٌ من أعلام النبوة، وفضيلةٌ ظاهرةٌ لعلي ولعمار، ورد علي النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه.

وفي رواية ابن مسعود سمعت رسول الله(ص)يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق.

وقال الحافظ ابن كثير: ومعلوم أن عماراً كان في جيش علي يوم صفين، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام، وكان الذي تولي قتله رجلٌ يقال له أبو الفادية، وقيل إنه صحابي! وفي رواية وقاتله في النار، لا أناله الله شفاعتي يوم

القيامة!

وفي تاريخ بغداد: 2/146

عن علي أن النبي(ص)قال: شفاعتي لأمتي، من أحب أهل بيتي، وهم شيعتي.

وحسنه العزيزي في السراج المنير: 2/370

ورواه في كنز العمال: 14/398

وروي ابن أبي عاصم في السنة: 1/334

عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: أول من يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبني (أحبهم؟) من أمتي.

كيف طبقت الخلافة القرشية سنة النبي فيهم

جعلت الخلافة لعنهم علي المنابر فريضة!

في صحيح مسلم: 7/120

عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟!

فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(ص)فلن أسبه! لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم!

سمعت رسول الله(ص)يقول له (وقد) خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (ص): أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبوة بعدي... الخ...

وذكره فتح الباري: 7/60، عن مسلم والترمذي وأبي يعلي.

وفي مستدرك الحاكم: 3/121

عن بن أبي مليكة عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام فسب علياً عند ابن عباس فحصبه ابن عباس فقال: يا عدو الله آذيت رسول الله صلي الله عليه وآله. إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا. لو كان رسول الله صلي الله عليه وآله حياً لاذيته. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

ورواه الحاكم في: 1/36 ورواه الطبراني في الأوسط: 2/398، والصغير: 3982 والديلمي في فردوس الأخبار: 2/333 والهيثمي في مجمع الزوائد: 1/425 و7/418 و580 - وابن حجر في الصواعق المحرقة/174

وابن العربي في

شرح الترمذي: 4 جزء 8/318، وقال: رواه غير واحد عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن علي بن حسين، عن النبي مرسلاً، وهذا أصح.

ورواه في بحار الأنوار: 27/225

و أجبرت المسلمين علي أن يكونوا نواصب

في الخطط السياسية للمحامي أحمد حسين يعقوب/107

خليفة المسلمين معاوية يرعي الرواية والرواة:

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: 3/595:

روي أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخةً واحدة إلي عماله بعد عام الجماعة:

أن برئت الذمة ممن روي شيئاً من فضل أبي تراب (يعني الإمام علي) وأهل بيته. (يعني أهل بيت النبوة الكرام) فقامت الخطباء في كل كورة وعلي كل منبر يلعنون علياً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه، وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم علي جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

مرسوم آخر لخليفة المسلمين معاوية

ويضيف المدائني بالحرف:

وكتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة!

وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان، ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتي أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه اليهم معاوية من الصلات والكسا والحبا والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه!

فلبثوا بذلك حيناً.

مرسوم ثالث لخليفة المسلمين معاوية

كتب معاوية إلي عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية، فإذا جاكم كتابي هذا فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة، والخلفاء الأوليين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله!

فقرئت كتبه علي الناس، فرويت أخبار كثيرةٌ في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري، حتي أشاروا بذكر ذلك علي المنابر، وألقي إلي معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتي علموا بناتهم ونساهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ماشاء الله.

مرسوم رابع لخليفة المسلمين معاوية

ثم كتب معاوية نسخةً واحدةً إلي جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه!

وشفع ذلك بنسخة أخري: من اتهمتموه بموالاة هولاء القوم فنكلوا به واهدموا داره!

فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما الكوفة، حتي أن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتي يأخذ عليه الإيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر.. ومضي علي ذلك الفقها والقضاة والولاة!!

وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل، حتي انتقلت تلك الأخبار، والأحاديث إلي أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق! ولو علموا

أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. فلم يزل الأمر كذلك حتي مات الحسن بن علي، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائفٌ علي دمه، أو طريدٌ في الأرض.

تفاقم الأمر:

ويضيف بن أبي الحديد نقلاً عن المدائني: ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين وولي عبدالملك بن مروان، فاشتد البلاء علي الشيعة، وولي عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه! وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضاً من أعدائه، فأكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي وعيبه والطعن فيه والشنآن له، حتي أن انساناً وقف للحجاج ويقال إنه جد الاصمعي عبد الملك بن قريب، فصاح به: أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني علياً، وإني فقير بائس، وأنا إلي صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج، وقال: للطف ما توسلت به، قد وليتك كذا!

وتابع ابن أبي الحديد قائلاً: وقد روي ابن عرفة المعروف بنفطويه، وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم، في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إن اكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية، تقرباً اليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم!! انتهي.

أما الدولة العباسية فقد واصلت السياسة الأموية في اضطهاد أهل البيت عليهم السلام، واضطهاد محبيهم ورواة فضائلهم، وأعطت للنواصب ووضاعي الأحاديث نفس المكانة المحترمة التي كانت لهم عند الخلافة الأموية!

وثقافة المسلمين السنيين إنما تكونت في ظل هاتين الدولتين.. ولذا صار من المألوف أن تقرأ فيها مثل هذه النص (أسد بن وداعة شامي تابعي ناصبي كان يسب علياً، وكان عابداً، وثقه النسائي!) الغدير: 5/294

وفي النصائح الكافية لمحمد بن عقيل/22

وهؤلاء هم الذين قال فيهم الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن معاوية: إن قوماً أبغضوا علياً فتطلبوا له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلي رجل قد ناصبه العداوة فأطروه كيداً لعلي!!

وفي كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 2/277

قال الرياشي: سمعت محمد بن عبد الحميد قال: قلت لابن أبي حفصة: ما أغراك ببني علي؟!

قال: ما أحد أحب إلي منهم، ولكن لم أجد شيئاً أنفع عند القوم منه! أي من بغضهم والتحامل عليهم! وكان ابن أبي حفصة يتحامل علي آل علي، ويكثر هجاءهم طمعاً بجوائز العباسيين!! انتهي.

ولا نطيل بذكر الشواهد الكثيرة علي هذه السياسة المؤذية لله تعالي ولرسوله صلي الله عليه وآله وقد أفرد السيد محمد بن عقيل الحضرمي كتاباً لتعصبات علماء الجرح والتعديل ضد أهل البيت (عليهم السلام)ومحبيهم، سماه (العتب الجميل علي أهل الجرح والتعديل).

ولم يؤثر ذلك في كل الناس:

في العقد الفريد لإبن عبد ربه: 5/156

انتقص ابن حمزة بن عبد الله بن الزبير علياً فقال له أبوه... أما تري علياً وما يظهر بعض الناس من بغضه ولعنه علي المنابر فكأنما والله يأخذون بناصيته رفعاً إلي السماء، وما تري بني مروان وما يندبون به موتاهم من المدح... فكأنما يكشفون عن الجيف!!

بعض ما ورد عن المقياس النبوي في مصادرن

روي الكليني في الكافي: 8/93

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: لله عز وجل في بلاده خمس حرم: حرمة رسول الله صلي الله عليه وآله وحرمة آل رسول الله عليهم السلام، وحرمة كتاب الله عز وجل، وحرمة كعبة الله، وحرمة المؤمن.انتهي.

وروي نحوه في مجمع الزوائد: 1/266، عن أبي سعيد الخدري، قال قال رسول الله (ص): إن لله عز وجل حرمات ثلاث، من حفظهن حفظ الله له أمر

دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً: حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي.

وفي معاني الأخبار للصدوق/58

حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيي الجلودي بالبصرة قال: حدثني المغيرة بن محمد، قال: حدثنا رجاء بن سلمة، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)قال:

خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان، وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه، فقام خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، وصلي علي رسول الله صلي الله عليه وآله، وذكر ما أنعم الله علي نبيه وعليه، ثم قال:

لولا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا، يقول الله عز وجل: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. اللهم لك الحمد علي نعمتك التي لا تحصي، وفضلك الذي لا ينسي.

يا أيها الناس: إنه بلغني ما بلغني، وإني أراني قد اقترب أجلي، وكأني بكم وقد جهلتم أمري، وإني تارك فيكم ماتركه رسول الله صلي الله عليه وآله: كتاب الله وعترتي، وهي عترة الهادي إلي النجاة خاتم الأنبياء، وسيد النجباء، والنبي المصطفي.

يا أيها الناس:

لعلكم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إلا مفتر، أنا أخو رسول الله، وابن عمه، وسيف نقمته، وعماد نصرته وبأسه وشدته.

أنا رحي جهنم الدائرة، وأضراسها الطاحنة، أنا موتم البنين والبنات، أنا قابض الأرواح، وبأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين.

أنا مجدل الأبطال، وقاتل الفرسان، ومبير من كفر بالرحمن، وصهر خير الأنام.

أنا سيد الأوصياء، ووصي خير الأنبياء، أنا باب مدينة العلم، وخازن علم رسول الله ووارثه،

وأنا زوج البتول سيده نساء العالمين فاطمة التقية، ومن ولدي مهدي هذه الأمة.

ألا وقد جعلت محنتكم.. ببغضي يعرف المنافقون، وبمحبتي امتحن الله المؤمنين هذا عهد النبي الأمي الي أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.

وأنا صاحب لواء رسول الله صلي الله عليه وآله في الدنيا والآخرة، ورسول الله فرطي، وأنا فرط شيعتي، والله لا عطش محبي، ولا خاف وليي. وأنا ولي المؤمنين، والله وليي.

حسب محبي أن يحبوا ما أحب الله، وحسب مبغضي أن يبغضوا ما أحب الله.

ألا وإنه بلغني أن معاوية سبني ولعنني. اللهم اشدد وطأتك عليه، وأنزل اللعنة علي المستحق، آمين رب العالمين، رب إسماعيل وباعث إبراهيم. إنك حميد مجيد.

وفي أمالي الصدوق/269

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد الأنبياء والمرسلين، وأفضل من الملائكة المقربين، وأوصيائي سادة أوصياء النبيين والمرسلين، وذريتي أفضل ذريات النبيين والمرسلين، وأصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيين والمرسلين، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين، والطاهرات من أزواجي أمهات المؤمنين، وأمتي خير أمة أخرجت للناس، وأنا أكثر النبيين تبعاً يوم القيامة، ولي حوضٌ عرضه ما بين بصري وصنعاء، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، وخليفتي علي الحوض يومئذ خليفتي في الدنيا.

فقيل: ومن ذاك يا رسول الله؟

قال: إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومولاهم بعدي علي بن أبي طالب، يسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الابل عن الماء.

ثم قال صلي الله عليه وآله: من أحب علياً وأطاعه في دار الدنيا ورد علي حوضي غداً، وكان معي في درجتي في الجنة، ومن أبغض علياً في دار الدنيا وعصاه، لم أره ولم يرني يوم القيامة،

واختلج دوني، وأخذ به ذات الشمال إلي النار.

وفي رواية قال: جاء رجل إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله أكل من قال: لا إله إلا الله مؤمن؟

قال: إن عداوتنا تلحق باليهود والنصاري! إنكم لا تدخلون الجنة حتي تحبوني، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا، يعني علياً.

وفي أمالي الصدوق/134

وفي حديث علي بن أبي طالب قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلي الله عليه وآله إذ التفت إلينا فبكي فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟

فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي!

فقلت: وما ذاك يارسول الله؟

قال: أبكي من ضربتك علي القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن في الفخذ والسم الذي يسقي، وقتل الحسين!

قال: فبكي أهل البيت جميعاً، فقلت يا رسول الله، ما خلقنا ربنا إلا للبلاء.

قال: أبشر يا علي، فإن الله عز وجل قد عهد إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.

وفي أمالي الصدوق/89

وقوله صلي الله عليه وآله: حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله.

وقوله صلي الله عليه وآله: ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله.

وقوله صلي الله عليه وآله: علي حجة الله، وخليفته علي عباده.

وقوله صلي الله عليه وآله: حب علي إيمان، وبغضه كفر.

وقوله صلي الله عليه وآله: حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله صلي الله عليه وآله: علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتي يردا علي الحوض

وقوله صلي الله عليه وآله لعلي: قسيم النار والجنة.

وقوله صلي الله عليه وآله: من فارق علياً فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عز وجل.

وقوله صلي الله عليه وآله: شيعة علي هم

الفائزون يوم القيامة.

وفي أمالي المفيد/169

في حديث أبي ذر الغفاري قال: رأيت رسول الله وقد ضرب كتف علي بن أبي طالب عليه السلام بيده، وقال:

يا علي: من أحبنا فهو العربي، ومن أبغضنا فهو العلج.

شيعتنا أهل البيوتات والمعادن والشرف، ومن كان مولده صحيحاً، وما علي ملة إبراهيم عليه السلام إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس منها براء!

وإن لله ملائكة يهدمون سيئات شيعتنا كما يهدم القدوم البنيان.

وفي أمالي المفيد/213

عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله لعلي: ياعلي أنت مني وأنا منك، وليك ولي وولي ولي الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله.

يا علي: أنا حرب لمن حاربك، وسلم لمن سالمك، ياعلي لك كنز في الجنة، لا يدخل الجنة إلا من عرفك وعرفته، ولا يدخل النار إلا من أنكرك وأنكرته.

يا علي: أنت والأئمة من ولدك علي الأعراف يوم القيامة تعرف المجرمين بسيماهم والمؤمنون بعلاماتهم.

يا علي: لولاك لم يعرف المؤمنون بعدي.

وفي الغدير: 10/159

لما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب ونال من ابن علي ومن علي!

فقام الحسن فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:

إن الله عز وجل لم يبعث بعثاً إلا جعل له عدواً من المجرمين، فأنا ابن علي وأنت ابن صخر، وأمك هند وأمي فاطمة، وجدتك قتيلة وجدتي خديجة، فلعن الله ألامنا حسباً، وأخملنا ذكراً، وأعظمنا كفراً، وأشدنا نفاقاً!

فصاح أهل المسجد: آمين آمين. فقطع معاوية خطبته ودخل منزله!

وفي لفظ: خطب معاوية بالكوفة حين دخلها، والحسن والحسين رضي الله عنهما جالسان تحت المنبر، فذكر علياً عليه السلام فنال منه ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه، فأخذه الحسن بيده

فأجلسه، ثم قام فقال:

أيها الذاكر علياً! أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة! فلعن الله أخملنا ذكراً، وألامنا حسباً، وشرنا قديماً وحديثاً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين.

مقاتل الطالبيين ص22، وشرح ابن ابي الحديد ج4 ص12، وجمهرة الرسائل: 2/9 و50

بعض ما ورد في مصادرنا في عدم شمول الشفاعة للنواصب

في بصائر الدرجات/52

حدثنا سلام بن أبي عمرة الخراساني، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه أنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة ربي جنة عدن غرسة ربي، فليتول علي بن أبي طالب، وليعاد عدوه، وليأتم بالأوصياء من بعده، فإنهم أئمة الهدي من بعدي، أعطاهم الله فهمي وعلمي، وهم عترتي من لحمي ودمي. إلي الله أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي!

وأيم الله ليقتلن ابني-يعني الحسين-لا أنالهم الله شفاعتي. ورواه في الإمامة والتبصرة/41. وتقدم في المكذبين بفضلهم.

وفي الطبراني الكبير: 5/194 ومجمع الزوائد: 9/180

عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (ص): من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فإن ربي غرس قصباتها بيده، فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدي، ولن يدخلكم في ضلالة. انتهي.

ولا بد إذا صح الحديث أن يكون قوله (فإن ربي غرس قصباتها بيده) مجازياً لأجل بيان أهمية جنة الخلد، وأنها من خاص عطاء الله تعالي.

وفي المحاسن: 1/186

عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن علي الصائغ، قال: قال

أبو عبد الله عليه السلام: إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصباً، ولو أن ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا.

ورواه في ثواب الأعمال /203، والمحاسن /184، والبحار: 8/41، ونحوه في بشارة المصطفي للطبري الشيعي/38

بعض ما ورد في مصادرنا في أحكام التعامل مع النواصب

في الكافي: 5/348

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له الفضيل: أتزوج الناصبة؟ قال: لا، ولا كرامة.

قلت: جعلت فداك، والله إني لاقول لك هذا، ولو جاءتني ببيت ملان دراهم ما فعلت.

وفي الكافي: 5/349

عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن الناصب الذي قد عرف نصبه وعداوته، هل نزوجه المؤمنة، وهو قادرٌ علي رده، وهو لا يعلم برده؟

قال: لا يزوج المؤمن الناصبة، ولا يتزوج الناصب المؤمنة، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة.

وفي الكافي: 5/351

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية، فقال: نكاحهما أحب إلي من نكاح الناصبية، وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية، مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر.

وفي الكافي: 3/133

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: كان خطاب الجهني خليطاً لنا وكان شديد النصب لآل محمد (عليهم السلام)، وكان يصحب نجدة الحروري!

قال: فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية، فإذا هو مغمي عليه في حد الموت، فسمعته يقول: مالي ولك يا علي!! فأخبرت بذل أبا عبد الله فقال أبو عبد الله: رآه ورب الكعبة، رآه ورب الكعبة!

وفي الكافي: 4/309

عن وهب بن عبد ربه

قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيحج الرجل عن الناصب؟

فقال: لا.

فقلت: فإن كان أبي؟

قال: فإن كان أباك فنعم.

وفي وسائل الشيعة: 1/158

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (في حديث) قال: من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام، فلا يلومن إلا نفسه.

فقلت لابي الحسن عليه السلام: إن أهل المدينة يقولون: إن فيه شفاء من العين، فقال: كذبوا، يغتسل فيه الجنب من الحرام، والزاني، والناصب الذي هو شرهما و (شر) كل من خلق الله، ثم يكون فيه شفاء من العين؟!!

وفي وسائل الشيعة: 1/165

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كره سؤر ولد الزنا، وسؤر اليهودي والنصراني، والمشرك وكل من خالف الإسلام، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب.

وفي الهداية للصدوق/26

إذا صليت علي ناصب، فقل بين التكبيرة الخامسة: أللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك، أللهم أصله أشد نارك، وأذقه حر عذابك، فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك. فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه.

النصب يجر إلي التجسيم

في تنزيه الأنبياء للشريف المرتضي/177

مسألة: فإن قيل: فما معني الخبر المروي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته. وهذا خبر مشهور لا يمكن تضعيفه ونسبته إلي الشذوذ؟

الجواب: قلنا أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه، فإن راويه قيس بن أبي حازم، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره علي رواية الأخبار، وهذا قدحٌ لا شبهة فيه، لأن كل خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب أن يكون مردوداً، لأنه لا يؤمن أن يكون مما سمع منه في حال

الإختلال، وهذه طريقة في قبول الأخبار وردها ينبغي أن تكون أصلاً ومعتبراً فيمن علم منه الخروج، ولم يعلم تاريخ ما نقل عنه.

علي أن قيساً لو سلم من هذا القدح كان مطعوناً فيه من وجه آخر، وهو أن قيس بن أبي حازم كان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه والإنحراف عنه، وهو الذي قال: رأيت علي بن أبي طالب علي منبر الكوفة يقول: انفروا إلي بقية الأحزاب، فأبغضته حتي اليوم في قلبي. إلي غير ذلك من تصريحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لا شك في عدالته.

فضل العلماء الذين يدفعون شبهات النواصب

في الصراط المستقيم للبياضي: 3/56

عن الهادي عليه السلام: لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم من العلماء الدالين عليه، والداعين إليه، والذابين عن دينه بحجج الله.. ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل. (وهو في الإحتجاج للطبرسي: 1/15)

وقال علي عليه السلام: من قوي مسكيناً في دينه، ضعيفاً في معرفته، علي ناصب مخالف فأفحمه، لقنه الله يوم يدلي في قبره أن يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي، والكعبة قبلتي، والقرآن عدتي، والمؤمنون إخواني.

فيقول الله أدليت بالحجة، فوجبت لك عالي درجات الجنة، فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة.

وقال الرضا عليه السلام: أفضل ما يقدمه العالم من محبينا ليوم فقره ومسكنته أن يعين في الدنيا مسكيناً من يد ناصب عدو لله ورسوله يقوم من قبره والملائكة صفوف إلي محل من الجنان، فيحملونه علي أجنحتهم، ويقولون: طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الأبرار، ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار.

وفي الإحتجاج للطبرسي: 1/16

وعنه عليه السلام قال: يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا

وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، علي رأس كل واحد منهم تاج بهاء، قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها، فلا يبقي هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه أخرجوه، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلي العلو حتي تحاذي بهم فوق الجنان، ثم ينزلهم علي منازلهم المعدة في جوار أستاتيذهم ومعلميهم، وبحضرة أئمتهم الذين كانوا اليهم يدعون.

ولا يبقي ناصبٌ من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس لسانه، وتحول عليه أشد من لهب النيران، فيحملهم حتي يدفعهم إلي الزبانية فيدعونهم إلي سواء الجحيم.

شفاعة النبي يوم القيامة بيد أهل بيته

تقدم في الفصول السابقة من السنيين عن أويس القرني أنه يشفع لمثل ربيعة ومضر وتميم.

وعرفت أن أويساً ما كان إلا شيعياً مخلصاً لأهل البيت عليهم السلام، وأنه بايع أمير المؤمنين عليه السلام علي بذل مهجته دونه، واستشهد تحت رايته في صفين.

وإذا كان أويس صاحب هذه الشفاعة الكبيرة، فكيف تكون شفاعة علي الذي فداه بنفسه؟!

ثم كيف لا تكون لأهل البيت عليهم السلام شفاعةٌ مميزة، وقد نصت الأحاديث الصحيحة علي أن الجنة والشفاعة محرمةٌ علي مبغضيهم وظالميهم، كما عرفت!

إن الذين يستكثرون الشفاعة علي أهل البيت عليهم السلام، إنما يقفلون أعينهم عمداً عن المقام المميز الذي ثبت لهم بالأحاديث الصحيحة في مصادر الجميع.. أو يحسدون أهل بيت نبيهم علي ما فضلهم به ربهم، صلي الله عليه وعليهم.

ثم اعجب لهؤلاء المستكثرين للشفاعة علي أهل بيت نبيهم، وهم يعلمون أن جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله هو رئيس المحشر يوم القيامة، وصاحب الشفاعة الكبري فيه وصاحب حوض

الكوثر.. وذلك ملكٌ عظيم يحتاج إلي من يديره، وينفذ فيه أوامر النبي وتوجيهاته.. فمن يكون هؤلاء المنفذون غير أهل بيته الأطهار، ومعهم ملائكة الله تعالي؟!

وفيما يلي نورد أحاديث تدل علي مقامهم وشفاعتهم من مصادر الطرفين:

علي صاحب لواء النبي يوم القيامة

روت بعض صحاح إخواننا أحاديث لواء الحمد، وهو لواء رئاسة المحشر، الذي يعطيه الله لرسوله يوم القيامة.

ولكن هذا اللواء بقي في الصحاح بلا أحد يحمله!

والسبب في ذلك أن حامله علي عليه السلام، وأحاديثه تضمنت فضائل له، وتعريضاً بالصحابة، وهي أمورٌ لا يتحملها الخلفاء، فتركها رواة الخلافة!!

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر و لواء الحمد؟

أما البخاري فلم يرو أن النبي صلي الله عليه وآله سيد ولد آدم يوم المحشر، ولا أنه يعطي لواء الحمد، ولا أنه يكون أول شافع!

فالبخاري قلد كعب الأحبار الذي زعم أن الشافع الأول هو ابراهيم أو اسحاق، كما بينا ذلك في المجلد الثالث!

ولذا أعطي مقام الشفاعة الأول لأنبياء اليهود، وأبقي المحشر بلا رئيس ولا لواء! ولعل أمر المحشر عنده يحتاج إلي سقيفة قرشية لإختيار رئيس له!!

وأما مسلم فقد روي في صحيحه: 7/59

عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع.

ونحوه في ابن ماجة: 2 /1440، وأبي داود: 2/407

وأما الترمذي فروي حديث لواء الحمد في: 4/294:

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، ولا فخر.

ورواه بصيغ أخري في: 4/370، وفي: 5/245 و247 و248

أما أحاديث أن علياً حامل لواء المحشر، وأنه الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله، فقد صارت من نصيب المصادر البعيدة عن رقابة الخلافة!

ولابأس بذلك، لأن بعض هذه المصادر أقدم من الصحاح الستة، وكل مصنفيها محترمون موثقون عند السنيين، وبعضهم شيوخ

أصحاب الصحاح!

وقد أورد الأميني في الغدير: 2/321، عدداً من هذه الأحاديث، وذكر فيها لواء الحمد والسقاية علي الحوض معاً.. ونحن نورد ما فيه ذكر اللواء، مما ذكره في الغدير، وغيره:

ففي مناقب الصحابة لاحمد بن حنبل/661

حدثنا محمد بن هشام بن البختري، ثنا الحسين بن عبيد الله العجلي، ثنا الفضيل بن الإستثناء، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): أعطيت في علي خمساً هن أحب إلي من الدنيا وما فيها:

أما واحدة: فهو تكأتي إلي بين يدي، حتي يفرغ من الحساب.

وأما الثانية: فلواء الحمد بيده، آدم عليه السلام ومن ولد تحته.

وأما الثالثة: فواقفٌ علي عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي.

وأما الرابعة: فساتر عورتي ومسلمي إلي ربي.

وأما الخامسة: فلست أخشي عليه أن يرجع زانياً بعد إحصان أو كافراً بعد إيمان.

ورواه أبو نعيم في الحلية: 10 ص211 والطبري المؤرخ في الرياض النضرة 2/203 ورواه في كنز العمال 6/403

وفي مناقب الخوارزمي/203: عن علي قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ياعلي؟ سألت ربي عز وجل فيك خمس خصال فأعطاني: أما الأولي: فإني سألت ربي: أن تنشق عني الأرض وانفض التراب عن رأسي وأنت معي، فأعطاني.

وأما الثانية: فسألته أن يوقفني عند كفة الميزان وأنت معي، فأعطاني.

وأما الثالثة: فسألته أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر، عليه المفلحون والفائزون بالجنة، فأعطاني.

وأما الرابعة: فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني.

وأما الخامسة: فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلي الجنة فأعطاني. فالحمد لله الذي من به علي. انتهي.

ورواه في فرائد السمطين في الباب الثامن عشر، وفي كنز العمال 6/402.

وفي الدر

المنثور: 6/379

أخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول الله (ص): ألم تسمع قول الله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب، تدعون غراً محجلين.

وفي الطبراني الصغير: 2/88

عن عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله (ص): إن الله عز وجل أوحي إلي في علي بن أبي طالب ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: إنه سيد المؤمنين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. انتهي.وروي نحوه الحاكم: 3/138، عن أسعد بن زرارة، وقال: إسناده صحيح.

ومعني قائد الغر المحجلين: أن علياً عليه السلام صاحب لواء أهل الجنة.

وفي الطبراني الكبير: 2/247

عن جابر: قالوا يارسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟

قال: من يحسن أن يحملها إلا من حملها في الدنيا، علي بن أبي طالب.

وفي فردوس الأخبار: 5/8346

عن أبي بن كعب أن النبي(ص)قال لعلي: يا علي أنت تغسل جثتي، وتؤدي ذمتي وتواريني في حفرتي، وتفي بذمتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

وفي كنز العمال: 13/145

عن ابن عباس قال قال رسول الله(ص)لعلي: أنت أمامي يوم القيامة فيدفع إلي لواء الحمد فأدفعه إليك، وأنت تذود الناس عن حوضي (ابن عساكر، وقال: فيه أبو حذيفة إسحاق بن بشر، ضعيف) انتهي. ورواه في إحقاق الحق: 6/179، عن أرجح المطالب/662، ط. لاهور.

وفي إحقاق الحق: 27/199

عن كتاب التبر المذاب لاحمد الحافي الشافعي/81:

قال الواقدي وهشام بن محمد: لما رآهم الحسين مصرين علي قتله، أخذ المصحف ونشره، ونادي: بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله(ص)، بم تستحلون دمي؟ألست ابن بنت نبيكم؟ألم يبلغكم قول جدي في وفي أخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟!...

فبم تستحلون دمي وجدي الذائد علي الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الشارد عن الماء، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة... الخ.

وفي كنز العمال: 11/625 وج 13/129

عن الخطيب والرافعي عن علي قال قال رسول الله (ص):

سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً: سألت الله أن يجمع عليك أمتي فأبي علي، وأعطاني فيك أنك أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، ومعك لواء الحمد أنت تحمله بين يدي تسبق به الأولين والآخرين، وأعطاني فيك أنك ولي المؤمنين بعدي.

وروي في كنز العمال:13/152، حديثين في الموضوع جاء في أولهما:

أن تسقي أمتي من حوضي، وأن يجعلك قائد أمتي إلي الجنة، فأعطاني.

وذكر أن ابن الجوزي والذهبي ضعفا هذا الحديث بعبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه، وقال: ولم أقف لهذا الرجل علي ترجمة، وللحديث الأخير شاهدٌ من حديث ابن عباس، إلا أن ابن الجوزي أورده في الموضوعات، وللحديث الأول شاهد. انتهي.

فقد مال إلي تصحيح الحديثين بشواهدهما، وهو أمر متفق عليه في علم الحديث وكم من حديث ضعيف عندهم صححوه بشواهده.

ولكنه لم يذكر شواهدهما! ومن عادة المعتدلين السنيين أنهم لا يحبون أن يفتحوا نقاشاً صريحاً مع المتعصبين.

والأحاديث التي أوردناها من مصادرهم كافية للشهادة لهما، وفيها صحيحٌ سالم بشهادتهم!!

ويفهم من كلام صاحب كنز العمال أيضاً أنه لا يأخذ بتضعيفات ابن الجوزي والذهبي لأحاديث فضائل أهل البيت (عليهم السلام).

أما مصادرنا فقد تواترت فيها أحاديث أن لواء الحمد يكون بيد علي عليه السلام:

ففي أمالي الصدوق/61

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

يا علي أنت أخي ووزيري، وصاحب

لوائي في الدنيا والآخرة، وأنت صاحب حوضي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني.

وفي بشارة المصطفي للطبري الشيعي/125

بسنده عن الحسين بن علي قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا علي أنت المظلوم بعدي، فويل لمن قاتلك وطوبي لمن قاتل معك...

يا علي أنت أول من تنشق عنه الأرض معي، وأنت أول من يبعث معي، وأنت أول من يجوز الصراط معي...

وأنت أول من يرد حوضي، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك.

وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود تشفع لمحبنا فيهم.

وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد، وهو سبعون شقة، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر.

وأنت صاحب شجرة طوبي في الجنة، أصلها في دارك وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك. انتهي. وروي نحوه في 220

علي آمر السقاية علي حوض النبي يوم القيامة

حوض النبي صلي الله عليه وآله أو حوض الكوثر، قضيةٌ كبيرة يوم القيامة.. فهو عين الحياة في أرض المحشر، يصب ماؤها من نهرين من أنهار الجنة، وكل الخلائق يحتاجون إلي الشرب منه، لأنه لا يمكن لاحد أن يدخل الجنة إلا بأن يشرب منه! ففي كنز العمال: 14 /420: ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض-حم، د، ك، عن زيد بن أرقم. انتهي.

والشربة منه تروي الإنسان رياً أبدياً، فلا يظمأ بعدها أبداً.. ويبدو أنها تؤثر علي التركيب الفيزيائي لبدن الإنسان، فتجعله صالحاً للحياة في الجنة.

وقد خص الله به سيد المرسلين صلي الله عليه وآله، وجعل أمره بيده ويد أهل بيته الطاهرين، فلا يشرب أحد منه إلا ببطاقة منهم!!

كما أن أحاديث حوض الكوثر قضيةٌ كبيرة أيضاً في مصادر المسلمين!

ونشكر الله أنها بقيت في الصحاح ولم تحذف منها!لانها كانت

مهددة بالنسيان والحذف!! بسبب أن النبي صلي الله عليه وآله في آخر سنة من عمره الشريف ركز علي العقيدة بالحوض، خاصة في خطب حجة الوداع، وربطه بوصيته بالقرآن وأهل بيته الطاهرين، وأكد علي أن من لا يطيع وصيته فيهم يمنعه الله تعالي من ورود الحوض والشرب منه، وبالتالي من دخول الجنة.

وأخبر صلي الله عليه وآله أن أكثر أصحابه سوف يطردون عن الحوض، ولا يسمح لهم بالشرب منه!!!

فأحاديث الحوض تتضمن إذن: بيان مقام أهل البيت الطاهرين، والأمر باتباعهم، وأنهم ومحبيهم الواردون علي الحوض، والساقون عليه..

كما تتضمن ذم مبغضيهم ومخالفيهم، وأنهم مطرودون عن الحوض، ممنوعون من الورود عليه والشرب منه، حتي لو كانوا صحابة!!

محاولات الأمويين التكذيب بأحاديث الحوض

من الطبيعي أن ينزعج المنافقون والحاسدون لبني هاشم من هذا التأكيد النبوي، ولا بد أنهم كانوا يسخرون من عقيدة (حوض محمد وأهل بيته).

ولا نحتاج إلي تتبع سخريتهم في زمن النبي صلي الله عليه وآله، ولكنا نراها ظاهرة عند ورثتهم من الحكام الكبار في العهد الأموي، مثل عبيد الله بن زياد، الذي كان الحاكم المطلق للعراق وايران وما وراءها!!

ويبدو أنه كان يعمل لحذف عقيدة الحوض من الإسلام.. ولكن المؤمنين وقفوا في وجهه!

فقد ذكر الحاكم في المستدرك: 1/75

أن أبا سبرة بن سلمة الهذلي سمع ابن زياد يسأل عن الحوض حوض محمد! فقال: ما أراه حقاً! بعد ما سأل أبا برزة الاسلمي، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، قال: ما أصدق هؤلاء!! الخ.

وقال في: 1/78:

عن أنس قال دخلت علي عبيد الله بن زياد وهم يتراجعون في ذكر الحوض، قال فقال جاءكم أنس، قال يا أنس ما تقول في الحوض؟

قال قلت: ما حسبت أني أعيش حتي

أري مثلكم يمترون في الحوض!

لقد تركت بعدي عجائز ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا سألت ربها أن يوردها حوض محمد صلي الله عليه وآله!!

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله عن حميد شاهد صحيح علي شرطهما... انتهي. وروي نحوه أبو يعلي في مسنده: 6/96

وروي البيهقي في الإعتقاد والهداية/84: عن أبي حمزة قال: دخل أبو برزة علي عبيد الله بن زياد فقال: إن محمدكم هذا لدحداح!!!

فقال: ما كنت أراني أن أعيش في قوم يعدون صحبة محمد(ص)عاراً!

قالوا: إن الأمير إنما دعاك ليسألك عن الحوض! فقال: عن أي باله: قال: أحقٌ هو:

قال: نعم، فمن كذب به فلا سقاه الله منه!! انتهي.

وقد يدافع النواصب عن هذه الروايات بأنها تتحدث عن حالة شخصية في ابن زياد، وليس عن اتجاه عند الخلافة الأموية وأنصارها.

ولكنه يجد أنها اتجاه وليست حالة شخصية! فهذا عمر بن عبد العزيز، وهو في مطلع القرن الثاني، أراد أن يتثبت من صحة أحاديث الحوض! أو يقنع بها بني أمية وأجواءهم في العاصمة! أو يواصل ما عمله الأمويون.. فأرسل إلي المدينة في إحضار صحابي كبير السن، لكي يسمع منه مباشرة حديث الحوض!!

فقد روي البيهقي في شعب الإيمان: 8/243

عن شعبة، أخبرنا أبو بكر بن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا أبو عتبة، عن محمد بن المهاجر، عن عباس بن سالم اللخمي، أن ابن عبد العزيز بعث إلي أبي سلام الحبشي، وحمل علي البريد حتي قدم عليه فقال: إني بعثت إليك أشافهك حديث ثوبان في الحوض!

فقال أبو سلام: سمعت ثوبان يقول سمعت رسول الله(ص)يقول: حوضي من عدن أبين إلي عمان

البلقاء، أكوازه مثل عدد نجوم السماء، ماؤه أحلي من العسل، أشد بياضاً من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أول من يرد علي فقراء أمتي.

فقال عمر: يا رسول الله من هم؟قال: هم الشعث الرؤوس، الدنس الثياب الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/355

أبو سلام ممطور الحبشئ، ثم الدمشقي، الأسود الأعرج... استقدمه عمر بن عبد العزيز في خلافته إليه علي البريد، ليشافهه بما سمع من ثوبان في حوض النبي (ص)، فقال له: شققت علي. فاعتذر إليه عمر وأكرمه. توفي سنة نيف ومئة.

ندم أئمة المذاهب علي تدوين أحاديث الحوض

بل يدل النص التالي علي أن حساسية الدولة من أحاديث الحوض امتدت إلي زمن العباسيين، بسبب أن هذه الأحاديث تتضمن ذم الصحابة!!

فقد أعلن الإمام مالك ندمه علي تدوين حديث الحوض في كتابه الموطأ! الذي دونه بأمر المنصور العباسي ليكون الكتاب الرسمي الإلزامي للمسلمين!

وكان الإمام الشافعي يظهر تأسفه أيضاً لتدوين مالك لهذه الأحاديث، ولو كانت صحيحة!!

قال الصديق المغربي في فتح الملك العلي/151

حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت علي حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث!! وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء علي الصحابة إلا حديث الحوض، ووددنا أنه لم يذكره!! انتهي.

ويناسب هنا أن نتوسع قليلاث في سبب ندم الإمام مالك والشافعي:

فقد طلب العباسيون عندما كانوا يخططون لثورتهم من الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)أن يتحالفوا معهم للاطاحة ببني أمية، فلم يستجب لهم الإمام جعفر الصادق عليه السلام، بينما استجاب لهم الحسنيون وتحالفوا معهم، وعينوا لحركتهم إماماً حسنياً، وبدؤوا فعاليتهم ضد الأمويين في الحجاز والعراق وخراسان، بشعار: يالثارات

الحسين، والدعوة إلي الخليفة المرضي من آل محمد، والبراءة من غاصبي حقهم من الشيخين والأمويين بعدهم!!

وما أن حققت ثورتهم انتصارات حاسمة علي يد أبي مسلم الخراساني، حتي اختلفوا مع حلفائهم الحسنيين، ونشبت بينهم معارك ضارية في الحجاز والعراق، انتصر فيها العباسيون وتفردوا بالحكم..

وهنا بدأ العباسيون بتغيير استراتيجيتهم الفكرية التي أخذوا البيعة عليها من الناس، فاستثنوا الشيخين أبا بكر وعمر من البراءة واللعن، وحصروه ببني أمية بمن فيهم عثمان!

ويدل ندم مالك علي وجود ذم الصحابة في كتابه، علي أنه ألفه قبل أن يتبلور التحول في خط الخلافة العباسية، ويعدلوا عن البراءة من الشيخين إلي تبني ولايتهما والتأكيد عليها..

ذلك أن العباسيين كانوا سياسيين ولم يكونوا علماء، وكانت المرجعية الدينية للمعارضة في الأئمة من أولاد علي عليه السلام.. فأراد العباسيون أن يتبنوا مرجعية دينية، غير أموية وغير علوية، فاختار أبو جعفر المنصور الإمام مالك، وطلب منه أن يؤلف كتاباً سهلاً ممهداً موطأً، لينشره في بلاد المسلمين ويلزمهم به، فألف له الموطأ ووضع فيه حديث الحوض الذي يذم الصحابة لأنه ينسجم مع خطهم الفكري، ونشرت الخلافة الكتاب، وأصدر المنصور قراره الذي ذهب مثلاً (لا يفتين أحد ومالك في المدينة).

ولكن ندم مالك، والشافعي، والخلافة العباسية لم ينفع، لأن حديث الحوض دخل في كتاب الخلافة الرسمي، وصار شاهداً لأحاديث الحوض الأخري التي سمعها الناس ورووها ودونوها!

بل صار ندمهم شاهداً تاريخياً قوياً علي صحة صدور هذه الأحاديث النبوية الخطيرة، وتأكيد خط أهل البيت (عليهم السلام) ومكانتهم في الإسلام!

وإذا لاحظنا أن البخاري ومسلماً قد ألفا صحيحيهما في عصر المتوكل العباسي وبعده، وأن بغض المتوكل لعلي وأهل البيت النبوي كان مشهوراً.. فينبغي أن نشكرهما لأنهما رويا شيئاً

من حديث الحوض الذي فيه إزراء علي الصحابة حسب تعبير الشافعي، ولا نكلفهما أن يرويا أن علياً عليه السلام هو الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله وأنه يذود عنه الكفار والصحابة المطرودين!

و النتيجة للمتأمل في أحاديث حوض الكوثر

أن موقف السلطة الأموية والعباسية لم يمنع من روايتها، ولكنه سبب أن يقلل الرواة منها ويتحاشوا ما كان شديداً علي الصحابة!!

وقد رأيت أن البخاري ومسلماً لم يرويا حديث أنس مع ابن زياد، وغيره مما هو صحيح علي شرطهما!!

وبذلك يصح أن تقدر أن ما روته مصادرهم من أحاديث طرد الصحابة الخائنين عن الحوض، ليس إلا جزءاً قليلاً منها!

علي أن عدداً من المصادر بدلت كلمة أصحابي بكلمة: أمتي، أو بكلمة: الناس! وتحاشت صحاحهم رواية الأحاديث التي تربط حوض الكوثر بأهل البيت النبوي ومحبيهم، وتجعلهم المؤمنين المقبولين، والغر المحجلين، الذين يوافون النبي علي حوضه، ويردون منه ويدخلون الجنة!!

نماذج من أحاديث الحوض والصحابة المطرودين

في البخاري: 7/207

عن عبد الله بن عمرو قال النبي (ص): حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً.

وفي البخاري: 8/86

عن أسماء عن النبي(ص)قال: أنا علي حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي! فيقول: لا تدري مشوا علي القهقري. انتهي.

وفي البخاري: 2/975

عن ابن المسيب أن النبي(ص)قال: يرد عليَّ الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلؤون عنه! فأقول: يارب أصحابي؟! فيقول: فإنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أعقابهم القهقري.

وفي مسلم: 1/150

عن أبي هريره قال: قال رسول الله (ص): ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه.قالوا يا نبي الله أتعرفنا؟

قال: نعم تردون عليَّ غراً محجلين من آثار الوضوء. وليصد عني طائفةٌ منكم فلا يصلون، فأقول يارب هؤلاء من أصحابي؟! فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟!!

وفي مسلم: 7/70

عن أبي هريره أن النبي (ص) قال: لاذودن عن حوضي رجالاً كما

تذاد الغريبة من الإبل. ورواه أحمد في: 2/298، ورواه في المسند الجامع-تحقيق د. عواد: 3/343 و5/135 و18 /471، والبيهقي في البعث والنشور/125، ومجمع الزوائد: 10/665

وروي مسلم: 2/369، وأحمد: 5/390: عن عمار بن ياسر قال: أخبرني حذيفة عن النبي (ص) قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، منهم ثمانيةٌ لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط! انتهي.

وقد اهتم ابن حجر بحكم أحواض الإبل التي في الحديث فقال في فتح الباري: 5/33: وقوله لأذودن.. أي لاطردن، ومناسبته الترجمة من ذكره (ص) أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه، ولم ينكر ذلك، فيدل علي الجواز. انتهي.

وروي ابن أبي شيبة في المصنف: 15/109

عن حذيفة قال: المنافقون الذين فيكم اليوم شرٌ من المنافقين الذين كانوا علي عهد رسول الله(ص)!

قال الراوي هو شقيق، قلت: يا أبا عبد الله وكيف ذاك؟!

قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه!!

وقال المفيد في الافصاح/50

وقال عليه السلام: أيها الناس، بينا أنا علي الحوض إذ مُر بكم زمراً، فتفرق بكم الطرق فأناديكم: ألا هلموا إلي الطريق، فيناديني مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك، فأقول: ألا سحقاً، ألا سحقاً [1] .

وقال عليه السلام: ما بال أقوام يقولون: إن رحم رسول الله صلي الله عليه وآله لا تنفع يوم القيامة، بلي والله إن رحمي لموصولةٌ في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم علي الحوض، فإذا جئتم قال الرجل منكم يارسول الله أنا فلانٌ بن فلان، وقال الآخر: أنا فلانٌ بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقري [2] .

وقال عليه السلام، وقد ذكر عنده الدجال:

أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال

[3] .

وقال عليه السلام: إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني [4] .

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلي برهان.

علي أن كتاب الله عز وجل شاهد بما ذكرناه، ولو لم يأت حديث فيه لكفي في بيان ما وصفناه.

قال الله سبحانه وتعالي: وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم؟! ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين.

فأخبر تعالي عن ردتهم بعد نبيه صلي الله عليه وآله علي القطع والثبات!

وفي فردوس الأخبار: 3/444

عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: ليرفعن أناسٌ من أصحابي وأنا علي الحوض، فإذا عاينوني عرفتهم وأنا علي الحوض، قد ذبلت شفاههم فاختلجوا دوني.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: من أحب علياً وأطاعه في دار الدنيا ورد علي حوضي غداً، وكان معي في درجتي في الجنة.

ومن أبعض علياً في دار الدنيا وعصاه، لم أره ولم يرني يوم القيامة، واختلج دوني وأخذ به ذات الشمال إلي النار. انتهي.

[1] مسند أحمد 6: 297، ومسند أبي يعلي: 11/387.

[2] مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه.

[3] كنز العمال: 14/322/28812.

[4] مسند أحمد: 6/307.

اسس تدوين أحاديث القيامة عند علماء الخلافة

ونصل من أحاديث الحوض إلي قضية أوسع تتعلق بموضوعنا، وهي أحاديث مقام النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة..

فإن المتأمل فيها في مصادر إخواننا السنيين يصل إلي قناعة بأن أحاديثها كانت تتضمن أن أهل بيته معه في المحشر والجنة، بدليل بقاء ذكرهم وتسميتهم في عدد منها! وأنها كانت تتضمن بيان المصير الأسود

لأكثر الصحابة!

وقد رأيت أنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من الأحاديث التي تنص علي أنه لا يرد منهم الحوض ولا ينجو إلا مثل همل النعم!

وهمل النعم هي النعاج المفردة الخارجة عن القطيع! وهو يعني أن أكثرية قطيع الصحابة لا ينجو!!

وبهذا نعرف الصعوبة في المهمة التي عهدت بهاالخلافة القرشية إلي علماء الحديث، أو تبرعوا هم بها، بتدوين صحاح ترضي عنها وتتبني نشرها!!

فلا بد أنهم وقفوا طويلاً أمام مشكلة تدوين أحاديث القيامة والآخرة، لأنها تعطي أهل البيت مقاماً إلي جنب رسول الله صلي الله عليه وآله.. ولأنها تذم الصحابة وتخبر عن هلاك أكثرهم!!

ولا شك أن الذين ألفوا بعد مالك بن أنس واجهوا نفس مشكلته، وخافوا أن يقعوا في نفس (مزلق) التشيع الذي وقع فيه!!

لذا رأوا أنهم مجبرون علي إتباع الأسس التالية:

أولاً: أن يختاروا الأحاديث التي ليس فيها ذكر لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وهي قليلة جداً جداً!

ثانياً: أن يجردوا الأحاديث من ذكر مقام أهل البيت النبوي مهما أمكن!

ثالثاً: أن يستبدلوا أسماء أهل البيت والكلمات التي استعملها النبي صلي الله عليه وآله في التعبير عنهم بكلمات عن الأمة والصحابة.

رابعاً: أن يتحاشوا الأحاديث التي فيها ذم الصحابة، أو يحذفوا منها الذم أو يوجهوه إلي آخرين.

خامساً: أن يدونوا الأحاديث الموضوعة في فضل الصحابة، خاصة الخلفاء الثلاثة، لكي تقابل الأحاديث في فضائل أهل البيت النبوي!!

وتفصيل هذا الموضوع يخرجنا عن بحثنا، فنكتفي بذكر نماذج صغيرة:

فقد روي الخطيب في تاريخ بغداد 9/453

عن ابن عباس قال: سمعت النبي(ص)وهو آخذٌ بيد علي يقول: هذا أول من يصافحني يوم القيامة.

وفي الإستيعاب: 4/169

عن أبي ليلي الغفاري قال: سمعت رسول الله(ص)يقول:

ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين.

ورواه ابن حجر في الإصابة: 4/170، وضعفه بدون حجة، وكذا فعل ابن كثير في البداية: 7/348.

وفي سنن ابن ماجه: 1/44

عن عباد بن عبد الله قال: قال علي(رض): أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب! صليت قبل الناس سبع سنين. هذا حديث صحيح.

ورواه العزيزي في السراج المنير: 2/402، وقال البوصيري في الزوائد: صحيحٌ علي شرط الشيخين، وتكلم فيه بعضهم لأجل عباد، لكن تابعته عليه معاذة العدوية.

وفي كنز العمال: 11/616

إن هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين - قاله لعلي. (الطبراني عن سلمان وأبي ذر معاً، والبيهقي، وابن سعد، عن حذيفة. انتهي.

وقال في هامشه: أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/102) وقال رواه الطبراني والبزار، وفيه عمر بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهي.

وكلام هذا المهمش ليس دقيقاً، لأن رواية كنز العمال عن ثلاثة: سلمان وأبي ذر وحذيفة. ورواية الطبراني والبزار التي ضعفها الهيثمي بعمر بن سعيد المصري إنما هي عن أبي ذر وحده، وبالتالي فهو لم يضعف رواية سلمان وأبي ذر معاً، ولا رواية حذيفة التي نقلها صاحب كنز العمال عن البيهقي، وعن طبقات ابن سعد!

واليك ما قاله في مجمع الزوائد: 9/102:

وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبي(ص)بيد علي فقال:إن هذا أول من آمن بي، وهذا

أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين.

رواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده وقال فيه: أنت أول من آمن بي، وقال فيه: والمال يعسوب الكفار. وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهي.

ومهما يكن، فإن بعض طرق الحديث صحيحةٌ علي مبانيهم بدون حاجة إلي شواهد، وبعضها صحيحةٌ بشواهدها. ولكنهم لا يبحثون أسانيده وأسانيد شواهده، ويضعفونه ويحكمون عليه بأنه منكر، لأنه يتضمن شهادة من النبي صلي الله عليه وآله بصفات مهمة لعلي عليه السلام، وهي أمر منكر يضر بالخلافة القرشية!!

بل الأحوط عند بعض علماء الخلافة أن يعارضوه بأحاديث تشهد بأن الصفات التي وردت فيه قد ثبتت لخلفاء قريش، وليس لعلي!!

ونترك لقب الصديق والفاروق فعلاً، ونذكر ما رووه حول: أول من تنشق عنه الأرض مع النبي في يوم المحشر، وأول من يصافح النبي صلي الله عليه وآله، لأنهما من صلب موضوعنا.

أما الأول:

فقد روي الحاكم في المستدرك: 2/465، وصححه:عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا أول من تنشق الأرض عنه، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة!!

وتلا عبد الله بن عمر: يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير!

ورواه أيضاً في: 3/68، وصححه.ورواه في كنز العمال: 11/403

وروي نحوه في/426 و433 (عن الترمذي، وحسنه، وأبي عروبة في الاوائل، والطبراني الكبير، وابن عساكر، وأبي نعيم في فضائل الصحابة، عن ابن عمر. وبآخر عن ابن عساكر، عن أبي هريرة. انتهي.

وتلاحظ في هذه الأحاديث أنها تعطي الأولية في الحشر ودخول

الجنة لأبي بكر وعمر، ثم لأهل البقيع، ثم للقرشيين في مكة!

كما يوجد عندهم حديث آخر يميلون إلي قبوله، رواه في كنز العمال: 13/233 عن علي! قال قال رسول الله (ص):

أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، فيعطيني الله من الكرامة ما لم يعطنيمن قبل. ثم ينادي مناد: يا محمد قرب الخلفاء، فأقول: ومن الخلفاء؟!

فيقول جل جلاله: عبد الله أبو بكر الصديق، فأول من تنشق الأرض عنه بعدي أبو بكر، ويقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ويكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش. ثم ينادي مناد: أين عمر بن الخطاب؟ فيجئ وأوداجه تشخب دماً فأقول: عمر! من فعل هذا بك!؟ فيقول: مولي المغيرة بن شعبة، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش. ثم يؤتي بعثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً، فأقول: عثمان! من فعل بك هذا!؟ فيقول: فلانٌ وفلان، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

ثم يؤتي بعلي وأوداجه تشخب دماً فأقول: علي! من فعل بك هذا؟!

فيقول: عبد الرحمن بن ملجم، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش مع أصحابه.

الزوزني، وفيه علي بن صالح، قال الذهبي: لا يعرف، وله خبرٌ باطل، وقال في اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روي عنه أهل العراق، مستقيم الحديث. انتهي.

وهكذا عالج رواة الخلافة أولية علي التي رواها عن النبي صلي الله عليه وآله! فوضعوا حديثاً علي لسان علي نفسه! يجعل الأولية لخلفاء قريش بالترتيب، ويجعل علياً الرابع!!

وإذا كلمتهم في السند تراهم يعرضون عن بحث أسانيد

الأحاديث التي فيها فضائل علي، ويعملون المستحيل لتصحيح الأحاديث التي فيها فضائل غيره، ويمدح ابن حبان واضع الحديث بأنه مستقيم الحديث، أي أن أحاديثه في مدح الخلفاء والأمراء وعمالهم!

وأما حديث أن أول من يصافحه النبي يوم القيامة علي.. فقد وجدوا له معالجة أخري، فإذا كان علي أول شخص يستقبله الرسول صلي الله عليه وآله ويصافحه يوم القيامة، فإن عمر أول شخص يستقبله الله تعالي يوم القيامة ويصافحه!! ويرحب به، ويدخله الجنة!!

فقد روي ابن ماجة في صحيحه: 1/39

حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي، أنبأنا داود بن عطاء المديني، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله (ص): أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة.

ورواه في كنز العمال: 1/578 - ه_، ك - عن أبي. انتهي.

وقد جاءت روايتهم فاقعةً إلي حد أن الذهبي الذي يحب التجسيم ويحب عمر، لم يستطع الدفاع عنها!

وكذلك الألباني، حيث ضعفها علي مضض في ضعيفته برقم 22485.

نتيجة كلية

والنتيجة الأكيدة عند المتأمل في هذه الأحاديث من مصادر الفريقين:

أن علياً وأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله لهم دورٌ كبير في الشفاعة مع النبي يوم القيامة.. بل إن كل مؤمن مقبول له شفاعة يوم القيامة بحسبه، ولما كان أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله سادة المؤمنين، فشفاعتهم أكبر وأعظم.

أما الصحابة فتدل أحاديث القيامة علي أن أكثرهم يكونون مشغولين إلي آخر نفس في معالجة مشكلتهم وتخليص أنفسهم!!

احاديث أن عليا هو الساقي علي الحوض والذائد عنه

تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علي ميزان الإسلام والكفر، حديث الإمام الحسن السبط عليه السلام، وقد صححه الحاكم وغيره، وفيه:

(فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الإزار علي ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل! قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افتري).

كما تقدمت بعض أحاديثه في حمل لواء المحشر عن أحمد وغيره.

وفي مناقب الصحابة لاحمد/667

وفيما كتب إلينا (عبد الله بن غنام) يذكر أن عباد بن يعقوب حدثهم، نا علي بن عابس، عن عبد الله عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي، قال اشتكي أبو الأسود الفالج فنعت له ثعلب فطلبناها في خرب البصرة، فبينا أنا أطوف إذا أنا برجل يصلي فأشار إلي فأتيته فقال: من أنت؟ فقلت أبو حرب بن أبي الأسود، فقال: أقرئ أباك السلام وقل له عبد الله بن فلان يقرأ عليك السلام ويقول لك: أشهد أني سمعت علياً يقول: لاذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله رايات الكفار والمنافقين، كما تذاد غريبة الابل عن حياضها. انتهي.

وفي تاريخ المدينة لابن شبة: 1/37

حدثنا محمد بن بكار قال، حدثنا أبو معشر، عن حرام بن عثمان (عن أبي)

عتيق، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: أخرج رسول الله(ص)أناساً من المسجد وقال: لا ترقدوا في مسجدي هذا. قال: فخرج الناس، وخرج علي (رض)، فقال: لعلي (رض) إرجع فقد أحل لك فيه ما أحل لي، كأني بك تذودهم علي الحوض، وفي يدك عصا عوسج.

وفي مجمع الزوائد: 9/173

وعن أبي هريرة أن علي بن أبي طالب (رض) قال: يا رسول الله، أيما أحب اليك أنا أم فاطمة؟

قال: فاطمة أحب إليَّ منك، وأنت أعز عليَّ منها. وكأني بك وأنت علي حوضي تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة، إخوانآ علي سرر متقابلين، أنت معي وشيعتك في الجنة. ثم قرأ رسول الله (ص): إخواناً علي سرر متقابلين، لا ينظر أحد في قفا صاحبه.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سلمي بن عقبة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. ورواه في تفسير الميزان: 12/176، عن تفسير البرهان عن الحافظ أبي نعيم عن رجاله عن أبي هريرة..

وفي مجمع الزوائد: 9/135

عن أبي سعيد قال قال رسول الله (ص): يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن حوضي. رواه الطبراني في الأوسط وفيه سلام بسليمان المدايني وزيد العمي، وهما ضعيفان وقد وثقا، وبقية رجالهما ثقات.

وعن عبد الله بن إجاره بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو علي المنبر يقول: أنا أذود عن حوض رسول الله(ص)بيدي هاتين القصيرتين الكفار والمنافقين كما تذود السقاة غريبة الإبل عن حياضهم. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد ابن قدامة الجوهري، وهو ضعيف.

وعن علي بن أبي طالب قال قال لي رسول

الله (ص): ألا ترضي يا علي إذا جمع الله النبيين في صعيد واحد، حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش فكان أول من يُدعي ابراهيم فيكسي ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر مثعب من الجنة إلي حوضي، وحوضي أبعد مما بين بصري وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ وأكسي ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعي فتشرب وتتوضأ وتكسي ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أدعي إلي خير إلا دعيت له.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمران بن ميثم، وهو كذاب.

وفي مجمع الزوائد: 10/366

وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله (ص): علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة، فيه أكوابٌ كعدد نجوم السماء، وسعة حوضي ما بين الجابية إلي صنعاء. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ضعفاء وثقوا.

وفي الغدير:1/321: (أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي (ص): يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة، تذود بها المنافقين عن الحوض. (الذخاير/91، الرياض: 2/211، مجمع الزوائد: 9/135، الصواعق/104. انتهي. وهو في الطبراني الصغير: 2/89، وفردوس الأخبار: 5 /317/408، وفي طبعة أخري من الصواعق/174

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: 1/265:

أخبرنا أبو الحسن السلمي، أنبأنا عبد العزيز التميمي، أنبأنا علي بن موسي ابن الحسين، أنبأنا أبو سليمان بن زير، أنبأنا محمد بن يوسف الهروي، أنبأنا محمد بن النعمان بن بشير، أنبأنا أحمد بن الحسين بن جعفر الهاشمي اللهبي، حدثني عبد العزيز بن محمد، عن حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

جاءنا رسول

الله(ص)ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب فضربنا، وقال: أترقدون في المسجد، إنه لا يرقد فيه أحد.

فأجفلنا وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله (ص):يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، ياعلي ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا النبوة.

والذي نفسي بيده إنك لتذودن عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصي من عوسج، كأني أنظر مقامك من حوضي.

قال (و) أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم الشحامي قالا: أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو سعيد محمد بن بشر، أنبأنا محمد بن ادريس، أنبأنا سويد بن سعد، أنبأنا حفص بن ميسرة، عن حزام بن عثمان، عن ابن جابر - أراه عن جابر - قال: جاء رسول الله(ص)ونحن مضطجعون في المسجد، فضربنا بعصف في يده فقال: أترقدون في المسجد إنه لا يرقد فيه.

فأجفلنا فأجفل علي، فقال رسول الله (ص): تعال يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا النبوة، والذي نفسي بيده إنك لذواد عن حوضي يوم القيامة، تذود كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصي لك من عوسج، كأني أنظر إلي مقامك من حوضي. انتهي. ونقله عنه في إحقاق الحق: 17/374، ورواه الخوارزمي في مناقبه/65

وفي الروض الأنف: 2/146:من طريق جابر بن عبد الله أن رسول الله (ص) قال لعلي: والذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه كفار الأمم كما تذاد الإبل الضالة عن الماء.

وقال السهيلي: إلا أن هذا الحديث يرويه حرام بن عثمان عن جابر عن النبي. وقد

سئل مالك عنه فقال: ليس بثقة، وأغلظ فيه الشافعي. انتهي.

وكذلك ضعفه في تهذيب التهذيب: 4/283.

ولا بد أن مالكاً سئل عنه، بعد أن ندم علي تدوين حديث الحوض في موطئه!

وسواء صح ما نقلوه عن الشافعي في راوي الحديث حرام بن عثمان أم لا، فإن الذين ضعفوا هذا الحديث قد تعصبوا ضد أهل البيت، ودلسوا أيضاً!

ذلك أن القاعدة عند العلماء: أنهم إذا ضعفوا طريقاً لحديث مروي من طرق أخري صحيحة، أن ينبهوا إلي ذلك، ويذكروا أن له طرقاً أخري ليس فيها حرام! خاصة أنه حديثٌ مشهورٌ من رواية أهل البيت واحتجاجاتهم من زمن علي والحسنين (عليهم السلام)، وكذلك في احتجاج شيعتهم ومحاوراتهم من القرن الأول نثراً وشعراً.

وقد نقلته مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عن علي، وعن الحسن السبط (عليهم السلام)، وقد تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علي عليه السلام ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق، فراجع.

وكذا روته مصادرهم فيما روت من خطب الإمام الحسين عليه السلام ومحاوراته لجيش يزيد في كربلاء..

ولذلك يعتبر علماء الجرح والتعديل مثل هذا العمل تدليساً، يقصد منه إيهام القارئ بضعف متن هذا الحديث وأسانيده الأخري!!

وأخيراً، فقد روت مصادر السنيين حديثاً غير مفهوم، ورد فيه أن النبي صلي الله عليه وآله يذود عن الحوض لأهل اليمن! ففي المسند الجامع - تحقيق الدكتور عواد: 3/343 - ح 2062 - 48: عن ثوبان، أن نبي الله(ص)قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتي يرفض عليهم. فسئل عن عرضه؟ فقال: من مقامي إلي عمان.

وسئل عن شرابه؟ فقال: أشد بياضاً من اللبن، وأحلي من العسل، يغث فيه ميزابان يحدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من

ورق. انتهي.

وقد وجدنا حديثاً صححه في مجمع الزوائد، وهو يعطي ضوءا علي هذا الحديث المبهم، ويدل علي أنه نصه كان يرتبط بأهل البيت (عليهم السلام)، فصار لأهل اليمن!!

قال في مجمع الزوائد: 10/366: وعن ثوبان قال قال رسول الله (ص): حوضي أذود عنه الناس لأهل بيتي إني لأضربهم بعصاي هذه حتي ترفض.

قلت: فذكر الحديث وهو في الصحيح غير قوله (لأهل بيتي).

رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. انتهي.

ومعني ذلك أن إحدي روايتي البزاز التي فيها (لأهل بيتي) صحيحة، ولعل أصل الحديث أذود عنه أنا وأهل بيتي، أو أذود من خالف أهل بيتي..

من أحاديث الحوض في مصادرنا

أما مصادرنا فلا مشكلة لها مع أحاديث حوض الكوثر ولا مع غيرها، لذلك تجد أحاديثه صحيحة ومتواترة في مصادرنا، وهي من حججنا علي إمامة أهل البيت النبوي الطاهرين (عليهم السلام)..

قال الصدوق في كتاب الإعتقادات/43

إعتقادنا في الحوض: أنه حق، وأن عرضه مابين أيلة وصنعاء، وهو للنبي صلي الله عليه وآله. الساقي عليه يوم القيامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.

وقال النبي صلي الله عليه وآله: ليختلجن قوم من أصحابي دوني وأنا علي الحوض، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأنادي ياربي أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك!

وروي في كتاب الخصال/624، عن علي عليه السلام:

أنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله، ومعي عترتي وسبطي علي الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل عملنا، فإن لكل أهل بيت نجيب ولنا شفاعة، ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا علي الحوض، فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا، ومن شرب منه

شربةً لم يظمأ بعدها أبدا.

حوضنا مترعٌ فيه مثعبان ينصبان من الجنة أحدهما من تسنيم، والآخر من معين، علي حافتيه الزعفران، وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وهو الكوثر.

ورواه في تفسير فرات الكوفي/366، وتفسير نور الثقلين: 5/511

وفي تفسير فرات /172، من رواية يخبر بها النبي ابنته الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام بما سيحدث لها ولاولادها من بعده، ويعلمها الصبر علي أمر الله تعالي، قال:

يا فاطمة بنت محمد... أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة.

أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه.

أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء.

أما ترضين أن تنظرين إلي الملائكة علي أرجاء السماء ينظرون إليك والي ما تأمرين به، وينظرون إلي بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله!

فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك؟!!

وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي: 3 /153

عن تفسير العياشي: 1/14، والكافي: 1 /62:

عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلي الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلي الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفتري الناس يكذبون علي رسول الله صلي الله

عليه وآله متعمدين؟ ويفسرون القرآن بآرائهم؟

قال: فأقبل عليَّ فقال: قد سألت فافهم الجواب.

إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله علي عهده حتي قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار! ثم كذب عليه من بعده!

وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

رجلٌ منافقٌ يظهر الإيمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله متعمداً، فلو علم الناس أنه منافقٌ كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلي الله عليه وآله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ، وإن يقولوا تسمع لقولهم.

ثم بقوا بعده فتقربوا إلي أئمة الضلالة والدعاة إلي النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم علي رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا!

وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.

ورجلٌ سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله علي وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجلٌ ثالثٌ سمع من رسول الله صلي الله عليه وآله شيئاً أمر به ثم نهي عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهي عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ

منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخرُ رابعٌ لم يكذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلي الله عليه وآله، لم ينسه، بل حفظ ما سمع علي وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبي صلي الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ[وخاص وعام]ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول الله صلي الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلامٌ عام وكلامٌ خاص، مثل القرآن، وقال الله عز وجل في كتابه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

فيشتبه علي من لم يعرف ولم يدر ما عني الله به ورسوله صلي الله عليه وآله. وليس كل أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ فيفهم! وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتي أن كانوا ليحبون أن يجيئ الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله صلي الله عليه وآله حتي يسمعوا.

وقد كنت أدخل علي رسول الله صلي الله عليه وآله كل يوم دخلةً وكل ليلة دخلةً فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلي الله عليه وآله أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه، فلا يبقي عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة، ولا أحدٌ من بنيَّ، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت عنه

وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آيةً من كتاب الله ولا علماً أملاه علي وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل علي أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً، ثم وضع يده علي صدري ودعا الله لي أن يملا قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟

فقال: لا، لست أتخوف عليك النسيان والجهل. وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟

قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي.

فقال: الأوصياء مني إلي أن يردوا علي الحوض، كلهم هاد مهتد لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمتي وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم، وبهم استجاب دعاءهم.

فقلت: يا رسول الله سمهم لي فقال: ابني هذا، ووضع يده علي رأس الحسن، ثم ابني هذا ووضع يده علي رأس الحسين، ثم ابنٌ له يقال له علي، وسيولد في حياتك فاقرأه مني السلام، ثم تكملة اثني عشر من ولد محمد.

فقلت له: بأبي أنت وأمي فسمهم لي، فسماهم رجلاً رجلاً فيهم والله يا أخا بني هلال مهدي

أمة محمد صلي الله عليه وآله الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والله إني لاعرف من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم!! انتهي.

ويوجد قسم منه في نهج البلاغة-شرح صبحي الصالح، خطبة 210، وشرح محمد عبده:/214. وروي ابن الجوزي قسماً منه في تذكرة الخواص /143، مرسلاً عن كميل بن زياد. ورواه النعماني/75، والطبري الشيعي في المسترشد /29، والصدوق في كمال الدين: 1 /284، والخصال: 1 /255، والحراني في تحف العقول/193، والطبرسي في الاحتجاج: 1 /264، وابن ميثم البحراني في شرح النهج: 4 /19، والعاملي في إثبات الهداة:1 /664، والمجلسي في البحار: 2 /228، و: 36/273 و 276، و: 9/98

اهل البيت و شيعتهم علي الحوض

في مقاتل الطالبيين/ 43

حدثني محمد بن الحسين الأشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت، عن سفيان بن أبي ليلي، وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدثنا محمد بن عمرويه قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن أبي ليلي دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وأكثر اللفظ لابي عبيدة قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت:

السلام عليك يا مذل المؤمنين!

فقال عليك السلام يا سفيان، إنزل.

فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه، فقال: كيف قلت ياسفيان؟

فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين.

فقال: ما جر هذا منك إلينا؟

فقلت: أنت والله-بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر إلي اللعين بن اللعين بن آكلة

الاكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك، وقد جمع الله لك أمر الناس.

فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً يقول سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتي يجتمع أمر هذه الأمة علي رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه ولا يموت حتي لا يكون له في السماء عاذرٌ ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.

ثم أذن المؤذن فقمنا علي حالب يحلب ناقة، فتناول الاناء فشرب قائماً ثم سقاني، فخرجنا نمشي إلي المسجد، فقال لي: ما جاءنا بك ياسفيان؟

قلت: حبكم والذي بعث محمداً بالهدي ودين الحق.

قال: فأبشر يا سفيان فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله

يقول: يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين، يعني السبابتين، ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطي، إحداهما تفضل علي الأخري.

أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر، حتي يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلي الله عليه وآله.

هذا لفظ أبي عبيد وقال (وفي حديث محمد بن الحسين وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفاً، عن الحسن غير مرفوع إلي النبي صلي الله عليه وآله، إلا في ذكر معاوية فقط).

ورواه ابن طاووس في الملاحم والفتن/109، ملخصاً عن الفتن للسليلي...

ورواه ابن أبي الحديد: 16 /44، عن أبي الفرج بسنديه بتقديم وتأخير، وفي سنده محمد بن أحمد بن عبيد بدل محمد بن أحمد أبو عبيد. والبصري بدل المصري. وابن عمرو بدل محمد بن عمرويه، والأشنانداني بدل الأشناني.

ورواه في البحار: 44 /59، وفي

العوالم: 16 /178، عن ابن أبي الحديد بسنديه.

شعر حوض الكوثر في مصادر الحديث والأدب

تعتبر مجموعة شعر الكوثر التي نقلتها مصادر الحديث والادب، من الأدلة العلمية المهمة علي صحة أحاديث أن الساقي علي الحوض والذائد عنه هو علي عليه السلام. وأول شعر نقله الرواة من ذلك رجز أمير المؤمنين في حرب صفين:

ففي مناقب آل أبي طالب: 1/219

أنه عليه السلام عندما دعي إلي المبارزة في صفين قال مرتجزاً:

أنا عليٌّ صاحب الصمصامه وصاحب الحوض لدي القيامة

أخو نبي الله ذي العلامة قد قال إذ عممني العمامة

أنت أخي ومعدن الكرامه ومن له من بعدي الإمامه. انتهي.

كما روت كتب التاريخ والحديث والعقائد أبياتاً للامام الحسين عليه السلام، جاءت ضمن خطبته التاريخة في كربلاء، ذكر فيها الحوض.. كما في الإحتجاج: 2 /26 وتفسير نور الثقلين: 3/565، وغيرهما، منها:

أنا ابن أباة الضيم من آل هاشم كفاني بهذا مفخراً حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مشي ونحن سراج الله في الخلق نزهر

ونحن أمان الله للناس كلهم نطول بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الحشر أكرم شيعة ومبغضنا ي_وم القيام،ة يخسر

وفي بشارة المصطفي/112

أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحسيني الجرجاني القاضي، قدم علينا من بغداد، قال: حدثني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عباس الجوهري قال، حدثنا أحمد بن زياد الهمداني قال: رأيت صبياً صغيراً يكون سباعياً أو ثمانياً بالمدينة، علي ساكنها أفضل السلام، ينشد:

لنحن علي الحوض ذواده نذود وتسع_د وراده

وما فاز من فاز إلا بنا وما خاب من حبنا زاده

ومن سرنا نال منا السرور ومن

ساءنا ساء ميلاده

ومن كان ظالمنا حقنا فإن القيام_ة ميع_اده

فقلت يا فتي لمن هذه الأبيات؟

فقال: لمنشدها.

فقلت: من الفتي؟

فقال علويٌّ فاطميٌّ، إيهاً عنك. انتهي.

ونسب في رشفة الصادي/192، هذه الأبيات إلي الإمام محمد الباقر عليه السلام.

وقد ترجم الأميني في الغدير: 2، لعدد من شعراء الغدير الذين ذكروا الحوض، نذكر بعضهم:

فمن أقدمهم سفيان بن مصعب العبدي الكوفي:

وهو من شعراء أهل البيت عليهم السلام في القرن الثاني، وقد مدحه الإمام الصادق عليه السلام واستنشده شعره في رثاء الإمام الحسين عليه السلام.. قال العبدي من قصيدة طويلة:

هل في سؤالك رسم المنزل الخرب برءٌ لقلبك من داء الهوي الوصب

أم حره يوم وشك البين يبرده ما استحدثته النوي من دمعك السرب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت له المدامع من ماء ومن عشب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما حجبن من قضب عنا ومن كثب

لاشرق_ن بدمع_ي إن ن_أت به_م دارٌ ولم أقض ما في النفس من إرب

ما هز عطفي من شوق إلي وطني ولا اعتراني من وجد ومن طرب

مثل اشتياقي من بعد ومنتزح الي الغري وما فيه من الحسب

يا راكباً جسرةً تطوي مناسمها ملاءة البيد بالتقري_ب والجن_ب

تثني الري_اح إذا م_رت بغايته_ا حسري الطلائح بالغيطان والخ_رب

بلغ سلامي قبراً بالغري ح_وي أوفي البرية من عجم ومن ع_رب

يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره ذود النواصب عن سلساله العذب

قارعت منهم كماة في ه_واك بما جردت من خاطر أو مقول ذرب

حتي لقد وسمت كلما جباهم خواطري بمضاء الشعر والخطب

وقال أيضاً في مدح علي عليه السلام:

أنت عين الاله والجنب من فرط فيه يصلي لظي مذموم

أنت فلك

النجاة فينا وما زلت صراطاً إلي الهدي مستقيم

وعليك الورود تسقي من الحو ض ومن شئت ينثني محروم

وإليك الجواز تدخل من شئت جناناً ومن تشاء جحيم

وقال الأميني في الغدير: 2/296

في مقتضب الاثر عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده، عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالي ذكره:

وعلي الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم؟

قال: هم الأوصياء من آل محمد الإثني عشر، لايعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه.

قال: فما الأعراف جعلت فداك؟

قال: كثائب من مسك، عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلاً بسيماهم.

فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئاً؟

فقال من قصيدة:

أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مربع وهل لليال كن لي فيك مرجع

ومنها:

وأنتم ولاة الحشر والنشر والجزا وأنتم ليوم المفزع الهول مف_زع

وأنتم علي الاعراف وهي كثائب من المسك رياها بكم يتض_وع

ثماني_ة بالع_رش إذ يحملون_ه ومن بعدهم في الأرض هادون أربع

وروي أبو الفرج في الاغاني 7/22، عن أبي داود المسترق سليمان بن سفيان: أن السيد والعبدي اجتمعا فأنشد السيد:

إني أدين بما دان الوصي به يوم الخريبة من قتل المحلين

وبالذي دان يوم النهروان به وشاركت كفه كفي بصفين

فقال له العبدي: أخطأت، لو شاركت كفك كفه كنت مثله، ولكن قل: تابعت كفه كفي، لتكون تابعاً لا شريكاً.

فكان السيد بعد ذلك يقول: أنا أشعر الناس إلا العبدي.

ومن شعراء الكوثر السيد الحميري، المتوفي 173:

وهو اسماعيل بن محمد بن

يزيد بن وداع الحميري، الملقب بالسيد.

قال عنه المرزباني: لم يسمع أن أحداً عمل شعراً جيداً وأكثر غير السيد.

وروي عن عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال: جمعت للسيد ألفي قصيدة وظننت أنه ما بقي علي شئ، فكنت لا أزال أري من ينشدني ما ليس عندي، فكتبت حتي ضجرت، ثم تركت.

وقال: سئل أبو عبيدة من أشعر المولدين؟ قال: السيد وبشار.

ونقل عن الحسين بن الضحاك أنه قال: ذاكرني مروان بن أبي حفصة أمر السيد بعد موته، وأنا أحفظ الناس بشعر بشار والسيد، فأنشدته قصيدته المذهبة التي أولها:

أين التطرب بالولاء وبالهوي أالي الكواذب من بروق الخلب؟!

أالي أمية أم إلي شيع التي جاءت علي الجمل الخدب الشوقب

حتي أتي علي آخرها، فقال لي مروان:

ما سمعت قط شعرا أكثر معاني وألخص منه، وعدد ما فيه من الفصاحة. وكان يقول لكل بيت منها: سبحان الله، ما أعجب هذا الكلام!

وروي عن التوزي أنه قال: لو أن شعراً يستحق أن لاينشد إلا في المساجد لحسنه لكان هذا، ولو خطب به خاطب علي المنبر في يوم الجمعة لاتي حسناً، ولحاز أجراً.

ووقف السيد علي بشار وهو ينشد الشعر فأقبل عليه وقال:

أيها المادح العباد ليعطي إن لله ما بأي_دي العب_اد

فأسأل الله ما طلبت إليهم وارج نفع المنزل العواد

لا تقل في الجواد ما ليس فيه وتسمي البخيل باسم الجواد

قال بشار: من هذا؟ فعرفه.

ولعل أشهر قصائد السيد الحميري علي الإطلاق، التي مطلعها:

لام عمرو باللوي مربع طامس_ةٌ أعلامه_ا بلق__ع

تروع عنها الطير وحشية والوحش من خيفته تفزع

ومنها:

غدا يلاقي المصطفي حيدرٌ وراي_ة الحم_د ل_ه ترف_ع

مولي له الجنة مأمورةٌ والن_ار م_ن إجلال_ه تف_زع

إمام

ص_دق ول_ه شيع_ةٌ يرووا من الحوض ولم يمنعو

يذب عنه ابن أبي طالب ذَبَّك جَ_رْبي إب_لٍ تش_رع

إذا دنوا منه لكي يشربوا قيل لهم تباً لكم فارجعو

هذا لمن والي بني أحمد ول_م يك_ن غيره_م يتب_ع

بذاك جاء الوحي من ربنا يا شيعة الحق فلا تجزعو

وله أيضاً:

ولقد عجبت لقائل لي مرة علامة فهم من الفقهاء

سماك قومك سيداً صدقوا به أنت الموفق سيد الشع_راء

ما أنت حين تخص آل محمد بالمدح منك وشاعر بس_واء

مدح الملوك ذوي الغني لعطائهم والمدح منك لهم بغير عطاء

فابشر فإنك فايزٌ في حبهم لو قد وردت عليهم بجزاء

ما يع_دل الدنيا جميعاً كله_ا من حوض أحمد شربة من ماء

وله أيضاً:

أؤمل في حبه شربةً من الحوض تجمع أمناً وري

إذا ما وردنا غداً حوضه فأدني السعيد وذاد الشقي

متي يدن مولاه منه يقل رد الحوض واشرب هنيئاً مري

وإن يدن منه عدو له يذده عل_ي مكان_اً قصي

وله أيضاً:

فإنك تلقاه لدي الحوض قائماً مع المصطفي بالجسر جسر جهنم

يجيران من والاهما في حياته الي الروح والظل الظليل المكرم

وله قصيدة مطلعها:

هلا وقفت علي المكان المعشب بين الطويلع فاللوي من كبكب

ومنها:

إنا ندين بحب آل محمد ديناً ومن يحببه_م يستوج_ب

منا المودة والولاء ومن يرد ب_دلا بآل محم_د لا يحب_ب

ومتي يمت يرد الجحيم ولا يرد حوض الرسول وإن يرده يضرب

ضرب المحاذر أن تعر ركابه بالسوط سالفة البعير الأجرب

وله القصيدة المذهبة، ومنها:

لمن طللٌ كالوشم لم يتكلم ونؤيٌ وآثار كترقيش معجم؟

ألا أيها العاني الذي ليس في الأذي ولا اللوم عندي في علي بمحجم

ستأتيك مني في علي مقالة تسوؤك فاستأخر لها

أو تقدم

علي له عندي علي من يعيبه من الناس نصر باليدين وبالفم

متي ما يرد عندي معاديه عيبه يجد ناصراً من دونه غير مفحم

علي أحب الناس إلا محمداً إليَّ فدعني من ملامك أولم

علي وصي المصطفي وابن عمه وأول من صلي ووحد فاعلم

علي هو الهادي الإمام الذي به أنار لنا من ديننا كل مظلم

علي ولي الحوض والذائد الذي يذبب عن أرجاءه كل مجرم

علي قسيم النار من قوله لها: ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي

خذي بالشوي ممن يصيبك منهم ولا تقربي من كان حزبي فتظلمي

علي غداً يدعا فيكسوه ربه ويدنيه حقاً من رفيق مكرم

فإن كنت منه يوم يدنيه راغماً وتبدي الرضا عنه من الان فارغم

فإنك تلقاه لدي الحوض قائماً مع المصطفي الهادي النبي المعظم

يجيزان من والاهما في حياته الي الروح والظل الضليل المكمم

علي أمير المؤمنين وحقه من الله مفروض علي كل مسلم

لان رسول الله أوصي بحقه وأشركه في كل فئٍ ومغنم

وله أيضاً في تفسير قوله تعالي (وأنذر عشيرتك الاقربين):

بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين

بأبي أنت وأمي وبرهطي أجمعين

وبأهلي وبمالي وبناتي والبنين

وفدتك النفس مني يا إمام المتقين

وأمين الله والوا رث علم الأولين

ووصي المصطفي أحمد خير المرسلين

وولي الحوض والذا ئد عنه المحدثين

أنت أولي الناس بالنا س وخير الناس دين

كنت في الدنيا أخاه يوم يدعو الاقربين

ليجيبوه إلي الل_ _ه فكانوا أربعين

بين عم وابن عم حوله كانوا عرين

فورثت العلم منه والكتاب المستبين

طبت كهلاً وغلاماً ورضيعاً وجنين

ولدي الميثاق طيناً يوم كان الخلق طين

كنت مأموناً وجيهاً عند ذي العرش مكين

في حجاب النور حياً

طيباً للطاهرين

ومن شعراء الكوثر الصاحب بن عباد، وله:

قالت فمن بعده تُصفي الولاء له قلت الوصي الذي أربي علي رجل

قالت فمن ذا غداً باب المدينة قل فقلت من سألوه وهو لم يسل

قالت فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا فقلت تفسيره في وقعة الجمل

قال فمن حارب الارجاس إذ قسطوا فقلت صفين تبدي صفحة العمل

قالت فمن قارع الانجاس إذ مرقوا فقلت معناه يوم النهروان جلي

قالت فمن صاحب الحوض الشريف غدا فقلت من بيته في أشرف الحلل

قالت فمن ذا لواء الحمد يحمله فقلت من لم يكن في الروع بالوجل

قالت أكل الذي قد قلت في رجل فقلت كل الذي قد قلت في رجل

قالت فمن هو هذا الفرد سم لنا فقلت ذاك أمير المؤمنين علي

ومنهم الملك الصالح طلائع بن رزيك، وله:

أنا من شيعة الإمام علي حرب أعدائه وسلم الولي

أنا من شيعة الإمام الذي ما مال في عمره لفعل دني

أنا عبد لصاحب الحوض ساقي من توالي فيه بكأس روي

أنا عبد لمن أبان لنا المشكل فارتاض كل صعب أبي

والذي كبَّرت ملائكة الله له عند صرعة العامري

الإمام الذي تخيره الله بلا مرية أخاً للنبي

قسماً ما وقاه بالنفس لما بات في الفرش عنه غير علي

ولعمري إذ حل في يوم خم لم يكن موصياً لغير الوصي

ومنهم سعيد بن أحمد النيلي المؤدب، قال كما في الغدير: 4/ 395:

دع يا سعيد هواك واستمسك بمن تسعد بهم وتزاح من آثامه

بمحمد وبحيدر وبفاطم وبولدهم عقد الولا بتمامه

قوم يسر وليهم في بعثه ويعض ظالمهم علي إبهامه

ونري ولي وليهم وكتابه بيمينه والنور من قدامه

يسقيه من حوض النبي محمد

كأساً بها يشفي غليل أوامه

بيدي أمير المؤمنين وحسب من يسقي به كأساً بكف إمامه

ذاك الذي لولاه ما اتضحت لنا سبل الهدي في غوره وشامه

عبد الاله وغيره من جهله ما زال معتكفاً علي أصنامه

ما آصفٌ يوماً وشمعون الصفا مع يوشع في العلم مثل غلامه

ومنهم ابن العرندس الحلي:

ذكره في في الغدير: 7/14، ومن شعره:

طوايا نظامي في الزمان لها نشر يعطرها من طيب ذكراكم نشر

قصائد ما خابت لهن مقاصدٌ بواطنها حمد ظواهرها شكر

مطالعها تحكي النجوم طوالعاً فأخلاقها زهرٌ وأنوارها زهر

عرائس تجلي حين تجلي قلوبنا أكاليلها در وتيجانها تبر

حسان لها حسان بالفضل شاهد علي وجهها تبر يزان بها التبر

فيا ساكني أرض الطفوف عليكم سلام محب ما له عنكم صبر

نشرت دواوين الثنا بعد طيها وفي كل طرس من مديحي لكم سطر

فطابق شعري فيكم دمع ناظري فمبيض ذا نظم ومحمر ذا نثر

وقفت علي الدارالتي كنتم بها فمغناكم من بعد معناكم فقر

وقد درست منها الدروس وطالما بهادرس العلم الإلهي والذكر

وسالت عليها من دموعي سحائب الي أن تروي البان بالدمع والسدر

فراق فراق الروح لي بعد بعدكم ودار برسم الدار في خاطري الفكر

وقد أقلعت عنها السحاب ولم يجد ولا در من بعد الحسين لها در

إمام الهدي سبط النبوة والد الأئمة رب النهي مولي له الأمر

إمام أبوه المرتضي علم الهدي وصي رسول الله والصنو والصهر

وفيه رسول الله قال وقوله صحيحٌ صريح ليس في ذلك نكر

حُبي بثلاث ما أفاد بمثلها وليٌّ فمن زيد هناك ومن عمرو

له تربةٌ فيها الشفاء وقبةٌ يجاب بها الداعي إذا مسه الضر

وذريةٌ درية منه تسعةٌ أئمة حق

لا ثمان ولا عشر

أيقتل ظمآنآ حسينٌ بكربلا وفي كل عضو من أنامله بحر

ووالده الساقي علي الحوض في غد وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فيالك مقتولاً بكته السما دماً فمغبر وجه الأرض بالدم محمر

ملابسه في الحرب حمرٌ من الدما وهن غداة الحشر من سندس خضر

ولهفي لزين العابدين وقد سري أسيراً عليلاً لا يفك له أسر

وآل رسول الله تسبي نسائهم ومن حولهن الستر يهتك والخدر

سبايا بأكوار المطايا حواسراً يلا حظهن العبد في الناس والحر

فويلُ يزيد من عذاب جهنم إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطهر

تنادي وأبصار الانام شواخصٌ وفي كل قلب من مهابتها ذعر

وتشكو إلي الله العلي وصوتها علي ومولانا علي لها ظهر

فلا ينطق الطاغي يزيد بما جني وأني له عذر ومن شأنه الغدر

وفي مناقب آل ابي طالب: 3/28

وقال ابن الحجاج:

أنا مولي لمن لواء الحمد علي عاتقه يوم النشور.

إلي آخر ما رووه من شعر حوض الكوثر، وهو يؤكد أن أحاديث النبي صلي الله عليه وآله في أن علياً هو آمر السقاية عليه كانت من خصائصه المعروفة.

علي قسيم الله بين الجنة والنار

قال القاضي عياض في الشفا: 1/294

(وأخبر النبي)... وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم، وقتل علي، وأن أشقاها الذي يخضب هذه من هذه، أي لحيته من رأسه، وأنه قسيم النار، يدخل أولياؤه الجنة، وأعداءه النار...

وقال الكنجي الشافعي في كفاية الطالب/72

فإن قيل: هذا سندٌ ضعيف:

قلت: قال محمد بن منصور الطوسي: كنا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل:

ما تقول في هذا الحديث الذي يروي أن علياً قال: أنا قسيم النار؟

فقال أحمد: وما تنكرون من هذا الحديث؟! أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي:

لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟

قلنا: بلي.

قال: فأين المنافق؟

قلنا: في النار.

قال: فعلي قسيم النار!!

ونقل هذه الحكاية عن أحمد، في إحقاق الحق: 17/209، عن مجمع الاداب للبخاري الفوطي: 3 ق/1/594 ط. بغداد.

ونقلها في: 30/402، عن مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة، للصفوري/167 ط. دار ابن كثير، دمشق وبيروت، تحقيق محمد خير المقداد ونقلها في: 4/259، عن طبقات الحنابلة لابي يعلي: 1/320 طبع القاهرة.

وروي الحديث في صحيفة الإمام الرضا/115، من عدة مصادر، بعدة أسانيد، عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه، عن النبي صلي الله عليه وآله قا: يا علي إنك قسيم النار والجنة، وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بلا حساب.

وقال في هامشه:

أخرجه محب الدين الطبري في الرياض النضرة: 2/160 وص 211. وذخائر العقبي: 61.

وابن المغازلي في المناقب: 7 6 ح 97، عنه ابن طاووس في الطرائف: 76 ح 100. وعنه البحار: 39/209 ح 31.

وأخرجه القندوزي في ينابيع المودة: 84 من طريق ابن المغازلي، عن ابن مسعود وفيه: وتدخلها أحباءك. وفي/303 وص 257 عن علي.

ورواه الخوارزمي في مناقبه: 209.

والحمويني في فرائد السمطين: 1/142 ح 105

وقال في إحقاق الحق: 7/172

حديث حذيفة رواه القوم: منهم العلامة الأمر تسري في أرجح المطالب/32 ط. لاهور، روي من طريق الديلمي وابن المغازلي والقاضي عياض عن حذيفة قال: قال رسول الله عليه صلي الله عليه وآله: يا علي أنت قسيم النار والجنة، وأنت تقرع باب الجنة وتدخلها أحباءك بغير حساب.

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر/126

عن علي الرضا أنه (ص) قال له: أنت قسيم الجنة والنار في يوم القيامة، تقول النار: هذا لي وهذا لك..

وفي فردوس الأخبار: 3/90، عن حذيفة: علي قسيم النار.

وفي بغية الطلب لابن العديم: 1/289

قال الأعمش: وإنما يعني بقوله أنا قسيم النار: أن من كان معي فهو علي الحق.

ورواه في إحقاق الحق: 20/251، عن مخطوطة كتاب (آل محمد) لحسام الدين المردي الحنفي صفحة 32، عن أبي سعيد الخدري.

وأورد في إحقاق الحق: 4/259، و: 30/402، أسماء عدد من المؤلفين السنيين الذين رووا الحديث أو ذكروه في مؤلفاتهم، منهم:

أحمد بن أبي عبيد العبدي الهروي في كتابه الغريبين/307 في مادة القاف مع السين مخطوط.

وابن المغازلي في كتابه مناقب أمير المؤمنين-مخطوط، قال: قال قال رسول الله (ص)لعلي عليه السلام: إنك قسيم الجنة والنار، وأنت تقرع باب الجنة وتدخلها بغير حساب.

والخوارزمي في المناقب/234 ط. تبريز.

وأبو يعلي الحنبلي في طبقات الحنابلة: 1/320 ط. القاهرة، ذكر حكاية أحمد المتقدمة.

وابن الأثير في نهاية اللغة: 3/284، قال: في حديث علي: أنا قسيم النار.

والحمويني في فرائد السمطين، قال:

أخبرنا الشيخ شرف الدين احمد بن عبد الله بن احمد بن محمد بن الحسن بن عساكر سماعاً عليه قال: أخبرتنا زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمان الشعري الجرجاني إجازة، أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، نبأ أبي أحمد بن عامر بن سليمان، نبأ أبوالحسن علي بن موسي الرضا، حدثني أبي موسي بن جعفر بن محمد، حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال النبي (ص): يا علي إنك قسيم النار، وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بغير حساب.

وقال: أنبأني أبو الفضل بن أبي العباس مودود بن محمود عبد الله بن محمود الحنفي رحمه الله قال أنا أبو جعفر عمر بن محمد بن معمر بن

طرزة الدارمي قال: أنا أبو القاسم بن أبي عبد الرحمان بن أبي نصر المستملي الشحامي إجازة قال: أنبأ أبو بكر بن الحسين الحافظ قال: أنا أبو الحسين بن الفضل القطامي قال: أنا عبد الله بن جعفر قال: ثنا يعقوب: قال حدثني يحيي بن عبد الحميد قال: ثنا علي بن معمر عن موسي بن طريف، عن عباية، عن علي قال: أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة قلت هذا لك وهذا لي.

وابن كثير في البداية والنهاية/355: 7 ط. مصر، قال: لفظ عبد الله بن أحمد يعقوب بن سفيان: ثنا يحيي بن عبدالحميد، ثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن موسي بن طريف، عن عباية، عن علي قال: أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة، قلت هذا لك، وهذا لي.

والعسقلاني في لسان الميزان: 3/247 و 248 ط. حيدر آباد الدكن، و: 6 ص113

والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال (المطبوع بهامش المسند: 5/52 ط القديم بمصر) قال: عن علي قال: أنا قسيم النار.

والصديقي في مجمع بحار الأنوار (3/144 ط نول كشور) قال: وفي الحديث: عليٌّ قسيم النار.

والكشفي الترمذي في المناقب المرتضوية/91 ط. بمبئي، عن سنن الدارقطني والصواعق المحرقة لابن حجر المكي.

والمناوي في كنوز الحقايق/98، ط. بولاق بمصر، قال: قال رسول الله (ص): علي قسيم النار.

والبدخشي في مفتاح النجا/46 مخطوط، قال: وأخرج الدارقطني عن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله (ص): يا علي أنت قسيم النار يوم القيامة.

والزبيدي في تاج العروس: 2/25 ط. القاهرة، ذكر قول علي (رض): أنا قسيم النار.

والقندوزي في ينابيع المودة/84 ط إسلامبول، قال:

وفي جواهر العقدين: قد أخرج الدارقطني، عن أبي الطفيل عامر بن

وائلة الكناني أن علياً قال حديثاً طويلاً في الشوري، وفيه أنه قال لأهل الشوري: فأنشدكم بالله هل فيكم أحدٌ قال له رسول الله صلي الله عليه وآله: أنت قسيم النار والجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا.

وفي صفحة 85:

وفي المناقب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وفيه (يا علي لو أن رجلاً أحبك وأولادك في الله، لحشره الله معك ومع أولادك. وأنتم معي في الدرجات العلي، وأنت قسيم الجنة والنار، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار.

والصفوري، في مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة/167 ط. دار ابن كثير، دمشق وبيروت.

والعدوي الحمراوي في مشارق الأنوار/122 ط. مصر، عن جواهر العقدين أن المأمون قال لعلي الرضا... انتهي.

وقال في هامش مناقب أمير المؤمنين (ع): 2/527

وروي ابن قتيبة في آخر غريب كلام أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب غريب الحديث: 2/150، ط 1، قال: وقول علي: أنا قسيم النار، يرويه عبد الله بن داود، عن الأعمش، عن موسي بن طريف.

قال ابن قتيبة: أراد علي أن الناس فريقان: فريق معي فهم علي هدي، وفريق عليَّ فهم علي ضلال كالخوارج. فأنا قسيم النار، معناه: نصف الناس في الجنة معي، ونصف في النار. وقسيم: في معني مقاسم مثل جليس وأكيل وشريب.

وليلاحظ مادة قسم من الغريبين والنهاية والفائق ولسان العرب.

وروي المرشد بالله يحيي بن الحسن الشجري في فضائل علي عليه السلام كمافي ترتيب أماليه/134، ط. مصر، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد الواعظ المقرئ المعروف بابن العلاء بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن ميثم قال: أخبرنا أبو أحمد القاسم بن جعفر بن محمد بن عبدالله بن محمد بن

عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عبدالله، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه: الحسين بن علي(عليهما السلام) قال: قال لي أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا قسيم النار. فقال عمار بن ياسر: إنما عني بذلك أن كل من معي فهو علي الحق، وكل من مع معاوية علي الباطل ضالاً مضلاً...

ثم قال المرشد بالله يحيي بن الحسين الشجري: أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ ابن الكوفي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد الكناني المقرئ قال: حدثنا أبوالحسين عمر بن الحسن القاضي الأشناني قال: حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال: حدثني محمد بن منصور الطوسي قال: كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبدالله ما تقول في هذا الحديث الذي يروي أن علياً عليه السلام قال: أنا قسيم النار؟

فقال أحمد: وما تنكر من ذا؟! أليس روينا أن النبي صلي الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: لا يحبك إلا مؤمن ولا ببغضك إلا منافق؟!... وانظر الحكاية 7 و 9 من خاتمة أربعين منتجب الدين. وهذا رواه أيضاً ابن القاضي أبي يعلي الحنفي في كتاب طبقات الحنابلة: 1،/320. وقريباً منه رواه أيضاً ابن عساكر في الحديث: 775 من ترجمة علي من تاريخ دمشق: 2/253 ط 2، وفيما قبله وما بعده شواهد جمة للمقام.

ونقل في إحقاق الحق: 20/251

عن كتاب (آل محمد) لحسام الدين المردي الحنفي صفحة 32، والنسخة مصورة من مكتبة العلامة المحقق السيد الأشكوري، قال:

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول

الله (ص):إذا سألتم الله عز وجل فاسألوه لي الوسيلة، فسئل عنها فقال: درجة في الجنة، وهي ألف مرقاة ما بين المرقاء إلي المرقاة يسير الفرس الجواد شهراً، مرقاة زبرجد إلي مرقاة لؤلؤ، إلي مرقاة يلنجوج، إلي مرقاة نور، وهكذا من أنواع الجواهر، فهي في بين النبيين كالقمر بين الكواكب، فينادي المنادي: هذه درجة محمد خاتم الأنبياء، وأنا يومئذ متزي بريطة من نور علي رأسي تاج الرسالة واكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي وبيده لوائي وهو لواء الحمد مكتوب عليه لا اله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، وأولياء علي المفحلون الفائزون بالله.

حتي أصعد أعلي منها وعلي أسفل مني بدرجة وبيده لوائي، فلا يبقي يومئذ رسول ونبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن، إلا رفعوا أعينهم ينظرون الينا ويقولون: طوبي لهذين العبدين ما أكرمهما علي الله، فينادي المنادي يسمع نداءه جميع جميع الخلائق: هذا حبيب الله محمد، وهذا ولي الله علي.

فيأتي رضوان خازن الجنة فيقول: أمرني ربي أن آتيك بمفاتيح الجنة فأدفعها إليك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعها إلي أخي علي.

ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: أمرني ربي ان آتيك بمقاليد النار فأدفعهما اليك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعهما إلي أخي علي.

فيقف علي علي غمرة جنهم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها واشتد حرها، فتنادي جهنم: يا علي ذرني فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي: ذري هذا وليي، وخذي هذا عدوي، فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من رق أحدكم لصاحبه، ولذلك كان علي قسيم النار والجنة. انتهي.

وقد قوي ابن أبي الحديد المعتزلي حديث قسيم الجنة والنار في شرح نهج البلاغة:10 جزء 19/139،

وفي: 5 جزء 9/165: وقال (وهو ما يطابق الأخبار).

وأخيراً: فإن مما يؤيد صحة حديث (علي قسيم النار والجنة) أن مخالفيه وضعوا حديثاً بأن أبا بكر قسيم الجنة والنار، وقد شهد محبو أبي بكر بأنه موضوع، فلابد أن يكون الدافع لوضعه أن يقابلوا به حديثاً معروفاً يحتج به الشيعة..

قال ابن حبان في المجروحين: 1/145

أحمد بن الحسن بن القاسم شيخ كوفي: يضع الحديث علي الثقات.. روي عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة نادي مناد من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد (ص) فيؤتي بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (رض) قال فيقال لأبي بكر: قف علي باب الجنه فأدخل من شئت برحمة الله، وادرأ من شئت بعلم الله.. إلخ.

ثم قال ابن حبان: الحديث موضوع لا أصل له. انتهي.

حديث: قسيم النار والجنة، في مصادرن

التعبير الأصلي في مصادرنا عن هذه الصفة لعلي عليه السلام أنه (قسيم الله بين الجنة والنار)، وقد ورد هذا التعبير في الكافي 1/196، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم... الخ.

وفي الكافي: 1/98

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا قسيم الله بن الجنة والنار، لا يدخلها داخلٌ إلا علي حد قسمي، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي، والمؤدي عمن كان قبلي، لا يتقدمني أحدٌ إلا أحمد صلي الله عليه وآله. انتهي.

ونحوه في علل الشرائع: 1/164، وفي بصائر الدرجات/414

وقد جعله الصدوق عنواناً في علل الشرائع: 1/161، فقال:

قسيم الله بين الجنة والنار:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيي بن زكريا أبو العباس القطان قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا عبد الله بن داهر قال: حدثنا أبي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال:

قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق: لم صار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار؟

قال: لأن حبه إيمان وبغضه كفر، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان، وخلقت النار لأهل الكفر، فهو عليه السلام قسيم الجنة والنار، لهذه العلة فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته، والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه.

قال المفضل: فقلت يابن رسول الله فالأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) كانوا يحبونه وأعداؤهم كانوا يبغضونه؟

قال: نعم.

قلت: فكيف ذلك؟

قال: أما علمت أن النبي صلي الله عليه وآله قال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ما يرجع حتي يفتح الله علي يديه، فدفع الراية إلي علي ففتح الله تعالي علي يديه.

قلت: بلي.

قال: أما علمت أن رسول الله صلي الله عليه وآله لما أتي بالطائر المشوي قال: اللهم إئتني بأحب خلقك اليك وإليَّ، يأكل معي من هذاالطائر، وعني به علياً؟

قلت: بلي.

قال: فهل يجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم(عليهم السلام) رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله.

فقلت له: لا.

قال: فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لايحبون حبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه (عليهم السلام)؟

قلت: لا.

قال: فقد ثبت أن أعدائهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبتهم مبغضين.

قلت: نعم.

قال: فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين، ولا يدخل النار إلا من أبغضه من الأولين

والآخرين، فهو إذن قسيم الجنة والنار.

قال المفضل بن عمر: فقلت له يابن رسول الله فرجت عني فرج الله عنك، فزدني مما علمك الله.

قال: سل يا مفضل.

فقلت له: يابن رسول الله فعلي بن أبي طالب عليه السلام يدخل محبه الجنةومبغضه النار؟ أو رضوان ومالك؟

فقال: يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالي بعث رسول صلي الله عليه وآله وهو روح إلي الأنبياء (عليهم السلام)، وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟

قال: أما علمت أنه دعاهم إلي توحيد الله وطاعته واتباع أمره، ووعدهم الجنة علي ذلك، وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟

قلت: بلي.

قال: أفليس النبي صلي الله عليه وآله ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل؟

قلت: بلي.

قال: أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام أمته؟

قلت: بلي.

قال: أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته؟

قلت: بلي.

قال: فعلي ابن أبي طالب إذن قسيم الجنة والنار عن رسول الله صلي الله عليه وآله، ورضوان ومالك صادران عن أمره، بأمر الله تبارك وتعالي.

يا مفضل خذ هذا، فإنه من مخزون العلم ومكنونه، لا تخرجه إلا إلي أهله.

وفي كفاية الأثر/151

أخبرنا القاضي المعافا بن زكريا، قال حدثنا علي بن عتبة، قال حدثني الحسين بن علوان، عن أبي علي الخراساني، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

أنت الوصي علي الأموات من أهل بيتي، والخليفة علي الأحياء من أمتي، حربك حربي وسلمك سلمي، أنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر من صلبك، أئمة مطهرون معصومون، ومنهم المهدي الذي يملا الدنيا قسطاً وعدلاً،

فالويل لمبغضكم.

يا علي لو أن رجلاً أحب في الله حجراً لحشره الله معه، وإن محبيك وشيعتك ومحبي أولادك الأئمة بعدك يحشرون معك، وأنت معي في الدرجات العلي، وأنت قسيم الجنة والنار، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار.

وفي مناقب آل أبي طالب: 2/9

قال الزمخشري في الفايق: معني قول علي أنا قسيم النار، أي مقاسمها ومساهمها يعني أن القوم علي شطرين مهتدون وضالون، فكأنه قاسم النار إياهم فشطر لها وشطر معه في الجنة.

ولقد صنف محمد بن سعيد كتاب: من روي في علي أنه قسيم النار.

وفي إحقاق الحق: 17/164

عن العدوي الحمراوي في مشارق الأنوار/122 ط. مصر، عن جواهر العقدين أن المأمون قال لعلي الرضا: بأي وجه جدك علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار؟

فقال: يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك، عن آبائه، عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله(ص)يقول: حب علي إيمان وبغضه كفر.

فقال: بلي.

قال الرضا: فقسمة الجنة والنار إذاً كان علي حبه وبغضه.

فقال المأمون: لا أبقاني بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنك وارث علم رسول الله (ص).

قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي: فلما رجع الرضا إلي بيته قلت له: يا بن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين.

فقال: يا أبا الصلت ما أجبته إلا من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن أبيه، عن علي (رض)، قال: قال لي رسول الله (ص): أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة، تقول للنار هذا لي، وهذا لك. انتهي.

وراجع أيضاً: بصائر الدرجات/414، والخصال/96، والاحتجاج: 1/189 و406، وإعلام الوري /187، ومناقب آل ابي طالب: 2/6، ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 2/ 462،

والأربعين حديثآ للمنتجب الرازي/87

حديث قسيم الجنة والنار في الشعر

في مناقب آل أبي طالب: 2/9

قال السيد (الحميري):

ذاك قسيم النار من قيله خذي عدوي وذري ناصري

ذاك علي بن أبي طالب صهر النبي المصطفي الطاهر

وله أيضاً:

علي قسيم النار من قيله ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي

خذي بالشوي ممن يصيبك منهم ولا تقربي من كان حزبي فتظلمي

وله أيضاً:

قسيم النار هذا لك وذا لي ذريه إنه لي ذو وداد

يقاسمها فينصفها فترضي مقاسمة المعادل غير عاد

كما انتقد الدراهم صيرفي ينقي الزايفات من الجياد

وقال العوني:

يسوق الظالمين إلي جحيم فويلٌ للظلوم الناصبي

يقول لها خذي هذا فهذا عدوي في البلاء علي الشقي

وخلي من يواليني فهذا رفيقي في الجنان وذا وليي

وقال غيره:

وإني لارجو ياإلهي سلامةً بعفوك من نار تلظي همومه

أبا حسن لو كان حبك مدخلي جهنم كان الفوز عندي جحيمه

وكيف يخاف النار من هو موقنٌ بأن أمير المؤمنين قسيمه

وقال الزاهي:

يا سيدي يابن أبي طالب يا عصمة المعتف والجار

لا تجعلن النار لي مسكناً يا قاسم الجنة والنار

وقال غيره:

علي حبه جنة قسيم النار والجنة

وصي المصطفي حقاً إمام الانس والجنة

وفي مناقب آل ابي طالب: 3/28

وقال الناشئ:

فما لابن أبي طالب المفضال من ند

هو الحامل في الحشر بكفيه لوا الحمد

قسيم النار والجنة بين الند والضد

وفي ديوان دعبل الخراعي/126

قسيم الجحيم فهذا له وهذا لها باعتدال القسيم

يذود عن الحوض أعداءه فكم من لعين طريد وكم

فمن ناكثين ومن قاسطين ومن مارقين ومن مجترم

علي أول الواردين علي النبي عند حوض الكوثر

وردت أحاديث تنص علي أن علياً عليه السلام أول وارد علي رسول الله علي حوضه يوم القيامة، وقد تعرض لها الأميني رحمه الله في

الغدير: 3/220، وما بعدها، ونكتفي بذكر نماذج منها، قال:

قال صلي الله عليه وآله: أولكم وارداً وروداً عليَّ الحوض: أولكم إسلاماً، علي بن أبي طالب. أخرجه الحاكم في المستدرك 3/136، وصححه، والخطيب البغدادي في تاريخه: 2/81، ويوجد في الإستيعاب 2/457، وشرح ابن أبي الحديد 3/258 وفي لفظ: أول هذه الأمة وروداً علي الحوض أولها إسلاماً علي بن أبي طالب 2 - السيرة الحلبية 1/285 - سيرة زيني دحلان 1/188، هامش الحلبية.

وفي لفظ: أول الناس وروداً عليَّ الحوض أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب - مناقب الفقيه ابن المغازلي، مناقب الخوارزمي. انتهي.

وفي مناقب أمير المؤمنين (ع): 1/280

محمد بن سليمان، عن محمد بن منصور، عن الحكم بن سليمان، عن أبي زكريا السمسار، عن محمد بن عبيد الله بن علي، عن أبيه عن جده، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أولكم وروداً علي الحوض أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب. انتهي.

ورواه في كنز العمال: 11/616، وقال عنه (ك. ولم يصححه، والخطيب-عن سليمان). انتهي.

وليس من عادة العمال عندما ينقل حديثاً أن يقول (رواه فلانٌ ولم يصححه) ولكنهم يستعملون هذا التعبير للتبرؤ من تبني الحديث.

وبذلك أراد صاحب كنز العمال أن يبعد عن نفسه تهمة التشيع! لأن هذا الحديث يجعل علياً أول من أسلم وليس أبا بكر! وأول من يرد المحشر والحوض، وليس عمر!

وفي مجمع الزوائد: 9/102

وعن سلمان قال أول هذه الأمة وروداً علي نبيها(ص)أولها اسلاماً علي بن أبي طالب (رض). رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وعن ابن عباس قال: أول من أسلم علي (رض). رواه الطبراني، وفيه عثمان الجزري ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وفي كنز

العمال: 11/601

السبَّق ثلاثة: فالسابق إلي موسي يوشع بن نون، والسابق إلي عيسي صاحب يس والسابق إلي محمد علي بن أبي طالب (طب، وابن مردويه، عن ابن عباس).

الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل يس، وعلي بن أبي طالب. (ابن النجار، عن ابن عباس).

وفي مجمع الزوائد: 9/102

عن ابن عباس عن النبي(ص)قال: السبَّق ثلاثة، السابق إلي موسي يوشع بن نون، والسابق إلي عيسي صاحب ياسين، والسابق إلي محمد(ص)علي بن أبي طالب (رض).

رواه الطبراني وفيه حسين بن حسن الاشقر، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح.

لا يعبر إنسان الصراط إلا بجواز من علي

في تاريخ بغداد: 10/357

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن علي الصراط لعقبة لا يجوزها أحدٌ إلا بجواز من علي بن أبي طالب.

وفي تاريخ بغداد: 3/161

وفي حديث ابن عباس قال: قلت للنبي (ص): يارسول الله للنار جواز؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: حب علي بن أبي طالب.

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر/195

عن أبي بكر بن أبي قحافة سمعت رسول الله(ص)يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز.

عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب علي

في تاريخ بغداد: 4/410

عن أنس قال: والله الذي لا إله إلا هو لسمعت رسول الله(ص)يقول: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.

وفي المعجم الكبير للطبراني: 11/83

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتي يسأل... وعن حبنا أهل البيت.

وفي الفضائل/114

وروي أنس بن مالك قال سمعت أذناي أن رسول الله (ص) يقول في علي بن أبي طالب عليه السلام: عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب علي.

من هو المخاطب بقوله تعالي: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد

قال الله تعالي:

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ أَلَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ. ق 20 - 29

والسؤال هنا: من هما المخاطبان بقوله تعالي (ألقيا) المأموران بإلقاء الكفارين العنيدين في جهنم؟

وقد أجاب أكثر المفسرين بأن المأمور بذلك هو القرين وهو واحدٌ!

لكن الأمر جاء بصيغة المثني للتأكيد!!!

قال الطبري في تفسيره: 27 /103 (فأخرج الأمر للقرين وهو بلفظ واحد مخرج الإثنين، وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون القرين بمعني الإثنين... والثاني أن يكون كما قال بعض أهل العربية وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الإثنين. انتهي.

وقال الراازي في تفسيره: 27/165

ثم يقال للسائق أو للشهيد: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ فيكون هو أمراً

لواحد، وفيه وجهان: أحدهما أنه ثني تكرار الأمر كما يقال ألق ألق، وثانيهما عادة العرب ذلك. انتهي.

وذكر شبيهاً به بعض مفسرينا، كما في التبيان: 9/366، وإملاء ما من به الرحمن: 2 /242!ولكن لا يمكن قبول هذا الرأي:

أولاً، لأنه يخالف مصداقية النص القرآني الدقيقة دائماً، خاصة أنه تعالي كرر التثنية فقال (فألقياه في العذاب الشديد). فما ذكره الطبري والرازي وغيرهما، مضافاً إلي تهافته، لا يمكن قبوله.

وثانياً: أن الظاهر من الآيات أن القرين ملقي في جهنم أيضاً، وأن تخاصمه مع صاحبه داخل جهنم، فكيف يكون مقرباً عند الله تعالي، ومأموراً بإلقاء الكفارين فيها؟!

فلم يبق وجه للتثنية إلا أن يكون المخاطبان هما السائق والشهيد.

ولكن يرد عليه: أن الالقاء في النار عملٌ آخر غير السوق للمحشر والشهادة في الحساب. وأن المشهد في الآيات لشخصين: شخص كفار عنيد مناع للخير، وقرينه قرين السوء.. الخ. وهي تتناسب مع أمر اثنين بإلقائهما في جهنم!

وهذا يقوي ما ورد في مصادرنا وبعض المصادر السنية من أن المأمورين في الآية هما محمد صلي الله عليه وآله وعلي عليه السلام.

وقال في هامش مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 2/527

في مناقب علي المطبوع في خاتمة مناقب ابن المغازلي/427 ط 1، قال: حدثناأبو الأغر أحمد بن جعفر الملطي قدم علينا في سنة سبع وعشرين وثلاث مائة قال: حدثنا محمد بن الليث الجوهري قال: حدثنا محمد بن الطفيل قال: حدثنا شريك بن عبدالله قال: كنت عند الأعمش وهو عليل فدخل عليه أبو حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلي فقالوا: يا أبا محمد إنك في آخر أيام الدنيا وأول أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث فتب إلي الله

منها!!

فقال الأعمش: أسندوني أسندوني. فأسند فقال:

حدثنا أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة قال الله تبارك وتعالي لي ولعلي: ألقيا في النار من أبغضكما، وأدخلا في الجنة من أحبكما، فذلك قوله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. فقال أبو حنيفة للقوم: قوموا لا يجئ بشئ أشد من هذا.

ورواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية (23) من سورة (ق) من شواهد التنزيل بسنده عن الكلابي، وبسند آخر، ثم قال: ورواه أيضاً الحماني عن شريك: حدثنيه أبو الحسن المصباحي، حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن واصل، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، حدثنا يعقوب بن إسحاق من ولد عباد بن العوام، حدثنا يحيي بن عبدالحميد، عن شريك، عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوكل الناجي: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة قال الله تعالي لمحمد وعلي: أدخلا الجنة من أحبكما، وأدخلا النار من أبغضكما، فيجلس علي علي شفير جهنم فيقول لها: هذا لي وهذا لك! وهو قوله: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. ثم رواه بأسانيد أخر...

ورواه أيضاً الطوسي في الحديث: 9 - 11 من أماليه: 1/296 ط 3، قال: قال أبومحمد الفحام: حدثني أبوالطيب محمد بن الفرحان الدوري قال: حدثنا محمد بن علي بن فرات الدهان، قال: حدثنا سفيان بن وكيع، عن أبيه عن الأعمش: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله يقول الله تعالي يوم القيامة لي ولعلي بن أبي طالب: أدخلا الجنة من أحبكما وأدخلا النار من أبغضكما. وذلك قوله تعالي: أَلْقِيَا

فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

وقريباً منه رواه بسند آخر في الحديث (32) من المجلس 13، من: 1/378 ورواه أيضاً بسنده عن أبي المفضل الشيباني في الحديث: (7) من المجلس: (12) من أماليه: 2/639 ط. بيروت، قال: قال أبوالمفضل: حدثنا إبراهيم بن حفص بن عمر العسكري بالمصيصة قال: حدثنا عبيد بن الهيثم بن عبيد الله الأنماطي البغدادي بحلب قال: حدثني الحسن بن سعيد النخعي ابن عم لشريك، قال: حدثني شريك بن عبدالله القاضي قال: حضرت الأعمش في علتة التي قبض فيها، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلي وأبوحنيفة فسألوه عن حاله فذكر ضعفا شديداً، وذكر ما يتخوف من خطيئاته وأدركته ذمة فبكي.

فأقبل عليه أبو حنيفة فقال: يا أبا محمد اتق الله وانظر لنفسك، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها كان خيراً لك.

قال الأعمش: مثل ماذا يا نعمان؟

قال: مثل حديث عباية: أنا قسيم النار!

قال: أو لمثلي تقول هذا يا يهودي؟!

أقعدوني سندوني أقعدوني! حدثني - والذي مصيري إليه - موسي بن طريف ولم أر أسدياً كان خيراً منه، قال: سمعت عباية بن ربعي إمام الحي قال: سمعت علياً أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا قسيم النار، أقول هذا وليي دعيه وهذا عدوي خذيه.

وحدثني أبو المتوكل الناجي علي بن داوود... عن أبي سعيد الخدري (رض) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلي علي الصراط، ويقال لنا: أدخلا الجنة من آمن بي وأحبكما، وأدخلا النار من كفر بي

وأبغضكما.

ثم قال أبو سعيد: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما آمن بالله من لم يؤمن بي، ولم يؤمن بي من لم يتول - أو قال: لم يحب - علياً، وتلا: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. قال: فجعل أبو حنيفة إزاره علي رأسه وقال: قوموا بنا لا يجيبنا أبو محمد بأطم من هذا.

قال الحسن بن سعيد: قال لي شريك بن عبدا الله: فما أمسي يعني الأعمش حتي فارق الدنيا رحمه الله.

وقريبا منه رواه أيضاً الشيخ السديد السعيد المفيد أبوسعيد محمد بن أحمد بن الحسين الخزاعي جد الشيخ أبي الفتوح الرازي في الحديث (14) من أربعينه قال: وعن محمد بن تميم الواسطي، عن الحماني عن شريك قال: كنت عند سليمان الأعمش في مرصه...

ورواه أيضاً في الحديث العاشر منه بسند آخر وزيادة، ومثله رواه ابن المغازلي في الحديث (97) من مناقب علي/67. انتهي.

وروي فرات هذا المعني في تفسيره بعدة طرق، قال في/439:

حدثني علي بن محمد الزهري معنعناً عن صباح المزني قال: كنا نأتي الحسن بن صالح وكان يقرأ القرآن، فإذا فرغ من القرآن سأله أصحاب المسائل حتي إذا فرغوا قام إليه شابٌ فقال له: قول الله تعالي في كتابه: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ؟ فنكت نكتة في الأرض طويلاً، ثم قال: عن العنيد تسألني؟ قال: لا، أسألك عن (ألقيا) قال: فمكث الحسن ساعة ينكت في الأرض ثم قال: إذا كان يوم القيامة يقوم رسول الله(ص)وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علي شفير جهنم، فلا يمر به أحدٌ من شيعته إلا قال: هذا لي وهذا لك).

ورواه في تفسير القمي: 2/324، بسنده عن فرات.

وفي تفسير فرات/437

عن جعفر

عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال قال النبي صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به، إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة، لا كمراقيكم، فأصعد حتي أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فأقول لعلي: إصعد، فيكون أسفل مني بدرجة، فأضع لواء الحمد في يده.

ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب.

ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، هذه مفاتيح النار، أدخل عدوك وعدو ذريتك وعدو أمتك النار، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب.

فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها، فهو قول الله تبارك وتعالي في كتابه: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. ألق يا محمد ويا علي عدوكما في النار ثم أقوم فأثني علي الله ثناء لم يثن عليه أحد قبلي، ثم أثني علي الملائكة المقربين، ثم أثني علي الأنبياء والمرسلين، ثم أثني علي الأمم الصالحين، ثم أجلس فيثني الله عليَّ، ويثني عليَّ ملائكته، ويثني عليَّ أنبياؤه ورسله، وتثني عليَّ الأمم الصالحة.

ثم ينادي مناد من بطنان العرش: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتي تمر بنت حبيب الله إلي قصرها، فتمر فاطمة بنتي عليها ريطتان خضراوان حولها سبعون ألف حوراء، فإذا بلغت إلي باب قصرها وجدت الحسن قائماً والحسين نائماً مقطوع الرأس فتقول للحسن: من هذا؟ فيقول هذا أخي، إن أمة أبيك قتلوه

وقطعوا رأسه، فيأتيها النداء من عند الله: يا بنت حبيبي إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك لأني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه إني جعلت لتعزيتك بمصيبتك فيه أني لا أنظر في محاسبة العباد حتي تدخلي الجنة أنت وذريتك وشيعتك، ومن أولاكم معروفاً ممن ليس هو من شيعتك، قبل أن أنظر في محاسبة العباد!

فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن أولاها معروفاً ممن ليس هو من شيعتها، فهو قول الله تعالي في كتابه: لا يحزنهم الفزع الأكبر...

وفي تفسير فرات الكوفي/438

عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نصب منبر يعلو المنابر فيتطاول الخلائق لذلك المنبر، إذ طلع رجل عليه حلتان خضراوان، متزر بواحدة مترد بأخري، فيمر بالملائكة فيقولون هذا منا، فيجوزهم، ثم يمر بالشهداء فيقولون هذا منا، فيجوزهم، ويمر بالنبيين فيقولون هذا منا، فيجوزهم حتي يصعد المنبر.

ثم يجئ رجل آخر عليه حلتان خضراوان متزر بواحدة مترد بأخري فيمر بالشهداء فيقولون هذا منا، فيجوزهم ثم يمر بالنبيين فيقولون هذا منا، فيجوزهم ويمر بالملائكة فيقولون هذا منا، فيجوزهم حتي يصعد المنبر.

ثم يغيبان ما شاء الله، ثم يطلعان فيعرفان: محمد صلي الله عليه وآله وعلي.

وعن يسار النبي ملكٌ وعن يمينه ملكٌ، فيقول الملك الذي عن يمينه: يا معشر الخلائق أنا رضوان خازن الجنان، أمرني الله بطاعته، وطاعة محمد، وطاعة علي بن أبي طالب. وهو قول الله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، يامحمد ويا علي.

ويقول الملك الذي عن يساره: يا معشر الخلائق أنا خازن جهنم، أمرني الله بطاعته، وطاعة محمد، وعلي!

وفي تأويل الآيات لشرف الدين: 2/609

تأويله: ما رواه الحسن بن أبي الحسن الديلمي

بإسناده، عن رجاله، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله عز وجل: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ.

قال: السائق: أمير المؤمنين عليه السلام، والشهيد: رسول الله صلي الله عليه وآله. ويؤيد هذا التأويل: قوله تعالي لهما: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

بيان ذلك ما ذكره أبو علي الطبرسي قال: روي أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يقول الله لي ولعلي: ألقيا في النار من أبغضكما وأدخلا الجنة من أحبكما، وذلك قوله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

وذكر الشيخ في أماليه... إلي آخر ما تقدم.

ويؤيده: ما روي بحذف الإسناد عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله عز وجل: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ؟ فقال:

إذا كان يوم القيامة وقف محمد وعلي صلوات الله عليهما وآلهما علي الصراط، فلا يجوز عليه إلا من كان معه براءة.

قلت: وما براءة؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ولده (عليهم السلام).

وينادي مناد: يا محمد يا علي: القيا في جهنم كل كفار بنبوتك عنيد لعلي بن ابي طالب وولده (عليهم السلام).

وذكر في هامشه من مصادره: تفسير البرهان: 4 /222 ح 2، عن الحسن بن أبي الحسن الديلمي. وشواهد التنزيل: 2/190 ح 896 ومجمع البيان 9/147، وعنه البحار: 36/75 ونور الثقلين: 5/113 ح 35 عنه البرهان: 4/227 ح 4 والبحار: 7/338 ح 26 و: 39/253 ح 23 و: 68/117 ح 43، عن أمالي الطوسي: 1/378. انتهي.

وفي شواهد التنزيل للحسكاني: 2/265

عن

علي (ع) في قوله تعالي (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ...) قال قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد، كنت أنا وأنت يومئذ عن يمين العرش، فيقول لي ولك: قوما فألقيا من أبغضكما وخالفكما في النار.

شفاعة علي و الأئمة من ذريته

في كنز العمال: 13/156

عن علي قال: قال رسول الله (ص): إن أول خلق الله يكسي يوم القيامة أبي إبراهيم فيكسي ثوبين أبيضين ثم يقام عن يمين العرش، ثم أدعي فأكسي ثوبين أخضرين ثم أقام عن يسار العرش، ثم تدعي أنت يا علي فتكسي ثوبين أخضرين ثم تقام عن يميني، أفما ترضي أن تدعي إذا دعيت وتكسي إذا كسيت وأن تشفع إذا شفعت. الدارقطني في العلل، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: تفرد به ميسرة بن حبيب النهدي والحكم بن ظهير عنه، والحكم كذاب.

قلت: الحكم روي له الترمذي، وقال فيه البخاري: منكر الحديث، وروي عنه القدماء سفيان الثوري ومالك، وك فصحح له، وقد تابع ميسرة عن المنهال عمران بن ميثم، وهو الحديث الذي قبله. انتهي.

ويلاحظ أن المتقي الهندي رد علي ابن الجوزي! ووثق الراويين اللذين تعلل بهما ابن الجوزي لتضعيف الحديث، ثم ذكر له متابعا وبذلك يقول لابن الجوزي: إذا أصريت علي تضعيفه فهو حسن أو صحيح بمتابعه!

ويقصد بالحديث الذي قبله رقم 36481، وهو من مسند علي قال:

قال لي رسول الله (ص): ألا ترضي يا علي إذا جمع الله الناس في صعيد واحد حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعي إبراهيم فيكسي ثوبين أبيضين ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر لي مثعب من الجنة إلي حوضي، وحوضي أعرض مما

بين بصري وصنعاء فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ وأكسي ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعي فتشرب وتتوضأ وتكسي ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أدعي لخير إلا دعيت إليه؟ قلت: بلي.

(ابن شاهين في السنة، طس وأبو نعيم في فضائل الصحابة، أبو الحسن الميثمي: هذا حديث لا يصح وآفته عمران بن ميثم، وقال عق: عمران بن ميثم من كبار الرافضة يروي أحاديث سوء كذب) انتهي.

ويدل جعل المتقي الهندي لهذا الحديث متابعا ومؤيدا للحديث السابق، يدل علي أنه لم يتأثر بما قالوه عن عمران بن ميثم، أو أن المؤيد عنده يتسع ليشمل محتمل الصحة بمطلق الإحتمال.

وفي شرح الأخبار: 2/201، من حديث عن ابن عباس مع الشامي الناصبي:

فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله: يا أم سلمة، اسمعي واحفظي واشهدي، هذا أخي في الدنيا، وقريني في الآخرة.

يا أم سلمة، اسمعي واحفظي واشهدي، هذا علي عيبة علمي، والباب الذي أوتي من قبله، والوصي علي الأحياء من أهل بيتي، وهو معي في السنام الأعلي، صاحب لوائي، والذائد عن حوضي، وصاحب شفاعتي.

يا أم سلمة، إسمعي واحفظي واشهدي، إن الله عز وجل دافع إلي يوم القيامة لواءين: لواء الحمد ولواء الشفاعة، ولواء الشفاعة بيدي، ولواء الحمد بيد علي، وهو واقفٌ علي حوضي، لا يسقي من حوضي من شتمه أو شتم أهل بيته، ولا من قتله ولا من قتل أهل بيته.

فقال له الشامي: حسبك يابن عباس رحمك الله، فرجت عني كربتي وأحييتني وأحييت معي خلقاً، فأحياك الله الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. أشهد الله وأشهدك ومن حضر أن علياً مولاي ومولي كل مسلم.

ثم انصرف إلي الشام فأعلم الذين

أرسلوه بما كان من ابن عباس، فرجع معه خلق من أهل الشام عن سب علي عليه السلام.

وفي تفسير فرات الكوفي/116

عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

يا علي، إن فيك مثل من عيسي بن مريم قال الله تعالي: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا.

يا علي، إنه لا يموت رجل يفتري علي عيسي حتي يؤمن به قبل موته، ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وإنك علي مثله لا يموت عدوك حتي يراك عند الموت فتكون عليه غيظاً وحزناً حتي يقر بالحق من أمرك، ويقول فيك الحق ويقر بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وأما وليك فإنه يراك عند الموت، فتكون له شفيعاً ومبشراً وقرة عين.

وفي بشارة المصطفي/125

أخبرنا الشيخ الرئيس أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه في خانقانه بالري، في شهر ربيع الأول سنة عشرة وخمسمائة، وأخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد وأبو عبد الله محمد بن شهريار الخازن، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال حدثنا الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الطوسي رحمه الله قال حدثنا الشيخ المفيد محمد بن محمد، قال حدثني أبوبكر محمد بن عمر الجعابي، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدثنا أبو حاتم، قال حدثنا محمد بن الفرات، قال حدثنا حنان بن سدير، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: ما ثبت الله تعالي حب علي في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبت الله له قدما أخري.

أخبرنا والدي أبو القاسم علي

بن محمد بن علي الفقيه رحمه الله وعمار بن ياسر وولده أبو القاسم سعد بن عمار رحمهم الله جميعاً عن إبراهيم بن نصر الجرجاني، عن السيد الزاهد محمد بن حمزة الحسيني رحمهم الله، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن بابويه رحمهم الله، قال حدثنا أبو الحسن علي بن عيسي المجاور في مسجد الكوفة، قال حدثنا اسماعيل بن رزين بن أخي دعبل الخزاعي، عن أبيه، قال حدثني علي بن موسي الرضا، قال حدثني أبي موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، قال حدثني أبي الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا علي، أنت المظلوم بعدي فويلٌ لمن قاتلك، وطوبي لمن قاتل معك.

يا علي أنت الذي تنطق بكلامي، وتتكلم بلساني بعدي، فويلٌ لمن رد عليك وطوبي لمن قبل كلامك.

يا علي، أنت سيد هذه الأمة بعدي، وأنت إمامها وخليفتي عليها، ومن فارقك فارقني يوم القيامة، ومن كان معك كان معي يوم القيامة.

يا علي، أنت أول من آمن بي وصدقني، وأول من أعانني علي أمري وجاهد معي عدوي وأنت أول من صلي معي والناس يومئذ في غفلة الجهالة.

يا علي، أنت أول من تنشق عنه الأرض معي، وأنت أول من يبعث معي، وأنت أول من يجوز الصراط معي، وإن ربي جل جلاله أقسم بعزته لا يجوز عقبة الصراط إلا من كان له براءة بولايتك وولاية الأئمة من ولدك.

وأنت أول من يرد حوضي، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك.

وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود، تشفع لمحبنا فيهم.

وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد، وهو سبعون شقة الشقة منه أوسع

من الشمس والقمر.

وأنت صاحب شجرة طوبي في الجنة، أصلها في دارك، وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك.

احاديث في شفاعة الأئمة من أهل بيت النبي

في المحاسن 1/183

عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا.

قال: نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صواباً.

قلت: جعلت فداك، وما تقولون إذا تكلمتم؟

قال: نمجد ربنا ونصلي علي نبينا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربنا.

وبإسناده قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: قوله: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم. من هم؟

قال: نحن أولئك الشافعون.

وروي الاخير في تفسير العياشي: 1/136، وفي تفسير نور الثقلين: 1/258 ورواه في البحار:8/41، عن المحاسن.

وفي بحار الأنوار: 7/335

جاء في روايات أصحابنا رضي الله عنهم مرفوعاً إلي النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: إني أشفع يوم القيامة فأشفع، ويشفع علي فيشفع، ويشفع أهل بيتي فيشفعون، وإن أدني المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه، كل قد استوجبوا النار.

وفي بصائر الدرجات/496

حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: وَعَلَي الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ؟ قال: أنزلت في هذه الأمة، والرجال هم الأئمة من آل محمد.

قلت: فالأعراف؟

قال: صراط بين الجنة والنار، فمن شفع له الأئمة منا من المؤمنين المذنبين نجا، ومن لم يشفعوا له هوي.

وفي كفاية الاثر/194

حدثني علي بن الحسن، قال حدثني هارون بن موسي، قال حدثني أبوعبد الله الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني، قال حدثنا أبوعمر أحمد بن

علي الفيدي، قال حدثنا سعد بن مسروق، قال حدثنا عبد الكريم بن هلال المكي، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر (رض)، قال سمعت فاطمة عليها السلام تقول: سألت أبي عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: وَعَلَي الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ، قال: هم الأئمة بعدي علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين، هم رجال الأعراف، لا يدخل الجنة إلا من يعرفهم ويعرفونه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه، لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتهم.

وفي تأويل الآيات: 1/55

وقوله تعالي: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنصَرُونَ.

قال الإمام عليه السلام: قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا:

أي لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع.

ولا يقبل منها شفاعة: من يشفع لها بتأخير الموت عنها.

ولا يؤخذ منها عدل: أي ولا يقبل منها فداء مكانه، يموت الفداء ويترك هو.

قال الصادق عليه السلام: وهذا اليوم يوم الموت فإن الشفاعة والفداء لا تغني منه، فأما يوم القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن علي الأعراف بين الجنة والنار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والطيبون من آلهم، فنري بعض شيعتنا في تلك العرصات، فمن كان منهم مقصراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظائرهم في العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر إلي يوم القيامة.. فينقضون عليهم كالبزاة والصقور يتناولونهم، كما تتناول الصقور صيودها، ثم يزفون إلي الجنة زفاً.

وإنا لنبعث علي آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات، كما يلتقط الطير الحب، وينقلونهم

إلي الجنان بحضرتنا. انتهي.

وقد يسأل: كيف يكون أصحاب الاعراف هم النبي والأئمة صلي الله عليه وآله، مع أنه تعالي قال عنهم (لم يدخلوها وهم يطمعون)!

والجواب: أن ضمير (لم يدخلوها) لا يعود عليهم، بل علي أصحاب الحجاب الذين يعرفونهم بسيماهم، فراجع الآيات 44، وما بعدها من سورة الأعراف، وما ورد في تفسيرها.

وفي تفسير فرات الكوفي/116

عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت هذه الآية فينا وفي شيعتنا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ، وذلك حين باها الله بفضلنا وبفضل شيعتنا حتي إنا لنشفع ويشفعون.

قال: فلما رأي ذلك من ليس منهم قالوا فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ..

وفي المحاسن: 1/184

عن عمر بن عبد العزيز، عن مفضل أو غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ؟

قال: الشافعون الأئمة، والصديق من المؤمنين.

ورواه في تفسير نور الثقلين: 4/61

وفي الكافي: 8/101

محمد بن يحيي، عن ابن عيسي، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن عمر بن أبان، عن عبد الحميد الوابشئ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إن لنا جاراً ينتهك المحارم كلها حتي إنه ليترك الصلاة فضلاً عن غيرها:

فقال: سبحان الله!! وأعظم ذلك!

ألا أخبركم بمن هو شرٌّ منه؟

قلت: بلي.

قال: الناصب لنا شرٌ منه، أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها إلا أن يجئ بذنب يخرجه من الإيمان، وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب، وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة، فيقول: يارب جاري كان يكف عني الأذي فيشفع فيه، فيقول الله

تبارك وتعالي:

أنا ربك وأنا أحق من كافي عنك، فيدخله الجنة وماله من حسنة!

وإن أدني المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً فعند ذلك يقول أهل النار: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ..

وفي تفسير نور الثقلين: 4/60

عن تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أسامة، عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) أنهما قالا: والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتي يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ. فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ أَلْمُؤْمِنِينَ.

قال: من المهتدين، قال: لأن الإيمان قد لزمهم بالإقرار.

ورواه في بحار الأنوار: 8/36، وقال:

بيان: أي ليس المراد بالإيمان هنا الإسلام، بل الاهتداء إلي الأئمة (عليهم السلام) وولايتهم أو ليس المراد الإيمان الظاهري.

وفي المحاسن: 1/61

عن ليث بن أبي سليمان، عن ابن أبي ليلي، عن الحسن بن علي (عليهما السلام)، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله وهو يودنا أهل البيت دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلا بمعرفة حقنا. انتهي.

ورواه في شرح الأخبار 3/487، وقد تقدمت روايته عن الطبراني ومجمع الزوائد، وأن ولايتهم (عليهم السلام) شرط لقبول الأعمال.

وفي تأويل الآيات: 2/349

وروي عن الصادق عليه السلام في قوله (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) قال عليه السلام: إذا حشر الله الناس في صعيد واحد أجل الله أشياعنا أن يناقشهم في الحساب، فنقول: إلهنا هؤلاء شيعتنا، فيقول الله تعالي: قد جعلت أمرهم إليكم، وقد شفعتكم فيهم وغفرت لمسيئهم، أدخلوهم الجنة بغير حساب. انتهي.

ولا بد أن يكون المقصود بهؤلاء:

النوع المقبول من شيعتهم وأوليائهم عليهم السلام.

وفي أمالي المفيد/48

قال، أخبرني أبو حفص عمر بن محمد قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد قال: حدثنا عيسي بن مهران قال: حدثنا مخول قال: حدثنا الربيع بن المنذر، عن أبيه قال: سمعت الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: إن أبا بكر وعمر عمدا إلي هذا الأمر وهو لنا كله فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدة، أما والله لتهمنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا.

وفي بحار الأنوار: 8/36

وعن الحسن عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: يقول: الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: أي رب عبدك فلانٌ سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه، فيقول: إذهب فأخرجة من النار، فيذهب فيتجسس في النار حتي يخرجه منها.

علل الشرائع: أبي عن محمد العطار، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن أحمد بن مدين، عن محمد بن عمار، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: شيعتنا من نور الله خلقوا وإليه يعودون، والله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة، وإنا لنشفع فنشفع، ووالله إنكم لتشفعون فتشفعون، وما من رجل منكم إلا وسترفع له نارٌ عن شماله وجنةٌ عن يمينه فيدخل أحباءه الجنة، وأعداءه النار.

وفي بصائر الدرجات/62

حدثنا عباد بن سليمان عن ابيه قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك و تعالي انتجبنا لنفسه، فجعلنا صفوته من خلقه، وأمناؤه علي وحيه، وخزانه في أرضه، وموضع سره، وعيبة علمه، ثم أعطانا الشفاعة، فنحن أذنه السامعة، وعينه الناظرة ولسانه الناطق بإذنه، وأمناؤه علي ما أنزل من عذر ونذر وحجة.

احاديث في شفاعة فاطمة الزهراء

في مسائل علي بن جعفر/345

أخبرني أبو

عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيي الجلودي قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن جده علي بن أبي طالب، عن النبي صلي الله عليه وآله قال:

إذا كان يوم القيامة نادي مناد: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم حتي تمر فاطمة بنت محمد، فتكون أول من يكسي، وتستقبلها من الفردوس إثنا عشر ألف حوراء، وخمسون ألف ملك، علي نجائب من الياقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ الرطب، ركبها من زبرجد، عليها رحل من الدر، علي كل رحل نمرقة من سندس حتي يجوزوا بها الصراط، ويأتوا بها الفردوس، فيتباشر بمجيئها أهل الجنان. فتجلس علي كرسي من نور ويجلسون حولها، وهي جنة الفردوس التي سقفها عرش الرحمان، وفيها قصران، قصر أبيض وقصر أصفر من لؤلؤة علي عرق واحد، في القصر الأبيض سبعون ألف دار، مساكن محمد وآل محمد.

وفي القصر الأصفر سبعون ألف دار، مساكن إبراهيم وآل إبراهيم.

ثم يبعث الله ملكاً لها لم يبعث لأحد قبلها ولا يبعث لاحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: سليني. فتقول: هو السلام، ومنه السلام، قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، وفضلني علي سائر خلقه، أسأله ولدي وذريتي، ومن ودهم بعدي وحفظهم في. فيوحي الله إلي ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه، أخبرها أني قد شفعتها في ولدها وذريتها ومن ودهم فيها وحفظهم بعدها، فتقول: الحمد

لله الذي أذهب عني الحزن، وأقر عيني، فيقر الله بذلك عين محمد صلي الله عليه وآله.

ورواه في تأويل الآيات: 2/ 179، عن الإمام الصادق عليه السلام، وقال في آخره: كان أبي إذا ذكر هذاالحديث تلا هذه الآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئٍْ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ.

وفي علل الشرائع: 1/179

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لفاطمة عليها السلام وقفةٌ علي باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلي النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محباً فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولي ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول الله عز وجل: صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق، وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلي النار لتشفعي فيه فأشفعك، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني، ومكانتك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة. انتهي.

ورواه في البحار: 8/51

وفي تفسير فرات/116

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)قال: قال جابر لابي جعفر عليه السلام: جعلت فداك يا بن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة عليها السلام إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك.

قال أبو جعفر: حدثني أبي،

عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور، فيكون منبري أعلي منابرهم يوم القيامة، ثم يقول الله: يا محمد أخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثم ينصب للأوصياء منابر من نور، وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور، فيكون منبره أعلي منابرهم، ثم يقول الله: يا علي أخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيكون لإبني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبران من نور، ثم يقال لهما: أخطبا، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.

ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام:

أين فاطمة بنت محمد؟

أين خديجة بنت خويلد؟

أين مريم بنت عمران؟

أين آسية بنت مزاحم؟

أين أم كلثوم أم يحيي بن زكريا؟

فيقمن، فيقول الله تبارك وتعالي: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة: لله الواحد القهار.

فيقول الله جل جلاله: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة. يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضوا الأبصار، فإن هذه فاطمة تسير إلي الجنة.

فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب، عليها رحلٌ من المرجان، فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا علي يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها علي أجنحتهم حتي يصيروها علي باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلي جنتي؟

فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل

هذا اليوم. فيقول الله تعالي يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبٌّ لك أو لاحد من ذريتك خذي فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة، يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله:

يا أحبائي إرجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، أنظروا من أطعمكم لحب فاطمة، أنظروا من كساكم لحب فاطمة، أنظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، أنظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة.. خذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال أبو جعفر: والله لا يبقي في الناس إلا شاكٌّ أو كافرٌ أو منافق.

فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالي: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم. فيقولون: فلو أن لناكرة فنكون من المؤمنين.

قال أبو جعفر: هيهات هيهات، منعوا ماطلبوا (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).

وفي مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان: 2/589

حدثنا أبو أحمد قال: أخبرنا عبدالله بن عبد الصمد، عن عبد الله بن سوار، عن عباس بن خليفة، عن سليمان الأعمش قال قال: بعث أبو جعفر أمير المؤمنين إلي فأتاني رسوله في جوف الليل فبقيت متفكراً فيما بيني وبين نفسي، فقلت عسي أن يكون بعث إلي أبو جعفر في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي فلعلي إن صدقته صلبني.

قال: فكتبت وصيتي ولبست كفني ودخلت عليه، فإذا عنده عمرو بن عبيد فحمدت الله علي ذلك،

فقال لي أبو جعفر يا سليمان أدن مني، قال فدنوت منه فاشتم رائحة الحنوط، فقال لي: والله يا سليمان لتصدقني أو لأصلبنك!

قال قلت: حاجتك يا أمير المؤمنين.

قال: ما لي أراك محنطاً؟

قال قلت: أتاني رسولك أن أجب، فبقيت متفكراً فيما بيني وبين نفسي، فقلت:

عسي أن يكون بعث إلي أبو جعفر في هذه الساعة يسألني عن فضائل علي، فلعلي إن صدقته صلبني!!

قال فاستوي جالساً وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقال: يا سليمان أسألك بالله كم من حديث ترويه في فضائل علي؟

قلت: ألفي حديث أو يزيد.

قال لي: والله لأحدثنك حديثين ينسيان كل حديث ترويه في فضل علي!

قال: قلت حدثني.

قال: نعم، أيام كنت هارباً من بني مروان أدور البلاد وأتقرب إلي الناس بحب علي وفضله وكانوا يطعموني، حتي وردت بلاد الشام وأنا في كساء خلق ما علي غيره، قال: فنودي للصلاة وسمعت الإقامة، فدخلت المسجد وفي نفسي أن أكلم الناس ليطعموني، فلما سلم الإمام إذا رجل عن يميني معه صبيان فقلت: من الصبيان من الشيخ؟

قال: أنا جدهما وليس في هذه المدينة رجل يحب علياً غيري، ولذلك سميت أحدهما حسناً والآخر حسيناً، قال: فقمت إليه فقال: يا شيخ ما تشاء؟

قال قلت: هل لك في حديث أقر به عينك؟

قال: إن أقررت عيني أقررت عينك.

قال قلت: حدثني أبي عن جدي قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله ذات يوم قعدوا إذ أقبلت فاطمة وهي تبكي بكاء شديداً فقال لها النبي صلي الله عليه وآله: ما يبكيك؟

قالت: يا أبتاه خرج الحسن والحسين ولا أدري أين أقاما البارحة؟

فقال لها النبي صلي الله عليه

وآله: يا فاطمة لا تبكي فو الله إن الذي خلقهما هو ألطف بهما منك، ثم رفع طرفه إلي السماء، ثم قال: اللهم إن كانا أخذا براً أو ركبا بحراً فاحفظهما وسلمهما.

فإذا بجبرئيل قد هبط علي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول: إنك لا تحزن لهما ولا تغتم لهما، فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة، وأبواهما خير منهما، وهما نائمان بحضيرة بني النجار، قد وكل الله بهما ملكاً يحفظهما.

فقام رسول الله صلي الله عليه وآله فرحاً مع أصحابه حتي أتي حضيرة بني النجار، فإذا الحسن معانق الحسين، وإذا ذلك الملك الموكل بهما باسط أحد جناحيه تحتهما والآخر قد جللهما به، فانكب عليهما النبي صلي الله عليه وآله فقبلهما، حتي انتبها من نومهما فحملهما النبي صلي الله عليه وآله، وهو يقول:والله لابينن فيكما كما بين فيكما الله.

فقال له أبو بكر: يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أخفف عنك.

فقال النبي: يا أبا بكر نعم الحامل حاملهما ونعم المحمولان هما، وأبوهما خيرٌ منهما.

فقال عمر: يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أخفف عنك.

فقال: يا عمر نعم الحامل حاملهما، ونعم الراكبان هما، وأبوهما خيرٌ منهما.

فأتي بهما النبي صلي الله عليه وآله إلي المسجد فقال: يا بلال هلم إلي الناس فنادي منادي رسول الله في المدينة، فاجتمع الناس إلي رسول الله، فقام علي قدميه فقال:

يا معشر الناس، ألا أدلكم علي خير الناس جداً وجدة؟ قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين جدهما رسول الله، وجدتهما خديجة ابنة خويلد سيدة نساء أهل الجنة.

ثم قال: أيها الناس، ألا أدلكم علي خير الناس أباً وأماً؟

قالوا: بلي

يا رسول الله.

قال: عليكم بالحسن والحسين، أبوهما شاب يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وأمهما فاطمة ابنة رسول الله.

يا معشر الناس، ألا أدلكم علي خير الناس عماً وعمة؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: عليكم بالحسن والحسين، عمهما جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب.

ثم قال: يا معشر الناس، ألا أدلكم علي خير الناس خالاً وخالة؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: عليكم بالحسن والحسين، فخالهما القاسم بن رسول الله، وخالتهما زينب ابنة رسول الله.

ثم قال: إن الحسن والحسين في الجنة، وأباهما في الجنة، وأمهما في الجنة وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالتهما في الجنة.

اللهم إنك تعلم أنه من يحبهما أنه معهما. اللهم إنك تعلم أنه من يبغضهما أنه في النار. فلما قلت ذلك للشيخ، قال: من أنت يا فتي؟ قلت: من أهل الكوفة.

قال: عربيٌّ أم مولي؟ قلت: عربي. قال: أنت تحدث بهذا الحديث، وأنت في هذا الكساء؟!قال: فكساني حلة وحملني علي بغلته.

قال: فبعتهما في ذلك الزمان بمائة دينار.

ثم قال: يا فتي أقررت عيني، والله لارشدنك إلي شاب يقر عينك.

قال: قلت نعم أرشدني.

قال: فقال نعم ههنا رجلان أحدهما إمام والآخر مؤذن، فأما الإمام فهو يحب علياً منذ خرج من بطن أمه، وأما الآخر فقد كان يبغض علياً وهو اليوم يحب علياً.

قال: فأخذ بيدي وأتي بي باب الإمام، فإذا شابٌ صبيح الوجه قد خرج علي فعرف الحلة وعرف البلغة وقال: والله يا أخي ما كساك فلان حلته، ولا حملك علي بغلته، إلا أنك تحب الله ورسوله وتحب علياً، فحدثني في علي.

فقلت: نعم حدثني والدي عن أبيه عن جده قال:

كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله ذات يوم إذ أقبلت فاطمة وهي حاملة الحسن والحسين علي كتفيها وهي تبكي بكاء شديداً، فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله: يا فاطمة ما يبكيك؟

قالت: يا رسول الله عيرتني نساء قريش أن أباك زوجك معدماً لا مال له!

فقال لها رسول الله: يا فاطمة لا تبكي، فو الله ما زوجتك حتي زوجك الله وشهد علي ذلك جبرئيل وإسرافيل. ثم اختار من أهل الدنيا فاختار من الخلق أباك فبعثه نبيا، ثم اختار من أهل الدنيا فاختار من الخلق علياً فجعله وصياً.

يا فاطمة لا تبكي، فإني زوجتك أشجع الناس قلباً، وأعلم الناس علماً، وأسمح الناس كفاً، وأقدم الناس إسلاماً.

يا فاطمة لا تبكي، ابناه سيدا شباب أهل الجنة، كان اسمهما مكتوبك في التوراة شبراً وشبيراً ومشبراً.

(وفي مناقب الخوارزمي: ثم إن الله عز وجل أطلع إلي أهل الأرض فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبياً، ثم أطلع إلي الأرض ثانية فاختار من الخلائق علياً، فزوجك الله إياه واتخذته وصياً، فعلي مني وأنا منه، فعلي أشجع الناس قلبآ وأعلم الناس علماً وأحلم الناس حلماً وأقدم الناس سلماً وأسمحهم كفاً وأحسنهم خلقاً.

يا فاطمة، إني آخذ لواء الحمد ومفاتيح الجنة بيدي، ثم أدفعها إلي علي، فيكون آدم ومن ولده تحت لوائه.

يا فاطمة، إني مقيم غداً علياً علي حوضي، يسقي من عرف من أمتي، والحسن والحسين ابناه سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين، وقد سبق اسمهما في توراة موسي، وكان اسمهما في التوراة شبراً وشبيراً، سماهما الله الحسن والحسين لكرامة محمد علي الله ولكرامتهما عليه).

يا فاطمة، ألا

ترين أني إذا دعيت إلي رب العالمين دعي علي معي، وإذا شفعني الله في المقام المحمود شفع علي معي.

يا فاطمة إذا كان يوم القيامة كسي أبوك حلتين، وعلي حلتين، وينادي المنادي في ذلك اليوم: يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي.

يا فاطمة لا تبكي، علي و شيعته غدا هم الفائزون في الجنة

وقال في هامشه:

1100 - والحديث رواه الخوارزمي في أول الفصل (19) من كتابه مناقب علي عليه السلام بسند آخر عن الأعمش، وبزيادات في متن الحديث.

وقد رواه بعدة أسانيد ابن المغازلي الشافعي في الحديث (188) من كتابه مناقب علي عليه السلام صفحة 143، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر الصيرفي البغدادي رحمه الله قدم علينا واسطاً، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسبن سليمان، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالله العكبري، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن عتاب العبدي، حدثنا عمر بن شبة بن عبيدة النميري قال: حدثني المدائني قال: وجه المنصور إلي الأعمش يدعوه...

قال: وحدثنا محمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالله العكبري، حدثنا عبدالله بن عتاب بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش قال: أرسل إلي المنصور...

وحدثنا محمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله العكبري، حدثنا عبد الله بن عتاب بن محمد العبدي، حدثنا أحمد بن علي العمي، حدثنا إبراهيم بن الحكم قال: حدثني سليمان بن سالم قال: حدثني الاعمش قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور..

أقول: ورواه أيضاً شيخ الشيعة وصدوق الشريعة محمد بن علي بن الحسين بأسانيد أربعة في المجلس (67) من أماليه/352، قال:

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما كتب

إلينا من إصبهان قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين قال: حدثنا الوليد بن الفضل العنزي قال: حدثنا مندل بن علي العنزي عن الأعمش.

أقول: وهذا هو السند الثالث من أسانيد الشيخ الصدوق، ومن أحب أن يطلع علي جميع أسانيده، ولفظ الحديث فليراجع الأمالي فإنه منشور كثير الوجود، وإنما أخترنا هذا السند لاجل وقوع الحافظ الطبراني فيه وعلو مقامه في الحفظ غير خفي.

ورواه أبو القاسم الطبري في بشارة المصطفي/114

والمحب الطبري ملخصاً في ذخائر العقبي/130

والحمويني في فرائد السمطين 2/90 ح 406

والخزاعي أبو بكر في أربعينه ح 25

ولاحظ البحار: 37/88.

نماذج من أحاديث شفاعة النبي و آله لزوار مشاهدهم المشرفة

من الثابت في سيرة المؤمنين في كل الأديان، من عهد أبينا آدم عليه السلام إلي ظهور الإسلام، احترام قبور أنبيائهم وأوصيائهم وأوليائهم، وتشييدها وزيارتها.

بل إن ذلك سيرة عقلائية عند كل الأمم والشعوب، فتراهم يحترمون قبور موتاهم، خاصة المهمين العزيزين عندهم.

وكان ذلك من عادات العرب أيضاً، وكانت الإستجارة بالقبر العزيز علي القبيلة وسيلة مهمة للعفو عمن استجار به أو تحقيق طلبه.

ولكن في أيام وفاة النبي عليهما السلام والإختلاف الذي وقع بين صحابته وأهل بيته علي خلافته، ادعي بعض الصحابة أنه صلي الله عليه وآله أوصي أن لا يبني علي قبره، ولا يصلي عند قبره، ولا يجتمع المسلمون عند قبره.. الخ.

وقد اهتمت دولة الخلافة بترويج هذه الأحاديث، وتشددت في تنفيذها.

ونحن نعتقد أنها أحاديث غير صحيحة، وأن الدافع لوضعها كان خوف أهل الخلافة الجديدة من أن تستجير المعارضة خاصة أهل بيت النبي بقبره صلي الله عليه وآله ويعلنوا مرابطتهم عنده، ومطالبتهم بإرجاع الخلافة إليهم!!

وغرضنا هنا أن نلفت إلي أن تأكيد الأئمة من أهل

البيت عليهم السلام علي زيارة قبر النبي صلي الله عليه وآله وقبورهم الشريفة، كان استمراراً لسنة الله تعالي في الأنبياء والأوصياء السابقين، كما كان رداً لمقولة السلطة التي عملت لتكريسها علي أنها جزءٌ من الدين!

وفيما يلي نماذج من الأحاديث الشريفة، اقتصرنا منها علي ما تضمن شمول شفاعة النبي وأهل بيته الطاهرين صلي الله عليه وآله لمن زار قبورهم الطاهرة.

- ففي علل الشرائع: 2/460:

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن ابراهيم بن أبي حجر الأسلمي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتي مكة حاجاً ولم يزرني إلي المدينة جفاني، ومن جفاني جفوته يوم القيامة، ومن جاءني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة.

قال مصنف هذا الكتاب: العلة في زيارة النبي صلي الله عليه وآله أن من حج ولم يزره فقد جفاه، وزيارة الأئمة تجري مجري زيارته، بما قد روي عن الصادق، وذكرهم في هذا الباب.

- وفي الكافي: 4/567:

أبو علي الأشعري، عن عبد الله بن موسي، عن الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء: زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة.

- ورواه في علل الشرائع: 2/459، وتهذيب الأحكام: 6/ 78 و93، والفقيه: 2 /577، والمقنعة/474

الشفاعة لمن زار قبر أميرالمؤمنين

- في تهذيب الأحكام: 6/107:

وعنه عن محمد بن علي بن الفضل قال: أخبرني الحسين بن محمد بن الفرزدق قال: حدثنا علي بن

موسي بن الأحول قال: حدثنا محمد بن أبي السري إملاءً قال: حدثني عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثنا عمارة بن زيد عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: يابن رسول الله، ما لمن زار قبره؟ يعني أمير المؤمنين، وعمر تربته؟

قال: يا أبا عامر، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي، عن علي، أن النبي صلي الله عليه وآله قال له: والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها.

قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟

فقال لي: يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحن اليكم، وتحتمل المذلة والأذي فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم إلي الله، مودة منهم لرسوله. أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنة.

يا علي، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود علي بناء بيت المقدس.

ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتي يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر علي قلب بشر.

ولكن حثالةً من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم، كما تعير الزانية بزناها!

أولئك شرار أمتي، لا نالتهم شفاعتي ولا يردون حوضي.

- وفي علل الشرائع: 2/585:

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله قال: حدثنا علي بن ابراهيم عن عثمان بن عيسي عن أبي الجارود رفعه فيما يروي إلي

علي صلوات الله عليه قال: إن ابراهيم صلي الله عليه مر ببانقيا فكان يزلزل بها، فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم، فقالوا ما هذا وليس حدث؟!

قالوا: نزل هاهنا شيخٌ ومعه غلامٌ له.

قال فأتوه فقالوا له: يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة، ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا، فبات فلم يزلزل بهم، فقالوا: أقم عندنا ونحن نجري عليك ماأحببت.

قال: لا، ولكن تبيعوني هذاالظهر، ولا يزلزل بكم.

فقالوا: فهو لك.

قال: لا آخذه إلا بالشراء، فقالوا: فخذه ما شئت فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمرة فلذلك سمي بانقيا، لأن النعاج بالنبطية نقيا.

قال: فقال له غلامه يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر ليس فيه زرع ولاضرع؟!

فقال له: أسكت، فإن الله تعالي يحشر من هذا الظهر سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع الرجل منهم لكذا وكذا. انتهي.

وبانقيا كما ذكره اللغويون هي أول العراق من جهة الحجاز، وهي منطقة النجف وأبي صخير الفعلية، وقد تشمل كربلاء.

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسين

في الكافي: 4/582:

محمد بن يحيي، وغيره، عن محمد بن أحمد، ومحمد بن الحسين جميعاً، عن موسي بن عمر، عن غسان البصري، عن معاوية بن وهب، وعلي بن ابراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن ابراهيم بن عقبة، عن معاوية بن وهب قال: استأذنت علي أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتي قضي صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: يا من خصنا بالكرامة وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضي وما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي الينا، اغفر لي ولإخواني، ولزوار قبر أبي الحسين عليه السلام.

- و في تهذيب الأحكام:

6/108:

أحمد بن محمد الكوفي قال: أخبرني المنذر بن محمد عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد صلي الله عليه وآله، فدخل رجل من أهل طوس فقال: يا بن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام)؟ فقال له: يا طوسي من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) وهو يعلم أنه إمام من قبل الله عز وجل مفترض الطاعة علي العباد، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقبل شفاعته في خمسين مذنباً، ولم يسأل الله عز وجل حاجة عند قبره إلا قضاها له.

قال: فدخل موسي بن جعفر وهو صبي فأجلسه علي فخذه، وأقبل يقبل ما بين عينيه، ثم التفت الي وقال: يا طوسي إنه الإمام والخليفة والحجة بعدي، سيخرج من صلبه رجلٌ يكون رضاً لله عز وجل في سمائه ولعباده في أرضه، يقتل في أرضكم بالسم ظلماً وعدواناً، ويدفن بها غريباً، ألا فمن زاره في غربته وهو يعلم أنه امام بعد أبيه مفترض الطاعة من الله عز وجل، كان كمن زار رسول الله صلي الله عليه وآله.

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضا

- في من لا يحضره الفقيه: 2/584

وروي الحسن بن علي بن فضال، عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا صلي الله عليه وآله، أنه قال له رجلٌ من أهل خراسان: يا ابن رسول الله رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضا عليه السلام: أنا المدفون في أرضكم، أنا

بضعة من نبيكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله عز وجل من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجي ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والانس، ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: من رآني في منامه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة واحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزءٌ من سبعين جزء من النبوة.

- وفي من لا يحضره الفقيه: 2/583

وروي البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: ما زارني أحد من أوليائي عارفاً بحقي، إلا شفعت فيه يوم القيامة. ورواه في وسائل الشيعة: 10/ 434

- وفي تهذيب الأحكام: 6/108:

أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال: أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا أنه قال: إن بخراسان لبقعة يأتي عليها زمانٌ تصير مختلف الملائكة، فلا يزال فوجٌ ينزل من السماء وفوجٌ يصعد إلي أن ينفخ في الصور، فقيل له: يا بن رسول الله، وأية بقعة هذه؟

قال: هي أرض طوس، وهي والله روضة من رياض الجنة. من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول الله صلي الله عليه وآله، وكتب الله له ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة مقبولة، وكنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة.

ورواه في من لايحضره الفقيه: 2/585، وفي وسائل الشيعة: 10/445

ختام في بعض قواعد الشفاعة و أحكامه

نصيحة المسلم بأن لا يحتاج إلي الشفاعة

وردت أحاديث تنصح المسلم بأن يكون تقياً في سلوكه، ويتوب إلي ربه من سيآته في الدنيا، حتي

يكون من أهل الجنة، ولا يحتاج إلي شفاعة لغفران ذنوبه يوم القيامة.

- ففي نهج البلاغة: 4/87:

371 - وقال عليه السلام: لاشرف أعلي من الإسلام، ولا عز أعز من التقوي، ولا معقل أحصن من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة.

- وفي من لا يحضره الفقيه: 3/574:

وقال الصادق عليه السلام: شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول: مَا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.

النهي عن الإتكال علي الشفاعة

- في الكافي: 8/405:

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلي نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الإساءة عند ربهم النار، فاعلموا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه، واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئاً، لا ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل، ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله، فليطلب إلي الله أن يرضي عنه.

واعلموا أن أحداً من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته، وطاعة رسوله، وطاعة ولاة أمره من آله، ولم ينكر لهم فضلاً، عظم ولا صغر.

وفي الكافي: 6/400:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن العطار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد عليَّ الحوض، لا والله! لا ينال شفاعتي من شرب المسكر، ولا يرد عليَّ الحوض، لا والله!

أحمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي الحسن عليه السلام قال: إنه لما احتضر أبي عليه السلام قال لي:

يا بني إنه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة، ولا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة.

فقلت: يا أبَه، وأي الأشربة؟

فقال: كل مسكر. ورواهما في تهذيب الأحكام: 9/106

وفي علل الشرائع: 2/356:

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن حديد وعبد الرحمان بن أبي نجران، عن حماد بن عيسي الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

لا تستخقن بالبول ولا تتهاون به، ولا بصلاتك، فإن رسول الله صلي الله عليه وآله قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته، لا يرد علي الحوض، لا والله، ليس مني من شرب مسكراً لا يرد علي الحوض، لا والله. ورواه في المحاسن: 1 /79

- وفي الكافي: 5/469:

محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن اسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: رجلٌ مسلم ابتلي ففجر بجارية أخيه فما توبته؟

قال: يأتيه فيخبره ويسأله أن يجعله من ذلك في حل، ولا يعود.

قال: قلت: فإن لم يجعله من ذلك في حل؟

قال: قد لقي الله عز وجل وهو زان خائن.

قال: قلت: فالنار مصيره؟

قال: شفاعة محمد صلي الله عليه وآله وشفاعتنا تحيط بذنوبكم يا معشر الشيعة، فلا تعودون وتتكلون علي شفاعتنا، فوالله ما ينال شفاعتنا إذا ركب هذا حتي يصيبه ألم العذاب ويري هول جهنم. ورواه في الفقيه: 4/39

- وفي الصحيفة السجادية: 1 /324:

وسألتك مسألة الحقير الذليل، البائس الفقير، الخائف المستجير، ومع ذلك خيفةً وتضرعاً وتعوذاً وتلوذاً، لا مستطيلاً بتكبر المتكبرين، ولا متعالياً بدالة

المطيعين، ولا مستطيلاً بشفاعة الشافعين، وأنا بعد أقل الاقلين وأذل الأذلين، ومثل الذرة...

- وفي مستدرك الوسائل: 11/174:

- جامع الأخبار: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: المؤمن يكون صادقاً في الدنيا، واعي القلب، حافظ الحدود، وعاء العلم، كامل العقل، مأوي الكرم، سليم القلب، ثابت الحلم، عاطف اليقين، باذل المال، مفتوح الباب للإحسان، لطيف اللسان، كثير التبسم، دائم الحزن، كثير التفكر، قليل النوم، قليل الضحك، طيب الطبع، مميت الطمع، قاتل الهوي، زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، يحب الضيف، ويكرم اليتيم، ويلطف الصغير، ويرفق الكبير، ويعطي السائل، ويعود المريض، ويشيع الجنائز، ويعرف حرمة القرآن، ويناجي الرب، ويبكي علي الذنوب، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أكله بالجوع، وشربه بالعطش، وحركته بالأدب، وكلامه بالنصيحة، وموعظته بالرفق، ولا يخاف إلا الله، ولايرجو إلا اياه، ولا يشغل إلا بالثناء والحمد، ولايتهاون، ولا يتكبر، ولا يفتخر بمال الدنيا، مشغولٌ بعيوب نفسه، فارغٌ عن عيوب غيره، الصلاة قرة عينه، والصيام حرفته وهمته، والصدق عادته، والشكر مركبه، والعقل قائده، والتقوي زاده، والدنيا حانوته، والصبر منزله، والليل والنهار رأس ماله، والجنة مأواه، والقرآن حديثه، ومحمد صلي الله عليه وآله شفيعه، والله جل ذكره مؤنسه.

امل العاصين بشفاعة النبي وآله

- في الصحيفة السجادية: 1 /350

اللهم فصل علي محمد وآل محمد، ولا تخيب اليوم ذلك من رجائي، ويا من لا يحفيه سائل ولا ينقصه نائل، فاني لم آتك ثقة مني بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، إلا شفاعة محمد وأهل بيته، عليه وعليهم سلامك...

- وفي الإعتقادات للصدوق/47:

قال النبي صلي الله عليه وآله: لا يدخل رجل الجنة بعمله، إلا برحمة الله عز وجل.

- وفي بحار الأنوار: 8/362

- العيون: فيما كتب الرضا عليه

السلام للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافراً وقد أوعده النار والخلود فيها، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزةٌ لهم.

وهو في عيون أخبار الرضا 7: 268، وفي الخصال: 2/154

- وفي تأويل الآيات: 2/68:

الشيخ رحمه الله في أماليه، عن أبي محمد الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه قال: دخل سماعة بن مهران علي الصادق عليه السلام فقال له: يا سماعة من شر الناس عند الناس؟

قال: نحن يا بن رسول الله!

قال: فغضب حتي احمرت وجنتاه، ثم استوي جالساً وكان متكئاً، فقال:

يا سماعة من شر الناس عند الناس؟

فقلت: والله ما كذبتك يابن رسول الله، نحن شر الناس عند الناس، لأنهم سمونا كفاراً ورافضة.

فنظر الي ثم قال: كيف بكم إذا سيق بكم إلي الجنة، وسيق بهم إلي النار فينظرون إليكم فيقولون: ما لنا لا نري رجالاً كنا نعدهم من الأشرار؟

يا سماعة بن مهران، إنه من أساء منكم إساءة مشينا إلي الله تعالي يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه فنخلصه، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات، وأكمدوا أعداءكم بالورع. انتهي.

ولا بد أن يكون مقصود الإمام الباقر عليه السلام محبي أهل البيت المؤمنين المقبولين عند الله تعالي.

- وفي تأويل الآيات: 2/155:

وروي الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس الله روحه عن رجاله، عن زيد بن يونس الشحام، عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: الرجل من

مواليكم عاقٌ يشرب الخمر، ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه؟

فقال: تبرؤوا من فعله، ولا تتبرؤوا من خيره، وابغضوا عمله.

فقلت: يتسع لنا أن نقول: فاسقٌ فاجر؟

فقال: لا، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا، أبي الله أن يكون ولينا فاسقاً فاجراً وإن عمل ما عمل، ولكنكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس، خبيث الفعل طيب الروح والبدن.

لا والله لا يخرج ولينا من الدنيا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون، يحشره الله علي ما فيه من الذنوب، مبيضاً وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته، لا خوف عليه ولا حزن. وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتي يصفي من الذنوب، إما بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض، وأدني ما يصنع بولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزيناً لما رآه، فيكون ذلك كفارةً له. أو خوفاً يرد عليه من أهل دولة الباطل، أو يشدد عليه عند الموت، فيلقي الله عز وجل طاهراً من الذنوب، آمنة روعتة بمحمد وأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما.

ثم يكون أمامه أحد الأمرين: رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من أهل الأرض جميعاً، أو شفاعة محمد وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، إن أخطأته رحمة الله أدركته شفاعة نبيه وأمير المؤمنين، فعندها تصيبه رحمة الله الواسعة، وكان أحق بها وأهلها، وله إحسانها وفضلها. انتهي.ورواه في أصل زيد الزراد/51

ولا بد أن يكون المقصود بوليهم المؤمن المقبول عند الله تعالي.

- وفي بحار الأنوار: 8/362:

تذييل: اعلم أن الذي يقتضيه الجمع بين الآيات والأخبار أن الكافر المنكر لضروري من ضروريات دين الإسلام مخلدٌ في النار، لا يخفف عنه العذاب إلا المستضعف الناقص في عقله، أو الذي لم يتم عليه الحجة،

ولم يقصر في الفحص والنظر، فإنه يحتمل أن يكون من المرجون لأمر الله، كما سيأتي تحقيقه في كتاب الإيمان والكفر. وأما غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم ينكر شيئاً من ضروريات دين الإسلام فهم فرقتان:

إحداهما، المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة فهم في النار خالدون.

والأخري، المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجة، فهم المرجون لأمر الله، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجي لهم النجاة من النار.

وأما أصحاب الكبائر من الإمامية فلا خلاف بين الإمامية في أنهم لا يخلدون في النار، وأما أنهم هل يدخلون النار أم لا؟ فالأخبار مختلفة فيهم اختلافاً كثيراً.

ومقتضي الجمع بينها أنه يحتمل دخولهم النار، وأنهم غير داخلين في الأخبار التي وردت أن الشيعة والمؤمن لا يدخل النار، لأنه قد ورد في أخبار أخر أن الشيعة من شايع علياً في أعماله، وأن الإيمان مركبٌ من القول والعمل.

لكن الأخبار الكثيرة دلت علي أن الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار، وفي هذا التبهيم حكم لا يخفي بعضها علي أولي الأبصار.

الاولي بشفاعة النبي وآله

- في مستدرك الوسائل: 8/442:

وبهذا الإسناد: عن علي بن أبي طالب قال: قيل يا رسول الله ما أفضل حال أعطي للرجل؟

قال: الخلق الحسن، إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعة: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس.

ورواه في صفحة 454، وفي 11/171

- وفي تفسير نور الثقلين: 1/77:

في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثٌ من كن فيه استكمل خصال الإيمان: من صبر

علي الظلم وكظم غيظه، واحتسب وعفي وغفر، كان ممن يدخله الله تعالي الجنة بغير حساب، ويشفعه في مثل ربيعة ومضر.

- وفي المقنعة/267:

وقال صلي الله عليه وآله: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجلٌ نصر ذريتي، ورجلٌ بذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجلٌ أحب ذريتي بالقلب واللسان، ورجلٌ سعي في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا.

- وفي فردوس الأخبار للديلمي: 5/107 ح 7327

أنس بن مالك: وعدني ربي عز وجل في أهل بيتي: من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ، أن لا يعذبهم.

- وفي فردوس الأخبار: 1/54 ح 28:

عبد الله بن عمر: أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ثم الأنصار. ثم من آمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب والأعاجم. ومن أشفع له أولاً أفضل.

وفي الطبراني الكبير: 12/421

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): أول من أشفع له يوم القيامة أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش، ثم الأنصار ثم من أمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم، وأول من أشفع له أولوا الفضل.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/381

- وفي مجمع الزوائد ج10/380:

باب في أول من يشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصار، ثم آمن بي واتبعني من أهل اليمن، ثم من سائر العرب، ثم الأعاجم. وأول من أشفع له أولو الفضل. رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم.

الدعاء للنبي باعطائه الشفاعة

- في الكافي: 3/187:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن رجل،

عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تقول: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم صل علي محمد عبدك ورسولك، اللهم صل علي محمد وآل محمد، وتقبل شفاعته، وبيض وجهه، وأكثر تبعه.

وفي الصحيفة السجادية 1/291:

اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع، وأول قائل، وأنجح سائل.

اللهم صل علي محمد وآل محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وأفضل العالمين وخير الناطقين، وقائد الغر المحجلين، ورسول رب العالمين.

اللهم أحسن عنا جزاءه، وعظم حباءه وأكرم مثواه وتقبل شفاعته في أمته وفي من سواهم من الأمم، واجعلنا ممن تشفعه فيه، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة.

- وفي تهذيب الأحكام: 6/100:

وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة، والمكان المحمود والمقام المعلوم عند الله عز وجل، والجاه العظيم، والشأن الكبير والشفاعة المقبولة.

ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم، فبحق من ائتمنكم علي سره، واسترعاكم أمر خلقه، وقرن طاعتكم بطاعته، لما استوهبتم ذنوبي، وكنتم شفعائي، فإني لكم مطيع.

من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم فقد عصي الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله.

اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب اليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم، إنك أرحم الراحمين.

الدعاء بطلب الشفاعة لوالديه و أقاربه

-

في الصحيفة السجادية 1/347:

اللهم رب هذه الأمكنة الشريفة، ورب كل حرم ومشعر عظمت قدره وشرفته... واغفر لي ولوالدي ولمن ولدني من المسلمين، وارحمهما كما ربياني صغيراً، واجزهما عني خير الجزاء، وعرفهما بدعائي لهما ما يقر أعينهما، فإنهما قد سبقاني إلي الغاية، وخلفتني بعدهما، فشفعني في نفسي وفيهما، وفي جميع أسلافي من المؤمنين والمؤمنات، في هذا اليوم يا أرحم الراحمين. انتهي.

مسائل حول التوسل

مفردات التوسل

وقع خلط في مسائل هذا الباب ومعاني مفرداته، فكان لا بد من تمييزها.

وأهم المفردات المستعملة في التوسط بين الإنسان وربه عز وجل، هي:

الدعاء، النداء، التوسل، التذرع، الإستشفاع، الإستعانة، الإستغاثة، السؤال به، التوجه به. ويتصل بها: التضرع، والابتهال، والتبرك..

وقد استعمل الإسلام كلمات: الشفاعة والتوسل والإستشفاع والتوجه إلي الله تعالي، بعمل، أو شخص، أو سؤاله بكرامته عليه، أو حقه، أو جاهه عنده.. الخ. بنفس معناها اللغوي، وهو التوسط إلي الله تعالي بعمل أو بشخص، أو طلب التوسط من ذلك الشخص إلي الله تعالي.

ويتخيل بعضهم أن توسيط شخص إلي شخص أو إلي الله تعالي، يتضمن إشراكه في مقام المتوسط إليه، وهو خطأٌ لأن التوسيط يدل علي أن للواسطة وجاهةً ما، يؤمل بها أن يقبل المتوسط إليه شفاعته.

فمعني الشراكة في الألوهية معني آخر لا يأتي من التوسيط، بل قد يكون من عقيدة المتوسط ونيته، وقد لا يكون أصلاً.

وسوف تعرف بطلان دعوي ابن تيمية وأتباعه تحريم بعض أنواع التوسيط بحجة أنه يتضمن شركاً بالله تعالي، وأن الشرك لا يأتي من التوسيط بل من خارجه.

ويبدو أن أقوي معاني التوسيط: سؤال الله تعالي بشخص، أو بعمل.. ويأتي بعده في المرتبة: التوسل والتوجه به إلي الله تعالي.

ففي روضة الواعظين للنيسابوري/327، أن أبا بصير

سأل الإمام الصادق عليه السلام: ما كان دعاء يوسف في الجب، فإنا قد اختلفنا فيه؟

قال: إن يوسف لما صار في الجب وآيس من الحياة قال: اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي اليك صوتاً، ولن تستجيب لي دعوة فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب، فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه، فقد علمت رقته عليَّ وشوقي إليه. قال: ثم بكي أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: وأنا أقول:

اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي اليك صوتا ولن تستجيب دعوة، فإني أسألك بك فليس كمثلك شئ، وأتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة، يا الله يا الله يا الله.

قال ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: قولوا هذا وأكثروا منه، كثيراً ما أقوله عند الكرب العظام. انتهي.

ونلاحظ أن الإمام الصادق عليه السلام أجري تعديلاً علي دعاء نبي الله يوسف عليه السلام، وجعل السؤال فجعله بالله تعالي وحده، وجعل التوجه إليه بنبيه محمد صلي الله عليه وآله.

وهو يدل علي أن سؤال الله تعالي بالشئ أعظم من التوجه إليه به.

فالتوجه هو أن يقدم السائل شخصاً له وجهةٌ عند المسؤول.

والسؤال به يشبه المطالبة بحق للمسؤول به علي المسؤول.

والإستشفاع قريبٌ من التوجه، وهو توسيط من له حق الوساطة.

ولا يبعد أن يكون التوسل أعم منها جميعاً، لأنه توسيط من له وجهة عند المسؤول، أو له حق عنده، أو له حق شفاعة ووساطة..

وقد يكون التوسل غير ناظر إلي حق المسؤول به نهائياً بل ناظرٌ إلي مسيس حاجة السائل المتوسل، فيكون التوسل من هذه الناحية علي نحو القضية المهملة.

والذي أعتقده أن هذه التعبيرات الأربع (التوجه

بشخص أو شئ، والتوسل به، والإستشفاع به، والسؤال به) غير مترادفة، ويتضح ذلك من استعمالات القرآن والنبي وآله لها، وهم أفصح من نطق بالضاد، وأعلم الناس بالله تعالي وأدب سؤاله. وأن مانراه من من ترادفها فهو بالنظرة الأولي.

ويحتمل في بعضها أن المعصومين (عليهم السلام)أقروا ترادفها تخفيفاً علي الأمة، أو أن الراوي اشتبه في نقلها لترادفها في ذهنه.

ويؤيد ذلك أن الإمام الصادق عليه السلام قال (وأنا أقول.. وفي رواية ولكني أقول) وهو بذلك لا خطئ يوسف عليه السلام بسؤاله بأبيه يعقوب، ولكنه ارتقي في أدب الدعاء فسأل الله تعالي به وحده، مشيراً بذلك إلي أن حق يعقوب وحق جميع الرسل والعباد إنما هو تفضل من الله تعالي وليس ذاتياً، فالتوجه بمقام الجاه الذي أعطاهم الله أنسب.

وفي هذا الموضوع بحوثٌ مفيدة لطيفة، يحسن لمن أرادها أن يتأمل في نصوص أدعية الصحيفة السجادية، ففيها أنواع المعرفة بالله تعالي، وأدب سؤاله ودعائه، وفيها خصائص الكلمات العربية، التي ليس فيها مترادفٌ بالمعني الدقيق!

الدعاء والنداء

توسع العرب في مادة (دَعَوَ) واستعملوا مشتقاتها في معان كثيرة، مثل نداء الشخص لأي غرض حتي مجازاً، ودعائه إلي طعام.. ومن ذلك الدعاء إلي عبادة الله تعالي، أو غيره، كما قال تعالي (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك)!

قال الخليل في العين: 2/221:

(وفلانٌ في مدعاة إذا دعي إلي الطعام. وتقول دعا دعاء، وفلان داعي قوم وداعية قوم: يدعو إلي بيعتهم دعوة. والجميع: دعاة). انتهي.

- وقال الراغب في المفردات/169:

الدعاء كالنداء، إلا أن النداء قد يقال بيا أو أيا ونحو ذلك، من غير أن يضم إليه الإسم، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الإسم نحو يا

فلان... ودعوته إذا سألته وإذا استغثته، قال تعالي (قالوا ادع لنا ربك) أي سله.

وقال (قل أرأيتم أن أتاكم عذاب الله أ وأتتكم الصاعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين بل اياه تدعون) تنبيها أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا إليه.

وادعوه خوفاً وطمعاً. وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين. وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه. وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه.

ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك. انتهي.

- وفي الفروق اللغوية لأبي هلال/534:

الفرق بين النداء والدعاء: أن النداء هو رفع الصوت بماله معني، والعربي يقول لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندي لصوتنا، أي أبعد له.

والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه، يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي، ولا يقال ناديته في نفسي. انتهي.

والنتيجة

أن النداء الذي هو أحد معاني الدعاء، يشمل النداء لأي غرض كان، ويشمل النداء الحقيقي والمجازي.. وعليه فلا يصح زعمهم أن قول القائل (يا محمد يا علي يا فاطمة) هو حرامٌ وشرك، لأنه دعاء لغير الله تعالي وعبادة له!

فإن ذلك يتبع عقيدة المنادي ونيته، فإن كانت نيته عبادتهم والعياذ بالله، فهو شرك أو كفر! أما إذا كان غرضه التوسل بهم إلي الله تعالي، كما هو عقيدة الشيعة وعامة المتوسلين المستغيثين من المسلمين، والمتبادر إلي أذهان عوامهم فضلاً عن علمائهم، فهو عبادةٌ لله تعالي وتوسلٌ إليه بالنبي وآله، الذين شرع التوسل بهم، صلوات الله عليهم.

وسيأتي أن الإستعانة والإستغاثة كالتوسل والإستشفاع وبقية ألفاظ التوسيط، معنيً وحكماً.

التوسل في الأديان السابقة

هل كان مبدأ التوسل والإستشفاع إلي الله تعالي بالأعمال والاشخاص موجوداً في الدين الإلهي قبل الإسلام؟

والجواب بالإيجاب، لأن قوله تعالي

في آخر سورة نزلت من القرآن:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة: 35

ليس دعوةً إلي سنة جديدة، بل إلي سنته سبحانه في الأديان السابقة.

ولذلك أبقي الوسيلة مطلقةً ولم يبينها، لأنها معهودةٌ في أذهان المتديني بأنها التوسل إلي الله تعالي بالأعمال الصالحة وبرسله وأوصيائهم، وبذلك تكون الآية إذناً للمسلمين بأن يتوسلوا إليه بأعمالهم وبنبيه وأوصيائه، كما كانت السنة في الأديان السابقة.

فإن قلت: مادام الإسلام جاء بمبدأ الواسطة بين الله وعباده، وأمر به، فلماذا كل هذا الإنكار في القرآن والحديث علي المشركين الذين اتخذوا آلهتهم ومعبوديهم وسائط بينهم وبين الله تعالي؟ وماذا يصير الفرق بينهم وبين المؤمنين؟!

والجواب:

أن الفرق بين المؤمنين والمشركين في كل الأديان: أن المشركين جعلوا لله شركاء وشفعاء لم يأذن بهم، فأشركوهم معه بأنواع من التشريك الذي زعموه.

أما المؤمنون فوحدوا الله وأطاعوه، وهو الذي أمرهم باتخاذ الوسيلة اليه والتوجه اليه بهم وتقديمهم بين يدي دعائهم وأعمالهم.. فالأنبياء والأوصياء وسيلةٌ مشروعةٌ وشفعاء بإذنه.

وبذلك يكون الحد الفاصل بين الشرك والتوحيد في نوع الواسطة لا في أصلها: فالواسطة التي أذن بها الله الواحد الأحد سبحانه لا تنافي التوحيد بل تؤكده..

والواسطة التي لم يأذن بها شركٌ يخرج صاحبه عن التوحيد.

والله تعالي يستحيل أن يأذن باتخاذ وسيلة اليه ممن يزعم أن له شراكة معه! ولذا لا يدعي المتوسلون بالرسل والأوصياء عليهم السلام أن لهم شراكةً مع الله تعالي ولو بقدر ذرة! بل هم عبادٌ مكرمون، شاء الله تعالي أن يجعلهم وسائط لعطائه.

الفرق بين التوسل و أنواع الشرك

تضمنت آيات القرآن الكريم كل المفاهيم اللازمة للبشر، في تحديد ما هو من دون الله في العبادة والإطاعة، وما

هو من الله. وفيما يلي أهم عناوينها:

1 - الذين هم من دون الله

هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. لقمان: 11

أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. الزمر: 36

2 - الآلهة من دون الله

قال تعالي عن الأصنام المعبودة عند قوم عاد:

قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَي اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. هود: 53 - 56

وقال تعقيباً علي إهلاك حضارت عاد وثمود ومصر:

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَئٍْ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ. هود: 101

وقال عن آلهة البابليين:

قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًي يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَي أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِألِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَي أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَي رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَي إِبْرَاهِيمَ. الأنبياء: 59 - 69

وقال عن آلهة الرومان:

وَرَبَطْنَا عَلَي قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا. هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللهَ فَاوُواْ إِلَي الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا. الكهف: 14 - 16

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَي قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَ هُمْ مُهْتَدُونَ. وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونَ. إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. يس: 20 - 24

وقال عن تأليه النصاري لعيسي ومريم:

وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ آنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ... المائدة: 116 - 120

وقال عن آلهة أمم مختلفة:

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا. الفرقان: 3

وقال عن (الالهة) الذين رضوا بأن يعبدهم الناس:

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ. إِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ. لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَ كُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ. الأنبياء: 96 - 99

لَهُمْ

فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَي رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ. الفرقان: 16 - 17

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَي صِرَاطِ الْجَحِيمِ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ. بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَي بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ. قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ. فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ. فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ. فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ. الصافات: 21 - 33

وقال عن آلهة بعض مشركي العرب:

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا. مريم: 18 - 82

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ. فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ. يس: 74 - 76

وقال عن آلهة مكذبي الرسل من الأمم السابقة والعرب:

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ. الأنبياء: 24

وقال عن تأليه الملائكة والأنبياء:

وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ. الأنبياء: 29

وقال عن قوم سبأ:

إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَئٍْ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ. أَلا يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ

وَمَا تُعْلِنُونَ. اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. النمل: 23 - 26

وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. النمل: 43 - 44

وقال عن آلهة الحضارات التي في الجزيرة العربية وحولها:

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَي وَصَرَّفْنَا الأيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذَوُا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ. الأحقاف: 27 - 28

وقال عن عباد الرحمن الموحدين:

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي الْأَرْضِ هَوْنًا وَ إِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا.... وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. الفرقان: 63، 68

3 - المعبودون من دون الله

قال تعالي عن المعبودين من دون الله عند أمم مختلفة:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ. يونس: 104 - 106

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ. الحج: 71

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَي رَبِّهِ ظَهِيرًا. الفرقان:55

وقال عن عبادة الناس غير الملموسة

للحكام الطواغيت:

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَي الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَي اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. النحل: 35 - 36

وقال عن معبودات البابليين:

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَي إِبْرَاهِيمَ. الأنبياء: 66 - 69

وَأَتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ. قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ. قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ. قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَ آبَاؤُكُمُ أَلأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ أَلْعَالَمِينَ. الشعراء: 69 - 77

وَأُزْلِفَتِ أَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَبُرِّزَتِ أَلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ. وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ أَللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ. فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَأَلْغَاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ. قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ. تَأَللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ أَلْعَالَمِينَ. وَمَا أَضَلَّنَا إِلا أَلْمُجْرِمُونَ. الشعراء: 90 - 99

وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. العنكبوت: 16 - 17

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لابْرَاهِيمَ.

إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ. أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ. فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ. فَرَاغَ إِلَي آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ. فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ. قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ. وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ. الصافات: 83 - 96

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ. العنكبوت: 24 - 25

فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا. مريم: 49

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّي تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَئٍْ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. الممتحنة: 4

وقد تقدمت الآيات 97 - 99 من سورة الأنبياء، والفرقان - 17، عن (الآلهة) الذين رضوا بأن يعبدهم الناس.

وقال تعالي عن عبادة النصاري للمسيح ومريم:

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَاكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الأيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّي يُؤْفَكُونَ.

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. مائدة: 75 - 76

وقال عن عبادة العرب

وأمثالهم للاصنام:

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ.

أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. الزمر: 2 - 3

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لايَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ.

فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَي شَئٍْ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَي شَئٍْ وَهُوَ كَلٌّ عَلَي مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. النحل: 73 - 76

وقال مقارنا بين عبادة الرسول (ص) وعبادة مكذبيه:

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ.

قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي. فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. الزمر: 11 - 15

وقال عن تخويف المشركين للنبي بمعبوداهم:

أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ

رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ. الزمر: 36 - 38

4 - الأنداد من دون الله

قال تعالي عن الرؤساء المطاعين من دون الله (الانداد):

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. البقرة 165 - 166

وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُواْ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ. الزمر: 8

5 - الشركاء من دون الله

قال تعالي عن الأصنام:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِي مَا آتَاهُمَا فَتَعَالَي اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ.

وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ.

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَي الْهُدَي لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ.

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوالَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ. الأعراف: 189 - 195

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَئٍْ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَي النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا

يَشْكُرُونَ.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يوسف: 38 - 40

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكَافِرِينَ. غافر: 70 - 74

6 - المزعومون من دون الله

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً.

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا.

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا. الإسراء: 56 - 58

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. سبأ: 22

7 - المدعوون من دون الله

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لاتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلاضِلَّنَّهُمْ وَلامَنِّيَنَّهُمْ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا. يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا. النساء: 117 - 120

قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَي أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَي الْهُدَي ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَي اللهِ هُوَ الْهُدَي وَأُمِرْنَا

لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. الأنعام: 71

وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. الأنعام: 108

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّي إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ. الأعراف: 37

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَئٍْ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَي الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَ مَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ. الرعد: 14

أَلا إِنَّ للهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ. يونس: 66

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ. لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ. النحل: 20 - 23

وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَي الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا. الإسراء: 67

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَي أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. الأنعام: 40 - 42

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ

كَانَ بِي حَفِيًّا. وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُواْ رَبِّي عَسَي أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا. مريم: 46 - 48

وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّي يُؤْفَكُونَ. الزخرف: 86 - 87

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَي حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَي وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالأخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ. يَدْعُواْ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَي وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ. الحج: 11 - 13

ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. الحج: 62

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الحج: 73 - 74

ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. لقمان: 30

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّي ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ.

إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. فاطر: 13 - 14

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَإِذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْهُ

بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا. فاطر: 40

وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَ ظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ. فصلت: 48

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ. الأحقاف: 4 - 6

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ. الزمر: 38

وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَئٍْ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. غافر: 20

هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. غافر: 65 - 66

وقال تعالي عن اهلاك الحضارات الظالمة:

فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ. العنكبوت 40 - 43

الرسول داعي الله

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَي قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَي مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ وَإِلَي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. الأحقاف: 29 - 32

قُلْ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا. قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا. الجن: 20 - 21

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. قُلْ إِنِّي عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ. الأنعام: 56 - 57

إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّي الصَّالِحِينَ. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَي الْهُدَي لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. الأعراف: 196 - 199

المؤمنون يدعون الله تعالي وحده

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَي رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَئٍْ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَئٍْ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. الأنعام: 51 - 52

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ

ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. الكهف: 28

8 - الشفعاء من دون الله والشفعاء من الله

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ. قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَي أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَي الْهُدَي ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَي اللهِ هُوَ الْهُدَي وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. الأنعام: 70 - 71

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ. يونس: 18

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَي الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. السجدة: 4 - 5

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.الزمر: 43 - 46

9 - الأرباب من دون الله

قال الله تعالي عن ربوبية

الحكام والأحبار عند أهل الكتاب:

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. آل عمران: 64

إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. التوبة: 31

وقال تعالي عن المسيح والأنبياء:

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلا يَامُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَامُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. آل عمران: 79 - 80

وقال عن أرباب الفراعنة وأتباعهم في مصر:

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَئٍْ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَي النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ. يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يوسف: 38 - 40

هذا وقد تقدم تصنيف آيات الشفاعة في المجلد الثالث.

10-الشهداء من دون الله والاشهاد من الله

وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَي عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ. البقرة: 23

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَي رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَي رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَي

الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالأخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ. هود: 18 - 19

11 - الصدق عن الله والإفتراء من دون الله

وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ. وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. يونس: 36 - 39

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. هود: 13 - 14

12 - العاصم من الله والعاصم من دون الله

قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَعُّونَ إِلا قَلِيلاً.

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. الأحزاب: 16 - 17

13-الوليجة من دون الله:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. التوبة: 16

14 - الأولياء من دون الله:

وهذا الموضوع أوسع المواضيع في مصطلح (من دون الله القرآني) لأن الأولياء من دونه في المجتمعات البشرية والسلوك الإنساني متنوعون. قال الله تعالي:

أَلَمْ تَعْلَمْ

أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. البقرة: 107

الاولياء الشياطين

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقًا هَدَي وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. الأعراف: 29 - 30

التأثر بأفكار الناس يجعلهم أولياء من دون الله

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَنْ تَابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَي لِلذَّاكِرِينَ. وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. هود: 112 - 115

إِتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. الأعراف: 3

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. الرعد: 11

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا. قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. الكهف: 25 - 27

وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ

مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ. القصص: 80 - 81

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَي وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَئٍْ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الرعد: 16

انكشاف عدم فائدة الأولياء من دون الله في الآخرة

وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ. وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ. اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ. الشوري: 45 - 47

وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا. وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالاً. مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَارًا. نوح: 22 - 25

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. الزمر: 2 - 3

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ.

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَي وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ

فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. أَمِ اتَّخَذَوُا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَي وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. الشوري: 6 - 9

تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ. وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَي عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتخَّذَهَأَ هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. الجاثية: 6 - 10

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. الرعد: 11

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِيءُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَي اللَّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الأخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ. وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. العنكبوت: 18 - 23

- وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَي إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً. قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً. قُلْ كَفَي بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ

كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا. وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَي وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا. الإسراء: 94 - 97

أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا. وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَي مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَي عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا. هُنَالِكَ الْوَلايَةُ للهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا. الكهف: 41 - 44

قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّي نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا. فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا. وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا. الفرقان: 18 - 20

لا وجود حقيقيا لولي من دون الله

- إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَي النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. التوبة: 116 - 117

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَي جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ. وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَنْ كَثِيرٍ. وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. الشوري: 29 - 31

نتيجة

من الآيات المتقدمة، يتضح أن سبب الكفر والشرك والضلال، ثلاثةُ أمور:

الأول: زعم

الألوهية لأحد غير الله تعالي.

والثاني: زعم الشراكة في الألوهية أو في التصرف في الخلق لأحد مع الله تعالي.

والثالث: زعم حق الوسيلة والوساطة لأحد أو شئ لم يأذن به الله تعالي.

أما التوسل إلي الله بمن أذن بالتوسل به، وبدون ادعاء شراكة له مع الله تعالي.. فهو خارجٌ عن هذه الحالات المذمومة كلها، ولا يدخل في شيء من الكفر والشرك والضلال، بل هو إطاعة لله، لأنه اتخاذ وسيلة بأمره، وليس من دونه.

فالميزان في المسألة هو: أن اتخاذ الوسيلة والشفعاء من دون الله تعالي شرك وكفر، واتخاذهم من عنده بإذنه وأمره، إيمان وتقوي.

وشتان بين الأمرين!! فهما وإن تشابها في الظاهر لكن الفرق بينهما هو المسافة بين الكفر والضلال، والهدي والرشاد.

وبذلك تعرف وهن تشبث به ابن تيمية وأتباعه فحكموا علي أكثر المسلمين بالكفر بسببه!! واستحلوا بذلك دماءهم وأموالهم!!

شبهة علي أصل التوسل

أثار بعضهم اشكالاً علي مبدأ التوسل، شبيهاً بما مر في الشفاعة..

والسبب في ذلك أنهم رأوا الشفاعات والوساطات والمحسوبيات السيئة عند الرؤساء والمسؤولين في دار الدنيا، وما فيها من محاباة وإعطاء بغير حق، ولا جهد من المشفوع لهم، أو المتوسط لهم.

وبما أن الله تعالي يستحيل عليه أن يحابي كما يحابي حكام الدنيا، وإنما يعطي جنته وثوابه بالإيمان والعمل الصالح.. فلذا صعب علي هؤلاء قبول الشفاعة والوساطة والوسيلة إلي الله تعالي!

ولكنه فات هؤلاء أنه لا استحقاق في الأصل لمخلوق علي الله تعالي، وأن المنشأ الحقوقي الوحيد لحق المخلوق علي ربه هو وعده سبحانه إياه بالعطاء، فهو حقٌّ مكتسبٌ بالوعد لأن الله تعالي رحيمٌ صادق، وليس حقاً أصلياً للعبد!

وفاتهم أيضاً، أن الإستشفاع والتوسل إليه تعالي عملٌ صالح، لأنه تعالي أمرنا أن نبتغي إليه

الوسيلة.

فاتهم أن الحكمة من جعله تعالي الأنبياء والأوصياء الوسيلة إليه تعالي:

أولاً: أن يعالج مشكلة التكبر في البشر، لأن البشر لا يمكنهم الإنتصار علي تكبرهم والخضوع لعبودية الله تعالي، إلا إذا انتصروا علي ذاتيتهم في مقابل الأنبياء والأوصياء، واعترفوا لهم بالفضل والمكانة المميزة والإختيار الإلهي، وأنهم المبلغون عن الله تعالي.. فهذا الإعتراف مطلوب لأنه مقدمة علمية وعملية للإيمان بالله تعالي وممارسة العبودية له.

فبدون الخضوع للأنبياء والأوصياء لا يتحقق خضوع حقيقي لله تعالي، ولا إيمان حقيقي به!! وهذا هو المقصود بقوله تعالي (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.)!!

لقد كان من الممكن أن يقول الله تعالي للناس: آمنوا بي ولا شغل لكم برسلي وأوليائي، فإنما هم مبلغون لما أرسلتهم به، وإنما (الرسول طارش) كما قال بعض الوهابيين! ولكن ذلك لا يعالج مشكلة الإنسان في التكبر علي عباد الله!!

وإذا لم تنحل مشكلته هذه، لم تنحل مشكلته في التكبر علي ربه وادعاءاته الفارغة بقربه منه وتكريمه له!!

فالخضوع العملي للمخلوقين الربانيين الممتازين، هو الطريق الطبيعي الوحيد للخضوع للخالق سبحانه.

وهما نوعان مختلفان من الخضوع، لأن حق الخضوع لله ذاتي، ولأوليائه تبعي جعلي.. بل هما في الحقيقة نوعٌ واحد، لأن الخضوع للأولياء بأمر الله تعالي إنما هو خضوعٌ لله تعالي.

وثانياً: أن جعل الأنبياء والأوصياء وسيلة إلي تعالي ضرورة ذهنية للبشر.. ذلك أن الفاصلة بين ذهن الإنسان المحدود الميال إلي المادية والمحدودية، وبين التوحيد المطلق المطلوب والضروري، فاصلةٌ كبيرة، فهي تحتاج إلي نموذج ذهني حاضر من نوع الإنسان، يمارس التوحيد أمامه ويكون قدوةً له. وبدون هذا النموذج القدوة، يبقي الإنسان في معرض الجنوح في تصوره للتوحيد وممارسته، والجنوح في هذا الموضوع الخطير، أخطر أنواع جنوح

الضلال!!

وهذا هو السبب في اعتقادي في أن الله تعالي جعل أنبياءه وأوصياءهم حججاً علي العباد، وهو السبب في أنه جعلهم من نوع الناس أنفسهم وليس من نوع آخر كالملائكة مثلاً.

والنتيجة:

أن وجود الوسيلة بين العباد والله تعالي لو كان أمره يرجع الينا لصح لنا أن نقول ياربنا نريد أن تجعل كل أنواع ارتباطنا بك مباشراً، فلا تجعل بيننا وبينك واسطةً في شئ! كما يميل إليه أهل الإشكال علي الشفاعة والتوسل!

ولكن الأمر له سبحانه، فالأفضل أن يكون منطقنا سليما فنقول:

اللهم لا نقترح عليك، فأنت أعلم بما يصلحنا، وإن أردت أن تجعل أنبياءك وأوصياءك واسطةً بيننا وبينك، وحججاً علينا عندك، فنحن مطيعون لك ولهم، ولا اعتراض عندنا..

وهذا هو التسليم المطلق لإرادته تعالي الذي عبر عنه بقوله لرسوله صلي الله عليه وآله في سورة الزخرف: 81 - 82: قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين.

ومعناه: أيها الرسول وحد لله تعالي توحيداً بلا شرط، واقبل معه كل شرط حتي لو اتخذ ولداً وأمرك بعبادته!

ثم بين تعالي أن الواقع أنه لم يتخذ ولن يتخذ ولداً فقال:

سبحان الله رب السماوات والأرض، رب العرش، عما يصفون.

مسألة التوسل دقيقة و حساسة

فهي مسألة ذات حدين، لابد فيها التوازن والحذر من الإفراط والتفريط!

فلا هؤلاء الوسائط يملكون شيئاً مع الله تعالي.. لأنهم مخلوقون فقراء إليه تعالي.

كما أنه لا غني للناس عن وساطتهم إلي الله.. لأنهم عباده المكرمون الذين أمر بالتوجه اليه بهم.

والتعادل المطلوب فيها تعادل فكري وعملي.. لأن الحركة الإنحرافية، ذهنية أو عملية، قد توجب الضلال!!

فالذين ينقصون من دور أنبياء الله وأوصيائه ومقامهم عند الله تعالي، بحجة توحيده وإبعاد الشركاء عن ساحته المقدسة، يقعون في

الضلال والبعد عن الطريق الذي عينه الله لتوحيده وطاعته..وهو طلعتهم، والتوجه اليه بهم!

والذين يزيدون علي دورهم المحدد من الله تعالي، ويجعلون لهم معه شراكةً في ملكه أو حكمه أو عبادته، ولو ذرةً واحدة، بحجة أنه جعلهم وسيلةً إليه.. يقعون في الضلال والبعد عن الطريق الذي عينه الله تعالي، والذي هو التوحيد المطلق!

وبسبب هذه الدقة في العقيدة الإسلامية في الأنبياء والاوصياء نري أن الآيات والأحاديث الشريفة أكدت علي الجانبين معاً!

1 - فهي تؤكد من ناحية علي أن طاعته تعالي إنما تكون بطاعتهم وابتغاء الوسيلة إليه عن طريقهم.

2 - ومن ناحية أخري تؤكد علي بشريتهم، وأن الذين جعلوهم آلهة أو شركاء لله قد ضلوا وكفروا.

وفيما يلي نورد بعض الآيات في إطاعة الرسول صلي الله عليه وآله، ونلاحظ أن الله جعل طاعة الرسول إيماناً ومعصيته كفراً! وهو مقام مافوقه مقام لمخلوق أن يجعل الله طاعته طاعته، ومعصيته معصيته!!

قال سبحانه:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ. آل عمران: 32

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّي فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا. النساء: 80

وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ وَكَفَي بِاللهِ وَكِيلًا. النساء:" 81

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. وَ لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. الانفال: 20 - 23

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ

وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَي بِاللهِ عَلِيمًا. النساء: 69 - 70

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ. وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. النور: 52 - 53

قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. النور: 54

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب: 70 - 71

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ. محمد: 33

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا. الفتح: 17

تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ. النساء: 13 - 14

ونلاحظ هنا أن نفس فريضة الإطاعة التي فرضها الله لرسوله، فرضها لأولي الأمر من بعده! صلي الله علي رسوله وآله، قال تعالي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَئٍْ فَرُدُّوهُ إِلَي اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلًا. النساء: 59

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً. النساء: 83

ومن الجهة الأخري قال تعالي

في الذين ألَّهوا الأنبياء والأولياء أو جعلوهم شركاء لله سبحانه:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ. وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ. الأنبياء: 25 - 29

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَي مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الزمر: 2 - 4

تأكيد الأئمة علي المحافظة علي التوحيد في التوسل

وذلك في نصوص كثيرة، ومنها نصوص الأدعية والتوسلات التي علمها الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) لشيعتهم، كما لاحظت فيما أوردناه منها.. وهذا نموذجٌ آخر:

- في بحار الأنوار: 98/168:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت علي الله عز وجل، وصليت علي النبي صلي الله عليه وآله، واجتهدت في ذلك إن شاء الله، ثم تقول: سلامُ الله وسلام ملائكته فيما تروح وتغدو.

من هم المتوسل بهم عند المسلمين

يكاد يكون التوسل والإستشفاع في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، محصوراً روايةً وعملاً بمحمد وآله المعصومين صلي الله عليه وعليهم.

ولم أجد في سيرة أئمتنا (عليهم السلام)، ولا في سلوك المتشرعين من أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومين (عليهم السلام)! وإن وجد فهو توسلٌ بهم تبعاً للمعصومين أو في موارد خاصة.

نعم ورد في عدد من الأدعية عن أهل البيت (عليهم السلام) تعليم التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين، وكتب الله المنزلة، وعباده الصالحين، والأعمال الصالحة..

ففي مصباح المتهجد/358:

اللهم إني أتقرب اليك بجودك وكرمك، وأتشفع اليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتوسل اليك بملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، أن تقيلني عثرتي، وتستر علي ذنوبي، وتغفرها لي، وتقلبني بقضاء حاجتي، ولا تعذبني بقبيح كان مني.

يا أهل التقوي وأهل المغفرة، يا بر ياكريم، أنت أبر بي من أبي وأمي، ومن نفسي، ومن الناس أجمعين، بي اليك فاقة وفقر، وأنت غني عني...

- وفي مصباح المتهجد /302

روي ابراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: للأمر المخوف العظيم تصلي ركعتين، وهي التي كانت الزهراء عليها السلام تصليها، تقرأ في الأولي الحمد، وقل هو الله أحد خمسين مرة، وفي الثانية مثل ذلك، فإذا سلمت صليت علي النبي صلي الله

عليه وآله، ثم ترفع يديك وتقول:

اللهم اني أتوجه بهم اليك وأتوسل اليك بحقهم العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك وبحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسني وكلماتك التامات، التي أمرتني أن أدعوك بها.

وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت ابرهيم عليه السلام أن يدعو به الطير فأجابته.

وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني برداً وسلاماً علي ابرهيم فكانت.

وبأحب أسمائك إليك، وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابة، وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه...

وأسألك بكتبك التي أنزلتها علي أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، من أولها إلي آخرها، فإن فيها اسمك الأعظم. وبما فيها من أسمائك العظمي أتقرب اليك.

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

سيرة أئمة المذاهب السنية وسلوك أتباعهم حافلةٌ بالتوسل بمن يعتقدون صلاحه من شيوخ العلم والتصوف.

وحتي الحنابلة الذين يدعي ابن تيمية الإنتساب إليهم ويشن باسمهم حملة ضد التوسل والإستشفاع ويكفر بهم المسلمين.. يعتقدون بالتوسل!!

فقد ثبت عن إمامهم أحمد وكبار متقدميهم ومتأخريهم، أنهم كانوا يزورون القبور ويتوسلون إلي الله تعالي بأصحابها!!

وقد بنوا علي قبر أحمد بن حنبل مسجداً وقبة! وجعلوه مزاراً يصلون عنده ويتمسحون به ويتوسلون به!!

- ففي وفيات الأعيان لابن خلكان: 1/64:

أحمد بن حنبل... توفي ضحوة الجمعه لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.. ودفن بمقبرة باب حرب، وباب حرب منسوب إلي حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبي جعفر المنصور، والي حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار.

- وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي/454:

حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلي الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل

دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت علي عادتي إلي قبر الإمام أحمد بن حنبل أزور، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتي بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين، فقلت: إنما تم هذا علي قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث!

فسمعته من القبر وهو يقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل، لأنه عز وجل قد زارني!! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصر ت كلامي فهو ينشر ويتلي في المحاريب.فأقبلت علي لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله(ص)! لأن معي شعرات من شعره!!

ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان! قال ذلك مرتين!!

- وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلي: 2/186:

سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر! فقلت له: في هذا أثر؟

قال لي: أحمد في نفسي شئ عظيم، وما أظن أن الله تعالي يؤاخذني بهذا!!

- وفي تاريخ بغداد للخطيب: 4/423:

عن أبي الفرج الهندباني يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة، فرأيت في المنام قائلاث يقول لي: لم تركت زيارة إمام السنة!!

ورواه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد/481

- وفي رحلة ابن بطوطه: 1/220:

قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها... وبقرب الرصافه قبر الإمام أبي حنيفة، وعليه قبة عظيمه وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية.

وبالقرب منها قبر الإمام أبي

عبد الله أحمد بن حنبل، ولا قبة عليه.. ويذكر أنها بنيت علي قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالي.

وقبره عند أهل بغداد معظم، وأكثرهم علي مذهبه، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة.

- وفي تاريخ الإسلام للذهبي: 38/23:

في عام 554 غرقت مقبرة الإمام أحمد وخرجت الموتي علي وجه الماء وكانت آية عجيبة.

- وفي عمدة القاري للعيني: 5 جزء 9/241:

سعيد العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي (ص) وتقبيل منبره، فقال: لا بأس بذلك.

قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية، فصار يتعجب من ذلك ويقول: عجبت! أحمد عندي جليل، يقول هذا الكلام!

وأي عجب.. وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به!!

- وفي تاريخ الإسلام للذهبي: 14/335:

وقال ابن خزيمه: هل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي؟

- وفي الإعتصام للشاطبي: 1/226:

والجواب عن هذا (قول أحمد بن حنبل) أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب.. وقد كان (ابن حنبل) يميل إلي نفي القياس، ولذلك قال: مازلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا، حتي جاء الشافعي فخرج بيننا..

- وفي الغدير للأميني: 5/194:

قال ابن حجر في (الخيرات الحسان) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة ويجئ إلي ضريحه يزوره فيسلم عليه، ثم يتوسل إلي الله تعالي به في قضاء حاجاته، وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي حتي تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد، فقال له أبوه: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولما بلغ

الإمام الشافعي: أن أهل المغرب يتوسلون بالإمام مالك لم ينكر عليهم.

وفي الغدير: 5/198:

قال (ابن الجوري) في المنتظم: 10/283:

وفي أوائل جمادي الآخرة سنة 574 تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي قبر الإمام أحمد بن حنبل، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة، وبني له جانبان، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب: هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضي بأمر الله أمير المؤمنين.

وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله. وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك.

ووعدت بالجلوس في جامع المنصور، فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولي، فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات، واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف، وتاب خلق كثير وقطعت شعور، ثم نزلت فمضيت إلي زيارة قبر أحمد، فتبعني من حزر بخمسة آلاف.

- وفي الغدير للأميني: 5/199:

الحافظ ابن عساكر في تاريخه: 2/46:

عن أبي بكر بن أنزويه قال: رأيت رسول الله(ص)في المنام ومعه أحمد بن حنبل فقلت: يا رسول الله من هذا؟

فقال: هذا أحمد ولي الله وولي رسول الله علي الحقيقة، وأنفق علي الحديث ألف دينار.

ثم قال: من يزوره غفر الله له، ومن يبغض أحمد فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله.

وفي النهاية لابن كثير: 12/323

وفي صفر سنة 542 رأي رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له. قال: فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره وعقدت يومئذ ثم مجلساً، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس!!

التوسل الواسع في صلاة الإستسقاء

ورد عندنا وعندهم الحث علي التوسل في صلاة

الإستسقاء بالأخيار والضعفاء والمرضي، ومن ذلك: ما قاله النووي في المجموع: 5/66:

قال في الأم: ولا آمر بإخراج البهائم. وقال أبو اسحق: استحب إخراج البهائم، لعل الله تعالي يرحمها، لما روي أن سليمان(ص)خرج ليستسقي فرأي نملة تستسقي، فقال ارجعوا فإن الله تعالي سقاكم بغيركم.

ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم إليه، فإن حضروا وتميزوا لم يمنعوا، لأنهم جاؤوا في طلب الرزق.

وقال في: 5/70:

يستحب أن يستسقي بالخيار من أقارب رسول الله(ص)، وبأهل الصلاح من غيرهم، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء، ودليله ما ذكره المصنف.

وأيضاً ففي الصحيح أن رسول الله(ص)قال: وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟

قال القاضي حسين والروياني والرافعي وآخرون من أصحابنا: ويستحب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعله من الطاعة الجليلة، ويتشفع به ويتوسل.

واستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله(ص)في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلي غار فأطبقت عليهم صخرة، فتوسل كل واحد بصالح عمله، فأزال الله عنهم بسؤال كل واحد ثلثاً من الصخرة وخرجوا يمشون. انتهي.

فهذه فتاوي من فقهاء المذاهب الأربعة، تنص علي التوسل بالصالحين والضعفاء والمرضي والأعمال والحيوانات، وتنص علي أنه توسل واستشفاع، وهو أوسع من التوسل المتبادر إلي أذهاننا بالنبي وأهل بيته صلي الله عليه وعليهم.

التوسل العملي بالأعمال الصالحة

في بحار الأنوار: 74/398:

عن أمالي المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسي، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله، ورسوله،

والجهاد في سبيل الله، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فانها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ومنسأة للأجل، والصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان. ومثله في: 93/177

ونحوه في: 74/289، عن تحف العقول، قال: خطبته عليه السلام المعروفة بالديباج:

الحمد لله فاطر الخلق، وخالق الإصباح، ومنشر الموتي، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلي الله عليه وآله عباد الله، إن أفضل ماتوسل به المتوسلون إلي الله جل ذكره: الإيمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله... الحديث، كما تقدم بتفاوت.

- ورواه في: 71/410، عن علل الشرائع عن أبي، عن سعد، عن ابراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن حماد عن ابراهيم بن عمر، رفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان أفضل ما توسل به المتوسلون...

- ورواه في: 62/386، عن أمالي المفيد، عن الإمام الصادق عليه السلام، بتفاوت وزيادة في آخره، قال (ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الإيمان، ألا وإن الصادق علي شفا منجاة وكرامة، ألا وإن الكاذب علي شفاه مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلي من ائتمنكم، وصلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل عليهم. انتهي.

ولكن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينفي التوسل بالنبي وآله صلي الله عليه وآله، فقد ثبت أنه لا يقبل عملٌ لمسلم إلا بولايتهم، وأنه لا يرفع

دعاء إلا بالصلاة عليهم، وهو التوسل بهم! وقد روي ذلك عندنا في مصادر الجميع!

التوسل إلي الله في مصادر السنيين

تعليم النبي التوسل به إلي الله تعالي

روي الترمذي: 5/229 برقم 3649:

حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتي النبي(ص)فقال: أدع الله أن يعافيني.

قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك.

قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك إلي ربي في حاجتي هذه لتقضي لي، اللهم فشفعه في.

هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي. انتهي.

- ورواه ابن ماجة في: 1/441، وقال: قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. انتهي.

- ورواه أحمد: 4/138، بروايتين.

- ورواه الحاكم في المستدرك: 1/313، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

- ورواه في: 1/519، بسندين آخرين، وقال بعدهما: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

- ورواه في: 1/526، وقال: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد والقول...

وقال أيضاً: هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه، وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد.

- ورواه الطبراني في كتاب الدعاء/320، وما بعدها بعدة طرق، وكذا في المعجم الكبير: 9/ 31، والصغير: 1/183، وصححه.

- ورواه في مجمع الزوائد: 2/279، وقال:

قلت: روي الترمذي وابن ماجه طرفا من آخره خاليا عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح، بعد ذكر طرقه

التي روي بها.

- ورواه في كنز العمال: 2/181، و6/521 (ت، ه، ك، عن عثمان بن حنيف). (حم ت: حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف) ورواه ابن خزيمة في صحيحه: 2/225 وروي الطبراني تطبيق عثمان بن حنيف للحديث بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله كما سيأتي.

- وفي السنن الكبري للنسائي: 6/168

أخبرنا محمد بن معمر قال، حدثنا حبان قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا جعفر عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتي النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني رجل أعمي، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدعك، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.

قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلي الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي إلي فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع فيَّ نبيي وشفعني في نفسي. انتهي.

ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين.

توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي

- روي الحاكم في المستدرك: 3/334

أخبرنا أبو زكريا يحيي بن محمد العنبري، ثنا الحسن بن علي بن نصر، ثنا الزبير بن بكار، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء المدني، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه قال: استسقي عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا، فما برحوا حتي سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال:

أيها الناس إن رسول الله كان يري للعباس مايري الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلي الله عز

وجل فيما نزل بكم! انتهي. وروته عامة مصادرهم.

توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبي

- روي ذلك البخاري في عدة مواضع، في صحيحه: 5/147

عن أنس (رض) عن النبي(ص)قال:

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلي ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شئ، فاشفع لنا عند ربك حتي يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلي أهل الأرض، فيأتونه فيقول لست هناكم... ائتوا ابراهيم... ائتوا موسي... ائتوا عيسي... ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتي أستأذن...الخ.

- ونحوه بتفاوت في: 7 /203، و: 8/172 و 183، وروته عامة مصادرهم.

ما ورد عندهم من الدعاء للنبي بالوسيلة

- قال البخاري في صحيحه: 1/152:

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله(ص)قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.. حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه البخاري في: 5/228، وابن ماجة: 1/239، وأبو داود: 1/ 129، والنسائي: 2/27، والترمذي: 1/ 136، والبيهقي في السنن: 1/410، والهيثمي في الزوائد: 1/333 و: 10/112، وفي كنز العمال: 2/80 و: 7/698 و703... وغيرها.

هذه هي صيغة البخاري، التي لم يرو في صحيحه غيرها، وهي تريد الإيحاء بأن الدعاء بالوسيلة دعاءٌ مستقل يستحب أن يدعو به المسلمون عند سماع الأذان، ولا علاقة لها بصيغة الصلاة علي النبي، ولا علاقة لها بآله!!

وقد تبع البخاري محدثون آخرون كما رأيت، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء فصار سنةً للسنيين في عملهم ومساجدهم!

ولكن وردت لهذا الدعاء صيغةٌ أخري صحيحةٌ عندهم أيضاً، تقول إن هذا الدعاء جزءٌ من صيغة الصلاة علي النبي التي علمها

للمسلمين، وأمرهم أن يصلوا علي آله معه، وأن يختموها بالدعاء له بالوسيلة!!

وفي بعضها أن الدعاء بالوسيلة مقدمةٌ للصلاة عليه وآله!

فلماذا صار دعاء الوسيلة عندهم دعاءً مستقلاً للرسول وحده، بدون آله!!

السبب عندهم: أن الصلاة علي آل النبي معه والدعاء لهم معه، أمرٌ ثقيلٌ علي الخلافة القرشية، التي فرضت عليهم العزل السياسي والإجتماعي والإقتصادي، لذلك اختار الرواة بدله الدعاء للنبي بالوسيلة، وجعلوه أمراً مستقلاً خاصاً بالنبي دون آله، مماشاةً للخلافة القرشية!!

والطريف أنهم رروه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، المعروف بأحاديثه القوية في وجوب ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، حتي أنهم رووا عنه أنه كان في زمن معاوية يتوكأ علي عصاه ويدور في سكك المدينة ويبلغ المسلمين ما قاله النبي صلي الله عليه وآله في من أبغض عليا وأهل البيت النبوي الطاهرين!

ويلاحظ أن الذي رواه عن جابر عند البخاري هو محمد بن المنكدر، المبغض لأهل البيت (عليهم السلام)!!

ولك أن تقارن بين رواية البخاري، وبين رواية مسلم وغيره لهذا الدعاء!!

- قال مسلم في صحيحه: 2/4:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي(ص)يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإنه من صلي عليَّ صلاةً صلي الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة!

ورواه النسائي: 2/25، وأبو داود: 1/128، والترمذي: 5/247، والبيهقي في سننه: 1/409، والهيثمي في مجمع الزوائد: 1/332.

ورواه أحمد: 2/167، ونحوه في: 2/265، وقال (من صلي عليَّ ليس ليس في البخاري)!!

- وأفتي به النووي في

المجموع: 3/116

وقدمه في تلخيص الحبير: 3 /203، علي رواية البخاري فقال:

(قوله) من المحبوبات أن يصلي المؤذن وسامعه علي النبي(ص)بعد الأذان ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة لقائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته. أخرجه مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي(ص)يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، الحديث.

وأخرج البخاري وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعاً من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة.. الحديث، لكن ليس فيه والدرجة الرفيعة. انتهي.

- وقال السيوطي في الدر المنثور: 5/219:

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود (رض) قال: قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟

قال قولوا: اللهم صل علي محمد، وأبلغه درجة الوسيلة من الجنة. اللهم اجعل في المصطفين محبته، وفي المقربين مودته، وفي عليين ذكره وداره، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي ابراهيم وعلي آل ابراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك علي محمد وعلي آل محمد. انتهي.

فقد نصت هذه الأحاديث الصحيحة عندهم علي أن الدعاء له صلي الله عليه وآله بالوسيلة إنما هو جزءٌ من صيغة الصلاة الشرعية عليه، صلي الله عليه وعليهم، فهل يعقل أن يكون أمر باصافة آله معه في الصلاة عليه، ثم أفرد نفسه عنهم في الدعاء!!

وبذلك يترجح أن يكون أصل النص النبوي لهذا الدعاء ما روته مصادرنا، وفيه ذكر أهل بيته معه، كما سيأتي.

ما هي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبي؟

ذكرت بعض المصادر السنية أنها درجةٌ ومنزلةٌ في الجنة، تكون لشخص واحد من الخلق، ولذا طلب من المسلمين أن يدعوا له ليكون هو

ذلك الشخص.

ولكن ذلك يشبه كلام التوراة، فكأن درجة الوسيلة موضوع قرعة أو مسابقة بين الأنبياء ولم يعلم صاحبها بعد! فالرسول لله صلي الله عليه وآله يرجو أمته أن يدعوا له أن تكون له!

- قال مسلم في صحيحه: 2/4:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي(ص)يقول:إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فانه من صلي علي صلاة صلي الله عليه بها عشرآ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة! انتهي.

ورواه أبو داود: 1/ 128، والترمذي: 5 /247، والبيهقي في السنن: 1/409 وأحمد: 2/167 و 168، وفي: 2/265 و365، عن أبي هريرة، والترمذي: 5/46 2، عن كعب عن أبي هريرة. وفي مجمع الزوائد: 1/332، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وفي كنز العمال: 2/ 79 و134 و: 7/698 و700 و:14/ 400 و: 1/489 و494 و497، وفردوس الأخبار: 5/147

بينما روت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أن أمر الوسيلة مفروغٌ عنه، وهي أعلي مساكن الفردوس، وأنها للنبي وآله، إلي جانب مساكن ابراهيم وآله صلي الله عليهم. ووافقتهابعض مصادر السنيين:

فقد روي ابن مردويه كما في كنز العمال: 12/ 103 و: 13/639: عن النبي صلي الله عليه وآله قال: في الجنة درجة تدعي الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة.

قالوا: يا رسول الله، من يسكن معك فيها؟

قال: علي وفاطمة والحسن والحسين. انتهي.

وهذه هي الصيغة المعقولة لحديث الوسيلة والدعاء بها للنبي صلي الله عليه وآله.. ولكن ذلك ليس في مصلحة الخلافة القرشية!! ولذا تركوا هذه الصيغة ورووا غيرها!!

احاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا

- قال الصدوق في معاني الأخبار/116:

116 - حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسي قال: حدثنا العباس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة قال: حدثنا أبوحفص العبدي قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة. فسألنا النبي صلي الله عليه وآله عن الوسيلة؟ فقال: هي درجتي في الجنة، وهي ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلي المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً، وهي ما بين مرقاة جوهر إلي مرقاة زبرجد، إلي مرقاة ياقوت، إلي مرقاة ذهب، إلي مرقاة فضة.

فيؤتي بها يوم القيامة حتي تنصب مع درجة النبيين، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب، فلا يبقي يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال طوبي لمن كانت هذه الدرجة درجته. فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق: هذه درجة محمد.

فأقبل أنا يومئذ متزراً بريطة من نور، علي تاج الملك، واكليل الكرامة، وعلي ابن أبي طالب أمامي، وبيده لوائي وهو لواء الحمد، مكتوب عليه (لا اله إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله). فإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا مررنا بالملائكة قالوا: نبيين مرسلين، حتي أعلو الدرجة وعلي يتبعني، حتي إذا صرت في أعلي درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة، فلا يبقي يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبي لهذين العبدين ما أكرمهما علي الله تعالي!

فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي، طوبي لمن أحبه، وويل لمن أبغضه

وكذب عليه. فلا يبقي يومئذ أحدٌ أحبك يا علي إلا استروح إلي هذا الكلام، وابياضَّ وجهه وفرح قلبه، ولا يبقي أحدٌ ممن عاداك أو نصب لك حرباً أوجحد لك حقاً، إلا اسود وجهه واضطربت قدماه.

فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا الي، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة، وأما الآخر فمالك خازن النار، فيدنو رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: السلام عليك أيها الملك، من أنت؟ فما أحسن وجهك الطيب وأطيب ريحك!

فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد علي ما فضلني به، ادفعها إلي أخي علي بن أبي طالب، فيدفع إلي علي.

ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: عليك السلام أيها الملك، فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك، من أنت؟! فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد علي ما فضلني به، ادفعها إلي أخي علي بن أبي طالب، فيدفعها إليه ثم يرجع مالك.

فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار، حتي يقف بحجزة جهنم وقد تطاير شررها وعلا زفيرها واشتد حرها، وعلي آخذٌ بزمامها فتقول له جهنم: جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي: قري يا جهنم: خذي هذا واتركي هذا! خذي عدوي واتركي وليي.

فَلَجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فإن شاء يذهبها يمنة، وإن شاء يذهبها يسرة، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق. انتهي.

ورواه في روضة الواعظين/113، وبشارة المصطفي/21، وتفسير القمي:

2/324، وفي آخره (وذلك أن علياً يومئذ قسيم الجنة والنار) وفي بصائر الدرجات/416:

خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

روي الكليني رحمه الله خطبة عظيمة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام، تسمي خطبة الوسيلة، تتضمن تفصيلاث عن درچة الوسيلة في الجنة لمحمد وآله صلي الله عليه وعليهم. ونظراً لاهميتها وفوائدها أوردنا منها أكثر من محل الشاهد.

قال رحمه الله في الكافي: 8/18:

خطبة لامير المؤمنين عليه السلام، وهي خطبة الوسيلة:

محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: دخلت علي أبي جعفر فقلت: يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها!

فقال: يا جابر ألم أقفك علي معني اختلافهم من أين اختلفوا، ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت: بلي يا ابن رسول الله.

قال: فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله صلي الله عليه وآله في أيامه، يا جابر إسمع وع.

قلت: إذا شئت.

قال: اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك: إن أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه فقال:

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول أن تتخيل ذاته، لإمتناعها من الشبة والتشاكل، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته، ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا علي اختلاف الاماكن، ويكون فيها لا علي وجه الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها، وليس بينه وبين معلومه علمٌ غيره به كان عالماً بمعلومه.

إن قيل كانَ، فعلي

تأويل أزلية الوجود، وإن قيل لم يزل، فعلي تأويل نفي العدم.

فسبحانه وتعالي عن قول من عبد سواه، واتخذ إلها غيره علواً كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه، وأوجب قبوله علي نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز علي الصراط، وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة.

أكثروا من الصلاة علي نبيكم: إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

أيها الناس: إنه لا شرف أعلي من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوي، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجع من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضي بالقناعة، ولا كنز أغني من القنوع ومن أقتصر علي بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوء خفض الدعة.

والرغبة مفتاح التعب، والإحتكار مطية النصب، والحسد آفة الدين، والحرص داع إلي التقحم في الذنوب، وهو داع للحرمان، والبغي سائق إلي الحين، والشره جامع لمساوي العيوب.

رب طمع خائب وأمل كاذب، ورجاء يؤدي إلي الحرمان، وتجارة تؤول إلي الخسران.

ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرض لمفضحات النوائب، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

أيها الناس: إنه لا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الادب، ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوءة أسوأ من الكذ ب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس: إنه

من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف علي ما في يد غيره، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن نسي زلته استعظم زلل غيره، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغني بعقله زل، ومن تكبر علي الناس ذل، ومن سفه علي الناس شتم، ومن خالط الأنذال حقر، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس: إنه لا مال أعود من العقل، ولا فقر أشد من الجهل، ولا واعظ أبلغ من النصح، ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا وحشة أشد من العجب، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس: في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهدٌ يخبر عن الضمير، حاكمٌ يفصل بين الخطاب، وناطقٌ يرد به الجواب، وشافعٌ يدرك به الحاجة، وواصفٌ يعرف به الأشياء، وأميرٌ يأمر بالحسن، وواعظٌ ينهي عن القبيح، ومعزٌ تسكن به الأحزان، وحاضرٌ تجلي به الضغائن، ومونقٌ تلتذ به الاسماع.

أيها الناس: إنه لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل. واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم، ومن لا يعلم يجهل، ومن لا يتحلم لا يحلم، ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر، ومن لا يوقر يتوبخ، ومن يكتسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجره، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً، ومن يطلب العز بغير حق يذل، ومن يغلب بالجور يغلب، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه

وقر، ومن تكبر حقر، ومن لا يحسن لا يحمد.

أيها الناس: إن المنية قبل الدينة، والتجلد قبل التبلد، والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر، وغض البصر خير من كثير من النظر، والدهر يومٌ لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فبكليهما تمتحن.

أيها الناس: أعجب ما في الإنسان قلبه، وله موادُّ من الحكمة، وأضدادٌ من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضي نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة، وان جددت له نعمة أخذته العزة، وإن أفاد ما لا أطغاه الغني، وإن عضته فاقة شغله البلاء وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة.. فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد.

أيها الناس: إنه من فل ذل، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله رأس، ومن كثر حلمه نبل، ومن أفكر في ذات الله تزندق، ومن أكثر من شئ عرف به، ومن كثر مزاحه استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله.

أيها الناس: لو أن الموت يشتري لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الابلج، واللئيم الملهوج.

أيها الناس: إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم. للمواعظ ما يدعو النفس إلي الحذر من الخطر، وللقلوب خواطر للهوي، والعقول

تزجر وتنهي، وفي التجارب علم مستأنف، والإعتبار يقود إلي الرشاد، وكفاك أدباً لنفسك ما تكرهه لغيرك، وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغني برأيه، والتدبر قبل العمل، فإنه يؤمنك من الندم، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول، ومن حصن شهوته فقد صان قدره، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، والأيام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغني ترك المني، والصبر جنة من الفاقة، والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم خير من جاف مكثر، والموعظة كهف لمن وعاها، ومن أطلق طرفه كثر أسفه، وقد أوجب الدهر شكره علي من نال سؤله، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان، ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن نال استطال، وقل ما تصدقك الامنية، والتواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.

كم من عاكف علي ذنبه في آخر أيام عمره، ومن كساه الحياء ثوبه خفي علي الناس عيبه، وانح القصد من القول فإن من تحري القصد خفت عليه المؤن، وفي خلاف النفس رشدك، من عرف الأيام لم يغفل عن الإستعداد.

ألا وإن مع كل جرعة شرقاً وإن في كل أكلة غصصاً، لا تنال نعمة إلا بزوال أخري ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، وأنت قوت الموت.

أعلموا أيها الناس أنه من مشي علي وجه الأرض فإنه يصير إلي بطنها، والليل والنهار يتنازعان في هدم الأعمار.

يا أيها الناس: كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، إن من الكرم

لين الكلام ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام. إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب. لا ترغب فيمن زهد فيك. رب بعيد هو أقرب من قريب. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.

ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل. أستر عورة أخيك كما تعلمها فيك. اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك.

من غضب علي من لا يقدر علي ضره، طال حزنه وعذب نفسه. من خاف ربه كف ظلمه، ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة.

إن من الفساد إضاعة الزاد. ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً هيهات هيهات. وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم، وما شرٌ بشر بعده الجنة، وما خيرٌ بخير بعده النار. كل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر.

تصفية العمل أشد من العمل، وتخليص النية من الفساد أشد علي العاملين من طول الجهاد. هيهات لو لا التقي لكنت أدهي العرب.

أيها الناس: إن الله تعالي وعد نبيه محمداً صلي الله عليه وآله الوسيلة ووعده الحق، ولن يخلف الله وعده.

ألا وإن الوسيلة علي درج الجنة وذروةُ ذوائب الزلفة، ونهاية غاية الأمنية، لها ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلي المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام. وما بين مرقاة درة إلي مرقاة جوهرة، إلي مرقاة زبرجدة، إلي مرقاة لؤلؤة، إلي مرقاة ياقوته، إلي مرقاة زمردة، إلي مرقاة مرجانة، إلي مرقاة كافور، إلي مرقاة عنبر، إلي مرقاة يلنجوج، إلي مرقاة ذهب، إلي مرقاة غمام، إلي مرقاة هواء،

إلي مرقاة نور!!

قد أنافت علي كل الجنان، ورسول الله صلي الله عليه وآله يومئذ قاعدٌ عليها، مرتد بريطتين، ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله، عليه تاج النبوة واكليل الرسالة، قد أشرق بنوره الموقف، وأنا يومئذ علي الدرجة الرفيعة وهي دون درجته، وعليَّ ريطتان، ريطة من أرجوان النور، وريطة من كافور.

والرسل والأنبياء، قد وقفوا علي المراقي، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور، عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة، لا يرانا ملكٌ مقربٌ ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا.

وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول صلي الله عليه وآله غمامةٌ بسطة البصر، يأتي منها النداء:

يا أهل الموقف طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الاٌمي العربي، ومن كفر فالنار موعده!

وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلي الله عليه وآله ظلةٌ يأتي منها النداء:

يا أهل الموفق طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الامي، والذي له الملك الأعلي لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والإقتداء بنجومهما. فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم، وشرف مقعدكم، وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم علي سرر متقابلين. ويا أهل الإنحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاءً بما كنتم تعملون.

وما من رسول خلفَ ولا نبي مضي إلا وقد كان مخبراً أمته بالمرسل الوارد من بعده، ومبشراً برسول الله صلي الله عليه وآله، وموصياً قومه باتباعه ومحله عند قومه، ليعرفوه بصفته وليتبعوه علي شريعته، ولئلا يضلوا فيه من بعده، فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الأعذار والإنذار عن بينة وتعيين حجة، فكانت الأمم في رجاء من الرسل وورود من

الأنبياء.

ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي، علي عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت علي سعة من الامل، ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله صلي الله عليه وآله، لأن الله ختم به الأنذار والأعذار، وقطع به الإحتجاج والعذر بينه وبين خلقه، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به، ولا قربة إليه إلا بطاعته، وقال: في محكم كتابه: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولي فما أرسلناك عليهم حفيظا. فقرن طاعته بطاعته، ومعصيته بمعصيته، فكان ذلك دليلاً علي ما فوض إليه، وشاهداً له علي من اتبعه وعصاه، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالي في التحريض علي اتباعه، والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. فاتباعه صلي الله عليه وآله محبة الله، ورضاه غفران الذنوب، وكمال الفوز، ووجوب الجنة.

وفي التولي عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه، والبعد منه مسكن النار وذلك قوله: ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده، يعني الجحود به والعصيان له. فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده، وقتل بيدي أضداده، وأفني بسيفي جحاده، وجعلني زلفة للمؤمنين، وحياض موت علي الجبارين، وسيفه علي المجرمين، وشد بي أزر رسوله، وأكرمني بنصره، وشرفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصني بوصيته، واصطفاني بخلافته في أمته، فقال صلي الله عليه وآله وقد حشده المهاجرون والأنصار وانغصت بهم المحافل: أيها الناس إن علياً مني كهارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول، إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه، كما كان هارون أخا موسي لأبيه وأمه، ولا كنت نبياً فاقتضي نبوة،

ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي، كما استخلف موسي هارون، حيثث يقول: أخلفني في قومي وأصلح، ولا تتبع سبيل المفسدين، وقوله صلي الله عليه وآله حين تكلمت طائفة فقالت: نحن موالي رسول الله، فخرج رسول الله إلي حجة الوادع، ثم صار إلي غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر، ثم علاه وأخذ بعضدي حتي رئي بياض إبطيه رافعاً صوته قائلاً في محفله: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فكانت علي ولايتي ولاية الله، وعلي عداوتي عداوة الله. وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا. فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره، وأنزل الله تبارك وتعالي اختصاصاً لي وتكرماً نحلنيه، وإعظاماً وتفضيلاً من رسول الله صلي الله عليه وآله منحنيه، وهو قوله تعالي: ثُمَّ رُدُّوا إِلَي اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ. في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الإستماع.

ولئن تقمصها دوني...

إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان، يقيمون لها المناسك، وينصبون لها العتائر، ويتخذون لها القربان، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام، ويستقسمون بالأزلام، عامهين عن الله عز ذكره، حائرين عن الرشاد، مهطعين إلي البعاد، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية، ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة، فأخرجنا الله اليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة، وأسفر بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه، وفضلاً لمن اتبعه، وتأييداً لمن صدقه، فتبوؤوا العز بعد الذلة، والكثرة بعد القلة، وهابتهم القلوب والأبصار، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة، وكرامة ميسورة، وأمن بعد خوف، وجمع بعد كوف، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان،

وأولجناهم باب الهدي، وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الإيمان، وفلجوا بنا في العالمين، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين، من حام مجاهد، ومصل قانت، ومعتكف زاهد، يظهرون الأمانة، ويأتون المثابة.

حتي إذا دعا الله عز وجل نبيه ورفعه إليه، لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة، إلي أن رجعوا علي الاعقاب، وانتكصوا علي الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب، وردموا الباب، وفلوا الديار، وغيروا آثار رسول الله، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بسمتخلفه بديلا، اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولي بمقام رسول الله ممن اختار رسول الله لمقامه، وأن مهاجر آل أبي قحافة خيرٌ من المهاجري والأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف.

ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله صلي الله عليه وآله، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان، رجعوا عن ذلك وقالوا: إن رسول الله صلي الله عليه وآله مضي ولم يستخلف، فكان رسول الله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام، وعن قليل يجدون غب ما أسسه الأولون.

ولئن كانوا في مندوحة من المهل، وشفاء من الاجل وسعة من المنقلب، واستدراج من الغرور، وسكون من الحال، وإدراك من الأمل، فقد أمهل الله عز وجل شداد بن عاد، وثمود بن عبود، وبلعم بن باعور، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأمدهم بالأموال والأعمار، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله، وليعرفوا الإهابة له، والإنابة إليه، ولينتهوا عن الإستكبار، فلما بلغوا المدة، واستتموا الأكلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم، فمنهم من حصب، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أحرقته الظلة، ومنهم من أودته

الرجفة، ومنهم من أردته الخسفة: وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

ألا وإن لكل أجل كتاباً، فاذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوي إليه الظالمون، وآل إليه الأخسرون، لهربت إلي الله عز وجل مما هم عليه مقيمون، وإليه صائرون.

ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، وكباب حطة في بني اسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح. إني النبأ العظيم، والصديق الأكبر، وعن قليل ستعلمون ما توعدون، وهل هي إلا كلعقة الأكل ومذقة الشارب، وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات، خزياً في الدنيا، ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون.

فما جزاء من تنكب محجته، وأنكر حجته، وخالف هداته، وحاد عن نوره، واقتحم في ظلمه، واستبدل بالماء السراب، وبالنعيم العذاب، وبالفوز الشقاء، وبالسراء الضراء، وبالسعة الضنك، إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه، فليوقنوا بالوعد علي حقيقته، وليستيقنوا بما يوعدون: يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج. إنا نحن نحيي ونميت والينا المصير. يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً... الي آخر السورة.

العلاقة بين التوسل والإستشفاع وبين درجة الوسيلة في الجنة

لا بد أن يكون اسم (الوسيلة) لتلك المنطقة والدرجة العالية من الجنة، بسبب أنها مسكن أقرب المخلوقات وسيلةً إلي الله تعالي.

وبذلك تكون الشفاعة التي يعطاها النبي صلي الله عليه وآله، نوعاً من الوسيلة، التي استحقها لأنه أقرب الناس إلي الله صلي الله عليه وآله، واستحق معها مسكن الفردوس والوسيلة، أعلي مراتب الجنة.

التوسل إلي الله في مصادرنا

التوسل إلي الله بالأعمال الصالحة

تقدم في المسألة السابعة: التوسل العملي إلي الله تعالي بالأعمال الصالحة وقول أمير المؤمنين عليه السلام: أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الإخلاص فانها الفطرة، وأقام الصلاة فانها

الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصيام شهر رمضان فانه جنة من عذاب الله، وحج البيت فانه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فانها مثراة للمال، ومنسأة للأجل، والصدقة في السر فانها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنايع المعروف فانها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان. انتهي.

وذكرنا هناك أن التوسل بالأعمال الصالحة لاينافي التوسل إليه بدعائه بأسمائه وصفاته، وبمن أمر بالتوسل بهم من أنبيائه وأوصيائه.. لأن ذلك من الأعمال الصالحة أيضاً.

التوسل إلي الله بذاته و صفاته عزوجل

- في الكافي: 4/74:

علي، عن أبيه، عن اسماعيل بن مرار، عن يونس، عن ابراهيم، عن محمد بن مسلم والحسين بن محمد، عن أحمد بن اسحاق، عن سعدان، عن أبي بصير قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يدعو بهذا الدعاء في شهر رمضان:

اللهم اني بك أتوسل ومنك أطلب حاجتي. من طلب حاجته إلي الناس، فاني لا أطلب حاجتي إلا منك، وحدك لا شريك لك.

وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي علي محمد وأهل بيته وأن تجعل لي في عامي هذا إلي بيتك الحرام سبيلا، حجة مبرورة متقبلة زاكية خالصة لك، تقر بها عيني وترفع بها درجتي، وترزقني أن أغض بصري، وأن أحفظ فرجي، وأن أكف بها عن جميع محارمك، حتي لا يكون شئ آثر عندي من طاعتك وخشيتك، والعمل بما أحببت والترك لما كرهت ونهيت عنه.

واجعل ذلك في يسر ويسار وعافية، وأوزعني شكر ما أنعمت به علي.

وأسألك أن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك تحت راية نبيك مع أوليائك.

وأسألك أن تقتل بي أعدائك وأعداء رسولك.

وأسألك أن تكرمني بهوان من شئت من خلقك ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك.

اللهم اجعل لي مع الرسول سبيلاً. حسبي الله، ما

شاء الله.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 408:

الهي استشفعت بك اليك، واستجرت بك منك، أتيتك طامعا في احسانك، راغبا في امتنانك، مستسقيا وابل طولك، مستمطرا غمام فضلك، طالبا مرضاتك، قاصدا جنابك، واردا شريعة رفدك، ملتمسا سني الخيرات من عندك.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 151:

دعاؤه عليه السلام في ذكر التوبة وطلبها:

اللهم صل علي محمد وآله، وشفع في خطاياي كرمك، وعد علي سيئاتي بعفوك، ولا تجزني جزائي من عقوبتك، وابسط علي طولك، وجللني بسترك، وافعل بي فعل عزيز تضرع إليه عبد ذليل فرحمه، أو غني تعرض له عبد فقير فنعشه.

اللهم لا خفير لي منك فليخفرني عزك، ولا شفيع لي فليشفع لي فضلك، وقد أوجلتني خطاياي فليؤمني عفوك..

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 402:

يا مجيب المضطر، يا كاشف الضر، يا عظيم البر، يا عليما بما في السر، يا جميل الستر استشفعت بجودك وكرمك اليك، وتوسلت بحنانك وترحمك لديك فاستجب دعائي، ولاتخيب فيك رجائي، وتقبل توبتي، وكفر خطيئتي بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/441:

يا من لا ينقص ملكوته عصيان المتمردين، ولا يزيد جبروته ايمان الموحدين، إليك أستشفع بقديم كرمك، أن لا تسلبني مامنحتني من جسيم نعمك.

الاستشفاع إلي الله تعالي بحبه و معرفته

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 216

فيا من رباني في الدنيا باحسانه وتفضله ونعمه، وأشار لي في الآخرة إلي عفوه وكرمه. معرفتي يا م ولأي دلتني عليك، وحبي لك شفيعي اليك، وأنا واثق من دليلي بدلالتك، وساكن من شفيعي إلي شفاعتك.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/249:

ياذا المن ولا يمن عليك، يا ذا الطول، ويا ذا الجلال والاكرام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين، اليك فررت بنفسي

يا ملجأ الخائفين، لا أجد شافعاً إليك إلا معرفتي بأنك أفضل من قصد إليه المقصرون، وآمل من لجأ إليه الخائفون.

افتتاح الصلاة بالتوجه إلي الله بالنبي و آله

- في الكافي: 2/544:

- محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة:

اللهم إني أتوجه اليك بمحمد وآل محمد، وأقدمهم بين يدي صلاتي، وأتقرب بهم إليك، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم، فانها السعادة، واختم لي بها، فانك علي كل شئ قدير.

ثم تصلي فاذا انصرفت قلت:

اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء، واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوي ومنقلب، اللهم اجعل محياي محياهم، ومماتي مماتهم، واجعلني معهم في المواطن كلها، ولا تفرق بيني وبينهم، إنك علي كل شئ قدير.

- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه قال: تقول قبل دخولك في الصلاة:

اللهم اني أقدم محمدا نبيك صلي الله عليه وآله بين يدي حاجتي، وأتوجه به اليك في طلبتي، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخره ومن المقربين.

اللهم اجعل صلاتي بهم متقبلة، وذنبي بهم مغفورا، ودعائي بهم مستجابا، يا أرحم الراحمين.

- وفي الكافي: 3/309:

وعنه، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، ومعاوية بن وهب قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قمت إلي الصلاة فقل:

اللهم اني أقدم اليك محمدا صلي الله عليه وآله بين يدي حاجتي وأتوجه

به اليك، فاجعلني به وجيها عند ك في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

اجعل صلاتي به مقبولة، وذنبي به مغفورا، ودعائي به مستجابا. انك أنت الغفور الرحيم... ورواه في تهذيب الأحكام: 2 /287، وفي الفقيه: 1/302

- وفي الفقيه: 1 /483: القول عند القيام إلي صلاة الليل:

قال الصادق عليه السلام: إذا أردت أن تقوم إلي صلاة الليل فقل: اللهم اني أتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة وآله وأقدمهم بين يدي حوائجي، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهم ارحمني بهم ولا تعذبني بهم، واهدني بهم ولا تضلني بهم، وارزقني بهم ولا تحرمني بهم، واقض لي حوائجي للدنيا والآخرة، انك علي كل شئ قدير، وبكل شئ عليم.

باب الصلوات التي جرت السنة بالتوجه فيهن:

من السنة التوجه في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل، والمفردة من الوتر وأول ركعة من ركعتي الزوال، وأول ركعة من ركعتي الإحرام، وأول ركعة من نوافل المغرب، وأول ركعة من الفريضة. كذلك ذكره أبي (رض) في رسالته الي.

وفي الصحيفة السجادية: 2/258:

أسألك يا سيدي، وليس مثلك شئ بكل دعوة دعاك بها نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحنت قلبه بالإيمان، واستجبت دعوته، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، وأقدمه بين يدي حوائجي.

يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين، إني أتوجه بك إلي ربك، وأقدمك بين يدي حوائجي.

وفي الصحيفة السجادية: 2/344:

أسألك بحق نبيك محمد صلي الله عليه وآله، وأتوسل اليك بالأئمة (عليهم السلام) الذين اخترتهم لسرك، وأطلعتهم علي خفيك، واخترتهم بعلمك، وطهرتهم وأخلصتهم واصطفيتهم وأصفيتهم، وجعلتهم هداة مهديين، وائتمنتهم علي وحيك، وعصمتهم عن معاصيك، ورضيتهم لخلقك، وخصصتهم بعلمك، واجتبيتهم وحبوتهم، وجعلتهم حججا

علي خلقك، وأمرت بطاعتهم علي من برأت.

وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

دلالة استحباب التوسل عند الأذان و افتتاح الصلاة

من الأمور التي تهز الإنسان وهو يبحث في آيات التوسل وأحاديثه: أن الله تعالي أنزل آيته الكبري الأمرة بالتوسل في آخر سورة من قرآنه (المائدة) بعبارة موجزة مقتضبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ...) ولكن بصيغة قوية أمر فيها المسلمين بالارتفاع بايمانهم إلي نوع راق من السلوك الإيماني يتميز بالتعامل اليومي مع النبي وأهل بيته صلي الله عليه وآله علي أنهم وسيلة المسلم إلي ربه تعالي!!

ثم بين الرسول للمسلمين كيفية هذا التعامل الذي أراده الله تعالي بأن يصلوا عليه عندما يذكر اسمه.. وعندما يسمعون الأذان بالتوحيد والنبوة.. وعندما يقفون بين يدي ربهم في افتتاح صلاتهم.. وفي ختام صلاتهم، وعندما تمسهم شدة أو حاجة!! وهذا يعني أن يعايش المسلم يوميا وفي أقدس لحظات حياته وأهمها، التوجه إلي الله تعالي بالنبي وآله والتوسل بهم إليه، لانهم الواسطة التي اختارها الله ورضيها وأمر أن يتوسط إليه بها!!

وهي حقيقة كبيرة يفهم منها المسلم أبعاد النبوة وأعماق الولاية، لمحمد وآله الطيبين الطاهرين.. فقد جذر الله تعالي مقامهم في الكون والحياة، حتي قرنه بألوهيته فلم يقبل مدخلا إليه إلا به.. وهو مقام عظيم، وشرف محلق، ما عليه من مزيد!!

التوجه بالنبي و آله لدفع شر السلطان

- في الكافي: 2/558:

وقال أبو عبد الله عليه السلام: من دخل علي سلطان يهابه فليقل: بالله أستفتح، وبالله أستنجح، وبمحمد صلي الله عليه وآله أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبته، وسهل لي حزونته، فانك تمحوما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب.

- ونحوه في الصحيفة السجادية: 2 /65

التوجه إلي الله بالنبي و آله عند الحاجة والشدة

- في الكافي:2/552:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أحمد بن محمد بن أبي داود عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا رسول الله اني ذو عيال وعليَّ دين، وقد اشتدت حالي، فعلمني دعاء أدعو الله عز وجل به ليرزقني ما أقضي به ديني، وأستعين به علي عيالي.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءك، ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود، ثم قل: يا ماجد يا واحد يا كريم يا دائم، أتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله اني أتوجه بك إلي الله ربك وربي ورب كل شئ أن يصلي علي محمد وأهل بيته.

وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحا يسيرا ورزقا واسعا ألم به شعثي، وأقضي به ديني، وأستعين به علي عيالي.

- ورواه في الكافي:3/473، بسنده عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أحمد بن أبي داود، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام...

وروي نحوه في التهذيب: 3 /311:

أحمد بن محمد عن احمد بن ابي داود عن ابن ابي حمزة عن ابي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلي الرضا عليه السلام فقال له: يابن رسول الله اني ذو عيال وعلي دين،

وقد اشتدت حالي، فعلمني دعاءا إذا دعوت الله عز وجل به رزقني الله فقال: يا عبدالله توضأ واسبغ وضوءك ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود فيهما، ثم قل... وذكره.

وفي الكافي: 2/582: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ابتداء منه: يا معاوية أما علمت أن رجلا أتي أمير المؤمنين صلوات الله عليه فشكي الأبطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له:

أين أنت عن الدعاء السريع الاجابة؟

فقال له الرجل: ما هو؟

قال قل: اللهم اني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجل الأكرم، المخزون المكنون النور الحق البرهان المبين، الذي هو نور مع نور، ونور من نور، ونور في نور، ونورعلي نور، ونور فوق كل نور، ونور يضئ به كل ظلمة، ويكسر به كل شدة، وكل شيطان مريد، وكل جبار عنيد، لا تقربه أرض، ولا تقوم به سماء، ويأمن به كل خائف، ويبطل به سحر كل ساحر، وبغي كل باغ، وحسد كل حاسد، ويتصدع لعظمته البر والبحر، ويستقل به الفلك حين يتكلم به الملك، فلا يكون للموج عليه سبيل. وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجل الأجل النور الأكبر الذي سميت به نفسك، واستويت به علي عرشك، وأتوجه اليك بمحمد وأهل بيته، أسألك بك وبهم، أن تصلي علي محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا.

وفي الكافي: 3/476

علي بن ابراهيم، عن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله، عن زياد القندي، عن عبد الرحيم القصير قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فقلت جعلت فداك إني اخترعت دعاء، قال: دعني من اختراعك! إذا نزل بك أمر فافزع إلي رسول الله، وصل ركعتين

تهديهما إلي رسول الله صلي الله عليه وآله. قلت: كيف أصنع؟ قال: تغتسل وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة، وتشهد تشهد الفريضة، فاذا فرغت من التشهد وسلمت قلت:

اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يرجع السلام، اللهم صل علي محمد وآل محمد، وبلغ روح محمد مني السلام، وأرواح الأئمة الصادقين سلامي، واردد علي منهم السلام، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.

اللهم إن هاتين الركعتين هدية مني إلي رسول الله صلي الله عليه وآله، فأثبني عليهما ما أملت ورجوت، فيك وفي رسولك، يا ولي المؤمنين.

ثم تخر ساجدا وتقول:

يا حي يا قيوم، ياحي لا يموت، ياحي لا إله إلا أنت، ياذا الجلال والإكرام، ياأرحم الراحمين. أربعين مرة.

ثم ضع خدك الأيمن فتقولها أربعين مرة.

ثم ضع خدك الأيسر فتقولها أربعين مرة.

ثم ترفع رأسك وتمد يدك وتقول أربعين مرة.

ثم ترد يدك إلي رقبتك وتلوذ بسبابتك وتقول ذلك أربعين مرة.

ثم خذ لحيتك بيدك اليسري وابك أو تباك وقل:

يا محمد يا رسول الله أشكو إلي الله واليك حاجتي، والي أهل بيتك الراشدين حاجتي، وبكم أتوجه إلي الله في حاجتي.

ثم تسجد وتقول: يا الله يا الله - حتي ينقطع نفسك - صل علي محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا.

قال أبو عبد الله عليه السلام: فأنا الضامن علي الله عزوجل أن لا يبرح حتي تقضي حاجته. ورواه في الفقيه:1/556

وفي الكافي: 3/478

وبهذا الاسناد، عن أبي اسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن شرحبيل الكندي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أردت أمرا تسأله ربك، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين، وعظم الله وصل علي النبي صلي الله عليه وآله، وقل بعد التسليم:

اللهم إني أسألك بأنك ملك، وأنك علي كل شئ قدير مقتدر، وبأنك ما تشاء من أمر يكون.

اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة.

يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلي الله ربك وربي، لينجح لي طلبتي.

اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد. ثم سل حاجتك.

ورواه في تهذيب الأحكام: 3/313

وفي الفقيه: 1 /556

روي موسي بن القاسم البجلي، عن صفوان بن يحيي، ومحمد بن سهل عن أشياخهما عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

إذا حضرت لك حاجة مهمة إلي الله عز وجل فصم ثلاثة أيام متوالية: الأربعاء والخميس والجمعة، فاذا كان يوم الجمعة ان شاء الله تعالي فاغتسل والبس ثوبا جديداً، ثم اصعد إلي أعلي بيت في دارك وصل فيه ركعتين، وارفع يديك إلي السماء ثم قل:

اللهم إني حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك، وإنه لا قادر علي حاجتي غيرك، وقد علمت يارب أنه كلما تظاهرت نعمتك علي اشتدت فاقتي إليك، وقد طرقني هم كذا وكذا وأنت بكشفه عالم غير معلم، واسع غير متكلف فأسألك باسمك الذي وضعته علي الجبال فنسفت، ووضعته علي السماء فانشقت، وعلي النجوم فانتثرت، وعلي الأرض فسطحت، وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد والائمة عليهم السلام وتسميهم إلي آخرهم، أن تصلي علي محمد وأهل بيته، وأن تقضي حاجتي، وأن تيسر لي عسيرها، وتكفيني مهمها، فإن فعلت فلك الحمد، وإن لم تفعل فلك الحمد، غير جائر في حكمك، ولا متهم في قضائك، ولا حائف في عدلك.

وتلصق خدك بالأرض وتقول:

اللهم أن يونس بن متي عبدك دعاك في بطن الحوت وهو عبدك فاستجبت له، وأنا عبدك أدعوك فاستجب لي.

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: لربما

كانت الحاجة لي فأدعو بهذا الدعاء فأرجع وقد قضيت.

- صلاة أخري للحاجة: روي سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ان أحدكم إذا مرض دعا الطبيب وأعطاه، وإذا كانت له حاجة إلي سلطان، رشا البواب وأعطاه!

ولو أن أحدكم إذا فدحه أمر فزع إلي الله تعالي، فتطهر وتصدق بصدقة قلت أو كثرت ثم دخل المسجد فصلي ركعتين فحمد الله وأثني عليه، وصلي علي النبي وأهل بيته، ثم قال: اللهم إن عافيتني من مرضي، أو رددتني من سفري، أو عافيتني مما أخاف من كذا وكذا. إلا آتاه الله ذلك.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/293:

اللهم فاني أتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة، والعلوية البيضاء، وأتوجه إليك بهما أن تعيذني من شر كذا وكذا، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك، ولا يتكأدك في قدرتك وأنت علي كل شئ قدير...

وفي الصحيفة السجادية: 2/ 258:

أسألك يا سيدي وليس مثلك شئ بكل دعوة دعاك بها نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحنت قلبه بالإيمان، واستجبت دعوته، وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، وأقدمه بين يدي حوائجي.

يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين، اني أتوجه بك إلي ربك، وأقدمك بين يدي حوائجي.

يا رباه يا الله، يا رباه يا الله، اني أسألك بك فليس كمثلك شئ، وأتوجه اليك بمحمد نبي الرحمة وبعترته الطيبين، وأقدمهم بين يدي حوائجي أن تعتقني من النار، وتكفيني وجميع المؤمنين والمؤمنات كل ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة.. انتهي.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيها صحاح متواترة، تجدها في أبواب افتتاح الصلاة من الفقه، وأبواب صلاة الحاجة، وفي كتب المزار والأدعية.

الاستشفاع بالنبي والأئمة عند زيارة قبورهم الشريفة

ستأتي أحاديث الاستشفاع والتوسل بالنبي صلي الله

عليه وآله في تفسير قوله تعالي (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ...).

وفي المقنعة/463:

وتحول إلي عند الرأس فقف عليه، وقل:

السلام عليك يا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، أشهد لك يا ولي الله بالبلاغ والاداء.

أتيتك بأبي أنت وأمي زائراً عارفاً بحقك، مستبصراً بشأنك، موالياً لأوليائك، معادياً لأعدائك، متقربا إلي الله بزيارتك في خلاص نفسي، وفكاك رقبتي من النار، وقضاء حوائجي للآخرة والدنيا، فاشفع لي عند ربك، صلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته.

وفي الكافي: 4/569:

- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمدبن أورمة، عمن حدثه، عن الصادق وأبي الحسن الثالث (عليهما السلام)، قال يقول:

السلام عليك يا ولي الله أنت أول مظلوم، وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت، حتي أتاك اليقين، فأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب، وجدد عليه العذاب.

جئتك عارفاً بحقك مستبصراً بشأنك، معادياً لأعدائك ومن ظلمك، ألقي علي ذلك ربي ان شاء الله.

يا ولي الله: ان لي ذنوبا كثيرة، فاشفع لي إلي ربك، فإن لك عند الله مقاماً محموداً معلوماً، وان لك عند الله جاها وشفاعة، وقد قال تعالي: ولا يشفعون إلا لمن ارتضي. ورواه في تهذيب الأحكام: 6/ 28

- وفي مصباح المتهجد/694:

اللهم لا قوة لي علي سخطك ولا صبر لي علي عذابك ولا غني لي عن رحمتك تجد من تعذب غيري ولا أجد من يرحمني غيرك ولا قوة لي علي البلاء ولا طاقة لي علي الجهد، أسألك بحق محمد نبيك صلي الله عليه وآله، وأتوسل اليك بالأئمة الذين اخترتهم لسرك وأطلعتهم علي خفيك وأخبرتهم بعلمك وطهرتهم وخلصتهم واصطفيتهم وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين وائتمنتهم علي وحيك وعصمتهم

عن معاصيك ورضيتهم لخلقك وخصصتهم بعلمك واجتبيتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا علي خلقك وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لأحد في معصيتهم وفرضت طاعتهم علي من برأت، وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

- وفي بحار الأنوار: 99/ 169:

ثم قال السيد رحمه الله، دعاء يدعي به عقيب الزيارة لسائر الأئمة (عليهم السلام): اللهم إني زرت هذا الإمام مقراً بإمامته، معتقداً لفرض طاعته، فقصدت مشهده بذنوبي وعيوبي، وموبقات آثامي، وكثرة سيئاتي وخطاياي، وما تعرفه مني، مستجيرا بعفوك، مستعيذاً بحلمك، راجياً رحمتك، لاجياً إلي ركنك، عائذاً برأفتك، مستشفعاً بوليك وابن أوليائك، وصفيك وابن أصفيائك، وأمينك وابن أمنائك، وخليفتك وابن خلفائك، الذين جعلتهم الوسيلة إلي رحمتك ورضوانك، والذريعة إلي رأفتك وغفرانك.

وفي بحار الأنوار: 24/2

319 - كنز: روي شيخ الطائفة رحمه الله بإسناده إلي الفضل بن شاذان رفعه إلي أبي جعفر عليه السلام قال: ان الله عز وجل يقول: ماتوجه إليَّ أحد من خلقي أحب اليَّ من داع دعاني يسأل بحق محمد وأهل بيته، وإن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال:(اللهم أنت وليي في نعمتي، والقادر علي طلبتي، وقد تعلم حاجتي، فأسألك بحق محمد وآل محمد إلا ما رحمتني وغفرت زلتي) فأوحي الله إليه: يا آدم أنا ولي نعمتك، والقادر علي طلبتك، وقد علمت حاجتك، فكيف سألتني بحق هؤلاء؟ فقال: يارب انك لما نفخت في الروح رفعت رأسي إلي عرشك، فإذا حوله مكتوب: لا اله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك، ثم عرضت عليَّ الأسماء، فكان ممن مربي من أصحاب اليمين آل محمد وأشياعهم، فعلمت أنهم أقرب خلقك اليك، قال: صدقت يا آدم.

تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية 01

قال الله تعالي: يَا

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة: 35

فقد أمرت هذه الآية الكريمة باتخاذ (وسيلة) إلي الله تعالي، ولكنها لم تبين ما هي، وهذا يعني أن الله تعالي ترك بيانها للرسول صلي الله عليه وآله.

عمل المفسرين السنيين لإبعاد الوسيلة عن النبي

يلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرين السنيين سعوا حثيثا لابعاد (الوسيلة المأمور بها في القرآن) عن النبي صلي الله عليه وآله!!

فمن ناحية، لم يرووا شيئا في تفسيرها عن النبي وآله، بل تبرعوا بالبيان من عندهم وفسروها بالقربة، وغاية ما رووا في رواي مقطوعة عن حذيفة تقول أن الوسيلة هي القربة! كما في مستدرك الحاكم: 2/312!

مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر الإلهي نزل إلي الأمة بأن يبتغوا إلي ربهم الوسيلة، ولم يبينها لهم الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس؟!

أما تفسيرهم لها بالقربة فهو تفسير الماء بالماء! لأن القربة كلمة مجملة تحتاج إلي تفسير كالوسيلة!!

فهل تختص بالأعمال الصالحة، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبياء والأوصياء والأولياء.. الخ.

قال السيوطي في الدر المنثور: 2/280

- أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله:

وابتغوا إليه الوسيلة، قال: القربة.

- وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله وابتغوا إليه الوسيلة قال: القربة.

- وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: وابتغوا إليه الوسيله قال تقربوا إلي الله بطاعته والعمل بما يرضيه.

- وأخرج عبد بن حميد عن أبي وائل قال: الوسيلة في الإيمان.

- وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، قال: الحاجة. قال وهل

تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:

إن الرجال لهم اليك وسيلة أن ياخذوك تكحلي وتخضبي. انتهي.

وتفسير ابن عباس للوسيلة بالحاجة ان صح عنه فلا يصح، لأن مقصود عنترة أن يقول لتلك المرأة: ان الرجال سيجدون وسيلة لأخذك ولو بالخطيفة فاستعدي! علي أنه لا يبعد أن يكون معني الحاجة في زمن ابن عباس هو المعني الذي يستعمله أهل مصر اليوم، وهو عام يشمل الوسيلة.

وفي حلية الأولياء: 4/105

عن منصور عن أبي وائل في قوله تعالي وابتغوا إليه الوسيلة، قال: القربة في الأعمال. انتهي.

وهكذا ساروا علي ما أسسه المفسرون الأمويون من تفسير الآية بالقربة وابعادها عن النبي وآله صلي الله عليه وآله، الذين هم الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه!

ولم يكتفوا بتفسير الوسيلة المطلقة بالقربة المطلقة، حتي ضيقوا مفهوم القربة وأبعدوه عن كثير من التقربات المرتبطة بشخص النبي صلي الله عليه وآله، وقبورهم الشريفة!!

وسوف تري أن الإتجاه الأموي أخذ شكلا حادا علي يد ابن تيمية واتباعه!

وبذلك اتجه السؤال بالتهمة اليهم بأنهم راعوا سياسة الخلافة القرشية في تقليلها من حاجة المسلمين إلي النبي صلي الله عليه وآله حتي في ايمانهم، وخاصة في الأمور التي لابد أن تكون ممتدة بعده بأهل بيته الطاهرين.

وفي اعتقادي أن ذلك يرجع إلي يوم أعلنت الخلافة القرشية الأحكام العرفية في كل مايتعلق بالقبر النبوي، لأنها خشيت أن يستجير به أهل بيته ويطالبوا بالخلافة! فقد منعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرك.. وأكثر مظاهر الإحترام الطبيعية التي تقوم بها الأمم تجاه قبر نبيها!!

فصار ذلك فقها وعقيدة، وقامت الخلافة الأموية بتركيزه وتبريره.. ولم يخرج عنه إلا المتصوفة، ولكنهم حاولوا أن يفسروا الوسيلة إلي الله

تعالي بمشايخ طرقهم!!

وقد حاول الفخر الرازي أن يستدل علي إبعاد الوسيلة عن الواسطة في تلقي الدين والسلوك الديني، فقال في تفسيره: 6 جزء 11/220:

المسألة الثالثة، الوسيلة: فعيلة، من وسل أي تقرب إليه، قال لبيد الشاعر:

أري الناس لا يدرون ماقدر أمرهم إلا كل ذي لب إلي الله واسل أي متوسل، فالوسيلة هي التي يتوسل بها إلي المقصود.

قالت التعليميه: دلت الآيه علي أنه لا سبيل إلي الله تعالي إلا بمعلم معرفته، ومرشد يرشدنا إلي العلم به، وذلك لأنه طلب الوسيلة إليه مطلقاُ، والإيمان به من أعظم المطالب وأشرف المقاصد، فلا بد فيه من الوسيلة.

وجوابنا: أنه تعالي أمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به، والإيمان به عبارة عن المعرفة به، فكان هذا أمرا بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به ومعرفته، فيمتنع أن يكون هذا أمرا بطلب الوسيلة إليه في معرفته!

فكان المراد طلب الوسيلة إليه في تحصيل مرضاته، وذلك بالعبادات والطاعات. انتهي كلام الرازي.

وغرضه أن يقول ان الآية تخاطب المؤمنين بعد ايمانهم بأن يتوسلوا بالطاعات، ولا تطلب من الناس أن يتوسلوا بشخص إلي الإيمان.

ولكنه نسي قوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) النساء: 136

فقد طلب الله من المؤمنين أن يؤمنوا بالله ورسوله! ونسي قوله تعالي (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا) الحجرات - 14

فلا مانع أن يخاطب الله تعالي المؤمنين بعد إيمانهم أن يبتغوا إليه الوسيلة عن طريق رسوله؟!

بل حتي لو سلمنا أن الآية ناظرة إلي مرحلة مابعد ايمانهم، فأي مانع في أن يطلب الله تعالي منهم أن يرتقوا بايمانهم إلي درجة أعلي فيجعلوا الرسول قدوتهم ووسيلتهم إلي ربهم؟!!

ولكن غرض الرازي أن يحصر الوسيلة المأمور

بها بالأعمال، ويبعدها عن شخص النبيي وآله صلي الله عليه وآله! كما أن غرض التعليمية الذين ذكرهم الرازي أن يبعدوها عن الرسول وآله صلوات الله عليهم، ويثبتوا بها حاجة المسلم في الإيمان والتدين إلي شيخ طريقة يكون هو وسيلته إلي ربه!!

أما المفسرون الشيعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسير السني، ففسروا الوسيلة مثلهم بالقربة بلا تعيين، بينما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)، من أن الوسيلة هو النبي أو وصيه من بعده..

- قال الطوسي في تفسير التبيان: 3/509

خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه، ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها، ويبتغوا إليه معناه يطلبون إليه، الوسيلة وهي القربة في قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل. وهي علي وزن فعيلة، من قولهم: توسلت اليك، أي تقربت. قال عنترة ابن شداد:

إن الرجال لهم اليك وسيلة أن يأخذوك فلجلجي وتخضبي

وقال الآخر:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

يقال: منه سلت أسال، أي طلبت، وهما يتساولان، أي يطلب كل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها. انتهي.

والظاهر أن منهج الشيخ الطوسي رحمه الله في تفسير التبيان أن يكتب ما يتحمله القارئ السني.

وكذا فعل المقداد السيوري في فقه القرآن: 1/369

والبلاغي في إملاء ما منَّ به الرحمن:1/214

أما التفاسير الروائية عن أهل البيت (عليهم السلام)، فقد فسرت الوسيلة التي أمر الله تعالي بها بالنبي والأئمة من بعده صلي الله عليه وعليهم.

ففي تفسير القمي: 1/168

وقوله (اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) فقال: تقربوا إليه بالإمام. انتهي.

والمتأمل في الآية يلاحظ أنها: أمر الهي

نزل في آخر سورة من القرآن، بعنصر جديد كلف الله به المسلمين هو (البحث.. عن.. الوسيلة)!

وهو أمر مجمل، والمصدر الوحيد لبيانه هو الرسول صلي الله عليه وآله.

أما نحن فنروي أنه بين الوسيلة بأنها هو وأهل بيته، فالأمة مكلفة أن تتعبد لله تعالي بمعرفتهم في كل عصر وإطاعتهم..

بينما لم يرو السنييون بيانها، ورووا عن غير النبي تفسيرها بالقربة، وهو لا يصح لأنه أولا تفسير مجمل مثلها! ولانه ثانيا يلغي العنصر الجديد الذي نزلت به الآية، ويجعل معناها تأكيداً لمثل قوله تعالي (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ)، وبذلك لا يبقي معني لإستعمال مصطلح الوسيلة وابتغائها، ولا لنزول الآية!!

الآية 02

قال الله تعالي: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. النساء: 64

ورد تفسير المجئ إلي الرسول فيها عن أهل البيت (عليهم السلام)، أنه يشمل المجئ إلي الرسول صلي الله عليه وآله في حياته، والمجئ إلي قبره الشريف بعد وفاته. وقد وافقتهم علي ذلك روايات عديدة من مصادر السنيين.

ففي الكافي: 4 /550:

عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي صلي الله عليه وآله ثم تقوم فتسلم علي رسول الله صلي الله عليه وآله ثم تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلي جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر، فانه موضع رأس رسول الله صلي الله عليه وآله وتقول:

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد

أنك محمد بن عبدالله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله مخلصاً حتي أتاك اليقين وأديت الذي عليك من الحق وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت علي الكافرين فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمدالله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين علي محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون.

اللهم إنك قلت: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً.

وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي وإني أتوجه بك إلي الله ربي وربك ليغفرلي ذنوبي.

وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلي الله عليه وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك فإنك أحري ان تقضي ان شاء الله.

- ورواه في تهذيب الأحكام: 6 /5

- ونحوه في من لا يحضره الفقيه: 2/567، وفيه:

اللهم وأعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محموداً يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم إنك قلت وقولك الحق: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا.

وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي، يا رسول الله اني أتوجه بك إلي الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي. انتهي.

- وفي الدر المنثور: 1/238:

- وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء إلي باب مسجد رسول الله(ص)أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتي

أتي القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله(ص)فقال:

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا، مستشفعاً بك علي ربك، لأنه قال في محكم كتابه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا.

وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا، أستشفع بك علي ربك أن يغفر لي ذنوبي، وأن يشفع في.

ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:

يا خير من دفنت في الترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

- ورواه في كنز العمال: 4/258، وقال في هامشه: وذكر ابن كثير في تفسيره: 2/329

وقصة هذا الأعرابي تدل علي أن العربي الصافي الفطرة يفهم أن قوله تعالي (جاؤوك) يشمل المجئ إلي الرسول في حياته، والي قبره بعد وفاته.

- وقال الشرنبلاني في نور الإيضاح/156

لمسلمين ثم يعود ويقف عند رأس سيدنا النبي صلي الله عليه وآله الشريف مستقبله كالأول ويقول اللهم إنك قلت وقولك الحق وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك اليك اللهم ربنا اغفر لنا ولاباءنا) وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربا انك رؤوف رحيم

- وفي الدر المنثور: 2/219:

وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا.

وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ.. الآية.

- وفي الدر المنثور: 2 /170:

- وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلي من حمر النعم وسودها:

في سورة النساء قوله: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.. الآية.

وقوله: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.. الآية.

وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ.. الآية.

وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ.. الآية.

- وفي الدر المنثور: 2 /180:

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال:

الإستغفار علي نحوين، أحدهما في القول والآخر في العمل.

فأما استغفار القول فإن الله يقول: ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول.

وأما استغفار العمل فإن الله يقول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون، فعني بذلك أن يعملوا عمل الغفران. انتهي.

جاؤوك، تشمل المجئ إلي قبر النبي والمجئ إلي وصيه

في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة خطابات وأحكام خاصة بالنبي صلي الله عليه وآله، فما حكمها بعد وفاته؟

قالت مذاهب الخلافة القرشية: منها ماهو من شأن النبوة وقد انتهي بوفاة النبي، والباقي صار المخاطب به الخليفة الذي حل محل النبي صلي الله عليه وآله! وبدأت الخلافة بتنفيذ ذلك في الخمس والأمور المالية فقالت صار أمرها إلي الخليفة... الخ.

ولكن هذه الخطابات والأحكام أوسع وأعمق من أن ينهض بها أمثال الخلفاء الذين حكموا بعد النبي صلي الله عليه وآله.. وللبحث في هذا الموضوع مكان آخر، ويدخل منه في بحثنا فتح باب الغفران الإلهي بالمجئ إلي النبي صلي الله عليه وآله، فهل هو حكم مستمر بعده في وصيه أم لا؟

دلت أحاديثنا الصحيحة علي أن هذا المقام الرباني ثابت للوصي عليه السلام، وهو الذي يساعد عليه إستمرار الإسلام، ووراثة الكتاب الإلهي، ونصوص وصية النبي لعترته الطاهرين، صلي الله عليه

وعليهم.

- ففي الكافي: 1/391:

- علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: لقد خاطب الله أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم، ثم لا يجدوا في أنفسه حرجا مما قضيت، عليهم من القتل أو العفو، ويسلموا تسليما.

- وفي الكافي: 8 /334:

علي بن ابراهيم، عن أبيه ومحمد بن اسماعيل، وغيره، عن منصور بن يونس عن ابن اذينة، عن عبدالله بن النجاشئ قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا. يعني والله فلانا وفلانا.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا.

يعني والله النبي صلي الله عليه وآله وعلياً مما صنعوا أي لو جاؤوك بها يا علي فا ستغفروا الله مما صنعوا، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما.

فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. فقال أبوعبد الله: هو والله علي بعينه، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، علي لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي، ويسلموا تسليما، لعلي.

- وفي تفسير القمي: 1/ 142:

وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ

إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ، فانه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. هكذا نزلت.

ثم قال: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ، يا علي، فيما شجر بينهم، يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، عليهم يا محمد علي لسانك من ولايته، ويسلموا تسليما، لعلي عليه السلام. انتهي.

ومعني قول الإمام الباقر عليه السلام (هكذا نزلت) أي هذا هو المعني المقصود فيها الذي أنزله الله تعالي.

وقد يكون الول بتعميم الخطاب للوصي ثقيلاً علي بعضهم، ولكنه لا بد منه إذا أرنا أن لا نعطل معني الآيات والأحاديث والأحكام المتعلقة بالنبي صلي الله عليه وآله! مع ما يستلزمه تعطيلها من نقصان الدين بعد كماله وتمامه!!

الآية 03

قال الله تعالي: وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَي بَعْضٍ وَ آتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا.

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلاً.

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا. الإسراء: 55 - 57

وهذه الآية تدل علي مشروعية التوسل إلي الله تعالي بالأشخاص الأقرب إليه، فمن المتفق عليه بين المفسرين أن قوله تعالي (يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) مدح لهؤلاء المؤمنين بأنهم يطلبون التوسل إلي الله تعالي.. وإن اختلفوا في تعيين هؤلاء المتوسلين، والمتوسل بهم. كما سيأتي.

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

معني الآيات:

قل لهم فليدعوا الذين يزعمون لكشف

الضر عنهم، فلا مجيب!! لأنهم في الحقيقة لا يدعون شيئا!

ولكن المؤمنين هم الذين يدعون من هو أهل لكشف الضر سبحانه، فتراهم يبتغون إليه الوسيلة، ويبحثون عن أقرب عباده إليه وسيلة فيتوسلون به إليه، فيستجيب دعاءهم. ف- (أولئك) في مطلع الآية الثانية إستئناف، والمقصود بهم المؤمنون عبر التاريخ، وقد مدحهم الله تعالي بدعائهم ربهم الحق، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم إليه.. وذلك في مقابل المشركين الذين يدعون هباء! ويتوسلون بما لم يأذن به الله!!

أما المفسرون السنيون فقد أرجعوا الضمير في أولئك إلي المعبودين المزعومين من دون الله. وبعضهم كالجبائي أرجعه إلي الأنبياء، ولكنه وافقهم علي أن (أيهم أقرب) صفة للمتوسلين، لا للمتوسل بهم، كما سيأتي.

وأما المفسرون الشيعة غير المحدثين، فقد راعوا التفسير السني، ولم يخرجوا عنه إلا قليلاً.

- قال الطوسي في تفسير التبيان: 6/490:

ثم قال لنبيه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ، يعني الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دون الله، ادعوهم إذا نزل بكم ضرر، فانظروا هل يقدرون علي دفع ذلك أم لا.

وقال ابن عباس والحسن: الذين من دونه، الملائكة والمسيح وعزير.

وقال ابن مسعود: أراد به ماكانوا يعبدون من الجن: وقد أسلم أولئك النفر من الجن، لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الجن، فأسلم الجن وبقي الكفار علي عبادتهم.

وقال أبو علي: رجع إلي ذكر الأنبياء في الآية الأولي، والتقدير ان الأنبياء يدعون إلي الله يطلبون بذلك الزلفة لديه ويتوسلون به إليه والي رضوانه وثوابه، أيهم كان أفضل عند الله، وأشد تقربا إليه بالأعمال.

ثم قال: فلا يملكون، يعني الذين تدعون من دون الله، كشف الضر، والبلاء عنكم، ولا تحويله إلي سواكم.

ثم قال: أولئك الذين يدعون يبتغون

إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب..الآية قوله: أولئك: رفع بالإبتداء، والذين، صفة لهم، ويبتغون إلي ربهم خبر الإبتداء. والمعني الجماعة الذين يدعون يبتغون إلي ربهم.

أيهم رفع بالإبتداء، وأقرب خبره. والمعني يطلبون الوسيلة ينظرون أيهم اقرب فيتوسلون به، ذكره الزجاج.

وقال قوم: الوسيلة هي القرية والزلفة.

وقال الزجاج: الوسيلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد، والمعني ان هؤلاء المشركين يدعون هؤلاء الذين اعتقدوا فيهم أنهم أرباب ويبتغي المدعوون أرباباً إلي ربهم القربة والزلفة لأنهم أهل ايمان به.

والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله، أيهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده في عبادته، فهم يرجون بأفعالهم رحمته ويخافون عذابه بخلافهم إياه. إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا. أي متقي. انتهي.

وقد اقتصر الشيخ الطوسي علي ذكر أقوال السنيين، كما رأيت.

- وأما الطبرسي في مجمع البيان: 6/422، فقد مال إلي قول أبي علي الجبائي، فقال: ثم قال سبحانه لنبيه (ص):

قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: أدعوا الذين زعمتم من دونه أنهم آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة الي حالة أخري.

فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، للحالة التي تكرهونها إلي حالة تحبونها يعني تحويل حال القحط إلي الخصب والفقر إلي الغني والمرض إلي الصحة.

وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم إلي غيركم، بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة فانه لايصلح للإلهية، ولا يستحق العبادة.

والمراد بالذين من دونه الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن، وقيل هم الجن لأن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود، قال وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار علي عبادتهم.

قال الجبائي: ثم رجع سبحانه إلي ذكر الأنبياء في

الآية الأولي فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، ومعناه أولئك الذين يدعون إلي الله تعالي ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات.

أيهم أقرب، أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه. وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله فأنتم أولي أن لا تعبدوا غير الله. وإنما ذكر ذلك حثاً علي الإقتداء بهم.

وقيل ان معناه أولئك الذين يدعون ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة إلي الله تعالي بعبادتهم، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب إلي رحمته أو إلي الاجابة، ويرجون رحمته ويخافون عذابه، أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته أن أطاعوه ويخافون عذابه ان عصوا، ويعملون عمل العبيد. انتهي.

ومع أنه رحمه الله مال إلي تفسير الجبائي، ولكنه لم يخرج عن التفسير الأساسي للمفسرين السنيين، ولم يبحث النسبة بين الآية وبين أحاديث أهل البيت عليهم السلام الصحيحة التي تنص علي أن الذين جعلهم الله تعالي وسيلة للناس والأنبياء هم محمد وآله صلي الله عليهم.

وأما الطباطبائي فقد ذكر أقوال المفسرين السنيين في الآية، ولم يجزم بشئ منها! قال في تفسير الميزان: 13/130:

قوله تعالي: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، إلي آخر الآية.أولئك مبتدأ، والذين صفة له، ويدعون صلته ضميره عائد إلي المشركين. ويبتغون خبر أولئك، وضميره وسائر ضمائر الجمع إلي آخر الآية راجعة إلي أولئك.

وقوله: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، بيان لابتغاء الوسيلة لكون الإبتغاء فحصا وسؤإلا في المعني. هذا ما يعطيه السياق.

والوسيلة علي ما فسروه هي التوصل والتقرب، وربما استعملت بمعني ما به التوصل والتقرب، ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر

إلي تعقيبه بقوله: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. والمعني والله أعلم:

أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والانس يطلبون ما يتقربون به إلي ربهم يستعلمون.

أَيُّهُمْ أَقْرَبُ: حتي يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا إليه تعالي كتقربه. ويرجون رحمته. من كل ما يستمدون به في وجودهم ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه.

إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا. يجب التحرز منه والتوسل إلي الله ببعض المقربين إليه - علي ما في الآية الكريمة قريب من قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، غير ما يرومه المشركون من الوثنيين، فإنهم يتوسلون إلي الله ويتقربون بالملائكة الكرام والجن والأولياء من الانس، فيتركون عبادته تعالي ولا يرجونه ولا يخافونه، وإنما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون إلي هؤلاء الأرباب والإلهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام، ويتقربون اليهم بالقرابين والذبائح.

وبالجملة يدعون التقرب إلي الله ببعض عباده أو أصنام خلقه، ثم لا يعبدون إلا الوسيلة مستقلة بذلك، ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله، فيشركون بإعطاء الإستقلال لها في الربوبية والعبادة.

والمراد بأولئك الذين يدعون: ان كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبياء والأولياء من الإنس، كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة وخوف العذاب ظاهره المتبادر.

وان كان المراد بهم أعم من ذلك حتي يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين وفسقة الإنسان كفرعون ونمرود وغيرهما، كان المراد بابتغائهم الوسيلة إليه تعالي ماذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني (!)

وكذا المراد من رجائهم وخوفهم ملذواتهم. انتهي.

ثم ذكر رحمه الله وجوها أخري في رجوع الضمائر، ولم يتبن منها شيئا.

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

قال المحدثون والمفسرون السنيون ان المقصود ب_(أولئك) في الآية، المعبودون المزعومون من دون الله الذين يؤلههم

بعض الناس، فالمعبودون مؤمنون يعبدون الله تعالي ويبتغون إليه الوسيلة... وعابدوهم مشركون.

ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودين من مؤمني الجن، أو الملائكة، أو أنهم المسيح وعزير والشمس والقمر!

- قال البخاري في صحيحه: 5/227:

عن أبي معمر عن عبد الله (ابن مسعود): إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. زاد الأشجعي: عن سفيان عن الأعمش: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ.

باب أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.. الآية:

عن أبي معمر عن عبدالله (رض) في هذه الايه: الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، قال: ناس من الجن يعبدون، فأسلموا.

- ورواه مسلم: 8/244، عن عبد الله أيضاً، وفيه قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن، فأسلم النفر من الجن، واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.

- ورواه الحاكم بنحوه: 2/362، عن عبد الله أيضاً.

- وقال السيوطي في الدر المنثور: 4/ 189:

أخرج عبدالرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، عن ابن مسعود (رض) في قوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً، قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الأنسيون بعبادتهم، فأنزل الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ. كلاهما بالياء.

وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، معا في الدلائل، عن ابن مسعود (رض) قال: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجنيون

والنفر من العرب لا يشعرون ذلك.

- وقال في الدر المنثور: 4/190:

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود (رض) قال: كان قبائل من العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن، ويقولون هم بنات الله، فأنزل الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ.. الآية.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مرديه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرا.

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، قال: عيسي وأمه وعزيز.

وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ، قال: هم عيسي وعزيز والشمس والقمر. انتهي.

- وقال الفخر الرازي في تفسيره: 20/231:

فنقول: ان قوما عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم.

وقيل إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيرا.

وقيل إن قوماً عبدوا نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن، فبقي أولئك من الناس متمسكين بعبادتهم، فنزلت هذه الآية. انتهي.

وعلي هذا المنوال نسج المفسرون الباقون.. ومنهم ابن تيمية، الذي أهمل كغيره أن الآية في مدح المتوسلين، وأخذ منها ذم الذين عبدوا المتوسلين!

- قال في رسالة فتيا في نية السفر/430

فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس والجن! قال تعالي: هؤلاء الذين دعوتموهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، ان عذاب ربك كان محذورا.

قال أبومحمد عبد الحق بن عطية في تفسيره: أخبر الله تعالي

أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب إليه والتزلف إليه، وأن هذه حقيقة حالهم، والضمير في ربهم للمبتغين أو للجميع، والوسيلة هي القربة، وسبب الوصول إلي البغية، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لامر ما، ومنه قول النبي(ص)من سأل الله لي الوسيلة.. الحديث.

وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين نحوه، إلا أنه برز به علي غيره فقال: وأيهم ابتداء وخبره أقرب، وأولئك يراد بهم المعبودون، وهو ابتداء وخبره يبتغون. والضمير في يدعون للكفار، وفي يبتغون للمعبودين، والتقدير نظرهم وذكرهم أيهم أقرب!! وهذا كما قال عمر بن الخطاب (رض) في حديث الراية بخيبر فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ أي يتبارون في طلب القرب!! قال رحمه الله: وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله.

ولقد صدق في ذلك فإن الزجاج ذكر في قوله أيهم أقرب وجهين كلاهما في غاية الفساد. وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره، وتابعه المهدوي والبغوي وغيرهما، ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء وأخبر بمذهب سيبوبة والبصريين، فعرف تطفيف الزجاج مع علمه رحمه الله بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان! وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها علي ابن عطية لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر، وان كانوا هم أخبر بشئ آخر من المنقولات أو غيرها!!

وقد بين سبحانه وتعالي أن المسيح وان كان رسولاً كريماً فانه عبد الله، فمن عبده فقد عبد مالا ينفعه ولا يضره!

قال تعالي: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار. انتهي.

مناقشة تفسيرهم للآيات

يلاحظ

علي تفسيرهم للايات:

أولا: أنهم ابتعدوا عن سياق الآية ومصبها، وهو المقابلة بين المشركين الذين يدعون من يزعمون، وبين المؤمنين الذين يدعون ربهم ويبتغون إليه الوسيلة.. فقد قال سبحانه لرسوله (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً.).

ثم مدح الذين يقابلونهم فقال (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخَافُونَ عَذَابَهُ)...

فالسياق هو تحدي المشركين بأن آلهتهم المزعومة لا تستطيع أن تكشف الضر عنهم، وأنهم بالحقيقة لا يدعون من دون الله شيئاً، بل أوهاماً.. ثم قابلهم بالذين يدعون الله تعالي ويتوسلون إليه، فهؤلاء الذين يدعون الحق بحق، وعبر عنهم بأولئك تعظيما لهم. أما غيرهم فلا يدعون شيئا.

وبذلك تتم المقابلة وتكون (أولئك) استئنافاً جديداً تاماً، والضمير فيها للشأن، ولا ربط له بالآية السابقة حتي يعود علي شئ منها!!

أما تفسيرهم فقد جعل التقابل بين المشركين وبين بعض من يعبدونهم من الأنبياء.. وهو تقابل ضعيف بعيد لو سلم من الإشكالات فلا يتبادر إلي الذهن.

وقول الجبائي ان المقصود ب_ (أولئك) هم الأنبياء المذكورون في الآية السابقة، أقرب من أقوالهم إلي الصحة، ولكن لفظ (أولئك) مطلق شامل لكل العابدين لله، ولا دليل علي حصره بالأنبياء (عليهم السلام)، وان كانوا سادتهم.

ثانيا: ارجاعهم ضمير (أولئك) إلي المعبودين المزعومين من دون الله خلاف الظاهر، لأن ضمير هؤلاء المزعومين خفي، والضمير البارز فيها ضمير العابدين المخاطبين، فلو كان يريد المزعومين لقال (أولئك الذين تدعونهم أو تزعمونهم) أو ذكر اشارة تدل علي قصدهم، وعدم قصد العابدين المخاطبين!

ثالثا: أن المعبودين المزعومين فيهم الصالح والطالح والجماد، ففيهم الأنبياء مثل عزير وعيسي، وفيهم الملائكة والجن، والشمس والقمر والنجوم والأصنام، وبقية المعبودات..

وصفات المدح ل_ (أولئك) تمنع رجوع الضمير إلي المعبودين جميعا! وكيف يصح عود الضمير علي بعض العام المعهود بدون قرينة؟!

ولعمري ان هذا الضعف في ارجاع الضمائر لا وجود له في القرآن؟!! وهو كاف لتضعيف ما روي عن ابن مسعود وغيره!

رابعاً: ما رووه عن ابن مسعود وغيره من أن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن فآمن الجن وبقي عبادهم مشركين.. الخ.. فنزلت الآية..

هذه الوجوه ليست حديثا بل هي أقوال لو تم سندها لبقي تعارضها!

ولو سلمنا ارتفاع تعارضها،فهي سبب لنزول الآية لا أكثر، والسبب الخاص لا يخصص الوارد العام، وصيغة الآية عامة (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ..) وهو يشمل كل الذين زعموا فلا مبرر لتخصيصها ببعضهم!

خامسا: أن ضمير العاقل في (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ينقض تفسيرهم، فقد جعلوا أيهم بدل جزء من كل من الفاعل، ليبعدوه عن المتوسل بهم ويجعلوه صفة للمتوسلين، فصار المعني عندهم: يبتغي الوسيلة منهم من كان أقرب وسيلة إلي ربه، فكيف بالأبعد وسيلة!!

وذلك كمن يقول (أولئك يقاتلون عدوهم حقاً أيهم أشجع من غيره!) ويقصد القائل أن الأشجع منهم يقاتل، فكيف بالأضعف!!

وهو كلام بعيد عن البلاغة بل عن الفصاحة حتي في كلام المخلوقين، فلا يصح أن ينسبوه إلي كلام الخالق سبحانه؟!!

ولعل هذا هو السبب في أن بعض مفسريهم كالفخر الرازي هرب من من تفسير (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ومر عنها كأنها لا وجود لها!!

سادسا: أن ضمير (أَيُّهُمْ) يعود علي (أولئك) وما داموا أرجعوا ضمير أولئك علي المعبودين المزعومين، فيجب أن يرجعوا ضمير أيهم اليهم! فيكون المعني عندهم: أن المتوسل بهم الممدوحين هم من بين المعبودين المزعومين، فيكون التوسل بالأشخاص ممدوحا، ويكون منحصراً بالأنبياء المعبودين كعيسي وعزير! وهذا خلاف

مذهبهم!!

سابعا: أن فعل (يَبْتَغُونَ) ينقض تفسيرهم، لأنه يدل علي البحث والتحري، ويطلب مفعولا! و(أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أقرب مفعول إليه، فحق أي أن تكون منصوبة علي المفعولية، لا مرفوعة بدلاً عن الفاعل بدل جزء من كل كما زعموا!

ولكنهم أغمضوا عيونهم عن يبتغي وتركوه بلا مفعول، ليحصروا التوسل بالأعمال دون الذوات!!

وهكذا.. يتضح لك أن التفسير الذي قدمناه هو الوحيد الخالي عن الإشكال.. وهو نص في مشروعية التوسل بالأشخاص الأقرب وسيلة إلي الله، وأنه من صفات المؤمنين عبر التاريخ وسيرتهم.

وهو يتفق مع أحاديثنا الصحيحة التي تنص علي أن الله تعالي جعل الوسيلة إليه في هذه الأمة بل قبلها، محمدا وآله صلي الله عليهم.

علي أقرب الخلق وسيلة إلي الله

أقرب الخلق وسيلة إلي الله تعالي هو سيد المرسلين محمد ومعه آله الذين أمرنا بالصلاة عليهم معه، صلي الله عليه وعليهم.

ولذلك لا تجد في جميع مصادر الحديث السنية والشيعية أن النبي صلي الله عليه وآله وصف أحدا بأنه أقرب الخلق وسيلة إلي الله تعالي بعده، إلا علياً عليه السلام، وهي حقيقة مهمة! شاء الله تعالي أن ترويها عائشة عن النبي صلي الله وآله!!

-قال القاضي النعمان في شرح الأخبار: 1/ 141:

عن مسروق، قال: دخلت علي عائشة فقالت لي: يا مسروق: انك من أبر ولدي بي، واني أسألك عن شئ فأخبرني به.

فقلت: سلي يا أماه عما شئت.

قالت: المخدج من قتله؟

قلت: علي بن أبي طالب عليه السلام.

قالت: وأين قتله؟

قلت: علي نهر يقال لأعلاه تامرا، ولأسفله النهروان بين أحافيف (أخافيق) وطرق.

فقالت: لعن الله فلاناً، تعني عمرو بن العاص فانه أخبرني أنه قتله علي نيل مصر.

قال مسروق: يا أماه فاني أسألك بحق الله وبحق رسوله وبحقي

فاني ابنك لما أخبرتني بما سمعت من رسول الله فيهم.

قالت: سمعته يقول فيهم (أهل النهروان): هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلي الله وسيلة.

قال مسروق: وكان الناس يومئذ أخماساً، فأتيتها بخمسين رجلاً عشرة من كل خمس، فشهدوا لها أن عليا قتله!!

-وفي هامشه:

-وفي المناقب لابن شهر آشوب 3/67: عن الداري بإسناده عن الأصبغ بن نباتة وعن جميع التميمي كليهما عن عائشة: إنها لما روت هذا الخبر، قيل لها: فلم حاربتيه؟ قالت: ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة والزبير. وفي رواية: أمر قدر وقضاء غلب.

-ذكر فضل بن شاذان المتوفي 260 ه في الإيضاح/86: عن أبي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: لعن الله عمرو بن العاص ما أكذبه لقوله: أنه قتل ذا الثدية بمصر.

وروي البحراني في غاية المرام/451 الباب الأول الحديث 21 نقلاً من كتاب صفين للمدائني عن مسروق: أن عائشة قالت له - لما عرفت -: من قتل ذي الثدية؟ لعن الله عمرو بن العاص فانه كتب اليَّ يخبرني أنه قتله بالإسكندرية إلا أنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله، سمعته يقول: يقتله خير أمتي من بعدي.

ورواه في شرح الأخبار:1 /430، وفي هامشه:

رواه ابن المغازلي في المناقب/55 عن أحمد بن محمد بن عبدالوهاب بن طاوان عن الحسين بن محمد العلوي، عن أحمد بن محمد الجواربي، عن أحمد بن حازم، عن سهل بعامر البحلي عن أبي خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال:

قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي، وإنك من أحبهم الي، فهل عندك علم من المخدج؟

قال: قلت:

نعم، قتله علي بن أبي طالب علي نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان، بين أحفاق وطرقاء.

قالت: ابغني علي ذلك بينة، فأتيتها بخمسين رجلاً من كل خمسين بعشرة - وكان الناس اذ ذاك أخماساً - يشهدون أن عليا عليه السلام قتله علي نهر يقال لأعلاه تأمرا ولأسفله النهروان بين أخفاق وطرقاء.

فقلت: يا أمة، أسألك بالله وبحق رسول الله وبحقي - فإني من ولدك - أي شئ سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول فيه؟

قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلي الله وسيلة. انتهي.

- ورواه في شرح الأخبار: 2/59، وفيه:

قال: ثم ذكرت لها أن عليا عليه السلام استخرج ذا الثدية من قتلي أهل النهروان الذين قتلهم، فقالت: أذا أتيت الكوفة فاكتب إلي بأسماء من شهد ذلك ممن يعرف من أهل البلد.

قال: فلما قدمت الكوفة، وجدت الناس أسباعاً، فكتبت من كل سبع عشرة ممن شهد ذلك - ممن نعرفه - فأتيتها بشهادتهم.

فقالت: لعن الله عمرو بن العاص، فانه زعم هو قتله علي نيل مصر. انتهي.

- وقال المفيد في الإرشاد: 1/317

وقال عليه السلام وهو متوجه إلي قتال الخوارج: لولا أني أخاف أن تتكلوا وتتركوا العمل لأخبرتكم بما قضاه الله علي لسان نبيه فيمن قاتل هولاء القوم مستبصراً بضلالتهم.

وان فيهم لرجلا مودون اليد له ثدي كثدي المرأة، وهم شر الخلق والخليقة وقاتلهم أقرب خلق الله إلي الله وسيلة.

ولم يكن المخدج معروفا في القوم، فلما قتلوا جعل عليه السلام يطلبه في القتلي ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت! حتي وجد في القوم، وشق قميصه وكان علي كتفه

سلعة كثدي المرأة عليها شعرات إذا جذبت انجذبت كتفه معها، وإذا تركت رجع كتفه إلي موضعه، فلما وجده كبر وقال: ان في هذا لعبرة لمن استبصر.

- وفي بحار الأنوار: 38/9

تاريخ الخطيب: روي الأعمش، عن عدي، عن زر، عن عبيدالله، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من لم يقل علي خير الشر فقد كفر. وعنه في التاريخ بالإسناد عن علقمة عن عبدالله قال: رسول الله صلي الله عليه وآله: خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخيرنسائكم فاطمة بنت محمد. الطبريان في الولاية والمناقب بإسنادهما إلي مسروق عن عائشة: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلي الله وسيلة أي المخدج وأصحابه.

- وفي هامش اختيار معرفة الرجال: 1/ 239

ومن المتفق عليه لدي الجميع أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال في المخدج ذي الثدية: يقتله خير الخلق والخليقة، وفي رواية يقتله خير هذه الأمة. وفي روايات جمة عن عائشة قالت: سمعت النبي صلي الله عليه وآله يقول: هم - أي المخدج وأصحابه - شر الخلق والخليقة، يقتله خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلي الله وسيلة.

رواه الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد 6/239، راجع في ذلك:

احقاق الحق: 8/475 - 522 ومسلم في صحيحه 3/112 طبعة محمد علي وأحمد بن حنبل في مسنده 3 /56 والبخاري في صحيحه 4/200 الطبعة الأميرية. والنسائي في الخصائص: 43 طبعة مصر

ومن طرق عديدة عنها عنه صلي الله عليه وآله، هم شر الخلق والخليقة يقتلهم سيد الخلق والخليقة، وفي أخبار كثيرة أنه صلي الله عليه وآله قال

لعلي عليه السلام: وانك أنت قاتله يا علي.

ثم قد أطبقت الأمة علي أن عليا عليه السلام قد قتله يوم النهروان وأخبر الناس بذلك وقد كان عليه السلام يخبر به وبصفته من قبل، ثم استخرجه من تحت القتلي فوجدوه علي ماكان يذكر فيه من صفته، فكبر الله وقال: صدق الله ورسوله وبلغ رسوله.

وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من صحاحهم أن النبي صلي الله عليه وآله قال فيه: إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون الكتاب لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يخرجون علي خير فرقة من الناس. وكان أبوسعيد الخدري يقول، أشهد اني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلي الله عليه وآله وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وقتلهم وأنا معه، ثم من بعد القتال استخرجوا من بين القتلي من هذه صفته فجاؤوا به إليه، فشاهدت فيه تلك الصفات. انتهي.

الترابط بين الوسيلة والوصية

- في بصائر الدرجات/216:

حدثنا أبو الفضل العلوي قال: حدثني سعيد بن عيسي الكربزي البصري، عن ابراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد الله، عن عبد الأعلي الثعلبي، عن أبي تمام، عن سلمان الفارسي رحمه الله، عن أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله تبارك وتعالي: قُلْ كَفَي بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ، فقال: أنا هو الذي عنده علم الكتاب، وقد صدقه الله وأعطاه. والوسيلة في الوصية ولا تخلو أمة من وسيلة إلي الله، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ.

الشيعة وسيلة إلي الله يوم القيامة

- في علل الشرائع: 2/564:

باب العلة التي من أجلها يكره تكليف المخالفين للحوائج:

حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن ادريس عن حنان قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة.

وبهذا الإسناد قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا تسألوهم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة إلي رسول الله يوم القيامة. انتهي.

ورواه في في بحار الأنوار: 8/55:

ما ورد في مصادرهم من تشويش علي الأحاديث المتقدمة

وفي مقابل رواية عائشة عن شهادة النبي صلي الله عليه وآله في حق علي عليه السلام نلاحظ وجود رواية أكثرت من نقلها المصادر السنية تصف عبد الله بن مسعود بأنه أقرب الناس أو من أقربهم وسيلة إلي الله!

ولكنها والحمد لله ليست رواية عن النبي صلي الله عليه وآله، بل عن حذيفة!! وحتي لو صحت عن حذيفة وفسرناها بأي تفسير، فهي لا ترقي إلي معارضة حديث عائشة وغيرها في علي عليه السلام.

وان أحسنا الظن بروايتهم عن ابن مسعود فهي تدل علي أن مصطلح (الأقرب وسيلة إلي الله تعالي) كان معروفاً بين المسلمين من عصر الرسول صلي الله عليه وآله، وأن حذيفة أو واضع الحديث علي لسانه أراد أن يمدح به عبد الله بن مسعود.

وان أسأنا الظن بروايتهم، فهي محاولة للتعتيم علي الحديث النبوي البليغ في علي عليه السلام، واعطاء هذه الصفة لعبد الله بن مسعود! وطالما فعلتها الخلافة القرشية ورواتها!

- روي أحمد في مسنده: 5/394:

عن شقيق قال كنت قاعداً مع حذيفة فاقبل عبدالله بن مسعود فقال حذيفة إن أشبه الناس هدياً ودلا برسول الله(ص)من حين يخرج من بيته حتي يرجع فلا أدري ما يصنع في أهله كعبد الله بن مسعود والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص)ان

عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.

- وروي نحوه الحاكم في: 2/312، ورواه في: 3/315، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

ومن الملفت في الموضوع أن... نفي القسم الأخير من النص وقال انه لم يسمعه من عبد الرحمن بن يزيد!

قال أحمد في مسنده: 5/395:

ولم نسمع هذا من عبد الرحمن بن يزيد لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص) إن ابن أم عبد من أقربهم إلي الله عز وجل وسيلة!!

- وفي الغدير: 9/9:

أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات من طريق حذيفة بن اليمان: إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً بمحمد(ص)عبد الله.

وفي لفظ البخاري: ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله(ص)من ابن أم عبد.

وزاد الترمذي: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله(ص)أن ابن أم عبد أقربهم إلي الله زلفي.

وفي لفظ أبي نعيم: إنه من أقربهم وسيلة يوم القيمة.

وفي لفظ أبي عمر: سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحدا أشبه دلاً وهدياً برسول الله من حين يخرج من بيته إلي أن يرجع إليه من عبدالله بن مسعود، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص)أنه من أقربهم وسيلة إلي الله يوم القيامة.

وفي لفظ علقمة: كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته.

راجع صحيح البخاري كتاب المناقب. مسند أحمد 5: 389، المستدرك 3: 315، 320

حلية الأولياء 1: 126، 127،

الاستيعاب 1: 372،

مصابيح السنة 2: 283،

صفة الصفوة 1: 156، 158،

تاريخ ابن كثير 2: 162،

تيسير الوصول 3: 297

الإصابة 2: 369

كنز العمال 7: 55. انتهي.

وقد ذكرنا أن هذا لنص حتي لو صح عن حذيفة، فهو لا يصلح معارضا ولا مقللا

من قيمة الحديث الشريف الذي روته عائشة وغيرها في أن عليا عليه السلام أقرب الخلق وسيلة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله.

آيات مؤيدة لآيات التوسل

وردت آيات متعددة في طلب المؤمنين من الأنبياء (عليهم السلام) أن يتوسطوا لهم عند الله تعالي، ويدعوه لهم بالمغفرة وبالخير.. وهذا نوع من التوسيط يدل علي أن باب الطلب من الله تعالي بواسطة الغير أمر طبيعي في دين الله تعالي وشرائعه!

وأنه لو كان التوسيط منافياً للتوحيد كما يزعم ابن تيمية، لوجب أن يطلب كل إنسان لنفسه بنفسه مباشرة، ووجب تحريم كل طلب من الله تعالي بواسطة!! اذ لا فرق في أصل الواسطة بين التوسط والتوسل بدعاء الغير وبين أنواع التوسيط الأخري!

منها، قوله تعالي:

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ. قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. يوسف: 98

- وروي الصدوق في علل الشرائع: 1/ 54:

- حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني (رض) قال: حدثنا احمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولي بني هاشم قال: أخبرنا المنذر بن محمد قال: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم الخزاز، عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قلت لجعفر بن محمد عليه السلام: أخبرني عن يعقوب لما قال له بنوه: يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين، قال سوف أستغفر لكم ربي، فأخر الإستغفار لهم.

ويوسف عليه السلام لما قالوا له: تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين؟ قال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.

قال: لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ، وكانت جناية ولد يعقوب علي يوسف، وجنايتهم علي يعقوب انما كانت بجنايتهم علي يوسف، فبادر يوسف إلي العفو عن

حقه، وأخر يعقوب العفو لأن عفوه انما كان عن حق غيره، فأخرهم إلي السحر ليلة الجمعة.

- ورواه وغيره في تفسير نور الثقلين: 2/465

- وفي تفسير التبيان: 6/195:

وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: أخرهم إلي ليلة الجمعة. وقال ابن مسعود وابراهيم التيمي، وابن جريج وعمرو بن قيس: انه أخرهم إلي السحر، لأنه أقرب إلي اجابة الدعاء. انتهي.

- وروي نحوه الترمذي في سننه: 5 /223، عن ابن عباس، والحاكم: 1/316، والدر المنثور: 4/36، وكنز العمال: 2/59، وغيرها.

ومنها، قوله تعالي:

وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَي ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. الأعراف: 134

وقد قبل موسي عليه السلام طلبهم، ودعا الله لهم، فدل ذلك قبوله علي أنه طلبهم بواسطته أمر مشروع إلي آخر الآيات التي والأحاديث التي تدل علي توسيط الغير مع الله تعالي.

شذوذ الوهابيين عن اجماع المسلمين في التوسل والإستشفاع

من المسائل التي شذ فيها ابن تيمية وتبعه ابن عبد الوهاب، تحريم السفر لزيارة النبي صلي الله عليه وآله، بل تحريم الزيارة نوي لها السفر!

وكذلك تحريم التوسل والاستشفاع به صلي الله عليه وآله، بحجة أنه ميت ولا يجوز التوسل بالميت.

وكذا تحريم الإستغاثة به صلي الله عليه وآله لأن المستغيث بزعمه يعبد المستغاث به.. الخ.!!

- قال الشيخ محمود سعيد ممدوح في كتابه رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة - المطبوع في دار الإمام النووي بعمان - سنة 1416:

وهو - التوسل - السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما في معني ذلك.

وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة

ضلالة، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نري الآن.

لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده! وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبيل. قال ابن تيمية في (التوسل والوسيلة) (/98): هذا الدعاء (أي الذي فيه توسل بالنبي(ص)) ونحوه قد روي أنه دعا به السلف ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي(ص)في الدعاء. اه، ونحوه في (/155) من الكتاب المذكور.

وقال في (/65): (والسؤال به (أي بالمخلوق) فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس.) اه.

وذكر أثرا فيه التوسل بالنبي(ص)لفظه: (اللهم اني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة(ص)تسليماً. يا محمد إني أتوجه بك إلي ربك وربي يرحمني مما بي).

قال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روي أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي(ص)في الدعاء. اه.

وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل، فقال في منسك المروزي بعد كلام مانصه: وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه(ص)، تقض من الله عز وجل. اه. هكذا ذكره ابن تيمية في الرد علي الأخنائي/168!!

والتوسل به(ص)معتمد في المذاهب ومرغب فيه نص علي ذلك الأئمة الأعلام، وكتب التفسير والحديث والخصائص ودلائل النبوة والفقه طافحة بأدلة ذلك بدون تحريم وهي بكثرة...

كان ابن تيمية يري منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه (التوسل والوسيلة) (/169). انتهي كلام الممدوح.

وقال ابن تيمية في كتابه زوار المقابر/433:

قال عامة المفسرين كابن عباس ومجاهد وعطاء والفراء: الوسيلة القربة، قال قتادة: تقربوا إلي الله بما

يرضيه.

قال أبو عبيدة: توسلت إليه أي تقربت.

وقال عبد الرحمن بن زيد: تحببوا إلي الله.

والتحبب والتقرب إليه انما هو بطاعة رسوله، فالإيمان بالرسول وطاعته هو وسيلة الخلق إلي الله، ليس لهم وسيلة يتوسلون بها البتة إلا الإيمان برسوله وطاعته. وليس لأحد من الخلق وسيلة إلي الله تبارك وتعالي إلا بوسيلة الإيمان بهذا الرسول الكريم وطاعته.

وهذه يؤمر بها الإنسان حيث كان من الأمكنة وفي كل وقت. وما خص من العبادات بمكان كالحج، أو زمان كالصوم والجمعة، فكل في مكانه وزمانه.

وليس لنفس الحجرة من داخل فضلا عن جدارها من خارج إختصاص بشئ في شرع العبادات ولا فعل شئ منها، فالقرب من الله أفضل منه بالبعد عنه باتفاق المسلمين، والمسجد خص بالفضيلة في حياته(ص)، قبل وجود القبر.

فلم تكن فضيلة مسجده لذلك، ولا أستحب هو(ص)ولا أحد من أصحابه، ولا علماء أمته أن يجاور أحد عند قبر ولا يعكف عليه، لا قبره المكرم ولا قبر غيره، ولا أن يقصد السكني قريبا من قبر أي قبر كان.

وسكني المدينة النبوية هو أفضل في حق من تتكرر طاعته لله ورسوله فيها أكثر كما كان الأمر لما كان الناس مأمورين بالهجرة إليها فكانت الهجرة إليها والمقام بها أفضل من جميع البقاع مكة وغيرها.

بل كان ذلك واجبا من أعظم الواجبات، فلما فتحت مكة قال النبي(ص)لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وكان من أتي من أهل مكة وغيرهم ليهاجر ويسكن المدينة يأمره أن يرجع! انتهي.

وخلاصة كلامه: أن التوسل محصور بالإيمان بالرسول وطاعته، وبدعائه في حال حياته.

أما التوسل به في حياته وبعد موته، ومجاورة قبره الشريف والعكوف عنده، فليس من الطاعة، لأن الصحابة لم يفعلوه.

والأصل في

كل ما لم يفعلوه عدم المشروعية، حتي يقوم عليه دليل!

وهو كما تري تحكم لا دليل عليه:

فحصره التوسل المأمور به في القرآن بالإيمان بالرسول وطاعته، لا دليل عليه وكذلك لادليل علي ميزانه فيما جعله جزء من الإيمان بالرسول أو نفي جزئيته، وما جعله طاعة للرسول أونفي كونه طاعة له!

فلماذا لا يكون التوسل بزيارة قبره صلي الله عليه وآله والتبرك به والسكني عنده من الإيمان به، ومن طاعته صلي الله عليه وآله؟!!

ثانيا، دعوي أن القاعدة والأصل في الأشياء الحرمة حتي تثبت حليتها، لا دليل عليه أيضاً. بل الأصل في الأشياء الحلية حتي يثبت دليل الحرمة ويصل إلي المكلف، فقد قال الله تعالي (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّي يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ).

ثالثاً، دعوي أن كل ما لم يفعله الصحابة فهو حرام حتي يقوم عليه دليل، تحكم بلا دليل أيضاً، فإن كثيرا من الأمور لم يفعلها الصحابة وهي حلال حتي بفتوي ابن تيمية، كالوسائل المعيشية المتجددة!! وقد ألف الحافظ الصديق المغربي رسالة في عدم دلالة الترك علي التحريم، كما ذكر تلميذه الممدوح.

أما عندنا فإن فعل الصحابي ليس حجة إذا لم يكن معصوماً، فضلا عن تركه!

تلبيس ابن تيمية لتحريم التوسل والإستشفاع

يفترض ابن تيمية مسبقا أن المتوسل أو المستغيث بالنبي صلي الله عليه وآله (يدعوه) أي يطلب منه، لا من الله تعالي!

وهذا مصادرة علي المطلوب وتبطين الحكم المتنازع فيه في لفافة علي أنه جزء من مقدمة مسلمة عند الطرف الآخر!

فابن تيمية يقول للمتوسل أو المستغيث: انك اعترفت أنك دعوت الرسول أو الولي بدل الله!! فأنت اذن كافر!!

مع أن المتوسل لم يدع النبي بدل الله تعالي! بل توسل به واستغاث به واستشفع

به إلي الله تعالي!!

ومثال ذلك في أمور الدنيا: أن يتوسل شخص إلي رئيس مكتب الملك، ليتوسط له عند الملك!

فيقول له ابن تيمية: انك تعديت علي شرعية الملك، وجعلت الملك الشرعي رئيس مكتبه! وهذا خروج علي الملك ونظامه، تستحق به الإعدام!!

وقد حاول ابن تيمية أن يستدلوا علي هذه المصادرة المفضوحة فقالوا: ان المستغيث يطلب من الرسول أو الولي مالا يقدر عليه إلا الله تعالي، وهذا يستلزم أنه يؤلهه!!

ولكن هذا اللزوم ممنوع.

بل هو علي مذهبهم ممنوع حتي لو صحت الملازمة، لانهم يزعمون أن لازم المذهب ليس بمذهب!!

- قال الشيخ سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد/209:

فحديث الأعمي شئ، ودعاء غير الله تعالي والاستغاثة به شئ آخر.

فليس في حديث الاعمي شئ غير أنه طلب من النبي(ص)أن يدعو له ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في.

فعلم أنه شفع له. وفي رواية أنه طلب من النبي(ص)أن يدعو له. فدل الحديث علي أنه(ص)شفع له بدعائه، وأن النبي(ص)أمره هو أن يدعو الله، ويسأله قبول شفاعته.

فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك، لأن النبي(ص)أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل علي أن النبي صلي الله عليه وسلم لا يدعي، ولأنه(ص)لم يقدر علي شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام؟!

والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله.

أما أن تأتي شخصاً يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك علي ما في حديث الأعمي.

فالحديث سواء كان صحيحا أو لا، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا، لا يدل علي سؤال الغائب

ولا علي سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، بوجه من وجوه الدلالات.

ومن ادعي ذلك فهو مفتر علي الله وعلي رسوله(ص)!! انتهي.

فتراه يشكك في حديث الأعمي الذي صححه علماء المذاهب، وقبله إمامه ابن تيمية، ثم تراه يفترض أن المستشفع (يدعو) النبي صلي الله عليه وآله، ويطلب من النبي نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالي!!

كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث إلي الله برسوله قد كفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول! ويستحل بذلك دمه وماله!!

وإن سألته عن دليله علي أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول من دون الله.. فانك تطلب منهم ما لايقدر عليه إلا الله تعالي، وتكون علي مذهبه عبدته من دونه تعالي!!!

غرض ابن تيمية من نقل التوسل من فروع الفقه إلي أصول العقائد

ماذا يحدث لو نقلنا مادة جزائية من القانون التجاري إلي مواد القانون الجنائي، أو إلي مواد مخالفات الدستور، ومحكمة أمن الدولة؟

طبعاً سيكون الفرق علي مرتكبها كبيرا، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة الجزائية، وأصعب منهما تهمة الإخلال بالدستور!!

ان ما فعله ابن تيمية من اتهام المتوسلين بمخالفة الشرع، شئ لا يذكر أمام نقله تهمتهم إلي الإخلال بأصول الدين وارتكاب الشرك!!

وبذلك حكم عليهم بالكفر واستحل قتلهم وأعراضهم وأمواهم!!!

فبدل أن يقول مثلاً أنهم مخلصون ولكنهم يتخيلون أنهم يتقربون إلي الله بالتوسل بالنبي الميت، فهم مخطئون يرتكبون معصية! قال انهم يشركون بالله ويستحقون القتل!!

وهكذا، كانت مسألة التوسل والإستشفاع والاستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألة فقهية، وكان فقهاء المذاهب الأربعة، والخمسة والستة، يبحثونها في باب الحج والزيارة، فيذكرون صورها، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها، أو التوقف فيه.. حتي عالم حراني نصبه الحاكم الشركسي المصري لمدة قليلة شيخا للاسلام في الشام، فأبدع في عمله أيما ابداع،

وقدم للأجيال أكبر خدمة، فكفر مسلمي عصره و العصور المتقدمة، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت!!!

هل تراجع ابن تيمية أمام القاضي أو في سجنه عن تحريم التوسل

المعروف عن ابن تيمية أنه تراجع عن تحريم التوسل، عندما عقدوا له جلسة مع العلماء لمناقشة آرائه الشاذة، ومنها تحريم التوسل بالنبي صلي الله عليه وآله!!

وقد اعتمد الذين نسبوا إليه هذا القول علي أمرين:

الأول، ما اعترف به في مصر، حيث عرف عنه اعتقاده بعدم جواز التوسل والإستشفاع بالنبي صلي الله عليه وآله فاستنكر المسلمون ذلك، وعقد القضاة مجلسا للنظر في قوله..

قال السقاف في كتابه (البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والآلباني في العقيدة من الإختلاف)

13 - فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيه بشكل ملحوظ مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد، وليست كذلك قطعاً.

أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) التوسل - ومرادنا التوسل بالذوات - ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في (البداية والنهاية) (14 - 45) حيث قال: (قال البرزالي (16): وفي شوال منها شكي الصوفية بالقاهرة علي الشيخ تقي الدين - وكلموه في ابن عربي وغيره - إلي الدولة فردوا الأمر في ذلك إلي القاضي الشافعي، فعقد له مجلس وادعي عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ، لكنه قال: لا يستغاث إلا بالله، لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعني العبارة - ولعلها العبادة - ولكن يتوسل به ويتشفع به إلي الله، فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ، ورأي القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب) انتهي. فتأمل!!

(هو الحافظ ابو محمد القاسم بن البهاء محمد الدمشقي البرزالي

ترجم في طبقات الحفاظ للسيوطي - / 256).

وأما الشوكاني فقد أجاز التوسل في كتابه (تحفة الذاكرين) كما يعلم ذلك القاصي والداني، ففي صحيفة (37) من كتاب الشوكاني (تحفة الذاكرين طبع دار الكتب العلمية) عقد باباً سماه: (وجه التوسل بالأنبياء وبالصالحين) ثم قال:) (قوله ويتوسل إلي الله سبحانه بأنبيائه والصالحين) أقول: ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي. انتهي.

وأصرح من هذا ما ذكره الشوكاني/(138) في (باب صلاة الضر والحاجة) حيث قال ما نصه: (وفي الحديث دليل علي جواز التوسل برسول الله إلي الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالي) انتهي.

وقد نص الشوكاني أيضاً علي جواز التوسل، ورد علي ابن تيمية في كتابه (الدر النضيد في اخلاص كلمة التوحيد) فليرجع إليه من شاء.

وأما الألباني فمنع ذلك واعتبره من الضلال في كتابه (التوسل أنواعه وأحكامه) كما هو مشهور ومعلوم، مع أنه قال في مقدمة (شرح الطحاوية)/(60 الطبعة 8) أن مسالة التوسل ليست من مسائل العقيدة، وهذا خلاف ما يقوله كثير من أدعياء السلفية. فتأملوا يا ذوي الأبصار!! انتهي كلام السقاف.

والأمر الثاني، ماكتبه في رسالة، من سجنه، حيث قال في/16:

وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي(ص)علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله، إني أتوسل بك إلي ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في.

فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام!

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل انما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا علي سبيل استحضاره لا علي سبيل الطلب منه. وأما الداعي

والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهي.

والذي وصلت إليه أن ابن تيمية لم يغير رأيه في التوسل، ولكنه استعمل عبارات مبهمة ليرضي بها قضاة الدولة والناقمين عليه من الناس!

ومهما يكن، فقد أخطأ ابن تيمية بتحريمه الإستغاثة أيضاً، لأنها معناها طلب الغوث أي العون من شخص، وهو لا يعني أن المستغيث به يعبده، فحكمها حكم الإستعانة والنداء والتوسل، بدون فرق!

- قال ابن السكيت في اصلاح المنطق/29

يقال: قد استغاثني فلان فأغثته، وقد غاث الله البلاد يغيثها غيثا، إذا أنزل بها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث، وهي أرض مغيثة ومغيوثة.

- وقال الراغب في المفردات/379

ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع، وفزع له أغاثه. انتهي.

فزعم ابن تيمية أنك عندما تقول (يا رسول الله أغثني) فانك تعبده من دون الله تعالي! تصور باطل، لأن معني الإستعانة والإستغاثة لا يعطي ذلك، ولا المستعين والمستغيث ينويه، ولا يعتقده! بل المستغيث كالمتوسل ينويان طلب توسط الرسول إلي الله تعالي، فلا فرق بينهما حتي يحل أحدهما ويحرم الآخر!

علماء المذاهب الإسلامية يردون علي شذوذ ابن تيمية

رد علماء المذاهب علي آراء ابن تيمية في التجسيم وتحريم السفر إلي زيارة قبر النبي صلي الله عليه وآله، وتحريم التوسل والإستشفاع به، وألفوا فيها كتبا عديدة، من عصر ابن تيمية إلي عصر ابن عبد الوهاب.. والي يومنا.

ولا يتسع المجال هنا إلا لعرض نماذج مختصرة منها.

نماذج من ردهم علي مذهب ابن تيمية

- قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار: 6/716:

نعم ذكر العلامة المناوي في حديث: اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة، عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه مقصوراً علي النبي (ص) وأن لا يقسم علي الله بغيره، وأن يكون من خصائصه.

قال: وقال السبكي يحسن التوسل بالنبي إلي ربه، ولم ينكره أحد من السلف، ولا الخلف إلا ابن تيمية، فابتدع ما لم يقله عالم قبله. اه

ونازع العلامة ابن أمير حاج في دعوي الخصوصية، وأطال الكلام علي ذلك في الفصل الثالث عشر، آخر شرحه علي المنية، فراجعه.

- وقال الشربيني في مغني المحتاج: 1/184

خاتمة: سئل الشيخ عز الدين هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي؟

فأجاب بأنه جاء عن النبي(ص) أنه علم بعض الناس: اللهم اني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة.. الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصورا عليه عليه الصلاة والسلام، لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم علي الله بغيره من الأنبياء والملائكة، لأنهم ليسوا في درجته، ويكون هذا من خواصه. اه_. والمشهور أنه لا يكره شئ من ذلك.

- وقال الشرواني في حواشيه: 2 /108:

خاتمة: سئل الشيخ عز الدين: هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي؟

فأجاب: بأنه جاء عن النبي (ص) أنه علم بعض الناس: اللهم إني أقسم عليك

بنبيك محمد نبي الرحمة.. الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصوراً عليه عليه الصلاة والسلام، لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم علي لله بغيره من الأنبياء والملائكة، لأنهم ليسوا في درجته، ويكون هذا من خواصه.انتهي.

والمشهور أنه لا يكره شئ من ذلك - مغني.

وفي ع ش بعد ذكر كلام الشيخ عز الدين ما نصه: فإن قلت: هذا قد يعارض ما في البهجة وشرحها لشيخ الإسلام، والافضل استسقاؤهم بالاتقياء لأن دعاءهم أرجي للإجابة الخ.

قلت: لا تعارض لجواز أن ما ذكره العز مفروض فيما لو سأل بذلك علي صورة الألازم، كما يؤخذ من قوله: اللهم اني أقسم عليك.. الخ.

وما في البهجة وشرحها محصور بما إذا ورد علي صورة الإستشفاع والسؤال، مثل أسألك ببركة فلان، أو بحرمته أو نحو ذلك. انتهي.

مقتطفات من أهم كتب علماء المذاهب في الرد علي ابن تيمية

كتاب: ارغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي

للحافظ ابن الصديق الغماري الحسني.. الطبعة الثانية - 1412 - دار الإمام النووي - الأردن، وقد حققه وقدم له السيد حسن السقاف، ومقدمته وتحقيقه لا تقل فائدتهما عن أصل الكتاب.

- قال السقاف في مقدمته:

أما بعد: فالتوسل والإستغاثة والتشفع بسيد الانام، نبينا محمد(ص)مصباح الظلام، من الأمور المندوبات المؤكدات، وخصوصا عند المدلهمات، وعلي ذلك سار العلماء العاملون، والأولياء العابدون، والسادة المحدثون، والأئمة السالفون، كما قال السبكي فيما نقل عند صاحب فيض القدير (2/135): ويحسن التوسل والإستعانه والتشفع بالنبي إلي ربه ولم ينكر ذلك احد من السلف ولامن الخلف.. انتهي.

حتي نص السادة الحنابلة في مصنفاتهم الفقهية علي استحباب التوسل بسيدنا رسول الله(ص)، ونقلوا ذلك عن الإمام أحمد أنه استحبه كا في كتاب الإنصاف فيما ترجح من الخلاف (2/456) وغيره. ونقل ابن كثير في البداية (14/45) أن

ابن تيمية أقر أخيراً في المجلس الذي عقده له العلماء العاملون الربانيون المجاهدون بالتوسل وأصر علي إنكار الإستغاثة. مع أنه يقول في رسالة خاصة له في الاستغاثة بجوازها بالنبي فيما يقدر عليه المخلوق.

واعتمد الإمام الحافظ النووي استحباب التوسل والإستغاثة في مصنفاته، كما في حاشية الإيضاح علي المناسك له (/450) و (/498) من طبعة أخري وفي شرح المهذب المجموع (8/274) وفي الاذكار (/307) من طبعة دار الفكر، في كتاب أذكار الحج، وص (184) من طبعة المكتبة العلمية.

وهو مذهب الشافعية، وغيرهم من الأئمة المرضيين، المجمع علي جلالتهم وثقتهم.

واني أود أن أسرد بعض الأدلة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عند علماء المسلمين وائمة الحفاظ والمحدثين، والتي لم تضرها محاولة تلاعب المتلاعبين في الطعن في أسانيدها، وغير ذلك من طرق التلاعب والتدليس التي بينتها، ومثلت عليها في بهجة الناظر في الفصل الرابع.

ولا يعرف الحق كما هو معلوم بالجعجعة وكثرة الكلام، ونفخ الكتب بتكثير عدد الصفحات، وانما يعرف الحق بالبراهين العلمية، والأدلة الواضحة الجلية، وان كانت قليلة العبارات، فهي كثيرة التعبيرات والإشارات.

وقد أرشد إلي ذلك سيدنا رسول الله صلي اللة عليه وسلم في قوله (أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام إختصاراً).

واني أبدأ بعرض بعض أدلة التوسل ثم أردفها بأدلة الاستغاثة المندوبة التي أرشدت اليها السنة الغراء فأقول:

أدلة التوسل:

1 - حديث الشفاعة المتواتر والمروي في الصحيحين وغيرهما، من أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند إشتداد الأمر عليهم يوم القيامة ويستغيثون به.

ولو كان التوسل والإستغاثة من الكفر والشرك لم يشفع النبي للناس يومئذ، ولا يأذن الله له بالشفاعة للمشركين والكفار، علي زعم من يكفر عباد الله بالألاف، ويحاول تهييج العامة والسذج علي من أظهر

كفر من قال بقدم العالم، المجمع علي كفر قائله ومعتقده.

وأيضاً لو كان التوسل شركاً أو كفراً لبينه سيدنا رسول الله(ص)عندما أخبر أصحابه بحديث الشفاعة. فلما لم يكن كفراً بنص الأحاديث المتواترة كان أمراً مندوباً إليه في الدنيا والآخرة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن قال أن التوسل والإستغاثة كفر في الدنيا ليس كفرا في الآخرة، قلنا له: إن الكفر كفر سواء كان في الدنيا أو في الآخرة، والتوسل به قبل موته(ص)وبعد موته لا فرق. وإن ادعيت الفرق فأت لنا بدليل شرعي مخصص مقبول معتبر.

2 - حديث سيدنا عثمان بن حنيف (رض) قال: (إن رجلاً ضريرأ أتي النبي (ص)فقال ادع الله أن يعافيني فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير قال فادعه. فأمره أن يتوضأ ويحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء:

اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة.

يا محمد إني أتوجه بك إلي ربي في حاجتي لتقضي.

اللهم شغعه في.

قال سيدنا عثمان: فعاد وقد أبصر.

رواه الترمذي والنسائي والطبراني والحاكم وأقره الذهبي والبيهقي بالأسانيد الصحيحة. وللحديث تتمة صحيحة تأتي في (إرغام المبتدع الغبي).

3 - حديث سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه: أن سيدنا النبي(ص)لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما قال: اللهم بحقي وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي. رواه الطبراني، والحاكم مختصرا، وابن حبان وغيرهم، وفي إسناده روح بن صلاح قال الحاكم: ثقة، وضعفه بعضهم،والحديث صحيح.

4 - وروي الإمام البخاري في صحيحه: أن سيدنا عمر (رض) استسقي عام الرمادة بالعباس عم النبي(ص)ومن قوله توسلاً به: اللهم إنا كنا نتوسل اليك بنبينا(ص)، وإنا نتوسل اليك بعم نبينا. قال

فيسقون. وفي الحديث إثبات التوسل به(ص)وبيان جواز التوسل بغيره، كالصالحين من آل البيت ومن غيرهم. كما قال الحافظ في فتح الباري (2/497)

وأما أدلة الإستغاثة:

1 - فما روي البخاري في صحيحه وغيره من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حديث الشفاعة بلفظ (إن الشمس تدنو يوم القيامة حتي يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسي ثم بمحمد (ص)فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتي يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم).

وهذا صريح في الإستغاثة، وهي عامة في جميع الأحوال، مع لفت النظر أنه (ص)حي في قبره يبلغه سلام من يسلم عليه وكلام من يستغيث به لأن الأعمال تعرض عليه كما صح فيدعو الله لاصحاب الحاجات.

2 - روي الإمام أحمد بسند حسن كما قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح (8/579) عن الحارث بن حسان البكري (رض) قال: خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلي رسول الله(ص).. الحديث، وفيه: فقلت أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد.

قال أي سيدنا رسول الله - وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه... الحديث.

وقد استغاث الرجل بالله وبرسوله ولم يكفره سيدنا رسول الله(ص). وقد خالف الألباني ذلك فكفر كل مستغيث به(ص)كما في توسله/7 الطبعة الثانية، وقلده في هذه البدعة أصحابه والمتعصبون له، وأنكروا علي من كفر من العلماء مثبت قدم العالم نوعاً، ومن قال بالحد والجهة والإستقرار وغير ذلك من طامات! نسأل الله لهم الهداية، وأن يردهم إلي دينه وإلي الحق رداً جميلاً، وأن يخلصهم من أهوائهم وعنادهم الذي بنوه علي سوء فهم كبيرهم الذي علمهم السحر، أو فساد قصده وقد يجتمعان.

3

- قوله(ص)في حديث الأعمي الصحيح عندما علم الرجل أن يقول: (يا محمد إني أتوجه بك إلي الله). وهذه إستغاثة صريحة، وقد اعتمدها العلماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة، حاثين الأمة عليها.

4 - جاء في البخاري أن النبي(ص)قص علي أصحابه قصة السيدة هاجر هي وابنها في مكة قبل أن تبني الكعبة، بعد أن تركهما سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي ما قصه: أنها لما سمعت صوتا عند الطفل قالت: إن كنت ذا غوث فأغث، فاستغاثت فاذا بجبريل عليه السلام فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم. ولم يقل النبي(ص)انها كفرت، كما يزعم الألباني، ولم ينبه أن تلك الإستغاثة منها كفر البتة. وهي تعلم أن صاحب الصوت لن يكون رب العالمين المنزه عن الزمان والمكان.

وهناك أدلة كثيرة بجواز التوسل والإستغاثة وندبهما أفردتها برسالة خاصة أسميتها (الإغاثة بأدلة الإستغاثة) وقد اقتصرت هنا علي بعضها، وفيها بيان لمن ألقي السمع وهو شهيد، هذا إذا كان قلبه نظيفا لا يحب رمي عباد الله بالشرك بمجرد مخالفتهم لمزاجه، وأراد اقتفاء النبي(ص).

وأختم الإستدلال ببيان مسألة هامة جدا وهي إستدلال أخير علي التوسل والإستغاثة من أحد الصحابة بعد وفاة النبي(ص)، وإقرار الباقين من الصحابة له وعلي رأسهم سيدنا عمر بن الخطاب (رض)، وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (2/495) حيث قال: روي ابن ابي شيبة بإسناد صحيح (وصححه أيضاً ابن كثير في البداية والنهاية 7/92 من طريق البيهقي) عن أبي صالح السمان عن مالك الدار، وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط شديد في زمن عمر فجاء رجل إلي قبر النبي(ص)فقال يارسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت

عمر وأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون. اسناده صحيح.

وقد ضعف هذا الأثر الصحيح الألباني بحجج أوهي من بيت العنكبوت في توسله/(119 - 121) وزعم أن مالك الدار مجهول.

ونقل ترجمته من كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فقط، ليوهم قراءة أنه لم يرو عنه إلا رجل واحد وهو أبو صالح السمان، وقد تقرر عند الألباني بما ينقله عن بعض العلماء من غير المتفق عليه أن الرجل يبقي مجهولاً حتي يروي عنه اثنان فأكثر. ثم قال لينصر هواه ان المنذري والهيثمي لم يعرفا مالك الدار، فهو مجهول، ولا يصح السند لوجود مجهول فيه. ثم تبجح قائلا: وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة.

ونحن نقول له: بل هذا تدليس وغش وخيانة لا يدريه إلا من امتلأ قلبه حقداً وعداء علي السنة والتوحيد وأهلهما.

وقد تبعه علي هذا الغش والتدليس وزاد عليه أحد الاغبياء المتعصبين اللاهثين وراء بريق الدراهم في كتاب له ملأه من هذه البضاعة، تخيل فيه أنه رد التوسل وهيهات، وهو لم يقرأ العلوم وخاصة ملحها الإعراب علي أحد، ولم يكن له في حياته أستاذ يهذب أو شيخ يدرب، إلا التلقي من صفحات دفاتر هذا الألباني. ونقول في بيان نسف ما قاله الألباني من جهالة مالك الد ار:

إذا صرح المنذري والهيثمي بأنهما لا يعرفانه فنقول للباحث عن الحق اذن لم يصرحا بتوثيق له أو تجريح، لأنهما لا يعرفانه.

لكن هناك من يعرفه وهم ابن سعد والبخاري وعلي ابن المديني وابن حبان والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم. فهل يا ألباني ينقل كلام من عرفه أم كلام من جهله؟! العجيب أن الالباني يحبذ كلام من جهل حاله، ويختاره ويفضله علي كلام من علم

حاله، الذي يستره الألباني ولا يحب أن يطلع عليه أحد!!

وما سأنقله من أقوال الأئمة الحفاظ الذين عرفوه في توثيقه كاف في اثبات ما يقوله السيد عبد الله الغماري وغيره من المحدثين والمشتغلين في علم الحديث من أن الالباني يعرف الصواب في كثير من الأمور، لكنه غاش مدلس خائن مضلل لا يؤتمن علي حديث واحد.

وقد صرح بذلك كثير من أهل العلم كالسيد أحمد الغماري والسيد عبد الله والسيد عبد العزيز المحدثون، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والمحدث حبيب الرحمن الأعظمي محدث الهند والباكستان، والشيخ اسماعيل الأنصاري، والشيخ محمد عوامة، والشيخ محمود سعيد، والشيخ شعيب الأرناؤوط، وغيرهم عشرات من أهل هذا الفن والمشتغلين به.

فأهل الحديث شهدوا بأن هذا الرجل لا يعتمد كلامه في التصحيح والتضعيف، لأنه يصحح ويضعف حسب الهوي والمزاج، وليس حسب القواعد العلمية!!

ومن تتبع أقواله وما يكتبه تحقق ذلك.

ويكفيني أن أقول في مالك الدار ان ابن سعد قال في الطبقات (5/12): مالك الدار مولي عمر بن الخطاب، روي عن أبي بكر وعمر، ثم قال وكان معروفاً.

وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته ترجمة رقم (8356):

له ادراك، أي أنه معدود من الصحابة. ويكفيه في ذلك توثيقا، ثم ذكر أنه روي عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان، وابناه عون وعبد الله ابنا مالك، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي.

ثم قال: قال علي بن المديني: كان مالك الدار خازناً لعمر اه، بمعناه ملخصا.

وبذلك نعلم أن سيدنا عمر وسيدنا عثمان قد وثقاه اذ قد ولياه بيت مال المسلمين وفي ذلك أقوي توثيق له أيضاً.

وقد نقل الحافظ الخليلي في كتابه الإرشاد الإتفاق عل توثيق مالك الدار فقال

هناك: متفق عليه أثني عليه التابعون!! فقد ذهب كلام الألباني هباء.

وللموضوع توسع في رسالة لنا خاصة أسميناها بالباهر. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. انتهي.

- وقال الصديق المغربي في كتابه المذكور/11:

وبعد، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالي صاحب غرض وهوي، إذا رأي حديثا أو أثراً لا يوافق هواه فانه يسعي في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش، ليوهم قراءه أنه مصيب، مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش، وبأسلوبه هذا ضلل كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه علي صواب، والواقع خلاف ذلك.

ومن المخدوعين به من يدعي حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير، فقد أقدم بجرأة علي تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوي شيخه، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه.

فأردت أن أرد الحق إلي نصابه، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به، وعلي الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي.

روي الطبراني في المعجم الكبير (9/17) من طريق ابن وهب عن شبيب عن روح بن القاسم عن ابي جعفر الخطمي المدني عن ابي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف (رض): أن رجلاً كان يختلف إلي عثمان بن عفان (رض) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد، فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد(ص)نبي الرحمة، يا محمد اني أتوجه بك إلي ربي فتقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حتي أروح معك.

فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتي باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتي

أخذ بيده، فأدخله علي عثمان بن عفان فأجلسه معه علي الطنفسة، وقال له ما حاجتك فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتي كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا.

ثم ان الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت الي حتي كلمته في.

فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله(ص)وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي (ص): أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله انه ليس لي قائد وقد شق علي.

فقال له النبي(ص): ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات!

قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتي دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر، قط. صححه الطبراني، وتعقبه حمدي السلفي بقوله: لا شك في صحة الحديث المرفوع، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها علي التوسل المبتدع، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني، وشبيب لا بأس بحديثه، بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد.

والحديث رواه عن شبيب ابن وهب وولداه اسماعيل واحمد، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب، في شبيب، وابنه اسماعيل لا يعرف، وأحمد وان روي القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد، ثم اختلف فيها علي احمد، ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصة، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم به، قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني:

وعون هذا وان كان ضعيفا فروايته أولي من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي. ا ه.

وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي:

أولا: هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلاً كان يختلف إلي عثمان بن عفان (رض)، فذكر القصة بتمامها.

ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة، بل هو فوق الثقة، وهذا اسناد صحيح البخاري، ومعني ذلك أنها صحيحة، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ، ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري فليتأمل.

ان الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة، كالمنذري في الترغيب والترهيب (1/476) باقراره للطبراني، والهيثمي في مجمع الزوائد (2/279) أيضاً، وقبلهما الإمام الحافظ الطبراني في معجمه الصغير (1/307 الروض الداني) وغيرهم.

ثانياً: أحمد بن شبيب من رجال البخاري، روي عنه في الصحيح، وفي الأدب المفرد.

ووثقه ابوحاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة، وقال ابن عدي: وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي ابن المديني. وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد من رجال البخاري أيضاً، روي عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد.

ووثقه ابوزرعة وأبو حاتم والنسائي والذهلي والدارقطني والطبراني في الأوسط. قال أبو حاتم: كان عنده كتب يونس بن زيد، وهو صالح الحديث لا بأس به. وقال ابن عدي: ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة. وقال ابن المديني: ثقة كان يختلف في تجارة إلي مصر وكتابه كتاب صحيح، هذا

ما يتعلق بتوثيق شبيب، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس بن يزيد، بل صرح ابن المديني بأنه كتابه صحيح. وابن عدي انما تكلم علي نسخة الزهري عن شبيب فقط، ولم يقصد جميع رواياته!!

فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة، يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري!! وانما رواه عن روح بن القاسم!!

ودعواه ضعف القصة بالإختلاف فيها، حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم، لون آخر من التدليس! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملاً، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة، والبخاري يفعل هذا أيضاً، فكثيرا ما يذكر الحديث مختصرا أو يوجد عند غيره تاماً.

والذي ذكر القصة في رواية البيهقي امام فذ يقول عنه ابو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يرو مثله رجلا.

وتقديمه رواية عون الضعيف علي من زاد القصة، لون ثالث من التدليس والغش.

فإن الحاكم روي حديث الضرير من طريق عون مختصرا، ثم قال: تابعه شبيب ابن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد، والقول فيه قول شبيب فانه ثقة مأمون، هذا كلام الحاكم، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة علي من لم يحفظ!

والألباني رأي كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحاً، وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عنادا وخيانة.

ثالثا: تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الالباني وغشه، أن القصة صحيحة جدا، رغم محاولاته وتدليساته، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي(ص) بعد انتقاله، لأن الصحابي

راوي الحديث فهم ذلك،وفهم الراوي له قيمته العلمية، وله وزنه في مجال الإستنباط.

وانما قلنا ان القصة من فهم الصحابي علي سبيل التنزل، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من ارشاده الرجل إلي التوسل، كان تنفيذا لما سمعه من النبي (ص)، كما ثبت في حديث الضرير.

قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا مسلم بن ابراهيم ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف (رض): أن رجلا أعمي أتي النبي(ص)فقال: إني أصبت في بصري فادع الله لي قال:

إذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل:

اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة. يا محمد إني أستشفع بك إلي ربي في رد بصري. اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد بصري.

وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك. إسناده صحيح.

والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي(ص)في التوسل به عند عروض حاجة تقتضيه.

وقد أعل ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية. بينت بطلانها في غير هذا المحل. وابن تيمية جرئ في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه، ولو كان في الصحيح!!

مثال ذلك: روي البخاري في صحيحه حديث (كان الله ولم يكن شئ غيره) وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتيقن، لكنه خالف رأيه في إعتقاده قدم العالم، فعمد إلي رواية للبخاري أيضاً في هذا الحديث بلفظ (كان الله ولم يكن شئ قبله) فرجحها علي الرواية المذكورة، بدعوي أنها توافق الحديث الآخر (أنت الأول فليس قبلك شئ).

قال الحافظ ابن حجر: مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية علي الأولي لا العكس، والجمع مقدم عل الترجيح بالإتفاق.

قلت: تعصبه لرأيه أعماه عن فهم

الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض...

مثال ثان: حديث أمر رسول الله(ص)بسد الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب علي عليه السلام، حديث صحيح، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. ورد عليه الحافظ في القول المسدد.

وابن تيمية لإنحرافه عن علي عليه السلام كما هو معلوم، لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين علي وضعه!!

وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة، يعسر تتبعها.

رابعا: ونقول علي سبيل التنزل: لو فرضنا أن القصة ضعيفة تطييبا لخاطر الألباني، وأن رواية ابن أبي خيثمة معلولة كما في محاولة ابن تيمية، قلنا: في حديث توسل الضرير كفاية وغناء، لأن النبي حين علم الضرير ذلك التوسل، دل علي مشروعيته في جميع الحالات.

ولا يجوز أن يقال عنه: توسل مبتدع! ولا يحوز تخصيصه بحال حياته(ص)، ومن خصصه فهو المبتدع حقيقة، لأنه عطل حديثا صحيحاً وأبطل العمل به، وهو حرام.

والألباني عفا الله عنه جرئ علي دعوي التخصيص والنسخ لمجرد خلاف رأيه وهواه. فحديث الضرير لو كان خاصا به، لبينه النبي(ص)، كما بين لأبي بردة أن الجذعة من المعز تجزيه في الأضحية، ولا تجزي غيره، كما في الصحيحين. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

اعتذار وجوابه:

قد يقال: الداعي إلي تخصيص الحديث بحال حياة النبي صلي الله عليه وآله ما فيه من ندائه، وهو عذر مقبول.

والجواب: أن هذا اعتذار مردود، لأنه تواتر عن النبي صلي عليه وسلم تعليم التشهد في الصلاة، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه (السلام عليك أيها النبي) وبهذه الصيغة علمه علي المنبر النبوي أبو بكر وعمر، وابن الزبير، ومعاوية، واستقر عليه الإجماع، كما يقول ابن حزم، وابن تيمية!

والألباني لإبتداعه خالف

هذا كله، وتمسك بقول ابن مسعود، فلما مات قلنا السلام علي النبي، ومخالفة التواتر والإجماع، هي عين الإبتداع.

مع أنه صح عن النبي(ص)أن أعمالنا تعرض عليه، وكذلك صلاتنا عليه(ص)، تعرض عليه.

وثبت أن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونه سلام أمته.

وثبت بالتواتر والإجماع أن النبي(ص)حي في قبره، وأن جسده الشريف لا يبلي، فكيف يمتنع مع هذا نداؤه في التوسل به، وهل هو إلا مثل ندائه في التشهد؟!!

ولكن الألباني عنيد شديد العناد، والألبانيون عندهم عناد، وصلابة في الرأي، أخبرني بذلك عالم ألباني حضر علي في تفسير البيضاوي وشرح التحرير لابن أمير الحاج، وكان وديعا هادئ الطبع، وهو تلميذ لي.

هذا موجز ردنا لدعوي الألباني. أما من يدعي حمدي السلفي فليس هناك، وإنما هو مجرد مخدوع يردد الصدا.

الحاق: قال الدرامي في سننه:

حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد بن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا ابوالجوزاء اوس بن عبد اللة قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلي عائشة، فقالت انظروا قبر النبي(ص)فافتحوا منه كوي إلي السماء حتي لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا. فمطرنا مطرا حتي نبت العشب وسمنت الإبل حتي تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق.

ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد، وهو مردود لأن سعيداً من رجال مسلم ووثقه يجيي بن معين وضعفه أيضاً بإختلاط ابي النعمان، وهو تضعيف غير صحيح لأن إختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته، قال الدارقطني: تغير بأخرة. وما ظهر له بعد اختلاط حديثٌ منكر، وهو ثقة. وقول ابن حبان: وقع في حديثه المناكير الكثيرة بعد إختلاطه، رده الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثا منكراً والقول فيه ما قال الدارقطني

(45)، وابن تيمية كذب أثر عائشة، ولا عبرة به لجرأته علي تكذيب ما يخالف هواه.

والحمد لله رب العالمين. انتهي.

كتاب (التوسل بالنبي و جهلة الوهابيين)

تأليف أبي حامد المرزوق - طبعة مكتبة ايشيق في إستانبول

قال في/24:

وانما جر هذا المبتدع ومن انخدع بأباطيله هذه، أنه لم يحقق معني العبادة شرعاً كما يدل عليه استقراء موارد هذه اللفظة في كلام الله تعالي ورسوله صلي الله تعالي عليه وسلم، فظن أن التوسل برسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم وسائر الصالحين والإستغاثة بهم، مع استقرار القلب علي أنهم أسباب لا إستقلال لهم بنفع ولا ضر، وليس لهم من الربوبية شئ، ولكن الله جعلهم مفاتيح لخيره ومنابع لبره وسحبا يمطر منها علي عباده أنواع خيره.. ظن أن ذلك وما إليه من الشرك المخرج عن الملة.

ومن رافقه التوفيق وفارقه الخذلان ونظر في المسألة نظر الباحث المنصف علم يقينا لا تخالطه ريبة أن مسمي العبادة شرعاً لا يدخل فيه شئ مما عده من توسل واستغاثة وغيرهما، بل لا يشتبه بالعبادة أصلاً فإن كل ما يدل علي التعظيم لا يكون من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية لذلك المعظم، أو صفة من صفاتها الخاصة بها. ألا تري الجندي يقوم بين يدي رئيسه ساعة وساعات احتراما له وتأدبا معه، فلا يكون هذا القيام عبادة للرئيس شرعاً ولا لغةً، ويقوم المصلي بين يدي ربه في صلاة بضع دقائق أو بعضها، قدر ما يقرأ الفاتحة، فيكون هذا القيام عبادة شرعا؟! وسر ذلك أن هذ القيام وإن قلت مسافته مقترن باعتقاد القائم ربوبية من قام له، ولا يقارن ذاك القيام هذا الإعتقاد. ا ه_.

وقد اطلعت علي كلام لابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية مفرق

في أربعة مواضع من كتبه، أذكره كله ليراه القراء، ثم أبطله:

1 - قال في الجزء الأول من فتاواه/219، في تفسير قوله صلي الله تعالي عليه وسلم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) والمعني أن صاحب الجد لا ينفعه منك جده، ألا ينجيه ويخلصه منك جده، وإنما ينجيه الإيمان والعمل الصالح، والجد هو الغني وهو العظمة وهو المال، (إلي أن قال) فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين أحدهما، توحيد الربوبية، وهو أن لا معطي لما منع الله ولا مانع لما أعطاه ولا يتوكل إلا عليه ولا يسأل إلا هو.

والثاني، توحيد الإلهية، وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع، وأنه ليس كل من أعطي مالا أو دنيا أو رئاسة، كان ذلك نافعاً عند الله منجياً له من عذابه، فإن الله تعالي يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب (إلي أن قال): وتوحيد الإلهية أن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً فيطيعه ويطيع رسله ويفعل ما يحبه ويرضاه.

وأما توحيد الربوبية فيدخل ما قدره وقضاه، وان لم يكن مما أمر به وأوجبه أرضاه، والعبد مأمور بأن يعبد الله ويفعل ما أمر به وهو توحيد الإلهية ويستغفر الله علي ذلك وهو توحيد له فيقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) اه.

2 - وقال في الجزء الثاني من فتاواه/275:

فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالي الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه، ويحقق قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وان كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الإنفراد لم يمنع أن يختص بمعني عند الإقتران، كما في قوله: (قُلْ أَعُوذُ

بِرَبِّ النَّاسِ. الخ) فجمع بين الإسمين، فإن الإله هو المعبود الذي يستحق أن يعبد، والرب هو الذي يرب عبده ا ه.

3 - وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة/62، بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين، مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله، ما نصه:

فانهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلي طرق أخري مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبدع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية، واثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)، وقال تعالي: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ للهِ، الآيات). وقال عنهم: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.) فالطائفة من السلف تقول لهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية، بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، فيكون الدين كله لله ا ه.

4 - وقال في رسالة أهل الصفة/34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي ا ه.

أقول: قد لبس ابن تيمية في تآليفه علي العامة وأشباههم من المتفقهة كثيراً بالسلف الصالح والكتاب والسنة، لترويج هواه في سوقهم!

ولكنه في هذا الكلام صرح بهواه ولم يلصقه بهما ولا بالسلف، وإني بحول الله وتوفيقه أكيل له

بصاعه الذي لبس به علي البسطاء كيلاً حقيقياً وافياً، مبرهنا فأقول:

كلامه هذا في الأربعة المواضع بالطل باثنين وثلاثين وجها.

الوجه الأول: لم يقل الإمام احمد بن حنبل الذي انتسب إليه كذبا لأصحابه ان التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وهذا عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لإبن الجوزي وفي غيره ليس فيه هذا الهذيان.

الوجه الثاني: لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه ان التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، فلو اجتمع معه الثقلان علي إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.

الوجه الثالث: لم يقل أي واحد من التابعين لأصحابه ان التوحيد ينقسم إلي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فلو اجتمع معه الثقلان علي إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.

الوجه الرابع: لم يقل أي صحابي من أصحاب النبي صلي الله تعالي عليه وسلم ورضي عنهم ان التوحيد ينقسم إلي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وأن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وإني اتحدي كل من له المام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع عنهم، ولو برواية واهية.

الوجه الخامس: لم يأت في سنة النبي صلي الله تعالي عليه وسلم الواسعة التي هي بيان لكتاب الله عز وجل من صحاح وسنن ومسانيد ومعاجم، أن النبي صلي الله تعالي عليه وسلم كان يقول لأصحابه ويعلمهم أن التوحيد ينقسم إلي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لايعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، لأن هذا يعرفه

المشركون، فلو اجتمع معه الثقلان علي اثبات هذا الهذيان عن النبي صلي الله تعالي عليه وسلم باسناد ولو واهياً لا يستعطيون.

الوجه السادس: بل كتب السنة طافحة بأن دعوته(ص)الناس إلي الله كانت إلي شهادة ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وخلع عبادة الأوثان، ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبي صلي الله تعالي عليه وسلم إلي اليمن فقال له: (ادعهم إلي شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة - الحديث).

وروي الخمسة وصححه ابن حبان أنه(ص)أخبره أعرابي برؤية الهلال، فأمر بالصيام ولم يسأله النبي(ص)إلا عن الإقرار بالشهادتين، وكان اللازم علي هذيانه هذا أن يدعو النبي صلي الله تعالي عليه وسلم جميع الناس إلي توحيد الألوهية الذي جهلوه، وأما توحيد الربوبية فقد عرفوه! ويقول لمعاذا ادعهم إلي توحيد الألوهية! ويقول للأعرابي الذي رأي هلال رمضان هل تعرف توحيد الألوهية؟!

الوجه السابع: لم يأمر الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عباده بتوحيد الألوهية، ولم يقل لهم ان من لم يعرفه لايعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، بل أمر وهو:

الوجه الثامن: بكلمة التوحيد مطلقة، قال الله تبارك وتعالي مخاطبا نبيه صلي الله تعالي عليه وسلم (فاعلم أنه لا اله إلا الله) وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن، مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن.

الوجه التاسع: يلزم علي هذا الهذيان علي الله تبارك وتعالي لعباده حيث عرفوا كلهم توحيد الربوبية ولم يعرفوا توحيد الألوهية - أن يبينه لهم ولا يضلهم ولا يعذ بهم علي جهلهم نصف التوحيد ولا يقول لهم:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان.

الوجه العاشر: الإله هو الرب والرب هو الإله، فهما متلازمان يقع كل منهما في موضع الآخر، وكتاب الله تعالي طافح بذلك، وكذلك سنته عليه الصلاة والسلام، قال الله تبارك وتعالي: (يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) وكان اللازم - علي زعمه - حيث كانوا يعرفون توحيد الربوبية ولا يعرفون توحيد الألوهية أن يقول الله: (إعبدوا الهكم)!!

وقال الله تعالي: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ - الآية)، وكان اللازم - علي زعمه حيث كان النمرود يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الألوهية - أن يقول الله تعالي: (ألم تر إلي الذي حاج ابراهيم في إلهه)!!

وكان اللازم علي زعمه أن يقول الله في قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) اتقوا إلهكم!!

وكان اللازم علي زعمه أن يقول الله في قوله تعالي: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ)، هل يستطيع إلهك، وكان اللازم علي زعمه أن يقول الله في قوله تعالي: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ثم الذين كفروا بالههم يعدلون! لأن الرب يعرفونه، وهو شئ كثير في القرآن...

الوجه الثلاثون: جعله التوسل والإستغاثة عبادة للمتوسل به والمستغاث به والمستعان به!!...

قوله (وهم مع ذلك يعبدون غيره) فاسد أيضاً ومعناه يقول أحمد بن تيمية الملبس بلفظ (الطائفة) والملبس أيضاً المدعي أنه (من السلف) للمالكية والشافعية والحنفية ومستقيمي العقيدة من الحنابلة (من خلق السموات والأرض فيقولون الله) وهم مع إعترافهم بتوحيد الربوبية مشركون في رأيه لأنهم (يعبدون غيره)،

أي يتوسلون بالنبي صلي الله تعالي عليه وسلم وبالصالحين من أمته ويستغيثون ويستعينون بهم، وكل من التوسل والإستعانة والإستغاثة عبادة غير الله تعالي في زعمه!!

وقد اعتمد في تكفير المسلمين بهذه الالفاظ علي إرادة نفع جاه المتوسل به أو المستغاث به مثلاً، قياساً علي عبدة الأوثان بجامع الإرادة المذكورة في كل، وهو قياس فاسد من ستة أوجه:

الأول: جهله حقيقة العبادة، فإن العبادة لغة: أقصي نهاية الخضوع والتذلل بشرط نية التقرب، ولا يكون ذلك إلا لمن له غاية التعظيم، فقد تبين منه أن العبادة لغة لا تطلق إلا علي العمل الدال علي الخضوع المتقرب به لمن يعظمه بإعتقاد تأثيره في النفع والضر، أو اعتقاد الجاه العظيم الذي ينفعه في الدنياوالآخرة، وهي التي نهي الله سبحانه وتعالي عن أن تقع لغيره، وكفر من لم ينته عنها، وما قصر عن هذه المرتبة لايقال فيه عبادة لغير الله.

وشرعاً: إمتثال أمر الله كما أمر علي الوجه المأمور به من أجل أنه أمر، مع المبادرة بغاية الحب والخضوع والتعظيم، فاعتبر فيها ما اعتبر في اللغوية من الخضوع والتذلل والتعظيم.

فاللغوية غير مقيدة بعمل مخصوص والشرعية مقيدة بالأعمال المأمور بها فكانت جارية علي الأعم الأغلب في الحقائق الشرعية من كونها أخص من اللغوية.

ومن أجل اختصاصها بالمأمور به خرجت عبادة اليهودي مثلاً، لأنه وإن تمسك بشريعة إلا أنها لما كانت منسوخة كانت كأن لم تكن، وعبادة المبتدع في الدين ما ليس منه، فالله سبحانه لما نهي الكفار عما هم مشتغلون به من عبادة غيره، ووبخهم علي وضع الشئ في غير محله وتعظيمهم غير أهله، وبين لهم بالدلائل الواضحة عدم صلوحية ما اتخذوه من دونه لما اتخذوه إليه، وكان الحامل لهم

علي ذلك اتباع أهوائهم، والإسترسال مع أغراضهم، وذلك مناف لعبوديتهم، إذا العبد لا يتصرف في نفسه بمقتضي شهوته وغرضه، وإنما يتصرف علي مقتضي أمر سيده ونهيه، قصد سبحانه أن يخرجهم عن داعية أهوائهم واتباع أغراضهم، حتي يكونوا عبيدا لله تعالي، اختيارا كما هم عبيد له اضطرارا، فوضع لهم الشريعة المطهرة وبين لهم الأعمال التي تعبدهم بها، والطرق التي توصلهم إلي منافعهم ومصالحهم علي الوجه الذي ارتضاه لهم، ونهاهم عن مجاوزة ما حد لهم...

وعلي هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود، فالسجود لايكون عبادة ولا كفراً إلا تبعاً للنية، فسجود الملائكة عليهم الصلاة والسلام لآدم عليه الصلاة والسلام عبادة لله لأنه امتثال لأمره وتقرب وتعظيم له، والسجود للصنم كفر إذا قصد به التقرب إليه اذ هو عبادة لغير الله، وكذا يحكم عليه به عند جهل قصده أو إنكاره لأنه علامة علي الكفر.

والسجود للتحية معصية فقط في شرعنا، وقد كان سائغا في الشرائع السابقة بدليل سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليهم الصلاة والسلام.

فتحقق من تعريفي العبادة لغة وشرعاً أن العبادة التذلل والتعظيم للمعبود، وعليه فليس كل تعظيم عبادة، وأن ضابط التعظيم المقتضي للعبادة هو أن يعتقد له التأثير في النفع والضر، أو يعتقد له الجاه التام والشهادة المقبولة بحيث ينفع في الآخرة ويستنزل به النصر والشفاء في الدنيا.

والتوسل لا يسمي عبادة قطعاً ولا يقال فيه عبادة وانما هي وسيلة اليها، وسيلة الشئ غيره بالضرورة.

الثاني: الوسيلة لغة كل ما يتقرب به إلي الغير، وسل إلي الله تعالي توسيلاً عمل عملا تقرب به إليه، فتحقق منه أن التوسل لا يسمي عبادة قطعاً، ولا يقال فيه عبادة وإنما هو وسيلة إليها، ووسيلة الشئ غيره بالضرورة وهو

واضح، فإن التوسل لاتقرب فيه للمتوسل به ولا تعظيمه غاية التعظيم، والتعظيم إذا لم يصل إلي هذا الحد لا يكون الفعل المعظم به عبادة، فلا يطلق إسم العبادة علي ما ظهر من الإستعمال اللغوي إلا علي ما كان بهذه المثابة من كون العمل دالاً علي غاية الخضوع منويا به التقرب للمعبود تعظيماً له بذلك التعظيم التام، فاذا اختل شئ منها منع الإطلاق، أما الدلالة علي نهاية الخضوع فظاهر، لأن مناط التسمية لم يوجد، ولأن الناس من قديم الزمان إلي الآن يخضعون لكبرائهم ورؤسائهم بما يقتضيه مقامه الدنيوي عندهم ويحيونهم بأنواع التحيات، ويتذللون بين أيديهم ولا يعدون ذلك قربة ولا يطلقون عليه اسم العبادة، وانما يرونه من باب الأدب، وما ذاك إلا لكون ذلك الخضوع لم يبلغ نهايته والعظيم الناشئ عنه لم يبلغ غايته، وبهذا ظهر الفرق بين التوسل والعبادة. علي أن عبد يتعدي بنفسه وتوسل يتعدي بحرف الجر.

وقد أوغل ابن تيمية في بيداء القياس الفاسد دفعتين، قياسه معاني هذا الألفاظ، توسل استعان، استغاث، تشفع، علي العبادة، وقياسه المؤمنين المتوسلين بالنبي صلي الله تعالي عليه وسلم مثلاً علي عبدة الأوثان من دون الله بجامع أرادة الجاه في كل.

فلينظر اللبيب إلي أين رماه جهله باللغة العربية، فانه لو تأمل في قول القائل: اللهم اني أتوسل اليك بفلان، وأجراه علي ما تدل عليه اللغة لوجد معناه، اللهم اني أتقرب اليك وأتحبب اليك، فهو دال بجوهره علي أن التقرب لله لا لمن يراد جاهه!!

ومن جهل الفرق بين عبد وتوسل، كيف يصح له القياس في دين الله والحاق بعض الفروع ببعض، والقياس أصعب أنواع الإجتهاد، لكثرة ما يعتبر في أركانه من الشروط، وما يرد عليه من المعارضات

والمناقضات وغير ذلك من أنواع الإعتراضات، فلا يصفو مشربه إلا لأهل الاجتهاد ومن أحاط بمداركهم علي اختلاف مراتبهم، ومن قصر عن تلك المراتب لايسوغ له الجزم بالحكم المأخوذ منه في دانق، فكيف بالحكم المأخوذ منه في تكفير المسلمين؟!!

الثالث: وحيث تحقق الفرق بين العبادة والتوسل، فالعبادة فيها معني زائد يناسب اناطة الحكم به، وهو اشتمالها علي الأعراض عن الله واطلاق الإلهية علي غيره وإقامته مقامه وخدمته بما يستحق أن يخدم، وقد أشار إلي هذا المعني بعض فضلاء أهل السنة، وملخص كلامه: أن الشبهة الحاملة لعبدة الأوثان علي عبادتها هي أنهم استصغروا أنفسهم فاستعظموا أن يعبدوا الله مباشرة، ورأوا من سوء الأدب أن يشتغل الحقير من أول وهلة بخدمة العظيم، وقربوا ذلك بأمر مستحسن في العادة، وهو أن الحقير لا ينبغي له أن يخدم الملك حتي يخدم عماله إلي أن يترقي لخدمته، وقال: وهذه هي الحاملة علي التوسل إلي الله تعالي بمن له جاه عنده، إلا أن الشرع أذن في التوسل ولم يأذن في العبادة، فكانت حاجة الكفار تندفع بما شرعه الله، إلا أن الله تعالي أعمي بصائرهم، ولو تنبهوا لأمر عادي آخر لأرشدهم، فإن الملك من ملوك الدنيا إذا استجاه له أحد بعظيم من وزرائه وتشفع له بذلك، ربما أقبل عليه وأخذ بيديه وقضي ما أراده منه. أما إذا عظم ذلك الوزير بما يعظم به الملك وعامله بمعاملته وأقامه في مقامه فيما يختص به الملك عن غيره، رجاء أن يقضي ذلك الوزير حاجته من الملك، فإن الملك إذا علم بصنيعه يغضب أشد الغضب، ولا يقتصر في العقوبة علي قطع الرجاء من الحاجة، بل يفتك به وبالوزير ان أحب ذلك!

فمثال التوسل الأول ومثال العبادة الثاني

فتأمل هذا المثال فانه واف بواقعة الحال، وبالله التوفيق والإعتصام.

الرابع: القاعدة المشهورة المطردة وهي: أن استواء الفعلين في السبب الحامل علي الفعل لايوجب استواءهما في الحكم، يدل علي هاته القاعدة دلالة قطعية، أنه لو لم يكن الأمر كذلك بأن كان الاستواء في الحامل يوجب الإستواء في الحكم = كما ادعاه ابن تيمية وقرره في قياسه التوسل علي العبادة والمتوسل علي عابد الوثن، للزم ابطال الشريعة وتساوي الأعمال في الأحكام، واللازم باطل بالإتفاق، وهو ضروري غني عن الإستدلال!!

- وقال في/96:

وقد انتهيت بتوفيق الله من ابطال كثير من كلام ابن تيمية وابن القيم وبعض كلام ابن عبد الوهاب، في توحيد الربوبية والألوهية والعبادة وملحقاتهما في هذا الفصل، وأختمه بما كتبه العلامة المحقق المرحوم الشيخ (يوسف الدجوي) المتوفي سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية قال رحمه الله: جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما، وما الذي يترتب عليهما ومن ذا الذي فرق بينهما؟ وما هو البرهان علي صحة ذلك أو بطلانه؟ فنقول وبالله التوفيق: ان صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره قال: ان الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية، وهو إفراد الله بالعبادة، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالي: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ).

ثم قالوا: إن الذين يتوسلون بالأنبياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء، فانهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها،

وهذا ينطبق علي زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالي!! بل قال محمد بن عبد الواهاب: (ان كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان، وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة) فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح، وفيه عدة دعاوي...

- وقال في/100:

ولكن نقول لهم بعد هذا علي فرض أن هناك فرقاً بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية كما يزعمون، فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فانه ليس من العبادة في شئ لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً، ولم يقل أحد ان النداء أو التوسل بالصالحين عبادة، ولا أخبرنا الرسول صلي الله تعالي وسلم بذلك!!

ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت.

ومن المعلوم أن المتوسل لم يطلب إلا من الله تعالي بمنزلة هذا النبي أو الولي، ولا شك في أن لهما منزلة عند الله تعالي في الحياة وبعد الممات.

فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب الينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلي واسطة.

قلنا له: (حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء...)، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب والوسائط في كل شئ، مع أن العالم مبني علي الحكمة التي وضعت الأسباب والمسببات في كل شئ!!

ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة وهي معلومة من الدين بالضرورة، فانها علي هذا الرأي لا حاجة اليها، اذ لا يحتاج سبحانه وتعالي إلي واسطة فانه أقرب من الواسطة. ويلزم خطأ عمربن الخطاب في قوله: (إنا نتوسل اليك بعم نبيك العباس الخ..)!!

وعلي الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط، وهو خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلي آخرها، ولزمهم علي هذا التقدير أن

يكونوا داخلين فيما حكموا به علي المسلمين، فانه لا يمكنهم أن يدعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقاً واعتماداً عليها.

ولا يفوتنا أن نقول: ان التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معني لها، فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلاً، وانما طلب من الله متوسلاً إليه بكرامة هذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له، أم هو حق لا مرية فيه، ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون!! كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين.

وانظر كتب المذاهب الأربعة (حتي مذهب الحنابلة) في آداب زيارته(ص) تجدهم قد استحبوا التوسل به إلي الله تعالي، حتي جاء ابن تيمية فخرق الإجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل. انتهي.

كتاب (شفاء السقام) للإمام السبكي

وهو من كبار علماء مصر المعاصرين لابن تيمية، وذكروا أن ابن تيمية كان يحترمه كثيرا، ولعله كان يهابه فلم يرد علي كتابه!!

وقد طبع الكتاب مرات في مصر، ثم نشرته مكتبة ايشيق في استانبول، وحققه أخيراً ونشره العلامة السيد محمد رضا الجلالي.

والمحور الأصلي للكتاب هو رد بدعة ابن تيمية في تحريم زيارة النبي صلي الله عليه وآله، وفيه فصل في رد تحريمه التوسل والإستشفاع والإستغاثة بالنبي صلي الله عليه وآله.

- قال السبكي في/59 من كتابه المذكور:

أما بعد، فهذا كتاب سميته (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) ورتبته علي عشرة أبواب:

الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة.

الثاني: في الأحاديث الدالة علي ذلك وان لم يكن فيها لفظ (الزيارة).

الثالث: فيما ورد في السفر إليها.

الرابع: في نصوص العلماء علي إستحبابها.

الخامس: في تقرير كونها قربة.

السادس:

في كون السفر إليها قربة.

السابع: في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته.

الثامن: في التوسل والإستغاثة.

التاسع: في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

العاشر: في الشفاعة، لتعلقها بقوله: (من زار قبري وجبت له شفاعتي).

وضمنت هذا الكتاب الرد علي من زعم: أن أحاديث الزيارة كلها موضوعة! وأن السفر إليها بدعة غير مشروعة!

وهذه المقالة أظهر فسادا من أن يرد العلماء عليها، ولكني جعلت هذا الكتاب مستقلا في الزيارة وما يتعلق بها، مشتملاً من ذلك علي جملة يعز جمعها علي طالبها.

- وقال في/291:

اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل، والإستغاثة، والتشفع بالنبي(ص)الي ربه سبحانه وتعالي.

وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين، والعلماء والعوام من المسلمين.

ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتي جاء ابن تيمية، فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه علي الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار.

وحسبك أن إنكار ابن تيمية للإستغاثة والتوسل قول لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثلة!!

وقد وقفت له علي كلام طويل في ذلك رأيت من الرأي القويم أن أميل عنه إلي الصراط المستقيم ولا أتتبعه بالنقض والأبطال، فإن دأب العلماء القاصدين لإيضاح الدين وارشاد المسلمين تقريب المعني إلي أفهامهم وتحقيق مرادهم وبيان حكمه، ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك، فالوجه الأضراب عنه.

وأقول: أن التوسل بالنبي(ص)جائز في كل حال: قبل خلقه وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته، في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة وهو علي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يتوسل به، بمعني أن طالب الحاجة

يسأل الله تعالي به أو بجاهه أو ببركته.

فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة، وقد ورد في كل منها خبر صحيح:

حديث توسل آدم بالنبي

أما الحالة الأولي: قبل خلقه فيدل علي ذلك آثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اقتصرنا منها علي ما تبين لنا صحته وهو ما رواه الحاكم أبو عبدالله بن البيع في (المستدرك علي الصحيحين أو أحدهما) (1) قال: ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل (1) ثنا أبو الحسن محمد بن اسحاق ابن ابراهيم الحنظلي ثنا أبو الحارث عبدالله بن مسلم الفهري ثنا اسماعيل ابن مسلمة أنا عبدالرحمان بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب (رض) قال: قال رسول الله (ص): (لما اقترف (2)

آدم عليه السلام الخطيئة (3) قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي.

فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟

قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت علي قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلي إسمك إلا أحب الخلق إليك.

فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق الي اذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمان بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.

ورواه البيهقي أيضاً في (دلائل النبوة) وقال: تفرد به عبد الرحمان.

وذكره الطبراني وزاد فيه (وهو آخر الأنبياء من ذريتك).

توسل عيسي بالنبي

وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضا... عن ابن عباس قال: أوحي الله إلي عيسي عليه السلام: يا عيسي آمن بمحمد وأمر من أدركه من امتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولولاه ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش علي الماء فاضطرب فكتبت

عليه: لا اله إلا الله فسكن. قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه، انتهي ما قاله الحاكم.

والحديث المذكورلم يقف عليها بن تيمية بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاكم صححه. فانه قال أعني ابن تيمية: أما ما ذكره في قصة آدم من توسله فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبي(ص)باسناد يصلح الإعتماد عليه، ولا الإعتبار ولا الإستشهاد).

ثم أدعي ابن تيمية أنه كذب، وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص!.. ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه علي الحاكم وأيضا: عبدالرحمان بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف الي الحد الذي ادعاه.

وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر علي منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع؟ وقد ورد فيه هذا الحديث؟!

توسل نوح و ابراهيم و سائر الأنبياء بنبيا

وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء: فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له.

ولا فرق في هذا المعني بين أن يعبر عنه بلفظ (التوسل) أو (الاستغاثة) أو (التشفع) أو (التجوه). والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه: متوسل بالنبي(ص)، لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه. ومستغيث به والمعني أنه استغاث الله به علي ما يقصده فالباء ها هنا للسببية، وقد ترد للتعدية، كما تقول: (من استغاث بك فأغثه). ومستشفع به. ومتجوه به، ومتوجه، فإن التجوه والتوجه راجعان إلي معني واحد.

فإن قلت: المتشفع بالشخص من جاء به ليشفع فكيف يصح أن يقال: يتشفع به؟

قلت: ليس الكلام في العبارة وانما الكلام في المعني وهو سؤال الله بالنبي (ص)كما ورد عن آدم، وكما يفهم الناس من ذلك، وانما يفهمون من التشفع والتوسل والإستغاثة والتجوه ذلك، ولا مانع من اطلاق

اللغة بهذه الألفاظ علي هذا المعني.

والمقصود جواز أن يسأل العبد الله تعالي بمن يقطع أن له عند الله قدرا أو مرتبة.

ولا شك أن النبي(ص)له عند الله قدر علي ومرتبة رفيعة وجاه عظيم. وفي العادة أن من كان له عند الشخص قدر بحيث أنه إذا شفع عنده قبل شفاعته، فإذا انتسب إليه شخص في غايته وتوسل بذلك وتشفع به، فإن ذلك الشخص يجيب السائل إكراماً لمن انتسب إليه وتشفع به وان لم يكن حاضراً ولا شافعاً.

وعلي هذا التوسل بالنبي(ص)قبل خلقه.

ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالي ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر المحبوب أو العظيم سبباً للإجابة. كما في الأدعية الصحيحة المأثورة (أسألك بكل اسم لك وأسألك بأسمائك الحسني وأسألك بأنك أنت الله، وأعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك).

وحديث الغار الذي فيه الدعاء بالأعمال الصالحة وهو من الأحاديث الصحيحة المشهورة.

فالمسؤول في هذه الدعوات كلها هو الله وحده لا شريك له والمسؤول به مختلف ولم يوجب ذلك اشراكاً، ولا سؤال غير الله.

كذلك السؤال بالنبي(ص)ليس سؤالاً للنبي بل سؤ ال لله به.

وإذا جاز السؤال بالأعمال وهي مخلوقة فالسؤال بالنبي(ص)أولي.

ولا يسمع الفرق بأن الأعمال تقتضي المجازاة عليها، لأن استجابة الدعاء لم تكن عليها، وإلا لحصلت بدون ذكرها وانما كانت علي الدعاء بالأعمال.

وليس هذا المعني مما يختلف فيه الشرائع حتي يقال: إن ذلك شرع من قبلنا فإنه لو كان ذلك مما يخل بالتوحيد لم يحل في ملة من الملل، فإن الشرائع كلها متفقة علي التوحيد. وليت شعري ما المانع من الدعاء بذلك؟!

فإن اللفظ انما يقتضي أن للمسؤول به قدرا عند المسؤول. وتارة يكون المسؤول به أعلي

من المسؤول: اما الباري سبحانه وتعالي كما في قوله (من سألكم بالله فأعطوه) وفي الحديث الصحيح في حديث أبرص وأقرع وأعمي (أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن) الحديث.. وهو مشهور.

وأما بعض البشر، ويحتمل أن يكون من هذا القسم قوله عائشة لفاطمة: أسألك بما لي عليك من الحق.

وتارة: يكون المسؤول أعلي من المسؤول به، كما في سؤال الله تعالي بالنبي (ص)، فانه لا شك أن للنبي قدرا عنده. ومن أنكر ذلك فقد كفر.

فمتي قال: (أسألك بالنبي(ص)) فلا شك في جوازه.

وكذا إذا قال (بحق محمد) والمراد بالحق الرتبة والمنزلة. والحق الذي جعله الله علي الخلق أو الحق الذي جعله الله بفضله له عليه، كما في الحديث الصحيح قال: فما حق العباد علي الله؟

وليس المراد بالحق الواجب، فانه لا يجب علي الله شئ، وعلي هذا المعني يحمل ما ورد عن بعض الفقهاء في الإمتناع من اطلاق هذه اللفظة.

الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع بعد خلقه(ص)في مدة حياته: فمن ذلك ما رواه أبو عيسي الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات، قال... عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتي النبي(ص) فقال... وقد كفانا الترمذي والبيهقي رحمهما الله بتصحيحهما مؤنة النظر في تصحيح هذا الحديث، وناهيك به حجة في المقصود.

فإن اعترض معترض: بأن ذلك انما كان لأن النبي(ص)شفع فيه فلهذا قال له أن يقول (اني توجهت اليك بنبيك).

قلت: الجواب من وجوه:

أحدها: سيأتي أن عثمان بن عفان وغيره استعملوا ذلك بعد موته(ص)وذلك يدل علي أنهم لم يفهموا اشتراط ذلك.

الثاني: أنه ليس في الحديث أن النبي(ص)بين له ذلك.

الثالث: أنه ولو كان كذلك لم يضر في حصول المقصود وهو جوار

التوسل إلي الله بغيره بمعني السؤال به كما علمه النبي(ص)وذلك زيادة علي طلب الدعاء منه فلو لم يكن في ذلك فائدة لما علمه النبي(ص)وأرشده إليه، ولقال له: إني قد شفعت فيك، ولكن لعله(ص)أراد أن يحصل من صاحب الحاجة التوجه بذل الإضطرار والإفتقار والإنكسار ومستغيثا بالنبي(ص)فيحصل كمال مقصوده.

ولا شك أن هذا المعني حاصل في حضرة النبي(ص)وغيبته وفي حياته وبعد وفاته فإنا نعلم شفقته(ص)علي امته ورفقه بهم ورحمته لهم واس تغفاره لجميع المؤمنين وشفاعته فإذا انضم إليه توجه العبد به حصل هذا الغرض الذي أرشد النبي(ص)الأعمي إليه.

التوسل بالنبي (بعد موته)

الحالة الثالثة: أن يتوسل بذلك بعد موته(ص)لما رواه الطبراني رحمه الله في المعجم الكبير في ترجمة عثمان بن حنيف... أن رجلا كان يختلف الي عثمان بن عفان... ورواه البيهقي بإسناده عن أبي جعفر المديني عن أبي امامة بن سهل بن حنيف...

والإحتجاج من هذا الأثر لفهم عثمان (رض) ومن حضره الذين هم أعلم بالله ورسوله وفعله.

النوع الثاني: التوسل به بمعني طلب الدعاء منه وذلك في أحوال:

إحداها: في حياته(ص)، وهذا متواتر والأخبار طافحة به، ولا يمكن حصرها، وقد كان المسلمون يفزعون إليه ويستغيثون به في جميع ما نابهم كما في الصحيحين... والأحاديث والاثار في ذلك أكثر من أن تحصي، ولو تتبعتها لوجدت منها ألوانا.

ونص قوله تعالي: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ... الآية صريح في ذلك.

وكذلك يجوز ويحسن مثل هذا التوسل بمن له نسبة من النبي(ص)كما أن عمر ابن الخطاب (رض) إذا قحط استسقي بالعباس بن عبدالمطلب(رض)ويقول: اللهم انا كنا إذا قحطنا توسلنا بنبينا فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا محمد(ص) فاسقنا.

وكذلك يجوز مثل هذا التوسل بسائر الصالحين وهذا

شئ لا ينكره مسلم بل متدين بملة من الملل.

فإن قيل: لم توسل عمر بن الخطاب بالعباس ولم يتوسل بالنبي(ص)أو بقبره؟

قلنا: ليس في توسله بالعباس إنكار للتوسل بالنبي(ص)أو بالقبر. وقد روي عن أبي الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلي عائشة رضي الله عنها فقالت: فانظروا قبر النبي(ص)فاجعلوا منه كوي الي السماء حتي لا يكون بينه وبين السماء سقف. ففعلوا فمطروا حتي نبت العشب وسمن الإبل حتي تفتقت من الشحم فسمي(عام الفتق)...

فإن قال المخالف: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع اطلاق (التجوه) و(الإستغاثة) لأن فيهما إيهام أن المتجوه به والمستغاث به أعلي من المتجوه عليه والمستغاث عليه.

قلنا: هذا لا يعتقده مسلم ولا يدل لفظ (التجوه) و (الإستغاثة) عليه.

فإن (التجوه) من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنزلة وقد يتوسل بذي الجاه الي من هو أعلي جاها منه.

و (الاستغاثة) طلب الغوث فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلي منه.

فالتوسل والتشفع والتجوه والإستغاثة بالنبي(ص)وسائر الأنبياء والصالحين ليس لها معني في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يقصد بها أحد منهم سواه، فمن لم ينشرح صدره لذلك فليبك علي نفسه، نسأل الله العافية.

وإذا صح المعني فلا عليك في تسميته (توسلاً) أو (تشفعاً) أو (تجوها) أو (إستغاثة).

ولو سلم أن لفظ (الإستغاثة) تستدعي النصر علي المستغاث منه فالعبد يستغيث علي نفسه وهواه والشيطان وغير ذلك مما هو قاطع له عن الله تعالي بالنبي (ص) وغيره من الأنبياء والصالحين متوسلاً بهم إلي الله تعالي ليغيثه علي من استغاث منه من النفس وغيرها، والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالي والنبي(ص)

واسطة بينه وبين المستغيث.

وإذ قد تحررت هذه الأنواع والأحوال في الطلب من النبي(ص)وظهر المعني فلا عليك في تسميته (توسلاً) أو (تشفعاً) أو (إستغاثة) أو (تجوها) أو (توجهاً) لأن المعني في جميع ذلك سواء:

أما التشفع: فقد سبق في الأحاديث المتقدمة قول وفد بني فزارة للنبي (ص): تشفع لنا الي ربك وفي حديث الأعمي ما يقتضيه أيضاً.

والتوسل: في معناه.

وأما التوجه والسؤال: ففي حديث الأعمي.

والتجوه: في معني التوجه قال تعالي في حق موسي عليه السلام:)وكان عند الله وجيهاً. وقال في حق عيسي ابن مريم عليه الصلاة والسلام:)وجيها في الدنيا والآخرة. وقال المفسرون) وجيهاً (أي ذا جاه ومنزلة عنده. وقال الجوهري في فعل (وجه): وجه إذا صار وجيها ذا جاه وقدر. وقال الجوهري أيضاً في فعل (جوه): الجاه القدر والمنزلة وفلان ذو جاه وقد أوجهته ووجهته أنا أي جعلته وجيهاً (1). وقال ابن فارس: فلان وجيه ذو جاه(2).

إذا عرف ذلك فمعني (تجوه) توجه بجاهه وهو منزلته وقدره عند الله تعالي إليه.

وأما الإستغاثة: فهي طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالي وحده كقوله تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ.

وتارة يطلب ممن يصح اسناده إليه علي سبيل الكسب، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبي(ص)في هذين القسمين.

وتعدي الفعل تارة بنفسه، كقوله تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ. فاستغاثة الذي من شيعته. وتارة بحرف الجر، كما في كلام النحاة في المستغاث به، وفي كتاب سيبويه رحمه الله: فاستغاث بهم ليشتروا له كليبا.

فيصح أن يقال:استغثت النبي (ص)، وأستغيث بالنبي بمعني واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه، علي النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته وبعد موته.

ويقول: استغثت الله، واستغيث بالله، بمعني

طلب خلق الغوث منه، فالله تعالي مستغاث. فالغوث منه خلقاً وايجاداً، والنبي(ص)مستغاث والغوث منه تسبباً وكسباً.

ولا فرق في هذا المعني بين أن يستعمل الفعل متعديا بنفسه أو لازماً أو متعدياً بالباء.

وقد تكون الإستغاثة بالنبي(ص)علي وجه آخر، وهو أن يقول: استغثت الله بالنبي(ص)، كما يقول: سألت الله بالنبي(ص)، فيرجع إلي النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده.

وقد يحذف المفعول به ويقال: استغثت بالنبي(ص)، بهذا المعني.

فصار لفظ الإستغاثة بالنبي(ص)له معنيان:

أحدهما: أن يكون مستغاثاً.

والثاني: أن يكون مستغاثاً به، والباء للإستعانة.

فقد ظهر جواز إطلاق (الإستغاثة) و (التوسل) جميعاً وهذا أمر لا يشك فيه، فإن (الإستغاثة) في اللغة طلب الغوث وهذا جائز لغة وشرعاً من كل من يقدر عليه بأي لفظ عبر عنه كما قالت أم إسماعيل: أغث ان كان عندك غواث.

- وقال في/319:

قد تضمنت الأحاديث المتقدمة أن روح النبي (ص) قد قيل في ذلك بالنسة الي الأنبياء وسائر الموتي وقد رتبنا الكلام في هذا الباب علي فصول:

الفصل الأول: فيما ورد في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صنف الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله في ذلك جزء وروي فيه أحاديث منها: (الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون).

ورواه ابن عدي في (الكامل أنا غير واحد أذناً عن ابن المقير عن ابن الشهرزوري أنا اسماعيل بن مسعدة أنا حمزة بن يوسف أنا أحمد بن عدي الحافظ قال: ثنا قسطنطين بن عبدالله الرومي مولي المعتمد علي الله أمير المؤمنين ثنا الحسين بن عرفة حدثني الحسن بن قتيبة المدائني ثنا المتسلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج الأسود عن ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله (ص): (الأنبياء

صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون).

قال ابن عدي: وللحسن بن قتيبة هذا أحاديث غرائب حسان فأرجو أنه لابأس به.

ومما يدل علي ذلك ما ساق اسناده الي أوس بن أوس قال: قال رسول الله (ص): (أفضل أيامكم يوم الجمعة وفيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة).

قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - يقولون: بليت - فقال: إن الله تعالي حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أخرجه أبو داود.

قال البيهقي: وله شواهد منها:

ما أنا أبو عبدالله أنا ابن اسحاق الفقيه أنا الآبار ثنا أحمد بن عبدالرحمان ثنا الوليد ثنا أبو رافع عن سعيد المقبري عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي(ص)أنه قال: (أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة فانه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته).

وحديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتي أرد).

قال البيهقي وانما أراد - والله أعلم - إلا وقد رد الله علي روحي حتي أرد عليه.

وقد ثبت في الصحيح في حديث الإسراء: أنه(ص)وجد آدم في السماء الدنيا وقال فيه: (فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يسارة أسودة فاذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكي فقال: مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح)

ومن الأحاديث الصحيحة المتفق عليها نداؤه(ص)أهل البئر وقوله: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم).

وأما الإدراك: فيدل له مع ذلك الأحاديث الواردة في عذاب القبر وهي أحاديث صحيحة متفق عليها رواها البخاري ومسلم وغيرهما وأجمع عليها وعلي مدلولها أهل السنة والأحاديث في ذلك متواترة.

ومن أحسنها ما رواه أبو داود الطيالسي أنا أبو

العباس أحمد بن محمد الدشتي بقراءتي عليه بالشام في سنة سبع وسبعمائة قال: أنا الحافظ ابن خليل أنا اللبان أنا الحداد أنا أبو نعيم أنا ابن فارس ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا الأسود بن شبيان عن بحر بن مرار(1) عن أبي بكرة قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله(ص)ومعي رجل ورسول الله(ص)في مشي بيننا اذ أتي علي قبرين فقال رسول الله (ص): (إن صاحبي هذين القبرين ليعذبان الآن في قبورهما فأيكما يأتيني من هذا النخل بعسيب؟).

فاستبقت أنا وصاحبي فسبقته وكسرت من النخل عسيباً فأتيت به النبي(ص)فشقه نصفين من أعلاه فوضع علي أحدهما نصفاً وعلي الآخر نصفاً وقال: (إنه يهون عليهما ما دام فيهما من بلوتهما شئ إنهما يعذبان في الغيبة والبول... وفي هذه الرواية النص علي أن العذاب الآن وأنه في القبور.

وقد أجمع أهل السنة علي اثبات الحياة في القبور قال إمام الحرمين في الشامل: إتفق سلف الأمة علي إثبات عذاب القبر وإحياء الموتي في قبورهم ورد الأرواح في أجسادهم.

وقال الفقيه أبو بكر بن العربي في (الأمد الأقصي في تفسير أسماء الله الحسني:

إن أحياء المكلفين في القبر وسؤالهم جميعاً لا خلاف فيه بين أهل السنة.

وقال سيف الدين الآمدي في كتاب أبكار الأفكار:

اتفق سلف الأمة قبل ظهور المخالف وأكثرهم بعد ظهوره علي إثبات إحياء الموتي في قبورهم ومسألة الملكين لهم، واثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين...

وقال القرطبي: إن الإيمان به مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل الملة ولم يفهم الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهم عليه السلام غير ذلك وكذلك التابعون بعدهم وذهب بعض المعتزلة إلي موافقة أهل السنة علي ذلك.

وذهب

صالح قبة والصالحي وابن جرير إلي أن الثواب والعقاب ينال الميت من غير حياة وهذا مكابرة للعقول...

وقد تلخص من هذا: أن الروح تعاد إلي الجسد ويحيا وقت المسألة وأنه ينعم أو يعذب من ذلك الوقت إلي يوم البعث إما متقطعاً أو مستمراً علي ما سبق.

وهل ذلك من بعد وقت المسألة إلي البعث للروح فقط أو لها مع الجسم؟

يترتبان علي أن الجسم هل يفني أو يتفرق وكلا الأمرين جائز عقلاً وفي الواقع منه قولان للمتكلمين ولم يرد في الشرع ما يمكن التمسك به في ذلك إلا قوله (ص): (كل ابن آدم يبلي إلا عجب الذنب).

فحيث يكون الجسم أو بعضه باقياً فلا امتناع من قيام الحياة به وحيث يعدم بالكلية يتعين القول بالروح فقط...

وبالجملة: كل أحد يعامل بعد موته كما كان يعامل في حياته ولهذا يجب الأدب مع النبي(ص)بعد موته كما كان في حياته.

وقد روي عن أبي بكر الصديق (رض) قال: لا ينبغي رفع الصوت علي نبي حيا ولا ميتاً.

وروي عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد رسول الله(ص)فترسل اليهم: لا تؤذوا رسول الله(ص)...

وعن عروة قال: وقع رجل في علي عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: قبحك الله لقد آذيت رسول الله(ص)في قبره.

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة

للشيخ محمود سعيد ممدوح - طبعة دار الإمام النووي - الأردن 1416

قال في/5:

وبعد.. فإن مسألتي التوسل والزيارة من المسائل التي شغلت الناس كثيراً، وصنفت فيهما - خاصة مسالة التوسل - مصنفات متعددة، وحصل أخذ ورد وجدل، وتزيد! وتاجر بهما سماسرة الإختلاف بين المسلمين!

ومما زاد الطين بله أن سبكهما

المتشددون في مسائل الإعتقاد..!!

وقد حصل بسببهما الخوض في أعراض كثير من أئمة الدين، وتطاول في أعراض جماهير المسلمين. ومن أحاط علما بما ذكرت علم كم صحب ذلك من النهي الشديد والتخويف والتهديد، وقد تلاحقت أقلام في ذلك كان من آخرها رسالة باسم (الأخطاء الأساسية في توحيد الألوهية الواقعة في فتح الباري) شنع فيها صاحبها علي الحافظ ابن حجر لتجويزه التوسل، وقوله بإستحباب الزيارة! وهذا غاية في الغلو والتعصب والجهل! فيا للعار والشنار: قاضي قضاة المسلمين وشيخ المحدثين وامامهم، ومفخرة المسلمين، أحمد بن حجر العسقلاني (رض) تصنف - بدون حياء - رسالة تحوي هذا المعني الذي لا يدل إلا علي مبلغ إنحراف مصنفها المسكين...

والغرض من هذا المصنف بعد بيان الحق في الأحاديث، هو أن الخلاف في مسألة التوسل هو خلاف في الفروع، ومثله لا يصح أن يشنع أخ به علي أخيه أو يعيبه به، وأن من قال به - وهو التوسل بالأنبياء والأولياء - متمسك بأدلة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي وردها لا يجئ إلا من متعنت أو مكابر.

وأما المقصود في مسألة الزيارة فهو اثبات اطباق فقهاء الأمة علي اأستحباب أو وجوب زيارة المصطفي صلي الله عليه وآله، بشد رحل أو بدونه، وأن من قال بتحريم الزيارة المستوجبة لشد الرحل قد ابتدع وخالف النصوص الصريحة، واطباق فقهاء مذهبه، فضلاً عن المذاهب الأخري.

فأولي بأولي النهي ترك الشاذ من القول، والتسليم بالمعروف المشهور الذي أطبقت الأمة علي العمل به، والله المستعان.

أما من تعود أن يقول: عنزة ولو طارت، أو يا داخل مصر مثلك كثير، فهو مكابر أو متعنت، فلا كلام لنا معه، فقد خالف صريح الدليل وخالف أعيان الأئمة وسرج الأمة...

- وقال في/13:

وكون الوسيلة هي القربة لا خلاف بين المفسرين في ذلك، كما صرح به ابن كثير في تفسيره (3/97) وقال (الوسيلة هي ما يتوصل بها إلي تحصيل المطلوب). اه_.

فقول بعضهم: إن التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه، خطأ محض! فالتوسل ليس من هذا الباب قطعاً، فالمتوسل لم يدع إلا الله وحده، فالله وحده هو المعطي والمانع والنافع والضار، ولكنه اتخذ قربة رجاء قبول دعاءه، والقربة في الدعاء مشروعة بالإتفاق.

وترد الوسيلة بمعني المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور: سلوا الله لي الوسيلة.. الحديث...

والتوسل علي نوعين: أحدهما ما اتفق عليه. وترك الخوض فيه صواب، لأنه تكرار وتحصيل حاصل.

ثانيهما: ما اختلف فيه، وهو السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات، وما في معني ذلك.

وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته، أو أنه بدعة ضلالة أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نري الآن.

لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده!

وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبيل...

- وقال في/15:

وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه، وقلده وردد صدي كلامه آخرون. ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه، واقتصاري علي كلامه فقط هو الأولي، لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعا من موائده، دائرأ في فلكه، والله المستعان:

كان ابن تيمية يري منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه (التوسل والوسيلة) (/169).

وقال ابن تيمية (/65) وهو الإعتراض الأول:

السؤال به (أي بالمخلوق)

فهذا يجوزه طائفة من الناس، لكن ما روي عن النبي(ص)في ذلك كله ضعيف بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمي ولا حجة لهم، فانه صريح في أنه انما توسل بدعاء النبي(ص)وشفاعته، وهو طلب من النبي(ص)الدعاء، وقد أمره النبي أن يقول: اللهم شفعة في، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي(ص)، ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي (ص)بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اه_.

قلت: قوله كله ضعيف بل موضوع وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة إلا.. سيأتي ان شاء الله تعالي الرد علي هذا الكلام في تخريج الأحاديث، ففيها الصحيح والحسن والضعيف عند أئمة هذا الشأن، ووفق قواعد الفن.

أما قوله: إلا حديث الأعمي لا حجة لهم فيه، فانه صريح في أنه انما توسل بدعاء النبي(ص)وشفاعته... وكلامه فيه نظر ظاهر، لأن الناظر في حديث توسل الأعمي يجد فيه الآتي:

1 - جاء الأعمي للنبي(ص)فقال له: ادع الله أن يعافيني، فالأعمي طلب الدعاء.

2 - فأجابه النبي(ص)قائلاً: إن شئت أخرت ذلك وهو خير، وإن شئت دعوت. فخيره رسول الله(ص)وبين له أن الصبر أفضل.

3 - ولكن لشدة حاجة الأعمي، التمس الدعاء من النبي(ص).

4 - عند ذلك أمره النبي(ص)أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين.

5 - وزاد علي ذلك هذا الدعاء: اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك إلي ربي في حاجتي فتقضي لي.

فدعا النبي(ص)بهذا الدعاء، كما طلب الأعمي في أول الحديث، ودعا الأعمي بهذا الدعاء كما علمه النبي(ص).

6 - فعلمه النبي(ص)دعاء

هو توسل به، وهو نص في التوسل به(ص)، لا يحتمل أي تاويل، وكيف يحتمل غير التوسل به وفيه (أتوجه إليك بنبيك.. إني توجهت بك. ومن رأي غير ذلك فقد استعجم عليه الحديث.

وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلاً (/72): وعلي هذافالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شئ مما يزعمون. اه_.

قلت: هذه مصادرة للنص وتعمية علي القارئ!

كيف لا يكون كذلك والنبي(ص)علم الرجل دعاء فيه السؤال بالنبي(ص).

نعم، الحادثة تدور حول الدعاء، ولكن السؤال هنا ما هو الدعاء الذي دعا به النبي(ص)؟ وما هو الدعاء الذي علمه للرجل الأعمي؟

لا يستطيع أي منصف إلا الإجابة بأن هذا الدعاء هو الذي فيه نص بالتوسل به(ص)، فالأعمي جاء يطلب مطلق الدعاء برد بصره، وعلمه(ص) وأمره بالتوسل به ليتحقق المطلوب.

7 - ثم قال (ص): اللهم شفعه في وشفعني في نفسي، أي تقبل شفاعته أي دعاءه في وتقبل دعائي في نفسي.

وهنا سؤال: أي دعاء هنا الذي يطلب قبوله؟ لا شك أن الإجابة عليه ترد بداهة في ذهن أي شخص، إنه الدعاء المذكور فيه التوسل به(ص)، وهذا لا يحتاج لأعمال فكر أو اطالة نظر وتأمل، وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. ويمكن أن يقال: إن سؤال قبول الشفاعة هو توسل بدعائه(ص)، مع التوسل بذاته وهذا منتهي ما يفهم من النص، والله أعلم.

8 - فسبب رد بصر الأعمي هو توسله بالنبي(ص)، وهذا ما فهمه الأئمة الحفاظ الذين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم، فذكروا الحديث علي أنه من الأدعية التي تقال عند الحاجات. فقال البيهقي في دلائل النبوة (6/166) باب: ما جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه

حين لم يصبر، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. ا ه_.

ولا يخفي أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسل بالذوات، وعبارة البيهقي واضحة جدا. والبيهقي حافظ فقيه.

وهكذا ذكره النسائي، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والترمذي في الدعوات والطبراني في الدعاء، والحاكم في المستدرك، والمنذري في الترغيب والترهيب، والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها، والنووي في الأذكار علي أنه من الاذكار التي تقال عند عروض الحاجات، وابن الجزري في العدة في باب صلاة الضر والحاجة (/161).

وقال القاضي الشوكاني في تحفة الذاكرين (/162): وفي هذا الحديث دليل علي جواز التوسل برسول الله(ص)الي الله عز وجل، مع إعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالي، وأنه المعطي المانع، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ا ه_.

واستقصاء الحفاظ الذين فهموا أن الحديث علي عمومه، وإستعمال الدعاء الوارد فيه الذي فيه التوسل به(ص)، يطول.

9 - إن عثمان بن حنيف (رض) وهو راوي الحديث فهم من الحديث العموم، فقد وجه رجلا يريد أن يدخل علي عثمان بن عفان (رض) إلي التوجه بالدعاء المذكور في الحديث الذي فيه التوسل بالنبي(ص)، إسناده صحيح سيأتي إن شاء الله تعالي.

وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف (رض)، هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا به.

10 - إن رواية ابن أبي خيثمة للحديث من طريق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فيها (فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) وهي زيادة ثقة حافظ، فهي صحيحة مقبولة، كما هو معلوم ومقرر في علوم الحديث. وهذه الرواية تدل علي العموم وطلب العمل بالحديث في الحياة وبعد الممات، إلي قيام الساعة.

ثم قال ابن تيمية: ولو توسل غيره

من العميان الذين لم يدع لهم النبي في بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اه_.

وقال ابن تيمية في موضع آخر: وكذلك لو كان أعمي توسل به(ص)ولم يدع له الرسول(ص)بمنزلة ذلك الأعمي، لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمي، فعدولهم عن هذا إلي هذا دليل علي أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه. ا ه_.

قلت: الجواب عليه سهل ميسور، وكنت أود أن لا أرد هذا الإيراد، لكنني رأيت جماعة أخذوا هذا الإيراد ونسبوه لأنفسهم، وكان الصواب ألا يذكر لفساده، أو يذكر مع نسبته لقائله!

ومن الذين نسبوه لأنفسهم الألباني فإنه قال في توسله (/76):

لو كان السر في شفاء الأعمي أنه توسل بجاه النبي(ص)وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين، لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه(ص)، بل ويضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والإنس والجن أجمعين.

ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته(ص)الي اليوم. اه_.

وذكر نحو هذا الإيراد صاحب (التوصل إلي حقيقة التوسل)/243، وكذا المتعالم صاحب (هذه مفاهيمنا)/37.

والجواب علي هذا الإيراد بالآتي:

1 - إجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء، وقد قال الله تعالي (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ونحن نري بعض المسلمين يدعون فلا يستجاب لهم، وهذا الإيراد يأتي علي الدعاء كله، فانظر إلي هذا الإيراد أين ذهب بصاحبه؟

2 - هذا الإيراد يرد عليه احتمال أقوي منه وحاصله: أن عدم توسل عميان الصحابة وغيرهم إحتمال فقط لا يؤيده دليل، وهم إما توسلوا فاستجيب لهم، أو تركوا رغبة في الآجر، أو

توسلوا وادخر ذلك أجراً لهم، أو تعجلوا فما استجيب لهم.

وقد صح أن رسول الله(ص)قال (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

وكم من داع متوسلاً لله بأسمائه وصفاته ولم يستجب له، ويلزم هؤلاء إشكال وهو أننا نري من يدعو ويتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء.

هذا من تمام الحجة عليهم ونقض إيرادهم! فلا تلازم بين الدعاء والإجابة. والله أعلم بالصواب.

علي أن قول الألباني: لا نعلم ولا نظن أحداً.. إلخ. تهافت وشهادة علي نفي لا ينخدع بها إلا مسلوب العقل.

تذنيب مفيد لكل لبيب:

بعد أن تبين لك دلالة الحديث الواضحة علي التوسل بالنبي(ص)، وأن المخالف متسنم بيتا من بيوت العنكبوت.. تجد أن من هؤلاء المخالفين من لم يستطع تحت قوة الدليل إلا الإعتراف بجواز هذا التوسل، وأنه لا غبار عليه فشكك في شبهاته وأسقط كلامه!!

إنه الألباني الذي قال في توسله (/77):

علي أنني أقول: لو صح أن الأعمي انما توسل بذاته(ص)فيكون حكماً خاصاً به (ص)، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح، لأنه(ص)سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم، ككثير مما يصح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأي أن توسل الأعمي كان بذاته(ص)فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليه، كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالي. هذا هو الذي يقتضيه البحث العلمي مع الإنصاف والله الموفق للصواب). اه

فقل لي بربك لماذا كان كل هذا المراء من أساسه، وترك الدليل إلي التقليد؟

بيد

أن عبارته فيها هنات لا تخفي، فقصره بالتوسل بالنبي(ص)فقط لا دليل عليه، وهو تخصيص بدون مخصص، فالخصوصية لاتثبت إلا بدليل.

وإذا كان الإمام أحمد رحمه الله يجوز التوسل بالنبي(ص)، فلم ينقل عنه المنع من التوسل بغيره، ومن نقل عنه ذلك يكون قد افتأت عليه، والحنابلة وهم أعرف بامامهم لم يذهبوا إلي القصر الذي ادعاه الألباني! فيقول ابن مفلح الحنبلي في الفروع (1/595): (ويجوز التوسل بصالح وقيل يستحب قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي انه يتوسل بالنبي صلي الله عليه وسله في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره). اه.

وقال في/31:

وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلي وجه النبي(ص)يستسقي، فما ينزل حتي يجيش كل ميزاب: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامي عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب والشاهد فيه قوله: (يستسقي الغمام بوجهه) فتمثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقول أبي طالب، وتذكره له مع النظر للنبي(ص)، يدل علي توسله بالنبي(ص)في الإستسقاء، وهو نص لا يحتمل غيره.

وقد أجاب الشيخ بشير السهسواني علي هذا النص الصريح اجابة مندفعة فقال (/373): فإن قلت: لفظ (يستسقي الغمام بوجهه) يدل علي أن التوسل بالذوات الفاضلة جائز؟

قلت: المكروه من التوسل هو أن يقال أسألك بحق فلان أو بحرمة فلان، وأما احضار الصالحين في مقام الاستسقاء، أو طلب الدعاء منهم فهو ليس من المكروه في شئ، بل هو ثابت بالسنة الصحيحة. اه.

وقال في موضع آخر (/274): وإذا كان حضور الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والضعفاء سببا للنصر والفتح، فما ظنك بحضور سيد ولد آدم(ص)؟ اه.

ثم قال في (/275): فالمراد بوجهه في قول أبي طالب: (يستسقي بوجهه) ببركة

حضور ذاته أو بدعائه. ا ه.

قلت وبالله التوفيق: صرف السهسواني هذا التوسل إلي التبرك بالذات أوالدعاء فيه نظر، أما الدعاء فظاهر أن كون المراد بيستسقي بوجهه ببركة حضوره فيمكن أن يكون كذلك ان كان التبرك والتوسل عنده مترادفان وهو الصواب، وهو ما صرح به البدر العيني فقال في عمدة القاري (7/30):

معني قول أبي طالب هذا في الحقيقة توسل إلي الله عز وجل بنبيه، لأنه حضر استسقاء عبد المطلب والنبي(ص)معه، فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم. ا ه.

وإن لم يكن، فلفظة (يستسفي الغمام بوجهه) هو عين التوسل، ولابد من حمل النص علي ظاهره، ولا يصرف إلا بدليل ولا صارف هنا. والله أعلم.

وللعلامة محمد بن علي الشوكاني كلمة في جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين رد فيها علي من منعه وفند ايراداته، فقال رحمه الله في كتابه (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد) ما نصه:

أما التوسل إلي الله سبحانه وتعالي بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه، فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام انه لا يجوز التوسل إلي الله تعالي إلا بالنبي(ص)ان صح الحديث فيه.

ولعله يشير إلي الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه، والترمذي وصححه، وابن ماجه، وغيرهم، أن أعمي أتي النبي...

وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي(ص)كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الأول، ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالي عنهم.

والثاني، ان التوسل إلي الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون فاضلاً إلا بأعماله، فاذا قال القائل: اللهم إني أتوسل اليك بالعالم الفلاني فهو بإعتبار ما

قام به من العلم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي(ص)حكي عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل...

فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز، أو كان شركا كما زعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه، لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي(ص)عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم!

وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالي (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي) ونحو قوله تعالي (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا)، ونحو قوله تعالي (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَئٍْ) ليس بوارد، بل هو من الإستدلال علي محل النزاع بما هو أجنبي عنه... وهكذا الإستدلال علي منع التوسل بقوله(ص)لما نزل قوله تعالي (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئاً، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه(ص)لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالي نفعه، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله. وهذا معلوم لكل مسلم، وليس فيه أنه لا يتوسل به إلي الله، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي، وانما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع، وهو مالك يوم الدين. انتهي كلام الشوكاني رحمه الله.

- وقال الآلوسي: أنا لا أري بأساً في التوسل إلي الله تعالي بجاه النبي(ص)عند الله تعالي حياً وميتاً، ويراد بالجاه معني يرجع إلي صفة من صفاته تعالي مثل أن

يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته فيكون معني قول القائل: إلهي أتوسل اليك بجاه نبيك صلي الله تعالي عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي، الهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي.

ولا فرق بين هذا وقولك: إلهي أتوسل اليك برحمتك أن تفعل كذا، إذ معناه أيضاً الهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا. انتهي من جلاء العينين (/572).

وقال في/37:

التوسل ليس من مباحث الإعتقاد:

التوسل من موضوعات الفروع، لأن حقيقته اتخاذ وسيلة، أي قربة إلي الله تعالي.

قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).

والتوسل علي أنواع، وأمره يدور بين الجواز والندب والحرمة، وماكان أمره كذلك فهو من الأحكام الشرعية التي موضوعها علم الفقه.

واقحام موضوعات الفقه في التوحيد والعقائد خطأ يجب مجانبته، حتي ينزل كل بحث منزلته.

وهذا الإمام أبو حنيفة يقول: ويكره أن يقول الرجل في دعائه: أسألك بمعقد العز من عرشك. اه_ (الجامع الصغير للإمام محمد/395 مع النافع الكبير) فعبر الإمام أبوحنيفة رحمه الله بقوله (يكره) فدار الأمر بين الكراهة التنزيهية أو التحريمية، كما قرره أصحابه في كتاب (الكراهية) أو الحظر والإباحة من مصنفاتهم الفقهية.

والسادة الفقهاء يذكرون التوسل في باب الإستسقاء، وعند زيارة قبر النبي(ص).

أما سلك بحث التوسل في العقائد وجعله وسيلة من وسائل الشرك، فبدعة قد حلت بالمسلمين ومسلك قد زرع العداوة بينهم، ونفخ في بوق الخلاف بين الأخ وأخيه والأب وابنه.

ومن قلب النظر في عشرات الكتب والرسائل التي يصنفها بعض المعاصرين التي تتحدث عن (منهج أهل السنة والجماعة) و (أصول أهل السنة) و (عقيدة الفرقة الناجية أو (العقيدة الصحيحة) و (مجمل أصول أهل السنة والجماعة). وخصائص...

و مميزات... لرأي الهول والجهل معا ووقف علي أنواع من التشدد كادت أن تأتي علي الأخضر واليابس.

وينبغي علي العقلاء كشف أوضار وأخطار هؤلاء الجهلة، ومن علي شاكلتهم من المتاجرين بالخلاف بين المسلمين.

وإن المرء لا يعجب ممن يأخذ بأحد الرأيين، ولكنه لا ينقضي عجبه ممن يتبع أحد هذين الرأيين، ثم يجعل ما اتبعه هو الحق الذي يجب المصير إليه ويجعل من اختيار الآخرين للرأي الآخر برهان كونهم مبتدعة يجب مفارقتهم ويجب... ويجب... فقل لي بربك أي عالم من علماء الأمة يقر هذا المسلك المتخلف العجيب!

ولطالما اتهم كثير من عباد الله الصالحين بالإبتداع وغيره، وعند المحقاقة تجد الحق معهم والجهل مع غيرهم، فإلي الله المشتكي مما إليه أمر المسلمين.

وقال في/41:

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم لنوع من رسائل التهويل والتضليل والتعدي علي المسلمين، وما أكثرها.

من هذه الرسائل رسالة باسم (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) يعيب المؤلف فيها علي صاحب كتاب (للدعاة فقط) مسائل منها قول الإمام حسن البنا رحمه الله: (والدعاء إذا قرن بالتوسل إلي الله تعالي بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء، وليس من مسائل العقيدة). اه (/25).

وهذا حق لا مرية فيه، ومنكره منكر للمحسوس ومكابر في الضروريات، ولأن صاحب الرسالة المذكورة وقف علي بعض الرسائل التي ترشح بالتهويل والتضليل وتعميق الخلاف بين المسلمين، جري المسكين في فلك هذه الرسائل فأبرق لمن يفتيه وفق مراده، فأفاده بعضهم بقوله المضحك المبكي (هو صالح الفوزان):

التوسل في الدعاء بذوات الصالحين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمراً مبتدعاً ووسيلة من وسائل الشرك، والخلاف فيه يعتبر خلافا في مسائل العقيدة لا في مسائل الفروع، لأن الدعاء فيه أعظم أنواع العبادة،

ولا يجوز فيه إلا ما ورد في الكتاب والسنة... الخ (/31 - 32).

قلت: لا يخفي أن الأحاديث والاثار الصحيحة والحسنة ترد قوله، ولو استحضر هذا المجيب حديثا واحدا منها، وليكن حديث توسل الأعمي بالنبي(ص) واستعمال عثمان بن حنيف له، وزيادة حماد بن سلمة الصحيحة، وكان مع استحضاره منصفاً وترك تقليد غيره، لأعرض عما تفوه به، فإن أبي ترك التقليد فأولي به تقليد إمامه في توسله بالنبي(ص)، وجماعة من السلف، كما نقله ابن تيمية في التوسل والوسيلة/65، 98!

فإذا كان أحمد وجماعة من السلف لايعرفون الشرك ووسائله، وعرفه هذا المستدرك عليهم، فليكن ماعرفه هو سب السلف وأئمة الدين ورميهم بالعظائم لا غير.

نعم الدعاء من أعظم أنواع العبادة، كلمة حق أريد بها باطل، لكن المتوسل لا يدعو إلا الله جل وعز، ولكنه اتباعا لقول بقول الله تعالي (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) توسل في دعائه. وهذه الوسيلة مختلف في بعض أنواعها منها ما يجوز، ومنها ما لا يجوز.

فالأمر فيه خلاف وهو ضعيف، ومحل هذا الخلاف موضوع علم الفقه، أما علم العقيدة أو التوحيد فيتكلم في الإلهيات والنبويات والسمعيات، فلا معني لإدخال بحث التوسل في العقيدة، وبون كبير بين العالمين!

وقال في/47:

وإذا كان صاحب رسالة (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) قد اعتمد علي غيره، فإن أبا بكر الجزائري قد اعتمد علي نفسه، فزاد الطين بلة، وكفر قسطاً وافراً من المسلمين فقال ما نصه:

إن دعاء الصالحين والإستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالي قربة ولا عملاً صالحاً فيتوسل به أبداً، وانما كان شركاً في عبادة الله محرماً يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في جهنم. انتهي بحروفه من كتابه (عقيدة المؤمن) (/144).

والصحيح أن المؤمن لا يعتقد ذلك في اخوانه المؤمنين الذين يعتقدون ألا مؤثر إلا الله عز وجل، وغاية عملهم أنهم علموا منزلة النبي(ص)عند ربه فتوسلوا به واتبعوا الأدلة الصحيحة، وقد تأسوا في ذلك بالصحابة رضوان الله عليهم.

وقد أخطأ أبوبكر الجزائري فكفر عباد الله الصالحين، وهذا التكفير الجزاف لا ارتباط له بكتاب أو سنة، ولا بما عليه السواد الأعظم، ولم يقل ذو عقل ودين بمقولته الفاسدة إلا من كان علي رأي الخوارج!! نسأل الله العافية.

وللأسف قد طبع كتابه مرات، وليتأمل القارئ المنصف كم من المسلمين فتنوا بهذا الباطل! والله المستعان.

وقال في/48:

وإذا كان أبوبكر الجزائري قد تفوه بالتكفير، فهناك آخر هو محمد صالح العثيمين الذي أصر علي اعتبار التوسل من مباحث الإعتقاد واستدل علي مقولته بما لم يصرح به مسلم فقال:

وبالنسبة للتوسل فهو داخل في العقيدة لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تاثيراً في حصول مطلوبه ودفع مكروهه، فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة، لأن الإنسان لايتوسل بشئ إلا وهو يعتقد أن له تأثيرا فيما يريد. اه

من فتاوي ابن عثيمين (3/100) كما نقله عنه جامع (فتاوي مهمه لعموم الأمة).

قلت: أثبت العرش ثم انقش، فمن الذي أطلعك علي ما في صدور المتوسلين حتي تصرح بهذه المقولة الشنيعة.

إن ما قاله مناف للإعتقاد تماما، فكل مسلم يعتقد إعتقاداً جازماً أن الله جل وعز هو النافع وهو الضار، وأن المؤثر الحقيقي هو الله، وأنه وحده مسبب لأسباب، فلا فاعل إلا الله، ولا خالق سواه، وإليه يرجع الأمر كله.

وغاية مافي المتوسل أن يقول: اللهم إني أسالك أو أتوسل اليك بنبيك(ص)مثلا.

فالمتوسل سأل الله تعالي ولم يسأل سواه، ولم ينسب إلي المتوسل به تأثيراً

أو فعلاً أو خلقاً، وانما أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالي، وتلك المنزلة ثابتة له في الدنيا والآخرة، وإليه نذهب يوم القيامة طلباً للشفاعة.

ومن اعتقد أن إخوانه المسلمين يعتقدون أن المتوسل به له تأثير، فيكون قد كفرهم، ووضع نفسه مقام العارف بما في الصدور!

وهذه فتاوي يضحك بها هؤلاء علي البسطاء ليوضحوا لهم أن المتوسلين من جلدة أخري! وكلام العثيمين ينسحب إلي التوسل كله.

والحق يقال: انه كلام لا علاقة له بالعلم، وكم من حوادث وفتن تتبع هذه الفتاوي، وكم من جاهل كفر أبويه أو أهل خطته بسبب اغتراره بمثل هذه الفتاوي، ولو تمهل المفتي وفكر قليلا لأدرك سخف مقولته.

والعجب أنه أطلق وما قيد، فهل للعمل الصالح المتوسل به تأثيراً بذاته. ومحال أن الصحابة اعتقدوا هذا الإعتقاد في النبي(ص)، والعباس ويزيد عندما توسلوا بهم، ومحال أن يعتقد السلف، ومنهم الإمام أحمد الذين توسلوا بالنبي(ص) (كما صرح به ابن تيمية في التوسل والوسيلة/98) هذا الإعتقاد الفاسد.

والحنابلة يجوزون أو يستحبون التوسل بالنبي(ص)كما صرح إمامهم ابن قدامة بذلك في المغني، فهل يراهم يعتقدون مثل هذا الإعتقاد؟!!

إن من الآفات المردية التسرع في رمي العباد بالعظائم.

والحاصل أن ماقاله العثيمين لا يصلح دليلاً علي ما ادعي، بل هو مما يدوم ضرره، لأن آثاره نراها دارجة تفرق بين المسلمين! نسأل الله لنا جميعا الهداية والتوفيق، ولو حسن الشيخ الظن باخوانه المسلمين لكان له موقف آخر.

كتاب (حقيقة التوسل والوسيلة في الكتاب والسنة)

والوسيلة ما يتقرب به إلي الغير. والجمع الوسل، والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد، يقال: وسل فلان إلي ربه وسيلة، وتوسل إليه بوسيلة، إذا اقترب إليه بعمل.

وهي أيضاً: كل ما جعله الله سبباً في القربي عنده، ووصلة إلي قضاء الحوائج منه،

والمدار فيها علي أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه.

ولفظ الوسيلة عام في الآيتين، فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين، في الحياة وبعد الممات، وباتيان الأعمال الصالحة علي الوجه المأثور به وللتوسل بها بعد وقوعها.

أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح، وابن حبان والحاكم عن أنس أنه قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما، دخل عليها رسول الله.. الحديث، وفي آخره: أنه لما فرغ من حفر لحدها دخل رسول الله فاضطجع فيه وقال: الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فانك أرحم الراحمين.

ففي هذا الحديث الثابت، توسله عليه الصلاة والسلام إلي ربه بذاته، التي هي أرفع الذوات قدراً، وباخوانه من النبيين، وجلهم موتي عليهم جميعا الصلاة والسلام.

فالتوسل بسيدنا رسول الله، والتوسل بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والتوسل بالصالحين من عباد الله سبحانه، والإستغاثة بهم جميعاً، علي النحو الذي عليه الأمة، من اعتقاد أنهم عباد مكرمون مقبولو الشفاعة، عند الله تعالي بفضله، هو مما أجمعت عليه الأمة، ودل عليه الكتاب، ونطقت به صحاح السنة، وأقوال العلماء.

وجواز التوسل وحسنه يعد بحق من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين والعلماء العوام من المسلمين.

وحسبك من انكار المنكر للإستعانة والتوسل، قول لم يقله عالم قبله، وقد وقفت له علي كلام طويل في ذلك، رأيت أن أميل عنه ولا أتتبعه بالنقض والأبطال، فإن دأب القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعني إلي أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه وأحكامه.

وعلي أي حال

من الأحوال، ومهما بلغ قول المنكر من الإنكار، فإن التوسل بالنبي جائز في كل حال، قبل خلقه، وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة، والجنة.

وهو علي ثلاثة أنواع:

1 - النوع الأول: أن التوسل به بمعني أن طالب الحاجة يسأل الله تعالي به، أو بجاهه أو ببركته. وله ثلاث حالات:

أما الحالة الأولي: قبل خلقه فيدل علي ذلك آثار عن الأنبياء الماضين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اقتصرنا منها علي بعض ما تبين لنا صحته، وهو ما رواه الحاكم أبو عبدالله في المستدرك علي الصحيحين، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مسنده: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أوحي الله إلي عيسي يا عيسي آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولاه ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش علي الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن.

وأما ما ورد من توسل نوح، وابراهيم، وغيرهما من الأنبياء (عليهم السلام)، فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له.

ولا فرق في هذا المعني بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل، أو الإستعانة، أو التشفع أو التجوه. ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالي، ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر المحبوب أو التعظيم سبباً في ذلك للإجابة، كما في الأدعية الصحيحة المأثورة: أسألك بكل اسم لك، وأسألك بأسمائك الحسني، وأسألك بأنك أنت الله، وأعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك...

أما عن التوسل بدعاء الرسول وشفاعته، فيدل عليه قوله تعالي: وَلَوْ

أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً.

وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك (رض)، أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله قائم يخطب، فاستقبل رسول الله قائماً، قال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا. قال: فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا...

فالنبي أقر هذا الأعرابي علي التوسل به، وسعي في تحقيق ما توسل إليه...

الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع، بعد خلقه، في مدة حياته، فمن ذلك ما رواه أبو عيسي الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات: عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتي النبي فق_ال: ادع الله أن يعافني...

والحالة الثالثة: أن يتوسل به بعد موته، لما رواه الطبراني في معجمه الكبير: عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلي عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ايت الميضاة فتوضأ، ثم ايت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: «اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلي ربك فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك...

والإحتجاج بهذا الأثر فهم عثمان بن حنيف (رض) ومن حضره ممن هم أعلم بالله ورسوله.

2 - النوع الثاني: التوسل به بمعني طلب الدعاء منه، وذلك في أحوال: الحالة الأولي: في حياته وهذا متواتر...

ولا يصح أن يقول مانع التوسل: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع إطلاق التوجه والإستغاثة لأن فيهما إبهام وهو أن المتوجه به، والمستغاث

به أعلي من المتوجه عليه والمستغاث عليه.

وهذا لا يعتقده مسلم، ولا يدل لفظ التوجه والإستغاثة عليه فإن التوجه من الجاه والوجاهة، ومعناه: علو القدر والمنزلة.

وقد يتوسل بذي جاه إلي من هو أعلي جاها منه.

الحالة الثانية: بعد موته في عرصات القيامة بالشفاعة منه، وذلك مما قام الإجماع عليه وتواترت الأخبار به.

الحالة الثالثة: المتوسطة في مدة البرزخ، ولا مانع من ذلك، فإن دعاء النبي لربه تعالي في هذه الحالة غير ممتنع، وقد وردت الأخبار علي ما ذكرنا من قبل، ونذكر طرفا منه باثبات علمه بسؤال من يسأله، فلا مانع من أن يسأل به الإستسقاء كما كان يسأله في الدنيا.

3 - النوع الثالث: من التوسل أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود، بمعني أنه (ص) قادر علي التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه، فيعود إلي النوع الثاني في المعني، وإن كانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبي: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له (ص): أعني علي نفسك بكثرة السجود.

والآثار في ذلك كثيرة، ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك إلا كون النبي (ص) سبباً وشافعاً، وليس المراد نسبة النبي إلي الخلق والإستقلال بالأفعال، فإن هذا لا يقصده مسلم. فصرف الكلام إليه ومنعه من باب التلبيس في الدين والتشويش علي عوام الموحدين!!

وأما الإستغاثة فهي طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالي وحده، كقوله تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ.

وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه، علي سبيل الكسب، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبي(ص)في هذين القسمين فيصح أن يقال: استغثت بالنبي، وأستغيث بالنبي، بمعني واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه علي النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته

وبعد موته، ويقول: استغثت الله، وأستغيث الله بمعني طلب خلق الغوث منه.

فالله تعالي مستغاث، والغوث منه خلقاً وايجاداً، والنبي(ص)مستغاث، والغوث منه تسبباً وكسباً.

وقد تكون الإستغاثة بالنبي علي وجه آخر، وهو أن يقول: استغثت بالنبي كما يقول: سألت الله بالنبي، فيرجع إلي النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده.

والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل، وجوازه بالنبي(ص)، في حياته وبعد وفاته، وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين، والأولياء الصالحين، كما دلت عليه الأحاديث السابقة.

ومعاشر أهل السنة لا يعتقدون خلقاً ولا ايجاداً، ولا إعداماً إلا لله تعالي وحده لا شريك له. فلا فرق في التوسل بالنبي وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمع_ين. وكذلك بالأولياء والصالحين، لا فرق بين كونهم أحياءً أو أمواتاً، لأنهم لا يخلقون شيئاً، وانما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالي، والخلق والإيجاد لله وحده لا شريك له.

شبهة إنكار التوسل والإستغاثة والرد عليها:

من شبهات الخصم التي يدلس فيها ويموه بها:

1 - الإنكار علي المتوسلين والمستغيثين، وتكفيرهم وعدهم مشركين، كعباد الأوثان، بل وجعلهم أسوأ حالاً منهم، واتهامهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالي.

2 - الإنكار علي المستغيثين بالموتي.

3 - انكار زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وبالأخص سيد المرسلين والإستغاثة به(ص)، إلي رب العالمين.

4 - إنكار الصلاة في المساجد التي بها قبور، وعد ذلك من الشرك، ولا ذريعة إلي الشرك.

5 - إنكار وصول ثواب قراءة القرآن والدعاء والإستغفار للموتي. وغير ذلك مما اعتبره الخصم من أنواع الشرك.

ولتفنيد شبهات الخصم سالفة الذكر هذه، فقد أفردنا لكل شبهة فصلاً مستقلاً تناولنا فيه الرد عليها.

أما الشبهة الأولي فقد استقصينا كلام الخصم،

فوجدناه مفتتحا إظهار دعوة مخالفة لأهل الأرض والسماء وهو عارف بضعف حاله، فإن تكفيره لمن خالف بدعته من جميع المسلمين، ونسبتهم إلي الشرك الأكبر، واتخاذه هذا الإتهام ذريعة لتكفيرهم لا دليل له عليه.

هذه الذريعة التي اتخذها هي قوله: إن المشركين السابقين كانوا مشركين في الألوهية فقط، وأما مشركو المسلمين فنعني بهم من أشركوا في الألوهية والربوبية. وقال أيضاً: إن الكفار في زمن رسول الله لا يشركون دائماً، بل تارة يشركون، وتارة يوحدون، ويتركون دعاء الأنبياء والصالحين، وذلك أنهم إذا كانوا في السراء دعوهم واعتقدوا بهم، وإذا أصابهم الضر والشدائد تركوهم وأخلصوا لله الدين، وعرفوا أن الأنبياء والصالحين لا يملكون ضراً ولا نفعاً.

قال الخصم هذا، وحمل تأويل جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين علي الموحدين من أمة محمد وتمسك بها في تكفيرهم.

مجمل القول في رد هذه الشبهة: أن التوسل والتشفع والإستغاثة كلها بمعني واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معني إلا التبرك بذكر أحباب الله تعالي، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم، سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً. فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالي، وهؤلاء سبب عادي في ذلك، لا تأثير لهم، وذلك مثل السبب العادي فانه لا تأثير له.

فالمسلم الموحد متي صدر منه اسناد الشئ لغير من هو له، يجب حمله علي المجاز العقلي، واسلامه وتوحيده، قرينة علي ذلك، كما نص علي ذلك علماء المعاني في كتبهم، وأجمعوا عليه.

وأما منع التوسل مطلقاً فلا وجه له مع ثبوته في الأحاديث الصحيحة، ومع صدوره من النبي(ص)، وأصحابه، وسلف الأمة وخلفها.

والمنكرون للتوسل، والمانعون منه، منهم من يجعله حراماً، ومنهم من يجعله كفراً وإشراكاً! وكل ذلك باطل، لأنه يؤدي إلي اجتماع معظم

الأمة علي الحرام والإشراك، لأن من تتبع كلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف يجد التوسل صادراً منهم، بل ومن كل مؤمن في أوقات كثيرة، وإجتماع أكثرهم علي الحرام أو الإشراك لا يجوز، لقوله(ص)في الحديث الصحيح: لا تجتمع أمتي علي ضلالة.

كما أن المنع من التوسل والإستغاثة بالكلية مصادم للأحاديث الصحيحة، ولفعل السلف والخلف، فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم. يقول سبحانه وتعالي: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَي وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّي وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.

يقول رسول الله (عليهما السلام): عليكم بالسواد الأعظم فانما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

هؤلاء المنكرون للتوسل والزيارة، فارقوا الجماعة والسواد الاعظم، وعمدوا إلي آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين، فحملوها علي المؤمنين الذين تقع منهم الزيارة والتوسل، وتوصلوا بذلك إلي تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء والعباد والزهاد وعوام الخلق، والحق علي خلاف ما يقولون ويزعمون.

أما تخيلهم أن منع التوسل والزيارة من المحافظة علي التوحيد، وأن فعل ذلك مما يؤدي إلي الشرك، فهو تخيل فاسد باطل. فالتوسل والزيارة إذا فعل كل منهما مع المحافظة علي آداب الشريعة الغراء لا يؤدي إلي محذور البتة.

والقائل بمنع ذلك سدا للذريعة متقول علي الله، وعلي رسوله(ص)، وكأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي(ص)، فحيثما صدر من أحد تعظيم له حكموا علي فاعله بالكفر والإشراك، وليس الأمر كما يقولون، فإن الله تعالي عظم النبي في القرآن الكريم بأعلي أنواع التعظيم، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالي وأمر بتعظيمه.

الفصل الثاني شبهة إنكار الإستغاثة بالموتي والرد عليها:

كثر الخوض، واشتد الجدال، وحدث الإنكار، ضد الإستغاثة بالموتي، ومنع النداء

لهم، ظنا من المنكرين، أن سائر الموتي من الأنبياء، والمرسلين، والأولياء الصالحين، وعامة المؤمنين لمجرد انتقالهم من دار الحياة الدنيا، صاروا ترابا لا بقاء لهم في قبورهم، لا يسمعون ولا يدركون. بيد أن الحق علي خلاف ما يزعمون، والصواب علي غير ما يعتقدون.

والسنة الشريفة ترد عليهم زعمهم في صراحة قوية، وتبطل قولهم فيما جاء بها من أحاديث صحيحة.

أخرج البخاري ومسلم، وأصحاب السنن، من حديث ابن عمر قال: اطلع رسول الله(ص)علي أهل القليب فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا...

وقال الله تعالي: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فإذا ثبت هذا في الشهداء وهم من سائر الأمة في كل زمان، فلا شك أن الأنبياء من باب أولي.

وفي الحديث الصحيح: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتي أرد عليه السلام. فظاهره يقتضي أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف وأنها بالسلام ترد...

يؤيد ذلك ما صح عنه(ص)من قوله: حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، ما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت لكم. وفي هذا الباب آثار كثيرة.

وأما شبهتهم في المنع من النداء لهم فقالوا: إن النداء والخطاب للجمادات، والغائبين، والاموات، من الشرك الذي يباح به الدم والمال، ولا حجة لهم في ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في بطلان قولهم هذا.

إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمي دعاء، وأن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة. وحملوا كثيراً من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين علي الموحدين، وقد تقدم ذكر كثير من تلك الآيات ورد زعمهم فيها.

وهذا كله منهم تلبيس في

الدين، فانه وان كان النداء قد يسمي دعاء كما في قوله تعالي: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. لكن ليس كل نداء عبادة، ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً، وليس الأمر كذلك، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه.

الذي يوقع في الإشراك هو إعتقاد ألوهية غير الله تعالي، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فانه ليس عبادة...

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.