العقائد الاسلاميه عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه المجلد3

اشارة

عنوان و نام پديدآور : العقائد الاسلاميه: عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه/ قام باعداده مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه؛ برعايه علي السيد السيستاني.

مشخصات نشر : قم: مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه، 1419ق. = -1377

مشخصات ظاهري : 5 ج.

شابك : دوره 964-319-117-6 : ؛ 7000 ريال : ج. 1 964-319-118-4 : ؛ 7000 ريال : ج. 2 964-319-119-2 : ؛ 7000 ريال : ج. 4 964-319-121-4 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1419ق = 1377).

يادداشت : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1. الفطره و المعرفه.- ج. 3. الشفاعه.- ج. 4. يشتمل علي مسائل: شفاعه اهل البيت عليهم السلام والاستشفاع والتوسل

موضوع : اسلام -- عقايد

شناسه افزوده : سيستاني، علي ، 1309 -، مصحح

شناسه افزوده : مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه

رده بندي كنگره : BP203 /ع7 1377

رده بندي ديويي : 297/41

شماره كتابشناسي ملي : م 77-14486

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 3)

العقائد الإسلامية (المجلد 3)

مقدمة

تعريف الشفاعة و تاريخها

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهية

شبهة حول أصل الشفاعة

مثال لتقريب فهم عقيدة الشفاعة

محاولات المستشرقين التشكيك في الشفاعة

تهافت منطق الوهابيين في الشفاعة والاستشفاع

تعريف الشفاعة في اللغة

تعريف الشفاعة عند المتكلمين

تحريف اليهود والنصاري للشفاعة

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرهم

عراقة عقيدة الشفاعة

شفاعة ابراهيم للمؤمنين و لاسماعيل و لوط

شفاعة زكريا لبني إسرائيل

البشارة بالشفيع الذي سيأتي (البراقليطس)

توسيع بولس للشفاعة و حصرها بالمسيح

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرن

الشفاعة عند عرب الجاهلية

عبد العرب الأصنام أملا بشفاعتهن

مكانة اللات والعزي عند مشركي العرب

اليمين الرسمي المقدس عند قريش باللات والعزي

بعض الصحابة كانوا يقسمون باللات والعزي

اعتقاد قريش بنفع اللات والعزي و ضرهم

مصادرنا تروي بغض النبي لأصنام قريش

و تمسك سدنة اللات والعزي بهما إلي

آخر نفس

و حطم النبي كل الأصنام

و اخترعت قريش قصة الغرانيق انتصارا لللات والعزي

البخاري و مسلم رويا فرية الغرانيق

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البيت علي فرية الغرانيق

تنبؤ عميق للنبي حول اللات والعزي

كليات الشفاعة في القرآن

آيات الشفاعة و عناوينها

الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة في الدني

الشفعاء يوم القيامة يشفعون بعهد من الله تعالي

الاولياء المكرمون ينفعون مواليهم بفاعتهم

الشهداء بالحق شفعاء

الملائكة يشفعون للناس بإذن الله تعالي

الشفيع الأكبر

لا شفاعة من دون الله تعالي

لا شفاعة إلا بإذنه و من بعد إذنه

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم

لا شفاعة في يوم القيامة كشفاعة الدني

الكفار يبحثون بحثا حثيثا عن الشفعاء

لا شفاعة للظالمين

شفاعة نبينا

تفسير (المقام المحمود) لنبينا

تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

القعود علي العرش فكرة يهودية مسيحية

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود علي العرش

تفسير قوله تعالي (و لسوف يعطيك ربك فترضي)

تفسير الآية بالعطاء الالهي الاعم من الشفاعة

تفسيرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقا

تفسيرها بشفاعة النبي لأهل بيته خاصة

تفسيرها بشفاعة النبي لجميع أمته

ملاحظتان

حدود الشفاعة

المذاهب في حدود الشفاعة (من ارتضي)

حدود الشفاعة عند أهل البيت

ما دل علي استثناء المشرك والظالم من الشفاعة

اصناف من الناس موعودون بالشفاعة

من قضي لأخيه المؤمن حاجة

من سعي في حوائج ذرية النبي

من زار قبر النبي

من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالي

من يدعو للمؤمنين

شفاعة الملائكة لأهل مجلس الدعاء

من شيع جنازة مسلم

من حفظ علي أمتي أربعين حديثا

من عاهد أخاه المؤمن علي الشفاعة

مجموعة أعمال و صفات توجب الشفاعة

اصناف لا تنالهم الشفاعة

السلطان الظالم الغشوم

المنان والبخيل والنمام

الذين يخرجون من النار بالشفاعة يكونون أدني درجة

رأي السنيين القريب من رأي أهل البيت

شرط الشفاعة في المظالم الشخصية

نتيجة

توسيعات الشفاعة عند الخليفة عمر و أتباعه

ان الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتي الطلقاء والمنافقين

ان الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالي

ملاحظات علي روايات هذا الرأي

احاديث أن الله تعالي يشفع عند نفسه

ان الشفاعة تشمل جميع الخلق

ان العقاب في الآخرة ينتهي كليا و أن جهنم تفني و ينقل أهلها إلي الجنة

آراء المسلمين في آيات الخلود و أحاديثه

اجمع المسلمون علي خلود الكفار في جهنم

الروايات التي توافق هذا الرأي عند إخواننا السنيين

سبب خلود أهل النار فيه

آيات الخلود في الجنة والنار

عدم خلود الموحدين في النار في مصادرن

عدم خلود الموحدين في النار في مصادر السنيين

روايات في الصحاح تقول بخلود الموحدين في النار

ما دل من مصادرنا علي أن الدار الآخرة لا موت فيه

ما دل من مصادر السنيين علي أن الدار الآخرة لا موت فيه

عودة إلي رأي عمر بفناء النار

الجهمية أخذت من الخليفة عمر

والمرجئة أخذوا من عمر

و ابن العاص أخذ من عمر

و رووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

و الشعبي أخذ من عمر

و المعتزلة أخذت من عمر

و الجاحظ أخذ من عمر

و ابن عربي والجيلي أخذا من عمر

اما عمر فقد أخذ من كعب الأحبار واليهود

عمر ينظر إلي كعب كأنه نبي و يتلقي منه

شفاعات و حرمانات غير معقولة روتها مصادر السنيين

شفاعة اثنين لصاحب الجنازة

رأي أهل البيت في الشهادة للجنازة

شفاعة النبي للظالمين من الامة

قال

كعب الأحبار هم جميع المسلمين و هم في الجنة

و قال الخولاني إنه قرأ ذلك في كتب اليهود

عائشة و عثمان يوافقان كعبا علي تفسيره

الحسن البصري يرد تفسير كعب الأحبار

الخليفة عمر يميل إلي تفسير كعب

قال أهل البيت لا يمكن أن تشمل الآية كل الأمة

نظرية فداء المسلمين باليهود والنصاري

اسقاط المحرمات عن أهل بدر

حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

الدخول إلي جهنم

حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث

رأي أهل البيت

خلاصة المسألة

مرسوم بحرمان الزوجة التي تطلب الطلاق

محاولة القرشيين حرمان بني هاشم من شفاعة النبي

حساسية قريش من أسرة النبي

حادثة خطيرة، عتمتها الصحاح

براعة البخاري في تضييع القضية

ماذا قال كبار الشراح؟

الحادثة في بعض روايات أهل البيت

وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصاري و لم يسمحوا أن تشمل أسرته

روايات أخري غير منطقية أيضا

اغرب شفاعة اخترعها القرشيون لرئيس بني هاشم

بماذا يفسرون قول النبي سأبلها ببلاله

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

محاولتهم التخلص من الوعد النبوي لبني هاشم

عمل المعروف ينجي الكفار من النار إلا أبا طالب

احاديث نجت من الرقابة القرشية

بخلهم علي أبي طالب و خديجة و سخاؤهم علي غيرهم

اهم الأدلة علي إيمان أبي طالب

ولادة المذاهب المنحرفة من أفكار توسيع الشفاعة

عمل اليهود علي إسقاط المحرمات من الأديان

اخبار النبي بظهور المرجئة والقدرية و تحذيره منهم

تعريف المرجئة و مذهبهم

المرجئة ولدوا من عهد الخليفة عمر

اول من تصدي لمذهب المرجئة علي

كان المرجئة خداما لبني أمية و مبررين لجرائمهم

تورط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء

تورط أصحاب الصحاح الستة في الارجاء

حب المستشرقين للمرجئة و

حزنهم عليهم

المرجئة والجبرية شقيقان لاب و أم

القدرية المفوضة (الذين ينفون القدر)

القدرية الجبرية (الذين يثبتون القدر)

القدر عند أهل البيت: لا جبر و لا تفويض

ردة فعل الخوارج علي توسيع الدولة للشفاعة

تبادل المواقع بين الخوارج والمرجئة

المعتزلة مثقفون متوسطون بين الدولة والخوارج

الصغائر تغفر والكبائر لا تغفر إلا بالتوبة

و صاحب الكبيرة في النار و لا تشمله الشفاعة

المزيد من تأثير الإسرائيليات علي أحاديث الشفاعة

اتفق الجميع نظريا علي أن الشفاعة من مختصات نبينا

نبينا أول شافع يوم القيامة

الاحاديث الموافقة لمذهبنا في مصادر السنيين

الاحاديث المتأثرة بالاسرائيليات في مصادر السنيين

البخاري يفضل أنبياء بني إسرائيل علي نبينا

احسن تصور في مصادر السنيين عن شفاعة نبينا

مسألتا: الذبيح و أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة

رأي أهل البيت

بحث في إيمان عبدالمطلب و رواية أنا ابن الذبيحين

عبدالمطلب عليه سيماء الأنبياء و بهاء الملوك

آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين

رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضا

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل و إسحاق

اول من يكسي كسوة الجنة

شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء

من مصادرنا

من مصادر السنيين

ما يوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنين له

من مصادر السنيين

شفاعة القرآن، والكعبة، والحجاج، والزوار

و اصناف أخري من الناس...

شفاعة القرآن

شفاعة سور القرآن و آياته

شفاعة القرآن لمن يتعلمه و يعلمه

شفاعة الكعبة لمن زاره

شفاعة حجاج بيت الله الحرام

شفاعة النبي الخاصة لزوار قبره

مقدمة

بس___م الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام علي سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد، فهذا هو المجلد الثالث من كتاب العقائد الإسلامية، وقد اشتمل علي أكثر

مسائل الشفاعة، وعدد من البحوث النافعة فيها.

ونظراً لاهمية مسائل الشفاعة، فقد حاولنا استقصاء الآراء فيها، وتعرضنا أحياناً لاراء غير المسلمين.

وتلاحظ ما تعرضت له من تحريفات كبيرة بعد الأنبياء عليهم السلام خدمةً لاغراض سياسية وثقافية، بعيدة عن الدين الإلهي!!

وقد ساعد علي ذلك أنها من عقائد الغيب والآخرة غير المنظورة، التي يسهل علي المحرفين التحريف فيها، ويصعب كشف عملهم. نسأله تعالي أن يجعلنا من المشمولين بشفاعة سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين، وأن يصلي عليهم أجمعين.

مركز المصطفي للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي

تعريف الشفاعة و تاريخها

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهية

الرحمة الإلهية وسعت كل شئ، ولا يمكن للبشر أن يحصوا أعدادها.. ولا أنواعها.. لكن نشير إلي ستة أنواع كبري منها، ليتضح موقع الشفاعة من بينها.

النوع الأول: التوبة، التي تمحو السيئات.

النوع الثاني: أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة.

النوع الثالث: أن نية الحسنة تكتب، ونية السيئة لا تكتب.

النوع الرابع: أن الحسنات يذهبن السيئات.

النوع الخامس: أنواع الرحمة الإلهية الخاصة بالآخرة.

النوع السادس: الشفاعة، وهي نوع من الوساطة إلي الله تعالي من وليٍّ مقرب عنده ليغفر لمذنب ويسامحه.

شبهة حول أصل الشفاعة

يدور في ذهن البعض سؤال عن أصل الشفاعة مفاده: أن رحمة الله تعالي ومغفرته وسعت وتسع كل شئ، وهي تتم بشكل مباشر، فلماذا يجعلها الله تعالي تحتاج إلي واسطة عباده مثل الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)؟

والجواب: أن الرحمة الإلهية المباشرة في الدنيا والآخرة أنواع كثيرة لا تحصي، ولا يمنع أن يكون منها رحمة غير مباشرة جعلها الله تعالي مرتبطة بالدعاء والشفاعة لمصالح يعلمها سبحانه، كأن يريد رحمة عدد كبير من عباده بالشفاعة، ويُظهر كرامة أنبيائه وأوليائه عنده..

فالشفاعة من ناحية عقلية لا مانع منها ولا إشكال فيها، نعم، لا تثبت إلا بدليل، وفي الحدود والدائرة التي يدل عليها الدليل.

مثال لتقريب فهم عقيدة الشفاعة

يمكن تقريب الشفاعة إلي الذهن بأنها (قاعدة الإستفادة من الدرجات الإضافية) كأن يقال للطالب الذي حصل علي معدل عال: يمكنك أن تستفيد من النمرات الإضافية علي معدل النجاح فتعطيها إلي أصدقائك، الاقرب فالأقرب من النجاح..

ولنفرض أن الإنسان يحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلي 51 درجة (من رجحت حسناته علي سيئاته) فالذي بلغ عمله 400 درجة مثلاً يسمح له أن يوزع 349 درجة علي أعزائه، ولكن ضمن شروط، مثل أن يكونوا من أقربائه القريبين، وأن يكون عند أحدهم ثلاثين درجة فما فوق، وذلك لتحقيق أفضل استفادة وأوسعها من هذه الدرجات الاضافية.

وقد نصت بعض الأحاديث عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) علي أن شفاعة المؤمن تكون علي قدر عمله، ففي مناقب آل أبي طالب:2/15 عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالي: وَتَرَي كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً.. الآية، قال: ذلك النبي صلي الله عليه وآله وعلي عليه السلام يقوم علي كوم قد علا الخلايق فيشفع ثم يقول: يا علي إشفع، فيشفع الرجل في القبيلة،

ويشفع الرجل لأهل البيت ويشفع الرجل للرجلين علي قدر عمله. فذلك المقام المحمود. انتهي. وورد شبيه به في مصادر السنة أيضاً.

وعلي هذا، فالشفاعة مقننة بقوانين دقيقة حكيمة مثل كل الأعمال الإلهية الدقيقة والحكيمة، وليست كما يتصوره البعض من نوع الوساطات والمحسوبيات والمنسوبيات الدنيوية.

وبما أن درجات الملائكة والأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ودرجات المؤمنين متفاوتة، وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبينا صلي الله عليه وآله فليس غريباً أن يكون أعظمهم شفاعة عند الله تعالي.

وبما أن سيئات الناس تتفاوت دركاتها ويصل بعضها إلي تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً..فإن الذين تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلي النجاح والافضل من مجموع المسيئين، وقد وردت في شروطهم عدة أحاديث، منها عن النبي صلي الله عليه وآله (إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعةً: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانةً، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس). مستدرك الوسائل:11/171.

قال أبو الصلاح الحلبي في الكافي/497:

إن قيل: فإذا كانت الإثابة والمعاقبة مختصتين به تعالي، فكيف يصح لكم ما تذهبون إليه من الحوض واللواء والوقوف علي الاعراف، وقسمة النار وإدخال بعض إليها وإخراج بعض منها، مع كون ذلك ثواباً وعقاباً؟

قيل: لا شبهة في اختصاص أمور الآخرة أجمع به تعالي، غير أنه تعالي ردَّها أو ردَّ منها إلي المصطفين من خلقه: رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة من آلهما صلوات الله عليهم، فأوردوها عن أمره وأصدروها. كما يضاف تعذيب أهل النار وتنزيل أهل الجنة حاصلاً بالملائكة المأذون لهم فيه... وليس لأحد أن يقول: فأي ميزة لهم بتولي هذه الأمور علي غيرهم في الفضل وهي موقوفة علي إذنه تعالي، لأن الآخرة لما كانت أفضل الدارين بكونها دار الجزاء وغاية المستحقين، وجعل الله سبحانه إلي هؤلاء المصطفين أفضل منازله

وأسني درجاته من اللواء والحوض والشفاعة وقسمة النار، دل علي تخصصهم من الفضل بما لا مشارك لهم فيه.

محاولات المستشرقين التشكيك في الشفاعة

وقد حاول بعضهم الإشكال علي قانون الشفاعة في الإسلام فتصوره أو صوره بأنه من نوع الوساطات الدنيوية المخالفة للعدالة، التي يفعلها الناس عند الحكام الظلمة لمن يحبونه من المجرمين..وقد مدح جولد تسيهر في كتابه مذاهب التفسير الإسلامي/192 المعتزلة وزعم أنهم لم يقبلوا الشفاعة لأنها تنافي العدالة، قال: والمعتزلة.. لا يريدون التسليم بقبول الشفاعة علي وجه أساسي حتي لمحمد ذلك بأنه يتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهي المطلق. انتهي.

ولكن لايمكن لعاقل أن يدعي بأن زيادة الرحمة الإلهية والمغفرة للمذنبين بأسباب متعددة، أمرٌ يتنافي مع العدالة الإلهية!!

ثم إن الذي نفاه المعتزلة هو شمول الشفاعة لأهل الكبائر، ولم ينفوا الشفاعة لمرتكبي المعاصي الصغائر، كما سيأتي في محله.

علي أن تسيهر اليهودي نفسه يعتقد بالشفاعة التي يزعمها اليهود لكل بني إسرائيل دون سواهم من البشر، ولايراها منافية للعدالة الإلهية، فلا معني لمدحه المعتزلة بأنهم يرفضون الشفاعة لأنهم طلاب مساواة!

تهافت منطق الوهابيين في الشفاعة والاستشفاع

والأعجب من المستشرقين الوهابيون.. حيث يتوسعون في الشفاعة فيجعلونها تشمل اليهود والنصاري وجميع الخلق، علي حد تعبير ابن تيمية، قال في مجموعة رسائله:1/10: أجمع المسلمون علي أن النبي (ص) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله في الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علي ما اتفقت عليه الصحابة... أنه يشفع لأهل الكبائر، ويشفع أيضاً لعموم الخلق. انتهي.

ولكنهم في نفس الوقت يحرّمون الاستشفاع والتوسل بالنبي صلي الله عليه وآله ويعتبرونه شركاً، مع أن الاستشفاع هو طلب شفاعة النبي صلي الله عليه وآله إلي الله تعالي في الآخرة، أو في أمر من أمور الدنيا!

إن التناسب بين الإعتقاد بسعة الشفاعة في الآخرة يقتضي تجويز الإستشفاع بأهلها في الدنيا!

وبتعبير آخر: إن تحريم الإستشفاع

والتوسل في الدنيا، يناسبه إنكار الشفاعة في الآخرة، لا القول بسعتها لجميع الخلق!

وقد التفت إلي ضرورة هذا التناسب بعض المتأثرين بالفكر الوهابي في تحريم التوسل والاستشفاع، فأنكر شفاعة نبينا صلي الله عليه وآله بمعناها المعروف، وفسرها بتفسير شاذٍّ جعل منها أمراً شكلياً بعيداً عن أفعال الله تعالي.

قال فيما قال: إن الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده، لتكون المسألة في الشكل واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي الرباني، تماماً كما لو كان النبي السبب أو الولي هو الواسطة.

إلي أن قال: وفي ضوء ذلك لا معني للتقرب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس علي شفاعتهم، لأنهم لا يملكون من أمرها شيئاً بالمعني الذاتي المستقل. بل الله هو المالك لذلك كله علي جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محددة ليس لهم أن يتجاوزوها. الأمر الذي يفرض التقرب إلي الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له. انتهي.

ولم يصرح صاحب هذا القول بحرمة طلب الشفاعة من الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، ولكن محمد ابن عبد الوهاب صرح بذلك، واعتبر طلب الشفاعة منهم (عليهم السلام)شركاً! قال (فالشفاعة كلها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفعه فيَّ. وأمثال هذا.

فإن قال: النبي (ص) أعطي الشفاعة، وأنا أطلب مما أعطاه الله.

فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا، وقال: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا... الخ.).

وقد قسم ابن عبد الوهاب الشفاعة إلي شفاعة منفية، وهي التي (تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله) وشفاعة مثبتة، وهي (التي تطلب من الله

الشافع المكرم بالشفاعة... الخ.) انتهي.

والجواب الكلي علي هذه المقولة أنها دعوي بدون دليل، نشأت من سوء الفهم لمعني الشفاعة، ومعني طلبها من الشافع، ومعني الاستشفاع والتوسل إلي الله تعالي بالنبي وآله صلي الله عليه وآله وأوليائه المقربين! فافترضت فيها معان لا توجد فيها!!

والجواب عنها بشيء من التفصيل، أنها تتضمن شبهتين ينبغي التفكيك بينهما:

فالشبهة الأولي حول الشفاعة، ومفادها أن آيات الشفاعة وأحاديثها، يجب أن تحمل علي المجاز، لأن الشفاعة فيها أمرٌ شكلي لا حقيقي!

ولم يذكر صاحب هذه الشبهة دليلاً علي لزوم ترك المعني الحقيقي وحمل نصوص الشفاعة علي المجاز، بل لم نجد أحداً من الوهابيين ذكر ذلك.. نعم ذكر محمد رشيد رضا إشكال بعضهم علي ذلك وأجاب عنه بما قد يفهم منه أن الشفاعة أمرٌ شكلي!

قال في تفسير المنار:8/13:

فإن قيل: أليس الشفعاء يؤثرون في إرادته تعالي، فيحملونه علي العفو عن المشفوع لهم والمغفرة لهم؟

قلنا: كلا إن المخلوق لا يقدر علي التأثير في صفات الخالق الأزلية الكاملة... فيكون ذلك إظهار كرامة وجاه لهم عنده، لا إحداث تأثير الحادث في صفات القديم وسلطان له عليها، تعالي الله عن ذلك. انتهي.

ومفاد هذه الشبهة أن القول بالشفاعة الحقيقية يستلزم أن تكون إرادة الخالق متأثرة بإرادة المخلوق، وهو محال، فلا بد من القول بأن الشفاعة شكلية!!

وكذلك القول بتعليق بعض أفعاله تعالي علي طلب أنبيائه وأوليائه منه، مثل الرزق، والشفاء، والمغفرة، والنجاة من النار وإدخال الجنة.. لابد أن يكون شكلياً، لأن الحقيقي منه محال.

والجواب عنها: أن أصحاب هذه الشبهة أخطأوا في تخيلهم أن تعليق الله تعالي لمغفرته أو عطائه علي طلب مخلوق، معناه تأثير المخلوق في إرادته سبحانه وتعالي! فإن تعليق الإرادة

علي شيء ممكنٌ بالوجدان، ولا محذور فيه، لأنه بذاته فعلٌ إرادي وتأكيدٌ للارادة لا سلبها، أو جعلها متأثرة بفعل آخر، أو شيء آخر.. لقد تصور هؤلاء أن الشفاعة من الله، إذا أعطيت لاحد تصير شفاعةً من دون الله تعالي، فوقعوا في هذه الشبهة!

أما إذا قالوا إن ذلك ممكنٌ ولكن الله تعالي لا يفعله لأنه لا يجوز له، فلا دليل لهم عليه من عقل، ولا قول الله تعالي ولا قول رسوله صلي الله عليه وآله.

وإن كانوا يمنعونه من عند أنفسهم، فهو تعدٍّ علي الله تعالي، وتحديدٌ لصلاحيات من لايسأل عما يفعل، وهم يسألون!

ثم إن اللغة تأبي عليهم ما قالوه، فآيات الشفاعة وأحاديثها ظاهرة في الشفاعة الحقيقية لا الشكلية، ولا يمكنهم صرفها عن ظاهرها!

والشبهة الثانية حول الاستشفاع بالنبي وآله صلي الله عليه وآله، وهي الشبهة التي يكررها ابن تيمية والوهابيون، وهي غير شبهة الشفاعة وإن كانت مرتبطة بها.

ومفادها أن طلب الشفاعة حتي ممن ثبت أن الله تعالي أعطاهم إياها حرامٌ، لأنه شركٌ بالله، وادعاءٌ لهؤلاء المخلوقين بأنهم يملكون الشفاعة من دون الله تعالي!!

وقد استدل ابن عبد الوهاب علي ذلك بآيات النهي عن اتخاذ شريك مع الله كقوله تعالي (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا).

والجواب عنها: أنه ثبت من القرآن والسنة أن كثيراً من الأفعال الإلهية تتم بواسطة الملائكة، وليس في ذلك أي شرك لهم مع الله تعالي، لا في ملكه، ولا في أمره، بل هم عبادٌ مكرمون مطيعون. ولا مانع من العقل أو النقل أن يجعل الله تعالي أنواعاً من أفعاله وعطائه بواسطة الأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) أو يجعلها معلقةً علي طلبهم منه!

ولا يصح التفريق بين الأمرين والقول بأن ذلك

إن كان بواسطة الملائكة فهو إيمان لانهم لايصيرون شركاء، أما إن كان بواسطة غيرهم فيصيرون شركاء لله تعالي!

أو القول بأن تعليق العطاء الالهي علي طلب الأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) شراكةٌ لله تعالي وشركٌ به، لكن شراكة الملائكة لله تعالي والشرك بهم لا بأس به!!

نقول لأصحاب هذه الشبهة: إقرؤوا قول الله تعالي: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. الفتح: 4.

وقوله تعالي: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. الفتح: 7.

وقوله تعالي: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَي لِلْبَشَرِ. المدثر: 31.

ثم نقول لهم: نحن وأنتم لايحق لنا أن نقسم رحمة الله تعالي أو نحصرها، أو نحصر طرقها، أو نضع له لائحة فتاوي لما يجوز له أن يفعله وما لايجوز!

ومعرفتنا ومعرفتكم بما يمكن له تعالي أن يفعله وما لا يمكن، إنما جاءت مما دلنا عليه العقل دلالةً قطعية، أو دلنا عليه كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وآله.

والعقل لا يري مانعاً في أن يربط الله تعالي أفعاله بطلب ملائكته أو أوليائه، فيجعلهم أدوات رحمته، ووسائط فيضه، ووسائل عطائه.. وذلك لا يعني تشريكهم في ألوهيته، بل هم عباده المكرمون المطيعون، ووسائله وأدواته التي يرحم بها عباده.

هذا من ناحية نظرية.. وأما من ناحية الوقوع والثبوت، فقد دل الدليل علي أن أنظمة الفعل الالهي وقوانينه واسعةٌ ومعقدةٌ، ودل علي أنه تعالي جعل كثيراً من عطائه - إن لم يكن كله - عن طريق خِيَرِةِ عباده من الملائكة والأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) ودل الدليل علي جواز الاستشفاع والتوسل بنبينا وآله صلي الله عليه وآله والطلب من الله تعالي بحقهم وحرمتهم وواسطتهم، سواءً في ذلك أمور الدنيا

والآخرة..

ودل الدليل علي أن موتهم (عليهم السلام) ليس كموت غيرهم، وأن حرمتهم أمواتاً كحرمتهم أحياء صلوات الله عليهم.

وقد قال تعالي في آخر سورة أنزلها من كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة: 35، ولا فرق في أصحاب الوسيلة إلي الله تعالي بين الملائكة وغيرهم، بل التوسل بنبينا صلي الله عليه وآله أفضل وأرجي من التوسل بالملائكة، لأنه أفضل مقاماً عند الله منهم.

وسيأتي ذلك في بحث التوسل والإستشفاع، إن شاء الله تعالي. ويأتي أنه يجوز لنا أن نطلب العطاء الإلهي المعلق علي شفاعة الأنبياء والأولياء، أو غير المعلق، منهم أنفسهم (عليهم السلام) ولا يعتبر ذلك شركاً، بل هو طلبٌ من الله تعالي.

وأن حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والإستشفاع بهم إلي الله تعالي، لا يختلف بين الاموات منهم والاحياء (عليهم السلام).. إلي آخر المسائل التي خالف فيها الوهابيون عامة المسلمين.

وقد أجاب السيد جعفر مرتضي في كتابه خلفيات مأساة الزهراء عليها السلام / 221 - 225 علي الشبهتين المذكورتين، ومما قاله:

1 - إن الكل يعلم: أن لا أحد يدعو محمداً صلي الله عليه وآله أو علياً عليه السلام أو أي نبي أو ولي كوجودات منفصلة عن الله تعالي ومستقلة عنه بالتأثير، ولم تحدث في كل هذا التاريخ الطويل أن تكونت ذهنية شرك عند الشيعة نتيجة لذلك فضلاً عن غيرهم.

2 - إننا نوضح معني الشفاعة في ضمن النقاط التالية:

أ - إن الإنسان المذنب قد لا يجد في نفسه الاهلية أو الشجاعة لمخاطبة ذلك الذي أحسن إليه وأجرم هو في حقه، أو هكذا ينبغي أن يكون شعوره في مواقع كهذه، فيوسط له من يحل

مشكلته معه ممن لا يرد هذا المحسن طلبهم ولا يخيب مسألتهم..

ب - إن الله إنما يريد المغفرة للعبد المذنب بعد شفاعة الشفيع له.. ولم تكن تلك الإرادة لتتعلق بالمغفرة لولا تحقق الشفاعة..فلو أن الشفيع لم يبادر إلي الشفاعة لكان العذاب قد نال ذلك العبد المذنب.

وهذا كما لو صدر من أحد أولادك ذنب فتبادر إلي عقوبته، فإذا وقف في وجهك من يعز عليك وتشفع به فإنك تعفو عنه إكراماً له، وإن لم يفعل ذلك كما لو لم يكن حاضراً مثلاً فإنك ستمضي عقوبتك في ذلك الولد المذنب لا محالة..فالشفاعة علي هذا سبب في العفو أو جزء سببه له.

إذن فليس صحيحاً ما يقوله البعض من أن الله تعالي له قد تعلقت إرادته بالمغفرة للعبد قبل الشفاعة بحيث تكون المغفرة له حاصلة علي كل حال، ثم يكرم الله نبيه ويقول له: هذا العبد أريد أن أغفر له فتعال وتشفع إلي فيه..

ج - إذا كان الشخص المذنب قد أقام علاقة طيبة مع ذلك الشافع وتودد إليه ورأي منه سلوكاً حسناً واستقامة وانقياداً، فإن الشافع يري أن من اللائق المبادرة إلي مساعدته في حل مشكلته أما إذا كان قد أغضبه وأساء إليه أو تعامل معه بصورة لا توحي بالثقة ولا تشير إلي الإستقامة، فإنه لا يبادر إلي مساعدته ولا يلتفت إليه.. فسلوك المشفوع له أثر كبير في مبادرة الشافع إلي الشفاعة.

د - وحين يكون الشفيع لا يريد شيئاً لنفسه من ذلك الشخص ولا من غيره ويكون ما يرضيه هو ما يرضي الله سبحانه فإن تقديم الصدقات والقربات للفقراء والإهتمام بما يرضي الشافع، هو في الواقع إثباتات عملية علي أن ذلك المذنب راغبٌ في تصحيح خطئه

وتدارك مافاته، وهو براهين وإثباتات علي أنه قد التزم جادة الإستقامة وندم علي ما فرط منه، فإذا قدم مالاً للفقراء أو أطعم أو ذبح شاة وفرقها علي المحتاجين، فإن ذلك لا يكون رشوةً للنبي أو الولي.. وهو يعلم أن النبي والولي لا يأخذ ذلك لنفسه بل يعود نفعه إلي الفقراء والمحتاجين أو يستثمر في سبيل الله وفي نشر الدين والباذل إنما يبذل ذلك رغبة في الحصول علي رضا الشافع الذي رضاه رضا الله.

ه- أما إذا أدار ذلك المذنب ظهره للنبي والوصي ولم يلمس الشافع منه أنه يتحرق لتحصيل العفو والرضا عنه، ويقرع كل باب ويتوسل بكل ما من شأنه أن يحل هذا الإشكال، ويبادر إلي العمل بكل مايعلم أنه يرضي سيده عنه، فإنه لا يشفع له ولا كرامة..

و - ومن الواضح: أن من يكون جرمه هائلاً وعظيماً فإن إمكانية وفرص الاقدام علي الشفاعة له تتضاءل وتضعف.. فلا يضع النبي والوصي نفسه في مواضع كهذه ولا يرضي الله سبحانه له ذلك. كما أن من يدير ظهره لأولياء الله ولا يهتم لرضاهم ولا يزعجه سخطهم فإنه لا يستحق شفاعتهم قطعاً، لأن الإهتمام بهم وبرضاهم جزء من عبادته تعالي ومن المقربات إليه وموجبات رضاه.. فالتوسل إليهم والفوز بمحبتهم وبرضاهم سبيل نجاة وطريق هدي وسلامة وسعادة.

ز - إن من الواضح أن المجرم لا يمكن أن يتشفع في مجرم مثله، وأن المقصر لا يتشفع بنظيره، لأن الشفاعة مقامٌ عظيمٌ وكرامةٌ إلهية فلا يقبل الله سبحانه شفاعة كل أحد، بل الذين يشفعون هم أناسٌ مخصصون بكرامة الله سبحانه لانهم يستحقونها..

ح - قد ظهر مما تقدم: أن إرادة الله لم تكن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل الشفاعة لتكون

شفاعة النبي أو الوصي بعدها - بالشكل - ومن دون أن يكون لها تسبيب حقيقي.. بل هناك تسبيب حقيقي للشفاعة، فإنها هي سبب المغفرة وهي سبب إرادة الله بأن يغفر لذلك المذنب ولو لم يقم الشافع بها لم يغفر الله لذلك المذنب.

ولولا ذلك فإنه لا يبقي معني للشفاعة..ولا يكون العفو إكراماً للشافع واستجابة له. انتهي.

تعريف الشفاعة في اللغة

قال الخليل في كتاب العين:1/260:

الشافع: الطالب لغيره، وتقول استشفعت بفلان فتشفع لي إليه فشفعه فيَّ. والاسم: الشفاعة. واسم الطالب: الشفيع. قال:

زعمت معاشر أنني مستشفع لما خرجت أزوره أقلامه

أي: زعموا أني أستشفع (بأقلامهم) أي بكتبهم إلي الممدوح، لا بل إني أستغني عن كتب المعاشر بنفسي عند الملك. والشفعة في الدار ونحوها معروفة يقضي لصاحبها. والشافع: المعين، يقال فلان يشفع لي بالعداوة، أي يعين علي ويضادني قال النابغة:أتاك امرؤ مستعلن شنآنهله من عدوٍّ مثل ذلك شافع أي: معين. وقال الاحوص:بأنَّ من لامَنِي لاصْرمهاكانوا علينا بلومهم شفعواأي: أعانوا.

وقال الراغب في المفردات/263:

الشفع: ضم الشئ إلي مثله ويقال للمشفوع شفع. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ: قيل الشفع المخلوقات من حيث إنها مركبات كما قال: ومن كل شئ خلقنا زوجين. والوتر هو الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه.

وقيل: الشفع يوم النحر من حيث إن له نظيراً يليه، والوتر يوم عرفة. وقيل الشفع ولد آدم والوتر آدم لأنه لا عن والد.

والشفاعة: الإنضمام إلي آخر ناصراً له وسائلاً عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلي حرمة ومرتبة إلي من هو أدني. ومنه الشفاعة في القيامة قال (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ. لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا

وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، أي لا يشفع لهم. وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ. مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً، أي من انضم إلي غيره وعاونه وصار شفعاً له أو شفعياً في فعل الخير والشر فعاونه وقواه وشاركه في نفعه وضره.

وقيل الشفاعة هاهنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير أو طريق شر فيقتدي به، فصار كأنه شفع له وذلك كما قال عليه السلام: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، أي إثمها وإثم من عمل بها وقوله: ما من شفيع إلا من بعد إذنه، أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلا أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه. واستشفعت بفلان علي فلان فتشفع لي، وشفعه أجاب شفاعته، ومنه قوله عليه السلام: القرآن شافع مشفع.

والشفعة: هو طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمه إلي ملكه، وهو من الشفع وقال عليه السلام: إذا وقعت الحدود فلا شفعة.

وقال في المفردات/436:

وأما قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً إلي قوله: يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا، فإن الكفل ههنا ليس بمعني الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشئ الردي.

وقال الزبيدي في تاج العروس:5/401:

وشفعته فيه تشفيعاً حين شفع كمنع شفاعة، أي قبلت شفاعته، كما في العباب قال حاتم يخاطب النعمان:

فَكَكْتَ عديّاً كلها من إسارها فأفضلْ وشفعني بقيسِ بن جُحْدرِ

وفي حديث الحدود: إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع.

وفي حديث أبي مسعود (رض): القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، أي

من اتبعه وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة من العفو عن فرطاته، ومن ترك العمل به ندم علي إساءته وصدق عليه فيما يرفع من مساويه، فالمشفع الذي يقبل الشفاعة.

والمشفع الذي تقبل شفاعته، ومنه حديث الشفاعة: إشفع تشفع، واستشفعه إلينا، وعبارة الصحاح واستشفعه إلي فلان أي سأله أن يشفع له إليه، وأنشد الصاغاني للاعشي:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً يا رب جنِّب أبي الاوصاب والوجع

واستشفعت من سراة الحي ذا شرف فقد عصاها أبوها والذي شفع

يريد والذي أعان وطلب الشفاعة فيها. وأنشد أبو ليلي:

زعمت معاشر أنني مستشفعٌ لما خرجت أزوره أقلامه

قال زعموا أني أستشفع بأقلامهم في الممدوح أي بكتبهم.

ومما يستدرك عليه الشفيع من الأعداد ما كان زوجاً، والشفع ما شفع به سمي بالمصدر، وجمعه شفاع، قال كثير:

وأخو الاباءة إذ رأي خلانه تلي شفاعاً حوله كالاذخر

شبههم بالأذخر لأنه لا يكاد ينبت إلا زوجاً زوجاً. وشاة شفوع كشافع ويقال هذه شاة الشافع كقولهم صلاة الأولي ومسجد الجامع.

وهكذا روي في الحديث الذي تقدم عن سعر بن ديسم (رض)، وشاة مشفع كمكرم ترضع كل بهيمة، عن ابن الأعرابي. وتشفع إليه في فلان: طلب الشفاعة، نقله الجوهري. وتشفعه أيضاً مطاوع استشفع به كما في المفردات. وتشفع صار شافعي المذهب وهذه مولدة.

والشفاعة ذكرها المصنف ولم يفسرها وهي كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره. وشفع اليه في معني طلب إليه. وقال الراغب: الشفع ضم الشئ إلي مثله، والشفاعة الإنضمام إلي آخر ناصراً له وسائلاً عنه وأكثر ما تستعمل في إنضمام من هو أعلي مرتبة إلي من هو أدني ومنه الشفاعة في القيامة. وقال غيره: الشفاعة التجاوز عن الذنوب والجرائم. وقال ابن

القطاع: الشفاعة المطالبة بوسيلة أو ذمام.

تعريف الشفاعة عند المتكلمين

قال الشريف المرتضي في رسائله:1/150:

وحقيقة الشفاعة وفائدتها: طلب إسقاط العقاب عن مستحقه، وإنما تستعمل في طلب إيصال المنافع مجازاً وتوسعاً، ولا خلاف في أن طلب إسقاط الضرر والعقاب يكون شفاعة علي الحقيقة.

وقال في:3/17:

وشفاعة النبي صلي الله عليه وآله إنما هي في إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع، لأن حقيقة الشفاعة تختص بذلك، من جهة أنها لو اشتركت لكنا شافعين في النبي صلي الله عليه وآله إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله. انتهي.

وقال في:2/273:

الشفاعة: طلب رفع المضار عن الغير ممن هو أعلي رتبة منه، لاجل طلبه.

وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي/469:

وقلنا: إن الشفاعة وجهٌ عندنا لإجماع الأمة علي ثبوتها له صلي الله عليه وآله ومضي إلي زمان حدوث المعتزلة علي الفتوي بتخصيصها بإسقاط العقاب، فيجب الحكم بكونها حقيقة في ذلك، لانعقاد الإجماع في الازمان السابقة لحدوث هذه الفرقة.

تفسير التبيان:5/334:

قوله تعالي: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ...

وقوله: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ، فالشفيع هو السائل في غيره لاسقاط الضرر عنه. وعند قوم أنه متي سأله في زيادة منفعة توصل إليه كان شفيعاً. والذي اقتضي ذكره هاهنا صفات التعظيم مع اليأس من الإتكال في دفع الحق علي الشفيع.

والمعني هاهنا أن تدبيره للاشياء وصنعته لها، ليس يكون منه بشفاعة شفيع، ولا تدبير مدبر لها سواه، وأنه لا يجسر أحدٌ أن يشفع اليه إلا بعد أن يأذن له فيه، من حيث كان تعالي أعلم بموضع الحكمة

والصواب من خلقه بمصالحهم...

وإنما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر، لأن المخاطبين بذلك كانوا يقولون الأصنام شفعاؤهم عند الله، وذكر بعدها: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وإذا كانت الأصنام لا تعقل فكيف تكون شافعة! مع أنه لا يشفع عنده إلا من ارتضاه الله.

كنز الدقائق:1/238:

واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. واستدلت المعتزلة بهذه الآية علي نفي الشفاعة لأهل الكبائر.

قال البيضاوي: وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة، قال: ويؤيده أن الخطاب معهم، والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم.

أقول: الآية يحتمل أن تكون مخصصة للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة الدالة علي عمومها، كما أن كون الخطاب معهم يحتمل أن يكون مؤيداً للتخصيص بالكفار، فلا يتم الإستدلال من الجانبين، فتأمل.

مجمع البحرين:2/522:

قال تعالي: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا، قيل معناه من يصلح بين اثنين يكن له جزء منها. ومن يشفع شفاعة سيئة، أي يمشئ بالنميمة مثلاً، يكن له كفل منها أي إثم منها.

وقيل المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، وبالشفاعة السيئة الدعاء عليهم.

قوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي، دينه، وهو مروي عن الرضا عليه السلام وعن بعض المفسرين ولايشفعون إلا لمن ارتضي دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلي الشفاعة. قال الصدوق: المؤمن من تسره حسنته وتسوءه سيئته لقول النبي صلي الله عليه وآله: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن، ومتي ساءته سيئته ندم عليها والندم توبة، والتائب مستحق الشفاعة والغفران.

ومن لم تسوؤه سيئته فليس بمؤمن ومن لم يكن مؤمناً لم يستحق الشفاعة، لأن الله تعالي غير مرتض دينه.

قوله: فما تنفعهم شفاعة الشافعين قيل في معناه لا شافع ولا شفاعة، فالنفي راجع إلي الموصوف والصفة، كقوله لا يسألون الناس إلحافاً.

وفي الحديث تكرر ذكر الشفاعة فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم، ومنه قوله صلي الله عليه وآله: أعطيت الشفاعة.

قال الشيخ أبو علي: واختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة فقالت المعتزلة ومن تابعهم: يشفع لأهل الجنة ليزيد في درجاتهم. وقال غيرهم من فرق الأمة: بل يشفع لمذنبي أمته ممن ارتضي الله دينهم، ليسقط عقابهم بشفاعته.

وفي حديث الصلاة علي الميت: وإن كان المستضعف بسبيل منك فاستغفر له علي وجه الولاية. وفي الخبر: إشفع تشفع، أي تقبل شفاعتك، وفيه: أنت أول شافع وأول مشفع، هو بفتح الفاء، أي أنت أول من يشفع وأول من تقبل شفاعته. وفي الحديث: لا تشفع في حق امرئ مسلم إلا بإذنه. وفيه: يشفعون الملائكة لإجابة دعاء من يسعي في المسعي كأنهم يقولون: اللهم استجب دعاء هذا العبد.

تفسير الرازي:2 جزء 3/55:

أجمعت الأمة علي أن لمحمد (ص) شفاعة في الآخرة، وحمل علي ذلك قوله تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، وقوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي... ثم اختلفوا بعد هذا في أن شفاعته عليه السلام لمن تكون؟ أتكون للمؤمنين المستحقين للثواب، أم تكون لأهل الكبائر المستحقين للعقاب؟ فذهب المعتزلة إلي أنها للمستحقين للثواب... وقال أصحابنا تأثيرها في إسقاط العذاب عن المستحقين للعقاب.

تحريف اليهود والنصاري للشفاعة

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرهم

عراقة عقيدة الشفاعة

قاموس الكتاب المقدس/513:

شفع - شفيع - شفاعة: وهي التوسط بين شخص وآخر. وهي

دليل محبة الإنسان لأخيه الإنسان. كما أنها مؤسسة علي أن معاملة الله للبشر معاملة ليست فردية فحسب بل جماعية أيضاً.

والصلاة الشفاعية قديمة قدم نوح (تك 8: 20 و 22) وإبراهيم (تك 17: 18 و23-33) وموسي (خر 15: 25).

وخليفة موسي الذي رفع صلواته كقاضي وكاهن ونبي هو صموئيل (1 صم 7:5 و 8) وحياة المسيح كانت مليئة بالصلوات الشفاعية. بل إن الصلاة الربانية تحمل روح الشفاعة في طلب الملكوت ومغفرة ذنوب الآخرين.

والصلاة الشفاعية يرفعها الإنسان لاجل صديق أو لاجل عدو (مت 5: 44) أما الروح القدس فهو يشفع فينا (رو 8: 26) أما المسيح في حياته الشخصية وموته علي الصليب فهو شفيعنا الذي ساقته شفاعته للموت علي الصليب كفارة لخطايا البشرية. أنظر (وسيط).

قاموس الكتاب المقدس/933:

وكان موسي وسيطاً بين الله وشعب بني إسرائيل وهكذا المسيح هو وسيط بين الله والناس.

العهد القديم والجديد:3/307:

18 - لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضاً من موعد. ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد.

19 - لماذا الناموس. قد زيد بسبب التعديات إلي أن يأتي النسل الذي قد وعد له مرتباً بملائكة في يد وسيط.

20 - وأما الوسيط فلا يكون لواحد ولكن الله واحد.

شفاعة ابراهيم للمؤمنين و لاسماعيل و لوط

قاموس الكتاب المقدس/11:

ثم أعلن الرب لإبراهيم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع إبراهيم لاجل الابرار هناك فأنقذ الرب لوطاً بيد ملاكين (تك/18 و 19)... وحيثما سكن إبراهيم كان يقيم مذبحاً للرب ويدعو باسمه (تك 12: 7 و 8) وقد قدم صلوات تشفعية لأجل الآخرين ففي تك 17:20 صلي لأجل إسماعيل وفي تك 18: 23 - 32 تشفع لاجل لوط.

شفاعة زكريا لبني إسرائيل

قاموس الكتاب المقدس/441:

كما ظهر لزكريا بروح النبوة واقفاً علي هذا الجبل شافعاً في شعبه (زك 14: 4).

البشارة بالشفيع الذي سيأتي (البراقليطس)

قاموس الكتاب المقدس/627:

معز: (يو 14: 16 و 15: 26 و 16: 7) وهو الروح القدس. ولم ترد إلا في إنجيل يوحنا. والكلمة الأصلية اليونانية (پرا كليتيس) وتعني (معز ومعين وشفيع ومحام) وتشير إلي عمل الروح القدس لأجلنا.

توسيع بولس للشفاعة و حصرها بالمسيح

قاموس الكتاب المقدس/124:

ومع أن بني الإنسان قد فقدوا الصورة الإلهية التي خلقوا عليها، ومع أنهم وقعوا تحت طائلة العقاب الإلهي الرهيب، إلا أنهم بسبب عمل الفداء أهل لأن ينالوا غفران خطاياهم غفراناً تاماً كاملاً إذا آمنوا بالرب يسوع المسيح (الشفيع الوحيد بين الله والناس) وندموا علي خطاياهم ندامة صحيحة حقيقية، وأصبحوا أهلاً للتحرر من عبودية الخطيئة ورقها والانتقال إلي حرية أبناء الله بالنعمة المجانية.

قاموس الكتاب المقدس/795:

وقد وصف يسوع بأنه رئيس كهنة المؤمنين العظيم الذي نضح قدس الاقداس السماوي بدمه، والذي جلس عن يمين الاب هناك حيث هو الان يشفع فيهم (عب 4: 14 و7: 25 و 9: 12) الخ.

قاموس الكتاب المقدس/869:

وأعلن لهم أن يهوذا الذي كان واحداً منهم سيسلمه (مر 14: 18-21 ويو 13 21 - 30) ورسم لهم فريضة العشاء الرباني (مت 26: 26-29 وما يليه) ثم قدم صلاته الشفاعية العظمي من أجل أتباعه (يو 17: 1-26. من ثم قدم نفسه نهائياً للاب وسلم إرادته تسليماً كلياً له في بستان جثسيماني (مت 26: 39-46 غيره).

قاموس الكتاب المقدس/889:

وسيط 1 تي 2: 5 وسيط العهد الجديد عب 12: 24.

قاموس الكتاب المقدس/904:

وكذلك يذكر فيلو (ملكي صادق) كرمز ومجاز للعقل الصائب الخير، بينما يذكره كاتب الرسالة إلي العبرانيين رمزاً للمسيح الفادي والوسيط الأعظم.

العهد القديم والجديد:2/57:

لأن معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد علينا لأن معاصينا معنا وآثامنا نعرفها.

13 -

تعدينا وكذبنا علي الرب وحدنا من وراء إلهنا. تكلمنا بالظلم والمعصية، حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب.

14 - وقد ارتد الحق إلي الوراء والعدل يقف بعيداً. لأن الصدق سقط في الشارع والإستقامة لا تستطيع الدخول.

15 - وصار الصدق معدوماً والحائد عن الشر يسلب، فرأي الرب وساء.

16 - فرأي أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع...

34 - من هو الذي يدين. المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا.

العهد القديم والجديد:3/339:

5 - لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح.

6 - الذي بذل نفسه فدية لاجل الجميع، الشهادة في أوقاتها الخاصة.

7 _ التي جعلت أنا لها كارزاً ورسولاً. الحق أقول في المسيح ولا أكذب. معلماً للأمم في الإيمان والحق.

8-فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال

العهد القديم والجديد:3/256:

26 _ وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاءنا، لاننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها.

27 _ ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين.

العهد القديم والجديد:3/358:

25 _ فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلي التمام الذين يتقدمون به إلي الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم.

26- - لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلي من السموات.

27 - الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولاً عن

خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه.

العهد القديم والجديد:3/361:

11 - وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذين ليس من هذه الخليقة.

12 - وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلي الأقداس فوجد فداء أبدياً.

العهد القديم والجديد:3/362:

ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد، لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول، ينالون وعد الميراث الأبدي.

العهد القديم والجديد:3/367:

22 - بل قد أتيتم إلي جبل صهيون، وإلي مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلي ربوات هم محفل ملائكة.

23 - وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات، وإلي الله ديان الجميع، وإلي أرواح أبرار مكملين.

24 - وإلي وسيط العهد الجديد يسوع، وإلي دم رش يتكلم أفضل من هابيل.

25 - انظروا أن لا تستعفوا من المتكلم. لأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ استعفوا من المتكلم علي الأرض، فبالأولي جداً لا ننجو نحن المرتدين عن الذي من السماء.

العهد القديم والجديد:3/386:

1 - يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الأب، يسوع المسيح البار. 2 - وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً.

3 - وبهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه.

نفهم من هذه النصوص ملامح حقائق عديدة أهمها:

أولاً: أن أصل شفاعة الأنبياء والاوصياء وخيار المؤمنين للخاطئين، هي عندهم كما عندنا، أمرٌ ثابتٌ في الرسالات الإلهية من عهد إبراهيم، بل من عهد نوح (عليهما السلام).

ثانياً: أنها أخذت في اليهود شكل شفاعة رؤساء الكهنة ومسؤولي القرابين

في المعابد، ثم وصلت إلي ادعاء اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم شعب الله المختار، وأنهم لا تمسهم النار إلا أياماً معدودة.. فلا يحتاجون إلي شفاعة!

ثالثاً: أن (عقيدة الفداء المسيحية) التي تدعي أن المسيح عليه السلام قد شفع في خطايا كل البشر بتحمله الصلب والقتل.. هي توسيع لعقيدة الشفاعة اليهودية، وقد اخترعها بولس الذي نصَّرَ النصاري، وعممها لغير القومية اليهودية.

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان: 2/245 تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلي التثليث ونقل عيسي من رسول إلي إله، والقول بأن المسيحية رسالة عامة، والقول بأن عيسي ابن الله نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر، وأنه عاد مرة أخري إلي السماء ليجلس علي يمين أبيه، كان هذا كله عملاً جديداً علي المسيحية التي جاء بها عيسي.

كيف انتقلت المسيحية من حال إلي حال ومن الذي قام بذلك ومتي؟

هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي:

ترتبط هذه الأمور بشخصية مهمة في المسيحية هي شخصية شاؤول (بولس) ولذلك يري الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع هذا الرجل...!

وبولس كما يقول عن نفسه (يهودي فريسي ابن فريسي علي رجاء قيامة الأموات - أعمال الرسل 23: 6) وكان عدواً للمسيحيين وهو في ذلك يقول (سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية علي كثيرين من أترابي في جنسي، إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي (غلاطية 1: 13-14).

ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه

عندما يظهر بأفكاره الجديدة،

فادعي شاؤول أن السيد المسيح - بعد نهايته علي الأرض - ظهر له وصاح فيه وهو في طريقه إلي دمشق: لماذا تضطهدني، فخاف شاؤول وصرخ: من أنت يا سيد؟ قال: أنا يسوع الذي تضطهده! قال شاؤول: ماذا تريد أن أفعل؟ قال يسوع: قم وكرز بالمسيحية!!

ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي:

وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أنه ابن الله(أعمال 9: 3-30) انتهي.

رابعاً: أن الإتجاه العام عند محرفي الأديان بعد أنبيائهم هو تسهيل أمر المغفرة الإلهية ودخول الجنة لاتباعهم، والافراط في ذلك إلي حد إلغاء قانون العقوبة الإلهية، وفي المقابل التشدد مع خصومهم ومخالفيهم من التابعين لنفس الدين، والحكم عليهم بأنهم من أهل النار!

خامساً: بما أنه ثبت عن النبي صلي الله عليه وآله بأحاديث صحيحة عند الجميع، أن الأمة الإسلامية سوف تتبع سنن اليهود والنصاري في انحرافها عن الإسلام وتحريفها له، وفي صراعاتها الداخلية.. فإن علي الباحث أن يكون حذراً متثبتاً في أحاديث الصحابة في الشفاعة، لكي يميز بين الثابت منها بنصوص متفق عليها عند جميع المسلمين، وبين الذي يتبناه صحابي نافذ، أو فئة حاكمة، وفي نفس الوقت يوجد في الصحابة من ينفيه أو يكذبه!

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرن

قال الله تعالي: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَللهِ مُلْكُ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَي فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. المائدة 18-19.

تفسير التبيان:3/477:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ... روي عن ابن عباس أن جماعة من اليهود قالوا للنبي صلي الله عليه وآله حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته فقالوا: لا تخوفنا فإنا أبناء الله وأحباؤه.

وقال السدي: إن اليهود تزعم أن الله عز وجل أوحي إلي بني اسرائيل أن ولدك بكر من الولد. وقال الحسن: إنما قالوا ذلك علي معني قرب الولد من الوالد.

وأما قول النصاري فقيل فيه: إنهم تأولوا ما في الإنجيل من قول عيسي أذهب إلي أبي وأبيكم. وقال قوم: لما قالوا المسيح ابن الله أجري ذلك علي جميعهم كما يقولون: هذيل شعراء، أي منهم شعراء...

وقوله: وأحباؤه، جمع حبيب فقال الله لنبيه محمد صلي الله عليه وآله: قل لهؤلاء المفترين علي ربهم: فلم يعذبكم بذنوبكم؟ فلاي شئ يعذبكم بذنوبكم إن كان الأمر علي ما زعمتم، فإن الاب يشفق علي ولده والحبيب علي حبيبه.

واليهود تقرُّ أنهم يعذبون أربعين يوماً، وهي عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل!

وقوله: بل أنتم بشر، معناه قل لهم ليس الأمر علي ما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه، بل أنتم بشر ممن خلق من بني آدم، إن أحسنتم جوزيتم علي إحسانكم مثلهم، وإن أسأتم جوزيتم علي إساءتكم، كما يجازي غيركم، وليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه.

تفسير التبيان:1/486:

أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ... وكانت محاجتهم له صلي الله عليه وآله أنهم زعموا أنهم أولي بالحق لانهم راسخون في العلم وفي الدين، لتقدم النبوة فيهم والكتاب، فهم أولي بأن يكون الرسول منهم.

وقال قوم: بل قالوا نحن أحق بالإيمان، لأنا لسنا من العرب الذين عبدوا الأوثان. وقال الحسن: كانت محاجتهم أن قالوا نحن أولي بالله منكم، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ

الله وَأَحِبَّاؤُهُ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، وقالوا كونوا هوداً أو نصاري تهتدوا. وغرضهم بذلك الإحتجاج بأن الدين ينبغي أن يلتمس من جهتهم، وأن النبوة أولي أن تكون فيهم. وليس الأمر علي ما ظنوا، لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته، ومن الذي يقوم بأعبائها ويتحملها علي وجه يكون أصلح للخلق وأولي بتدبيرهم. وقوله: لنا أعمالنا، معناه الإنكار لإحتجاجهم بأعمالهم، لأنهم مشركون ونحن له مخلصون. وقيل معناه الإنكار للإحتجاج بعبادة العرب للاوثان، فقيل: لا حجة في ذلك، إذ لكل أحد عمله لا يؤخذ بجرم غيره.

سيرة ابن هشام:2/403:

وأتي رسول الله(ص)نعمان بن أضاء، وبحري بن عمرو، وشاس بن عدي، فكلموه وكلمهم رسول الله(ص)ودعاهم إلي الله وحذرهم نقمته، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد؟! نحن والله أبناء الله وأحباؤه، كقول النصاري فأنزل الله تعالي فيهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ... الخ. ورواه في الدر المنثور:2/269 عن ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس.

الدر المنثور:2/14:

عن قتادة: وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، حين قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد: وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، قال: غرهم قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة.

الدر المنثور:2/170:

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، قال: هم اليهود والنصاري، قالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري.

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، قال: نزلت في اليهود قالوا:

إنا نعلم أبناءنا التوراة صغاراً فلا يكون لهم ذنوب، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنهار كُفِّرَ عنا بالليل.

الدر المنثور:3/37:

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، قال كذبوا له، أما اليهود والنصاري فقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وأما مشركوا العرب فكانوا يعبدون اللات والعزي، فيقولون: العزي بنات الله، سبحانه وتعالي عما يصفون، أي عما يكذبون..

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَنَاتٍ، قال: وصفوا لله بنين وبنات افتراء عليه، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم، أما سمعت حسان بن ثابت يقول:

اخترق القول بها لاهياً مستقبلاً أشعث عذب الكلام

الدر المنثور:1/89:

أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فأنزل الله: قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين، فلم يفعلوا.

وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ، يعني الجنة كما زعمتم خالصة من دون الناس، يعني المؤمنين فتمنوا الموت إن كنتم صادقين أنها لكم خالصة من دون المؤمنين. فقال لهم رسول الله (ص): إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا: اللهم أمتنا، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، يعني عملته أيديهم وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ،

أي ادعوا بالموت علي أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي علي وجه الأرض يهودي إلا مات.

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَي حَيَاةٍ، يعني اليهود، ومن الذين أشركوا، وذلك أن المشرك لا يرجو بعثاً بعد الموت فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ماله في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم.

وقال الله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 80 - 82.

تفسير التبيان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وإنما لم يبين عددها في التنزيل لأنه تعالي أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الأيام التي يوقتونها في النار، فلذلك نزل تسمية عدد الأيام وسماها معدودة لما وصفنا. وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة: هي أربعون يوماً. ورواه الضحاك عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل.

وقال ابن عباس: إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد، فإذا انقطع المسير انقطع العذاب، وهلكت النار.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس: إنها سبعة أيام، لأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنهم يعذبون بعدد كل ألف سنة يوماً واحداً من أيام الآخرة، وهو كألف سنة من أيام الدنيا.

ولما قالت اليهود ما قالت من قولها: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاأَيَّامًا

مَعْدُودَةً علي ما بيناه، قال الله تعالي لنبيه: قل أتخذتم عند الله عهداً بما تقولون من ذلك أو ميثاقاً، فالله لا ينقض عهده، أم تقولون علي الله ما لا تعلمون من الباطل جهلاً وجرأة عليه...

قوله تعالي: بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ... قوله بلي جواب لقوله لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، فرد الله عليهم بأن قال: بلي من أحاطت به خطيئته...

كنز الدقائق:2/47:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً: بسبب تسهيلهم أمر العذاب. وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، من قولهم السابق، أو أن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم، أو أنه تعالي وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم، وتكرير الكذب والإفتراء يصيره في صورة الصدق عند قائله ومفتريه.

تفسير نور الثقلين:1/93:

في تفسير علي بن ابراهيم قوله: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، قال: قال بنو اسرائيل: لن تمسنا النار ولن نعذب إلا الايام المعدودات التي عبدنا فيها العجل، فرد الله عليهم: قُلْ - يا محمد لهم - أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.

سيرة ابن هشام:2/380:

وقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.

قال ابن إسحاق: وحدثني مولي لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدينة واليهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام

ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله في ذلك من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتي يحيط كفره بماله عند الله من حسنة، فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، أي خلداً أبداً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم علي أهله أبداً ولا انقطاع له.

قال ابن إسحاق: ثم قال الله عز وجل يؤنبهم: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أي ميثاقكم، لا تَعْبُدُونَ إِلا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ. أي تركتم ذلك كله...

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآية. أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة... الخ.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: اجتمعت يهود يوماً فخاصموا النبي(ص)فقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ، وسموا أربعين يوماً ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلي النبي(ص) وأصحابه! فقال رسول الله(ص)ورد يده علي رؤسهم: كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالي أبداً، ففيهم أنزلت هذه الآية: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، يعنون أربعين ليلة.

وأخرج ابن جرير

عن زيد بن أسلم أن رسول الله(ص)قال لليهود: أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله علي موسي يوم طور سيناء: من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها! فقال رسول الله (ص): كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبداً، فنزل القرآن تصديقاً لقول النبي(ص)وتكذيباً لهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلي قوله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

مجمع الزوائد:6/314:

قوله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً عن ابن عباس أن يهوداً كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب لكل سنة يوماً في النار وإنما سبعة أيام معدودات، فأ نزل الله عز وجل: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، إلي قوله: فِيهَا خَالِدُونَ.

وقال الله تعالي: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَي تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَي مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة: 111 - 112.

يَا بَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَي الْعَالَمِينَ. وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ. البقرة: 47 - 48.

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. آل عمران: 31.

إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَي إِثْمًا عَظِيمًا. أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَي اللهِ الْكَذِبَ

وَكَفَي بِهِ إِثْمًا مُبِينًا. أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَي مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. النساء: 48 - 51.

تفسير التبيان:3/221:

وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، تلك أمانيهم. قال الزجاج: اليهود جاؤوا إلي النبي صلي الله عليه وآله بأولادهم الأطفال فقالوا: يامحمد أعلي هؤلاء ذنوب؟ فقال صلي الله عليه وآله: لا، فقالوا: كذلك نحن مانعمل بالليل يغفر بالنهار، وما نعمل بالنهار يغفر بالليل، فقال الله تعالي: بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ.

وقال: مجاهد وأبو مالك: كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: كانوا يقولون: أطفالنا يشفعون لنا عند الله.

كنز الدقائق:2/58:

قال الله تعالي: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ...

قال البيضاوي: روي أنها نزلت لما قالت اليهود: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وقيل: نزلت في وفد نجران لما قالوا: إنا نعبد المسيح حباً لله..انتهي.

حقائق التأويل/126:

وقال بعضهم إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فالخلائق غيرنا عبيد لنا ومنخفضون عن علونا، فليس علينا جناح في أكل أموال عبيدنا ومن هم في الرتبة دوننا. قال صاحب هذا القول: واليهود يتدينون باستحلال أموال كل من خالفهم باستعمال الغش في معاملاتهم، ويدعون أن ذلك فرض عليهم في دينهم، وليس تأولهم لذلك علي حد ما يتأوله المسلمون في أهل الحرب.

وذهب أبو علي إلي أن قولهم: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، إنما يعنون به ليس علينا لهم سلطان ولا قدرة، فلا يجب علينا اتباعهم ولا النزول تحت حكمهم، يريدون بذلك النبي صلي الله عليه وآله وأصحابه، فلذلك استحلوا أموالهم. انتهي.

تفسير التبيان:1/213:

وقوله:

وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ، مخصوص عندنا بالكفار، لأن حقيقة الشفاعة عندنا أن يكون في إسقاط المضار دون زيادة المنافع. والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي صلي الله عليه وآله فيشفعه الله تعالي ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلاة، لما روي من قوله صلي الله عليه وآله: ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي...

والشفاعة ثبتت عندنا للنبي صلي الله عليه وآله وكثير من أصحابه، ولجميع الأئمة المعصومين، وكثير من المؤمنين الصالحين.

وقيل إن نفي الشفاعة في هذه الآية يختص باليهود من بني إسرائيل، لأنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وأن آباءهم يشفعون إليه، فآيسهم الله من ذلك فأخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص.

تفسير التبيان:3/221:

قوله تعالي: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً... قال الحسن والضحاك وقتادة وابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام: إنهم اليهود والنصاري في قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَي تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ.

قال الزجاج: اليهود جاؤوا إلي النبي صلي الله عليه وآله بأولادهم الاطفال فقالوا: يا محمد أعلي هؤلاء ذنوب؟ فقال صلي الله عليه وآله: لا، فقالوا: كذلك نحن ما نعمل بالليل يغفر بالنهار وما نعمل بالنهار يغفر بالليل، فقال الله تعالي: بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ. وقال: مجاهد وأبو مالك: كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: كانوا يقولون: أطفالنا يشفعون لنا عند الله.

تفسير التبيان:3/222:

وافتراؤهم الكذب علي الله هاهنا المراد به تزكيتهم لانفسهم بأنا أبناء الله وأحباؤه، وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، ذكره ابن جريج. وقوله:

وَكَفَي بِهِ إِثْمًا مُبِينًا، معناه تعظيم إثمه، وإنما يقال كفي به في العظم علي جهة المدح أو الذم كقولك كفي بحال المؤمن نبلاً، وكفي بحال الكافر إثماً.

تفسير التبيان:3/76:

وقوله: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا... قال البلخي: إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وأهل الصوم والصلاة. وليسوا بأولياء الله ولا أحباؤه ولا أهل الصلاة والصيام، ولكنهم أهل شرك ونفاق. وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام...

تفسير نور الثقلين:1/489:

في نهج البلاغة من كلام له عليه السلام يصف فيه المتقين: لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير، فهم لانفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زُكِّيَ أحد منهم خاف مما يقال له، فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي من نفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون. انتهي.

هذا، والآيات والأحاديث في تحريفات اليهود للشفاعة ومقولاتهم فيها كثيرة، وسوف نري أن بعض الصحابة قد أخذوا أفكار اليهود وتحريفاتهم للشفاعة حرفاً بحرف، حَذْوَ القُذَّةِ بالقذة، والنعل بالنعل..كما أخبر به الصادق الامين صلي الله عليه وآله!

الشفاعة عند عرب الجاهلية

عبد العرب الأصنام أملا بشفاعتهن

تدل آيات القرآن الكريم علي أن عبادة العرب للأصنام كانت علي أساس أنها رموز لمخلوقات مقربة عند الله تعالي تشفع لهم عنده. قال الله عز وجل:

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَ كَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ. الروم: 12 _ 13.

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونَ. إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. يس: 23 _ 24.

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ

السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخرة وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. الزمر: 43-45.

أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إلي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَي مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الزمر: 3 _ 4.

رسائل الشريف المرتضي:3/223:

حكي أبو عيسي الوراق في كتابه كتاب المقالات أن العرب صنوف شتي: صنف أقر بالخالق وبالإبتداء والإعادة وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام، زعموا لتقربهم إلي الله زلفي ومعبراً إليها، ونحروا لها الهدايا ونسكوا لها النسائك، وأحلوا لها وحرموا.

ومنهم صنف أقروا بالخالق وبابتداء الخلق وأنكروا الإعادة والبعث والنشور.

ومنهم صنف أنكروا الخالق والبعث والاعادة، ومالوا إلي التعطيل والقول بالدهر، وهم الذين أخبر القرآن عن قولهم: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر. ومنهم صنف مالوا إلي اليهودية، وآخر إلي النصرانية.

رسائل الشريف المرتضي:3/228:

وقد عبد الأصنام قوم من الأمم الماضية من أهل الهند والسند وغيرها، وقد أخبر الله تعالي عن قوم نوح أنهم عبدوها أيضاً فقال: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا... وكان (سواع) لهذيل وكان (برهاط) وكان بدومة الجندل، وكان (يغوث) لمذحج ولقبائل اليمن، وكان (نسر) لذي الكلاع بأرض حمير، وكان (يعوق) لهمدان، وكانت (اللات) لثقيف وكانت بالطائف، وكانت (العزي) لقريش وجميع بني كنانة وسدنتها من بني سليم، وكانت (مناة) للاوس والخزرج وغسان وكانت بالمسلك، وكان (الهبل) أعظم أصنامهم عند أنفسهم وكان علي الكعبة.

وكان (أساف ونائلة) علي الصفا والمروة، ووضعهما عمرو بن يحيي فكان يذبح عليهما تجاه الكعبة.

مجمع الزوائد:7/115:

عن ابن عباس أن العزي كانت ببطن نخلة، وأن اللات كانت بالطائف، وأن مناة كانت بقديد، قال علي بن الجعد: بطن نخلة هو بستان بني عامر.

تفسير القمي:2/250:

قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ، يعني الأصنام ليشفعوا لهم يوم القيامة، وقالوا إن فلاناً وفلاناً يشفعون لنا عند الله يوم القيامة. وقوله: قل لله الشفاعة جميعاً، قال: لا يشفع أحد إلا بإذن الله تعالي.

تفسير القمي:2/289:

وقال علي بن ابراهيم: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة، قال: هم الذين قد عبدوا في الدنيا، لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم.

تفسير التبيان:4/207:

وَمَا نَرَي مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ... يقول تعالي لهؤلاء الكفار: َمَا نَرَي مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ، الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة. وقال عكرمة: إن الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة حيث قال: سوف يشفع فيَّ اللات والعزي، فنزلت الآية.

وقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، أي وصلكم. وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، أي جار عن طريقكم ما كنتم تزعمون من آلهتكم أنه شريك لله تعالي، وأنه يشفع لكم عند ربكم، فلا شفيع لكم اليوم.

تفسير التبيان:9/33:

ثم أخبر عن هؤلاء الكفار فقال (أم اتخذوا) معناه بل اتخذ هؤلاء الكفار (من دون الله شفعاء) بزعمهم من الأصنام والأوثان فقال (قل) لهم يا محمد: أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَ لا يَعْقِلُونَ، تنبيهاً لهم علي أنهم يتخذونهم شفعاء وإن كانوا لا يقدرون علي شئ من الشفاعة، ولا غيرهما ولا يعقلون شيئاً. والألف في (أ ولو) ألف

الإستفهام يراد به التنبيه.

ثم قال (قل) لهم يا محمد (للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي الشفاعة لمن له التدبير والتصرف في السموات والأرض، ليس لأحد الإعتراض عليه في ذلك.

ثم إليه ترجعون، معاشر الخلق أي إلي حيث لا يملك أحد التصرف والأمر والنهي سواه، وهو يوم القيامة فيجازي كل إنسان علي عمله علي الطاعات بالثواب وعلي المعاصي بالعقاب.

الدر المنثور:3/302:

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا... أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال النضر: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزي، فأنزل الله تعالي: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ. وَيَعْبُدُونَ مِنْ دونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ. ومثله في:3/8

الدر المنثور:5/329:

قوله تعالي: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ.. أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة (رض) في قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قال: الإلهة.

الدر المنثور:3/149:

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ قال: اشتقوا العزي من العزيز، واشتقوا اللات من الله.

مكانة اللات والعزي عند مشركي العرب

كان لصنمي اللات والعزي مكانة عظيمة عند قريش خاصة، وعند بعض قبائل العرب، ويليهما صنم مناة، أما هبل فهو وإن كان الإله الأكبر عندهم ولكن ارتباطهم المباشر وقَسَمَهُم الرسمي ومراسم عبادتهم الاساسية إنما كانت لللات والعزي، وليس لهبل..

قال المحدث البحراني في حلية الابرار:1/127:

الشيخ في أماليه بإسناده عن ابن عباس قال: وقف رسول الله صلي الله عليه وآله علي قتلي بدر فقال: جزاكم الله من عصابة شراً! لقد كذَّبتموني صادقاً، وخوَّنتموني أميناً. ثم التفت إلي أبي جهل بن

هشام فقال: إن هذا أعتي علي الله من فرعون! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وَحَّدَ الله، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزي!! راجع أمالي الطوسي:1 _ 316 والبحار: 19 _ 272 ح 11 ومثله في مجمع الزوائد:6/91).

وقال في مجمع الزوائد:6/21:

وعن رجل من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله(ص)بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، قال وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: لا يغوينكم هذا عن دينكم فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزي، وما يلتفت إليه رسول الله(ص)! قلت: إنعت لنا رسول الله(ص). قال: بين بردين أحمرين، مربوع، كثير اللحم، حسن الوجه، شديد سواد الشعر، أبيض شديد البياض، سابغ الشعر. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/408:

وأخرج أبونعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: ما كان أبولهب إلا من كفار قريش، ما هو حتي خرج من الشعب حين تمالات قريش حتي حصرونا في الشعب وظاهرهم، فلما خرج أبو لهب من الشعب لقي هنداً بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه فقال: يا ابنة عتبة هل نصرتُ اللات والعزي؟ قالت: نعم فجزاك الله خيراً يا أبا عتبة! قال: إن محمداً يعدنا أشياء لا نراها كائنة، يزعم أنها كائنة بعد الموت فما ذاك! وصنع في يدي ثم نفخ في يديه، ثم قال: تباً لكما ما أري فيكما شيئاً مما يقول محمد! فنزلت: تبت يدا أبي لهب. قال ابن عباس: فحصرونا في الشعب ثلاث سنين وقطعوا عنا الميرة، حتي أن الرجل ليخرج منا بالنفقة فما يبايع حتي يرجع، حتي هلك فينا من هلك!!

اليمين الرسمي المقدس عند قريش باللات والعزي

روي الحاكم في المستدرك:1/163:

عن ابن عباس قال

دخلت فاطمة علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهي تبكي فقال: يابنية ما يبكيك قالت: يا أبت مالي لا أبكي وهؤلاء الملا من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزي ومناة الثالثة الأخري لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك، وليس منهم رجل إلا وقد عرف نصيبه من دمك! فقال يا بنية إئتني بوضوء فتوضأ رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثم خرج إلي المسجد فلما رأوه قالوا: ها هوذا، فطأطأوا رؤوسهم وسقطت أذقانهم بين يديهم، فلم يرفعوا أبصارهم! فتناول رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصاته إلا قتل يوم بدر كافراً. هذا حديث صحيح، قد احتجا جميعاً بيحيي بن سليم. واحتج مسلم بعبد الله بن عثمان بن خثيم ولم يخرجاه. انتهي. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/228 وقال: رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

وروي العياشئ في تفسيره:2/259:

عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، قال: ما يقولون فيها؟ قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله أن الله لا يبعث الموتي. قال: تباً لمن قال هذا، ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزي؟ قلت: جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه. قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قَبَايِعُ سيوفهم علي عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوماً من أعدائنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم! هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها، لا والله ما عاشوا ولا تعيشوا إلي يوم القيامة، فحكي الله

قولهم فقال: وأقسموا بالله جهد أيمانهم. انتهي.

المسألة...

بعض الصحابة كانوا يقسمون باللات والعزي

تدل مصادر الفقه السني علي أن عادة القسم باللات والعزي بقيت في أذهان القرشيين وعلي ألسنتهم حتي بعد إسلامهم! فقد روي البخاري في صحيحه: 6/51: عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): من حلف فقال في حلفه واللات والعزي فليقل لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق.انتهي. (ورواه أيضاً في: 7/97 وص144 وص222 و223.

ورواه مسلم في: 5/81 وص82، ورواه ابن ماجة في: 1/678، وروي بعده عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: حلفت باللات والعزي فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم انفث عن يسارك ثلاثاً، وتعوَّذ ولا تعد). (ورواه أبو داود في:2/90، والترمذي في: 3/ 46 وص51، والنسائي في: 7/7، وأحمد: 1/ 183 و186 و:2/ 309، والبيهقي:1/ 149 و:10/30، ومالك في المدونة: 2/108).

الأسئلة

1 _ هذا يدلنا علي أن الصحابة كانوا حديثي عهد بالإسلام، وأن رواسب الجاهلية حتي عبادة الأصنام كانت ما تزال في مشاعرهم وعلي ألسنة بعض كبارهم كسعد بن وقاص، ومن يخلف النبي صلي الله عليه وآله لابد أن يكون كرم الله وجهه عن السجود للأصنام، حتي يكون نقياً من هذه الرواسب الجاهلية.. فهل تعرفون هذه الصفة في غير علي عليه السلام؟

2 _ نحن نفتي بأن اليمين الشرعي لاينعقد إلا بالله تعالي، ومن حلف بغيره فلا يمين له ولا شئ عليه. وقد أفتي ابن حزم في المحلي: 8/51، وابن قدامة في المغني:1/169 و:11/162،بأن من حلف باللات والعزي فلا شئ عليه إلا الإستغفار، وعلله ابن حزم في:11/ 163 بقوله: (لأن الحلف بغير الله سيئة والحسنة تمحو السيئة،

وقد قال الله تعالي: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وقال النبي (ص): إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها. ولأن من حلف بغير الله فقد عظم غير الله تعظيماً يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالي، ولهذا سمي شركاً لكونه أشرك غير الله مع الله تعالي في تعظيمه بالقسم به، فيقول لا إله إلا الله توحيداً لله تعالي وبراءة من الشرك).

فهل تفتون بأن من حلف بصنم لا يخرج عن الملة، ومن حلف بالنبي صلي الله عليه وآله أو بأحد من عترته عليهم السلام فهو مشرك يخرج من الملة؟!

اعتقاد قريش بنفع اللات والعزي و ضرهم

مناقب آل أبي طالب:1/102 عن امرأة يقال لها زهرة قال:

أسلمت فأصيب بصرها، فقالوا لها أصابك اللات والعزي، فرد صلي الله عليه وآله عليها بصرها فقالت قريش: لو كان ما جاء محمد خيراً ما سبقتنا إليه زهرة! فنزل: وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه.

مسند أحمد:1/264:

عن عبدالله بن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً إلي رسول الله(ص)فقدم عليه وأناخ بعيره علي باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله(ص)جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غريرتين، فأقبل حتي وقف علي رسول الله(ص)في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله (ص): أنا ابن عبد المطلب. قال محمد؟ قال نعم فقال: يا ابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ في المسألة فلا تجدن في نفسك. قال: لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك. قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن

بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لانشرك به شيئاً وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يعبدونها معه؟ قال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم. قال ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها، حتي إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص.

قال ثم انصرف راجعاً إلي بعيره فقال رسول الله(ص)حين ولي: إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة. قال فأتي إلي بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتي قدم علي قومه فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزي! قالوا مه يا ضمام، إتق البرص والجذام، إتق الجنون. قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال فوالله ما أمسي من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً!

قال يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.

مصادرنا تروي بغض النبي لأصنام قريش

كمال الدين وتمام النعمة:1/184:

قال بحيري: ياغلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزي إلا ما أخبرتنيها. فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزي وقال: لا تسألني

بهما فوالله ما أبغضت شيئاً كبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي! فقال بحيري: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيري من صفته التي عنده، فانكب عليه بحيري فقبل رجليه وقال: يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك، يا أكثر النبيين أتباعاً...

الخرائج والجرائح:1/71:

في خبر الراهب بحيري مع النبي صلي الله عليه وآله: قال: يا غلام أتخبرني عن أشياء أسألك عنها قال: سل. قال: أنشدك باللات والعزي إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما أراد أن يعرف لأنه سمعهم يحلفون بهما فذكروا أن النبي صلي الله عليه وآله قال له: لا تسألني باللات والعزي فإني والله لم أبغض بغضهما شيئاً قط. قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه قال: فجعل يسأله عن حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلي الله عليه وآله يخبره فكان يجدها موافقة لما عنده... فأخذه الافكل وهو الرعدة واهتز الديراني فقال: من أبو هذا الغلام؟ قال أبو طالب: هو ابني. قال: لا والله لا يكون أبوه حياً. قال أبو طالب: إنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه قال: مات وهو ابن شهرين. قال صدقت!-وروي في:3/1089 تتمة قول الراهب: كأني بك قد قدت الاجناب والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعاً وكرها، وكأني باللات والعزي قد كسرتهما وقد صار البيت العتيق تضع مفاتيحه حيث تريد... معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام. أنت الذي لا تقوم الساعة حتي تدخل الملوك كلها في دينك صاغِرَةً قَمِئَة.

و تمسك سدنة اللات والعزي بهما إلي آخر نفس

شرح الأخبار:2/163:

ولما فتح رسول الله

صلي الله عليه وآله الطائف سأله أهلها أن يدع لهم اللات _ وكانوا يعبدونها _ لمدة ذكروها وقالوا: إنا نخشي في هدمها سفهاءنا، فأبي عليهم.

مناقب آل أبي طالب:1/52:

ابن عباس في قوله: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا، قال وفد ثقيف: نبايعك علي ثلاث: لا ننحني، ولا نكسر إلهاً بأيدينا، وتمتعنا باللات سنة. فقال صلي الله عليه وآله: لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود، فأما كسر أصنامكم بأيديكم فذاك لكم، وأما الطاغية اللات فإني غير ممتعكم بها.

و حطم النبي كل الأصنام

مناقب آل أبي طالب:1/399:

وحدثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي، عن اسماعيل بن أحمد الواعظ، عن أبي بكر البيهقي بإسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إحملني لنطرح الأصنام عن الكعبة، فلم أطق حمله! فحملني فلو شئت أتناول السماء فعلت! وفي خبر والله لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها.

وروي القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد، عن شيوخ بإسناده عن ابن عباس قال قال النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام: قم بنا إلي الصنم في أعلي الكعبة لنكسره، فقاما جميعاً فلما أتياه قال له النبي: قم علي عاتقي حتي أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسول الله علي عاتقه ثم رفعه حتي وضعه علي البيت، فأخذ علي الصنم وهو من نحاس فرمي به من فوق الكعبة...

حلية الابرار:2/125:

عن علي عليه السلام: أنا الذي قال فيَّ الامين جبرئيل عليه السلام: لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتي إلا علي، أنا صاحب فتح مكة، أنا كاسر اللات والعزي، أنا هادم الهبل الاعلي، ومناة الثالثة الأخري، أنا علوت علي كتف النبي صلي الله

عليه وآله وكسرت الأصنام، أنا الذي كسرت يغوث ويعوق ونسراً.

و اخترعت قريش قصة الغرانيق انتصارا لللات والعزي

قال الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي. إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَي. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي. إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَي الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَي. أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّي. فَلِلَّهِ الآخرة وَالأُولَي. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي. إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخرة لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَي. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّي عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَوةَ الدُّنْيَا. ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَي. وَللهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَي. النجم: 8 _ 31.

نزلت هذه الآيات في مكة بعد مرحلة (َأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) وبعد مرحلة (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) وإعلان النبي صلي الله عليه وآله دعوته لجميع الناس ودخول عدد من المستضعفين في الإسلام وتضييق قريش عليهم وتعذيبهم، وهجرة بعضهم إلي الحبشة.. ومن الواضح أن الصراع في تلك المرحلة كان يتفاقم بين الإسلام والمشركين، وكان أهم ما يتسلح به المشركون ويطرحونه

سبباً لمقاومتهم الإسلام هو (أن محمداً قد سبَّ آلهتنا وسفَّه أحلامنا).

وقد كان موقف النبي صلي الله عليه وآله من آلهتهم موقفاً صريحاً قوياً لامساومة فيه ولامهادنة.. وقد اتضح ذلك من السور الأولي للقرآن، وآياتها القاطعة في مسألة الأصنام.. ولم تكن سورة النجم إلا استمراراً لذلك الخط الرباني الصريح القوي، بل هي الحسم الالهي النهائي في المسألة، ووضع النقاط علي الحروف بتسمية أصنام قريش المفضلة (اللات والعزي ومناة) بأسمائها، وإسقاطها إلي الابد!

ومن الطبيعي أن تكون هذه الآيات شديدة جداً علي قريش، وأن تثير كبرياءها وعواطفها لأصنامها، وأن تقوم بردة فعل بإشكال متعددة. وقصة الغرانيق ما هي إلا واحدة من ردات الفعل القرشية..!

لكن متي اختُرِعَتْ ومن اخترعها؟!

يغلب علي الظن ماذكره الشريف المرتضي من أن المشركين عبدة هذه الأصنام الثلاثة لما سمعوا ذمها في آيات السورة حرَّفَ بعضهم الآيات، ووضع بعد أسماء الأصنام الثلاثة عبارة (تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي) فأعجب ذلك القرشيين، وتمنوا لو يضاف هذا المديح لآلهتهم في السورة!

ولكن كيف يمكن ذلك؟ وكيف ينسجم مع السياق، والسياق كله حملة شديدة علي فكر الأصنام وأهلها؟!!

هكذا ولدت قصة الغرانيق علي ألسنة القرشيين، ولكنها كانت هذياناً ولغواً في القرآن من قريش المشركة لا أكثر!

ولكن الجريمة الكبري عندما حولت قريش المنافقة هذا اللغو في القرآن إلي آيات الغرانيق واتهمت بها النبي بعد وفاته صلي الله عليه وآله لإثبات أنه لم يكن معصوماً عصمة مطلقة لتكون كل تصرفاته وأقواله حجة، بل كان يخطئ حتي في تبليغ الوحي! وفي ذلك فوائد عديدة لقريش للالتفاف علي أوامر النبي صلي الله عليه وآله وتبرير أخطاء حكامها ومخالفاتهم لسنته!!

وهكذا سجلت مصادر السنيين قصة الغرانيق التي تزعم

أن النبي صلي الله عليه وآله قد ارتكب خيانة والعياذ بالله في نص القرآن، وشهد بالشفاعة لأصنام اللات والعزي ومناة، وسجد لها لكي ترضي عنه قريش!

وقد طار منافقو قريش بهذه القصة فرحاً، ثم طار بها فرحاً ورثتهم الغربيون!!

وقد روي الهيثمي في مجمع الزوائد:6/32 بعض روايات الغرانيق، وروي السيوطي عدداً وافراً منها في الدر المنثور: 4/194 وص 366 وبعضها صحيح السند، خلافاً لمن برّأ منها الرواة المعتمدين عند حكام قريش! قال السيوطي في/366:

وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله(ص)قرأ أفرأيتم اللات والعزي ومنات الثالثة الأخري تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي! ففرح المشركون بذلك وقالوا قد ذكر آلهتنا! فجاء جبريل فقال: إقرأ عليَّ ما جئتك به، فقرأ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي. تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي! فقال ما أتيتك بهذا، هذا من الشيطان!! فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي.. إلي آخر الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير... الخ!! انتهي.

وقد ورد في بعض رواياتهم الافتراء علي النبي صلي الله عليه وآله بأنه سجد للاصنام! (فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لهي التي ترتجي، فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها، وقالوا إن محمداً قد رجع إلي دينه الأول ودين قومه. فلما بلغ رسول الله(ص)آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتي بلغت أرض

الحبشة فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ...).

وفي بعضها (ألقي الشيطان علي لسانه: وهي الغرانيق العلي شفاعتهن ترتجي فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص فإنه أخذ كفاً من تراب فسجد عليه وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير، فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة أن قريشاً قد أسلمت، فأرادوا أن يُقْبِلوا واشتد علي رسول الله(ص)وعلي أصحابه ما ألقي الشيطان علي لسانه فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ.. الآية) انتهي.

وقد تجرأ بعض العلماء السنيين وردُّوا روايات الغرانيق ولكنهم ضعفوا سندها رغم صحته عندهم، من أجل أن لا يطعنوا في مؤلفي صحاحهم والموثقين من رواتهم!

قال المجلسي في بحار الأنوار:17/56:

قوله تعالي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ... قال الرازي: ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول لما رأي إعراض قومه عنه شق عليه ما رأي من مباعدتهم عما جاءهم به تمني في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه، وذلك لحرصه علي إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شئ ينفروا عنه وتمني ذلك! فأنزل تعالي سورة والنجم إذا هوي، فقرأها رسول الله(ص)حتي بلغ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي ألقي الشيطان علي لسانه: تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي! فلما سمعت قريش فرحوا ومضي رسول الله(ص)في قراءته وقرأ السورة كلها، فسجد المسلمون لسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، سوي الوليد بن المغيرة وسعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنةً من البطحاء ورفعاها إلي جبهتيهما وسجدا

عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين لم يستطيعا السجود، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فلما أمسي رسول الله أتاه جبرئيل فقال: ماذا صنعت! تلوت علي الناس ما لم آتك به عن الله، وقلت ما لم أقل لك! فحزن رسول الله(ص)حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً عظيماً حتي نزل قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ.. الآية.

هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، وأما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلةٌ موضوعةٌ واحتجوا بالقرآن، والسنة، والمعقول، أما القرآن فوجوه:

أحدها: قوله تعالي: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ.

وثانيها: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي.

وثالثها: قوله: وما ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحيٌ يوحي.

فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلي لكان قد أظهر كذب الله تعالي في الحال، وذلك لا يقول به مسلم.

ورابعها: قوله تعالي: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ، وكاد معناه قرب أن يكون لأمر كذلك مع أنه لم يحصل.

وخامسها: قوله: ولولا أن ثبتناك، وكلمة (لولا) تفيد انتفاء الشئ لإنتفاء غيره، فدل علي أن الركون القليل لم يحصل.

وسادسها: قوله: كذلك لنثبت به فؤادك.

وسابعها: قوله: سنقرئك فلا تنسي.

وأما السنة فهي أنه روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة، وصنف فيه كتاباً.

وقال الإمام أبوبكر البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعونون، وأيضاً فقد روي البخاري في صحيحه أنه صلي الله عليه وآله قرأ سورة (والنجم)

وسجد فيها المسلمون والمشركون والانس والجن وليس فيه حديث الغرانيق، وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق.

وأما المعقول فمن وجوه: أحدها: أن من جوز علي الرسول(ص)تعظيم الأوثان فقد كفر، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه(ص)كان في نفي الأوثان.

وثانيها: أنه(ص)ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمناً لأذي المشركين له، حتي كانوا ربما مدوا أيديهم إليه، وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلاً أو في أوقات خلوة، وذلك يبطل قولهم.

وثالثها: أن معاداتهم للرسول صلي الله عليه وآله كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا علي حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا علي أنه عظم آلهتهم حتي خروا سجداً، مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.

ورابعها: قوله: فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته، وذلك أن أحكام الآيات بإزالة تلقية الشيطان عن الرسول أقوي من نسخه بهذه الآيات التي تنتفي الشبهة معها، فإذا أراد الله تعالي إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآناً، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلاً، أولي.

وخامسها: وهو أقوي الوجوه: أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك، ويبطل قوله تعالي: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فإنه لا فرق بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه!

فبهذه الوجوه عرفنا علي سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة، أكثر ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر. وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة... انتهي.

ولم يلتفت هذا

المفسر الكبير إلي أن الآية التي ادعوا أنها نزلت علي أثر القصة مدنية، نزلت بعد النجم بنحو عشر سنوات! كما لم يلتفت إلي أن رواية البخاري وغيره التي ذكرها هي قصة الغرانيق بعينها!

البخاري و مسلم رويا فرية الغرانيق

وينبغي أن نحسن الظن بالرازي وأمثاله الذين دافعوا عن البخاري والصحاح فقالوا إنهم لم يرووا قصة الغرانيق، حيث لم يقرؤوا الصحاح جيداً، وإلا لوجدوا فيها قصة الغرانيق بأكثر من رواية! غاية الأمر أن أصحابها حذفوا منها أن النبي صلي الله عليه وآله زاد في السورة مدح أصنام المشركين، ولكنهم ذكروا دليلاً عليه وهو سجود المسلمين والمشركين وحتي سجود أبي أحيحة أو أمية بن خلف أو غيرهما علي كف من تراب أو حصي!! فإن سجود المشركين بعد سماع القرآن لم ينقله أي مصدر علي الإطلاق في أي رواية علي الإطلاق، إلا في رواية الغرانيق! ومضافاً إلي رواية البخاري الفظيعة التي ذكرها الرازي فقد روي البخاري أيضاً في:5/7: عن عبدالله (رض) عن النبي(ص)أنه قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه، غير أن شيخاً أخذ كفاً من تراب فرفعه إلي جبهته فقال يكفيني هذا! قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافراً. انتهي. ورواه مسلم في /88.

وروي البخاري أيضاً في:6/52:

عن الأسود بن يزيد عن عبد الله (رض) قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم، قال فسجد رسول الله(ص)وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية بن خلف.

وقال الحاكم في المستدرك:1/221:

عن أبي إسحاق عن الاسود عن عبد الله قال: أول سورة قرأها رسول الله صلي الله عليه وآله علي الناس الحج، حتي إذا قرأها سجد فسجد الناس إلا رجل أخذ

التراب فسجد عليه فرأيته قتل كافراً. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين بالإسنادين جميعاً ولم يخرجاه، إنما اتفقا علي حديث شعبة عن أبي اسحاق عن الأسود عن عبد الله أن النبي صلي الله عليه وآله قرأ والنجم فذكره بنحوه، وليس يعلل أحد الحديثين الآخرين فإني لا أعلم أحداً تابع شعبة علي ذكره النجم غير قيس بن الربيع. والذي يؤدي إليه الإجتهاد صحة الحديثين، والله أعلم.

ومعني كلام الحاكم: أنه كان الأولي بالبخاري ومسلم أن يرويا رواية السجود في سورة الحج لأنها أصح، ولكنهما تركاها ورويا رواية سورة النجم!!

وقال البيهقي في سننه:2/314:

عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي(ص)سجد فيها، يعني والنجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والجن والإنس. رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر وغيره، عن عبد الوارث.

ورواها في مجمع الزوائد:7/115 أيضاً وصححها، قال:

قوله تعالي (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي) عن ابن عباس فيما يحسب سعيد بن جبير أن النبي(ص)كان بمكة فقرأ سورة والنجم حتي انتهي إلي (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي) فجري علي لسانه: تلك الغرانيق العلي الشفاعة منهم ترتجي، قال فسمع بذلك مشركو أهل مكة فسروا بذلك، فاشتد علي رسول الله(ص)فأنزل الله تبارك وتعالي (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ) رواه البزار والطبراني وزاد إلي قوله (عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) يوم بدر. ورجالهما رجال الصحيح إلا أن الطبراني قال لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبي(ص)، وقد تقدم حديث مرسل في سورة الحج أطول من هذا، ولكنه ضعيف الإسناد. انتهي.

ويقصد بالرواية الطويلة الضعيفة ما رواه في مجمع الزوائد:7/70 وقد ورد فيها:

حين

أنزل الله السورة التي يذكر فيها (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي) فقال المشركون لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، فإنه لا يذكر أحداً ممن خالف دينه من اليهود والنصاري بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر، فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي) ألقي الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال: وإنهم من الغرانيق العلي، وإن شفاعتهم لترتجي، وذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمداً قد رجع إلي دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله(ص)آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان كبيراً فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله(ص)، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقي الشيطان علي ألسنة المشركين، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلي النبي(ص)، وحدثهم الشيطان أن النبي(ص)قد قرأها في السجدة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتي بلغت الحبشة! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبدالله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله(ص)، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة علي التراب علي كفه، أقبلوا سراعاً! فكبر ذلك علي رسول الله(ص)، فلما أمسي أتاه جبريل عليه السلام فشكا إليه فأمره فقرأ له، فلما بلغها تبرأ منها جبريل وقال: معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك!! فلما رأي ذلك رسول الله(ص)شق عليه وقال: أطعت

الشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله!! فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) فلما برأه الله عز وجل من سجع الشيطان وفتنته، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم، فذكر الحديث، وقد تقدم في الهجرة إلي الحبشة. رواه الطبراني مرسلاً وفيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة. انتهي.

فتبين من مجموع ذلك أن سند القصة في مصادر السنيين صحيح، ولا يصح القول بأن الواقدي تفرد بها، أو أن الصحاح لم تروها!!

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البيت علي فرية الغرانيق

قال الشريف المرتضي في تنزيه الأنبياء/106:

مسألة: فإن قال فما معني قوله تعالي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

أو ليس قد روي في ذلك أن رسول الله صلي الله عليه وآله لما رأي تولي قومه عنه شق عليه ما هم عليه من المباعدة والمنافرة وتمني في نفسه أن يأتيه من الله تعالي ما يقارب بينه وبينهم وتمكن حب ذلك في قلبه، فلما أنزل الله تعالي عليه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي، وتلاها عليهم، ألقي الشيطان علي لسانه لما كان تمكن في نفسه من محبة مقاربتهم: تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي، فلما سمعت قريش ذلك سرت به وأعجبهم ما زكي به آلهتهم، حتي انتهي إلي السجدة فسجد المؤمنون وسجد أيضاً المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما

أعجبهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد، إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخاً كبيراً لا يستطيع السجود فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها، ثم تفرق الناس من المسجد وقريش مسرورة بما سمعت. وأتي جبرائيل عليه السلام إلي النبي صلي الله عليه وآله معاتباً علي ذلك فحزن له حزناً شديداً. فأنزل الله تعالي عليه معزياً له ومسلياً: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ.. الآية.

قلنا: أما الآية فلا دلالة في ظاهرها علي هذه الخرافة التي قَصُّوها، وليس يقتضي الظاهر إلا أحد أمرين: إما أن يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت:

تمني كتاب الله أول ليله وآخره لاقي حمام المقادر

أو أريد بالتمني تمني القلب.

فإن أراد التلاوة، كان المراد من أرسلنا قبلك من الرسل، كان إذا تلا ما يؤديه إلي قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا، كما فعلت اليهود في الكذب علي نبيهم فأضاف ذلك إلي الشيطان، لأنه يقع بوسوسته وغروره. ثم بين أن الله تعالي يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه، ويحسم مادة الشبهة به.

وإنما خرجت الآية علي هذا الوجه مخرج التسلية له صلي الله عليه وآله لما كذب المشركون عليه وأضافوا إلي تلاوته مدح آلهتهم ما لم يكن فيها.

وإن كان المراد تمني القلب، فالوجه في الآية أن الشيطان متي تمني النبي صلي الله عليه وآله بقلبه بعض مايتمناه من الأمور يوسوس إليه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه اليها، وأن الله تعالي ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك استماع غروره.

وأما الأحاديث المروية في هذا الباب، فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل (عليهم السلام) عنه. هذا

لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره.

وكيف يجيز ذلك علي النبي صلي الله عليه وآله من يسمع الله تعالي يقول: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ يعني القرآن، وقوله تعالي: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، وقوله تعالي: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَي!

علي أن من يجيز السهو علي الأنبياء (عليهم السلام) يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي صلي الله عليه وآله لأن الله تعالي قد جنب نبيه من الأمور الخارجة عن باب المعاصي كالغلظة والفظاظة وقول الشعر، وغير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالي.

علي أنه لا يخلو صلي الله عليه وآله _ وحوشي مما قذف به _ من أن يكون تعمد ما حكوه وفعله قاصداً أو فعله ساهياً. ولا حاجة بنا إلي إبطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره، وإن كان فعله ساهياً فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها ثم لمعني ما تقدمها من الكلام، لأنا نعلم ضرورةً أن من كان ساهياً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتي يتفق منه بيت شعر في وزنها وفي معني البيت الذي تقدمه، وعلي الوجه الذي يقتضيه فائدته، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها. وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوي علي النبي صلي الله عليه وآله علي أن الموحي إليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل عليه السلام وكيف يجوز السهو عليه؟!

علي أن بعض أهل العلم قد قال: يمكن أن يكون وجه التباس الأمر أن رسول الله صلي الله

عليه وآله لما تلا هذه السورة في ناد غاصٍّ بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين فانتهي إلي قوله تعالي: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي، وعلم في قرب مكانه منه من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوؤهم به فيهن قال كالمعارض له والراد عليه:

تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي، فظن كثير ممن حضر أن ذلك من قوله صلي الله عليه وآله واشتبه علهيم الأمر، لانهم كانوا يلغطون عند قراءته صلي الله عليه وآله ويكثر كلامهم وضجاجهم طلباً لتغليطه وإخفاء قراءته.

ويمكن أن يكون هذا أيضاً في الصلاة لانهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ويسمعون قراءته ويلغون فيها.

وقيل أيضاً إنه صلي الله عليه وآله كان إذا تلا القرآن علي قريش توقف في فصول الآيات وأتي بكلام علي سبيل الحجاج لهم، فلما تلا: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَ الْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي قال: تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي؟! علي سبيل الإنكار عليهم وأن الأمر بخلاف ما ظنوه من ذلك. وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحاً وإنما نسخ من بعد.

وقيل إن المراد بالغرانيق الملائكة، وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم.

وقيل إن ذلك كان قرآناً منزلاً في وصف الملائكة فتلاه الرسول صلي الله عليه وآله فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته.

وكل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله: إذا تمني ألقي الشيطان في أمنيته، لأن بغرور الشيطان ووسوسته أضيف إلي تلاوته صلي الله عليه وآله مالم يرده بها. وكل هذا واضح بحمد الله تعالي.

نهج الحق للعلامة الحلي/139:

ذهبت الإمامية كافة إلي أن الأنبياء (عليهم السلام) معصومون

عن الصغائر والكبائر ومنزهون عن المعاصي قبل النبوة وبعدها، علي سبيل العمد والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل علي الخسة والضعة.

وخالفت الأشاعرة في ذلك وجوزوا عليهم المعاصي. وبعضهم جوزوا الكفر عليهم قبل النبوة وبعدها، وجوزوا عليهم السهو والغلط، ونسبوا رسول الله صلي الله عليه وآله إلي السهو في القرآن بما يوجب الكفر فقالوا: إنه صلي يوماً وقرأ في سورة النجم عند قوله تعالي: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي. تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي. وهذا اعتراف منه بأن تلك الأصنام ترتجي الشفاعة منها!

نعوذ بالله من هذه المقالة التي نسب النبي إليها، وهي توجب الشرك، فما عذرهم عند رسول الله صلي الله عليه وآله؟!

مجمع البحرين للطريحي:4/239:

رووا أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في المسجد الحرام وقريش يستمعون لقراءته، فلما انتهي إلي هذه الآية: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي، أجري إبليس علي لسانه: فإنها الغرانيق العلي وشفاعتهن لترتجي! ففرحت قريش وسجدوا وكان في ذلك القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفاً من حصي فسجد عليه وهو قاعد، وقالت قريش: قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزي. قال فنزل جبرئيل فقال له: قرأت ما لم أنزل به عليك! انتهي.

وقد طار أعداء الإسلام بهذه القصة كما أشرنا وشنعوا بها علي الإسلام ورسوله، محتجين بأنها وردت في مصادر المسلمين! وكان آخر من استغلها المرتد سلمان رشدي والدول التي وراءه! وقد أخذها من المستشرقين بروكلمان ومونتغمري وأمثالهما، وأخذها هؤلاء من مصادر السنيين!!

وقد نقد الباحث السوداني الدكتور عبدالله النعيم في كتابه (الاستشراق في السيرة النبوية) _ المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1417، استغلال المسشرقين لحديث

الغرانيق ونقل في/51، افتراء بروكلمان حيث قال عن النبي صلي الله عليه وآله (ولكنه علي ما يظهر اعترف في السنوات الأولي من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونهن بنات الله، وقد أشار اليهن في إحدي الآيات الموحاة اليه بقوله: تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترجي... ثم مالبث أن أنكر ذلك وتبرأ منه في اليوم التالي)!!

ونقل الدكتور النعيم في/96 زعم مونتغمري وات (تلا محمد الآيات الشيطانية باعتبارها جزءاً من القرآن إذ ليس من المتصور أن تكون القصة من تأليف المسلمين أو غير المسلمين، وأن انزعاج محمد حينما علم بأن الآيات الشيطانية ليست جزء من القرآن يدل علي أنه تلاها، وأن عبادة محمد بمكة لاتختلف عن عبادة العرب في نخلة والطائف..ولقد كان توحيد محمد غامضاً (!) ولا شك أنه يعد اللات والعزي ومناة كائنات سماوية أقل من الله) انتهي.

أما نحن فإننا تبعاً لأهل البيت (عليهم السلام) نرفض رواية الغرانيق من أصلها، ونعتقد أنها واحدة من افتراءات قريش الكثيرة علي النبي صلي الله عليه وآله في حياته وبعد وفاته.. ونستدل بوجودها علي أن مطلب قريش كان الإعتراف بآلهتها وشفاعتهن، وأن منافقي قريش وضعوا هذه الروايات طعناً في عصمة النبي صلي الله عليه وآله فخدموا بذلك هدف قريش المشركة، وهدف أعداء الإسلام في كل العصور!

ومع أن المستشرقين لا يحتاجون إلي الروايات الموضوعة ليتمسكوا بها، فهم يكذبون علي نبينا صلي الله عليه وآله وعلي مصادرنا جهاراً نهاراً، ولكنا نأسف لأن مصادر إخواننا السنيين روت عدة افتراءات علي النبي صلي الله عليه وآله علي أنها حقائق، منها قصة الغرانيق، ومنها قصة ورقة بن نوفل في بدء الوحي، وغيرها من الروايات المخالفة للعقل والتهذيب والاحترام الذي ينبغي

لمقام النبي صلي الله عليه وآله..ثم لم يرووا ما ورد في مصادرنا من بغض النبي لاصنام قريش منذ طفولته، ولم يرووا تكذيب أهل البيت (عليهم السلام)لرواية ورقة بن نوفل، وتأكيدهم علي الأفق المبين الذي نص عليه القرآن وبدأ فيه الوحي.

وقد ذكر الدكتور النعيم في هامش كتابه المذكور المصادر التي روت حديث الغرانيق وهي طبقات ابن سعد:1/205 وتاريخ الطبري:2/226 وتاريخ ابن الاثير:2/77 وسيرة ابن سيد الناس:1/157.. وقال في/97 (يعتبر الواقدي أول من روج لهذه الفرية ثم أخذها عنه ابن سعد والطبري وغيرهم) وقال في/98 (ولم يرو ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً، ومهما يكن من أمر فالواقدي هو أصلها. إن ما يدعو للتساؤل هو كيف أمكن تمرير هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل!) انتهي.

ولكن عرفت أن أصحاب الصحاح رووها، فعلي الذي يرد سندها أن يرد جميع أسانيدها، لا سند الواقدي وحده!

ثم نقل الدكتور النعيم نقد القاضي عياض في كتابه (الشفا) لحديث الغرانيق سنداً ومتناً، وكذلك نقد القرضاوي في كتابه (كيف نتعامل مع السنة النبوية) ونقل عنه قوله في/93 (ومعني هذا أن تفهم السنة في ضوء القرآن ولهذا كان حديث الغرانيق مردوداً بلا ريب، لأنه مناف للقرآن) انتهي.

وليت بقية الباحثين من إخواننا السنيين يتمسكون بدليل مخالفة القرآن ويردون به المكذوبات التي وضعها المنافقون، وروجتها الخلافة القرشية ورواتها، وما زالت إلي عصرنا صحيحة أو موثقة!!

تنبؤ عميق للنبي حول اللات والعزي

روت مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عندهم أن النبي صلي الله عليه وآله أخبر أن العرب سوف يعبدون اللات والعزي مرة أخري!

فقد روي مسلم في صحيحه:8/182:

عن أبي سلمة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله(ص)يقول: لا يذهب الليل والنهار حتي تعبد اللات والعزي! فقلت يا رسول

الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، أن ذلك تاماً. قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله انتهي.

ورواه الحاكم في مستدركه:4/446 وص 549 وقال في الموردين (هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه) ورواه البيهقي في سنه:9/181 ورواه الهندي في كنز العمال:14/211 وقال عنه السيوطي في الدر المنثور:6/61: وأخرج مسلم والحاكم وصححه.. وقال عن الحديث الأول في:3/231 أخرج أحمد ومسلم والحاكم وابن مردويه عن عائشة. انتهي.

وإذا صحت هذه الأحاديث فتفسيرها أن بعض العرب سوف يكفرون في المستقبل، ويرجعون إلي عبادة اللات والعزي!

ولكن الاقرب أن يكون مقصوده صلي الله عليه وآله أن الأمة سوف تنحرف من بعده وتطيع شخصين من دون الله تعالي، ويكون لهما تأثير اللات والعزي.. لأن من أطاع شخصاً في معصية الله تعالي أو من دون أمره، فقد عبده من دون الله تعالي!!

والنتيجة التي نخلص بها من هذا البحث، أن الشفاعة كانت معروفة عند مشركي العرب، وكان يهمهم أن يثبتوا هذه المنزلة لاصنامهم..وهي نقطة تنفعنا في فهم السبب لوضع بعض الأحاديث التي تدعي توسيع شفاعة نبينا صلي الله عليه وآله لتشمل كل قريش وكل المنافقين وغيرهم، وتحل محل شفاعة اللات والعزي، وتضاهي شفاعة اليهود المزعومة لقوميتهم!!

كليات الشفاعة في القرآن

آيات الشفاعة و عناوينها

الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة في الدني

مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَ كَانَ اللَّهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ مُقِيتًا. النساء: 85.

الشفعاء يوم القيامة يشفعون بعهد من الله تعالي

لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. مريم: 87.

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا. طه: 109.

الاولياء المكرمون ينفعون مواليهم بفاعتهم

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ. يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًي عَنْ مَوْلًي شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ. إِلا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الدخان: 40 _ 42.

عباد الله المكرمون كلهم شفعاء

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء: 26 _ 28.

الشهداء بالحق شفعاء

وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. الزخرف: 86.

الملائكة يشفعون للناس بإذن الله تعالي

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَ يَرْضَي. النجم: 26

الشفيع الأكبر

عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. الضحي: 5

لا شفاعة من دون الله تعالي

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلي رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. الانعام: 51

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. السجدة: 4

لا شفاعة إلا بإذنه و من بعد إذنه

اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَئٍْ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. البقرة: 255

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. يونس: 3

وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّي إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. سبأ: 23

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي. النجم: 26

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ. يونس: 18

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَي كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَي مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. الأنعام: 94

وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ. الروم: 13

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونَ. يس: 23

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. الزمر: 43 _ 44

لا شفاعة في يوم القيامة كشفاعة الدني

وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ. البقرة: 48

وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ. البقرة: 123

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَاتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ. البقرة: 254

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ. الأنعام: 70

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ. الشعراء: 100 _ 101

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ. المدثر: 48

الكفار يبحثون بحثا حثيثا عن الشفعاء

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَاوِيلَهُ يَوْمَ يَاتِي تَاوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ. الأعراف: 53

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا. النبأ: 38

لا شفاعة للظالمين

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الأَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَي الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ. غافر: 18

وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّي أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ. المدثر: 46-48

شفاعة نبينا

تفسير (المقام المحمود) لنبينا

قال الله تعالي: أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلي غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبينا صلي الله عليه وآله في المحشر

لعل أقوي نص في متنه يبين أهمية المقام المحمود الذي وعد الله رسوله صلي الله عليه وآله بأن يكرمه به يوم القيامة، ما رواه الصدوق عن علي عليه السلام، فقد بين فيه أن ليوم القيامة مراحل ومراسم قبل الحساب، وأن المقام المحمود لنبينا صلي الله عليه وآله يبدأ في أوائل مراحل ذلك اليوم العظيم بتلك الخطبة (الفريدة) التي يفتتح بها نبينا المحشر ويلهمه الله تعالي فيها أنواع المحامد لربه تعالي نيابة عن الخلائق، ويعطي علي أثرها لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر، وذلك قبل الحساب والشفاعة وحوض الكوثر..

قال الصدوق في التوحيد في حديث طويل/255 - 262:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيي عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال:

يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل.

قال له عليه السلام: ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل!

قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه.

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا، وقال أيضاً: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ، وقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. فمرة يخبر أنه ينسي ومرة يخبر أنه لا ينسي، فأني ذلك يا أمير المؤمنين!

قال: هات ما شككت فيه أيضاً....

فقال علي عليه السلام: قُدُّوسٌ ربنا قدوس، تبارك وتعالي علواً كبيراً، نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول، ولا نشك فيه، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وأن الكتاب حق، والرسل حق، وأن الثواب والعقاب حق، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك، ولكن سأعلمك ما شككت فيه ولا قوة إلا بالله، فإن أراد الله بك خيراً أعلمك بعلمه وثبتك، وإن يكن شراً ضللت وهلكت.

أما قوله: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً، فصاروا منسيين من الخير

وكذلك تفسير قوله عز وجل: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا، يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب. وأما قوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، فإن ربنا تبارك وتعالي علواً كبيراً ليس بالذي ينسي ولا يغفل، بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول العرب في باب النسيان: قد نَسِيَنَا فلان فلا

يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل؟ قال: نعم، فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.

فقال عليه السلام: وأما قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا، وقوله: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، وقوله: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وقوله: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ، وقوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَي أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فإن ذلك في موطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة! يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم بعضهم بعضاً، ويستغفر بعضهم لبعض، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا. ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا علي الظلم والعدوان في دار الدنيا، الرؤساء والأتباع من المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً. والكفر في هذه الآية: البراءة يقول يبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: إني كفرت بما أشركتمون من قبل، وقول إبراهيم خليل الرحمن: كفرنا بكم، يعني تبرأنا منكم.

ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه، فلو أن تلك الاصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله، فلا يزالون يبكون الدم.

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم الله تبارك وتعالي علي أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا،

قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ.

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون، فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله عز وجل: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَ صَاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ، فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل صلي الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنَا بِكَ عَلَي هَؤُلاءِ شَهِيدًا.

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلي الله عليه وآله وهو المقام المحمود فيثني علي الله تبارك وتعالي بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني علي الملائكة كلهم فلا يبقي ملك إلا أثني عليه محمد صلي الله عليه وآله، ثم يثني علي الرسل: بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثم يثني علي كل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض، فذلك قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فطوبي لمن كان له في ذلك المقام حظ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب.

ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض، وهذا كله قبل الحساب، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه. نسأل الله بركة ذلك اليوم.

قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، وحللت عني عقدةً، فعظم الله أجرك. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:7/119

الصحيفة السجادية:1/37:

اللهم واجعله خطيب وفد المؤمنين إليك، والمكسو حلل الأمان إذا وقف بين يديك، والناطق إذا خرست الألسن في الثناء عليك.

اللهم وابسط لسانه في الشفاعة لامته، وأَرِ أهل الموقف من النبيين وأتباعهم تمكن منزلته، وأوهل أبصار أهل المعروف العلي بشعاع نور درجته، وقفه في المقام

المحمود الذي وعدته، واغفر ما أحدث المحدثون بعده في أمته، مما كان اجتهادهم فيه تحرياً لمرضاتك ومرضاته، وما لم يكن تأليباً علي دينك ونقضاً لشريعته، واحفظ من قبل بالتسليم والرضا دعوته، واجعلنا ممن تكثر به وارديه، ولا يذاد عن حوضه إذا ورده، واسقنا منه كأساً روياً لا نظمأ بعده.

وروي في بحار الأنوار:7/335 عن تفسير فرات الكوفي:

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال النبي صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود، وهو واف لي به. إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتي أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل عليه السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فأقول لعلي: إصعد فيكون أسفل مني بدرجة، فأضع لواء الحمد في يده، ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو أمتك النار، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب، فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها، فهي قول الله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. انتهي.

ويؤيد هذا الحديث أنك لا تجد تفسيراً مقنعاً لتثنية الخطاب في هذه الآية، إلا هذا الحديث!

تفسير القمي:2/25:

وأما قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبدالله عليه السلام

قال: سألته عن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة؟ فقال: يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون: إنطلقوا بنا إلي آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم فيقولون: يا آدم إشفع لنا عند ربك، فيقول: إن لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح، فيأتون نوحاً فيردهم إلي من يليه، ويردهم كل نبي إلي من يليه، حتي ينتهوا إلي عيسي فيقول: عليكم بمحمد رسول الله، فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول: إنطلقوا، فينطلق بهم إلي باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجداً فيمكث ما شاء الله، فيقول الله: إرفع رأسك واشفع تشفع، واسأل تعط، وذلك هو قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. انتهي. ورواه في تفسير نور الثقلين: 3/206.

تفسير العياشي:2/314:

عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله عليه السلام عن المؤمن هل له شفاعة؟ قال: نعم فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلي شفاعة محمد يومئذ؟ قال: نعم إن للمؤمنين خطايا وذنوباً، وما من أحد إلا ويحتاج إلي شفاعة محمد يومئذ. قال وسأله رجل عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر؟ قال: نعم يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع، أطلب تعط، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك، إشفع تشفع واطلب تعط، ثم يرفع رأسه فيشفع، فيشفع ويطلب فيعطي.

روضة الواعظين/500:

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: المقام الذي أشفع فيه لامتي.

وفي/273: وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذي ذريتي

تفسير التبيان:6/512:

وقوله: عسي أن يبعثك ربك

مقاماً محموداً، معناه متي فعلت ما ندبناك إليه من التهجد يبعثك الله مقاماً محموداً، وهي الشفاعة في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وقال قوم: المقام المحمود: إعطاؤه لواء الحمد. وعسي من الله واجبة.

وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي/491:

ولرسول الله صلي الله عليه وآله محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم، له اللواء المعقود لواء الحمد، والحوض المورود، والمقام المحمود، والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية، والدرجة المنيعة علي جميع النبيين وأتباعهم. وكل شئ خص به من التفضيل ورشح له من التأهيل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته علي رعيته أميرالمؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه السلام شريك فيه، وهو صاحب الاعراف، وقسيم الجنة والنار، بنصه الصريح وقوله الفصيح.

وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوانٌ عليه ومساهمون فيه، حسب ما أخبر به وأشار بذكره.

ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر، لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالإيمان دون من سواهم.

ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحديث طريف ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في مواعظ الله تعالي لنبيه عيسي عليه السلام وشاهدنا منه الفقرة الأخيرة المتعلقة ببشارته بنبينا صلي الله عليه وآله وشفاعته، لكن نورده كاملاً لكثرة فوائده.

فقد روي الكليني في الكافي:8/131:

عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عنهم (عليهم السلام) فيما وعظ الله عز وجل به عيسي عليه السلام:

يا عيسي، أنا ربك ورب آبائك إسمي واحد، وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شي، وكل شئ من صنعي، وكل إليَّ راجع.

يا عيسي، أنت المسيح

بأمري، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني، وأنت تحيي الموتي بكلامي، فكن إليَّ راغباً ومني راهباً، ولن تجد مني ملجأً إلا إليَّ.

يا عيسي، أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتي حقت لك مني الولاية بتحرِّيك مني المسرة، فبوركت كبيراً وبوركت صغيراً حيث ما كنت، إشهد أنك عبدي ابن أمتي، أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك، وتقرب إلي بالنوافل، وتوكل عليَّ أكفك، ولا توكل علي غيري فآخذ لك.

يا عيسي، إصبر علي البلاء وارض بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصي.

يا عيسي، أحي ذكري بلسانك، وليكن ودي في قلبك.

يا عيسي، تيقظ في ساعات الغفلة، واحكم لي لطيف الحكمة.

يا عيسي، كن راغباً راهباً، وأمت قلبك بالخشية.

يا عيسي، راع الليل لتحري مسرتي، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي.

يا عيسي، نافس في الخير جهدك، تعرف بالخير حيثما توجهت.

يا عيسي، أحكم في عبادي بنصحي، وقم فيهم بعدلي، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان.

يا عيسي، لا تكن جليساً لكل مفتون.

يا عيسي، حقاً أقول: ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي، ولا خشعت لي إلا رجوت ثوابي، فاشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي.

يا عيسي ابن البكر البتول، إبك علي نفسك بكاء من ودع الاهل وقلي الدنيا وتركها لاهلها، وصارت رغبته فيما عند إلهه.

يا عيسي، كن مع ذلك لين الكلام وتفشئ السلام، يقظان إذا نامت عيون الابرار، حذراً للمعاد والزلازل الشداد، وأهوال يوم القيامة، حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال.

يا عيسي، أكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون.

يا عيسي، كن خاشعاً صابراً، فطوبي لك إن نالك

ما وعد الصابرون.

يا عيسي، رح من الدنيا يوماً فيوماً، وذق لما قد ذهب طعمه، فحقاً أقول: ما أنت إلا بساعتك ويومك، فرح من الدنيا ببلغة، وليكفك الخشن الجشب، فقد رأيت إلي ما تصير، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت.

يا عيسي، إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك، ولا تقهر اليتيم.

يا عيسي، إبك علي نفسك في الخلوات، وانقل قدميك إلي مواقيت الصلوات واسمعني لذاذة نطقك بذكري، فإن صنيعي إليك حسن.

يا عيسي، كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.

يا عيسي، إرفق بالضعيف، وارفع طرفك الكليل إلي السماء وادعني، فإني منك قريب، ولا تدعني إلا متضرعاً إليَّ، وهمك هماً واحداً، فإنك متي تدعني كذلك أجبك.

يا عيسي، إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن كان قبلك، ولا عقاباً لمن انتقمت منه.

يا عيسي، إنك تفني وأنا أبقي، ومني رزقك، وعندي ميقات أجلك، وإليَّ إيابك، وعليَّ حسابك، فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة.

يا عيسي، ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر، الأشجار كثيرة وطيبها قليل، فلا يغرنك حسن شجرة حتي تذوق ثمرها.

يا عيسي، لا يغرنك المتمرد عليَّ بالعصيان، يأكل رزقي ويعبد غيري، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه، ثم يرجع إلي ما كان عليه، فعليَّ يتمرد؟ أم بسخطي يتعرض! فبي حلفت لاخذنه أخذةً ليس له منها منجاً ولا دوني ملجأ، أين يهرب من سمائي وأرضي؟!

يا عيسي، قل لظلمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم، والأصنام في بيوتكم، فإني آليت أن أجيب من دعاني، وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم حتي يتفرقوا.

يا عيسي، كم أطيل النظر، وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون، تخرج الكلمة من أفواههم لا

تعيها قلوبهم، يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلي المؤمنين يا عيسي، لتكن في السر والعلانية واحداً، وكذلك فليكن قلبك وبصرك، واطو قلبك ولسانك عن المحارم، وكف بصرك عما لا خير فيه، فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة، ووردت به موارد حياض الهلكة.

يا عيسي، كن رحيماً مترحماً، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الأهلين، ولا تَلْهُ فإن اللهو يفسد صاحبه، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد، واذكرني بالصالحات حتي أذكرك.

يا عيسي، تب إليَّ بعد الذنب، وذكر بي الأوابين، وآمن بي وتقرب بي إلي المؤمنين، ومرهم يدعوني معك، وإياك ودعوة المظلوم، فإني آليت علي نفسي أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول، وأن أجيبه ولو بعد حين.

يا عيسي، إعلم أن صاحب السوء يُعدي، وقرين السوء يردي، واعلم من تقارن واختر لنفسك إخواناً من المؤمنين.

يا عيسي، تب إلي، فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره، وأنا أرحم الراحمين. إعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون، فيه أجزي بالحسنة أضعافها، وإن السيئة توبق صاحبها، فامهد لنفسك في مهلة، ونافس في العمل الصالح، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار.

يا عيسي، إزهد في الفاني المنقطع، وطأ رسوم منازل من كان قبلك، فادعهم وناجهم، هل تحس منهم من أحد، وخذ موعظتك منهم، واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين.

يا عيسي، قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالأدهان: ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه، سيصطلم مع الهالكين.

طوبي لك يا ابن مريم ثم طوبي لك إن أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحماً، وبدأ النعم منه تكرماً، وكان لك

في الشدائد. لا تعصه يا عيسي فإنه لا يحلك عصيانه. قد عهدت إليك ما عهدت إلي من كان قبلك وأنا علي ذلك من الشاهدين.

يا عيسي، ما أكرمت خليقة بمثل ديني، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي.

يا عيسي، إغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن، فإنك إليَّ راجع.

يا عيسي، أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضاً من غير تكدير، وطلبت منك قرضاً لنفسك فبخلت به عليها، لتكون من الهالكين.

يا عيسي، تزين بالدين وحب المساكين، وامش علي الأرض هوناً، وصل علي البقاع، فكلها طاهر.

يا عيسي، شمر فكل ما هو آت قريب، واقرأ كتابي وأنت طاهر، وأسمعني منك صوتاً حزيناً.

يا عيسي، لا خير في لذاذة لا تدوم، وعيش من صاحبه يزول.

يا ابن مريم، لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه، فليس كدار الآخرة دار، تجاور فيها الطيبون، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالهما آمنون، دارٌ لا يتغير فيها النعيم، ولا يزول عن أهلها.

يا ابن مريم، نافس فيها مع المتنافسين، فإنها أمنية المتمنين، حسنة المنظر، طوبي لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم، لا تبغي لها بدلاً ولا تحويلاً، كذلك أفعل بالمتقين.

يا عيسي، أهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب، ونار ذات أغلال وأنكال، لا يدخلها روح، ولا يخرج منها غم أبداً، قطع كقطع الليل المظلم، من ينج منها يفز، ولن ينجو منها من كان من الهالكين، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين، وكل فظ غليظ، وكل مختار فخور.

يا عيسي، بئست الدار لمن ركن إليها، وبئس

القرار دار الظالمين، إني أحذرك نفسك فكن بي خبيراً.

يا عيسي، كن حيث ما كنت مراقباً لي، واشهد علي أني خلقتك وأنت عبدي.

يا عيسي لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا قلبان في صدر واحد، وكذلك الأذهان.

يا عيسي، لا تستيقظن عاصياً، ولا تستنبهن لاهياً، وافطم نفسك عن الشهوات الموبقات، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها، واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين، فكن مني علي حذو العم. إن دنياك مؤديتك إليَّ وإني آخذك بعلمي، فكن ذليل النفس عند ذكري، خاشع القلب حين تذكرني، يقظاناً عند نوم الغافلين.

يا عيسي، هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك، فخذها مني، وإني رب العالمين.

يا عيسي، إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله عليَّ، وكنت عنده حين يدعوني، وكفي بي منتقماً ممن عصاني، أين يهرب مني الظالمون؟

يا عيسي، أطب الكلام، وكن حيثما كنت عالماً متعلماً.

يا عيسي، أفض بالحسنات إليَّ، حتي يكون لك ذكرها عندي، وتمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب.

يا عيسي، لا تأمن إذا مكرت مكري، ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري.

يا عيسي، حاسب نفسك بالرجوع إلي، حتي تتنجز ثواب ما عمله العاملون، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين.

يا عيسي، كنت خلقاً بكلامي، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل، الامين من ملائكتي، حتي قمت علي الأرض حياً تمشئ كل ذلك في سابق علمي.

يا عيسي، زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك، إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقاً، ونظيرك يحيي من خلقي، وهبته لامه بعد الكبر من غير قوة بها، أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني وتظهر قدرتي. أحبكم إلي أطوعكم لي، وأشدكم خوفاً مني.

يا عيسي، تيقظ ولا تيأس من روحي، وسبحني مع

من يسبحني، وبطيب الكلام فقدّسني.

يا عيسي، كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي، وتقلبهم في أرضي، يجهلون نعمتي ويتولون عدوي، وكذلك يهلك الكافرون.

يا عيسي، إن الدنيا سجن منتن الريح، وحسن فيها ما قد تري مما قد تذابح عليه الجبارون، وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول، وما نعيمها إلا قليل.

يا عيسي، إبغني عند وسادك تجدني، وادعني وأنت لي محب، فإني أسمع السامعين، أستجيب للداعين إذا دعوني.

يا عيسي، خفني وخوف بي عبادي، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون.

يا عيسي، إرهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه، فكل هذا أنا خلقته، فإياي فارهبون.

يا عيسي، إن الملك لي وبيدي، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين.

يا عيسي، إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضي من رضي عنك، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين.

يا عيسي، أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، واذكرني في ملاك أذكرك في ملا خير من ملا الآدميين.

يا عيسي، أدعني دعاء الغريق الحزين، الذي ليس له مغيث.

يا عيسي، لا تحلف بي كاذباً فيهتز عرشئ غضباً. الدنيا قصيرة العمر طويلة الامل وعندي دار خير مما تجمعون.

يا عيسي، كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين.

يا عيسي، قل لظلمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم، أبي تغترون أم علي تجترئون؟! تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة، كأنكم أقوام ميتون!

يا عيسي، قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا، وأقبلوا علي بقلوبكم، فإني لست أريد صوركم.

يا عيسي، إفرح بالحسنة

فإنها لي رضي، وابك علي السيئة فإنها شين، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك، وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الايسر، وتقرب إليَّ بالمودة جهدك، وأعرض عن الجاهلين.

يا عيسي، ذُلَّ لأهل الحسنة وشاركهم فيها، وكن عليهم شهيداً. وقل لظلمة بني إسرائيل: يا أخدان السوء والجلساء عليه، إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير.

يا عيسي، قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة تبكي فرقاً مني، وأنتم بالضحك تهجرون، أتتكم براءتي، أم لديكم أمان من عذابي، أم تعرضون لعقوبتي؟! فبي حلفت لاتركنكم مثلاً للغابرين.

ثم أوصيك يابن مريم البكر البتول، بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر، والوجه الأقمر، المشرق بالنور، الطاهر القلب، الشديد البأس، الحيي المتكرم، فإنه رحمة للعالمين، وسيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين عليَّ وأقرب المرسلين مني، العربي الامين، الديان بديني، الصابر في ذاتي، المجاهد المشركين بيده عن ديني، أن تخبر به بني إسرائيل، وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه، وأن ينصروه.

قال عيسي: إلهي من هو حتي أرضيه، فلك الرضا؟ قال: هو محمد رسول الله إلي الناس كافة، أقربهم مني منزلة، وأحضرهم شفاعة، طوبي له من نبي، وطوبي لامته إن هم لقوني علي سبيله، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء، أمين ميمون، طيب مطيب، خير الباقين عندي، يكون في آخر الزمان، إذا خرج أرخت السماء عزاليها، وأخرجت الأرض زهرتها، حتي يروا البركة، وأبارك لهم فيما وضع يده عليه، كثير الازواج، قليل الأولاد، يسكن بكة، موضع أساس إبراهيم.

يا عيسي، دينه الحنيفية، وقبلته يمانية، وهو من حزبي وأنا معه، فطوبي له ثم طوبي له، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن، يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيداً،

له حوض أكبر من بكة إلي مطلع الشمس، من رحيق مختوم، فيه آنية مثل نجوم السماء، وأكواب مثل مدر الأرض، عذب فيه من كل شراب، وطعم كل ثمار في الجنة، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه. علي فترة بينك وبينه، يوافق سره علانيته، وقوله فعله، لايأمر الناس إلا بما يبدأهم به، دينه الجهاد في عسر ويسر، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم. علي دين إبراهيم، يسمي عند الطعام، ويفشئ السلام، ويصلي والناس نيام، له كل يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلي الصلاة كنداء الجيش بالشعار، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها، ويخشع لي قلبه ورأسه، النور في صدره والحق علي لسانه، وهو علي الحق حيثما كان أصله. يتيمٌ ضال برهة من زمانه عما يراد به، تنام عيناه ولاينام قلبه، له الشفاعة، وعلي أمته تقوم الساعة، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه، ولا يحرفوا سنته، وأن يقرؤوه السلام، فإن له في المقام شأناً من الشأن. انتهي.

وقد يكون حدث في هذا النص تغيير ما من الرواة، ولكن فيه أفكاراً وأموراً مهمة يحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد في مصادرنا عن عيسي عليه السلام بالنصوص التي تشابهها من الانجيل والتوراة، لمعرفة التفاوت والتغيير فيها.

تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا

مسند أحمد:2/441:

عن أبي هريرة عن النبي(ص)في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال: هو المقام الذي أشفع لامتي فيه.

الدر المنثور:4/197:

أخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس

يصيرون يوم القيامة جثاء، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا، حتي تنتهي الشفاعة إلي النبي(ص)، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة (رض) عن النبي(ص)في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، وسئل عنه قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي.

وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: المقام المحمود الشفاعة.

وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال مقام الشفاعة.

وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص (رض) قال: سئل رسول الله(ص)عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة.

الدر المنثور:4/198:

وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان (رض) قال: يقال له: سل تعطه، يعني النبي(ص)، واشفع تشفع، وادع تجب، فيرفع رأسه فيقول: أمتي مرتين أو ثلاثاً فقال سلمان (رض): يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان، أو مثقال شعيرة من إيمان، أو مثقال حبة خردل من إيمان. قال سلمان (رض): فذلكم المقام المحمود.

الدر المنثور:5/98:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ فتبسم حتي بدت نواجذه ثم قال: إني كنت في صلبه، وهبط إلي الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذفت في النار في صلب أبي ابراهيم، لم يلتق أبواي قط علي سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلي الارحام الطاهرة، مصفي مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، قد أخذ الله

بالنبوة ميثاقي وبالإسلام هداني وبين في التوراة والإنجيل ذكري، وبين كل شئ من صفتي في شرق الأرض وغربها، وعلمني كتابه، ورقي بي في سمائه، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد، ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر، وأنا أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجني في خير قرون أمتي، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. انتهي.

ورواه في كنز العمال:12/427 وأضاف فيه: قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت في النبي (ص):

من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورقُ

ثم سكنت البلاد لا بشرٌ أنت ولا نطفة ولا عل_ق

مطهر تركب السفين وق_د ألجم أهل الضلالة الغ_رق

تنقل من صلب إلي رحم إذا مضي عالم بدا طبق

تفسير الطبري:15/97:

وقوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، عن ابن عباس قال: المقام المحمود مقام الشفاعة..

ومثله في طبقات المحدثين بأصبهان:1/201 عن جابر وأبي سعيد مرفوعاً وفي مختصر تاريخ دمشق لابن منظور:1 جزء 2/165 عن ابن عباس.

الشفا للقاضي عياض:1/188:

فصل في تفضيله(ص)بالشفاعة والمقام المحمود، قال الله تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا... عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثي، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا يا فلان إشفع لنا، حتي تنتهي الشفاعة إلي النبي(ص)، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.

تفسير الرازي:11 جزء 21/31:

قال الواحدي: أجمع المفسرون علي أنه (المقام المحمود) مقام الشفاعة... إن احتياج الإنسان إلي دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلي تحصيل المنافع الزائدة التي لا حاجة به إلي تحصيلها. وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا

مَحْمُودًا، هو الشفاعة في إسقاط العقاب. انتهي. وراجع التفسير الوسيط للنيسابوري:3/122.

وقال في: 16 جزء 32/127: قوله تعالي: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة... شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

صحيح البخاري:8/183:

فأستأذن علي ربي في داره! فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول: إرفع يا محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال فأرفع رأسي فأثني علي ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضاً يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فاستأذن علي ربي في داره! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ماشاء الله أن يدعني ثم يقول: إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه، قال فأرفع رأسي فأثني علي ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال ثم أشفع، فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلي ربي في داره! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ماشاء الله أن يدعني، ثم يقول إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه، قال فأرفع رأسي فأثني علي ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، حتي ما يبقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود.قال: ثم تلا الآية: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم(ص). ونحوه في صحيح مسلم:1/123 ومسند أحمد: 3/244 وشبيهه في مسند أحمد:1/398 وسنن الترمذي:4/370 ومستدرك الحاكم:4/496 والدر المنثور:3/87 عن

الطبري.

وفي الدر المنثور:6/257 في قصة الدجال:

عن ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال... إلي آخر الرواية. وستأتي بتمامها في بحث الخلود في الجنة والنار وفي بعض نصوصها تجسيم صريح وفي بعضها رائحة التجسيم.

وكذلك ما رواه البخاري في تسعة مواضع من صحيحه:2 جزء 4/105 وج 3 جزء 5/146 وص 225 وص 228 وج 7/203 وج 8/172 وص 183 وص 200 وص 203 من حديث الشدة التي تكون علي الناس في المحشر حتي يلجؤون (كذا) إلي آدم وغيره من الأنبياء فيحولونهم علي نبينا صلي الله عليه وآله فيشفع إلي الله تعالي فيشفعه. وروي ذلك في كنز العمال:2/26 وغيره.

سنن الدارمي:2/325:

عن ابن مسعود عن النبي(ص)قال قيل له: ما المقام المحمود؟ قال: ذاك يوم ينزل الله تعالي علي كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسي إبراهيم، يقول الله تعالي إكسوا خليلي فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسي علي أثره، ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والآخرون. انتهي.

ورواه الحاكم في:2/364 والبغوي في مصابيحه:3/552 والهندي في كنز العمال:14/412 والسيوطي في الدر المنثور:3/84 وروي نحوه في الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324 قال: وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل: يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال...

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش..فقال رسول الله(ص)... وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد! انتهي. ورواه

في كنز العمال: 14/636.

وفي فردوس الأخبار:3/85:

عن ابن عمر: عسي الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، يجلسني معه علي السرير.

وفي:4/298 عن أنس بن مالك: من كرامتي علي ربي عز وجل قعودي علي العرش.

مجمع الزوائد:7/51:

وعن ابن عباس أنه قال في قول الله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، يجلسه بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. ورواه السيوطي في الدر المنثور:4/198.

وروي البيهقي في دلائل النبوة:5/481:

يأتي رسول الله (ص) يوم القيامة إلي الله وهو جالس علي كرسيه.

وقال الشوكاني في فتح القدير:3/316:

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً معه علي كرسيه حكاه ابن جرير... وقد ورد في ذلك حديث.

وفي تاريخ بغداد:3/22 عن ليث بن مجاهد في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال: يقعده معه علي العرش..

وفي تاريخ بغداد:8/52:

عن عبدالله بن خليفة قال قال رسول الله (ص): الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد!

قال أبوبكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبوبكر بن سلم العابد حين قدمنا إلي بغداد: أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة، فكتبه أبوبكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً، وقال أبوبكر بن سلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد(ص)ليجلسه عليه! قال أبوبكر الصيدلاني: من رد هذا فإنما أراد الطعن علي أبي بكر المروزي، وعلي أبي بكر بن سلم العابد!!

القعود علي العرش فكرة يهودية مسيحية

قال جولد تسيهر في مذاهب التفسير الإسلامي/122:

سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع علي مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي

أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، ما المراد من المقام المحمود؟ ذهب الحنابلة... إلي أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله يقعد النبي معه علي العرش... ربما كان هذا متأثراً بما جاء في انجيل مرقص 16 - 19، وآخرون ذهبوا إلي أن المقام المحمود... هو مرتبة الشفاعة التي يرفع إليها النبي. انتهي.

وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الإسلامية أن أفكار التجسيم والصفات المادية لله تعالي وعرشه قد أخذها بعض المسلمين من اليهود وأدخلوها في الثقافة الإسلامية، وأضاف اليها هؤلاء المقلدة إجلاس نبيهم إلي جنب الله تعالي! بينما روي اليهود إجلاس موسي وداود إلي جنبه! وروي المسيحيون جلوس عيسي علي السرير إلي جنب أبيه!! وقد تقدم ذلك في الشفاعة عند اليهود والنصاري.

ونلاحظ أن ابن سلام اليهودي الذي أسلم يقول عن نبينا صلي الله عليه وآله إنه لا يجلس إلي جنب الله تعالي بل (يلقي) له كرسيٌّ في جنب المجلس مثلاً فيجلس عليه!

قال البيهقي في دلائل النبوة:5/486: عن عبد الله بن سلام: وينجو النبي (ص) والصالحون معه، وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم.. حتي ينتهي إلي الله عز وجل فيلقي له كرسي. انتهي.

وسوف تعرف في بحث الشفيع الأول أن مصادر السنيين تأثرت بالاسرائيليات وصححت رواياتها وجعلت شفاعة أنبياء بني إسرائيل قبل نبينا صلي الله عليه وآله وجعلته الشفيع الرابع.

قال السيوطي في الدر المنثور:4/198: وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود (رض) قال: يأذن الله تعالي في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ثم يقوم عيسي وموسي (عليهم السلام) ثم يقوم نبيكم(ص)رابعاً ليشفع... ورواه الحاكم في المستدرك: 4/496 بسند صحيح

علي شرط الشيخين!!

أما الفتنة التي ذكرها تسيهر فقد ذكرها ابن الأثير في تاريخه:5/121 فقال: (في سنة 317 ه_) وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين غيرهم من العامة، ودخل كثير من الجند فيها، وسبب ذلك أصحاب المروزي قالوا في تفسير قوله تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، هو أن الله سبحانه يقعد النبي (ص) معه علي العرش! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة، فوقعت الفتنة فقتل بينهم قتلي كثيرة. انتهي.

وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام: 23/384 وأنها بسبب تفسير آية المقام المحمود، حيث قالت الحنابلة إنها تعني أن الله يقعده علي عرشه كما قال مجاهد. وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمي.

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود علي العرش

قال السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 1/570:

قال الإمام الطحاوي رحمه الله: والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم ولا نقنّطهم.

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم)ومن تلك الآيات قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. الضحي: 3 وقال تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79 وتفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت في الصحيحين وغيرهما [1] .

وقال الله تعالي: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا.طه: 109. وقال تعالي: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ. يونس: 3.

وفي شفاعة الملائكة قوله تعالي: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ.. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء:

78.

وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/170:

وهذا الخلال يقول في سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي [2] من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، قال يقعده علي العرش [3] فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه.

أقول: ومن العجيب الغريب أن الآلباني ينكر هذا، ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً ويحكم علي هذا الأثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم 19: إسناده ضعيف! فهل هؤلاء جهمية! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم!

ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد (صلي الله عليه وآله) بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي (صلي الله عليه وآله) والدليل علي ما قلناه قول الخلال هناك/237: (وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي (وهو مجهول بنظر المحقق): إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضيلة الرسول(ص)فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام!!) وقال/234 ناقلاً (وأنا أشهد علي هذا الترمذي أنه جهمي خبيث)! انتهي.

[1] أنظر البخاري 3 - 338 و 8 - 399 و 13 - 422 ومسلم 1 - 179. ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد علي العرش بجنب الله! تعالي الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً، وهم يعتمدون علي ذلك علي ما يروي عن مجاهد بسند ضعيف من

أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع، وتكفل الخلال في كتابه السنة 1 - 209 بنصرة التفسير المخطئ المستبشع، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء!.

[2] مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذي ;. ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 في الهامش تعليق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك/232 فقال في الهامش التعليق رقم 8 (كنت أظنه جهم، ولكن اتضح من الروايات أنه يقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلي معرفته) فيا للعجب!!.

[3] وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد (صلي الله عليه وآله) بجنب الله تعالي علي العرش! تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً! والدليل عليه قول الخلال هناك/244: حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد قال: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال: يجلسه معه علي العرش قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية.

تفسير قوله تعالي (و لسوف يعطيك ربك فترضي)

قال الله تعالي: وَالضُّحَي وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَي مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَي وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. الضحي: 1 - 5.

والعطاء في الآية مطلق شامل لانواع ما يعطيه الله تعالي لرسوله صلي الله عليه وآله ومن الطبيعي أن يكون عطاء عظيماً متناسباً مع كرم الله تعالي علي حبيبه أشرف الخلق وسيد المرسلين صلي الله عليه وآله.. ولم تنص الآية علي أنه الشفاعة ولكن بعض الأحاديث نصت

علي ذلك، وبعضها نص علي أنها الشفاعة في أهل بيته وبني هاشم وعبد المطلب، وبعضها نص علي أنه العطاء في الجنة، وبعضها أطلق..وبعضها قال إنها الشفاعة في أهل بيته وأمته..وجعلها بعضهم الشفاعة في جميع أمته صلي الله عليه وآله بحيث لا يدخل أحد منها النار أبداً! ولكن ذلك لا يصح لأنه مخالف لما ثبت عنه صلي الله عليه وآله من دخول بعض أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الإلهي، كما ستعرف.

تفسير الآية بالعطاء الالهي الاعم من الشفاعة

تفسير القمي:2/427:

حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسي بن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: وللآخرة خير لك من الأولي، قال: يعني الكرة هي الآخرة للنبي صلي الله عليه وآله. قلت قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: يعطيك من الجنة فترضي. ورواه في مختصر بصائر الدرجات/47 وفي بحار الأنوار:53/59 وفي تفسير نور الثقلين:5/594.

تفسير التبيان:10/369:

قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب وفنون النعم ما يرضي النبي صلي الله عليه وآله به ويؤثره.

تأويل الآيات:2/810:

قوله تعالي: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. تأويله ما رواه محمد بن العباس رحمه الله عن أبي داود، عن بكار، عن عبد الرحمان، عن إسماعيل بن عبدالله، عن علي بن عبد الله بن العباس قال: عرض علي رسول الله صلي الله عليه وآله ما هو مفتوح علي أمته من بعده كفراً كفراً فسرَّ بذلك فأنزل الله عز وجل: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: فأعطاه الله عز وجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك، وفي كل قصر

ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وقوله: كفراً كفراً أي قرية، والقرية تسمي كفراً. انتهي.

ورواه في الدر المنثور:6/361:

عن ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال... الخ.

وقال: أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله (ص): عرض عليَّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني، فأنزل الله: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي.

بحار الأنوار:16/136:

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، أي من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من الكرامة، أو في الدنيا أيضاً من إعلاء الدين وقمع الكافرين.

سيرة ابن هشام:1/278:

قال ابن إسحاق: ثم فتر الوحي عن رسول الله(ص)فترةً من ذلك حتي شق ذلك عليه فأحزنه، فجاءه جبريل بسورة الضحي يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به: ما ودَّعه وماقلاه، فقال تعالي: وَالضُّحَي وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَي، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَي، يقول: ما صرمك فتركك، وما أبغضك منذ أحبك. وللآخرة خير لك من الأولي، أي لَمَا عندي من مرجعك إليَّ خيرٌ لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا. ولسوف يعطيك ربك فترضي، من الفلج في الدنيا والثواب في الآخرة.

تفسيرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقا

تفسير فرات الكوفي/570:

فرات قال: حدثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعناً: عن حرب بن شريح البصري قال: قلت لمحمد بن علي (عليهما السلام): أي آية في كتاب الله أرجي؟ قال: مايقول فيها قومك قال قلت يقولون: يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، قال: لكنا أهل البيت لا نقول ذلك. قال قلت: فأيش تقولون فيها؟ قال نقول: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي،

الشفاعة والله، الشفاعة والله الشفاعة. ورواه في بحار الأنوار:8/57.

وقال في هامش تفسير فرات:

وأخرج الحسكاني في شواهد التنزيل عن الحسين بن محمد الثقفي عن الحسين بن محمد بن حبيش المقري، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلي، عن محمد بن أحمد المرادي، عن حرب بن شريح البزاز، عن محمد بن علي الباقر، عن ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أشفع لامتي حتي ينادي ربي: رضيت يا محمد؟ فأقول: رب رضيت. ثم قال الباقر: إنكم معشر أهل العراق تقولون إن أرجي آية في القرآن: يا عبادي الذين أسرفوا.. قلت: إنا لنقول ذلك. قال: ولكنا أهل البيت نقول: إن أرجي آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، وهي الشفاعة.

وفي الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح (رض) قال قلت: لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي؟ قال: إي والله، حدثني عمي محمد بن الحنفية، عن علي أن رسول.. (بما يشبه رواية الحسكاني). انتهي.

وقال أيضاً:

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن (رض) أنه سئل عن قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي؟ قال: هي الشفاعة. انتهي. وروي الأول منهما في كنز العمال:14/636 عن مسند علي، ورواه الواحدي النيسابوري في تفسيره:4/510 والكاندهلوي في حياة الصحابة:3/46 والشوكاني في فتح القدير:5/568.

مناقب آل أبي طالب:1/190، قال حسان:

لئن كلم الله موسي علي شريف من الطور يوم الند

ف__إن النب__ي أبا قاس_م حبي بالرسالة فوق السم

وقد صار بالقرب من ربه علي قاب قوسين لما دن

وإن فجَّر الماء موسي لهم عيوناً

من الصخر ضرب العص

فمن كفِّ أحمد قد فجرت عيونٌ من الماء يوم الظم

وإن كان هارون من بعده حبي بال_وزارة ي_وم الم_ل

ف_إن ال_وزارة ق_د ناله_ا علي بلا شك ي_وم الف_د

وقال كعب بن مالك الأنصاري:

فإن يك موسي كلم الله جهرةً علي جبل الطور المنيف المعظم

فقد كلم الله النبي محمداً علي الموضع الاعلي الرفيع المسوم

داود عليه السلام كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل، ولمحمد القرآن: ما فرطنا في الكتاب من شئ، وليست السلسلة كالكتاب، والسلسلة قد فنيت والقرآن بقي إلي آخر الدهر. وكان له النغمة، ولمحمد الحلاوة: وإذا سمعوا ماأنزل إلي الرسول... قال حسان:

وإن كان داود قد أوبت جبال لديه وطير الهو

ففي كف أحمد قد سبحت بتقديس ربي صغار الحصي

... وسليمان كان يصفدهم لعصيانهم، ونبينا أتوه طائعين راغبين. وسأل سليمان ملك دنيا: رب هب لي ملكاً... وعرض مفاتيح خزائن الدنيا علي محمد فردها، فشتان بين من يسأل وبين من يعطي فلا يقبل، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وقال لسليمان: أمنن أو امسك بغير حساب، وقال لنبينا: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. قال حسان بن ثابت:

وإن كانت الجن قد ساسها سليمان والريح تجري رخ

فشه_ر غ_دوٌّ به رابي_اً وشهر رواحٌ به إن يش

فإن النب_ي س_ري ليل_ةً من المسجدين إلي المرتقي

وقال كعب بن مالك:

وإن تك نمل البر بالوهم كلمت سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمي

فهذا نبي الله أحمدُ سبحت صغار الحصي في كفه بالترنم

ورواه في بحار الأنوار:16/415.

مناقب آل ابي طالب:3/103:

وكان رسول الله صلي الله عليه وآله يهتم لعشرة أشياء فآمنه الله منها

وبشره بها:

لفراقه وطنه فأنزل الله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلي مَعَادٍ.

ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب، فنزل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.

ولامته من العذاب، فنزل: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ.

ولظهور الدين، فنزل: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ.

وللمؤمنين بعده، فنزل: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة.

ولخصمائهم، فنزل: يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا.

وللشفاعة، فنزل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وللفتنة بعده علي وصيه، فنزل: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ.يعني بعلي.

ولثبات الخلافة في أولاده، فنزل: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ.

ولابنته حال الهجرة، فنزل: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا... الآيات. انتهي.

وقال الفخر الرازي في تفسيره:16 جزء 31/213:

قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، فالمروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة... واعلم أن الحمل علي الشفاعة متعين ويدل عليه وجوه (أحدها) أنه تعالي أمره (ص) في الدنيا بالاستغفار... عن جعفر الصادق أنه قال: رضا جدي أن لا يدخل النار موحد، وعن الباقر: أهل العراق يقولون: أرجي آية قوله (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ)... الخ.

تفسيرها بشفاعة النبي لأهل بيته خاصة

تفسير فرات الكوفي/570:

قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال: حدثنا عباد، عن نصر، عن محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس(رض) في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: يدخل الله ذريته الجنة.

تأويل الآيات:2/810:

وروي أيضاً عن محمد بن أحمد بن الحكم، عن محمد بن يونس، عن حماد بن عيسي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه صلي الله عليهما، عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلي الله

عليه وآله علي فاطمة عليها السلام وهي تطحن بالرحي وعليها كساء من جلَّة الإبل فلما نظر إليها بكي وقال لها: يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً، فأنزل الله عليه: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وروي أيضاً عن أحمد بن محمد النوفلي، عن أحمد بن محمد الكاتب، عن عيسي بن مهران بإسناده إلي زيد بن علي عليه السلام في قول الله عز وجل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: إن رضي رسول الله صلي الله عليه وآله إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة، وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم. فعلي أعدائهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

مناقب آل أبي طالب:3/120:

تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد عليه السلام وتفسير القشيري عن جابر الأنصاري أنه رأي النبي صلي الله عليه وآله فاطمة وعليها كساء من جلة الإبل... الخ.

ورواه في تفسير نور الثقلين:5/594 عن المناقب لابن شهر آشوب عن تفسير الثعلبي، وفي بحار الأنوار: 39/85 عن تفسير الثعلبي وعن تفسير القشيري عن جابر الأنصاري.

ورواه في الدر المنثور:6/361 قال: وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله (ص)علي فاطمة وهي تطحن بالرحي... الخ.

مناقب أمير المؤمنين:1/153:

محمد بن سليمان قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: وحدثني محمد بن الصباح الدولابي قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي في قوله تعالي: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً، قال: المودة في آل الرسول. وفي قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: يدخل أهل بيته الجنة.

أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد

عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي في قوله عز وجل: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا، قال: المودة في آل الرسول صلي الله عليه وآله. وفي قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، فقال: رضي محمد صلي الله عليه وآله أن يدخل أهل بيته الجنة. انتهي.

وقال في هامشه: أقول: وقريباً منه رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية 23 من سورة الشوري والآية 5 من سورة الضحي في كتاب شواهد التنزيل: 2/147 و 344.

مناقب آل أبي طالب:2/15:

تفسير وكيع، قال ابن عباس في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، يعني ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة ترضي بذلك عن ربك. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 8/43.

بحار الأنوار:24/48:

وروي عن ابن المغازلي أيضاً بإسناده عن السدي مثله، وزاد في آخره: وقال في قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: رضي محمد صلي الله عليه وآله أن يدخل أهل بيته الجنة.

الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود (رض) قال قال رسول الله (ص): إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي..

تفسيرها بشفاعة النبي لجميع أمته

شعب الإيمان للبيهقي:2/164:

عن ابن عباس من قوله عز وجل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. قال: رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة.

الدر المنثور:6/361:

وأخرج

البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.، قال: رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم.

وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: لا يرضي محمد واحد من أمته في النار.

وأخرج مسلم عن ابن عمرو (رض) أن النبي(ص) تلا قول الله في إبراهيم: فمن تبعني فإنه مني، وقول عيسي: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ.. الآية، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكي، فقال الله: يا جبريل إذهب إلي محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك.

تفسير نور الثقلين:5/595:

في مجمع البيان عن الصادق عليه السلام قال: دخل رسول الله صلي الله عليه وآله علي فاطمة عليها السلام وعليها كساء من جلة الابل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلي الله عليه وآله لما أبصرها فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وقال الصادق عليه السلام: رضا جدي أن لا يبقي في النار موحد.

وروي حريث بن شريح، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال: يا أهل العراق تزعمون أن أرجي آية في كتاب الله عز وجل: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ.. الآية، وإنا أهل البيت نقول: أرجي آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، وهي والله الشفاعة ليعطاها في أهل لا إله إلا الله حتي يقول: رب رضيت.

مجمع البحرين:1/115:

وفي حديث النبي صلي الله عليه وآله: كساه الله من حلل الأمان. قال بعض الشارحين: المراد أمان أمته من النار، فإن الله

تعالي قال له: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.، وهو صلي الله عليه وآله لا يرضي بدخول أحد من أمته إلي النار، كما ورد في الحديث.

مجمع البحرين:2/186:

قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال المفسرون: اللام في (ولسوف) لام الإبتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف، والتقدير: ولانت سوف يعطيك، وليست بلام قسم لأنها لا تدخل علي المضارع إلا مع نون التأكيد. وفي الرواية: إن أرجي آية في كتاب الله هذه الآية، لأنه لا يرضي بدخول أحد من أمته النار.

بحار الأنوار:79/91:

(المكسو حلل الأمان) قال الشيخ البهائي رحمه الله: المراد أمان أمته من النار، فإن الله تعالي قال له: ولسوف يعطيك ربك فترضي، وهو صلي الله عليه وآله لا يرضي بدخول أحد من أمته في النار، كما ورد في الحديث، وحلل الأمان استعارة.

ملاحظتان

الأولي: قد يشكل علي بعض هذه الأحاديث بأن سورة الضحي مكية فكيف نزلت في المدينة بعد ما قاله النبي للزهراء صلي الله عليه وعليها؟ أو بعد أن سب بعض القرشيين بني هاشم وقال (إنما مثل محمد فيهم كمثل شجرة في كبا) كما ذكرت بعض الروايات؟.

والجواب: أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآيات مرتين أو مرات، كما قرر ذلك علماء التفسير في أسباب النزول، فيكون النزول الثاني مؤكداً، أو مبيناً لمصاديق الآية، أو تأويلاً لها.. ومن الواضح أن هذه الآية من النوع الذي يصح نزوله في أكثر من مناسبة لتطمين النبي صلي الله عليه وآله وتذكيره بنعم الله تعالي الآتية، ليتحمل أحقاد المشركين ومؤامراتهم، ومتاعب الأمة وأذاياها، ومصاعب الدنيا ومراراتها.

ويؤيد نزولها مرة ثانية ما رواه السيوطي في الدر المنثور:6/361: وأخرج ابن مردويه عن عكرمة (رض) قال: لما نزلت وللاخرة خير

لك من الأولي، قال العباس بن عبد المطلب: لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو خير له. انتهي.

ويؤيده أيضاً ما رواه المجلسي في بحار الأنوار:22/533: عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما حضرت النبي الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي عليه السلام فقال: حاجتك؟ قال: أردت الدخول إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال علي عليه السلام: لست تصل إليه فما حاجتك؟ فقال الرجل: إنه لابد من الدخول عليه، فدخل علي فاستأذن النبي (عليهما السلام) فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال: يا نبي الله إني رسول الله إليك، قال: وأي رسل الله أنت قال: أنا ملك الموت، أرسلني إليك يخيَّرك بين لقائه والرجوع إلي الدنيا، فقال له النبي صلي الله عليه وآله: فأمهلني حتي ينزل جبرئيل فأستشيره، ونزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولي، ولسوف يعطيك ربك فترضي، لقاء الله خير لك، فقال صلي الله عليه وآله: لقاء ربي خير لي، فامض لما أمرت به، فقال جبرئيل لملك الموت: لا تعجل حتي أعرج إلي ربي وأهبط... الخ. انتهي.

علي أنا نلاحظ في بعض رواياتها أن النبي صلي الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام (يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.) وهو يدل علي أن النبي ذكَّر فاطمة بنزول الآية، لا أنها نزلت في ذلك الوقت.

الثانية: نلاحظ في تفسير هذه الآية ملامح الاتجاه إلي توسيع الشفاعة لكل المسلمين، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسيئهم! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمين والجبارين والطغاة ومحرفي الدين والمفسدين في أمور البلاد والعباد! ولا اشترطت شروطاً

لنيل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً: من مات علي الشهادتين وكان من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ولم يكن في رقبته ظلم للعباد.. ولو أنها اشتملت علي ذلك لكان لعمومها وجه يمكن الدفاع عنه.. ولكنها وأمثالها من الروايات تريد أن تقول إن المسلمين كلهم يدخلون الجنة مهما ارتكبوا من معاص ومظالم، ومهما انحرفوا عن في سلوكهم الخاص والعام عن الإسلام وخالفوا الله تعالي ورسوله! بل مهما حرَّفوا الإسلام وأعملوا معاولهم في هدم أصوله وتغيير فروعه..! فما داموا مسلمين بالاسم منتمين إلي أمة النبي فإن النبي صلي الله عليه وآله لا يرضي يوم القيامة حتي يدخلهم الجنة إلي آخر نفر!!

وهذه نفس مقولة اليهود (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ولا يمكن التوفيق بينها وبين آيات القرآن والأحاديث التي اتفق الجميع علي صدورها عن النبي صلي الله عليه وآله.. مثل إخباره بأن بعض أصحابه يمنعون من ورود الحوض، ويؤمر بهم إلي النار.. كما سيأتي في محاولات توسيع الشفاعة، إن شاء الله تعالي، وستعرف أن عدداً من الآيات والأحاديث الثابتة عند الجميع تنص علي أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لا يمكن أن تشمل أنواعاً من المجرمين والظالمين، حتي لو كانوا من أمة رسول الله صلي الله عليه وآله وصحابته، وحتي لو كان عندهم بعض الأعمال الحسنة، لأن إجراء قوانين الجزاء والعقاب من مقتضيات العدل الالهي.

ولذلك فإن مقولة (أن النبي لا يرضي مادام أحد من أمته محكوماً عليه بدخول النار) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلي النبي وآله صلي الله عليه وعليهم، لأن الآيات والأحاديث القطعية تعارضها، ويعارضها حكم العقل أيضاً، لأنها تساوي بين المحسنين والفجار، بل تبطل القانون الالهي في العقاب!

وبسبب ذلك نستظهر أن أصل

الحديث شفاعته صلي الله عليه وآله لأهل بيته فجعلوه لأمته، كما حرفوا غيره من الأحاديث والمناقب الخاصة ببني هاشم أو بالعترة وجعلوه لكل قريش أو لكل الأمة، ومن ذلك حديث (الأئمة من بعدي اثنا عشر من أهل بيتي) فجعلوه من قريش! ولا يتسع المجال للتفصيل.

نعم يمكن القول بشمول شفاعته صلي الله عليه وآله لكل أمته إذا حددنا مفهوم أمته صلي الله عليه وآله بمن يقبلهم ويرتضيهم بسبب صحة عقيدتهم وصحة خطهم العام، فتشمل شفاعته خيار الموحدين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فهؤلاء قد يصح القول فيهم ان النبي صلي الله عليه وآله لا يرضي أن يدخلوا النار.

وقد ورد معني قريب مما ذكرنا في دعاء في بحار الأنوار: 94/119 يقول: اللهم إنك قلت لنبيك صلي الله عليه وآله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. اللهم إن نبيك ورسولك وحبيبك وخيرتك من خلقك لا يرضي بأن تعذب أحداً من أمته دانك بموالاته وموالاة الأئمة من أهل بيته وإن كان مذنباً خاطئاً في نار جهنم، فأجرني يا رب من جهنم وعذابها، وهبني لمحمد وآل محمد، يا أرحم الراحمين. انتهي.

حدود الشفاعة

من الطبيعي للباحث في مسائل الآخرة والحساب والشفاعة والجنة والنار، أن يتذكر دائماً أن مصدر معلوماته عن ذلك العالم وكل عوالم الغيب إنما هو النصوص الشريفة من القرآن والسنة، وأن بحثه في مسائله يعني الاهتداء بالعقل والفكر في إطار هذه النصوص لا خارجها.. ولذلك يحتاج في كثير من التفاصيل وأحياناً في أمر أساسي، إلي التوقف عند القدر المتيقن من النصوص، حتي لا يقول في دين الله تعالي بغير علم.

ومن الملاحظ في آيات الجنة والنار والشفاعة أن أحاديثها التي تصنف الناس بأنهم من أهل النار أو من

أهل الجنة، لا تستوعب كل أصناف الناس، بل تبقي أصناف كثيرة خارجة عن القدر المتيقن من الطرفين.. وكذلك الأمر في الشفاعة حيث نجد في القرآن الكريم شروطاً للشفعاء وللمشفوع لهم، ونجد في السنة تفصيلات لها وذكراً لأصناف من الناس تشملهم الشفاعة، أو لا تشملهم.. وتبقي أصناف أخري من الناس لا تذكرها النصوص ولا تشملها.

والحل في مثل هذه الحالة التوقف وعدم التورط في تصنيف عباد الله في الجنة أو النار، أو داخل الشفاعة أو خارجها، بالظنون والاحتمالات، كما يفعل البعض!

المذاهب في حدود الشفاعة (من ارتضي)

هذا البحث من أهم بحوث الشفاعة من ناحية نظرية، كما أنه بحث حساس من ناحية تطبيقية، لأنه يصنِّف المسلمين إلي مرضيين عند الله ورسوله وغير مرضيين..ولذلك اختلفت فيه آراء المذاهب والفئات، وكثر في تاريخ المسلمين وكتبهم البحث في الذين تشملهم شفاعة النبي صلي الله عليه وآله والذين لا تشملهم..

وأهم الأقوال أو المذاهب في المسألة أربعة:

القول الأول: قول أهل البيت (عليهم السلام) الذي يشترط للشفاعة: الإسلام، وعدم الشرك، وعدم الظلم، وإطاعة النبي صلي الله عليه وآله في مودة أهل بيته (عليهم السلام).

القول الثاني: القول بتوسيع الشفاعة، وهو قول أكثر المذاهب السنية التي توسعها إلي جميع المسلمين، بل إلي غيرهم من اليهود والنصاري.. وستعرف أن فيه عدة آراء بل مذاهب.

القول الثالث: إنكار شفاعة النبي صلي الله عليه وآله أصلاً، وهو قول قدماء الخوارج، وقد رد عليهم أهل البيت (عليهم السلام) وبقية المذاهب. وقد ولد هذا الرأي ردةَ فعل علي مذهب توسعة الشفاعة الذي تبنته الدولة وأفرطت فيه.

القول الرابع: قول المعتزلة بأن الشفاعة لا تشمل المسلم الذي يرتكب المعاصي الكبائر لأنه يستحق النار، بل تختص بالمسلم الذي يرتكب المحرمات الصغائر المعفو عنها،

وفائدتها رفع درجته في الجنة.

وسوف نستعرض هذه المذاهب في الفقرات التالية إن شاء الله تعالي.

حدود الشفاعة عند أهل البيت

ما دل علي استثناء المشرك والظالم من الشفاعة

التوحيد للصدوق/407:

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير قال: سمعت موسي بن جعفر (عليهما السلام) يقول: لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود، وأهل الضلال والشرك. ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تبارك وتعالي: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا.

قال فقلت له: يابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين؟

قال: حدثني أبي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل.

قال ابن أبي عمير فقلت له: يابن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالي ذكره يقول: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ؟ ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضي!

فقال: يا أبا أحمد مامن مؤمن يرتكب ذنباً إلا ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: كفي بالندم توبة.

وقال صلي الله عليه وآله: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن، فمن لم يندم علي ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة، وكان ظالماً والله تعالي ذكره يقول: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.

فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمناً من لم يندم علي ذنب يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا

ندم علي ما ارتكب، ومتي ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة، ومتي لم يندم عليها كان مصراً، والمصر لا يغفر له، لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم. وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: لا كبيرة مع الإستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. وأما قول الله عز وجل: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي، فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضي الله دينه، والدين الإقرار بالجزاء علي الحسنات والسيئات، فمن ارتضي الله دينه ندم علي ما ارتكبه من الذنوب، لمعرفته بعاقبته في القيامة. انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:11/266، وفي تفسير نور الثقلين:4/517.

الإعتقادات للصدوق/44:

إعتقادنا في الشفاعة: أنها لمن ارتضي دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلي الشفاعة.

قال النبي صلي الله عليه وآله: من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي.

وقال صلي الله عليه وآله: لا شفيع أنجح من التوبة.

والشفاعة للأنبياء والاوصياء (عليهم السلام)، وفي المؤمنين من يشفع مثل ربيعة ومضر، وأقل المؤمنين من يشفع ثلاثين ألفاً.

والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك، ولا لأهل الكفر والجحود، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد.

من لا يحضره الفقيه:3/574:

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.

وقال الصادق عليه السلام: شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول: مَا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. ورواهما في وسائل الشيعة:11/264.

روضة الواعظين/501:

قيل للرضا عليه السلام: يابن رسول الله فما معني قول الله تعالي: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي؟ قال: لا يشفعون إلا لمن ارتضي دينه، قال رسول الله صلي الله عليه وآله: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ما خلا الشرك

والظلم.

الاختصاص للمفيد/33: باب فيه مسائل اليهودي التي ألقاها علي النبي صلي الله عليه وآله

حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم قال: حدثنا الحسين بن مهران قال: حدثني الحسين بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: جاء رجل من اليهود إلي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنه يوحي إليك كما أوحي إلي موسي بن عمران؟ قال: نعم، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، أنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين.

فقال: يا محمد إلي العرب أرسلت أم إلي العجم أم إلينا؟ قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إني رسول الله إلي الناس كافة.

فقال: إني أسألك عن عشر كلمات أعطاها موسي في البقعة المباركة حيث ناجاه لا يعلمها إلا نبيٌّ مرسل أو ملكٌ مقرب.

فقال النبي صلي الله عليه وآله: سل عما بدا لك.

فقال: يا محمد أخبرني عن الكلمات التي اختارها الله لابراهيم عليه السلام حين بني هذا البيت؟

فقال النبي صلي الله عليه وآله: نعم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

فقال: يا محمد لأي شئ بني إبراهيم عليه السلام الكعبة مربعاً؟

قال: لأن الكلمات أربعة.

قال: فلاي شئ سميت الكعبة كعبة؟

قال: لأنها وسط الدنيا.

قال: فأخبرني عن تفسير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله: علم الله أن ابن آدم والجن يكذبون علي الله تعالي فقال: سبحان الله، يعني بري مما يقولون.

وأما قوله: الحمد لله، علم الله أن العباد لا يؤدون شكر

نعمته، فحمد نفسه عز وجل قبل أن يحمده الخلائق، وهي أول الكلام، لولا ذلك لما أنعم الله علي أحد بنعمة.

وأما قوله: لا إله إلا الله، وهي وحدانيته لا يقبل الله الأعمال إلا به، ولا يدخل الجنة أحد إلا به، وهي كلمة التقوي سميت التقوي لما تثقل بالميزان يوم القيامة.

وأما قوله: الله أكبر، فهي كلمة ليس أعلاها كلام وأحبها إلي الله، يعني ليس أكبر منه، لأنه يستفتح الصلوات به لكرامته علي الله، وهو اسم من أسماء الله الأكبر.

فقال: صدقت يا محمد ما جزاء قائلها؟

قال: إذا قال العبد: سبحان الله سبح كل شئ معه مادون العرش، فيعطي قائلها عشر أمثالها. وإذا قال: الحمد لله أنعم الله عليه بنعيم الدنيا حتي يلقاه بنعيم الآخرة، وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها، والكلام ينقطع في الدنيا ما خلا الحمد، وذلك قولهم: تحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

وأما ثواب: لا إله إلا الله فالجنة، وذلك قوله: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان. وأما قوله: الله أكبر، فهي أكبر درجات في الجنة وأعلاها منزلة عند الله. فقال اليهودي: صدقت يا محمد، أديت واحدة، تأذن لي أن أسألك الثانية؟ فقال: النبي صلي الله عليه وآله: سلني ما شئت _ وجبرئيل عن يمين النبي صلي الله عليه وآله وميكائيل عن يساره يلقنانه _ فقال اليهودي: لأي شئ سميت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعيا؟

فقال النبي صلي الله عليه وآله: أما محمد فإني محمود في السماء، وأما أحمد فإني محمود في الأرض، وأما أبو القاسم فإن الله تبارك وتعالي يقسم يوم القيامة قسمة النار بمن كفر بي أو يكذبني من الأولين والآخرين، وأما

الداعي فإني أدعو الناس إلي دين ربي إلي الإسلام، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الثالثة لأي شئ وقت الله هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت علي أمتك، في ساعات الليل والنهار....

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن العاشرة: تسعة خصال أعطاك الله من بين النبيين، وأعطي أمتك من بين الأمم؟

فقال النبي صلي الله عليه وآله: فاتحة الكتاب، والأذان، والإقامة، والجماعة في مساجد المسلمين، ويوم الجمعة، والأجهار في ثلاث صلوات، والرخصة لأمتي عند الأمراض والسفر، والصلاة علي الجنائز، والشفاعة في أصحاب الكبائر من أمتي... وأما شفاعتي في أصحاب الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والمظالم. قال: صدقت يا محمد، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك خاتم النبيين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين.

ثم أخرج ورقاً أبيض من كمه مكتوب عليه جميع ما قال النبي صلي الله عليه وآله حقاً، فقال... يا محمد فقد كنت أمحي إسمك في التوراة أربعين سنة، فكلما محوت وجدت إسمك مكتوباً فيها! وقد قرأت في التوراة هذه المسائل لا يخرجها غيرك، وإن ساعة ترد جواب هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك. فقال النبي صلي الله عليه وآله: جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري!

الخصال للصدوق/355:

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن الحسن بن عبدالله، عن آبائه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في حديث طويل

قال: جاء نفر من اليهود إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله: أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطي أمتك من بين الأمم... الخ. وهو شبيه بما تقدم عن الاختصاص، ولعل السبع تصحيف للتسع ورواه في تفسير نور الثقلين:1/77 وبعضه في مستدرك الوسائل:11/364.

بشارة المصطفي/20:

قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: أغفل الناس قول رسول الله صلي الله عليه وآله في علي بن أبي طالب يوم مشربة أم إبراهيم، كما أغفلوا قوله فيه يوم غدير خم! إن رسول الله صلي الله عليه وآله كان في مشربة أم إبراهيم وعنده أصحابه إذ جاءه علي عليه السلام فلم يفرجوا له، فلما رآهم لم يفرجوا له قال لهم: يا معاشر الناس هذا علي من أهل بيتي، وتستَخِفُّونَ بهم وأنا حيٌّ بين ظهرانيكم! أما والله لئن غبت عنكم فإن الله لا يغيب عنكم، إن الرَّوْحَ والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلي وتولاه، وسلم له وللأوصياء من ولده. إن حقاً عليَّ أن أدخلهم في شفاعتي لأنهم أتباعي فمن تبعني فإنه مني، سنة جرت فيَّ من إبراهيم لاني من إبراهيم وإبراهيم مني، وفضلي فضله وفضله فضلي، وأنا أفضل منه، تصديق قول ربي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

التبيان في تفسير القرآن:10/187:

فقال الله تعالي لهم: فما تنفعهم شفاعة الشافعين، الذين يشفعون لهم، لأن عذاب الكفر لا يسقطه الله بالشفاعة بالإجماع.

اصناف من الناس موعودون بالشفاعة

وردت في مصادر الفريقين أحاديث متعددة وَعَدت أصنافاً من الناس بالشفاعة جزاء لأعمالهم، أو جعلتهم من أهل الشفاعة لغيرهم، أو حذرتهم من الحرمان منها عقاباً علي أعمالهم، ونذكر منها نماذج من مصادرنا، ومن مصادر السنيين في محلها:

من قضي لأخيه المؤمن حاجة

وسائل الشيعة:11/588:

في ثواب الأعمال، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن شرحبيل بن سعد الأنصاري، عن أشيد بن حضيرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أغاث أخاه المسلم حتي يخرجه من هم وكربة وورطة، كتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات، وأعطاه ثواب عتق عشر نسمات، ودفع عنه عشر نقمات، وأعد له يوم القيامة عشر شفاعات.

مستدرك الوسائل:12/405:

عوالي اللآلي: عن النبي صلي الله عليه وآله قال: من قضي حاجة لأخيه كنت واقفاً عند ميزانه، فإن رجح وإلا شفعت له.

مستدرك الوسائل:12/407:

وعن إبراهيم التيمي قال: كنت في الطواف إذ أخذ أبو عبد الله عليه السلام بعضدي فسلم عليَّ ثم قال: ألا أخبرك بفضل الطواف حول هذا البيت؟ قلت: بلي قال: أيما مسلم طاف حول هذاالبيت أسبوعاً ثم أتي المقام فصلي خلفه ركعتين كتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة، وأثبت له ألف شفاعة، ثم قال: ألا أخبرك بأفضل من ذلك؟ قلت: بلي قال: قضاء حاجة امرئ مسلم أفضل من طواف أسبوع وأسبوع، حتي بلغ عشرة.

مستدرك الوسائل:12/409:

وعن أبي عبد الله عليه السلام: من مشي في حاجة أخيه كتب الله له بها عشر حسنات، وأعطاه الله عشر شفاعات.

من سعي في حوائج ذرية النبي

الكافي:4/60:

وعنه، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان وبالقلب، ورجل يسعي في

حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا. ورواه في من لا يحضره الفقيه:2/65 وفي تهذيب الأحكام: 4/111 وفي تأويل الآيات:2/109 وفي وسائل الشيعة:11/556 وفي مستدرك الوسائل:12/382.

من زار قبر النبي

الكافي:4/548:

علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي حجر الاسلمي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتي مكة حاجاً ولم يزرني إلي المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب، ومن مات مهاجراً إلي الله عز وجل، حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر.

من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالي

الكافي:2/178:

محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبدالله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن المؤمن ليخرج إلي أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكاً فيضع جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يظلّه، فإذا دخل إلي منزله نادي الجبار تبارك وتعالي: أيهاالعبد المعظم لحقي المتبع لآثار نبيي، حقَّ علي إعظامك، سلني أعطك، أدعني أجبك، أسكت أبتدئك، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتي يدخل إلي منزله، ثم يناديه تبارك و تعالي: أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك، قد أوجبت لك جنتي، وشفعتك في عبادي.

الكافي:2/176:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: حدثني جبرئيل عليه السلام أن الله عزوجل أهبط إلي الأرض ملكاً فأقبل ذلك الملك يمشئ حتي وقع إلي باب عليه رجل يستأذن علي رب الدار، فقال له الملك ما حاجتك إلي رب هذه الدار؟ قال: أخ لي مسلم زرته في الله تبارك وتعالي،

قال له الملك: ما جاء بك إلا ذاك؟ فقال: ما جاء بي إلا ذاك، فقال: إني رسول الله إليك وهو يقرؤك السلام ويقول: وجبت لك الجنة. وقال الملك: إن الله عز وجل يقول: أيما مسلم زار مسلماً، فليس إياه زار، إياي زار وثوابه عليَّ الجنة.

من يدعو للمؤمنين

الكافي:2/507:

علي بن محمد، عن محمد بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد التميمي، عن حسين بن علوان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عز وجل عليه مثل الذي دعا لهم به من كل مؤمن ومؤمنة مضي من أول الدهر أو هو آت إلي يوم القيامة. إن العبد ليؤمر به إلي النار يوم القيامة فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فشفعنا فيه، فيشفعهم الله عز وجل فيه، فينجو من النار برحمة الله عزوجل. ورواه في وسائل الشيعة:4/541 وفي مستدرك الوسائل:5/242 عن أمالي الشيخ الطوسي.

شفاعة الملائكة لأهل مجلس الدعاء

الكافي:2/187:

الحسين بن محمد ومحمد بن يحيي جميعاً، عن علي بن محمد بن سعد، عن محمد بن مسلم، عن أحمد بن زكريا، عن محمد بن خالد بن ميمون، عن عبد الله بن سنان، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً إلا حضر من الملائكة مثلهم فإن دعوا بخير أمَّنوا وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلي الله وسألوه قضاها. وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين. ورواه في وسائل الشيعة:11/568.

من شيع جنازة مسلم

الكافي:3/173:

أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن ميسر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئاً إلا وقال الملك: ولك مثل ذلك. ورواه في من لا يحضره الفقيه:1/161 وفي تهذيب الأحكام:1/455.

من حفظ علي أمتي أربعين حديثا

وسائل الشيعة:18/67:

وعن طاهر بن محمد، عن حياة الفقيه، عن محمد بن عثمان الهروي، عن جعفر بن محمد بن سوار، عن علي بن حجر السعدي، عن سعيد بن نجيح، عن ابن جريح، عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وآله قال: من حفظ علي أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً يوم القيامة.

وسائل الشيعة:18/70:

محمد بن علي الفارسي في روضة الواعظين قال قال النبي صلي الله عليه وآله: من حفظ من أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً يوم القيامة. ورواه في العمدة/17 بلفظ (من حفظ علي أمتي أربعين حديثاً من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي).

من عاهد أخاه المؤمن علي الشفاعة

مستدرك الوسائل:6/278:

قال في ضمن أعمال هذا اليوم المبارك (يوم الغدير): وينبغي عقد الأخوة في هذا اليوم مع الأخوان بأن يضع يده اليمني علي يمني أخيه المؤمن ويقول: واخيتك في الله وصافيتك في الله وصافحتك في الله، وعاهدت الله وملائكته وكتبه ورسله وأنبياءه والأئمة المعصومين (عليهم السلام) علي أني إن كنت من أهل الجنة والشفاعة وأذن لي بأن أدخل الجنة، لا أدخلها إلا وأنت معي. فيقول الأخ المؤمن: قبلت، فيقول: أسقطت عنك جميع حقوق الأخوة ما خلا الشفاعة، والدعاء، والزيارة.

مجموعة أعمال و صفات توجب الشفاعة

من لا يحضره الفقيه:4/17:

ألا ومن مشي إلي مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو علي ذلك وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويبشرونه ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتي يبعث.

ألا ومن أذن محتسباً يريد بذلك وجه الله عز وجل أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد وأربعين ألف صديق، ويدخل في شفاعته أربعون ألف مسي من أمتي إلي الجنة.

ألا وإن المؤذن إذا قال (أشهد أن لا إله إلا الله) صلي عليه سبعون ألف ملك ويستغفرون له وكان يوم القيامة في ظل العرش حتي يفرغ الله من حساب الخلائق ويكتب له ثواب قوله (أشهد أن محمداً رسول الله) أربعون ألف ملك.

هذا، وتوجد أحاديث كثيرة ضمنت الجنة لبعض أصناف الناس علي أعمالهم الحسنة، وهي تصلح بنحو للإستدلال علي شمول الشفاعة لهم، لأن الوعد من النبي صلي الله عليه وآله قد يكون بسبب شمولهم لشفاعته، ونذكر منهم:

1 _ من شفع لاخيه المؤمن في حاجة

وسائل الشيعة:11/562:

عن النبي صلي الله عليه وآله قال: ومن شفع

لاخيه شفاعة طلبها، نظر الله إليه فكان حقاً علي الله أن لا يعذبه أبداً، فإن هو شفع لاخيه شفاعة من غير أن يطلبها، كان له أجر سبعين شهيداً.

2 _ من قام بخدمة لمجتمع المسلمين

الكافي:2/164:

عنه عن علي بن الحكم، عن مثني بن الوليد الحناط، عن فطر بن خليفة، عن عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه صلوات الله عليهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله من رد عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار، وجبت له الجنة.

3 _ من ربَّي بنتاً أو أكثر

الكافي:6/6:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، وجبت له الجنة فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة.

4 _ من احترم نعمة الله تعالي

من لا يحضره الفقيه:1/27:

ودخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلي مملوك كان معه فقال: تكون معك لاكلها إذا خرجت، فلما خرج عليه السلام قال للمملوك: أين اللقمة؟ قال أكلتها يا ابن رسول الله، فقال: إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر، فإني أكره أن استخدم رجلاً من أهل الجنة.

5 _ أصناف أخري موعودون بالجنة

من لا يحضره الفقيه:1/140:

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة، ورجل خرج يعود مريضاً فمات فله الجنة، ورجل خرج مجاهداً في سبيل الله فمات فله

الجنة، ورجل خرج حاجاً فمات فله الجنة، ورجل خرج إلي الجمعة فمات فله الجنة، ورجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنة.

من لا يحضره الفقيه:4/17:

ألا ومن تصدق بصدقة، فله بوزن كل درهم مثل جبل أحد من نعيم الجنة، ومن مشي بصدقه إلي محتاج، كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شي، ومن صلي علي ميت صلي عليه سبعون ألف ملك وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإن أقام حتي يدفن ويحثي عليه التراب، كان له بكل قدم نقلها قيراط من الأجر، والقيراط مثل جبل أحد.

ألا ومن ذرفت عيناه من خشية الله عز وجل كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنة مكللاً بالدر والجوهر، فيه ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر علي قلب بشر.

اصناف لا تنالهم الشفاعة

السلطان الظالم الغشوم

قرب الاسناد/64:

وعنه، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: صنفان لا تنالهما شفاعتي: سلطان غشوم عسوف، وغال في الدين مارق منه، غير تائب ولا نازع.

الخصال/63:

حدثنا محمد بن الحسن (رض) قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عبد الجبار بإسناده يرفعه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: رجلان لا تنالهما شفاعتي: صاحب سلطان عسوف غشوم، وغال في الدين مارق. ورواه في مناقب أميرالمؤمنين:2/330 ونحوه في مستدرك الوسائل:12/99.

تاريخ اليعقوبي:2/96:

أربع من فعلهن فقد خرج من الإسلام: من رفع لواء ضلالة، ومن أعان ظالماً أو سار معه أو مشي معه وهو يعلم أنه ظالم، ومن اخترم بذمة.

ورجلان لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة:

أمير ظلوم، ورجل غال في الدين مارق منه. والأمير العادل لا ترد دعوته.

المنان والبخيل والنمام

من لا يحضره الفقيه:4/17:

ثم قال عليه السلام: يقول الله عزوجل: حرَّمت الجنة علي المنان والبخيل والقتات، وهو النمام. انتهي.

ولا نطيل في تعداد هذه الأصناف، وهي في مصادرنا مشابهة لما يأتي في مصادر إخواننا السنيين، مع تأكيدها علي عدم شمول الشفاعة لمن عصي النبي صلي الله عليه وآله في مودة أهل بيته وولايتهم وإطاعتهم.

الذين يخرجون من النار بالشفاعة يكونون أدني درجة

تفردت مصادر أهل البيت (عليهم السلام) ببيان أن الموحدين الذين يخرجون من النار دخلون جنة أخري أدني درجةً، وهي غير الجنة التي يسكنها أولياء الله تعالي.

ففي بحار الأنوار:8/361:

ين: فضالة، عن عمر بن أبان، عن آدم أخي أيوب، عن حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنهم يقولون ألا تعجبون من قوم يزعمون أن الله يخرج قوماً من النار فيجعلهم من أصحاب الجنة مع أوليائه؟ فقال: أما يقرؤون قول الله تبارك وتعالي: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ، إنها جنة دون جنة، ونار دون نار، إنهم لا يساكنون أولياء الله! وقال: بينهما والله منزلة، ولكن لا أستطيع أن أتكلم، إن أمرهم لاضيق من الحلقة، إن القائم لو قام لبدأ بهؤلاء.

رأي السنيين القريب من رأي أهل البيت

وهو الرأي القائل بأن الشفاعة تشمل بعض العاصين من المسلمين وليس كلهم.

ويدل عليه من مصادرهم:

أولاً: أحاديث كثيرة صحيحة السند عندهم، لكن دلالتها ضاعت، لأنها مخلوطة بأحاديث توسيع الشفاعة وشمولها لكل العاصين والمنافقين!

ونكتفي منها بالأحاديث التي نصت علي أن عدداً من صحابة النبي صلي الله عليه وآله سيغيرون ويبدلون بعده، فلايشفع لهم يوم القيامة، فيؤمر بهم إلي النار. فقد روي البخاري في صحيحه:7/208 عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: بينا أنا قائم فإذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم، فقلت أين؟ قال إلي النار والله! قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري! ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم، قلت أين؟ قال إلي النار والله! قلت ماشأنهم؟! قال إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري!! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم. انتهي.

وروي شبيهاً به في:7/195 وص 207-210 وفي

نفس المجلد أيضاً /84 و87 وج 8/86 و87، وروي نحوه مسلم في:1/150 وج 7/66 وابن ماجة:2/1440 وأحمد في:2/25 وص 408 وج 3/28 وج 5/21 وص 24 وص 50 وج 6/16، ورواه البيهقي في سننه:4/14، ونقل رواياته المتعددة في كنز العمال في:13/157 وج 14/48 و:15/647 وقال رواه (مالك والشافعي حم م ن _ عن أبي هريرة) انتهي.

فلو كانت الشفاعة تشمل كل الخلق أو كل الموحدين أو كل المسلمين، لشملت هؤلاء الصحابة المعروفين! فلابد من القول بأن شفاعته صلي الله عليه وآله مشروطة بشروط من أولها الإسلام وعدم الانحراف الكبير الذي ارتكبه هؤلاء الصحابة المطرودون!

ثانياً: أحاديث اشترطت شروطاً أخري فوق الشهادتين للشفاعة، كالذي رواه البخاري: 8/139: عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي! قالوا يا رسول الله ومن يأبي؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي. انتهي. وفيه تصريح أن المستثني هم الذين عصوا الرسول صلي الله عليه وآله من أمته وأنهم لا يدخلون الجنة! ورواه الحاكم أيضاً بلفظ قريب منه في:1/55 وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

والذي رواه النسائي في سننه: 7 من/88 عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله(ص)قال: من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويجتنب الكبائر، كان له الجنة. فسألوه عن الكبائر فقال: الإشراك بالله وقتل النفس المسلمة، والفرار يوم الزحف.

والذي رواه أحمد في:2/176 عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً جاء إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله ما عمل الجنة؟ قال: الصدق، وإذا صدق العبد برَّ، وإذا بر آمن، وإذا آمن دخل الجنة.

قال يا رسول الله ما عمل النار؟

قال: الكذب، إذا

كذب فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل.. يعني النار. انتهي.

فهذه الأحاديث تشترط لدخول الجنة شروطاً أخري غير التوحيد، فلو كان التوحيد وحده كافياً لما كان لهذه الشروط معني.

ثالثاً: أحاديث نصت علي أن الشفاعة تشمل أصنافاً معينين من الناس، نذكر منها:

1 - من قضي لاخيه حاجة

الدر المنثور:3/71:

وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من قضي لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه، فإن رجح، وإلا شفعت له.

الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم أمر منادياً ينادي: ألا ليقم أهل المعروف في الدنيا فيقومون حتي يقفوا بين يدي الله فيقول الله أنتم أهل المعروف في الدنيا، فيقولون نعم فيقول: وأنتم أهل المعروف في الآخرة فقوموا مع الأنبياء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة، حتي تدخلوا عليهم المعروف في الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا.

2 - من صلي علي النبي

في مسند أحمد:4/108:

من صلي علي محمد وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي. ورواه في فردوس الأخبار:4/21 ح 5555

وفي فردوس الأخبار في:4/61 ح 5680:

أبو الدرداء: من صلي (عليَّ) حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً، أدركته شفاعتي يوم القيامة. ورواه في مجمع الزوائد:10/120 و163.

3 - من زار قبر النبي

وفي الدر المنثور:1/237:

وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن خزيمة وابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من زار قبري وجبت له شفاعتي. (ورواه في سنن الدار قطني:2/278 ح 194 والذهبي في تاريخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارني بعد موتي

وجبت شفاعتي).

وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة.

وأخرج الطيالسي والبيهقي في الشعب عن عمر سمعت رسول الله(ص) يقول: من زار قبري كنت له شفيعاً أو شهيداً، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة.

مختصر تاريخ دمشق:1 جزء 2/406:

وعن علي بن أبي طالب قال: من سأل لرسول الله(ص)الدرجة الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة ومن زار قبر رسول الله(ص)كان في جوار رسول الله (ص).

هامش طبقات المحدثين بإصبهان:2/420، 167:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة. وشبيهه في:1/55.

وراجع أيضاً مجمع الزوائد:4/2 وكنز العمال:15/383 وص 651.

وقد اقتصرنا من أحاديث زيارة قبره صلي الله عليه وآله علي ماورد فيه ذكرالشفاعة وسنورد بقية أحاديثها في محلها إن شاء الله تعالي مع جواب شبهة الوهابيين في تحريمهم زيارة القبور وخيرها وأشرفها قبر سيد المرسلين صلي الله عليه وآله!

4 _ من دعا للنبي صلي الله عليه وآله بالوسيلة

روي البخاري:5/228:

من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه أيضاً في:1 جزء 1/152 ورواه البيهقي في سننه:1/409 ومجمع الزوائد: 1/333 والنويري في نهاية الارب:3 جزء 5/308.

5 _ من حفظ من أحاديث النبي صلي الله عليه وآله أربعين حديثاً

روي الديلمي في فردوس الأخبار:4/91 ح 5778:

عن ابن عباس: من حفظ علي أمتي أربعين

حديثاً من أمر دينها، فهو من العلماء وكنت له شفيعاً يوم القيامة. ونحوه في كنز العمال:10/158.

وفي كتاب المجروحين لابن حبان:2/133:

عن أبي الدرداء قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: يا رسول الله ما حد العلم الذي إذا بلغه الرجل كان فقيهاً؟ فقال: من حفظ علي أمتي أربعين حديثاً في أمر دينها بعثه الله فقيهاً، وكنت له شافعاً وشهيداً.

6 _ من حفظ أسماء الله الحسني

صحيح البخاري:8/169:

عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة.

ونحوه في:7/169 ونحوه في مستدرك الحاكم:1/16.

7 _ من قرأ بعض سور القرآن

روي في فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتي آية في كل يوم شفع في سبع قبور حول قبره وخفف الله عز وجل عن والديه وإن كانا مشركين. وفي/34 ح 5598: ابن عباس: من قرأ سورة الأعراف جعل الله بينه وبين إبليس ستراً وكان آدم شفيعاً له يوم القيامة. انتهي.

فهذه المجموعة من الأحاديث تدل علي أن بعض المسلمين من أصحاب الأعمال الحسنة يستحقون الدخول في شفاعة النبي صلي الله عليه وآله. ولو كانت الشفاعة تشمل كل المسلمين لما صح جعلها ميزة لاصناف معينة من أصحاب الأعمال الحسنة، كما نصت هذه المجموعة.

ولا يضر بالإستدلال بها أن يكون بعضها ضعيفاً أو مكذوباً، لأن الإستدلال بمجموعها، بل حتي لو كانت كلها موضوعة فهي تدل علي أن المرتكز في أذهان المسلمين أن الشفاعة مخصوصة بأصناف من المسلمين وليست عامة.

رابعاً: أحاديث نصت علي أن الشفاعة لا تشمل أصنافاً من الناس، أو دلت علي أنهم لا يدخلون الجنة، بسبب سوء أعمالهم، نذكر منها:

1 _ السلطان الظلوم الغشوم

روي

الديلمي في فردوس الأخبار:2/558 ح 3598:

أبو أمامة: صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي ولن أشفع لهما ولن يدخلا شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم عسوف، وغال مارق من الدين. انتهي. ورواه السيوطي في الدر المنثور:1 ص352 عن الطبراني وفي كنز العمال: 6/21 وص30 وفي مجمع الزوائد: 5/235 وص 236.

وعن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص): إن أشد أهل النار عذاباً يوم القيامة من قتل نبياً، أو قتله نبي، أو إمام جائر. قلت: في الصحيح بعضه، رواه الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات. ورواه البزار إلا أنه قال: وإمام ضلالة، ورجاله ثقات، وكذلك رواه أحمد.

2 _ الذي يكذب علي النبي صلي الله عليه وآله

روي البخاري في:1/35:

عن سلمة بن الأكوع قال سمعت النبي(ص)يقول: من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار.

وروي نحوه أيضاً في:1 من/36 وج 2/81 وج 4/145 وص 156 و: 6/84 وص 118 ورواه مسلم في:1/7 و8 وص 57 وج 7 ورواه غيرهما من مصادر السنة والشيعة.

3 _ الذي يبغض ذرية النبي صلي الله عليه وآله أو يظلمهم

لسان الميزان:3/276:

عن أنس (رض) مرفوعاً: من أحبني فليحب علياً، ومن أبغض أحداً من أهل بيتي حرم شفاعتي.. الحديث.

كنز العمال:12/103:

عن الطبراني والرافعي عن ابن عباس: من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي. انتهي.

والأحاديث في ذلك كثيرة، سنوردها في مسائل الإمامة إن شاء الله.

4

_ أصحاب البدع المخالفين للسنة

قال الشاطبي في الاعتصام:1/120:

(البدعة) مانعة من شفاعة محمد، لما روي أنه(ص)قال: (حلت شفاعتي لأمتي إلا صاحب بدعة).

قال السبكي في طبقات الشافعية:6/291:

حديث: إن لله ملكاً ينادي كل يوم: من خالف السنة لم تنله الشفاعة (ورد في إحياء الغزالي).

5 _ من طلب العلم للدنيا أو طلب الدنيا بعمل الآخرة

في مجمع الزوائد:1/184:

عن معاذ بن جبل عن رسول الله(ص)قال: من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء في المجالس، لم يرح رائحة الجنة. ورواه في كنز العمال:10/201-203.

وفي كنز العمال:3/474 عن الديلمي عن ابن عباس: ريح الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجدها من طلب الدنيا بعمل الآخرة.

6 _ من يؤذي جيرانه

صحيح مسلم:1/49:

عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.

وفي مستدرك الحاكم:1/11:

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه.

وفي مسند أحمد:2/440:

عن أبي هريرة قال قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها! قال: هي في النار. قال يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تصدق بالأتوار من الاقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة.

7 _ الذي يسي إدارة من تحت يده

روي البخاري في:8/107 بروايتين: عن معقل: سمعت النبي(ص)يقول: ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة. ونحوه

في كنز العمال:4/567 عن ابن سعد وابن عساكر، وفي: 6/20 وص 35 (عق ش م حم طب وابن عساكر عن معقل بن يسار).

وفي سنن الترمذي:3/225:

عن أبي بكر الصديق عن النبي(ص)قال: لا يدخل الجنة سي الملكة. انتهي. ورواه أحمد في مسنده:1/7 وص 12 وج 5/22 والهيثمي في مجمع الزوائد:5/211.

وفي كنز العمال:6/39:

من ولي ذا قرابة محاباةً وهو يجد خيراً منه، لم يجد رائحة الجنة.

8 _ المتكبر ولو مثقال حبة خردل

روي مسلم في صحيحه:1/65:

عن عبد الله عن النبي(ص)قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. انتهي. ورواه ابن ماجة في:2/1397 وأحمد:1/412 وص 416 وص 451 و ج2/164 وص 248 والحاكم في:3/416.

وفي مجمع الزوائد:6/255:

وعن نافع مولي رسول الله(ص)أن رسول الله(ص)قال: لا يدخل الجنة مسكين مستكبر، ولا شيخ زان، ولا منان علي الله تعالي بعمله. رواه الطبراني وتابعه الصباح بن خالد بن أبي أمية لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وقال السيوطي في الدر المنثور:4/116:

وأخرج البيهقي عن جابر قال كنا مع النبي(ص)فأقبل رجل، فلما رآه القوم أثنوا عليه، فقال النبي(ص)قال: إني لأري علي وجهه سفعة من النار، فلما جاء وجلس قال: أنشدك بالله أجئت وأنت تري أنك أفضل القوم؟ قال نعم. انتهي.

وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن التكبر المانع من دخول الجنة هو التكبر عن قبول الحق وليس التكبر العادي وإن كان معصية كبيرة.

ويؤيده ما رواه الحاكم في المستدرك:1/26: عن عبد الله بن مسعود (رض)عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله إنه ليعجبني أن يكون ثوبي جديداً

ورأسي دهيناً وشراك نعلي جديداً، قال وذكر أشياء حتي ذكر علاقة سوطه، فقال: ذاك جمال، والله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر من بطر الحق وازدري الناس. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد احتجا جميعاً برواته.

9 _ من قتل نفسه

مسند أحمد:2/435:

عن أبي هريرة عن النبي(ص): الذي يطعن نفسه إنما يطعنها في النار، والذي يتقحم فيها يتقحم فيها في النار، والذي يخنق نفسه يخنقها في النار.

10 _ من نبت لحمه من سحت

روي أحمد في:3/321:

قول النبي صلي الله عليه وآله لكعب بن عجرة: يا كعب بن عجرة، الصوم جنة، والصدقة تطفي الخطيئة، والصلاة قربان أو قال برهان. يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولي به.

ورواه في:3/399 وفي مجمع الزوائد:10/230 وص 293.

11 _ من زني بذات محرم

في مجمع الزوائد:6/269:

وعن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا يدخل الجنة من أتي ذات محرم. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير يحيي بن حسان الكوفي وهو ثقة.

12 _ من نسب نفسه إلي غير أبيه

روي ابن ماجة في:2/870:

عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله (ص): من ادعي إلي غير أبيه لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام. انتهي. ورواه أحمد في:2/71 وفيه (وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاماً) ورواه في:2/171 وص 194 وفي مجمع الزوائد:1/98 وص 148 وكنز العمال:6/195 وج 16/32.

13 _ مدمن الخمر وقاطع الرحم والنمام وقاسي القلب... الخ.

مسند أحمد:4/399:

من حديث أبي موسي أن النبي(ص)قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر.

وفي:2/69: ثلاثة قد حرم الله عليهم

الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث.

ونحوه في:2/164 وص 201 و203 وفي سنن البيهقي:8/288.

وفي:8/166: عن إبراهيم عن همام قال: كنت جالساً عند حذيفة فمر رجل فقالوا: هذا يرفع الحديث إلي السلطان، فقال حذيفة قال رسول الله(ص): لا يدخل الجنة قتات. قال الاعمش: والقتات النمام.أخرجه مسلم في الصحيح.

مسند أحمد:2/134:

قال عبد الله (رض) قال رسول الله (ص): ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث. وثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة: العاق بوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطي. وروي نحوه في:2/69 وص 134 والحاكم: 1/72.

وفي مسند أحمد:1/190:

عن سعيد بن زيد عن النبي(ص)أنه قال: من أربي الربا الإستطالة في عرض مسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن فمن قطعها حرم الله عليه الجنة.

وفي مسند أحمد:3/14:

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): لا يدخل الجنة صاحب خمس: مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم، ولا كاهن، ولا منان. ونحوه مسند أحمد:3/28.

وفي مجمع الزوائد:8/149 ونحوه في:5/125:

فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجده عاق، ولا قاطع رحم، والباغي فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة بغي، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جارُّ إزاره خيلاء.

وفي مجمع الزوائد:6/257 ونحوه في:8/148:

وعن عبدالله بن عمرو عن النبي(ص)قال: لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا منان، ولا ولد زنية. قلت: رواه النسائي غير قوله ولا ولد زنية. رواه أحمد والطبراني وفيه جابان وثقه ابن حبان وبقيةرجاله رجال الصحيح.

سنن الترمذي:3/232:

عن أبي بكر الصديق، عن النبي (ص): لا يدخل

الجنة خب، ولا بخيل، ولا منان. هذا حديث حسن غريب.ونحوه في كنز العمال:3/546.

وفي مجمع الزوائد:10/243:

وعن نافع قال سمع ابن عمر رجلاً يقول: الشحيح أعذر من الظالم، فقال ابن عمر: كذبت، سمعت رسول الله(ص)يقول: الشحيح لا يدخل الجنة.

وفي مجمع الزوائد:8/155:

عن ابن عمر عن النبي(ص)قال: إن لكل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد، إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده. والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قلنا يا رسول الله: كلنا يرحم، قال: ليس رحمته أن يرحم أحدكم صاحبه، إنما الرحمة أن يرحم الناس.

وفي كنز العمال:16/53:

لا يدخل الجنة ولد زني، ولا مدمن خمر، ولا عاق، ولا منان (ابن جرير ع _ عن أبي سعيد).

14 _ الذي يقتل أحداً من أهل الذمة

في صحيح البخاري:4/65:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي(ص)قال: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً. ونحوه في:8 /47 وابن ماجة: 2/896 والترمذي: 2/429 والحاكم في: 2/126 والبيهقي في سننه:8/133 وج 9/205 والنسائي:8/24 وفيه (وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) ورواه في مسند أحمد:2/186 وج 4/61 وص 237 وج 5/46 و50 و51 و369 و374 والهيثمي في مجمع الزوائد:6/293.

ونعم ما علق به الفخر الرازي علي هذا الموضوع حيث قال في تفسيره ج2 جزء3 ص151: عن الحسن، عن أبي بكرة، قال عليه السلام: من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة. وإذا كان في قتل الكفار هكذا، فما ظنك بقتل أولاد رسول الله(ص)؟!

15-الذي يغش العرب

في مسند أحمد:1/72:

عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله (ص): من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم

تنله مودتي. انتهي. ورواه البغوي في مصابيح السنة:4/142 والديلمي في فردوس الأخبار:4/180 ح 6075 وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان:2/640.

16 _ اللعان الفحاش

صحيح مسلم:8/24:

حدثني سويد بن سعيد، حدثني حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلي أم الدرداء بأنجاد من عنده، فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه، فلما صبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته! فقالت سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله (ص): لا يكون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. انتهي. ورواه أبو داود في:2/458 والحاكم:1/48 والديلمي في فردوس الأخبار:5/311 ح 8009 وفي كنز العمال: 3/615 والسيوطي في الدر المنثور:1/146 وقال: وأخرج مسلم وأبو داود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء..

وقال البخاري في تاريخه:6/22:

عن عبد الرحمن بن الحارث أن أم الدرداء رضي الله عنها قالت لعبد الملك بن مروان: سمعت أبا الدرداء (رض) يقول سمعت النبي(ص)يقول: لا يكون الحليم لعَّاناً، ولا يؤذن في الشفاعة للعَّان.

وفي كنز العمال:3/353:

عن الديلمي عن عائشة: رحم الله امرأ كف لسانه عن أعراض المسلمين، لا تحل شفاعتي لطعان ولا لعان. انتهي.

ولا بد أن يكون المراد باللعان في هذه الأحاديث بذي اللسان الفحاش الذي يسب المسلمين ويلعنهم، وإلا فإن لعن الذين لعنهم الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله عملٌ جائز أو واجب شرعاً وفيه ثوابٌ، لأنه براءة ممن تبرأ منهم الله ورسوله ودعاءٌ عليهم باستمرار طردهم من رحمة الله تعالي.

17 _ ورووا أن أكثر النساء في النار

صحيح البخاري:7/200:

عن عمران بن الحصين عن النبي(ص)قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها

الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء...

عن أسامة عن النبي(ص)قال: قمت علي باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلي النار. وقمت علي باب النار فإذا عامة من دخلها النساء!. انتهي.

ورواه أحمد في مسنده:2/297.

وفي مجمع الزوائد:4/274:

قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة فلما كنا بمر الظهران إذ امرأة في هودجها واضعةً يدها علي هودجها، فلما نزل دخل الشعب ودخلنا معه، قال كنا مع رسول الله(ص)في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثير وإذا بغراب أعصم المنقار والرجل فقال: لا يدخل الجنة من النساء إلا كقدر الغراب في هذه الغربان، قال أبو عمر: الأعصم الأحمر. رواه الطبراني واللفظ له، وأحمد ورجال أحمد ثقات. انتهي.

18 _ ورووا في من أطال إزاره أو ثوبه

سنن النسائي:8/207:

عن أبي هريرة قال رسول الله (ص): ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار. وفي رواية: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار. انتهي.

فهذه الأحاديث تدل علي أن بعض المسلمين لا يدخلون الجنة.. ولو كانت الشفاعة تشمل كل المسلمين لم يكن لهذه الإستثناءات معني، بل للزم من إحدي المجموعتين كذب المجموعة الأخري!

ولا يضر بالإستدلال بمجموع أحاديث الاستثناء من الجنة، أو الحكم باستحقاقها أن بعضها ضعيف أو مكذوب كما ذكرنا، لأن المكذوب أيضاً يدل علي أن المرتكز في أذهان المسلمين اختصاص الشفاعة بأصناف من المسلمين، لا بجميعهم.

شرط الشفاعة في المظالم الشخصية

روت مصادر الفريقين أحاديث تدل علي إمكانية أن تشمل الشفاعة أهل المظالم الشخصية، بشرط أن يعفو صاحب المظلمة عن ظالمه.

ففي تفسير الإمام العسكري عليه السلام /204:

وقال علي بن أبي طالب عليه السلام:

يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطباً، وإن لم تكونوا بالله كافرين، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، فإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا، إلا ثقَّل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولم يفكه منها إلا شفاعتنا، ولن نشفع إلي الله تعالي إلا بعد أن نشفع له إلي أخيه المؤمن، فإن عفا عنه شفعنا له، وإلا طال في النار مكثه.انتهي.

ورواه في مستدرك الوسائل:12/101.

وفي الإعتقادات للصدوق/29:

قيل لامير المؤمنين عليه السلام: صف لنا الموت فقال: علي الخبير سقطتم، هو أحد أمور ثلاثة يرد عليه: إما بشارةٌ بنعيم الأبد، وإما بشارةٌ بعذاب الأبد، وإما تخويفٌ وتهويلٌ وأمرٌ مبهمٌ لا يدري من أي الفرق هو؟ فأما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الابد، وأما عدونا والمخالف لأمرنا فهو المبشر بعذاب الأبد، وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف علي نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً، ثم لن يسويه الله تعالي بأعدائنا، ولكن يخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله، فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاث مائة ألف سنة.

وفي مسند أحمد:3/13:

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): يخلص المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون علي قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتي إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدي لمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا. ورواه في:3/63 وص 74.

نتيجة

النتيجة الواضحة من هذا الفصل أن قانون الشفاعة متفقٌ عليه

بين السنة والشيعة، علي أصوله وخطوطه العامة أيضاً، وهي أنه يشمل من مات علي الشهادتين، ولم يكن ظالماً، ولم يكن عاصياً للنبي في أهل بيته صلي الله عليه وآله.

ومنه نعرف أن كل ما خالف هذه الأصول فهو نشاز عن ثقافة الإسلام، جاء إلي أصحابه من خلل الرأي، أو من التلقي والتأثر بثقافة اليهود، والنصاري، والمجوس وغيرهم!

توسيعات الشفاعة عند الخليفة عمر و أتباعه

في مصادر السنيين اتجاه يقول بتوسيع الشفاعة أكثر من القدر المتفق عليه بين الجميع، وهو اتجاه خطير، لأنه يلغي قانون العقوبة الإلهية جزئياً أو كلياً! وهو أربعة آراء أو مذاهب نذكرها حسب توسيعها لدائرة الشفاعة:

الرأي الأول: أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتي الطلقاء والمنافقين!

الرأي الثاني: أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالي، حتي لو كفر برسول الله صلي الله عليه وآله!

الرأي الثالث: أن الشفاعة تشمل كل الخلق!

الرأي الرابع: أن العقاب في الآخرة ينتهي كلياً، وأن جهنم تفني أوتبقي، ولكن ينقل أهلها كلهم إلي الجنة!

ونذكر هنا ملاحظات كلية علي هذه المذاهب أو الاقوال:

الملاحظة الأولي: أن هذه التوسيعات في الشفاعة أو في دخول الجنة زادت علي توسيع اليهود لها، لأن اليهود حصروا الشفاعة والجنة بقوميتهم اليهودية، وهذه التوسعات عممتها إلي العقائد المختلفة والقوميات المختلفة، وإن كانت احتفظت بميزة لكل قبائل قريش.

كما زادت علي عقيدة الفداء النصرانية، لأن بولس اشترط لشمول فداء المسيح وشفاعته الدخول في النصرانية.. بينما أكثر هذه التوسيعات لا تشترط الدخول في الإسلام!

الثانية: أن لكعب الأحبار وتلاميذه دوراً أساسياً في توسيع الشفاعة، بل كان كعب مرجعاً في الشفاعة بحيث أن الخليفة عمر يستفتيه فيها ويؤيد آراءه، ويعمل علي نشرها، كما ستري.

الثالثة: أن هذه التوسيعات

لا تشمل أحداً ممن اعترض علي الخلفاء أو خالفهم في الرأي، أو امتنع عن بيعتهم، كما لا تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب أسرة النبي وآباءه صلي الله عليه وآله وخاصة أبا طالب والد علي عليه السلام! وستري هذه الغرائب وغيرها في نصوص الشفاعة في مصادر إخواننا السنيين!

الرابعة: أن هذه الأفكار صارت أصلاً ومنبعاً لمذاهب فاسدة، جرَّت علي الأمة مصائب ثقافية وسياسية، مثل مذهب المرجئة والقدرية وغيرهما.

ان الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتي الطلقاء والمنافقين

روي البخاري في صحيحه:1/41:

قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله(ص)ومعاذ رديفه علي الرحل قال: يا معاذ بن جبل، قال لبيك يا رسول الله وسعديك. قال يا معاذ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً! قال ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه، إلا حرمه الله علي النار. قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً! انتهي.

وروي البخاري في تاريخه:8/41:

عن عوف بن مالك قال: كنا مع النبي(ص)في بعض مغازيه فقال: إن ربي خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة والشفاعة، فاخترت الشفاعة. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:2/304 ح 2774.

وروي البخاري في تاريخه:1/184:

عن عوف بن مالك سمع النبي(ص)يقول: الشفاعة لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً.

وروي مسلم في:1/122:

أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود، فقال:... فتدعي الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون ننظر ربنا! فيقول أنا ربكم، فيقولون حتي ننظر إليك، فيتجلي لهم يضحك! قال فينطلق بهم ويتبعونه! ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن

نوراً ثم يتبعونه، وعلي جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك.

ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتي يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتي ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه. ثم يسأل حتي تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها!!

وروي أبو داود في:1/632:

عن عامر بن سعد عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله(ص)من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريباً من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجداً ذكره أحمد ثلاثاً، قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لامتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجداً لربي. ورواه البيهقي في سننه:2/370.

وروي أحمد في مسنده:5/149:

عن أبي ذر قال صلي رسول الله(ص)ليلةً، فقرأ بآية حتي أصبح يركع بها ويسجد بها: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتي أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً.

ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه:7/432 ح 104 عن أبي جعفر الباقر عليه السلام. وفي الدر المنثور:3/204 عن أحمد.

وروي أحمد في:5/325:

عن عبادة بن الصامت قال: فقد النبي(ص)ليلة أصحابه، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالي اختار له أصحاباً غيرهم! فإذا هم بخيال النبي(ص)فكبروا حين رأوه وقالوا: يا رسول أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالي اختار لك أصحاباً غيرنا! فقال رسول الله (ص): لا بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة، إن الله تعالي أيقظني فقال يا محمد إني لم أبعث نبياً ولا رسولاً إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه فاسأل يا محمد تعط، فقلت: مسألتي الشفاعة لأمتي يوم القيامة، فقال أبو بكر: يا رسول الله وما الشفاعة؟ قال أقول: يا رب شفاعتي التي اختبأت عندك، فيقول الرب تبارك وتعالي: نعم، فيخرج ربي تبارك وتعالي بقية أمتي من النار، فينبذهم في الجنة.

وقال في مجمع الزوائد:10/369:

عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سافرنا مع رسول الله(ص)سفراً حتي إذا كان الليل أرقت عيناي فلم يأتني النوم، فقمت فإذا ليس في العسكر دابة إلا واضعة خدها إلي الأرض، وأري وقع كل شئ في نفسي، فقلت لاتين رسول الله(ص)فلاكلا به الليلة حتي أصبح، فخرجت أتخلل الرحال حتي دفعت إلي رحل رسول الله(ص)فإذا هو ليس في رحله، فخرجت أتخلل الرحال حتي خرجت من العسكر فإذا أنا بسواد، فتيممت ذلك السواد فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لي: ما الذي أخرجك؟ فقلت: الذي أخرجكما، فإذا نحن بغيطة منا غير بعيد فمشينا إلي الغيطة فإذا نحن نسمع فيها كدوي النحل وتخفيق الرياح، فقال رسول الله (ص): هاهنا أبو عبيدة بن الجراح؟ قلنا نعم،

قال ومعاذ بن جبل؟ قلنا نعم، قال وعوف بن مالك؟ قلنا نعم، فخرج إلينا رسول الله(ص)لا نسأله عن شئ ولا يسألنا عن شئ حتي رجع إلي رحله فقال: ألا أخبركم بما خيرني ربي آنفاً؟ قلنا بلي يا رسول الله، قال: خيرني بين أن يدخل ثلثي أمتي الجنة بغير حساب ولا عذاب، وبين الشفاعة. قلنا: يا رسول الله ما الذي اخترت؟ قال: اخترت الشفاعة. قلنا جميعاً: يا رسول الله إجعلنا من أهل شفاعتك قال: إن شفاعتي لكل مسلم.

وفي رواية عن عوف أيضاً قال: نزلنا مع رسول الله(ص)منزلاً فاستيقظت من الليل فإذا أنا لا أري في العسكر شيئاً أطول من مؤخرة رحل! قد لصق كل إنسان وبعيره بالأرض، فقمت أتخلل حتي جفلت إلي مضجع رسول الله (ص)فإذا هو ليس فيه! فوضعت يدي علي الفراش فإذا هو بارد، فقمت أتخلل الناس وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فذكر نحوه إلا أنه قال: خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة. وفي رواية جعل مكان أبي عبيدة أبا موسي. قلت: روي الترمذي وابن ماجة طرفاً منه، رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها ثقات.

وعن أبي كعب صاحب الحرير قال سألت النضر بن أنس فقلت: حدثني بحديث ينفعني الله عز وجل به، فقال نعم أحدثك بحديث كتب إلينا به من المدينة فقال أنس: إحفظوا هذا فإنه من كنز الحديث، قال: غزا رسول الله (ص)فسار ذلك اليوم إلي الليل، فلما كان الليل نزل وعسكر الناس حوله ونام هو وأبو طلحة زوج أم سليم وفلان وفلان أربعة، فتوسد النبي(ص)يد راحلته ثم نام ونام الأربعة إلي جنبه، فلما ذهب عتمة من الليل رفعوا رؤوسهم فلم يجدوا النبي(ص)عند راحلته، فذهبوا يلتمسون رسول الله (ص)فلقوه مقبلاً

فقالوا: جعلنا الله فداك أين كنت فإنا قد فزعنا لك إذ لم نرك؟ قال النبي (ص): كنت نائماً حيث رأيتم فسمعت في نومي دوياً كدوي الرحا أو هزيز الرحي ففزعت في منامي فوثبت فمضيت! فاستقبلني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله بعثني إليك الساعة لاخيرك إما أن يدخل نصف أمتك الجنة وإما الشفاعة يوم القيامة، فاخترت الشفاعة لامتي. فقال النفر الأربعة: يا رسول الله إجعلنا ممن تشفع لهم، فقال: وجبت لكم. ثم أقبل النبي(ص)والنفر الأربعة حتي استقبله عشرة فقالوا: أين نبينا نبي الرحمة؟ قال نحدثهم بالذي حدث القوم فقالوا: جعلنا الله فداءك إجعلنا ممن تشفع لهم يوم القيامة، فقال: وجبت لكم. فجاؤا جميعاً إلي عظم الناس فنادوا في الناس: هذا نبينا نبي الرحمة، فحدثهم بالذي حدث القوم، فنادوا بأجمعهم جعلنا الله فداءك جعلنا الله ممن تشفع لهم، فنادي ثلاثاً: إني أشهد الله وأشهد من سمع أن شفاعتي لمن يموت لا يشرك بالله عز وجل شيئاً. رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن قرة بن حبيب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. انتهي. ورواه في المعجم الكبير أيضاً:18/107.

وفي مجمع الزوائد:10/377:

وعن أبي أمامة عن النبي(ص)قال: نعم الرجل أنا لشرار أمتي، فقال له رجل من جلساه: كيف أنت يا رسول الله لخيارهم؟ قال: أما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتي، وأما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:5/9 ح 7004.

وقال في الدر المنثور:2/115:

وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال خرج رسول الله(ص)في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر، فالتفت رسول الله(ص)إلي الناس وقال: هل آراه أحد منكم علي الإسلام؟ فقال

رجل: نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله، فصلي عليه رسول الله(ص)وحثي عليه التراب وقال: أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة! وقال: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة!!

وفي أسد الغابة:1/156:

عن أنيس الأنصاري أن النبي(ص)قال: إني لاشفع يوم القيامة لأكثر مما علي ظهر الأرض من حجر ومدر.

وفي تفسير الرازي:10 جزء 19/192:

فثبت أن (إن المتقين في جنات وعيون) يتناول جميع القائلين بلا إله إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً، سواء كانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصية! انتهي.

وهذا غريب من الرازي الذي هو حريص علي العقلانية، ولكن كثرة أحاديث أصحابه غلبته وجعلته من المرجئة الذين ينتقدهم! فقد حكم بأن المسلم يدخل الجنة بالعقيدة فقط بدون عمل، بل حتي لو كانت حياته سلسلة من المعاصي والطغيان والاجرام!

ولم يزد عليه في ذلك إلا الديلمي حيث روي أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله إنما جعلت من أجل جبابرة هذه الأمة وفراعنتها! قال في فردوس الأخبار: 2/498 ح 3397: أنس بن مالك: شفاعتي للجبابرة من أمتي!!

وقد نقل السيوطي مجموعة كبيرة من الروايات مفادها أن الله تعالي يحاسب المسلمين علي أعمالهم ويدخل قسماً منهم إلي الجنة وقسماً آخر إلي النار، ولكن الكفار يعيرون المسلمين في جهنم بأنهم لم ينفعهم إسلامهم، فيأنف الله تعالي ويغضب وتأخذه الغيرة للمسلمين لتوحيدهم، فينقلهم جميعاً حتي جبابرتهم ومجرميهم وشياطينهم إلي الجنة، فعندئذ يتمني الكفار لو كانوا مسلمين، واستدل هو وغيره بذلك علي أن جميع المسلمين يدخلون الجنة!

وقد ورد شبيه هذا المعني في أحاديثنا من طريق أهل البيت (عليهم السلام) ولكنه بالنسبة إلي

بعض أصناف الموحدين وليس لكل المسلمين كما تذكر هذه الروايات!

قال السيوطي في الدر المنثور:4/92 _ 94 في تفسير قوله تعالي: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ:

وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس وأنس (رض) أنهما تذاكرا هذه الآية: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فقالا: هذا حيث يجمع الله بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار فيقول المشركون ما أغني عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضل رحمته.

وأخرج سعيد بن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد (رض) في قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال: إذا خرج من النار من قال لا إله إلا الله.

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبد الله (رض)قال قال رسول الله (ص): إن ناساً من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نري ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم، فلا يبقي موحد إلا أخرجه الله تعالي من النار. ثم قرأ رسول الله (ص): رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي موسي الأشعري (رض) قال قال رسول الله (ص): إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا بلي، قالوا: فما أغني عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار! قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ماقالوا فأمر بكل من كان

في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأي ذلك من بقي من الكفار قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا، ثم قرأ رسول الله (ص): أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: الرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

وأخرج إسحق بن راهويه وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنه سئل هل عندك من رسول الله(ص)في هذه الآية شي: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ؟ قال نعم سمعته يقول: يخرج الله أناساً من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم، لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون: ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فما بالكم معنا في النار! فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتي يخرجوا بإذن الله، فإذا رأي المشركون ذلك قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم، فذلك قول الله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: يا ربنا أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم.

وأخرج هناد بن السري والطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أنس (رض) قال قال رسول الله(ص): إن ناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللات والعزي: ما أغني عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار! فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، فيدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين.

وأخرج الحاكم في الكني عن حماد (رض)

قال سألت إبراهيم عن هذه الآية: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغني عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين: إشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون، حتي أن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود (رض) في قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال: هذا في الجهنميين، إذا رأوهم يخرجون من النار. انتهي.

وفي نفس الوقت روي السيوطي روايات تدل علي أن تمني الكفار هذا ليس بعد دخول النار بل في يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار.. قال: وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس (رض) في قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: ذلك يوم القيامة يتمني الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: موحدين.

وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السري في الزهد ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس (رض) قال: ما زال الله يشفع ويدخل الجنة ويشفع ويرحم، حتي يقول من كان مسلماً فليدخل الجنة فذلك قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. انتهي.

والإشكالات علي هذا الرأي كثيرة يكفي منها ما تقدم من أدلة الرأي الأول ويكفي منها أن القول بإسقاط اشتراط العمل هو مذهب المرجئة الذين أسقطوا قوانين العقوبة الإلهية، كما فعل اليهود من قبلهم!

وينبغي التذكير هنا بأن القرآن الكريم والأحاديث الثابتة المتفق عليها هي الميزان في قبول الأحاديث الأخري أو ردها.. وبهذا الميزان نجد أنفسنا ملزمين برد الأحاديث التي تكتفي بشرط إعلان الشهادتين فقط

لدخول الجنة، وتسقط كل الشروط العملية! لأنها تناقض عشرات الآيات والأحاديث القطعية المتفق عليها عند الجميع!

علي أنه يمكن لمن ثبتت عنده هذه الأحاديث أن يؤولها بأنها تقصد التأكيد علي أهمية الشهادتين، ولا تقصد إسقاط بقية الشروط التي نصت عليها الآيات والأحاديث الأخري، لأنها شرط ضمني فيها، فتكون النتيجة إخضاع هذه الأحاديث لمفاد أحاديث القول الأول، وهو المطلوب.

ان الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالي

حتي لو كفر بنبوة النبي صلي الله عليه وآله!

والمستفيد الأول من هذه التوسعة هم المنافقون من قريش والأنصار، الذين كانت تظهر منهم ظواهر النفاق وعدم الإيمان بالنبي في حياته صلي الله عليه وآله، وقد جعل الله تعالي لهم علامات يعرفهم المسلمون بها، ومن أوضحها بغض علي بن أبي طالب عليه السلام باعتباره يمثل تحدي الإسلام للكفر والنفاق، وباعتباره أول عترة النبي ووصيه صلي الله عليه وآله.. فكان حب علي وبغضه في حياة رسول الله وبنصه صلي الله عليه وآله ميزاناً للايمان والنفاق! وقد روي الجميع أحاديثه وصححوها، منها ما رواه أحمد في مسنده:1/95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبيش عن علي (رض) قال عهد إليَّ النبي(ص)أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. ورواه الترمذي في سننه:5/306.

وقال الترمذي في سننه:5/298:

عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روي هذا عن الاعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد.

وروي الحاكم في المستدرك:3/128:

عن ابن عباس (رض) قال نظر النبي صلي الله عليه وآله إلي علي فقال: يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك

عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي!! صحيح علي شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو علي أصلهم صحيح.

وروي الحاكم في:3/135 سمعت عمار بن ياسر (رض) يقول سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول لعلي: يا علي طوبي لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وروي الحاكم في:3/142 أن النبي صلي الله عليه وآله أخبر علياً بأن الأمة ستغدر به من بعده، قال: عن حيان الأسدي سمعت علياً يقول قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش علي ملتي وتقتل علي سنتي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه. صحيح. انتهي.

أما بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله فصار بغض علي عليه السلام جهاراً نهاراً، ولم يعد علامةً علي النفاق بل صار علامةً علي (الإيمان) والتقوي والإخلاص للإسلام وتأييد السلطة الجديدة التي يعارضها علي وشيعته! وجهر المنافقون بنفاقهم مطمئنين! فقد روي البخاري:8/100 عن حذيفة بن اليمان قوله (إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم علي عهد النبي(ص)! كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون)!

هذه الحقيقة الثابتة تنفعنا في فهم أحاديث هذا الرأي التي تريد شمول المنافقين بالشفاعة والجنة! وهي كثيرة نورد عدداً منها ثم نذكر الملاحظات عليها:

روي مسلم في صحيحه:1/44:

عن أبي هريرة قال: كنا قعوداً حول رسول الله(ص)معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله(ص)من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، فقمنا فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله(ص)حتي أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً

فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة _ والربيع الجدول _ فاحتفرت فدخلت علي رسول الله(ص)، فقال: أبو هريرة؟ فقلت نعم يا رسول الله، قال: ما شأنك؟ قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي!

فقال: يا أبا هريرة وأعطاني نعليه قال: إذهب بنعليَّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة! فكان أول من لقيت عمر فقال: ماهاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت هاتان نعلا رسول الله(ص)بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررت لاستي! فقال: إرجع يا أبا هريرة، فرجعت إلي رسول الله(ص)فأجهشت بكاءً، وركبني عمر فإذا هو علي أثري، فقال رسول الله (ص): مالك يا أبا هريرة؟! قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لاستي قال إرجع!

قال رسول الله (ص): يا عمر ما حملك علي ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: نعم. قال فلا تفعل! فإني أخشي أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون! قال رسول الله (ص): فخلهم!!

وروي البخاري في:1/41:

عن أنس: قال ذكر لي أن النبي(ص)قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة. قال ألا أبشر الناس؟ قال: لا، أخاف أن يتكلوا.

وروي البخاري في:1/109:

قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك وهو

من أصحاب رسول الله(ص)ممن شهد بدراً من الأنصار، أنه أتي رسول الله (ص)فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلي.

قال فقال له رسول الله (ص): سأفعل إن شاء الله، قال عتبان: فغدا رسول الله(ص)وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله(ص)فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت، ثم قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلي ناحية من البيت فقام رسول الله(ص)فكبر فقمنا فصففنا فصلي ركعتين ثم سلم، قال وحبسناه علي خزيرة صنعناها له قال فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذووا عدد، فاجتمعوا فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله (ص): لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنا نري وجهه ونصيحته إلي المنافقين! قال رسول الله (ص): فإن الله قد حرم علي النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله!! ورواه في كنز العمال:1/302.

وروي البخاري:2/55 وج 6/202:

فإن الله قد حرم علي النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.

وروي شبيهه في:1/33، ورواه أحمد في مسنده:4/44.

وروي البخاري في:7/172:

عن أحد بني سالم قال غدا علي رسول الله(ص)فقال: لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرم الله عليه النار.

وروي البخاري في:2/69:

عن أبي ذر (رض) قال

قال رسول الله (ص): أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق... عن عبدالله (رض) قال قال رسول الله (ص): من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار. وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة!!

وروي البخاري في:7/43:

أن أبا ذر حدثه قال: أتيت النبي(ص)وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات علي ذلك إلا دخل الجنة! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق. قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق! قلت وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق، علي رغم أنف أبي ذر!! وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر!! قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله. انتهي.

وأبو عبدالله هو البخاري نفسه، وهو يريد بقوله هذا تخفيف إطلاق الحديث ووضع شرط للتوحيد المذكور فيه، بأنه المسلم المجرم يدخل الجنة بشرط أن يقول (لا إله إلا الله) قبل موته أو عند موته. ولكن الحديث مطلق وليس فيه هذا الشرط!

وروي النسائي في:8/112:

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): ما مجادلة أحدكم في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار! قال فيقول: إذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، قال فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلي أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته

إلي كعبيه، فيخرجونهم فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، قال: ويقول أخرجوا من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتي يقول من كان في قلبه وزن ذرة! قال أبو سعيد: فمن لم يصدق فليقرأ هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ إلي عَظِيمًا.

وروي أحمد في مسنده:4/43:

ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتي صيروا أمرهم إلي رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم، وقالوا: من حاله، ومن حاله، ورسول الله (ص)ساكت، فلما أكثروا قال رسول الله (ص): أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟! فلما كان في الثالثة قالوا: إنه ليقوله. قال: والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً! قالوا فما فرحوا بشئ قط كفرحهم بما قال!! انتهي.

وابن الدخشن هذا، أو الدخشم، أو الدخيشن، هو الذي ذكره البخاري وهو رئيس المنافقين الرسمي بعد ابن سلول! ويمكنك أن تفكر فيما يزعمه هذا الحديث من أن أكبر فرحة للمسلمين كانت في ذلك اليوم، أي يوم ساوي النبي صلي الله عليه وآله بين المسلمين والمنافقين الذين قال الله تعالي فيهم ما قال!!

ولعمري إنها فرحة السلطة وأتباعها الذين أرادوا حل مشكلة المنافقين لتأييدهم لهم، فألصقوا ذلك بالنبي صلي الله عليه وآله!!

وروي أحمد في مسنده:4/411:

عن أبي بكر بن أبي موسي (الأشعري) عن أبيه أن رسول الله(ص)قال: أبشروا وبشّروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة، فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر (رض) فبشروه فردهم، فقال رسول الله (ص): من ردكم؟ قالوا عمر، قال: لم رددتهم يا عمر؟ قال إذاً يتكل الناس يا رسول الله! انتهي. وقال عنه

في مجمع الزوائد:1/16 رجاله ثقات.

وروي أحمد:1/464:

عن عبد الله قال قال رسول الله(ص)كلمة وأنا أقول أخري! من مات وهو يجعل لله ندا أدخله الله النار. قال وقال عبد الله: وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله ندا أدخله الله الجنة!!. انتهي.

ولكن أحمد روي في:2/170 أن عبد الله بن عمرو بن العاص نسب الكلمتين إلي النبي صلي الله عليه وآله! قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: من لقي الله وهو لايشرك به شيئاً دخل الجنة ولم تضره معه خطيئة، كما لو لقيه وهو مشرك به دخل النار ولم ينفعه معه حسنة.انتهي.

ولكن أحمد روي هذا الحديث أيضاً عن عبد الله بن مسعود وليس عبد الله بن عمرو! قال في:1/374: قال ابن مسعود: خصلتان يعني إحداهما سمعتها من رسول الله(ص)، والأخري من نفسي: من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار. وأنا أقول من مات... الخ.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:1/23:

عن عقبة بن عامر (رض) قال جئت في اثني عشر راكباً حتي حللنا برسول الله(ص)فقال أصحابي: من يرعي إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله(ص)، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله(ص)؟ فقلت: أنا، ثم قلت في نفسي: لعلي مغبون، يسمع أصحابي ما لا أسمع من نبي الله(ص)، فحضرت يوماً فسمعت رجلاً قال قال رسول الله (ص): من توضأ وضوء كاملاً ثم قام إلي صلاة كان من خطيئته كيوم ولدته أمه، فتعجبت من ذلك، فقال عمر بن الخطاب: فكيف لو سمعت الكلام الآخر كنت أشد عجباً! فقلت: أردد عليَّ جعلني الله فداءك، فقال عمر بن الخطاب: إن نبي الله(ص)قال: من مات لا يشرك بالله شيئاً فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء، ولها ثمانية

أبواب! فخرج علينا رسول الله(ص)فجلست مستقبله فصرف وجهه عني، فقمت فاستقبلته ففعل ذلك ثلاث مرات فلما كانت الرابعة، قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني؟! فأقبل علي فقال: أواحد أحب اليك أم اثنا عشر؟ مرتين أو ثلاثاً! فلما رأيت ذلك رجعت إلي أصحابي!

وفي مجمع الزوائد:1/32:

عن عمر بن الخطاب (رض) أنه سمع النبي(ص)يقول: من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، قيل له أدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت. رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حوشب وقد وثق. وأورده أيضاً في/49.

وفي مجمع الزوائد:1/22:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رض) قال: جئت ورسول الله(ص)قاعد في أناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب (رض) وأدركت آخر الحديث ورسول الله(ص)يقول: من صلي أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار! فقلت بيدي هكذا يحرك بيده إن هذا حديث جيد، فقال عمر بن الخطاب: لما فاتك من صدر الحديث أجود وأجود! قلت يا ابن الخطاب فهات، فقال عمر بن الخطاب: حدثنا رسول الله(ص)أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة!!

وفي مجمع الزوائد:1/16:

عن أبي الدرداء (رض) قال قال رسول الله (ص): من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة. قال قلت: وإن زني وإن سرق؟ قال: وإن زني وإن سرق! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال: وإن زني وإن سرق! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال: وإن زني وإن سرق علي رغم أنف أبي الدرداء! قال فخرجت لانادي بها في الناس فلقيني عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها! قال: فرجعت فأخبرته(ص)فقال: صدق عمر.

رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحمد

أصح، وفيه ابن لهيعة وقد احتج به غير واحد. ورواه في الدر المنثور:2/170.

وروي أحمد:5/170:

حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلي الربذة فسمعت أباذر يقول: قام النبي(ص)ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلي بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون، فلما رأي قيامهم وتخلفهم انصرف إلي رحله، فلما رأي القوم قد أخلوا المكان رجع إلي مكانه فصلي، فجئت فقمت خلفه فأومأ إليَّ بيمينه فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا، يصلي كل رجل منا بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو، فقام بآية من القرآن يرددها حتي صلي الغداة، فبعد أن أصبحنا أومأت إلي عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلي ما صنع البارحة؟ فقال ابن مسعود بيده لا أسأله عن شئ حتي يحدث إلي، فقلت: بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن؟! لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه، قال: دعوت لأمتي، قال: فماذا أجبت أو ماذا عليك؟ قال: أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعةً تركوا الصلاة! قال: أفلا أبشر الناس؟ قال بلي، فانطلقت معنقاً قريباً من قذفة بحجر، فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلي الناس بهذا نكلوا عن العبادة، فنادي أن ارجع، فرجع.

وروي أحمد في مسنده:2/307 وفي/518:

عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: سألت رسول الله (ص): ماذا رد إليك ربك في الشفاعة؟ فقال: والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك علي العلم! والذي نفس محمد بيده ما يهمني من انقصافهم علي أبواب الجنة أهم عندي من تمام

شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:2/197 ح 3395.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/324:

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال: لما نزلت: فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أرسل رسول الله(ص)منادياً فنادي: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فاستقبل عمر الرسول فرده، فقال: يا رسول الله خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون، فقال رسول الله (ص): لو يعلم الناس قدر رحمة الله لا تكلوا ولو يعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم!

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا علي كبائرهم غير نادمين ولا تائبين، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران، حرم الله أجسادهم علي الخلود من أجل التوحيد، وصورهم علي النار من أجل السجود، فمنهم من تأخذه النار إلي قدميه، ومنهم من تأخذه النار إلي عقبيه، ومنهم من تأخذه النار إلي فخذيه، ومنهم من تأخذه النار إلي حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلي عنقه، علي قدر ذنوبهم وأعمالهم. ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج منها، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها، وأطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلي أن تفني.

فإذا أراد الله ان يخرجهم منها قالت اليهود والنصاري ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد: آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء، فغضب

الله غضبا لم يغضبه لشئ فيما مضي، فيخرجهم إلي عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل، ثم يدخلون الجنة مكتوب في جباههم هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن، فيمكثون في الجنة ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يسألون الله تعالي أن يمحو ذلك الاسم عنهم، فيبعث الله ملكاً فيمحوه ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها علي من بقي فيها يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله علي عرشه، ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم وذلك قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

وقال ابن باز في فتاويه:1/179:

روي البخاري عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه. انتهي.

ملاحظات علي روايات هذا الرأي

أولاً: نلاحظ في أحاديث هذا الرأي بل هذا المذهب، اضطرابها وتعارضها إلي حد التناقض! ولعل أصلها رواية مسلم التي ضرب فيها عمر أبا هريرة حتي خر لاسته! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبي صلي الله عليه وآله قد (اعترف وشهد) بأن توحيد الله تعالي فقط كاف لدخول الجنة، وأنه لا يحتاج الأمر إلي الإيمان بنبوته ولا شفاعته صلي الله عليه وآله!

ويلاحظ أنها تؤكد علي أن الذي قال ذلك هو النبي نفسه صلي الله عليه وآله وليس عمر! بل إن عمر كان مخالفاً لذلك، وقد ردَّ أبا هريرة من الطريق وضربه، واعترض علي النبي مرات ومرات، وقد أطاعه النبي صلي الله عليه وآله في بعض المرات، ثم أصرَّ النبي علي هذا القول فهو الذي يتحمل مسؤوليته، وليس عمر، ولا أبو موسي، ولا أبو هريرة، ولا كعب الأحبار!!

ثانياً: أن هذا المذهب يلغي حاجة المسلمين إلي الشفاعة أصلاً!!

فأحاديثه تبشر بالجنة كل من قال (لا إله إلا الله) وتشمل رواياته اليهود والنصاري وغيرهم، فلا يبقي معني للشفاعة!!

ثالثاً: أنه يلغي الحاجة إلي أصل الإسلام ونبوة نبينا صلي الله عليه وآله! لأن رواياته تقول إن الله تعالي يقبل إيمان الموحد ويدخله الجنة لتوحيده، حتي لو كفر بنبوة محمد صلي الله عليه وآله! فلا يبقي مبرر لجهاد النبي صلي الله عليه وآله وحروبه وشدته علي الكافرين بنبوته! ولا يبقي معنيً لقوله تعالي (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الْخَاسِرِينَ) وكيف يجرأ مسلم علي قبول رأي من رواة أو خليفة، يستلزم إبطال دينه من أصله؟!!

رابعاً: تزعم روايات هذا المذهب عدم عصمة النبي صلي الله عليه وآله وأنه أخطأ في تبليغ الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه! علي أنه توجد رواية أخري في تهذيب الكمال:4 ص31 وفي مجمع الزوائد:1 ص16 تقول إن النبي لم يقتنع وأصرَّ علي رأيه، وقال لعمر: دعهم يتكلوا! وتوجد رواية أخري في مجمع الزوائد وفي مسند أحمد:4/402 تقول إن النبي سكت!.. الخ.

ومن جهة أخري تدل هذه الروايات علي عدم إيمان عمر بعصمة النبي صلي الله عليه وآله وتعطي لعمر دور الناظر علي أعمال النبي صلي الله عليه وآله والولاية عليه لتصحيح أخطائه! بينما يؤكد الله تعالي عصمة رسوله صلي الله عليه وآله في كل كلمة يتفوه بها، فيقول (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَي)!

خامساً: تقدمت رواية أن عمر هو الذي بشر الناس، ولعله اقترح علي النبي أن يبشر الناس بذلك فنهاه النبي صلي الله عليه وآله!! وقد روي الهيثمي رواية فيها تصريح بأن الذي أراد تبشير الناس هو عمر وإن كانت

متناقضة، قال (وعن جابر (رض) قال: قال رسول الله (ص): ناد يا عمر في الناس إنه من مات يعبد الله مخلصاً من قلبه أدخله الله الجنة وحرم علي النار! قال فقال عمر: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا، لا، يتكلوا. انتهي.

فأول الرواية يقول: إن النبي أمر عمر بالنداء، وآخرها يقول إن عمر اقترح النداء فلم يقبل به النبي صلي الله عليه وآله ونهاه عنه!

وهذا يؤيد أن يكون أصل القضية كلها محاولة من عمر لتبشير الناس بعدم اشتراط العمل للجنة، فنهاه النبي صلي الله عليه وآله.

سادساً: إن روايات (ضياع النبي!) في غزوة من غزواته أو في المدينة، قد حملت من التناقض واللامعقول ما يوجب علي الباحث بل علي القارئ الشك فيها من أصلها!

فحديث مسلم يقول: إنهم (أضاعوا) النبي صلي الله عليه وآله في المدينة حتي وجده أبوهريرة في بستان في المدينة لبني النجار! وروايتا الطبراني المتقدمتان عن عوف بن مالك والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبي في إحدي الغزوات! أو خرج مبهوتاً في وسط الليل! وبعض رواياتها تقول إن النبي صلي الله عليه وآله لم يضع بل كان في بيته أو في مسجده وأمر أبا موسي ونفراً من قومه أن يبشروا الناس فلما خرجوا من عنده لقيهم عمر... الخ. وقد رواها أحمد:4 ص402 وص411 و قال عنها مجمع الزوائد ج1ص 16 (رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات).

ثم إن رواية مسلم تقول: إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هريرة وأن عمر ضربه! بينما تقول روايات أخري إن المأمور بالنداء أبو موسي الأشعري ونفر من الأشعريين وأن عمر رده ولم يضربه! وأخري تقول: إن المأمور هو أبو الدرداء،

وأخري تقول: إنه أبوذر، وأخري تقول: إنه عمر.. إلخ. ورواية أبي سعيد تذكر مأموراً بدون تسمية!

أما روايات الطبراني فتذكر بطلين آخرين للحادثة هما عوف والنضر، وفي رواية أخري في مجمع الزوائد ج1 ص23 إنه عقبة بن عامر!

وتوجد رواية في مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحيد هو عمر، ولا يوجد غيره قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج1 ص16 وعن عمر (رض) أن رسول الله(ص)أمره أن يؤذن في الناس أنه: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً دخل الجنة، فقال عمر: يا رسول الله إذا يتكلوا فقال: دعهم. رواه أبو يعلي والبزار إلا أن عمر قال يا رسول الله إذا يتكلوا! قال دعهم يتكلوا. انتهي.

أما رواية البخاري فتذكر أن بطل الرواية معاذ فقط، وأنه اقترح تبشير الناس بذلك فنهاه النبي صلي الله عليه وآله، ورواية أحمد تذكر أن بطلها عبادة بن الصامت.. وقد تقدمت الروايتان في الرأي الثاني لأنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة!!

ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضياع النبي المزعوم، والنداء المزعوم، لوجدنا فيها تناقضات أخري توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحية لإثبات حكم شرعي عادي، فكيف تصلح لاثبات عقيدة خطيرة، أخطر من مذهب المرجئة؟! لأن المرجئة يشترطون لدخول الجنة الشهادتين، وهذه القصة تلغي الشهادة الثانية!!

سابعاً: توجد روايات تناقض هذا الرأي عن الخليفة عمر نفسه وتقول إن الذي يسرق عباءة من الغنائم يحرم من دخول الجنة، حتي لو كان السارق مسلماً واستشهد في سبيل الله تعالي! وتقول إن النبي صلي الله عليه وآله قد أمر عمر أن ينادي بنداء مضاد لما ذكرته قصة ضياع النبي صلي الله عليه وآله ونداء النعلين!!

فقد روي أحمد في مسنده:1/30 وص 47

عن عمر بن الخطاب (رض) قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي(ص)فقالوا: فلان شهيد فلان شهيد، حتي مروا علي رجل فقالوا فلان شهيد، فقال رسول الله (ص): كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة! ثم قال رسول الله (ص): يابن الخطاب إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. انتهي.

فإذا كانت سرقة عباءة تمنع صاحبها (الشهيد) من دخول الجنة، فكيف تكون شهادة (لا إله إلا الله) وحدها بدون عمل كافية لدخول الجنة؟!

وإذا كان النبي صلي الله عليه وآله قد أمر عمر بهذا النداء، فكيف أمر عمر نفسه أو غيره بنداء مناقض له؟! وكيف لم يعترض عليه عمر وهو المعروف بكثرة اعتراضاته؟!

ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الإيمان والعمل الصالح، كانتا في خيبر، وهذه ظاهرة تحديد في الرواية توجب نوعاً من الثقة، ولكنك لا تجد في قصة ضياع النبي صلي الله عليه وآله والنداء المضاد المزعومين شيئاً من التحديد، لا اسم الغزوة، ولا اسم البستان، بل لا تجد إلا مجملاً في مجمل، وتناقضاً بعد تناقض!

وبما أن أغلب روايات هذه القصة تشترك في ذكر دور عمر ومناقشته للنبي صلي الله عليه وآله ونصحه إياه بضرر إعلان ذلك للناس، يترجح في الذهن احتمال أن يكون أصل القصة أن الخليفة عمر هو الذي بشر الناس كما نصت الروايات المتقدمة، وقد يكون اقترح علي النبي صلي الله عليه وآله أن يأمره بذلك فلم يقبل، وأن النبي صلي الله عليه وآله ما ضاع لا في غزوتين ولا في غزوة،ولا خرج مذعوراً في الليل من كلام جبرئيل، ولا ضاع

في المدينة، ولا اختبأ في بستان، ولا أعطي نعليه لابي هريرة علامةً للناس بأنه مبعوث من النبي صلي الله عليه وآله، ولا ضرب عمر أبا هريرة حتي خر لاسته! فعندما تتناقض الروايات ولا يمكن الجمع بينها، أو تكون مخالفة للقرآن وللسنة القطعية المتفق عليها.. فلا مجال أمام الباحث إلا ترجيح هذا الإحتمال الأخير.

ثامناً ثبت عند الجميع أن النبي صلي الله عليه وآله قد أرسل علياً عليه السلام الي مكة بأمر من الله تعالي لإبلاغ سورة براءة، وأمره أن ينادي في الناس بعدة أمور، منها (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة)! وقد روي ذلك أحمد: 1/47 وص 79 والنسائي: 5/234 والدارمي:2/230 وغيرهم، وفي أحمد: 5/438: نفس مسلمة).

وروايات هذا النداء ثابتة عند الطرفين، وليست مهزوزة مثل نداء النعلين المزعوم!

ثم إن هذا النداء كان بعد فتح مكة، فلا بد للقائل بصحة روايات نداء النعلين أن يقول إنه ناسخ لهذا النداء، وأن يثبت صحة قصته وأنها كانت بعد نداء مكة.. ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد!

أما الأحاديث الأخري التي استدلوا بها علي هذا المذهب، فليست أحسن حالاً من حديث (ضياع النبي صلي الله عليه وآله واختفائه واختبائه ونداء النعلين) في تضاربها وتعارضها مع غيرها..ويكفي لردها الروايات التي تقدمت في الرأي الأول.

وأخيراً، فقد آن لاخواننا فقهاء السنة أن ينظروا بجدية إلي تناقضات روايات الصحاح ومخالفاتها الصريحة للقرآن وضرورات الإسلام، ويعيدوا النظر في مفهومهم للصحيح والحجة الشرعية!

ذلك أن صريح العقل هو الأصل الذي وصلنا به إلي الإيمان بالله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله ثم وصلنا به إلي قطعيات الشرع الشريف. وحبُّنا للصحاح وأصحابها وأسانيدها لا يجوز أن يوصلنا إلي التنازل عن قطعيات الشرع والعقل،

لأن إبطال الأصل يستلزم إبطال الفرع الذي نحبه، وبالنتيجة خسارة كل شئ!!

احاديث أن الله تعالي يشفع عند نفسه

بمقتضي أحاديثهم في استحقاق الموحد لدخول الجنة، فلا يحتاج الأمر إلي شفاعة، بل تصير الشفاعة من نصيب المشركين!

ولكن أصحاب هذا الرأي احتاطوا في أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة! واختلفت رواياتهم في من يشفع فيهم! فقال بعضها إن النبي صلي الله عليه وآله هو الذي يشفع في الموحدين، وقال بعضها إن إسحاق هو شفيع الموحدين، وقد صحح الحاكم روايته علي شرط الشيخين، كما سيأتي في مسألة الذبيح! وقال بعضها إن النبي صلي الله عليه وآله يطلب من الله تعالي أن يعطيه الشفاعة فيهم فلا يعطيه إياها بل يستأثر بها لنفسه، فكأنه تعالي يريد أن يجازيهم هو شخصياً، لانهم شهدوا بتوحيده!!

قال في كنز العمال:1/56:

ما زلت أشفع إلي ربي فيشفعني حتي أقول: شفعني فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: ليست هذه لك يا محمد! إنما هي لي! أنا وعزتي وحلمي ورحمتي لا أدع في النار أحداً قال لا إله إلا الله-ع عن أنس. انتهي. وأورده الرازي في تفسيره: 11 جزء 22/10. وفي كنز العمال:1/64 فيقال: ليست هذه لك ولا لاحد، هذا إليَّ، فلا يبقي أحد قال لا إله إلا الله إلا أخرج منها _ الديلمي عن أنس.

طبقات الحنابلة لأبي يعلي:1/312:

قال أحمد بن حنبل: إذا لم يبق لاحد شفاعة قال الله تعالي: أنا أرحم الراحمين، فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره.

وروي البيهقي في سننه:10/42:

عن معبد بن هلال العنزي قال: أتيت أنس بن مالك (رض) في رهط من أهل البصرة وسماهم لنا، نسأله عن حديث الشفاعة، فذكر الحديث بطوله في سؤاله وجوابه وخروجهم من عنده ودخولهم

عن الحسن بن أبي الحسن البصري، قال الحسن حدثني كما حدثكم، قال ثم قال يعني النبي (ص): فأجئ في الرابعة فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي يا محمد إرفع رأسك قل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول ليس ذلك إليك ولكني وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد زاد فيه (وجلالي) ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وغيره.

ولكن الديلمي روي في فردوس الأخبار:3/276 ح 4695:

أن الله تعالي يتنازل ويعطي الشفاعة فيهم لرسوله صلي الله عليه وآله! قال عمرو بن العاص: قلت يا ربي شفعني فيمن قال لا إله إلا الله، قال: لك ذلك! انتهي.

وقال الثعالبي في الجواهر الحسان:1/351 في تفسير الآية 40 من سورة النساء:

فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط!

وقال في:2/360:

وأحاديث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم الراحمين ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون... الخ.

ورواه البغوي في مصابيح السنة:3/542.

وقد أوردنا روايات هذه (الشفاعة) من مصادر السنيين في المجلد الثاني في ادعائهم رؤية الله تعالي بالعين في الآخرة! ومعناها أن الله تعالي يتوسط عند نفسه، وهو معني عامي للشفاعة! والظاهر أن أصلها الحديث المروي في مصادرنا عن الإمام محمد الباقر عليه السلام الذي رواه في بحار الأنوار:8/361 عن حمران قال

سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الكفار والمشركين يرون أهل التوحيد في النار فيقولون مانري توحيدكم أغني عنكم شيئاً، وما أنتم ونحن إلا سواء! قال: فيأنف لهم الرب عز وجل فيقول للملائكة: إشفعوا فيشفعون لمن شاء الله، ويقول للمؤمنين مثل ذلك، حتي إذا لم يبق أحدٌ تبلغه الشفاعة، قال تبارك وتعالي: أنا أرحم الراحمين، أخرجوا برحمتي، فيخرجون كما يخرج الفراش، قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ثم مدت العُمُد وأعمدت عليهم، وكان والله الخلود. انتهي.

ورواه في تفسير نور الثقلين:5/523 عن مجمع البيان عن العياشئ.

والمقصود بأهل التوحيد الذين تشملهم الشفاعة في هذه الرواية، المسلمون الذين ارتضي الله دينهم وأماتهم علي التوحيد.. فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن بعض أصحاب المعاصي والانحرافات الكبيرة، يسلب منهم التوحيد قبل موتهم، والعياذ بالله!!

ان الشفاعة تشمل جميع الخلق

مجموعة الرسائل لابن تيمية:1/10:

أجمع المسلمون علي أن النبي(ص) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك، وبعد أن يأذن الله في الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علي ما اتفقت عليه الصحابة... أنه يشفع لأهل الكبائر ويشفع أيضاً لعموم الخلق... أما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هي للؤمنين خاصة... ومنهم من أنكر الشفاعة مطلقاً... ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر ولا يخلد أحد في النار.

ولكن ابن باز لم يأخذ بفتوي إمامه ابن تيمية فقال في فتاويه:4/368:

إن المشرك إذا مات علي شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم، وذلك مثل الذي يعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الكواكب... أو يعبد الأموات ومن يسمونهم بالأولياء، أو يستغيث بهم ويطلب منهم المدد أو العون عند قبورهم، مثل قول بعضهم:

يا سيدي فلان المدد المدد، يا سيدي البدوي المدد المدد... أو يا سيدي رسول الله المدد المدد الغوث الغوث، أو يا سيدي الحسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب، أو غير ذلك ممن يدعوه المشركون... وهذا كله من الشرك الأكبر، فإذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار. انتهي.

فإن عجبت فاعجب لإبن تيمية إمام الوهابيين حيث يحكم بدخول إبليس وقابيل وفرعون ونمرود الجنة لأنهم من عموم الخلق! ولإمامهم المعاصر ابن باز حيث يحكم بأن ملايين المسلمين الذين يدعون الله تعالي ويطلبون من أوليائه مدداً مما أعطاهم الله تعالي كلهم (مشركون) مخلدون في النار أبد الآباد!!

مجمع الزوائد:10/379:

وعن أنيس الأنصاري قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إني لاشفع يوم القيامة في كل شئ مما علي وجه الأرض من حجر ومدر. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أحمد بن عمرو صاحب علي بن المديني ويعرف بالقلوري ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا علي ضعف في بعضهم. انتهي. ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب:1/114 والديلمي في فردوس الأخبار:1/93 ح 174 عن بريدة الاسلمي وفيه (لاكثر مما علي وجه الأرض من حجر ومدر).

الدر المنثور:6/285:

وأخرج ابن مردويه عن عبدالرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً علي عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثني إلي ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة؟! فقال كعب: قد أخبرك الله في القرآن أن الله يقول (ما سلككم في سقر إلي قوله اليقين) قال كعب: فيشفع يومئذ حتي يبلغ من لم يصل صلاة قط ويطعم مسكيناً قط ومن لم يؤمن ببعث قط، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير!) انتهي.

وإذا أراد كعب بقوله (حتي يبلغ، فإذا بلغت هؤلاء) أن النبي يشفع حتي يبلغ

هؤلاء فيشفع لهم أيضاً، فلم يبق أحد في النار! وإن أراد أنه يبلغهم ويقف عندهم، فمعناه أن كعباً لا يشترط لشمول الشفاعة إلا الإيمان بيوم الدين، وعملاً واحداً من الأعمال المذكورة!

كنز العمال:14/511 عن ابن عساكر:

عن أنس أن رسول الله(ص)قال: والذي نفسي بيده! إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وإن بيدي لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر، ينادي الله يومئذ آدم فيقول: يا آدم، فيقول لبيك رب وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فيخرج ما لا يعلم عدده إلا الله، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أكرمك الله وخلقك بيده، ونفخ فيك وروحه وأسكنك جنته، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لذريتك أن لا تحرق اليوم بالنار، فيقول آدم: ليس ذلك إليِّ اليوم، ولكن سأرشدكم، عليكم بنوح فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح إشفع لذرية آدم فيقول: ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن عليكم بعبد اصطفاه الله بكلامه ورسالته وصنع علي عينه وألقي عليه محبة منه موسي وأنا معكم، فيأتون موسي فيقولون: يا موسي أنت عبد اصطفاك الله برسالته وبكلامه وصنعت علي عينه وألقي عليك محبة منه إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار، فيقول: ليس ذلك إليَّ اليوم عليكم بروح الله وكلمته عيسي فيأتون عيسي فيقولون: يا عيسي أنت روح الله وكلمته إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار، فيقول: ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن سأرشدكم عليكم بعبد جعله الله رحمة للعالمين أحمد وأنا معكم، فيأتون أحمد فيقولون: يا أحمد جعلك الله رحمة للعالمين إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار، فأقول: نعم أنا صاحبها فآتي حتي آخذ

بحلقة باب الجنة فيقال: من هذا أحمد؟ فيفتح لي فإذا نظرت إلي الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً، ثم يفتح لي من التحميد والثناء علي الرب شيئاً لا يفتح لاحد من الخلق ثم يقال: إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار فيقول الرب جل جلاله: إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قدر قيراط من إيمان فأخرجوه!

ثم يعودون إليَّ فيقولون: ذرية آدم لا يحرقون اليوم بالنار فآتي حتي آخذ بحلقة الجنة فيقال: من هذا؟ فأقول أحمد، فيفتح لي فإذا نظرت الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً مثل سجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء علي الرب والتحميد مثل ما فتح لي أول مرة، فيقال: إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار! فيقول الرب: إذهبوا من وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه!

ثم آتي حتي أصنع مثل ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلي الجبار عز جلاله خررت ساجداً فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك ثم يقال: إرفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار! فيقول الرب: إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون ما لا يعلم عدده إلا الله ويبقي أكثر. ثم يؤذن لادم في الشفاعة فيشفع لعشرة آلاف ألف ثم يؤذن للملائكة والنبيين فيشفعون ثم يؤذن للمؤمنين فيشفعون وإن المؤمن يشفع يومئذ لاكثر من ربيعة ومضر. انتهي.

ومن الواضح أن هذه الرواية تطرح ذرية آدم كلهم موضوعاً للشفاعة، ولكنها (تحتاط) من التصريح بشمول الشفاعة

لهم، علي عكس الروايات والآراء المتقدمة التي صرحت بشمول الشفاعة لجميع الخلق!

وإذا كان هذا الرأي يحتاج إلي رد، فإن ما تقدم في أدلة الرأي الموافق لمذهبنا، وما تقدم في نقد الآراء التوسيعية السابقة كاف لرده.

ان العقاب في الآخرة ينتهي كليا و أن جهنم تفني و ينقل أهلها إلي الجنة

وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة، ولكن بحثناها هنا لذكر الشفاعة في كثير من رواياتها.

وأول من قال من المسلمين بفناء النار هو الخليفة عمر بن الخطاب، وقد تأثر به عدد من المذاهب الكلامية. ولكن أكثر المتعصبين لعمر لم يأخذوا بقوله هذا، ماعدا ابن تيمية وبعض تلاميذه، كما ستري!

قال السيوطي في الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر (رض) قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم علي ذلك يخرجون فيه. انتهي. ورواه الشوكاني في فتح القدير:2/658 وغيره، وعالج: منطقة رملية في بين صحراء نجد والبحرين.

آراء المسلمين في آيات الخلود و أحاديثه

من عادة الكلاميين والمفسرين عندما يجدون قولاً لصحابي يحبونه مخالفاً لآيات محكمة وأحاديث صريحة، كمسألتنا هذه أنهم يحشدون للقارئ أقوالاً وآراء عديدة متضاربة متناقضة، ويؤيدونها بروايات كثيرة متضاربة أيضاً، وكأن واحدهم متحيرٌ يكتب للناس تحيره ويستغيث بهم! أو كأن هدفه بدل التفسير والتوضيح ترويض ذهن القارئ وتدويخه لكي يقبل التناقض الذي يريد إقناعه به!

وموضوعنا هذاواحدٌ من هذه الموضوعات التي اتبع فيها المفسرون السنيون هذه السياسة.

وتفادياً لذلك نقدم رأي أهل البيت (عليهم السلام) وعلماء مذهبهم في المسألة وما وافقهم وما خالفهم من الآراء الأخري، ليعرف الباحث من أين جاء الخلل إلي الرواة السنيين ومصادرهم في تفسير آيات الله تعالي، وتفسير أقوال النبي صلي الله عليه وآله، فإن الميزان الشرعي لكل الاراء والأحاديث عند الجميع هو القرآن والمتفق عليه من السنة..ويضاف اليه عندنا ماثبت عن المفسرين الشرعيين للقرآن بعد النبي صلي الله عليه وآله الذين هم عترته بصريح قوله صلي الله عليه وآله (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) وحديث الثقلين

صحيح عند الجميع.

اجمع المسلمون علي خلود الكفار في جهنم

الإعتقادات للصدوق/53:

باب الإعتقاد في الجنة والنار: قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: اعتقادنا في الجنة: أنها دار البقاء ودار السلامة، لا موتٌ فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر. وأنها دار الغني ودار السعادة، ودار المقامة ودار الكرامة، لا يمس أهلها نصب ولا يمسهم فيها لغوب، لهم فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون. وأنها دارٌ أهلها جيران الله تعالي وأولياؤه وأحباؤه وأهل كرامته.

وهم أنواع علي مراتب: منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته، ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك وحور العين واستخدام الولدان المخلدين والجلوس علي النمارق والزرابي ولباس السندس، كلٌّ منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد، علي حسب ما تعلقت همته، ويعطي ما عبد الله من أجله.

وقال الصادق عليه السلام: إن الناس يعبدون الله علي ثلاثة أصناف: فصنف منهم يعبدون شوقاً إلي جنته ورجاء ثوابه، فتلك عبادة الخدام، وصنف منهم يعبدونه خوفاً من ناره، فتلك عبادة العبيد، وصنف منهم يعبدونه حباً له، فتلك عبادة الكرام، وهم الامناء، وذلك قوله عز وجل: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ.

واعتقادنا في النار: أنها دار الهوان ودار الإنتقام من أهل الكفر والعصيان، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك.

الإعتقادات/81:

واعتقادنا في قتلة الأنبياء (عليهم السلام) وقتلة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أنهم كفار مشركون مخلدون في أسفل درك من النار. ومن اعتقد بهم غير ما ذكرناه، فليس عندنا من دين الله في شئ.

تفسير الإمام العسكري عليه السلام /578:

قال الله تعالي: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ، كان عذابهم سرمداً دائماً،

وكانت ذنوبهم كفراً، لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي، ولا خيِّر من خيار شيعتهم.

التبيان في تفسير القرآن:2/524:

الخلود في اللغة هو طول المكث، ولذلك يقال: خلده في السجن وخلد الكتاب في الديوان. وقيل للأثافي: خوالد مادامت في موضعها، فإذا زالت لا تسمي خوالد.

والفرق بين الخلود والدوام: أن الخلود يقتضي (في) كقولك خلد في الحبس ولا يقتضي ذلك الدوام، ولذلك جاز وصفه تعالي بالدوام دون الخلود.

إلا أن خلود الكفار المراد به التأبيد بلا خلاف بين الأمة... ومعني خلودهم فيها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من أليم العقاب، فأما من ليس بكافر من فساق أهل الصلاة فلا يتوجه إليه الوعيد بالخلود، لأنه لا يستحق إلا عقاباً منقطعاً به، مع ثبوت استحقاقه للثواب الدائم، لأنه لو كان كذلك لأدي إلي اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد. والإجماع بخلافه.

الطهارة للشيخ الأنصاري/388:

ومن ذلك يعلم الجواب عما دل من الأخبار علي عدم قبول توبته، مثل قوله عليه السلام: من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل علي محمد صلي الله عليه وآله فلا توبة له وقد وجبت عليه وبانت منه امرأته، ويقسم ما ترك علي ولده. هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ينافي الإسلام، ودعوي المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود في النار وهو ينافي الإسلام، مدفوع بأنه لا إجماع علي خلود الكافر في النار مطلقاً حتي مثل هذا بعد التوبة.

هذا مضافاً إلي معارضتها مع عمومات قبول التوبة، حيث أن ظاهرها القبول فيما يتعلق بأمر الآخرة من العقاب، فتدل بظاهرها علي أن المرتد تقبل توبته ولا يخلد في النار بعد التوبة، بل يدخل الجنة فيكون مسلماً، للإجماع علي خلود الكافر

في النار.

فكما يمكن تقييد هذه بغير المرتد الفطري كذلك يمكن تقييد مثل الرواية والأخبار المستفيضة بعدم قبول التوبة في دفع ما يحكم عليه بحدث الكفر من مفارقة المال والزوجةوالحياة. وبعد التعارض يجب الرجوع إلي الأصل.

هذا مضافاً إلي قول الباقر عليه السلام المروي في باب إعادة الحج: من كان مؤمناً فحج وعمل في إيمانه خيراً ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب وآمن؟ قال: يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه شئ.

هذا كله مع أن لنا أن نكتفي بالأصل، ونستدل علي طهارته بما دل علي طهارة المسلمين.

الروايات التي توافق هذا الرأي عند إخواننا السنيين

صحيح البخاري:7/203:

عن أنس (رض) قال قال رسول الله (ص): يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا علي ربنا حتي يريحنا من مكاننا؟ فيأتون آدم فيقولون أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا عند ربنا، فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول: إئتوا نوحاً أول رسول بعثه الله فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، إئتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً، فيأتونه فيقول:لست هناكم، ويذكر خطيئته، ائتوا موسي الذي كلمه الله فيأتونه فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته، إئتوا عيسي فيأتونه فيقول: لست هناكم، إئتوا محمداً فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأستأذن علي ربي فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال: إرفع رأسك، سل تعطه، قل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حداً، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجداً مثله في الثالثة أو الرابعة حتي ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن. وكان قتادة يقول عند

هذا: أي وجب عليه الخلود. انتهي.

وقد روت مصادر السنيين عبارة (إلا من حبسه القرآن) وفسرتها رواياتهم ومفسروهم بالتأبيد..

وممن رواها البخاري في:8/183 كما تقدم

ورواها أيضاً في:5/147 وفيه (إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود. ثم قال البخاري: إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالي: خَالِدِينَ فِيهَا).

وقال في:7/203 (إلا من حبسه القرآن، وكان قتادة يقول عند هذا: أي وجب عليه الخلود).ورواها في:8 من/173 (إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود).

وفي:8/184: إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود. انتهي.

ورواها مسلم في:1/124 وص 125 وأحمد:3/116 وص 244 مثل رواية البخاري الاخيرة.ورواها ابن ماجة:2/1443، وكنز العمال:14 /397 عن أحمد والبيهقي والترمذي وغيرهم.

سنن الترمذي:4/95:

باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار: عن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال: يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون...

فإذا أدخل الله تعالي أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت ملبباً فيوقف علي السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة، فيقال لأهل الجنة ولاهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا، فيضجع فيذبح ذبحاً علي السور، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل النار خلود لا موت. هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في:2/368.

مستدرك الحاكم:4/496:

فإذا أراد الله عز وجل أن لا يخرج منها أحد غير وجوههم وألوانهم، قال فيجي الرجل فينظر ولا يعرف أحداً فيناديه الرجل فيقول: يا فلان أنا فلان،

فيقول: ما أعرفك، فعند ذلك يقول: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، فيقول عند ذلك: إخسؤوا فيها ولا تكلمون، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلا يخرج منهم بشر. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

الدر المنثور:1/166:

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: وما هم بخارجين من النار قال: أولئك أهلها الذين هم أهلها.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأوزاعي قال سمعت ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتي نزلت: وما هم بخارجين من النار.

الدر المنثور:2/163:

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: وإن تك حسنة، وزن ذرة زادت علي سيآته يضاعفها، فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبداً.

الدر المنثور:6/257:

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال: يفترق ثلاث فرق فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات فيقاتلهم ويقاتلونه حتي يجتمع المؤمنون بقري الشام... وما يترك فيها أحداً فيه خير، فإذا أراد الله أن لا يخرج منها أحداً غير وجوههم وألوانهم، فيجي الرجل من المؤمنين فيشفع فيقال له من عرف أحداً فيخرجه فيجي الرجل فينظر فلا يعرف أحداً فيقول الرجل للرجل يا فلان أنا فلان فيقول ما أعرفك فيقولون ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، فيقول إخسؤوا فيها ولا تكلمون، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلم يخرج منهم بشر.

مجمع الزوائد:10/395:

باب الخلود لأهل النار في النار وأهل الإيمان في الجنة. عن أنس قال قال رسول الله (ص): يؤتي بالموت يوم القيامة

كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا، قال فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم ربنا هذا الموت، فيذبح كما يذبح الكبش، فيأمن هؤلاء وينقطع رجاء هؤلاء. رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط بنحوه والبزار ورجالهم رجال الصحيح غير نافع بن خالد الطاحي وهو ثقة.

وعن معاذ بن جبل أن رسول الله(ص)بعثه إلي اليمن فلما قدم عليه قال: يا أيها الناس إني رسول رسول الله(ص)إليكم يخبركم أن المرد إلي الله، وإلي جنة أو نار، خلود بلا موت، وإقامة بلا ظعن.

الدر المنثور:3/350:

وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله: إلا ما شاء ربك، قال فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار، وأن يخلد هؤلاء في الجنة.

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا... الآية، قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا.. إلي آخر الآية، فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الابد. وقوله وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا.. الآية قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ..إلي قوله ظلاً ظليلاً، فأوجب لهم خلود الأبد.

الأحكام في الحلال والحرام:1/35:

وأن من دخل الجنة أو النار من الأبرار والفجار فإنه غير خارج من أيهما، صار إليها وحل بفعله فيها أبد الأبد، لا ما يقول الجاهلون من خروج المعذبين من العذاب المهين إلي دار المتقين ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: خالدين فيها أبداً، ويقول عز وجل: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ

مَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. ففي كل ذلك يخبر أن كل من دخل النار فهو مقيم فيها، غير خارج منها من بعد مصيره إليها، فنعوذ بالله من الجهل والعمي.

سبب خلود أهل النار فيه

الكافي:2/85:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن أحمد بن يونس، عن أبي هاشم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إنما خلد أهل النار في النار، لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً، وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً، فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله تعالي: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَي شَاكِلَتِهِ، قال علي نيته. ورواه الصدوق في الهداية/12 وفي علل الشرائع:2/523 والعياشئ في تفسيره:2/316 والبرقي في المحاسن:2/36.

آيات الخلود في الجنة والنار

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 39.

بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 81-82.

خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ. البقرة-162.

وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 217.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلي الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة: 257.

الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَي فَلَهُ مَا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إلي اللَّهِ وَ مَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 275.

أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ

إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. آل عمران: 87 _ 89.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. آل عمران-116.

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَ لَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ. النساء: 14.

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. النساء: 93.

قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام: 128.

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. الأعراف: 36.

أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَ فِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ. التوبة: 17.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ. التوبة: 63.

وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. التوبة: 68.

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يونس: 27.

ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ. وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ مَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. يونس: 52 _ 53.

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ

مَجْذُوذٍ. هود: 106 _ 108

أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. الرعد: 5.

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. النحل-29.

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا. خَالِدِينَ فِيهِ وَ سَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا. طه: 100 _ 101.

إِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ، لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَ كُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ. الأنبياء: 98 _ 99.

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيهَا كَالِحُونَ. أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَي عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ. المؤمنون: 103 _ 105.

وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. السجدة: 14.

خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. الأحزاب: 65.

قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. الزمر: 72.

قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. غافر: 76

ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فصلت: 28

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ. الزخرف: 74 _ 77

وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ. محمد: 15

لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. المجادلة: 17

فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَ ذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. الحشر: 17

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا

وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. التغابن _ 10

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. الجن: 23

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. البينة: 6

إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الأخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ. هود: 103 _ 108

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَ لَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ.البقرة: 165-167.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. المائدة: 36 _ 37

عدم خلود الموحدين في النار في مصادرن

تقدم رأي أهل البيت (عليهم السلام) في شمول الشفاعة للمسلمين بشروط، وأوردنا فيه حديث ابن أبي عمير عن الإمام الكاظم عليه السلام من توحيد

الصدوق/407 وفيه (لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود والضلال والشرك...) انتهي. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:8/351 ووصف الشيخ الأنصاري في مكاسبه/335 روايته بأنها حسنة.

بحار الأنوار:8/361:

عيون أخبار الرضا: فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا يدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافراً وقد أوعده النار والخلود فيها، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزة لهم.

بحار الأنوار:8/366:

قال العلامة رحمه الله في شرحه علي التجريد: أجمع المسلمون كافة علي أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين، فالوعيدية علي أنه كذلك، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلي أن عذابه منقطع، والحق أن عقابهم منقطع لوجهين:

الأول: أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالي: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، والإيمان أعظم أفعال الخير، فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب علي العقاب وهو باطل بالإجماع، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم علي ما تقدم، أو بالعكس وهو المراد، والجمع محال.

الثاني: يلزم أن يكون من عبَد الله تعالي مدة عمره بأنواع القربات إليه، ثم عصي في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه، مخلداً في النار، كمن أشرك بالله مدة عمره! وذلك محال لقبحه عند العقلاء.

الكافي للحلبي/481:

إن قيل: فإذا كان الوعيد ثابتاً بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد، كيف يتم لكم ما تذهبون اليه من انقطاع عقاب بعض العصاة؟.

قيل: ثبوت الوعيد علي كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة، لأنا نقول بموجبه، وإنما نمنع من دوامه لغير الكفار، وثبوته منقطعاً يجوز سقوطه بأحد ما ذكرناه، ولا يمنع منه إجماع ولا

ظاهر قرآن، من حيث كان الإجماع حاصلاً باستحقاق العقاب دون دوامه... وإنما يعلم به دوام عقاب الكفر.

الكافي للحلبي/492:

وأهل النار من الأولين والآخرين ضربان: كفار مخلدون وإن زاد عقاب بعض علي بعض بحسب كفره، وفساق مقطوع علي خروجهم من النار بعفو مبتدأ، أو عند شفاعة، أو انتهاء عقابهم إلي غاية مستحقه، وحالهم في مراتب التعذيب بحسب عصيانهم. ولا يجوز أن يبلغ عقابهم في العظم عقاب الكفار، لإقتران ما استحقوا به العقاب من المعصية بالمعرفة بالمعصي تعالي والخوف منه والرجاء لفضله، وتسويف التوبة، وانتفاء ذلك أجمع عن عصيان الكفار. ولا سبيل إلي العلم بمقدار إقامتهم فيها.

عدم خلود الموحدين في النار في مصادر السنيين

صحيح البخاري:1/195:

عن أبي هريرة: أن الناس قالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا لا، يا رسول الله. قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا، قال: فإنكم ترونه كذلك. يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت. وتبقي هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم! فيقولون: هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا! فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا نعم، قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم

ينجو، حتي إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله علي النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل... ورواه البخاري أيضاً في:7/205.

صحيح البخاري:1/16:

عن أنس عن النبي(ص)قال: يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله الا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير، قال أبو عبد الله قال أبان، حدثنا قتادة، حدثنا أنس عن النبي (ص): من إيمان، مكان خير.

صحيح البخاري:7/202:

عن جابر (رض) أن النبي(ص)قال: يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير! قلت: ما الثعارير؟ قال الضغابيس! وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دينار: أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي(ص)يقول: يخرج بالشفاعة من النار؟ قال: نعم.

حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين...

عن أبي سعيد الخدري (رض) أن النبي(ص)قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمماً، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، أو قال حمية السيل، وقال النبي (ص): ألم

تروا أنها تنبت صفراء ملتوية.

وفي/203:

عمران بن حصين (رض) عن النبي(ص)قال: يخرج قوم من النار بشفاعة محمد(ص)فيدخلون الجنة، يسمون الجهنميين.

سنن النسائي:2/229:

عن الزهري، عن عطاء بن يزيد قال: كنت جالساً إلي أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل، وذكر الصراط، قال قال رسول الله (ص): فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار من يريد أن يخرج أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع، فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

الدر المنثور:3/349:

أما قوله فمنهم شقي وسعيد، فهم قوم من أهل الكبائر من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم، ثم يأذن في الشفاعة لهم، فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة، فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، وهم هم. وأما الذين سعدوا يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه، ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، يعني الذين كانوا في النار.

الدر المنثور:2/280:

قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ) الايتين: أخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله(ص)قال: يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة، قال يزيد بن الفقير: فقلت لجابر بن عبد الله: يقول الله يريدون أن يخرجوا من النار وما

هم بخارجين منها؟ قال: أتل أول الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ألا إنهم الذين كفروا.

وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن طلق بن حبيب قال: كنت من أشد الناس تكذيباً للشفاعة، حتي لقيت جابر بن عبدالله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار، قال: يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم لسنة رسول الله(ص)مني؟! إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً ثم خرجوا منها، ثم أهوي بيده إلي أذنيه فقال: صمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله(ص)يقول: يخرجون من النار بعد ما دخلوا، ونحن نقرأ كما قرأت.

وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الازرق قال لابن عباس: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا؟ فقال ابن عباس: ويحك إقرأ ما فوقها، هذه للكفار.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن الله إذا فرغ من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت عرشه فيه: رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين قال فيخرج من النار مثل أهل الجنة، أو قال مثلي أهل الجنة، مكتوب هاهنا منهم، وأشار إلي نحره عتقاء الله تعالي.

فقال رجل لعكرمة: يا أبا عبدالله فإن الله يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا؟ قال: ويلك أولئك هم أهلها الذين هم أهلها.

الدر المنثور:2/111:

ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال: قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت: وما هم بخارجين من النار؟ قال: أخبرني رسول الله(ص)أنهم الكفار، قلت لجابر فقوله: إنك من تدخل

النار فقد أخزيته؟ قال وما أخزاه حين أحرقه بالنار؟! وإن دون ذلك خزياً.

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا علي كبائرهم غير نادمين ولا تائبين، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران، حرم الله أجسادهم علي الخلود من أجل التوحيد... الخ. وقد تقدم ذلك في روايات الرأي الثاني القائل بأن التوحيد وحده كاف لدخول الجنة، وأن الموحدين كلهم يخرجون من جهنم ويدخلون الجنة، ويسمون الجهنميين، ويلاحظ كثرة روايات الجهنميين في مصادر السنيين.

الإمام الصادق للشيخ محمد أبي زهرة/227:

اتفقت الإمامية علي أن من عذب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة لم يخلد في العذاب... وإن هذا الرأي... يتفق مع رأي الجمهور... وقد نسبه إليه (الإمام جعفر الصادق عليه السلام) أبو جعفر القمي...

شرح مسلم للنووي:1/69:

لا يخلد في النار أحد مات علي التوحيد، وهذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة.

روايات في الصحاح تقول بخلود الموحدين في النار

ولكن توجد في مصادر السنيين أحاديث تعارض الإجماع المذكور والأحاديث المتقدمة، وتنص علي خلود بعض الأصناف من أهل القبلة في جهنم!

كالذي رواه النسائي في:4/66:

عن أبي هريرة، عن النبي(ص)قال: من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردي خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسَّي سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن قتل نفسه بحديدة... كانت حديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ورواه أحمد في:2/254 وبعضه أبو داود

في:2/222.

وكالذي رواه الدارمي في:2/266:

عن أبي أمامة أن رسول الله(ص)قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله! قال: وإن قضيبا من أراك!!

والذي رواه ابن ماجة في:2/876 ح 2623:

عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله (ص): من أصيب بدم أو خبل (والخبل الجرح) فهو بالخيار بين إحدي ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا علي يديه: أن يقتل، أو يعفو، أو يأخذ الدية. فمن فعل شيئاً من ذلك فعاد، فإن له نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. انتهي.

والذي رواه الطبراني في المعجم الكبير:12/8:

عن ابن عباس: ومن يقتل مؤمناً متعمداً قال: ليس لقاتل توبة ما نسختها آية!

وقال النيسابوري في الوسيط:2/96: وقوله: فجزاؤه جهنم خالداً فيها..إلي آخر الآية، وعيدٌ شديدٌ لمن قتل مؤمناً متعمداً حرم الله قتله وحظر سفك دمه، وقد وردت في قتل المؤمن أخبار شداد، فإن ابن عباس سأله رجل فقال: رجل قتل مؤمناً متعمداً؟ فقال ابن عباس: جزاؤه جهنم خالداً فيها، قال: فإن تاب وآمن وعمل صالحاً؟ فقال ابن عباس: وأَنَّي له التوبة، وقد سمعت نبيكم يقول: ويحٌ له قاتل المؤمن...

عن القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيداً: هل لمن قتل مؤمناً توبة؟ فقال لا... وعن حميد عن أنس عن النبي قال: إن الله أبي أن يجعل لقاتل المؤمن توبة... وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله: والذي نفسي بيده لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا...

ومذهب أهل السنة: أن قاتل المؤمن عمداً له توبة، عن عطاء عن ابن عباس أن رجلاً سأله: ألقاتل المؤمن توبة؟ فقلت لك

توبة، لكي لا يلقي بيده إلي التهلكة. انتهي.

ولكن هذه الرواية التي استندوا عليها عن ابن عباس تؤكد عدم قبول توبته، ولا تدل عليها! فلا بد لهم من طرح روايات خلود قاتل المسلم في النار وأمثالها، والقول بأن رواياته تشديدٌ من الرواة لتخويف القاتل في مجتمع كان يستسهل القتل!

وقد حاول النووي تأويلها فقال في شرح مسلم:9 جزء 17/83:

وأما قوله تعالي: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، فالصواب في معناها أن جزاؤه جهنم، وقد يجازي به وقد يجازي بغيره، وقد لا يجازي بل يعفي عنه، فإن قتل عمداً مستحلاً له بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد، يخلد به في جهنم بالإجماع... ثم أخبر أنه لا يخلد من مات موحداً فيها، فلا يخلد هذا ولكن قد يعفي عنه فلا يدخل النار أصلاً... انتهي.

وقد تضمنت محاولة النووي عدة وجوه ضعيفة، أقواها: القول بأن القاتل عمداً يخرج بقتله عن التوحيد فيجري عليه حكم المشرك في الآخرة.

ونحن نعتقد بصحة الأحاديث التي تقول إن بعض الأعمال توجب سلب التوحيد من صاحبها قبل الموت، فلا يموت علي التوحيد كما سيأتي، ولكن ذلك يحتاج في موردنا إلي دليل.

ما دل من مصادرنا لي أن الدار الآخرة لا موت فيه

بحار الأنوار:8/349:

الكافي: علي، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وساق الحديث في مراتب خلق الأشياء يغلب كل واحد منها الآخر حيث بغي وفخر، إلي أن قال: ثم إن الإنسان طغي وقال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت وقهره وذل الإنسان، ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز وجل لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة

وأهل النار، ثم لا أحييك أبداً فترجي أو تخاف.. الحديث.

تذنيب: إعلم أن خلود أهل الجنة في الجنة مما أجمع عليه المسلمون، وكذا خلود الكفار في النار ودوام تعذيبهم، قال شارح المقاصد: أجمع المسلمون علي خلود أهل الجنة في الجنة وخلود الكفار في النار.

فإن قيل: القوي الجسمانية متناهية، فلا يعقل خلود الحياة، وأيضاً الرطوبة التي هي مادة الحياة تفني بالحرارة سيما حرارة نار جهنم، فيفضي إلي الفناء ضرورة، وأيضاً دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل!

قلنا: هذه قواعد فلسفة غير مسلمة عند المليين، ولا صحيحة عند القائلين بإسناد الحوادث إلي القادر المختار، علي تقدير تناهي القوي وزوال الحياة، لجواز أن يخلق الله البدل فيدوم الثواب والعقاب، قال الله تعالي: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ.

تفسير القمي:2/50:

وقال علي بن إبراهيم في قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.، فإنه حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ؟ قال: ينادي مناد من عند الله، وذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار: يا أهل الجنة ويا أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟ فيقولون لا، فيؤتي بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم ينادون جميعاً: أشرفوا وانظروا إلي الموت فيشرفون، ثم يأمر الله به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت أبداً، ويا أهل النار خلود فلا موت أبداً. وهو قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ. أي قضي علي أهل الجنة بالخلود، وعلي

أهل النار بالخلود فيها.

ما دل من مصادر السنيين علي أن الدار الآخرة لا موت فيه

صحيح البخاري:7/200:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): إذا صار أهل الجنة إلي الجنة وأهل النار إلي النار، جي بالموت حتي يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلي فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلي حزنهم. ورواه أحمد في: 2/118 وص 120 وص 121.

وفي مسند أحمد:2/130:

عن عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله(ص)قال: يدخل أهل الجنة الجنة، قال أبي وحدثناه سعد قال: يدخل الله أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار، لا موت، كل خالد فيما هو فيه. ورواه الترمذي في:4/95.

وفي الدر المنثور:4/272:

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود (رض) في قوله: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يأتي الموت في صورة كبش أملح حتي يوقف بين الجنة والنار، ثم ينادي منادي أهل الجنة: هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا، ولا يبقي أحد في عليين ولا في أسفل درجة من الجنة إلا نظر إليه، ثم ينادي يا أهل النار هذا الموت الذي كان يميت الذي في الدنيا، فلا يبقي أحد في ضحضاح من النار ولا في أسفل درك من جهنم إلا نظر إليه، ثم يذبح بين الجنة والنار، ثم ينادي يا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدين، ويا أهل النار هو الخلود أبد الآبدين، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتاً من فرحة ماتوا، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد

ميتاً من شهقة ماتوا، فذلك قوله: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر، يقول إذا ذبح الموت.

وقال الرازي في تفسيره:13 جزء 26/139:

إن أهل الجنة لا يعلمون في أول دخولهم في الجنة أنهم لا يموتون، فإذا جي بالموت علي صورة كبش أملح وذبح، فعند ذلك يعلمون أنهم لا يموتون.

وقال في الأحاديث القدسية:1/160:

شرح حديث ذبح الموت وأنه يؤتي بالموت يوم القيامة فيوقف علي الصراط.. الخ. وإنه لا مانع عقلاً من أن يخلق الله تعالي الموت علي صوررة حيوان ويوقف ويذبح... ونحن نؤمن بما ثبت عن رسول الله، ولا نبحث عن كيفية تحقيقه.انتهي.

عودة إلي رأي عمر بفناء النار

في هذا الجو من آيات الخلود في النار وإجماع المسلمين علي خلود الجنة والنار.. نري الخليفة عمر من دون الصحابة يخالف المتفق عليه بين الجميع ويقول بفناء النار وانتهائها، ونقل أهلها إلي الجنة!!

وقد أخذ الخليفة ذلك من بعض أحبار اليهود الذين كان يثق بعلمهم، لأن من مقولاتهم أن الله تعالي وعد يعقوب بأن لا يدخل أبناءه إلي النار إلا تحلة القسم، وأن النار أساساً عمرها قصير ثم تنتهي وتهلك!!

وقد تقدم عنهم ذلك في تفسير قوله تعالي (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) في فصل الشفاعة عند اليهود!!

ونظراً لغرابة هذا الرأي حاول البعض التشكيك في نسبته إلي الخليفة عمر، ولكنه ثابت عنه عند المحدثين والمؤرخين والمتكلمين كما تقدم ويأتي! وأكثر أتباع الخليفة لا يعرفون رأيه هذا، فبعضهم ينكره.. وبعضهم (يستحي) به.. ولكن بعضهم تجرأ وكتب رداً عليه!

قال في مقدمة فتح القدير:1/9:

للشوكاني مؤلفات، منها كتاب نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار... وكشف الأستار في إبطال القول بفناء النار. انتهي.

وأكثر المتحمسين لتأييد رأي عمر ابن قيم الجوزية في

رسالته حادي الأرواح تبعاً لأستاذه ابن تيمية. ومن المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار:8/68

حيث أورد في كتابه رسالة ابن قيم كاملة، وهي تبلغ نحو خمسين صفحة، ولم يأت صاحب المنار بجديد سوي المدح والغلو في ابن قيم.. لأنه مفكر إسلامي نابغة استطاع أن يحل المشكلة ويثبت رأي الخليفة بخمس وعشرين دليلاً!

وتدور رسالة ابن قيم علي محور واحد هو أن النار تفني كما يخرب السجن فلا يبقي محل لأهلها إلا أن ينقلوا إلي الجنة، وهو كلامٌ لم يقله عمر!!

قال ابن قيم وهو يعدد الأقوال في الخلود في جهنم:

السابع: قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالي، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، ثم تفني ويزول عذابها.

قال شيخ الإسلام (ابن تيمية): وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم، وقد روي عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن، قال قال عمر: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم علي ذلك يوم يخرجون فيه.

وقال: حدثنا حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه. ذكر ذلك في تفسير ثابت عند قوله تعالي (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ، وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج بن منهال، وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به، وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة،

والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال قال عمر بن الخطاب، ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداولُ هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد، مع أنهم ينكرون علي من خالف السنة بدون هذا، فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة، لكانوا أول منكر له.

قال: ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها، فأما قوم أصيبوابذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها، وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريباً منه، ولفظ أهل النار لا يختص (يقصد لا يطلق) بالموحدين بل يختص بمن عداهم، كما قال النبي (ص) (أما أهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها ولا يحيون) ولا يناقض هذا قوله تعالي (خَالِدِينَ فِيهَا) وقوله (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه. لكن إذا انقضي أجلها وفنيت كما تفني الدنيا، لم تبق ناراً ولم يبق فيها عذاب). انتهي.

وقد استدل ابن قيم علي رأي الخليفة عمر بخمس وعشرين وجهاً! لا نطيل الكلام بسردها وردها، لأنها ماعدا واحد منها وجوه خطابية استحسانية، وليست علمية، ويكفي في جوابها جميعاً أنها لا تنهض بمعارضة الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة علي خلود بعض الفجار في النار، ولا علي معارضة الإجماع الذي تقدم من الفريقين!

أما الوجه الذي يحسن التعرض له فهو قول ابن القيم:

فصل. والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق:

أحدها: اعتقاد الإجماع، فكثير من الناس

يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين، لا يختلفون فيه، وأن الإختلاف فيه حادث، وهو من أقوال أهل البدع.

الطريق الثاني: أن القرآن دل علي ذلك دلالة قطعية، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب مقيم، وأنه لا يفتر عنهم، وأنه لن يزيدهم إلا عذاباً، وأنهم خالدون فيها أبداً، وما هم بخارجين من النار، وما هم منها بمخرجين، وأن الله حرم الجنة علي الكافرين، وأنهم لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط، وأنهم لا يقضي عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، وأن عذابها كان غراماً أي مقيماً لازماً.. قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره.

الطريق الثالث: أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار، وأحاديث الشفاعة من أولها إلي آخرها صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان.

الطريق الرابع: أن الرسول وقفنا علي ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلي نقل معين، كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها.

الطريق الخامس: أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا تفنيان بل هما دائمتان، وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع.

الطريق السادس: أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار. وهذا مبني علي قاعدة وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين، وكثير منهم يذهب إلي أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القرآن في غير موضع كإنكاره سبحانه علي من زعم أنه يسوي بين الأبرار والفجار

في المحيا والممات، وعلي من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إليه لا يرجعون وأنه يتركهم سدي أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم، وذلك يقدح في حكمته وكماله وأنه نسبة إلي ما لا يليق به. وربما قرروه بأن النفوس البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها، بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولاً قال تعالي (وَلَوْ تَرَي إِذْ وُقِفُوا عَلَي النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم بل خبثها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفاراً كما كانوا، وهذا يدل علي أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء به السمع.انتهي.

ثم قال ابن قيم:

قال أصحاب الفناء علي هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة:

فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم وإنما يظن الإجماع في هذه المسألة من لم يعرف النزاع وقد عرف النزاع بها قديماً وحديثاً، بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلي الواحد أنه قال إن النار لا تفني أبداً لم يجد إلي ذلك سبيلاً، ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك، فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك، بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا، قالوا والإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما ونوع ثالث مختلف فيه، ولم يوجد واحد منها في هذه المسألة:

النوع الأول ما يكون معلوماً من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام

وتحريم المحرمات الظاهرة.

الثاني ما ينقل عن أهل الإجتهاد التصريح بحكمه.

الثالث أن يقول بعضهم القول وينشر في الأمة ولا ينكره أحد. فأين معكم واحد من هذه الانواع، ولو أن قائلاً ادعي الإجماع من هذه الطريق واحتج بأن الصحابة صح عنهم ولم ينكر أحد منهم عليه، لكان أسعد بالإجماع منكم!

قالوا: وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن علي بقاء النار وعدم فنائها، فأين في القرآن دليل واحد يدل علي ذلك، نعم الذي دل عليه القرآن أن الكفار خالدون في النار أبداً، وأنهم غير خارجين منها، وأنه لا يفتر عنهم من عذابها، وأنهم لا يموتون فيها، وأن عذابهم فيها مقيم، وأنه غرام أي لازم لهم. وهذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وليس هذا مورد النزاع، وإنما النزاع في أمر آخر (!!) وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء؟ وأما كون الكفار لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم من عذابها، ولا يقضي عليهم فيموتوا، ولا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط، فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة. وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود (!!) والاتحادية وبعض أهل البدع، وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب مادامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها، فالفرق كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس علي حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.

قالوا: وأما الطريق الثالث وهو مجي السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك، فهي حق لا شك فيه، وهي إنما تدل علي ما قلناه من خروج الموحدين

منها وهي دار عذاب لم تفن، ويبقي المشركون فيها ما دامت باقية. والنصوص دلت علي هذا وعلي هذا.

قالوا: وأما الطريق الرابع وهو أن رسول الله(ص)وقفنا علي ذلك ضرورة، فلا ريب أنه من المعلوم من دينه بالضرورة أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية، هذا معلوم من دينه بالضرورة، وأما كونها أبدية لا انتهاء لها ولا تفني كالجنة فأين في القرآن والسنة دليل واحد يدل علي ذلك!! انتهي.

وقد ذكر في 79: قول أهل السنة (إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية) وأجاب عليه بقوله (فقولكم إنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم...) انتهي.

ونلاحظ أن ابن قيم اعترف بأن الذين نفوا خلود النار هم اليهود والإتحادية من الوثنيين والماديين، ثم قام بتغيير موضوع النزاع في المسألة، لكي يوفق بين إجماع المسلمين علي الخلود في النار وبين قول عمر بفنائها، وعمدة ماقاله: إنه لا مانع أن نقول خالدين فيها إذا لم تخرب، كما نقول مؤبدٌ في السجن مادام السجن موجوداً ولم يخرب. يريد بذلك أن أهل النار إنما ينقلون إلي الجنة بسبب خرابها!

ولو سلمنا هذا المنطق في المسألة، فأين دليله علي خراب السجن أو جهنم؟!

يكفي لرد ذلك أنه لو كان له أصلٌ في الإسلام لكثرت فيه الآيات والأحاديث!

ولو كان له أصلٌ لاحتج به الخليفة، وذكر ولو كلمةً عن فناء النار، وما اقتصر علي رمل عالج!!

إن فذلكات ابن قيم وأمثاله لا يمكنها أن تقاوم ما تقدم من الآيات والأحاديث والإجماع، ولا أن تقلب معاني ألفاظ اللغة فتلغي معني الدوام والتأبيد والخلود وتجعلها كلها لزمن

محدود ينتهي.

وقد اغتر بهذه الفذلكة بعضهم وقال: ليس في اللغة العربية كلمة للوقت الممتد بلا انقطاع! وخير جواب لهؤلاء أن نسألهم: إذا أردتم التعبير بالعربية عن هذا المعني فبماذا تعبرون؟ فلابد أنهم سيستعملون ألفاظاً من مادة الدوام والتأبيد والخلود..وهي المواد التي استعملها القرآن والحديث!!

الجهمية أخذت من الخليفة عمر

قال الأشعري في مقالات الإسلاميين/148:

واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار... فقالت الفرقة الأولي منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان: الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفني أهلهما... وأنه لا يجوز أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار!!

وفي/279:

والذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان!

تأويلات أهل السنة/75-76:

الرد علي الجهمية في قولهم بفناء الجنة وما فيها، وقوله وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي مقيمون أبداً، فالآية ترد علي الجهمية قولهم لأنهم يقولون بفناء الجنة... لكن ذلك وهمٌ عندنا، لأن الله تعالي هو الأول بذاته.. والباقي بذاته، والجنة وما فيها باقية بغيرها. إن الله تعالي جعل الجنة داراً مطهرة عن المعايب كلها.. ولو كان آخرها للفناء لكان فيها أعظم المعايب إذ المرء لا يهنأ بعيش إذا نقص عليه بزواله. فلو كان آخره للزوال كانت نعمته منغصه علي أهلها...

تأويلات أهل السنة/121:

الرد علي الجهمية في قولهم بفناء الجنة والنار وانقطاع ما فيهما: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، تنقض علي الجهمية قولهم... فلو كانت الجنة تفني وينقطع ما فيها لكان فيها خوف وحزنٌ لأن من خاف في الدنيا زوال النعمة عنه وفوتها يحزن عليه.. فأخبر عز وجل أن لا خوف عليهم فيها، خوف التبعة ولا حزن فوات النعمة، ولا هم يحزنون، دل علي أنها باقية وأن نعيمها دائم لا يزول، وكذلك

أخبر عز وجل أن الكفار في النار خالدون.

والمرجئة أخذوا من عمر

تاريخ الإسلام للذهبي:13/160:

وكان أبو المطيع فيما نقل الخطيب من رؤوس المرجئة.. وذكروا عنه أنه كان يقول: الجنة والنار خلقتا وستفنيان، وهذا كلام جهم.

و ابن العاص أخذ من عمر

فتح القدير للشوكاني:2/658:

عن ابن عمرو قال: ليأتين علي جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد. ثم قال صاحب الكشاف: ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علياً ما يشغله عن تسيير هذا الحديث! انتهي.

ويقصد الزمخشري أن عبد الله بن عمرو بن العاص راوي هذا الحديث لا يوثق به، لأنه كان مبغضاً لعلي عليه السلام وقد قاتله في صفين بسيفين، وكان الأولي به أن يكتفي بفعلته تلك ولا ينقل مثل هذه الأحاديث الخارجة عن إجماع المسلمين!

قال في هامش اختيار معرفة الرجال:1/157: وقال في الكشاف: وماظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روي لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص: ليأتين علي جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون أحقابا. وبلغني أن من الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلي الحق ومعرفة بكتابه وتنبهاً علي أن نغفل عنه. ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه أنهم يخرجون من حر النار إلي برد الزمهرير، فذلك خلق جهنم وصفق أبوابها، وأقول: أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب (رض) ما يشغله عن تسيير هذا الحديث. انتهي قول الكشاف.

و رووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجي لأهل النار من هذه الآية: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ قال وقال ابن مسعود: ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها.

وفي تفسير التبيان:6/68 وروي عن ابن مسعود أنه قال: ليأتين علي جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك

بعد أن يلبثوا فيها أحقاباً.

و الشعبي أخذ من عمر

تفسير التبيان:6/68:

وقال الشعبي: جهنم أسرع الدارين عمراناً، وأسرعهما خراباً.

ويلاحظ علي رواياتهم عن ابن العاص وابن مسعود والشعبي أن جهنم تبقي ولكن تفرغ وينقل أهلها إلي الجنة! وهذا هو موضوع كلام عمر، لا ماادعاه ابن قيم!

و المعتزلة أخذت من عمر

الملل والنحل للشهرستاني _ هامش الفصل:1/64:

الخامسة: قوله (أبو الهذيل) إن حركات أهل الخلدين تنقطع، وإنهم يصيرون إلي سكون دائم خموداً، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار.

و الجاحظ أخذ من عمر

الملل والنحل _ هامش الفصل:1 جزء 1/95:

أقوال الجاحظ التي انفرد بها عن أصحابه..منها: قوله في أهل النار إنهم لا يخلدون فيها عذاباً، بل يصيرون إلي طبيعة النار.

و ابن عربي والجيلي أخذا من عمر

قال في تفسير المنار:8/70:

ويدخل فيه أنها تفني كما تقول الجهمية، أو تتحول إلي نعيم كما قال الشيخ محيي الدين بن العربي وعبد الكريم الجيلي من الصوفية.

اما عمر فقد أخذ من كعب الأحبار واليهود

سيرة ابن هشام:2/380:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ

قال ابن إسحاق: وحدثني مولي لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدينة واليهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب!!

فأنزل الله في ذلك من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتي يحيط كفره بماله عند الله من حسنة، فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. أي خلداً أبداً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم علي أهله أبداً، ولا انقطاع له.

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآية. أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة... الخ. ورواه في مجمع الزوائد: 6/314.

تفسير التبيان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا

النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وإنما لم يبين عددها في التنزيل، لأنه تعالي أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الايام التي يوقتونها في النار، فلذلك نزل تسمية عدد الايام وسماها معدودة لما وصفنا.

وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة: هي أربعون يوماً. ورواه الضحاك عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الايام التي عبدوا فيها العجل.

وقال ابن عباس: إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد، فإذا انقطع المسير انقطع العذاب، وهلكت النار!!

قال السيوطي في الدر المنثور:6/285:

وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً علي عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثني إلي ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة؟ فقال كعب قد أخبرك الله في القرآن إن الله يقول: ما سلككم في سقر... إلي قوله اليقين قال كعب: فيشفع يومئذ حتي يبلغ من لم يصل صلاة قط، ويطعم مسكيناً قط، ومن لم يؤمن ببعث قط، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير! انتهي.

وقد ذكرنا أن كلام كعب هذا يحتل وجهين لأن قوله: حتي يبلغ، وقوله فإذا بلغت، قد يقصد بهما أن الشفاعة تبلغ هؤلاء المكذبين بيوم الدين الذين لم يفعلوا خيراً قط! فلا يبقي أحد في النار وتنتهي. وقد يقصد بهما أن الشفاعة تقف عند هؤلاء فيكون كلامه توسيعاً لها لكل المؤمنين بالبعث من غير المسلمين!

ولايبعد أن يكون هدف كعب القول بدخول الجميع الجنة وفناء النار، لأن ذلك من مقولات اليهود كما رأيت! ويكون قصده أن سؤال أهل اليمين للمجرمين: ماسلككم في سقر؟ إنما هو مقدمةٌ لاخراجهم من النار.. وبشفاعة

نبينا صلي الله عليه وآله!!

وقد يتصور البعض أن من المبالغة أو التهمة للخليفة عمر بأنه أخذ هذه العقيدة من كعب الأحبار، ولكن الذي يقرأ احترام عمر لاحبار اليهود والنصاري ولكعب الأحبار خاصة حتي قبل إسلام كعب.. لا يستبعد ذلك بل يطمئن اليه، ويحسن مراجعة ما كتبناه في ذلك موثقاً في كتاب تدوين القرآن، وأن الخليفة عمر كان يدرس عند اليهود في المدينة في حياة النبي صلي الله عليه وآله وأن النبي نهاه عن عن ذلك ولم يمتثل! ونذكر هنا بعض النصوص التي تكشف ثقته العالية بكعب، والمقام العظيم الذي يحتله كعب في ذهنه وعواطفه!

عمر ينظر إلي كعب كأنه نبي و يتلقي منه

يلاحظ الباحث تعاملاً فريداً للخليفة عمر مع كعب الأحبار، وأنه كان يحترمه أكثر من كل صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله ويفضله عليهم علمياً وسياسياً، ويسأله عن عوالم الغيب والشهادة والأنبياء والجنة والنار وتفسير القرآن، وعن مستقبل الأمة ومستقبله الشخصي ويثق به ثقةً مطلقة ويقبل منه.. شبيهاً بتعامل الصحابي المؤمن مع نبيه الذي ينزل عليه الوحي!

قال السيوطي في الدر المنثور:3/6:

وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم قال قال عمر لكعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتاباً لم يكتبه قلم ولا مداد،ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي!!

وقال أحمد في مسنده:1/42:

قال عمر يعني لكعب: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئاً أعلمه قال: ما أخوف شئ تخوفه علي أمة محمد؟ قال أئمة مضلين. قال عمر: صدقت قد أسرَّ ذلك اليَّ وأعلمنيه رسول الله(ص). ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:5/239 وقال: رجاله ثقات.

وقال السيوطي في

الدر المنثور:4/57:

عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

وقال في:5/347:

عن قتادة قال: إن عمر بن الخطاب (رض) قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل.

وقال في كنز العمال:12/560:

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثني يا كعب عن جنات عدن. قال: نعم يا أمير المؤمنين قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لاهلها، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشئ إلا لم آل فيه عدلاً، وأما الشهادة فأ نَّي لعمر بالشهادة؟!-ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع.

وقال السيوطي في الدر المنثور:4/57:

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن (رض) أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (رض) قال: قرأ عمر (رض) علي المنبر جنات عدن، فقال: أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب، علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد!

وقال في الدر المنثور:5/347:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة (رض)... في قوله: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ قال إن عمر بن الخطاب (رض) قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون

وأئمة العدل.

معجم ما استعجم:2/74:

الحثمة: بفتح أوله وإسكان ثانية: صخرات بأسفل مكة بها ربع عمر بن الخطاب. روي عنه مجاهد أنه قرأ علي المنبر: جنات عدن فقال: أيها الناس أتدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين لا يدخله إلا نبي، وهنيئاً لصاحب القبر وأشار إلي النبي(ص)، أو صديق وهنيئاً لأبي بكر وأشار إلي قبره، أو شهيد وأني لعمر بالشهادة وإن الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إلي!! انتهي.

وفي هذه الرواية دلالة علي أن كعباً استطاع أن يقنع عمر أن مقصوده بالنبي والصديق والشهيد الذين يسكنون عدن: رسول الله صلي الله عليه وآله وأبا بكر وعمر، وأن كعباً كان من المخططين لقتله!

وقال في الدر المنثور:5/306:

قوله تعالي: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ الآية. أخرج الثعلبي من طريق العوام بن حوشب قال حدثني رجل من قومي شهد عمر (رض) أنه سأل طلحة والزبير وكعباً وسلمان: ماالخليفة من الملك؟ قال طلحة والزبير: ما ندري، فقال سلمان (رض): الخليفة الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية، ويشفق عليهم شفقة الرجل علي أهله ويقضي بكتاب الله تعالي. فقال كعب: ما كنت أحسب أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري!

وفي كنز العمال:12/567:

عن طبقات ابن سعد: عن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً، قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا

ويعطي هذا، فسكت عمر (ابن سعد).

وقال في كنز العمال:12/573:

عن كعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً؟ قال بل خليفة، فاستحلفه فقال كعب: خليفة والله من خير الخلفاء، وزمانك خير زمان-نعيم بن حماد في الفتن.

الدر المنثور:4/293:

سأل عمر كعباً عن آيات أول سورة الحديد فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالاخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن! انتهي.

كنز العمال:2/488:

عن عمر قال: ذكر النبي(ص)يوم القيامة فعظم شأنه وشدته، قال: ويقول الرحمن لداود عليه السلام: مرَّ بين يدي، فيقول داود: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول: مرِّ خلفي، فيقول: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي فيقول: خذ بقدمي! فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر!! قال فتلك الزلفي التي قال الله تعالي: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَحُسْنَ مَآبٍ! ورواه السيوطي في الدر المنثور: 5/305 عن ابن مردويه.

الدر المنثور:5/297:

وأخرج الديلمي عن عمر (رض) قال: قال رسول الله (ص): لا ينبغي لأحد أن يقول إني أعبد من داود!

الدر المنثور:5/305:

وأخرج عبد بن حميد، عن السدي بن يحيي، قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب: إن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد فينادي المنادي داود فيسقي علي رؤس العالمين، فهو الذي ذكر الله: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَ حُسْنَ مَآبٍ! انتهي.

ومن الواضح أن هذه الروايات عن داود عليه السلام من مقولات اليهود وكعب الأحبار ولكن الخليفة عمر يقبلها منه، والرواة ينسبونها إلي نبينا صلي الله عليه وآله!!

كنز العمال:14/146:

عن سعيد بن المسيب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت المقدس فقال له: إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني فلما تجهز جاءه فقال

له عمر: إجعلها عمرة!

مجمع الزوائد:9/65:

عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلي كعب الأحبار فقال: يا كعب كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرن من حديد. قال: وما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: ثم مه؟ قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة.

تاريخ الطبري:1/459:

عن أشعث عن سالم النصري قال: بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه، وكان عمر إذا أراد أن يركع خوي، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال فلما انفتل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ فقالا: إنا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطي ما أعطي حزقيل الذي أحيا الموتي بإذن الله!!

فقال عمر: مانجد في كتابنا حزقيل، ولا أحيا الموتي بإذن الله إلا عيسي بن مريم! فقالا: أما تجد في كتاب الله: ورسلاً لم نقصصهم عليك؟ فقال عمر: بلي، قالا: وأما إحياء الموتي فسنحدثك إن بني اسرائيل وقع فيهم الوباء، فخرج منهم قوم حتي إذا كانوا علي رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطاً حتي إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال: ما شاء الله، فبعثهم الله له فأنزل الله في ذلك: ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. انتهي.

والأخوي: الذي لا يستطيع أن يركع أو يسجد بشكل طبيعي إلا بفتح قدميه ونحوه.. والرواية تدل علي اهتمام اليهود بإيمان عمر بثقافتهم، ومحاولتهم التزلف إليه بادعاء أن شخصيته مذكورة في كتبهم، وأنه نبي يحيي الموتي مثل حزقيل!

تاريخ المدينة لابن شبة:3/110:

لما قدم عمر (رض) من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال: يا أمير المؤمنين إعهد فإنك ميت

في عامك! قال عمر (رض)وما يدريك يا كعب؟ قال: وجدته في كتاب الله! فقال: أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب؟ قال: اللهم لا، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك!

ورواه في:3/88 وزاد فيه: فلما أصبح الغد غدا عليه كعب فقال عمر (رض): يا كعب، فقال كعب: بقيت ليلتان، فلما أصبح الغد غدا عليه كعب-قال عبدالعزيز: فأخبرني عاصم بن عمر بن عبيد الله بن عمر قال: قال عمر (رض):

يواعدني كعب ثلاثاً يعدُّها ولا شك أن القول ما قاله كعبُ

وما بي لقاء الموت إني لميتٌ ولكنما في الذنب يتبعه الذنبُ

فلما طعن عمر (رض) دخل عليه كعب فقال: ألم أنهك؟!

قال: بلي، ولكن كان أمر الله قدراً مقدورا!! انتهي.

ولا يتسع المجال للرد علي أفكار كعب التي تضمنتها رواياته، وقد أوردنا عدداً منها في سبب نشأة التجسيم في المجلد الثاني.

والواقع أن كعب الأحبار من أكبر المصائب في مصادر إخواننا السنيين، حيث تجده مقيماً فيها، كامناً في المواقع الحساسة من أصول العقيدة والشريعة! وهذا أمر يحتاج إلي معالجات جريئة من علمائهم!

ولكن لابد من الإلفات هنا إلي أن النصوص المتقدمة تدل بما لايقبل الريب علي أن كعباً كان شريكاً في مؤامرة قتل عمر!

ولكن إخواننا السنيين ما زالوا يبرئون كعباً ويثقون به، كما برَّأَ المسيحيون اليهود من دم المسيح!

كما نشير إلي أن كعباً أخطأ في تفسير أول سورة الحديد، لأنه فسر (هو) بعلمه!! ولكن الخليفة عمر يقبل منه كل مايقوله، بل يحدث به المسلمين علي المنبر!

شفاعات و حرمانات غير معقولة روتها مصادر السنيين

شفاعة اثنين لصاحب الجنازة

ليس من السهل أن نعترض علي الأحاديث التي تحكم علي نوع من الناس باستحقاق الجنة أو النار.. لأن الخير والشر في داخل

الإنسان عالمٌ معقد، وما يظهر للعيان لا يجب أن يكون دائماً هو الحقيقة! فرب عمل صغير نقوم به يكون في حساب الثواب والعقاب الإلهي كبيراً، وبالعكس.. ورب ظرف يجعل العمل السي حسناً وبالعكس!

وبسبب هذه السعة والتعقيد في أعمال الناس وظروفها، لابد أن تكون أنظمة الجزاء عميقة واسعة حتي تستوعبها.

ولكنا مع ذلك نملك يقينيات من العقل والشرع تسمح لنا أحياناً بالحكم بإمكان هذا الجزاء الإلهي أو عدم إمكانه..ومن هذه اليقينيات: لو أن شخصاً قاتلاً ظالماً جامعاً للصفات الشريرة، توفي وحملوا جنازته، فمر بها شخصان مسلمان فقالا:

كان مؤمناً تقياً، لأنهما جاهلان بحاله أو متعمدان، فإن شهادتهما لا تغير شيئاً من قوانين المجازاة الإلهية!

لكن توجد (أحاديث) في مصادر السنيين تقول: إن مجرد شهادة إثنين بالخير لصاحب الجنازة تجعله من أهل الجنة! كما أن شهادتهما له بالسوء تجعله من أهل النار!!

فكأن الشهادة علي الجنازة في منطق هذه الأحاديث وثيقة شرعية نهائية لا يقرأ الملائكة غيرها، أو ختم نهائي لا يقبل الله تعالي غيره!!

لقد جاءنا هذا المنطق من الثقافة اليهودية، ولكنه مهما كان مصدره، ليس منطقاً إسلامياً! لأن معناه السماح للمجرمين بأن يفعلوا ما شاؤوا ويهلكوا الحرث والنسل، ثم يوصي أحدهم بأن يشهد علي جنازته عشرة شهود كذباً وزوراً فيدخل الجنة!

والأخطر من ذلك أن الإنسان المؤمن الطيب الأمين المستقيم مهما عمل من خير في حياته فإن عمله يتبخر بمجرد أن يرسل خصومه اثنين يشهدان علي جنازته بأنه كان سيئاً، فيدخلانه النار!

ولو كانت هذه المقولة توجد في مصادرهم من الدرجة الثانية لكان الأمر أسهل، ولكنها توجد في مصادر الدرجة الأولي مع الأسف، وعن لسان أقدس الشخصيات عندهم بعد النبي صلي الله عليه وآله

الأمر الذي يتطلب من فقهائهم جرأةً في معالجتها:

روي البخاري في صحيحه:2/100:

عن أنس بن مالك قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي (ص): وجبت، ثم مروا بأخري فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، فقال عمر بن الخطاب (رض): ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض.

ورواه في:3/148 وفيه (قال شهادة القوم المؤمنين شهداء الله في الأرض). ورواه مسلم في صحيحه:3/53 وقد كرر فيه كلمة: وجبت وأنتم شهداء الله ثلاث مرات. ورواه النسائي:4/50 ورواه الترمذي:2/261 وقال (وفي الباب عن عمر وكعب بن عجرة وأبي هريرة. قال أبو عيسي: حديث أنس حديث حسن صحيح).

ورواه ابن ماجة في:1/478 وفيه (فقال: شهادة القوم والمؤمنون شهود الله في الأرض). وفي هامشه (ويوافقه حديث عمر رواه الترمذي والنسائي وإسناد ابن ماجة صحيح ورجاله رجال الصحيحين).

ورواه أبو داود في:2/86 وفيه (إن بعضكم علي بعض شهداء).

ورواه أحمد في ج3 ص179 وج2 ص261 وص498 وص528 وج2 ص466 وص470 وفيه (بعضكم شهداء علي بعض) وج3 ص186 وكرر فيه وجبت ثلاث مرات مثل مسلم. وفي رواية أخري (قال شهادة القوم والمؤمنون شهداء الله في الأرض) وفي ج3/197 وص 211 وص 245 وص 281.

ورواه البيهقي في سننه ج4 ص75 وج 10/123 وص 209.

وقال البخاري في صحيحه:2/100:

عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة وقد وقع بها مرض فجلست إلي عمر بن الخطاب (رض) فمرت بهم جنازة فأثني علي صاحبها خيراً فقال عمر (رض): وجبت. ثم مر بأخري فأثني علي صاحبها خيراً، فقال عمر (رض): وجبت. ثم مر بالثالثة فأثني علي صاحبها شراً، فقال: وجبت. فقال أبو الأسود

فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي (ص): أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، فقلنا وثلاثة قال: وثلاثة. فقلنا واثنان قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد!

ورواه البخاري أيضاً في:3/149 والنسائي في:4/51 وفيه:

(فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول الله (ص): أيما مسلم شهد له أربعة قالوا خيراً أدخله الله الجنة. قلنا: أو ثلاثة؟ قال: أو ثلاثة. قلنا: أو اثنان؟ قال: أو اثنان.

ورواه الترمذي في:2/261 وقال (قال أبو عيسي: هذا حديث حسن صحيح وأبو الاسود الدؤلي اسمه ظالم بن عمر بن سفيان).

ورواه أحمد في:1/21 وص 22 وص27 وص 30 وص 45 وص 46، والبيهقي في سننه: 10/124.

إلي هنا تجد أن هذه المقولة بمقاييس إخواننا السنيين تامة السند والدلالة.. ولكن توجد مؤشرات تفتح باب البحث حولها:

المؤشر الأول: أن الإمام أحمد روي أن بعض الذين سمعوا الحديث من الخليفة عمر شككوا فيه لغرابته عن منطق النبي صلي الله عليه وآله وظنوا أنه رأيٌ من عمر لا من قول النبي صلي الله عليه وآله فأكد له عمر أن النبي هو الذي قال ذلك!

قال أحمد في:1/54:

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عمر بن الوليد الشني عن عبد الله بن بريدة قال: جلس عمر (رض) مجلساً كان رسول الله(ص)يجلسه، فمر عليه الجنائز، قال فمروا بجنازة فأثنوا خيراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فأثنوا خيراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا خيراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا هذا كان أكذب الناس، فقال: إن أكذب الناس أكذبهم علي الله، ثم الذين يلونهم من كذب علي روحه في جسده، قال قالوا:

أرأيت إذا شهد أربعة؟ قال: وجبت. قالوا: أو ثلاثة؟ قال: وثلاثة، قال وجبت. قالوا: واثنين؟ قال: وجبت، ولان أكون قلت واحد أحب إلي من حمر النعم. قال فقيل لعمر: هذا شئ تقوله برأيك أم شئ سمعته من رسول الله(ص)؟ قال: لا، بل سمعته من رسول الله(ص). انتهي.

والروايةتدل علي أن الخليفة تفرد بهذه الرواية من دون الصحابة الحاضرين في ذلك المجلس الرسمي الذي كان يجلسه رسول الله صلي الله عليه وآله وأنهم تعجبوا لأنهم لم يسمعوا ذلك، وتجرؤوا أن يسألوا عمر رغم سطوته، فأكد لهم أنه سمع ذلك!

المؤشر الثاني: يشير إلي أن الحادثة قضية شخصية في جنازة أشخاص معينين في زمن النبي صلي الله عليه وآله وليست قاعدة كلية لكل جنازة..

فقد روي الحاكم في:1/377: عن أنس قال كنت قاعداً مع النبي (صلي الله عليه وآله) فمر بجنازة فقال: ما هذه الجنازة؟ قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعي فيها، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: وجبت وجبت وجبت. ومر بجنازة أخري قالوا جنازة فلان الفلاني كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعي فيها، فقال: وجبت وجبت وجبت. فقالوا يا رسول الله قولك في الجنازة والثناء عليها؟ أثني علي الأول خير وعلي الآخر شر فقلت فيها وجبت وجبت وجبت؟ فقال: نعم يا أبا بكر إن لله ملائكة تنطق علي ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ. انتهي.

فلو صح الحديث لكان معناه أن النبي صلي الله عليه وآله شهد، بما عرفه الله تعالي، بأن الملائكة نطقت علي ألسنة أولئك المادحين والذامين.. وليس معناه أن الملائكة

تنطق دائماً علي ألسنة المسلمين.

المؤشر الثالث: يدل علي أن الخصوصية للشاهد أو الشافع في الجنازة.. ففي مستدرك الحاكم:2/268: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت مع رسول الله صلي الله عليه وآله في جنازة فينا في بني سلمة وأنا أمشئ إلي جنب رسول الله صلي الله عليه وآله فقال رجل: نعم المرء ما علمنا إن كان لعفيفاً مسلماً إن كان.. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنت الذي تقول؟ قال يا رسول الله ذاك بدا لنا والله أعلم بالسرائر. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: وجبت. قال وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل، فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظاً غليظاً إن كان.. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنت الذي تقول؟ قال يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: وجبت. ثم تلا رسول الله صلي الله عليه وآله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إنما اتفقا علي وجبت فقط. انتهي.

فقد أكد النبي صلي الله عليه وآله علي شخص القائل الذي لم تسمه الرواية فقال له: أنت الذي تقول ذلك وتشهد بهذه الشهادة لهذا الميت؟ فقال نعم إني أشهد حسب ظاهر حاله. فقال النبي إن الجنة قد وجبت له بشهادة ذلك الرجل، أو إن شهادته طابقت الواقع كما أوحي الله إلي رسوله صلي الله عليه وآله، فيحتمل أن تكون القضية شخصية كما في الرواية السابقة، وإذا وجد الإحتمال بطل الإستدلال، ولم يبق يقين بأنها

قاعدة عامة.

المؤشر الرابع: أنه توجد أحاديث معارضة تجعل دعاء مئة مسلم موحد أو أربعين بالشفاعة للميت موجباً للامل بأن الله تعالي يشفعهم فيه ويدخله الجنة..وقد روت الصحاح رواية المئة، ورواية الأربعين، وفي بعض رواياتها ثلاثة صفوف، وأمة من الناس، ونحوها.. الأمر الذي يدل علي أن وجود كثرة من المسلمين المؤمنين يصلون علي جنازة الميت أو يدعون له، أمر مفيد له، وأن الله تعالي قد يستجيب دعاءهم.. ولكن ليس في هذه الأحاديث تلك الحتمية و(الأتوماتيكية) التي في أحاديث (وجبت وجبت) المتقدمة!

ففي صحيح مسلم:3/52 عن عائشة عن النبي(ص)قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه. انتهي وفي رواية أخري: أربعون. ورواه في سنن البيهقي:3/180-181.

وفي سنن ابن ماجة:1/477:

عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: من صلي عليه مائة من المسلمين غفر له. في الزوائد: قد جاء عن عائشة في الترمذي والنسائي مثله. وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيحين. انتهي. وما ذكره موجود في سنن الترمذي:2/247 وفي سنن النسائي:4/75 بصيغة مائة وأمة من الناس).

وفي فردوس الأخبار:4/329 ح 6496:

أنس وعائشة: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغوا أن يكونوا مائة يشفعون له إلا شفعوا فيه.

وفي/371 ح 6609: أبو هريرة: ماصف قوم صفوفاً ثلاث علي ميت فيستغفرون له إلا شفعوا.

وروي ابن ماجة في سننه:1/477:

عن كريب مولي عبدالله بن عباس قال: هلك ابن لعبد الله بن عباس فقال لي: يا كريب قم فانظر هل اجتمع لابني أحد؟ فقلت نعم. فقال ويحك كم تراهم أربعين؟ قلت: لا،بل هم أكثر. قال: فاخرجوا بابني فأشهد لسمعت رسول الله(ص)يقول: ما من أربعين من مؤمن يشفعون لمؤمن، إلا شفعهم الله.

وروي ذلك أحمد بشروط أشد قال في:1/277:

عن كريب مولي ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال: يا كريب أنظر ما اجتمع له من الناس؟ قال فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته، قال يقول هم أربعون؟ قال نعم، قال أخرجوه فإني سمعت رسول الله(ص)يقول: ما من مسلم يموت فيقوم علي جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه. ورواها الديلمي في فردوس الأخبار:4/318 ح 6469.

المؤشر الخامس: يشير إلي احتمال اختلاط الحديث بغيره..

ففي مسند أحمد:3/303 عن جابر قال: قال قال رسول الله (ص): من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة. قال قيل يا رسول الله فإن كانت اثنتين؟ قال: وإن كانت اثنتين. قال فرأي بعض القوم أن لو قالوا له واحدة لقال واحدة. انتهي.

وفي مسند أحمد:4/212:

عن الحرث بن أقيش قال: كنا عند أبي برزة ليلة فحدث ليلتئذ عن النبي (ص)أنه قال: ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط، إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته. قالوا يا رسول الله وثلاثة؟ قال: وثلاثة. قالوا: واثنان؟ قال: واثنان. انتهي.

فيحتمل أن يكون الأمر اشتبه علي الخليفة فجعل أجر (وجبت الجنة) لمن ربي ثلاث بنات أو اثنتين - جعله لمن شهد ثلاثة أو اثنان علي جنازته، لتشابه العدد فيهما ووحدة التعبير ب(وجبت).

ولا يرد الإشكال علي رواية تربية البنات تربية إسلامية كيف جعلت سبباً قطعياً لدخول الجنة، لأنها تجعل الجزاء للاب أو الام علي عمل يقومان به، بينما رواية الشهادة للجنازة تجعل لصاحبها الجنة مجاناً مهما كان فاجراً بمجرد قول غيره!

كما تجعل له النار مجاناً بمجرد قول غيره،

مهما كان صالحاً!!

علي أنه يمكن القول إن الله تعالي جعل ثواب تربية ثلاث بنات أو اثنتين الجنة ليعالج مشكلة في مجتمع كانوا يئدون بناتهم، وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم..وأن هذا الثواب قد يشمل في عصرنا الازواج الذين يئدون أطفالهم بطرق أخري، خوفاً من الفقر أو طلباً للراحة من الأطفال.

وفي أحاديث أهل البيت عن الإمام الصادق عليه السلام أن المسلمين قد سألوا النبي صلي الله عليه وآله عن تربية البنت الواحدة كما تقدم، فقد روي في الكافي:6/6 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من عالَ ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة. فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين. فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة. انتهي.

وفي مسند أحمد:1/223:

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها يعني الذكر، أدخله الله بها الجنة. انتهي.

والنتيجة: أن هذه المؤشرات تفتح باب البحث للشك في أحاديث (وجبت وجبت) للجنازة، وتضغط عليها لتكون منسجمةً مع اليقينيات العقلية والشرعية غير ناقضة لها.

ومادام الباب مفتوحاً للتخلص من منطقها اليهودي، فلا معني للتشبث بها بحجة الدفاع عن البخاري وعن الخليفة عمر!!

رأي أهل البيت في الشهادة للجنازة

لا أثر في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) لروايات (وجبت) ولا لمنطقها! بل نجد الترغيب في الدعاء للميت والشفاعة به إلي الله تعالي، والأمل بأن يستجيب الله تعالي ويشمل هذا الميت برحمته..كل ذلك علي حسب قوانين الجزاء والشفاعة التي يعلمها عز وجل بأصولها وتفاصيلها

وتطبيقاتها، ولا نعرف نحن منها إلا القليل.

روي الكليني في الكافي:3/188:

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن ثابت أبي المقدام قال: كنت مع أبي جعفر (الباقر) عليه السلام فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريباً منه، فسمعته يقول: اللهم إنك أنت خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها، وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها. اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه شراً وأنت أعلم به، وقد جئناك شافعين لبعد موته فإن كان مستوجباً فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه. انتهي.

ونحوه في الكافي:3/185، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام:3/196 ورواه الحر العاملي في وسائل الشيعة: 2/237

وينبغي الإلتفات إلي عبارة (فإن كان مستوجباً فشفعنا فيه) فهي تدل علي وجود قانون استحقاق الشفاعة وعدم استحقاقها. وعبارة (واحشره مع من كان يتولاه) التي تدل علي قانون (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) وهما قانونان مترابطان.

أما منطق (وجبت) فيقول لو كان الميت فاجراً مثل فرعون ومدح جنازته شخصان، لوجب أن يصير من أهل الجنة ويحشر يوم القيامة إلي جنب الأنبياء (عليهم السلام)!

هذا، وقد روي في الكافي رواية صحيحة طريفة تتضمن أضواء مهمة علي قانون الشفاعة قال في:3/187

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن كان مستضعفاً فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه، وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له علي وجه الشفاعة لا علي وجه الولاية. انتهي.

وروي في نفس الصفحة عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً قال: الترحم علي جهتين: جهة الولاية وجهة الشفاعة. ورواه في وسائل الشيعة:2/237.

ففي هذا الرواية منطق دقيق في التعامل مع الميت والشهادة له.. إن كنت لا تدري ما حاله، أو كان مستضعفاً فكرياً لا يعرف الحق من الباطل، أو كان معانداً يعرف الحق وينكره.. أو كان ممن يبغض أهل البيت (عليهم السلام) وينصب العداوة لهم.. وادع له علي نحو الولاية ووحدة الإمام الذي ستدعي أنت وإياه به يوم القيامة، أو علي جهة الشفاعة لارحامك إن لم يكن عارفاً بحق أهل بيت نبيه.. إلي آخر النقاط المنسجمة مع اليقينيات العقلية والشرعية.

قد يقال: يوجد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) شبيه لرواية (وجبت)

فقد روي الكليني في الكافي:3/173 عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن ميسر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئاً إلا وقال الملك: ولك مثل ذلك. انتهي.

ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه:1/161 والشيخ في تهذيب الأحكام: 1/455 والحر في وسائل الشيعة:2/288 وقال: ورواه في المجالس عن محمد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال. ورواه الشيخ بإسناده عن أبي علي الأشعري مثله. انتهي.

ولكن الفرق كبير بين رواية تعطي حق الشفاعة لشخص علي عمل يقوم به، وبين رواية تعطي الجنة أو النار مجاناً بكلمة يقولها شخص أو اثنان بعد موته!!

وقد وجدنا في مصادر إخواننا السنيين رواية شبيهة بما مصادرنا في الدعاء للميت في الصلاة علي جنازته رواها أحمد في مسنده: 2/256

قال: سمعت أبا هريرة ومر عليه مروان فقال: بعض حديثك عن رسول الله(ص)أو حديثك عن رسول الله(ص)؟ ثم رجع، فقلنا الآن يقع به قال: كيف سمعت رسول الله(ص)يصلي علي الجنائز؟ قال سمعته يقول: أنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها تعلم سرها وعلانيتها، جئنا شفعاء فاغفر لها. انتهي.

شفاعة النبي للظالمين من الامة

قال الله تعالي: وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ. فاطر: 31 - 35

اتفق الجميع علي أن موضوع الآية: الذين اصطفاهم الله تعالي وأورثهم الكتاب بعد النبي صلي الله عليه وآله بقرينة أن السياق قبلها عن الكتاب الموحي إلي نبينا صلي الله عليه وآله.

واتفقوا علي أن الأقسام الثلاثة للذين اصطفاهم هم من أهل الجنة بدليل السياق حيث انتقل الكلام بعد المصطفين إلي الكافرين.

والذي يتصل بموضوعنا من ذلك تعيين هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب الإلهي.. فقد ذهب السنيون إلي أنهم جميع المسلمين، وأنهم جميعاً في الجنة إما بالإستحقاق أو بالشفاعة.

ومذهبنا أن هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب هم ذرية النبي صلي الله عليه وآله من ابنته فاطمة عليها السلام وأن السابقين بالخيرات منهم هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) والمقتصدين أتباعهم، والظالمين لانفسهم مخالفوهم.. وفيما يلي تفصيل هذه الآراء:

قال كعب الأحبار هم جميع المسلمين و هم في الجنة

الظاهر أن أقدم القائلين بهذا الرأي كعب الأحبار وأنه اعتمد علي استنتاجه الشخصي وليس علي رواية عن النبي صلي الله عليه وآله فقد

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252: وأخرج عبد بن حميد عن صالح أبي الخليل قال قال كعب: يلومني أحبار بني اسرائيل أني دخلت في أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة! ثم تلا

هذه الآية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، حتي بلغ جنات عدن يدخلونها قال قال: فأدخلهم الله الجنة جميعاً.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل كعباً عن قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآية، قال: نجوا كلهم. ثم قال: تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم.

وفي تفسير الطبري:22/88، عن كعب:

إن الظالم لنفسه من هذه الأمة والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة، ألم تر أن الله قال: ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا...الخ. وروي أيضاً بعض ما تقدم في الدر المنثور.

و قال الخولاني إنه قرأ ذلك في كتب اليهود

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252:

وأخرج عبد بن حميد عن أبي مسلم الخولاني قال: قرأت في كتاب الله أن هذه الأمة تصنف يوم القيامة علي ثلاثة أصناف: صنف منهم يدخلون الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبهم الله حساباً يسيراً ويدخلون الجنة، وصنف يوقفون ويؤخذ منهم ما شاء الله، ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه.

عائشة و عثمان يوافقان كعبا علي تفسيره

روي الحاكم أن عائشة وافقت كعباً علي تفسيره قال في المستدرك:2/426:

عقبة بن صهبان الحراني قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين أرأيت قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: أما السبَّاق فمن مضي في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله فشهد له بالحياة والرزق. وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتي يلحق بهم. وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا، وكل في الجنة!! صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهي. ورواه في مجمع الزوائد:7/96. وقال عنه السيوطي في الدر المنثور:5ص 251: وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة... الخ.

وروي السيوطي في الدر المنثور أن الخليفة عثمان أيضاً وافق كعباً علي تفسيره قال في:5/252:وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية قال: إن سابقنا أهل جهاد، ألا وإن مقتصدنا ناج أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. انتهي. ورواه في كنز العمال:2/485

وواضح من الروايتين أن عائشة وعثمان اعتمدا علي كعب الأحبار، أو علي فهمهما للآيات، ولم يذكرا رواية

عن النبي صلي الله عليه وآله.

الحسن البصري يرد تفسير كعب الأحبار

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار أنه تلا هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، إلي قوله لغوب، قال: دخلوها ورب الكعبة. وفي لفظ قال: كلهم في الجنة، ألا تري علي أثره والذين كفروا لهم نار جهنم، فهؤلاء أهل النار. فذكر ذلك للحسن فقال: أبت ذلك عليهم الواقعة! وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله: جنات عدن يدخلونها قال: دخلوها ورب الكعبة، فأخبر الحسن بذلك فقال: أبت والله ذلك عليهم الواقعة. انتهي.

ويقصد الحسن البصري بذلك أن التقسيم الثلاثي للناس الذي ورد في سورة الواقعة يردُّ تفسير كعب وهو قوله تعالي: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. الواقعة: 7 -11 وكلام البصري قوي لأن الخطاب عنده في الآية للمسلمين، ولو كان المقصود بالمصطفين الذين أورثهم الله الكتاب كل المسلمين لكانوا جميعاً من أهل الجنة، ولما بقي معني لتقسيمات القرآن لهم في سورة الواقعة إلي أصحاب يمين وشمال وسابقين. فهذا التقسيم يدل علي أن من المسلمين من يدخل النار.

وإن ناقشنا في إستدلال الحسن البصري، فتدل علي رأيه الأحاديث والأدلة المتقدمة في الرد علي مذاهب توسيع الشفاعة!

الخليفة عمر يميل إلي تفسير كعب

روي السيوطي في الدر المنثور عن الخليفة عمر أنه خالف تفسير كعب الأحبار، وأن رأيه كان كما قال الحسن البصري.. قال في: 5/252:

وأخرج ابن مردويه عن عمر عن النبي(ص)في قوله فمنهم ظالم لنفسه قال: الكافر. انتهي. ويحتمل أن تكون هذه الرواية تفسيراً للآية 32 من سورة لقمان وهي قوله تعالي: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ

إلي الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ. ولكنها علي أي حال تنطبق علي موضوعنا لأنها تفسر معني (الظالم لنفسه).

ولكن من البعيد أن تصح هذه الرواية، لأنه ورد عن عمر أنه كان يردد تفسير كعب، إلا أن نقول إنه كان يفسرها بذلك قبل أن يسمع تفسيرها من كعب!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية قال: ألا إن سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له. انتهي. (والشوكاني في فتح القدير: 4/441، ورواه في كنز العمال:2/485.

وقال في هامشه: نزع بهذه الآية... ومنه الحديث: لقد نزعت بمثل ما في التوراة، أي: جئت بما يشبهها اه_. قلت: فكأن أمير المؤمنين عمر (رض) يأتي برأيه بما يشبه ظاهر الآية، ولا عجب فقد نزلت آيات توافق رأيه. انتهي.

غير أن معني نزع بالآية: شرع فيها فقرأها أو فسرها، لا أنه أتي بشبيهها، كما زعم مهمش كنز العمال، وأين الشبيه الذي أتي به عمر!

وغرضنا هنا تفسير عمر للاية بأن الظالم مغفور له، وهو مؤشرٌ علي أنه قبل تفسير كعب بأن المقصود بالآية كل المسلمين.

وتوجد رواية نقلها السيوطي قد يفهم منها أن عمر روي ذلك عن النبي صلي الله عليه وآله.

قال في الدر المنثور:5/252:

وأخرج العقيلي وابن هلال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله (ص)يقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه الآية. انتهي.

وروي السيوطي نحوها عن أنس، ورواها في كنز العمال:2/10 وفي /485 عن عمر وأضاف إلي رواتها: الديلمي في

الفردوس والبيهقي في البعث والنشور. انتهي.

ولكن عمر لم يصرح فيها بأن النبي صلي الله عليه وآله كان يقصد كل الأمة، فقد يكون صلي الله عليه وآله قصد بقوله: سابقنا ومقتصدنا وظالمنا، ذريته وأهل بيته الذين أورثهم الله الكتاب كما أورثه آل ابراهيم وآل عمران، من نوع قوله صلي الله عليه وآله: المهدي منا، بنا فتح الله وبنا يختم، وشهيدنا خير الشهداء..الخ. وهو في كلامه كثير صلي الله عليه وآله.

وعلي هذا الإحتمال يبطل الإستدلال بأن المقصود بورثة الكتاب كل الأمة، لأنه يحتمل أن يكونوا بعضها.. خاصة بعد أن نصت أن بعض الأحاديث علي أنهم بعض الأمة وليس كلها:

قال السيوطي في الدر المنثور:5/251:

وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد (رض): فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، قال قال رسول الله (ص): كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة. انتهي. ونقله في كنز العمال: 2/486.

ويؤيد ذلك ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد:7/96 عن أسامة بن زيد قال: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، الآية، قال النبي (ص): كلهم من هذه الأمة. رواه الطبراني وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي وهو سي الحفظ. انتهي.

وتعبير كلهم من الأمة يدل علي أنهم ليسوا كل الأمة، ويكون هذا الحديث من ابن أبي ليلي السي الحفظ علي حد تعبير الهيثمي معقولاً أكثر من كلام غيره!

إلي هنا يبدو أنه لا مشكلة في تفسير ورثة الكتاب ببعض الأمة وهم ذرية النبي صلي الله عليه وآله.. وأن هؤلاء الذرية كلهم مقبولون بشرط أن لا يدعوا الناس إلي أنفسهم كما سيأتي، وأن الذين يمثلون خط جدهم هم السابقون منهم صلي الله عليه وعليهم.

لكن تبقي

مجموعة روايات في مصادر السنيين تؤكد علي تفسير كعب وتنسبه إلي النبي صلي الله عليه وآله! لكنها تصطدم بسورة الواقعة علي حد قول الحسن البصري، كما تصطدم بحكم العقل والأدلة المتقدمة التي لا تسمح بالقول إن كل مسلم في الجنة!!

وأول سؤال عن هذه الروايات: أين كانت عندما فسر كعب وعائشة وعثمان وعمر آيات ورثة الكتاب الإلهي، وكانت موضوعاً مهما يطرحه كعب الأحبار مع اليهود، ويطرحه الخليفة عمر في مجلسه أو علي منبر الجمعة؟!

إن عدم احتجاج أحد بها، يوجب الشك في سندها، أو القول بأن النبي صلي الله عليه وآله كان يتحدث عن اصطفاء الله تعالي لذريته من أولاد فاطمة وورثة خطه في الأمة (عليهم السلام)وقال كلهم من هذه الأمة، فرواها الراوي (كل هذه الأمة) ويوجد لذلك نظائر! فكم من ميزة للعترة الطاهرة جعلت بسبب بساطة الرواة، لكل الأمة!

ومما يؤيد ذلك وجود روايات مترددة في جعل هؤلاء المصطفين مجموع الأمة..

كالذي رواه أحمد:3/78: عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص)أنه قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة!ورواه الترمذي في:5/41 وقال (هذا حديث غريب حسن) ورواه في الدر المنثور:5/251 عن الطيالسي وأحمد وعبدبن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري... انتهي.

وقريب منه ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد:10/378 والطبراني كما في الدر المنثور:5/252 عن ابن عباس، وكذا شهادة البراء بن عازب التي نقلها الهيثمي عن سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث وجاء فيها (أشهد علي الله أنه يدخلهم الجنة جميعاً).

فكل هذه الروايات تنص علي أنهم من

أهل الجنة، وأنهم من هذه الأمة لا كلها.. الأمر الذي يوجب الشك في تعبير أنهم: كل الأمة!

هذا، وقد ارتكب الحاكم خطأً في ميله إلي تصحيح حديث نسبوه إلي أبي الدرداء في تفسيرالآية يقول إن الظالمين من المسلمين يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة بالشفاعة!

قال في المستدرك:2/426:

عن أبي الدرداء (رض) قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول في قوله عز وجل: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، قال: السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب، والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة. ثم قال الحاكم: وقد اختلفت الروايات عن الأعمش في إسناد هذا الحديث فروي عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء (رض)، وقيل عن شعبة، عن الأعمش، عن رجل من ثقيف، عن أبي الدرداء. وقيل، عن الثوري أيضاً، عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت، عن أبي الدرداء. وإذا كثرت الروايات في الحديث ظهر أن للحديث أصلاً. انتهي.

وحسب ماذكره السيوطي فقد ارتكب البيهقي نفس الخطأ أيضاً قال في الدر المنثور:5/251: وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء... ثم قال السيوطي: قال البيهقي: إن كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً.

والخطأ هو تطبيق قاعدة أن (كثرة الروايات في إسناد حديث تدل علي أن له أصلاً) علي هذا الحديث الذي نسب بثلاث نسب إلي أبي الدرداء كلها بلفظ قيل، وإحداها عن رجل من ثقيف عن أبي الدرداء، أو رجل لم يسم! فهذا ليست كثرة إسناد، بل كثرة تردد في الاسناد وعدم قطع به، وكثرة الإحتمالات من هذا النوع ككثرة أسماء السنور

لا تزيد في قيمته!

وقد كان الهيثمي أدق من الحاكم عندما علق صحة الحديث علي احتمال أن يكون الرجل المجهول ابن عمير فقال في مجمع الزوائد:7/96: رواه الطبراني عن الأعمش عن رجل سماه، فإن كان هو ثابت بن عمير الأنصاري كما تقدم عند أحمد فرجال الطبراني رجال الصحيح. انتهي.

وقصده بما تقدم ماذكره في نفس المجلد/95 حيث قال (رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح، وهي هذه إن كان علي بن عبد الله الأزدي سمع من أبي الدرداء فإنه تابعي) انتهي.

فأين كثرة الاسانيد إلي أبي الدرداء! بل أين السند الواحد القطعي!

وأخيراً، نلاحظ في بعض روايات تفسير الآية بكل الأمة ضعفاً لا يتفق مع بلاغة الحديث النبوي وقوة منطقه، كحديث عوف بن مالك الذي سيأتي في نظرية الفداء المزعومة من النار.

قال أهل البيت لا يمكن أن تشمل الآية كل الأمة

الإعتقادات للصدوق/87:

وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ، قال: الظالم لنفسه هنا من لم يعرف حق الإمام، والمقتصد من عرف حقه، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام.

وسأل إسماعيل أباه الصادق عليه السلام قال: ما حال المذنبين منا؟ فقال عليه السلام: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا.

الاحتجاج:2/301:

وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا؟ قال: أي شئ تقول؟ قلت: إني أقول إنها خاصة لولد فاطمة. فقال عليه السلام: أما من سل سيفه ودعا الناس إلي نفسه إلي الضلال من ولد فاطمة وغيرهم فليس بداخل

في الآية، قلت: من يدخل فيها؟ قال: الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلي ضلال ولا هدي، والمقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الإمام، والسابق بالخيرات هو الإمام.

بصائر الدرجات/44:

حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن ابن مسكان، عن ميسر، عن سورة بن كليب، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآية، قال: السابق بالخيرات الإمام فهي في ولد علي وفاطمة (عليهم السلام).

شرح الأخبار:2/505:

حماد بن عيسي بإسناده، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ. قال: فينا أنزلت أورث الله عز وجل الكتاب الأئمة منا، وقوله: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ يعني منهم من لا يعرف إمام زمانه ولا يأتم به فهو ظالم لنفسه بذلك، وقوله: وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، يعني من هو منهم في النسب ممن عرف إمام زمانه وائتم به واتبعه فاقتصد سبيل ربه بذلك، والسابق بالخيرات هو الإمام منا.

شرح الأخبار:3/472:

الرازي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: ما يقول من قبلكم في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا...؟ قال قلت يقولون: نزلت في أهل القبلة. قال: كلهم؟! قلت كلهم. قال فينبغي أن يكونوا قد غفر لهم كلهم؟! قلت: يابن رسول الله فيمن نزلت؟ قال: فينا. قلت: فما لشيعتكم؟ قال: لمن اتقي وأصلح منهم الجنة، بنا يغفر

الله ذنوبهم، وبنا يقضي ديونهم، ونحن باب حطتهم كحطة بني إسرائيل.

الثاقب في المناقب/566:

وعنه قال: كنت عند أبي محمد عليه السلام فسألته عن قول الله تعالي: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ؟ فقال عليه السلام: كلهم من آل محمد (عليهم السلام) الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد العارف بالإمام والسابق بالخيرات بإذن الله: الإمام.

البحار:23/218:

روي السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود من تفسير محمد بن العباس بن مروان قال: حدثنا علي بن عبدالله بن أسد، عن إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن سعيد، عن إسحاق بن يزيد الفراء، عن غالب الهمداني، عن أبي إسحاق السبيعي قال: خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ.. الآية؟ فقال: ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق؟ يعني أهل الكوفة، قال: قلت يقولون إنها لهم، قال: فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة؟! قلت: فما تقول أنت جعلت فداك؟ فقال: هي لنا خاصة يا أبا إسحاق، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاء في التائبين وهو مغفور له.

يا أبا إسحاق بنا يفك الله عيوبكم، وبنا يحل الله رباق الذل من أعناقكم، وبنا يغفر الله ذنوبكم، وبنا يفتح الله وبنا يختم لا بكم، ونحن كهفكم كأصحاب الكهف، ونحن سفينتكم كسفينة نوح، ونحن باب حطتكم كباب حطة بني إسرائيل.

وقال ابن شعبة الحراني في تحف العقول/425:

لما حضر علي بن موسي (عليهما السلام)مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان.

فقال المأمون: أخبروني عن معني هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآية؟

فقالت العلماء: أراد الله الأمة كلها.

فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال الرضا عليه السلام: لا أقول كما قالوا ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالي بذلك العترة الطاهرة (عليهم السلام).

فقال المأمون: وكيف عني العترة دون الأمة؟

فقال الرضا لنفسه: وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم. ثم قال الرضا عليه السلام: هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً، وهم الذين قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الال أو غير الال؟

فقال الرضا عليه السلام: هم الآل.

فقالت العلماء: فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال: أمتي آلي، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض (!!) الذي لا يمكن دفعه: آل محمد أمته!

فقال الرضا عليه السلام: أخبروني هل تحرم الصدقة علي آل محمد؟

قالوا: نعم.

قال عليه السلام: فتحرم علي الأمة؟

قالوا: لا.

قال عليه السلام: هذا فرق بين الآل وبين الأمة، ويحكم أين يذهب بكم أصرفتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون، أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر علي المصطفين المهتدين دون سائرهم!

قالوا: من أين قلت يا أبا الحسن؟

قال عليه السلام: من قول الله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا

نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين. أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال: رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق، وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله، فقال له ربه تبارك وتعالي: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.

فقال المأمون: فهل فضل الله العترة علي سائر الناس؟

فقال الرضا عليه السلام: إن الله العزيز الجبار فضل العترة علي سائر الناس في محكم كتابهُ.

قال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟

قال الرضا عليه السلام: في قوله تعالي إِنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَ نُوحًا وَ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وقال الله في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا، ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلي سائر المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، والملك هاهنا الطاعة لهم.

قالت العلماء: هل فسر الله تعالي الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا عليه السلام: فسر الاصطفاء في الظاهر سوي الباطن في اثني عشر موضعاً. فأول ذلك قول الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عني الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة.

والآية الثانية في الإصطفاء قول الله:

إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً، وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند، لأنه فضل بين.

والآية الثالثة، حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الإبتهال فقال: قل يا محمد تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين، فأبرز النبي صلي الله عليه وآله علياً والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)فقرن أنفسهم بنفسه. فهل تدرون ما معني قوله: وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ؟

قالت العلماء: عني به نفسه.

قال أبو الحسن عليه السلام: غلطتم، إنما عني به علياً عليه السلام، ومما يدل علي ذلك قول النبي صلي الله عليه وآله حين قال: لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي، يعني علياً عليه السلام. فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد، وفضل لا يختلف فيه بشر، وشرف لا يسبقه إليه خلق، إذ جعل نفس علي عليه السلام كنفسه، فهذه الثالثة.

وأما الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة، حين تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس فقال: يارسول الله تركت علياً وأخرجتنا! فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما أنا تركته وأخرجتكم، ولكن الله تركه وأخرجكم. وفي هذا بيان قوله لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسي.

قالت العلماء: فأين هذا من القرآن؟

قال أبوالحسن عليه السلام: أوجدكم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم.

قالوا: هات.

قال عليه السلام: قول الله عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إلي مُوسَي وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسي، وفيها أيضاً منزلة علي عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه وآله. ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله صلي الله عليه

وآله حين قال: إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد صلي الله عليه وآله

فقالت العلماء: هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله!

قال أبو الحسن عليه السلام: ومن ينكر لنا ذلك؟! ورسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والإصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند، ولله عز وجل الحمد علي ذلك. فهذه الرابعة.

وأما الخامسة، فقول الله عزوجل: وآت ذا القربي حقه، خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها، واصطفاهم علي الأمة، فلما نزلت هذه الآية علي رسول الله صلي الله عليه وآله قال: أدعوا لي فاطمة فدعوها له فقال: يا فاطمة، قالت: لبيك يا رسول الله، فقال: إن فدكاً لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصة دون المسلمين. وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك فهذه الخامسة.

وأما السادسة: فقول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي فهذه خصوصية للنبي صلي الله عليه وآله دون الأنبياء، وخصوصية للآل دون غيرهم. وذلك أن الله حكي عن الأنبياء في ذكر نوح عليه السلام: وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَي اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ، وحكي عن هود عليه السلام قال: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَي الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ، وقال لنبيه صلي الله عليه وآله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي.

ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم

أنهم لا يرتدون عن الدين أبداً ولا يرجعون إلي ضلالة أبداً... إلي آخر الحديث.

ورواه في بشارة المصطفي/228 وفي بحار الأنوار:25/220

نظرية فداء المسلمين باليهود والنصاري

روي مسلم في:8/104:

عن أبي موسي الأشعري قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلي كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول هذا فكاكك من النار!! ورواه ابن ماجة:2/1434 عن أنس وزاد في أوله (إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها) وقال في هامشه: في الزوائد: له شاهد في صحيح مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسي عن أبيه. وقد أعلَّه البخاري.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/251:

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عوف بن مالك عن رسول الله (ص): أمتي ثلاثة أثلاث، فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكسفون، ثم تأتي الملائكة فيقولون وجدناهم يقولون لا إله إلا الله وحده فيقول الله: أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطاياهم علي أهل التكذيب، وهي التي قال الله: وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وتصديقاً في التي ذكر الملائكة قال الله تعالي: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، فهذا الذي يكسف ويمحص، ومنهم مقتصد وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً، ومنهم سابق بالخيرات فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بإذن الله، يدخلونها جميعاً لم يفرق بينهم، يحلون فيها من أساور من ذهب إلي قوله لغوب. انتهي. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:7/95 وقال: رواه الطبراني وفيه سلامة بن رونج وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات.

وقال النبهاني في جامع الثناء علي الله/41:

روي الإمام أحمد، عن أبي موسي، عن النبي(ص)قال: يجمع الله الأمم

في صعيد واحد يوم القيامة، فإذا بدأ الله يصدع بين خلقه مثَّل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونه حتي يقحموهم النار، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن علي مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا! فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟ فنقول: نعم، فيقول كيف تعرفونه ولم تعرفوه؟ فنقول: نعم، إنه لا عدل له فيتجلي لنا ضاحكاً!! فيقول: أبشروا يا معشر الإسلام فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهودياً أو نصرانياً مكانه!! انتهي

وما ذكره النبهاني رواه أحمد في:4/407 و 408 ورواه أيضاً في: 4/391 وص 398 وص 402 وص 410 بروايات متعددة، وفي كنز العمال:1/73 وص 86 وج 12/159 وص 170-172 وج 4/149 عن مصادر متعددة.

وما تدعيه هذه الروايات من رفع جرائم أحد ووضعها علي ظهر أحد لا علاقة له بجرمه.. أمرٌ لا يقبله دينٌ ولا عقل، ويرده قوله تعالي (لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي).

أما الذين قال الله تعالي إنهم يحملون أثقالاً مع أثقالهم، فإنهم الُمضِلُّون الذين يحملون من أثقال الذين أضلوهم، لأنهم شركاء في كفرهم ومعاصيهم، ثم لا ينقص من أثقال الضالين شي، لا أن جرائمهم تسقط كما تدعي هذه الرواية!!

والظاهر أن هذه المقولات ردةُ فعل من بعض المسلمين علي زعم اليهود بأنهم لا تمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم يخلفهم فيها المسلمون، كما تقدم في فصل الشفاعة عند اليهود! فاخترع لهم أبو موسي الأشعري أو غيره نظرية فداء المسلم من النار بيهودي أو نصراني! كما يفعل المجرم الشاطر فيفدي نفسه من مشكلة تحصل له في الدنيا بأن يجعلها في رقبة غيره زوراً وبهتاناً!!

اسقاط المحرمات عن أهل بدر

قال البخاري في صحيحه:5/10:

عن علي (رض)

قال: بعثني رسول الله(ص)وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس قال: إنطلقوا حتي تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلي المشركين، فأدركناها تسير علي بعير لها حيث قال رسول الله(ص)، فقلنا: الكتاب! فقالت: ما معنا كتاب! فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً، فقلنا: ما كذب رسول الله(ص)، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلي حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلي رسول الله(ص)فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلا ضرب عنقه، فقال النبي (ص): ماحملك علي ما صنعت؟ قال حاطب: والله مابي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله(ص)أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال: صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلاضرب عنقه، فقال: أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. انتهي.

ورواه مسلم في صحيحه:7/168 وقال (وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية وجعلها إسحاق في روايته من تلاوة سفيان).

ورواه أبو داود في سننه:1/597 وج 2/403 والترمذي:5/83 والحاكم:3/134 وص 301 وج 4/77 والبيهقي في سننه:9/146 والدارمي في:2/313 ورواه أحمد في:1/80 وص 105وص 331 وج 2/109 وص 295... الخ.

ورواه البخاري أيضاً في مواضع عديدة أخري وجدنا منها سبعة: في:4/19 وقال بعده (قال سفيان وأي إسناد هذا!) وفي:4/39 وفي:5/89 وفي:6/60 وفيه (قال عمرو ونزلت فيه يا

أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي عدوكم. قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو) وفي:7/134 وفي:8/55.

والموضعان الاخران روي البخاري فيهما طعناً علي علي عليه السلام قال في:4/38:

عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانياً فقال لابن عطية وكان علوياً: إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك علي الدماء! سمعته يقول: بعثني النبي(ص)والزبير فقال إئتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتاباً... فقال: وما يدريك لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم! فهذا الذي جرأه. انتهي. وروي نحوه في:8/54.

ومن الواضح أن البخاري أعجبه قول أبي عبد الرحمان العثماني حتي رواه مرتين بدون تعليق!

وجوابه: أن علياً عليه السلام لم يكن يعتقد بهذه المقولة التي نسبوها إلي النبي صلي الله عليه وآله عن أهل بدر.. وأن حروبه الداخلية الثلاثة علي تأويل القرآن كانت بعهد معهود اليه من رسول الله صلي الله عليه وآله كما رواه البخاري نفسه وغيره!

بل ثبت عندنا أن كل مواقفه وأعماله كانت بعهد ووصية من النبي صلي الله عليه وآله.

وعلي فرض تسليمنا ما يراه البخاري، فالسؤال موجهٌ اليه: مادام الذي جرَّأَ علياً عليه السلام علي سفك دماء المسلمين بزعمك، أنه رفع القلم عن أهل بدر، وأن علياً عليه السلام معذورٌ لذلك!

فما هو عذر عدوه معاوية في خروجه علي الخليفة الشرعي وقتاله إياه وسفكه لدماء المسلمين؟

وما عذرك في الدفاع عن معاوية وتوثيقه والرواية عنه؟

إلا أن يكون البخاري قد عدَّ معاوية بدرياً لأنه شهدها مع أبيه أبي سفيان في صف المشركين!!

ومن أشرف المواقف السنية في هذا الموضوع موقف الحافظ ابن الجوزي، حيث رد مقولة المغفرة المطلقة لأهل بدر، وفسرها بأنها مغفرة مامضي من ذنوبهم

لا ما سيأتي، ثم رد علي رواية البخاري بقوله:

ثم دعنا من معني الحديث، كيف يحل لمسلم أن يظن في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فعل ما لا يجوز اعتماداً منه علي أنه سيغفر له؟! حوشئ من هذا، وإنما قاتل بالدليل المضطر له إلي القتال، فكان علي الحق، ولا يختلف العلماء أن علياً لم يقاتل أحداً إلا والحق مع علي، كيف وقد قال رسول الله (ص): اللهم أدر الحق معه كيفما دار! فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطاً قبيحاً، حمله عليه أنه كان عثمانياً! انتهي. (الصحيح في السيرة:5/141 عن صيد الخاطر/385)

وينبغي أن نشير أولاً إلي أن ما رووه من قول النبي صلي الله عليه وآله (لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) معناه القطع بذلك وليس الإحتمال والرجاء.. فعلي هذا تعامل العلماء السنيون مع الحديث، وقد صرح بالقطع واليقين حديث آخر رواه الحاكم وصححه قال في المستدرك: 4 ص 77: عن أبي هريرة (رض) عن النبي صلي الله عليه وآله قال: إن الله تعالي اطلع علي أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ علي اليقين (إن الله اطلع عليهم فغفر لهم) إنما أخرجاه علي الظن وما يدريك لعل الله تعالي اطلع علي أهل بدر. انتهي.

وروي مفاده في دلائل النبوة للبيهقي:3/153 قال: عن جابر بن عبد الله: أن عبداً لحاطب بن بلتعة جاء إلي رسول الله يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار! فقال رسول الله (ص): جُذِبْت، لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية!. انتهي.

ولكن هذه الأحاديث الصحيحة عندهم

بمقاييس الجرح والتعديل وأحكامه يواجهها حكم العقل وآيات القرآن وأحاديث النبي صلي الله عليه وآله القطعية المتفق عليها عند الجميع! إذ لا يمكن لعاقل أن يقبل أن الصحابة من أهل بدر أو كل الصحابة كما تقول روايات أخري..مبشرون بالجنة، وأعمالهم مغفورة مهما كانت، وولايتهم فريضة من الله تعالي علي المسلمين بعد ولاية الله تعالي وولاية رسوله صلي الله عليه وآله! وأن من لايتولاهم أو ينتقصهم فهو في النار محروم من الشفاعة والجنة ورائحة الجنة، وخارج عن ربقة الإسلام... إلي آخر الأحكام التي ذكروها للصحابة، وجعلوها جزء من شريعة الإسلام المقدسة، بل جزء من عقائده الاساسية!!

تقول لهم: يا إخواننا إن الصحابة أنفسهم قد سبَّ بعضهم بعضاً، وتبرأ بعضهم من بعضهم، وكفَّر بعضهم بعضاً، وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضاً! فمن المحق ومن المبطل؟ ومن المظلوم ومن الظالم؟ ومن يستحق الشفاعة منهم ومن يستحق الحرمان؟

فيقولون: لا تخوضوا في موضوع الصحابة، فكلهم عدول وكلهم في الجنة!

تقول لهم: لقد علَّمنا النبي صلي الله عليه وآله أن نخوض في أمرهم، فقد ثبت في الصحاح أنه صلي الله عليه وآله أخبر بأن بعضهم يدخل النار وأنهم لا يرونه ولا يراهم في الآخرة، وأن بعضهم يردون عليه الحوض، فيذودهم عنه ويطردهم كما تطرد الأباعر الغريبة!!

فيقولون: لاتخوضوا في موضوع الصحابة، فكلهم عدول وكلهم في الجنة!

وترجمة كلامهم: أنك يجب عليك في موضوع الصحابة أن تعطل عقلك، وتعطل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلي الله عليه وآله حتي تحافظ علي إيمانك بالصحابة وتتمسك بهم!

ولكن التناقض لا فرق فيه بين صغير وكبير، فإذا قبلنا به لحل مشكلة الصحابة، فلنقبل به لحل مشكلة الأديان، ولنقل بصحة التثليث والتوحيد، والإيمان والكفر، والوثنية والإسلام..ولنحلَّ

به مشكلة إبليس ونقول إنه عدو الله وولي الله معاً!!

العقل يقول: إذا تناقض أمران أو شخصان في القول ولم يمكن الجمع بين قوليهما، فلا يمكن أن يكون كلا القولين حقاً، لأنه تناقض مستحيل.

وإذا تناقضا في الفعل واقتتلا فلا يمكن أن يكون كل منهما علي الحق، لأنه تناقض مستحيل.. ولا معني للقبول بالتناقض إلا تعطيل العقل والتنازل عن قوانين العلية والبدهيات! وإذا عطلنا العقل، فلا يبقي إيمان بالله ورسله وكتبه، ولا صحابة ولا مصحوبون!

إن ماننعاه علي اليهود والنصاري بأن عندهم عقائد لا يقبلها العقل، وأنهم يقبلون ما يناقض عقولهم من أجلها..يجب أن ننعاه علي أنفسنا، لاننا نزعم أن الله تعالي أمرنا بإطاعة صحابة نبينا المتناقضين في أقوالهم وأفعالهم، إلي حد كسر العظم وقطع الرقاب!

ولاننا نقرأ قول الله تعالي (ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ..) ثم ندعي أن الله تعالي قد سلَّمَ أمة نبيه صلي الله عليه وآله من بعده إلي صحابة متشاكسين في الفقه والعقائد والسياسة إلي حد التناقض والتكفير والحرب!!

قال المفيد في الإفصاح/49:

فإن قال: أليس قد روي أصحاب الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: خير القرون القرن الذي أنا فيه، ثم الذين يلونه [1] .

وقال عليه السلام: إن الله تعالي اطلع علي أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم [2] وقال عليه السلام: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم [3] .

فكيف يصح مع هذه الأحاديث أن يقترف أصحابه السيئات أو يقيموا علي الذنوب والكبائر الموبقات؟!

قيل له: هذه أحاديث آحاد، وهي مضطربة الطرق والإسناد، والخلل ظاهر في معانيها والفساد، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع، ولا يقابل حجج

الله تعالي وبيناته الواضحات، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الإسناد، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار، وأطبق علي نقلها الفريقان من الشيعة والناصبة علي الإتفاق، ما ضمن خلاف ما انطوت عليه فأبطلها علي البيان:

فمنها: ما روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتي لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم. فقالوا يا رسول الله اليهود والنصاري؟ قال: فمن إذن؟! [4] .

وقال صلي الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه: أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولي [5] .

وقال صلي الله عليه وآله في حجة الوداع لاصحابه: ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إني قد شهدت وغبتم [6] .

وقال عليه السلام لأصحابه أيضاً: إنكم محشورون إلي الله تعالي يوم القيامة حفاة عراة، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم [7] .

وقال عليه السلام: أيها الناس بينا أنا علي الحوض إذ مُرَّ بكم زمراً، فتفرق بكم الطرق فأناديكم: ألا هلموا إلي الطريق، فيناديني مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك، فأقول:ألا سحقاً ألا سحقاً [8] .

وقال عليه السلام: ما بال أقوام يقولون: إن رحم رسول الله صلي الله عليه وآله لا تنفع يوم القيامة؟! بلي والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم

علي الحوض، فإذا جئتم قال الرجل منكم: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، وقال الآخر: أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقري [9] .

وقال عليه السلام وقد ذكر عنده الدجال: أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال [10] .

وقال عليه السلام: إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني [11] .

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلي برهان، علي أن كتاب الله عز وجل شاهدٌ بما ذكرناه، ولو لم يأت حديث فيه لكفي في بيان ما وصفناه: قال الله سبحانه وتعالي: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّاللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ، فأخبر تعالي عن ردتهم بعد نبيه صلي الله عليه وآله علي القطع والثبات، وقال جل اسمه: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين، وأعلمهم أنها تشملهم علي العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب.

وقال سبحانه وتعالي: اَلَمِ. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. وهذا صريح في الخبر عن فتنتهم بعد النبي صلي الله عليه وآله بالإختبار، وتمييزهم بالأعمال.

وقوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ.. إلي آخر الآية، دليل علي ما ذكرناه.

وقوله

تعالي: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ. يزيد ما شرحناه.

ولو ذهبنا إلي استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن والأخبار عن رسول الله صلي الله عليه وآله لانتشر القول فيه، وطال به الكتاب.

وفي قول أنس بن مالك: دخل رسول الله صلي الله عليه وآله المدينة فأضاء منها كل شئ، فلما مات عليه السلام أظلم منها كل شئ، وما نفضنا عن النبي صلي الله عليه وآله الأيدي ونحن في دفنه حتي أنكرنا قلوبنا. [12] شاهد عدل علي القوم بما بيناه.

مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حكايته وأثبتنا أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب ولا يكتسبون السيئات، هم الذين حصروا عثمان بن عفان وشهدوا عليه بالردة عن الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام... إلي آخر كلامه المفيد رحمه الله.

[1] مسند أحمد 2: 228 سنن أبي داود 4: 214/4657 صحيح مسلم 4: 1962/210 وفيها: خير أمتي القرن.

[2] مسند أحمد 1: 80 و 2: 295 صحيح مسلم 4: 1941/161 صحيح البخاري 6: 363/383 سنن الدرامي 2: 313.

[3] لسان الميزان 2: 137 تفسير البحر المحيط 5: 528 أعلام الموقعين 2: 223 كنز العمال 1:199/1002 كشف الخفاء ومزيل الالباس 1/132. وانظر تلخيص الشافي 2: 246.

[4] مسند أحمد 2:511 سنن ابن ماجة 2:1322/3994 صحيح البخاري 4: 326/249.

[5] مسند أحمد 3: 489 مجمع الزوائد 9: 24 سنن ابن ماجة 2: 1310/3961.

[6] الجامع الصحيح للترمذي 4: 461/2159 و 486/2193 صحيح البخاري 7: 182 و8:285/14 و9:90/27 صحيح مسلم 3: 1305/29-31 سنن أبي داود 4: 221/4686 قطعة منه مسند

أحمد 1:230 سنن النسائي 7:127 قطعة منه سنن الدارمي 2:69 قطعة منه.

[7] صحيح البخاري 6: 108 صحيح مسلم 4: 2194/58 الجامع الصحيح للترمذي 4: 615/2423 سنن النسائي 4: 117.

[8] مسند أحمد 6: 297.

[9] مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه.

[10] كنز العمال 14: 322/28812.

[11] مسند أحمد 6: 307.

[12] الجامع الصحيح للترمذي 5: 588/3618 مسند أحمد بن حنبل 3: 221/268 سنن ابن ماجة 1: 522/1631. انتهي.

حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

روي الديلمي في فردوس الأخبار:2/498 ح 3398:

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: شفاعتي مباحة إلا لمن سب أصحابي.

وفي:1/98 ح 196:

عن عبدالرحمن بن عوف أيضاً وفيه: فشفاعتي محرمة علي من شتم أصحابي. ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء كما ذكر في كنز العمال: 14/398.

وروي الشيرازي في الالقاب وابن النجار كما ذكر كنز العمال: 14/635:

عن أم سلمة قالت قال رسول الله (ص): نعم الرجل أنا لشرار أمتي! فقال له رجل من مزينة: يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم؟ قال: خيار أمتي يدخلون الجنة بأعمالهم، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي. ألا إنها مباحةٌ يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي! ونقله كاندهلوي في حياة الصحابةج 3/45.

ولا نقصد بنقد هذه الروايات الدفاع عن الذين يسبون بعض الصحابة، فالسب والشتم وكل أنواع البذاءة في المنطق لايمكن لعاقل أن يدافع عنها، بل لا يرتكبها عاقل في حالة سيطرة عقله علي منطقه، فضلاً عن الأتقياء الأبرار.

وإنما غرضنا بيان تهافت منطق هذه الأحاديث في منح الشفاعة والحرمان منها! فهذا المنطق يقول: يجوز للصحابي أن يحكم بفسق الصحابي الآخر أو كفره، وأن يسبه ويهينه ويضربه ويحبسه

ويشهر عليه سيفه ويقتله، أو يكيد به ويقتله بالسم أو بالاغتيال، ويجوز له أن يستعمل كل أساليب السياسة والمناورة والمخادعة ضده، وأن يجمع حوله الناس بالرشوة والتهديد.. وأن يخرج علي إمام زمانه ويسبب انشقاقاً في الأمة وحروبا يقتل فيها عشرات ألوف المسلمين، وأن يرتكب كل المحرمات.. ولا بأس بذلك كله، لأنه مغفورٌ له مشمولٌ بشفاعة رسول الله صلي الله عليه وآله أو مستحق للجنة بدون شفاعة!!

أما غير الصحابة من المسلمين فلو انتقد صحابياً ولو انتقاداً صغيراً.. فقد شمله مرسوم الحرمان النبوي من الشفاعة وصار مخلداً في النار!!

إنه منطق يستشكل في الحبة ويأكل القبة! ولا يمكن أن يكون مما أنزله الله تعالي علي رسوله صلي الله عليه وآله!

بل إن صيغة الحديث (لا تسبوا أصحابي) وأمثاله يصعب تعقل صدورها عن النبي صلي الله عليه وآله لأن مخاطبيه هم أصحابه، فكيف يقول لهم: لا تسبوا أصحابي أو اقتدوا بأصحابي!

وأخيراً، فإن أحاديث فضل الصحابة ووجوب مودتهم وموالاتهم وحرمة بغضهم وانتقاصهم وانتقادهم..يصعب فهمها بل لا يمكن فهمها إلا بالمقارنة مع الآيات والأحاديث المشابهة الواردة في حق أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله مثل قوله تعالي: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي، وقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً... وأحاديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ولا يؤمن أحدكم حتييحبهم لحبي، وعشرات غيرها متفق علي صدورها عن النبي صلي الله عليه وآله وقد ركز فيها الإسلام مكانة عترة النبي من بعده حتي أنه حرم عليهم الصرف من المصارف العامة وجعل لهم مالية خاصة هي الخمس!

والباحث المتتبع يجد أن

كل حديث قاله النبي صلي الله عليه وآله في أهل بيته.. نبت مقابله حديث في أصحابه! حتي أن حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، نبت مقابله: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة، وحديث إحفظوني في أهل بيتي نبت مقابله: إحفظوني في أصحابي..

وقانون الحرمان من الشفاعة لمن ينتقص الصحابة، ما هو إلا نبتةٌ قريشية مقابل قانون حرمان النواصب من الشفاعة الذي ثبت عند الجميع، كما سيأتي إن شاء الله تعالي.

الدخول إلي جهنم

لتحليل القسم الالهي بأن يملاه

روي البخاري في صحيحه:2/72:

عن أبي هريرة (رض) عن النبي(ص)قال: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار، إلا تحلة القسم. ورواه أيضاً في:7/224.

ورواه مسلم:8/39 وفيه (فتمسه النار) ورواه ابن ماجة:1/512 والنسائي:4/22 و25 بعدة روايات وفي بعضها: فتمسه النار.. والترمذي:2/262 وأحمد:2/240 وص 276 وص 473 وص 479 والبيهقي في سننه:4/67 وج 7/78 والهيثمي في مجمع الزوائد:1/163 وج 5/287 والهندي في كنز العمال:3/284 وص 293 وج 4/323 وج 10/216 والسيوطي في الدر المنثور:4/280 وفي عدد من رواياته: تمسه النار. وفي عدد آخر: يلج النار وفي أكثرها (تحلة القسم).

ورغم التفاوت في صيغ هذه الروايات إلا أنها تتفق علي أن هذا الوالد الذي تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة يستحق الجنة حتي لو كان مذنباً، لكن يجب علي هذا المسكين أن يدفع ضريبة يمين الله تعالي، ويدخل النار مدة قليلة تحلةً لقسم الله تعالي حتي لا يكون الله حانثاً بقسمه، ثم له من الله تعالي وَعْدُ شََرف أن ينقله إلي الجنة!!

فما هي قصة هذا القسم؟ وما ذنب هذا الوالد وغيره من المساكين الذين أدخلتهم صحاح السنيين في جهنم لا لشئ إلا لتحليل يمين الله تعالي!

حاولت بعض الروايات

أن تجعل القسم قوله تعالي (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَي رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا.) مريم: 70-71 وقالوا إن هذا القضاء الالهي الحتمي هو القسم وهو عام للجميع.

ولكنه تفسير من الرواة لأن الصحاح لم ترو حديثاً يفسر القسم بذلك!

قال البيهقي في سننه:10/64:

قال أبو عبيد: نري قوله تحلة القسم يعني قول الله تبارك وتعالي: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَي رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا.، يقول فلا يردها إلا بقدر ما يبر الله قسمه فيه. وفيه: أنه أحل للرجل يحلف ليفعلن كذا وكذا ثم يفعل منه شيئاً دون شئ، يبري في يمينه. انتهي.

ولكن تفسيرهم هذا لا يصح:

أولاً، لما ذكره البيهقي من أنه يفتح الباب للناس للتلاعب بأيمانهم، ولا تبقي قيمة ليمين! فإذا كان الله تعالي يستعمل الحيلة الشرعية للتحلل من يمينه ويسميها (تحلة القسم) فلا حرج علي عباده أن يلعبوا بأيمانهم!!

وثانياً، لا يوجد في آية الورود قسم، بينما ورد في كل روايات الصحاح أن سبب دخول هذا الاب (تحلَّةَ القسم).

وثالثاً، إن المؤمنين الذين يردون جهنم ويشرفون عليها في طريق عبورهم إلي الجنة لا تمسهم نارها، بينما ورد في عدد من صيغ الحديث التعبير بتمسه النار تحلة القسم.

ورابعاً، أن الورود المذكور في الآية أمرٌ عامٌ شاملٌ، وليس من البلاغة استثناء هذا الوالد من استحقاق الجنة، مع أن حال في الورود حال غيره!!

وخامساً، ورد في صيغة البخاري وغيره تعبير بالولوج وهو الدخول المحقق في النار، بينما الورود أعم من الدخول في النار والاشراف عليها عند المرور علي الصراط.

قال في تفسير التبيان:7/143:

واختلفوا في كيفية ورودهم اليها فقال قوم وهو الصحيح: إن ورودهم هو

وصولهم إليها وإشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها، لأن الورود في اللغة هو الوصول إلي المكان، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور عنه. ويقال: ورد الخبر بكذا تشبيهاً بذلك.

ويدل علي أن الورود هو الوصول إلي الشئ من غير دخول فيه قوله تعالي: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ، وأراد وصل اليه. وقال زهير:

فلما وردنَ الماء زرقاً جمامَه وضعنَ عِصِيَّ الحاضرِ المتخيمِ

وقال قتادة وعبدالله بن مسعود: ورودهم إليها هو ممرهم عليها.

وقال عكرمة: يردها الكافر دون المؤمن، فخص الآية بالكافرين.

وقال قوم شذاذ: ورودهم إليها دخولهم فيها ولو تحلة القسم. روي ذلك عن ابن عباس وكان من دعائه: اللهم أزحني من النار سالماً وأدخلني الجنة غانماً. وهذا الوجه بعيد، لأن الله قال: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَي أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ.، فبين تعالي أن من سبقت له الحسني من الله يكون بعيداً من النار، فيكف يكون مبعداً منها مع أنه يدخلها وذلك متناقض. فإذاً المعني بورودهم: إشرافهم عليها ووصولهم إليها. انتهي.

وعلي هذا يتعين أن يكون المقصود بتحلة القسم في هذه الأحاديث المزعومة: قسمه تعالي بأن يملا جهنم من الجنة والناس، في قوله تعالي: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لامْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. هود: 118-119

ويكون معني الحديث: أن هذا الوالد يستحق الجنة، ولكن بما أن الله تعالي أقسم أن يملأ النار، وليس عنده ما يكفي لملئها، فإن علي هذا الوالد المسكين أن يدفع الضريبة من جلده!!

إن منطق هذا الحديث يصور الله تعالي كأنه حاكم دنيوي بني سجناً وأقسم أن يملاه من المجرمين، وعندما وجد أن السجن

كبيرٌ لم يمتلي بالمجرمين الموجودين، أمر شرطته أن يقبضوا علي الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتي يملاوه ويفي حضرة الحاكم بيمينه، ولا يكون كاذباً!وهو تصورٌ نجده عن الله تعالي في التوراة ولا نجده في القرآن.. الأمر الذي يجعلنا نطمئن بأن فكرة إدخال الناس إلي النار لتحلة القسم فكرة توراتية أخذها المسلمون من اليهود، ففي تفسير كنز الدقائق:2/47، جاء في رد مقولات اليهود التي منها (أنه تعالي وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم)!!

ولكن أين هذا المنطق من قوانين الحق والعدل الالهي التي أقام الله تعالي عليها الكون والحياة، وأنزلها في كتابه وأوحي بها إلي رسوله صلي الله عليه وآله فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفكرون!

حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

يمكن للباحث أن يتفهم أحاديث الحرمان من الشفاعة لمن ينتقد الصحابة، ويفسرها بأنها محاولة لتسكيت المسلمين عن الصحابي الحاكم وجماعته. ولكن بعض الحرمانات الواردة في الصحاح لا يستطيع أن يفهم لها علة ولا معني، إلا بعد جهد جهيد، مثل حرمانهم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد من الشفاعة والجنة!

فقد روت ذلك الصحاح كما في النسائي:8/138 قال: عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة. انتهي.

ورواه أبو داود في:2/291

وأحمد في:1/273

والبيهقي في سننه:7/311

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:5/163 روايةً شديدةً علي المجرم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد، وقال إنها موثقة عند ابن حنبل وابن معين وابن حبان قال: عن أبي الدرداء قال قال رسول الله(ص): من خضب بالسواد سوَّد الله وجهه يوم القيامة. رواه الطبراني وفيه الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان، وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات. انتهي.

وقد تحير في ذلك بعض أصحاب الصحاح.. ومن حقهم أن يتحيروا.. فمع أنهم عاشوا في القرن الثالث ولم يشهدوا القرن الأول ولا الثاني، ولكن عهدهم كان قريباً نسبياً، والمسألة واضحةٌ وضوح اللحي! ومع ذلك وصلت اليهم أحاديث متناقضة فيها! فمنها أحاديث تقول إن النبي صلي الله عليه وآله أمر بتغيير الشيب ومخالفة اليهود الذين يحرمون صبغ الشيب، وأحاديث تقول إنه أمر بصبغه بالحناء، أي باللون الاحمر الذي تصبغ به العرب ونهي عن السواد لأنه خضاب الكفار! وأخري تقول إنه أمر بالسواد، وأخري تقول بالكتم والوسم الأصفر...!

واختلفت رواياتهم في أن النبي صلي الله عليه وآله هل صبع شيبه أم لا، فروايةٌ تقول إنه صبغه بالحناء، ولكنهم رجحوا أخري تقول لم يدركه الشيب إلا شعرات قليلة ولم يصبغها.

قال مسلم في صحيحه: 7/84 و85: قال سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي(ص)فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت وقال: لم يختضب وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا. انتهي.

وقد روي الجميع خضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم كما في مسند أحمد: 3/100 وج 3/108 وص 160 وص 178.

ولكن تحير أصحاب الصحاح كان علي مستوي الرواية فقط، أما الرأي السائدالمتبع عندهم فهو النهي المشدد عن الخضاب بالسواد، لأنه رأي الدولة من زمن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية..إلي آحر الخلافة الأموية!

ولذا جعل النسائي عنوان المسألة: النهي عن الخضاب بالسواد وقال في:8/38

عن ابن عباس رفعه أنه قال: قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة.

عن أبي الزبير عن جابر قال أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله (ص):

غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد... ثم قال النسائي: والناس في ذلك مختلفون، والله تعالي أعلم، لعل المراد الخالص، وفيه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مكروهٌ، وللعلماء فيه كلام، وقد مال بعض إلي جوازه للغزاة، ليكون أهيب في عين العدو، والله تعالي أعلم.

أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صيغتها الشرعية، وأجمعوا علي ذم الحضاب بالسواد، ذمَّ تحريم، وربما وجد فيهم نادرٌ يقول بأنه ذم تنزيه!

قال النووي في المجموع:1/294:

(فرع) اتفقوا علي ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد، ثم قال الغزالي في الأحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من الأصحاب هو مكروه، وظاهر عباراتهم أنه كراهة تنزيه، والصحيح بل الصواب أنه حرام. وممن صرح بتحريمه صاحب الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة، قال إلا أن يكون في الجهاد، وقال في آخر كتابه الأحكام السلطانية: يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد.

ودليل تحريمه حديث جابر (رض) قال: أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله (ص): غيروا هذا واجتنبوا السواد. رواه مسلم في صحيحه، والثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة نبات له ثمر أبيض. وعن ابن عباس (رض) قال: قال رسول الله (ص): يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة. رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة، هذا مذهبنا. انتهي.

وقال ابن قدامة في المغني:1/76:

وعن الحكم بن عمر الغفاري قال: دخلت أنا وأخي رافع علي أمير المؤمنين عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة، فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الإسلام، وقال لاخي رافع: هذا خضاب الإيمان.

ويكره (وكره) الخضاب بالسواد. قيل لابي عبدالله تكره الخضاب بالسواد قال إي والله...! انتهي.

وروي الحاكم قصة أخري مشابهة وجعل رأي الخليفة عمر حديثاً مسنداً قال في المستدرك:3/526 قال:

دخل عبدالله بن عمر علي عبدالله بن عمرو وقد سوَّدَ لحيته، فقال عبدالله بن عمر: السلام عليك أيها الشويب! فقال له ابن عمرو: أما تعرفني يا أبا عبدالرحمن؟ قال بلي أعرفك شيخاً فأنت اليوم شاب! إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الكافر. انتهي.

وقال عنه في مجمع الزوائد:5/163: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. انتهي.

- وقد سئل الشيخ ابن باز في كما في فتاويه:4/58 طبعة مكتبة المعارف بالرياض:

- مامدي صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد، فقد انتشر صبغ اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون إلي العلم؟

فقال في جوابه: في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة، وذكر حديث حواصل الحمام، وقال بعده: وهذا وعيدٌ شديد، وفي ذلك أحاديث أخري، كلها تدل علي تحريم الخضاب بالسواد، وعلي شرعية الخضاب بغيره. انتهي.

والمتتبع لنصوص المسألة يصل إلي قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسومٌ قرشي..وسببه أن العرب ومنهم قريش كانوا يصبغون شيبهم بالحناء الذي يأتيهم من الهند، وبعضهم يصبغونه بالورس والزعفران الذي يأتيهم من اليمن وإيران (لاحظ مغني ابن قدامة:1/76).

وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب كما نص السهيلي في الروض الانف:1/7 ونقله عنه النووي في المجموع:18/254.

ولا يبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزاً لبني هاشم. وسيأتي أن الإسلام أقر عدة تشريعات سنَّها عبد المطلب بإلهام من الله تعالي مثل: الطواف سبعاً، والدية، ومنها سنَّة الخضاب بالوسم.

ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث

تدل الأحاديث من

مصادر الجميع علي أن الإسلام أقر سنَّة عبد المطلب في صبغ الشيب بالسواد فقد روي ابن ماجة في سننه:2/1197 عن صهيب قال: قال رسول الله (ص): إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذَا السواد، أرغب لنسائكم فيكم، وأهيب لكم في صدور عدوكم. انتهي.

وقالوا بعده: هذا الحديث معارض لحديث النهي عن السواد، وهو أقوي إسناداً وأيضاً النهي يقدم عند المعارضة، وفي الزوائد: إسناده حسن. انتهي.

وإذا صح ما ذكره رواة قريش من أن النهي دائماً أقوي من الرخصة، وأن الخضاب بالسواد حرام وصاحبه لا يشم رائحة الجنة! فهل يلتزمون بأن الإمام الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة لا يشم رائحتها!

فقد روي البخاري في صحيحه:4/216:

عن أنس بن مالك (رض): أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله(ص)وكان مخضوباً بالوسمة! انتهي. والوسمة هي السواد.

وفي مجمع الزوائد:5/162:

عن محمد بن علي أنه رأي الحسن بن علي (رض) مخضوباً بالسواد علي فرس ذنوب. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، خلا محمد بن إسماعيل بن رجاء وهو ثقة. وعن سليم قال: رأيت جرير بن عبدالله يخضب رأسه ولحيته بالسواد. رواه الطبراني وسليم والراوي عنه لم أعرفهما.

وعن محمد بن علي أن الحسين بن علي (رض) كان يخضب بالسواد. رواه الطبراني ورجاله رجال الذي قبله، وقد روي عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال الصحيح.

وعن عبد الرحمن بن بزرج قال: رأيت الحسن والحسين ابني فاطمة يخضبان بالسواد، وكان الحسين يدع العنفقة. رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

وعن عبدالله بن أبي زهير قال: رأيت الحسين بن

علي يخضب بالوسمة. رواه الطبراني وعبد الله بن أبي زهير لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. انتهي.

وجرير بن عبدالله المذكور هو البجلي من كبار أصحاب علي عليه السلام ومن قادة جيشه وقد حمل عدداً من رسائله إلي معاوية.

فيتضح من ذلك أن أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم كانوا يخضبون شيبهم بالسواد. وأن النهي عن السواد نهي قرشئ لا نبوي، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببني هاشم المعارضين للدولة!

بل ماذا يصنع الشيخ ابن باز بإمامه الزهري الذي روي عنه البخاري نحو 1200 رواية في صحيحه، فقد كان-بعد أن خفَّت حدة المسألة في القرن الثاني-يصبغ شيبه بالسواد، ويقول إن النبي أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ!

قال أحمد في مسنده:2/309:

قال رسول الله (ص): إن اليهود والنصاري لا يصبعون فخالفوهم. قال عبد الرزاق في حديثه: قال الزهري: والأمر بالاصباغ، فأحلكها أحب الينا. قال معمر: وكان الزهري يخضب بالسواد. انتهي.

رأي أهل البيت

روي الكليني في الكافي:6/481:

عن: أحمد بن محمد، عن سعيد بن جناح، عن أبي خالد الزيدي، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخل قوم علي الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك، فمد يده إلي لحيته ثم قال: أمر رسول الله صلي الله عليه وآله في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد، ليقووا به علي المشركين.

وفي الكافي:6/483:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عدة من أصحابه، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: قتل الحسين صلوات الله عليه وهو مختضب بالوسمة.

وفي الكافي:6/480:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن مسكين بن

أبي الحكم، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وآله فنظر إلي الشيب في لحيته فقال النبي صلي الله عليه وآله: نورٌ، ثم قال: من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة. قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلي النبي صلي الله عليه وآله فلما رأي الخضاب قال: نورٌ وإسلامٌ، فخضب الرجل بالسواد، فقال النبي صلي الله عليه وآله: نورٌ وإسلامٌ وإيمانٌ، ومحبةٌ إلي نسائكم، ورهبةٌ في قلوب عدوكم.

وفي الكافي:6/480:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: دخلت علي أبي الحسن (الرضا) عليه السلام وقد اختضب بالسواد فقلت: أراك قد اختضبت بالسواد؟ فقال: إن في الخضاب أجراً، والخضاب والتهيئة مما يزيد الله عز وجل في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة!

وفي من لا يحضره الفقيه:1/122:

قال الصادق عليه السلام: الخضاب بالسواد أنسٌ للنساء، ومهابةٌ للعدو.

وفي وسائل الشيعة:1/403:

محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود فقال: إنما قال ذلك والدين قلٌّ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار. انتهي.

ويفهم من هذا الحديث أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب، بل هو لإثبات الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم، كما يعتقد اليهود.

خلاصة المسألة

والخلاصة: أن الخضاب بالسواد سنة لعبد المطلب رضوان الله عليه، خالف فيها اليهود، وخالف فيها الخضاب بالأحمر والأصفر المستعمل عند العرب، وقد أقر الإسلام هذه السنة وجعلها مستحبة، ولم يحرم الخضاب بغيرها. بل لم يوجب

في الأصل تغيير لون الشيب، وإنما جعله مستحباً في بعض الحالات.

ولكن دخلت قريش علي الخط لتمسكها من جهة بالخضاب الأحمر والاصفر، وحساسيتها من جهة أخري من عبد المطلب وأولاده الذين لم يعترفوا بخلافتها.. فنتج عن ذلك تحريم الخضاب بالسواد، وحرمان صاحبه من الجنة والشفاعة، وتسويد وجهه يوم القيامة!!

ولكن العباسيين أولاد عبد المطلب ثأروا لخضاب جدهم، فجعلوا راياتهم سوداء حتي سماهم الناس (المُسَوِّدَة) وبعد انتصارهم فرضوا لبس السواد علي جميع المسلمين، خاصة أتباع الدولة، وجعلوه شعاراً لهم! فكان ذلك إفراطاً في الانتصار لخضاب عبد المطلب!

لذلك رأينا أن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) نهوا عن لبس السواد إلا في الحرب، والحزن، خاصةً لمصاب الإمام الحسين عليه السلام، وفضلوا في الحالات العادية اللون الاخضر الذي كان يفضله النبي صلي الله عليه وآله.

وعندما أراد المأمون أن يتقرب إلي الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)ويغيض العباسيين الذين خلعوه، نقل ولاية العهد من العباسيين وأوصي بها للإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام وأمر بتغيير اللباس الاسود في الدولة إلي اللباس الأخضر.. وبذلك استقر اللون الاخضر شعاراً لبني هاشم، ثم شعاراً للعرب، والحمد لله.

وأخيراً لا يفوتنا أن نشير إلي حديث الرايات السود الثابت عن النبي صلي الله عليه وآله في علامات ولده المهدي الموعود عليه السلام وأن العباسيين حرصوا علي مصادرته وتطبيقه علي راياتهم وثورتهم، وسموا أحد خلفائهم بالمهدي، وأشهدوا كبار قضاتهم وفقهائهم علي أنه المهدي الموعود المبشر به من رسول الله صلي الله عليه وآله.

ولكن المهدي العباسي لم يملا الأرض قسطاً وعدلاً، ولم يعط المال للناس حثياً بدون عدٍّ كما ورد في صفات المهدي عليه السلام.

فقد ورد في سيرة هذا المهدي العباسي

أن قصره كان خالياً من التقوي والعدل، وأنه كان يصادر أموال الناس أحياناً حثياً أو حثواً من غير عد!!

مرسوم بحرمان الزوجة التي تطلب الطلاق

ومن مراسيم الصحاح في الحرمان من الشفاعة مرسومٌ مفيدٌ للرجال في حق الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب..

ففي سنن ابن ماجة:1/662:

عن ابن عباس أن النبي(ص)قال: لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة. وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً.

ورواه الترمذي في:2/29 3

وأبو داود:1/496

وأحمد:5/277 وص 283

والدارمي:2/162

والحاكم في:2/200

والبيهقي في سننه:7/316

والهندي في كنز العمال:16/382 وص 287 عن أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان وابن عساكر.

وفي بعض روايات الحديث: بدون عذر، والمقصود منه العذر القوي الذي يقبله المجتمع.

ولكنه تشديدٌ مبالغٌ فيه، فلا نعرف أحداً من الفقهاء يفتي بأن قولها لزوجها طلقني يعتبر جريمة تستحق عليها العقوبة الدنيوية أو الاخروية، فإن أصل الطلاق حلال وإن كان مكروهاً، وطلبها الطلاق في أصله حلال وقد يطرأ عليه ما يجعله مكروهاً أو منافياً للاخلاق، أو يجعله حراماً، أو واجباً.

وإذا حدث أن صار حراماً شرعاً، فلا يصير من المعاصي الكبائر التي يستحق صاحبها عقاب الدخول في جهنم، والحرمان من الجنة ومن شفاعة نبيه صلي الله عليه وآله!!

وقد حاول بعض الفقهاء أن يتخلصوا من الحديث بتضعيفه، وساعدهم علي ذلك أن الشيخين البخاري ومسلماً لم يروياه، فقد ذكروا بعد روايته في ابن ماجة أن الهيثمي في مجمع الزوائد ضَعَّف إسناده.. ولكن ذلك لا يحل المشكلة لأن الحاكم قال عنه في المستدرك: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وحاولوا محاولةً أخري أن يجعلوا الحديث في طلب الزوجة الطلاق الخلعي من زوجها بسبب كرهها له، فقد وضع

ابن ماجة الحديث تحت عنوان (باب كراهية الخلع للمرأة) ولكن واجههم قوله تعالي (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) حيث نصت الآية علي جواز افتداء المرأة نفسها من زوجها ببذل مهرها وطلب الطلاق الخلعي.. فاضطروا أن يحملوا الحديث علي طلبها الخلع بدون سبب ويجعلوه مكروهاً لا حراماً!

وهكذا فعل ابن قدامة في المغني:8/176:

قال شارحاً قول الماتن (ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع):

والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله، لأنه لو أراد الأول لقال كره له، فلما قال كره لها دل علي أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة، فإنه يكره لها ذلك، فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي، ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال: الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع، وهذا يدل علي أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال، وهذا قول ابن المنذر وداود.

وقال ابن المنذر: وروي معني ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم، وذلك لأن الله تعالي قال (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) فدل بمفهومه علي أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غير خوف، ثم غلظ بالوعيد فقال (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وروي ثوبان قال: قال رسول الله(ص)(أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبوداود. وعن أبي هريرة عن النبي(ص)قال (المختلعات

والمنتزعات هن المنافقات) رواه أبو حفص ورواه أحمد في المسند وذكره محتجاً، به وهذا يدل علي تحريم المخالعة لغير حاجة، ولانه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة، فحرم لقوله عليه السلام (لا ضرر ولا ضرار). واحتج من أجازه بقول الله سبحانه (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَئٍْ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) انتهي.

ولكن كل ذكاء هؤلاء الفقهاء لا يحل مشكلة الحديث أيضاً:

أولاً، لأن الحديث في مجرد طلب الطلاق، وليس في بذل المهر وطلب الخلع، وقد اعترف بذلك ابن حزم قال في المحلي:10/236 حيث قال: قال أبو محمد (يعني نفسه): واحتج من ذهب إلي هذا (حرمة الخلع) بما حدثناه عبدالله بن ربيع نا محمد ابن اسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عفان بن مسلم نا حماد نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة.

وبما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا إسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - أنا المخزومي هو المغيرة بن سلمة - نا وهيب عن أيوب السختياني عن الحسن البصري عن أبي هريرة عن النبي(ص)أنه قال: المنتزعات والمختلعات هن المنافقات. قال الحسن: لم أسمعه من أبي هريرة.

قال أبو محمد: فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلك الخبر. وأما الخبر الأول فلا حجة فيه في المنع من الخلع لأنه إنما فيه الوعيد علي السائلة الطلاق من غير بأس وهكذا نقول. انتهي.

وثانياً، لو سلمنا أن الحديث في طلب الخلع، فلا بد لهم من القول بحرمته علي الزوجة

مطلقاً بسبب صيغة التشديد المؤكدة فيه، وذلك مخالف لقوله تعالي (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا).

ولذلك اضطروا إلي التنازل كما رأيت إلي القول بالكراهة فقط!

ومعناه أنهم اضطروا أن يبطلوا مرسوم الحديث بحرمان هذه الزوجة من رائحة الجنة ورائحة الشفاعة! ولكنه إبطالٌ له بصيغة الإستدلال به، والاحترام له!!

ولم يتسع لنا الوقت لبحث فتوي اليهود في هذه المسألة، ومن المحتمل أن أصل حديثها من الإسرائيليات التي تسربت إلي فقهنا!!

محاولة القرشيين حرمان بني هاشم من شفاعة النبي

توجد عدة مسائل تتعلق بأسرة النبي صلي الله عليه وآله بني عبد المطلب وبني هاشم.

المسألة الأولي، في إيمان آباء النبي وأمهاته صلي الله عليه وآله: ومذهبنا أن كل آباء النبي وأمهاته مؤمنون طاهرون مطهرون، من آدم وحواء إلي عبد الله وآمنة، صلوات الله عليه وعليهم. وقد روينا في ذلك أحاديث صحيحة ودلت عليه آيات كريمة، ووافقنا علي هذا الرأي عدد من علماء إخواننا السنة مثل الفخر الرازي والسيوطي وغيرهما، وألفوا في ذلك رسائل مستقلة.

بينما قال أكثر السنة إن آباء النبي وأمهاته صلي الله عليه وآله كفار مشركون، وأنهم في النار، ورووا في ذلك روايات هي عندهم صحيحة! منها رواية خشنة رواها مسلم في:1/133: أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار، فلما قفي دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار!!

المسألة الثانية، في شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لبني هاشم وبني عبد المطلب، وهم ثلاثة أصناف: صنف مات قبل البعثة. وصنف أسلموا وهاجروا وجاهدوا مع النبي صلي الله عليه وآله. وصنف لم يذكر التاريخ أنهم أسلموا ولكنهم ناصروا النبي صلي الله عليه وآله في مواجهة قريش وتحملوا معه حصار الشعب ثلاث سنين، وهم كل من بقي من بني هاشم وبني عبد

المطلب ماعدا أبي لهب.

ومذهبنا أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله تشمل أول ما تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب، من ارتضي الله منهم، وكلهم عندنا مرضي إلا من ثبت فيه عدم الإرتضاء وأنه من أهل النار مثل أبي لهب. وقد ثبت عندنا إسلام أبي طالب وإيمانه، وأنه كان يكتم إيمانه مثل مؤمن آل فرعون.

ومذهب إخواننا السنة في هذه المسألة متفاوت، ففي رواياتهم ما يوافقنا تقريباً، وفيها روايات تحاول حرمان كل بني هاشم من شفاعة النبي صلي الله عليه وآله!

المسألة الثالثة: في موقع علي عليه السلام وعترة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة من الشفاعة العظمي التي يعطاها صلي الله عليه وآله..ومذهبنا أن عترة النبي صلي الله عليه وآله الذين نصَّ عليهم بأسمائهم هم أوصياؤه وخلفاؤه الشرعيون وأئمة المسلمين وهداتهم بأمر الله تعالي، وأنهم خيرة البشر بعد النبي صلي الله عليه وعليهم، وهم معه يوم القيامة، وبأيديهم ينفذ الشفاعة المعطاة له من الله تعالي، ويفوضهم في كثير من الأمور.

وقد ثبت عندنا وروي السنيون أن لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر يجعله النبي صلي الله عليه وآله بيد علي عليه السلام كما كان صاحب لوائه في الدنيا.

وأن مقام الصديقة الزهراء عليها السلام في الشفاعة يوم القيامة مقام مميزٌ حتي من بين العترة.

أما السنيون فليس لهم مذهبٌ واحدٌ في مقام عترة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة، بل حتي في مقام صحابته، لأن رواياتهم في ذلك متناقضة..فهم يريدون إعطاء الصحابة المرتبة الأولي بعد النبي صلي الله عليه وآله، ولكن النصوص الصحيحة عندهم في دخول بعض الصحابة النار، وفي المقام المميز للعترة الطاهرة، تأبي عليهم ذلك، فيقعون في حيص بيص!

حساسية قريش من أسرة النبي

من الواضح للمطلع علي السيرة أن الدافع الاساسي لتكذيب قبائل قريش بنبوة النبي صلي الله عليه وآله ورفضهم لها، كان دافعاً سياسياً، لانهم إذا آمنوا بنبوة ابن عبد المطلب بن هاشم، فقد اعترفوا بالقيادة لبني هاشم وصاروا أتباعاً لهم، وانتهي الأمر!

ولذلك كانوا شديدين في تكذيبهم، متحدين في موقفهم، شرسين في مواجهتهم، صريحين في إظهار تخوفهم..

وكان بعض قريش وغير قريش يفاوضون النبي صلي الله عليه وآله علي الإيمان بنبوته، بشرط أن يكون لهم (الأمر) من بعده..ولكن النبي صلي الله عليه وآله كان نبياً مبلغاً عن ربه تعالي، ولم يكن مساوماً علي الأمر من بعده.

لقد ظهرت هذه الحقيقة القرشية العميقة منذ إعلان النبي بعثته الشريفة ثم واجهته طوال نبوته، ولم تنته حتي بعد وفاته!

وهي حقيقةٌ ضخمةٌ لم تعطَ حقها من الدراسة، بسبب أن القرشيين بعد انتصار النبي صلي الله عليه وآله عليهم ودخولهم تحت حكمه كرهاً وطوعاً، جعلوا مواجهتهم معه من نوع الحرب الباردة، ثم ما أن توفي النبي صلي الله عليه وآله حتي أخذوا السلطة وأبعدوا أهل بيته وحاصروهم! وألقوا بثقلهم لصياغة السنة والسيرة والتاريخ لمصلحة قبائل قريش، وضد العترة الطاهرة!

وغرضنا هنا أن نعرض نماذج من حساسية قريش من أسرة النبي صلي الله عليه وآله، لكي نفهم تأثيرها علي رواياتهم في كفر آباء النبي صلي الله عليه وآله ورواياتهم في عدم انتفاع بني هاشم بقرابتهم من النبي صلي الله عليه وآله وشفاعته!

وهو باب خطيرٌ والدراسات فيه ممنوعةٌ، ولكن القليل منه يجعل الباحث يتوقف ملياً في قبول أي حديث سلبي عن أسرة النبي صلي الله عليه وآله جاءت روايته عن طريق القرشيين من غير أهل بيته!

حادثة خطيرة، عتمتها الصحاح

روي البخاري في:1/32: تحت

عنوان: باب الغضب في الموعظة والتعليم:

عن أبي بردة عن أبي موسي قال: سئل النبي(ص)عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم! قال رجل: من أبي؟ قال أبوك حذافة! فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال أبوك سالم مولي شيبة! فلما رأي عمر ما في وجهه قال: يا رسول الله إنا نتوب إلي الله عز وجل!

باب من برك علي ركبتيه عند الإمام أو المحدث:

عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله(ص)خرج فقام عبدالله بن حذافة فقال من أبي؟ فقال أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول سلوني! فبرك عمر علي ركبتيه فقال: رضينا بالله رباًوبالإسلام ديناً وبمحمد(ص)نبياً، فسكت! انتهي.

عندما تقرأ هذا النص تحس أنه ليس طبيعياً! فهو يقول: أكثروا عليه السؤال فغضب.. ثم قال: سلوني عما شئتم.. ثم أكثر أن يقول سلوني.. فسألوه هل هم أولاد شرعيون أو أولاد زنا!! فبرَّأ صحابياً وفضح آخر علي رؤوس الإشهاد، وشهد بأنه ابن زنا! ثم أصرَّ عليهم: سلوني سلوني سلوني..!! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسكت النبي صلي الله عليه وآله!!

فما هي القصة، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي! والتوبة العمرية؟!

الذي يساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطَّعتها الصحاح، لكنها روتها هي وغيرها بأكثر من عشرين نصاً..فيمكن للباحث أن يجمع منها خيوطاً كثيرة.

يقول مسلم في صحيحه لم يكن غضب النبي صلي الله عليه وآله لسؤال كما قال البخاري! بل بلغه عن أصحابه شئ كريه! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه (عن أنسابهم) وتحداهم فخافوا وبكوا، فقام عمر وتاب!!

قال مسلم في صحيحه:7/92:

عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله(ص)عن أصحابه

شئ فخطب فقال: عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً. قال فما أتي علي أصحاب رسول الله(ص)يوم أشد منه!! قال غطَّوا رؤسهم ولهم خنين! قال فقام عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً! قال فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال أبوك فلان، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ! انتهي. وروي مسلم جزء منها أيضاً في:3/167

فالمسألة إذن غضبٌ نبويٌّ لما بلغه عن (أصحابه) وخطبةٌ نارية.. وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم.. وأشد يوم مر عليهم مع نبيهم.. وبكاء الصحابة المعنيين خوفاً من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم.. والفضيحة.. وإعلان عمر توبته وتوبتهم..!!

وهكذا تبدأ خيوط الحادثة بالتجمع..ويمكنك بعد ذلك أن تجمع من خيوطها من نفس البخاري!

قال البخاري في:1/136:

عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله(ص)خرج حين زاغت الشمس فصلي الظهر، فقام علي المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أموراً عظاماً، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل فلا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا!! فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول سلوني! فقام عبدالله بن حذافة السهمي فقال: من أبي؟ قال أبوك حذافة!

ثم أكثر أن يقول سلوني!! فبرك عمر علي ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً! فسكت، ثم قال: عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر!

وقال البخاري في:7/157:

عن أنس (رض) سألوا رسول الله(ص)حتي أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شئ إلا بينته لكم، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل

رجل لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي! فإذا رجل كان إذا لاحي الرجال يدعي لغير أبيه، فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: حذافة ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد(ص)رسولاً نعوذ بالله من الفتن. فقال رسول الله (ص): ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط! إنه صورت لي الجنة والنار حتي رأيتهما وراء الحائط. وروي نحوه أيضاً في: 8/94

وقال البخاري في:8/143:

عن الزهري أخبرني أنس بن مالك (رض) عن النبي(ص)خرج حين زاغت الشمس فصلي الظهر فلما سلم قام علي المنبر فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً ثم قال: من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا! قال أنس فأكثر الناس البكاء! وأكثر رسول الله(ص)أن يقول سلوني!! فقال أنس فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال النار!!! فقام عبدالله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال أبوك حذافة. قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني!! فبرك عمر علي ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد(ص)رسولاً. قال فسكت رسول الله(ص)حين قال عمر ذلك! ثم قال رسول الله: أولي، والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر!

وقال البخاري في:4/73:

عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر (رض) يقول: قام فينا النبي(ص)مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتي دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم...! حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.

وقال أبو داود:1/542:

عن أبي قتادة أن رجلاً أتي النبي(ص)فقال: يا رسول الله كيف تصوم؟ فغضب رسول الله(ص)من قوله،

فما رأي ذلك عمر قال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، فلم يزل عمر يرددها..حتي سكن غضب رسول الله(ص). انتهي.

وقال في مجمع الزوائد:1/161:

عن أبي فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله(ص)ذات يوم: سلوني عما شئتم؟ فقال رجل: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك فلان الذي تدعي إليه، وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال: في الجنة. وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال: في النار!! فقال عمر: رضينا بالله رباً. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

وقال في مجمع الزوائد:7/188 وص 390:

وعن أنس قال خرج رسول الله(ص)وهو غضبان! فخطب الناس فقال: لا تسألوني عن شئ اليوم إلا أخبرتكم به، ونحن نري أن جبريل معه! قلت فذكر الحديث إلي أن قال فقال عمر: يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك! رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

وفي مجمع الزوائد:9/170:

وأتاه العباس فقال: يا رسول الله إني انتهيت إلي قوم يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لانهم يبغضونا! فقال رسول الله (ص): أو قد فعلوها؟! والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتي يحبكم، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي، ولا يرجوها بنو عبد المطلب!

وفي مجمع الزوائد:9/258:

وجلس علي المنبر ساعة وقال: أيها الناس مالي أوذي في أهلي؟! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا، وحكم، وصدا، وسلهب، يوم القيامة!

وفي مجمع الزوائد:8/214:

عقد الهيثمي باباً في عدة صفحات بعنوان: باب في كرامة أصله(ص). وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته صلي الله عليه وعليهم، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي صلي الله

عليه وآله في حياته، وهم تحت قيادته في المدينة، وهم مسلمون مهاجرون، أو طلقاء منَّ عليهم بالعفو بالأمس في فتح مكة! فغضب النبي صلي الله عليه وآله وأجابهم بشدة!

الحادثة الأولي:

عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعودٌ بفناء رسول الله(ص)إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم: هذه ابنة محمد، فقال رجل من القوم: إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي (ص)فجاء النبي(ص)يعرف في وجهه الغضب، ثم قام علي القوم فقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام! إن الله عز وجل خلق السموات سبعاً فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سمواته من شاء من خلقه، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلي خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم.

والثانية:

عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب قال: أتي ناس من الأنصار النبي(ص)فقالوا: إنا نسمع من قومك حتي يقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا (قال حسين الكبا الكناسة) فقال رسول الله (ص): أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب - قال فما سمعناه ينتمي قبلها - ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً... رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

والثالثة:

عن ابن عباس قال توفي ابنٌ لصفية

عمة رسول الله(ص)فبكت عليه وصاحت، فأتاها النبي(ص)فقال لها: يا عمة ما يبكيك؟ قالت توفي ابني، قال: يا عمة من توفي له ولدٌ في الإسلام فصبر، بني الله له بيتاً في الجنة. فسكتت ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال: يا صفية قد سمعت صراخك، إن قرابتك من رسول الله(ص)لن تغني عنك من الله شيئاً! فبكت فسمعها النبي(ص)وكان يكرمها ويحبها، فقال: يا عمة أتبكين وقد قلت لك ماقلت؟! قالت: ليس ذاك أبكاني يا رسول الله، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله(ص)لن تغني عنك من الله شيئاً! قال فغضب النبي(ص) وقال: يا بلال هجِّر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع!! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة!

فقال عمر: فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله(ص)يومئذ، أحببت أن يكون لي منه سببٌ ونسب.

ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فمررت علي نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت رسول الله(ص)! فقالوا: إن الشجرة لتنبت في الكبا (المزبلة) قال فمررت إلي النبي(ص)فأخبرته! فقال يا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: يا أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال أنسبوني، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال أجل أنا محمد بن عبد الله، وأنا رسول الله، فما بال أقوام يبتذلون أصلي!! فوالله لانا أفضلهم أصلاً وخيرهم موضعاً!

قال فلما سمعت الأنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح، فإن رسول الله(ص)قد أغضب، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي(ص)لا

تري منهم إلا الحدق، حتي أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة، حتي تضايقت بهم أبواب المسجد والسكك!! ثم قاموا بين يدي رسول الله(ص)فقالوا: يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا عترته. فلما رأي النفر من قريش ذلك قاموا إلي رسول الله(ص)فاعتذروا وتنصلوا!! فقال رسول الله (ص): الناس دثارٌ والأنصار شعار، فأثني عليهم وقال خيراً. انتهي.

وقال في الدر المنثور:2/335:

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله(ص)وهو غضبان محمار وجهه، حتي جلس علي المنبر فقام إليه رجل فقال: أين آبائي؟ قال في النار! فقام آخر فقال من أبي؟ فقال أبوك حذافة، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، إنا يا رسول الله حديثُ عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا!! فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

وقال في الدر المنثور:4/309:

وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب (رض)عن قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ؟ قال: كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شئ فقالوا يوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً في نسبنا، فأنزل الله ما قرأت.

ثم قال لي: إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد، ولكني أخشي عجب نفسه أن يذهب به. قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت، والله ما نقول إنه غيَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله(ص)أيام صحبته! فقال: يابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتي يبلغ قعرها فقد ظن

عجزاً! انتهي.

وراجع أيضاً: سنن ابن ماجة:1/546، ومسند أحمد:3/162 وص 177 وج 5/296 و303، وسنن البيهقي:4/286، ومصنف عبد الرزاق:11/379، وكنز العمال:4/443 وج 13/453

من مجموع هذه النصوص يصل الباحث إلي نتائج قطعية متعددة، نذكر منها:

أولاً - أن القرشيين لم يتركوا حساسيتهم من بني هاشم حتي بعد فتح مكة وإعلان إسلامهم! غاية الأمر أنهم استثنوا منهم شخص النبي صلي الله عليه وآله!

بل من حق الباحث أن يشك في هذا أيضاً، فالطلقاء أسلموا مهزومين تحت السيف! ولم يكونوا يستطيعون أن يتفوهوا بحرف علي شخص النبي صلي الله عليه وآله، وإلا كفروا وعرضوا أنفسهم لسيوف الأنصار!

ثانياً-أن القرشيين كانوا في حياة النبي صلي الله عليه وآله وفي عاصمته، وتحت لواء نبوته، وتحت سيوف الأنصار.. شرسين علي أسرته وعشيرته صلي الله عليه وآله، وكانت ألسنتهم بذيئة علي أصل النبي صلي الله عليه وآله وعشيرته، حتي ضجَّ من ذلك الأنصار، وجاؤوا يشكون إلي النبي صلي الله عليه وآله بذاءة قريش بحقه، طالبين منه معالجة هذه الألسنة المنافقة، أو إصدار أمر بتقتيلهم. وقد قال الهيثمي عن حديث شكوي الأنصار: رجاله رجال الصحيح!!

ثالثاً - أن الحوادث التي تكلم فيها القرشيون علي أسرة النبي صلي الله عليه وآله متعددة، فقد نقلت كتب الحديث منها أكثر من عشرة حوادث، ولا بد أن ما لم تنقله أكثر وأعظم!!

رابعاً - أن النبي صلي الله عليه وآله كانت حساسيته من هذا الموضوع عالية جداً، وكان رده دائماً شديداً، فهو يتعامل معه علي أنه موضوع ديني وليس موضوعاً شخصياً، لأن عدم الإيمان بأسرته الطاهرة، يساوق عدم الإيمان به صلي الله عليه وآله.

خامساً - أن إحدي الحوادث كانت كبيرة بذاتها، أو بالتراكم، فغضب الله

تعالي لغضب نبيه صلي الله عليه وآله، وأمره بالرد علي القرشيين (المسلمين الصحابة) وإتمام الحجة عليهم، وأنزل عليه جبرئيل ليكون إلي جانبه يوجهه ويجيبه عن أنساب القرشيين، وعن مستقبلهم في الجنة أو في النار!!!.

سادساً - أن النبي صلي الله عليه وآله أحضرهم في المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح، وخطب خطبةً نبويةً نارية بليغة عاصفة، صبَّ فيها الغضب الإلهي والنبوي علي القرشيين، وتحداهم في أنسابهم وأعمالهم ونواياهم! فلفُّوا رؤوسهم! واستغشوا ثيابهم! وعلا خنينهم وبكاؤهم! وكان ذلك أشد يوم عليهم!!!

فتدارك الموقف زعيمهم وتقدم وبرك علي قدمي النبي صلي الله عليه وآله! وقبلها! وبكي له! ليعفو عنهم! ولا يفضح أنسابهم! وعشائرهم! ولا يصدر عليهم حكمه بالقتل، أو بالحرمان من الحقوق المدنية حتي أداء الشهادة!! فسكت النبي صلي الله عليه وآله ولم يقل لهم كلمة قبول أو عفو! وهدأت عاصفة الانتقام النبوي في الدنيا!!

سابعاً - إنها قضيةٌ ضخمةٌ في الحساب العقائدي والفقهي والسياسي، تستحق الدراسة ووضع النقاط علي الحروف.. ولكن الخلافة القرشية تعرف كيف تتخلص منها، فتعتم عليها إن استطاعت، أو تحولها إلي مجد لقريش، ولا تسمح لبني هاشم أن يستفيدوا منها!

ومن أجل هذا كانت براعة الخليفة عمر في طريقة روايتها، ثم كانت براعة الرواة ومصنفي الصحاح في تجزئتها وتقطيع أوصالها وتغييب حقيقتها!

وهذه هي مهمة جيل ما بعد الأنبياء!!

أما عبد الله بن الزبير الزهري، فقد كان عنده عقدةٌ من بني هاشم مع أنهم أخوال أبيه! وقد اشتهر عنه أنه لم يكن يطيق ذكرهم، وأنه ترك حتي ذكر النبي صلي الله عليه وآله والصلاة عليه في خطبة الجمعة حتي لا تشمخ أنوف بني هاشم بزعمه!

والظاهر أن القرشيين ربَّوه علي كره بني هاشم منذ

كان غلاماً، وأن له مشاركة في قصة الغضب النبوي!

فقد روي عنه الهيثمي في مجمع الزوائد:8/215 افتراء عجيباً علي النبي في ذم أهل بيته صلي الله عليه وآله حيث حول كلام قريش الذي غضب منه النبي صلي الله عليه وآله وغضب منه الله تعالي من فوق عرشه كما رأيت.. إلي حديث مسند عن النبي صلي الله عليه وآله!!

قال الهيثمي: وعن عبد الله ابن الزبير عن النبي(ص)قال: مثلي ومثل أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في مزبلة. رواه الطبراني وهو منكر، والظاهر أنه من قول الزبير إن صح عنه، فإن فيه ابن لهيعة ومن لم أعرفه.

وعن ابن الزبير أن قريشاً قالت: إن مثل محمد مثل نخلة في كبوة. رواه البزار بإسناد حسن، وهذا الظن به.

براعة البخاري في تضييع القضية

المحدث العادي-فضلاً عن البخاري-يعرف أن هذا الحديث قصةٌ واحدةٌ كما ذكر صاحب فتح الباري، أو اثنتان في الأكثر.. وهنا تظهر براعة البخاري في اختراع العناوين لجعل قطعة الحديث تحتها، أو عقد باب مناسب لتغطية حقيقة الحديث!

ففي:1/31:

عقد له باباً باسم: باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأي ما يكره. فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ!

وفي/32:

جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمي الباب: باب من برك علي ركبتيه عند الإمام أو المحدث!

وفي/136:

وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بحجة أن خطبة النبي صلي الله عليه وآله النارية القاصعة كانت عند الزوال!

وفي:4/73:

جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء في قول الله تعالي وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.. بحجة أن الراوي قال: قام فينا النبي (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتي دخل أهل الجنة منازلهم

وأهل النار منازلهم!

وفي:7/157:

عقد له باباً باسم: باب التعوذ من الفتن! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الأمة عن الفتن الاتية، وأن عمر قال: رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً... نعوذ بالله من الفتن!

وفي:8/142:

عقد له باباً باسم: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالي: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ..!

وكان ينبغي له أن يسمي الباب: باب وجوب امتثال أمر النبي إذا أمر بالسؤال، وأن لا يربط الآية به، ولا يحشرها في هذا الموضوع أصلاً كما فعلت قريش، لأن موضوع الآية كراهة السؤال، وموضوع الحديث أمر النبي صلي الله عليه وآله المكرر المشدد لقريش أن يسألوه!

اللهم إلا يقصد البخاري بكراهة السؤال: كراهة إلحاح المعلم علي تلاميذه بقوله سلوني! فيكون الخطأ حينئذ من النبي صلي الله عليه وآله لأنه ألحَّ عليهم بالسؤال! ويكون موقف عمر تصحيحاً لخطأ النبي صلي الله عليه وآله كما هي عادته المشكورة!!

ماذا قال كبار الشراح؟

لا خبر عند شراح الصحاح بالقضية، فلا رأوا شيئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا، ولا شموا رائحة شيء يستوجب التساؤل والبحث!!

قال ابن حجر في فتح الباري:

قوله سئل النبي(ص)عن أشياء..كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة!

قوله قال رجل: هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء، القرشئ السهمي، كما سماه في حديث أنس الاتي.

قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولي شيبة بن ربيعة، سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح، وأغفله في الاستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين، ولا من صنف في المبهمات ولا في

أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية، لقوله فقال من أبي يا رسول الله؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي؟ قال سعد: نسبه إلي غير أبيه، بخلاف ابن حذافة! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة.

قوله فلما رأي عمر.. هو بن الخطاب..ما في وجهه، أي من الغضب، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلي الله، أي مما يوجب غضبك، وفي حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك علي ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، والجمع بينهما ظاهر، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ، ودل علي اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة.

تنبيه: قصر المصنف الغضب علي الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم مأمورٌ أن لا يقضي وهو غضبان، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان، لأن مقامه يقتضي تكلف الإنزعاج لأنه في صورة المنذر!!

وكذا المعلم إذا أنكر علي من يتعلم منه سوء فهم ونحوه، لأنه قد يكون أدعي للقبول منه، وليس ذلك لازماً في حق كل أحد، بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين. وأما الحاكم فهوبخلاف ذلك كما يأتي في بابه.

فإن قيل: فقد قضي عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال: أبوك فلان!

فالجواب: أن يقال أولاً، ليس هذا من باب الحكم!! وعلي تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة، فاستوي غضبه ورضاه، ومجرد غضبه من الشئ دالٌّ علي تحريمه أو كراهته، بخلاف غيره(ص).

قوله باب من برك: هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال: برك البعير إذا استناخ، واستعمل في الادمي مجازاً.

قوله خرج، فقام عبد الله بن

حذافة: فيه حذف يظهر من الرواية الأخري، والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه، فغضب!! فقال سلوني، فقام عبد الله.

قوله فقال رضينا بالله رباً..قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الاسئلة قد تكون علي سبيل التعنت أو الشك، فخشئ أن تنزل العقوبة بسبب ذلك! فقال رضينا بالله رباً الخ. فرضي النبي(ص)بذلك، فسكت!

قوله وقال سلوني: في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال: لا تسألوني عن شئ إلا بينته لكم.

وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم: فخرج ذات يوم حتي صعد المنبر، وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك، وأنه بعد أن صلي الظهر، ولفظه: خرج حين زاغت الشمس فصلي الظهر فلما سلم قام علي المنبر فذكر الساعة، ثم قال: من أحب (!) أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فذكر نحوه.

قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي؟ بين في حديث أنس من رواية الزهري اسمه، وفي رواية قتادة سبب سؤاله، قال فقام رجل كان إذا لاحي أي خاصم دعي إلي غير أبيه، وذكرت اسم السائل الثاني، وأنه سعد، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر.

وزاد في رواية الزهري الاتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار! ولم أقف علي اسم هذا الرجل في شئ من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه!

وللطبراني من حديث أبي فراس الاسلمي نحوه، وزاد: وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: في الجنة، ولم أقف علي اسم هذا الآخر.

ونقل بن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي(ص)قال في خطبته: لا يسألني أحد عن شئ إلا أخبرته، ولو

سألني عن أبيه، فقام عبد الله بن حذافة، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره، وفيه فقام سعد مولي شيبة فقال من: أنا يا رسول الله؟ قال أنت سعد بن سالم مولي شيبة. وفيه فقام رجل من بني أسد فقال: أين أنا؟ قال: في النار!! فذكر قصة عمر، قال فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ.. الآية.

ونهي النبي(ص)عن قيل وقال، وكثرة السؤال (؟!) وبهذه الزيادة يتضح أن هذه القصة سبب نزول: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، فإن المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة، فإنها بطريق الجواز أي لو قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لابيه، فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه، كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته علي هذا السؤال، كما تقدم في كتاب الفتن.

قوله: فلما رأي عمر ما بوجه رسول الله(ص)من الغضب.. بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وزاد في رواية سعيد بن بشير: وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر! وفي رواية موسي بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة: فغطوا رؤوسهم ولهم حنين..زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتي علي أصحاب رسول الله(ص)يوم كان أشد منه!

قوله: فقال إنا نتوب إلي الله عز وجل.. زاد في رواية الزهري: فبرك عمر علي ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة: فقام إليه عمر فقبل رجله وقال

رضينا بالله رباً فذكر مثله، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفي الله عنك فلم يزل به... حتي رضي.

وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي (ص)وشدة إشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لامر يعم فيعمهم، وإدلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل، وجواز الغضب في الموعظة، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شئ قد يظهر منه قرينة وقوعها، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفي الله عنك، وإلا فالنبي(ص) معفوٌّ عنه قبل ذلك.

قال ابن عبد البر: سئل مالك عن معني النهي عن كثرة السؤال، فقال: ما أدري أنهي عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل، أو عن مسألة الناس المال.

قال بن عبد البر: الظاهر الأول، وأما الثاني فلا معني للتفرقة بين كثرته وقلته، لا حيث يجوز ولا حيث لا يجوز.

قال: وقيل كانوا يسألون عن الشئ ويلحون فيه إلي أن يحرم. قال: وأكثر العلماء علي أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والاغلوطيات والتوليدات، كذا.

وقال النووي في شرح مسلم:8/291 في سبب غضب النبي صلي الله عليه وآله كما تصوره أو صوره:

قوله: رجل أتي النبي فقال كيف تصوم فغضب رسول الله(ص).. قال العلماء: سبب غضبه أنه كره مسألته، لأنه يحتاج إلي أن يجيبه ويخشي من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه، وكان يقتضي حاله أكثر منه!!

وقال في:15-16/111:

قوله: غطوا رؤوسهم ولهم خنين، هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة. وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون، قالوا: ومعناه

بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الانتحاب. قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الانف كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة، وقال الاصمعي: إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين. وقال أبو زيد: الخنين مثل الخنين وهو شديد البكاء.

قوله: فلما أكثر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقول: سلوني برك عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. فسكت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حين قال عمر ذلك. قال العلماء: هذا القول منه (صلي الله عليه وآله وسلم) محمولٌ علي أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالي.

قال القاضي: وظاهر الحديث أن قوله (صلي الله عليه وآله): سلوني إنما كان غضباً كما قال في الرواية الأخري سئل النبي (صلي الله عليه وآله) عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوني. وكان اختياره(ص)ترك تلك المسائل، لكن وافقهم في جوابها، لأنه لا يمكن رد السؤال، ولما رآه من حرصهم عليها!! والله أعلم.

وأما بروك عمر(رض) وقوله: فإنما فعله أدباً وإكراماً لرسول الله (صلي الله عليه وآله) وشفقةً علي المسملمين لئلا يؤذوا النبي (صلي الله عليه وآله) فيهلكوا!!

ومعني كلامه: رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالي وسنة نبينا محمد (صلي الله عليه وآله)واكتفينا به عن السؤال. ففيه أبلغ كفاية. انتهي.

وأنت تري أن ابن حجر والنووي غائبان عن كلام النبي صلي الله عليه وآله، وأن في كلامهما تهافتاً ونقاط ضعف كثيرة لا نطيل فيها.. وليس كلام غيرهما من الشراح أفضل، وإن كان فيه مادة مهمة لمن أراد أن يتتبع ملف القضية!

الحادثة في بعض روايات أهل البيت

قال النيشابوري في الفضائل/134:

عن سليم بن قيس يرفعه إلي أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا: قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: إني مررت بفلان يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! قال: فأتيت رسول الله صلي الله عليه وآله فذكرت ذلك له، فغضب غضباً شديداً، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح، لما رأوا من غضبه، ثم قال: ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي؟!! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول، وخصصتهم بما خصهم الله تعالي به، وفضل علياً عليهم بالكرامة وسبقه إلي الإسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي!

ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن الله سبحانه وتعالي خلق خلقه وفرقهم فرقتين، وجلعني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، حتي حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي، أنا وأخي علي بن أبي طالب....

أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي خير الوصيين، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين.

أيها الناس: أترجون شفاعتي لكم، وأعجز عن أهل بيتي؟!

أيها الناس: ما من أحد غداً يلقي الله تعالي مؤمناً لا يشرك به شيئاً إلا أجره الجنة، ولو أن ذنوبه كتراب الأرض.

أيها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلي لي الله عز وجل، فسجدت بين يديه ثم أذن لي في الشفاعة، لم أوثر علي أهل بيتي أحداً.

أيها الناس: عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي، وأكرموهم وفضلوهم، لا يحل لاحد أن يقوم لاحد غير أهل بيتي،

فانسبوني من أنا؟!

قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيدهم السلاح، وقالوا: نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتي نضرب عنقه؟!!

قال: أنا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب، ثم انتهي بالنسب إلي نزار، ثم مضي إلي إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، ثم مضي منه إلي نوح، ثم قال: أنا وأهل بيتي كطينة آدم عليه السلام نكاح غير سفاح!

سلوني، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه!

فقام إليه رجل فقال: من أنا يا رسول الله؟ فقال: أبوك فلان الذي تدعي إليه! قال فارتد الرجل عن الإسلام.

ثم قال صلي الله عليه وآله والغضب ظاهر في وجهه: مايمنع هذا الرجل الذي يعيب علي أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، أن يقوم ويسألني عن أبيه، وأين هو في جنة أم في نار؟!

قال فعند ذلك خشئ فلان علي نفسه أن يذكره رسول الله صلي الله عليه وآله ويفضحه بين الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عنا عفي الله عنك، أقلنا أقالك الله، أسترنا سترك الله، إصفح عنا جعلنا الله فداك. فاستحي النبي صلي الله عليه وآله وسكت، فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو ثم نزل صلي الله عليه وآله!!

وقال فرات الكوفي في تفسيره/392:

حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني

جعلت فداك بحديث أحدث واحتج به علي الناس. قالت: نعم أخبرني أبي أن النبي صلي الله عليه وآله كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين مرسوا أن يفرضوا لرسول الله صلي الله عليه وآله فريضة يستعين بها علي من أتاه، فأتوا رسول الله صلي الله عليه وآله وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها علي من أتاك.

قال: فأطرق النبي صلي الله عليه وآله طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم علي ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ، وإن أمرت به أعلمتكم.

قال: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك، وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي.

قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد المطلب!!

قال: فبعث رسول الله صلي الله عليه وآله إلي علي بن أبي طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعي إلي غير موإليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفي من والديه فليتبوأ مقعده من النار!!

قال: فقام رجل وقال: يا أبا الحسن مالهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتي رسول الله صلي الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله: ويلٌ لقريش من تأويلهن! ثلاث مرات. ثم قال: يا علي إنطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولي المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين.

ثم خرج رسول الله

صلي الله عليه وآله فقال: يا معشر قريش والمهاجرين والأنصار. فلما اجتمعوا قال: يا أيها الناس، إن علياً أولكم إيماناً بالله وأقومكم بأمر الله، وأوفاكم بعهد الله، وأعلمكم بالقضية، وأقسمكم بالسوية، وأرحمكم بالرعية، وأفضلكم عند الله مزية. ثم قال: إن الله مثَّل لي أمتي في الطين، وعلمني أسماءهم كما علَّم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته، وسألت ربي أن تستقيم أمتي علي علي من بعدي، فأبي إلا أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء. انتهي.

وقال محمد بن سليمان في المناقب:2/122:

عن عبد المطلب بن أبي ربيعة قال: قال العباس: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوا ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه ننكرها! فغضب رسول الله (صلي الله عليه وآله) غضباً شديداً، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتي يحبكم لله ورسوله. هكذا قال خالد قال أبو خليفة، فأما أبي فحدثناه عن يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبدالله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب (رض)قال: قلت: يا رسول الله.. فذكر نحوه أو مثله.

وقال في هامشه:

وروي أبوبكر ابن أبي شيبة في الحديث الأول والثالث من فضائل العباس من كتاب الفضائل تحت الرقم: 12259 والرقم: 12261 من كتاب المصنف::12/108 - 109 قال: حدثنا ابن فضيل، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث قال: حدثني عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل علي رسول الله(ص)وهو مغضب، فقال له رسول الله (ص): من أغضبك؟ قال: يا رسول الله مالنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟! قال: فغضب رسول

الله(ص) حتي احمر وجهه، وحتي استدر عرْق بين عينيه، وكان إذا غضب استدر العرق - فلما سري عنه قال: والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله. ثم قال: أيها الناس من آذي العباس فقد آذاني إنما عم الرجل صنو أبيه.

حدثنا ابن نمير عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحي مسلم بن صبيح قال: قال العباس: يا رسول الله إنا لنري الضغائن في وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم. فقال النبي (ص): لن يصيبوا خيراً حتي يحبوكم لله ولقرابتي، ترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب؟!

أقول: والحديث الأول رواه الحاكم في فضائل العباس من كتاب المستدرك: 3/332 قال: أخبرنا الشيخ أبوبكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيي بن يحيي وإسحاق بن إبراهيم وأبوبكر بن أبي شيبة قالوا:...

وأيضاً الأولان رواهما أحمد بن حنبل في مسند عبد المطلب بن ربيعة من كتاب المسند، ورواه عنه ابن كثير في تفسير آية المودة من سورة الشوري من تفسيره.

وقد روي الحافظ ابن عساكر معني الحديث بوجوه وأسانيد في ترجمة العباس من تاريخ دمشق، كما أورده أيضاً البدران في تهذيبه::7/239 فراجعهما.

وروي عمر بن شبه في عنوان: ذكر فضل بني هاشم... من تاريخ المدينة المنورة: 2/639 قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها! فغضب النبي غضباً شديداً فقال: والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله

حدثنا خلف بن الوليد قال: حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربيعه بنحوه.

حدثنا عمرو بن عون قال: أنبأنا بن عبدالله عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة قال: كنت جالساً عند رسول الله (ص)فدخل عليه العباس وهو مغضب فقال: يا نبي الله ما بال قريش إذا تلاقوا بينها فتلاقوا بوجوه مبشره وإذا لقونا لقونا بغير ذلك! قال: فغضب النبي(ص)حتي احمرَّ وجهه وقال: لا يدخل قلب رجال الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله.

وحدثنا عيسي بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: قال العباس: يا رسول الله إن قريشاً تتلاقي بينهما بوجوه لا تلقانا بها! فقال رسول الله (ص): أما إن الإيمان لا يدخل أجوافهم حتي يحبوكم لي.

حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحي: عن ابن عباس قال: جاء العباس إلي رسول الله(ص)فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت! فقال رسول الله (ص): لن يبلغوا الخير - أو قال الإيمان - حتي يحبوكم لله لقرابتي، أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي. انتهي.

وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصاري و لم يسمحوا أن تشمل أسرته

شفاعة النبي صلي الله عليه وآله تتسع لكل المسلمين.. بل لكل الموحدين.. بل لكل الخلق.. هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنيين.. ولكن هذه المصادر عندما تصل إلي آباء النبي صلي الله عليه وآله وأسرته تختلف لهجتها! فالشفاعة لا تشملهم، بل هم في النار والعذاب.. وأحسنهم حالاً أبو طالب الذي (يشفع) له النبي صلي الله عليه وآله لأنه نصره، فلا تؤثر شفاعته فيه بسبب شرك أبي طالب وكثرة ذنوبه!

فيضعه الله تعالي في ضحضاح ماء ناري يغمر قدميه فيغلي منه دماغه!!

وفيما يلي نستعرض ما رواه السيوطي في تفسير قوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ. ولك أن تلاحظ التأثيرات القرشية علي هذه الروايات.

وينبغي أولاً أن نشير إلي أن مرحلة (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) هي المرحلة الأولي من دعوة النبي صلي الله عليه وآله وهي مرحلة الدعوة الخاصة لأقاربه بني هاشم، وقد استمرت هذه المرحلة عدة سنين، ثم بدأت عدها المرحلة العامة، عندما أمره الله تعالي بأن يصدع بدعوته لعامة الناس..

ولكن المؤرخين أتباع الخلافة القرشية يعتِّمون علي هذه المرحلة، أو يسمونها المرحلة السرية، أو مرحلة ما قبل دار الأرقم.. الخ. وقد أعطوا لدار الأرقم دوراً خيالياً لطمس حقيقة أن الدعوة الإلهية اختصت في مرحلتها الأولي ببني هاشم، وأنهم وحدهم حموا النبي صلي الله عليه وآله من فراعنة قريش، وقد فعل ذلك مسلمهم إيماناً، وكافرهم حميةً، وتحملوا جميعاً ماعدا أبي لهب قرار المقاطعة والحصار القرشئ ثلاث سنوات بل أربع سنوات..حتي فك الله حصارهم بمعجزة!!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/95:

قوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ..

أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل عن أبي هريرة (رض) قال لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، دعا رسول الله(ص)قريشاً وعم وخص، فقال:

يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا معشر بني عبد مناف

أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا بني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً، إلا أن لكم رحماً وسأبلها ببلالها.

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، جعل يدعوهم قبائل قبائل. انتهي.

ففي هذه الرواية (الصحيحة) في مصادرهم صار معني (عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) كل قريش! وصار تعبير (أَلأَقْرَبِينَ) غلطاً قرآنياً يلزم علي قريش أن تصححه! لأنه لم يبق معني لعشيرته الأبعدين والأوسطين!

وصار أول ما قاله النبي صلي الله عليه وآله لهم: إن قرابتي لا تنفعكم وشفاعتي لا تنالكم! وصار كل القرشيين أرحام النبي الذين وعدهم بصلة الرحم والشفاعة يوم القيامة!

ولكن هذا الكلام يناسب منطق النبي صلي الله عليه وآله بعد انتصاره وفتحه مكة مثلاً، ولا يناسب بداية نبوته ودعوته عشيرته الأقربين للتوحيد والإسلام! وقد ورد شبيهٌ لذلك عند فتح مكة.

غير أن القرشيين يريدون سلب أي امتياز أعطاه الله ورسوله لبني هاشم، فالامتيازات لقريش كلها، لا لبني هاشم! وفي نفس الوقت يريدون خلط أنفسهم بعشيرة النبي صلي الله عليه وآله والإستفادة من قرابته أمام العالم!

وقد استفادوا منه فعلاً في مقابل الأنصار في السقيفة، وقامت خلافة أبي بكر وعمر علي حق (قرابتهما) من النبي صلي الله عليه وآله! بل تجرأ رواة القرشيين ووضعوا علي لسان النبي صلي الله عليه وآله أن عشيرته الأقربين هم كل قريش!

قال في الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أن النبي(ص)ذكر قريشاً فقال: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، يعني قومي!

وفي

مسند أحمد:2/333:

عن أبي هريرة قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، جعل يدعو بطون قريش بطناً بطناً يا بني فلان أنقذوا أنفسكم من النار.. حتي انتهي إلي فاطمة فقال: يا فاطمة ابنة محمد، أنقذي نفسك من النار، لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها.

ولكن روايات أخري فلتت منهم واعترفت بأن عشيرته الاقربين تعني بني هاشم فقط!

قال في الدر المنثور:5/98: قوله تعالي: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ.. الآيتين، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، بدأ بأهل بيته وفصيلته، فشق ذلك علي المسلمين فأنزل الله: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ. انتهي.

فالرواية تعترف بأن عشيرته الاقربين هم أهل بيته وفصيلته، لكنها تجعل الآية التي بعدها لبقية المسلمين! ولكن من هم المسلمون الذين شق عليهم ذلك! وهل كان يوجد مسلم من غير بني هاشم عند نزول الآية؟!

لقد كان الأولي بالرواية أن تقول: شقَّ ذلك علي قريش قبل إسلامها، وبعد أن اضطرت للدخول في الإسلام، فجعلت خلافة النبي صلي الله عليه وآله إرثاً لها دون بني هاشم!

روايات أخري غير منطقية أيضا

من عادة المفسرين عندما يصلون إلي آية في حق أهل البيت (عليهم السلام) أن يحشدوا الآراء والإحتمالات والروايات المتناقضة فيها، ليضيعوا بذلك مناقب عترة نبيهم صلي الله عليه وآله! ومما حشده المفسرون هنا:

ما رواه السيوطي في الدر المنثور:5/96 قال:

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة (رض): وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، قال ذكر لنا أن نبي الله(ص)نادي علي الصفا بأفخاذ عشيرته فخذاً فخذاً يدعوهم إلي الله فقال في ذلك المشركون: لقد بات هذا الرجل يهوت منذ الليلة.

قال وقال الحسن (رض): جمع نبي الله(ص)أهل بيته قبل موته فقال: ألا إن لي عملي

ولكم عملكم، ألا إني لا أغني عنكم من الله شيئاً، ألا إن أوليائي منكم المتقون، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتون بالدنيا تحملونها علي رقابكم، ويأتي الناس يحملون الآخرة. يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد إعملا فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً. انتهي.

أما رواية قتادة فإن النداء علي الصفا يناسب المرحلة العامة التي أمر النبي فيها أن يصدع بالدعوة لكل الناس.. أما إنذار عشيرته الخاصين الذين كان عدد رجالهم أربعين نفراً فيناسبه أن يدعوهم إلي طعام ويحدثهم كما ورد في الروايات المعقولة.

وأما رواية قتادة عن الحسن البصري إن صحت فلا علاقة لها بالموضوع، لأنها عند وفاته صلي الله عليه وآله والآية نزلت في أول بعثته!

ومع أن الحسن البصري غلامٌ فارسي، فهو مع قبائل قريش وحساسيتها ضد أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله ويريد أن يقول بهذه الرواية إن النبي صلي الله عليه وآله كان يخاف من حرص ابنته فاطمة وعمته صفية وعترته علي الدنيا، ولذلك جمعهم وحذرهم!

وقال في الدر المنثور:5/96:

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله(ص)قال: يا بني هاشم ويا صفية عمة رسول الله، إني لا أغني عنكم من الله شيئاً، إياكم أن يأتي الناس يحملون الآخرة وتأتون أنتم تحملون الدنيا، وإنكم تردون علي الحوض ذات الشمال وذات اليمين، فيقول القائل منكم يا رسول الله أنا فلان ابن فلان، فأعرف الحسب وأنكر الوصف، فإياكم أن يأتي أحدكم يوم القيامة وهو يحمل علي ظهره فرساً ذات حمحمة، أو بعيراً له رغاء، أو شاة لها ثغاء، أو يحمل قشعاً من أدم، فيختلجون من دوني، ويقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك! فطيبوا نفساً وإياكم

أن ترجعوا القهقري من بعدي!

قال عكرمة (رض): إنما قال لهم رسول الله(ص)هذا القول حيث أنزل الله عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ انتهي.

ومع أن عكرمة غلامٌ لابن عباس الهاشمي، لكنه معروفٌ ببغضه لعترة النبي صلي الله عليه وآله حتي أنه انضم إلي الخوارج. وهو بهذا التفسير يقول إن علياً وفاطمة وعترة النبي انحرفوا بعد النبي صلي الله عليه وآله ورجعوا بعده القهقري! لانهم عارضوا خلافة قريش ولم يطيبوا نفساً عن الخلافة لقريش، ولذلك سوف يمنعون من ورود الحوض، ولا تنالهم شفاعة النبي صلي الله عليه وآله

لقد أخذ عكرمة عبارات النبي صلي الله عليه وآله التي روت الصحاح أنه قالها عن صحابته الذين يرتدون من بعده ويمنعون من ورود حوضه يوم القيامة، وجعلها لعشيرة النبي صلي الله عليه وآله الأقربين، ثم ادعي عكرمة أن النبي كان يعرف هذا الإنحراف من أول يوم أمره الله تعالي أن ينذر عشيرته الأقربين!

وقد روي السيوطي نفس مضمون عكرمة عن أبي أمامة أيضاً.

ثم قال في الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر والديلمي عن عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء يحدث الناس ويفتيهم وولده وأهل بيته جلوس في جانب الدار يتحدثون، فقيل له: يا أبا الدرداء ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل بيتك جلوس لاهين؟! فقال: إني سمعت نبي الله(ص)يقول: إن أزهد الناس في الأنبياء وأشدهم عليهم الأقربون! وذلك فيما أنزل الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ.. إلي آخر الآية. انتهي.

فهؤلاء الرواة الشاميون يريدون أن يقولوا علي لسان أبي الدرداء: إن أولاد النبي وعترته صلي الله عليه وآله كانوا لاهين عن علمه كأولاد أبي الدرداء! وإن بني هاشم كانوا أشد الناس علي النبي صلي الله

عليه وآله فقد كذبوه وأرادوا قتله، وحاصروه في شعب بني أمية!! لكن القرشيين حموه من بني هاشم، وتحملوا معه الحصار أربع سنوات، فحق لهم أن يرثوه ويحكموا من بعده، خاصة آل أبي سفيان الكرام!!

ويطول بنا الكلام إذا أردنا أن ننقد كل ما رووه في تفسير هذه الآية، وكيف جردوا عترة النبي وعشيرته الاقربين صلي الله عليه وآله من كل فضيلة، وحرموهم من كل امتياز أعطاهم إياه الله تعالي ورسوله!

ولكنا نشير هنا إلي أن الرواة خلطوا عن عمد وبعضهم عن جهل بين أربع حوادث: الأولي: نزول الآية وبداية إنذار النبي صلي الله عليه وآله لبني عبد المطلب بدعوتهم إلي طعام.

والثانية: مرحلة الإنذار العام عندما صعد النبي صلي الله عليه وآله علي الصفا في المرحلة الثانية من الدعوة، ونادي واصباحاه، وبدأ يدعو قريشاً والعالم.

والثالثة: عندما دخل النبي صلي الله عليه وآله مكة فاتحاً، وخضع له أبو سفيان وبقية أئمة الكفر من قريش، وأحس بعض بنو عبد المطلب بالنصر والفخر، وامتلات قلوب القرشيين حسداً لهم، وتفكيراً في مرحلة ما بعد النبي صلي الله عليه وآله.

والرابعة: في مرض وفاته صلي الله عليه وآله عندما شكي له بنو هاشم ما يحسونه من خطر قبائل قريش عليهم من بعده وتحالفهم علي إبعادهم.

وإليك أهم ما بقي من روايات السيوطي المخلوطة في تفسير آية الاقربين:

قال في الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردويه عن البراء قال لما نزلت علي النبي (ص): وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، صعد النبي(ص)ربوةً من جبل فنادي: يا صباحاه، فاجتمعوا فحذرهم وأنذرهم، ثم قال: لا أملك لكم من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئاً. انتهي.

وأخرج مسدد ومسلم والنسائي وابن جرير والبغوي في معجمه والباوردي والطحاوي وأبو عوانة وابن قانع والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن قبيصة بن مخارق وزفير بن عمرو قالا: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، انطلق رسول الله(ص)إلي ربوة من جبل فعلا أعلاها حجراً ثم قال: يا بني عبد مناف إني نذير لكم، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأي العدو فانطلق يريد أهله فخشئ أن يسبقوه إلي أهله، فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه، أُتيتم أُتيتم.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن مردويه عن أبي موسي الأشعري قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، وضع رسول الله (ص) اصبعيه في أذنيه ورفع صوته وقال: يا بني عبد مناف يا صباحاه.

وأخرج ابن مردويه عن الزبير بن العوام قال: لمانزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، صاح علي أبي قبيس: يا آل عبد مناف إني نذير فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم.

وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، ورهطك منهم المخلصين خرج النبي(ص)حتي صعد علي الصفا فنادي: يا صباحاه فقالوا: من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟

قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً.

قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: تبت يدا أبي لهب وتب. انتهي.

فهذه الروايات تناسب بداية مرحلة الدعوة العامة كما أشرنا، وقد

جعلوها لمرحلة الدعوة الخاصة ببني هاشم، وذكروا فيها فاطمة الزهراء عليها السلام قبل ولادتها!!

أما الرواية اليتيمة المعقولة التي رواها السيوطي فهي حديث الدار المعروف..

قال في الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طرق عن علي (رض) قال: لما نزلت هذه الآية علي رسول الله (ص): وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، دعاني رسول الله(ص)فقال: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أري منهم ما أكره، فصمتُّ عليها حتي جاء جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عِسَّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتي أكلمهم وأبلغ ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي(ص)بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتي نهلوا عنه، ما تري إلا آثار أصابعهم! والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم!

ثم قال: إسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتي رووا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله!

فلما أراد النبي(ص)أن يكلمهم بدره أبولهب إلي الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي(ص).

فلما كان الغد قال: ياعلي إن هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول فتفرق القوم

قبل أن أكلمهم، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالامس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالامس، فأكلوا وشربوا حتي نهلوا، ثم تكلم النبي (ص) فقال:

يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئنكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني علي أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سناً: إنه أنا، فقام القوم يضحكون. انتهي.

ورواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب، قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، جمع رسول الله(ص)بني عبدالمطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، منهم العشرة يأكلون المسنة ويشربون العس... الخ. انتهي.

- وقد روي المحدثون ومؤرخو السيرة هذا الحديث، لكن السيوطي بتره هنا ولم يذكر بقية كلام النبي صلي الله عليه وآله.. وهو أسلوب دَأَبَ رواة خلافة قريش علي ارتكابه ضد عترة النبي وأسرته صلي الله عليه وآله، والسبب في ذلك أن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلك اليوم أن يختار وزيراً وخليفة من عشيرته الأقربين!

قال الأميني في الغدير:1/207:

وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتي يتبين الرشد من الغي، قال في تاريخه:2/217 من الطبعة الأولي: إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالي أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لاحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا.

قال: فقام

القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!!

وقال الأميني في:2/279:

وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفي 240 في كتابه نقض العثمانية وقال: إنه روي في الخبر الصحيح.

ورواه الفقيه برهان الدين في (أنباء نجباء الأبناء)/ 46 - 48 وابن الاثير في الكامل 2/24 وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه:1/116 وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض: 3/37 (وبتر آخره) وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره/390 والحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه:6/392 نقلا عن الطبري وفي/397 عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي. وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3/254. انتهي.

ثم شكا صاحب الغدير من تحريف الذين حرفوا الحديث لارضاء قريش، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه، ولكن أبهم كلام النبي صلي الله عليه وآله في حق علي (رض) فقال: ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا. وتبعه علي ذلك ابن كثير في البداية والنهاية 3/40 وفي تفسيره 3/351

وقال في مناقب آل أبي طالب:1/305 وما بعدها:

وأما بيعة العشيرة، قال النبي صلي الله عليه وآله: بعثت إلي أهل بيتي خاصة، وإلي الناس عامة

وهذا النص النبوي هو أصح تفسير لقوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ.

وقد ذكر في المناقب أن السيد الحميري نظم هذه المنقبة لبني هاشم فقال:

وقيل له أنذر عشيرتك الآلي وهم من شباب أربعين وشيبِ

فقال لهم إني رسول اليكم ولست أراني عندكم بكذوب

وقد جئتكم من عند رب مهيمن جزيل العطايا للجزيل وهوب

فأيكم يقفوا مقالي فأمسكوا

فقال ألا من ناطق فمجيبي

ففاز بها منهم عليٌّ وسادهم وما ذاك من عاداته بغريب

وله أيضاً:

ويوم قال له جبريل قد علموا أنذر عشيرتك الادنين إن بصرو

فقام يدعوهم من دون أمته فما تخل_ف عنه منهم بش_ر

فمنهم آكلٌ في مجلس جذعاً وشاربٌ مثل عس وهو مختفر

فصدهم عن نواحي قصعة شبعاً فيها من الحب صاع فوقه الوزر

فقال يا قوم إن الله أرسلني اليك_م فأجيب_وا الله وادَّكِ_رو

فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي إني نبي رسول فانبري غُ_دَرُ

فق__ال تب_اً أتدع_ونا لتلفتن_ا عن ديننا ثم قام القوم فانشمرو

من الذي قال منهم وهو أحدثهم سناً وخيرهم في الذكر إذ سطرو

آمنت بالله.. قد أعطيتَ نافلةً لم يعطها أحد جنٌّ ولا بش_ر

وإن م_ا قلت_ه ح_قٌّ وإنه__م إن لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسرو

ففاز قدماً بها والله أكرم_ه فكان سباق غايات إذا ابتدرو

وقال دعبل:

سقي__اً لبيع__ة أحم__د ووصي__ه أعني الإمام ولينا المحسود

أعني الذي نصر النبي محمداً قبل البرية ناشياً ووليد

أعني الذي كشف الكروب ولم يكن في الحرب عند لقائها رعديد

أعني الموحد قبل كل موحد لا عابداً وثناً ولا جلمود

وقال في هامش بحار الأنوار:32/272:

وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلي الله عليه وآله بأمر من الله عز وجل في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ...

راجع تاريخ الطبري 2 - 321 كامل ابن الاثير 2 - 24 تاريخ أبي الفداء 1 - 116 والنهج الحديدي 3 - 254 مسند الإمام ابن حنبل 1 - 159 جمع الجوامع ترتيبه 6 - 408 كنز العمال 6 - 401.

وهذه المؤاخاة مع أنها كانت بأمر الله عزوجل إنما

تحققت بصورة البيعة والمعاهدة (الحلف) ولم يكن للنبي صلي الله عليه وآله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفة غيره ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه كمؤازرة هارون لموسي علي ما حكاه الله عزو جل في القرآن الكريم. ولذلك تري رسول الله صلي الله عليه وآله حين يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكة فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه وشكله: يؤاخي بين عمر وأبي بكر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولي أبي حذيفة، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي (راجع سيرة ابن هشام 1-504 المحبر 71-70 البلاذري 1/270)

يقول لعلي عليه السلام: والذي بعثني بالحق نبياً ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي وأنت معي في قصري في الجنة. ثم قال له: وإذا ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولا يدعيها بعدي إلا كاذب مفتر (الرياض النضرة 2-168 منتخب كنز العمال 5-45 و 46).

ولذلك نفسه تراه صلي الله عليه وآله حينما عرض نفسه علي القبائل فلم يرفعوا إليه رؤسهم ثم عرض نفسه علي بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أني أخذت هذا الفتي من قريش لأكلت به العرب ثم قال لرسول الله: أرأيت إن بايعناك علي أمرك ثم أظهرك الله علي من خالفك أيكون لنا

الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلي الله يضعه حيث يشاء! قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه (راجع سيرة ابن هشام 1-424 الروض الأنف 1-264 بهجة المحافل 1-128 سيرة زيني دحلان 1-302 السيرة الحلبية 2-3). فلولا أنه صلي الله عليه وآله كان تعاهد مع علي عليه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عز وجل، قبل ذلك لَمَا ردهم بهذا الكلام المؤيس، وهو بحاجة ماسة من (..) نصرة أمثالهم. انتهي.

وختاماً فإن ما أوردناه يكفي لإثبات أن قبائل قريش كانت قبل الإسلام تحسد قبيلة بني هاشم حسداً إلي العظم، وأنها بعد إسلامها وخضوعها للنبي صلي الله عليه وآله ابن بني هاشم! لم تشف من هذا المرض، بل انتقل حسدها وحساسيتها إلي عشيرة النبي وعترته من أهل بيته صلي الله عليه وآله واتفقوا عزلهم سياسياً بعد النبي صلي الله عليه وآله.

وعلي هذا الأساس يجب علي المؤمن والباحث أن يكون حذراً في تصديق أحاديث المصادر القرشية في هذا الموضوع، وفي كل ما يتعلق ببني هاشم.. ومن ذلك الأحاديث التي تنفي وعد الرسول صلي الله عليه وآله لاسرته بالشفاعة الخاصة في الآخرة..

اغرب شفاعة اخترعها القرشيون لرئيس بني هاشم

كل مطلع علي سيرة النبي صلي الله عليه وآله يعرف أن عمه أبا طالب كان حاميه وناصره، وأنه بحمايته ونصرته استطاع أن يصدع بدعوته، وبحكمة أبي طالب ونفوذه المعنوي وقف الهاشميون في وجه قريش إلي جانب النبي صلي الله عليه وآله وصمدوا في حصار الشعب أربع سنوات، وبإخلاصه واستماتته في الدفاع عن النبي صلي الله عليه وآله أفشل الله أكثر خطط قريش في إهانة النبي وقتله.

ويعرف أن أبا طالب له ديوان شعر

نقلته مصادر السيرة والتاريخ وكله في تأييد النبي والإيمان به وفي ذم قادة المشركين الذين وقفوا ضده.. وأن رواة الخلافة القرشية لو وجدوا بيتين من الشعر لشخصية قرشية يحبونها من المعاصرين لأبي طالب لطبلوا بأحدهما وزمروا بالاخر واستخرجوا منهما عشرين دليلاً علي إيمانه.

ويتفق فقهاء المذاهب أن القاضي إذا شك في إسلام شخص متوفي، يكفيه لاثبات إسلامه إقراره أو شهادة شاهدين عاديين بأنه كان مسلماً.. ولكن إثبات إسلام أبي طالب لا يكفي له عندهم إقراراته الصريحة، ولا ألوف الشهود!

ثم إن أهل البيت أدري بما فيه والأبناء أعرف بآبائهم، وإن علياً وأبناءه الصادقين المصدقين الطاهرين المطهرين بنص القرآن، قد شهدوا بأن أبا طالب كان مسلماً مؤمناً يكتم إيمانه، وأن مَثَلَه مثَلُ مؤمن آل فرعون.. ولكن ذلك لم يكف أيضاً في نظر قريش لإثبات إسلام أبي طالب!

والسبب في كل هذا التشدد والتعنت أن قريشاً لا تريد إعطاء هذا الوسام لابي طالب، وعندها لذلك مبررات عديدة:

أولاً: أبو طالب بن عبد المطلب، هو رئيس بني هاشم وزعيم قريش بعد أبيه عبدالمطلب. وإذا أعطي هذا الوسام فإن أولاده أولي بملك ابن عمهم النبي محمد! صلي الله عليه وآله..ولا إخالك تقول هنا إن هذا منطق قبلي غير إسلامي، فإن نظام الخلافة الإسلامي إنما قام علي أساس القبلية، وإنما كانت حجة عمر وأبي بكر في السقيفة قرابتهما القبلية من محمد وأنه من قريش وقريش أولي بسلطانه!

فالمنطق الذي حكم بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وقامت عليه خلافة قريش هو المنطق القبلي وقد كان هو المنطق العام الحاكم عنند الجميع! لا يستثني منه إلا منطق النص الذي قال به أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، ولم يصغ لهم أحدٌ

إلا الاقلُّون عدداً!

ثانياً: إن شعر أبي طالب رضوان الله عليه ما زال يرنُّ في آذان قادة قريش!! وفيه لهم من التوبيخ والتعنيف لهم، ووصفهم بالحسد والبغي والجحود والكفر وقطيعة الرحم، والحقارة..وأسوأ الصفات!! فالإعتراف بإسلامه إعطاء شعره الصفة لشعره الذي نشر به غسيل قريش!

ثالثاً: إن أبا طالب والد علي، وعلي يطالب بخلافة النبي بالنص، وهو المعارض الأول لأن تكون خلافة محمد لكل قريش تدور بين قبائلها بقاعدة من غلب! وهذه المعارضة ذنبٌ يجب أن يدفع ثمنه عليٌّ وأولاده وأبوه أبو طالب!

والظاهر أن أكبر ذنب لابي طالب عندهم أنه والد علي..فلو كان والد معاوية لاحبته قريش وقالت عنه إنه أسلم وحسن إسلامه، وشملته شفاعة النبي صلي الله عليه وآله

فقد غفرت قريش لأبي سفيان ما لم يغفره الله ورسوله، ونسيت أنه إمام الكفر، ومحزب الأحزاب، والعدو اللدود الذي لم يلق سلاحه في وجه الإسلام إلا مكرهاً، ولم يسلم إلا مكرهاً! بل غفرت له قولته عندما وصلت الخلافة إلي بني أمية (تلقفوها يا بني أمية تلقُّفَ الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار)!

لهذه الأسباب وغيرها صدر حكم قريش بحق أبي طالب بأن حمايته للنبي صلي الله عليه وآله ودفاعه عنه وتحمله الشدائد من أجله واتصالاته بالقبائل ورسائله إليهم وإلي النجاشئ وعمله الدائب من أجل تمكين النبي من نشر دعوته..كل ذلك كان عصبيةً هاشميةً فقط، وأنه مات كافراً وليس له أي حق في وراثة النبي صلي الله عليه وآله وليس لأولاده أي امتياز بسبب حماية أبيهم للنبي، بل هم من قريش وقريش هي التي ترث سلطان محمد! وقد قال عمر للأنصار في السقيفة: نحن قومه وعشيرته فمن ذا ينازعنا سلطان محمد؟!

إنسجاماً مع هذه الثقافة تجد في مصادر السنيين أعجب الأحاديث عن أبي طالب، ولعل أعجبها علي الإطلاق حديث شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لهذا العم الذي أحبه ورباه وحماه وفداه بنفسه وأولاده..فشفع له النبي صلي الله عليه وآله ووضعه في مكان من جهنم يغلي منه دماغه!

قال البخاري في:7/203:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله(ص)وذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه!!

ورواه في:4/202 وروي نحوه أحمد في:1/290 وص 295 وص 206 وص 207 وج 3/9 وص 50 وص 55 والحاكم في:4/582 والبيهقي في البعث والنشور/59 والذهبي في تاريخ الإسلام:1/234 وغيره من مصادرهم. وقال ابن الاثير في النهاية:3/13: ضحضاح: الضحضاح: في الأصل مارق من الماء علي وجه الأرض وما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار.

وقال البخاري في:4/247:

باب قصة أبي طالب. حدثنا مسدد، حدثنا يحيي، عن سفيان، حدثنا عبد الملك، حدثنا عبد الله بن الحرث، قال حدثنا العباس بن عبد المطلب (رض): قال للنبي (ص): ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار!!

ورواه في: 7/121 وص 203 ورواه مسلم:1/135 ورواه أحمد في: 1/206 و207 و210 وج 3/50 و 55 قال: عن عباس بن عبد المطلب قال: يا رسول الله هل نفعت أباطالب بشئ فإنه قد كان يحوطك ويغضب لك! قال: نعم هو في ضحضاح من النار لولا ذلك لكان في الدرك الأسفل من النار. انتهي.

فهذه الرواية تريد بيان التأثير الكبير لشفاعة النبي صلي الله عليه وآله لعمه وأن أبا

طالب بالأساس يستحق الدرك الأسفل من النار مثل أبي لهب وأبي جهل وفراعنة قريش الذين كذبوا النبي وأرادوا قتله، والذين نص الله تعالي علي طغيانهم وعقابهم! فحماة الأنبياء في منطق هذه الأحاديث مثل أعدائهم، بل أسوأ حالاً منهم!

وقد رووا أن أبا طالب كان في طمطام من النار فخفف الله عنه! وطمطام النار هو وسطها الملتهب!

قال في مجمع الزوائد:1/118 عن لسان النبي صلي الله عليه وآله: وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه الي فجعله في ضحضاح من النار. انتهي.

لقد تحير علماء ثقافة قريش في هذا النوع من الشفاعة المخترعة، لأن الشفاعة إما أن يأذن بها الله تعالي لرسوله فيخلص المشفوع له من النار ويدخله الجنة، وإما أن لا يأذن بها فيبقي الشخص في مكانه في النار..وما ذكرته أحاديث الضحضاح ليس بشفاعة! ولكنهم ابتكروا له اسماً خاصاً وهو شفاعة التخفيف والنقل من الدرك الاسفل من النار إلي مستنقع من النار وضحضاحها!

قال القسطلاني في إرشاد الساري:9/328:

الشفاعات كما قال عياض خمسة، وقد زاد سادسة هي التخفيف عن أبي طالب. انتهي.

ثم احتاط القسطلاني لئلا يقال كيف تسمون الضحضاح شفاعة؟ فقال هي شفاعة مجازية وليست حقيقية!

قال في إرشاد الساري:9/324: إن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي (ص) والذب عنه، جوزي بالتخفيف، وأطلق علي ذلك شفاعة! انتهي.

وهكذابالغ النبي بزعم رواة قريش في إكرام عمه كما بالغ عمه في إكرامه!!

علي أن مقصود القرشيين من رواية الضحضاح قد يكون تشديد العذاب علي أبي طالب لا تخفيفه، فيكون ما تصوره النووي من المبالغة في إكرام أبي طالب مبالغةً في عذابه! فقد روت مصادر الثقافة القرشية أن العذاب

في الضحضاح أشد من بقيتها!

قال السيوطي في الدر المنثور:4/127:

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار، فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب كأنهن البغال الدهم، وأفاع كأنهن البخاتي، فضربنهم، فذلك الزيادة!

بماذا يفسرون قول النبي سأبلها ببلاله

لم يقنع حديث الضحضاح المسلمين بعدم شمول شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لعمه الحبيب أبي طالب، خاصةً أن رواة الضحضاح رووا أن أبا طالب له رحم مع النبي صلي الله عليه وآله وأن النبي وعد أنه سيبلها ببلالها، فهل لهذا الوعد تفسيرٌ إلا الشفاعة؟ وهل يسمي وضع أبي طالب في ضحضاح من نار بلالاً من النبي لرحمه؟!

والطريف أن البخاري نقل حديثاً عن عمرو بن العاص (وزير معاوية) تبرأ فيه النبي من آل أبي طالب وأعلن قطع الولاية والرحم بينه وبينهم! وفي نفس الحديث وعدٌ من النبي أن يبل رحمهم ببلالها!!

قال البخاري في:7/73: الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. باب يبل الرحم ببلالها. عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي(ص)جهاراً غير سر يقول: إن آل (أبي طالب) قال عمر وفي كتاب محمد بن جعفر بياض، ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين. زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (ص): ولكن لهم رحمٌ أبلها ببلاها، يعني أصلها بصلتها. قال أبو عبدالله (أي البخاري) ببلاها كذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها لا أعرف له وجهاً. وروي نحوه مسلم في:1/133 والترمذي:5/19 والنسائي:6/248-250 وأحمد:2/360 وص 519

وفي بعض رواياتهم توجه الوعد النبوي إلي أبي طالب خاصة، كما في كنز العمال:12/152: إن لابي طالب عندي رحماً سأبلها

ببلالها (ابن عساكر عن عمرو ابن العاص). وراجع كنز العمال:16/10 وج 12/42

ومعني بلال الرحم: صلتها حتي ترضي. قال الجوهري في الصحاح: 4/1639: ويقال أيضاً: في سقائك بلال أي ماء... ومنه قولهم: إنضحوا الرحم ببلالها أي صلوها بصلتها وندوها... ويقال أيضاً: لا تبلك عندي بلال مثال قطام قالت ليلي الاخيلية:

فلا وأبيك يا ابن أبي عقيل تبلك بعدها عندي بلال

وقال في الصحاح:5/1929: والرحم أيضاً: القرابة والرحم بالكسر مثله.

قال الأعشي: أما لطالب نعمة يممتهاووصال رحم قد بردت بلاله

وقال في الدرجات الرفيعة/514:

إن المكارم أصبحت لهفانةً حرَّي وأنت بلالها وبليله

وإذا المكارم ذللت أو ضللت يوماً فأنت دلالها ودليله

وقال ابن الاثير في البداية والنهاية:3/51: سأبلها ببلائها: وفي البيهقي ببلالها: معناه سأصلها. شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة. ومنه بلوا أرحامكم: أي صلوها. انتهي.

والنبي صلي الله عليه وآله عندما استعمل هذا التعبير ووعد هذا الوعد كان يعرف أن معني بلال الرحم عند العرب إكرام القريب بسخاء حتي يرضي وفوق الرضا، فهو صلي الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد، وأعرف الناس بمعانيها.

لهذا يبقي السؤال للبخاري وكافة علماء الخلافة القرشية: إذا وعد نبي أسرته وأهل بيته بأنه سيصل رحمهم ويرضيهم، فكيف تتعقلون أنه يجعل عمه العزيز عليه منهم الذي له عليه فضل خاص، في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟!

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

لعل الراوي الاساسي لحديث ضحضاح النار هو المغيرة بن شعبة الثقفي، ثم أخذه عنه الآخرون، أو نسب إليهم.. وسبب إسلام المغيرة أنه كان في سفر في تجارة مع عدد من رفقائه الثقفيين من أهل الطائف، فغدر بهم وقتلهم جميعاً وسرق أموالهم، وفر إلي المدينة و... أسلم! وهو معروف بدهائه وفساد

أخلاقه، وبغضه لعلي عليه السلام وبني هاشم، وتاريخه مدونٌ معروف!

ولا يبعد أن يكون أخذ تعبير (الضحضاح) من حديث ضحضاح النور الذي ورد في حق أهل البيت (عليهم السلام) فجعله ضحضاح نار لأبي طالب!

فقد روي الشيخ الطوسي في الغيبة/147 قال: وأخبرنا جماعة عن التلعكبري، عن أبي علي أحمد بن علي الرازي الأيادي قال: أخبرني الحسين بن علي، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن أحمد بن محمد الخليلي، عن محمد بن صالح الهمداني، عن سليمان بن أحمد، عن زياد بن مسلم، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سلام قال: سمعت أبا سلمي راعي النبي صلي الله عليه وآله يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: سمعت ليلة أسريَ بي إلي السماء قال العزيز جل ثناؤه: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه. قلت: والمؤمنون. قال: صدقت يا محمد... إني اطلعت علي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك إسماً من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا وذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلي وهو علي. يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده أشباح نور من نوري، وعرضت ولايتكم عليالسماوات وأهلها وعلي الأرضين ومن فيهن، فمن قبل ولايتكم كان عندي من المقربين ومن جحدها كان عندي من الكفار الضالين.

يا محمد لو أن عبداً عبدني حتي ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتي يقر بولايتكم.

يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب قال التفت عن يمين العرش فالتفتُّ فإذا أنا بأشباح علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة كلهم حتي

بلغ المهدي، في ضحضاح من نور قيام يصلون والمهدي في وسطهم كأنه كوكب دري، فقال لي: يا محمد هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، فوعزتي وجلالي إنه حجةٌ واجبة لاوليائي منتقمٌ من أعدائي. انتهي.

ورواه فرات الكوفي في تفسيره/74 عن الإمام الباقر 7 وقال في هامشه: وأخرجه الحمويني في الفرائد 2-571 ط 1 والخوارزمي في مقتله والطوسي في الغيبة وصاحب المقتضب كما في البرهان بأسانيدهم إلي أبي سلمي راعي إبل رسول الله صلي الله عليه وآله قال سمعته يقول... (مثله تقريباً). وأخرج صدره القاضي أبو جعفر الكوفي في المناقب ح 130 وأورده بكامله مع تاليه العلامة المجلسي في البحار 37-82 انتهي. ورواه ابن شاذان في المنقبة السابعة عشرة من مناقب علي 7. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:15/247 وج 18:18/297 وج 26/301

محاولتهم التخلص من الوعد النبوي لبني هاشم

وجد المفسرون للثقافة القرشية أن أحسن طريقة للتخلص من الوعد النبوي الذي انتشرت روايته في الناس، أن يبعدوه عن الآخرة كلياً، ويقولوا إنه ليس وعداً بالشفاعة!

قال ابن الاثير في النهاية:1/153: سأبلها ببلالها: أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئاً، والبلال جمع بلل. انتهي.

ولكن ذلك لا يصح:

أولاً، لأنه ورد في سياق حديث النبي صلي الله عليه وآله عن الآخرة وإنقاذ النفس من النار فالأصل أن يكون هذا استثناء متصلاً من موضوع الحديث ومصبه، لا من خارجه!

وثانياً، أن الحديث في مقام نفع نسبه وسببه صلي الله عليه وآله في الآخرة وقد صح عند الجميع أنه النسب الوحيد الذي لا ينقطع يوم القيامة. وتقدمت روايته عن عمر أن النبي: قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع؟! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة

في الدنيا والآخرة!

وثالثاً، لم يكن النبي يملك دنياً عند نزول أمره تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، حتي يعد أقاربه بها، بل لا معني لوعده إياهم في ذلك الوقت حتي بالشفاعة في الآخرة، لأنه في مرحلة عرض الإسلام عليهم..وهذا مما يضعف الرواية بأن هذا الوعد النبوي صدر عند نزول الآية.

ورابعاً، أنهم رووا هذا الحديث بشأن أبي طالب بعد وفاته كما تقدم في كنز العمال عن ابن عساكر وغيره، فهل وعده النبي بأن يعطيه مالاً بعد وفاته! أم وعد بأن يعطي ذريته ثروة فلم يعطهم وتركهم فقراء!

وخامساً، رووا في نفس هذا الوعد أن النبي صلي الله عليه وآله خاطب كل قريش ووعدهم ببلال الرحم، فإن قالوا إنه وعدٌ بإعطائهم مالاً في الدنيا دون الآخرة، لزم أن لا تشمل شفاعة النبي صلي الله عليه وآله أحداً من قريش أبداً!، فهل يلتزمون بذلك!

قال النووي في المجموع:15/356:

وأخرج الشيخان عن أبي هريرة واللفظ لمسلم (لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، دعا رسول الله(ص)قريشاً فاجتمعوا، فعم وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) وفي هذا دليل علي أن كل من ناداهم النبي(ص)يطلق عليهم لفظ الأقربين، لانه(ص)فعل ذلك ممتثلاً لقوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، وهو دليل علي صحة ما ذهب إليه الشافعي (رض) من دخول النساء لذكره فاطمة، ودخول الكفار.انتهي.

وسادساً، رووا أحاديث

عديدة صرحت بالوعد النبوي بالشفاعة في الآخرة، كالذي رواه الحاكم في:3/568 ورواه مجمع الزوائد:1/88 وكنز العمال: 12/41: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتي يحبكم لحبي! أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب؟! انتهي.

بل روي في كنز العمال:12/100 أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله مخصوصةٌ بمن أحب أهل بيته، قال: شفاعتي لامتي، من أحب أهل بيتي وهم شيعتي! انتهي.

وبذلك يتضح أن محاولة إبعاد وعد النبي صلي الله عليه وآله لبني هاشم عن الشفاعة.. محاولة مردودة، بل مشبوهة.

عمل المعروف ينجي الكفار من النار إلا أبا طالب

روي ابن ماجة في سننه:2/496:

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): يُصَفُّ الناس يوم القيامة صفوفاً، وقال ابن نمير أهل الجنة، فيمر الرجل من أهل النار علي الرجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة؟ قال فيشفع له. ويمر الرجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً؟ فيشفع له. قال ابن نمير ويقول: يا فلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له. انتهي.

والرجل من (أهل النار) يعني الكافر أو يشمل الكافر الذي قدم خدمة ولو صغيرة للمسلم.. فإذا كانت مكانة المسلم العادي كبيرة عندالله تعالي بحيث يشفِّعه في من قدم له خدمة ولو بسيطة، فكيف بخدمات أبي طالب لأفضل الخلق صلي الله عليه وآله!

ويؤيد حديث ابن ماجة ما رواه السيوطي في الدر المنثور:2/249: عن ابن مسعود قال قال رسول الله(ص)في قوله: فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، قال: أجورهم يدخلهم الجنة، ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت لهم النار ممن صنع اليهم المعروف في الدنيا.

وما رواه في الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص):إذا

كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين، ثم أمر منادياً ينادي: ألا ليقم أهل المعروف في الدنيا، فيقومون حتي يقفوا بين يدي الله، فيقول الله: أنتم أهل المعروف في الدنيا؟ فيقولون نعم، فيقول وأنتم أهل المعروف في الآخرة، فقوموا مع الأنبياء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتي تدخلوا عليهم المعروف في الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا!

ويؤيده من مصادرنا مارواه المجلسي في بحار الأنوار:8/288

عن ثواب الأعمال للصدوق/163 قال: أبي، عن سعد، عن النهدي، عن ابن محبوب، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل رجلٌ مؤمن وكان له جارٌ كافر فكان يرفق بالمؤمن ويوليه المعروف في الدنيا، فلما أن مات الكافر بني الله له بيتاً في النار من طين، فكان يقيه حرها ويأتيه الرزق من غيرها، وقيل له: هذا بما كنت تدخل علي جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق، وتوليه من المعروف في الدنيا!

وقال المجلسي: هذا الخبر الحسن الذي لا يقصر عن الصحيح، يدل علي أن بعض أهل النار من الكفار يرفع عنهم العذاب لبعض أعمالهم الحسنة، فلا يبعد أن يخصص الآيات الدالة علي كونهم معذبين فيها لا يخفف عنهم العذاب، لتأيده بأخبار أخر.

وفي بحار الأنوار:8/41 عن ثواب الأعمال أيضاً/167:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلي النار والملك ينطلق به، قال فيقول له: يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافأة؟ فيقول المؤمن للملك المؤكل به: خلِّ سبيله، قال فيسمع الله قول

المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن، فيخلي سبيله. انتهي.

هذه الشفافية في الرحمة الإلهية وإكرامه تعالي لأنبيائه وعباده المؤمنين.. تتبخر عند قبائل قريش ورواتهم عندما يصلون إلي أسرة النبي صلي الله عليه وآله!

بل تتحول إلي قسوة وخشونة ينسبونها إلي الله ورسوله ضد هذه الأسرة التي جعل الله مودتها أجراً لتبليغ الإسلام، لأنه الضمانة الوحيدة لسلامة الإسلام!

احاديث نجت من الرقابة القرشية

مع كل المحاولات المتقدمة بقيت أحاديث عديدة، منها صحيح عندهم، استطاعت أن تعبر نقاط التفتيش، وتنجو من رقابة الثقافة القرشية الحاكمة، وفيما يلي نماذج منها:

تقدمت رواية الهيثمي في مجمع الزوائد:8/216 عن عمر وما قاله لصفية عمة النبي وما أجابه به النبي صلي الله عليه وآله فقد جاء فيها:

قال فغضب النبي(ص)وقال: يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع؟! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي! فإنها موصولة في الدنيا والآخرة! انتهي.

وقد حاولت رواية أن تعتذر عن قول الخليفة عمر هذا باتهام أم هاني أخت علي عليه السلام بأنها كانت متبرجة، فنهاها عمر عن ذلك، وقال لها ذلك القول! ولكن الظاهر أن حادثة أم هاني حادثة أخري غير حادثة صفية، وقد كان جواب النبي صلي الله عليه وآله فيها أيضاً حاسماً:

قال في مجمع الزوائد:9/257:

عن عبد الرحمن بن أبي رافع أن أم هاني بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها، فقال لها عمر بن الخطاب: إعملي فإن محمداً لا يغني عنك شيئاً، فجاءت إلي النبي(ص)فأخبرته به، فقال رسول الله (ص): ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي؟! وإن شفاعتي تنال حا وحكم!! وحا

وحكم قبيلتان. انتهي.

وذكرت مصادرنا كما في بحار الأنوار:93/219:

أن عمر قال لها: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله لاتنفعك شيئاً! فقالت له: هل رأيت لي قرطاً يا ابن اللخناء؟! ثم دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله فأخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله فنادي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لاتنفع! لو قمت المقام المحمود لشفعت في حاء وحكم! لايسألني اليوم أحد من أبواه إلا أخبرته! فقام إليه رجل فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: أبوك غير الذي تدعي له، أبوك فلان بن فلان! فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك الذي تدعي له! ثم قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما بال الذي يزعم أن قرابتي لاتنفع لا يسألني عن أبيه؟ فقام إليه عمر فقال: أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عني عفا الله عنك...

ونقل البيهقي في البعث والنشور/59:

حادثة ثالثة: عن أبي هريرة قال كانت امرأه من بني هاشم تحت رجل من قريش، فكان بينه وبينها شئ فقال لها ستعلمين والله أنه لا ينفعك قرابتك من رسول الله (ص) شيئاً! فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال رجال يزعمون أن قرابتي لا تنفع! وإني لترجو شفاعتي صدي أو سهلب!

وفي الانساب للسمعاني:1/30:

عن أبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي(ص)قال: أيها الناس مالي أوذي في أهلي؟! والله إن شفاعتي لتنال حاء وحكم وسلهب وصداء، تنالها يوم القيامة!

وسلهب في نسب اليمن من دوس. قال ابن إسحاق: هذا مما يصدق نسابة مضر أن هذه القبائل من معد.

وقال

الديلمي في فردوس الأخبار:4/399 ح 6683:

أبو سعيد: ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع؟! والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة.

وقال ابن الاثير في أسد الغابة:1/134:

عن شهر بن حوشب قال أقام فلانٌ (يقصد معاوية) خطباء يشتمون علياً رضي الله عنه وأرضاه ويقعون فيه حتي كان آخرهم رجلٌ من الأنصار أو غيرهم يقال له أنيس، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه، وإني أقسم بالله أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إني لاشفع يوم القيامة لأكثر مما علي الأرض من مدر وشجر، وأقسم بالله ما أحدٌ أوصل لرحمه منه، أفترون شفاعته تصل اليكم وتعجز عن أهل بيته؟! ورواه في مجمع الزوائد:9/170: عن شهر بن حوشب وفيه (أفيرجوها غيره ويقصر عن أهل بيته)

تاريخ المدينة:2/264:

حدثنا أبو حذيفة، قال حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العباس إلي رسول الله(ص)فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت. فقال رسول الله (ص): لن يبلغوا الخير - أو قال: الإيمان - حتي يحبوكم لله ولقرابتي! أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد، ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي! وروي نحوه في كنز العمال:13/512 وص 514

الدر المنثور:6/409:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهم قالوا: قدمت درة بنت أبي لهب مهاجرةً، فقال لها نسوة أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله تبت يدا أبي لهب، فذكرت ذلك للنبي(ص)، فخطب فقال: يا أيها الناس مالي أوذي في أهلي، فوالله إن شفاعتي لتنال بقرابتي حتي أن حكماً وحاء وصدا وسلهباً تنالها يوم القيامة بقرابتي!

ورواه في كنز العمال:13/644 عن فردوس الديلمي.

مجمع الزوائد:10/380:

باب في أول من يشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصار. انتهي.

ولو تتبعنا المصادر لوجدنا الكثير من هذه الأحاديث. وهي مليئة بالحقائق والفوائد، ونكتفي منها بما يلي:

أولاً: أن حديث (مالي أؤذي في أهل بيتي) أصله هنا، ولكن صار نصه في الصحاح (مالي أؤذي في أهلي) وصار أهله صلي الله عليه وآله بمعني زوجته عائشة، فقد ادعوا أن قصة الافك التي اتهم فيها المنافقون المؤمنة الطاهرة الغافلة مارية القبطية، كانت المتهمة فيها عائشة ورضوا هنا أن تكون عائشة من (المؤمنات الغافلات) اللواتي ذكرتهم الآية، لكي تكون البراءة النازلة من السماء لها وليس لمارية، وادعوا أن قول النبي صلي الله عليه وآله: مالي أؤذي في أهلي، صدر بتلك المناسبة! وصار المؤذي للنبي صلي الله عليه وآله علياً بن أبي طالب، الذي زعموا أنه أشار علي النبي صلي الله عليه وآله بطلاق عائشة!

ثانياً: أن أذي القرشيين للنبي في آله صلي الله عليه وآله كان كثيراً متكرراً وقد نصت مصادر السنيين علي عدد من حوادثه كما تقدم في حادثة (برك علي قدميه) وتقدم هنا: قول فلان من قريش (كمثل نخلة نبتت في كناسة) وقول عمر لصفية، وقوله لأم هاني وقول (صهر بني هاشم) الذي لم يصرحوا باسمه، وقصة بنت أبي لهب، وشكوي العباس المتكررة.

كما أن تعدد الايذاء وتعدد جواب النبي صلي الله عليه وآله يفهم من تعدد أسماء القبائل الغريبة البعيدة التي ذكرها النبي صلي الله عليه وآله عمداً، بما آتاه الله من جوامع الكلم لتبقي أسماؤها ترنُّ في

الأذان ويبقي حديثه في الأذهان.. الأمر الذي يدل علي أن روح الايذاء للنبي في آله صلي الله عليه وآله كانت في القرشيين مرضاً لا عرضاً!

ثالثاً: ينبغي أن يسأل الذين يدافعون عن جميع الصحابة ويقدسونهم، عن حكم هؤلاء الذين آذوا رسول الله صلي الله عليه وآله وأغضبوه مراراً في أهل بيته، فقد ثبت عليهم الحكم الذي نزل به القرآن في حقهم، ولم يثبت أنهم جددوا إسلامهم وخرجوا من تبعات هذا الحكم.

رابعاً: إن هذه الأحاديث وحدها تكفي للمسلم لأن يعرف أن في الأمر شيئاً كبيراً يتعلق بآل النبي صلي الله عليه وآله وأنه يجب إعادة النظر في الروايات التي تنفي أن النبي صلي الله عليه وآله لم يوص لهم، ولم يجعل لهم حقاً علي الأمة، ولم يعدهم بشفاعة خاصة.. وتكفيه لأن يحتمل أن تكون رواياتهم في أبي طالب من هذا النوع. وهذا الإحتمال كاف للتوقف عن تصديقها.

بخلهم علي أبي طالب و خديجة و سخاؤهم علي غيرهم

من ظلامة الخلافة القرشية أنها بخلت علي أبي طالب بكلمة شكر، في حين تبنت مشركين في مقابله لم يؤمنوا بالنبي صلي الله عليه وآله فجعلتهم من أهل الجنة، بل جعلتهم في مرتبة الأنبياء! ومن أبرز هؤلاء ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل.. والنص التالي يبين بعض الرتب التي أعطوها لهؤلاء في الجنة، بالمقايسة إلي الرتبة النازلة التي أعطوها لخديجة أم المؤمنين ورتبة الضحضاح لأبي طالب رضوان الله عليهما.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد:9/416:

عن جابر بن عبد الله قال سئل النبي(ص)عن عمه أبي طالب، هل تنفعه نبوتك؟ قال: نعم أخرجته من غمرات جهنم إلي ضحضاح منها.

وسئل عن خديجة، لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن، فقال: أبصرتها علي نهر من أنهار الجنة في بيت من

قصب، لا صخب فيه ولا نصب.

وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال: يبعث يوم القيامة أمةً وحده، بيني وبين عيسي عليه السلام. رواه أبو يعلي وفيه مجالد، وهذا مما مدح من حديث مجالد، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وعن جابر قال سألنا رسول الله(ص)عن زيد بن عمرو بن نفيل فقلنا: يا رسول الله إنه كان يستقبل القبلة ويقول ديني دين إبراهيم وإلهي إله إبراهيم وكان يصلي ويسجد؟ قال: ذاك أمة وحده، يحشر بيني وبين يدي عيسي بن مريم.

وسئل عن ورقة بن نوفل وقيل: يا رسول الله إنه كان يستقبل القبلة ويقول إل هي إله زيد وديني دين زيد، وكان يتوجه ويقول:

رشدت فأنعمت ابن عمرو فإنما عنيت بتنور من النار حامي

بدينك ديناً ليس دين كمثله وتركك حنَّان الجبال كما هي

قال: رأيته يمشئ في بطنان الجنة، عليه حلة من سندس. انتهي.

وإنما جعلوا بيت القصب لخديجة، لأنها بزعمهم توفيت قبل فرائض الصلاة والصوم والزكاة والحج، فهي تستحق درجة سفلي في الجنة وبيتاً عادياً من قصب أو سعف النخل..أما عائشة المحترمة عند دولة الخلافة فهي في الفردوس في قصر من ياقوت ولؤلؤ!

ويتألم المسلم عندما يري في المصادر الإسلامية افتراءً علي أم المؤمنين خديجة يصل إلي حد اتهامها بأنها كانت تعبد اللات والعزي وتلح علي النبي صلي الله عليه وآله أن يعبدهما قبل منامه، فيمتنع عن ذلك!!

فقد روي أحمد في مسنده:4/222 و:5/362:

عن عروة بن الزبير يعني ابن أخت عائشة قال: حدثني جار لخديجة بنت خويلد أنه سمع النبي (ص) وهو يقول لخديجة: أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزي، والله لا أعبد أبداً! قال فتقول خديجة:خل اللات خل العزي، قال كانت

صنمهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون)!! انتهي.

فكأن مدح عائشة يستلزم ذم ضرتها، والتي توفيت قبل أن يتزوج النبي بها! لأن النبي صلي الله عليه وآله كان يذكرها دائماً بالخير، ويباهي بها!!

وأما ورقة المعاصر لأبي طالب أيضاً، فهو في بطنان الجنة أي في وسطها، يرفل بالسندس، مع أنه مات بعد البعثة ولم يسلم! والسبب في استحقاقه الجنة أنه كان يقول: أنا علي دين زيد بن نفيل! بينما ذكروا أن الدليل علي كفر أبي طالب أنه كان يقول: أنا علي دين عبد المطلب!!

وأما زيد بن نفيل فقد عاش سنوات بعد البعثة ولم يسلم، ورووا عنه أنه نهي المشركين ذات مرة عن تعذيب بلال، ولكنهم جعلوه في مرتبة نبي لأنه ابن عم الخليفة عمر..بل هو بزعمهم أتقي من النبي صلي الله عليه وآله، لأن النبي كان قبل البعثة مشركاً يذبح للأصنام ويأكل مما ذبح علي النصب، بينما كان زيد علي دين إبراهيم لا يذبح للأصنام ولا يأكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وقد نصح النبي صلي الله عليه وآله ذات مرة أن لا يأكل مما ذبح علي النصب فاقتدي النبي به!!

إنها الكارثة الفكرية في الأمة.. عندما تفضل حكامها وأقاربهم علي نبيها سيد الأنبياء، وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام!!

قال في مجمع الزوائد:9/417: باب ما جاء في زيد بن عمرو بن نفيل...

قال فمر زيد بن عمرو بالنبي(ص)وزيد بن حارثة، وهما يأكلان من سفرة فدعياه فقال: يابن أخي لا آكل ما ذبح علي النصب، قال فما رؤي النبي(ص)يأكل ماذبح علي النصب من يومه ذلك، حتي بعث.

قال: وجاء سعيد بن زيد إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله إن زيداً كان كما رأيت أو كما بلغك،

فأستغفر له؟ قال: نعم، فاستغفروا له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. رواه الطبراني والبزار باختصار عنه، وفيه المسعودي وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات.

وعن سعيد بن زيد قال: سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول الله(ص)عن زيد بن عمرو؟ فقال: يأتي يوم القيامة أمة وحده. رواه ابو يعلي وإسناده حسن.

وعن زيد بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله(ص)يوماً حاراً من أيام مكة وهو مردفي إلي نصب من الأنصاب! وقد ذبحنا له (أي للصنم)شاة فأنضجناها، قال فلقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيَّا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية، فقال النبي (ص): يا زيد مالي أري قومك قد شنفوا لك؟ قال: والله يا محمد ذلك لغير نائلة لي منهم، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتي أقدم علي أحبار فدك، وجدتهم يعبدون الله ويشركون به، قال قلت ماهذا الدين الذي أبتغي، فخرجت حتي أقدم علي أحبار الشام، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، قلت ما هذا الدين الذي أبتغي، فقال شيخ منهم إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحداً يعبد الله به إلا شيخٌ بالحيرة، قال فخرجت حتي أقدم عليه فلما رآني قال ممن أنت؟ قلت من أهل بيت الله، من أهل الشوك والقرظ، فقال إن الدين الذي تطلب قد ظهر ببلادك قد بعث نبي قد ظهر نجمه، وجميع من رأيتهم في ضلال، فلم أحس بشئ بعد يا محمد!!

قال: وقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد؟ فقال شاة ذبحناها لنصب من الانصاب! فقال: ما كنت لأكل مما لم يذكر اسم الله عليه!

قال زيد بن حارثة: فأتي النبي(ص)البيت فطاف به وأنا معه، وبين الصفا والمروة صنمان من نحاس أحدهما يقال له يساف والآخر يقال له

نائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما، فقال النبي (ص): لا تمسحهما فإنهما رجس، فقلت في نفسي لامسنهما حتي أنظر ما يقول النبي(ص)؟ فقال النبي(ص) لزيد: إنه يبعث أمة وحده. رواه أبو يعلي والبزار والطبراني إلا أنه قال فيه: فأخبرته بالذي خرجت له فقال: كل من رأيت في ضلال وإنك لتسأل عن دين الله وملائكته، وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج فارجع فصدقه وآمن به. وقال أيضاً فقال زيد إني لا آكل شيئاً ذبح لغير الله، ورجال أبي يعلي والبزار وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث.

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية يقف عند الكعبة ويلزق ظهره إلي صفحتها، ويقول: يا معشر قريش ما علي الأرض علي دين إبراهيم غيري، وكان يفدي الموؤودة أن تقتل، وقال عمرو بن نفيل:

عزلت الجن والجنان عني كذلك يفعل الجلد الصبور

رواه الطبراني وإسناده حسن. انتهي.

فقد ثبت عندهم بهذه الأحاديث الصحيحة والحسنة، أن النبي صلي الله عليه وآله كان يعبد الأصنام ويذبح لها! وثبت أن زيد بن عمرو كان موحداً علي دين إبراهيم، وكان ينتظر النبوة، وكان أولي بها من محمد، ولكن زيداً إلي تاريخ لقائه بالنبي صلي الله عليه وآله وهو في طريقه إلي الصنم لم يحس بالوحي ولعله أحس به بعد ذلك!!

وقد روت الصحاح افتراءهم علي النبي صلي الله عليه وآله بأنه ذبح للصنم وقصة اللحم الذي كان يأكل منه بزعمهم ويعافه ابن نفيل!! فقد رواها البخاري: 4/232 وأضاف فيه

(ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون علي أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله

عليه، وإن زيد بن عمر كان يعيب علي قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها علي غير اسم الله!! إنكاراً لذلك وإعظاماً له!) انتهي.

وروي نحوها أيضاً في:6/225 وكذلك أحمد في:1/189 وج 2/68 و89 و127

وعلي هذه الروايات الصحاح والحسان! يكون زيد بن عمرو بن نفيل أتقي من محمد صلي الله عليه وآله وأوعي منه، وأولي بالنبوة منه، ولكن الحظ جعلها لمحمد صلي الله عليه وآله.

ولذلك لم يؤمن به زيد عندما بعث لأنه لا يحتاج إلي ذلك!

كما أن ابن عمه عمر يستحق النبوة ولكن الحظ جعلها لمحمد، فقد نسبوا إلي النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: لو لم أبعث لبعث عمر بن الخطاب!! وهذا يعطي الشرعية لكل مناقشات عمر للنبي صلي الله عليه وآله واعتراضاته عليه، بل ومخالفاته له!!

ويلاحظ في رواياتهم عن زيد بن عمرو، أن عدداً منها عن لسان ولده سعيد وابن عمه عمر، وأنها تريد التأكيد علي أن زيداً العدوي وحده كان علي ملة إبراهيم لا عبد المطلب الهاشمي ولا أبو طالب، ولا حتي النبي صلي الله عليه وآله، وهو عملٌ يقصد منه المساس بشخصية النبي وأجداده صلي الله عليه وآله من أجل تكبير شخصيات مشركة من أقارب الحكام!!

لكن المتأمل في رواياتهم يجد فيها حقيقة مهمة، وهي أنهم شهدوا علي زيد بن عمرو بن نفيل بأنه لم يسلم ومات كافراً رغم معرفته المزعومة ببعثة النبي صلي الله عليه وآله، ولو أنه أسلم لما سألوا النبي صلي الله عليه وآله عنه، ولملاوا الكتب بفضائله ومناقبه! كما ملؤوها بذم أبي طالب وضحضاحه!!

اهم الأدلة علي إيمان أبي طالب

تكفلت كتب مستقلة بإثبات إيمان أبي طالب

رضوان الله عليه..ومن أشهرها كتاب (أبو طالب مؤمن قريش) لمؤلفه الشيخ عبد الله الخنيزي الذي صادره الوهابيون وحبسوا مؤلفه (السعودي) بسببه، وحكموا عليه بالإعدام! ولكن الدولة السعودية خشيت من العواقب فأقنعت مفتيهم بتخفيف الحكم فخففه إلي الحبس والتعزير!!

وقد كتب علماؤنا عن إيمان أبي طالب بحوثاً مستفيضة في مصادر السيرة والعقائد، من أهمها ما كتبه المجلسي في البحار:35 والاميني في الغدير: 7 و 8 والشيخ نجم الدين العسكري في مقام الإمام علي عليه السلام والسيد جعفر مرتضي في الصحيح من السيرة:3/227.

ونورد فيما يلي خمسة أدلة علي إيمانه مستفادة من المصادر المذكورة وغيرها:

الدليل الأول: النصوص الصريحة الثابتة عندنا عن النبي والأئمة من آله صلي الله عليه وآله وهم الطاهرون المطهرون الصادقون المصدقون، غير المتهمين في شهادتهم لآبائهم وأقربائهم وأنفسهم.

منها: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف، صنماً قط. قيل له فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلي البيت علي دين إبراهيم متمسكين به. انتهي.

وقال عنه في الغدير:7/384: رواه شيخنا الصدوق بإسناده في كمال الدين/104 والشيخ أبوالفتوح في تفسيره 4: 210 والسيد في البرهان 3: 795

ومنها: ع أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: نزل جبرئيل عليه السلام علي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول: إني قد حرمت النار علي صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك. فالصلب صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. وزاد في رواية: وفاطمة بنت أسد. انتهي.

وقال عنه في الغدير: روضة الواعظين/121. راجع الكافي لثقة

الإسلام الكليني/242، معاني الأخبار للصدوق، كتاب الحجة السيد فخار بن معد/8، ورواه شيخنا للمفسر الكبير أبو الفتوح الرازي في تفسيره 4-210، ولفظه: إن الله عز وجل حرم علي النار صلباً حملك وبطناً حملك وثدياً أرضعك وحجراً كفلك..إلخ.

ومنها: ما رواه في مقام الإمام علي:3/140: قال السيد الحجة فخار بن معد في كتابه (الحجة علي الذاهب إلي تكفير أبي طالب)/16 بالإسناد إلي الكراجكي عن رجاله، عن أبان، عن محمد بن يونس، عن أبيه، عن أبي عبدالله أنه قال: يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب؟ قلت جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه! فقال: كذب أعداء الله! إن أبا طالب من رفقاء النببين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

ومنها: في المصدر المذكور أيضاً، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار؟ فقال: كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل علي النبي صلي الله عليه وآله! قلت وبما نزل؟ قال: أتي جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين، وماخرج من الدنيا حتي أتته البشارة من الله تعالي بالجنة. ثم قال عليه السلام: كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب!

ومنها: في المصدر المذكور أيضاً عن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لابي

جعفر: سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟ فقال عليه السلام: كذبوا، والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفةِ ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة لرجح إيمان أبي طالب علي إيمانهم، ثم قال: كان والله أمير المؤمنين يأمر أن يحج عن أب النبي وأمه صلي الله عليه وآله وعن أبي طالب في حياته، ولقد أوصي في وصيته بالحج عنهم بعد مماته. انتهي.

الدليل الثاني: تصريحات أبي طالب رضي الله عليه بصدق النبي صلي الله عليه وآله وأنه رسول رب العالمين.

قال السيد جعفر مرتضي في الصحيح من السيرة:3/230:

ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: إن كل هذه الاشعار قد جاءت مجي التواتر من حيث مجموعها (شرح النهج:14/78) ونحن نذكر هنا اثني عشر شاهداً من شعره، علي عدد الأئمة المعصومين من ولده عليه وعليهم السلام تبركاً وتيمناً، والشواهد هي:

1 - ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسي خط في أول الكتب

2 - نبي أتاه الوحي من عند ربه ومن قال لا، يقرع بها سن نادم

3 - يا شاهد الوحي من عند ربه إني علي دين النبي أحمد

4 - أنت الرسول رسول الله نعلمه عليك نزِّل من ذي العزة الكتب

5 _ أنت النبي محمدُ قرمٌ أغرُّ مُسَوَّدُ

6 _ أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب علي نبي كموسي أو كذي النون

7 _ وظلم نبي جاء يدعو إلي الهدي وأمر أتي من عند ذي العرش قيم

8 _ لقد أكرم الله النبي محمداً فأكرم خلق الله في الناس أحمد

9 _ وخير بني هاشم أحمدٌ رسول

الاله علي فترةِ

10 _ والله لا أخذل النبي ولا يخذله من بنيَّ ذو حسب

11 _ وقال رحمه الله يخاطب ملك الحبشة ويدعوه إلي الإسلام:

أتعلم ملك الحسن أن محمداً نبياً كموسي والمسيح ابن مريم

أتي بالهدي مثل الذي أتيا به فكلٌّ بأمر الله يهدي ويعصم

وإنكم تتلوته في كتابكم بصدقِ حديث لا حديث الترجم

فلا تجعلوا لله نداً فأسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم

12 -_ وقال مخاطباً ولده حمزة رحمه الله:

فصبراً أبا يعلي علي دين أحمد وكن مظهر للدين وفقت صابر

وحط من أتي بالحق من عند ربه بصدق وعزم لاتكن حمز كافر

فقد سرني أن قلت إنك مؤمنٌ فكن لرسول الله في الله ناصر

وباد قريشاً في الذي قد أتيته جهاراً وقل ما كان أحمد ساحر

وأشعار أبي طالب الناطقة بإيمانه كثيرة، وقد اقتصرنا منها علي هذا القدر لنفسخ المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ويقال في هذا الموضوع. انتهي.

ونضيف إلي ماذكره صاحب الصحيح ما قاله الطبرسي في الاحتجاج: 1/345: وقد اشتهر عن عبدالله المأمون أنه كان يقول: أسلم أبو طالب والله بقوله:

نصرت الرسول رسول المليك ببيض تلالا كلمع البروقِ

أذب وأحمي رسول الاله حماية حام عليه شفيق

وما إن أدبُّ لأع_دائه دبيب البكار حذار الفنيق

ولك_ن أزي_ر له__م سامي__اً كما زار ليث بغيل مضيق

وما ذكره أبو الفداء في تاريخه:1/170 قال: ومن شعر أبي طالب مما يدل علي أنه كان مصدقاً لرسول الله(ص)قوله:

ودعوتني وعلمت أنك صادقٌ ولقد صدقت وكنت ثم أمين

الدليل الثالث: تحليل مقومات شخصية أبي طالب (رض) وعلاقته بالنبي صلي الله عليه وآله منذ أن أوصاه به أبوه عبد المطلب وكفله إياه، ونصرته

له من أول بعثته، وفي أصعب مراحلها..إلي أن توفي في السنة العاشرة من البعثة..فإن أي باحث ينظر في ذلك يقتنع بأن نصرته وحمايته للنبي صلي الله عليه وآله لايمكن أن تصدر إلا عن مؤمن قوي الإيمان.

بل لا يحتاج الأمر إلي دراسة مقومات شخصيته وكل حياته، فيكفي دراسة بعض مواقفه لإثبات ذلك.

منها: الموقف الذي رواه في الغدير:7/388: عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين علياً عليه السلام يقول: مرَّ رسول الله صلي الله عليه وآله بنفر من قريش وقد نحروا جزوراً، وكانوا يسمونها الفهيرة ويذبحونها علي النصب، فلم يسلِّم عليهم. فلما انتهي إلي دار الندوة قالوا: يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا! فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه؟ فقال عبد الله بن الزبعري السهمي: أنا أفعل، فأخذ الفرث والدم فانتهي به إلي النبي صلي الله عليه وآله وهو ساجدٌ فملا به ثيابه ومظاهره، فانصرف النبي صلي الله عليه وآله حتي أتي عمه أبا طالب فقال: يا عم من أنا؟ فقال: ولم يا ابن أخي؟! فقص عليه القصة فقال: وأين تركتهم؟ فقال: بالابطح. فنادي في قومه: يا آل عبد المطلب! يا آل هاشم! يا آل عبد مناف! فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين، فقال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون، قال: خذوا سلاحكم، فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتي انتهي إلي أولئك النفر، فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا، فقال لهم: ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف! ثم أتي إلي صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتي قطعها ثلثة أفهار، ثم قال: يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلي النبي صلي الله عليه وآله:

أنت النبيُّ محمَّدُ قَرْمٌ

أعَزُّ مُسَوَّدُ

ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي صلي الله عليه وآله إلي عبد الله بن الزبعري السهمي الشاعر، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتي أدماها! ثم أمر بالفرث والدم فأمرَّ علي رؤس الملا كلهم! ثم قال: يا ابن أخ أرضيت؟

ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلي آدم عليه السلام ثم قال:

أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً!

يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفوني!

رواه السيد ابن معد في الحجة/106 وذكر لِدَة هذه القضية الصفوري في نزهة المجالس 2: 122 وفي طبع/91، وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش المستطرف 2: 3 نقلاً عن كتاب الأعلام للقرطبي 13

ومنها: الموقف الذي رواه الطبرسي في الإحتجاج:1/345 قال:

لما رأي المشركون موقف أبي طالب من نصرة الرسول، وسمعوا أقواله اجتمعوا بينهم، وقالوا ننافي بني هاشم ونكتب صحيفة ونودعها الكعبة، أن لا نبايعهم، ولا نشاريهم، ولا نحدثهم، ولا نجتمع معهم في مجمع، ولا نقضي لهم حاجة، ولا نقتضيها منهم، ولا نقتبس منهم ناراً، حتي يسلِّموا الينا محمداً، ويخلوا بيننا وبينه أو ينتهي عن تسفيه آبائنا، وتضليل آلهتنا. وأجمع كفار مكة علي ذلك.

فلما بلغ ذلك أبا طالب، قال يخبرهم باستمراره علي مناصرة الرسول ومؤازرته له، ويحذرهم الحرب، وينهاهم عن متابعة السفهاء:

ألا أبلغا عني علي ذاتِ بينِها لؤيّاً وخصَّا من لؤيٍّ بني كعبِ

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسي خُطَّ في أول الكتْبِ

وأن عليه في العباد محبةً ولا حيفَ فيمن خصَّهُ الله بالحب

وأن الذي لفقتم في كتابكم يكون لكم يوماً كراغية السقب

أفيقوا أفيقوا قبل أن تُحْفََر الزُّبَي ويصبح من

لم يجنِ ذنباً كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا أواصرنا بع_د الم_ودة والق_رب

وتستجلبوا حرباً عواناً وربَّمَا أمَرَّ علي من ذاقهُ حَلَبُ الح_رب

فلسنا وبيتِ الله نسلم أحمداً لعزَّاءَ من عضِّ الزمان ولا حرب

ولَمَّا تَبِنْ منا ومنكم سوالفٌ وأي_د أبي_دت بالمهن_دة الشه_ب

بمعترك ضَنْك تري كِسَرَ القنا به نَواً لضباعِ العُرْجِ تعكف كالسرب

كأن مجال الخيل في حجراته وغمغمة الأبطال معركة الحرب

أليس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره وأوصي بنيه بالطعان وبالض_رب

ورواها في البحار:35/160 وزاد فيها:

ولسنا نملُّ الحرب حتي تملَّنا ولا نشتكي مما ينوب من النكب

ولكننا أهل الحفائظ والنهي إذا طار أرواح الكماة من الرعب

ومنها: إيمانه بمعجزات النبي وكراماته صلي الله عليه وآله، ونظمه إياها شعراً.

قال الطبرسي في الاحتجاج:1/343:

روي أن أبا جهل بن هشام جاء إلي رسول الله وهو ساجد وبيده حجر يريد أن يرميه به، فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد، فقال أبو طالب:

أفيقوا بني غالب وانتهوا عن الغي من بعض ذا المنطق

وإلا فإني إذن خائفٌ بوائقَ في داركم تلتق_ي

تكون لغيرك_مُ عب__رةً وربِّ المغارب والمش_رق

كما نال من كان من قبلكم ثمودٌ وع_ادٌ وم_اذا بق_ي

غداةَ أتاهم بها صرص_رٌ وناقة ذي العرش قد تستقي

فحلَّ عليهم بها سَخْطَةٌ من الله في ضربة الأزرق

غ_داة يع_ضُّ بعرقوبه__ا حساماً من الهند ذا رونق

وأعجب من ذاك في أمركم عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام من خبثه إلي الصابر الصادق المتقي

فأثبت_ه الل_ه ف_ي كف_ه علي رغمةِ الجائر الأحمق

أحيمق مخزومكم إذ غوي لغيِّ الغواةِ ولم يَصْ_دُقِ

الدليل الرابع: استدل به سبط ابن الجوزي علي إيمان أبي طالب، ومفاده: أن خصوم علي

عليه السلام من الأمويين والزبيريين وغيرهم، كانوا حريصين علي انتقاصه بأي عيب ممكن في نفسه وأبيه وأمه وعشيرته، وقد سجل التاريخ مراسلات علي عليه السلام ومعاوية ومناظرات أنصارهم، وقد تضمنت ماذمهم علي عليه السلام به وإزراؤه عيهم بكفر آبائهم وأمهاتهم، بل سجل التاريخ أن علياً عليه السلام فاخر معاوية بأبي طالب، فكتب له في رسالة (ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق) ومع ذلك لم يتكلم معاوية ولا غيره من أعداء علي عليه السلام بكلمة ذم في أبي طالب!!

فلو أنه كان مشركاً ومات علي الشرك كما يدعون، لاغتنم أعداء علي هذه النقطة وعيروه بها وشنعوا عليه بها. ولو كان حديث ضحضاح أبي طالب صادراً عن النبي صلي الله عليه وآله لسمعت أخباره شعراً ونثراً في صفين وبعدها..!

وهذا يدل علي أن أحاديث شرك أبي طالب وأنه في النار والضحضاح، قد وضعت في عهد الأمويين بعد شهادة علي عليه السلام!

الدليل الخامس: ترحم النبي صلي الله عليه وآله علي أبي طالب واستغفاره له، وتسميته عام وفاته ووفاة خديجة رضوان الله عليهما (عام الحزن).

قال الأميني في الغدير:7/372:

أخرج ابن سعد في طبقاته 1: 105 عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: أخبرت رسول الله(ص)بموت أبي طالب فبكي ثم قال: إذهب فاغسله وكفنه وواره، غفر الله له ورحمه.

وفي لفظ الواقدي: فبكي بكاء شديداً ثم قال: إذهب فاغسله.. الخ. وأخرجه ابن عساكر كما في أسني المطالب/21 والبيهقي في دلائل النبوة. وذكره سبط ابن الجوزي في التذكره/6 وابن أبي الحديد في شرحه 3-314 والحلبي في السيرة 1-373 والسيد زيني دحلان في السيرة هامش الحلبية

1-90 والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصححه كما في أسني المطالب/35 وقال: أخرجه أيضاً أبوداود وابن الجاوود وابن خزيمة وقال: إنما ترك النبي(ص)المشئ في جنازته اتقاء من شر سفهاء قريش، وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ.

عن الأسلمي وغيره: توفي أبوطالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من حين نبئ رسول الله(ص)، وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام، فاجتمعت علي رسول الله(ص)عليها وعلي عمه حزناً شديداً، حتي سمي ذلك العام عام الحزن. انتهي.

وقد روي الخطيب البغدادي في تاريخه:13/196 عن ابن عباس ترحم النبي صلي الله عليه وآله واستغفاره لابي طالب بعد موته، وكذا الذهبي في تاريخ الإسلام:1/235، وروت مصادرنا أحاديث كثيرة في ذلك كما في مناقب آل أبي طالب:1/150 عن آخرين وبحار الأنوار:19/15 وص 25 وج 22/530

هذا وقد ثبت أن أبا طالب كان علي دين عبد المطلب، وسوف يتضح لك إيمان عبد المطلب ومقامه، رضوان الله عليهما، في فصل شفاعة الأنبياء (عليهم السلام).

ولادة المذاهب المنحرفة من أفكار توسيع الشفاعة

عمل اليهود علي إسقاط المحرمات من الأديان

كان اليهود أسبق الأمم إلي تحريف قانون العقوبة الإلهي، فقد أسقطوا المحرمات عن أنفسهم تجاه الأمم الأخري، وخففوا قانون العقوبة الإلهي وشوشوه بالنسبة إلي الجرائم الأخري التي يرتكبونها!

ومن الطبيعي أن يسري ذلك إلي عقيدتهم بالله تعالي، فصوروه بأنه قاس عصبيُّ المزاج، ولذا فإن عقوباته شديدة وغير منطقية! وذلك واضح لمن قرأ صفحات قليلة من توراتهم.

وقد أخذ المسيحيون هذه الثقافة من اليهود، وما زالوا.. وقد سمعت أن من المسائل الفكرية المطروحة أخيراً عند الكتاب الغربيين، خاصةً في فرنسا، موضوع: هل يجب أن يكون في الدين الإلهي محرمات، أم لا..

ذلك أن اليهود والكتاب المتأثرين بهم يريدون من الكنيسة المسيحية أن تقدم ديناً بلا محرمات، وتفتي بأن المهم

هو الإيمان الذي هو أمرٌ في القلب، مهما كان عمل الناس!

وهذا بالضبط هو مذهب المرجئة الذي زرعه اليهود في عقائد المسلمين، عن طريق بعض الصحابة!

أما زارعوه الجدد فليسوا كعب الأحبار ولا وهب بن منبه، بل هم ذراري النصاري واليهود الصرحاء! والمزروع فيهم ليسوا صحابة، بل هم ذراري المسلمين المتغربين!

اخبار النبي بظهور المرجئة والقدرية و تحذيره منهم

روت مصادر السنة والشيعة تنبؤ النبي صلي الله عليه وآله بظهور المرجئة والقدرية في أمته وتحذيره من خطرهم، وأنهم لا تنالهم شفاعته، لأنهم يحرفون الإسلام ويشوشون أمر الأمة من بعده.

فقد روي الهيثمي في مجمع الزوائد:7/207:

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): صنفان من أمتي لا يردا عليَّ الحوض ولا يدخلان الجنة، القدرية والمرجئة. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسي الفروي وهو ثقة. انتهي. وروي الترمذي شبيهاً به في:3/308

ورواه في كنز العمال:1/119 عن حلية الأولياء لأبي نعيم عن أنس، وعن مسند الطيالسي، عن واثلة عن جابر. وروي نحوه في:1/362 عن السلفي في انتخاب حديث القراء عن علي. ورواه ابن حبان في كتاب المجروحين:2/112 عن عكرمة.

وفي مجمع الزوائد:7/203:

عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلي عليه وسلم: ما بعث الله نبياً قط إلا وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته. ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة علي لسان سبعين نبياً. رواه الطبراني وفيه بقية بن الوليد وهو لين ويزيد بن حصين لم أعرفه. انتهي. ورواه ابن حبان عن أبي هريرة في كتاب المجروحين:1/362 وفيه (أمته من بعده..سبعين نبياً أنا آخرهم)

وفي كتاب الخصال للصدوق/72:

أخبرني الخليل بن أحمد قال: أخبرنا ابن منيع قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا علي

بن ثابت عن إسماعيل بن أبي إسحاق، عن ابن أبي ليلي، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية. انتهي.

ورواه في ثواب الأعمال/212.وقال في صحيفة الرضا/278: وبإسناده قال قال رسول الله 9: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية. رواه في ثواب الأعمال: 252 ح3 بالإسناد رقم 10 عنه البحار: 5-118 ح 52. ورواه الشيخ حسن بن سليمان في المختصر: 135 بالاسناد رقم 57 والكراجكي في كنزه: 51 بالإسناد رقم 14 عنه البحار: 5-7 ح 8. ورواه الصدوق في الخصال: 1-72 ح 110 بإسناده عن ابن عمر عن النبي 9 عنه البحار: 5-7 ح 7.

وفي دعائم الإسلام:2/511:

وعنه صلي الله عليه وآله أنه قال: لا تجوز شهادة أهل الاهواء علي المؤمنين، قال أبو جعفر عليه السلام: لا تجوز شهادة حروري، ولا قدري ومرجئ، ولا أموي، ولاناصب، ولا فاسق، يعني من باين بذلك وظهرت عداوته ونصبه، فأما من كتم ذلك وأسره فظهر منه الخير وكان عدلاً في مذهبه، جازت شهادته وعلي هذا العمل.

تعريف المرجئة و مذهبهم

قال النووي في شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضي عياض: اختلف الناس فيمن عصي الله من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد في النار، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن.

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

في أن الله تعالي يعفو عن الكبائر. الإجماع منعقد علي أنه تعالي عفوٌّ، وأن عفوه ليس في حق الكافر بل في حق المؤمنين، فقالت المعتزلة: هو عفوٌّ عن الصغائر قبل التوبة، وعن الكبائر بعدها. وقالت المرجئة: عفو عن الصغائر والكبائر

مطلقاً!!

تفسير الرازي:16 جزء 31/203:

قوله تعالي (لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَي) إن المرجئة يتمسكون بهذه الآية في أنه لا وعيد إلا علي الكفار! قال القاضي: ولا يمكن إجراء هذه الآية علي ظاهرها، ويدل علي ذلك ثلاثة أوجه: أحدها أنه يقتضي أن لا يدخل النار إلا الأشقي الذي كذب وتولي... وثانيهما أن هذا إغراء بالمعاصي... وثالثهما... معلوم من حال الفاسق أنه ليس بأتقي... الخ.

وقال في هامش بحار الأنوار:8/364:

الوعيدية: فرقة من الخوارج يكفِّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفرٌ يخرج به عن الملة، ويقابلهم المرجئة وهم يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وليس العمل علي مذهبهم، وإن كان من الإيمان. فعليه معني الارجاء تأخير العمل عن النية والعقد.

وروي في الكافي:1/403:

محمد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحكم، عن الحكم بن مسكين، عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: إذهب بنا إلي جعفر بن محمد، قال فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله صلي الله عليه وآله في مسجد الخيف، قال: دعني حتي أذهب في حاجتي فإني قد ركبت فإذا جئت حدثتك، فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله صلي الله عليه وآله لما حدثتني، قال: فنزل فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتي أثبته، فدعا به ثم قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. خطبة رسول الله صلي الله عليه وآله في مسجد الخيف: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه.

يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلي من

هو أفقه منه، ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسليمن، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطةٌ من ورائهم، المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، وهم يد علي من سواهم، يسعي بذمتهم أدناهم.

فكتبه سفيان ثم عرضه عليه، وركب أبو عبد الله عليه السلام. وجئت أنا وسفيان، فلما كنا في بعض الطريق قال لي: كما أنت حتي أنظر في هذا الحديث، قلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً!

فقال: وأي شئ ذلك؟

فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، قد عرفناه، والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم؟ وكل من لاتجوز الصلاة خلفهم؟! وقوله: واللزوم لجماعتهم، فأي الجماعة؟ مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو علي إيمان جبرئيل وميكائيل؟! أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس؟! أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب ويشهد عليه بالكفر؟! أو جهمي يقول إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شئ غيرها؟!

قال: ويحك وأي شئ يقولون؟!

فقلت يقولون: إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي وجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم: أهل بيته. قال: فأخذ الكتاب فخرَّقه، ثم قال. لا تخبر بها أحداً.

المرجئة ولدوا من عهد الخليفة عمر

رأينا كيف وسعت دولة الخلافة القرشية شفاعة النبي صلي الله عليه وآله حتي شملت كل من يشهد بالتوحيد فقط ولو لم يشهد بالنبوة..

ثم وسعتها إلي جميع الخلق، كما تقدم من رواياتهم وكلام ابن تيمية.

ثم استغنت عن شفاعة

الأنبياء جميعاً، وأوجبت الجنة بأعمال وكلمات بسيطة.

ثم استغنت عن كل ذلك، وقالت بفناء النار ونقل أهلها إلي الجنة!!

ولعل الخليفة عمر وكعب الأحبار رائدي هذه الافكار ومن تابعهم عليها لم يلتفتوا إلي خطورتها الزائدة، وأنها تمثل مشروعاً خطيراً لإسقاط كل المحرمات وتعويم الإيمان، في أمة نهضت بالإسلام والإيمان وأخذت تفتح بلاد الإمبراطورية الفارسية والرومانية، بلداً بعد آخر.. وهي بأمسِّ الحاجة إلي حفظ شخصية جنودها وجديتهم، وعدم التساهل في مفاهيم إيمانهم.

علي أي حال فالذي وقع في حياة الأمة، أن هذه الأفكار بمساعدة فكرة الجبر وأن الله تعالي قد فرغ من الأمر وكتب كل شئ وانتهي الأمر ولا بداء.. سرعان ما أثمرت مذهبين عقائديين مواليين للسلطة هما: المرجئة والقدرية، وقد تبنتهما السلطة وأيدت علماءهما وهيأت لهم الظروف لنشر أفكارهم في الأمة.

ويتلخص مذهب المرجئة بمقولتهم المشهورة (الإيمان لا تضر معه معصية) فالإيمان عندهم مجرد القول بالشهادتين، وبذلك يضمن الإنسان دخول الجنة مهما كان عمله!!

ويتلخص مذهب القدرية أو الجبرية: بأن مسؤولية الإنسان عن أعماله وجرائمه محدودة أو منتفية، لأن الخير والشر من الله تعالي، وكل شئ مكتوب ومقدر منه تعالي!!

ومن الواضح أن هذين المذهبين هما نفس الأفكار والأحاديث التي رأيناها في توسيع الشفاعة وتوسيع دخول الجنة، لكن بصيغة (ممذهبة).

كما أن أحدهما مكمل للآخر في تخفيف مسؤولية الإنسان، لأن جوهرهما واحد وهو (تعويم) قانون العقوبة الإلهي، بل تطمين الناس بأنه قد تم شطبه!!

وقد مر معنا في بحث توسيعات الشفاعة ما رواه السيوطي في الدر المنثور:2/116 عن البيهقي، وادعاؤهم أن النبي صلي الله عليه وآله قال لعمر: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس، ولكن تسأل عن الفطرة! وهذا نفس ما يقوله المرجئة!

وفي سنن الترمذي:3/87:

أن النبي صلي الله عليه وآله سمع ذات يوم رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال: علي الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرجت من النار! انتهي. ونحوه في صحيح مسلم ج2/4 ومسند أحمد:3/241 وكنز العمال:8/366

بل وجدنا نفس تعبير (الإيمان لا تضر معه خطيئة) في عدة روايات في مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص:2/170 قال: قال رسول الله (ص): من لقي الله لا يشرك به شيئاً لم تضره معه خطيئة! انتهي.

وقال عنه في مجمع الزوائد:1/19: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ماخلا التابعي فإنه لم يسم، ورواه الطبراني فجعله من رواية مسروق عن عبد الله بن عمرو. وقال في كنز العمال:1/81 إنه صحح! انتهي.

ومصدر ابن عمرو إما أن يكون الخليفة عمر، وإما أن يكون أخذه من أحاديث (العِدْلَيْن) أي الكيسين الكبيرين اللذين أخذهما بعد معركة اليرموك من الشام من رايات اليهود وكتبهم، وكان يحدث المسلمين منهما!

اول من تصدي لمذهب المرجئة علي

روي الصدوق في علل الشرائع:2/602:

حدثنا الحسين بن أحمد رحمه الله عن أبيه عن محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن علي بن سليمان بن راشد، بإسناده رفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام قال: يحشر المرجئة عمياناً، إمامهم أعمي، فيقول بعض من يراهم من غير أمتنا: ماتكون أمة محمد إلا عمياناً! فأقول لهم: ليسوا من أمة محمد، لانهم بدَّلوا فبدل ما بهم، وغيَّروا فغير ما بهم.

وروي في الخصال/611:

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيي، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم،

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه (عليهم السلام)أن أمير المؤمنين عليه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه.

قال عليه السلام: إن الحجامة تصحح البدن وتشد العقل، والطيب في الشارب من أخلاق النبي صلي الله عليه وآله وكرامة الكاتبين، والسواك من مرضات الله عز وجل وسنة النبي صلي الله عليه وآله ومطيبة للفم، والدهن يلين البشرة ويزيد في الدماغ ويسهل مجاري الماء ويذهب بالقشف ويسفر اللون، وغسل الرأس يذهب بالدرن وينفي القذاء، والمضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والانف، والسعوط مصحة للرأس وتنقية للبدن وسائر أوجاع الرأس، والنورة نشرة وطهور للجسد، واستجادة الحذاء وقاية للبدن وعون علي الطهور والصلاة. وتقليم الاظفار يمنع الداء الأعظم... الخ.

وهو حديث طويل فيه تعليمات هامة دينية ودنيوية، وقد جاء فيه عن المرجئة: علموا صبيانكم ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها... انتهي.

وقال في هامشه: قال العلامة المجلسي رحمه الله: إعلم أن أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والإعتبار علي طريقة القدماء، وإن لم يكن صحيحاً بزعم المتأخرين، واعتمد عليه الكليني رحمه الله وذكر أكثر أجزائه متفرقة في أبواب الكافي، وكذا غيره من أكابر المحدثين.

أقول: عدم صحة السند عند المتأخرين لمقام القاسم بن يحيي، والظاهر أن أصل الرواية في كتابه، قال الشيخ في الفهرست: القاسم بن يحيي الراشدي له كتاب فيه آداب أمير المؤمنين عليه السلام، والراشدي نسبة إلي جده الحسن بن راشد البغدادي مولي المنصور الدوانيقي الذي كان وزيراً للمهدي وموسي وهارون الرشيد. قال ابن الغضائري: ضعيف. وقال البهبهاني في التعليقة: لا وثوق بتضعيف ابن الغضائري إياه، ورواية الاجلة سيما مثل

أحمد بن محمد بن عيسي عنه تشير إلي الاعتماد عليه، بل الوثاقة وكثرة رواياته والافتاء بمضمونها يؤيده. ويؤيد فساد كلام ابن الغضائري في المقام، عدم تضعيف شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال إياه، وعدم طعن من أحد ممن ذكره في ترجمته وترجمة جده وغيرها، والعلامة رحمه الله تبع ابن الغضائري بناء علي جواز عثوره علي مالم يعثروا عليه، وفيه ما فيه. انتهي. ورواه ابن شعبة الحراني مرسلاً في تحف العقول/104

هذا وقد صرح القاضي النعماني المغربي المتوفي سنة 363 بأن اسم المرجئة أول ما أطلق علي المتخلفين عن بيعة علي عليه السلام ونصرته علي الفئة الباغية، وهو يدل علي أن بعض الصحابة تمسكوا بفكرة كعب وعمر التي تكتفي لدخول الجنة بالتوحيد بدون عمل، فيكون مذهب المرجئة قد تمت ولادته بعد وفاة عمر بقليل وفي حياة كعب الأحبار!

قال القاضي النعماني في شرح الأخبار:2/82:

فأما المتخلفون عن الجهاد مع علي صلوات الله عليه، وقتال من نكث بيعته ومن حاربه وناصبه، فإنه تخلف عنه في ذلك من المعروفين من الصحابة: سعد بن أبي وقاص وكان أحد الستة الذين سماهم عمر للشوري، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن سلمة، واقتدي بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه، ولم يشهدوا شيئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم اقتدوا، وذهب إلي ذلك من رأيهم جماعة من الناس وصوبوهم فيه وذهبوا إلي ما ذهبوا إليه، فقالوا في الفريقين في علي عليه السلام ومن قاتل معه وفي الذين حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفريقين: إنهم يخافون عليهم العذاب ويرجون لهم الخلاص والثواب، ولم يقطعوا عليهم بغير ذلك وتخلفوا عنهم. والإرجاء في اللغة التأخير فسموا مرجئة

لتأخيرهم القول فيهم، وتأخرهم عنهم ولم يقطعوا عليهم بثواب ولا عقاب، لأنهم زعموا أنهم كلهم موحدون ولا عذاب عندهم علي من قال: لا إله إلا الله، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فكان هذا أصل الإرجاء ثم تفرق أهله فرقاً إلي اليوم يزيدون علي ذلك من القول وينقصون. انتهي.

وقال في شرح الأخبار:1/365:

ثم هذه الفرق التي ذكرناها تتشعب ويحدث في أهلها الإختلاف إلي اليوم وأصلها ست فرق: شيعة وعامة وخوارج ومعتزلة ومرجئة وحشوية.

فالشيعة: هم شيعة علي صلوات الله عليه القائلون بإمامته، وهم أقدم الفرق وأصلها الذي تفرعت عنه، ورسول الله صلوات الله عليه وآله سماها بهذا الاسم. وقال: شيعة عليٍّ هم الفائزون. وقال لعلي عليه السلام: أنت وشيعتك.. في آثار كثيرة رويت عنه. وسنذكر في هذا الكتاب ما يجري ذكره إن شاء الله تعالي. وغير ذلك من الفرق محدثةٌ أحدثت بعد النبي صلوات الله عليه وآله. انتهي.

ويدل النصان التاليان علي وجود المرجئة علي شكل مذهب متكامل في عصر الإمام الباقر عليه السلام المتوفي سنة 94 هجرية، أي في الجيل الأول من التابعين بعد الصحابة مباشرة.

قال الصدوق في ثواب الأعمال/213:

وحدثني محمد بن موسي بن المتوكل قال: حدثني محمد بن جعفر قال: حدثني أحمد بن محمد العاصمي قال: حدثني علي بن عاصم الهمداني، عن محمد بن عبد الرحمن المحرري، عن يحيي بن سالم، عن محمد بن سلمة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما الليل بالليل ولا النهار بالنهار أشبه من المرجئة باليهود، ولا من القدرية بالنصرانية.

وفي علل الشرائع:2/528:

وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد، عن ابن عيسي، عن عثمان بن سعيد قال: حدثنا عبدالكريم الهمداني، عن أبي ثمامة قال: دخلت علي أبي

جعفر عليه السلام وقلت له: جعلت فداك إني رجل أريد أن ألازم مكة وعليَّ دينٌ للمرجئة فما تقول؟ قال: قال إرجع (وأد) دينك وانظر أن تلقي الله تعالي وليس عليك دين، فإن المؤمن لا يخون. انتهي.

أما في عصر الإمام الصادق عليه السلام وما بعده فقد كان للمرجئة وجودٌ واسع وصولةٌ، وانتشر مذهبهم حتي شمل أكثر الرواة وعلماء الدولة..كما اتسع تصدي أهل البيت (عليهم السلام) لأفكارهم، ففي دعائم الإسلام للقاضي النعمان: 1/3 قال: روينا عن جعفر بن محمد أنه قال: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وهذا الذي لا يصح غيره، لا كما زعمت المرجئة أن الإيمان قولٌ بلا عمل، ولا كالذي قالت الجماعة من العامة إن الإيمان قولٌ وعملٌ فقط، وكيف يكون ما قالت المرجئة إنه قول بلا عمل وهم والأمة مجمعون علي أن من ترك العمل بفريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها علي عباده منكراً لها أنه كافر حلال الدم ما كان مصراً علي ذلك، وإن أقر بالله ووحده وصدق رسوله بلسانه، إلا أنه يقول هذه الفريضة ليست مما جاء به، وقد قال الله عز وجل: وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخرة هُمْ كَافِرُونَ، فأخرجهم من الإيمان بمنعهم الزكاة، وبذلك استحل القوم أجمعون بعد رسول الله صلي الله عليه وآله دماء بني حنيفة وسبي ذراريهم، وسموهم أهل الردة إذ منعوهم الزكاة. انتهي.

قال الكليني في الكافي:2/40:

محمد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن الأشعث بن محمد، عن محمد بن حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وسأله رجل عن قول المرجئة في الكفر والإيمان، وقال إنهم يحتجون علينا ويقولون كما أن الكافر عندنا هو

الكافر عند الله، فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنه عند الله مؤمن! فقال: سبحان الله وكيف يستوي هذان؟! والكفر إقرارٌ من العبد، فلا يكلف بعد إقراره ببينة، والإيمان دعوي لا يجوز إلا ببينة، وبينته عمله ونيته، فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن. والكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل، والأحكام تجري علي القول والعمل، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عند الله كافر، وقد أصاب من أجري عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله.

وقال في الايضاح/44:

ومنهم المرجئة الذين يروي عنهم أعلامهم مثل إبراهيم النخعي وإبراهيم بن يزيد التيمي، ومن دونهما مثل سفيان الثوري وابن المبارك ووكيع وهشام وعلي بن عاصم، عن رجالهم أن النبي صلي الله عليه وآله قال: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: القدرية والمرجئة. فقيل له: ما المرجئة قالوا: الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل. وأصل ما هم عليه أنهم يدينون بأن أحدهم لو ذبح أباه وأمه وابنه وبنته وأخاه وأخته وأحرقهم بالنار أو زني أو سرق أو قتل النفس التي حرم الله أو أحرق المصاحف أو هدم الكعبة أو نبش القبور أو أتي أي كبيرة نهي الله عنها.. أن ذلك لا يفسد عليه إيمانه ولا يخرجه منه، وأنه إذا أقر بلسانه بالشهادتين أنه مستكمل الإيمان إيمانه كإيمان جبرئيل وميكائيل صلي الله عليهما، فعل ما فعل وارتكب ما ارتكب ما نهي الله عنه!

ويحتجون بأن النبي صلي الله عليه وآله قال: أمرنا أن نقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله. وهذا قبل أن يفرض سائر الفرائض وهو منسوخ. وقد روي محمد بن الفضل، عن

أبيه، عن المغيرة بن سعيد، عن أبيه، عن مقسم، عن سعيد بن جبير قال: المرجئة يهود هذه الأمة. وقد نسخ احتجاجهم قول النبي صلي الله عليه وآله حين قال: بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان.

كان المرجئة خداما لبني أمية و مبررين لجرائمهم

الكافي:2/409:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لعن الله القدرية، لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين!

قال: إن هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون! فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلي يوم القيامة، إن الله حكي عن قوم في كتابه: لن نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار، قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين.. قال كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا. انتهي.

ومعني كلام الإمام الصادق عليه السلام: أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسين عليه السلام مؤمنون من أهل الجنة ولا يعاقبون علي جريمتهم! وبذلك صار المرجئة شركاءلبني أمية في الجريمة، لأن من رضي بعمل قوم فقد شركهم فيه!

ويدل النص التالي علي أن المرجئة كانوا يجادلون المعارضين لبني أمية ليأخذوا عليهم مستمسكاً للخليفة لكي يضطهدهم!

- وقال الكليني في الكافي:8/270:

عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت مولي لابي عبد الله عليه السلام فملت إليه لأسأله عن أبي عبدالله، فإذا أنا بأبي عبد الله ساجداً فانتظرته طويلاً فطال سجوده عليَّ، فقمت وصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد، فسألت مولاه متي

سجد؟ فقال: قبل أن تأتينا، فلما سمع كلامي رفع رأسه ثم قال: أبا محمد أدن مني فدنوت منه فسلمت عليه، فسمع صوتاً خلفه فقال: ما هذه الاصوات المرتفعة؟ فقلت: هؤلاء قوم من المرجئة والقدرية والمعتزلة، فقال: إن القوم يريدوني فقم بنا، فقمت معه فلما أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم: كفوا أنفسكم عني ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان، فإني لست بمفت لكم، ثم أخذ بيدي وتركهم ومضي، فلما خرج من المسجد قال لي يا أبا محمد والله لو أن إبليس سجد لله عز ذكره بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله عز ذكره ما لم يسجد لادم، كما أمره الله عز وجل أن يسجد له.

وكذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد نبيها صلي الله عليه وآله وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم صلي الله عليه وآله لهم فلن يقبل الله تبارك وتعالي لهم عملاً، ولن يرفع لهم حسنة حتي يأتوا الله عز وجل من حيث أمرهم، ويتولوا الإمام الذي أمروا بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله عز وجل ورسوله لهم.

يا أبا محمد إن الله افترض علي أمة محمد صلي الله عليه وآله خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا، فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة، ولم يرخص لاحد من المسلمين في ترك ولايتنا، لا والله مافيها رخصة.

تورط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء

للمرجئة في المذاهب الأربعة وفي الصحاح الستة مكانةٌ محترمةٌ حتي أن بعض أئمة المذاهب أنفسهم اتهموا بأنهم مرجئة..قال في هامش كتاب المجروحين: 3/63: هناك تعليقات كثيرة علي المخطوطة هاجمت ابن حبان لتحامله علي أبي حنيفة، ومما هوجم من أجله والد أبي حنيفه بأنه كان خبازاً واعتبر المعلق ذلك غيبة تخرج عن

حد الرأي في المحدث.

ونشير هنا إلي أن جد أبي حنيفة كان أحد أمراء بلاد الافغان (مرزبان) واختلفت أقوال حفيده في مسألة أسر جده ثم عتقه، قال أحدهما: والله ما وقع لنا رقٌّ قط.

يراجع الإمام الاعظم: اتهام أبي حنيفة بالإرجاء وأنه داعية إلي البدع، غير مقبول من ابن حبان ومن شاركه هذا القول علي إطلاقه، ونلخص القول في ذلك بما جاء في كتاب اللكنوي (الرفع والتكميل 154):

جملة التفرقة بين اعتقاد أهل السنة وبين اعتقاد المرجئة: أن المرجئة يكتفون في الإيمان بمعرفة الله ونحوه ويجعلون ما سوي الإيمان من الطاعات وما سوي الكفر من المعاصي غير مضرة ولا نافعة ويتشبثون بظاهر حديث: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة.

وأهل السنة يقولون: لا تكفي في الإيمان المعرفة، بل لا بد من التصديق الإختياري مع الإقرار اللساني، وأن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان توصل صاحبها إلي دار الخسران.

والذي يجب علمه علي العالم المشتغل بكتب التواريخ وأسماء الرجال أن (يعرف أن) الإرجاء يطلق علي قسمين: أحدهما الارجاء الذي هو ضلال. وثانيهما الإرجاء الذي ليس بضلال، ولا يكون صاحبه عن أهل السنة والجماعة خارجاً.

ولهذا ذكروا أن المرجئة فرقتان: مرجئة الضلالة، ومرجئة أهل السنة. وأبو حنيفة وتلامذته وشيوخه وغيره من الرواة الإثبات إنما عدوا من مرجئة أهل السنة لا من مرجئة الضلالة.

ثم يقول أيضاً في ختام مناقشته لهذا الموضوع 161: وخلاصة المرام في هذا المقام أن الإرجاء: قد يطلق علي أهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة الزاعمين بالخلود الناري لصاحب الكبيرة، وقد يطلق علي الأئمة القائلين بأن الأعمال ليست بداخلة في الإيمان وبعدم الزيادة فيه والنقصان _ وهو مذهب أبي حنيفه وأتباعه _

من جانب المحدثين القائلين بالزيادة والنقصان وبدخول الأعمال في الإيمان. وهذا النزاع وإن كان لفظياً كما حققه المحققون من الأولين والآخرين لكنه لما طال وآل الأمر إلي بسط كلام الفريقين من المتقدمين والمتأخرين، أدي ذلك إلي أن أطلقوا الإرجاء علي مخالفيهم وشنعوا بذلك عليهم، وهو ليس بطعن في الحقيقه، علي ما لا يخفي علي مهرة الشريعة.

أقول: إذا عرفت هذا علمت أن قول ابن حبان في إطلاقه الإرجاء علي أبي حنيفة وأصحابه فيه اتهام غير محدد وتعمية تضلل الباحث، وهو يقصد إلي ذلك قصداً ما كان يجدر به أن يقع في مثل ذلك. انتهي.

ولا كلام لنا في دفاعهم عن نسب أبي حنيفة وحسبه، فقد كان علي أتباعه أن يجعلوه من ملوك الأفاغنة وأبناء المرازبة أو الأكاسرة، حتي يواجهوا به مذهب أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله ونسبهم الشامخ من عَلْيَا قريش وذروة بني هاشم..

ولكنا نسأل: من أين جاؤوا بهذا التقسيم للمرجئة إلي مرجئة من أهل السنة ومرجئة ضلالة، وحكموا بأن أبا حنيفة من النوع الجيد لا الردئ..! فما هو الفرق العلمي والعقائدي بين هذين النوعين حتينقبل الجيد ونترك الردئ؟!

وهل يكفي التخلص اللفظي من مذهب المرجئة بمثل قول اللكنوي المتقدم بأن مذهب أهل السنة (أن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان توصل صاحبها إلي دار الخسران) مع أن الأحاديث التي تشبث بها المرجئة علي حد تعبيره ثابتة وصحيحة عندهم!

تورط أصحاب الصحاح الستة في الارجاء

أما إذا نظرت إلي الصحاح فيأخذك العجب عندما تجد نسبةً كبيرةً من رواتها المحترمين مرجئة!! وهو موضوع يحتاج إلي دراسة مستقلة ولا يتسع المجال لأكثر من إشارة إلي بعضهم:

فمنهم: الفأفاء، وهو رأس في المرجئة متعصب لبني أمية مبغض لعلي عليه السلام

بل مبغض للنبي صلي الله عليه وآله! وكان يقرأ لخلفاء بني أمية القصائد في هجاء النبي! وقد قتله العباسيون في ثورتهم.. ومع ذلك فهو معتمدٌ عند ابن المديني شيخ البخاري ويقول عنه قتل مظلوماً، ومعتمدٌ عند البخاري فقد روي عنه في الأدب المفرد وكذلك عند مسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبي داود! قال في تهذيب التهذيب:3/83: خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو سلمة، ويقال أبو المقسم المعروف بالفأفاء الكوفي، أصله حجازي، روي عن عبدالله البهي وعيسي وموسي ابني طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن المسيب وأبي بردة بن أبي موسي والشعبي وغيرهم. وعنه أولاده عكرمة ومحمد وعبد الرحمن، والسفيانان، وشعبة، ومسعر، وزائدة، وزكرياء بن أبي زائدة وابنه يحيي بن زكرياء، وحماد بن زيد، وغيرهم.. وحدث عنه عمرو بن دينار، ويحيي بن سعيد الأنصاري، وهما أكبر منه.

قال البخاري عن ابن المديني له نحو عشرة أحاديث.

وقال أحمد وابن معين وابن المديني ثقة، وكذا قال ابن عمار ويعقوب بن شيبة والنسائي.

وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه.

وقال ابن عدي: هو في عداد من يجمع حديثه، ولا أري بروايته بأساً.

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال ابن سعد: هرب من الكوفة إلي واسط لما ظهرت دعوة بني العباس، فقتل مع ابن هبيرة.

وقال محمد بن حميد عن جرير: كان الفأفأ رأساً في المرجئة، وكان يبغض علياً.

وقال يعقوب بن شيبة: يقال إن بعض الخلفاء قطع لسانه ثم قتله، ذكره علي بنالمديني يوماً فقال: قتل مظلوماً.

وقال أبو داود عن الحسن بن علي الخلال: سمعت يزيد بن هارون يقول دخلت المسودة واسط سنة 132 فنادي مناديهم بواسط: الناس آمنون إلا ثلاثة: العوام

بن حوشب، وعمر بن ذر، وخالد بن سلمة المخزومي. فأما خالد فقتل، وأما العوام فهرب وكان يحرض علي قتالهم، وكان عمر بن ذر يقص بهم ويحرض علي قتالهم عندنا بواسط. له عند مسلم حديث واحد.

قلت: وقع في صحيح البخاري ضمناً حيث قال في الحيض وقالت عائشة كان رسول الله(ص)يذكر الله علي كل أحيانه، فإن مسلماً أخرجه من طريق خالد بن سلمة.

هذا وذكر ابن المديني في العلل الكبري أن الفأفاء لم يسمع من عبد الله بن عمر، وذكر ابن عائشة: أنه كان ينشد بني مروان الأشعار التي هجي بها المصطفي (ص)!!. انتهي.

ومنهم: الحماني، الذي روي عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:6/109: عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني أبو يحيي الكوفي ولقبه بشمين. أصله خوارزمي. روي عن يزيد بن أبي بردة، والأعمش، والسفيانين، وأبي حنيفة وجماعة. وعنه أبو بكر ومحمد بن خلف الحدادي، والحسن بن علي الخلال، وأحمد بن عمر الوكيعي، وأبو كريب، وموسي بن عبد الرحمن المسروقي، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وسفيان بن وكيع، والحسين بن يزيد الكوفي، ومحمد بن عبد بن ثعلبة، ويحيي بن موسي خت، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو سعيد الأشج، والحسن بن علي بن عفان العامري، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة.

وقال أبو داود: كان داعية في الإرجاء!!

وقال النسائي: ليس بقوي، وقال في موضع آخر: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عدي: هو وابنه ممن يكتب حديثه. قال هارون الحمال مات سنة اثنتين ومائتين. قلت: وفيها أرخه ابن قانع وزاد في جمادي الأولي وهو ثقة.

وقال ابن سعد وأحمد: كان ضعيفاً. وقال العجلي: كوفي ضعيف الحديث مرجئ. وقال

البرقي: قال ابن معين: كان ثقة، ولكنه ضعيف العقل!.انتهي.

ومنهم: شعيب بن اسحاق مولي بني أمية الذي روي عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:4/304: شعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد الدمشقي الأموي، مولي رملة بنت عثمان، أصله من البصرة. روي عن أبيه وأبي حنيفة وتمذهب له، وابن جريج والأوزاعي، وسعيد بن أبي عروبة، وعبيد الله بن عمرو، وهشام بن عروة، والثوري وغيرهم. وعنه ابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعيب، وداود بن رشيد، والحكم بن موسي، وأبو النضر الفراديسي، وعمرو بن عون، وإبراهيم بن موسي الرازي، وإسحاق بن راهويه، وسويد بن سعيد، وأبو كريب محمد بن العلاء، وهشام بن عمار، وغيرهم.

وحدث عنه الليث بن سعد، وهو في عداد شيوخه.

قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حديثه وأوثقه.

وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ، سمعت أحمد يقول: سمع من سعيد بن أبيعروبة بآخر رمق.

وقال هشام بن عمار عن شعيب: سمعت من سعيد سنة 144

وقال ابن معين ودحيم والنسائي: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يقربه ويدنيه.

قال دحيم: ولد سنة 18 ومات سنة 189 وكذا أرخه ابن مصفي وزاد في رجبوفيها أرخه غير واحد. ووقع في الكمال سنة 98 وهو وهم.

قلت: وفي سنة 89 أرخه ابن حبان في الثقات، ونقل أبو الوليد الباجي عن أبي حاتم قال: شعيب ابن اسحاق ثقة مأمون. انتهي.

ومنهم: الغنوي الذي روي عنه مسلم والأربعة..قال في تهذيب التهذيب: 1/411: بشير بن المهاجر الغنوي الكوفي، رأي أنس بن مالك، وروي عن عبد الله بن بريدة والحسن البصري وعكرمة

وغيرهم. وعنه ابن المبارك، ووكيع، وابن نمير، والثوري، وجعفر بن عون، وأبو نعيم، وخلاد بن يحيي، وغيرهم... وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال العقيلي: مرجئ متهم متكلم فيه. وقال الساجي: منكر الحديث عنده. انتهي.

وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض علي أصحاب الصحاح فقال في الإيضاح /502: ومن جهة أخري تروون عن المرجئة ويروون عنكم وتروون عن القدرية ويروون عنكم وتروون عن الجهمية ويروون عنكم فتقبلون منهم بعض أقاويلهم وتردون عليهم بعضها، فلا الحق أنتم منه علي ثقة، ولا الباطل أنتم منه علي يقين وأنتم عند أنفسكم أهل السنة والجماعة.

حب المستشرقين للمرجئة و حزنهم عليهم

قال الدكتور حسن إبراهيم في كتابه تاريخ الإسلام:1/416 عن المرجئة:

وهي طائفة المرجئة التي ظهرت في دمشق حاضرة الأمويين بتأثير بعض العوامل المسيحية خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري.

وقد سميت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخير، لأنهم يرجئون الحكم علي العصاة من المسلمين إلي يوم البعث. كما يتحرجون عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها....

وهؤلاء هم في الحقيقة كتلة المسلمين التي رضيت حكم بني أمية، مخالفين في ذلك الشيعة والخوراج. ومع هذا فإنهم يتفقون في العقيدة إلي حد ما مع طائفة المحافظين وهي أهل السنة، وإن كانوا _ كما يري فون كريمر _ قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنيين باعتقادهم (أنه لا يخلد مسلم مؤمن في النار) وعلي العموم فهم يضعون العقيدة فوق العمل.

وكانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموي ومن يلوذ به، بحيث لا يستطيع أحد من الشيعيين أو الخوارج أن يعيش بينهم، في الوقت الذي تمكن فيه المسيحيون وغيرهم من المسلمين أن ينالوا الحظوة لديهم، أو يشغلوا المناصب العالية!. انتهي.

ويمكنك ملاحظة التناقض بين

ما ذكره الدكتور والمستشرقون عن تقوي المرجئة وتحرجهم عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها وحكمهم عليه بأنه من أهل الجنة بحكم عقيدتهم، وبين تقواهم في أنهم كانوا يتعايشون مع الحكام الأمويين والنصاري واليهود ولا يتعايشون مع من خالفهم من المسلمين.

ولعل السبب في ذلك أن الحكام الأمويون أساتذتهم في عملية إسقاط المحرمات، بينما اليهود والنصاري أساتذتهم في نظرية إسقاط المحرمات!!

ثم قال الدكتور حسن إبراهيم:

وبزوال الدولة الأموية أفل نجم طائفة المرجئة ولم تصبح بعد حزباً مستقلاً، ومع ذلك فقد ظهر من بينهم أبو حنيفة صاحب المذهب المشهور. انتهي.

ولكن حكمه بزوال المرجئة مع أسيادهم الأمويين غير دقيق، لانهم سقطوا سياسياً لا ثقافياً، فقد بقيت أفكارهم ورواياتهم وعقائدهم في مصادر المسلمين..ويكفي دليلاً علي ذلك اتهام أبي حنيفة وغيره بأنهم منهم..فإن خط المرجئة عاد إلي النفوذ والحكم بقرار من الدولة العباسية لكي تواجه به أهل البيت (عليهم السلام)

غاية الأمر أن اسمهم صار الأشعرية والحنابلة وأهل الحديث وأهل السنة، فإن أكثرية هؤلاء من المرجئة!

ويكفي دليلاً علي ذلك أن كبار علمائهم لا يستطيعون التفريق بين رأيهم في الشفاعة وبين رأي المرجئة، وأن إطاعتهم للعباسيين كإطاعة المرجئة للأمويين!

بل يمكن القول إنه بعد زوال العباسيين وكثير من الفرق لم ينته المرجئة، لأن أساس مذهبهم ومنبع أفكارهم الأحاديث التي دخلت الصحاح كما رأيت، ومن أراد أن يأخذ بها ويلتزم بلوازمها فلا بد له أن يكون مرجئاً ويقول بسقوط المحرمات عملياً، ويكتفي بالشهادتين كما مر في توسيع الشفاعة!!

وأخيراً فقد نقل الدكتور المذكور تأسف المستشرق فون كريمر علي ضياع تاريخ المرجئة بعد زوالهم قال في:1/418:

ويقول فون كريمر: ومما يؤسف له كثيراً أنه ليس لدينا غير

القيل من الأخبار الصحيحة عن هذه الطائفة، فقد استمروا طوال ذلك العصر وذاقوا حلوه ومره، وقد ضاعت جميع المصادر التاريخية العربية عن الأمويين، حتي أن أقدم المصادر التاريخية التي وصلت إلينا إنما ترجع إلي عهد العباسيين، ومن ثَمَّ كان لزوماً علينا أن نستقي معلوماتنا عن المرجئة من تلك الشذرات المبعثرة في مؤلفات كتاب العرب في ذلك العصر الثاني. انتهي.

وهو تأسف ظاهره علمي وواقعه البكاء علي المرجئة لما اشتهر عنهم وعن الأمويين من تفضيلهم التعايش مع المسيحيين واليهود علي التعايش مع من خالفهم من المسلمين..وهو تأسف يجعلنا نلمس صدق قول الإمام محمد الباقر عليه السلام عن المرجئة بأنهم أشبه باليهود من الليل بالليل، وذلك لجرأتهم علي إسقاط قانون العقوبة الالهي، وقولهم إن المسلم مهما ارتكب من جرائم فلن تمسه النار حتي أياماً معدودة، فليس غريباً أن يحبهم ويتأسف عليهم المستشرقون من اليهود والنصاري!

المرجئة والجبرية شقيقان لاب و أم

مع أن مذهب المرجئة مذهبٌ في الثواب والعقاب ولا علاقة له بالقضاء والقدر والجبر والتفويض..ومع أن النسبة بين المرجئة وبين القدرية والمفوضة عمومٌ من وجه، لأن المرجئ في الأعمال قد يكون مفوضاً أو قدرياً، كما أن القدري والمفوض قد يكون مرجئاً أو غير مرجئ..

ولكن ذلك كله في مقام الإثبات والنظرية، أما في مقام الثبوت والتطبيق فالأعم الأغلب في المرجئة أنهم قدرية جبرية، والسبب في ذلك أن الأحاديث التي استندوا إليها في القول بالإرجاء أو (تشبثوا) بها علي حد تعبير اللكنوي رافقتها أحاديث الجبر التي تنسب أفعال الإنسان إلي الله تعالي وتحمله مسؤوليتها، لكي ترفعها عن الإنسان، كما رأيت في أحاديث توسيع الشفاعة وفناء النار!

وبما أن مسائل القضاء والقدر متعددة، لذا نكتفي هنا بإعطاء تصور كلي عنها ليتضح ارتباطها بموضوع

الشفاعة والإرجاء فنقول:

ورد تعريف القدر الإلهي في نص بديع عن الإمام الرضا عليه السلام بأنه (الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء) كما سيأتي. وقد وقع الخلاف بين المسلمين في مسائله العديدة، وتكونت علي أساس آرائهم مذاهبهم العقائدية.

قال السيد الطباطبائي في هامش الكافي:1/157:

واعلم أن البحث عن القضاء والقدر كان في أول الأمر مسألة واحدة ثم تحول ثلاث مسائل أصلية الأولي: مسألة القضاء وهو تعلق الإرادة الإلهية الحتمية بكل شئ والأخبار تقضي فيها بالإثبات...

الثانية: مسألة القدر وهو ثبوت تأثير ماله تعالي في الأفعال والأخبار تدل فيها أيضاً علي الإثبات.

الثالثة: مسألة الجبر والتفويض والأخبار تشير فيها إلي نفي كلا القولين وتثبت قولاً ثالثاً وهو الأمر بين الأمرين لا ملكاً لله فقط من غير ملك للإنسان ولا بالعكس بل ملكاً في طول ملك وسلطنة في ظرف سلطنة.

واعلم أيضاً أن تسمية هؤلاء بالقدرية مأخوذة مما صح عن النبي صلي الله عليه وآله (إن القدرية مجوس هذه الأمة الحديث) فأخذت المجبرة تسمي المفوضة بالقدرية لأنهم ينكرون القدر ويتكلمون عليه والمفوضة تسمي المجبرة بالقدرية لأنهم يثبتون القدر. والذي يتحصل من أخبار أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم يسمون كلتا الفرقتين بالقدرية ويطلقون الحديث النبوي عليهما.

أما المجبرة فلانهم ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية جميعاً إلي غير الإنسان كما أن المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشر جميعاً غير الإنسان وقوله عليه السلام في هذا الخبر مبني علي هذا النظر.

وأما المفوضة فلانهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلي أفعاله والله سبحانه بالنسبة إلي غيرها كما أن المجوس قائلون بإله الخير وإله الشر وقوله عليه السلام في الروايات التالية (لا جبر ولا قدر) ناظر إلي هذا

الإعتبار. انتهي.

ونضيف إلي ما ذكره السيد الطباطبائي رحمه الله: مسألة البداء، وهي هل أن تقدير الله تعالي في كل الأمور حتمي عليه، فلا يمكنه تغيير شئ منه، لأنه فرغ من الأمر علي حد تعبير بعض المسلمين، أو لأن يده مغلولة علي حد تعبير اليهود..أم أن القدر مفتوح له تعالي، وله الحق والقدرة علي البداء والتغيير كما يشاء، لأنه فرغ من الأمر ولم يفرغ منه علي حد تعبير أهل البيت (عليهم السلام).

القدرية المفوضة (الذين ينفون القدر)

محور الخلاف في مسألة القدر هو: سلطة الله تعالي علي أفعال الإنسان وحركة الطبيعة والكون، وفعله فيها.

فالذين ينفون هذه السلطة يسمون (المفوضة) لانهم يزعمون أن الإنسان مفوضٌ في أعماله، ولا دخل لله تعالي ولا لسلطته فيها.

وقد يكون المفوضة مؤمنين بوجود الله تعالي، ولكنهم يقولون إنه فوض ذلك إلي الإنسان وقوانين الطبيعة..

وقد يكونون ملحدين دهريين أو مشككين، ويعبر عنهم بالمفوضة أيضاً، لانهم ينفون سلطة الله تعالي وفاعليته في أفعال الإنسان وحركة الطبيعة.

وهم في عصرنا فئات الماديين من الملحدين والطبيعيين وأكثر العلمانيين، وبعض المتأثرين بالثقافة الغربية من المسلمين.

والتفويض في القدر مرفوض كلياً عند أهل البيت (عليهم السلام) ومنه التفويض الذي يذهب إليه أكثر المعتزلة أيضاً. قال في شرح المواقف: 8/146: وقالت المعتزلة أي أكثرهم: هي (الأفعال الإختيارية) واقعة بقدرة العبد وحدها علي سبيل الإستقلال بلا إيجاب بل باختيار.

وقال الكليني في الكافي:1/157:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام:

يا يونس، لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار، ولا بقول إبليس!

فإن أهل الجنة قالوا: الحمد

لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وقال أهل النار: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين.

وقال إبليس: رب بما أغويتني.

فقلت: والله ما أقول بقولهم ولكني أقول: لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدروقضي.

فقال: يا يونس ليس هكذا، لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضي.

يايونس تعلم ما المشيئة؟

قلت: لا.

قال: هي الذكر الأول.

فتعلم ما الإرادة؟

قلت: لا.

قال: هي العزيمة علي ما يشاء.

فتعلم ما القدر؟

قلت: لا.

قال: هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء.

قال ثم قال: والقضاء هو الإبرام وإقامة العين.

قال: فاستأذنته أن أقبل رأسه وقلت: فتحت لي شيئاً كنت عنه في غفلة. انتهي.

وفي مجمع الزوائد:7/205:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. رواه الطبراني في الأوسط وفيه زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغيره وضعفه جماعة. انتهي. ورواه البيهقي في سننه:10/202 وقال: أخرجه أبو داود في كتاب السنن هكذا. انتهي.

فهذان النصان يردَّان علي القدرية المفوضة.

وينبغي الالتفات إلي أن اسم المرجئة لا يستعمل في الأحاديث في ضد معناه، بينما يستعمل اسم القدرية للمؤمن بالقدر ولمنكر القدر.. ويعرف ذلك من سياق الكلام.

القدرية الجبرية (الذين يثبتون القدر)

أما الذين يثبتون فعل الله تعالي في حركة الكون وأفعال الإنسان فيسمون (القدرية) لانهم يؤمنون بوجود سلطة لله تعالي علي أفعال الإنسان وحركة الطبيعة بشكل من الإشكال، وهؤلاء منهم من يفرط في إثبات الفعل الإلهي في أفعال الإنسان فينسبون أفعال الإنسان إلي الله تعالي نسبةً كاملة فيسمون (الجبرية) وهم أكثر المرجئة، ولعلهم أكثر إخواننا السنة، وإن لم يصرحوا بذلك..

والسبب في ذلك وجود أحاديث ثبتت عندهم عن الخليفة عمر ومن تبعه من الصحابة توجب القول بذلك، وهي نقطة التقاء شديدة بينهم وبين المرجئة وقد أشرنا إلي أن السبب في جبرية المرجئة أن أحاديث الارجاء التي صحت عندهم رافقتها أحاديث الجبر مرافقة الأخت لأختها، بل كانت نفسها في بعض الأحيان..ومن هنا قلنا إن الارجاء والجبر أخوان شقيقان لأب وأم.

قال في شرح المواقف:8/146:

المقصد الأول في أن أفعال العباد الإختيارية واقعة بقدرة الله سبحانه وتعالي وحدها، وليس لقدرتهم تأثير فيها بل الله سبحانه أجري عادته بأن يوجد في العبد قدرةً واختياراً، فإذا لم يكن هناك مانعٌ أوجد فيه فعله المقدور مقارناً لهما، فيكون فعل العبد مخلوقاً لله إبداعاً وإحداثاً، ومكسوباً للعبد، والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوي كونه محلاً له! وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري.انتهي.

وأقدم الأحاديث في الجبر مروية عن الخليفة عمر وكعب الأحبار، وقد تقدم عدد منها في توسيع الشفاعة وفناء النار، ونذكر فيما يلي بعضها:

روي أحمد في مسنده:1/29:

عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال للنبي (ص): أرأيت ما نعمل فيه أقد فرغ منه أو في شئ مبتدأ أو أمر مبتدع؟ قال: فيما قد فرغ منه. فقال عمر ألا نتكل؟ فقال: إعمل يا ابن الخطاب فكل ميسر، أما من كان من أهل السعادة فيعمل للسعادة، وأما أهل الشقاء فيعمل للشقاء!

ورواه في:2/77، ونحوه في الترمذي:4/352 ونحوه الحاكم:2/462 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ورواه في مجمع الزوائد:7/194 عن أبي بكر وعن عمر وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. ورواه في كنز العمال بعدة روايات

في:1/128 وص 339

ورواه البخاري بصيغة أخري تذكر أن الله تعالي يتحمل مسؤولية خطيئة آدم عليه السلام، عيناً كما في التوراة!..قال في صحيحه:4/131

عن أبي هريرة: قال قال رسول الله (ص): احتج آدم وموسي فقال له موسي: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسي الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني علي أمر قدر علي قبل أن أخلق؟ فقال رسول الله (ص): فحج آدم موسي مرتين! انتهي.

ورواه بصيغة أخري أيضاً فيها تعنيفٌ لادم قال في:7/214 فيها (فقال له موسي يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة)، وروي نحوه أيضاً في:8/203

فهذه النصوص الصحيحة عندهم تقول بالجبر في أفعال الإنسان، وفي تكوين الكون معاً.

القدر عند أهل البيت: لا جبر و لا تفويض

أما مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فهو يثبت القدر ويؤمن بسلطة الله تعالي علي أفعال الإنسان وفعله فيها، ولكنه يقول لا تصح نسبة المعصية إليه تعالي وإن كان الأقدار عليها منه تعالي، أما نسبتها التي تستلزم تحمل مسؤوليتها فهي لفاعلها الذي هو الإنسان..

فالإنسان في هذا المذهب ليس مجبوراً في أفعاله الاختيارية ولا مفوضاً إليه، ولا مجرد مجري لأفعاله كمجري النهار، بل حاله من نوع آخر يوجد فيه القدر الالهي بشكل كامل لصغير الأمور وكبيرها ويوجد فيه حرية الإنسان ومسؤوليته. وهذا معني (لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين).

وقد أكد أهل البيت (عليهم السلام) علي هذا النوع من القدر، وقاوموا المفوضة لإنكارهم سلطان الله تعالي علي صغير الأمور وكبيرها. كما قاوموا القائلين بالجبر في أفعال الإنسان لانهم ينسبون المعاصي إلي الله تعالي، وينسبون إليه الظلم بمجازاة الإنسان عليها! وكذلك القائلين بالجبر في الخلق والتكوين والتخطيط، لأنهم يريدون تصوير الكون بأنه آلة وضع

الله مخططها وأطلقها ولا يمكنه البداء والتغيير والتبديل فيها وهم اليهود الذين قالوا (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) والمسلمون الذين قلدوهم فقالوا (فرغ من الأمر).

روي الصدوق في معاني الأخبار/18:

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ، لم يعنوا أنه هكذا ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيباً لقولهم: غُلَّتْ أيديهم ولُعِنُوا بما قالو بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. ألم تسمع الله عز وجل يقول: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.

وقال الحويزي في تفسير نور الثقلين:2/514:

في عيون الأخبار في باب مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي قال الرضا عليه السلام بعد كلام طويل لسليمان: ومن أين قلت ذلك وما الدليل علي أن إرادته علمه؟ وقد يعلم ما لا يريده أبداً وذلك قوله تعالي: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فهو يعلم كيف يذهب به ولا يذهب به أبداً؟

قال سليمان: لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئاً.

قال الرضا عليه السلام: هذا قول اليهود، فكيف قال: أدعوني أستجب لكم؟

قال سليمان: إنما عني بذلك أنه قادر عليه!

قال: أفيعد بما لا يفي به؟! فكيف قال: يزيد في الخلق ما يشاء؟ وقال عز وجل: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، وقد فرغ من الأمر؟!

فلم يَحِرْ جواباً.

وفي هذا المجلس أيضاً قال الرضا عليه السلام:

يا سليمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله تعالي، يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء.

يا سليمان إن علياً عليه السلام كان يقول: العلم علمان، فعلم علمه الله ملائكته ورسلهفإنه يكون ولا

يكذب نفسه ولا ملائكته ورسله.

وعلم عنده مخزونٌ لم يطلع عليه أحداً من خلقه، يقدم منه ما يشاء ويؤخر مايشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء. انتهي.

وبذلك يتضح أن البداء الذي يؤكد أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله علي أنه جزءٌ من الإسلام، وأنه ما عبد الله بشئ كما عبد به، إنما هو نفي الجبرية علي الله تعالي، ونفي زعم اليهود أن يده مغلولة بحجة أنه فرغ من الأمر!

ويتضح منه أن الذين يشنعون علي الشيعة بعقيدة البداء..لم يفهموها!

ردة فعل الخوارج علي توسيع الدولة للشفاعة

من الواضح للباحث أن بذور تفكير الخوارج ولدت في عهد الخليفة عمر، وكانت تأخذ شكل اعتراضات علي عدم تطبيق الخليفة للقرآن، كما نلاحظ في أسئلة الوفد المصري (الدر المنثور:2/145)

ثم نمت في عهد الخليفة عثمان..

ثم أخذت شكل اتجاه فكري في فهم الدين، وشكل حزب سياسي معارض في عهد الإمام علي عليه السلام ثم استمرت مذهباً وحزباً مسلحاً في معارضة الأمويين والعباسيين وتكفيرهم وقتالهم..

ومن أبرز صفات الخوارج الفكرية: جمودهم في فهم الدين، وميلهم إلي إصدار الأحكام الكلية بدون شروط ولا تفاصيل ولا استثناءات، وتكفيرهم من خالفهم من فرق المسلمين، وفتواهم بهدر دمائهم ووجوب جهادهم.

وهذا المنحي الذهني يقع في الجهة المضادة لمذهب المرجئة الذي تتبناه السلطة، المنحي المتساهل في أداء الواجبات وترك المحرمات، المفرط في تأميل الناس بالشفاعة والجنة مهما عصوا.. ماعدا المعارضين للدولة طبعاً.

لقد ساعد مذهب الإرجاء الدولة وأتباعها في تخفيف المسؤولية المشددة في القرآن و السنة علي الحكام، ولكنه سبب ردات فعل في الأمة فظهرت فئات تنكر أصل الشفاعة التي تتذرع بها الدولة، وتكذب كل أحاديثها وتؤول كل آياتها..ولم يكن ذلك منحصراً بالخوارج، وإن اشتهروا به.

بل تدل روايات

السنيين علي أن ردود الفعل علي توسيع الشفاعة بدأت من زمن الخليفة عمر، ولكنه لم يستطع أن يؤدب أصحابها بالسوط، إما لأنه لم يعرفهم بالضبط، أو لسبب آخر، فخطب محذراً منهم بشدة!

قال في مجمع الزوائد:7/207:

عن ابن عباس قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثني عليه فقال: ألا إنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة!

وروي نحوه في مسند أحمد:1/23 وفي الدر المنثور:3/60: عن سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس وفي كنز العمال:1/387 وج 5/429 وص 431 وفيه (قال أمر عمر بن الخطاب منادياً فنادي أن الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال...).

ويظهر من النص التالي أن بني أمية أفرطوا في التأكيد علي الشفاعة أيضاً، ففي فردوس الأخبار للديلمي:1/116 ح 254: عن معاوية: إشفعوا إلي تؤجروا، فإن الرجل ليسألني الحاجة فأرده كي تشفعوا له فتؤجروا! انتهي.

أما الخوارج فقد ثبت أنهم كانوا يقولون: إن مرتكب المعصية الكبيرة أو الصغيرة كافر، وإذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار، وأنه لا شفاعة لاحد أبداً ولا خروج من النار!

وأول من تصدي لرد مقولتهم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ثم تبعهم غيرهم.

قال البرقي في المحاسن:1/184:

عن علي بن أبي حمزة قال: قال رجل لابي عبد الله عليه السلام: إن لنا جاراً من الخوارج يقول: إن محمداً صلي الله عليه وآله يوم القيامة همه نفسه فكيف يشفع؟! فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أحدٌ من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يوم القيامة.

وقال العياشي في تفسيره:2/314:

عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله عليه السلام عن المؤمن

هل له شفاعة؟ قال: نعم، فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلي شفاعة محمد يومئذ؟ قال: نعم إن للمؤمنين خطاياً وذنوباً، وما من أحد إلا ويحتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يومئذ.

قال: وسأله رجل عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر؟ قال: نعم، يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع أطلب تعط، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع واطلب تعط، ثم يرفع رأسه فيشفع فيشفع، ويطلب فيعطي.

وفي تفسير القمي:2/201:

قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولي لامرأة علي بن الحسين عليه السلام علي أبي جعفر عليه السلام يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد؟!

فغضب أبو جعفر عليه السلام حتي تربَّدَ وجهه، ثم قال: ويحك يا أبا أيمن! أغرَّك أن عفَّ بطنك وفرجك؟! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله! ويلك! فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار؟!

ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يوم القيامة.

ثم قال أبو جعفر عليه السلام: إن لرسول الله صلي الله عليه وآله الشفاعة في أمته، ولنا الشفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم.

ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، فإن المؤمن ليشفع حتي لخادمه ويقول: يارب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد. ورواه في بحار الأنوار:8/38 وفي تفسير نور الثقلين:4/102 و334

وفي الأدب

المفرد للبخاري/224:

عن طلق بن حبيب قال: كنت أشد الناس تكذيباً بالشفاعة فسألت جابراً فقال: يا طلق سمعت النبي يقول: يخرجون من النار بعد الدخول.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/286:

وأخرج ابن مردويه عن صهيب الفقير قال: كنا بمكة ومعي طلق بن حبيب، وكنا نري رأي الخوارج، فبلغنا أن جابر بن عبد الله يقول في الشفاعة فأتيناه فقلنا له: بلغنا عنك في الشفاعة قول الله مخالف لك فيها في كتابه! فنظر في وجوهنا فقال: من أهل العراق أنتم؟! قلنا نعم، فتبسم وقال: وأين تجدون في كتاب الله؟ قلت: حيث يقول: ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته، ويريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وأشباه هذا من القرآن.

فقال: أنتم أعلم بكتاب الله أم أنا؟ قلنا بل أنت أعلم به منا. قال: فوالله لقد شهدت تنزيل هذا علي عهد رسول الله(ص)وشفاعة الشافعين، ولقد سمعت تأويله من رسول الله(ص)وإن الشفاعة لنبيه في كتاب الله، قال في السورة التي تذكر فيها المدثر: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الآية. ألا ترون أنها حلت لمن مات لم يشرك بالله شيئاً؟!

وفي تفسير الطبري:4/141:

عن الأشعث الحملي قال قلت للحسن: يا أبا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفاعه حق هو؟ قال: نعم حق.

وفي فتح القدير للشوكاني:5/567:

وأخرج بن المنذر عن طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحقٌّ هي؟ قال: إي والله.

وفي دلائل النبوة للبيهقي:1/25:

عن شبيب بن أبي فضالة المالكي: لما بني مسجد الجامع ذكروا عند عمران بن

حصين الشفاعة فقال رجل من القوم: إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في كتاب الله، وعمران يقول أنتم أخذتم هذا الشأن منا، وأخذنا نحن عن نبي الله.

وفي الجواهر الحسان للثعالبي:1/356:

قوله تعالي: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ... قالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد، وقالت الخوارج إذا كان صاحب كبيره أو صغيره فهو في النار مخلد.

وفي تطهير الجنان لإبن حجر/38:

إن قلت: في هذا الحديث (كل ذنب عسي الله أن يغفره إلا رجل يموت كافراً أو يقتل مؤمناً متعمداً) دليل للمعتزلة والخوارج قبحهم الله تعالي علي أن الكبيرة لا تغفر؟

قلت: لا دليل لهم فيها أبداً، لقوله تعالي: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، لوجوب حملها علي المستحل... بدليل قوله تعالي: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وهو مخصص أيضاً بقوله تعالي: إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا... قد ضل... فرقٌ من فرق الضلالة القائلون بأن مرتكب الكبيرة إذا مات بلا توبة يخلد، وهؤلاء المعتزلة والخوارج، والفرق بينهما إنما هو من حديث إن الميت فاسقاً هل هو كافر أو لا مؤمن ولا كافر؟ فالخوارج علي الأول والمعتزلة علي الثاني.

وفي مقالات الإسلاميين للأشعري:1/124:

وأما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قولٌ واحد، لأنهم يقولون أن أهل الكبائر الذين يموتون علي كبائرهم في النار خالدون.

وفي مقالات الإسلاميين: 1/86 _ 87:

وأجمعوا (الخوارج) علي أن كل كبيرة كفر إلا النجدات، فإنها لاتقول ذلك. وأجمعوا أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات.

والأزارقة (من الخوارج) تقول إن كل كبيرة كفر، وإن الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم،

وإن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً، ويكفرون علياً (رض)في التحكيم.

وقال في شرح المواقف:4 جزء 8/334:

إن مرتكب الكبيره من أهل الصلاة... مؤمن... ذهب الخوارج إلي أنه كافر، والحسن البصري إلي أنه منافق، والمعتزلة إلي أنه مؤمن ولا كافر.

وقال الرازي في تفسيره:1 جزء 3/238:

إن المعصية عند المعتزلة وعندنا لا توجب الكفر، أما عندنا فلان صاحب الكبيرة مؤمن، وأما عند المعتزلة فلانه وإن خرج عن الإيمان فلم يدخل في الكفر، وأما عند الخوارج فكل معصية كفر.

وقال الرازي في تفسيره:6 جزء 12/5:

قالت الخوارج: كل من عصي الله فهو كافر... احتجوا بهذه الآية (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ...) وقالوا إنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله، فوجب أن يكون كافراً.

وقال الرازي في:15 جزء 30/239:

إن الخوارج احتجوا بهذه الآية (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) علي أنه لا واسطة بين المطيع والكافر قالوا: لأن الشاكر هو المطيع والكفور هو الكافر، والله تعالي نفي الواسطة وذلك يقتضي أن يكون كل ذنب كفراً.

وقال النووي في شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضي عياض: اختلف الناس فيمن عصي الله من أهل الشهادتين، فقالت المرجئة: لا تضره المعصية، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد في النار، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن..

وقال المجلسي في بحار الأنوار:8/62:

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً، ووجوبها سمعاً بصريح الآيات وبخبر الصادق، وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها. ومنعت الخوارج

وبعض المعتزلة منها، وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالي: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وأمثاله وهي في الكفار.

وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل، وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار.

(راجع شرح مسلم للنووي:2 جزء 3/35)

وفي شرح مسلم للنووي:2 جزء 3/50:

رأي الخوارج.. أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار.

وفي إرشاد الساري للقسطلاني:1/115:

لا ينسب إلي الكفر باكتساب المعاصي والإتيان بها إلا بالشرك أي بارتكابه، خلافاً للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة، والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر.

وفي فتاوي ابن باز:2/27:

وذهب الخوارج إلي أن صاحب المعصية مخلد في النار وهو بالمعاصي كافر أيضاً ووافقهم المعتزلة بتخليده في النار.

وفي فتاوي ابن باز:3/367:

قول أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة... المعاصي التي دون الشرك لا تحبط الأعمال الصالحة ولا تبطل ثوابها..

وفي بحار الأنوار:8/364:

قال العلامة رحمه الله في شرحه علي التجريد: أجمع المسلمون كافة علي أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين، فالوعيدية علي أنه كذلك، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلي أن عذابه منقطع. والحق أن عقابهم منقطع لوجهين:

الأول، أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالي: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ.

والإيمان أعظم أفعال الخير فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب علي العقاب وهو باطل بالإجماع، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم علي ما تقدم، أو بالعكس وهو المراد، والجمع محال.

الثاني، يلزم أن يكون من عبد الله تعالي مدة عمره بأنواع القربات إليه ثم عصي في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه مخلداً في النار كمن أشرك

بالله مدة عمره، وذلك محال لقبحه عند العقلاء. انتهي.

وفي بحار الأنوار:8/370:

وقال شارح المقاصد: اختلف أهل الإسلام فيمن ارتكب الكبيرة من المؤمنين ومات قبل التوبة، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو ولا بالعقاب بل كلاهما في مشيئة الله تعالي، لكن علي تقدير التعذيب نقطع بأنه لا يخلد في النار بل يخرج البتة، لا بطريق الوجوب علي الله تعالي، بل مقتضي ما سبق من الوعد وثبت بالدليل كتخليد أهل الجنة.

وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم، من غير عفو ولا إخراج من النار، وما وقع في كلام البعض من أن صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنة ولا في النار فغلطٌ نشأ من قولهم: إن له المنزلة بين المنزلتين، أي حالة غير الإيمان والكفر.

وأما ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلاً وإنما النار للكفار تمسكاً بالآيات الدالة علي اختصاص العذاب بالكفار مثل: قد أوحي إلينا أن العذاب علي من كذب وتولي، إن الخزي اليوم والسوء علي الكافرين.

فجوابه: تخصيص ذلك العذاب بما يكون علي سبيل الخلود.

وأما تمسكهم بمثل قوله عليه السلام: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زني وإن سرق، فضعيف، لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول.

لنا وجوه: الأول، وهو العمدة: الآيات والأحاديث الدالة علي أن المؤمنين يدخلون الجنة البتة، وليس ذلك قبل دخول النار وفاقاً، فتعين أن يكون بعده وهو مسألة انقطاع العذاب، أو بدونه وهو مسألة العفو التام، قال الله تعالي: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.

تبادل المواقع بين الخوارج والمرجئة

يحسن هنا أن نسجل أمراً طريفاً نلاحظه في عصرنا، وهو تبادل

المواقع بين ورثة الخوارج، وورثة الخلافة الأمويين والمرجئة!

فورثة الخوارج (الأباضيون) تنازلوا عن العنف الفكري وسجلوا ليونتهم العقائدية والفقهية تجاه فرق المسلمين..بينما ورثة الخلافة الأموية (التكفير والهجرة والوهابيون) تخلوا عن أفكار الليونة والتسامح، وتبنوا مذهب العنف والشدة، وأفتوا بكفر كل فرق المسلمين، ماعدا فرقتهم! ولعلهم يتخلون أيضاً عن شمول الشفاعة لكل المسلمين ويحصرونها بفرقتهم..كما يشم ذلك من فكرهم!

وهكذا تتغير المواقع الفكرية والسياسية مع العصور من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار.. وسبحان من لا يتغير.

المعتزلة مثقفون متوسطون بين الدولة والخوارج

قال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه:8/204:

ولد واصل سنة ثمانين بالمدينة وكان يجلس إلي الحسن البصري، فلما ظهر بين أهل السنة القول من الخوارج بتكفير أهل الكبائر، ومن المرجئة بجعلهم إيمان أهل الكبائر كإيمان جبرئيل وميكائيل، أبدع واصل (بن عطاء مولي بني ضبة) قوله في المنزلة بين المنزلتين... مات واصل سنة إحدي وثلاثين ومئة.

الصغائر تغفر والكبائر لا تغفر إلا بالتوبة

مقالات الإسلاميين للأشعري:1/270:

واختلفت المعتزلة.. في الصغائر والكبائر.. فقال قائلون منهم: كل ما أتي فيه الوعيد فهو كبير، وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير.. وقال جعفر بن ميثر: كل عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمداً لها فهو مرتكب لكبيرة...

واختلفت المعتزلة في غفران الصغائر... فقال قائلون: إن الله سبحانه يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر تفضلاً.. وقال قائلون: لا يغفر الصغائر إلا بالتوبة.

وقال في شرح المواقف:8/303:

أوجب جميع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة، ولم يجوزوا أن يعفو الله عنه، لوجهين: الأول أنه تعالي أوعد بالعقاب علي الكبائر وأخبر به أي بالعقاب عليها، فلو لم يعاقب علي الكبيرة وعفا لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره، وإنه محال.

الجواب: غايته وقوع العقاب فأين وجوبه الذي كلامنا فيه، إذ لا شبهة في أن عد الوجوب مع الوقوع لا يستلزم خلفاً ولا كذباً.

قالت المعتزلة والخوارج: صاحب الكبيرة إذا لم يتب عنها مخلد في النار ولا يخرج منها أبداً. وعمدتهم في إثبات ما ادعوه دليل عقلي هو أن الفاسق يستحق العقاب بفسقه، واستحقاق العقاب بل العقاب مضرة خالصة لا يشوبها ما يخالفها دائمة لا تنقطع أبداً. واستحقاق الثواب بل الثواب منفعة خالصة عن الشوائب دائمة. والجمع بينهما أي بين استحقاقهما محال، كما أن الجمع بينهما محال.

وقال في شرح المواقف:8/334:

مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة أي من أهل القبلة مؤمن، وقد تقدم بيانه في مسألة حقيقة الإيمان وغرضنا هاهنا ذكر مذهب المخالفين والجواب عن شبهتهم: ذهب الخوارج إلي أنه كافر، والحسن البصري إلي أنه منافق، والمعتزلة إلي أنه لا مؤمن ولا كافر.

حجة الخوارج وجوه: الأول قوله تعالي: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، فإن كلمة (من) عامة في كل من لم يحكم بما أنزل، فيدخل فيه الفاسق المصدق. وأيضاً فقد علل كفرهم بعدم الحكم، فكل من لم يحكم بما أنزل الله كان كافراً، والفاسق لم يحكم بما أنزل الله.

قلنا: الموصولات لم توضع للعموم، بل هي للجنس تحتمل العموم والخصوص.

وفي ثمرات الأوراق بهامش المستطرف/13:

المعتزلة طائفة من المسلمين يرون أن أفعال الخير من الله وأفعال الشر من الإنسان وأن القرآن مخلوق محدث ليس بقديم وان الله تعالي غير مرئي يوم القيامة، وأن المؤمن إذا ارتكب الذنب مثل الزنا وشرب الخمر كان في منزلة بين منزلتين.

تأويلات أهل السنة للحنفي:1/630:

وقوله تعالي: وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، فيه دليل علي أن من السيئات ما يكفرها الصدقة... وهو نقض علي المعتزلة لأنهم لا يرون تكفير الكبائر بغير التوبة عنها، ولا التعذيب علي الصغائر. فأما إن كانت الآية في الكبائر فبطل قولهم (لا يكفر بغير التوبة) أو في الصغائر يبطل قولهم إنها مغفورة، إذ وعدت بالصدقة لأنهم يخلدون صاحب الكبيره في النار، والله تعالي أطمع له تكفير السيئات بالصدقة.

و صاحب الكبيرة في النار و لا تشمله الشفاعة

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

أجمعت الأمة علي ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له عليه الصلاة والسلام، ولكن هي عندنا لأهل الكبائر من الأمة في إسقاط العقاب عنهم... وقالت المعتزلة: إنما هي لزيادة

الثواب لا لدرأ العقاب، لقوله تعالي: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ، وهو عام في شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام وغيره.

الجواب: أنه لا عموم له في الاعيان، لأن الضمير لقوم معينين هم اليهود، فلا يلزم أن لا تنفع الشفاعة غيرهم.

تأويلات أهل السنة:1/590:

قال المعتزلة: لا تكون الشفاعة إلا لأهل الخيرات خاصة، الذين لا ذنب لهم أو كان لهم ذنب فتابوا عنه.

تفسير الرازي 11 جزء 22/160:

احتجت المعتزلة بقوله تعالي: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي، علي أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر، لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم.

تفسير الرازي 11 جزء 22/118:

المعتزلة قالوا: الفاسق غير مرضي عند الله تعالي، فوجب أن لا يشفع الرسول (ص) في حقه لأن هذه الآية (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ) دلت علي أن المشفوع له لابد وأن يكون مرضياً عند الله.

تفسير الرازي:12 جزء 23/66:

أما قوله (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) احتجت المعتزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة.

وقال في:14 جزء 27/33:

احتج الكعبي بهذه الآية علي أن تأثير الشفاعة في حصول زيادة الثواب للمؤمنين، لا في إسقاط العقاب عن المذنيين.

وقال في:4 جزء 7/10:

قال القفال: إنه لا يأذن في الشفاعة لغير المطيعين... وأقول إن هذا القفال عظيم الرغبة في الإعتزال... ومع ذلك فقد كان قليل الاحاطة بأصولهم. وذلك لأن من مذهب البصريين أن العفو عن صاحب الكبيرة حسن في العقول.. إلا أن السمع دل... لا يقع، وإذا كان كذلك كان الإستدلال العقلي علي المنع من الشفاعة في حق العصاة خطأ علي قولهم.

وفي إرشاد الساري للقسطلاني:8/340:

قوله تعالي: مَنْ يَعْمَلْ سُوءً

يُجْزَ بِهِ، استدل بهذه الآية المعتزلة علي أنه تعالي لا يعفو عن شئ من السيئات.

وفي إرشاد الساري:9/447:

المعصية لا تخرج المسلم عن الإيمان، خلافاً للمعتزلة المكفرين بالذنب، القائلين بتخليد العاصي بالنار.

وفي معجم الادباء للحموي:9 جزء 17/81:

قال عبدالعزيز بن محمد الطبري: كان أبو جعفر (الطبري) يذهب في جل مذاهبه إلي ما عليه الجماعة من السلف... وكان يذهب إلي مخالفة أهل الاعتزال في جميع ماخالفوا فيه الجماعة، من القول بالقدر وخلق القرآن وإبطال رؤية الله في القيامة، وفي قولهم بتخليد أهل الكبائر في النار، وإبطال شفاعة رسول الله(ص)، وفي قولهم إن استطاعة الإنسان قبل فعله.

وفي طبقات الشافعية للسبكي:3/347:

يصف تحول الأشعري من الاعتزال إلي خط الدولة (أهل السنة والجماعة) قام علي بن اسماعيل بن أبي بشر علي الاعتزال أربعين سنة حتي صار للمعتزلة إماماً... وهو الذي قال: تكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شئ علي شئ فاستهديت الله فهداني إلي اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده.. ودفع الكتب التي ألفها علي مذاهب أهل السنة للناس.. وأخذ في نصرة الأحاديث في الرؤية والشفاعة. انتهي.

هذا وقد تقدمت نصوص عن رأي المعتزلة في آراء المرجئة والخوارج في هذا الفصل وفي تعريف الشفاعة في الفصل الأول.

المزيد من تأثير الإسرائيليات علي أحاديث الشفاعة

اتفق الجميع نظريا علي أن الشفاعة من مختصات نبينا

قد يستشكل علي أحاديث اختصاص الشفاعة بنبينا صلي الله عليه وآله الواردة في مصادر الفريقين، بأنها تنافي الأحاديث الصحيحة التي تثبت الشفاعة لغير نبينا صلي الله عليه وآله.

والجواب: أن وجه الجمع بين الأحاديث أن باب الشفاعة إنما يفتح يوم القيامة إكراماً لنبينا صلي الله عليه وآله.. وكل من يشفع من الملائكة والأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء والمؤمنين، فإنما يشفع بإجازته وبالسهم الذي يعطيه

إياه شفيع المحشر صلي الله عليه وآله!

فلا منافاة بين أحاديث اختصاصه بالشفاعة صلي الله عليه وآله وبين مادل علي ثبوتها لغيره من الأنبياء (عليهم السلام) إلا ما دل منها علي أن لغيره شفاعة مستقلة أو أنه يشفع قبله كما في أحاديث الإسرائيليات الآتية.

من لا يحضره الفقيه:1/240:

قال النبي صلي الله عليه وآله: أعطيت خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، ونصرت بالرعب، وأحل لي المغنم، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة. ورواه في وسائل الشيعة:2/438 وفي سائل الشيعة:3/422 وفي مستدرك الوسائل:2/529

علل الشرائع:1/127:

حدثنا أبوالحسين محمد بن علي بن الشاه قال: حدثنا أبوبكر محمد بن جعفر بن أحمد البغدادي بآمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن السخت قال: حدثنا محمد بن الأسود الوراق عن أيوب بن سليمان عن حفص بن البختري عن محمد بن حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

أنا أشبه الناس بآدم وإبراهيم أشبه الناس بي خلقه وخلقه.

وسماني الله من فوق عرشه عشرة أسماء وبين الله وصفي وبشرني علي لسان كل رسول بعثه الله إلي قومه.

وسماني ونشر في التوراة باسمي وبث ذكري في أهل التوراة والإنجيل وعلمني كتابه ورفعني في سمائه وشق لي إسماً من أسمائه فسماني محمداً وهو محمود.

وأخرجني في خير قرن من أمتي وجعل اسمي في التوراة أحيد فبالتوحيد حرم أجساد أمتي علي النار.

وسماني في الانجيل أحمد فأنا محمود في أهل السماء.

وجعل أمتي الحامدين وجعل اسمي في الزبور ماحي محي الله عز وجل بي من الأرض عبادة الأوثان.

وجعل اسمي في القرآن محمداً فأنا محمود في جميع القيامة في

فصل القضاء لا يشفع أحد غيري.

وسماني في القيامة حاشراً يحشر الناس علي قدمي.

وسماني الموقف أوقف الناس بين يدي الله عز وجل.

وسماني العاقب أنا عقب النبيين ليس بعدي رسول.

وجعلني رسول الرحمة ورسول الملاحم والمقتفي قفيت النبيين جماعة وأنا المقيم الكامل الجامع ومن علي ربي وقال لي يا محمد صلي الله عليك فقد أرسلت كل رسول إلي أمته بلسانها وأرسلتك إلي كل أحمر وأسود من خلقي ونصرتك بالرعب الذي لم أنصر به أحداً وأحللت لك الغنيمة ولم تحل لاحد قبلك وأعطيتك لك ولأمتك الأرض كلها مسجداً وترابها طهوراً وأعطيتك ولأمتك التكبير وقرنت ذكرك بذكري حتي لا يذكرني أحد من أمتك إلا ذكرك مع ذكري فطوبي لك يا محمد ولأمتك.

تفسير القمي:1/194:

ثم قال حكاية عن قريش: وقالوا لولا أنزل عليه ملك، يعني رسول الله صلي الله عليه وآله، ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون، فأخبر عز وجل أن الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا، فاستعفي النبي صلي الله عليه وآله من الآيات رأفةً ورحمةً علي أمته، وأعطاه الله الشفاعة.

صحيح البخاري:1/86:

جابر بن عبد الله أن النبي(ص)قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلي قومه خاصة وبعثت إلي الناس عامة.

ورواه أيضاً في ص:1 جزء 1/113 وج 2 جرء 2/105 ونحوه في مسلم:2/63 وفي سنن النسائي:1/209 وفي سيرة ابن هشام:2/234 وفي مسند أحمد: 5/149.

وفي:4/417 منه:

عن أبي موسي قال قال رسول الله (ص): أعطيت خمساً: بعثت إلي الأحمر والأسود،

وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي، ونصرت بالرعب شهراً، وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل شفاعة وإني أخبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئاً. ونحوه في:1/301 وفي الدر المنثور:3 ص204 وج 5/237 وسنن الدارمي:1/322 وسنن البيهقي:9/4 وتفسير الطبري:3/2 وصفة الصفوة لابن الجوزي جزء 1 و2/76 وتفسيرالمنار لرشيد رضا: 9/300

ولكن الهيثمي ضعف روايته في مجمع الزوائد:8/259 فقال:

ابن يزيد قال قال رسول الله (ص): فضلت علي الأنبياء بخمس: بعثت إلي الناس كافة، ودخرت شفاعتي لأمتي، ونصرت بالرعب شهراً أمامي وشهراً خلفي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي. رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك.

نبينا أول شافع يوم القيامة

في مصادرنا نصوص واضحة صريحة في أن نبينا صلي الله عليه وآله هو خطيب المحشر والشفيع الأول قبل الأنبياء، بل هو شفيع الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً.. وقد تقدم بعضها آنفاً وفي تفسير قوله تعالي (عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) وفي بعضها أن الله تعالي قد أذن لنبينا صلي الله عليه وآله بالشفاعة وهو في الدنيا فلا يحتاج إلي إذن يوم القيامة.

في تفسير القمي:2/201:

قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولي لامرأة علي بن الحسين عليه السلام علي أبي جعفر عليه السلام يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد فغضب أبو جعفر عليه السلام حتي تربد وجهه ثم قال: ويحك يا أبا أيمن أغرك أن عف بطنك وفرجك! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة

لقد احتجت إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله! ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يوم القيامة.

ثم قال أبو جعفر عليه السلام: إن لرسول الله صلي الله عليه وآله الشفاعة في أمته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم.

ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر فإن المؤمن ليشفع حتي لخادمه ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد. ورواه في بحار الأنوار:8/38 وفي تفسير نور الثقلين:4/334، وقد تقدم ذلك في الرد علي الخوارج.

الصحيفة السجادية:2/290:

اللهم أنزل محمداً في أشرف منازل الأبرار، اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع، وأول قائل وأنجح سائل... اللهم أحسن عنا جزاءه، وعظم حباءه، وأكرم مثواه، وتقبل شفاعته في أمته، وفي من سواهم من الأمم، واجعلنا ممن تشفعه فيه، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة. ونحوه في المقنعة/411

الصحيفة السجادية:2/30:

اللهم فارفعه بما كدح فيك إلي الدرجة العليا من جنتك، حتي لا يساوي في منزلة، ولا يكافأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وعرفه في أهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته، يا نافذ العدة، يا وافي القول، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات، إنك ذو الفضل العظيم. ونحوه في المقنعة/125

تهذيب الأحكام:3/121:

اللهم إني أسألك من فضلك بأفضله. اللهم واجعل محمداً صلي الله عليه وآله أدني المرسلين منك مجلسا، وأفسحهم في الجنة عندك منزلاً، وأقربهم اليك وسيلة، واجعله أول شافع وأول مشفع، وأول قائل وأنجح سائل، وابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والاخرون يا أرحم

الراحمين.

تأويل الآيات:2/37:

قال علي بن إبراهيم: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا يقبل الله الشفاعة يوم القيامة لأحد من الأنبياء والرسل حتي يأذن في الشفاعة لرسول الله صلي الله عليه وآله فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة فالشفاعة له ولأمير المؤمنين وللائمة من ولده ثم بعد ذلك للأنبياء (عليهم السلام) أجمعين. (ورواه في تفسير القمي:2/201 ونحوه في تفسير نور الثقلين: 4/334).

بحار الأنوار:16/326:

الأمالي: أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن مهدي، عن ابن عقدة، عن الحسن بن جعفر بن مدرار، عن عمه طاهر، عن الحسن بن عمار، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع (أمالي ابن الشيخ 170).

بحار الأنوار:16/304:

عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. عسي من الله واجبة، والمقام بمعني البعث فهو مصدر من غير جنسه، أي يبعثك يوم القيامة بعثاً أنت محمود فيه، ويجوز أن يجعل البعث بمعني الإقامة أي يقيمك ربك مقاماً يحمدك فيه الأولون والآخرون، وهو مقام الشفاعة يشرف فيه علي جميع الخلائق يسأل فيعطي ويشفع فيشفع، وقد أجمع المفسرون علي أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع فيه للناس، وهو المقام الذي يعطي فيه لواء الحمد فيوضع في كفه وتجتمع تحته الأنبياء والملائكة، فيكون صلي الله عليه وآله أول شافع وأول مشفع.

بحار الأنوار:8/47:

تفسير العياشي: عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام إن أناساً من بني

هاشم أتوا رسول الله صلي الله عليه وآله فسألوه أن يستعملهم علي صدقات المواشئ وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولي به فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يابني عبدالمطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم، ولكني وعدت الشفاعة _ ثم قال: والله أشهد أنه قد وعدها _ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثرا عليكم غيركم؟ ثم قال: إن الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون: إلي من؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة فقال: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون: إلي من إلي إبراهيم، فيأتون إلي إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قدر رفعت حاجتي، فيقولون: إلي من فيقال: إيتوا موسي فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون إلي من؟ فيقال إيتوا محمداً، فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتي يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه، فيقال: من هذا؟ فيقول: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب، فإذا نظر إلي الجنة خر ساجداً يمجد ربه بالعظمة، فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيرفع رأسه، فيدخل من باب الجنة فيخر ساجداً ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيقوم فما يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه.انتهي.

وقد تقدمت الأحاديث بهذا المضمون، وهي محل اتفاق في مصادر الطرفين، وفيها دلالة علي أن نبينا صلي الله عليه وآله هوأول من يتقدم للشفاعة يوم القيامة.

الاحاديث الموافقة لمذهبنا في مصادر السنيين

في مصادر السنيين نوعان من الأحاديث في هذا الموضوع: فمنها ما يوافق مصادرنا، وقد روته صحاحهم كالذي رواه ابن ماجة:2/724: عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه أن

رسول الله(ص)قال: إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، غير فخر.

والذي رواه مسلم في:1/130:

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً...

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة...

أنس بن مالك قال النبي (ص): أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدَّق نبي من الأنبياء ما صدِّقت، وإن من الأنبياء نبياً ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد.

وروي في:7/59:

عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع. انتهي.

وفي سنن الترمذي:5/248:

عن ابن عباس قال: جلس ناسٌ من أصحاب رسول الله(ص)ينتظرونه قال فخرج حتي إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم: عجباً إن الله اتخذ من خلقه خليلاً اتخذ من إبراهيم خليلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسي كلمه تكليماً. وقال آخر: فعيسي كلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلم وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسي نجي الله وهو كذلك، وعيسي روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فحر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر. هذا حديث غريب. انتهي. وروي نحوه ابن ماجه: 2/1440 وأحمد في:3/2

وفي سنن

الدارمي:1/26:

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أنا أولهم خروجاً، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا مشفعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا. الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم علي ربي.

وفي فردوس الأخبار: 1/80 ح 124:

أنس بن مالك: أنا أول شفيع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد. انتهي.

وفي شعب الإيمان للبيهقي:2/132 وص 179:

أبو هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم، وأول شافع وأول مشفع.

وفي شعب الإيمان/181:

عن أنس قال: سمعت النبي (ص) يقول: إني أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامه، وأنا أول من يدخل الجنة... ونحوه في تهذيب الكمال: 15/425 وج 22/551 وسير أعلام النبلاء:8/293 وكنز العمال: 11/404 فما بعدها بروايات متعددة، وفي:14/393 فما بعدها. وفيه في:11/435: أنا سيد المرسلين إذا بعثوا وسابقهم إذا وردوا، ومبشرهم إذا أيسوا، وإمامهم إذا سجدوا، وأقربهم مجلساً إذا اجتمعوا، أتكلم فيصدقني، وأشفع فيشفعني، وأسأل فيعطيني.

وفي الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك (رض) قال وأول ما يأذن الله عزوجل له يوم القيامة في الكلام والشفاعة محمد(ص)فيقال له قل تسمع وسل تعطه قال: فيخر ساجداً فيثني علي الله ثناء لم يثن عليه أحد فيقال إرفع رأسك...

وفي سيرة ابن كثير:1/195:

فروي الحافظ أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي الحسن بن أبي الحديد... عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: فتبسم حتي بدت نواجذه، ثم قال: كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي

في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق أبواي علي سفاح قط، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلي الأرحام الطاهرة، صفياً مهذباً، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والانجيل ذكري، وبين كل نبي صفتي تشرق الأرض بنوري والغمام بوجهي، وعلمني كتابه وزادني شرفاً في سمائه، وشق لي اسماً من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر، وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجني من خير قرن لامتي، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

فتاوي ابن باز:1/187:

قال رسول الله: أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع وأول مشفع. انتهي.

الاحاديث المتأثرة بالاسرائيليات في مصادر السنيين

والنوع الثاني من أحاديث السنيين: أحاديث تجعل الشفاعة أولاً لابراهيم، ثم لموسي، ثم لعيسي (عليهم السلام) وتجعل نبينا الشفيع الرابع عليهما السلام!!

روي الحاكم في المستدرك:4/496 حديثاً طويلاً عن الدجال ويأجوج ومأجوج وأشراط الساعة والقيامة والشفاعة، وصححه علي شرط الشيخين، وفيه أمورٌ وتفصيلاتٌ غير معقولة، جاء فيه:

عن أبي الزعراء قال كنا عند عبد الله بن مسعود (رض) فذكر عنده الدجال فقال عبد الله بن مسعود: تفترقون أيها الناس لخروجه علي ثلاث فرق، فرقة تتبعه وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتي يجتمع المؤمنون بقري الشام، فيبعثون اليهم طليعة فيهم فارس علي فرس أشقر وأبلق قال فيقتتلون فلا يرجع منهم بشر....

قال: ثم تقوم الساعة علي شرار الناس ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه. والصور قَرْنٌ، فلا يبقي خلق في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربك...

قال: ثم يقوم ملك بالصور بين

السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلي جسدها حتي يدخل فيه ثم يقومون فيحيون حياة رجل واحد قياماً لرب العالمين. قال: ثم يتمثل الله تعالي إلي الخلق فيلقاهم فليس أحد يعبد من دون الله شيئاً إلا وهو مرفوع له يتبعه، قال فيلقي اليهود فيقول من تعبدون؟ قال فيقولون نعبد عزيراً قال هل يسركم الماء؟ فيقولون نعم، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب! قال ثم قرأ عبد الله: وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً، قال ثم يلقي النصاري فيقول من تعبدون؟ فيقولون المسيح، قال فيقول هل يسركم الماء؟ قال فيقولون نعم، قال فيريهم جهنم كهيئة السراب! ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئاً. قال: ثم قرأ عبد الله: وقفوهم إنهم مسؤولون.

قال: ثم يتمثل الله تعالي للخلق حتي يمر علي المسلمين قال فيقول من تعبدون؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، فينتهرهم مرتين أو ثلاثاً فيقول من تعبدون؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً. قال فيقول هل تعرفون ربكم؟ قال فيقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه! قال فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقي مؤمن إلا خر لله ساجداً، ويبقي المنافقون ظهورهم طبقاً واحداً كأنما فيها السفافيد! قال فيقولون: ربنا فيقول قد كنتم تدعون إلي السجود وأنتم سالمون.

قال ثم يأمر بالصراط فيضرب علي جهنم فيمر الناس كقدر أعمالهم زمراً كلمح البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير ثم كأسرع البهائم، ثم كذلك حتي يمر الرجل سعياً ثم مشياً، ثم يكون آخرهم رجلاً يتلبط علي بطنه!

قال فيقول أي رب لماذا أبطأت بي؟ فيقول لم أبطئ بك، إنما أبطأ بك عملك.

قال ثم يأذن الله تعالي في الشفاعة فيكون أول شافع روح القدس

جبريل عليه الصلاة والسلام، ثم إبراهيم خليل الله، ثم موسي، ثم عيسي عليهما الصلاة والسلام قال: ثم يقوم نبيكم رابعاً، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله تبارك وتعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا.

قال فليس من نفس إلا وهي تنظر إلي بيت في الجنة أو بيت في النار...

قال: ثم يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون فيشفعهم الله.

قال ثم يقول الله: أنا أرحم الراحمين فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته، قال ثم يقول: أنا أرحم الراحمين، قال ثم قرأ عبدالله: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، قال فعقد عبد الله بيده أربعاً ثم قال: هل ترون في هؤلاء من خير؟ ما ينزل فيها أحد فيه. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

ورواه البيهقي في البعث والنشور/326 والديلمي في فردوس الأخبار: 1/54 وص 80 والنيسابوري في الوسيط ج4/387 وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق:1 جزء 2/170. وغيرهم.

أما الهيثمي فقد روي في مجمع الزوائد:9/31 حديث أنه صلي الله عليه وآله أول شافع، ووصفه لأنه موضوع، وقال عن بعض طرقه في:8/254 (وفيه صالح بن عطاء بن خباب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات)

ولكنه في نفس الوقت ردَّ الحديث الذي صححه الحاكم علي شرط الشيخين في ج10/330 وقال (رواه الطبراني وهو موقوف، مخالف للحديث الصحيح وقول النبي: أنا أول شافع)! فيبدو أنه اطلع علي طريق آخر صحيح للحديث، غير الطريقين اللذين ضعفهما. ولكنا لم نطلع عليه.

البخاري يفضل أنبياء بني إسرائيل علي نبينا

أما البخاري فقد روي في تاريخه الذي ألفه قبل صحيحه

أن نبينا صلي الله عليه وآله هو الشفيع الأول، وتوقف في رواية أنه الشفيع الرابع، لوجود ما يعارضها.

قال في تاريخه:4/286:

عن جابر بن عبد الله: قال النبي (ص): أنا قائد المسلمين، ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر.

وقال في تاريخه:5/221:

عبد الله بن هاني أبو الزعراء الكوفي سمع ابن مسعود (رض) سمع منه سلمة بن كهيل يقال عن أبي نعيم إنه الكندي روي عن ابن مسعود (رض) في الشفاعة: ثم يقوم نبيكم رابعهم والمعروف عن النبي (ص): أنا أول شافع. ولا يتابع في حديثه. انتهي.

ولكنه في صحيحه لم يرو هذه الرواية ولا غيرها مما ينص علي أن نبينا صلي الله عليه وآله أول شافع!

نعم، روي أن الشفاعة من مختصات نبينا صلي الله عليه وآله دون الأنبياء (عليهم السلام):

قال في:1/113:

جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص): أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلي قومه خاصة وبعثت إلي الناس كافة، وأعطيت الشفاعة. انتهي.

وروي في:5/226:

رواية الشفاعة المعروفة في المصادر وأن الأنبياء (عليهم السلام)يهابون التقدم للشفاعة للخلق، ويطلبون من نبينا صلي الله عليه وآله أن يشفع إلي الله تعالي فيتقدم ويشفع.. وهي تدل علي أنه صلي الله عليه وآله الشفيع الأول، قال فيها: إذهبوا إلي محمد فيأتون محمداً فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، إشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي مانحن فيه! فأنطلق فآتي تحت العرش

فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه علي أحد قبلي، ثم يقال يا محمد إرفع رأسك، سل تعطه واشفع تشفع.انتهي.

والي هنا يبدو أنه لامشكلة..

ولكن البخاري روي في صحيحه ما يعارض ذلك، ويجعل درجة نبي الله موسي عليه السلام في درجة نبينا صلي الله عليه وآله أو أفضل منه! فقد روي أن النبي صلي الله عليه وآله نهي المسلمين أن يفضلوه علي موسي، وقال إنه عندما يبعث من قبره يجد موسي جالساً عند العرش قبله!!

قال البخاري في صحيحه:7/193:

عن أبي هريرة قال: استبَّ رجلان، رجلٌ من المسلمين ورجلٌ من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفي محمداً علي العالمين، فقال اليهودي والذي اصطفي موسي علي العالمين، قال فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلي رسول الله(ص)فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول الله (ص): لا تخيروني علي موسي، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسي باطشٌ بجانب العرش، فلا أدري أكان موسي فيمن صعق فأفاق قبلي؟ أو كان ممن استثني الله؟! انتهي.

ورواه في صحيحه في سبعة مواضع أخري علي الأقل! في:3/89، وج 4/126، وج 5/196، وج 6/34، وج 8/48، وص 177، وص 192، وهي رواياتٌ متفاوتة في دلالتها علي تفضيل موسي، ولكن مجموعها كاف في الدلالة عليه، مهما حاول الشراح تأويلها!

فقد نصت الرواية المذكورة كما رأيت علي نهي النبي صلي الله عليه وآله عن تفضيله علي موسي، ووردت هذه العبارة (لا تخيروني علي موسي) في رواية البخاري الأخري:7/193 وفي:8/192 وكذا في مسلم:7/101، وسنن أبي داود:2/407، وأحمد:2/264. وورد في رواية:5/196 (قال لا تخيروني من بين

الأنبياء)

كما نصت علي أن موسي عليه السلام مستثني دون نبينا صلي الله عليه وآله من الصعقة التي يقول الله تعالي عنها: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ مَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَي فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ. الزمر: 68، وهذا امتيازٌ له علي جميع الأنبياء! وروي مثلها في:8/192.

وجاء في:8/177:

(فإذا أنا بموسي آخذ بقائمة من قوائم العرش) وزاد في:5/196 وج 8/48 (فلا أدري أفاق قبلي، أم جُزِيَ بصعقة الطور)

وفي:5/196:

(قال إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا أنا بموسي متعلق بالعرش) وفي رواية أخري في غير البخاري أن النبي صلي الله عليه وآله أول ما ينفض رأسه من التراب يري موسي جالساً عند العرش!!

قد يقال: إن رواية البخاري لا تدل علي أن موسي أفضل من نبينا صلي الله عليه وآله لأنها تنص علي أن استثناءه من الصعقة إنما هو بسبب صعقته في الطور ولا علاقة له بالأفضلية.

والجواب: أن الرواية واردةٌ أساساً في مقام بيان أفضلية موسي، أو بالأقل عدم أفضلية نبينا عليه، فهذا هو موضوع الخلاف بين المسلم واليهودي، وهو موضوع الحديث، وموضوع النهي المزعوم من النبي صلي الله عليه وآله عن تفضيله علي موسي!!

وقد يقال: لو سلمنا أن الرواية تدل علي مساواة موسي لنبينا صلي الله عليه وآله أو أفضليته عليه، فهي لا تدل علي أن موسي هو الشفيع الأول.

والجواب: أن مقام الشفاعة الأول إنما أعطي لنبينا صلي الله عليه وآله بسبب أنه أفضل الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً، فإذا ثبت أن موسي أفضل منه، فلا يبعد أن يكون هو رئيس المحشر وشفيعه.. الخ.

وقد حاولت بعض الروايات

أن تحل المسألة مع الإسرائيليات حلاً سلمياً، فتجعل الافضلية لموسي، وتحتفظ بدرجة الشفيع الأول لنبينا صلي الله عليه وآله كالتي رواها الطبري في تفسيره:24/20 قال: عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله قال: أتاني ملكٌ فقال يا محمد إختر نبياً ملكاً أو نبياً عبداً، فأومأ اليَّ أن تواضع، قال نبياً عبداً، قال فأعطيت خصلتين: أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، فأرفع رأسي فأجد موسي آخذاً بالعرش، فالله أعلم أصُعِقَ بعد الصعقة الأولي، أم لا. انتهي.

ولكنها علي أي حال محاولاتٌ في مصلحة تصديق الاسرائيليات التي لا نثق بها!

ومن جهة أخري.. فإن تأويل الروايات الواردة في موسي علي نبينا وآله وعليه السلام حتي لو أمكن فهو لا يحل المشكلة، لأنه توجد في صحاح إخواننا ومصادرهم روايات مشابهة عن كبار أنبياء بني إسرائيل، فهي تفضلهم علي نبينا صلي الله عليه وآله أو تجعلهم في درجته، فلا بد من معالجتها جميعاً!

ويحاول العلماء السنيون حل المشكلة بالتأويلات والإحتمالات البعيدة، حتي لا يقعوا في محذور رد الأحاديث الصحيحة أو تكذيب رواتها.. والدخول في هذا البحث يخرجنا عن موضوعنا، وإن كان من بحوث السيرة المهمة، لكن نكتفي بذكر نماذج من هذه الأحاديث:

فمنها حديث الحاكم المتقدم الصحيح علي شرط الشيخين، الذي يعطي الشفاعة في الموحدين ليعقوب عليه السلام قبل نبينا صلي الله عليه وآله بحجة أن يعقوب هو الذبيح!!

ومنها حديث البخاري المتقدم في:4/133 حيث جاء فيه (فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخري فأكون أول من بعث، فإذا موسي آخذٌ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي. ولا أقول

إن أحداً أفضل من يونس بن متي!) ومثله في مسلم:7/100

وفي البخاري:4/125:

عن ابن عباس عن النبي(ص)قال: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متي، ونسبه إلي أبيه.

وفي:4/132:

عن ابن عباس أيضاً، عن النبي(ص)قال: لا يقولن أحدكم إني خير من يونس، زاد مسدد يونس بن متي. ونحوه في:4/132 و:4/133 و:5/185 وص 193 بروايتين، وفي:8/213

وقد صرحت رواية مسلم:7/102 بأنه حديث قدسي!! وأنه يشمل كل الناس حتي نبينا صلي الله عليه وآله قال:

عن النبي(ص)أنه قال يعني الله تبارك وتعالي: لا ينبغي لعبد لي _ وقال ابن المثني لعبدي _ أن يقول أنا خير من يونس بن متي عليه السلام)! وروي نحوه في/103

أما ابن ماجة فقد شدد علي الموضوع فروي في:2/1428 عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال (ومن قال: أناخير من يونس بن متي فقد كذب!. في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات.

وروي نحو ما في البخاري أبو داود في سننه:2/406 والترمذي ج1/118 وج 5/51

وعلل أفضلية يونس في كنز العمال:12/476:

فروي عن عدة مصادر، عن علي، عن النبي(ص)قال: لا ينبغي لأحد _ وفي لفظ لعبد _ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متي، سبح الله في الظلمات!

أما رواياتهم عن نبي الله داود عليه السلام فقد تكون أكثر صراحةً بتفضيله علي نبينا صلي الله عليه وآله!!

ففي مجمع الزوائد:8/206:

عن أبي الدرداء قال: وكان رسول الله(ص)إذا ذكر داود(ص)قال: كان أعبد البشر. رواه البزار في حديث طويل وإسناده حسن.

وفي كنز العمال:12/476:

عن ابن عساكر، عن أنس أن رجلاً قال للنبي (ص): يا خير الناس، قال: ذاك إبراهيم! قال: يا أعبد الناس، قال: ذاك داود!!. وفي:3/671 (إن أخي

داود كان أعبد البشر)

وفي صحيح البخاري:6/31 ونحوه في:4/135:

قال سألت مجاهداً عن سجدة(سورة) (ص) فقال سألت ابن عباس: من أين سجدت (يعني لماذا) فقال: أو ما تقرأ: ومن ذريته داود وسليمان أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده، فكان داود ممن أُمِرَ نبيكم(ص)أن يقتدي به، فسجدها رسول الله(ص)!!

ونفس المشكلة تجدها في رواياتهم عن يحيي عليه السلام، فقد روي الهندي في كنز العمال:11/521 عن مسند أحمد وطبقات ابن سعد وغيرهما، عن ابن عباس: ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة، إلا يحيي بن زكريا، فإنه لم يهم بها ولم يعملها)

وفي كنز العمال:11/522 عن ابن عساكر: لا ينبغي لاحد أن يقول أنا خير من يحيي بن زكريا، ما همَّ يخطيئة ولا جالت في صدره امرأة.

والنتيجة: أنه لابد للباحث من القول بأن روايات بني اسرائيل وجدت طريقها إلي مصادر إخواننا السنيين في عقيدة الشفاعة، وبقيت ضعيفة في بعض الحالات، ولكنها في حالات أخري صارت إلي صفِّ الروايات الإسلامية وبستواها من الصحة.. وأحياناً صارت أقوي منها وحلت محلها!!

احسن تصور في مصادر السنيين عن شفاعة نبينا

حاول القاضي عياض في كتابه (الشفا) أن يقدم أفضل صورة عن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله ولذلك لم يتقيد بروايات الصحاح، وجمع روايات لم يصححوها وجرَّدها من كثير من الإسرائيليات التي تفضل أنبياء بني إسرائيل علي نبينا، كما جرَّد بعض رواياتها من تجسيم الإسرائيليات، وبقي في بعضها، ولم يجردها من التهم التي تضمنتها لادم وإبراهيم وموسي وعيسي (عليهم السلام) عندما يطلب الناس منهم الشفاعة يوم القيامة فيتكلمون عن خطاياهم وجرائمهم التي لم تغفر! فجاءت صورة عياض قريبة إلي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وكانت أحسن تصور قدمها عالمٌ سنيٌّ عن شفاعة

النبي صلي الله عليه وآله.

وفيما يلي مقتطفات من كلامه من/216 وما بعدها:

وعن أبي هريرة سئل عنها رسول الله(ص)يعني قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فقال: هي الشفاعة.

وروي كعب بن مالك عنه (ص): يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي علي تل، ويكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما وذكر حديث الشفاعة قال: فيمشي حتي يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود الذي وعده.

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): إني لقائم المقام المحمود، قيل وما هو؟ قال: ذلك يوم ينزل الله تبارك وتعالي علي كرسيه...!

وقال جابر بن عبد الله ليزيد الفقير: سمعت بمقام محمد يعني الذي يبعثه الله فيه: قال قلت نعم، قال: فإنه مقام محمد المحمود، الذي يخرج الله به من يخرج يعني من النار، وذكر حديث الشفاعة في إخراج الجهنميين.

وفي رواية أنس وأبي هريرة وغيرهما دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال (ص): يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة فيلهمون فيقولون لو استشفعنا إلي ربنا. ومن طريق آخر عنه ماج الناس بعضهم في بعض، وعن أبي هريرة: وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقولون ألا تنظرون من يشفع لكم فيأتون آدم فيقولون.....

وفي رواية: فآتي تحت العرش فأخر ساجداً، وفي رواية فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها، إلا أنه يلهمنيها الله، وفي رواية: فيفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه علي أحد قبلي...

وفي رواية قتادة عنه قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة فأقول يا رب ما

بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه الخلود...

ومن طريق زياد النميري عن أنس أن رسول الله(ص)قال: أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، ومعي لواء الحمد يوم القيامة، وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر، فآتي فآخذ بحلقة الجنة، فيقال من هذا؟ فأقول محمد، فيفتح لي فيستقبلني الجبار تعالي! فأخر ساجداً...

وفي رواية أنس سمعت رسول الله(ص)يقول: لاشفعن يوم القيامة لأكثر مما في الأرض من حجر وشجر.

فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الاثار أن شفاعته(ص)ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلي آخرها، من حين يجتمع الناس للحشر وتضيق بهم الحاجر، ويبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه، وذلك قبل الحساب، فيشفع حينئذ لاراحة الناس من الموقف، ثم يوضع الصراط ويحاسب الناس كما جاء في الحديث عن أبي هريرة وحذيفة، وهذا الحديث أتقن، فيشفع في تعجيل من لا حساب عليه من أمته إلي الجنة...

ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضيه الأحاديث الصحيحة ثم فيمن قال لا إله إلا الله. وليس هذا لسواه(ص)...

وفي/207:

أورد القاضي عياض أحاديث في أن نبينا صلي الله عليه وآله هو الشفيع الأول قبل غيره من الأنبياء منها:

أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا، لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم علي ربي ولا فخر، ويطوف عليَّ ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون.

وعن أبي هريرة: وأكسي حلةً من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري.

وعن أبي سعيد الخدري

قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لي فأدخلها فيدخل معي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والاخرين ولا فخر.

وعن أنس (رض) قال قال النبي (ص): أنا سيد الناس يوم القيامة، وتدرون لم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين.. وذكر حديث الشفاعة.

وفي حديث آخر: أما ترضون أن يكون إبراهيم وعيسي فيكم يوم القيامة، ثم قال إنهما في أمتي يوم القيامة، أما إبراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلني من أمتك، وأما عيسي فالأنبياء إخوة بنو علات أمهاتهم شتي، وإن عيسي أخي ليس بيني وبينه نبي، وأنا أولي الناس به...

قوله أنا سيد الناس يوم القيامة: هو سيدهم في الدنيا ويوم القيامة ولكن أشار(ص)لإنفراده فيه بالسؤدد والشفاعة دون غيره، إذ لجأ الناس إليه في ذلك فلم يجدوا سواه. والسيد هو الذي يلجأ الناس إليه في حوائجهم، فكان حينئذ سيداً منفرداً من بين البشر لم يزاحمه أحد في ذلك ولا ادعاه. انتهي.

والنتيجة أن روايات الشفيع الأول في مصادر السنيين متعارضة بشكل لا يمكن الجمع بينها فلا بد من ترجيح طائفة منها وإسقاط الأخري، ولا شك في أن الأرجحية للطائفة الموافقة لأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وللعقل، المخالفة لليهود.

مسألتا: الذبيح و أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة

يوجد مسألتان علي الأقل ترتبطان بمسألة الشفيع الأول، تغلب فيهما الإسرائيليات في مصادر السنيين يناسب أن نتعرض لهما باختصار، خاصة أن شفاعة

إسحاق وإبراهيم (عليهما السلام) وردت في رواياتهما:

الأولي منهما في تعيين الذبيح المذكور في القرآن، وهل هو إسحاق أوإسماعيل؟

والثانية في أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة، هل هو إبراهيم أم نبينا صلي الله عليهما وآلهما!

المسألة الأولي

رأي الشيعة أن الذبيح هو اسماعيل عليه السلام كما سيأتي.

وقالت اليهود إن الذبيح هو إسحاق وليس اسماعيل.

قال السيد جعفر مرتضي في (الصحيح) من السيرة:2/47:

السؤال الذي يلح في طلب الإجابة عليه هو: من أين جاء هذا الأمر الغريب: أن الذبيح هو إسحاق؟

والجواب: هو ما قاله ابن كثير وغيره (إنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو من صحف أهل الكتاب، وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتي نترك من أجله ظاهر الكتاب. [1] .

فاليهود إذن قد أرادوا ترويج عقيدتهم بين المسلمين، وتخصيص هذه الفضيلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم. ولكن اليهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتدوالة نفسها متناقضة في هذا الأمر، فإنها في حين تقول (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق. وإذهب إلي أرض المريا وأصعده هناك محرقة علي..الخ. [2] فقد عبرت هنا بكلمة وحيدك الدالة علي أن إسحاق هو أكبر ولد إبراهيم، ولكنها تعود فتكذِّب نفسها وتنص علي أن إسحاق لم يكن وحيداً وإنما ولِدَ وعمرُ إسماعيل أربعة عشر سنة. انتهي.

أما السنيون فقد تحيروا تحيراً شديداً في من هو الذبيح، وروت مصادرهم روايات (صحيحة) متناقضة! فقد روي الحاكم مثلاً عدة روايات في أن الذبيح المذكور في القرآن هو اسماعيل، وصحح بعضها علي شرط الشيخين!

قال الحاكم في:2/430:

عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لابْرَاهِيمَ، قال من

شيعة نوح إبراهيم علي منهاجه وسنته. بلغ معه السعي: شب حتي بلغ سعيه إبراهيم في العمل. فلما أسلما: ما أمرا به.

وتله للجبين: وضع وجهه إلي الأرض فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسي أن ترحمني فلا تجهز علي، إربط يدي إلي رقبتي ثم ضع وجهي علي الأرض، فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحرك المدية حتي نودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع.

قوله فديناه بذبح عظيم: بكبش عظيم متقبل. وزعم ابن عباس أن الذبيح اسمعيل، هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

وقال في:2/554:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

وروي في الصفحة التي بعدها:

عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المفدي اسمعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. انتهي.

ثم روي الحاكم عدة روايات في أن الذبيح هو إسحاق، وأنه هو الذي يشفع للموحدين! ولم يذكر فيها شيئاً عن شفاعة نبينا صلي الله عليه وآله وصحح بعضها أيضاً علي شرط الشيخين! قال في:2/557 عن إحدي رواياته: قال الحاكم: سياقة هذا الحديث من كلام كعب بن ماتع الأحبار، ولو ظهر فيه سندٌ لحكمتُ بالصحة علي شرط الشيخين، فإن هذاإسنادٌ صحيحٌ لا غبار عليه!

وقال في/559:

حدثنا إسمعيل بن الفضل بن محمد الشعراني، ثنا جدي، ثنا سنيد بن داود، ثنا حجاج بن محمد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله قال عبد الله قال: الذبيح إسحاق. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وحدثنا محمد بن عمرو الأويسي، عن أبي الزبير، عن جابر (رض) قال:

لما رأي إبراهيم في المنام أن يذبح إسحاق أخذ بيده. فذكره بطوله... قال الحاكم: وقد ذكره الواقدي بأسانيده. وهذا القول عن أبي هريرة، وعبد الله بن سلام، وعمير بن قتادة الليثي، وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، والله أعلم. وقد كنت أري مشائخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن التي طلبنا الحديث فيها، وهم لا يختلفون أن الذبيح إسمعيل، وقاعدتهم فيه قول النبي (ص): أنا ابن الذبيحين، إذ لا خلاف أنه من ولد إسمعيل، وأن الذبيح الآخر أبوه الادني عبد الله بن عبد المطلب. والان فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال إنه إسحاق. انتهي.

فقد بين الحاكم أنه يوجد عند السنيين اتجاهان في تعيين الذبيح: قول بأنه اسماعيل، وهو الاتجاه الشعبي عند الناس وعند مشايخ الحديث الاكثر تقديساً للنبي صلي الله عليه وآله واختلاطاً بالناس، ولم يكن عندهم شكٌّ ولا خلافٌ بأن الذبيح اسماعيل.

وقول بأنه إسحاق، وهو اتجاه (مصنفي هذه الأدلة) أي مجموعات الأحاديث التي أمرت دولة الخلافة بتصنيفها، وكانت تكتبها علي دفاتر وتبعث بها إلي الآفاق، ومن راجع قصص دفاتر الزهري والعلماء الذين صنفوا الحديث برعاية الدولة، يعرف أن مقصود الحاكم هؤلاء المصنفين! ثم أشار الحاكم إلي أن هذه الأحاديث أوجبت عليه أن يتوقف فيما هو مشهور عند مشائخ الحديث، وأن يميل إلي اتجاه المصنفين، وأن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل!

ثم أورد رواية عن وهب ابن منبه (اليهودي المقبول في مصادرهم) تؤكد أن الذبيح إسحاق وأنه هو شفيع الموحدين!! قال الحاكم:

عن وهب بن منبه قال: حديث إسحاق حين أمر الله إبراهيم أن يذبحه: وهب الله لإبراهيم إسحاق في

الليلة التي فارقته الملائكة، فلما كان ابن سبع أوحي الله إلي إبراهيم أن يذبحه ويجعله قرباناً، وكان القربان يومئذ يتقبل ويرفع، فكتم إبراهيم ذلك إسحاق وجميع الناس وأسرَّه إلي خليل له، فقال العازر الصديق وهو أول من آمن بابراهيم وقوله، فقال له الصديق: إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك، فلا تسوأن بالله ظنك فإن الله يجعلك للناس إماماً ولا حول ولا قوة لابراهيم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحيم. فذكر وهب حديثا طويلاً إلي أن قال وهب: وبلغني أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: لقد سبق إسحاق الناس إلي دعوة ما سبقها إليه أحد! ويقومن يوم القيامة فليشفعن لأهل هذه الدعوة، وأقبل الله علي إبراهيم في ذلك المقام فقال:

إسمع مني يا إبراهيم أصدق الصادقين. وقال لاسحاق: إسمع مني يا أصبر الصابرين، فإني قد ابتليتكما اليوم ببلاء عظيم لم أبتل به أحداً من خلقي، ابتليتك يا إبراهيم بالحريق فصبر صبراً لم يصبر مثله أحد من العالمين، وابتليتك بالجهاد فيَّ وأنت وحيدٌ وضعيفٌ فصدقت وصبرت صبراً وصدقاً لم يصدق مثله أحد من العالمين، وابتليتك يا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسك ولم تعظم ذلك في طاعة أبيك، ورأيت ذلك هنيئاً صغيراً في الله كما يرجو من أحسن ثوابه ويسر به حسن لقائه، وإني أعاهدكما اليوم عهداً لا أحبسن به: أما أنت يا إبراهيم فقد وجبت لك الجنة عليَّ فأنت خليلي من بين أهل الأرض دون رجال العالمين، وهي فضيلة لم ينلها أحد قبلك ولا أحد بعدك، فخرَّ إبراهيم ساجداً تعظيماً لما سمع من قول الله متشكراً لله.

وأما أنت يا إسحاق فتمنَّ عليَّ بما شئت، وسلني واحتكم، أوتك سؤلك.

قال:

أسألك يا إلهي أن تصطفيني لنفسك، وأن تشفعني في عبادك الموحدين، فلا يلقاك عبدٌ لا يشرك بك شيئاً إلا أجرته من النار.

قال له ربه: أوجبت لك ما سألت وضمنت لك ولأبيك ما وعدتكما علي نفسي، وعداً لا أخلفه، وعهداً لا أحبسن به، وعطاء هنيئاً ليس بمردود. انتهي.

والنتيجة أن الحاكم يشهد بأن الروايات القائلة بأن الذبيح اسماعيل صحيحة ومشهورة عند مشائخ الحديث وعامة الناس.

ويشهد أيضاً بأن الروايات القائلة بأن الذبيح إسحاق صحيحة أيضاً عند أهل المصنفات، وهو يرجحها مع أنها مخالفة للمشهور!

لكن يبقي السؤال: من أين جاء هذان الاتجاهان في المسألة!

أما البخاري فقد تهرب في صحيحه من تعيين الذبيح ولكنه اختار في تاريخه أنه إسحاق وليس إسماعيل رغم وجود عدة روايات صحيحة علي شرطه تقول إنه اسماعيل ومن البعيد جداً أنه لم يرها!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح إسحاق. انتهي.

بل يمكن القول إن البخاري اختار في صحيحه أيضاً أن الذبيح إسحاق لأن الرواية اليتيمة التي رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من رواية مجاهد المتقدمة في مستدرك الحاكم، وقد حذف منها أن الذبيح اسماعيل!!

قال البخاري في صحيحه:8/70:

باب رؤيا إبراهيم وقوله تعالي: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَي فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَي... قال مجاهد: أسلما: سلما ما أمرا به، وتله: وضع وجهه بالأرض. انتهي.

ولابد أن البخاري لم يرتض رأي مجاهد في أصل هذه الرواية وغيرها بأن الذبيح اسماعيل، ولذلك حذفه من تفسيره للايات الذي نقله عنه! ولكنه لم يشير إلي

ما فعل مع الأسف!

ووما يدل علي أن رأي مجاهد القاطع بأن الذبيح اسماعيل: ما رواه السيوطي في الدر المنثور: 5/280 قال:

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل عليه السلام.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل عليه السلام.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا: الذي أراد إبراهيم عليه السلام ذبحه اسمعيل عليه السلام.

وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي مثله. انتهي.

وأما مسلم، فلم نجد فيه رواية تعين الذبيح! ولو كان يري أنه إسماعيل لذكره، لوجود روايات عديدة صحيحة علي شرطه في ذلك، ومن البعيد أنه لم يرها! فلا بد أنه كالبخاري والحاكم رجح أن الذبيح إسحاق.

أما لماذا فعل أصحاب المصنفات والصحاح ذلك؟

ولماذا أسقطوا الأحاديث الصحيحة بأن الذبيح اسماعيل!

فالجواب: أنهم فعلوه لحاجة في نفس يعقوب!!

والحاجة التي في نفس يعقوب هنا: أن قريشاً تبنت القول بأن الذبيح هو إسحاق حتي لا تضطر إلي الإعتراف بحديث (أنا ابن الذبيحين) لأن هذا الحديث يعطي لعبد المطلب مقاماً شبيهاً بمقام إبراهيم عليه السلام وأنه كان ولياً ملهماً كالأنبياء وأن الله تعالي امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه.. وإذا اعترفت بذلك، فإن حق الحكم بعد النبي يجب أن يكون في ذرية عبد المطلب دون غيرهم من بيوتات قريش وقبائلها!!

فالأفضل للقرشيين في تصورهم أن يقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وكل أسرة النبي الماضين، كانوا كفاراً وأنهم في النار،

وأن ورثة سلطان النبي صلي الله عليه وآله هم جيل قريش الذين عاصروه من جميع قبائل قريش الثلاث والعشرين!

ولهذا نجد أن شخص (الخليفة) يتدخل في هذا الموضوع ويصير راوياً، ويقول إن النبي لم يقل إنه ابن الذبيحين، ولكن بدوياً فقيراً تقرب إليه بهذه العبارة، فتبسم لها النبي صلي الله عليه وآله! وقد كان تبسمه اشتباهاً ورأياً رآه من عنده ولم ينزل عليه به وحي!!

روي الحاكم في المستدرك:2/554 عن: عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم اسمعيل وإسحاق بن إبراهيم فقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح فقال معاوية: سقطتم علي الخبير كنا عند رسول الله فأتاه الاعرابي فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع العيال فعد علي بما أفاء الله عليك يابن الذبيحين فتبسم رسول الله ولم ينكر عليه!!

فقلنا يا أميرالمؤمنين وما الذبيحان قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك. قال ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح واسمعيل الثاني. انتهي.

وفي ظني أن الراوي تصرف في القسم الأخير من كلام معاوية، لأنه في القسم الأول نفي مسألة الذبيح من أصلها! ولا بد أن تكون بقية حديث معاوية في نفي الذبيحين بلسان معاوية أو عن لسان النبي صلي الله عليه وآله!

لقد التقت مصلحة القرشيين في هذه المسألة مع مصلحة اليهود! وكعب الأحبار وجماعته حاضرون لاغتنام هذه الفرصة، ليثبتوا أن الذبيح اسحاق، وليس إسماعيل، وينقضوا علي الشفاعة للموحدين فيأخذوها من النبي صلي الله عليه

وآله، ويجعلوها لاسحاق!!

ويتضح عمل كعب في الموضوع من الرواية التالية التي رواها عبد الرزاق في تفسيره:2/123 عن الزهري عن القاسم بن محمد في قوله: إني أري في المنام أني أذبحك، قال: اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث كعباً عن النبي (ص) وجعل كعب يحدث أبا هريرة عن الكتب! فقال: أبو هريرة قال النبي (ص): إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة فقال له كعب: أنت سمعت هذا من رسول الله! قال نعم.

قال كعب: فداه أبي وأمي أفلا أخبرك عن إبراهيم إنه لما رأي ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل علي سارة فقال: أين ذهب إبراهيم بابنك قالت: غدا به لبعض حاجته فقال: إنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب ليذبحه. قالت: ولم يذبحه! قال: يزعم أن ربه أمره بذلك! قالت: فقد أحسن أن يطيع ربه في ذلك فخرج الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لحاجته قال إنما يذهب بك ليذبحك! قال لم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك! قال والله لئن كان أمره بذلك ليفعلن. قال فتركه ولحق بإبراهيم فقال: أين غدوت بابنك فقال لحاجة قال: فإنك لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه! قال ولم أذبحه قال تزعم أن ربك أمرك بذلك! قال: فوالله لئن كان أمرني بذلك لافعلن. قال: فتركه ويئس أن يطاع. انتهي.

وروي الطبري في تاريخه:1/187:

رواية معاوية وعدة روايات عن كعب الأحبار في أن الذبيح إسحاق، ومنها رواية عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فيها: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق

أعفاه الله وفداه بذبح عظيم قال إبراهيم لإسحاق قم أي بني فإن الله قد أعفاك فأوحي الله إلي إسحاق إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق: اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة. انتهي.

وبذلك يقول لنا كعب: إن الذبيح هو إسحاق جد اليهود وليس جد العرب، ثم إنكم تزعمون أن محمداً يشفع في الموحدين، وقد سبقه إلي ذلك إسحاق فلم يبق معني لشفاعة نبيكم!

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب (رض) أنه قال لابي هريرة: ألا أخبرك عن اسحاق قال بلي قال: لما رأي إبراهيم أن يذبح إسحاق... وذكر شفاعة اسحاق للموحدين بنحو رواية الطبري المتقدمة!

وقال ابن خلدون في تاريخه:2/38:

واختلف في ذلك الذبيح من ولديه، فقيل اسمعيل وقيل اسحاق وذهب إلي كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين فالقول باسمعيل لابن عباس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلي الله عليه وسلم: أنا ابن الذبيحين ولا تقوي الحجة به لأن عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر!!

ويحتجون أيضاً بقوله تعالي: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ولو كان ذبيحاً في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لأن الذبح في الصبا ينافي وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لأن البشارة إنما وقعت علي وفق العلم بأنه لا يذبح وأنما كان ابتلاء لإبراهيم.

والقول بإسحاق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم

ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والزهري ومكحول والسدي وقتادة. انتهي.

وينبغي الإلتفات هنا إلي أن أصل القول بأن الذبيح إسحاق من شخصين حسب رواية ابن خلدون وغيره:

الأول: الخليفة عمر مؤسس الخلافة القرشية وصاحب مشروع عزل بني هاشم عن الخلافة.

والثاني: كعب الأحبار حامل راية الثقافة الإسرائيلية.

وقد ذكر الرواة المؤيدون للخلافة القرشية اسم علي والعباس، ورووا عنهما أن الذبيح إسحاق لأنهما من أولاد عبد المطلب، ومن المناسب الإحتجاج بشهادتهما لسلب هذه المنقبة العظيمة عن عبد المطلب، التي تجعله بنص الرسول صلي الله عليه وآله إبراهيم الثاني!

ويظهر أن قريشاً وكعباً لم يستطيعوا إقناع جمهور المسلمين بمقولتهم المخالفة لظاهر القرآن، ولا إسكات بني هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبيح هو إسحاق، وإن رووا ذلك عنهم، فقد بقي عوام المسلمين مع ظاهر القرآن وفطرتهم، وبقيت روايات أهل البيت الصريحة، وروايات ابن عباس التي تقدمت في مستدرك الحاكم: 2/555: قال: المفدي إسمعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. انتهي. بقي كل ذلك يتحدي رواة الخلافة القرشية واسرائيلياتها!

[1] البداية والنهاية:1/161 و159 وراجع السيرة الحلبية:1/38 عن ابن تيمية.

[2] سفر التكوين: الإصحاح 22 الفقرة 1 _ 33 ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أيضاً.

رأي أهل البيت

تؤكد مصادر أهل البيت(عليهم السلام) أن الذبيح هو اسماعيل عليه السلام وقد قوي العلماء رواياته وضعفوا رواية أن الذبيح إسحاق حتي صار ذلك من مختصات مذهبنا.. ففي تفسير القمي:2/226: قال: وحدثني أبي عن صفوان بن يحيي وحماد عن عبدالله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألناه عن صاحب الذبح فقال: اسماعيل. وروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين يعني اسماعيل وعبد الله

بن عبد المطلب.

وفي تفسير التبيان:8/517:

واختلفوا في الذبيح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد بن المسيب والحسن في إحدي الروايتين عنه والشعبي: إنه كان إسماعيل وهو الظاهر في روايات أصحابنا ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها: وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين فدل علي أن الذبيح كان اسماعيل. ومن قال: إنه بشر بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترك الظاهر لأن الظاهر يقتضي البشارة بإسحاق دون نبوته.

ويدل أيضاً عليه قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم يذكر اسماعيل. فدل علي أنه كان مولوداً قبله.

وأيضاً فإنه بشره بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب فكيف يأمره بذبحه مع ذلك؟ وأجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل إن يعقوب يكون من ولد إسحاق.

وقالوا أيضاً يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب. والأول هو الاقوي علي ما بيناه. وقد روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين ولا خلاف أنه كان من ولد اسماعيل والذبيح الآخر عبد الله أبوه. انتهي.

وفي تفسير نور الثقلين:4/421:

في أمالي شيخ الطائفة قدس سره بإسناده إلي سليمان بن يزيد قال: حدثنا علي بن موسي قال: حدثني أبي عن أبيه عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: الذبيح اسماعيل عليه السلام.

وفي مهج الدعوات في دعاء مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلي الله عليه وآله: يا من فدي اسماعيل من الذبح.

وفي مستدرك الوسائل:16/98:

وفي العيون: عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي عن علي بن حسن بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن معني

قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل (عليهما السلام) وعبد الله بن عبدالمطلب... إلي أن قال: وأما الآخر فإن عبدالمطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متي أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة قال: قد وفي الله تعالي لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله.. الخبر.

ابن شهر آشوب في المناقب: تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال اسماعيل فنذر أنه متي رزق عشرة أولاد ذكوراً أن ينحر أحدهم في الكعبة شكراً لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم: يا بني ما تقولون في نذري فقالوا: الأمر إليك ونحن بين يديك..الخبر. انتهي.

بحث في إيمان عبدالمطلب و رواية أنا ابن الذبيحين

نظراً لاهمية هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبي وشخصية أبيه وجده صلي الله عليه وآله.. نستعرضها بشكل موجز، ونبين ظلامة عبد المطلب في مصادر السنيين:

فقد روت مصادرهم بأسانيد صحيحة عن لسان أصدق الصادقين الناطق بإلهام رب العالمين صلي الله عليه وآله، نقاطاً ملفتة في مدح عبد المطلب، توجب الإعتقاد بأن شخصيته شخصية ربانية، وتوجب رفض الروايات التي تعارضها وتتهمه بالشرك وعبادة الأصنام!

فمن هذه الأحاديث:

أنه عندما انهزم المسلمون في حنين وتركوا نبيهم صلي الله عليه وآله بين سهام الكفار ورماحهم وسيوفهم في أشد ظروف الخطر، ولم يبق معه إلا الملائكة وعلي وبعض بني هاشم..ترجل صلي الله عليه وآله للحرب وافتخر علي الكفار بأمرين: نبوته، وأنه ابن عبد المطلب وباهاهم بذلك بين يدي الله تعالي وقاتلهم!

والنبي العادي لا يفتخر بجده وآبائه إذا كانوا كفاراً، فكيف بسيد الأنبياء

والمرسلين وأتقي الموحدين صلي الله عليه وآله!

قال البخاري في صحيحه:5/98:

عن أبي إسحاق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين! فقال أما أنا فأشهد علي النبي(ص)أنه لم يول ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحرث (بن عبد المطلب) آخذ برأس بغلته البيضاء (وهو) يقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

وقال البخاري في:3/220:

قال: لا والله ما ولي النبي(ص)، ولكن ولي سرعان الناس، فلقيهم هوازن بالنبل، والنبي(ص)علي بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحر ث آخذ بلجامها، والنبي(ص)يقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

وقال في:4/28:

فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

قال: فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه! ورواه مسلم في:5/168 و 169

وقال البخاري في صحيحه:4/161:

باب من انتسب إلي آبائه في الإسلام والجاهلية. وقال ابن عمرو وأبو هريرة عن النبي (ص): إن الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وقال البراء عن النبي (ص): أنا ابن عبد المطلب.

ومن هذه الأحاديث:

ما دل أن الله تعالي جعل في شريعته الخالدة مالية خاصة لأبناء عبد المطلب إلي يوم القيامة، فحرم عليهم الصدقات لأنها أوساخ الناس، وجعل لهم بدلها الخمس. وإن شخصاً يكون في ذريته أبرار وأخيار بهذا المستوي إلي يوم القيامة، يستبعد أن يكون مشركاً عابداً للأصنام!

قال النسائي في سننه:7/134:

عن مجاهد قال الخمس الذي لله وللرسول كان للنبي(ص)وقرابته لا يأكلون من الصدقة شيئاً... قال الله جل ثناؤه: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن

السبيل.

وقال أبو داود في سننه:2/26:

حدثنا حسين بن علي العجلي، ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن السدي، في ذي القربي قال: هم بنو عبد المطلب.

وقال النسائي:5/105:

باب استعمال آل النبي(ص)علي الصدقة... أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عبدالله بن الحرث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتيا رسول الله(ص)فقولا له استعملنا يا رسول الله علي الصدقات، فأتي علي بن أبي طالب ونحن علي تلك الحال فقال لهما: إن رسول الله(ص)لا يستعمل منكم أحداً علي الصدقة، قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل حتي أتينا رسول الله(ص)، فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد!

وفي صحيح مسلم:3/118:

عن النبي صلي الله عليه وآله قال: إن الصدقة لاتنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس... وقال أيضاً: ثم قال رسول الله (ص): أدعوا لي محمية بن جزء، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله(ص)استعمله علي الأخماس. انتهي.

ونحوه في سنن أبي داود:2/28 ومسند أحمد:4/166 والبيهقي في سننه:7/31 _ وشبهه في:6/338

وروي إحدي رواياته الحاكم في المستدرك:3/484وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروي نحوه في كنز العمال:6/458 بعدة روايات.

ومعني قوله ادعوا لي محمية: أدعوا لي المسؤول عن الأخماس التي هي شرعاً لبني عبد المطلب، حتي أعطي هؤلاء منها. وهو يدل علي أن النبي صلي الله عليه وآله نفذ في حياته الحكم الشرعي في الخمس، وجعل له مسؤولاً

هو محمية بن جزء، ولكن ذلك انتهي بوفاته، ولم يبق له أثرٌ عند خلفاء قريش!

وقد يشكل علي هذا التشريع الإسلامي: بأنه قد أسس الطبقية في المجتمع الإسلامي، وجعل أسرة النبي صلي الله عليه وآله من بني هاشم وعبد المطلب، أسرة مميزة اجتماعياً ومالياً، بل ومترفعة علي غيرها، فهي لا تأكل من أموال بيت المال التي تتجمع من الزكوات والضرائب لأنها أوساخ الناس، بل لها ماليتها الخاصة في موارد الدولة.

وقد اختلف الفقهاء في موارد مالية بني عبد المطلب هذه، فحصرها فقهاء الخلافة القرشية بغنائم الحرب وجعلوا خمسها لذوي قربي النبي من بني هاشم..وعممها فقهاء الشيعة لكل مايغنم في الحرب والكسب، مما زاد علي مصارف المسلم السنوية.. فقد يقال إن هذه الاموال تشكل ميزانية دولة فكيف يجعلها الله تعالي لاسرة النبي صلي الله عليه وآله؟!

والجواب: أولاً، أن الخمس ليس لأغنياء بني هاشم، بل هو مختص بفقرائهم المؤمنين.

وثانياً، إن الاهتمام بالفقراء من أسر الأنبياء والنابغين أمر حضاري، فلو أن مجلس العموم البريطاني مثلاً أقرَّ قانوناً بإعطاء أبناء آينشتاين من أموال الدولة ما يكفي لمعيشة فقراءهم، بسبب أنهم من ذرية عالم نابغ، ويؤمل أن ينبغ منهم آخرون..لرأي فيه المعترضون علي الخمس الإسلامي عملاً عصرياً صحيحاً، واهتماماً جيداً من دولة متحضرة!

فما هو الإشكال في أن تهتم الشريعة الخاتمة بذرية سيد الأنبياء وأسرته صلي الله عليه وآله وتجعل لهم ميزانية من أزكي الموارد، لمن كان منهم مؤمناً محتاجاً.

وثالثاً، إن الذي يشكل علي تشريع الخمس لال النبي صلي الله عليه وآله عليه أن يرجع إلي القرآن ليري ما هو أعظم من الخمس، فإن نبينا صلي الله عليه وآله هو الوحيد من بين الأنبياء الذي أوجب الله

تعالي علي أمته إعطاءه أجراً علي تبليغ الرسالة، وجعل هذا الأجر: مودة آله فقال (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي) ولذا أفتي كل فقهاء المذاهب بنفاق الناصبي الذي يكره آل النبي صلي الله عليه وآله، وأفتي بعضهم بكفره!

إن المتأمل في آيات القرآن وتاريخ الأديان، لا مفر له من القول بأن الله تعالي من الأصل قد اختار الأنبياء وأسرهم لتبليغ الدين الإلهي، وإقامة الحكم به في المجتمعات البشرية. فالاسرة المختارة أساسٌ في نظام الدين الإلهي، ولكنها أسرة مصطفاة من الله العليم بشخصيات عباده، الحكيم في اختيار أنبيائه وأوليائه.. لا كالاسر التي يختارها الناس بأهوائهم، أو بعلمهم المحدود، أو الأسر التي تتسلط بالقوة وتفرض نفسها علي الناس!

قال الله تعالي: إِنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. آل عمران 33 _ 34

وقال عن جمهرة أسر الأنبياء:

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَي قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَي وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَي الْعَالَمِينَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَ هَدَيْنَاهُمْ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَي اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ. الأنعام: 83 _ 89

وقال عن دعاء زكريا بالذرية الطيبة:

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً

طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. آل عمران: 38

وقال عن ذرية نبينا صلي الله عليه وآله وكثرتهم:

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ. الرعد: 37 - 38

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ. الكوثر: 1-3

وقال عن دعاء الملائكة للذريات المؤمنة:

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَئٍْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. غافر: 7 _ 9

وقال عن نظام الذرية والاسر في الآخرة أيضاً:

وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَي الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَي الدَّارِ. الرعد: 22-24

مُتَّكِئِينَ عَلَي سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئٍْ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ. الطور: 20 _ 21 انتهي.

فنظام الأسرة والذرية نظام طبيعي في بني آدم، وقد أقره الله تعالي واستفاد منه في الدين الإلهي.

وإذا كانت البشرية قد عانت الويلات والمآسي وأنواع الظلم والاضطهاد من نظام الاسر الفاسدة المتجبرة.. فإن ذلك يرجع

إلي فساد تلك الأسر ولا يصح أن يكون سبباً لرفض بنية الأسرة وفكرتها.. فهذه البنية تختزن إيجابيات كبري لحمل الرسالة واستمرارها كما أن فيها خطر سلبيات كبري أيضاً وأن تتحول إلي ملك عضوض.. وقد تحدث القرآن عن الأجيال التي فسدت من أسر الأنبياء وأتباعهم فقال تعالي:

أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَي عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا. مريم: 58 _60

لكن عندما يختار الله تعالي أسرة كأسرة نبينا صلي الله عليه وآله ويصطفيها فليس معناه أنه يختار كل أفرادها علي علاتهم بل معناه أنه يختارها بصورة عامة بسبب علمه بأنه سيوجد منها أفراد معصومون يختارهم لهداية الأمة وقيادتها.

ولو فكرت فيما نقلته الصحاح من قول النبي صلي الله عليه وآله في حديث الثقلين (ولقد أخبرني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) لما وجدت له معني إلا أن الله تعالي أخبر نبيه بأنه سيكون من عترته شخص معصوم يواصل خط نبوته في كل عصر إلي يوم القيامة! فالاختيار لبني عبد المطلب كليٌّ عام لانهم معدن النبي صلي الله عليه وآله ومعدن الأئمة من عترته (عليهم السلام) ولأنهم الأفضل بالمقايسة مع غيرهم من الأسر، فهي أقلهم سلبيات وأكثرهم إيجابيات.. وهو اختيار ترافقه تشريعات حازمة شرعها الله تعالي بشأنهم تتلخص بما يلي:

أن المودة والاحترام لجميع بني هاشم، بشرط الإسلام والإيمان.

أن الخمس لفقرائهم المؤمنين بمقدار كفايتهم وتمشية أمور معيشتهم.

أن وجوب الإطاعة فقط

لاولي الأمر المعصومين منهم (عليهم السلام) الذين هم الأئمة الإثنا عشر لاغير.. وقد تقدم في الفصل الثامن تفسير آية المصطفين الذين أورثهم الله الكتاب بعد نبينا صلي الله عليه وآله، وأنهم محصورون في ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام، وأن الصالحين منهم ثلاثة أنواع: سابق بالخيرات وهم الأئمة (عليهم السلام) ومقتصد وظالم لنفسه.

ومن الأمور الطريفة أن الذين ينتقدون الشيعة لتمسكهم بمودة أهل البيت وولايتهم (عليهم السلام) ويقولون إن مذهب التشيع مذهب أسري، ينسون أنهم أسريون أكثر منا! فنحن نعتقد أن الخلافة في هذه الأمة إلي يوم القيامة مخصوصة في ذرية النبي عملاً بنصه صلي الله عليه وآله..بينما هم يقولون إن النبي صلي الله عليه وآله لم ينص علي أحد، وبعضهم يقول إنه علي أن الخلافة في قريش إلي يوم القيامة، لأنهم قبيلة النبي صلي الله عليه وآله.

فنحن أسريون بالنص، وهم قبليون بغير نص، أو بنص!

ونطاق ولائنا نحن لبني هاشم وعبد المطلب بصورة عامة، ولإثني عشر إماماً منهم بصورة خاصة.. بينما نطاق ولائهم لبضع وعشرين قبيلة، هم مجموعة قبائل قريش، ومنهم أئمة الشرك، والكفر، والنفاق!

وقد روينا ورووا أن علياً عليه السلام بعد أن فرغ من مراسم تغسيل النبي والصلاة عليه ودفنه صلي الله عليه وآله بلغه أن بعض زعماء قريش ذهبوا إلي السقيفة حيث كان رئيس الأنصار مريضاً، واحتجوا علي الأنصار بأنهم قوم النبي صلي الله عليه وآله وعشيرته وأولي منهم بسلطانه! فقال علي عليه السلام فيما قال: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة!!

وغرضنا هنا أن نوضح أن جميع المسلمين ماعدا من شذ قد أجمعوا علي أن نظام الحكم في الإسلام بعد النبي صلي الله عليه وآله إما أن يكون أسرياً مخصوصاً بعترته عليهما

السلام، أو قبلياً مخصوصاً بقبائل قريش الثلاث والعشرين أو الخمس والعشرين.

فنحن نقول إنه نظامٌ أسري بالنص واختيار الله تعالي كما قال (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)، والسنة يقولون إنه نظامٌ قبلي باختيار الناس لكن من داخل قريش، ولا يجب أن يكون الحاكم عندهم من أسرة النبي عليه السلام، بل لعله يستحبون أن يكون من غيرها!

ومن الأحاديث والنصوص الدالة علي إيمان عبد المطلب:

ما ثبت في الحديث والتاريخ من كرامات بل معجزات لعبد المطلب، في حملة أبرهة لهدم الكعبة تدل علي توحيده وإيمانه ويقينه، وعلي أنه كان يعرف أن الله تعالي سيرسل عليهم طيراً أبابيل، وكان يرسل بعص أولاده إلي الجبل لينظروا هل جاء سرب الطيور من قبل البحر!

ورووا كذلك مخاطبته للفيل وجواب الفيل له بالاشارة بأنه لن يدخل إلي محيط الكعبة... إلي آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون مما لا يمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب!

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي الكرامة التي أكرمه الله بها بأن أعاد نبع زمزم علي يده وما رافق ذلك من آيات فقد كان الله تعالي أكرم بهذا النبع جده اسماعيل وأمه هاجر ثم نضب وعفي علي مر الزمن حتي أعاده الله تعالي علي يد عبد المطلب عن طريق الرؤيا الصادقة التي لا تكون إلا للأنبياء والاوصياء وكبار الأولياء.

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي معرفته بنبوة حفيده صلي الله عليه وآله، واهتمامه الخاص به ورعايته المميزة له في طفولته وصباه، وتوصيته به إلي أرشد أبنائه أبي طالب، وإخباره إياه بأمره... إلي آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون، مما لا يمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب!

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي

المكانة الدينية التي كانت لعبد المطلب في قلوب قبائل العرب وجماهير ها والتي لم يكن لاحد مثلها حتي لرؤساء قبائلهم... كل ذلك مع حسد قريش له وعمل رؤسائها للحط من مكانته خاصة بنو عبد الدار أصحاب لواء قريش الذين قادوا معركة بدر وبنو المغيرة الذين كان يرأسهم أبو جهل وبنو أمية الذين كان يرأسهم صخر.

وقد نصت مصادر التاريخ علي هذه المكانة وأن طابعها كان تقديساً دينياً غير وثني بل مرتبطاً بالكعبة وزمزم وإسماعيل وإبراهيم (عليهم السلام). ويلاحظ ذلك من مواقف عقلاء العرب وأصحاب الاذهان الحرة منهم واحترامهم للنبي صلي الله عليه وآله باعتباره ابن عبدالمطلب لأن عبد المطلب عندهم وارث أمجاد اسماعيل وإبراهيم وبركتهما!

روي النسائي في سننه:4/124:

عن أبي هريرة قال بينما النبي(ص)مع أصحابه (إذ) جاء رجل من أهل البادية قال: أيكم ابن عبد المطلب

قالوا: هذا الامغر المرتفق. قال حمزة: الامغر الأبيض مشرب حمرة.

فقال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة.

قال: سل عما بدا لك.

قال: أسألك بربك ورب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده علي فقرائنا.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من إثني عشر شهراً.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا.

قال: اللهم نعم.

فقال: فإني آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة. انتهي.

ورواه البخاري مختصراً في صحيحه:1/23وأبوداود في سننه:1/117_ 118 ويفهم من هذا النص أن لعبدالمطلب وأولاده مكانة خاصة في قلوب

المتفكرين من العرب..بل يشير النص التالي في صحيح البخاري إلي أن أولاد بني عبد المطلب لهم مميزات نورانية خاصة. ففي:5/140: أن علي بن أبي طالب (رض)خرج من عند رسول الله(ص)في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله(ص)فقال أصبح بحمد الله بارئاً فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لاري رسول الله(ص)سوف يتوفي من وجعه هذا إني لاعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت...!! ورواه البخاري أيضاً في:7/136

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي العاطفة النبوية الجياشة التي كانت تفيض من قلب نبينا صلي الله عليه وآله علي بني هاشم وبني عبد المطلب وذريتهما وأحاديث ذلك كثيرة صحيحة مليئة بالدلالات لمن تأملها وجرد ذهنه عن ستار التلقين القرشي ضد عبد المطلب.

قال البخاري في صحيحه:2/204:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم النبي(ص)مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحداً بين يديه وآخر خلفه.. ورواه في:7/67

فهل كانت هذه العاطفة النبوية والحفاوة المحمدية بأطفال كافرين! أم بأطفال آباؤهم طلقاء أسلموا لتوهم تحت السيف!

كلا بل كانت عاطفة علي غصون شجرة مباركة يحملون إرث أجدادهم الأنبياء والأوصياء، ولم يظهر منهم إلي الآن انحراف عنها!!

وروي البخاري أن النبي صلي الله عليه وآله تعمد في حجة الوداع أن يوعي الأمة علي ظلم قريش للنبوة، ولكل بني هاشم وعبد المطلب!

قال البخاري في:2/158:

عن أبي هريرة (رض) قال قال النبي(ص)من الغد يوم النحر وهو بمني: نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا علي الكفر. يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت علي بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني

المطلب، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتي يسلموا إليهم النبي (ص). انتهي.

ثم لاحظ ذلك التعبير النبوي الملي بالعاطفة والحنان والإيمان بنوعية أبناء عبدالمطلب المميزة حيث قال صلي الله عليه وآله كما حديث الكافي الآتي (فما ظنكم يا بني عبدالمطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثراً عليكم غيركم!).

ويؤيده ما رواه ابن شبة في تاريخ المدينة:2/264 قال:

حدثنا أبوحذيفة قال حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العباس (رض) إلي رسول الله(ص)فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت! فقال رسول الله (ص): لن يبلغوا الخير أو قال الإيمان حتي يحبوكم لله ولقرابتي أيرجو سؤلهم شفاعتي عن مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي انتهي. وروي نحوه غيره.

ومن هذه الأحاديث:

ما دل علي أن أولاده سادة أهل الجنة هم بنو عبد المطلب السبعة من بني عبدالمطلب! فقد روي ابن ماجة في سننه:2/1368: حدثنا هدية بن عبدالوهاب ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي. انتهي. وهو حديث صحيح عند إخواننا السنة وقد أورنا مصادره وطرقه العديدة في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام فزادت علي مئة مصدر. وصحح العديد منها علماء الجرح والتعديل.

إن المجموعة الواحدة من هذه النصوص تكفي الباحث السوي الذهن، لأن يعيد النظر في الأحكام التي أصدرتها الخلافة القرشية وفقهاؤها علي عبد المطلب..! فكيف بهذه المجموعات الثمانية مجتمعة، ومثلها معها!

وإذا أنهار البناء القرشئ

ضد عبد المطلب، انهارت الجدران القرشية الأخري وانكشفت محاصرتهم الجديدة لبني هاشم وبني عبد المطلب..التي أحكموها أكثر من محاصرتهم لهم في شعب أبي طالب، لانهم فعلوها هذه المرة باسم الإسلام فطالت قروناً، وعمت أجيالاً، إلا من رحم ربك من أصحاب البصائر!

عبدالمطلب عليه سيماء الأنبياء و بهاء الملوك

اتفقت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) علي أن عبد المطلب رضوان الله عليه مؤمن بالله الواحد الاحد علي ملة جده إبراهيم ولي من أولياء الله ملهم بواسطة الملائكة والرؤية الصادقة.. بل يحتمل الناظر في هذه الأحاديث أن عبد المطلب كان من الأنبياء وأنه كان مأموراً أن يعبد ربه علي دين إبراهيم ويأمر أولاده بذلك.

وقد روت ذلك مصادرنا وبعض مصادر السنيين قال السيوطي في الدر المنثور:5/98: وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله: وتقلبك في الساجدين قال: من نبي إلي نبي حتي أخرجت نبياً. انتهي.

قال المجلسي في بحار الأنوار:31/155:

روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك.

وروي الكليني في الكافي:4/58:

عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبدالجبار ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن صفوان بن يحيي عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله صلي الله عليه وآله فسألوه أن يستعملهم علي صدقات المواشئ وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها فنحن أولي به فقال رسول صلي الله عليه وآله الله: يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة _

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: والله لقد وعدها _ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم!

ثم قال: إن الجن والإنس يجلسون يوم القيمة في صعيد واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون: إلي من فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة فيقول: ههيات قد رفعت حاجتي فيقولون إلي من فيقال: إلي إبراهيم فيأتون إلي إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون إلي من فيقال: إيتوا موسي فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلي من فيقال: إيتوا عيسي فيأتونه ويسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلي من فيقال إيتوا محمداً فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتي يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه فيقال: من هذا؟ فيقول: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب فإذا نظر إلي الجنة خر ساجداً يمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة فيخر ساجداً ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط وأشفع تشفع فيقوم فما يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه. ورواه في تهذيب الأحكام:4/58 وتفسير العياشي:2/93 وتفسير نور الثقلين:2/235 ووسائل الشيعة:6/185 ومستدرك الوسائل:7/119 وتفسير نور الثقلين:3/210

هذا وقد تكفلت مصادر الحديث والتفسير عندنا بإثبات إيمان عبد المطلب وجميع آباء النبي صلي الله عليه وآله، وقد وافقنا علي ذلك عدد من العلماء السنيين منهم السيوطي والفخر الرازي والشعراني.. وغيرهم.

آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين

رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضا

من لا يحضره الفقيه:2/230: وسئل الصادق عليه السلام عن الذبيح من كان فقال: إسماعيل عليه السلام لأن الله عز وجل ذكر قصته في كتابه ثم قال: وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين.

وقد اختلفت الروايات

في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلي رد الأخبار متي صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمني أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله عز وجل ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قبله فسماه بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوة متصلاً بالصادق عليه السلام. انتهي.

وقال الجزائري في هامش تفسير القمي:1/351:

قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في قصص الأنبياء: اختلف علماء الإسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلي أنه اسماعيل والأخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل. وذهبت طائفة من الجمهور إلي أنه إسحاق وبه أخبار واردة من الطرفين وطريق تأويلها إما أن تحمل علي التقية وأما حملها علي ما قاله الصدوق صار ذبيحاً بالنية والتمني... حمل رحمه الله قول النبي صلي الله عليه وآله (أنا ابن الذبيحين) علي ذلك.

أقول: إن بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح إسحاق حقيقة لا مجازاً وفداه بكبش فعليه لا مجال إلي ما ذهب إليه الصدوق رحمه الله من الحمل فإما أن تحمل هذه الروايات كما قال جدي رحمه الله علي التقية أو علي تعدد الواقعة. انتهي.

ملاحظة: إن الشيخ الصدوق رحمه الله صحت عنده رواية أن الذبيح هو إسماعيل ورواية أنه إسحاق بالمجاز وصحت عنده رواية نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله وقول النبي صلي الله عليه وآله (أنا ابن الذبيحين)

ففسره بأنه ابن الذبيحين من وجهين: أي من جهة عبد الله واسماعيل ومن جهة اسماعيل وإسحاق. وقد صرح بذلك في آخر كلامه في الخصال. ولكن كلامه جاء متداخلاً فالتبس الأمر علي الجزائري وعلي الغفاري وتصوراً أنه يفسره بالوجه الثاني فقط ويرفض الوجه الأول!

وروايته التي استند عليها في أن إسحاق ذبيح مجازي رواية عامية من نوع روايات معاصره الحاكم النيسابوري. ولو صحت لتعين ترجيح الموافق لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) علي الموافق لليهود والنواصب. أو حملها كما ذكر السيد الجزائري علي التقية من الحكام خاصة أن المسألة كانت مطروحة في دار الخلافة في المدينة وفي قصور الخلافة في الشام كما رأيت من رواياتها.

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل و إسحاق

من لا يحضره الفقيه:3/89:

روي حماد بن عيسي عمن أخبره عن حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال: أول من سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول الله عز وجل: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ والسهام ستة ثم استهموا في يونس عليه السلام لما ركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم علي يونس ثلاث مرات قال: فمضي يونس عليه السلام إلي صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمي نفسه.

ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاماً أن يذبحه فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله صلي الله عليه وآله في صلبه فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلي عبد الله فخرجت السهام علي عبد الله فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج علي عبد الله ويزيد عشراً فلما أن خرجت مائة خرجت السهام علي الإبل فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً

فخرجت علي الإبل فقال: الان علمت أن ربي قد رضي فنحرها. انتهي.

وقال الأستاذ علي أكبر غفاري في تعليقه علي هذا الحديث:

جاءت هذه القصة في كثير من كتب الحديث من الطريقين، واشتهرت بين الناس وأرسلها جماعة من المؤلفين إرسال المسلمات، ونقلوها في مصنفاتهم دون أي نكير، وهي كما تري تضمنت أمراً غريباً بل منكراً لا يجوز أن ينسب إلي أحد من أوساط الناس والسذج منهم، فضلاً عن مثل عبدالمطلب الذي كان من الأصفياء وهو في العقل والكياسة والفطنة علي حد يكاد أن لا يدانيه أحد من معاصريه، وقد يفتخر النبي صلي الله عليه وآله مع مقامه السامي بكونه من أحفاده وذراريه ويباهي به القوم ويقول:

أنا النبي لا كَذِبْ أنا ابن عبد المطلب

وفي الكافي روايات تدل علي عظمته وجلالته وكمال إيمانه وعقله ودرايته ورئاسته في قومه، ففي المجلد الأول منه/446 في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك. يعني إذا حشر الناس فوجاً فوجاً يحشر هو وحده، لأنه كان في زمانه منفرداً بدين الحق من بين قومه، كما قاله العلامة المجلسي رحمه الله. وفي حديث آخر رواه الكليني أيضاً مسنداً عن الصادق عليه السلام قال: يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء، وذلك أنه أول من قال بالبداء.

وفي الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله عليها السلام قال: كان عبدالمطلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لاحد غيره، وكان له ولد يقومون علي رأسه فيمنعون من دنا منه... إلي أمثالها الكثير الطيب كلها تدل علي كمال إيمانه وعقله وحصافة رأيه..وإن أردت أن تحيط

بذلك خبراً فانظر إلي تاريخ اليعقوبي المتوفي في أواخر القرن الثالث، وما ذكر من سننه التي سنها وجاء بها الإسلام مثل تحريمه الخمر، والزنا، ووضع الحد عليه، وقطع يد السارق، ونفي ذوات الرايات، ونهيه عن قتل المؤودة، ونكاح المحارم، وإتيان البيوت من ظهورها، وطواف البيت عرياناً وحكمه بوجوب الوفاء بالنذر، وتعظيم الأشهر الحرم، وبالمباهلة بمائة إبل في الدية. ثم تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة المهدمة، كيف حفظ بحسن تدبيره وسديد رأيه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار، دون أي مؤونة، وقال: أنا رب الإبل ولهذا البيت رب يمنعه، مع أن الواقعة موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين.

فإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح أن يقال: إنه نذر أن يذبح سليله وثمرة مهجته وقرة عينه قربة إلي الله سبحانه، وأن يتقرب بفعل منهي عنه في جميع الشرايع، والقتل من أشنع الأمور وأقبحها، والعقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات، مضافاً إلي كل ذلك أن النذر بذبح الولد قرباناً للمعبود من سنن الوثنيين والصابئين، وقد ذكره الله تعالي في جملة ما شنع به علي المشركين، وقال في كتابه العزيز بعد نقل جمل من بدعهم ومفتريانهم: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا يَفْتَرُونَ. الأنعام: 137

وهذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعلمون به، فإن المفهوم من ظاهر لفظ الأولاد أعم من المذكور منهم والبنات، والوأد مخصوص بالبنات، وأيضاً غير قتلهم أولادهم من إملاق أو خشيته، بل هو عنوان آخر يفعلونه علي سبيل التقرب إلي الإلهة.

فإن قيل: لعله

كان مأموراً من جانب الله سبحانه كما كان جده إبراهيم عليه السلام مأموراً؟ قلنا: هذا التوجيه مخالف لظاهر الروايات، فإنه صرح في جميعها بأنه نذر مضافاً إلي أنه لو كان مأموراً فلا محيص له عنه ويجب عليه أن يفعله كما أمر، فكيف فداه بالابل ولم لم يقل في جواب من منعه كما في الروايات: إني مأمور بذلك.

وبالجملة في طرق هذه القصة وما شاكلها مثل خبر (أنا ابن الذبيحين) رواه جماعة كانوا ضعفاء أو مجهولين أو مهملين، أو علي غير مذهبنا مثل أحمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة، وهو زيدي جارودي أو أحمد بن الحسن القطان، وهو شيخ من أصحاب الحديث عامي ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية،مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها إن كانوا إمامية، وكذا محمد بن جعفر بن بطة الذي ضعفه ابن الوليد وقال: كان مخلطاً فيما يسنده، وهكذا عبد الله بن داهر الأحمري وهو ضعيف كما في الخلاصة والنجاشي، وأبو قتادة ووكيع بن الجراح وهما من رجال العامة ورواتهم ولا يحتج بحديثهم إذا كان مخالفاً لاصول المذهب، وإن كانوا يسندون خبرهم إلي أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

وإنك إذا تتبعت أسانيد هذه القصة وما شابهها ما شككت في أنها من مفتعلات القصاصين ومخترعاتهم نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد المطلب ونسبة الشرك والعياذ بالله إليه، رغماً للامامية حيث أنهم نزهوا آباء النبي صلي الله عليه وآله عن دنس الشرك.

ويؤيد ذلك أن كثيراً من قدماء مفسريهم كالزمخشري والفخر الرازي والنيشابوري وأضرابهم، والمتأخرين كالمراغي وسيد قطب وزمرة كبيرة منهم، نقلوا هذه القصة أو أشاروا إليها عند تفسير قوله تعالي: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ، وجعلوا

عبد المطلب مصداقاً للاية انتصاراً لمذهبهم الباطل في اعتقاد الشرك في آباء النبي صلي الله عليه وآله وأجداده.

قال العلامة المجلسي رحمه الله: اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم علي أن والدي الرسول صلي الله عليه وآله وكل أجداده إلي آدم عليه السلام كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين ثم نقل عن الفخر الرازي أنه قال: قالت الشيعة إن أحداً من آباء الرسول صلي الله عليه وآله وأجداده ما كان كافراً. ثم قال: نقلت ذلك عن إمامهم الرازي ليعلم أن اتفاق الشيعة علي ذلك كان معلوماً بحيث اشتهر بين المخالفين.

وإن قيل: لا ملازمة بين هذا النذر وبين الشرك، ويمكن أن يقال إن نذر عبدالمطلب كان لله، وأما المشركون فنذروا لالهتهم.

قلت: ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن المشركين دون الموحدين، فالناذر إما مشرك أو تابع لسنن الشرك وجلَّت ساحة عبد المطلب أن يكون مشركاً والعياذ بالله أو تابعاً لسنن المشركين، والإصرار بتصحيح أمثال هذه القصص مع نكارتها كثيراً ما يكون من الغفلة عما جنته يد الإفتعال.

ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالي عليه لم يحتج بهذا الخبر في حكم من الأحكام، إنما أورده في هذا الكتاب طرداً للباب، ويكون مراده جواز القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر. انتهي.

ثم كرر الاستاذ الغفاري رأيه في:4/368 فقال:

قال المصنف رحمه الله في الخصال (/27 باب الإثنين) قد اختلفت الروايات في الذبيح، فمنها ما ورد بأنه اسماعيل لكن اسحاق لما ولد بعد ذلك تمني أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه، فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عز وجل

ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحاً، لتمنيه لذلك. انتهي.

أقول: علي هذا فالمراد بالذبيحين إسماعيل وإسحاق: أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز، مع أن كليهما لم يذبحا بعد. وتقدم فيه كلام: 3/89 والإشكال بأن إسحاق كان عما له دون أب ممنوع لأن إطلاق الاب علي العم شايع، وفي رواية سليمان بن مهران عن الصادق عليه السلام في قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم، لأن قد سماه الله عز وجل أبا في قوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ. وكان اسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذه الموضع أباً، وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: العم والد. فعلي هذا الأصل أيضاً يطرد قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز. انتهي.

والجواب علي ما ذكره الأستاذ الغفاري:

أولاً: أن الرواية التي استدل بها الصدوق علي أن اسحاق ذبيحٌ أيضاً مجازاً، عامية ضعيفة، وقد ضعف سندها الأستاذ الغفاري نفسه من حيث لايدري كما ستري!

ثم إن إطلاق العم علي الأب في اللغة وإن كان أمراً شائعاً، ولكن لا ينطبق علي قول القائل (أنا ابن فلان) مفتخراً أو مباهياً، لأن المتبادر منه الإفتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبيحين قربانين لله تعالي، لا من أعمامه، وإلا لقال: أنا من قوم فيهم ذبيحان أو من آل إبراهيم آل الذبيحين.

كما أن إطلاق اسم الذبيح المجازي علي إسحاق أيضاً ضعيف لغةً، لأن كلمة (الذبيح) لا تصدق إلا علي من قصدوا ذبحه لله تعالي قصداً عملياً حقيقياً ورضي به،

ولو كان يكفي لإطلاقها مجازاً أن الشخص قد أحب ذلك ونواه كما في إسحاق، لصح أن تطلق علي كل آباء النبي أو جلهم، بل علي كثير من المؤمنين، لأن أكثر الأنبياء والاوصياء والمؤمنين يحبون مقام إسماعيل وينوون أن لو كانوا مكانه لقبلوا بما قبل به.

فارتكاب المجاز في معني الإبن وجعله العم، ثم ارتكاب المجاز في الذبيح وجعله من يحب أن يكون ذبيحاً.. خلاف الظاهر جداً، وهو يكاد يفرغ الكلمة من هدفها بل من معناها!

ثانياً: لعل الغفاري لم يطلع علي تاريخ القربان لله تعالي في الشرائع الإلهية السابقة، فقد كان عامة الناس يقدمون قرابين من الانعام، وكان من المشروع أن يقدم كبار المؤمنين أحد أولاده قرباناً لله تعالي، وعلي أساسه كان منام إبراهيم صلي الله عليه وآله.. ولم يثبت نسخ هذا التشريع قبل الإسلام.

فالمشركون لم يخترعوا القربان لأوثانهم، وإنما أخذوه من الأديان وجعلوه لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالي. وما عابه الله تعالي عليهم من قتلهم أولادهم وتقديمهم إياهم قرابين لآلهتهم، إنما عاب فيه شركهم وتقربهم للأوثان.

ثالثاً: إن وجود عبد المطلب في مجتمع وثني يتقرب إلي الأصنام بالقرابين وقد يذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه.. وإعلان عبد المطلب أنه علي ملة أبيه إبراهيم صلي الله عليه وآله، وإحيائه عدداً من سننها، وما جري في عهده من حفظ الله تعالي لكعبة إبراهيم في حادثة الفيل، وإعادة ماء زمزم المفقود علي يده... كل ذلك يساعد علي فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قرباناً لله تعالي علي ملة إبراهيم، ويجعل هذا النذر أمراً طبيعياً مشروعاً في ذلك الوقت، بل دعوةً لعَبَدَة الأصنام أن يعبدوا رب البيت رب إبراهيم، ويقدموا له

قرابينهم، ولا يقدموها لأصنامهم.

أما لماذا نذر عبد المطلب ذلك، ولماذا عزم علي تنفيذ نذره جدياً فشاور أولاده فأطاعوه، وأقرع بينهم فرست القرعة علي عبدالله، وقال لأبيه كما قال إسماعيل.. ثم كيف تحلل من عبد المطلب من نذره بطريقة القرعة بين ذبح ولده أو نحر الإبل.. فهي إشكالات واردة. وجوابها: أنها واردة علي شريعتنا لا علي شريعة إبراهيم وعبد المطلب. وهي واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث وبالمستند الشرعي الذي استند عليه عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به.

ولكن معرفتنا بشخصية عبد المطلب وإيمانه العميق، تكفي للقول بأنه لم يكن يقدم علي نذره ثم علي التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بينة من ربه تعالي.

ويكفينا لإثبات هذه الصفة في شخصيته، حادثتا زمزم والفيل حيث ظهر للناس علي نحو اليقين أنه كان يتلقي أوامره من ربه عز وجل!

فما المانع أن تكون قصة نذر ولده من هذه الإلهامات، خاصة أن الولد الذي رست عليه القرعة هو والد النبي صلي الله عليه وآله الذي أعطاه الله تعالي ما أعطي جده إسماعيل من شرف الرضا بأن يذبحه أبوه قرباناً لله تعالي، ثم فداه الله بطريقة ألهمها لأبيه ليعطيه شرف أبوة سيد المرسلين صلي الله عليه وآله.

هذا، وقد روي الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي/41 ط دار المعارف المصرية، أن المنذر بن ماء السماء ملك المناذرة المعاصر لعبد المطلب، والذي كان أعظم ملك وثني في العرب، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملك الغساسنة النصراني في حربه معه، فذبحه قرباناً للعزي!!

فلعل نذر عبد المطلب أن يذبح واحداً من أولاده لرب البيت سبحانه، كان تعزيزاً لدين ابراهيم، ورداً علي عمل المنذر، وإبطالاً لتأثير عمله في تعزيز

مكانة صنم العزي!

وأخيراً، فإن نذر عبد المطلب رضوان الله عليه لم يكن ارتجالاً بل امتد وقته طويلاً، فقد ذكرت الروايات أنه كان في أيام رؤيته الصادقة في حفر زمزم، وكان له ولدٌ واحدٌ، فنذر إن رزقه الله عشرة أولاد وكبروا أن يذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالي.. وقد يكون نذره تحقق بعد عشرين سنة أو ثلاثين!

رابعاً: إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس علي أن يجدوا له مذمة أو منقصة، وقد رأيت في رواية الحاكم المتقدمة أن معاوية ذكر نذر عبد المطلب، وأنه كان نذراً لله تعالي مرتبطاً بأمر الله له بحفر زمزم (قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرضِ ربك وافدِ ابنك).

فقد كان الأمر بحفر زمزم أمراً من الله تعالي وقد انكشفت صحته.. وهذا يقرب أن يكون النذر لله تعالي بأمره سبحانه، ويشير إليه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة إلي داخل الكعبة وأقرع بينهم فخرجت القرعة علي عبد الله ورضي عبد الله بها واستعد للذبح مختاراً، وقرر عبد المطلب تنفيذ ذلك كما قرر جده إبراهيم..ولكن أسرته ومحبيه من قريش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن يرضي ربه بفدائه، فتريث عبد المطلب يومه حتي أمره الله بطريقته التي كان يتلقي بها أن يقرع بين عبد الله وبين فدائه من الإبل، ويزيد في عدد الفداء حتي تخرج القرعة عليه فيفديه به.

إنه لو كان في عمل عبد المطلب منقصة لشنعوا بها عليه، ولكنها كرامة زادت من مكانته في حياته، وذكرت له باحترام وإجلال حتي من أعدائه

بعد وفاته.

بل زادت من تفكير الناس الوثنيين بإله إبراهيم وعبد المطلب، وهيأتهم للدعوة إلي عبادته بدل أصنامهم.

خامساً: لقد وقع الغفاري في اشتباهين كبيرين: أولهما أنه جعل سند رواية الذبيح المجازي لرواية نذر عبد المطلب وضعفها بسببه! فإن ابن داهر وأبا قتادة ووكيع لم يردوا في سند رواية النذر عن الإمام الرضا عليه السلام، بل وردوا في رواية أن الذبيح المجازي إسحاق! وقد التبس الأمر عليه لأن الصدوق ذكر مضمونها قبل سندها، فيكون الأستاذ الغفاري قد ضعف دليله متصوراً أنه ضعف رواية نذر عبد المطلب! وليس في رواية النذر ممن ضعفهم الغفاري إلا القطان الذي قال فيه (ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية) فإن كان هذا مستنده في التضعيف فقد قال في طرائف المقال/155 عن القطان هذا (كثيراً ما يروي عنه الصدوق مترضياً)!

ولو سلمنا ضعفه، فإن روايته المعتضدة بالشهرة التي سنذكر طرفاً منها والمخالفة لليهود والخط القرشي المعادي لعبد المطلب، والمؤيدة بتصحيح عدد من العلماء منهم الصدوق.. لهي جديرة بالقبول.

والإشتباه الثاني الذي وقع فيه الاستاذ الغفاري أنه حسب أن رواية الإمام الصادق عليه السلام تتعلق بإطلاق الاب علي العم وترتبط بموضوع الذبيحين، مع أنها لا علاقة لها بالعم والأب، وإنما استشهد الصدوق علي ذلك بالآية وبقول النبي صلي الله عليه وآله: العم أب. ويتضح الأمر من ملاحظة النص بتمامه وهو في الخصال للصدوق كما يلي:

قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن علي بن موسي الرضا (عليهما السلام) عن

معني قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل (عليهما السلام) وعبد الله بن عبد المطلب. أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم: فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر (ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت) ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما عزم علي ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ويبول ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاماً وما خرج من رحم أنثي وإنما قال الله عز وجل له كن فكان ليفدي به إسماعيل فكل ما يذبح بمني فهو فدية لإسماعيل إلي يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين.

وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متي أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة أولاد قال: قد وفي الله لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلي الله عليه وآله وكان أحب ولده إليه ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم علي ذبحه فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبدالمطلب يبكين ويصحن فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك: قال: فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة قالت: إعمد إلي تلك السوائم التي لك

في الحرم فاضرب بالقداح علي ابنك وعلي الإبل وأعط ربك حتي يرضي. فبعث عبدالمطلب إلي إبله فأحضرها وعزل منها عشراً وضرب السهام فخرج سهم عبد الله فما زال يزيد عشراً عشراً حتي بلغت مائة فضرب فخرج السهم علي الإبل فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتي أضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثاً كل ذلك يخرج السهم علي الإبل فلما كان في الثالث اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان علي الأرض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب وأمر عبدالمطلب أن تنحر الابل بالحسرة ولا يمنع أحد منها وكانت مائة.

وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل في الإسلام: حرم نساء الآباء علي الأبناء وسن الدية في القتل مائة من الإبل وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وسمي زمزم لما حفرها سقاية الحاج ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه علي ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم علي ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي صلي الله عليه وآله بالإنتساب إليهما لأجل أنهما الذبيحان في قوله عليه السلام: أنا ابن الذبيحين.

والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهي كون النبي صلي الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) في صلبهما فببركة النبي والأئمة صلي الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ولولا ذلك لوجب علي الناس كل أضحي التقرب إلي الله تعالي ذكره بقتل أولادهم وكل ما يتقرب الناس به إلي الله عز وجل من

أضحية فهو فداء لإسماعيل إلي يوم القيامة.

قال مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه: قد اختلف الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلي رد الأخبار متي صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمني أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه الله عز وجل بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك. وحدثنا بذلك محمد بن علي البشاري القزويني (رض) قال: حدثنا المظفر بن أحمد القزويني قال: حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن عبدالله بن داهر عن أبي قتادة الحراني عن وكيع بن الجراح عن سليمان بن مهران عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام).

وقول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم لأن العم قد سماه الله عز وجل أبا في قوله أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق. وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذا الموضع أبا وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: العم والد.

فعلي هذا الأصل أيضاً يطرد قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والاخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب علي النية والتمني فالنبي صلي الله عليه وآله هو ابن الذبيحين من وجهين علي ما ذكرناه. انتهي.

وأورده في البحار:12/22 عن العيون والخصال.

وفي هذا النص أمور متعددة تكفي للرد علي رأي الاستاذ الغفاري حفظه

الله في إنكار قصة نذر عبد المطلب.. ومن هذه الأمور أن الصدوق حكم بصحة الرواية من عنوانها الذي وضعه لها.

ومنها قوة حجج الإمام الرضا عليه السلام فيها وسنذكر بعضها.

ومنها أن الصدوق قبل تفسير الذبيحين بعبد الله واسماعيل من وجه، وبإسماعيل وإسحاق من وجه آخر، كما صرح في آخر كلامه.

والواقع أن نقطة الضعف الوحيدة فيها هي اعتماد الصدوق رحمه الله علي رواية الذبيح بالمجاز العامية.. والتي ضعفها الغفاري، والحمد لله!

سادساً: ولو أن المحقق الغفاري تأمل في قول الإمام الرضا عليه السلام في رواية الصدوق (ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه علي ذبح ابنه عبد الله شبيهٌ بعزم إبراهيم علي ذبح ابنه إسماعيل، لما افتخر النبي صلي الله عليه وآله بالإنتساب إليهما لاجل أنهما الذبيحان في قوله عليه السلام: أنا ابن الذبيحين.

والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله، وهي كون النبي صلي الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) في صلبهما.. فببركة النبي والأئمة صلي الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم) لعرف أن إشكاله علي نذر عبد المطلب يرد بعينه علي إبراهيم صلي الله عليه وآله لأنهما عملان من نوع واحد، غاية الأمر أن إبراهيم أمر بالذبح في المنام وأمر بالفداء بالوحي. ومادام عبد المطلب لانعرف كيف أمر بنذر الذبح والفداء، ولكن نعرف أنه حجة وعمله صحيح، ولا بد أنه كان عنده حجة شرعية علي نذره وفدائه.

وحينئذ فما يجاب به عن عمل إبراهيم، يجاب به عن عمل عبد المطلب بلا فرق، فلا معني لاستظهار أن ذبح الولد كان

من عادات المشركين، ولا معني للقول بأنه لو كان عبد المطلب نذر ذلك فلماذا لم يقدم عليه... الخ.

سابعاً: إن ما ذكره حفظه الله من ملاحظات روائية ليس شاملاً ولا مقنعاً، والظاهر أنه لم يطلع علي مصادر رواية (أنا ابن الذبيحين) وطرقها، واشتهارها عند الشيعة من العصر الأول، بل عند السنة أيضاً حتي أن فقهاءهم أخذوا بها، وإن لم يأخذ بها أهل صحاحهم، وممن صححها من الاحناف أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع:5/85 قال (ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول. أما الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام: أنا ابن الذبيحين أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا اسماعيل عليه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقيقة وهو عبدالله بن عبد المطلب سماهما عليه الصلاة والسلام ذبيحين ومعلوم أنهما ما كانا ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديراً بطريق الخلافة لقيام الخلاف مقام الأصل. انتهي.

وقال ابن كثير في السيرة النبوية:1/184:

(وهو ابن عبد الله وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب وهو الذبيح الثاني المفدي بمائة من الإبل كما تقدم). انتهي.

وفي اطمئناني أن المتتبع يجد لهذا الحديث طرقاً أخري سواء في مصادرنا أو في مصادر السنيين، ويجد المزيد ممن صححه من علماء الفريقين.

اول من يكسي كسوة الجنة

ذكرت بعض الروايات أن الناس يخرجون من قبورهم عرياً يوم القيامة ثم يكسون علي حسب عملهم. ولكن الظاهر أن المقصود بحديث أول من يكسي هنا ليس الكسوة من العري، بل كسوة الجنة كما ورد في النص.

وقد ادعي اليهود أن إبراهيم أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة..ولا أظن أن هذه المسألة كانت مطروحة في ثقافتهم، ولكن لما رأوا المسلمين يروون عن نبيهم صلي الله عليه وآله أنه رئيس المحشر، والشفيع الأول، وخطيب الأنبياء،

وأول من يكسي يوم القيامة..ادعي اليهود أن أول من يكسي إبراهيم، وروي ذلك أحبارهم الذين أسلموا (؟) عن رسول الله صلي الله عليه وآله!! وأخذها عنهم من أخذها من الرواة فدخلت في مصادر المسلمين وثقافتهم، وساعد عليها أن إبراهيم هو جد النبي صلي الله عليهما وآلهما، وأن من المعقول أن يكون إكرام الله تعالي للجد قبل إكرام الابن.

وقد اختار البخاري أن أول من يكسي إبراهيم وليس محمداً صلي الله عليهما وآلهما!قال في صحيحه:4/110:

ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي(ص)قال: إنكم تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين. وأول من يكسي يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم! فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيداً ما دمت قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلي قوله الحكيم. انتهي.

ورواه أيضاً في:4/142 وروته بقية الصحاح وغيرها بألفاظ متقاربة مثل الترمذي في:4/38 والنسائي:4/117 والدارمي:2/325 وفيه (فيكون أول من يكسي إبراهيم يقول الله تعالي: إكسوا خليلي فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسي علي أثره)

وروي نحوه في أحمد:1/398 ورواه أيضاً موجزاً في:1/223 وص 229 ورواه السيوطي في الدر المنثور:1/116 عن أبي نعيم في الحلية وابن أبي شيبة وأحمد. ورواه في:2/231 عن البيهقي في الأسماء والصفات، وفي:4/197 عن أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن مسعود

ورواه في:3/284:

وفيه من تجسيمات اليهود لله تعالي (قال ذاك يوم ينزل الله فيه علي كرسيه يئط فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهو كسعة ما بين السماء

والأرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسي إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي).

وقد حاول القسطلاني في إرشاد الساري:5/343 أن يخفف من وقع الحديث علي المسلمين فقال (ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسوة هنا أفضليته علي نبينا (ص) لأن حلة نبينا (ص) أعلي وأكمل وكم لنبينا (ص) من فضائل مختصه به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن له سوي خصوصية الشفاعه العظمي لكفي). انتهي.

ولعل القسطلاني رأي أن اليهود أخذوا الشفاعة في الموحدين من نبينا صلي الله عليه وآله وأعطوها لإسحاق عليه السلام! وصارت حديثاً صحيحاً علي شرط الشيخين كما تقدم في مستدرك الحاكم!

ومن المؤكد أنه رأي الأحاديث التي تنفي أن تكون الشفاعة خصوصيةً لنبينا صلي الله عليه وآله، ورأي الروايات التي تفضل أنبياء بني اسرائيل حتي يونس ويحيي علي نبينا صلي الله عليه وآله، لأن البخاري رواها وشرحها القسطلاني وفسرها!

والذي يدخل في بحثنا هنا أن نعرف لماذا وافقت الحكومة القرشية اليهود من في تقديمهم إبراهيم علي نبينا صلي الله عليه وآله في الكسوة وفي الشفاعة، وتبناها رواتهم؟!

يتوقف الجواب علي التأمل في النص الذي روته صحاحهم، فقد تضمن موضوعين: أولهما أن أول من يكسي يوم القيامة إبراهيم. والثاني أن بعض الصحابة يؤمر بهم إلي النار، لانهم انحرفوا وكفروا بمجرد وفاة النبي صلي الله عليه وآله. ولم يبين الحديث العلاقة بين الموضوعين! وبما أن النبي صلي الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد وقد أوتي جوامع الكلم، وكلامه دائماً مترابط.. فلا بد أن تكون في الحديث حلقة مفقودة.. عن عدم كسوة بعض الصحابة مثلاً فما هي!

هذه الحلقة تجدها في مصادر السنيين مجزأة، ولكنك تجدها في أحاديث

أهل البيت (عليهم السلام) مجتمعة، لأنها تذكر نص النبي صلي الله عليه وآله علي أن علياً يوم القيامة هو أول ينشق عنه قبره بعد النبي صلي الله عليه وآله وهو أول من يصافحه، وهو أول من يكسي بعده، وهو حامل لوائه لواء الحمد، وهو وزيره في المحشر، وهو الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله

قال القاضي النعماني في شرح الأخبار:2/475:

في حديث وصية النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي أنا أكرم ولد آدم ولا فخر، وليس بيني وبين ربي حجاب إلا النور، وأول من يكسي كسوة الجنة ولا فخر، وأول من يؤذن له في الكلام ولا فخر، وأول من يؤذن له في السجود ولا فخر، وأول من يؤذن له في الشفاعة ولا فخر، وأول من يسعي نوره أمامه ولا فخر.

وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه:4/374:

يا علي: إن الله تبارك وتعالي أعطاني فيك سبع خصال: أنت أول من ينشق عنه القبر معي، وأنت أول من يقف علي الصراط معي، وأنت أول من يكسي إذا كسيت، ويحيي إذا حييت، وأنت أول من يسكن معي في عليين، وأنت أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك. انتهي. ورواه في الخصال/342

وروي محمد بن عباس في تأويل الآيات:2/657:

يا علي أول من تنشق عنه الأرض محمد ثم أنت، وأول من يحيي محمد ثم أنت، وأول من يكسي محمد ثم أنت. فانكب علي عليه السلام ساجداً وعيناه تذرفان بالدموع. انتهي.

وقال ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب:3/26: قال الحميري:

يدعو النبي فيكسوه ويكرمه رب العباد إذا ما أحضر الأمم

ثم الوصي فيكسي مثل حلته خضراء يرغم منها

أنف من رغم

وله أيضاً:

عليٌّ غداً يدعي ويكسوه ربه ويدنوه منه في رفي_ع مك_رم

فإن كنت منه حيث يكسوه راغماً وتبدي الرضي كرهاً من الان فارغم

وقال أعرابي:

إن رسول الله يعطي لوا ء الحمد علياً حين يلقاه

يدعي فيعطي كسوة المصطفي وعن يمين العرش مثواه. انتهي.

فحديث الكسوة يوم القيامة فيه إذن سهم لعلي عليه السلام، فلا عجب إذا قفزت عنه قبائل قريش.

لكن السهم الأكبر لعلي والاخطر علي قريش أنه هو الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله وهو الذي يذود الذين قال عنهم البخاري (وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال) وقال عنهم في:8/86 (قال أنا علي حوضي انتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقول لا تدري مشوا علي القهقري). انتهي.

وقال عنهم مسلم في:7/ 68 _ 70 (قال رسول الله (ص) أنا فرطكم علي الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم، فأقول يارب أصحابي أصحابي! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوابعدك!!... قال لاذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل) ونحوه في:1/ 150

وقد صرحت أحاديث أخري بأن الذائد عن حوض النبي صلي الله عليه وآله هو علي عليه السلام، من ذلك ما رواه الحاكم وصححه قال في:3/138:

عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا علي الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي فقال علي به فاتي به فقال أنت الساب لعلي فقال: ما فعلت فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً علي حوض رسول الله صلي الله عليه وآله يذود عنه رايات المنافقين بيده عصا من عوسج! حدثنيه

الصادق المصدوق صلي الله عليه وآله وقد خاب من افتري. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهي.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:5/ 408 ح 8314 عن أبي سعيد:

يا علي أنت يوم القيامة بيدك عصاً من الجنة تذود بها المنافقين!!

وروي في مناقب آل أبي طالب:2/12-14 عن الفائق للزمخشري:

أن النبي قال لعلي: أنت الذايد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه الرجال كما يذاد الأصيد. البعير الصادي أي الذي به الصيد والصيد داء يلوي عنقه.

ونقل في المناقب قول حسان بن ثابت:

له الحوض لا شك يحبي به فمن شاء أسقي برغم العدي

ومن ناصبَ القوم لم يسقه ويدعو إلي الورد للأولي

وقول الحميري:

أؤمل في حبه شربةً من الحوض تجمع أمناً ورَيَّ

إذا ما وردنا غداً حوضه فأدني السعيد وذاد الشقي

متي يدن مولاه منه يقل رِدِ الحوض واشرب هنيئاً مري

وإن يدن منه عدوٌّ له يذده علي مكاناً قصيا. انتهي.

وعلي هذا فذكر كسوة النبي صلي الله عليه وآله أولاً وعلي ثانياً عليه السلام، وأنه يذود الصحابة المنحرفين عن الحوض، حديث ليس في مصلحة القرشيين، لأن معناه أن موقف علي هو الصحيح وموقف من يعارضه خطأ..فالأسلم لهم الأخذ بحديث يكسي إبراهيم أولاً والنبي ثانياً، لأنه ليس فيه ذكر لعلي!

وهكذا التقت مصلحة قريش مع مصلحة اليهود.. وصار حديث كعب الأحبار أسلم طريق للتخلص من علي بن أبي طالب حتي لو صححه الحاكم، ولم يروه الشيخان!

وهكذا يدون الخلفاء السنة، كما يكتب الحكام التاريخ!!

شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء

من مصادرنا

قال الحميري في قرب الاسناد/64:

عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه: أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: ثلاثة يشفعون إلي

اليوم القيامة فيشفعهم: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء. انتهي.

ورواه في مستدرك الوسائل:11/20 وتفسير نور الثقلين:5/264

من لا يحضره الفقيه:4/399:

إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء علي دماء الشهداء.

علل الشرائع للصدوق:2/394:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله عز وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد: انطلق إلي الجنة، وقيل للعالم قف تشفَّع للناس بحسن تأديبك لهم.

تفسير الإمام العسكري 7/344:

وقال علي بن موسي الرضا (عليهما السلام): يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت، همتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤنتك، فادخل الجنة. إلا إن الفقيه من أفاض علي الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفر عليهم نعم جنان الله، وحصل لهم رضوان الله تعالي. ويقال للفقيه: يا أيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيه ومواليه، قف حتي تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك، فيقف فيدخل الجنة ومعه فئاماً وفئاماً حتي قال عشراً، وهم الذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمن أخذ عنه، إلي يوم القيامة، فانظروا كم فرقُ ما بين المنزلتين!

وروي المجلسي في البحار حديثاً يدل علي أن العالم الذي يشفع يوم القيامة ليس من العلماء السبعة المذمومين.. قال في بحار الأنوار 8/307: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه، فذاك في الدرك الاسفل من النار.

ومن العلماء من إذا وعظ أنف، وإذا وعظ عنف، فذاك في الدرك الثاني من النار.

ومن العلماء من يري أن يضع العلم عند ذوي الثروة، ولا يري

له في المساكين، فذاك في الدرك الثالث من النار.

ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين، فإن رد عليه شئ من قوله أو قصر في شئ من أمره غضب، فذاك في الدرك الرابع من النار.

ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصاري ليغزر به علمه ويكثر به حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار.

ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول: سلوني ولعله لا يصيب حرفاً واحداً والله لا يحب المتكلفين، فذاك في الدرك السادس من النار.

ومن العلماء من يتخذ علمه مروةً وعقلاً، فذلك في الدرك السابع من النار (نقلاً عن الخصال:2/7).

وفي تفسير التبيان:9/65:

وقوله: ماللظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، نفيٌ من الله أن يكون للظالمين شفيع يطاع، ويحتمل أن يكون المراد بالظالمين الكفار فهؤلاء لا يلحقهم شفاعة شافع أصلاً، وإن حملنا علي عموم كل ظالم من كافر وغيره جاز أن يكون إنما أراد نفي شفيع يطاع، وليس في ذلك نفي شفيع يجاب، ويكون المعني: إن الذين يشفعون يوم القيامة من الأنبياء والملائكة والمؤمنين إنما يشفعون علي وجه المسألة إليه والاستكانة إليه، لا أنه يجب علي الله أن يطيعهم فيه.

تفسير التبيان:9/429:

قوله تعالي: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي... يقول الله تعالي مخبراً بأن كثيراً من ملائكة السموات لا تغني شفاعتهم، أي لا تنفع شفاعتهم في غيرهم بإسقاط العقاب عنهم شيئاً، إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء أن يشفعوا فيه ويطلق لهم ذلك ويرضي ذلك.

وقيل: إن الغرض بذلك الإنكار علي عبدة الأوثان وقولهم إنها تشفع لا الملك، إذا لم تغن شفاعته شيئاً فشفاعة من

دونه أبعد من ذلك. وفي ذلك التحذير من الإتكال علي الشفاعة لأنه إذا لم تغن شفاعة الملائكة كانت شفاعة غيرهم أبعد من ذلك.

ولا ينافي ما نذهب إليه من أن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة والمؤمنين يشفعون في كثير من أصحاب المعاصي فيسقط عقابهم لمكان شفاعتهم، لأن هؤلاء عندنا لا يشفعون إلا بإذن من الله ورضاه، ومع ذلك يجوز أن لا يشفعوا فيه، فالزجر واقع موقعه.

تفسير التبيان:7/209:

قوله تعالي: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا. يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلا... أخبر الله تعالي أن ذلك اليوم لا تنفع شفاعة أحد في غيره، إلا شفاعة من أذن الله له أن يشفع ورضي قوله فيها، من الأنبياء والأولياء والصديقين والمؤمنين.

مجمع البحرين:4/467:

وفي الحديث: الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة بالإيجاب، أي القبول، يعني أن الله تعالي يثبت لهم الشفاعة.

دعائم الإسلام:1/343:

روينا عن رسول الله (ص) أنه قال: كل مؤمن من أمتي صديق شهيد، ويكرم الله بهذا السيف من شاء من خلقه، ثم تلا قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

دعائم الإسلام:1/217:

وعن علي عليه السلام أنه قال: المريض في سجن الله ما لم يشك إلي عواده، تمحي سيئآته. وأي مؤمن مات مريضاً مات شهيداً، وكل مؤمن شهيد، وكل مؤمنة حوراء، وأي ميتة مات بها المؤمن فهو شهيد، وتلا قول الله جل ذكره: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم.

من مصادر السنيين

تاريخ البخاري:9/37:

عن أبي بكرة عن النبي(ص)قال: يحمل الناس علي الصراط يوم القيامة فيتقاذع بهم

جنبتا الصراط تقاذع الفراش في النار: ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فيشفعون، ويخرجون فيشفعون ويرجون فيشفعون فيجابون.

سنن النسائي:2/229:

عن عطاء بن يزيد قال كنت جالساً إلي أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل، وذكر الصراط قال قال رسول الله (ص): فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار من يريد أن يخرج، أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم من ماء الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

سنن ابن ماجة:2/724:

عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله (ص): يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء.

ورواه البيهقي في شعب الإيمان:2/265 والديلمي في فردوس الأخبار:5/428 وكنز العمال:10/151 وتهذيب الكمال:22/551 وتهذيب التهذيب:8/195 ومجمع الزوائد:10/381 راجع أيضاً سنن البيهقي:9/164

سنن الترمذي:4/46:

عن أبي سعيد أن رسول الله(ص)قال: إن من أمتي من يشفع للفئام من الناس، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتي يدخلوا الجنة. هذا حديث حسن.

مسند أحمد:3/20:

عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص)قال قد أعطي كل نبي عطية فكل قد تعجلها وإني أخرت عطيتي شفاعة لأمتي، وإن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة، إن الرجل ليشفع للقبيله وإن الرجل ليسشفع للعصبة، وإن الرجل ليشفع للثلاثة، وللرجلين، وللرجل.

مجمع الزوائد:10/380:

باب شفاعة الصالحين. وعن أبي برزة قال سمعت رسول الله(ص)يقول: إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتي يكون ركناً من أركانها.

رواه أحمد ورجاله ثقات...

وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وعن أنس عن رسول الله(ص)قال: سلك رجلان مفازة أحدهما عابد والآخر به رهق، فعطش العابد حتي سقط فجعل صاحبه ينظر إليه وهو صريع فقال والله لئن مات هذا العبد الصالح عطشاً ومعي ماء لا أصيب من الله خيراً وإن سقيته مائي لأموتن فاتكل علي الله وعزم ورش عليه من مائه وسقاه من فضله قال فقام حتي قطع المفازة قال فيوقف الذي به رهق يوم القيامة للحساب فيؤمر به إلي النار فتسوقه الملائكة فيري العابد فيقول يا فلان أما تعرفني قال فيقوب من أنت قال أنا فلان الذي آثرتك علي نفسي يوم المفازة قال فيقول بلي أعرفك قال فيقول للملائكة قفوا ويجي حتي يقف ويدعو ربه فيقول يا رب قد تعرف يده عندي وكيف آثرني علي نفسه يا رب هبه لي قال فيقول: هو لك ويأخذ بيده فيدخله الجنة. رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير أبي ظلال القسملي قد وثقه ابن حبان وغيره وضعفه غير واحد.

فردوس الأخبار للديلمي:1/396:

ابن عباس: إذا اجتمع العالم والعابد علي الصراط قيل للعابد: أدخل الجنة وتنعم بعبادتك، وقيل للعالم هاهنا فاشفع لمن أحببت فإنك لا تشفع لأحد إلا شفعت، فقام مقام الأنبياء. ورواه في كنز العمال:10/136 وص 173 وص 256

مجمع الزوائد:5/293:

قال رسول الله (ص): إن للشهيد عند الله عز وجل ست خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويري مقعده من الجنة، ويحلي حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع علي رأسه تاج الوقار

الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجه من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه. رواه أحمد هكذا قال مثل ذلك، والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك، ورجال أحمد والطبراني ثقات.

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): الشهيد يغفر له في أول كل دفقة من دمه، ويزوج حوراوين ويشفع في سبعين من أهل بيته، والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلي يوم القيامة، وأتي عليه ريح برزقه، ويزوج سبعين حوراء، وقيل له قف فاشفع إلي أن يفرغ من الحساب _ قلت روي ابن ماجة بعضه _ رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي، قال الذهبي مقارب الحديث وضعفه النسائي. انتهي. وروي عدداً من هذه الروايات في مجمع الزوائد 2/98 وص 115 وج 4/398 وص 401 وص 405 وص 410

الدر المنثور:6/24:

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة، قال: عيسي وعزير والملائكة. إلا من شهد بالحق قال كلمة الإخلاص. وهم يعلمون أن الله حق...

وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، قال: الملائكة وعيسي وعزير فإن لهم عند الله شفاعة.

الدر المنثور:4/94:

وأخرج الحاكم في الكني عن حماد (رض) قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية: ربما يود الذين كفروا كانوا مسلمين، قال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام ما أغني عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين: اشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون حتي أن إبليس

ليتطاول رجاء أن يدخل معهم، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

تفسير الطبري:25/62:

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: معني ذلك ولا يملك عيسي وعزيز والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركين لشفاعة عند الله لاحد إلا من شهد بالحق فوحد الله وأطاعه... وأولي الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالي ذكره أخبره أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من الله الشفاعة عنده لأحد، إلا من شهد بالحق.. ويعني بذلك أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها، كما قال جل ثناؤه: ولا يشفعون إلا لمن ارتضي، فأثبت جل ثناؤه للملائكة وعيسي وعزيز ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان، باستثنائه الذي استثناه.

تفسير الطبري:27/37:

وقوله: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً يقول تعالي ذكره: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا، عند الله لمن شفعوا له شيئاً إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم، بالشفاعه لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضي، يقول ومن بعد أن يرضي لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له، فتنفعه حينئذ شفاعتهم..

تفسير الرازي:4 جزء 7/11:

هؤلاء المذكورون في هذه الآية (َعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) يحتمل أن يكونوا هم الملائكة وسائر من يشفع يوم القيامه من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين.

الجواهر الحسان للثعالبي:1/351:

فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط.

الأنساب:5/623:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): سبعة لهم شفاعة كشفاعة الأنبياء: المؤذن، والإمام، والشهيد وحامل القرآن، والعالم، والمتعلم، والتائب.

ما يوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنين له

الكافي:2/248:

عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الله عن خالد العمي عن خضر بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفي لله بشروطه التي شرطها عليه فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً وذلك من يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة.

ومؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفأته الريح انكفأ وذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا والآخرة ويشفع له وهو علي خير. وروي نحوه في الكافي:2/188 وفي تفسير نور الثقلين:1/514 وج 4/260

الكافي:6/3:

محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد بن عيسي عن محمد بن يحيي عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن أولاد المسلمين موسومون عند الله شافع ومشفع فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كانت لهم الحسنات فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.

الكافي:8/101:

محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد بن عيسي عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن عمر بن أبان عن عبدالحميد الوابشي عن أبي جعفر عليه السلام قال... وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة فيقول: يا رب جاري كان يكف عني الأذي فيشفع فيه فيقول الله تبارك وتعالي: أنا ربك وأنا أحق من كافي عنك فيدخله الجنة وماله من حسنة! وإن أدني المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً فعند ذلك يقول أهل النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.

وسائل الشيعة:8/407:

وعن إبراهيم بن الغفاري عن جعفر بن إبراهيم عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيافحوائج يقومون بها وأما في

الآخرة فإن أهل جهنم قالوا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ.

وعن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة وقال: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة. وقال: أكثروا من مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند الله يداً يكافئهم بها يوم القيامة.

مستدرك الوسائل:8/323:

وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: عليكم بالاخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا تسمعون إلي قوله تعالي: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ.

بحار الأنوار:8/41:

ثواب الأعمال: أبي عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي ولاد عن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمربه الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلي النار والملك ينطلق به قال: فيقول له: يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافاة فيقول المؤمن للملك المؤكل به: خل سبيل قال: فيسمع الله قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن فيخلي سبيله. (المصدر/167)

من مصادر السنيين

تاريخ البخاري:6/533:

روي وكيع عن محمد بن قيس قال: أدني أهل الجنة منزلة الذي يشفع في الرجل من أهل بيته.

مسند أبي يعلي:2/292:

حدثنا أبوبكر حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا بن أبي زائدة حدثني عطية عن أبي سعيد عن النبي(ص)قال: من أمتي من يشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته.

فردوس الأخبار للديلمي:1/105:

أنس بن مالك: أكثروا من المعارف من المؤمنين، فإن لكل مؤمن شفاعة عند الله يوم القيامة.

الدر المنثور:6/8:

وأخرج ابن جرير من

طريق قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي في قوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال يشفعون في إخوان إخوانهم.

تفسير الطبري:25/18:

قوله تعالي: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ... وقيل إن ذلك الفضل الذي ضمن جل ثناؤه أن يزيدهموه هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم، إذا هم شفعوا في إخوانهم فشفعهوا فيهم.

تفسير الطبري:29/105:

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، يقول فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب.. وفي هذه الآية دلالة واضحة علي أن الله مشفع بعض خلقه في بعض.

هامش طبقات المحدثين بأصبهان:2/346:

عن أبي أمامة عن النبي (ص) قال: إن ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش شافع مشفع.

الإيمان لابن تيمية/115:

أبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان مع أنه نصر المشهور من أهل السنة في أنه يستثني في الإيمان فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله لأنه نصر مذهب أهل السنة في أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة ولا يخلدون في النار وتقبل منهم الشفاعة ونحو ذلك.

فتاوي الالباني/286:

سؤال: هل تارك الصلاة كافر ولا ينفعه أي عمل؟

جواب: نحن قلنا إن إخواننا كانوا يصلون ويصومون إلي آخره، فيأذن الله عز وجل بأن يشفع لهم فيشفعون، ثم يشفعون لوجبة أخري.

شفاعة القرآن، والكعبة، والحجاج، والزوار

و اصناف أخري من الناس...

وردت في مصادر الفريقين أحاديث عن شفاعة القرآن، وصرح بعضها بأن القرآن يتجسد يوم القيامة علي صورة إنسان وملك نوراني، ويتكلم مع أهل المحشر.

وقد ورد في أحاديث البعث والقيامة والحساب والجنة والنار، من طرق الجميع ما يدل علي تجسد القرآن، وتجسد بعض الأعمال، والأمور والأمكنة والأزمنة..

وقد كان هذا الأمر صعب التصديق بل صعب التصور في العصور السابقة، أما في عصر الذرة والجينات فقد عرف الناس حقائق مدهشة من خلق الله تعالي وقوانينه، وصار

الإيمان بضبط أعمال الإنسان وتجسدها في هذه الدنيا أمراً معقولاً فضلاً عن عالم الآخرة!

شفاعة القرآن

في نهج البلاغة:2/91:

واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب.

وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدي أو نقصان في عمي.

واعلموا أنه ليس علي أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غني، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به علي لأوائكم، فإن فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال.

فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلي الله بمثله.

واعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه، فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا إن كل حارث مبتلي في حرثه وعاقبة عمله، غير حَرَثَةِ القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه علي ربكم، واستنصحوه علي أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم. العملَ العملِ، ثم النهاية النهاية. انتهي.

وفي الكافي:2/596-كتاب فضل القرآن:

علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن سفيان الحريري، عن أبيه، عن سعد الخفاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يا سعد تعلموا القرآن، فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف، ثمانون ألف صف أمة محمد صلي الله عليه وآله وأربعون ألف صف من سائر الأمم، فيأتي علي صف المسلمين في صورة رجل فيسلَّم، فينظرون إليه ثم يقولون: لا إله إلا الله الحليم الكريم، إن هذا الرجل من المسلمين نعرفه

بنعته وصفته، غير أنه كان أشد اجتهاداً منا في القرآن، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه، ثم يجاوز حتي يأتي علي صف الشهداء، فينظرون إليه ثم يقولون: لا إله إلا الله الرب الرحيم، إن هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته وصفته، غير أنه من شهداء البحر، فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه، قال: فيتجاوز حتي يأتي علي صف شهداء البحر في صورة شهيد، فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم يقولون: إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته، غير أن الجزيره التي أصيب فيها كانت أعظم هولاً من الجزيرة التي أصبنا فيها، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه، ثم يجاوز حتي يأتي صف النبيين والمرسلين في صورة نبي مرسل، فينظر النبيون والمرسلون إليه، فيشتد لذلك تعجبهم ويقولون: لا إله إلا الله الحليم الكريم، إن هذا النبي مرسل نعرفه بسمته وصفته، غير أنه أعطي فضلاً كثيراً، قال: فيجتمعون فيأتون رسول الله صلي الله عليه وآله فيسألونه ويقولون: يا محمد من هذا؟ فيقول لهم: أو ما تعرفونه؟ فيقولون ما نعرفه، هذا ممن لم يغضب الله عليه، فيقول رسول الله صلي الله عليه وآله: هذا حجة الله علي خلقه.

فيسلم ثم يجاوز حتي يأتي علي صف الملائكة في سورة ملك مقرب، فتنظر إليه الملائكة فيشتد تعجبهم، ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله، ويقولون: تعالي ربنا وتقدس إن هذا العبد من الملائكه نعرفه بسمته وصفته، غير أنه كان أقرب الملائكة إلي الله عز وجل، مقاماً، فمن هناك ألبس من النور والجمال ما لم نلبس، ثم يجاوز حتي ينتهي إلي رب العزة تبارك وتعالي، فيخر تحت العرش، فيناديه

تبارك وتعالي: ياحجتي في الأرض وكلامي الصادق الناطق، إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيرفع رأسه، فيقول الله تبارك وتعالي: كيف رأيت عبادي؟ فيقول: يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيع شيئاً، ومنهم من ضيعني واستخف بحقي وكذب بي وأنا حجتك علي جميع خلقك، فيقول الله تبارك وتعالي: وعزتي وجلالي، وارتفاع مكاني لاثيبن عليك اليوم أحسن الثواب، ولأعاقبن عليك اليوم أليم العقاب.(ورواه في وسائل الشيعة:4/213)

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أيها الناس إنكم في دار هدنة، وأنتم علي ظهر سفر، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز.

قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة؟ قال: دار بلاغ وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع، وماحلٌ مصدق، ومن جعله أمامه قادة إلي الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلي النار، وهو الدليل يدل علي خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلي نجومه نجوم، لا تحصي عجائبه ولا تبلي غرائبه، فيه مصابيح الهدي، ومنار الحكمة، ودليل علي المعرفة لمن عرف الصفة.. فَلْيجُلْ جَال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب، ويتخلص من نشب، فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشئ المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص. انتهي.

ورواه في وسائل الشيعة:4/218 وفي تفسير نور الثقلين:4/13

وفي صحيح مسلم:2/197:

عن

أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله(ص)يقول: إقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لاصحابه. إقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير، صوافُّ تحاجان عن أصحابهما. إقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة. قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة. انتهي. ورواه أحمد في:5/248 - 249

وفي مستدرك الحاكم:1/554:

عن عبدالله بن عمرو (رض) أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فيشفعان. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهي. ورواه أحمد في مسنده:2/174 وقال عنه في مجمع الزوائد:10/380: رواه أحمد وإسناده حسن علي شعف في ابن لهيعة وقد وثق. وقال في عنه الدر المنثور:1/182: وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والطبراني والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار: 2/568 ح3631 وكنز العمال:8/444

وفي مستدرك الحاكم:1/568:

عن معقل بن يسار (رض) قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، واقتدوا به ولا تكفروا بشئ منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلي الله وإلي أولي الأمر من بعدي كيما يخبروكم.

وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور، وما أوتي النبيون من ربهم.

وليسعكم القرآن وما فيه من البيان، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق. ألا ولكل آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه وطواسين والحواميم من ألواح موسي، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروي نحوه في:3/578 ورواه

في كنز العمال:1/190

وفي مسند أحمد:5/348:

عن عبدالله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وآله قال: إن القرآن يلقي صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له هل: تعرفني؟ فيقول ما أعرفك! فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول ما أعرفك! فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطي الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع علي رأسه تاج الوقار، ويكسي والداه حلتين، لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان بم كسينا هذه؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن! ثم يقال له: إقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذاً كان أو ترتيلاً. وروي نحوه في الدر المنثور: 6/277:عن ابن أبي شيبة وابن الضريس عن مجاهد

وفي الدر المنثور:3/56:

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وابن الضريس، ومحمد بن نصر، والطبراني عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلي الجنة، ومن جعل خلفه ساقه إلي النار. انتهي. وروي نحوه في كنز العمال:1/552 ونحوه في:1/516 و/519 و: 2/292 عن ابن مسعود وكذا في فردوس الأخبار:3/281 ح 4710 وفي المعجم الكبير للطبراني:9/132

وفي كنز العمال:14/390:

عن فردوس الأخبار عن أبي هريرة: الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم، وأهل بيته.

وفي سنن الدارمي:2/430:

عن أبي هريرة يقول: إقرؤوا القرآن، فإنه نعم الشفيع يوم القيامة، إنه يقول يوم القيامة: يا رب حلِّه حليةَ الكرامة، فيحلي حلية الكرامة، يا رب أكسه كسوة الكرامة، فيكسي كسوة الكرامة، يا رب ألبسه تاج الكرامة، يا رب إرض عنه، فليس بعد رضاك شئ.

عن ابن عمر

قال: يجي القرآن يشفع لصاحبه يقول: يا رب لكل عامل عمالة من عمله، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم فأكرمه، فيقال: أبسط يمينك فيملا من رضوان الله، ثم يقال أبسط شمالك فيملا من رضوان الله، ويكسي كسوة الكرامة، ويحلي حلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة.

عن أبي صالح قال: القرآن يشفع لصاحبه فيكسي حلة الكرامة، ثم يقول: رب زده، فيكسي تاج الكرامه، قال فيقول رب زده فآته فآته، يقول: رضائي.

قال أبو محمد: قال وهيب بن الورد: إجعل قراءتك القرآن علماً ولا تجعله عملاً.

وفي سنن الدارمي:2/433:

عن ابن مسعود كان يقول: يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه، فيكون له قائداً إلي الجنة، ويشهد عليه، ويكون سائقاً به إلي النار.

وفي الدر المنثور:1/18:

وأخرج أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه في فضائل القرآن ومسلم وابن الضريس وابن حبان والطبري وأبوذر الهروي في فضائله والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لاصحابه. انتهي.

ورواه الطبراني في المعجم الكبير:8/118

وقد بالغ بعضهم في شفاعة القرآن حتي جعلها أعظم من شفاعة النبي صلي الله عليه وآله! قال السبكي في طبقات الشافعيه:6/301 نقلاً عن إحياء الدين للغزالي: ما من شفيع أعظم عند الله منزلة من القرآن!

شفاعة سور القرآن و آياته

روت مصادر الشيعة والسنة أحاديث كثيرة في فضل سور القرآن وآياته، وشفاعتها لمن قرأها أو حفظها أو علمها أو تعلمها أو عمل بها، أو إعطائه حق الشفاعة بسبب ذلك.. ويطول الكلام لو أردنا استعراض هذه الأحاديث لكثرتها وضعف سند بعضها أو متنه.. لذا نكتفي بتقديم نماذج منها من مصادر الفريقين:

ففي وسائل الشيعة:4/199:

عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها، فإنها لا تقر في قلوب المنافقين، وتأتي بها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة وأطيب ريح، حتي تقف من الله موقفاً لا يكون أحد أقرب إلي الله منها، فيقول لها: من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا ويدمن قراءتك؟ فتقول: يا رب فلان وفلان، فتبيض وجوههم، فيقول لهم: إشفعوا فيمن أجبتم، فيشفعون حتي لا يبقي لهم غاية ولا أحد يشفعون له، فيقول لهم: أدخلوا الجنة واسكنوا فيها حيث شئتم.

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من قرأ التغابن في فريضة كانت شفيعة له يوم القيامة، وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها، ثم لا يفارقها حتي يدخل الجنة.

وفي تفسير نور الثقلين:2/2:

في كتاب ثواب الأعمال بإسناده إلي أبي عبدالله عليه السلام قال: من قرأ سورة الأعراف في كل شهر، كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فلا تدعوا قراءتها، فإنها تشهد يوم القيامة لمن قرأها.

وفي مصباح الكفعمي عنه صلي الله عليه وآله: من قرأها جعل الله بينه وبين إبليس ستراً، وكان آدم عليه السلام شفيعاً له يوم القيامة. (ورواه في فردوس الأخبار: 4/34 ح 8 559)

وفي مستدرك الوسائل:4/351:

وعنه صلي الله عليه وآله قال: ومن قرأ سورة الممتحنة، كان المؤمنون والمؤمنات له شفعاء يوم القيامة.

وفي مستدرك الوسائل:4/335:

وقال صلي الله عليه وآله: من قرأ آية الكرسي مرة، محي اسمه من ديوان الاشقياء، ومن قرأها ثلاث مرات، استغفرت له الملائكة، ومن قرأها أربع مرات شفع له الأنبياء، ومن قرأها خمس مرات كتب الله اسمه في ديوان الابرار، واستغفرت له الحيتان في البحار ووقي شر الشيطان، ومن قرأها سبع مرات

أغلقت عنه أبواب النيران، ومن قرأها ثماني مرات فتحت له أبواب الجنان، ومن قرأها تسع مرات كفي هم الدنيا والآخرة، ومن قرأها عشر مرات نظر الله إليه بالرحمة، ومن نظر الله إليه بالرحمة فلا يعذبه.

وفي مستدرك الوسائل:4/323:

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن لكل شئ قلباً وقلب القرآن يس، فمن قرأ يس في نهاره قبل أن يمسي، كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتي يمسي، ومن قرأها في ليلة قبل أن ينام وكَّل به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم، ومن كل آفة وإن مات في يومه أدخله الله الجنة... ثم يقول له الرب تعالي: إشفع عبدي اشفعك في جميع ما تشفع، وسلني عبدي أعطك جميع ما تسأل، فيسأل ويعطي ويشفع فيشفع، ولا يحاسب فيمن يحاسب، ولا يذل مع من يذل، ولا يبكت بخطيئته ولا بشئ من سوء عمله، ويعطي كتاباً منشوراً فيقول الناس بأجمعهم: سبحان الله ما كان لهذا العبد خطيئة واحدة، ويكون من رفقاء محمد صلي الله عليه وآله.

وفي مستدرك الوسائل:6/356:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يصلي ليلة السبت أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وآية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد مرة، فإذا سلم، قرأ في دبر هذه الصلاة آية الكرسي ثلاث مرات، غفر الله تبارك وتعالي له ولوالديه، وكان ممن يشفع له محمد صلي الله عليه وآله.

وفي سنن ابن ماجة:2/525:

عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: إن سورة في القرآن، ثلاثون آية، شفعت لصاحبها حتي غفر له: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ.

ورواه أبو داود:1 ص316 والترمذي:4/238 والحاكم:1/565 وأحمد: 2/299 وكنز العمال:1/583 وص 594 وفردوس الأخبار: 2/470 ح 3318

وفي سنن الدارمي:2/454:

عن خالد بن معدان قال: إقرؤا المنجية، وهي أ. ل. م. تَنْزِيلُ، فإنه بلغني أن رجلاً كان يقرؤها ما يقرأ شيئاً غيرها، وكان كثير الخطايا، فنشرت جناحها عليه، وقالت: رب اغفر له، فإنه كان يكثر قراءتي، فشفعها الرب فيه وقال: أكتبوا له بكل خطيئة حسنة، وارفعوا له درجة.

وفي سنن الدارمي:2/459:

عن سعيد بن المسيب يقول إن نبي الله(ص)قال: من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عشر مرات بني له بها قصر في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إذن لنكثرن قصورنا! فقال رسول الله (ص): الله أوسع من ذلك.

وفي الدر المنثور:6/247:

وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً قال: يبعث رجل يوم القيامة لم يترك شيئاً من المعاصي إلا ركبها، إلا أنه كان يوحد الله، ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة واحدة، فيؤمر به إلي النار، فطار من جوفه شئ كالشهاب، فقالت: اللهم إني مما أنزلت علي نبيك(ص)، وكان عبدك هذا يقرؤني، فما زالت تشفع، حتي أدخلته الجنة، وهي المنجية: تبارك الذي بيده الملك.

وفي فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتي آية في كل يوم، شفع في سبع قبور حول قبره، وخفف الله عز وجل عن والديه، وإن كانا مشركين. ورواه في كنز العمال:1/537 2408 عن ابن أبي داود في المصاحف والديلمي.

شفاعة القرآن لمن يتعلمه و يعلمه

في سنن ابن ماجة:1/78:

عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله (ص): من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلهم قد استوجب النار.

ورواه

أحمد في مسنده:1/148 وفي:1/149 عن علي أيضاً، ورواه الترمذي في:4/245 عن علي عليه السلام أيضاً ورواه البيهقي في شعب الإيمان: 2/328 وص 329 وص 552 وكنز العمال:1/521 وروي الخطيب في تاريخ بغداد:11/395 نحوه عن عائشة.

وفي مسند أحمد:3/440:

عن سهل، عن أبيه، عن رسول الله(ص)أنه قال: من قال سبحان الله العظيم نبت له غرس في الجنة. ومن قرأ القرآن فأكمله وعمل بما فيه، ألبس والديه يوم القيامة تاجاً هو أحسن من ضوء الشمس في بيوت من بيوت الدنيا لو كانت فيه، فما ظنكم بالذي عمل به!

كما روت المصادر ذم من يتعلم القرآن للدنيا، ففي سنن النسائي:6/23:

عن أبي هريرة فقال له قائل من أهل الشام: أيها الشيخ حدثني حديثاً سمعته من رسول الله(ص)قال: نعم سمعت رسول الله(ص)يقول: أول الناس يقضي لهم يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمة فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتي استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال فلان جرئ فقد قيل! ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار!

ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم! وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل! ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار.

ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال ما تركت من سبيل تحب كما أردت أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال كذبت، ولكن ليقال إنه جواد، فقد قيل! ثم أمر به فسحب علي وجهه فألقي في النار!

ورواه الحاكم في المستدرك: 1/107 وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. انتهي.

شفاعة الكعبة لمن زاره

في الدر المنثور:1/137:

وأخرج ابن مردويه والإصبهاني في الترغيب والديلمي عن جابر قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة زفت الكعبة البيت الحرام إلي قبري، فتقول: السلام عليك يا محمد، فأقول وعليك السلام يا بيت الله، ما صنع بك أمتي بعدي؟ فتقول: يا محمد من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعاً، ومن لم يأتني فأنت تكفيه وتكون له شفيعاً.

وروي في مستدرك الوسائل:8/40 رواية أخري في تجسد الكعبة وشفاعتها أشبه من رواية السيوطي بالإسرائيليات وإن كان موضوعها الكعبة الشريفة! قال:

عن وهب بن منبه أنه قال: مكتوب في التوراة: إن الله تعالي يبعث يوم القيامة سبعمائة ألف ملك، ومعهم سلاسل من الذهب ليأتوا بالكعبة إلي عرصات القيامة، فيأتون بها بسلاسل الذهب إلي موقف القيامة فيقول لها ملك: يا كعبة الله سيري، فتقول: لا أذهب حتي تقضي حاجتي، فيقول ما حاجتك؟ إلي أن قال ما حاجتك سلي حتي تعطي؟ فتقول: إلهي عبادك العصاة، أتوا إليَّ من كل فج عميق، شعثاً غبراً وخلفوا أهليهم وأولادهم وبيوتهم، وودعوا أحباءهم وأصحابهم لزيارتي وأداء المناسك كما أمرت، إلهي فاشفع لهم لتؤمنهم من الفزع الأكبر، فاقبل شفاعتي واجعلهم في كنفي.

فينادي ملك: إن فيهم أصحاب الكبائر والمصرين علي الذنوب، المستحقين النار! فتقول الكعبة: أنا أشفع في أهل الكبائر، فيقول الله تعالي: قبلت شفاعتك وقضيت حاجتك، فينادي ملك: ألا من كان من أهل الكعبة فليخرج من بين أهل الجمع، فيخرج جميع الحاج من بينهم، ويحتوشون الكعبة بيض الوجوه آمنون من الجحيم، يطوفون حول الكعبة، وينادون لبيك، فينادي ملك: يا كعبة الله سيري،

فتسير الكعبة وتنادي: لبيك اللهم لبيك لبيك، إن الحمد والملك والنعمة لك لا شريك لك لبيك، وأهلها يتبعونها. انتهي.

وقد روت المصادر أحاديث في شفاعة الحجر الأسود أعزه الله تعالي، كالذي في الدر المنثور:1/136 عن عائشة: قالت: قال رسول الله (ص): أشهدوا هذا الحجر خيراً، فإنه يأتي يوم القيامة شافع مشفع، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه. وقد رواه في مجمع الزوائد:3/242 وفي كنز العمال:12/217.

وورد في مصادر الطرفين أن الحجر الأسود ملكٌ من ملائكة الجنة، وأنه شهد علي ميثاق بني آدم، ثم أنزله الله تعالي مع آدم إلي الأرض، ولا يتسع المجال لبحث ذلك.

شفاعة حجاج بيت الله الحرام

في الكافي:4/255:

محمد بن يحيي، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسي، عن زكريا المؤمن، عن إبراهيم بن صالح، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: الحاج والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا ابتدأهم، ويعوضون بالدرهم ألف درهم. (وفي نسخة ألف ألف درهم) ورواه في وسائل الشيعة:8/68 وروي أحاديث متعددد عن استحقاق الجاج للجنة.

وفي من لا يحضره الفقيه:2/217:

ومن حج أربعين حجة قيل له: اشفع فيمن أحببت، ويفتح له باب من أبواب الجنة، يدخل منه هو ومن يشفع له.

وفي وسائل الشيعة:8/92:

عن زكريا الموصلي كوكب الدم، قال: سمعت العبد الصالح عليه السلام يقول: من حج أربعين حجة، قيل له: إشفع فيمن أحببت، ويفتح له باب من أبواب الجنة، يدخل منه هو ومن يشفع له.

وفي سائل الشيعة:9/512:

وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): الساعي بين الصفا والمروة، تشفع له الملائكة، فيشسفع فيه بالإيجاب.

وفي مجمع الزوائد:3/211:

الحاج يشفع في أربعمائة أهل بيت، أو قال من

أهل بيته، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ورواه في كنز العمال:5/14 وفي الدر المنثور:1/210

وفي ذكر أخبار أصبهان:1/148:

عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إذا كان عشية يوم عرفة أشرف الرب عز وجل من عرشه إلي عباده فيقول: يا ملائكتي أنظروا إلي عبادي شعثاً غبراً، قد أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق، أشهدكم أني قد شفعت محسنهم في ميسئهم، وأني قد غفرت لهم جميع ذنوبهم، إلا التبعات التي بينهم وبين خلقي. قال: فإذا أتوا المزدلفة وشهدوا جمعاً، ثم أتوا مني فرموا الجمار وذبحوا وحلقوا ثم زاروا البيت، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني قد شفعت محسنهم في مسيئهم، وأني غفرت لهم جميع ذنوبهم، وأني قد خلفتهم في عيالاتهم، وأني قد استجبت لهم جميع ما دعوا به، وأني قد غفرت لهم التبعات التي بينهم وبين خلقي، وعليَّ رضاء عبادي.

وفي مجمع الزوائد:3/275:

عن أنس بن مالك قال: كنت قاعداً مع رسول الله(ص)في مسجد مني، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما عليه ودعيا له دعاء حسناً فقالا: يا رسول الله جئنا لنسألك، فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أسكت وتسألاني فعلت؟ فقالا: أخبرنا يا رسول الله نزدد إيماناً أو يقيناً _ الشك من إسماعيل قال لا أدري أيهما قال إيماناً أو يقيناً _ فقال الأنصاري للثقفي: سل رسول الله(ص)، فقال الثقفي: بل أنت فسله فإني أعرف لك حقك، فسأله فقال: أخبرني يا رسول الله.

قال: جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام، ومالك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف ومالك فيهما، وعن طوافك بالصفا والمروة وما لك فيه، وعن

وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار ومالك فيه، وعن نحرك ومالك فيه، وعن حلقك ورأسك ومالك فيه، وعن طوافك بالبيت بعد ذلك يعني طواف الافاضة.

قال: والذي بعثك بالحق عن هذا جئت أسألك.

قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة وحط عنك به خطيئة ورفعك درجة، وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل.

وأما طوافك بين الصفا والمروة بعد ذلك، كعتق سبعين رقبة.

وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله تبارك وتعالي يهبط إلي السماء الدنيا يباهي بكم الملائكة، يقول هؤلاء عبادي جاؤوا شعثاً شفعاء من كل فج عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل وكعدد القطر وكزبد البحر لغفرتها!

أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له...

وروي بعضه في كنز العمال:5/71 وروي في/74:

ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف فيستقبل القبلة ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو علي كل شئ قدير، مائة مرة ثم يقرأ أم الكتاب مائة مرة، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله مائة مرة، ثم يسبح الله مائة مرة فيقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مائة مرة، ثم يقول: اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة، إلا قال الله تعالي: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني

وعظمني ومجدني ونسبني وعرفني وأثني علي وصلي علي نبيي.. إشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه، ولو شاء أن يشفع في أهل الموقف لشفعته. (هب وابن النجار والديلمي عن جابر) قال أبو بكر بن مهران الحافظ: تفرد به عبدالرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن سوقة وقال (هب): هذا متن غريب وليس في إسناده من نسب إلي الوضع.انتهي.

وقد أوردنا عدداً من أحاديث عرفة في المجلد الثاني، في أحاديث النزول وغيرها، ونقدنا مافيها من تجسيد!

شفاعة النبي الخاصة لزوار قبره

في الكافي:4/548:

أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبان عن السدوسي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة. ورواه في تهذيب الأحكام ج6 ص4

وفي تفسير نور الثقلين:1/541:

علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبي حجر الاسلمي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتي مكة حاجاً ولم يزرني إلي المدينة جفوته يوم القيامة ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة. ورواه في من لا يحضره الفقيه:2/565 وفي تهذيب الأحكام:6/4 وفي وسائل الشيعة:10/261

وروي في الوسائل:10/263:

عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلي الله عليه وآله قال: من زارني حياً أو ميتاً كنت له شفيعاً يوم القيامة.

وفي المقنعة للمفيد/457:

روي عن الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من زارني بعد موتي كان كمن هاجر إليَّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا

إليَّ بالسلام، فإنه يبلغني.

وقال عليه السلام: من أتاني زائراً، كنت شفيعه يوم القيامة.

وفي مستدرك الوسائل:10/185:

القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: من زار قبري وجبت له شفاعتي، ومن زارني ميتاً فكأنما زرارني حياً.

وعنه صلي الله عليه وآله أنه قال: من زار قبري حلت له شفاعتي.

وفي سنن الدار قطني:2/278 ح 194:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من زار قبري وجبت له شفاعتي.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارني بعد موتي وجبت شفاعتي.

وفي هامش طبقات المحدثين بأصبهان:2/167 ونحوه في:1/55:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي، كان حقاً علي الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة. انتهي.

وقد اقتصرنا من أحاديث زيارة قبره صلي الله عليه وآله علي ما ورد فيه ذكر الشفاعة، وسنورد بقية أحاديثها في محلها إن شاء الله تعالي، مع الجواب علي شبهة الوهابيين في تحريمهم زيارة القبور وخيرها وأشرفها قبر سيد المرسلين صلي الله عليه وآله!

هذا وقد تقدم ذكر عدد من الاصناف الذين يستحقون الشفاعة فتشملهم، أو يعطيهم الله تعالي حق الشفاعة بغيرهم ويقبل شفاعتهم، في الفصل السادس (حدود الشفاعة) وهم أنواع عديدة.

وكل هذه الأحاديث تدل علي أن شفاعة المؤمنين حقيقةٌ مسلَّمَةٌ عند الجميع، فلا عجبَ أن تكون شفاعة الأئمة الأطهار من عترة النبي أعظم من جميع الشفاعات بعد شفاعة جدهم، وأشمل وأكمل، صلي الله عليه وعليهم، ورزقنا شفاعتهم.

تم المجلد الثالث من كتاب العقائد الإسلامية

ويليه المجلد الرابع إن شاء الله تعالي، وأوله بحث شفاعة أهل البيت عليهم السلام

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.