العقائد الاسلاميه: عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه المجلد2

اشارة

عنوان و نام پديدآور : العقائد الاسلاميه: عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه/ قام باعداده مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه؛ برعايه علي السيد السيستاني.

مشخصات نشر : قم: مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه، 1419ق. = -1377

مشخصات ظاهري : 5 ج.

شابك : دوره 964-319-117-6 : ؛ 7000 ريال : ج. 1 964-319-118-4 : ؛ 7000 ريال : ج. 2 964-319-119-2 : ؛ 7000 ريال : ج. 4 964-319-121-4 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1419ق = 1377).

يادداشت : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1. الفطره و المعرفه.- ج. 3. الشفاعه.- ج. 4. يشتمل علي مسائل: شفاعه اهل البيت عليهم السلام والاستشفاع والتوسل

موضوع : اسلام -- عقايد

شناسه افزوده : سيستاني، علي ، 1309 -، مصحح

شناسه افزوده : مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه

رده بندي كنگره : BP203 /ع7 1377

رده بندي ديويي : 297/41

شماره كتابشناسي ملي : م 77-14486

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 2)

العقائد الإسلامية (المجلد 2)

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد السنيين أن الله تعالي يري بالعين

متي ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه

موج الفرية جاء من الشام

و ابن عباس يحكم بشرك من يشبه الله تعالي بغيره

و أبوهريرة يوافق عائشة و ابن عباس و ابن مسعود

و كان الجمهور يرون رأي عائشة و يكذبون أحاديث الرؤية بالعين

علي يوضح ما لم توضحه عائشة

و اصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة

و غلبت موجة كعب و دخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين

و ايدوا قول كعب بحديث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالي

و هاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

ثم رووا الرؤية بالعين حتي عن ابن عباس وعائشة

ثم أفتوا بكفر و ضلال من خالفهم و شملت فتواهم أمهم عائشة

و كبر

كعب الأحبار لأنه انتصرعلي المسلمين

واشتغل الوضاعون و كثرت أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم

و انكر مالك أحاديث التشبيه و اعتذر عنه الذهبي بأنه جاهل

نماذج من الأحاديث الموضوعة لتأييد مذهب كعب

و فتحوا الطريق لنقد أحاديث الرؤية بتنازلهم عن عصمة البخاري

اهل البيت ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه

الامام الكاظم والإمام الرضا يكشفان تحريف حديث النزول

مذاهب السنيين في الألوهية والتوحيد

كيف نشأت هذه المذاهب؟

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب والمذبذبين والمتحيرين

و صار الترمذي متأولا ذات يوم فكفره المجسمة

و دافع رشيد رضا عن أكثر الحنابلة و جعلهم متأولة

ثم تبني رشيد رضا رأي الغزالي مع أنه كاد أن يكفر الحنابلة

و كل علماء السنة حتي المجسمة يصيرون متأولة عند الحاجة

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالي علي صورة بشر

و قالوا له سمع و بصر كسمع الإنسان و بصره

و قالوا له عينان مثل الإنسان و هما سالمتان

و قالوا له أيدي و أعين و رجلان

و قالوا قد يكون له أذن و قد يكون بلا أذن

و قالوا له جنب و حقو

و قالوا إنه يمشئ و قد يركض و يهرول

و قالوا إنه تعالي يري بالعين في الدني

و قالوا إنه يلبس قباء وجبة و يركب علي جمل

و قالوا إنه فتي أمرد جعد الشعر

و قالوا إنه يضحك في الدنيا والآخرة

و قالوا إنه يضحك لمن يستلقي علي دابته

و قالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

و قالوا إنه يضحك.. و يظل يضحك

و قالوا إنه ضحك لطلحة و سعد

و قالوا إنه يظهر لعباده ضاحكا

و قالوا منطقه كالرعد، و ضحكه كالبرق

و قالوا

يظهر متجسدا لابي بكر وحده بدون ضحك

و قال عمر يجلس علي العرش و لعرشه أطيط و صرير من ثقله

معني الاطيط

و قالوا العرش مطوق بحية تحميه

و قالوا الشمس تذهب كل يوم إلي تحت العرش

و قالوا حملة العرش ملائكة صوفية

و قالوا حملة العرش يتكلمون بالفارسية

و قالوا جبل لبنان من حملة العرش

و قالوا حملة العرش حيوانات كما في التوراة

و قالوا جالس علي كرسيه و غائب عن العالم

و قالوا جالس علي العرش و حوله الأنبياء علي كراسي

هشام بن عمار صاحب حديث الكراسي حول العرش

و قالوا جنة عدن مسكن الله تعالي و عرشه فيه

و روينا ورووا أن الفردوس مسكن إبراهيم و آله و محمد و آله

و قالوا أرواح الشهداء في حواصل طيور في قناديل معلقة بالعرش

ورد أهل البيت حديث القناديل و حواصل الطيور

واختلفت رواياتهم فيما هو مكتوب علي العرش

و قالوا إنه تعالي أثقل من الحديد

و قالوا يري بالعين في الآخرة و يناقش رجلا و يضحك عليه

و قالوا يكشف عن ساقه بل عن ساقيه و يعفو عن المنافقين

و حاول الصنعاني والنووي تخليص الله تعالي من كشف ساقه

و قالوا إنه يجلس علي الجسر و يضع رجله علي الاخري

الامام الصادق يقول إنها رواية يهودية

و قالوا لا تمتلي النار حتي يضع رجله فيه

وادعوا أن رؤيته بالعين من أكبر اللذات

لكن اختلفوا هل تراه النساء في الجنة

بازار أحاديث النزولات

قالوا: إن الله تعالي جسم ينزل إلي الأرض كل ليلة

و قالوا لو دلي رجل حبلا لهبط علي الله

و قالوا إنه تعالي ينزل ليلة النصف من شعبان

و قالوا إنه

تعالي ينزل يوم عرفة

الامام الرضا يلعن الذين حرفوا حديث النزول

و احاديث إخواننا تؤيد ما قاله الإمام الرضا

و تؤيده أحاديث فيها اطلع الله بدل ينزل

و احاديث خالية من ينزل و يصعد

وادعوا أن رؤية الله تعالي في المنام تدل علي الإيمان

اما درجة ابن عربي و أمثاله فهي أكبر من الرؤية في المنام

لكن الإمام الصادق تشاءم من صاحب هذه الرؤية

خلاصة اعتقادنا في التنزيه و نفي التشبيه

العقل والآيات والأحاديث تنفي إمكان رؤية الله تعالي بالعين

الرسول يعلم الأمة التوحيد

و يعلمنا أن أقصي ما يمكن أن يراه الإنسان نور عظمة الله

علي يثبت مشاهدة القلوب و ينفي مشاهدة العيان

لم يحلل في الأشياء... ولم ينأ عنه

لا تقدر عظمة الله سبحانه علي قدر عقلك

لا تدركه الشواهد و لا تحويه المشاهد

اول الدين معرفته... و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونه

اميرالمؤمنين يرد علي تجسيم اليهود

و يوجه المسلمين إلي التفكر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

و يصف النملة والجرادة

علي مؤسس علم التوحيد

الامام زين العابدين ينظم زبور آل محمد

الامام محمد الباقر يجيب علي سؤال متي وجد الله

و يركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه و لا تعطيل

الامام الصادق: لا نفي و لا تشبيه و لا جبر و لا تفويض

المؤمنون يرون الله بعقولهم و قلوبهم في الدنيا والآخرة

الامام الصادق يرد علي الحلول والثنائية بين الذات والصفات

الامام الكاظم يرد علي تجسيد النصاري

و يبين أن الله تعالي غني عن النزول والحركة

الامام الرضا يعلم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

و يكشف حقيقة جديدة في الإسراء والمعراج

الامام الرضا يعلم بني

العباس التوحيد

نماذج من كلمات علماء مذهب أهل البيت

من أين نشأت المشكلة عند إخواننا السنة

ميل العوام إلي التشبيه والتجسيم

الخوف من أن يؤدي التنزيه إلي التعطيل

مضاهاة بعض المسلمين لليهود

اعتقاد اليهود والنصاري بتشبيه الله تعالي و رؤيته بالعين

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

لكن البابا في عصرنا يصر علي التجسيم و ينتقد التوحيد عند المسلمين

اول قنوات التشبيه والتجسيم والرؤية من اليهودية إلي الإسلام

من أفكار كعب الأحبار في الرؤية والتشبيه والتجسيم

كعب يدعي أن جنة عدن مسكن الله والأنبياء والخلفاء

نموذج من علم كعب بالله تعالي

و قال كعب وعمر: يفضل من ربه أو من عرشه أربع أصابع

و قالوا: نبي الله داود يمسك بقدم الله تعالي و هو أعبد من جميع الأنبياء

و قالوا: عمر أفضل من داود لأنه يصافح الله و يعانقه

عبدالله بن عمر يؤكد أحاديث أبيه

من روايات أبي موسي الأشعري وابنه

و قال الجرجاني وغيره: أطيط العرش فكرة يهودية

التجسيم في مصادر إخواننا من روايات الحاخامات

الكوثري يصعد درجات و لا يصل إلي لب الحقيقة

السفيانان والحمادان

حماد بن سلمة

بعض روايات ابن سلمة في التشبيه والتجسيم

حماد يروي أن النبي لا يحفظ القرآن

اخذ حماد القول بالجبر من شيخ شيخه وهب

ربيبه عبدالكريم بن أبي العوجاء

عشرات الألوف من الأحاديث و مئات التلاميذ

كان مفتي البصرة و له مسجد و يلزم تلاميذه بالكتابة عنه

و مع هذا وثقه إخواننا وغالوا فيه

و احترمه البخاري و روي عنه و لم يكتفوا بذلك

نعيم بن حماد

بعض مناكيره و رواياته في التجسيم

و مع ذلك وثقوا نعيما لأنه صلب في السنة

مكانة المشبهين والمجسمين

في مصادر السنيين

المشبهون سادة في التاريخ و مصادر السنة

وهب بن منبه: فارسي، يهودي، مجسم محترم و شيخ للمحدثين

مقاتل بن سليمان البلخي، مجسم و شيخ ابن حماد و أستاذ للمفسرين

يزيد بن هارون من شيوخ الإمام أحمد

السمناني المجسم رئيس الأشعرية

الامام الدارمي المجسم

ابوالعباس السراج و إسحاق الحنظلي إمامان مجسمان

و صار ابن عقيل شيخ الحنابلة

من عقائد الدولة: إطاعة الحاكم الجائر والتجسيم والرؤية

هجمة الحنابلة علي الطبري

هجمة الحنابلة علي ابن حبان

من تكفيرات المجسمين لمن خالفهم

ملحد (سني) يحبه المجسمة لأنه يلعن من خالفهم

من الفتن التي حدثت بسبب التجسيم

و واجه بعض الخلفاء تطرف المجسمين

و قتل خلفاء شرعيون إماما مجسما طمع بالحكم

و كان التجسيم منتشرا في عصر ابن الجوزي والسبكي

وانتقل التجسيم من بغداد إلي مصر

الامام العبدري المغربي المجسم

التجسيم ينتشر في المغرب فيقاومه المهدي بن تومرت

و كثر الحشوية والمخلطون في العالم الإسلامي

كل الناس مبرؤون... والشيعة متهمون

منطق السلطة و أتباعه

محاولات الدولة والمشبهين إلصاق التشبيه بالنبي وآله

بغض أهل البيت و شيعتهم إرث غير شرعي

و تواصلت علينا الإفتراءات عبر العصور

و تضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم و حرية الفكر

تفسير مقارن للآيات المتعلقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لإمكان الرؤية

الآيات المتشابهة التي استدلوا بها علي الرؤية

آيات: استوي علي العرش

تفسير آية: لا تدركه الابصار

النبي و آله يقولون: لا تدركه الابصار و لا.. الاوهام

اميرالمؤمنين يدفع الشبهات

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

محاولاتهم تأويل الآية و إبطال معناه

تفسير آية: ما كذب الفؤاد ما رأي

قال أهل البيت: رأي ربه بفؤاده و رأي آياته بعينيه

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

تفسيرهم

الموافق لمذهبنا

و نفي قدماء المتصوفة الرؤية بالعين في الدني

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

و جهل بعضهم فنسب الدنو والتدلي إلي الله تعالي

و وصفوا عرشه بأنه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

و قالوا رأي ربه واقفا علي أرض خضرة خلف ستر شفاف

و حاول بعضهم أن يخفف القصة و يجعلها رؤيا في المنام

تفسير آية: وجوه يومئذ ناضرة، إلي ربها ناظرة

تفسير أهل البيت و فقهاء مذهبهم

رؤية العارفين بقلوبهم أرقي من الرؤية البصرية

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

تفسير آيات التجلي لموسي

قال أهل البيت: تجلي بنوره الذي خلقه، لا بذاته

الامام الرضا يدفع التهم عن الأنبياء

انواع التجلي الإلهي

تفسير عرفاني لعدم إمكان رؤية الله تعالي

الله تعالي يتجلي بخلقه

من هو قيس بن ثابت راوي حديث خنصر الله تعالي

تفسير قوله تعالي: يوم يكشف عن ساق

فسرها أهل البيت بكشف حجاب الآخرة و أهواله

تفسير آيات الإستواء علي العرش

تفسير أهل البيت

الاستواء علي العرش: استواء نسبة الله إلي العالم

معني العرش والكرسي عند أهل البيت

قالوا إن الله جالس علي كرسيه كما قال اليهود

و تناقضت رواياتهم في العرش والكرسي

و قالوا عرش الله كرسي متحرك

و قالوا العرش غير الكرسي، و قالوا العرش هو الكرسي

تفسير قوله تعالي: عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا

و قالوا يجلس الله علي عرشه و يجلس النبي إلي جانبه

و نفي الفكرة بعض علماء السنة

و قال المستشرقون إنها فكرة مسيحية

و اعترفوا بأن بعض هذه الأحاديث موضوع

و قالوا يجلس صاحب أحمد بن حنبل علي سجاد العرش

و قالوا يجلس أبابكر علي كرسي عند العرش

تفسير قوله تعالي: فلما آسفونا

انتقمنا منهم

قال أهل البيت: إن الله لا يأسف كأسفن

تفسير آيات أخري تتعلق بالموضوع

باب معني الحجزة

باب معني العين والاذن واللسان

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد السنيين أن الله تعالي يري بالعين

المقصود بمسألة الرؤية: إمكان أن يري الإنسان الله تعالي بحاسة العين في الدنيا أو في الآخرة.

1 _ والمقصود بالتشبيه والتجسيم: تشبيه ذات الله تعالي بشئ من مخلوقاته.

وقد نفي كل ذلك نفياً مطلقاً أهل البيت عليهم السلام وأم المؤمنين عائشة وجمهور الصحابة، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، واستدلوا علي ذلك بالقرآن بمثل قوله تعالي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقوله تعالي (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ).. إلخ. واستدلوا أيضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمكان رؤيته سبحانه بالعين يستلزم تشبيهه وتجسيمه لا محالة، لأن ما يري بالعين لا يكون إلا وجوداً مادياً يشبه غيره بأنه محدود بالمكان والزمان.

بينما تبني الحنابلة وأتباع المذاهب الأشعرية وهم أكثر الحنفية والمالكية والشافعية، القول برؤية الله تعالي بالعين في الدنيا أو في الآخرة بسبب روايات رووها، وبعض الآيات المتشابهة التي يبدو منها ذلك، وحاولوا أن يؤولوا الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة النافية لإمكان الرؤية بالعين.

وبسبب الإرتباط بين مسائل الرؤية والتشبيه والتجسيم والإشتراك في بحوثها ونصوصها جعلناها تحت عنوان واحد.

متي ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه

تدل نصوص الحديث والتاريخ علي أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهده صلي الله عليه وآله وعهد الخليفة أبي بكر هو الإنسجام مع آيات القرآن النافية لإمكان الرؤية، وأن الله تعالي ليس من نوع الأشياء التي تري بالعين أو تحس بالحواس الخمس.. لأنه وجود أعلي من الأشياء المادية، فهو يدرك بالعقل ويحس بالقلب والبصيرة لا بالبصر.

ويبدو أن أفكار التشبيه والرؤية ظهرت بين المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده، فنهض أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة لردها وتكذيبها.

وتدل أحاديث التكذيب التي رويت عن أم المؤمنين عائشة أنها كغيرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغريبة عن عقائد

الإسلام، المناقضة لما بَلَّغه النبي صلي الله عليه وآله عن ربه تعالي، سواء في آيات القرآن أو في أحاديثه الشريفة! ولذلك أعلنت أم المؤمنين أن هذه الأحاديث مكذوبة، بل هي فرية عظيمة علي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها!!

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه

صحيح البخاري:6/50:

... عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه هل رأي محمد(ص)ربه؟ فقالت لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً(ص)رأي ربه فقد كذب ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية، ولكنه رأي جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين.

صحيح البخاري:8/166:

... عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً(ص)رأي ربه فقد كذب، وهو يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. انتهي. وروي نحوه في:2 جزء 4/83 وج 3 جزء 6/50 وج 4/83 وقد استوفينا بقية مصادره في كتاب (الوهابية والتوحيد).

موج الفرية جاء من الشام

مع أن الخليفة عمر أخذ من ثقافة كعب الأحبار وجماعته وأجاز لهم رسمياً أن يحدثوا المسلمين في مساجدهم، وأن يكتب المسلمون عنهم، ولكن روايات الرؤية واجهت سداً من الصحابة فبقي انتشارها محدوداً في زمن الخليفة عمر، ولكن الدولة الأموية تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام، ووصلت إلي المدينة فاستنكرها أهل البيت وعائشة والصحابة!

تدل الرواية التالية علي أن الشام كانت مركز القول بالتشبيه والتجسيم، وسبب ذلك أن كعب الأحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وكانوا مقربين من معاوية، وقد أطلق يدهم ليملوا أفكارهم وثقافتهم علي المسلمين، ويظهر أن أول

من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتي تأصلت أفكارهم فيهم.

ومن الظواهر الملفتة أن الشام في تاريخنا الإسلامي كانت موطناً للتشبيه والتجسيم أكثر من أي قطر إسلامي آخر! فلا توجد في العالم الإسلامي منطقة يعتبر فيها تأويل صفات الله تعالي التي يتوهم منها التشبيه والتجسيم جريمةً وخروجاً عن الدين إلا الشام، فقد صارت كلمة (متاولة) تساوي كلمة كفار أو أسوأ منها، وكم من مسلم قتل في بلاد الشام بجرم أنه (متوالي) أي متأول! وما زالت هذه الكلمة إرثاً عند العوام ينبزون بها شيعة أهل البيت عليهم السلام وهي في فهم عوامهم أسوأ من الكفر أو مساوقة له!

قال الصدوق في التوحيد/179:

حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رض) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن أشكيب قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي، عن أسد بن سعيد النخعي قال: أخبرني عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام علي الله عز وجل، يزعمون أن الله تبارك وتعالي حيث صعد إلي السماء وضع قدمه علي صخرة بيت المقدس، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه علي حجر فأمرنا الله تبارك وتعالي أن نتخذه مصلي، يا جابر إن الله تبارك وتعالي لا نظير له ولا شبيه، تعالي عن صفة الواصفين، وجلَّ عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الأفلين، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم.

ورواه العياشئ في تفسيره:1/59، ورواه المجلسي في بحار الأنوار: 102/ 270 وقال: بيان: الظاهر أن المراد بالعبد

النبي صلي الله عليه وآله حيث وضع قدمه الشريف عليه ليلة المعراج وعرج منه كما هو المشهور ويحتمل غيره من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وعلي أي حال يدل علي استحباب الصلاة عليه. انتهي. ولكن الصحيح ما قاله الرباني في هامش بحار الأنوار:

بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهيم وبه أثر قدمه الشريف، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّي، أن نتخذه مصلي. انتهي.

ولا يبعد أن يكون مقصود الإمام الباقر عليه السلام بتعبيره (أهل الشام) بني أمية، وهو تعبير يستعمله عنهم أهل البيت عليهم السلام وهذا يدعونا إلي القول بأن سبب عدم نجاح أفكار كعب في المدينة المنورة أو في الكوفة أو محدودية نجاحها في القرن الأول، الخليفة عمر رغم أنه أعطي كعباً مكانة عظيمة في دولة الخلافة وكان يقبل أفكاره، ولكن كان يوجد في عهده صحابة كثيرون يجابهون كعباً ويردون إسرائيلياته كما شاهدنا في موقف عائشة، وكما نري في الموقف التالي لعلي عليه السلام حيث غضب من كلام كعب ونهض ليخرج من مجلس الخليفة عمر محتجاً علي أفكاره التجسيمية اليهودية!

فقد روي المجلسي في بحار الأنوار:44/194:

عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر إذ قال: يا كعب أحافظ أنت للتوراة.

قال كعب: إني لاحفظ منها كثيراً.

فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه. فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟

فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالي كان قديماً قبل خلق العرش وكان علي

صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه!

قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب عليه السلام حاضراً فعظم علي ربه وقام علي قدميه ونفض ثيابه فأقسم عليه عمر لما عاد إلي مجلسه ففعله.

قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجاً للغم. فالتفت علي عليه السلام إلي كعب فقال: غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومي إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل (خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فقولي له (كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً علي ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كوَّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلي يوم القيامة،

ثم خلق عرشه من نوره وجعله علي الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخري، وكان العرش علي الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه علي الماء ليبلوكم.

يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته علي قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه، فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب، لأعشت إلي زمان لا أري فيه أبا حسن. انتهي.

وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الأحبار طرح التجسيم رسمياً في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا علي عليه السلام وقد قبل الخليفة تنزيه عليّ لله تعالي ووبخ كعب الأحبار في ذلك المجلس، ولكن يظهر أنه قبل منه التجسيم بعد ذلك كما سيأتي في أحاديث الخليفة عن تجسيم الله تعالي، وأنه يجلس علي عرشه ويطقطق العرش من ثقله.. إلخ.

و ابن عباس يحكم بشرك من يشبه الله تعالي بغيره

قال الديلمي في فردوس الأخبار:4/206:

ابن عباس: من شبه الله عز وجل بشئ أو ظن أن الله عز وجل يشبهه شئ، فهو من المشركين.

وروي الطبري في تفسيره:9/38:

عن ابن عباس قوله تعالي: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شئ من خلقك.

وقال النويري في نهاية الإرب: 7 جزء 13/211:

قال وهب: واختلف العلماء في معني التجلي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل.

وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:3/29-30:

واختلف الصحابة رضي الله عنهم هل رأي ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأي ربه، وصح

عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهي.

وقال ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان في هامشه:

لم أقف علي هذه الرواية في الصحيح بل الذي صح عن ابن عباس (رض) ما جاء عند مسلم في الإيمان 176/285 في قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، وقوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير. (3280).

ثم قال ابن قيم الجوزية: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا: إن قوله ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك؟ فقال (ص): نور، أني أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم الجوزية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالي ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالي تلك الليلة في منامه، وعلي هذا بني الإمام أحمد قدس سره وقال: نعم رآه حقاً فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمد قدس سره أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكي عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك. انتهي.

وقد كفانا ناشر الكتاب الجواب علي

كلام ابن تيمية أيضاً حيث قال في هامشه: (6) جزء من حديث ضعيف أخرجه أحمد في مسنده 3484/1 من طريق أبي قلابة عن ابن عباس (رض). وأبو قلابة _ واسمه عبدالله بن زيد الجرمي _ لم يسمع من ابن عباس _ التهذيب 5 _ 197 ومن طريقه أخرجه الترمذي 3233 وقال: وقد ذكر بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً. وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس اه_. أقول: لم يسمع قتادة من أبي قلابة. تهذيب الكمال 3266/10 ط. دار الفكر وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية رقم 12 و13 و14 وتعقبه بقوله: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة، قال الدار قطني: كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح... وقال أبوبكر البيهقي: قد روي من أوجه كلها ضعاف... وقال أبو زرعة فيما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف 4/383 عن أحمد بن حنبل: حديث قتادة هنا ليس بشي... وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد/319 _ 320 والاجري في الشريعة /496 والترمذي بنحوه 3234 وابن أبي عاصم في السنة 469 وأبو يعلي 2608 من طرق عن ابن عباس. وتعقبه الحافظ ابن حجر في (النكت الظراف 4/382 نقلاً عن محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة قوله: هذا حديث اضطرب الرواة في إسناده وليس يثبت عند أهل المعرفة. وفي الباب عن جابر بن سمرة (رض) عند ابن أبي عاصم في السنة 465 وعن أبي أمامة (رض) في المصدر المذكور 466 وعن ثوبان (رض) أيضاً برقم 470 وعند البزار 2128 وعن أم الطفيل عن ابن أبي عاصم 471 وعن أبي رافع عند الطبراني في الكبير 938 وعن ابن عمر عند البزار

2129 من طرق ضعيفة أو واهية لا يعتد بها ولا تصح للإحتجاج بها، والله تعالي أعلم. وقد تقدم القول في هذا الحديث في أول الكتاب. راجع الفهرس أخي الكريم رحمك الله تعالي. انتهي.

وروي المجلسي في بحار الأنوار:3/36:

25 _ لي يد: ابن المتوكل عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن عبدالله بن عباس في قوله عز وجل: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا تري. انتهي.

والظاهر أن قصد ابن عباس من إنكار التشبيه والرؤية هو ما ادعوه في زمانه وردت عليه عائشة وأكدت أنه إفتراء. وهذه الرواية وغيرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالي يري بالعين أو أن النبي صلي الله عليه وآله رأي ربه بعينه.

و أبوهريرة يوافق عائشة و ابن عباس و ابن مسعود

يظهر أن أبا هريرة كان يوافق عائشة وابن عباس ويروي أحاديث نفي التشبيه والرؤية..إلي أن غلب الجو القائل بالرؤية فرويت عنه أحاديثها! قال ابن ماجة في سننه:2/1426:... عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: إن الميت يصير إلي القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف، ثم يقال له فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام فيقال له: ما هذا الرجل فيقول: محمد رسول الله(ص)جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله فيقول: ما ينبغي لأحد أن يري الله، فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له: أنظر إلي ما وقاك الله، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر

إلي زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له: علي اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله.

و كان الجمهور يرون رأي عائشة و يكذبون أحاديث الرؤية بالعين

قال الثعالبي في الجواهر الحسان:3/253:

ولقد رآه... فقالت عائشة والجمهور هو عائد علي جبرئيل.

وقال الشاطبي في الاعتصام:2/176:

الأولون ردوا كثيراً من الأحاديث الصحيحه بعقولهم وأساؤوا الظن (...) بما صح عن النبي(ص) حتي ردوا كثيراً من الأمور الاخري... وأنكروا رؤية الباري.

وقال في الاعتصام:2 الهامش 1/197:

بعض علماء الكلام.. عدوا من البدعة قول من يصف الباري تعالي بالعلو وبأنه علي عرشه... وهذا هو عين السنة المأثوره عن الصحابه.

وقال في الإعتصام: 2/334:

وذهب جماعة من العلماء إلي أن المراد بالرأي المذموم في هذه الأخبار البدع المحدثة كرأي أبي جهم وغيره..فقالوا لايجوز أن يري الله في الآخرة لأنه تعالي يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ..

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:20/153:

محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان: أبو عبد الله البخاري عالم أهل بخاري وشيخهم وكان فقيها ورعاً زاهداً، ويكفر من قال بخلق القرآن ويثبت أحاديث الرؤية والنزول، ويحرم المسكر توفي سنة 264 هفي رمضان. انتهي. ومدحه للبخاري بأنه يثبت أحاديث الرؤية والنزول يدل علي أنه يوجد كثيرون ينفونها.

وقال الطوسي في تفسير التبيان: 4/226:

روي مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن رسول الله رأي ربه فقد كذب: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ولكن رأي جبرئيل في صورته مرتين. وفي رواية أخري أن مسروقاً لما قال لها: هل رأي محمد ربه قالت: سبحان الله لقد قف شعري مما قلت! ثم قرأت الآية. وقال الشعبي: قالت عائشة: من قال إن

أحداً رأي ربه فقد أعظم الفرية علي الله، وقرأت الآية، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم. وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية علي الله تعالي في الآخرة، وتأولوا الآية علي الإحاطة، وقد بينا فساد ذلك.

علي يوضح ما لم توضحه عائشة

نهج البلاغة:1/14:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون.

الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود.

فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلي منه. كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة، وغير كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحركات والالة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده. انتهي.

وسيأتي في الفصل الرابع المزيد من جواهر النبي وآله في التوحيد ونفيهم المطلق للرؤية والتشبيه والتجسيم عن الله تبارك وتعالي.

و اصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة

قال الذهبي في سيره:10/455:

قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيي بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث يعني هذه التي في الرؤية، ثم قال أحمد: كأنه نزع إلي رأي جهم... قلت: والمعتزلة تقول لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لاصابوا. والقدرية تقول أنهم تركوا سبعين حديثاً في إثبات القدر. والرافضة تقول لو أن الجمهور تركوا من

الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله(ص)، ويزعمون أنه ما كان فقيهاً ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلاً محتجين بها.

قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالي، يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها، فأين الإنصاف. انتهي.

نقول: الإنصاف أن في القرآن آيات تنفي الرؤية بالعين بشكل قاطع فهي محكمة، وفيه آيات يفهم من ظاهرها الرؤية بالعين فيجب تأويلها لأنها متشابه يحمل علي المحكم، أما أحاديث الرؤية بالعين فهي مهما كثرت مخالفة للقرآن، مضافاً إلي أن بعضها كذبه الصحابة، وجميعها كذبها أهل بيت النبي الذين أمر النبي أمته أن تأخذ معالم دينها منهم صلوات الله عليه وعليهم، وكذبتها عائشة وغيرها من الصحابة. فهذا هو الإنصاف! جعلنا الله جميعاً من المنصفين في الأمور العلمية والعملية.

الأحاديث القدسية من الصحاح:1/147:

اختلف العلماء في الحديث أعلاه لأنه حديث من أحاديث الصفات، قال الإمام أبو بكر بن فورك: إنها غير ثابته عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة..وقول أهل السلف إنه حق ولايتكلم في تأويلها. انتهي.

ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذين لم تثبت عندهم: علماء الجرح والتعديل وأئمة الحديث النقاد، بينما هي ثابتة عند المتساهلين، وعند الذين يميلون إلي ما تريده الدولة. كما أن شهادة ابن فورك بأن مسلماً روي في صحيحه ما لم يثبت عند أهل النقل يجب أن تفتح الباب لإعادة تقييم روايات مسلم.

و غلبت موجة كعب و دخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين

كانت موجة التشبيه التي ساندتها الدولة أقوي من مواجهة الراوين فقد استطاع الخليفة عمر ومن سار علي خطه أن يحدثوا موجة من القول

بالرؤية كما ستعرف، وقد غلبت هذه الموجة رأي عائشة وكل الصحابة ورجحت عليهم، وصارت الرؤية بالعين جزءً من عقيدة جمهور المسلمين إلي يومنا هذا، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأويل كلام عائشة رغم صراحته، بل تجرؤوا علي رد كلامها رغم ثقتهم بها ومكانتها في عقائدهم، وقالوا إنها قالت ذلك باجتهادها!! مع أن الطبري وغيره رووا أنها لم تنف الرؤية من اجتهادها بل روت ذلك عن النبي صلي الله عليه وآله.

قال الدميري في حياة الحيوان:2/72:

واختلف العلماء من السلف والخلف في أنه هل رأي نبينا محمد(ص)ربه تعالي أم لا، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وابن مسعود وجماعة من السلف، وبه قال جماعة من المتكلمين والمحدثين، وأجازه جماعة من السلف وأنه(ص)رأي ربه ليلة الاسراء بعيني رأسه، وهو قول ابن عباس وأبي ذر وكعب الأحبار والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل، وحكي أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة، والمشهور عنهما الأول، وبهذا القول الثاني قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه، وهو الاصح، وهو مذهب المحققين من السادة الصوفية... قلت: رؤية الله تعالي في الدنيا والآخرة جائزة بالأدلة العقلية والنقلية... وأما استدلال عائشة رضي الله عنها علي عدم الرؤية بقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، ففيه بُعْدٌ، إذ يقال بين الادراك والأبصار فرق، فيكون معني لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به مع أنها تبصره، قاله سعيد بن المسيب وغيره. وقد نفي الإدراك مع وجود الرؤية في قوله تعالي: فَلَمَّا تَرَاءَي أَلْجَمْعَانِ قال أصحاب موسي إنا لمدركون قال كلا، أي لا يدركونكم. وأيضاً فإن الأبصار عموم وهو قابل للتخصيص فيختص المنع بالكافرين كما قال تعالي عنهم: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ويكرم المؤمنين أو من شاء

الله منهم بالرؤية كما قال تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وبالجملة فالآية ليست نصاً ولا من الظواهر الجلية في عدم جواز الرؤية، فلا حجة فيها والله أعلم. انتهي.

وقد لاحظت كيف صاغ صاحب حياة الحيوان الموضوع، وجعله مسألة ذات وجهين وكثَّر القائلين بالرؤية من السلف والخلف، ثم خلط الإدراك بمعني اللحوق بالإدراك بمعني الرؤية، وجعل إمكان تخصيص الله تعالي لعموم آية تخصيصاً بالفعل، ثم كابر في إنكار الظاهر.. ثم جعل رواية عائشة استدلالاً من زميلة له.. كل ذلك لأنه يريد مذهب كعب الأحبار في الرؤية بالعين بأي ثمن!!

وقال في عارضة الأحوذي: 6 جزء 11 هامش/188:

عن ابن عربي إن الله لم ينزل هذه الآية لنفي الرؤية لله ولا جاءت بها عائشة، فإنه سبحانه وتعالي يري في الدنيا والآخرة جوازاً ووقوعاً!!

وقال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/4-5:

قال القاضي عياض: اختلف السلف والخلف هل رأي نبينا (ص) ربه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة.. وجاء مثله عن أبي هريرة..

... الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأي ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء... عائشة لم تنف الرؤية وإنما اعتمدت الإستنباط من الآيات... أما احتجاج عائشة بقول الله: لا تدركه الابصار فإن الإدراك هو الإحاطة!

وقال النووي في شرح مسلم:2/94 _ هامش الساري:

عن عبدالله بن مسعود (رض) في قوله تعالي مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي قال: رأي جبريل له ستمائة جناح وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلي أن المراد أنه رأي ربه سبحانه وتعالي! انتهي.

وقال الطبري في تفسيره:7/201 _ 202:

إلا أنه جائز أن يكون معني الآية: لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء

الله! قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلي. وقال آخرون الآية علي العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامه حاسة سادسة سوي حواسهم الخمس فيرونه بها! انتهي.

ولكن دعوي الحاسة السادسة تعني التنازل عن أحاديث الرؤية التي تصرح بالرؤية بالعين البشرية المعهودة، كما سيأتي.

و ايدوا قول كعب بحديث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالي

مسند أحمد:4/11:

ابن سلمة عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء. ما تحته هواء وما فوقه هواء. ثم خلق عرشه علي الماء.

سنن الترمذي:4/351:

قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه علي الماء. قال أحمد قال يزيد: العماء أي ليس معه شي. هكذا يقول حماد بن سلمة. هذا حديث حسن. انتهي ورواه ابن ماجة في سننه:1/64 ورواه البيهقي في المحاسن والمساوئ:1/47.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/322:

وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين (رض)... قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه علي الماء. قال الترمذي (رض): العماء أي ليس معه شي. انتهي. ورواه في كنز العمال:1/236 وفي:10/370 وقال في مصادره (حم وابن جرير، طب وأبوالشيخ في العظمة. عن أبي رزين) وقال في هامشه: العماء بالفتح والمد: السحاب. قال أبو عبيد: لايدري كيف كان ذلك العماء. وفي رواية كان في عما بالقصر، ومعناه ليس معه شي. النهاية 3_304. انتهي.

ملاحظة: مقصود الراوي بالعماء الفضاء الخالي، وبعض روايات الحديث

نصت علي ذلك، فيكون الفضاء حسب تصوره إلهاً مع الله تعالي، أو قبله! ويكون وجوده تعالي مادياً محتاجاً لأن يكون في فضاء! وقد كان الترمذي محتاطاً فابتعد عن مسؤولية تفسيره بأنه ليس معه أحد، وجعل ذلك علي عهدة يزيد وحماد بن سلمة!

ويؤيد ما ذكرنا، أن كلمة العماء تستعمل عند عوام العرب لمكان الخراب في مقابل العمران، شبيهاً بالأرض البائرة والمزروعة، فيقولون كانت هذه المنطقة عماء لا عمران فيها أو لا إنسان فيها. فيكون معني أن الله تعالي كان في عماء أن الراوي تصور أن الكون كان فضاء وهواء وكان الله تعالي في ذلك الفضاء العماء، ثم أعمره بالخلق.

وقد يقال في توجيه الحديث إنه تفسير لقوله تعالي (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ) ولكن السؤال فيه عما قبل العرش وقبل كل الخلق، أي عما هو قبل القبل، فكيف يصح جعل العماء والهواء قديماً أو واجب الوجود قبل القبل!

وقد يقال إن المقصود بالخلق في السؤال الملائكة والناس. ولكن إطلاق السؤال عما قبل الخلق يأبي تخصيصه بذوي الأرواح أو ببعض المخلوقات.

وكذلك لا يصح تفسير العماء بالعدم المطلق، لأن تعبير (ما تحته هواء وما فوقه هواء) يجعل تفسيره بالعدم المطلق تعامياً!

و هاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

كتاب التوحيد لابن خزيمة/225-230:

قال أبوبكر: هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية وأبوذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية علي ربهم! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها... إلي آخر هجوم ابن خزيمة المجسم وغيره علي أمهم عائشة. راجع

الفصل الأول من كتاب الوهابية والتوحيد.

ثم رووا الرؤية بالعين حتي عن ابن عباس وعائشة

مستدرك الحاكم:2/316:

أخبرنا أبو زكريا يحيي بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبدالسلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ إبراهيم بن الحكم بن أبان، حدثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل هل رأي محمد ربه؟ قال: نعم رأي كأن قدميه علي خضرة دونه ستر من لؤلؤ! فقلت يا ابن عباس أليس يقول الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ؟ قال: يا لا أم لك، ذلك نوره وهو نوره، إذا تجلي بنوره لا يدركه شي. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال في هامش تهذيب التهذيب:4/113:

في تهذيب الكمال عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأي محمد(ص)ربه تعالي، فقلت لابن عباس: أليس الله يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ؟ قال: أسكت لا أم لك، إنما ذلك إذا تجلي بنوره لم يقم لنوره شي. اه.

مجمع الزوائد:7/114:

وعن ابن عباس قال: إن محمد(ص)رأي ربه، قال عكرمة: يا أبا عباس أليس يقول الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ؟ فقال ابن عباس لا أم لك، إنما ذلك إذا تجلي بكيفية لم يقم له بصر.

قلت: له حديث رواه الترمذي غير هذا رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك. انتهي.

مجمع الزوائد:1/78:

وعن ابن عباس أنه كان يقول: إن محمداً(ص)رأي ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، خلا جهور بن منصور الكوفي، وجهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات.

كتاب التوحيد لابن خزيمة/198:

... عن عبدالله بن أبي سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلي عبدالله بن العباس يسأله هل رأي محمد(ص)ربه؟ فأرسل إليه عبد

الله بن العباس أن نعم، فرد عليه عبدالله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ قال فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب علي كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، وملك في صورة أسد. انتهي.

هذه هي الرواية التي شهرها ابن خزيمة سيفاً علي مذهب أمه عائشة، لأنها خالفت فيه مذهب الخليفة عمر، وهي رواية إسرائيلية مع الاسف! وقد علق عليها الشيخ محمد الهراس بقوله (لعل ابن عباس أخذ رأيه هذا من كعب الأحبار فقد كان كعب يقول إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسي ومحمد).

ثم قال ابن خزيمة في/199:

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله اصطفي إبراهيم بالخلة، واصطفي موسي بالكلام، واصطفي محمداً بالرؤية... عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأي محمد(ص)ربه... عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: رأي محمد ربه. انتهي.

وعلق عليه الهراس بقوله (هذا رأي لا دليل عليه، وهذا مخالف لقوله عليه السلام في حديث أبي ذر (نور) أني أراه).

وقد روي ابن خزيمة نفسه حديث أبي ذر في نفي النبي رؤية ربه بعينه! قال في/206:... محمد بن بشار بندار حدثنا بهذا الخبر، قال ثنا معاذ بن هشام، قال حدثني أبي، عن قتادة، عن عبدالله بن شقيق، قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله(ص)لسألته، فقال عن أي شئ كنت تسأله؟ فقال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ فقال أبوذر: قد سألته فقال رأيت نوراً. انتهي.

ويلاحظ أن ابن خزيمة لم يرو تعجب النبي صلي الله عليه وآله من سؤال أبي ذر (أني أراه!) فقد

علق عليه الهراس بقوله (قوله رأيت نوراً: يفيد أنه لم يرد بذلك النور نور ذاته عز وجل، وإلا لقال للسائل نعم رأيته، فهو أراد أن يفهم السائل أن الذي رآه هو النور، ولعله نور الحجاب كما ورد في حديث أبي موسي (حجابه النور) وهو الذي حال دون رؤيته له سبحانه). انتهي. ولم يترك ابن خزيمة شيئاً إلا وتشبث به لاثبات الرؤية بالعين فقد روي أن الحسن البصري كان يحلف الإيمان علي الرؤية بالعين!! قال في/199:.. ابن سليمان عن المبارك بن فضالة قال: كان الحسن يحلف بالله لقد رأي محمد ربه. انتهي.

وعلق عليه الهراس بقوله: كيف يحلف الحسن سامحه الله علي أمر لم يتبين صدقه، وهو محل خلاف بين الصحابة وجمهورهم علي نفيه! انتهي.

ثم أفتوا بكفر و ضلال من خالفهم و شملت فتواهم أمهم عائشة

قال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/15:

باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم..إن مذهب أهل السنة أن رؤية الله ممكنة.. وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالي لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً.

قال الشاطبي في الاعتصام:1/231:

ومنها ردهم أهل البدع للاحاديث التي غير موافقه لاغراضهم ومذاهبهم..كالمنكر لعذاب القبر والصراط المستقيم والميزان، ورؤية الله في الآخرة، وكذلك حديث الذباب وقتله، وأن في أحد جناحيه داء والآخر دواء!

وقال الذهبي في سيره:14/396:

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه: أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك، أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالي يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب فإن تاب

وإلا ضربت عنقه، ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.

قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول(ص)قاله، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند، نسأل الله الهدي، وإن اعترف أن هذا حق ولكن قال أخوض في معانيه فقد أحسن، وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه، فهو طريقة معروفة.

وقال الذهبي في سيره:7/381:

قال حفص بن عبدالله: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد رأي محمد ربه.

وقال أبوحاتم: شيخان بخراسان مرجئان: أبوحمزة السكري وإبراهيم بن طهمان وهما ثقتان. وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل فذكر إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً من علة فجلس وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ. وقال أحمد: كان مرجئاً شديداً علي الجهمية.

وقال الدميري في حياة الحيوان:2/72:

واختلف في جواز الرؤية فأكثر المبتدعة علي إنكار جوازها في الدنيا والآخرة وأكثر أهل السنة والسلف علي جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة.

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ:2/435:

وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع ابن أبي صالح مجلس الأمير عبدالله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلي سماء! فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء.

هذه حكاية صحيحة رواها البيهقي في الأسماء والصفات. قال البخاري: مات ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وله سبع وسبعون سنة.

وقال السبحاني في بحوث في الملل والنحل:2/373:

... وقفنا علي فتوي لعبد العزيز بن عبد الله بن باز مؤرخة 8/3/1407 مرقمة 1717/2 جواباً علي سؤال عبدالله عبدالرحمن في جواز الإقتداء والإئتمام بمن لا يعتقد بمسألة الرؤية يوم القيامة فأفتي: من ينكر

رؤية الله سبحانه وتعالي في الآخرة لا يصلي خلفه وهو كافر عند أهل السنة والجماعة. واستدل لذلك بما ذكره ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح) ذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك: إن قوماً يزعمون أن الله لا يري يوم القيامة فقال مالك رحمه الله: السيف السيف.

وقال أبو حاتم الرازي: قال أبو صالح كاتب الليث: أملي عليَّ عبدالعزيز بن سلمة الماجشون رسالة عما جحدت الجهمية فقال: لم يزل يملي لهم الشيطان حتي جحدوا قول الله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.

... عن أحمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العواطف إن الله لا يري في الآخرة فقال: لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال: أخزي الله هذا.

وقال أبو بكر المروزي: من زعم أن الله لا يري في الآخرة فقد كفر. وقال: من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر.

وقال إبراهيم بن زياد الصائغ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الرؤية من كذب بها فهو زنديق، وقال: من زعم أن الله لا يري فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد علي الله أمره، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.. إلخ) انتهي.

ويشمل حكم الشيخ ابن باز هذا أم المؤمنين عائشة لأنها كذبت من زعم أن النبي صلي الله عليه وآله رأي الله تعالي واستدلت علي نفي إمكانية رؤية الله تعالي مطلقاً في الدنيا والآخرة بقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ. ولا طريق أمام ابن باز إلا أّن يقول بكفر عائشة، أو يكذب روايات البخاري ومسلم عنها!!

وقد كان الألباني أرحم من أستاذه ابن باز فقد رفع حكم التكفير عن أمه عائشة وعن عدة فئات من المسلمين فقال في

فتاويه/123:

علماء السلف كفروا الجهمية وأعلنوا كفرهم. وأفتوا بقتل رأسهم لكنهم لا يكفرون الأباضية الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة كذلك المعتزلة.. لكنهم يكتفون بتضليلهم دون كفرهم.. وقال في/292 قال ابن تيمية:... كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم.. أئمة الدين لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين لا في مسائل علمية ولا عملية... كتنازع الصحابة هل رأي محمد ربه.

.. وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما.

وفي مقابل حملة التكفير هذه، فإن الذين نفوا رؤية الله تعالي بالعين لم يكفروا أصحاب الرؤية بل أفتوا بأنهم: لا يفهمون ما يقولون!

قال الشاطبي في الاعتصام:1/236: حكي أبو بكر بن العربي عن بعض من لقي بالمشرق من المنكرين للرؤية أنه قيل له: هل يكفر من يقول بإثبات الرؤية؟ فقال لا، لأنه قال بما لا يعقل..قال ابن العربي: فهذه منزلتنا عندهم!

و كبر كعب الأحبار لأنه انتصرعلي المسلمين

روي الذهبي في سيره:14/45 عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد/199 من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الاحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله.. الخ. وأخرجه أيضاً/197 من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثني قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه(ص)لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد:3/36-37.

انتهي.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب علي ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتي ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الاسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روي هذا الحديث في الروض الأنف:2/156 عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالي ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعي إليه، فقد روي ابن خزيمة في كتاب التوحيد/225 -230:... عن الشعبي عن عبدالله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأي ربه مرتين، قال فكبر كعب حتي جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسي صلي الله عليهما وسلم! انتهي.

ومن الواضح أن تكبير كعب الأحبار (حتي جاوبته الجبال!) يدل علي أن إثبات رؤية النبي صلي الله عليه وآله كان مطلباً مهماً عند كعب وأنه كان يبحث عمن يوافقه عليه ولا يجد، فلما وافقه ابن عباس كما تدعي الرواية صرخ بصوت عال من فرحه، لأن ذلك يوافق مصادره اليهودية في تجسيد الله تعالي وجلوسه علي عرشه ونزوله إلي الأرض ومصارعته ليعقوب.. إلي آخر افتراءات اليهود علي الله تعالي!

واشتغل الوضاعون و كثرت أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم

تقدم عن عائشة وغيرها تكذيب أحاديث الرؤية عموماً، وقد طفح كيل هذه الأحاديث من كل لون، لأن الدول كانت تشجعه، ولأن الموضوع قابل للأسطورة..حتي اعترفت مصادر الجرح والتعديل عند إخواننا بوضع عدد كبير منها!

هل

روي حماد أحاديث الرؤية والتشبيه أم دسوها في لحيته؟

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب:3/15:

حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يعترف بهذه الأحاديث أي في الصفات، حتي أخرج مرة إلي عبادان فجاء وهو يرويها، فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دست في لحيته. وقد قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه..

و انكر مالك أحاديث التشبيه و اعتذر عنه الذهبي بأنه جاهل

قال الذهبي في سيره:8/103:

أبو أحمد بن عدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبوزيد بن أبي الغمر، قال قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذين قالوا: إن الله خلق آدم علي صورته. والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه، وأنه يدخل يده في جهنم حتي يخرج من أراد. فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهي أن يحدث بها أحد! فقيل له: أن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد. قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتي مات. رواها مقدام الرعيني عن ابن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا: حدثنا ابن القاسم.

قلت: أنكر الإمام ذلك لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور، كما أن صاحبي الصحيحين معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الأول والثاني لثبوت سندهما، وأما الحديث الثالث فلا أعرفه! انتهي.

وهذا النص يدل بوضوح علي أن الأمويين كانوا يتبنون أحاديث الرؤية والتجسيم، وأن الإمام مالك ذم الراوي بأنه كان عاملاً مطيعاً لهم حتي مات. وأن أجواء هذه الإعتقادات كانت محدودة بالدولة

بخلاف الجو العام للمسلمين الذي يعيش فيه الإمام مالك. وقد بينا في كتاب الوهابية والتوحيد عدم صحة ما نسبه الوهابيون إلي الإمام مالك من تفسير الصفات بالظاهر.

نماذج من الأحاديث الموضوعة لتأييد مذهب كعب

قال في كتابه الموضوعات:1/124 _ 125:

حديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة، إذ لو رواه الثقات كان مردوداً والرسول منزه أن يحكي عن الله عز وجل ما يستحيل عليه، وأكثر رجاله مجاهيل وفيهم ضعفاء. أنبأنا أبو منصور عبدالرحمن بن محمد العرار (القزاز) قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال أنبأنا الحسن بن أبي بكر، قال أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعي، قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال حدثنا نعيم بن حماد، قال حدثنا ابن وهب، قال حدثنا عمرو بن الحرث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي أنها سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأي ربه تعالي في المنام في أحسن صورة شاباً موفوراً رجلاه في مخصر عليه نعلان من ذهب في وجهه مراس من ذهب.

أما نعيم فقد وثقه قوم وقال ابن عدي: كان يضع الحديث، وكان يحيي بن معين يهجنه في روايته حديث أم الطفيل وكان يقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا وليس نعيم بشئ في الحديث.

وأما مروان فقال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتي يصدق علي الله عز وجل، قال مهني: سألت أحمد عن هذا الحديث فحول وجهه عني وقال: هذا حديث منكر هذا رجل مجهول عني مروان. قال: ولا يعرف أيضاً عمارة.

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:4/269:

نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان

بن عثمان عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل _ أنها سمعت النبي (ص) يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خصر عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبدالرحمن النسائي: ومن مروان حتي يصدق علي الله تعالي.

وقال في سيره:10/602:

قال عبد الخالق بن منصور: رأيت يحيي بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا. وقال أبو زرعة النصري: عرضت علي دحيم ما حدثناه نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النواس: إذا تكلم الله بالوحي. الحديث فقال لا أصل له. فأما خبر أم الطفيل فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره حدثنا نعيم، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأي ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جداً.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء:18/49:

(4) أخرجه الخطيب في تاريخه 13 _ 311 من طريق نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل إمرأة أبي أنها سمعت النبي(ص)يذكر أنه رأي ربه تعالي في المنام في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خضرة له نعلان من ذهب علي وجهه مراس من ذهب، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: موضوع، نعيم وثقه قوم وقال ابن عدي: يضع، وصفه ابن عدي بسبب هذا الحديث، ومروان كذاب،

وعمارة مجهول، وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال: منكر. وفي الميزان 4 _ 92: مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الزرقي: ضعفه أبوحاتم، وقال أبوبكر محمد بن أحمد الحداد الفقيه: سمعت النسائي يقول: ومن مروان بن عثمان حتي يصدق علي الله! قاله في حديث أم الطفيل. وأورده فيالميزان 4 _ 229 في ترجمة نعيم بن حماد في جملة الأحاديث التي أنكرت عليه. وقال الحافظ في الإصابة 4 _ 470 في ترجمة أم الطفيل بعد أن أورده عن الدار قطني من طريق مروان بن عثمان... ومروان متروك، قال ابن معين: ومن مروان حتي يصدق.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات:1/290:

عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إن الله أعطي موسي الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود.

هذا حديث موضوع علي رسول الله(ص)، والمتهم به محمد بن يونس وهو الكديمي، وكان وضاعاً للحديث. قال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث!

وقال في الموضوعات:3/259:

عن أنس بن مالك عن النبي(ص)قال: إذا أسكن الله عز وجل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. قال: فيهبط تبارك وتعالي إلي الجنة في كل جمعة في كل سبعة آلاف يعني سنة مرة. قال وفي وحيه: وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون فيهبط عز وجل إلي مرج الجنة فيمد بينه وبين الجنة حجاباً من نور فيبعث جبريل إلي أهل الجنة فيأمر فليزوروه، فيخرج رجل من موكب عظيم حوله صفق أجنحة الملائكة ودوي تسبيحهم والنور بين أيديهم أمثال الجبال فيمد أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا قد أذن له علي الله عز وجل فتقول الملائكة: هذا المجبول بيده والمنفوخ فيه من روحه والمعلم الأسماء

والمسجود له من الملائكة الذي أبيح له الجنة، هذا آدم.

وذكر نحو هذا في إبراهيم ومحمد وقال: ثم يخرج كل نبي وأمته فيخرج الصديقون والشهداء علي قدر منازلهم حتي يحفوا حول العرش فيقول لهم عز وجل بلذاذة صوته وحلاوة نغمته: مرحباً بعبادي. وذكر حديثاً طويلاً لا فائدة في ذكره. وهو حديث موضوع لا نشك فيه والله عز وجل متنزه عن أن يوصف بلذة الصوت وحلاوة النغمة فكافأ الله من وضع هذا. وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو متروك الحديث وضرار بن عمرو قال يحيي: ليس بشئ ولا يكتب حديثه، وقال الدار قطني: ذاهب متروك. ويحيي بن عبد الله قال ابن حبان: يأتي عن الثقاة بأشياء معضلات.

وقال في الموضوعات:3/260:

عن أنس بن مالك: أن النبي(ص)قرأ هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم فيطعمون ويسقون ويطيبون ويحلون وترفع الحجب بينه وبينهم وينظرون إليه وينظر إليهم، وذلك قوله تعالي: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا. هذا حديث لا يصح وفيه ميمون بن شياه قال ابن حبان: يتفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا انفرد. وفيه صالح المري، قال النسائي: متروك الحديث.

... قال سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن الله تعالي يتجلي لأهل الجنة في مقدار كل يوم علي كثيب كافور أبيض. هذا حديث لا أصل له وجعفر وجدّه وعاصم مجهولون.

... عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فنظروا فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله: سلام قولاً من رب رحيم، قال فينظر إليهم وينظرون إليه

فلا يزالون كذلك حتي يحتجب فيبقي نوره وبركته عليهم وفي دارهم.

طريق ثان... طريق ثالث...

هذا حديث موضوع علي رسول الله(ص)ومدار طرقه كلها علي الفضل بن عيسي الرقاشي، قال يحيي: كان رجل سوء. ثم في طريقه الأول والثاني عبدالله بن عبيد، قال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه. وفي طريقة الثالث محمد بن يونس الكديمي وقد ذكرنا أنه كذاب، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث.

وقال الشاطبي في الاعتصام:1 هامش/39:

ولا يغترن أحد بترغيب الخطباء الجاهلين ولا بالحديث الذي يذكرونه علي منابرهم وهو إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلي سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا إلا كذا حتي يطلع الفجر. فإن هذا حديث واه أو موضوع رواه ابن ماجة وعبدالرزاق عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي سبرة، وقد قال فيه ابن معين والإمام أحمد أنه يضع الحديث. نقل ذلك محشئ سنن ابن ماجة عن الزوائد. ووافقه الذهبي في الميزان في الإمام أحمد، وذكر عن ابن معين أنه قال فيه: ليس حديثه بشئ، وقال الناس: متروك.

وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد/214:

وقد روي الوليد بن مسلم خبراً يتوهم كثير من طلاب العلم ممن لا يفهم علم الأخبار أنه خبر صحيح من وجه النقل وليس كذلك هو عند علماء أهل الحديث، وأنا مبين علله إن وفق الله لذلك حتي لا يغتر بعض طلاب الحديث به فيلتبس الصحيح بغير الثابت من الأخبار، وقد أعلمت ما لا أحصي من مرة أني لا أستحل أن أموه علي طلاب العلم بالاحتجاج بالخبر الواهي وإني خائف من

خالقي جل وعلا إذا موهت علي طلاب العلم بالاحتجاج بالأخبار الواهية وإن كانت الأخبار حجة لمذهبي. روي الوليد قال حدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال ثنا خالد ابن اللجلاج، قال حدثني عبدالرحمن بن عائش الحضرمي، قال سمعت رسول الله (ص): رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلي.. إلخ. انتهي.

وقال ابن الأثير في أسد الغابة: 3/304:

اللجلاج وأبو سلام الحبشي لا تصح صحبته لأن حديثه مضطرب، أخبرنا أبومنصور ابن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب بإسناده عن المعافي بن عمران، عن الأوزاعي، عن عبدالرحمن بن زيد أنه سمع خالد بن اللجلاج يحدث مكحولاً، عن عبدالرحمن بن عائش الحضرمي، أن النبي(ص)قال: رأيت ربي في أحسن صورة فذكر أشياء...

وقال المزي في تهذيب الكمال:17/202:

عبدالرحمان بن عائش الحضرمي ويقال: السكسكي الشامي مختلف في صحبته وفي إسناد حديثه، روي عنه عن النبي (ص): رأيت ربي في أحسن صورة وقيل: عنه عن رجل من أصحاب النبي(ص)عن النبي(ص)وقيل: عنه عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، عن النبي(ص)وقيل: غير ذلك.

وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت عبدالرحمن بن إبراهيم قلت له: لعبد الرحمان بن عائش حديث سوي: رأيت ربي في أحسن صورة؟ فقال لي عبدالرحمن بن إبراهيم: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن ربيعة بن يزيد، عن عبدالرحمان بن عائش قال: الفجر فجران... فذكر الحديث. وقال أبو زرعة الدمشقي أيضاً: قلت لأحمد بن حنبل إن ابن جابر يحدث عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمان بن عائش عن النبي (ص): رأيت ربي في أحسن صورة، ويحدث به قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن عبدالله بن عباس فأيهما أحب

اليك قال: حديث قتادة هذا ليس بشئ والقول ما قال ابن جابر.

وقال أبوحاتم الرازي: هو تابعي وأخطأ من قال له صحبة.

وقال أبو زرعة: الرازي ليس بمعروف. روي له الترمذي وقد وقع لنا حديثه بعلو.

وقال ابن ناصر في توضيح المشتبه:1/588:

محمد بن شجاع الثلجي الفقيه صاحب التصانيف مشهور مبتدع.. قلت:.. وبدعته كونه من أصحاب بشر المريسي يقول بقوله في القرآن، ومع ذلك رمي بالوضع والكذب، ومن افترائه أنه تكلم في الشافعي وأحمد..كان يضع أحاديث التشبيه وينسبها إلي أصحاب الحديث ليثلبهم بذلك..

وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/440 _ 441:

فصل: في بيان أربعة أحاديث باطلة تتعلق بالكرسي:

الحديث الأول: روي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سئل النبي(ص)عن قول الله تعالي: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قال: كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره.

وهذا باطل مرفوعاً وموقوفاً! وما هو إلا هراء يجل مقام سيدنا رسول الله (ص) أو ابن عباس رضي الله عنهما أن يفوها به، إلا إن حكياه عن اليهود في مقام ذم عقائدهم الباطلة وذكر فساد ما يقولون! وقد رواه مرفوعاً الخطيب البغدادي في تاريخه 9-251، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1 _ 22، ورواه موقوفاً الطبراني في الكبير 12 _ 39، والحاكم 2 _ 282، والمجسم الكذاب محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب (العرش)، قال ابن كثير في تفسيره 1 _ 317 كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس فذكره وهو غلط، ثم قال بعد ذلك بقليل وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك، عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة

مرفوعاً ولا يصح أيضاً.

قلت: الصحيح عندنا في هذا الحديث أنه إسرائيلي مأخوذ من كعب الأحبار لأن أبا هريرة وابن عباس رضوان الله عليهما رويا عن كعب الأحبار كما في تهذيب الكمال للحافظ المزي 24 _ 190 فإذا علمت ذلك فستعرف خطأ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 6 _ 323 حيث اكتفي بالتصريح بأن رجاله رجال الصحيح، وكذا الإمام الحاكم في المستدرك صحح الموقوف أيضاً علي شرط الشيخين، وأقره الذهبي (رحمهم الله)فلا تغفل عن هذا، لأن هؤلاء (رحمهم الله) كثيراً ما يصححون فيرد تصحيحهم.

وقد روي نحو هذا الحديث عن أبي موسي الأشعري موقوفاً كما في الأسماء والصفات/404 للحافظ البيهقي رحمه الله وقد تأول هذا النص البيهقي هناك بقوله: ذكرنا أن معناه فيما نري أنه _ أي الكرسي _ موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه.

وفي أثر أبي موسي هذا ذكر للاطيط!وقد صرح الحفاظ بأنه لايصح حديث في الاطيط وقد اعترف الشيخ المتناقض (يقصد الالباني) بذلك في ضعيفته 2 _ 257 و 307!

و فتحوا الطريق لنقد أحاديث الرؤية بتنازلهم عن عصمة البخاري

فتاوي الألباني/524-535:

السؤال هو: هل سبق للشيخ أن ضعف أحاديث في البخاري وضعفها في كتاب ما؟ وإن حصل ذلك فهل سبقك إلي ذلك العلماء؟ نرجو الجواب مع الإشارة جزاك الله خيراً.

جواب: حدد لي ذلك.. إلي ماذا.. لأن سؤالك يتضمن شيئين.. هل سبق لك أن ضعفت شيئاً من أحاديث البخاري وهل جمعت ذلك في كتاب.. فلما ذكرت هل سبقك إلي ذلك.. ماذا تعني: إلي تضعيف أو إلي تأليف.

سؤال: إلي الاثنين.

جواب: أما أنه سبق لي أن ضعفت أحاديث البخاري فهذه الحقيقة يجب الإعتراف بها ولا يجوز إنكارها. ذلك لأسباب كثيرة جداً أولها: المسلمون

كافة لا فرق بين عالم أو متعلم أو جاهل مسلم..كلهم (...) يجمعون علي أنه لا عصمة لاحد بعد رسول الله(ص).. وعلي هذا، من النتائج البديهية أيضاً أن أي كتاب يخطر في بال المسلم أو يسمع باسمه قبل أن يقف علي رسمه، لابد أن يرسخ في ذهنه أنه لا بد أن يكون فيه شئ من الخطأ، لأن العقيدة السابقة أن العصمة من البشر لم يحظ بها أحد إلا رسول الله(ص).

من هنا يروي عن الإمام الشافعي (رض) أنه قال: أبي الله أن يتم إلا كتابه. فهذه حقيقة لا تقبل المناقشة.

هذا أولاً.. هذا كأصل.. أما كتفريع، فنحن من فضل الله علينا وعلي الناس لكن أكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يشكرون. قد مكنني الله عز وجل من دراسة علم الحديث أصولاً وفروعاً وتعليلاً وتجريحاً، حتي تمكنت إلي حد كبير بفضل الله ورحمته أيضاً أن أعرف الحديث الصحيح من الضعيف من الموضوع، من دراستي لهذا العلم.

علي ذلك طبقت هذه الدراسة علي بعض الأحاديث التي جاءت في صحيح البخاري فوجدت نتيجة هذه الدراسة أن هناك بعض الأحاديث التي تعتبر بمرتبة الحسن فضلاً عن مرتبة الصحة في صحيح البخاري، فضلاً عن صحيح مسلم.

هذا جوأبي عما يتعلق بي أنا.. أما عما يتعلق بغيري مما جاء في سؤالك وهو هل سبقك أحد، فأقول والحمد لله سبقت من ناس كثيرين هم أقعد مني وأعرف مني بهذا العلم الشريف وقدامي جداً بنحو ألف سنة.

فالإمام الدارقطني وغيره قد انتقدوا الصحيحين في عشرات الأحاديث.. أما أنا فلم يبلغ بي الأمر أن أنتقد عشرة أحاديث. ذلك لأنني وجدت في عصر لا يمكنني من أن أتفرغ لنقد أحاديث البخاري ثم أحاديث مسلم..

ذلك لاننا نحن بحاجة أكبر إلي تتبع الأحاديث التي وجدت في السنن الأربعة فضلاً عن المسانيد والمعاجم ونحو ذلك لنبين صحتها من ضعفها. بينما الإمام البخاري والإمام مسلم قد قاما بواجب تنقية هذه الأحاديث التي أو دعوها في الصحيحين من مئات الالوف من الأحاديث.

هذا جهد عظيم جداً.. ولذلك فليس من العلم وليس من الحكمة في شئ أن أتوجه أنا إلي نقد الصحيحين (...) وأدع الأحاديث الموجودة في السنن الأربعة وغيرها، غير معروف صحيحها من ضعيفها.

لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما، فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا علي بعض الأحاديث فليعد إلي فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني الذي يسمي بحق أمير المؤمنين في الحديث، والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني علي أنه لم تلد النساء بعده مثله.

هذا الإمام أحمد ابن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري، بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد.

ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله.. أي يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث، أصل الحديث صحيح، لكن يكون جزء منه غير صحيح.

من النوع الأول مثلاً حديث ابن عباس قال: تزوج أو نكح رسول الله (ص)ميمونة وهو محرم.

هذا حديث ليس من الأحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم، بل اشتركا واتفقا علي رواية الحديث في صحيحيهما.

والسبب في ذلك أن

السند إلي راوي هذا الحديث وهو عبدالله بن عباس لاغبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته، بينما هناك أحاديث أخري هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته.

مثلاً من رجال البخاري اسمه: فليح بن سليمان، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سي الحفظ. فهذا إذا روي حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع أو لم يكن لحديثه شاهد، يبقي حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد. فحديث ابن عباس أن رسول الله(ص) تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً.. لا..كلهم ثقات. لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحديث إلا في رواية الأول وهو صحابي جليل فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة، ومن جهة أخري أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوجة النبي(ص)التي هي ميمونة، فقد صح عنها أنه عليه السلام تزوجها وهما محلان.

إذاً هذا حديث وهم فيه راويه الأول وهو ابن عباس فكان الحديث ضعيفاً، وهو كما ترون كلمات محدودات (تزوج ميمونة وهو محرم) أربع كلمات.. مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخري في صحيح البخاري.

النوع الثاني، يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي(ص).. من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي(ص)قال: إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء. إلي هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري: فمن

استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، وقال ابن قيم الجوزية، وقال شيخه ابن تيمية، وقال الحافظ المنذري وعلماء آخرون: هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسول عليه السلام... وإنما هو من كلام أبي هريرة.

إذاً الجواب تم حتي الان عن الشطر الأول.. أي انتقدت بعض الأحاديث وسبقت من أئمة كثيرين.

أما أنني ألفت أو ألف غيري فأنا ما ألفت، أما غيري فقد ألفوا لكن لا نعرف اليوم كتاباً بهذا الصدد. هذا جواب ما سألت...

الآن ندخل بتصحيح البخاري وندع تضعيف مسلم، وقد تكون المسألة بالعكس حديث ضعفه البخاري وصححه مسلم وهذا يقع كثيراً.. الذي ليس عنده مرجح آخر لا شك أنه يطمئن لقول البخاري، سواء كان تصحيحاً أو تضعيفاً أو كان توثيقاً أو كان تجريحاً فيقدم قوله علي قول من دونه كمسلم مثلاً علي شهرته بعلمه، فضلاً عما إذا خالف البخاري بعض المتأخرين كالدارقطني أو ابن حبان أو غيرهما. هذا من المرجحات بلا شك. الآن نأتي إلي مثال عرف في العصر الحاضر قيمته وهو: التخصص في العلم...

تعرفون اليوم مثلاً العلم علم الطب وأنواعه وأقسامه، هناك مثلاً طب عام وهناك طب خاص. رجل يشكو من ألم في فمه أو في عينه أو في أذنه لا يذهب إلي الطبيب العام بل إلي المختص. وهذا مثال واضح جداً. رجل يريد أن يعرف الحكم هل هو حلال أو حرام ما يسأل اللغوي ولا يسأل الطبيب ولا عدداً الامثلة كلها. وإنما يسأل عالماً بالشرع. وأنا أعني التعميم الآن يسأل عالماً بالشرع، لكن العلماء بالشرع ينقسمون إلي أقسام: علماء بما يسمي اليوم بالفقه المقارن فيقول لك قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا

فيجعلك في حيرة، علي كل حال سؤالك إياه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من كان عالماً أو متخصصاً باللغة العربية. لكن إذا كنت تعلم أن هناك رجلاً آخر عالماً بالشرع لكنه يفتي علي الراجح من أقوال العلماء بناء علي الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السلف، لا شك أنك تطمئن لهذا أكثر من الأول. وهكذا.

الآن ندخل في ما نحن بصدده. الان كما قلت اختلف الأقوال وبعضهم يرد علي بعض. الشئ الذي ينبغي أن يلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقي، وأنا لا أريد لنفسي وإن كان هذا يتعلق بي تماماً، لكن هذا مثل للقاعدة العلمية التي ينبغي للعالم _ عفواً لطالب العلم _ أن ينطلق منها.

عندنا مثلاً الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة.. عندنا الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله، وعندنا هذا الرجل الذي ابتلي الشعب الأردني بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف، يقول مثلاً عن الشيخ ابن باز بأنه: لا علم عنده بالتوحيد.

أنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متي عرف هذا الرجل بالعلم حتي يعتمد عليه والشيخ ابن باز يملا علمه العالم الإسلامي.

إذاً هنا أحد شيئين إما الجهل أو اتباع الهوي. فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل. هذا الرجل ابن اليوم في العلم، ما أحد عرفه ولا أحد شهد له لا من العلماء المهتدين، ولا من العلماء الضالين، ما أحد شهد له بأنه رجل عالم. فلماذا يلتف حوله هؤلاء الشباب أحد شيئين: إما أنهم لا يعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلي اليوم..صحابيان اختلفا، رجل من الأولين السابقين وآخرون اتبعهم بإحسان بالفتح وغيره ممن تأخروا بالإسلام، هؤلاء أهل علم

وهؤلاء أهل علم.. لكن هؤلاء من السابقين الأولين. فهنا نفس القضية تمشئ تماماً.. رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وينشر العلم ويعترف بعلمه وفضله.. وآخر لا قيمة له ولا يعترف بعلمه وليس له منزلة علمية إطلاقاً في بلده فضلاً عن بلاد أخري.

إذاً من هنا يأخذ الإنسان منهج ممن يتلقي العلم، أمن هذا الحدث أو من ذاك الرجل الفاضل الذي ملا بعلمه الدنيا.

نأتي الان إلي صلب سؤالك..والله اختلفت الأقوال الآن بعضهم يرد علي بعض.. وأنا أقول إخواننا طلبة العلم مع الأسف الشديد ينطبق عليهم ما ينطبق علي هؤلاء المغشوشين مثل السقاف.. تركوا العلماء قديماً وحديثاً والتفوا حوله وهو ابن اليوم لا أقول في العلم..في طلب العلم، وربما لا يصدق عليه ذلك!!

اهل البيت ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه

روي المجلسي في بحار الأنوار:4/38:

15 _ يد: أبي عن محمد العطار عن ابن عيسي عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

وروي الكليني في الكافي:1/95 باب في إبطال الرؤية:

1 _ محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلي أبي محمد عليه السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع عليه السلام: يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلي آبائي أن يري. قال وسألته: هل رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه؟ فوقع عليه السلام: إن الله تبارك وتعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. انتهي. ورواه المجلسي

في بحار الأنوار:4/43

وروي الكليني في الكافي:1/95:

2 _ أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيي قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتي بلغ سؤاله إلي التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسي ولمحمد الرؤية.

فقال أبو الحسن عليه السلام: فمن المبلغ عن الله إلي الثقلين من الجن والإنس: لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شئ أليس محمد! قال: بلي. قال: كيف يجي رجل إلي الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلي الله بأمر الله فيقول: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شئ، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو علي صورة البشر! أما تستحيون! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشئ ثم يأتي بخلافه من وجه آخر!

قال أبو قرة: فإنه يقول: ولقد رآه نزلة أخري.

فقال أبو الحسن عليه السلام: إن بعد هذه الآية ما يدل علي ما رأي حيث قال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأي فقال: لقد رأي من آيات ربه الكبري، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: ولا يحيطون به علماً، فإذا رأته الابصار فقدأحاطت به العلم ووقعت المعرفة!

فقال أبو قرة: فتكذِّب بالروايات!

فقال أبو الحسن عليه السلام: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار،

وليس كمثله شي. انتهي.

وقال في هامشه: إعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالي عن ذلك علي أقوال: فذهب المشبهة والكرامية إلي جواز رؤيته تعالي في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالي عندهم جسماً! وذهب الأشاعرة إلي جواز رؤيته تعالي في الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمكان. وذهب المعتزلة والإمامية إلي امتناعها في الدنيا والآخرة، وقد دلت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والأخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم علي امتناعها مطلقاً كما ستعرف، وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي قدس سره كتاباً أسماه: كلمة حول الرؤية فجاء _ شكر الله سعيه _ وافياً كما يهواه الحق ويرتضيه الإنصاف ونحن نذكر منه بعض الأدلة العقلية:

منها: أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه، ولابد أن يكون مقابلاً لعين الرائي، وكل ذلك ممتنع علي الله تعالي مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن الرؤية التي يقول الأشاعرة بإمكانها ووقوعها، إما أن تقع علي الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي، وإما أن تقع علي بعضه فيكون مبعضاً مركباً متحيزاً، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن كل مرئي بجارحة العين مشار إليه بحدقتها، وأهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالي عن أن يشار إليه بحدقة، كما ينزهونه عن الإشارة إليه بإصبع أو غيرها.

ومنها: أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل أشعة البصر بالمرئي، ومنزهوا الله تعالي

من الأشاعرة وغيرهم مجمعون علي امتناع اتصال شئ ما بذاته جل وعلا.

ومنها: أن الإستقراء يشهد أن كل متصور لابد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً، من أشياء محسوسة أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها، فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة، والثاني كقول القائل: أعلام ياقوت نشرن علي رماح من زبرجد، ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً من عدة أشياء أدركه البصر. والثالث: كالالم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكناً. انتهي. وروي النيسابوري في روضة الواعظين/33 حديث أبي قرة المتقدم. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/36 وقال في/37: قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأي راجعاً إلي النبي صلي الله عليه وآله وإلي الفؤاد.

قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأي ببصره من صورة جبرئيل، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه. والمعني لم يكن تخيلاً كاذباً، ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرأ: ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. أفتمارونه علي ما يري أفتجادلونه عليه، من المراء وهو المجادلة. انتهي.

قوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالي والثاني جبرئيل عليه السلام والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهي. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخري فيحتمل نزوله

صلي الله عليه وآله ونزول مرئية. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها علي جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلي هذا الوجه في الخبر السابق. وروي مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأي قال: رأي جبرئيل عليه السلام له ستمائة جناح. وروي أيضاً بإسناده عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخري قال: رأي جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر، وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلي الفؤاد، فعلي تقدير إرجاع الضمير إلي الله تعالي أيضاً لافساد فيه.

الرابع: أن يكون علي تقدير ارجاع الضمير إليه عليه السلام وكون المرئي هو الله تعالي والمراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الانكشاف.

وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

قوله عليه السلام: حيث قال، أي أولاً قبل هذه الآية، وإنما ذكر عليه السلام ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضاً، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها.

قوله عليه السلام: وما أجمع المسلمون عليه، أي اتفق المسلمون علي حقية مدلول ما في الكتاب مجملاً. والحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا تعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها.

ثم اعلم أنه عليه السلام أشار في هذا الخبر إلي دقيقة غفل عنها الأكثر وهي أن الأشاعرة

وافقونا في أن كنهه تعالي يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية، حتي أن المحقق الدواني نسبه إلي الأشاعرة موهماً اتفاقهم عليه وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب، فأشار عليه السلام إلي أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالي من السمع ينفي الرؤية أيضاً، فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالي، بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالي.

الامام الكاظم والإمام الرضا يكشفان تحريف حديث النزول

قال الصدوق في كتابه التوحيد/183:

18 _ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق قدس سره قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسي بن جعفر (عليهما السلام) قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالي ينزل إلي السماء الدنيا فقال: إن الله تبارك وتعالي لا ينزل ولا يحتاج إلي أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالي ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلي نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلي من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له علي حد فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

وقال الصدوق في كتابه التوحيد/176:

7 _ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق

(رض) قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسي أبو تراب الروياني، عن عبدالعظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: إن الله تبارك وتعالي ينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) كذلك، إنما قال صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي يُنْزِلُ ملكاً إلي السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الاخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتي يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلي محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وآله.

مذاهب السنيين في الألوهية والتوحيد

كيف نشأت هذه المذاهب؟

عندما قبل إخواننا السنة أحاديث الرؤية والتشبيه، تورطوا فيها، وانقسموا في تفسيرها منذ القرن الأول إلي أربعة مذاهب وأكثر، وقد ولدت هذه المذاهب العقائدية قبل أن تتكون مذاهبهم الفقهية بمدة طويلة، بقيت حاكمة علي أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم إلي يومنا هذا!

المذهب الأول: مذهب المتأولين الذين يوافقون مذهب أهل البيت عليهم السلام تقريباً، ويدافعون عن تنزيه الله تعالي ويجعلون الاساس الآيات المحكمة في التوحيد مثل قوله تعالي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) و (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) ويقولون بتأويل كل نص يظهر منه التشبيه أو الرؤية بالعين، لينسجم مع حكم العقل وبقية الآيات والأحاديث.

المذهب الثاني: مذهب التفويض وتحريم

التأويل، ومعناه تجميد تفسير آيات الصفات وأحاديثها، وتفويضها إلي الله تعالي، وتحريم الكلام في معانيها مطلقاً. وهو مذهب عدد من قدامي رواة الأحاديث، وقليل من المتأخرين.

المذهب الثالث: مذهب تحريم التأويل ووجوب تفسير آيات الصفات وأحاديثها بمعناها الظاهري الحسي، والقول بأن لله تعالي يداً ووجهاً ورجلاً وجنباً بالمعني اللغوي المعروف، غاية الأمر أنهم لايقولون إن شكل ذلك مثل جوارح الإنسان، وهو مذهب اليهود وكعب الأحبار ومن وافقهم من الصحابة، وهو المجسمة من الحنابلة، الذي تعصب له ابن تيمية والذهبي والوهابيون، وادعوا أنه مذهب السلف وأهل السنة.

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب، والمذبذبين، والمتحيرين، وهم أنواع ثلاثة.

والظاهر أن لقب (المتاولة) الذي يطلقه السنة علي الشيعة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، جاء من هؤلاء المجسمة الذين كانوا يكفرون الشيعة وغيرهم، لانهم يقولون بتأويل أحاديث الصفات.. ومع أن التأويل موجود عند إخواننا السنة بل أكثرهم (متاولة) إلا أن نبز هذا اللقب وَسُبَّتَهُ بقيت من نصيب شيعة أهل البيت المظلومين، وبقيت كلمة (مِتْوَالي) بكسر الميم في ذهن كثير من عوام السنة أسوأ من كلمة كافر!

ونكتفي هنا بالاشارة إلي هذه المذاهب، وبما كتبناه في (الوهابية والتوحيد)

نعم لابد من ذكر شيء عن أصحاب المذهب الرابع:

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب والمذبذبين والمتحيرين

الإنتقال من مذهب فقهي إلي مذهب آخر أمر طبيعي يكثر حدوثه في المسلمين، وكذا الإنتقال من مذهب عقائدي إلي مذهب آخر. ونلاحظ في مسألتنا أن المنتقلين من مذهب عقائدي إلي مذهب آخر كثيرون. كما نلاحظ ظاهرةً ثانية عند بعضهم هي الجمع بين التأويل والتفويض فتري أحدهم متأولاً تارة مفوضاً أخري. والظاهر أن ذلك كان أمراً شائعاً ومقبولاً عند القدماء، لأنهم يجوزون الأمرين.

ولكن تبقي ظاهرة التناقض بين التأويل والتفويض والحمل علي

الظاهر عند أصحاب الظاهر، أمراً لا يقبل الحل، لأنهم حرموا التأويل والتفويض وهاجموا الآخرين بسببه بل كفروهم، ثم ارتكبوا ما حرموه. وفيما يلي نماذج من التهافت عند أهل هذه المذاهب، فبدؤها بما ذكره ابن تيمية عن تهافت آراء ابن فورك، في حين نسي هو تهافت آرائه، قال ابن تيمية في تفسيره:6/108:

فصل. أقوال الفرق في صفات الله تعالي... هذا مع أن ابن فورك هو ممن يثبت الصفات الخبرية كالوجه واليدين وكذلك المجي والإتيان موافقة لأبي الحسن فإن هذا قوله وقول متقدمي أصحابه، فقال ابن فورك فيما صنف في أصول الدين: فإن سألت الجهمية عن الدلالة علي أن القديم سميع بصير؟ قيل لهم: قد اتفقنا علي أنه من تستحيل عليه الآفات والحي إذا لم يكن مأووفاً بآفات تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات كان سميعاً بصيراً.

وإن سألت فقلت: أين هو؟ فجوابنا إنه في السماء كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك، فقال عز من قائل: أأمنتم من في السماء، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه، وإنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت: أين الله؟ لقالوا إنه في السماء، ولم ينكروا بلفظ السؤال ب_ (أين) لأن النبي(ص)سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال: أين الله؟ فقالت في السماء مشيرة بها. فقال النبي (ص): إعتقها فإنها مؤمنة، ولو كان ذلك قولاً منكراً لم يحكم بإيمانها ولانكره عليها، ومعني ذلك أنه فوق السماء لأن (في) بمعني (فوق) قال الله تعالي: فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أي فوقها.

قال ابن فورك: وإن سألت كيف هو؟ قلنا له: كيف سؤال عن صفته وهو ذو الصفات العلي، هو العالم الذي له العلم، والقادر الذي له القدرة، والحي الذي له الحياة، الذي لم يزل منفرداً

بهذه الصفات، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شئ.

(قلت) فهذا الكلام هو موافق لما ذكره الأشعري في كتاب الإبانة ولما ذكره ابن كلاب لما حكاه عنه ابن فورك، لكن ابن كلاب يقول إن العلو والمباينة من الصفات العقلية، وأما هؤلاء فيقولون: كونه في السماء صفة خبرية كالمجي والإتيان، ويطلقون القول بأنه بذاته فوق العرش وذلك صفة ذاتية عندهم. والأشعري يبطل تأويل من تأول الإستواء بمعني الإستيلاء والقهر بأنه لم يزل مستولياً علي العرش وعلي كل شئ، والاستواء مختص بالعرش، فلو كان بمعني الاستيلاء لجاز أن يقال (هو مستولياً (كذا) علي كل شئ وعلي الأرض وغيرها) كما يقال إنه مستول عليها، ولما اتفق المسلمون علي أن الإستواء مختص بالعرش، فهذا الإستواء الخاص ليس بمعني الإستيلاء العام، وأين للسلطان جعل الاستواء بمعني الغلبة والقهر وهو الإستيلاء فيشبه والله أعلم أن يكون اجتهاده مختلفاً في هذه المسائل كما اختلف اجتهاد غيره، فأبو المعالي كان يقول بالتأويل ثم حرمه، وحكي إجماع السلف علي تحريمه، وابن عقيل له أقوال مختلفة، وكذلك لأبي حامد والرازي وغيرهم.

ومما بين اختلاف كلام ابن فورك أنه في مصنف آخر قال: فإن قال قائل: أين هو فقال: ليس بذي كيفية فنخبر عنها إلا أن يقول: كيف صنعه؟ فمن صنعه أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو الصانع للاشياء كلها.

فهنا أبطل السؤال عن الكيفية، وهناك جوزه وقال: الكيفية هي الصفة وهو ذو الصفات، وكذلك السؤال عن الماهية. قال في ذلك المصنف: وإن سألت الجهمية فقلت ما هو يقال لهم (ما) يكون استفهاماً عن جنس أو صفة في ذات المستفهم، فإن أردت بذلك سؤالاً عن صفته فهو العلم والقدرة والكلام والعزة والعظمة.

سير أعلام النبلاء:10/610:

أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، سمعت نعيم بن حماد يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه.

قلت: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فقه، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان: تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها، وأمروها كما جاءت.

المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف عز وجل لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله: ليس كمثله شئ، فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية الباري تعالي الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة، نقر بها ونعتقد أنها حق، ولا نمثلها أصلاً ولا نتشكلها.

وقال الذهبي في سيره:20/80 _ 86:

التيمي الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبوالقاسم إسماعيل بن محمد... حدث عنه: أبوسعد السمعاني وأبو العلاء الهمذاني وأبوطاهر السلفي وأبو القاسم بن عساكر... قال أبو موسي المديني: أبوالقاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته وأستاذ علماء عصره وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال حياته... قال أبو موسي: ولا أعلم أحداً عاب عليه قولاً ولا فعلاً ولا عانده أحد إلا ونصره الله... وقال السلفي: وسمعت أبا الحسين بن الطيوري غير مرة يقول: ما قدم علينا من خراسان مثل إسماعيل بن محمد.

... وقد سئل أبو القاسم التيمي قدس سره: هل يجوز أن يقال لله حد أو لا، وهل جري هذا الخلاف في السلف؟ فأجاب: هذه

مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها وقلة وقوفي علي غرض السائل منها، لكني أشير إلي بعض ما بلغني: تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها أن حد كل شئ موضع بينونته عن غيره، فإن كان غرض القائل: ليس لله حد لا يحيط علم الحقائق به فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك لا يحيط علمه تعالي بنفسه فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضاً ضال.

قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعني صحيح فليس لنا أن نتفوه بشئ لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شئ من البدعة اللهم إحفظ علينا إيماننا.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء:19/443:

وقد بين شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل 8 _ 60 _ 61 نوع الخطأ الذي وقع فيه (ابن عقيل) فقال:

ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الخبرية وينكر علي من يسميها صفات ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه، وغيره من كتبه، واتبعه علي ذلك أبوالفرج ابن الجوزي في كف التشبيه بكف التنزيه، وفي كتابه منهاج الوصول.

وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد علي النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في كتابه الواضح وغيره. وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهي عنه كما فعله في كتابه الإنتصار لأصحاب الحديث، فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم ومدحور... ولابن عقيل من الكلام في

ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف كما قال في الفنون، ومن خطه نقلت ثم ذكر فصلاً مطولاً استوعب سبع صفحات من الكتاب فراجعه.

و صار الترمذي متأولا ذات يوم فكفره المجسمة

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/170-171:

... فهذا ابن القيم يقول في كتابه الصواعق المرسلة _ أنظر مختصر الصواعق 2 _ 275: وأما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم فقال شيخنا: [1] وهو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية... وهذا الخلال يقول في سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي [2] من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً قال يقعده علي العرش [3] فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه.

أقول: ومن العجيب الغريب أن الالباني ينكر هذا ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً، ويحكم علي هذا الاثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم 19: إسناده ضعيف!

فهل هؤلاء جهمية! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم!

ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد(ص) بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي(ص)، والدليل علي ما قلناه قول الخلال هناك/237:

(وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي (وهو مجهول بنظر المحقق): إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضيلة الرسول(ص)فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام)!

وقال/234 ناقلاً (وأنا أشهد علي هذا الترمذي أنه جهمي خبيث)!!

[1] يعني بشيخه: ابن تيمية كما لا ينتطح

في ذلك كبشان.

[2] مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذي قدس سره. ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني _ حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 في الهامش تعليق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك/232 فقال في الهامش التعليق رقم 8 (كنت أظنه جهم ولكن اتضح من الروايات أن يقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلي معرفته) فيا للعجب!!.

[3] وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد(ص)بجنب الله تعالي علي العرش! تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً! والدليل عليه قول الخلال هناك/244:حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد: قال: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، قال: يجلسه معه علي العرش، قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية.

و دافع رشيد رضا عن أكثر الحنابلة و جعلهم متأولة

قال في تفسير المنار:3/198-199:

... الصفات التي هي في الحادث انفعالات نفسية كالمحبة والرحمة والرضا والغضب والكراهة، فالسلف يقرونها علي ظاهرها مع تنزيه الله تعالي عن انفعالات المخلوقين، فيقولون إن لله تعالي محبة تليق بشأنه ليست انفعالاً نفسياً كمحبة الناس. والخلف يؤولون ما ورد من النصوص في ذلك فيرجعونه إلي القدرة أو إلي الإرادة فيقولون الرحمة هي الإحسان بالفعل أو إرادة الإحسان.

ومنهم من لا يسمي هذا تأويلاً بل يقولون إن الرحمة تدل علي الإنفعال الذي هو رقة القلب المخصوصة علي الفعل الذي يترتب علي ذلك الإنفعال، وقالوا إن هذه الألفاظ إذا أطلقت علي الباري تعالي يراد بها غايتها التي

هي أفعال دون مباديها التي هي انفعالات.

وإنما يردون هذه الصفات إلي القدرة والإرادة بناء علي أن إطلاق لفظ القدرة والإرادة وكذا العلم علي صفات الله إطلاق حقيقي لا مجازي.

والحق أن جميع ما أطلق علي الله تعالي فهو منقول مما أطلق علي البشر، ولما كان العقل والنقل متفقين علي تنزيه الله تعالي عن مشابهة البشر، تعين أن نجمع بين النصوص فنقول إن لله تعالي قدرة حقيقية ولكنها ليست كقدرة البشر، وإن له رحمة ليست كرحمة البشر، وهكذا نقول في جميع ما أطلق عليه تعالي جمعاً بين النصوص، ولا ندعي أن إطلاق بعضها حقيقي وإطلاق البعض الآخر مجازي، فكما أن القدرة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يجهل أثره كذلك الرحمة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يخفي أثره، وهذا هو مذهب السلف فهم لا يقولون إن هذه الالفاظ لا يفهم لها معني بالمرة، ولا يقولون إنها علي ظاهرها بمعني أن رحمة الله كرحمة الإنسان ويده كيده وإن ظن ذلك في الحنابلة بعض الجاهلين.

ومحققوا الصوفية لا يفرقون بين صفات الله تعالي ولا يجعلون بعضها محكماً إطلاق اللفظ عليه حقيقي، وبعضها متشابهاً إطلاقه عليه مجازي، بل كل ما أطلق عليه تعالي فهو مجاز.

ثم تبني رشيد رضا رأي الغزالي مع أنه كاد أن يكفر الحنابلة

للغزالي رسالة إسمها (إلجام العوام عن علم الكلام) حرم فيها علي العوام حتي السؤال عن معني أحاديث الرؤية والتجسيم، وقد تبناها الشيخ رشيد رضا ونقلها كلها في تفسيره قال في:3/207-208:

وللإمام الغزالي تفصيل في كيفية الإستعمال وتحقيق في هذا البحث قاله بعد الرجوع إلي مذهب السلف (!) فننقله هنا من كتابه (إلجام العوام عن علم الكلام) وهو: الباب الأول في شرح اعتقاد السلف في هذه الأخبار:

إعلم أن الحق

الصريح الذي لأمراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين، وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه فأقول: حقيقة مذهب السلف _ وهو الحق عندنا _ أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس، ثم التصديق، ثم الإعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الامساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة.

أما التقديس فأعني به تنزيه الرب تعالي عن الجسمية وتوابعها.

وأما التصديق فهو الإيمان بما قاله(ص)، وأن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق، وأنه حق علي الوجه الذي قاله وأراده.

وأما الإعتراف بالعجز، فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست علي قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.

وأما السكوت فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر.

وأما الإمساك فأن لا نتصرف في تلك الالفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخري والزيادة فيه والنقصان منها والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلي ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة.

وأما الكف فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه.

وأما التسليم لأهله فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي علي رسول الله(ص)أو علي الأنبياء أو علي الصديقين والأولياء.

فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها علي كل العوام، لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شئ منها، فلنشرحها وظيفة وظيفة إن شاء الله تعالي... انتهي.

ومع أن الغزالي أنزل بالعوام هذه الفتاوي الشديدة منعاً لهم من تكذيب روايات السلف وأشاد بالسلف مدعياً أن ما يقوله

هو مذهبهم، لكنه قدم تأويلاً لها مخالفاً للحنابلة والسلف وهاجم اتجاههم في تحريم التأويل والميل إلي التشبيه حتي جعل منهم عبدة أصنام!

قال في/209:

الوظيفة الأولي التقديس ومعناه: أنه إذا سمع اليد والأصبع وقوله (ص): إن الله خمر طينة آدم بيده وإن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين: أحدهما هو الوضع الأصلي وهو عضو مركب من لحم وعظم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة، أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحي عن ذلك المكان. وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعني آخر ليس ذلك المعني بجسم أصلاً كما يقال البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلاً.

فعلي العامي وغير العامي أن يتحقق قطعاً ويقيناً أن الرسول عليه السلام لم يرد بذلك جسماً هو عضو مركب من لحم ودم وعظم وأن ذلك في حق الله تعالي محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم! فإن كل جسم فهو مخلوق وعبادة المخلوق كفر وعبادة الصنم كان كفراً لأنه مخلوق وكان مخلوقاً لأنه جسم، فمن عبد جسماً فهو كافر بإجماع الأئمة، السلف منهم والخلف، سواء كان ذلك الجسم كثيفاً كالجبال الصم الصلاب أو لطيفاً كالهواء والماء، وسواء كان مظلماً كالأرض أو مشرقاً كالشمس والقمر والكواكب، أو مشفاً لالون له كالهواء، أو عظيماً كالعرش والكرسي والسماء، أو صغيراً كالذرة والهباء، أو جماداً كالحجارة، أو حيواناً كالإنسان. فالجسم صنم، فبأن يقدر حسنه وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه

صنماً.

ومن نفي الجسمية عنه وعن يده وإصبعه، فقد نفي العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ليعتقد بعده أنه عبارة عن معني من المعاني ليس بجسم ولا عرض في جسم يليق ذلك المعني بالله تعالي، فإن كان لا يدري ذلك المعني ولا يفهم كنه حقيقته فليس عليه في ذلك تكليف أصلاً، فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه، بل واجب عليه أن لا يخوض فيه. انتهي. وبذلك وافق الغزالي ورشيد رضا مذهبنا ومذهب المتأولين، وخالف المفوضة وأهل الظاهر!

و كل علماء السنة حتي المجسمة يصيرون متأولة عند الحاجة

كل المجسمة من الأشاعرة والحنابلة والوهابيين الذين حرموا التأويل، وأنكروا وجود المجاز في القرآن، وأوجبوا حمل ألفاظه وألفاظ أحاديث الصفات علي معانيها الظاهرة الحقيقية، بل حتي أولئك الذين حكموا بأن المتاولة أهل ضلالة وبدعة وكفر وحذروا منهم..كلهم يصيرون متأولة من الدرجة الأولي عندما يقعون في مأزق الآيات والأحاديث التي تخالف مذهبهم وتنفي إمكان الرؤية بالعين والتشبيه والتجسيم كقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ... لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا... لَنْ تَرَانِي.. إلخ. وهكذا نجد أن إخواننا الذين نبزونا بألفاظ (متاولة، متوالي، بني متوال) يقومون هم بتأويل جميع الآيات والأحاديث المخالفة لمذهبهم جهاراً نهاراً وجوباً قربة إلي الله تعالي، من أجل الدفاع عن أحاديث الرؤية بالعين وظاهر الآيات المتشابهة فيها!

وهكذا يسقط منهجهم العلمي بتحريمهم التأويل في بعض الآيات والأحاديث وتحليله في بعضها! وكان الأولي بهم أن لا يلقوا أنفسهم في هذا المأزق ويتأولوا الآيات التي يوهم ظاهرها الرؤية من أول الأمر من أجل الجمع المنطقي بينها وبين الآيات النافية للرؤية.

وإذا سألتهم: لماذا أوجبتم الأخذ بظاهر هذه المجموعة من الآيات والأحاديث وحرمتم تأويلها، وأوجبتم تأويل تلك المجموعة وحرمتم الأخذ بظاهرها! فليس عندهم جواب،

إلا أنهم أرادوا المحافظة علي ظواهر آيات الرؤية بالعين وأحاديث الاحاد، مهما كلفهم ذلك من تناقض في المنهج العلمي، فالمهم عندهم أن لا تنخدش روايات الرؤية بالعين عن كعب الأحبار ومن قلده من الخلفاء!

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/148:

ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح 13-432: فمن أجري الكلام علي ظاهره أفضي به الأمر إلي التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها. انتهي.

وقد تبني ابن تيمية والوهابيون هذا الحل (الشرعي) فحكموا بوجوب تصديق هذه الروايات وتحريم تأويلها حتي لو أدت إلي التجسيم، ثم هجموا علي روايات التنزيه ونفي التجسيم بمعول التأويل!

وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/156-159:

وقد نقل الحافظ ابن جرير في تفسيره 27 _ 7 تأويل لفظة (أيد) الواردة في قوله تعالي: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، بالقوة أيضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان... ومما يجدر التنبيه عليه هنا ولا يجوز إغفاله أن هؤلاء القوم الذين يحاربون التأويل ويزعمون أنه ضلال وبدعة وتحريف للقرآن والسنة هم أنفسهم يؤولون ما لا يوافق آراءهم من نصوص الكتاب والسنة في مسائل الصفات! فنراهم يؤولون مثل قوله تعالي: وهو معكم وقوله تعالي: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لَكِنْ لا تُبْصِرُونَ، وقوله تعالي: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَي ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ، وقوله تعالي: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَ أَرَي، وقوله تعالي: وَهُوَ مَعَكُمْ، إلي غير ذلك من نصوص واضحة!

فإذا كان هذا قرآن وذاك قرآن فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر هذا دون ظاهر ذاك وكله قرآن؟! ولماذا جوزوا تأويل ظاهر هذا دون ذلك؟!

... روي

الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول: احتجوا علي يوم المناظرة فقالوا: تجئ يوم القيامة سورة البقرة... الحديث قال فقلت لهم: إنما هو الثواب. اه_. فتأمل في هذا التأويل الصريح... نقل الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات/470 عن البخاري أنه قال: معني الضحك: الرحمة اه_. وقال الحافظ البيهقي/298: روي الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: معني الضحك فيه _ أي الحديث _ الرحمة اهفتأمل. وقد نقل هذا التأويل أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6-40.

وقال التلمساني في نفح الطيب:8/34:

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة. وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفه فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي علي جواز رؤية الله تعالي قال قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، فنظر بعض المعتزلة إلي بعض وقالوا: جن القاضي! وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا علي مذهبهم وهو ساكت ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك الحائط لا يبصر قالوا: لا... قال فلا يصح إذا نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا: نعم، قال فكذلك قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، لو لا جواز إدراك الابصار له لم يصح نفيه عنه! انتهي.

وهكذا نري أن الذين حرموا التأويل وكفروا المسلمين بسببه، أفرطوا في ارتكابه ووصلوا به إلي حد السفسطة، فأولوا النفي الصريح بالاثبات، ولم يبق عليهم إلا أن يؤلوا (لا إله إلا الله) بوجود عدة آلهة مع الله سبحانه وتعالي عما يصفون. وسوف تري مزيداً من فنونهم في تأويل آيات نفي الرؤية والتنزيه، عند استعراض تفسيرها، إن شاء الله تعالي.

ونختم بما قاله الشيخ محمد

رضا جعفري في بحث الكلام عند الإمامية/151 من مجلة تراثنا عدد 30:

قال أبو الفرج ابن الجوزي: «واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباري سبحانه علي مقتضي الحس فشبهوا، لانهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه علي مقتضي الحكم..» [1] .

وقال أيضاً: «واعلم أن الناس في أخبار الصفات علي ثلاث مراتب: إحداها، إمرارها علي ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل، إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالي (وَجَاءَ رَبُّكَ) [2] أي: جاء أمره، وهذا مذهب السلف.

والمرتبة الثانية، التأويل، وهو مقام خطر.

والمرتبة الثالثة، القول فيها بمقتضي الحس، وقد عمَّ جهلة الناقلين [3] ، إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يعرف بها ما يجوز علي الله تعالي وما يستحيل، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموا تصرفوا في النقل بمقتضي الحس» [4] .

وقال تقي الدين ابن تيمية، راداً علي من قال: إن أكثر الحنابلة مجسمة ومشبهة: «المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، فهؤلاء أصناف الأكراد، كلهم شافعية، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية، وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم، والكرامية كلهم حنفية». [5] ولست أقر ابن تيمية علي دفاعه عن أهل مذهبه ولكني أسكت عنه.

4 _ نماذج مختارة: وكنموذج لما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء، وأقدم لكل منهم بعض الترجمة كي لا يتهمني متهم بأني عثرت علي مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدثين:

1 _ إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم، أبو يعقوب

الحنظلي المروزي، ابن راهويه النيسابوري (161/778 ت 238/853).

قال الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلي العراق، والحجاز، واليمن، والشام... وورد بغداد وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلي خراسان فاستوطن نيسابور إلي أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين. وهكذا قال المزي والسبكي. وهو شيخ البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وبقية بن الوليد، ويحيي بن آدم-وهما من شيوخه _ وأحمد بن حنبل، وإسحاق الكوسج، ومحمد بن رافع، ويحيي بن معين _ هؤلاء من أقرانه _ وجماعة.

قال نعيم بن حماد: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه.

وقال النسائي: أحد الأئمة، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمين. وقال ابن حبان: وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونظراً، ممن صنف الكتب، وفرع السنن، وذب عنها، وقمع من خالفها، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبدالله الحاكم: إمام عصره في الحفظ والفتوي. وقال أبو نعيم الأصبهاني: كان إسحاق قرين أحمد[ بن حنبل ]وكان للآثار مثيراً، ولأهل الزيغ مبيراً.

وقال الذهبي: الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الإجتهاد. [6] .

أبو عيسي الترمذي _ بعد أن أخرج الروايات التي تقول: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه... الحديث _ قال: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالي كل ليلة إلي

السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبدالله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عزوجل في غير موضع من كتابه: اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها علي غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معني اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم [7] : إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما إذا قال _ كما قال الله تعالي: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله تعالي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). [8] .

2 _ أبوبكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (223/838 _ 311/924) قالوا عنه: إنه كان إمام نيسابور في عصره، فقيهاً، مجتهداً، بحراً من بحور العلم، اتفق أهل عصره علي تقدمه في العلم، ولقبه الصفدي، واليافعي، والذهبي، والسبكي، وابن الجزري، والسيوطي، وابن عبدالحي بإمام الأئمة. وقال الدار قطني: كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير: هو من المجتهدين في دين الإسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني: وجماعة[ من المحدثين ]ينسبون إليه، يقال لكل واحد منهم خزيمي[ فهو إمام مدرسة حدثية ]. وهذا بعض ما قيل فيه: [9] .

أثبت ابن خزيمة الوجه لله سبحانه، وقال: (ليس معناه أن يشبه

وجهه وجه الآدميين، وإلا لكان كل قائل إن لبني آدم وجهاً، وللخنازير، والقردة، والكلاب... - إلي آخر ما عدد من الحيوانات - وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب...) [10] .

وذكر مثل هذا في العين، واليد، والكف، واليمين، وقال: إن عيني الله لا تشبهان أي عين لغيره، وأضاف: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثري وتحت الأرض السابعة السفلي وما في السماوات العلي وما بينهما ونزيد شرحاً وبياناً ونقول: عين الله عزوجل قديمة لم تزل باقية، ولا يزال محكوم لها بالبقاء منفي عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم محدثة، كانت عدماً غير مكونة فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته...»[11] .

وقال: إن لله يدين ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة فأي تشبيه!... [12] ونفي التأويل عن كل هذا، خاصة تأويل اليد بالنعمة أو القوة. [13] .

وذكر «أن كلام ربنا عزوجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل لا سكت بينه ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامه سكت وسمت لانقطاع النفس، أو التذاكر، أو العي...»[14] .

3 _ عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي، التميمي، السجستاني (ح 199/ 815-280/894) الإمام العلامة الحافظ، الناقد الحجة، وكان جذعاً وقذئ في أعين المبتدعة، قائماً بالسنة، ثقة، حجة، ثبتاً. وقيل فيه: كان إماماً يقتدي به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم، وعده الحنابلة من أصحاب ابن حنبل [15] .

قال الدارمي بأن لله مكاناً حده، وهو العرش [16] و (هو بائن من خلقه فوق عرشه بفرجة بينه في هواء الآخرة، حيث لا خلق معه هناك غيره، ولا فوقه سماء)

[17] وقال (قد عينا له مكاناً واحداً، أعلي مكان، وأطهر مكان، وأشرف مكان: عرشه العظيم فوق السماء السابعة العليا، حيث ليس معه هناك إنس ولا جان، ولا بجنبه حش، ولا مرحاض، ولا شيطان. وزعمت أنت [18] والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان، وكل حش ومرحاض، وبجنب كل إنسان وجان! أفأنتم تشبهونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!) [19] .

وقال (ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسه مسيساً كما ادعيت، لم يجز أن يقال (لله): بيدك الخير...) [20] وأحال في ذلك كل معني أو تأويل من نعمة أو قوة إلا اليدين [21] (بما لهما من المعني، وهو العضو الخاص المحسوس)، (وأن لله إصبعين، من غير تأويل بمعني آخر) [22] (والقدمان قدمان من غير تأويل) [23] (غير أنا نقول، كما قال الله (وَيَبْقَي وَجْهُ رَبِّكَ) [24] إنه عني به الوجه الذي هو الوجه عند المؤمنين، لا الأعمال الصالحة، ولا القبلة...) [25] وإن نفي التشبيه إنما هو بأن يكون لله كل هذا، ولكن لا يشبه شئ منه شيئاً مما في المخلوقين) [26] .

[1] تلبيس ابليس: ط ادارة الطباعة المنيرية، القاهرة: 1368/116.

[2] الفجر 89:: 22.

[3] ويقصد بهم المحدثين.

[4] دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: 1976/73-74.

[5] المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2:1392/1972، 1/418.

[6] التاريخ الكبير 1-379-380 = 1209، التاريخ الصغير 2/368، الجرح والتعديل 1-1 (2) 209-210= 714، ابن حبان، الثقات 8/115-116، طبقات الحنابلة 1/109 = 122، المنهج الاحمد 1/108-109 = 43،تاريخ بغداد 6/345-335 = 3381، حلية الأولياء 9/234-238 ابن خلكان 1/199-201، الانساب 6/56 _57، السبكي، طبقات الشافعية 2/83-93،

ميزان الاعتدال 1/182-183 = 733، سير أعلام النبلاء 11/358 _382، تذكرة الحفاظ 2/433-435، العبر 1/426، الوافي بالوفيات 8/386-388 = 3825، طبقات الحفاظ /188-189 = 419، ابن كثير 10/317، تهذيب التهذيب 1/216-219 = 408، تهذيب الكمال 2/373-388 _332، طبقات المفسرين 1/102-103، شذرات الذهب 2/89.

[7] هو إسحاق بن راهويه-عارضة الأحوذي: 3/332.

[8] الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) 3/50-51 أي 662.

[9] الذهبي سير أعلام النبلاء: 14/365-382، تذكرة الحفاظ: 2/720-731، العبر: 2/149، السمعاني، الانساب: 5/124، ابن الاثير، اللباب: 1/442، ابن الجوزي، المنتظم: 6/184-186، ابن كثير، البداية والنهاية،11/149، السبكي، طبقات الشافعية: 3/109-119، الصفدي، الوافي بالوفيات: 2/196، اليافعي، مرآة الجنان:2/264، ابن عبد الحي، شذرات الذهب: 2/262-263، السيوطي، طبقات الحفاظ: 310-311، ابن الجزري،طبقات القراء: 2/97-98.

[10] التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلق عليه محمد خليل هراس، المدرس بكلية أصول الدين (بالأزهر)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة: 1387/1968، /23.

[11] المصدر/50 _52.

[12] المصدر/82-85.

[13] المصدر/85-87.

[14] المصدر/145.

[15] سير أعلام النبلاء: 13/319-326، تذكرة الحفاظ: 2/621-622، العبر: 2/64، مرآة الجنان: 2/193، ابن كثير 11/69، طبقات الشافعية: 2/302-306، طبقات الحفاظ: 274، طبقات الحنابلة: 1/221، شذرات الذهب: 2/176.

[16] الرد علي بشر المريسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمار جمعي الطالبي، منشأة المعارف الاسكندرية، مصر: 1971/382.

[17] المصدر/439.

[18] يخاطب به بشر المريسي، الذي يرد عليه الدارمي، وهو بشر بن غياب المريسي، البغدادي، الحنفي (ح 138/755-218/833) من أعلام الحنفية، وممن نادي بخلق القرآن ودافع عنه، وعن كثير من آراءالمعتزلة.

[19] المصدر/454.

[20] المصدر/387.

[21] (بما لهما من المعني، وهو العضو الخاص المحسوس) المصدر/398.

[22] المصدر/420.

[23] المصدر/423-424، 427-428.

[24] الرحمن 55/27.

[25] المصدر/516.

[26] المصدر/432-433، 508.. انتهي.

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالي علي صورة بشر

صحيح

مسلم:8/32:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم علي صورته..

فردوس الأخبار للديلمي:2/299:

أبو هريرة: خلق الله عز وجل آدم علي صورته وطوله ستون ذراعاً... فكل من يدخل الجنة علي صورة آدم ستون ذراعاً فلم تزل تنقص بعده حتي الان. انتهي. ونحوه في:5/165 ونحوه في مصابيحه:3/266

مختصر تاريخ دمشق:3 جزء 5/125:

عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: خلق الله آدم علي صورته طوله سبعون ذراعاً... إلي آخره. وقد تقدم تكذيب الإمام مالك لهذا الحديث وغيره من أحاديث رؤية الله تعالي بالعين، من سير أعلام النبلاء:8/103

وروي ابن حجر في لسان الميزان:3/299: صيغة معقولة لهذا الحديث قال:... العلاء بن مسلمة، حدثنا عبدالله بن سيف، ثنا إسماعيل بن رافع، عن المقبري، عن أبي هريرة (رض) مرفوعاً: لا يضربن أحدكم وجه خادمه ولا يقول لعن الله من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم علي صورة وجهه. انتهي. فهل يقبلها اخواننا ويخلصون أنفسهم من ورطة التجسيم.

لجنة الافتاء الوهابية:3/368 فتوي رقم 2331:

س 1: عن أبي هريرة (رض) عن النبي(ص) أنه قال: خلق الله آدم علي صورته ستون ذراعاً، فهل هذا الحديث صحيح؟

ج: نص الحديث: خلق الله آدم علي صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال: إذهب فسلم علي أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع فما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة علي صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلي الآن. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح ولا غرابة في متنه فإن له معنيان:

الأول: أن الله لم يخلف آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتي بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً علي صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً.

والثاني: أن الضمير في قوله (علي صورته) يعود علي الله بدليل ما جاء في رواية أخري صحيحة: علي صورة الرحمن وهو ظاهر السياق ولا يلزم علي ذلك التشبيه، فإن الله سمي نفسه بأسماء سمي بها خلقه، ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه وكذا الصورة، ولا يلزم من إتيانها لله تشبيهه بخلقه لأن الاشتراك في الاسم وفي المعني الكلي لا يلزم منه التشبيه فيما يخص كلا منهما، لقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

و قالوا له سمع و بصر كسمع الإنسان و بصره

سنن أبي داود:2/419:

... مولي أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلي أَهْلِهَا.. إلي قوله تعالي سميعاً بصيراً، قال: رأيت رسول الله (ص) يضع إبهامه علي أذنه والتي تليها علي عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله(ص)يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس قال المقريء: يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً، قال أبو داود: وهذا رد علي الجهمية. انتهي. ورواه في:2/233، وكأن قصد أبي داود أن الجهمية أفرطوا في التنزيه، فيجب أن نرد عليهم بالتجسيم!

و قالوا له عينان مثل الإنسان و هما سالمتان

صحيح البخاري:2 جزء 4/141:

قال عبدالله (يعني ابن عمر) ذكر النبي (ص) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور العين. انتهي. وقد فسرها الوهابيون وأسلافهم، بأن الله تعالي له عينان سالمتان! ورواه البغوي في مصابيحه:3/497، 507 عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص) ثم ذكر الدجال: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور. عن عباده ابن الصامت عن رسول الله (ص): إن المسيح الدجال رجلٌ قصير أفجح جعد أعور، وإن ربكم ليس بأعور.

و قالوا له أيدي و أعين و رجلان

قال ابن حزم في المحلي:1/33:

مسألة: وإن لله عز وجل عزاً وعزة وجلالاً وإكراماً، ويداً ويدين وأيدياً (كذا) ووجهاً وعيناً وأعيناً، وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه ولا من علمه تعالي وقدره وقوته إلا إلي الله تعالي لا إلي شئ غير الله عز وجل أصلاً، نقر من ذلك مما في القرآن وما صح عن رسول الله(ص)، ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة.

قال عز وجل: ذُو الْجَلالِ وَ الإكْرَامِ وقال تعالي: يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، لما خلقت بيدي، ومما عملت أيدينا أنعاماً، إنما نطعمكم لوجه الله، ولتصنع علي عيني، إنك بأعيننا. ولا يحل أن يقال عينين لأنه لم يأت بذلك نص، ولا أن يقال سمع وبصر ولا حياة، لأنه لم يأت بذلك نص لكنه تعالي سميع بصير حي قيوم. انتهي.

ولعل ابن حزم لم يطلع علي نص العينين وحديث السمع والبصر وغيرها، وإلا لقال بها!

و قالوا قد يكون له أذن و قد يكون بلا أذن

فتاوي الالباني/344:

سؤال السائل: صفة الاذن لله، موقف أهل السنة والجماعة منها؟

جواب: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف... السلفيون مستريحون من هذه الكيفية يعني استراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه... وأن العين: صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله.

و قالوا له جنب و حقو

تفسير الطبري:26/36:

عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال خلق الله الخلق فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة... ورواه البغوي في مصابيحه:3/350.

وقال الشاطبي في الاعتصام:2/303:

قول من زعم: أن لله سبحانه وتعالي جنباً مستدلاً بقوله: أن تقول نفس يا حسرتا علي ما فرطت من جنب الله.

و قالوا إنه يمشئ و قد يركض و يهرول

فتاوي الألباني/506:

سؤال: حول الهرولة، وهل أنكم تثبتون صفة الهرولة لله تعالي؟

جواب: الهرولة كالمجئ والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها.

فتاوي ابن باز:5/374:

... ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه: من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشئ أتيته هرولة... أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة... انتهي.

و قالوا إنه تعالي يري بالعين في الدني

الفرق بين الفرق للبغدادي/294:

وأجمع أهل السنة علي أن الله تعالي يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة، من طريق الخبر..

مسند أحمد:4/66:

... عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي(ص)أن رسول الله(ص)خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعي وأتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة، قال يا محمد، قلت لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قلت لا أدري أي رب! قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتي تجلي لي ما في السموات وما في الأرض، ثم تلا هذه الآية: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. انتهي. ورواه في:5/378، وستأتي بقية رواياته في تفسير قوله تعالي (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي).

و قالوا إنه يلبس قباء وجبة و يركب علي جمل

لسان الميزان:2/238:

ومما في الصفات له (حدثنا) أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن يوسف الأصبهاني ثنا شعيب بن بيان الصفار ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس (رض) مرفوعاً: إذا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الأذان والإقامة عليه رداء مكتوب عليه إنني أنا الله لا إله إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلاً عليه، فإذا سلم الإمام صعد إلي السماء. وروي عن ابن سلمون بإسناد له: رأيت ربي بعرفات علي جمل أحمر عليه إزار! انتهي. ورواه في ميزان الاعتدال:1/512

و قالوا إنه فتي أمرد جعد الشعر

ميزان الاعتدال:1/593:

... عن ثابت عن أنس أن النبي(ص) قرأ: فلما تجلي ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره وضرب علي إبهامه فساخ الجبل، فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس ويقوله رسول الله(ص)وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد وصححه الترمذي. إبراهيم بن أبي سويد وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبدالله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأي ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.

... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً.

و قالوا إنه يضحك في الدنيا والآخرة

صحيح البخاري:2 جزء 3/210:

عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: يضحك الله إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله علي القاتل فيستشهد.

صحيح البخاري:4/226:

... فباتا طاويين، فلما أصبح غد إلي رسول الله(ص)فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله: ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.

سنن النسائي:6/38:

... عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخري: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ثم يدخلان الجنة. تفسير ذلك أخبرنا محمد بن سلمة... عن أبي هريرة أن رسول

الله(ص)قال يضحك الله إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله علي القاتل فيقاتل فيستشهد. انتهي. ورواه ابن ماجة في:1/68.

وروي أحمد في مسنده:1/392:

عبدالله بن مسعود عن النبي(ص)قال: إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشئ علي الصراط فينكب مرة ويمشئ مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوز الصراط التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين، قال فترفع له شجرة فينظر إليها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول: أي عبدي فلعلي إن أدنيتك منها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهد الله أن لا يسأله غيرها والرب عز وجل يعلم أنه سيسأله لأنه يري ما لا صبر له يعني عليه، فيدنيه منها ثم ترفع له شجرة وهي أحسن منها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها فيدنيه منها، فترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن منها فيقول: رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه الشجرة لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها لأنه يري ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب الجنة الجنة، فيقول: عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب أدخلني الجنة. قال فيقول عز وجل: ما يصريني منك أي عبدي أيرضيك أن

أعطيك من الجنة الدنيا ومثلها معها؟ قال فيقول: أتهزؤ بي وأنت رب العزة! قال فضحك عبدالله حتي بدت نواجذه ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت؟ قالوا له لم ضحكت؟ قال: لضحك رسول الله(ص).

ثم قال لنا رسول الله (ص): ألا تسألوني لم ضحكت؟ قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟ قال: لضحك الرب حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة!! انتهي. ورواه في:1/411 وج 2/318 وص 464 وص 511 وروي نحوه في:2 /276 وص 294 وص534 وج 3/80 وابن ماجة في سننه:1/64 والديلمي في فردوس الأخبار:3/9 ح 3703 والبغوي في مصابيحه:1/433 وص 544 وج 3/546 والبيهقي في شعب الإيمان:1/249 وفي دلائل النبوة: 6/143 والهيثمي في مجمع الزوائد:10/615 والشوكاني في نيل الأوطار:3 /57 وغيرهم.. وغيرهم..

وسيأتي عدد آخر من روايات ضحك الله المزعوم علي هذا الرجل في روايات رؤيته بالعين في الآخرة.

وقال ابن تيمية في الإيمان/424:

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... وكذلك ضحكه إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وضحكه إلي الذي يدخل الجنة آخر الناس ويقول: أتسخر بي وأنت رب العالمين! وكل هذا في الصحيح.

و قالوا إنه يضحك لمن يستلقي علي دابته

وروي أحمد في:1/330 رواية غريبة نسب فيها تصرفاً غير معقول للنبي صلي الله عليه وآله، ونسب فيها إلي الله تعالي أنه يضحك لمن يذكره علي دابته ثم يستلقي! قال الإمام أحمد:

عن عبدالله بن عباس أن رسول الله(ص)أردفه علي دابته فلما استوي عليها كبر رسول الله(ص)ثلاثاً، وحمد الله ثلاثاً، وسبح الله ثلاثاً، وهلل الله واحدة ثم استلقي عليه فضحك، ثم أقبل عليَّ فقال: ما من إمرئ يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل

الله تبارك وتعالي فضحك إليه كما ضحكت إليك!

و قالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

روي أحمد في مسنده:4/11 وص 12 وص 13 رواية تعطي الناس الامل بالله تعالي لأنه يضحك! قال:... عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قال رسول الله (ص): ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال قلت: يا رسول الله أو يضحك الرب عز وجل! قال نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً!

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:3/10:

أبوذر الغفاري: ضحك الله ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره ولن نعدم من رب يضحك خيراً. وستأتي روايته عن النويري وغيره.

و قالوا إنه يضحك.. و يظل يضحك

قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:3/566-567:

قوله (ص): فيضل يضحك، هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالي التي لا يشبهه فيها شئ من مخلوقاته كصفات ذاته..وكذلك: فأصبح ربك يطوف في الأرض، هو من صفات فعله كقوله تعالي: وَجَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ، وينزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا، ويدنو عشية عرفة فيباهي بأهل الموقف الملائكة. والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.

وقال النويري في نهاية الارب:7 جزء 14/292:

عن لقيط بن عامر العقيلي قال... أتينا رسول الله (ص) حين انصرف من صلاة الغداة فقام خطيباً فقال أيها الناس... يشرف عليكم أزلين فيظل يضحك، قد علم أن غوثكم قريب. قال لقيط له: لن نعدم من رب يضحك خيراً.. انتهي. وروي نحوه المنذري في الترغيب والترهيب:1/434 وص 436 وج 4/503.

و قالوا إنه ضحك لطلحة و سعد

أسد الغابة:3/83:روي أنه (طلحة بن البراء) توفي ليلاً فقال أدفنوني.. ولا تدعوا رسول الله (ص) فإني أخاف عليه (ص) يصاب في سببي، فأخبر رسول الله حين أصبح فجاء (ص) حتي وقف علي قبره وقال: اللهم إلقَ طلحة وأنت تضحك إليه وهو يضحك إليك..

مسند أحمد:6/456:

... أسماء بنت يزيد بن سكن قالت: لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه، فقال النبي (ص): ألا يرفأ دمعك ويذهب حزنك فإن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش.

و قالوا إنه يظهر لعباده ضاحكا

فردوس الأخبار:5/368:

أبو موسي: يتجلي ربنا ضاحكاً يوم القيامة، حتي ينظروا إلي وجهه فيخرون له سجداً فيقول: ارفعوا رؤوسكم فليس هذا يوم عبادة.

و قالوا منطقه كالرعد، و ضحكه كالبرق

فردوس الأخبار للديلمي:5/366:

أبو هريرة: ينشيء الله عز وجل السحاب ثم ينزل فيه، لا شئ أحسن من ضحكه ولا شئ أحسن من منطقه، منطقه الرعد ومضحكه البرق!

أسد الغابة:3/83 وج 6/399:

عن رجل من بني غفار..قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الله عز وجل ينشيء السحاب فيضحك أحسن الضحك وينطق أحسن النطق!

و قالوا يظهر متجسدا لابي بكر وحده بدون ضحك

قال السيوطي في الدر المنثور:6/292:

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدار قطني عن جابر عن النبي (ص): إن الله ليتجلي للناس عامة ويتجلي لأبي بكر خاصة.

وأخرج الدار قطني عن جابر قال قال النبي (ص): إن الله ليتجلي للناس عامة ويتجلي لأبي بكر الصديق خاصة.

وقال الديلمي في فردوس الأخبار:5/400:

أنس بن مالك: يا أبا بكر لأبشرك أن الله عز وجل يتجلي لك يوم القيامة خاصة وللناس عامة.

وقال ابن حبان في المجروحين:1/143:

أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي... والصحيح من حديثه موقوف علي أبي هريرة وروي عن أبيه... عن أبي هريرة قال لما قدم رسول الله (ص) من الغار يريد المدينة أخذ أبو بكر بغرزه فقال.. ألا أبشرك يا أبا بكر؟ قال: بلي بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن الله عز وجل يتجلي للخلائق يوم القيامة عامة، ويتجلي لك خاصة.

وقال في المجروحين:2/115:

علي بن عبدة بن قتيبة... كان يسرق الحديث ولا يحل الاحتجاج به.. عن جابر قال رسول الله (ص) إن الله يتجلي للمؤمنين عامة ولأبي بكر خاصة.

و قال عمر يجلس علي العرش و لعرشه أطيط و صرير من ثقله

ذكرنا عدداً من روايات أطيط العرش عن الخليفة عمر من فردوس الأخبار وكنزالعمال ومجمع الزوائد وقد وثقها الهيثمي، ونضيف إليها هنا من سنن أبي داود:2/418:

... إن عرشه علي سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال ابن بشار في حديثه: إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته وساق الحديث.. وقال عبد الأعلي وابن المثني وابن بشار عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح وافقه عليه جماعة منهم يحيي بن معين

وعلي بن المديني ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضاً وكان سماع عبد الأعلي وابن المثني وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني.

فردوس الأخبار للديلمي:1/220:

جبير بن معطم: إن الله عز وجل فوق عرشه وعرشه فوق سمائه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب!

الهيثمي في مجمع الزوائد:10/398:

وعن أبي أمامة عن النبي(ص)قال: سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش. رواه الطبراني وفيه جعفر بن الزبير وهو متروك. انتهي. ورواه في كنز العمال:2/73

وفي كنز العمال:1/224:

ويحك إنه لا يستشفع بالله علي أحد إن شاء والله أعظم من ذلك. ويحك أتدري ما الله؟ إن الله فوق عرشه وعرشه علي سمواته، وأرضه مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. د عن جبير بن مطعم. ورواه في: 10/363 وروي في/367

إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من شقه بز. انتهي. أي من مسافة بعيدة!

وفي كنز العمال:14/469:

إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. ابن مردويه عن أبي أمامة.

تاريخ بغداد:4/39:

... عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده. قال: جاء أعرابي إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال فاستسق لنا ربك فإنا نستشفع بالله عليك وبك علي الله. فقال النبي (ص): سبحان الله سبحان الله فما زال يسبح حتي عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال له: ويحك ما تدري ما الله، إن شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به علي أحد، إنه لفوق سماواته علي عرشه، وإنه عليه هكذا وأشار بيده مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب.

معني الاطيط

هامش

سنن أبي داود:2/418: أط الرحل: صوت أي أصدر صوتاً هو كصوت الطقطقة.

وقال ابن الاثير في النهاية:1/54 في معني أطت السماء: الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها... وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالي... إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله.

و قالوا العرش مطوق بحية تحميه

العقد الفريد لابن عبد ربه:6/208:

ومن حديث عبد الله بن عمر قال: العرش مطوق بحية، والوحي ينزل في السلاسل.

و قالوا الشمس تذهب كل يوم إلي تحت العرش

صحيح البخاري:3 جزء 6/30:

عن أبي ذر... قال كنت مع النبي (ص) في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس... قال فإنها تذهب حتي تسجد تحت العرش. انتهي. ورواه الشوكاني في فتح القدير:4/494.

صحيح البخاري:4 جزء 8/178:

عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: سألت النبي (ص) عن قوله والشمس تجري لمستقر لها... قال مستقرها تحت العرش... ونحوه في فردوس الأخبار للديلمي: 5/133.

وفي صحيح مسلم:1/96:

عن أبي ذر أن النبي (ص) قال يوماً أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: إن هذه تجري حتي تنتهي إلي مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة... فقال لها ارتفعي أصحبي طالعة من مغربك..

و قالوا حملة العرش ملائكة صوفية

فردوس الأخبار للديلمي:5/26:

ابن مسعود: نزل جبريل في بعض الليل فقعد فمسحت يدي علي ظهره فأصبت الشعر فقلت: يا جبريل ما هذا الشعر؟ قال الصوف، قلت: سبحان الله، الملائكة يلبسون الصوف؟ قال: نعم يا محمد، والله للباس حملة العرش الصوف.

و قالوا حملة العرش يتكلمون بالفارسية

المصنف لابن أبي شيبة:7/160:

عن أبي أمامة قال: إن الملائكة الذين يحملون العرش يتكلمون بالفارسية.

و قالوا جبل لبنان من حملة العرش

مختصر تاريخ دمشق:1 جزء 1/288:عن أبي الزاهرية قال: أنبئنا: جبل لبنان أحد حملة العرش الثمانية يوم القيامة.

و قالوا حملة العرش حيوانات كما في التوراة

سنن ابن ماجة:1/69:

حدثنا محمد بن يحيي ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني، عن سماك، عن عبدالله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، قال: كنت بالبطحاء في عصابة وفيهم رسول الله(ص)، فمرت به سحابة فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا السحاب، قال والمزن، قالوا والمزن، قال والعنان، قال أبو بكر قالوا والعنان، قال كم ترون بينكم وبين السماء؟ قالوا لا ندري، قال فإن بينكم وبينها إما واحداً أو اثنين أو ثلاثاً وسبعين سنة، والسماء فوقها كذلك، حتي عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلي سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلي سماء، ثم علي ظهورهن العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلي سماء، ثم الله فوق ذلك تبارك وتعالي!

فردوس الأخبار للديلمي:5/130:

العباس بن عبد المطلب: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية: ثمانية أملاك في صورة الأوعال، ما بين ظلف أحدهم وركبته مسيرة خمسمائة عام. انتهي.

حياة الحيوان للدميري:2/428:

عن عروة بن الزبير (رض) قال: حملة العرش أحدهم علي صورة إنسان، والثاني علي صورة ثور، والثالث علي صورة نسر، والرابع علي صورة أسد.

تفسير الطبري:1/118:

عن شعيب الجبائي قال: في كتاب الله (يقصد التوراة) الملائكة حملة العرش لكل ملك منهم وجه إنسان وثور وأسد، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البراق..

كتاب الحيوان للجاحظ: 6/221 _ 222:

روي تصديق النبي (ص) لأمية بن أبي الصلت حين أنشده:

رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للاخري

وليث مرصد

وقال في هامش:1/222 وفي الإصابة 549 عن ابن عباس أن النبي (ص) أنشد هذا البيت فقال: صدق. هكذا صفة حملة العرش..

و قالوا جالس علي كرسيه و غائب عن العالم

مجمع الزوائد:1/86:

وعن ابن مسعود (رض) أنه قال: ما بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماءين خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش علي الماء والله جل ذكره علي العرش يعلم ما أنتم عليه. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

و قالوا جالس علي العرش و حوله الأنبياء علي كراسي

المصنف لابن أبي شيبة:2/58:

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أتاني جبريل وفي يده كالمرآة البيضاء... قال (جبريل) لأن ربك تبارك وتعالي اتخذ في الجنة وادياً من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين علي كرسيه تبارك وتعالي ثم حف كرسيه منابر من ذهب مكللة بالجواهر ثم يجي النبيون حتي يجلسوا عليها.

وروي السيوطي حديث المرآة عن الدارقطني في: 6/290 وروي رواية لقيط مفصلة عن زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل...

تهذيب الكمال: 16/423:

أخبرنا أبوالحسن ابن البخاري... أخبرنا أبو حفص بن طبرزد... عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. فقال سعيد: أو فيها سوق؟ قال أبو هريرة: نعم، أخبرني رسول الله (ص): أن أهل الجنة إذا دخلوها فنزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيرون الله، ويبرز لهم عرشه، ويتبدا لهم في روضة من رياض الجنة، فيوضع لهم منابر من ذهب ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم وما فيهم دني علي كثبان المسك والكافور، لا يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلساً.

قال أبو هريرة: وهل نري ربنا يا رسول الله قال: نعم، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا، قال: كذلك

لا تمارون في رؤية ربكم عز وجل. ولا يبقي في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة، حتي إنه ليقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان. أتذكر يوم عملت كذا وكذا، فيذكره بعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلي بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه.

قال فبيناهم علي ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط، قال: ثم يقول ربنا عز وجل: قوموا إلي ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. قال: فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، فيه ما لم تنظر العيون إلي مثله. ولم يخطر علي القلوب، قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه شئ ولا يشتري، في ذلك السوق يلقي أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقي من هو دونه وما فيهم يعني دني، فيروعه ما يري يعني عليه من اللباس، فما يتقضي آخر حديثه حتي يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لاحد أن يحزن فيها، قال: ثم ننصرف إلي منازلنا فنلقي أزواجنا، فيقولون (فيقلن): مرحباً وأهلاً بحبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه، قال: فنقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري، عن هشام بن عمار، عنه، فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين وليس عنده غيره، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمار. فوافقناه فيه بعلو. (سنن ابن ماجة:2/1450)

هشام بن عمار صاحب حديث الكراسي حول العرش

سير أعلام النبلاء:11/420:

هشام بن عمار، الإمام الحافظ العلامة المقرئ عالم أهل الشام، أبو الوليد السلمي ويقال الظفري

خطيب دمشق، نقل عنه الباغندي قال: ولدت سنة ثلاث وخمسين ومئة، وسمع من مالك وتمت له معه قصة...

وحدث عنه بشر كثير وجم غفير... وعدة سواهم مذكورين في تهذيب الكمال وفي تاريخ دمشق. فلقد كان من أوعية العلم...

وروي عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، ومات قبله بنيف وعشرين سنة، ومحمد بن سعد ومات قبله ببضع عشرة سنة، ومؤمل بن الفضل الحراني كذلك، ويحيي بن معين، كذلك وحدث عنه من كبار شيوخه: الوليد بن مسلم، ومحمد بن شعيب ابن شابور...

وحدث عنه من أصحاب الكتب: البخاري، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجة، وروي الترمذي عن رجل عنه، ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلي الشام، ووهم من زعم أنه دخل دمشق.

... وكان خطيباً بدمشق رزق كبر السن وصحة العقل والرأي، فارتحل الناس إليه في نقل القراءة والحديث.

... فلما توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين، اجتمع الناس علي إمامة هشام بن عمار في القراءة والنقل.

قال صالح بن محمد جزرة: كان هشام بن عمار يأخذ علي الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ... كنت شارطت هشاماً أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة، فكنت آخذ الكاغد الفرعوني وأكتب مقرمطاً، فكان إذا جاء الليل، أقرأ عليه إلي أن يصلي العتمة، فإذا صلي العتمة، يقعد وأقرأ عليه، فيقول: يا صالح ليس هذه ورقة، هذه شقة!

... قال: وكان يأخذ علي كل ورقتين درهما ويشارط ويقول إن كان الخط دقيقاً، فليس بيني وبين الدقيق عمل.

قال أبوبكر المروذي: ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار، فقال: طياش خفيف.

خيثمة: سمعت محمد بن عوف، يقول: أتينا هشام بن عمار في مزرعة له، وهو قاعد علي مورج له وقد انكشفت سوءته، فقلنا: يا شيخ غط

عليك. فقال: رأيتموه لن ترمد عينكم أبداً، يعني يمزح.

قال الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي: أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار قال: سألت الله تعالي سبع حوائج، فقضي لي منها ستاً، والواحدة ما أدري ما صنع فيها. سألته أن يغفر لي ولوالدي فما أدري، وسألته أن يرزقني الحج ففعل، وسألته أن يعمرني مئة سنة ففعل. قلت: إنما عاش اثنتين وتسعين سنة.

ثم قال: وسألته أن يجعلني مصدقاً علي حديث رسول الله(ص)، ففعل.

وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم ففعل.

وسألته أن أخطب علي منبر دمشق ففعل.

وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالاً ففعل.

قال: فقيل له: كل شئ قد عرفناه، فألف دينار حلال من أين لك؟ فقال: وجه المتوكل بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا،يعني لما سكن دمشق، وبني له القصر بداريا. قال: ونحن نلبس الأزر، ولا نلبس السراويلات فجلست فانكشف ذكري، فرآه الغلام فقال: إستتر يا عم. قلت رأيته قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله!

قال: فلما دخل علي المتوكل ضحك، قال فسأله فأخبره بما قلت له، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم! احملوا إليه ألف دينار، فحملت إلي فأتتني من غير مسألة، و لا استشراف نفس. فهذه حكاية منقطعة. ولعلها جرت.

وذكر الذهبي قصته مع مالك في/428 فقال:

قال أبوبكر محمد بن سليمان الربعي: حدثنا محمد بن الفيض الغساني، سمعت هشام بن عمار يقول: باع أبي بيتاً له بعشرين ديناراً، وجهزني للحج، فلما صرت إلي المدينة، أتيت مجلس مالك، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها. فأتيته، وهو جالس في هيئة الملوك وغلمان قيام والناس يسألونه

وهو يجيبهم! فلما انقضي المجلس قال لي بعض أصحاب الحديث: سل عن ما معك، فقلت له: يا أبا عبدالله ما تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا علي الصبيان، يا غلام احمله! فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي فقال لي: ما يبكيك أوجعتك هذه الدرة؟ قلت: إن أبي باع منزله ووجه بي أتشرف بك وبالسماع منك فضربتني! فقال: أكتب، قال: فحدثني سبعة عشر حديثاً، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني!

قال يعقوب بن إسحاق الهروي، عن صالح بن محمد الحافظ: سمعت هشام بن عمار، يقول: دخلت علي مالك فقلت له حدثني، فقال: إقرأ، فقلت: لا بل حدثني، فقال إقرأ، فلما أكثرت عليه، قال: يا غلام تعال اذهب بهذا فاضربه خمسة عشر، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة، ثم جاء بي إليه فقال قد ضربته، فقلت له: لم ظلمتني ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك في حل، فقال مالك فما كفارته قلت: كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثاً. قال: فحدثني بخمسة عشر حديثاً. فقلت له: زد من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك، وقال: اذهب!

قال الخليلي: سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي، سمعت محمد بن طرخان، سمعت هشام بن عمار، يقول: قصدت باب مالك، فهجمت عليه بلا إذن فأمر غلاماً له، حتي ضربني سبعة عشر ضرب السلاطين. وأخرجت! فقعدت علي بابه أبكي، ولم أبك للضرب بل بكيت حسرة، فحضر جماعة قال فقصصت عليهم، فشفعوا في، فأملي علي سبعة عشر حديثاً... قلت: لم يخرج له الترمذي سوي حديث سوق الجنة ثم قال عبدان: ما كان في

الدنيا مثله.

قال ابن حبان البستي: كانت أذناه لاصقتين برأسه، وكان يخضب بالحناء.

وقال في هامشه: أخرجه الترمذي (2549) باب ما جاء في سوق الجنة، من طريق محمد بن إسماعيل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبدالحميد بن حبيب بن أبي العشرين، حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله(ص). وقال أبو عيسي الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

ونصه بتمامه: إن أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدي لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم-وما فيهم من دني-علي كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، وهل نري ربنا؟ قال: نعم، قال: هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا. قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقي في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة، حتي يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم كذا وكذا، فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلي، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه.

فبينما هم علي ذلك، غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط. ويقول ربنا، تبارك وتعالي: قوموا إلي ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، وفيه ما لم تنظر العيون إلي مثله ولم تسمع الأذان ولم يخطر علي القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا،

ليس يباع فيها ولا يشتري. وفي ذلك السوق يلقي أهل الجنة بعضهم بعضا. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة، فيلقي من هو دونه _ وما فيهم دني _ فيروعه ما يري عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتي يتخيل إليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه ما ينبغي لأحد أن يحزن فيها.

ثم ننصرف إلي منازلنا، فيتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحباً وأهلاً، لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. وأخرجه ابن ماجة (4336) عن هشام بن عمار به.

و قالوا جنة عدن مسكن الله تعالي و عرشه فيه

وقد تقدمت أحاديثها في الفصل الخامس عن عمر وكعب وأبي موسي الأشعري، ومنها ما رواه السيوطي في الدر المنثور:4/254.

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسي الأشعري قال قال رسول الله (ص): الفردوس مقصورة الرحمن فيها خيار الأنهار والأثمار.

تفسير الطبري:15/94:

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولي منهن ينظر في الكتاب الذي لاينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلي جنة عدن وهو داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين والصديقين والشهداء..ثم ينزل في الساعة الثالثة إلي السماء الدنيا بروحه وملائكته..

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:10/154:

وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): ينزل الله تبارك وتعالي في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل فينظر في الساعة الأولي في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، وينظر في الساعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه التي لا

يكون فيها معه إلا الأنبياء والشهداء والصديقون، وفيها ما لم يره أحد ولا خطر علي قلب بشر، ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له، ألا سائل يسئلني فأعطيه، ألا داع يدعوني. ولذلك قال الله: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً، فيشهده الله والملائكة. رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزاز بنحوه. وفيه زيادة بن محمد الأنصاري، وهو منكر الحديث.

و روينا ورووا أن الفردوس مسكن إبراهيم و آله و محمد و آله

روي النسائي في سننه:4/12 عن فاطمة الزهراء عليها السلام أن الفردوس مسكن النبي (صلي الله عليه وآله)، ولم يذكر أنها مسكن الله تعالي. قال: عن أنس أن فاطمة بكت علي رسول الله(ص)حين مات فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلي جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه. وروي ذلك غيره أيضاً.

وفي كنز العمال:2/274:

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت علياً يقول: ألا إن لكل شئ ذروة، وإن ذورتنا جبال الفردوس في بطنان الفردوس قصراً من لؤلؤة بيضاء وصفراء من عرق واحد، وإن في البيضاء سبعين ألف قصر، منازل إبراهيم وآل إبراهيم، فإذا صليتم علي محمد فصلوا علي إبراهيم وآل إبراهيم. خط في تلخيص المتشابه.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري:5/38:

فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة أي أفضلها، قال: وفوقه عرش الرحمن. انتهي.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:3/162 حديثاً غريباً طريفاً لطيفا، قال: عمر بن الخطاب: فاطمة وعلي والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز وجل.

و قالوا أرواح الشهداء في حواصل طيور في قناديل معلقة بالعرش

صحيح مسلم:6/38:

عن مسروق قال سألنا عبد الله عن هذه الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، قال: أما إنا قد سألناه عن ذلك فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلي تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعةً فقال هل تشتهون شيئاً؟ قالوا أي شئ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتي نقتل في سبيلك مرة أخري، فلما

رأي أن ليس لهم حاجة، تركوا.

وروي الدميري في حياة الحيوان:1/657:

أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ترعي في الجنة وتأوي إلي قناديل معلقة تحت العرش. قال شيخنا: أولئك شهداء السيوف، وأما شهداء الصفوة فأجسادهم أرواح!

وقال الدارمي في سننه:2/206:

عن مسروق قال سألنا عبدالله عن أرواح الشهداء ولو لا عبدالله لم يحدثنا أحد، قال: أرواح الشهداء عند الله يوم القيامة في حواصل طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش (ترعي) أي الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلي قناديلها فيشرف عليهم ربهم فيقول: ألكم حاجة تريدون شيئاً، فيقولون لا، إلا أن نرجع إلي الدنيا فنقتل مرة أخري. انتهي. وروي نحوه ابن ماجة في:1/466 و:2/936 وأبو داود:1/566 والترمذي في:4/299 وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد:1/265 وص 386 والحاكم ج2/88 وص 297 وابن منصور في سننه:2/216 والبيهقي في سننه:9/163 والهيثمي في مجمع الزوائد:6/328 والهيثمي في:5/298 والهندي في كنز العمال:4/308 وص 403 وص 413 وص 414 وج 13/481

ورد أهل البيت حديث القناديل و حواصل الطيور

الكافي:3/244:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له: جعلت فداك يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش؟ فقال: لا، المؤمن أكرم علي الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في أبدان كأبدانهم.

الكافي:3/245:

محمد، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: إنا نتحدث عن أرواح المؤمنين أنها في حواصل طيور خضر ترعي في الجنة وتأوي إلي قناديل تحت العرش، فقال: لا، ما هي في حواصل طير، قلت: فأين هي قال: في روضة كهيئة الأجساد في الجنة. انتهي.

وروي نحوه الطوسي في تهذيب الأحكام:1/466

واختلفت رواياتهم فيما هو مكتوب علي العرش

تاريخ بغداد:11/173:

عن أنس بن مالك قال قال النبي (ص): لما عرج بي رأيت علي ساق العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي.

لسان الميزان:2/484:

وحدثنا محمد بن عثمان ثنا زكريا بن يحيي الكسائي ثنا يحيي بن سالم ثنا أشعث بن عم الحسن بن صالح ثنا مسعر عن عطية العوفي عن جابر (رض) مرفوعاً: مكتوب علي باب الجنة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي. قال أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو علي بن الصواف ومحمد بن علي بن سهل وسليمان الطبراني والحسن بن علي بن الخطاب قالوا: ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة فساقه بنحوه، لكن لفظه علي باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السموات بألفي عام، ساقه الخطيب عن أبي نعيم في ترجمة الحسن هذا، وقد روي الكسائي عن ابن فضيل وجماعة، وقال النسائي والدارقطني متروك. انتهي. وقد تقدم في ترجمة أشعث ابن عم الحسن بن صالح لهذا الرجل ذكر بالتشيع، وسيأتي كلام ابن عداء فيه في ترجمة علي بن القاسم.

الجواهر الحسان للثعالبي:1/67:

وقالت طائفة إن آدم رأي مكتوباً علي ساق العرش: محمد رسول الله، فتشفع به، فهي الكلمات..

لسان الميزان:3/237:

ومن أباطيله عن خالد بن أبي عمرو الازدي عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة (رض) قال: مكتوب علي العرش لاإله إلا الله، محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي.

ميزان الاعتدال:3/182:

عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني. عن أبيه وغيره. كذبه ابن معين. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: يسرق الحديث... وقال

ابن جرير الطبري: حدثنا عمر بن إسماعيل، حدثنا ابن فضيل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء مرفوعاً: رأيت ليلة الإسراء جريدة خضراء فيها مكتوب بنور: لا إله إلا الله، أبوبكر الصديق، عمر الفاروق. تابعه السري بن عاصم.

فردوس الأخبار للديلمي:4/410:

البراء بن عازب: مكتوب علي العرش لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبي بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان الشهيد، علي الرضا.

فردوس الأخبار للديلمي:5/468:

تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدم، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل، أحكم بيني وبين قاتل ولدي، فيحكم لابنتي ورب الكعبة.

لسان الميزان:3/423:

عبدالرحمن بن عفان... قال ابن الجنيد سمعت يحيي بن معين وذكر أبابكر بن عفان ختن مهدي بن حفص فقال: كذاب مكذب رأيت له حديثاً حدث به عن أبي إسحاق الفزاري كذباً.

قلت: وله خبر آخر عن محمد بن محمد بن الصائغ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً: لما أسري بي رأيت علي العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين، يقتل ظلماً. رواه الختلي في الديباج عنه، والمتهم به صاحب الترجمة.

الموضوعات:1/327:

أنبأنا عبدالرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أحمد بن عمر بن علي القاضي قال: أنبأنا أحمد بن علي بن محمد بن الجهم قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري قال: حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد قال: حدثنا ابن فضيل عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء عن النبي(ص)قال: رأيت ليلة أسري بي في العرش فرندة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر

الفاروق. هذا حديث لا يصح، والمتهم به عمر بن اسماعيل، قال يحيي: ليس بشئ كذاب دجال سوء خبيث، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث.

الموضوعات:1/336:

أنبأنا عبدالرحمن بن محمد القزاز قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنبأنا القاضي أبوالفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعي قال: حدثنا أبوبكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي قال: حدثنا أحمد ابن محمد القاضي قال: حدثنا الاحتياطي قال: حدثنا علي بن جميل، عن جرير بن عبدالحميد، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): ما في الجنة شجرة إلا مكتوب علي ورقة محمد رسول الله، أبوبكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين. اسم الإحتياطي الحسن بن عبد الرحمن بن عباد أبو علي.

قال أبوحاتم بن حبان: هذا باطل موضوع، وعلي بن جميل كان يضع الحديث لا تحل الرواية عنه بحال...

أنبأنا أبو منصور القزاز قال: أنبأنا أبوبكر أحمد بن علي ابن ثابت قال: أنبأنا محمد بن عبيدالله الحنائي قال: أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الختلي قال: حدثنا أبوبكر عبدالرحمن بن عنان الصوفي قال: حدثنا محمد بن مجيب الصائغ قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله (ص): ليلة أسري بي رأيت علي العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل مظلوماً. هذا حديث لا يصح عن رسول الله(ص). وأبو بكر الصوفي ومحمد بن مجيب كذابان، قاله يحيي بن معين.

لسان الميزان:2/295:

وقال الهيثم بن خلف حدثنا الحسن بن عبدالرحمن الاحتياطي، ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال

رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس في الجنة شجرة إلا علي كل ورقة منها مكتوب لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبوبكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذوالنورين. قلت: هذا باطل والمتهم به الحسين. انتهي. وكذا في ميزان الاعتدال:1/540 ونحوه في لسان الميزان:6/61 وميزان الاعتدال: 4/145 وفي كتاب المجروحين:1/116 وقال أخبرناه الحسن بن عبدالله بن يزيد القطان بالرقة قال: حدثنا علي بن جميل. وهذان خبران باطلان موضوعان لا شك فيه، وله مثل هذا أشياء كثيرة يطول الكتاب بذكرها. ومات علي بن جميل بالرقة سنة تسع وأربعين ومائتين. ونحوه في المجروحين: 1/366

نهج الحق للعلامة الحلي/252:

وقد ذكرت في كتاب: كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين: أن الفضائل إما قبل ولادته، مثل ما روي أخطب خوارزم، من علماء الجمهور، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، فقال: الحمد لله، فأوحي الله تعالي إليه حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي فيكونان مني قال: نعم يا آدم، ارفع رأسك، وانظر، فرفع رأسه، فإذا مكتوب علي العرش: لا إله إلا الله، محمد نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي وجلالي: أن أدخل الجنة من أطاعه، وإن عصاني، وأقسمت بعزتي: أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني. والأخبار في ذلك كثيرة.

وقال في هامشه: رواه في المناقب، بسنده عن الاعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، كما في ينابيع المودة/11.

و قالوا إنه تعالي أثقل من الحديد

الدر المنثور:6/3:

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر

وأبوالشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ، قال: من الثقل. انتهي. أي من ثقل الله تعالي! وستأتي بقية رواياتهم عن أطيط العرش وصريره في تفسير آيات الإستواء علي العرش.

و قالوا يري بالعين في الآخرة و يناقش رجلا و يضحك عليه

صحيح البخاري:1/195:

(عن أبي هريرة) أن الناس قالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة؟

قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟

قالوا: لا.

قال: فإنكم ترونه كذلك. يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، تبقي هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم. فيقولون: هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا؟! فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل و كلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم.

قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتي إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله علي النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل!

ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقي رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة مقبلاً بوجهه قبل النار، فيقول: يا رب إصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها.

فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟

فيقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثال فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به علي الجنة رأي بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة.

فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت: فيقول: يا رب لا أكون أشقي خلقك.

فيقول: فما عسيت أن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره.

فيقول: لا وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد و ميثاق فيقدمه إلي باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأي زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة.

فيقول الله تعالي: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك، أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟

فيقول: يا رب لا تجعلني أشقي خلقك، فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول له: تمنَّ، فيتمني، حتي إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل: زد من كذا وكذا، وأقبل يذكره ربه عز وجل، حتي إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالي: لك ذلك ومثله معه.

قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله(ص)قال: قال الله عز و جل لك ذلك و عشرة أمثاله.

قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلي

الله عليه و سلم إلا قوله لك ذلك ومثله معه.

قال أبو سعيد الخدري: إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله.

وروي نحوه في:7/205 وفيه (فلا يزال يدعوا حتي يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها فإذا دخل فيها، قيل تمن من كذا فيتمني، ثم يقال له تمن من كذا فيتمني، حتي تنقطع به الأماني فيقول: هذا لك ومثله معه.

قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً. قال عطاء وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه حتي انتهي إلي قوله هذا لك ومثله معه، قال أبو سعيد سمعت رسول الله(ص)يقول: هذا لك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: حفظت مثله معه).وروي البخاري نحوه أيضاً في عدة مواضع من صحيحه كما في:1 جزء 1/138 و 143 و 195 وجزء 2/113-114 وج 3 جزء 6/48، 56 و 72 وج 4 جزء 7/198، 203، 204، 205 و 206 وج 4 جزء 8/179، 181، 184، 203 وج 5/179 وج 6 ص48 وج 8/ص 167، 179 و 186!!

و قالوا يكشف عن ساقه بل عن ساقيه و يعفو عن المنافقين

زاد مسلم علي البخاري إضافات وتفصيلات عن تجسد الله تعالي وعن شمول شفاعة النبي صلي الله عليه وآله للمنافقين والمشركين حتي لا يكاد يبقي في النار أحد! فقال في:1/112:

عن أبي سعيد الخدري أن ناساً في زمن رسول الله(ص)قالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة؟

قال رسول الله (ص): نعم.

قال هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب؟

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالي يوم القيامة إلا كما تضارون في

رؤية أحدهما.

إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقي أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والانصاب إلا يتساقطون في النار، حتي إذا لم يبق إلا من كان يعبدالله من بر وفاجر، وغير أهل الكتاب فيدعي اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً بن الله، فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلي النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار.

ثم يدعي النصاري فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم كذبتم مااتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم ماذا تبغون؟ فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا، قال فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلي جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار.

حتي إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالي من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالي في أدني صورة من التي رأوه فيها.

قال فما تنتظرون، تتبع كل أمة ما كانت تعبد!

قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم.

فيقول أنا ربكم.

فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً، مرتين أو ثلاثاً!

حتي أن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟

فيقولون نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقي من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقي من كان يسجد اتقاء ورياء، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر علي قفاه، ثم يرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته

التي رأوه فيها أول مرة فقال: أنا ربكم.

فيقولون أنت ربنا.

ثم يضرب الجسر علي جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون اللهم سلم سلم.

قيل يا رسول الله وما الجسر؟ قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتي إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لاخوانهم الذين في النار، يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم علي النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلي نصف ساقيه وإلي ركبتيه، ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول إرجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول إرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً، ثم يقول إرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً.

وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لن يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً فيلقيهم في

نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلي الحجر أو إلي الشجر ما يكون إلي الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلي الظل يكون أبيض، فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعي بالبادية، قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول أدخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون ربنا أعطيتنا مالم تعط أحداً من العالمين، فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شئ أفضل من هذا؟ فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً.

وروي مسلم عدداً من أحاديث الرؤية أيضاً في:2/113

وروي أبو داود في سننه نحو حديث البخاري المتقدم في:2/419

وروي أحمد في مسنده:3/383:... أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود قال: نحن يوم القيامة علي كذا وكذا أنظر أي ذلك فوق البأس، قال فتدعي الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون؟ فيقولون ننتظر ربنا عز وجل، فيقول أنا ربكم، يقولون حتي ننظر إليك، فيتجلي لهم يضحك، قال سمعت النبي (ص)قال: فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منافق أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه وعلي جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافق ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ أنجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة حتي يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء أهل

الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتي ينبتون نبات الشئ في السيل، ثم يسأل حتي يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.

ورواه ابن ماجه في سننه:1/63، 66، 590 وج 2/731 و 1450 وفيه (ويتبدي لهم في روضة من رياض الجنة... ويجلس أدناهم).

وأبو داود في سننه:2/420 وج 4/233-والترمذي:4/90 وج 4/92، 93، 95-والبغوي في المصابيح:3/533 وص 542 وص 569-وروي من أحاديث الرؤية في الآخرة ابن أبي شيبة في المصنف:2/58-والهيثمي في مجمع الزوائد:10/343-وابن الاثير في أسد الغابة:1/334-والهندي في كنز العمال:14/436 و446 و493-والبيقي في سننه:10/41 وفي البعث والنشور/262 وفي شعب الإيمان:3/202،

وقال في شعب الإيمان:3/99: عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله أن الناس يجلسون يوم القيامة من الله علي قدر رواحهم إلي الجمعة، الأول ثم الثاني ثم الثالث. انتهي. ورواه الحاكم في المستدرك:4/560 و/582 مع تفاوت في التفاصيل. ورواه الطبري في تفسيره:25/94 وفي:29/26 وج 30/119، _ وقال في:29/24:

قال أبو الزهراء عن عبد الله يتمثل الله للخلق يوم القيامة..

وأورد السيوطي في الدر المنثور:6/290 عدداً وفيراً من أحاديث الرؤية قال: وأخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والدارقطني في الرؤية والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال قال الناس يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة قال هل تضارون الشمس... الخ.

وأخرج الدار قطني في الرؤية عن أبي هريرة قال: سأل الناس رسول الله (ص)فقالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة قال هل تضارون... الخ. وفيه تفصيلات لا توجد في غيره.

وأخرج الدارقطني في الرؤية عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء الرب عز وجل إلي المؤمنين فوقف عليهم والمؤمنون علي

كوم فيقول هل تعرفون ربكم عز وجل فيقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فيقول لهم الثانية هل تعرفون ربكم فيقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فيتجلي لهم عز وجل فيضحك في وجوههم فيخرون له سجداً.

وأخرج النسائي والدار قطني وصححه عن أبي هريرة قال قلنا يا رسول الله هل نري ربنا... الخ.

وأخرج الدار قطني عن أبي هريرة أن النبي(ص)قال ترون الله عز وجل يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر... الخ.

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدار قطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة... الخ.

وقال البخاري في:6/72:

عن أبي سعيد (رض) قال سمعت النبي(ص)يقول: يكشف ربنا عن ساقة فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقي من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً. انتهي. ورواه في:8/181 وهو يشبه ما تقدم عن رؤية الله تعالي وفيه:

(فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس... وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقي من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً). وروي نحوه في:3 جزء 6/72 وروي نحوه الدارمي في سننه:2/326 والحاكم في المستدرك:4/590 وج 4/599 وأحمد في:3/17 والهيثمي في مجمع الزوائد:10/329 وج 10/340 والهندي في كنز العمال:14/298 وص 441 والسيوطي في الدر المنثور:6/292-وقال الصنعاني في تفسيره:2/248-عن ابن مسعود في قوله تعالي: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: يعني ساقيه تبارك وتعالي! وقال المنذري في

الترغيب والترهيب: 4/391:عن عبدالله ابن مسعود قال النبي (ص)... أن أمة محمد تبقي يوم القيامة تنتظر خروج ربها فلا يعرفونه إلا بكشف ساقه. انتهي. وقال في:5/369: ابن مسعود: يكشف ربنا عز وجل عن ساقه يوم القيامة.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:10/340:

وعن عبدالله بن مسعود عن النبي(ص)قال يجمع الله الأولين الآخرين لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء، قال وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلي الكرسي، ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً أن يولي كل أناس منكم ما كانوا يعبدون في الدنيا، أليس ذلك عدلاً من ربكم؟ قالوا بلي، قال فينطلق كل قوم إلي ما كانوا يعبدون ويقولون في الدنيا قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلي الشمس ومنهم من ينطلق إلي القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون، قال ويمثل لمن كان يعبد عيسي شيطان عيسي ويمثل لمن كان يعبد عزيراً شيطان عزير.

ويبقي محمد(ص)وأمته، قال فيتمثل الرب تبارك وتعالي فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كانطلاق الناس؟ فيقولون إن لنا لالهاً ما رأيناه، فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها، قال فيقول ما هي؟ فنقول يكشف عن ساقه، قال فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره، ويبقي قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، وقد كانوا يدعون إلي السجود وهم سالمون، ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤسهم فيعطيهم نورهم علي قدر أعمالهم فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل العظيم يسعي بين يديه، ومنهم من يعطي

نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يعطي مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطي أصغر من ذلك، حتي يكون آخرهم رجلاً يعطي نوره علي إبهام قدميه يضيء مرة ويطفأ مرة، فإذا أضاء قدم قدمه وإذا طفيء قام، قال والرب تبارك وتعالي أمامهم حتي يمر في النار فيبقي أثره كحد السيف، قال فيقول مروا فيمرون علي قدر نورهم، منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرحل، حتي يمر الذي يعطي نوره علي ظهر قدميه يجثو علي وجهه ويديه ورجليه تخرُّ يدٌ وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتي يخلص فإذا خلص وقف عليها فقال الحمد لله فقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها، قال فينطلق به إلي غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيري ما في الجنة من خلل الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار، فيقول رب اجعل بيني وبينها حجاباً لا أسمع حسيسها، قال فيدخل الجنة ويري أو يرفع له منزل أمام ذلك كأن ما هو فيه إليه حلم، فيقول رب أعطني ذلك المنزل فيقول له لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره، وأني منزل أحسن منه، فيعطي فينزله ويري أمام ذلك منزلاً كأن ما هو فيه إليه حلم، قال رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله تبارك وتعالي له فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول وعزتك يا رب وأني منزل يكون أحسن منه فيعطاه

وينزله ثم يسكت، فيقول الله جل ذكره مالك لا تسأل، فيقول رب قد سألتك حتي قد استحييتك وأقسمت حتي استحييتك، فيقول الله جل ذكره ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلي يوم أفنيتها وعشرة أضعافه، فيقول أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ فيضحك الرب تبارك وتعالي من قوله!

قال فرأيت عبدالله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك، فقال له رجل يا أبا عبدالرحمن قد سمعتك تحدث هذا الحديث مراراً كلما بلغت هذا المكان ضحكت، قال إني سمعت رسول الله(ص)يحدث هذا الحديث مراراً كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتي تبدو أضراسه، قال فيقول الرب جل ذكره لا ولكني علي ذلك قادر، سل فيقول ألحقني بالناس، فيقول الحق بالناس، قال فينطلق يرمل في الجنة حتي إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجداً، فيقال له إرفع رأسك مالك، فيقول رأيت ربي أو تراءي لي ربي، فيقال له إنما هو منزل من منازلك، قال ثم يلقي رجلاً فيتهيأ للسجود له فيقال له مه، فيقول رأيت أنك ملك من الملائكة، فيقول إنما أنا خازن من خزانك وعبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان علي مثل ما أنا عليه، قال فينطلق أمامه حتي يفتح له القصر قال وهو من درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون باباً كل باب يفضي إلي جوهرة خضراء مبطنة كل جوهرة تفضي إلي جوهرة علي غير لون الأخري في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يري مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه

سبعين ضعفاً عما كانت قبل ذلك، فيقول لها والله لقد أزددت في عيني سبعين ضعفاً، وتقول له وأنت ازددت في عيني سبعين ضعفاً، يقال له أشرف فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك.

قال فقال عمر ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدني أهل الجنة منزلاً فكيف أعلاهم؟ قال يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله جل ذكره خلق داراً جعل فيها ما شاء من الازواج والثمرات والاشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قال كعب: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءاً بما كانوا يعملون، قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه، ثم قال من كان كتابه في عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد، حتي أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقي خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، فيستبشرون لريحه فيقولون واهاً لهذا الريح هذا ريح رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه.

قال ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها، فقال كعب إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خرَّ لركبتيه، حتي أن إبراهيم خليل الله ليقول: رب نفسي نفسي حتي لو كان لك عمل سبعين نبياً إلي عملك لظننت أن لا تنجو... رواه كله الطبراني من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة). انتهي.

ويدل هذا الحديث الذي وثقه الطبراني علي أن دار الخلافة بحضور الخليفة عمر كانت عامرة بمثل

هذه الأحاديث، وأن كعب الأحبار كان المرجع الذي يؤخذ برأيه! وتفصيل ذلك في الفصل الخامس.

وقال البغوي في مصابيحه:3/529:

وقال (ص): يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة. انتهي. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:5/369 ورواه السهمي في تاريخ جرجان/391

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/254:

قوله تعالي (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) الآية.. أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد....

وأخرج ابن مندة في الرد علي الجهمية عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): يوم يكشف عن ساق، قال يكشف الله عز وجل عن ساقه.

وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن ابن مسعود في قوله: يوم يكشف عن ساق، قال عن ساقيه تبارك وتعالي، قال ابن مندة: لعله في قراءة ابن مسعود يكشف بفتح الياء وكسر الشين.

وأخرج ابن مردويه عن كعب الحبر قال: والذي أنزل التوراة علي موسي والانجيل علي عيسي والزبور علي داود والفرقان علي محمد أنزلت هذه الآيات في الصلوات المكتوبات حيث ينادي بهن يوم يكشف عن ساق إلي قوله وقد كانوا يدعون إلي السجود وهم سالمون الصلوات الخمس إذا نودي بها.

وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والطبراني والاجري في الشريعة والدارقطني في الرؤية والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبدالله بن مسعود، عن النبي(ص) قال... الخ. ونحوه في الدر المنثور:5/341.

و حاول الصنعاني والنووي تخليص الله تعالي من كشف ساقه

تفسير الصنعاني: 2/247:

عن إبراهيم في قوله تعالي: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: عن أمر عظيم وقال: قد قامت الحرب علي ساق. وقال إبراهيم... قال ابن عباس: يكشف عن ساق فيسجد كل مؤمن ويقسو ظهر الكافر فيكون عظماً واحداً.

وقال النووي في شرح مسلم:2

جزء 3/27:

قوله (ص) فيكشف عن ساق... أي يكشف عن شدة وأمر مهول... وكشف عن ساقه للإهتمام به. قال القاضي: وقيل المراد بالساق هنا نور عظيم.. وقيل قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين. انتهي.

وسوف نورد في تفسير آية: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، أن كشفت الحرب عن ساقها، أو كشف الأمر عن ساقه، في اللغة العربية تعبير عن حلول الأمر الشديد، وسنورد عدداً من الأحاديث التي فسرت الآية بذلك.

و قالوا إنه يجلس علي الجسر و يضع رجله علي الاخري

روي ابن أبي شيبة في المصنف:6/112:

عن الحكم قال: سألت أبا مجلز عن الرجل يجلس ويضع إحدي رجليه علي الأخري فقال: لا بأس به إنما هو شئ كرهته اليهود، قالوا إنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوي يوم السبت فجلس تلك الجلسة.

روي الديلمي في فردوس الأخبار:5/369:

عن ثوبان مولي النبي (ص): يقبل الجبار عز وجل يوم القيامة فيثني رجله علي الجسر!

وروي الذهبي في تاريخ الإسلام:9/520:

عثمان بن أبي عاتكة... روي عن أبي أمامة عن رسول الله (ص): إن الله يجلس يوم القيامة علي القنطرة الوسطي بين الجنة والنار.

الامام الصادق يقول إنها رواية يهودية

تفسير العياشي:1/137:

... عن حماد عنه (الإمام جعفر الصادق عليه السلام) قال: رأيته جالساً متوركاً برجله علي فخذه فقال له رجل عنده: جعلت فداك هذه جلسة مكروهة، فقال: لا، إن اليهود قالت: إن الرب لما فرغ من خلق السموات والأرض جلس علي الكرسي هذه الجلسة ليستريح، فأنزل الله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم.

و قالوا لا تمتلي النار حتي يضع رجله فيه

صحيح البخاري:3 جزء 6/47:

... عن أنس (رض) عن النبي(ص)قال يلقي في النار وتقول هل من مزيد حتي يضع قدمه فتقول قط قط.

... عن أبي هريرة... يقال لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالي قدمه عليها فتقول قط قط.. إلي آخر الرواية وفيها من مناظرة بين الجنة والنار.

... عن أبي هريرة (رض) قال قال النبي(ص)تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال الله تبارك وتعالي للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلي حتي يضع رجله فتقول قط قط، فهنالك تمتلي ويزوي بعضها إلي بعض.

صحيح البخاري:4 جزء 7/224:

عن أنس بن مالك: قال النبي (ص) لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتي يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط.

صحيح البخاري:4 جزء 8/166:

وقال أنس قال النبي(ص)تقول جهنم قط قط وعزتك.

صحيح البخاري:4 جزء 8/167:

عن أنس عن النبي (ص) قال: لا يزال يلقي فيها وتقول هل من مزيد حتي يضع فيها رب العزة قدمه فينزوي بعضها إلي بعض ثم تقول قد قد بعزتك.

صحيح

البخاري:4 جزء 8/186:

عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال..وإنه ينشأ للنار من يشاء فيلقون فيها، فتقول هل من مزيد ثلاثاً، حتي يضع قومه فتمتلئ ويرد بعضها إلي بعض وتقول قط قط قط.

صحيح مسلم:8/151:

فأما النار فلا تمتلي فيضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتلي ويزوي بعضها إلي بعض... فأما النار فلا تمتلي حتي يضع الله تبارك وتعالي رجله تقول قط قط قط، فهنالك تمتلي ويزوي بعضها إلي بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً. وأما الجنة فإن الله ينشيء لها خلقاً.

صحيح مسلم:8/152:

... جهنم تقول هل من مزيد حتي يضع فيها رب العزة تبارك وتعالي قدمه فتقول قط قط وعزتك، ويزوي بعضها إلي بعض...

... عن أنس بن مالك عن النبي(ص)أنه قال لا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد حتي يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلي بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك. ولا يزال في الجنة فضل حتي ينشيء الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة.

سنن الترمذي:4/95:

عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقي المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك، الله ربنا وهذا مكاننا حتي نري ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم! قالوا: وهل نراه يا رسول الله قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتواري، ثم يطلع فيعرفهم

نفسه ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه سلم سلم، ويبقي أهل النار فيطرح منهم فيها فوج فيقال هل امتلات، فتقول هل من مزيد، ثم يطرح فيها فوج فيقال هل امتلات، فتقول هل من مزيد، حتي إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها وأزوي بعضها إلي بعض، ثم قال: قط. قالت: قط قط... هذا حديث حسن صحيح.

الطبري في تفسيره:26/105:

إن الله الملك قد سبقت منه كلمة لأملأن جهنم، لا يلقي فيها شئ إلا ذهب فيها لا يملؤها شئ حتي إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهي لا يملؤها شئ، أتاها الرب فوضع قدمه عليها ثم قال لها: هل امتلات يا جهنم؟ فتقول قط قط قد امتلات، ملاتني من الجن والإنس، فليس فيَّ مزيد! قال ابن عباس ولم يكن يملؤها شئ حتي وجدت مس قدم الله تعالي ذكره. فتضايقت فما فيها موضع إبرة!!. انتهي. وروي نحوه الدارمي في سننه:2/341 والبيهقي في سننه:ص 42 وروي نحوه أحمد في:2/276 بأربع قطات وفي/314 وص 369 بثلاث قطات.

وفي/507 وفي:3/134 وص 141 وص 230 وص 234 وص 279 بقطين، ورواه الصنعاني في المصنف:11/422 بثلاث قطات، والديلمي في فردوس الأخبار:5 ص237 بقطين، والبغوي في معالم التنزيل:4/224 بقطين، وفي مصابيح السنة:4/14 و/15 بدون قط، والبيهقي في البعث والنشور/136 بقطين، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بإصبهان:1/238 بقطين، وابن القيم في زاد المعاد:1/337، ورواه الهندي في كنز العمال:1/234 وج 14/428 وص 521 وص 436 وص 544 وج 16/208 بروايات كثيرة عن مصادر متعددة.

وادعوا أن رؤيته بالعين من أكبر اللذات

قال القسطلاني في إرشاد الساري:10/410:

الأشعري في كتابه الابانة فقال أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالي ثم

رؤية نبيه (ص) فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين (...) النظر إلي وجهه الكريم ووافقه البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني.

فتاوي الألباني/142:

... المعتزلة وغيرهم ينكرون هذه النعمة ويضللون من يؤمن بها وينسبونهم إلي التشبيه والتجسيم... ونحن أهل السنة نؤمن بأن من نعم الله علي عباده أن يتجلي لهم يوم القيامة ويرونه كما نري القمر ليلة البدر. انتهي.

وستأتي بقية الروايات المشابهة لعقائد اليهود في تفسير الآيات المتشابهة.

لكن اختلفوا هل تراه النساء في الجنة

إرشاد الساري:10/409:

(قوله (ص) قال جنتان من فضة... وما بين القوم وبين أن ينظروا إلي ربهم رداء الكبر) والحاصل أن رؤية الله تعالي واقعه يوم القيامة في الموقف لكل أحد من الرجال والنساء وقال قوم من أهل السنة تقع أيضاً للمنافقين... وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السنة علي أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر، واختلف في نساء هذه الأمة.

السيوطي في الدر المنثور:6/293:

وأخرج الدار قطني عن أنس قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة رأي المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهداً بالنظر إليه في كل جمعة، ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر. انتهي. وكأن في الجنة صوم وحج!

زاد المعاد:1/311:

عن أنس ابن مالك: قال: رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة رأي المؤمنون ربهم فأحدثهم عهداً بالنظر إليه... من بكر في كل جمعة، وتراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر...

إرشاد الساري:10/410:

.. الأشعري في كتابه الإبانة فقال: أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالي ثم رؤية نبيه (ص) فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين (...) النظر إلي وجهه الكريم، ووافقه البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني.

بازار أحاديث النزولات

قالوا: إن الله تعالي جسم ينزل إلي الأرض كل ليلة

روي البخاري في صحيحه:1 جزء 2/47:

... عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: ينزل ربنا تبارك وتعالي كل ليلة إلي سماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. انتهي. ونحوه في ج4 جزء 7/149-150 وج 4 جزء 8/197 ورواه في الادب المفرد/207 ورواه مسلم في صحيحه:2/175 وأبو داود في سننه:2 جزء 3/34 وج 4/234 وابن ماجة في سننه:1/435 ومالك في كليات الموطأ:1/142 وأحمد

في مسنده:1/120 و 403 و 446 والصنعاني في تفسيره:1/259 وفي مصنفه:2/160 وج 10 ص444 ورواه في عارضة الأحوذي ج1 جزء1 ص2 وص232 والبغوي في معالم التنزيل ج1/431:3 ص22 ومصابيح السنة:1/431 وابن الاثير في أسد الغابة ج2 ص231 وج 6/91 والديلمي في فردوس الأخبار:1/321 وج 5/358-365 والابشيهي في المستطرف:2/250 والمنذري في الترغيب والترهيب:2/489 والشوكاني في نيل الاوطار ج3/57 والنويري في نهاية الارب:3 جزء 5/290 وابو الشيخ في طبقات المحدثين:2/540 وجامع الأحاديث القدسية من الصحاح:1/72 و 75 والثعالبي في الجواهر الحسان:1/286 والنويري في نهاية الارب:3 جزء 5 ص290 والخطيب في تاريخ بغداد 17/242 والمزي في تهذيب الكمال:9/207 والهيثمي في مجمع الزوائد:8/125 وج 10/236 وص 621 وص 760 وص 9.. وروته مصادر كثيرة أخري.

وروي الطبري في تفسيره:13/114:

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ص) إن الله ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل.. وروي في:15/94:

عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولي منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلي جنة عدن وهو داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء.. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلي السماء الدنيا بروحه وملائكته..

وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد/125:

باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي(ص)في نزول الرب جل وعلا إلي سماء الدنيا كل ليلة. نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية، لأن

نبينا المصطفي لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلي سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذاك النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية، إذ النبي(ص)لم يصف لنا كيفية النزول، وفي هذه الأخبار مابان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا(ص)أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول ينزل من أسفل إلي أعلا ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلا إلي أسفل...

وقال الذهبي في سيره:17/656:

قال أبونصر السجزي في كتاب الإبانة: وأئمتنا كسفيان ومالك والحمادين وابن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق، متفقون علي أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلي السماء الدنيا وأنه يغضب ويرضي ويتكلم بما شاء.

وقال الديلمي في فردوس الأخبار:5/361:

ينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة ويضع عرشه حيث يشاء من الأرض.!

نقل ابن بطوطة في رحلته/90 تمثيل ابن تيمية لنزول الله تعالي، فقال:

وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابله تقي الدين بن تيميه كبير الشام يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس علي منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلي سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلي هذا الفقيه وضربوه بالايدي والنعال ضرباً كثيراً حتي سقطت عمامته!

و قالوا لو دلي رجل حبلا لهبط علي الله

تفسير الصنعاني:2/139:

عن قتادة قال: بينما النبي (ص) جالس

مع أصحابه إذ مر سحاب فقال النبي (ص) أتدرون ما هذه العنان؟ هذه روايا أهل الأرض، يسوقها الله إلي قوم لا يعبدونه. ثم قال: أتدرون ما هذه السماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فوق ذلك سماء أخري... ثم قال: والذي نفسي بيده لو دلي رجل بحبل حتي يبلغ أسفل الأرض السابعة لهبط علي الله، ثم قال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم.

تفسيرابن كثير:4/325:

عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام وعد سبع سماوات، ثم العرش، وبين أرضكم والأرض الأخري سبعمائة عام فعد سبع أرضين، فإذا أدليتم حبلاً هبط علي الله.

و قالوا إنه تعالي ينزل ليلة النصف من شعبان

روي ابن ماجه في سننه:1/444:

عن عائشة قالت: فقدت النبي(ص)ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلي السماء، فقال يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت قد قلت: وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تعالي ينزل ليلة النصف من شعبان إلي السماء الدنيا فيغفر لاكثر من عدد شعر غنم كلب. انتهي. وروي هذه الأحاديث أحمد في مسنده:1/120 و ص403 و446 وفي:6/238 والبيهقي في شعب الإيمان:3/380 وفي:5 ص272 والبخاري في الادب المفرد/207 وأبو داود في سننه:1 جزء 1/447 وابن أبي شيبة في مصنفه:7/139 والديلمي في فردوس الأخبار:1/188 وص 321 وج 5/359 والبغوي في مصابيحه:1/431 وص 449 ومعالم التنزيل:4/148 والمنذري في الترغيب والترهيب:3/460 والعسقلاني في تهذيب التهذيب:3/315 وعارضة الأحوذي شرح الترمذي:2 جزء 3/275 وجامع الأحاديث القدسية من الصحاح:1/77 وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بإصبهان:1/218 والهندي في كنز العمال:3/466 وج 12/313 وابن حجر تهذيب التهذيب:3/272 وفي لسان الميزان:4/67 وص 252 والمزي في تهذيب الكمال:9/308.

وقال

ابن باز في فتاويه: 1/195:

وقد اغتر بهذا الحديث (في صلاة ليلة نصف شعبان) جماعة من الفقهاء كصاحب الاحياء وغيره، وكذا من المفسرين وقد رويت صلاة هذه الليلة أعني ليلة النصف من شعبان علي أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه(ص)إلي البقيع ونزول الرب ليلة النصف إلي سماء الدنيا وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم كلب، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة، علي أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة، علي ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه.

و قالوا إنه تعالي ينزل يوم عرفة

مصابيح السنة للبغوي:2/254:

عن جابر (رض) أنه قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلي السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة..

ورواه المنذري في الترغيب والترهيب:2/187 وص 200 وص 204

والديلمي في فردوس الأخبار:5/16

الامام الرضا يلعن الذين حرفوا حديث النزول

قال الصدوق في كتابه التوحيد/176:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسي أبو تراب الروياني، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام:

يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: إن الله تبارك وتعالي ينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) كذلك، إنما قال صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي يُنْزِلُ مَلَكاً إلي السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتي يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلي محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وآله.

و احاديث إخواننا تؤيد ما قاله الإمام الرضا

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/343 _ 344:

وإنما المعني الصحيح للحديث والتوجيه السديد أن النازل هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالي بأن ينادي في السماء الدنيا في وقت السحر فيما يوازي كل جزء من الكرة الأرضية طوال الأربع والعشرين ساعة، ويصح في اللغة العربية أن ينسب الفعل إلي الأمر به فتقول العرب مثلاً: غزا الملك البلدة الفلانية أي أمر وأرسل قائد جيشه بذلك، مع أنه لم يفارق قصره، ولله المثل الأعلي.

والذي يثبت هذا المعني وينفي ما تتوهمه المجسمة وتدعو إليه

أنه ورد الحديث أيضاً بروايتين صحيحتين في الدلالة علي ذلك. أما الرواية الأولي: فقد روي الإمام النسائي في السنن الكبري 6 _ 124 بإسناد صحيح وهو في عمل اليوم والليلة له المطبوع/340 برقم 482 عن سيدنا أبي سعيد الخدري وسيدنا أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما قالا: قال رسول الله (ص): إن الله عز وجل يمهل حتي يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر منادياً ينادي يقول: هل من داع فيستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطي.

وأما الرواية الثانية: فعن سيدنا عثمان بن أبي العاص الثقفي قال رسول الله (ص): تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطي، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقي مسلم يدعو بدعوة إلا استحباب الله عز وجل له إلا زانية تسعي بفرجها، أو عشاراً. رواه أحمد 4 _ 22 و 217 والبزار 4 _ 44 كشف الاستار والطبراني 9 _ 51 وغيرهم بأسانيد صحيحة والعشار: صاحب المكس.

فهذه الأحاديث الواضحة تقرر بلا شك ولا ريب بأن النازل إلي السماء الدنيا هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالي أن ينادي بذلك، علي أن الحافظ ابن حجر حكي في الفتح 3 _ 30 في شرح الحديث الأول الذي في الصحيحين أن بعض المشايخ ضبط الحديث بضم الياء في (ينزل) فيكون اللفظ هكذا: ينزل الله تعالي كل ليلة إلي السماء الدنيا، أي: ينزل ملكاً كما تقدم.

و تؤيده أحاديث فيها اطلع الله بدل ينزل

سنن ابن ماجة:1/444:

... عن أبي موسي الأشعري عن رسول الله(ص)قال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن.

مسند أحمد:2/176:

عن عبدالله بن عروة أن

رسول الله(ص)قال: يطلع الله عز وجل إلي خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لإثنين: مشاحن وقاتل نفس.

كنز العمال:3/464:

إن الله تعالي يطلع علي عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم عليه. هب عن عائشة. إذا كان ليلة النصف من شعبان إطلع الله إلي خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتي يدعوه. هب عن أبي ثعلبة الخشني)... تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لله لكل عبد مؤمن، إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء فيقال أتركوا هذين حتي يفيئا. حم عن أبي هريرة.

كنز العمال:3/467:

يطلع الله تعالي إلي خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. حب، طب، وابن شاهين في الترغيب، هب، وابن عساكر عن معاذ... يطلع الله تعالي علي خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحناً أو قاتل نفس. حم ت عن ابن عمرو.

كنز العمال:12/313:

إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن. هعن أبي موسي.

و احاديث خالية من ينزل و يصعد

كنز العمال:12/314:

إذا كان ليلة النصف من شعبان نادي مناد: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه، فلا يسأل أحد شيئاً إلا أعطاه، إلا زانية بفرجها أو مشرك. هب عن عثمان بن أبي العاص... إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله من الذنوب أكثر من عدد شعر غنم كلب. هب عن عائشة... إن الله تعالي يغفر ليلة النصف من شعبان للمسلمين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم. ابن قانع عن أبي ثعلبة الخشني.

وادعوا أن رؤية الله تعالي في المنام تدل علي الإيمان

شرح مسلم للنووي:8 جزء 15/25:

قال القاضي: واتفق العلماء علي جواز رؤية الله تعالي في المنام وصحتها وإن رآه الإنسان علي صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام، لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالي، إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالي التجسم، ولا اختلاف الأحوال، بخلاف رؤية النبي (ص). قال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالي في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي علي أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات.

تهذيب التهذيب لابن حجر:11/380:

يوسف الحماني عن أبيه عن يوسف بن ميمون عن ابن سيرين قال: من رأي ربه في المنام دخل الجنة!!

تهذيب التهذيب لابن حجر:3/397:

عن عبد الله بن أحمد: سمعت سريح بن يونس يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا سريح سل حاجتك، فقلت: رحمان سر بسر. انتهي. يعني رأساً برأس! قال البخاري: مات في ربيع الآخر منه (235).

صفة الصفوة لابن الجوزي جزء 1 و 2/618:

عن إسحاق بن إبراهيم الجيلي قال: سمعت سريج بن يونس يقول: رأيت فيما يري النائم كأن الناس وقوف بين يدي الله وأنا في أول صفه في آخره ونحن ننظر إلي رب العزة تعالي.. إذ قال:

أي شئ تريدون؟ فسكت الناس..وجزت الصف الأول... فقال: أي شئ تريد؟ فقلت رحمان سر بسر... قال تعالي قد خلقتكم ولا أعذبكم! ثم غاب في السماء فذهب.

تاريخ الإسلام للذهبي:17/169:

سريج بن يونس بن إبراهيم... وقال عبدالله بن أحمد: سمعت سريج بن يونس يقول رأيت رب العزة من المنام فقال سل حاجتك... له حكايات شبه الكرامات رحمه الله. وكان إماماً في السنة.

حياة الحيوان للدميري:1/51:

وروي الإمام أحمد بن حنبل (رض): أنه رأي رب العزة في المنام تسعاً وتسعين مرة فقال: إن رأيته تمام المائة لاسألنه، فرآه تمام المائة فسأله وقال: يا رب بماذا ينجو العباد يوم القيامة؟

وقال في سيره:19/114:

أبوالمظفر السمعاني الإمام العلامة مفتي خراسان شيخ الشافعية أبو المظفر منصور ابن محمد بن عبدالجبار بن أحمد التميمي السمعاني المروزي الحنفي ثم الشافعي... ولد سنة ست وعشرين وأربع مئة... وسمعت شهردار بن شيرويه سمعت منصور بن أحمد وسأله أبي فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت حنفياً فبدا لي وحججت، فلما بلغت سميراء رأيت رب العزة في المنام فقال لي: عد إلينا يا أبا المظفر فانتبهت وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي فرجعت إليه!. انتهي. ورواه في تاريخ الإسلام: 33/321 لكن فيه (عد يا أبا المظفر إلي الشافعية).

شعب الإيمان للبيهقي:3/164:

عن رقبة قال: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي لأكرمن مثوي سليمان التيمي.

تاريخ الإسلام للذهبي:9/158:

عن ابن مصقلة: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي وجلالي لأكرمن مثوي سليمان التيمي.

تاريخ الإسلام للذهبي:20/412:

الفتح بن شخرف أبو نصر الكشئ الزاهد نزيل بغداد ومن كبار مشايخ الصوفية قال ابن البربهاري: سمعت الفتح يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا فتح احذر لا

آخذك علي غرة، توفي سنة 273 ه_، وكذا في صفوة الصفوة لابن الجوزي: ص 643

تاريخ الإسلام للذهبي:21/192:

صالح بن يونس... ورد عنه أنه رأي الحق في المنام، وحج علي قدميه سبعين حجة... والدعاء عند قبره مستجاب.

تاريخ الإسلام للذهبي: 25/350:

عبد الله بن إبراهيم بن واضح.. يقال أنه رأي الحق في النوم مرتين.

تاريخ الإسلام للذهبي: 26/316:

يعلي بن موسي البربري الصوفي.. رأي رب العزة في المنام...

تاريخ الإسلام للذهبي:26/650:

محمد بن عبدالله بن أحمد بن ربيعة... أبو سليمان بن القاضي بن محمد الربعي... روي عنه أبو نصر بن الجبان أنه رأي رب العزة في المنام...

تاريخ الإسلام للذهبي:27/134:

عن جعفر الابهري قال سمعت أبا علي القومساني يقول: رأيت رب العزة في المنام... فناولني كوزين شبه القوارير، فشربت منهما وأنا أتلو هذه الآية: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا). ورأيت رب العزة في أيام القحط فقال: يا أبا علي لا تشغل خاطرك فإنك من عيالي وعيالك عيالي وأضيافك عيالي.

تاريخ الإسلام للذهبي:29/185:

أحمد بن محمد بن إبراهيم.. الثعلبي صاحب التفسير... وقد جاء عن أبي القاسم القشيري قال: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه: أقبل الرجل الصالح، فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل. انتهي. ورواه في هامش معجم الادباء للحموي:3 جزء 5/36، وفيه (الثعالبي).

تاريخ الإسلام للذهبي:29/381:

عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان... شيخ همدان... قال شيرويه رأيت بخط بن عبدان: رأيت رب العزة في المنام فقلت له: أنت خلقت الأرض وخلقت الخلق ثم أهلكتهم، ثم خلقت خلقاً بعدهم؟ وكأني أري أنه ارتضي كلامي ومدحي له، فقال لي كلاماً يدل علي أنه يخاف عليَّ الافتخار..وقبره

يزار ويتبرك به..

المستطرف للابشيهي:1/147:

وحكي أن بعضهم كان ملاحاً ببحر النيل... فبينما أنا ذات يوم في الزورق إذا بشيخ مشرق الوجه عليه مهابة فقال..إني أريد أن أحملك أمانة قلت ما هي قال: إذا كان غداً وقت الظهر تجدني عند تلك الشجرة ميتاً وستنسي، فإذا ألهمت فأتني وغسلني وكفني في الكفن الذي تجده تحت رأسي... ثم نمت فرأيت رب العزة جل جلاله في النوم فقال: يا عبدي أثقل عليك أن مننت علي عبد عاص بالرجوع.

معجم الادباء للحموي:3 جزء 5/70:

أبا الحسن بن سالم البصري يقول... قال: سمعت أبا بكر محمد بن مجاهد المقرئ يقول: رأيت رب العزة في المنام فختمت عليه ختمتين فلحنت في موضعين فاغتممت، فقال: يابن مجاهد الكمال لي الكمال لي!

مختصر تاريخ دمشق:3 جزء 5/204:

قال أبو عبدالرحمن... رفيق بشر بن الحارث: رأي صاحب لنا رب العزة في النوم قبل موت بشر بقليل فقال: قل لبشر بن الحارث: لو سجدت لي علي الجمر ما كنت تكافئني بما نوهت اسمك في الناس...

مختصر تاريخ دمشق:3 جزء 6/348:

قال إسحاق الحربي: بلغني أن أبا حسان الزيادي رأي رب العزة تبارك وتعالي في النوم...

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/214:

عن رقبة قال سليمان بن طرخان: رأيت رب العزة تبارك وتعالي في النوم.

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/355:

قال علي بن المثني سمعت عمي يقول: سمعت أبي يقول سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالي في المنام..

الاعتصام للشاطبي:1/260:

عن أبي يزيد السبطايي قال: رأيت ربي في المنام فقلت: كيف الطريق إليك؟ قال أترك نفسك وتعال. وشأن هذا الكلام من الشرع موجود...

صفوة الصفوة لابن الجوزي

جزء 3 و 4/356:

عن جعفر بن علي الترمذي: أن أحمد بن خضرويه قال: رأيت رب العزة في منامي فقال لي: يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد البسطامي فإنه يطلبني.

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/388:

قال إبراهيم بن عبدالله: فرأيت الله تعالي في النوم فوقفني بين يديه.

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/468:

يوسف بن موسي القطان يحدث أن أبا عمرو الأوزاعي قال: رأيت رب العزة في المنام.

المواعظ للمقريزي:2/255:

عن رجل من صلحاء المصريين يقال له أبو هادون الخرقي قال: رأيت الله عز وجل في منامي فقلت: يا ربي أنت تراني وتسمع كلامي قال: نعم... انتهي.

ومما يلاحظ أن أكثر الذين رأوا ربهم في المنام، من الفرس المشبهة والمجسمة!

اما درجة ابن عربي و أمثاله فهي أكبر من الرؤية في المنام

مذاهب التفسير الإسلامي لجولد تسيهر/239:

وقد عرض ابن عربي تعاليمه.. بأنه استمد علمه لا من فم الرسول الذي ظهر له، ولا من الملائكة فحسب، بل من كلام الله المباشر الذي حظي به تكراراً. فهو يتحدث كثيراً عن لقائه مع الله سبحانه.. إني رأيت الحق في النوم مرتين وهو يقول لي: إنصح عبادي!! انتهي.وقد ادعي ابن عربي لنفسه مقامات الأنبياء وأوصيائهم، ودون ذلك في كتبه!!

كرامات الأولياء للنبهاني:1/588:

اسماعيل الأنبابي: كان يطلع علي اللوح المحفوظ فيقول: يقع كذا، فلا يخطي!

مقالات الإسلاميين للأشعري:1/289:

وفيهم (يعني النساك) من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، مُنَاوَلَةً.

ونختم بما جاء في هامش تاريخ الإسلام للذهبي: 38/135:

قال أبو محمد العكبري رأيت رسول الله (ص) في المنام فقلت يا رسول الله إمسح بيدك عيني فإنها تؤلمني فقال: إذهب إلي

نصر بن العطار يمسح عينك... هذا نصر قد صافحته يد الحق. انتهي.

لكن الإمام الصادق تشاءم من صاحب هذه الرؤية

بحار الأنوار:4/32:

عن إبراهيم الكرخي قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام): إن رجلاً رأي ربه عز وجل في منامه فما يكون ذلك؟ فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تبارك وتعالي لا يري في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

بيان: لعل المراد أنه كذب في تلك الرؤيا، أو أنه لما كان مجسماً تخيل له ذلك، أو أن هذه الرؤيا من الشيطان، وذكرها يدل علي كونه معتقداً للتجسيم.

وقال النيشابوري في روضة الواعظين/33:

وقيل له عليه السلام: إن رجلاً رأي ربه في منامه فما يكون ذلك فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تعالي لا يري في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

خلاصة اعتقادنا في التنزيه و نفي التشبيه

العقل والآيات والأحاديث تنفي إمكان رؤية الله تعالي بالعين

نعتقد نحن الشيعة بأن الله تعالي لا يمكن أن يري بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا.. إلي آخر الآيات الصريحة بأنه تعالي لا يمكن أن يري بالعين، بل يري بالعقل والقلب وهي أعمق وأصح من رؤية العين.

وقد استدل أئمتنا عليهم السلام وعلماؤنا رضي الله عنهم، علي نفي التجسيم والرؤية بالكتاب والسنة والعقل.. واعتبروا أن ذلك من أصول مذهبنا، بل هو كالبديهيات حتي عند عوامنا.

وستعرف أن القول برؤية الله تعالي جاءت من تأثر المسلمين باليهود والنصاري والمجوس، وأن أهل البيت عليهم السلام وجمهور الصحابة وقفوا في وجه ذلك، وكذبوا نسبة الرؤية بالعين إلي الإسلام، وكل ما تستلزمه من التشبيه والتجسيم، ولكن موجة التشبيه والتجسيم غلبت.. لأن دولة الخلافة تبنتها!

والدليل البسيط علي نفي إمكان رؤية الله تعالي بالعين أن ما تراه العين

لابد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان، والله تعالي وجود متعال علي الزمان والمكان، لأنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم، فكيف نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما!

لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمكان، حتي ليصعب عليها أن تتصور موجوداً خارج قوانين الزمان والمكان، وحتي أننا نتصور خارج الفضاء والكون بأنه فضاء! وهذه هي طبيعة الإنسان قبل أن يكبر ويطلع، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها!

لكن مع ذلك فإن عقل الإنسان يدرك أن الوجود لا يجب أن يكون محصوراً بالمكان والزمان، وأن بإمكان الإنسان أن يرتقي في إدراكه الذهني فيدرك ما هو أعلي من الزمان والمكان ويؤمن به، وإن عرف أنه غير قابل للرؤية بالعين.

وهذا الإرتقاء الذهني هو المطلوب منا نحن المسلمين بالنسبة إلي وجود الله تعالي، لا أن نجره إلي محيط وجودنا ومألوف أذهاننا، كما فعل اليهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده في عزير عليه السلام وغيره، وكما فعل النصاري فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسيح عليه السلام وغيره!!

الرسول يعلم الأمة التوحيد

قال الصدوق في كتابه التوحيد/107:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عن آبائه عليهم السلام قال: مرالنبي صلي الله عليه وآله علي رجل وهو رافع بصره إلي السماء يدعو، فقال له رسول: غض بصرك، فإنك لن تراه.

وقال: ومر النبي صلي الله عليه وآله علي رجل رافع يديه إلي السماء وهو يدعو، فقال رسول الله: أقصر من يديك، فإنك لن تناله.

الكافي:1/94:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن اليعقوبي، عن بعض أصحابنا، عن عبدالأعلي مولي آل سام،

عن أبي عبدالله عليه السلام: قال إن يهودياً يقال له سبحت، جاء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: يا رسول الله جئت أسألك عن ربك، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه، وإلا رجعت؟

قال: سل عما شئت.

قال: أين ربك؟

قال: هو في كل مكان، وليس في شئ من المكان المحدود.

قال: وكيف هو؟

قال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق، والله لا يوصف بخلقه.

قال: فمن أين يعلم أنك نبي الله؟

قال: فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا سبحت إنه رسول الله!

فقال سبحت: ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا!

ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

و يعلمنا أن أقصي ما يمكن أن يراه الإنسان نور عظمة الله

بحار الأنوار:4/38:

يد: أبي، عن محمد العطار، عن ابن عيسي، عن البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكُشِفَ لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

علي يثبت مشاهدة القلوب و ينفي مشاهدة العيان

نهج البلاغة:2/99:

179 ومن كلام له عليه السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟

فقال عليه السلام: أفأعبد ما لا أري!

فقال: وكيف تراه!

فقال: لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم لا بروية، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته.

ورواه في بحار الأنوار:4/27 عن:

يد، لي: القطان والدقاق والسناني، عن ابن زكريا القطان، عن محمد بن العباس، عن محمد بن أبي السري، عن أحمد بن عبدالله بن يونس، عن ابن طريف، عن الأصبغ في حديث قال: قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره. قال: فكيف رأيته صفه لنا. قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظَم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة،

مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء علي غير ممازجة، خارج منها علي غير مباينة، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج.. فخر ذعلب مغشياً عليه... الخبر.

لم يحلل في الأشياء... ولم ينأ عنه

نهج البلاغة:1/112:

65 ومن خطبة له عليه السلام: الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالاً. فيكون أولاً قبل أن يكون آخراً. ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً. كل مسمي بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصمُّ عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير غيره يعمي عن خفي الألوان ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره باطن، وكل باطن غيره ظاهر.

لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوف من عواقب زمان، ولا إستعانة علي ند مثاور، ولا شريك مكاثر، ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون.

لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن.

لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر، بل قضاء متقن وعلم محكم، وأمر مبرم. المأمول مع النقم، والمرهوب مع النعم....

لا تقدر عظمة الله سبحانه علي قدر عقلك

نهج البلاغة:1/160:

91 ومن خطبة له عليه السلام تعرف بخطبة الاشباح وهي من جلائل خطبه عليه السلام وكان سأله سائل أن يصف الله حتي كأنه يراه عياناً، فغضب عليه السلام لذلك:

الحمد لله الذي لا يَفِرْهُ المنع والجمود، ولا يكديه الإعطاء والجود، إذ كل معط منتقص سواه، وكل مانع مذموم ما خلاه، وهو المنان بفوائد النعم، وعوائد المزيد والقسم. عياله الخلق، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم، ونهج سبيل الراغبين إليه، والطالبين ما لديه، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل.

الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله، والاخر الذي ليس له

بعد فيكون شئ بعده، والرادع أناسيَّ الابصار عن أن تناله أو تدركه.

ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولا كان في مكان فيجوز عليه الإنتقال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار، من فلز اللجين والعقيان، ونثارة الدر وحصيد المرجان، ما أثر ذلك في جوده، ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الأنعام ما لا تنفده مطالب الانام، لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين، ولا يبخله إلحاح الملحين.

فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، واستضي بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبي صلي الله عليه وآله وأئمة الهدي أثره، فكل علمه إلي الله سبحانه، فإن ذلك منتهي حق الله عليك.

واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمي تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً. فاقتصر علي ذلك، ولا تقدر عظمة الله سبحانه علي قدر عقلك فتكون من الهالكين.

هو القادر الذي إذا ارتمت الاوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، دعاها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته.

الذي ابتدع الخلق علي غير مثال

امتثله، ولا مقدار احتذي عليه، من خالق معهود كان قبله. وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف لحاجة من الخلق إلي أن يقيمها بمساك قدرته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له علي معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته علي المبدع قائمة.

فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره علي معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ندلك، وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين.

كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وقدروك علي الخلقة المختلفة القوي بقرائح عقولهم. وأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك. وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفاً، ولا في رويات خواطرها فتكون محدوداً مصرفاً.

وروي هذه الخطبة الصدوق في التوحيد/48 فقال:

13 حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب علي المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف

لنا ربك تبارك وتعالي لنزداد له حباً وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام ونادي الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتي غص المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال... كما في نهج البلاغة بتفاوت في بعض الكلمات.

لا تدركه الشواهد و لا تحويه المشاهد

نهج البلاغة:2/115:

185 ومن خطبة له عليه السلام: الحمد الله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال علي قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه علي وجوده، وباشتباههم علي أن لا شبه له.

الذي صدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه. مستشهد بحدوث الأشياء علي أزليته، وبما وسمها به من العجز علي قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء علي دوامه.

واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد. تتلقاه الاذهان لا بمشاعرة، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة. لم تحط به الاوهام بل تجلي لها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها.

ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيماً، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً. بل كبر شأناً، وعظم سلطاناً.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفي، وأمينه الرضي صلي الله عليه وآله. أرسله بوجوب الحجج، وظهور الفلج، وإيضاح المنهج، فبلغ الرسالة صادعاً بها، وحمل علي المحجة دالاً عليها، وأقام أعلام الإهتداء ومنار الضياء، وجعل أمراس الإسلام متينة، وعري الإيمان وثيقة.

نهج البلاغة:2/116:

186 ومن خطبة له عليه السلام في التوحيد، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عني من شبهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه. فاعل لا باضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لا بإستفادة، لا تصحبه الاوقات،

ولا ترفده الادوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والإبتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له. ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

لا يشمل بحد، ولا يحسب ببعد، وإنما تحد الادوات أنفسها، وتشير الآلة إلي نظائرها، منعتها منذ القدمية، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لولا التكملة. بها تجلي صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون.

لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه، إذن لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذ وجد له أمام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان. وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره.

الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الافول، ولم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً. جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء. لا تناله الاوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه الايدي فتمسه.

لا يتغير بحال، ولا يتبدل بالاحوال، ولا تبليه الليالي والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام. ولا يوصف بشئ من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حد ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه، أو أن شيئاً يحمله فيميله أو يعدله.

ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان

ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات. يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر.

يحب ويرضي من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة. يقول لمن أراد كونه كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.

لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون ينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ لمبتدي والبديع.

خلق الخلائق علي غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن علي خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها علي غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسي أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي علي كل شئ منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شئ منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلي ذي مال فيرزقه.

خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلي غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها، حتي يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها.

اول الدين معرفته... و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه

نهج البلاغة:1/14:

ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص

الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه.. أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلي منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة، وغير كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رَوِيَّةً أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها.

ثم أنشأ سبحانه فتق الاجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجري فيها ماء متلاطماً تياره، متراكماً زخاره، حمله علي متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها علي شده، وقرنها إلي حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلي آخره، وساجيه إلي مائره، حتي عب عُبَابُه، ورمي

بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوي منه سبع سموات، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً، وعلياهن سقفاً محفوظاً، وسمكاً مرفوعاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها.

ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجري فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر، ثم فتق ما بين السموات العلا، فملاهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الابدان، ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء علي وحيه، وألسنة إلي رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لابواب جنانه. ومنهم الثابتة في الارضين السفلي أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الاقطار أركانهم والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالاماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنَّها بالماء حتي خلصت، ولاطها بالبلة حتي لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتي استمسكت، وأصلدها حتي صلصلت، لوقت معدود، وأمد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والاذواق والمشام، والالوان والاجناس. معجوناً بطينة الالوان المختلفة، والاشباه المؤتلفة، والاضداد المتعادية، والاخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدي الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الاذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته....

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونه

التوحيد للشيخ الصدوق/31:

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا

أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الاعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن. الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الاوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يري في خلقه من علامات التدبير. الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته.

الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله. الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم علي طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعيدا...

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي علي العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم،

ليس له حد ينتهي إلي حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شئ والآخر بعد كل شئ، ولا يعدله شئ، الظاهر علي كل شئ بالقهر له، والمشاهد لجميع الاماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لا مسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه، في خلق ما خلق... إلي آخر الخطبة.

اميرالمؤمنين يرد علي تجسيم اليهود

قال الصدوق في كتابه التوحيد/77:

حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال حدثنا علي بن سلمة الليفي، قال حدثنا إسماعيل بن يحيي بن عبدالله، عن عبدالله بن طلحة بن هجيم، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة قال: جاء يهودي إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين متي كان ربنا؟ قال فقال له علي عليه السلام: إنما يقال: متي كان لشئ لم يكن فكان، وربنا تبارك وتعالي هو كائن بلاكينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهي، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية.

أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال:

حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبدالله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر اللون كأنه من متهودة اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما، ليس بشبح فيري، ولا بجسم فيتجزي، ولا بذي غاية فيتناهي، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوي.

كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للاشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الازمان، ولا ينقلب شاناً بعد شان.

البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الاوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها

بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.

لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية، بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسي تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالي عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود، فقد جهل الخالق المعبود... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهي.وقد تقدم في الفصل الأول رده علي كعب الأحبار في مجلس الخليفة عمر.

و يوجه المسلمين إلي التفكر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

نهج البلاغة:2/70:

165 ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات علي لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله علي وحدانيته.

وما ذرأ من مختلف صور الاطيار، التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمان التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح، والفضاء المنفرج.

كَوَّنها بعد أن لم تكن، في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة، ومنع بعضها بعبالة خلقة، أن يسمو في السماء خفوفاً، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها علي اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل،

ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلي الأنثي نشره من طيه، وسما به مطلاً علي رأسه، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يختال بألوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الديكة، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب.

أحيلك من ذلك علي معاينة، لا كمن يحيل علي ضعيف إسناده، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه، فتقف في ضفتي جفونه، وأن أنثاه تطعم ذلك، ثم تبيض لا من لقاح فحل، سوي الدمع المنبجس، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.

تخال قصبه مداري من فضة، وما أنبت عليها من عجيب داراته، وشموسه خالص العقيان، وفلذ الزبرجد، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جني جني من زهرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشي الحلل، أو مونق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل.

يمشئ مشئ المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله، وأصابيغ وشاحه، فإذا رمي ببصره إلي قوائمه، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية.

وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرزها إلي حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر أسحم، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الاقحوان، أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالازاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع،

ولا شموس قيظ، وقد يتحسر من ريشه، ويعري من لباسه، فيسقط تتري، وينبت تباعاً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتي يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه.

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية.

فكيف تصل إلي صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقل أجزائه قد أعجز الاوهام أن تدركه، والالسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون، فأدركته محدوداً مكوناً، ومؤلفاً ملوناً، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته.

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة، إلي ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة، ووأي علي نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...

و يصف النملة والجرادة

نهج البلاغة:2/115:

185 ومن خطبة له عليه السلام:... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلي الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة.

ألا تنظرون إلي صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوي له العظم والبشر. أنظروا إلي النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت علي أرضها، وصبت علي رزقها، تنقل الحبة إلي جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها

عجباً، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالي الذي أقامها علي قوائمها، وبناها علي دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا علي أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شئ، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلي الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات.

فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلي حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان.

وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتي ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، ويعفرِّ له خداً ووجهاً، ويلقي إليه بالطاعة سلماً وضعفاً، ويعطي له القياد رهبة وخوفاً، فالطير مسخرة لامره، أحصي عدد الريش منها والنفس، وأرسي قوائمها علي الندي واليبس، وقدر أقواتها، وأحصي أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبلَّ الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد

جدوبها.

علي مؤسس علم التوحيد

أمالي المرتضي:1/148:

إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام وخطبه، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول.

وروي عن الأئمة من أبناءه عليهم السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة، ونتاج للعقول العقيمة، ونحن نقدم علي ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يصف الله تعالي:

بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والخشونة بالليل، واليبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

وروي عنه عليه السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني به. قيل: وكيف عرفك؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بقياس الناس.

وقيل له عليه السلام: كيف يحاسب الله الخلق؟ قال: كما يرزقهم. فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال: كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

الامام زين العابدين ينظم زبور آل محمد

قال عليه السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والاخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم علي مشيته

اختراعاً، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلي ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطي إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتي إذا بلغ أقصي أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلي ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني، عدلاً منه تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون...

الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون:

وكان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلاة الليل: اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعز الباقي علي مر الدهور وخوالي الأعوام، ومواضي الأزمان والأيام، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية، ولا منتهي له بآخرية، واستعلي ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، ولا يبلغ أدني ما استأثرت به من ذلك أقصي نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، وتفسخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام.

كذلك أنت الله الأول في أوليتك، وعلي ذلك أنت دائم لا تزول.

وأنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك، وتقطعت عني عصم الامال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء فاعف عني...

الصحيفة السجادية:2/21:

دعاؤه عليه السلام في التحميد لله عز وجل: الحمد لله الذي تجلي للقلوب

بالعظمة، واحتجت عن الابصار بالعزة، واقتدر علي الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمته، تجبر بالعظمة والكبرياء، وتعطف بالعز والبر والجلال، وتقدس بالحسن والجمال، وتجمل بالفخر والبهاء، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له، وواحد لاند له، وماجد لا ضد له، وصمد لا كفو له، وإله لا ثاني معه، وفاطر لا شريك له، ورازق لا معين له، الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والباقي بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك، والفاطر بلا كلفة، والفاعل بلا عجز.

ليس له حد في مكان، ولا غاية في زمان، لم يزل ولا يزول ولن يزال، كذلك أبداً هو الاله الحي القيوم، الدائم القديم، القادر الحكيم...

الامام محمد الباقر يجيب علي سؤال متي وجد الله

الكافي:8/120:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولي عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلي أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي!

فقال: أشهد لاتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتي اتكأ علي الناس ثم أشرف علي أبي جعفر عليه السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت

أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني كم بين عيسي وبين محمد من سنة.

قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. من الذي سأل محمد، وكان بينه وبين عيسي خمسمائة سنة.

فقال: فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلي الْمَسْجِدِ الأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا. فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالي محمداً صلي الله عليه وآله حيث أسري به إلي بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيل عليه السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي علي خير العمل، ثم تقدم محمد صلي الله عليه وآله فصلي بالقوم فلما انصرف قال لهم: علي ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، أخذ علي ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا.

قال: إن الله تبارك وتعالي لما أهبط آدم إلي الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل علي آدم عليه السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها

فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ، أي أرض تبدل يومئذ.

فقال أبو جعفر عليه السلام: أرض تبقي خبزة يأكلون منها حتي يفرغ الله عز وجل من الحساب.

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم. قال: صدقت يابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وما هي.

قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالي متي كان؟

قال: ويلك متي لم يكن حتي أخبرك متي كان! سبحان من لم يزل ولا يزال، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.

قال: وما هو.

قال: ما تقول في أصحاب النهروان، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

قال: فولي من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا، فأتي هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً، ويحق لاصحابه أن يتخذوه نبياً!! انتهي.

والظاهر أن الإمام الباقر عليه السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج، لأن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير علي عليه السلام.

و يركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه و لا تعطيل

التوحيد للصدوق/104:

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسي عمن ذكره

قال: سئل أبو جعفر عليه السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شئ قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.

الامام الصادق: لا نفي و لا تشبيه و لا جبر و لا تفويض

قال الصدوق في كتابه التوحيد/102:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت علي يدي عبد الملك بن أعين إلي أبي عبدالله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد، فكتب عليه السلام بيد عبد الملك بن أعين:

سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالي الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالي الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالي بخلقه، المفترون علي الله. واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالي الله عما يصفه الواصفون، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان.

توحيد الصدوق/103:

حدثني محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبدالله ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شئ، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به علم، لم يلد

لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالي عن صفة من سواه علواً كبيرا.

المؤمنون يرون الله بعقولهم و قلوبهم في الدنيا والآخرة

بحار الأنوار:4/31:

لي: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن المنذر بن محمد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) عن الله تبارك وتعالي هل يري في المعاد فقال: سبحان الله وتعالي عن ذلك علواً كبيرا. يا ابن الفضل، إن الابصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الالوان والكيفية.

بحار الأنوار:4/44:

يد: الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة.

قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقلت: متي؟

قال: حين قال لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثث به فأنكره منكر جاهل بمعني ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالي الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

ضه: سأل محمد الحلبي الصادق عليه السلام فقال: رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

بحار الأنوار:4/33:

ج: عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: إحاطة الوهم، ألا تري إلي قوله: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ

مِنْ رَبِّكُمْ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من أبصر بعينه، ومن عمي فعليها، ليس يعني عمي العيون، إنما عني إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يري بالعين.

الامام الصادق يرد علي الحلول والثنائية بين الذات والصفات

الكافي:1/82:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شئ ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شئ، تبارك الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

الكافي:1/83:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو قال: هو شئ بخلاف الأشياء، أرجع بقولي إلي إثبات معني وأنه شئ بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الاوهام ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الازمان، فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول: إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلي أنه السميع.

الكافي:1/87:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر

بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتق من أله، والاله يقتضي مألوهاً والاسم غير المسمي، فمن عبد الإسم دون المعني فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الإسم والمعني فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعني دون الإسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الإسم هو المسمي لكان كل إسم منها إلهاً، ولكن الله معني يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم.قال فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتي قمت مقامي هذا.

علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبدالرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الاحد الصمد؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمي بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمي بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه.

الكافي:1/103:

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد علي صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ،

ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتي صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الاين حتي صار أيناً فعرفت الاين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتي صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالي داخل في كل مكان وخارج من كل شئ، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ. لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

الامام الكاظم يرد علي تجسيد النصاري

وقال الصدوق في كتابه التوحيد/75:

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيي، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهيم موسي بن جعفر (عليهما السلام) وهو يكلم راهباً من النصاري، فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالي أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن، فكان خبراً كما أراد في اللوح.

و يبين أن الله تعالي غني عن النزول والحركة

قال الصدوق في كتابه التوحيد/183:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بأبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسي بن جعفر (عليهما السلام) قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالي ينزل إلي السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا ينزل، ولا يحتاج إلي أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطَّول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالي ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلي نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلي من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له علي حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو

زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

الامام الرضا يعلم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

توحيد الصدوق/107:

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسي بن عبيد قال قال لي أبو الحسن عليه السلام: ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شئ هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت الله عز وجل نفسه شيئاً حيث يقول: قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم، فأقول: إنه شئ لا كالأشياء، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه. قال لي: صدقت وأصبت.

ثم قال لي الرضا عليه السلام: للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز، لأن الله تبارك وتعالي لا يشبهه شئ، والسبيل في الطريقة الثالثة: إثبات بلا تشبيه.

توحيد الصدوق/98:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ، عن محمد ابن زيد قال: جئت إلي الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد فأملي علي: الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لا من شئ فيبطل الإختراع، ولا لعلة فلا يصح الإبتداع. خلق ما شاء كيف شاء، متوحداً بذلك لاظهار حكمته وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الاوهام، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الأبصار، وضل فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله

إلا الله الكبير المتعال.

ورواه في علل الشرائع:1/10

و يكشف حقيقة جديدة في الإسراء والمعراج

التوحيد للصدوق/113:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن الحسين، قالا: دخلنا علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمداً صلي الله عليه وآله رأي ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة، رجلاه في خضرة، وقلت: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلي السرة والباقي صمد، فخر ساجداً ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك. إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك، ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين.

ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره، ثم قال: نحن آل محمد النمط الأوسط، الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي. يا محمد إن رسول الله صلي الله عليه وآله حين نظر إلي عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة..

يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين.

قال قلت: جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة؟ قال: ذاك محمد صلي الله عليه وآله كان إذا نظر إلي ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتي يستبين له ما في الحجب! إن نور الله منه اخضرَّ ما اخضر، ومنه احمرَّ ما احمر، ومنه أبيضَّ ما

أبيض، ومنه غير ذلك. يا محمد ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به.

ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/41 وقال:

بيان: قوله عليه السلام: النمط الوسطي وفي الكافي الأوسط قال الجزري: في حديث علي: خير هذه الأمة النمط الأوسط، النمط: الطريقة من الطرائق والضروب، يقال: ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب، والنمط: الجماعة من الناس أمرهم واحد. انتهي.

قوله عليه السلام: لا يدركنا الغالي في أكثر النسخ بالغين المعجمة، وفي بعضها بالعين المهملة، وعلي التقديرين المراد به من يتجاوز الحد في الأمور، أي لا يدركنا ولا يلحقنا في سلوك طريق النجاة من يغلو فينا أوفي كل شئ، والتالي أي التابع لنا لا يصل إلي النجاة إلا بالأخذ عنا، فلا يسبقنا بأن يصل إلي المطلوب لا بالتوصل بنا.

وفي الكافي: إن نور الله منه أخضر، ومنه أحمر، ومنه أبيض، ومنه غير ذلك. وسيأتي في باب العرش في خبر أبي الطفيل إن الله خلق العرش من أنوار مختلفة، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار.

ثم اعلم أنه يمكن إبقاء الحجب والأنوار علي ظواهرها بأن يكون المراد بالحجب أجساماً لطيفة مثل العرش والكرسي يسكنها الملائكة الروحانيون، كما يظهر من بعض الدعوات والأخبار، أي أفاض عليه شبيه نور الحجب ليمكن له رؤية الحجب كنور الشمس بالنسبة إلي عالمنا.

ويحتمل التأويل أيضاً بأن يكون المراد بها الوجوه التي يمكن الوصول إليها في معرفة ذاته تعالي وصفاته إذ لا سبيل لاحد إلي الكنه، وهي تختلف باختلاف درجات العارفين قرباً وبعداً، فالمراد بنور الحجب قابلية تلك المعارف وتسميتها بالحجب،

إما لأنها وسائط بين العارف والرب تعالي كالحجاب، أو لأنها موانع عن أن يسند إليه تعالي ما لا يليق به، أو لأنها لما لم تكن موصلة إلي الكنه فكأنها حجب، إذ الناظر خلف الحجاب لا تتبين له حقيقة الشئ كما هي.

وقيل: إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الأنوار، ووسائط النفوس الكاملة، والنفس إذا استكملت ناسبت نوريتها نورية تلك الأنوار، فاستحقت الإتصال بها والاستفادة منها، فالمراد بجعله في نور الحجب جعله في نور العلم والكمال مثل نور الحجب، حتي يناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فيستبين له ما في ذواتهم، ولا يخفي فساده علي أصولنا بوجوه شتي.

وأما تأويل ألوان الأنوار فقد قيل فيه وجوه:

الأول: أنها كناية عن تفاوت مراتب تلك الأنوار بحسب القرب والبعد من نور الأنوار، فالابيض هو الاقرب، والاخضر هو الابعد، كأنه ممزوج بضرب من الظلمة، والأحمر هو المتوسط بينهما، ثم ما بين كل اثنين ألوان أخري كألوان الصبح والشفق المختلفة في الالوان لقربها وبعدها من نور الشمس.

الثاني: أنها كناية عن صفاته المقدسة، فالاخضر قدرته علي إيجاد الممكنات وإفاضة الأرواح التي هي عيون الحياة ومنابع الخضرة، والأحمر غضبه وقهره علي الجميع بالإعدام والتعذيب، والأبيض رحمته ولطفه علي عباده كما قال تعالي: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ.

الثالث: ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه وذكر أنه مما أفيض عليه من أنوار الكشف واليقين، وبيانه يتوقف علي تمهيد مقدمة وهي: أن لكل شئ مثالاً في عالم الرؤيا والمكاشفة، وتظهر تلك الصور والأمثال علي النفوس مختلفة باختلاف مراتبها في النقص والكمال، فبعضها أقرب إلي ذي الصورة، وبعضها أبعد، وشأن المعبر أن ينتقل منها إلي ذواتها، فإذا عرفت هذا فالنور

الأصفر عبارة عن العبادة ونورها كما هو المجرب في الرؤيا، فإنه كثيراً ما يري الرائي الصفرة في المنام فيتيسر له بعد ذلك عبادة يفرح بها، وكما هو المعاين في جباه المتهجدين، وقد ورد في الخبر في شأنهم أنه ألبسهم الله من نوره لما خلوا به. والنور الابيض العلم لأنه منشأ للظهور، وقد جرب في المنام أيضاً. والنور الاحمر المحبة كما هو المشاهد في وجوه المحبين عند طغيان المحبة، وقد جرب في الاحلام أيضاً. والنور الأخضر المعرفة، كما تشهد به الرؤيا ويناسبه هذا الخبر، لأنه عليه السلام في مقام غاية العرفان كانت رجلاه في خضرة.

ولعلهم عليهم السلام إنما عبروا عن تلك المعاني علي تقدير كونها مرادة بهذه التعبيرات، لقصور أفهامنا عن محض الحقيقة كما تعرض علي النفوس الناقصة في الرؤيا هذه الصور، ولانا في منام طويل من الغفلة عن الحقائق، كما قال عليه السلام: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائه عليهم السلام. انتهي.

ملاحظة:

إذا شرح لنا عالم الفيزياء مثلاً بعض قوانين الضوء وتحدث عن تغير تركيب الاجسام وطاقاتها إذا تحركت بسرعة الضوء أو بأسرع منه، فإننا نتعجب لذلك ونحترم آراءه..

أما النبي والإمام المعصوم فإن حديثهما أولي بالإحترام والثقة من عالم الفيزياء، ومن كل علماء الأرض، لأنهما يتحدثان عن الفيزياء كما أخبرهما عنها خالقها تبارك وتعالي. فحديث الإمام الرضا عليه السلام عن المعراج وعن أصل الأنوار والألوان إنما هو عن جده المصطفي سيد البشر صلي الله عليه وآله الذي أوحي إليه الله تعالي وعرج به مرات متعددة كما في الأحاديث الشريفة، فأراه ملكوت السماوات والأرض.وأحاديث المعراج فيها أحاديث صحيحة ومهمة، وهي تحتاج

إلي دراسة من علماء الطبيعة، لعلهم يكتشفون منها حقائق جديدة عن الكون والطبيعة.

ولا نعني بذلك رفض التفسيرات العقلية والاشراقية كالتي أوردها المجلسي رحمه الله، ولكنها تبقي تفسيراً لجانب، أو احتمالات.. ونعم ما ختم به المحدث المجلسي رحمه الله كلامه فقال (وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائه عليهم السلام.

الامام الرضا يعلم بني العباس التوحيد

توحيد الصدوق/34:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قال: حدثنا محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة قال: حدثني محمد بن يحيي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضاً أحمد بن عبدالله العلوي مولي لهم وخالاً لبعضهم، عن القاسم بن أيوب العلوي، أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام علي هذا الأمر جمع بني هاشم فقال: إني أريد أن أستعمل الرضا علي هذا الأمر من بعدي، فحسده بنو هاشم وقالوا: أتولي رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة، فابعث إليه رجلاً يأتنا فتري من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله عليه، فصعد عليه السلام المنبر، فقعد ملياً لا يتكلم مطرقاً، ثم انتفض انتفاضة واستوي قائماً، وحمد الله وأثني عليه وصلي علي نبيه وأهل بيته. ثم قال:

أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل موصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس

بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه، ولا حقيقة أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه، ولا إياه عني من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه.

كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته. خلق الله حجاباً بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم علي أن لا ابتداء له، لعجز كل مبتدأ عن ابتداء غيره، وأَدْوه إياهم دليل علي أن لا أداة فيه، لشهادة الادوات بفاقة المتأدين، وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه.

فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال كيف فقد شبهه، ومن قال لم فقد علله، ومن قال متي فقد وقته، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال إلي م فقد نهاه، ومن قال حتي م فقد غياه، ومن غياه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغير الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجول فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسة، سميع لا بآلة، بصير لا

بأداة.

لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تحده الصفات، ولا تقيده الأدوات.

سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها علي مفرقها، وبتأليفها علي مؤلفها، ذلك قوله عز وجل: ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها، له معني الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه، ومعني العالم ولا معلوم، ومعني الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع.

ليس منذ خلق استحق معني الخالق، ولا بإحداثه البرايا استفاد معني البارئية، كيف ولا تغيبه مذ، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متي، ولا تشمله حين، ولا تقارنه مع، إنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الالة إلي نظائرها، وفي الأشياء يوجد فعالها، منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجبتها لولا التكملة، افترقت فدلت علي مفرقها، وتباينت فأعربت من مباينها، لما تجلي صانعها للعقول، وبها احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الاوهام، وفيها أثبت غيره، ومنها أنيط الدليل، وبها عرفها الإقرار.

وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالإقرار يكمل الإيمان به، ولا ديانة إلا بعد المعرفة، ولا معرفة إلا بالإخلاص، ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات

الصفات للتشبيه، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه، لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتداه، إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولما كان للبارئ معني غير المبروء.

ولو حد له وراء إذاً حد له أمام، ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء، إذاً لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلاً بعدما كان مدلولاً عليه.

ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إبانته عن الخلق ضيم، إلا بامتناع الأزلي أن يثني، وما لا بدأ له أن يبدي، لا إله إلا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبينا. وصلي الله علي محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.

نماذج من كلمات علماء مذهب أهل البيت

الإعتقادات/3 9 للصدوق المتوفي سنة 381:

إعلم أن اعتقادنا في التوحيد: أن الله تعالي واحد أحد ليس كمثله شئ، قديم لم يزل ولا يزال، سميعاً بصيراً عليماً حكمياً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً غنياً، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان، وأنه تعالي متعال من جميع صفات خلقه، خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه. وأنه تعالي شئ لا كالأشياء، صمد، لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفواً أحد، ولا نِدَّ له ولا ضد ولا شبه، ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك له، لا

تدركه الابصار وهو يدرك الأبصار ولا الأوهام وهو يدركها، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير، خالق كل شئ، لا إله إلا هو، له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.

ومن قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلي الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس.

والأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيهاً لله تعالي بخلقه فمعانيها محمولة علي ما في القرآن من نظائرها، لأن ما في القرآن: كل شئ هالك إلا وجهه، ومعني الوجه الدين، والوجه الذي يؤتي الله منه ويتوجه به إليه.

وفي القرآن: يوم يكشف عن ساق ويدعون إلي السجود وهم سالمون، والساق وجه الأمر وشدته.

وفي القرآن: أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله، والجنب الطاعة.

وفي القرآن: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، وهو روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسي، وإنما قال روحي كما قال: نبيي وعبدي وجنتي أي: مخلوقي، وناري وسمائي وأرضي. وفي القرآن: بل يداه مبسوطتان، يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.

وفي القرآن: والسماء بنيناها بأيد، والأيد القوة، ومنه قوله تعالي: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ، يعني ذا القوة.

وفي القرآن: يا إبليس ما منعك أن تسجد لماخلقت بيدي، يعني بقدرتي وقوتي.

وفي القرآن: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يعني ملكه ولايملكها معه أحد.

وفي القرآن: والسماوات مطويات بيمينه، يعني بقدرته.

وفي القرآن: وَجَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، يعني وجاء أمر ربك.

وفي القرآن: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، يعني عن ثواب ربهم.

وفي القرآن: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا

أَنْ يَاتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَ الْمَلائِكَةُ، أي عذاب الله.

وفي القرآن: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، يعني مشرقة تنظر ثواب ربها.

وفي القرآن: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَي، وغضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

وفي القرآن: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.

وفي القرآن، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، يعني إنتقامه.

وفي القرآن: إِنَّ اللهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ.

وفيه: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار وتذكية ومن الناس دعاء.

وفي القرآن: وَمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.

وفي القرآن: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ.

وفيه: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ.

وفي القرآن: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ.

وفيه: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ.

ومعني ذلك كله أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر وجزاء المخادعة وجزاء الإستهزاء وجزاء النسيان وهو أن ينسيهم أنفسهم كما قال عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، لأنه عز وجل في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزي ولا يسخر ولا ينسي، تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً.

وليس يرد في الأخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والإلحاد إلا بمثل هذه الألفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن.

الكافي/38، لأبي الصلاح الحلبي المتوفي سنة 447:

... وثبوت كونه تعالي قديماً مقتض لكونه سبحانه غنياً تستحيل عليه الحاجة،(لأن) الحاجة لا تكون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر، من حيث علمنا استحالة الحاجة علي من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد. والنفع والضرر لا يجوزان إلا علي من يلذ ويألم، لأن الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له، ويستضر بما يألم به أو يغتم لأجله، واللذة

والألم لا يجوزان إلا علي ذي شهوة ونفور، إذ معني ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه، ومعني متألم أنه أدرك ما ينفر عنه، ومعني مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إليه أو إلي من يجري مجراه واندفاع ضرر، ومعني مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو إلي من يجري مجراه أو فوت نفع، فعاد معني السرور والغم إلي النفع والضرر.

إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر إلي محل استحال تخصيصها. وكونه تعالي لا يشبه شيئاً يحيل إدراكه سبحانه بشئ من الحواس، لاختصاص الإدراك المعقول بالجواهر وأجناس من الأعراض، وليس هو من الجنسين، فاستحال إدراكه تعالي.

ولأنه لو كان مما يصح أن يدرك بشئ من الحواس لوجب أن ندركه الآن، لأنا علي الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه، لأنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة، وذلك أجمع من صفات المتحيزات، وقد دللنا علي كونه سبحانه بخلافها، فلو كان مما يصح أن يدرك لأدركناه الان، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة، من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل علي عدم إدراكه...

وثبوت كونه تعالي لا يشبه شيئاً يحيل عليه التنقل والإختصاص بالحياة والمجاورة، لأن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز. ويحيل عليه سبحانه الحلول وإيجاب الاحوال والأحكام، لأن ذلك من خواص الاعراض، فتسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الأصنام والمنجمين والنصاري والغلاة، لاثبات هؤلاء أجمع إلهية الاجسام، أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره، علي ما سلف بيانه.

كشف المراد للعلامة الحلي ص320: المتوفي سنة 726:

المسألة العشرون:

في أنه تعالي ليس بمرئي.

أقول: وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضاً. واعلم أن أكثر العقلاء ذهبوا إلي امتناع رؤيته تعالي، والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالي جسم ولو اعتقدوا تجرده لم يجوزوا رؤيته عندهم. والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالي مع تجرده يصح رؤيته.

والدليل علي امتناع الرؤية أن وجوب الوجود يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه، فتنتفي الرؤية عنه بالضرورة، لأن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هناك أو هنا، ويكون مقابلاً أو في حكم المقابل، ولما انتفي هذا المعني عنه تعالي انتفت الرؤية... أقول: لما استدل علي نفي الرؤية شرع في الجواب عن الاحتجاج، والأشاعرة قد احتجوا بوجوه أجاب المصنف رحمه الله عنها.

الأول، إن موسي عليه السلام سئل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح عنه السؤال.

والجواب: أن السؤال كان من موسي عليه السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالي: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ، وقوله: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا....

الوجه الثاني لهم، أنه تعالي حكي عن أهل الجنة النظر اليه فقال: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، والنظر المقرون بحرف إلي يفيد الرؤية، لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماساً للرؤية، وهذا متعذر في حقه تعالي لإنتفاء الجهة، عنه فيتعين أن يكون المراد منه المجاز، وهي الرؤية التي هي معلولة النظر الحقيقي، واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب: المنع من إرادة هذا المجاز، فإن النظر وإن اقترن به حرف إلي لا يفيد الرؤية، ولهذا يقال نظرت إلي الهلال فلم أره، وإذا لم يتعين هذا المعني للإرادة أمكن حمل الآية علي غيره، وهو أن يقال إن إلي واحد إلاء

ويكون معني ناظرة أي منتظرة، أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلي ثواب ربها ناظرة.

لا يقال: الإنتظار سبب الغم والآية سيقت لبيان النعم.

لانا نقول: سياق الآية يدل علي تقدم حال أهل الثواب والعقاب علي استقرارهم في الجنة والنار بقوله: وجوه يومئذ ناظرة، بدليل قوله تعالي: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل بها فاقرة فلا يبقي للظن معني. وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سبباً للغم بل سبباً للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقيناً في وقت، فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت، كما أن انتظار العقاب بعد الانذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

قال: وتعليق الرؤية باستقرار المتحرك لا يدل علي الإمكان.

أقول: هذا جواب عن الوجه الثالث للاشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالي علق الرؤية في سؤال موسي عليه السلام علي استقرار الجبل، والإستقرار ممكن لأن كل جسم فسكونه ممكن، والمعلق علي الممكن ممكن.

والجواب: أنه تعالي علق الرؤية علي الإستقرار لا مطلقاً بل علي استقرار الجبل حال حركته، واستقرار الجبل حال الحركة محال، فلا يدل علي إمكان المعلق.

قال: واشتراك المعلولات لا يدل علي اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.

أقول: هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها علي جواز رؤيته تعالي، وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية، وهذا حكم مشترك يستدعي علة مشتركة، ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدمياً، فلم يبق إلا الوجود فكل موجود يصح رؤيته وأنه تعالي

موجود.

وهذا الدليل ضعيف جداً لوجوه:

الأول: المنع من رؤية الجسم، بل المرئي هو اللون أو الضوء لا غير.

الثاني، لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية، فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض.

الثالث، لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي، لأن جنس صحة الرؤية وهو الامكان عدمي، فلا يفتقر إلي العلة.

الرابع، لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة، فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية.

الخامس، لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود، وعدم العلم لا يدل علي العدم، مع أنا نتبرع قسماً آخر وهو الامكان، وجاز التعليل به وإن كان عدمياً، لأن صحة الرؤية عدمية.

السادس، لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية، وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية، علي أنا نمنع من كون الحدوث عدمياً، لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم.

السابع، لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الامكان أو بشرط الحدوث، والشروط يجوز أن تكون عدمية.

الثامن، المنع من كون الوجود مشتركاً، لأن وجود كل شئ نفس حقيقته، ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركاً، لكن وجود الله تعالي مخالف لغيره من الوجودات، لأنه نفس حقيقته، ولا يلزم من كون وجود بعض الماهيات علة لشئ كون ما يخالفه علة لذلك الشئ.

التاسع، المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي، فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالي، أما ذاته أو صفة من صفاته، أو نقول الحكم يتوقف علي شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالي، فلا يلزم وجود الحكم فيه.

الرسالة السعدية للعلامة الحلي/39:

والدليل علي المذهب الأول: العقل، والنقل.

أما العقل، فإن الضرورة قاضية: بأن كل مرئي، فإنه لابد وأن يكون مقابلاً

للرائي، أو في حكم المقابل كالمرئي في المرايا. وكل مقابل أو في حكمه فهو في جهة، والله تعالي ليس في جهة فلا يكون مرئياً.

ولانه لو كان مرئياً لرأيناه الان، لوجود العلة المقتضية للرؤية وهي حصول الشرايط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة.

وأما النقل، فقوله تعالي: لَنْ تَرَانِي، ولو كانت صحيحة ويراه بعض المؤمنين، لكان موسي عليه السلام أولي بالرؤية.

وقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، تمدح بنفي الرؤية فيكون ثبوتها نقصاً، والنقص علي الله تعالي محال.

ولأن الخصم يسلم أن معرفة الله تعالي ليست حاصلة إلا بصفاته وآثاره دون حقيقته، فكيف تصح رؤيته والاحاطة بكنه حقيقته، تعالي الله عن ذلك.

من أين نشأت المشكلة عند إخواننا السنة

ميل العوام إلي التشبيه والتجسيم

للذهن البشري حالة ابتدائية طفولية يتصور فيها كثيراً من الأمور تصوراً خاطئاً، حتي إذا تعمق في الفكر والتجربة.. تصححت نظرته! ولعل أكثر الناس يتصورون الله تعالي في طفولتهم بصور من محيطهم، فيتخيله أحدهم كأبيه مثلاً، أو كإنسان صاحب صفات حسنة... وهذا أمر طبيعي، بل قد يكون فطرياً، فقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها (نحوه في بحار الأنوار:69/293)ولكن هذه الحالة الطفولية إذا استمرت مع الإنسان ولم تتطور، فإنها تتحول إلي حالة عامية مستعصية، ولذا تري أصحابها يميلون إلي الإعتقاد بأن الله تعالي جسم، ويروون عنه القصص والخيالات!

وقد كانت هذه (العامية) سائدة في مجتمع اليهود الذي انحرف عن رسالات أنبيائه، وكذا في مجتمع العرب الوثني، وصارت أرضية لتقبل نظريات الرؤية والتشبيه والتجسيم من اليهود، وترويجها بعد النبي صلي الله عليه وآله والتنظير لها! حتي أن بعض الحنابلة والأشعريين كابن عقيل والذهبي ادعيا أن الإسلام دين عوامي يتبني منهج العوامية!

قال الذهبي في سيره:19/448: قال ابن عقيل في الفنون: الأصلح

لإعتقاد العوام ظواهر الاي، لأنهم يأنسون بالإثبات، فمتي محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الاثبات فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلي النفي، فلا طمع ولا مخافة في النفي. ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالالفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه كقول الاعرابي: أو يضحك ربنا؟ قال النبي (ص): نعم، فلم يكفهر لقوله وتركه وما وقع له! انتهي.

وقد تبني الذهبي هذا الإتجاه الخطير وأشاد بأهله! وبلغ به الأمر أنه نقل كلام أبي حاتم بن خاموش الذي كفر فيه كل المسلمين ما عدا الحنابلة ولم يعلق عليه، قال في سيره:18/507:

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت علي الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري وألتقيه، وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده فإن رضيه أذن له في الكلام علي الناس وإلا فمنعه، قال: فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها فسألني عن مذهبي فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به وهذه بدعة وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلي الشيخ أبي حاتم، فقلت خيرة، فذهب بي إلي داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهباً لم أسمع به قط. قال: وما قال؟ فقال قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي، ولزمته

أياماً وانصرفت. انتهي.

وقال الناشر عما وجده في المخطوطة: (في حاشية الأصل بخط مغاير ما نصه: أخطأ هذا القائل قطعاً والمقول له في تصويبه ذلك وكذلك المادح له، بل لو قيل: إن قائل هذه المقالة يكفر بها لم يبعد، لأنه نفي الإسلام عن عالم عظيم من هذه الأمة ليسوا بحنابلة، بل هم الجمهور الاعظم، ولقد بالغ المصنف في هذا الكتاب في تعظيم رؤوس التجسيم، وسياق مناقبهم، والتغافل عن بدعهم، بل يعدها سنة. ويهضم جانب أهل التنزيه، ويعرض بهم أو يصرح، ويتغافل عن محاسنهم العظيمة وآثارهم في الدين، كما فعل في ترجمة إمام الحرمين والغزالي، والله حسيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). انتهي.

وقد كان العوام الرعاع في كل جيل يتعصبون للقول بالتشبيه ولمن يقول به، ويؤيدونه ضد خصومه بأساليب خشنة عدوانية! فقد روي ابن بطوطة في رحلته:1/90 إحدي مشاهداته فقال: (وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام، يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس علي منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلي سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلي هذا الفقيه وضربوه بالايدي والنعال ضرباً كثيراً، حتي سقطت عمامته وظهر علي رأسه شاشية حرير) انتهي.

وبقي هذا السلوك العوامي لاصحاب الرؤية والتجسيم، إرثاً موروثاً من قرون الإسلام الأولي! بل زاد عليه الأشعريون والمجسمة والدولة في ابتكار أساليب القمع والإرهاب للذين يخالفونهم، كما عرفت في موقفهم من التأويل والمتأولة، وكما فعلوا مع الطبري المؤرخ لأنه لم

يوافقهم علي أن الله تعالي يجلس علي عرشه، فيفضل منه أربع أصابع ليجلس عليها الأنبياء إلي جنبه! قال الحموي في معجم الأدباء:9 جزء 18/57 في ترجمة الطبري: (فلما قدم إلي بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة وعن حديث الجلوس علي العرش. فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه. فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه، ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم. وأما حديث الجلوس علي العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم، وقيل كانت ألوفاً فقام أبوجعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتي صار علي بابه كالتل العظيم... إلي آخر القصة التي سنذكرها في مكانة المجسمين في مصادر إخواننا....

وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد:4/39:

قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي(ص)وذكر فيه إقعاده علي العرش وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم.... وعبد الله بن الإمام أحمد... إلخ. ثم قال ابن القيم: قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. انتهي.

ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد، ولا ذكر إهانة الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه علي القول بذلك!

وقال ابن خلدون في تاريخه:4/477:

كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدأ الخليقة فيما علمناه، واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرها، وأعيا علي الحكام أمرهم، وربما أركبوا

العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم، فلم يحسم ذلك من عللهم شيئاً، وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الإمامة ومذاهبها، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبيه في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلي الإمام أحمد وحاشاه منه، فيقع الجدال والنكير ثم يفضي إلي الفتنة بين العوام، وتكرر ذلك منذ حُجِرَ الخلفاء، ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقية علي حسم ذلك منها، لسكني أولئك بفارس وهؤلاء بأصبهان وبُعْدِهِم عن بغداد، والشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم، وإنما تكون ببغداد شحنة (حامية عسكرية) تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلي عموم الفتنة.

... لم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلك لإشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة والنواحي، وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم، فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم تقلع عنها، إلي أن اختلفت جدتها وتلاشي عمرانها، وبقي طراز في ردائها لم تذهبه الأيام!!

وقال ابن كثير في البداية والنهاية:12/143:

ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة قال ابن الجوزي... وفي شوال منها وقعت فتنة بين الحنابلة وبين فقهاء النظامية، وحمي لكل من الفريقين طائفة من العوام، وقتل بينهم نحو من عشرين قتيلاً، وجرح آخرون ثم سكنت الفتنة.

وقال الصديق المغربي في فتح الملك العلي/95:

وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: الحديث يدخله الفساد من وجوه ثلاثة: الزنادقة واحتيالهم للإسلام بدس الأحاديث المستبشعة والمستحيلة. والقصاص فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير وغرائب الأحاديث، ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لأنهم يريدون

أحاديث ترقق وتنفق، والصحيح فيها يقل. ويحكي عن أبي عبدالله النهاوندي أنه قال: قلت لغلام خليل: هذه الأحاديث التي تحدث بها في الرقاق قال: وضعناها لنقوي بها قلوب العامة، قال: وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً، وغلقت الأسواق ببغداد يوم موته!... وقد نص السلف علي أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أيضاً. انتهي.

لكن ذكرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصين وأعطاهم الشرعية هو الخليفة عمر.. قال أحمد في مسنده:3/449: عن السائب بن يزيد: أنه لم يكن يقص علي عهد رسول الله(ص)ولا أبي بكر، وكان أول من قص تميماً الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص علي الناس قائماً فأذن له عمر!

وقال في كنز العمال:10/280: عن ثابت البناني قال: أول من قص عبيد بن عمير علي عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسكري في المواعظ.

الخوف من أن يؤدي التنزيه إلي التعطيل

أفرط بعضهم في التأكيد علي الصفات السلبية وتنزيه الله تعالي، فسبب ذلك عند الآخرين الخوف من سلب فاعليته تعالي وتأثيره في الوجود.

ولكن هؤلاء المتخوفين وقعوا في الإفراط من الجهة الأخري في الصفات الثبوتية، فتصوروا أن فاعلية الله تعالي وتدبيره للكون يتوقف علي أن يكون وجوداً محدوداً، يتجول في سماواته وينزل إلي أرضه ويتجسد في صورة إنسان.. إلخ. ونلاحظ أن هذين الخطين من الإفراط والتفريط موجودان عند المتكلمين والفلاسفة من الأمم السابقة كما هما في هذه الأمة!

وقد أخذ الأشاعرة موقع الدفاع عن التحميد ومقاومة التعطيل، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزيه ومقاومة التشبيه.

ونفس الكلام يرد أيضاً في أفعال الإنسان، أوالجبر والإختيار، أو القضاء والقدر، فقال الأشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلية الله تعالي في الوجود.. بينما قال المعتزلة بحرية

الإنسان ومسؤوليته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالي وتنزيهه عن الظلم.

أما أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فكان لهم موقف ثالث يمثل أصالة الدين الإلهي من آدم عليه السلام إلي محمد صلي الله عليه وآله في تنزيه الله تعالي وتحميده في آن واحد، فنفوا عنه التشبيه والتجسيم والرؤية، كما نفوا عنه الظلم والإجبار، وأثبتوا فاعليته تعالي وهيمنته الشاملة علي الوجود، ومسؤولية الإنسان عن عمله، كما ستري إن شاء الله تعالي.

وقد اشتبه الأمر علي بعض الباحثين فتخيلوا أن موقف أهل البيت عليهم السلام حل وسط بين الإتجاهين، بينما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبي الأشاعرة والمعتزلة، وهو يختلف عنهما في أساسه وعدد من تفاصيله، وإن أخذ منه الطرفان بعض الأسس والتفاصيل.

مضاهاة بعض المسلمين لليهود

كان الجدل بين المسلمين واليهود كثيراً في عهد النبي صلي الله عليه وآله وفي صدر الإسلام، ومن أبرز مسائله المفاضلة بين نبينا صلي الله عليه وآله وبين النبي موسي عليه السلام.

وقد حاول بعض المسلمين مضاهاة اليهود بمعارضة كل فضيلة يذكرونها لموسي عليه السلام بإثبات فضيلة مقابلها لنبينا صلي الله عليه وآله، وكأن المسألة مغالبة بين نبيين، وكأن أذهان البشر هي التي تزن فضائل الأنبياءوتعطي أحدهم درجة الأفضلية أو المساواة!

وقد عارض هؤلاء فضيلة تكليم الله تعالي لموسي عليه السلام التي نص عليها القرآن، باختراع حديث رؤية النبي صلي الله عليه وآله لربه، لكي يتم بذلك تقسيم الفضائل بين الأنبياء عليهم السلام، ويكون الترجيح لفضائل نبينا صلي الله عليه وآله، ولكن ادعاء هذه الفضيلة المستحيلة بنص القرآن جاء علي حساب تنزيه الله تعالي! وفيما يلي عدد من الأحاديث التي رووها في ذلك:

روي النسائي في تفسيره:2/348:

عن ابن عباس: أتعجبون أن تكون

الخلة لإبراهيم، والكلام لموسي، والرؤية لمحمد (ص).

وقال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/5:

... والحجج في هذه المسألة... حديث ابن عباس (رض) أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسي والرؤية لمحمد (ص)..

وروي الحاكم في المستدرك:1/65:

... عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتعجبون أن تكون الخلة لابراهيم والكلام لموسي والرؤية لمحمد صلي الله عليه وآله. هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية... قال رأي محمد صلي الله عليه وآله ربه. وله شاهد ثالث صحيح الإسناد... عن ابن عباس قال قد رأي محمد صلي الله عليه وآله ربه... وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة كلها، والله اعلم. انتهي. ورواه الحاكم أيضاً في:2/282، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه. وروي نحوه في:2/316 وص 469.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:1/217:

جابر: إن الله أعطي موسي الكلام فأعطاني الرؤية.. وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود. انتهي. وروي نحوه الدميري في حياة الحيوان: 2/72.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:1/78:

وعن ابن عباس قال: نظر محمد(ص)إلي ربه تبارك وتعالي، قال عكرمة: فقلت لابن عباس نظر محمد إلي ربه! قال نعم، جعل الكلام لموسي والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد(ص). رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن عمر العدني روي ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني، وقد ضعفه النسائي وغيره.

وروي الذهبي في سيره:14/45 عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد/199 من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله..

الخ. وأخرجه أيضاً / 197 من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثني قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه(ص)لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد:3/36-37. انتهي.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب علي ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتي ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل.

وكان عكرمة يروي الإسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روي هذا الحديث في الروض الأنف: 2/156 عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالي ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعي إليه، وكثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلك إلي ابن عباس وبني هاشم! كالذي رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد/225 _ 230... عن الشعبي عن عبدالله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأي ربه مرتين، قال فكبر كعب حتي جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسي صلي الله عليهما وسلم! انتهي. والمطلع علي أحاديث ابن عباس وبني هاشم يعرف ان رأيهم يخالف كعباً وجماعته، ومن أجل هذا رووا تكبير كعب المزعوم!!

العامل الرابع: تأثير ثقافة اليهود

اعتقاد اليهود والنصاري بتشبيه الله تعالي و رؤيته بالعين

بلغ من تحريف اليهود لدينهم أنهم

قالوا بتشبيه الله تعالي بخلقه وأنه محدود بشكل مادي، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزير ابن الله، بل قالوا إن كل اليهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار.. إلي آخر ما حكي الله تعالي عنهم في القرآن.

وفيما يلي نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القديم والجديد، طبعة مجمع الكنائس الشرقية في بيروت:

جاء في/4: 27 فخلق الله الإنسان علي صورته. علي صورة الله خلقه. ذكراً وأنثي خلقهم.

وجاء في/6: 8 وسمعا صوت الرب الاله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. 9 فنادي الرب الإله آدم وقال له أين أنت. 10 فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. 11 فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. 12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.

وجاء في/24: 1 ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لابرام وقال له أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً. 2 فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيراً جداً. 3 فسقط أبرام علي وجهه وتكلم الله معه قائلاً. 4 أما أنا فهوذا عهدي معك وتكون أبا الجمهور من الأمم.

وجاء في/169: 3 وكلم بني إسرائيل قائلاً خذواً تيساً من المعز لذبيحة خطية وعجلاً وخروفاً حوليين صحيحين لمحرقة 4 وثوراً وكبشاً لذبيحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزيت. لأن الرب اليوم يتراءي لكم. 5 فأخذوا ما أمر به موسي إلي قدام خيمة الاجتماع وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب.

وجاء في/183: 2 وقال الرب لموسي كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت

إلي القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي علي التابوت لئلا يموت لأني في السحاب أتراءي علي الغطاء.

وجاء في/330: فانطلق موسي ويشوع ووقفا في خيمة الإجتماع 15 فتراءي الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب علي باب الخيمة. 16 وقال الرب لموسي ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه.

وجاء في/404: 22 فقال منوح لامرأته نموت موتاً لاننا قد رأينا الله. 23 فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة، ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه.

وجاء في/549: 2 إن الرب تراءي لسليمان ثانية كما تراءي له في جبعون. 3 وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي.

وجاء في/431: 21 وعاد الرب يتراءي في شيلوه، لأن الرب استعلن لصموئيل في شيلوه بكلمة الرب. 4 فأرسل الشعب إلي شيلوه وحملوا من هناك تابوت عهد رب الجنود الجالس علي الكروبيم...

وجاء في/491: 2 وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعي عليه بالإسم إسم رب الجنود الجالس علي الكروبيم.

وجاء في/534: 5 في جبعون تراءي الرب لسليمان في حلم ليلاً، وقال الله إسأل ماذا أعطيك.

وجاء في/554: 9 فغضب الرب علي سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءي له مرتين 10 وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخري فلم يحفظ ما أوصي به الرب. 11 فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك

ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك.

وجاء في/569: 15 فقال إيليا حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءي له.

وجاء في/579: 17 فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين علي الجبال كخراف لا راعي لها. فقال الرب ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلي بيته بسلام. 18 فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. 19 وقال فاسمع إذاً كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً علي كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. 20 فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا.

وجاء في/586: 14 فقال أليشع حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنه لولا أني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك. 15 والآن فأتوني بعواد. ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب 16 فقال هكذا قال الرب إجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً.

وجاء في/683: 1 وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءي لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي.

وجاء في/690: 12 وتراءي الرب لسليمان ليلاً وقال له. قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة.

وجاء في/848: 8 من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. 9 إرفعن أيتها الارتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد. 10 من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد.

وجاء في/799: 1 يا راعي إسرائيل إصغ، يا قائد يوسف كالضأن، يا جالساً علي الكروبيم

أشرق. 2 قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.

وجاء في/840: 4 الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه، عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم. 5 الرب يمتحن الصديق، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. 6 يمطر علي الأشرار فخاخاً ناراً وكبريتا، وريح السموم نصيب كأسهم.

وجاء في/998: 1 في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً علي كرسي عال ومرتفع وأذياله تملا الهيكل. 2 السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. 3 وهذا نادي ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ كل الأرض. 4 فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلا البيت دخاناً 5 فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود.

وجاء في/1186: 8 وكان بينما هم يقتلون وأبقيت أنا أني خررت علي وجهي وصرخت وقلت: آه يا سيد الرب. هل أنت مهلك بقية إسرائيل كلها بصب رجزك علي أورشليم 9 فقال لي: إن إثم بيت إسرائيل ويهوذا عظيم جداً جداً، وقد امتلات الأرض دماء وامتلات المدينة جنفاً. لأنهم يقولون الرب قد ترك الأرض والرب لا يري.

وجاء في الانجيل/42: 20 فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. 21 ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. 22 ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.

وجاء في/280: 7 فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. 8 لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. 9 ولان الرجل لم يخلق من أجل المرأة،

بل المرأة من أجل الرجل.

وجاء في/321: 5 فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً 6 الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله 7 لكنه أخلي نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس.

وجاء في/325: 14 الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. 15 الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة.

وجاء في/366: 2 ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً، بالخزي، فجلس في يمين عرش الله.

وجاء في/399: 21 من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه. 22 من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.

وجاء في/399 _ 400: 1 بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلي هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. 2 وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلي العرش جالس. 3 وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. 4 وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً. ورأيت علي العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلي رؤوسهم أكاليل من ذهب. 5 ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات. وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

وجاء في/400: وشكراً للجالس علي العرش الحي إلي أبد الابدين.

وجاء في/401: 11 ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف... 13 وكل خليقة مما في السماء وعلي الأرض وتحت الأرض وما علي البحر

كل ما فيها سمعتها قائلة: للجالس علي العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلي أبد الابدين.

وجاء في/403: 15 من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس علي العرش يحل فوقهم.

وجاء في/417: 4 وخرالأربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس علي العرش.

وجاء في/419: 5 وقال الجالس علي العرش: ها أنا أصنع كل شئ جديداً. وقال لي: أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة.

وقال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان:2/243 طبعة مكتبة النهضة المصرية 1973 تحت عنوان (الله عند اليهود):

لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا علي عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء، وكان اتجاههم إلي التجسيم والتعدد والنقيصة واضحاً في جميع مراحل تاريخهم، وعلي الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وكثرة أنبيائهم دليل علي تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلي أنبياء يجددون الدعوة إلي التوحيد، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوي علي أي حال، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والاحجار، وأحياناً مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود... ويقول: إن اليهود كانوا في مطلع ظهورهم علي مسرح التاريخ بدواً رحلاً تسيطر عليهم الأفكار البدائية كالخوف من الشياطين، والإعتقاد في الأرواح وكانوا يعبدون الحجارة والأغنام والأشجار، ويقول: إن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناماً صغيرة كانوا يعبدونها ويتنقلون بها من مكان إلي مكان [1] وقد ظل بنو إسرائيل علي هذا الإعتقاد حتي جاء موسي وخرج بهم من مصر.

ولكن بني إسرائيل كما يقول ول ديورانت [2] لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش والحمل، ولم يستطع موسي أن يمنع قطيعه من

عبادة العجل الذهبي. عبادة العجول كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر، وظلوا زمناً طويلاً يتخذون هذا الحيوان القوي آكل العشب رمزاً لإلههم. وتقرر التوراة قصة العجل الذي عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسي في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون عراة أمام هذا الرب، وقد أعدم موسي ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم علي عبادة هذا الوثن [3] وقد بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني إسرائيل من حين إلي حين، فقد عمل يربعام بن سليمان عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه حتي لا يحتاجوا إلي الذهاب إلي الهيكل [4] وقد عبد أهاب ملك إسرائيل الأبقار بعد سليمان بقرن واحد [5] .

وقال الدكتور شلبي في:1/174:

وبعد موسي وفي عهد القضاة، تأثر بنو إسرائيل بمعبودات الكنعانيين تأثراً كبيراً، ويوضح أن إله الكنعانيين (بعل) أصبح معبوداً لبني اسرائيل في كثير من قراهم، وفي أحوال كثيرة أصبح للطائفتين معبد واحد به تمثال يهوه وتمثال بعل، بل أصبح يهوه ينادي بعل، وقد ظل ذلك إلي عهد يوشع. [6] .

وقال الدكتور شلبي في:1/187:

ويوضح الكتاب المقدس أن بني اسرائيل عبدوا أنواعاً من هذه الإلهة، وقد ندد بها أرميا في سفره، ومنه نقتبس بعض النصوص:

اسمعوا كلمة الرب يا بنات يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل، هكذا قال الرب: ماذا وجد في آباؤكم من جور حتي ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً [7] .

وحين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا كل هذه أقول لكم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم. [8] .

يقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً، وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخري [9] .

يقول الرب: إن آباءكم قد تركوني

وذهبوا وراء آلهة أخري، وعبدوها وسجدوا لها، وإياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها، وأنتم أسأتم في عملكم أكثر من آبائكم، وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتي لا تسمعوا لي [10] .

وعلي هذا فمع وجود الهيكل في عهد سليمان كانت عبادة آلهة الأجانب منتشرة، وينسب العهد القديم لسليمان نفسه أنه أقام مذابح للإلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الأجنبيات، فبني مذبحاً لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة المؤابيين، ولملكوم إلهة بني عمون [11] وعقب موت سليمان انقسم ملكه بين ابنيه يربعام ورحبعام، وهذا التغيير في تاريخ العبرانيين صحبه تغير في عقيدتهم، فإسرائيل في الشمال كانت دولة غنية حظي سكانها بالاستقرار، وقبلوا عادات الكنعانيين وعبدوا آلهتهم (بعل) أما دولة يهوذا في الجنوب فكانت دولة فقيرة يشتغل سكانها بالزراعة والرعي وظلوا علي تبعيتهم لإلهم يهوه، إله الفقراء، وإلي هذه الفترة ينسب الأنبياء وقد صنع يربعام عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إبل وثانيهما في دان، وبني عندهما مذابح وقال لشعبه: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر، فاذبحوا وعيدوا عندها ولا تصعدوا إلي أورشليم، فاستجاب له الشعب.

BERRY: RELIRINS OF THE WERLED PP 32 - 33.

إقرأ الصحاح الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.

وقال الدكتور شلبي في:1/267:

يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود علي لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة علي بني إسرائيل فاستولي عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم علي ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

ويقرر

التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطي الإنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير علي نهجها، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه، وبين الشريعة المرسومة إليه، وعلي هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته، لأن الله هو السبب في كل ذلك (التلمود شريعة إسرائيل / 17 _ 19).

وقال في/192 تحت عنوان: اليهود والألوهية عموماً:

علي أن مسألة الألوهية كلها، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني اسرائيل، فقد كانت المادية والتطلع إلي أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم، وإذا تخطينا عدة قرون فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك، ذلك هو تربة فلسطين وزهر برتقالها، والذي يقرأ رواية (طوبي للخائفين) للكاتبة اليهودية يائيل ديان ابنة القائد الصهيوني العسكري موشي ديان، يجد أحد أبطالها (إيفري) ينصح ابنه الطفل بأن يتخلي عن الذهاب للكنيسة، وأن يحول اهتمامه لالهه الجديد: تراب فلسطين. ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:

... الصبي يحب أن يذهب إلي الكنيس مع أمه، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزي عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ علي ديننا، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردي، أما الان فقد أصبح لدينا شئ أهم هو الأرض، أنت الان إسرائيلي ولست مجرد يهودي، إني قد تركت في روسيا كل شئ، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلهي، وعثرت هنا علي رب

جديد، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال، ألا تحس بذلك؟... وأخذ إيفري حفنة من تراب الأرض وسكبها في كف ابنه، وقال له: إمسك هذا التراب، إقبض عليه، تحسسه، تذوقه، هذا هو ربك الوحيد، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا، ولكن قل لها أن تنزل المطر علي أرضنا، هذا هو المهم، إياك أن تذهب مرة أخري إلي المعبد.

وقال ابن حزم في الفصل في الملل:1 جزء 1/160:

قال في التوراة: إن الله عز وجل قال لبني إسرائيل: لقد رأيتموني كلكم من السماء فلا تتخذوا معي آلهة الفضة، ثم قال بعد ذلك ثم صعد موسي وهارون.. ونظروا إلي إله إسرائيل.

وقال في/141:

ذكر في هذا المكان (من التوراة) أن يعقوب صارع الله عز وجل.. حتي قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب.. وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه.

وقال في/218:

وفي بعض كتبهم: إن الله تعالي قال لبني إسرائيل: من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني.

وقال في/222:

ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته... ويلي علي ما أخربت من بيتي ويلي علي ما فرقت من بني، وبناتي.

وقال في/221:

وفي كتاب لهم يسمي شعر توما من كتاب التلمود.. ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلي أنفه خمسة آلاف ذراع.

[1] 176.

[2] قصة الحضارة:2/338.

[3] خروج 32: 18 26 والقرآن الكريم يقرر أن السامري هو الذي عمل العجل.

[4] الملوك الأول 12: 26 28.

[5] ول ديورانت:2/339.

[6] CHARLES FOSTER: HISTERY OF THE HEPREW POPEL P.94.

[7] أرميا: 2: 4 5.

[8] أرميا 5: 19 20.

[9] أرميا 7: 9 10.

[10] أرميا: 16: 11 13.

[11] الملوك الثاني33: 12.

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

جاء في هامش المطالب العالية:جزء 2/25:

في التوراة أن الله إله واحد. وفي التوراة أن الله ليس كمثله شئ. ففي الإصحاح السادس من سفر التثنية: إسمع يا إسرائيل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك، وكررها علي بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت، واعقدها علامة علي يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها علي عضائد أبواب بيتك وعلي أبوابك. تثنية 6:4. 9 ترجمة اليسوعيين. وفي الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: لا كفء لله. وفي ترجمة البروتستانت: ليس مثل الله. تثنية 33: 26.

وقال موسي بن ميمون في دلالة الحائرين: إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته، فذلك مؤول علي معني: أن الله يقرب ذاته إلي عقول الخلق، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم. أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شئ، وذلك ليفهم الخلق ذات الله علي نحو قريب من تصوراتهم. وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي علي خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس. انتهي.

والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل علي عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر

من نصوص التوحيد. وهذا من الأدلة علي وقوع التحريف فيها، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلي نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم. وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد: جاء في العهد القديم/98: 9 فقال موسي لفرعون عين لي متي أصلي لأجلك ولاجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك، ولكنها تبقي في النهر. 10 فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. 11 فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك.

وجاء في/100: 14 لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلي قلبك وعلي عبيدك وشعبك، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض.

وجاء في/493: 22 لذلك قد عظمت أيها الرب الإله، لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا....

وجاء في/530: 20 يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك، حسب كل ما سمعناه بآذاننا.

وجاء في:2/43: 9 أذكروا الأوليات منذ القديم، لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي.

وجاء في:2/84: 6 لا مثل لك يا رب، عظيم أنت، وعظيم اسمك في الجبروت. 7 من لا يخافك ياملك الشعوب، لأنه بك يليق، لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك.

العهد القديم والجديد:1/253:

الإصحاح الثاني 1 يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك 2 حتي تميل أذنك إلي الحكمة وتعطف قلبك علي الفهم 3 إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلي الفهم 4 إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز 5 فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله. 6 لأن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم. 7 يذخر معونة للمستقيمين. هو مجن السالكين بالكمال. 8 لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه.

9 حينئذ تفهم العدل والحق والإستقامة. كل سبيل صالح 10 إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك.

لكن البابا في عصرنا يصر علي التجسيم و ينتقد التوحيد عند المسلمين

كتاب العبور إلي الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني:

والعبور إلي الرجاء هو التسجيل الكامل لأول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الإيطالي الكبير فيتوري ميسوري، لمناسبة ذكري مرور خمس عشرة سنة علي اعتلائه السدة البابوية... كان الأول بين (خلفاء القديس بطرس) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب علي أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي. وبعد ما حصر البث بالمحطة الأولي ليلة الذكري، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية.

ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبري، وتلقي مخطوطة الأجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان 1994. كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه... من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الأعظم علي سؤالين، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الإسلامي، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحيةبالدين اليهودي، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة:

السؤال الأول: ما الفرق بين إله المسلمين وإله المسيحيين؟

الجواب: لاشك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الإله الواحد. نعم، صحيح ما تقوله، فالأمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين، بدءً بإسلام. ففي الاعلان المجمعي (في عصرنا) الانف الذكر، يمكننا أن نقرأ ما يأتي (وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلي المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الأقرب إلينا. أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا، فقد

وقفنا مندهشين معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو.. في تلك الاثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم، غير أنه ما لبث أن أضاف: ولكن ما من شئ هنا يبلغ مدي جمال توحيدنا الإسلامي! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً. لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والإسلام. والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع.

من يطالع القرآن، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الإلهي من اختزال. ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الأنبياء أولاً في العهد القديم، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغني الذي يتجلي في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد، كل ذلك قد تغاضي عنه الإسلام بالفعل. (!)

إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الأسماء الحسني، ولكنه في النهاية، إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا) عمانوئيل.

ليس الإسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب! يذكر عيسي، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً، يمهد لخاتمة جميع الأنبياء محمد. كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء.

لذلك تختلف نظرة الإسلام عن المسحية، لا علي الصعيد اللاهوتي فحسب، بل أيضاً علي الصعيد الانتروبولوجي.

بيد أن التدين الإسلامي يستحق كل تقدير، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالأمانة علي الصلاة. إذ أن الذي يسمي الرب (الله) يجثو علي ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار. هذه الصورة تبقي نموذجاً لمن يعترفون بالله

الحق، وبخاصة لاولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً...) انتهي.

أقول: السبب في تهمة البابا للدين الإسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصاري عن الله تعالي، وبيت القصيد عنده وإشكاله الأساسي علي الإسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالي ليس كمثله شئ، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الأرض، وبتعبيره (لكنه في النهاية إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا عمانوئيل).

ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليري أن ما يريده من نزول الله تعالي وصعوده وتجسده موجود فيها، وأن هذا البلاء الذي ابتلي به اليهود والنصاري قد سري إلي إخواننا السنة وصحاحهم!!

كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلي أن دعوة المسيح عليه السلام كانت دعوة إلي التوحيد ولم يكن فيها تجسيم، وأن تجسم الله تعالي في المسيح إنما هو فكرة(بولسية) وليست مسيحية..

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان:2/245 تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

عندما نصل إلي الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلي مزيد من الصبر لنري التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة: تقرر الأناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة:

أولاها: أن الله واحد لا شريك له.

والثانية: أن عيسي رسول الله وليس أكثر من رسول.

والثالثة: أن عيسي رسول لبني إسرائيل فقط.

وعن القضية الأولي نورد النصوص التالية من هذه الأناجيل:

يروي متي عن عيسي قوله: إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح 23 الفقرة 8)

ويروي مرقص قول عيسي: الرب إلهنا إله واحد وليس آخر سواء(12: 30 31).

ويروي يوحنا عن عيسي قوله: إني أصمد

إلي أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (20:18)

وعن القضية الثانية من الاناجيل النصوص التالية: (جاء في إنجيل متي قوله: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (21: 11).

وجاء في لوقا: قد خرج نبي عظيم (7: 16).

ويروي يوحنا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلي العالم (4: 14 و 7: 40).

ويروي يوحنا كذلك عن عيسي قوله: وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (8: 40).

ويروي لوقا عن عيسي قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه: ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين.

وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية:

جاء في متي ما نصه: ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلي نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة: إرحمني يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: إصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلي خراف بني إسرائيل الضالة (متي 15: 21 24).

وفي متي كذلك أن عيسي عند ما حدد الحواريين الإثني عشر أوصاهم قائلاً: إلي طريق أمم لا تمضوا، وإلي مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلي خراف بني اسرائيل الضالة (10: 5 6).

وقد خاصم اليهود بطرس لأنه دخل علي غير اليهود وتكلم معهم (أعمال الرسل 11 الفقرة الأولي).

وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود: أنتم تعلمون كيف هو محرم علي رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه (أعمال الرسل 10: 28).

والقرآن الكريم يقرر هذه الاتجاهات الثلاث في المسيحية، قال

تعالي:

وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ. المائدة: 72.

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ. المائدة: 73.

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ. المائدة: 75.

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ المائدة: 17.

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْرَاةَ وَ الإنْجِيلَ وَرَسُولاً إلي بَنِي إِسْرَائِيلَ. المائدة: 48 _ 49.

ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلي التثليث، ونقل عيسي من رسول إلي إله، والقول بأن المسيحية رسالة عامة، والقول بأن عيسي ابن الله نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر، وأنه عاد مرة أخري إلي السماء ليجلس علي يمين أبيه، كان هذا كله عملاً جديداً علي المسيحية التي جاء بها عيسي.

كيف انتقلت المسيحية من حال إلي حال، ومن الذي قام بذلك ومتي؟ هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي:

ترتبط هذه الأمور بشخصية مهمة في المسيحية، هي شخصية شاؤول (بولس) ولذلك يري الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع هذا الرجل، ويقول إن بولس هو في الحقيقة مؤسس المسيحية، ويقول إن كثيراً من الثقات العصريين يعدونه المؤسس الحقيقي للمسيحية.

وبولس كما يقول عن نفسه (يهودي فريسي ابن فريسي علي رجاء قيامة الاموات _ أعمال الرسل 23: 6) وكان عدواً للمسيحيين، وهو في ذلك يقول (سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية علي كثيرين من أترابي في جنسي، إذ كنت أوفر غيرة

في تقليدات آبائي (غلاطية 1: 13 14).

ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه عندما يظهر بأفكاره الجديدة، فادعي شاؤول أن السيد المسيح بعد نهايته علي الأرض ظهر له وصاح فيه وهو في طريقه إلي دمشق: لماذا تضطهدني فخاف شاؤول وصرخ: من أنت يا سيد؟ قال: أنا يسوع الذي تضطهده. قال شاؤول: ماذا تريد أن أفعل؟ قال يسوع: قم وكرز بالمسيحية. ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي: وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أنه ابن الله (أعمال 9: 3-30) انتهي.

وقال أبو رية في أضواء علي السنة المحمدية الهامش 1/189:

يعتقد المسيحيون أن المسيح عليه السلام قد ارتفع بجسمه بعد صلبه وأنه يجلس هناك مع أبيه. وعند الكاثوليكية الرومانية عقيدة جوهرية تقضي بأن أمه مريم العذراء قد ارتفعت هي الأخري بجسدها إلي السماء وأنها لم تمت. ومنذ سبع عشرة سنة انعقد مجمع ديني مقدس برياسة البابا بيوس الثاني عشر بميدان القديس بطرس اشترك فيه 35 كردينالاً ونحو 500 بطريركا من جميع أنحاء العالم واحتشد له مليون مسيحي وقرر هذا المجمع هذه العقيدة الدينية، وقال إنها لا تقبل الجدل أو المناقشة ومن يناقشها أو يشك فيها يعتبر من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية ملحداً أو كافراً (يراجع جريدة الوفد المصري في 31/10، و1 و2 و3 /11/1950)

والإقباط المصريون جميعاً يؤمنون بهذه العقيدة وتحتفل كل طوائفهم في يوم 16 مسري من كل سنة، بعيد انتقال السيدة مريم بجسدها إلي السماء، ويطلقون علي هذا الإحتفال اسم: عيد العذراء الكبير، وليس لأحد أن يعترض علي هذه العقيدة أو

يماري فيها، إذ مادام المسيح عليه السلام قد ارتفع إلي السماء وجلس بجوار أبيه، فإنه لا مانع من أن تصعد إليه أمه من بعده لتقيم وإياه مع الله في السماء، ويحيون جميعاً حياة طيبة في هناء وصفاء!

وإليك هذه الكلمة الصغيرة ننقلها من كتاب العقيدة والشريعة للمستشرق الكبير جولد تسيهر/42 و43:

وهناك جمل أخذت من العهد القديم والعهد الجديد، وأقوال للربانيين، أو مأخوذة من الأناجيل الموضوعة وتعاليم من الفلسفة اليونانية وأقوال من حكم الفرس والهنود، كل ذلك أخذ في الإسلام عن طريق (الحديث) حتي لفظ (أبونا) لم يعدم مكانه في الحديث المعترف به، وبهذا أصبحت ملكاً خالصاً للاسلام بطريق مباشر أو غير مباشر! وقد تسرب إلي الإسلام كنز (...) كبير من القصص الدينية حتي إذا ما نظرنا إلي المواد المعدودة في الحديث ونظرنا إلي الأدب الديني اليهودي، فإننا نستطيع أن نعثر علي قسم كبير دخل الأدب الديني الإسلامي من هذه المصادر اليهودية. ولا نستقصي كل ما دخل الإسلام من المسيحيات. انتهي.

اول قنوات التشبيه والتجسيم والرؤية من اليهودية إلي الإسلام

ينبغي أن نعرف أن نظرة العرب في الجاهلية والإسلام إلي ثقافة اليهود كانت نظرة إيجابية، وأن الخليفة عمر قد تبني سياسة الإنفتاح علي هذه الثقافة، فسبب ذلك تأثيراً واسعاً علي ثقافة الإسلام وعقائده.. لذلك نمهد للموضوع ببعض ما كتبناه في (تدوين القرآن)/ 409 تحت عنوان (احترام عرب الجاهلية للثقافة اليهودية):

(كان اعتداد العرب بقوميتهم ووثنيتهم في الجاهلية اعتداداً قوياً إلي حد التعصب، ولم يكونوا يحترمون اليهود كأمة ولكنهم كانو يحترمون علماءهم وثقافتهم، ويرجعون إليهم في العديد من مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل والأمور الروحية. بل كان الكثير من عرب الجاهلية يعيشون حالة الإنهزام أمام الثقافة اليهودية لأن اليهود أصحاب كتاب سماوي وعلماء وأنبياء، والعرب

أميون وثنيون، وإن بقيت عندهم بقايا من دين إبراهيم...

والشواهد علي ذلك من مصادر التاريخ والتفسير والحديث والفقه كثيرة، نكتفي منها بالنص التالي الذي يدل علي أن تأثيرات الثقافة اليهودية بقيت حتي بعد بعثة النبي صلي الله عليه وآله وحتي علي ذهن زوجته عائشة وأبيها الخليفة أبي بكر! روي مالك في الموطأ:2/502 (عن يحيي بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق دخل علي عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها! فقال أبو بكر: إرقيها بكتاب الله).

وقال في كتاب الأم للشافعي:7/241 (باب ما جاء في الرقية. سألت الشافعي عن الرقية؟

فقال: لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله.

قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟

فقال: نعم، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله.

فقلت: وما الحجة في ذلك؟

قال: غير حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكاً أخبرنا عن يحيي بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن أن أبا بكر دخل علي عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر إرقيها بكتاب الله.

فقلت للشافعي: فإنا نكره رقية أهل الكتاب.

فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي(ص)خلافه. وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا، أو أخف). انتهي.

ورواه البيهقي في سننه:9/347، كما روي أن امرأة عبدالله بن مسعود كانت تذهب بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله إلي يهودي لرقية عينها.

وقال النووي في المجموع:9/64 (فرع في جواز الرقية بكتاب الله تعالي وبما يعرف من ذكر الله... وروي البيهقي بإسناده الصحيح عن يحيي بن سعيد عنعمرة عن عائشة

قالت: دخل أبو بكر (رض) عليها وعندها يهودية ترقيها فقال: إرقيها بكتاب الله عز وجل. وبإسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان قال سألت الشافعي عن الرقية...). انتهي.

يلاحظ علي هذه الفتوي المجمع عليها عند إخواننا السنيين، أن الخليفة أبا بكر لم ينه عائشة عن هذا العمل، وإنما طلب من المرأة اليهودية باحترام أن ترقيها ببعض آيات القرآن، باعتبار أن ذلك أفضل من الأدعية التي تقرؤها من عندها، أو أراد منها أن تضم إلي أدعيتها آيات من القرآن ليكون ذلك أرجي لشفائها ابنته.. هذا إذا كان مقصوده بكتاب الله: القرآن، وإلا فيكون قصده: إرقيها بنص من التوراة، لا بدعاء من عندك!

وبذلك يتضح أن الشرط الذي شرطه الشافعي وغيره لما يجب أن يقرأه اليهودي أو النصراني في رقية المسلم لا أساس له في الرواية. وغاية ما يمكن استفادته منها أن الاحسن للمسلم أن يطلب من الكتابي أن يقرأ علي مريضه شيئاً من القرآن.. خاصة أن الذي يكلف أحداً أن يرقي مريضه لا يملي عليه ماذا يقرأ عليه، لانهلا يكلفه بالرقية إلا وهو يعتقد بأنه عبد صالح قريب إلي الله تعالي، فهو أعرف بما يقرأ عليه!

كما يلاحظ استغراب السائل لهذه الرواية والفتوي! فأجابه الشافعي بأن الرواية صحيحة ولم يصل إلينا إنكار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبي بكر. والقاعدة عند إخواننا أنه إذا فعل الصحابي شيئاً فهو جائز وحجة علي غيره، إلا إذا عارضه صحابي آخر، ويشترط أن يكون الصحابي المعارض من الصحابة الذين تؤثر معارضتهم عند الاخوة السنيين.. فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم مثل علي المظلوم، وبعضهم تضر!

... إن معرفة هذا الجو في الجزيرة من التأثر العام بثقافة اليهود، تمكننا من تفسير

مواقف الخليفة عمر تجاه الثقافة اليهودية.. فقد كان من نشأته في مكة يحترم هذه الثقافة كثيراً قبل بعثة النبي صلي الله عليه وآله وتدل عدة نصوص علي أنه استمر علي احترامها حتي وهو إلي جانب النبي صلي الله عليه وآله ثم عندما صار خليفة.

وبهذا نفهم سبب احترامه لكعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام.. وأمثالهم من اليهود الذين أعلنوا دخولهم في الإسلام.. وتميم الداري وأمثاله من النصاري الذين دخلوا في الإسلام.. وكذا ثقته بما عند علماء اليهود والنصاري من كتب وتاريخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل!

وينبغي للباحث في هذا الموضوع أن يعرف المقومات الأساسية لشخصية الخليفة عمر.. فهو أولاً، عربي معتز بقوميته إلي حد أنه يري أن المخاطب بقوله تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..) هم العرب خاصة! قال السيوطي في الدر المنثور:6/98 (وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب إن هذه الآية في الحجرات. إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي، هي مكية وهي للعرب خاصة. الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب؟ وقوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، قال: أتقاكم للشرك).

وعلي تفسير الخليفة فإن الآية لا تساوي بين العرب وغيرهم كما فهم منها المسلمون. ولعله لذلك أفتي بأنه لا ملك علي عربي وبأن العرب لهم أن يتزوجوا من الأمم الأخري ولكن ليس لهم أن يزوجوهم، لأن العربية لا كفؤ لها إلا العربي.. إلي آخر فتاواه وقراراته في هذا المجال.

وهو ثانياً: قرشئ يحب قريش ويعتز بها اعتزازاً شديداً.. حتي بالطلقاء وقادة الأحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم.. فيقول عن معاوية: كسري العرب، وعن أبي سفيان: سيد العرب! بل يثقل عليه يوم فتح مكة أن يدخل أنصاري براية النبي

صلي الله عليه وآله وهو يتحدي قادة الاحزاب من قريش.. فقد روي البيهقي في سننه:10/228... عن أنس قال دخل رسول الله(ص)مكة فقام أهلها سماطين ينظرون إلي رسول الله وإلي أصحابه، قال وابن رواحة يمشئ بين يدي رسول الله، فقال ابن رواحة:

خلوا بني الكفار عن سبيله فاليوم نضربكم علي تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله

فقال عمر (رض): يابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر!! فقال رسول الله (ص): مه يا عمر فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل! وروي نحوه الترمذي في سننه:4/217، وسير أعلام النبلاء:1/235.

وعلي هذا الأساس يجب أن نعرف أن إعجاب الخليفة عمر بالثقافة اليهودية لا يتنافي في نظره مع عروبته وقرشيته بل يخدمهما.. وقد كان تقريبه لكعب الأحبار وتميم الداري وغيرهما، مشروطاً بأن يحترموا العرب وخاصة قريش.. فإن شعر منهم انتقاصاً للعرب أو قريش لم يتردد في اتخاذ الموقف الحاسم منهم.. وقد عنف كعب الأحبار وتميماً الداري أكثر من مرة. إنها نظرة مركبة إلي اليهود من عناصر متعددة في ذهنية الخليفة، وقد نتجت عنها هذه السياسة المركبة مع اليهود، ومع أن فيها مواقف مضادة لهم، لكنها علي العموم كانت ترضيهم.

وقد روت المصادر _ المحبة للخليفة _ مواقفه الدالة علي هذه السياسة، وروت أن بعض مواقفه جاء علي شكل اندفاع خطير منه لادخال الثقافة اليهودية في الإسلام، فنهاه النبي صلي الله عليه وآله مرات متعددة عن ذلك.. ثم ذات يوم غضب غضباً شديداً ودعا المسلمين إلي اجتماع طارئ ليحذرهم من خطورة ما يريده عمر وأصحابه... إلي آخر ما ذكرناه هناك.

من أفكار كعب الأحبار في الرؤية والتشبيه والتجسيم

وروي الطبري في

تفسيره:25/6:

فقال كعب:... سألت أين ربنا، وهو علي العرش العظيم متكئ واضع إحدي رجليه علي الأخري، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة، ومن الأرض إلي الأرض مسيرة خمسمائة سنة وكثافتها... ثم قال: إقرؤوا إن شئتم: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ!

وروي البغوي في معالم التنزيل:4/460: قال كعب الأحبار: عليين هو قائمة العرش اليمين.

وقال الصنعاني في تفسيره:2/37: عن قتادة في قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، قال قال كعب: إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة: خلق آدم بيده والتوراة بيده وغرس الجنة بيده... الخ.

وقال الطبري في تفسيره:7/100: قال محمد لكعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه فقال: كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد..

فتح القدير للشوكاني:4/560: عن ابن عمر قال: خلق الله أربعاً بيده: العرش وجنة عدن والقلم وآدم...

وقال الطبري في تفسيره:18/2: عن ميسرة قال: لم يخلق الله شيئاً غير أربعة أشياء: خلق آدم بيده، وكتب الألواح بيده، والتوراة بيده، وغرس عدناً بيده.

وقال البغوي في معالم التنزيل 4/236:... وكتاب مسطور، قال الكلبي: هو ما كتب الله بيده لموسي من التوراة، وموسي يسمع صرير القلم.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/6: وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم، قال قال عمر لكعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه فقال كعب: كتب الله كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد، ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/121:

وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عمر قال: خلق الله آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، ثم قال لسائر الأشياء كن فكان.

وأخرج أبو الشيخ عن عطاء

قال: كتب الله التوراة لموسي بيده، وهو مسند ظهره إلي الصخرة يسمع صريف القلم في ألواح من زمرد، ليس بينه وبينه إلا الحجاب.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن الله لم يمس شيئاً إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وغرس الجنة بيده، وكتب التوراة بيده.

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كتبت التوراة بأقلام من ذهب.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن المنذر عن حكيم بن جابر: قال أخبرت أن الله تبارك وتعالي لم يمس من خلقه بيده شيئاً إلا ثلاثة أشياء: غرس الجنة بيده، وجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة لموسي بيده.

وأخرج عبد بن حميد عن وردان بن خالد قال: خلق الله آدم بيده، وخلق جبريل بيده، وخلق القلم بيده، وخلق عرشه بيده، وكتب الكتاب الذي عنده لا يطلع عليه غيره بيده، وكتب التوراة بيده.

وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال: أخبرت أن الألواح من زبرجد ومن زمرد الجنة، أمر الرب تعالي جبريل فجاء بها من عدن وكتبها بيده، بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد الرب من نهر النور، وكتب به الألواح.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة، وأنا أقول إنما كانت من زبرجد وكتابها الذهب، كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف القلم.

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: كانت الألواح من زمرد أخضر، أمر الرب تعالي جبريل فجاء بها من عدن فكتب الرب بيده بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح.

وأخرج عبد بن حميد عن مغيث الشامي قال بلغني أن الله تعالي

لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء: الجنة غرسها بيده، وآدم خلقه بيده، والتوراة كتبها بيده.

كعب يدعي أن جنة عدن مسكن الله والأنبياء والخلفاء

روي السيوطي في الدر المنثور:4/57:

عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (رض) قال: قرأ عمر (رض) علي المنبر: جنات عدن، فقال: أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب، علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد.

وروي في كنز العمال:12/560 و573:

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثني يا كعب عن جنات عدن. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل. فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لأهلها، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله: وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشئ إلا لم آل فيه عدلاً، وأما الشهادة فأني لعمر بالشهادة؟ ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع.

... عن كعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدك بالله يا كعب، أتجدني خليفة أم ملكاً؟ قال: بل خليفة. فاستحلفه، فقال كعب: خليفة والله، من خير الخلفاء، وزمانك خير زمان.

وروي في الدر المنثور:5/347:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة (رض)... في قوله تعالي: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ، قال: إن عمر بن الخطاب(رض) قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل.

وروي في الدر المنثور:6/257:

... فقال عمر بن

الخطاب عند ذلك: ألا تسمع يا كعب ما يحدثنا به ابن أم عبد عن أدني أهل الجنة، ماله فكيف بأعلاهم؟! قال: يا أمير المؤمنين مالا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله كان فوق العرش والماء فخلق لنفسه داراً بيده فزينها بما شاء، وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها، جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قرأ كعب: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.. الآية، وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وجعل فيهما ماذكر من الحرير والسندس والإستبرق، وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة، فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم يبق خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه حتي أنهم ليستنشقون ريحه ويقولون واهاً هذه الريح الطيبة، ويقولون لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين. فقال عمر: ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها! فقال كعب: ياأمير المؤمنين إن لجهنم زفرة ما من ملك ولا نبي إلا يخر لركبتيه، حتي يقول إبراهيم خليل الله: رب نفسي نفسي، وحتي لو كان لك عمل سبعين نبياً إلي عملك لظننت أن لن تنجو منها!

قال في معجم ما استعجم:2/74:

(الحثمة) بفتح أوله وإسكان ثانيه: صخرات بأسفل مكة، بها ربع عمر بن الخطاب، روي عنه مجاهد (أي عن عمر) أنه قرأ علي المنبر (جنات عدن) فقال: أيها الناس، أتدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب، علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي، وهنيئاً لصاحب القبر، وأشار إلي النبي(ص)، أو

صديق وهنيئاً لابي بكر وأشار إلي قبره، أو شهيد، وأني لعمر بالشهادة؟ وإن الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إلي. انتهي.

هذا، وقد ضعف الذهبي في ميزان الاعتدال:2/98 زياد بن محمد الأنصاري أحد رواة هذا الحديث ولكن تضعيف هذا السند لايعني تضعيفهم للحديث لأنه روي عندهم بطرق أخري ومضمونه عندهم صحيح. وقد تقدم توثيق الهيثمي لرواية السيوطي الثانية، وفي مشابهاتها صحيح عندهم. وسوف نذكر بقيتها في تفسير قوله تعالي (عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي) إن شاء الله. وقد تقدمت أحاديثهم في أن الفردوس هو مسكن الله تعالي وبعض الخلفاء...

وروي الطبري في تفسيره:15/94:

عن أبي الدرداء، قال قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات بقين من الليل في الساعة الأولي منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلي جنة عدن وهي داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء.. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلي السماء الدنيا بروحه وملائكته. الخ.

وروي السيوطي في الدر المنثور:4/254:

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحكم وصححه عن أبي أمامة، قال قال رسول الله (ص): سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش.

وأخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): إذا سألتم الله فاسألوه الفرودس، فإنه وسط الجنة وأعلي الجنة وفوقه عرش الرحمن.

وقال عبد الرزاق في تفسيره:2/37:

عن قتادة في قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، قال قال كعب: إن الله لم يخلق بيده إلا

ثلاثة: خلق آدم بيده والتوراة بيده وغرس الجنة بيده، ثم قال للجنة تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون، لما علمت فيها من كرامة الله لاهلها. انتهي. ورواه الطبري في تفسيره:18/6.

وفي مصادر اخواننا روايات كثيرة عن صحابة وتابعين مثل أبي هريرة وأبي الدرداء وقتادة وغيرهم،وأصلها كلها عن كعب ووهب وأمثالهما من اليهود.

نموذج من علم كعب بالله تعالي

الدر المنثور:4/293:

سأل عمر كعباً عن آيات أول سورة الحديد فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن. انتهي.

وهذا يدل علي أن فكر كعب الأحبار سطحي وحشوي، لأن الآيات المسؤول عنها هي قوله تعالي (سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ هُوَ الأَوَّلُ وَالأخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ) الحديد: 1 _ 3، وقد فسر كعب قوله تعالي (هُوَ الأَوَّلُ وَالأخِرُ...) بأنه يعلم الأول والآخر!

و قال كعب وعمر: يفضل من ربه أو من عرشه أربع أصابع

مجمع الزوائد:1/83:

عن عمر (رض) أن امرأة أتت النبي(ص)فقالت: أدع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تبارك وتعالي وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وقال في مجمع الزوائد:10/159: رواه أبو يعلي في الكبير ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن خليفة الهمذاني وهو ثقة.

ورواه في كنز العمال:10/373، وقال: (ع، وابن أبي عاصم، وابن خزيمة قط في الصفات، طب في السنة، وابن مردويه،/).

ونحوه في كنز العمال:2/466، وقال: ابن مردويه خط / ونحوه في:6 ص152 وقال الخطيب من طريق أبي إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة الهمداني.

وقال السيوطي في الدر المنثور:1/328:

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي عاصم في السنة والبزار وأبويعلي وابن جرير وأبوالشيخ والطبراني وابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة عن عمر أن امرأة أتت النبي(ص)فقالت أدع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تبارك وتعالي وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله، ما يفضل منه أربع أصابع.

وقال الديلمي في

فردوس الأخبار:3/86:

عمر بن الخطاب: عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، حتي يسمع له أطيط كأطيط الرحل.

تاريخ بغداد:1/295:

عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب عن النبي(ص)في قوله تعالي: عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، قال: حتي يسمع أطيط كأطيط الرحل.

وقال ابن الاثير في النهاية:1/54:

الأطيط: صوت الأقتاب. وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها... أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله.

وقال الديلمي في فردوس الأخبار: 1/219:

ابن عمر: إن الله عز وجل ملا عرشه يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل. انتهي.

ويلاحظ أنه جعل العرش أكبر من حجم الله تعالي بأربع أصابع مرة، وجعل الله تعالي أكبر من كرسيه بأربع أصابع بأصابع الرحمن مرة أخري، وبما أن آدم في رواياتهم مخلوق علي صورة الله تعالي وطوله ستون ذراعاً وفي بعضها سبعون ذراعاً، فتكون إصبع الرحمن أكثر من متر! سبحانه وتعالي عما يصفون، ونبرأ إليه وإلي رسوله من هذه المقولات، وقد تقدم أكثر منها في فصل بازار الأحاديث...

و قالوا: نبي الله داود يمسك بقدم الله تعالي و هو أعبد من جميع الأنبياء

كنز العمال:2/488:

من مسند عمر (رض). عن عمر قال: ذكر النبي(ص): يوم القيامة فعظم شأنه وشدته، قال ويقول الرحمن لداود عليه السلام: مر بين يدي، فيقول داود: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول: مر خلفي، فيقول: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول خذ بقدمي، فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر، قال: فتلك الزلفي التي قال الله تعالي: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَحُسْنَ مَآبٍ! انتهي. ورواه في كنز العمال:2/488 ورواه الشوكاني في فتح القدير:4/583 والسيوطي في الدر المنثور:5/305 عن ابن مردويه.

الدر المنثور:5/297:

وأخرج الديلمي عن عمر (رض) قال قال رسول

الله (ص): لا ينبغي لأحد أن يقول إني أعبد من داود.

الدر المنثور:5/305:

وأخرج عبد بن حميد عن السدي بن يحيي قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب أن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد، فينادي المنادي داود فيسقي علي رؤوس العالمين، فهو الذي ذكر الله: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَحُسْنَ مَآبٍ!

و قالوا: عمر أفضل من داود لأنه يصافح الله و يعانقه

روي ابن ماجة في:1/38:

... عن سعيد بن المسيب، عن (أبي بن) كعب قال: قال رسول الله (ص): أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة! انتهي. ورواه الحاكم في المستدرك:3/83.

عبدالله بن عمر يؤكد أحاديث أبيه

سنن ابن ماجه:1/65:قال ابن عمر: سمعت رسول الله (ص) يقول: يدني المؤمن من ربه يوم القيامة حتي يضع عليه كتفه.

تفسير الطبري:12/14: عبد الله بن عمر: قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتي يضع عليه كتفه..

تفسير الطبري:23/119: عن ابن عمر قال: خلق الله أربعة بيده: العرش وعدن والقلم وآدم..

مصابيح البغوي:3/497: عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص)... ثم ذكر الدجال... تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور.

البعث والنشور للبيهقي/251:... سمعت ابن عمر يحدث رفع الحديث إلي النبي (ص)... وأكرمهم علي الله عز وجل من ينظر إلي وجه غدوةً وعشية.

كنز العمال:14/493: إن أدني أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلي جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم علي الله من ينظر إلي وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ: وجوه يومئذ ناضرة ت، طب عن ابن عمر.

العقد الفريد:6/208: ومن حديث عبد الله بن عمر قال: العرش مطوق بحية والوحي ينزل في السلاسل.

فردوس الأخبار للديلمي:1/214: ابن عمر: إن الله عز وجل كلم موسي بمائة ألف وعشرين ألفاً وثلاثمائة وثلاث عشر كلمة، فكان الكلام من الله والإستماع من موسي فقال: أي رب أنت الذي تكلمني أم غيرك؟ قال الله عز وجل: يا موسي أنا أكلمك لا رسول بيني وبينك.

فردوس الأخبار للديلمي:3/85: ابن عمر: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، يجلسني معه علي السرير.

فردوس الأخبار للديلمي:5/165: ابن

عمر: لا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم علي صورته.

فردوس الأخبار للديلمي:5/128: ابن عمر: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، من البهاء والحسن ناظرة في وجه الله تعالي.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب:4/507: روي عن ابن عمر: أكرم أهل الجنة علي الله من ينظر إلي وجهه غدوة وعشياً. وروي نحوه في:4/539 وص 551 وص 552 وص 553 وص 556 ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:5/86 وص 125 وص 128.

وقال الديلمي في:3/473:ابن عمر: لما كان في الليلة التي ولد فيها أبو بكر الصديق أقبل ربكم عز وجل علي جنات عدن فقال: وعزتي وجلالي لا أدخلك إلا من أحب هذا المولود.

من روايات أبي موسي الأشعري وابنه

قال السيوطي في الدر المنثور:4/254:

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسي الأشعري قال قال رسول الله (ص): الفردوس مقصورة الرحمن، فيها خيار الأنهار والأثمار.

وقال في الدر المنثور:1/327:

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسي الأشعري قال: الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل.

تفسير الطبري:3/7:

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ... عن أبي موسي: قال الكرسي موضع القدمين. وعن السدي: والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه.

صحيح البخاري:4 جزء 8/185

عن أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن أبيه (أبي موسي الأشعري) عن النبي (ص) قال: جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلي ربهم إلا رداء الكبر علي وجهه في جنة عدن. انتهي. ورواه البخاري في:3 جزء 6/56، وفي:4/86، وفي:8/185 ومسلم:1/112 والدارمي:2/333 ورواه أحمد:4/411 كما في مسلم وكذا ابن ماجة:1/66 والحاكم:2/392 والذهبي في سيره:8/370.

ورواه أحمد في:4/4162 وفيه (في جنة عدن وهذه الأنهار

تشخب من جنة عدن ثم تصدع بعد ذلك أنهاراً).

وروي في:4/400 وص 411:

عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه أن النبي(ص)قال: الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون، ورباً قال عفان لكل زاوية. انتهي. يعني بالرب المسؤول عن أهله في كل زاوية من زوايا الخيمة!

وروي أحمد رواية تدل علي أن المقصود كثرة النساء في تلك الدرة الكروية الهائلة! قال في:4/411: عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن رسول الله(ص)أنه قال: في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الاخرين يطوف عليهم (عليهن) المؤمن.

وروي أحمد روايات أخري غير معقولة عن أبي موسي الأشعري في تجسيم الله تعالي والتكفير عن المسلمين المستحقين لدخول النار بغيرهم! قال في:4/408: عن أبي بردة عن أبي موسي الأشعري قال قال رسول الله (ص): يجمع الله عز وجل الأمم في صعيد يوم القيامة، فإذا بدا لله عز وجل أن يصدع بين خلقه، مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم حتي يقحمونهم النار، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن علي مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون. فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا عز وجل. قال فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟

فيقولون: نعم. فيق_ول: كيف تعرفونه ولم تروه؟! فيقولون: نعم إنه لا عدل له.

فيتجلي لنا ضاحكاً فيقول: أبشروا أيها المسلمون فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً!

وقال في:4/410 وص 411 وص 418:

عن أبي موسي قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة دفع إلي

كل مؤمن رجل من أهل الملل، فقال له هذا فداؤك من النار!

عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي موسي قال قال رسول الله (ص): إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب! إنما عذابها في الدنيا القتل والبلابل والزلازل! قال أبو النضر بالزلازل والقتل والفتن!

وروي أحمد عن أبي موسي في:4/414:

عن أسيد بن أبي أسيد عن موسي بن أبي موسي الأشعري عن أبيه أن النبي (ص) قال: الميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه، جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها؟ فقلت: سبحان الله يقول الله عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي! فقال: ويحك، أحدثك عن أبي موسي عن رسول الله(ص)وتقول هذا فينا كذب؟! فوالله ما كذبت علي أبي موسي، ولا كذب أبو موسي علي رسول الله(ص)!

وقال الديلمي في فردوس الأخبار:5/368:

أبو موسي: يتجلي ربنا ضاحكاً يوم القيامة حتي ينظروا إلي وجهه فيخرون له سجداً فيقول: إرفعوا رؤوسكم فليس هذا يوم عبادة.

البعث والنشور للبيهقي/262:

سمعت أبا موسي الأشعري يخطب علي منبر البصره يقول: إن الله عز وجل يبعث يوم القيامه ملكاً إلي أهل الجنة فيقول... قد بقي شئ إن الله يقول: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَي وَ زِيَادَةٌ، قال ألا إن الحسني الجنة، وزياده: النظر إلي وجه الله.

و قال الجرجاني وغيره: أطيط العرش فكرة يهودية

شرح المواقف للجرجاني:8/19:

المقصد الأول، أنه تعالي ليس في جهة من الجهات ولا في مكان من الأمكنة، وخالف فيه المشبهة وخصصوه بجهة الفوق اتفاقاً، ثم اختلفوا فيما بينهم فذهب أبو عبد الله محمد بن كرام إلي أن كونه في الجهة ككون الأجسام فيها، وهو أن يكون بحيث يشار إليه أنه هاهنا أو

هناك، قال: وهو مماس للصفحة العليا من العرش ويجوز عليه الحركة والإنتقال وتبدل الجهات، وعليه اليهود حتي قالوا العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الركب الثقيل، وقالوا إنه يفضل علي العرش من كل جهة أربعة أصابع، وزاد بعض المشبهة كمضر وكهمس وأحمد الهجيمي أن المخلصين من المؤمنين يعانقونه في الدنيا والآخرة! ومنهم من قال هو محاذ للعرش غير مماس له، فقيل بعده عنه بمسافة متناهية، وقيل بمسافة غير متناهية!!...

التجسيم في مصادر إخواننا من روايات الحاخامات

من أقدم النصوص وأوسعها انتشاراً في مصادر إخواننا قصة الحاخام اليهودي التي رواها أهل الصحاح بروايات عديدة عن عبد الله بن عمر، ومفادها أن هذا الحاخام جاء إلي النبي صلي الله عليه وآله وعرض عليه عقيدة التجسيم، فصدق النبي قوله وضحك له حتي بدت نواجذه صلي الله عليه وآله فقد روي البخاري في صحيحه:6/33:

... عن عبدالله (رض) قال جاء حبر من الأحبار إلي رسول الله(ص)فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات علي إصبع والأرضين علي إصبع والشجر علي إصبع والماء والثري علي إصبع وسائر الخلائق علي إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك النبي(ص)حتي بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله (ص): وما قدروا الله حق قدره.

وروي في:8/173:

عن عبدالله أن يهودياً جاء إلي النبي(ص)فقال يا محمد إن الله يمسك السماوات علي إصبع والأرضين علي إصبع والجبال علي إصبع والشجر علي إصبع والخلائق علي إصبع، ثم يقول أنا الملك، فضحك رسول الله (ص)حتي بدت نواجذه، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ. قال يحيي بن سعيد وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله فضحك رسول الله(ص)تعجباً وتصديقاً له.

... قال عبدالله جاء رجل

إلي النبي(ص)من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات علي إصبع والأرضين علي إصبع والشجر والثري علي إصبع والخلائق علي إصبع، ثم يقول أنا الملك، أنا الملك فرأيت النبي(ص)ضحك حتي بدت نواجذه، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

صحيح البخاري:8/187:

... عن عبد الله قال جاء حبر إلي رسول الله(ص)فقال: يا محمد إن الله يضع السماء علي إصبع والأرض علي إصبع والجبال علي إصبع والشجر والأنهار علي إصبع وسائر الخلق علي إصبع ثم يقول بيده أنا الملك، فضحك رسول الله(ص)وقال: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

صحيح البخاري:8/202:

... عن عبدالله (رض) قال جاء حبر من اليهود فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات علي إصبع والارضين علي إصبع والماء والثري علي إصبع والخلائق علي إصبع ثم يهزهن، ثم يقول أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يضحك حتي بدت نواجذه تعجباً وتصديقاً لقوله، ثم قال النبي (ص): وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إلي قوله يشركون.

ورواه مسلم في:8/125 بعدة روايات منها بلفظ البخاري وفيها عبارة (وقال فلقد رأيت رسول الله(ص)ضحك حتي بدت نواجذه تعجباً لما قال تصديقاً له).

ورواه أحمد في مسنده:1/378 وص 429 وص 457 وذكر في جميع رواياته أن النبي صلي الله عليه وآله ضحك حتي بدت نواجذه تصديقاً لليهودي! انتهي. ورواه البغوي في معالم التنزيل:4/87 وفي مصابيحه:3/523 والمراغي في تفسيره جزء 21/31

والصنعاني في تفسيره:2/250 والأحاديث القدسية:2/39 وأبو الشيخ في طبقات المحدثين:1/287.. وغيرهم.

ورواه الطبري في تفسيره:24/18، بصيغة كأنها ابتداء من النبي صلي الله عليه وآله بدون ذكر لليهودي! قال: عن ابن عمر قال سمعت رسول الله (ص) يقول: يأخذ الجبار سمواته

وأرضيه بيمينه وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها ثم يقول أنا الجبار أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون! قال ويميل رسول الله (ص) عن يمينه وعن شماله حتي نظرت إلي المنبر يتحرك من أسفل شئ منه، حتي أني لأقول أساقط هو برسول الله (ص)!

نكتفي بهذا القدر من النصوص عن الخليفة عمر وابنه وأبي موسي الأشعري وابنه، وهي أقدم من جميع نصوص الرؤية والتشبيه والتجسيم!

ومنها يتضح أن الخليفة عمر أول رائد في هذا المجال، وأن كعب الأحبار هو أول مصدر يهودي بعد يهود المدينة تلقي منه الخليفة ومن أطاع الخليفة من المسلمين بشكل رسمي! وكان من أبرز المتأثرين بالخليفة ولده عبد الله وأبا موسي الأشعري وولده أبا بكر. ثم جاء الذين من بعدهم فوجدوا طريقاً ممهداً فسلكوه، لأن فتح الخليفة عمر لهذا الباب لم يكن حدثاً عادياً، بل كان وضع أساس من صدر الإسلام لكل من جاء بعده، وفتح (قناة شرعية) بين نهر ثقافة أحبار اليهود ومكتوباتهم لتصب في نهر الإسلام الصافي!

وقد نشطت قناة الخليفة عمر، وصارت مصدراً أساسياً لثقافة المسلمين في عهد معاوية، وشرب الرواة وعلماء السلطة من أفكار كعب وجماعته، وشيدوا أبنيتهم بأحجارها! وهذه آثارها شاخصة في مصادر المسلمين وصحاحهم!

ومن جهة سياسية فقد سببت هذه الافكار اختلافات في الأمة وانقسامات وصراعات مريرة.. وحاول المؤرخون كعادتهم أن يبرئوا منها السلطة والخليفة ويتهموا بها المعارضة من أهل البيت وشيعتهم، لمجرد أنهم معارضة مكروهون!

ويطول البحث لو أردنا تعداد الذين رووا عن اليهود من رواة القرن الأول والثاني... ومن باب المثال نذكر ما قاله السبكي في طبقات الشافعية:9/73 في رده علي ابن تيمية: (... ثم أفاد المدعي (ابن تيمية) وأسند أن هذه المقالة مأخوذة

من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين. قال: فإن أول من حفظ عنه هذه المقالة: الجعد بن درهم، وأخذها عنه جهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه، قال والجعد أخذها عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد اليهودي الذي سحر النبي(ص). قال: وكان الجعد هذا فيما يقال من أهل حران.

فيقال له: أيها المدعي إن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة اليهود، قد خالفت الضرورة في ذلك، فإنه ما يخفي علي جميع الخواص وكثير من العوام أن اليهود مجسمة مشبهات، فكيف يكون ضد التجسيم والتشبيه مأخوذاً عنهم!) انتهي.

ويسهل علي الباحث أن يلاحظ أن بعض الأحاديث التي استدل بها ابن تيمية وغيره من القائلين بالرؤية بالعين والتشبيه، هي نصوص يهودية أو نصرانية موجودة في مصادرهم، وبعضها الآخر يشم منها رائحة يهودية قوية!

ومن ذلك الحديثان اللذان أوردهما السبكي في مناقشته لابن تيمية، قال في طبقات الشافعية:9/53: (حديث الرقية: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك... حديث الأوعال: والعرش فوق ذلك كله والله فوق ذلك كله. فقد فهمه هذا المدعي (يقصد ابن تيمية) أن الله فوق العرش حقيقة. انتهي.

وحديث الأوعال هو الحديث الذي يدعي أن الله تعالي يجلس علي عرشه وأن الحيوانات تحمل عرشه، تعالي الله عما يصفون، وستأتي رواياته في تفسير قوله تعالي: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي.

هذا وقد حاول بعض شراح البخاري ومسلم الدفاع عن النبي صلي الله عليه وآله وإثبات أنه لم يصدق الحاخام بل رد عقيدة اليهود في الله تعالي، ولكنهم ثاروا في وجههم!

قال في الأحاديث القدسية من الصحاح:2/42:

قال القسطلاني: هذا من شديد الإشتباه وقد حمله بعضهم علي أن اليهود

مشبهة، وروي الحديث من غير واحد فلم يذكروا قوله (ص) إنه تعجب من قول الحبر تصديقاً لقوله بل ذكروا أنه (ص) تعجب من كذب اليهودي. انتهي. وذكر نحوه في إرشاد الساري:10/388 وقال:... وهذه الأوصاف في حق الله تعالي محال. انتهي.

وقال النووي في شرح مسلم 9 جزء 17/130:

قوله (فضحك رسول الله (ص) تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ..) ظاهر الحديث أن النبي (ص) صدق الحبر في قوله إن الله تعالي يقبض السماوات والأرضين والمخلوقات بالاصابع. قال القاضي: وقال بعض المتكلمين ليس ضحكه (ص) وتعجبه تصديقاً للحبر، بل هو رد لقوله وإنكار تعجب من سوء اعتقاده، فإن مذهب اليهود التجسيم... انتهي. ونحوه في:9 جزء 17/131 وفي:2/46.

ولكن جمهور علماء إخواننا السنة لم يقبلوا هذه النقود العلمية لأنها رد لما صرح به البخاري ومسلم، فعصمة هذين الكتابين واجبة عندهم حتي من اشتباهات الرواة والنساخ، وحتي لو استلزم ذلك تهمة النبي بتصديق اليهود في التجسيم! قال في الأحاديث القدسية من الصحاح:2/43: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: ما اتفق عليه الشيخان بمنزلة التواتر، وإن ضحك الرسول ليس إنكاراً... إن ما اتفق عليه الشيخان بمنزلة المتواتر فلا ينبغي التجاسر علي الطعن في ثقاة الرواة، ورد الأخبار الثابتة! انتهي.

وأمام ذلك التشدد تراجع القسطلاني في كتاب التوحيد:10/388 ونقل قول أبي عمر الصلاح وأيده! وقال جامع الأحاديث القدسية من الصحاح: 2/45: قال ابن فورك:... وقد اشتد إنكار ابن خزيمة علي من ادعي أن الضحك المذكور علي سبيل الإنكار منه(ص)!

وهكذا أخذ أكثر علماء إخواننا السنة بحديث البخاري عن الحاخام، وشهدوا أن النبي أيده وصدقه، وضحك له ضحكاً كثيراً شديداً من فرحه بهذا العلم

العظيم علي حد تعبير إمام الوهابية. ولكن عدداً منهم بقي يراوده الشك والتحير كيف يمكن أن يؤيد النبي صلي الله عليه وآله قول يهودي في التجسيم، مع أن الآية التي قرأها النبي تدل علي رده قول اليهودي.

الكوثري يصعد درجات و لا يصل إلي لب الحقيقة

اقترب الشيخ محمد زاهد الكوثري من الحقيقة، فاعترف بأن التشبيه والتجسيم انتقل إلي المسلمين من اليهود عن طريق رواة إخواننا السنة من التابعين ومن بعدهم، ولكنه لم ينفذ إلي لب الحقيقة، ولم يجرأ علي نسبة ذلك إلي الصحابة الذين أخذوا هذه العقائد من اليهود وأدخلوها في عقائد المسلمين.

قال في مقدمته لكتاب الأسماء والصفات للبيهقي:

للمحدثين ورواة الأخبار منزلة عليا عند جمهرة أهل العلم، لكن بينهم من تعدي طوره وألف فيما لايحسنه، فأصبح مجلبة العار لطائفته بالغ الضرر لمن يسايره ويتقلد رأيه! من هؤلاء غالب من ألف منهم في صفات الله سبحانه، فدونك مرويات حماد بن سلمة في الصفات تجدها تحتوي علي كثير من الأخبار التالفة يتناقلها الرواة طبقة عن طبقة، مع أنه قد تزوج نحو مائة امرأة من غير أن يولد له ولد منهن، وقد فعل هذا التزواج والتنكاح في الرجل فعله بحيث أصبح في غير حديث ثابت البناني لايميز بين مروياته الأصلية وبين مادسه في كتبه أمثال ربيبه ابن أبي العوجاء وربيبه الآخر زيد المدعو بابن حماد، بعد أن كان جليل القدر بين الرواة قوياً في اللغة، فضلّ بمروياته الباطلة كثير من بسطاء الرواة.

ويجد المطالع الكريم نماذج شتي من أخباره الواهية في باب التوحيد من كتب الموضوعات المبسوطة، وفي كتب الرجال، وإن حاول أناس الدفاع عنه بدون جدوي، وشرع الله أحق بالدفاع من الدفاع عن شخص، ولاسيما عند تراكب التهم القاطعة لكل عذر.

فعلت

مرويات نعيم بن حماد أيضاً مثل ذلك بل تحمسه البالغ أدي به إلي التجسيم كما وقع مثل ذلك لشيخ شيخه مقاتل بن سليمان تجد آثار الضرر الوبيل في مروياتهما في كتب الرواة الذين كانوا يتقلدونها من غير معرفة منهم لما هنالك، فدونك كتاب الإستقامة لخشيش بن أصرم، والكتب التي تسمي السنة لعبد الله وللخلال، ولأبي الشيخ، وللعسال، ولأبي بكر بن عاصم، وللطبراني، والجامع، والسنة والجماعة لحرب بن إسماعيل السيرجاني، والتوحيد لابن خزيمة، ولابن مندة، والصفات للحكم بن معبد الخزاعي، والنقض لعثمان بن سعيد الدارمي، والشريعة للأجري، والإبانة لابي نصر السجزي، ولابن بطة، ونقض التأويلات لأبي يعلي القاضي، وذم الكلام، والفاروق لصاحب منازل السائرين.. تجد فيها ما ينبذه الشرع والعقل في آن واحد ولا سيما النقض لعثمان بن سعيد الدارمي السجزي المجسم فإنه أول من اجترأ من المجسمة بالقول إن الله لو شاء لاستقر علي ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته، فكيف علي عرش عظيم!! وتابعه الشيخ الحراني (ابن تيمية) في ذلك كما تجد نص كلامه في غوث العباد المطبوع سنة 1351 بمطبعة الحلبي. وكم لهذاالسجزي من طامات مثل إثبات الحركة له تعالي وغير ذلك! كم من كتب من هذا القبيل فيها من الأخبار الباطلة والآراء السافلة ما الله به عليم، فاتسع الخرق بذلك علي الراقع وعظم الخطب إلي أن قام علماء أمناء برأب الصدع نظراً ورواية وكان من هؤلاء العلماء الخطابي، وأبو الحسن الطبري، وابن فورك، والحليمي، وأبو إسحاق الأسفرايني، والأستاذ عبد القاهر البغدادي، وغيرهم من السادة القادة الذين لايحصون عدداً... انتهي.

نقول: مع شكرنا لمن تصدي لهذه التحريفات في عقائد الإسلام.. فإن المشكلة مازالت قائمة في مصادر إخواننا لكثرة أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم فيها، وجلها

إن لم يكن كلها يرجع مصدره إلي كعب الأحبار وزملائه وتلاميذهم ومن تأثر بهم مثل أبي هريرة وعكرمة ووهب ومقاتل والسفيانين والحمادين ونعيم بن حماد.. الخ.! فلا بد من فتح باب الاجتهاد في الجرح والتعديل وقيام الدراسات النقدية الجادة لرواة أخبار الصفات.

وفيما يلي نقدم خلاصة أقوال علماء الجرح والتعديل في اثنين من قدماء الرواة ذكرهما الكوثري في كلامه، وهما: حماد بن سلمة، ونعيم بن حماد.

السفيانان والحمادان

السفيانان والحمادان من كبار أئمة الحديث عند إخواننا السنيين، بل هم شيوخ أئمة المذاهب سوي مالك، وكلهم من الفرس ماعدا سفيان الثوري الذي نسب إلي تميم طابخة! وقد ولد الثوري سنة 97 ومات سنة 161 ثم سفيان بن عيينة الرازي، أي الطهراني ولد سنة 107 وتوفي سنة 178، ثم حماد بن سلمة الفارسي أيضاً الذي توفي سنة 167 ثم حماد بن زيد الفارسي أيضاً الذي توفي سنة 179 كما في سير أعلام النبلاء للذهبي.

فالحمادان متعاصران ومتقاربان في السن، بل ذكر الكوثري أن حماد بن زيد هو ربيب حماد بن سلمة.. وقد حكم أهل الجرح بأن عقل ابن زيد أكبر من دينه، وأن دين ابن سلمة أكبر من عقله.

حماد بن سلمة

حماد بن سلمة الربعي فارسي مولي ربيعة الجوع، أو ربيعة كلب، قال في إكمال الكمال:4/147:

وفي اللباب (ربيعة الجوع وهو ربيعة بن مالك بن زيد مناة، منهم حماد بن سلمة الربعي مولاهم إمام مشهور) وذكر أيضاً ربيعة كلب (ربيعة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل....)

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:7/456:

حماد بن زيد بن درهم، العلامة، الحافظ الثبت، محدث الوقت، قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سمعت أبا أسامة يقول: كنت إذا رأيت حماد بن زيد قلت: أدبه كسري، وفقهه عمر (رض).

قال الخليلي: سمعت عبد الله بن محمد الحافظ، سمعت أبا عبيد محمد بن محمد بن أخي هلال الرأي، سمعت هشام بن علي يقول: كانوا يقولون كان علم حماد بن سلمة أربعة دوانيق، وعقلة دانقين، وعلم حماد بن زيد دانقين، وعقله أربعة دوانيق.

وقال المزي في تهذيب الكمال:7/251 عن حماد بن زيد:

وقال أبو حاتم بن حبان: كان ضريراً يحفظ

حديثه كله، وكان درهم جده من سبي سجستان، وما كان يحدث إلا من حفظه، وقد وهم من زعم أن بينهما كما بين الدينار والدرهم، إلا أن يكون القائل أراد فضل ما بينهما مثل الدينار والدرهم في الفضل والدين، لأن حماد بن سلمة كان أفضل وأدين وأورع من حماد بن زيد، ولسنا ممن يطلق الكلام علي أحد بالجزاف بل نعطي كل شيخ قسطه، وكل راو حظه، والله الموفق.

تهذيب التهذيب:3/10:

وقال أحمد بن حنبل: حماد بن زيد أحب إلينا من عبد الوارث. حماد من أئمة المسلمين من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة.

ميزان الاعتدال:3/136:

وقال الذهلي: قلت لأحمد في علي بن عاصم فقال: كان حماد بن سلمة يخطئ، وأومأ أحمد بيده كثيراً، ولم نر بالرواية عنه بأساً.

ونحوه في سير أعلام النبلاء:9/253 وفي تهذيب الكمال:20/510

سير أعلام النبلاء:5/236:

قال أبوداود: سمعت أبا عبدالله أحمد يقول: حماد (بن أبي سليمان) مقارب الحديث، ما روي عنه سفيان وشعبة، ولكن حماد بن سلمة عنده عنه تخليط.

الانساب:1/121:

الإمام أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الازدي البصري المعروف بالأزرق...

وروي الذهبي في سير أعلام النبلاء:9/114 أن حماد بن سلمة كان لا يحترم علم حماد بن زيد.. قال الذهبي: وروي عفان قال: كنا عند حماد بن سلمة، فأخطأ في حديث، وكان لا يرجع إلي قول أحد، فقيل له: قد خولفت فيه فقال: من؟ قالوا: حماد بن زيد فلم يلتفت، فقيل إن إسماعيل ابن علية يخالفك، فقام ودخل ثم خرج، فقال: القول ما قال إسماعيل.

بعض روايات ابن سلمة في التشبيه والتجسيم

لسان الميزان:1/485:

أيوب بن عبدالسلام، أبو عبد السلام، قال ابن حبان: كانه كان زنديقاً! يروي عن أبي بكرة عن ابن

مسعود رضي الله عنهما: إن الله إذا غضب انتفخ علي العرش حتي يثقل علي حملته. رواه حماد بن سلمة وكان كذاباً.

قلت، بئس ما فعل حماد بن سلمة برواية مثل هذا الضلال، فقد قال النبي (ص): كفي بالمرء إثما إن يحدث بكل ما سمع، بل ولا أعرف له إسنادا عن حماد فيتأمل هذا، فإن ابن حبان صاحب تشنيع وتشغب. انتهي.

وكذا في ميزان الإعتدال:1/290 وفيه:/590:

حماد بن سلمة، عن ثابت، عن ابن أبي ليلي، عن صهيب-مرفوعاً: للذين أحسنوا الحسني وزيادة، قال: هي النظر إلي وجه الله.

حماد، عن ثابت، عن أنس أن النبي(ص)قرأ: فلما تجلي ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره، وضرب علي إبهامه، فساخ الجبل! فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس، ويقوله رسول الله(ص)وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد (وصححه الترمذي).

إبراهيم بن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس _ مرفوعاً: رأيت ربي جَعْداً أمرد عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأي ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة. وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسي، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي(ص)، قال: رأيت ربي. (ومثله في تذكرة الحفاظ: 2/596).

وقال أبوبكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيي بن كثير،

حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه. فهذا من أنكر ما أتي به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة، عن عكرمة، في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً....

وقال... في الموضوعات: 1/122 عن حديث (أخرج خنصره أو طرف خنصره): وهذا حديث لا يثبت. قال ابن عدي الحافظ: كان ابن أبي العوجاء ربيب حماد بن سلمة فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث. ومثله في/100.

سير أعلام النبلاء:7/451:

وروي عبد العزيز بن المغيرة، عن حماد بن سلمة: أنه حدثهم بحديث نزول الرب عز وجل فقال: من رأيتموه ينكر هذا، فاتهموه....

وقال في ميزان الاعتدال:1/590:

الدولابي، حدثنا محمد بن شجاع الثلجي، حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي، قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث يعني التي في الصفات حتي خرج مرة إلي عبادان فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطاناً خرج إليه من البحر، فألقاها إليه!

قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دُسَّت في كتبه.

وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه. قلت: ابن الثلجي ليس بمصدق علي حماد وأمثاله، وقد اتهم. نسأل الله السلامة.

وفي تهذيب التهذيب:3/11:

وقال الدولابي ثنا محمد بن شجاع البلخي حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي قال كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث التي في الصفات حتي خرج مرة إلي عبادان فجاء وهو يرويها! فسمعت عباد ابن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ وكانوا يقولون إنها دست في كتبه. وقد

قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه...

وحكي أبو الوليد الباجي في رجال البخاري أن النسائي سئل عنه فقال ثقة. قال الحكم بن مسعدة فكلمته فيه فقال: ومن يجترئ يتكلم فيه لم يكن عند القطان هناك. ثم جعل النسائي يذكر الأحاديث التي انفرد بها في الصفات كأنه خاف أن يقول الناس تكلم في حماد من طريقها انتهي.

وهو يدل علي ما ذكرناه من أن العوام يحبون التجسيم لأن المعبود المادي أسهل علي أذهانهم، وقد كان ذلك عاملاً في رواج سوق روايات التجسيم اليهودية، حتي أن أئمة المحدثين مثل النسائي يخاف أن يقولوا عنه إنه ضعف حماداً الروايات التجسيم!!

سير أعلام النبلاء:5/31:

وروي جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيي بن معين قال: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة، وفي حماد بن سلمة، فاتهمه علي الإسلام!.

قلت: هذا محمول علي الوقوع فيهما بهوي وحيف في وزنهما، أما من نقل ما قيل في جرحهما وتعديلهما علي الإنصاف فقد أصاب، نعم إنما قال يحيي هذا في معرض رواية حديث خاص في رؤية الله تعالي في المنام، وهو حديث يستنكر. وقد جمع ابن مندة فيه جزءاً سماه: صحة حديث عكرمة.

حماد يروي أن النبي لا يحفظ القرآن

تهذيب الكمال:2/267:

وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الجارود بن أبي سبرة، عن أبي بن كعب: أن رسول الله(ص)صلي بالناس فترك آية! فقال: أيكم أخذ علي شيئاً من قراءتي؟ فقال أبي: أنا يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال النبي (ص): قد علمت إن كان أحد أخذها علي فإنك أنت هو!

وقال في تهذيب الكمال:2/268: رواه البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام عن أبي سلمة موسي بن إسماعيل، عن حماد. فوقع لنا

بدلاً عالياً!

اخذ حماد القول بالجبر من شيخ شيخه وهب

ميزان الاعتدال:4/353:

وروي حماد بن سلمة عن أبي سنان: سمعت وهب بن منبه يقول: كنت أقول بالقدر حتي قرأت بضعة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها: من جعل لنفسه شيئاً علي المشيئة فقد كفر، فتركت قولي انتهي. ومثله في تهذيب الكمال:31/147.

ويقصد وهب بكتب الأنبياء: كتب بني إسرائيل المنسوبة إلي الأنبياء.

ويقصد بعبارته التي نقلها من كتب اليهود: أن من يجعل للإنسان شيئاً من الإرادة في أفعاله فقد كفر! بل أفعاله كلها بما فيها المعاصي والجرائم من الله تعالي!! وبذلك رفع اليهود مسؤولية مخالفتهم لأنبيائهم وقتلهم إياهم عن عواتقهم، ونسبوها إلي الله تعالي..!! وتبعهم في ذلك بعض المسلمين حذو القذة بالقذة!!

ربيبه عبدالكريم بن أبي العوجاء

نذكر فيما يلي شيئا عن ابن العوجاء ابن زوجة حماد الذي اتهموه بالدس في أحاديثه، لكي تعرف خطورته.. قال في لسان الميزان:4/51:

عبد الكريم بن أبي العوجاء خال معن بن زائدة زنديق مغتر، قال أحمد بن عدي: لما أخذ ليضرب عنقه قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيه الحلال وأحلل الحرام!! قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة. انتهي.

وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني عن جرير بن حازم: كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام: واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وبشار بن برد وصالح بن عبد القدوس وعبد الكريم بن أبي العوجاء ورجل من الأزد، فكانوا يجتمعون في منزل الأزد...

وفي تهذيب المقال:3/101 ابن أبي العوجاء: هو عبد الكريم بن أبي العوجاء، أحد زنادقة عصر الإمام الصادق عليه السلام. كان من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد، فقيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة! قال: إن صاحبي كان مخلطاً يقول طوراً بالقدر وطوراً

بالجبر، فما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه.

قتله أبو جعفر محمد بن سليمان عامل البصرة من جهة المنصور. وكان خال معن بن زائدة. وقد جري بينه وبين مولاناالصادق عليه السلام احتجاجات كثيرة... انتهي.

وتجد مناظرات الإمام الصادق عليه السلام وتلاميذه مع ابن أبي العوجاء وصاحبيه أبي شاكر الديصاني وعبد الله بن المقفع، وبقية أخباره ونشاطه في نشر الالحاد، في: الكني والألقاب للقمي: 1/201، وفي إختيار معرفة الرجال للطوسي: 2/430، جامع الرواة للاردبيلي:2/160 و296 و438، والإحتجاج للطبرسي.. وغيرها.

عشرات الألوف من الأحاديث و مئات التلاميذ

تهذيب الكمال:19/147:

وقال أبوحاتم: صدوق ثقة، روي عنه أحمد بن حنبل وكان عنده عن حماد بن سلمة تسعة آلاف حديث...!!

تهذيب الكمال:22/89:

قال إسحاق بن سيار النصيبي: سمعت عمرو بن عاصم يقول: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً! وكذا: 7/263 وفي سير أعلام النبلاء:10/257 وتهذيب التهذيب:8/52.

وفي سير أعلام النبلاء:7/446:

قال عمرو بن عاصم: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً.

جعفر الطيالسي: سمعت عفان يقول: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً.

وفي تهذيب الكمال:20/172:

وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: سمعت عفان يقول: يكون عند أحدهم حديث فيخرجه بالمقرعة، كتبت عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث ما حدثت منها بألفي حديث.

وقال علي بن سهل بن المغيرة: سمعت يحيي بن معين يقول: لي حانوت بباب الطاق وددت أن عفان قرأ عليَّ كتب حماد بن سلمة فأبيعه وأدفع ثمنه إليه.

سير أعلام النبلاء:9/500:

قال علي بن المديني: كان عند يحيي بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث!

تذكرة الحفاظ:1/202:

قال ابن المديني: كان عنديحيي بن ضريس عن حماد عشرة آلاف حديث.

وقال في الجرح والتعديل:3/140:

قال يحيي بن معين...

وكان عند يحيي بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث، وعن الثوري عشرة آلاف أو نحوه....

الجرح والتعديل:1/335:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن أبي سملة التبوذكي عشرة آلاف حديث، أما حديث حماد بن سلمة فعشرة آلاف حديث، وكنا نظن أنه يقرأ كما يقرأ قديماً فاستكتبنا الكثير، ومات فبقي علينا شئ نحو قوصرة فوهبت لقوم بالبصرة. انتهي. أي بقي من أحاديث التبوذكي تلميذ ابن حماد كيس كبير (خيشة)، وسيأتي أن أحمد بن حنبل روي عنه تسعة آلاف حديث!

تهذيب التهذيب:3/11:

البخاري في التعاليق ومسلم والاربعة: حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة مولي تميم. ويقال مولي قريش وقيل غير ذلك. روي عن: ثابت البناني وقتادة وخاله حميد الطويل وإسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة وانس بن سيرين وثمامة بن عبدالله بن أنس ومحمد بن زياد القرشي وأبي الزبير المكي وعبد الملك بن عمير وعبد العزيز بن صهيب وأبي عمران الجوني وعمرو بن دينار وهشام بن زيد بن انس وهشام بن عروة ويحيي ابن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وخالد الحذاء وداود بن أبي هند وسليمان التيمي وسماك بن حرب وخلق كثير من التابعين فمن بعدهم.

وعنه: ابن جريج والثوري وشعبة وهم أكبر منه وابن المبارك وابن مهدي والقطان وأبوداود و أبوالوليد الطيالسيان وأبوسلمة التبوذكي وآدم بن أبي اياس والأشيب وأسود بن عامر شاذان وبشر بن السري وبهز بن أسد وسليمان بن حرب وأبونصر الثمار وهدبة بن خالد وشيبان بن فروخ وعبيد الله العيشي وآخرون... انتهي. وقد أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء: 7/444 عدداً أكبر من شيوخه وتلاميذه.

تهذيب التهذيب:10/294:

دعس (أبي داود والنسائي في مسند علي) مهنأ بن

عبد الحميد أبوشبل ويقال أبو سهل البصري. روي عن حماد بن سلمة، وعنه أحمد بن حنبل.

كان مفتي البصرة و له مسجد و يلزم تلاميذه بالكتابة عنه

تهذيب التهذيب:3/14:

وحماد من أجلة المسلمين وهو مفتي البصرة، وقد حدث عنه من هو أكبر منه سناً. ونحوه في ميزان الإعتدال:1/590.

ميزان الاعتدال:1/608:

حمزة بن واصل البصري... قلت: هو صاحب حديث المرأة البيضاء بطوله، رواه الدارقطني في كتاب الرؤية من طريق محمد بن سعيد القرشئ، حدثنا حمزة بن واصل المنقري، وكان يلزم مسجد حماد بن سلمة، وحماد أمرنا أن نكتب عنه..

تذكرة الحفاظ:1/202:

قال أبو داود لم يكن لحماد بن سلمة كتاب إلا كتاب قيس بن سعد...! ومثله في سير أعلام النبلاء:7/444.

الانساب:2/356:

قلت: وعباد أيضاً ليس بشئ وقد قال أبو داود لم يكن لحماد بن سلمة كتاب غير كتاب قيس بن سعد يعني كان يحفظ علمه.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ضاع كتاب حماد عن قيس بن سعد وكان يحدثهم من حفظه.

سير أعلام النبلاء:11/99:

وقال ابن عدي: سمعت أبا يعلي وسئل عن هدبة وشيبان أيهما أفضل فقال: هدبة أفضلهما وأوثقهما وأكثرهما حديثاً، كان حديث حماد بن سلمة عنده نسختين: واحدة علي الشيوخ، وأخري علي التصنيف.

و مع هذا وثقه إخواننا وغالوا فيه

إكمال الكمال:2/185:

وفي المشتبه: فقيه العصر أبو حنيفة الخزاز، وإمام المحدثين حماد بن سلمة...

ميزان الاعتدال:1/590:

حماد بن سلمة بن دينار الإمام العلم، أبوسلمة البصري... وقال ابن المديني: من سمعتموه يتكلم في حماد فاتهموه.

وقال رجل لعفان: أحدثك عن حماد قال: من حماد ويلك! قال: ابن سلمة. قال: ألا تقول أمير المؤمنين....

تهذيب الكمال:19/147:

قال أبوطالب، عن أحمد بن حنبل: صدوق في الحديث... روي عنه أحمد بن حنبل وكان عنده عن حماد بن سلمة تسعة آلاف حديث...!

تهذيب الكمال:7/261:

وقال شهاب بن المعمر البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال، وعلامة الأبدال أن لا

يولد لهم! تزوج سبعين امرأة فلم يولد له. انتهي. وكذا في أنساب السمعاني:2/356.

ولم أجد فيما راجعت من كتب الجرح والتعديل أنه تزوج نحو مئة امرأة كما ذكر العلامة الكوثري، وإن كانت السبعين أكثر من ثلثي المئة!

تذكرة الحفاظ:1/202:

شهاب بن معمر كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال.

وقال في الجرح والتعديل:3/140:

نا سعيد بن أبي سعيد الاراطي الرازي قال سئل أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة فقال: صالح... المديني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة... عن يحيي بن معين قال: حماد بن سلمة ثقة.

سير أعلام النبلاء:7/444:

حماد بن سلمة بن دينار، الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبوسلمة البصري، النحوي، البزاز، الخرقي، البطائني، مولي آل ربيعة بن مالك....

وقال حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة، وكان من أئمة الدين.

قال أبو عبد الله الحاكم: قد قيل في سوء حفظ حماد بن سلمة، وجمعه بين جماعة في الإسناد بلفظ واحد، ولم يخرج له مسلم في الأصول إلا من حديثه عن ثابت، وله في كتابه أحاديث في الشواهد عن غير ثابت....

قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت من يغمزه، فاتهمه فإنه كان شديداً علي أهل البدع، إلا أنه لما طعن في السن ساء حفظه، فلذلك لم يحتج به البخاري، وأما مسلم فاجتهد فيه وأخرج من حديثه عن ثابت، مما سمع منه قبل تغيره، وما عن غير ثابت فأخرج نحو اثني عشر حديثاً في الشواهد دون الإحتجاج، فالإحتياط أن لا يحتج به فيما يخالف الثقات....

قال أبو القاسم البغوي: حدثني محمد بن مطهر قال: سألت أحمد بن حنبل فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا

بصيرة.

قال أبوسلمة التبوذكي: مات حماد بن سلمة وقد أتي عليه ست وسبعون سنة.

وقال ابن سعد: أخبرني أ بوعبد الله التميمي قال: أخبرني أبوخالد الرازي، عن حماد بن سلمة قال: أخذ إياس بن معاوية بيدي وأنا غلام فقال: لا تموت حتي تقص، أما إني قد قلت هذا لخالك يعني حميد الطويل، فما مات حماد حتي قص. قال أبو خالد قلت لحماد: أنت قصصت قال: نعم.

قلت: القاص هو الواعظ.

قال علي بن عبدالله: قلت ليحيي: حملت عن حماد بن سلمة إملاء. قال: نعم، إملاء كلها، إلا شيئا كنت أسأله عنه في السوق، فأتحفظ. قلت ليحيي: كان يقول: حدثني وحدثنا قال: نعم، كان يجئ بها عفواً، حدثني وحدثنا... انتهي.

أقول: ينبغي للباحث أن يتوقف عند فراسة إياس بن معاوية بأن حماداً قصاص، وأن فراسته قد تحققت في حماد! فالقصاص في القرون الأولي له مواصفات محددة، ومن أولها أن يعرف الإسرائيليات ويقصها علي الناس.. ولابد أن حمادا كان صاحب بضاعة كبيرة من الإسرائيليات، وأين هي... إلا في مروياته!

تذكرة الحفاظ:1/202:

حماد بن سلمة بن دينار الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو سلمة الربعي مولاهم البصري... وقال وهيب: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا.

وقال أحمد بن حنبل: حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت البناني وأثبتهم في حميد... قلت: هو أول من صنف التصانيف... وقيل إن حماد بن سلمة تزوج سبعين امرأة ولم يولد له ولد. وعن حمد بن حنبل قال: إذا رأيت الرجل ينال من حماد بن سلمة فاتهمه علي الإسلام. مناقب حماد يطول شرحها...

و احترمه البخاري و روي عنه و لم يكتفوا بذلك

مع أن البخاري ترجم لحماد في تاريخه الكبير: 3/22 بكل احترام، وروي عنه في صحيحه، ولكن المتعصبين لحماد هاجموا البخاري لماذا لم

يحتج بحماد فيما خالف فيه الثقات! وقد دافع بعضهم عن البخاري!

قال في الموضوعات:1/34: وإنما اشترط البخاري ومسلم الثقة والإشتهار وقد تركا أشياء كثيرة تركها قريب وأشياء لا وجه لتركها، فمما ترك البخاري الرواية عن حماد بن سلمة مع علمه بثقته لأنه قيل له إنه كان له ربيب يدخل في حديثه ما ليس منه.

تهذيب الكمال:7/266:

يعرض ابن حبان هنا بمحمد بن اسماعيل البخاري صاحب الصحيح، وقد رد ابن حبان علي البخاري رداً قوياً في مقدمة صحيحه 114 _ 117 بسبب عدم تخريجه له.

الأنساب للسمعاني:2/356:

ولم ينصف من جانب حديثه واحتج بأبي بكر بن عياش في كتابه وبابن أخي الزهري وبعبد الرحمن بن عبدالله بن دينار، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ فغيره من أقرانه مثل الثوري وشعبة ودونهما كانوا يخطئون، فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجوداً، وأني يبلغ أبوبكر حماد بن سلمة، ولم يكن من أقران حماد بالبصرة مثله في الفضل والدين والعلم والنسك والجمع والكتبة والصلابة في السنة والقمع لأهل البدعة، ولم يكن مثله في أيامه معتزلي قدري جهمي لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة، وأني يبلغ أبوبكر بن عياش حماد بن سلمة في إتقانه أم في جمعه أم في ضبطه. هذا كله كلام أبي حاتم بن حبان البستي.

... واعتذر أبوالفضل بن طاهر عن ذلك لما ذكر أن مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم، قال: وكذلك حماد بن سلمة إمام كبير لمدحه الأئمة وأطنبوا لما تكلم بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه. لم يخرج عنه البخاري معتمداً عليه،

بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وغيرهم.

ومسلم اعتمد عليه لأنه رأي جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا وشاهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم. ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أئمة أهل النقل علي ثقته وأمانته!!

نعيم بن حماد

التاريخ الكبير:8/100:

نعيم بن حماد المروزي سكن مصر كنيته أبو عبد الله سمع ابن المبارك وابن عيينة والفضل بن موسي، هو الفارض....

الجرح والتعديل:8/463:

نعيم بن حماد وكنيته أبو عبد الله المروزي الخزاعي الأعور المعروف بالفارض سكن مصر روي عن عبد المؤمن بن خالد... مات سنة ثمان وعشرين ومئتين...

بعض مناكيره و رواياته في التجسيم

ميزان الإعتدال:2/102:

نعيم بن حماد، حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن عمر _ مرفوعاً: سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحي الله إلي: يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضهم أضوأ من بعض، فمن أخذ بشئ مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي علي هدي. فهذا باطل، وعبد الرحيم تركوه، ونعيم صاحب مناكير.

ميزان الإعتدال: 4/268:

قال أبو داود: كان عند نعيم بن حماد نحو عشرين حديثاً عن النبي(ص)، ليس لها أصل. وقال النسائي: هو ضعيف.

وقال أبو زرعة الدمشقي: عرضت علي دحيم حديثاً حدثناه نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حياة، عن النواس بن سمعان: إذا تكلم الله بالوحي.... فقال دحيم: لا أصل له.

نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل أنها سمعت النبي(ص)يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خضرة عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتي يصدق علي الله تعالي! وقد سرد ابن عدي في الكامل جملة أحاديث انفرد بها نعيم...

سير أعلام النبلاء:13/299:

عن ابن قتيبة: وما أحسن قول نعيم بن حماد، الذي

سمعناه بأصح إسناد عن محمد بن إسماعيل الترمذي، أنه سمعه يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.

قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف تعالي: صفاته لا مثل لها، إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات، وهذا هو مذهب السلف. انتهي.

وهكذا يدافع الذهبي عن تشبيه ابن حماد وتجسيمه، وقد صحح خبر أم الطفيل كما ستري!

تهذيب التهذيب:10/409:

وقال صالح بن محمد الأسدي في حديث شعيب عن الزهري كان محمد بن جبير يحدث عن معاوية في: الأمراء من قريش، والزهري إذا قال كان فلان يحدث فليس هو سماع. قال: وقد روي هذا الحديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن محمد بن جبير عن معاوية نحوه وليس لهذا الحديث أصل من ابن المبارك! ولا أدري من أين جاء به نعيم! وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها. قال: وسمعت يحيي بن معين سئل عنه فقال ليس في الحديث بشئ ولكنه صاحب سنة.

وقال الآجري عن أبي داود عند نعيم نحو عشرين حديثاً عن النبي(ص)ليس لها أصل. وقال النسائي نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر ليس بثقة... وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة!! وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب....

وقال أبو الفتح الأزدي: قالوا كان يضع الحديث في تقوية السنة!! وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب... قال النسائي ضعيف...

سير أعلام النبلاء:10/595:

قال عبد الخالق بن منصور: رأيت يحيي بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في

الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا...

فأما خبر أم الطفيل، فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره، حدثنا نعيم، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأي ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جدا، أحسن النسائي حيث يقول: ومن مروان بن عثمان حتي يصدق علي الله!

وهذا لم ينفرد به نعيم، فقد رواه أحمد بن صالح المصري الحافظ، وأحمد بن عيسي التستري، وأحمد بن عبدالرحمن بن وهب، عن ابن وهب. قال أبو زرعة النصري: رجاله معروفون.

قلت: بلا ريب قد حدث به ابن وهب وشيخه وابن أبي هلال وهم معروفون عدول، فأما مروان، وما أدراك ما مروان، فهو حفيد أبي سعيد بن المعلي الأنصاري، وشيخه هو عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم الأنصاري. ولئن جوزنا أن النبي(ص)قاله، فهو أدري بما قال!! ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكره عليه السلام، ولا نحن نحسن أن نعبره، فأما أن نحمله علي ظاهره الحسي، فمعاذ الله أن نعتقد الخوض (!) في ذلك بحيث إن بعض الفضلاء قال: تصحف الحديث، وإنما هو: رأي رئية، بياء مشددة. وقد قال علي (رض): حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون. وقد صح أن أبا هريرة كتم حديثا كثيرا مما لا يحتاجه المسلم في دينه، وكان يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم، وليس هذا من باب كتمان العلم في شئ، فإن العلم الواجب يجب بثه ونشره ويجب علي الأمة حفظه، والعلم الذي في فضائل الأعمال مما يصح إسناده يتعين نقله ويتأكد نشره، وينبغي

للامة نقله، والعلم المباح لا يجب بثه ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء.!! انتهي.

فقد صحح الذهبي حديث أم الطفيل وفسره بالظاهر الحسي المادي، ثم حبذ عدم الخوض فيه! وهذا هو مذهبه ومذهب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، كما بينا في كتاب الوهابية والتوحيد.

وقال ابن كثير في تفسيره، في قوله تعالي: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ الأعراف: 54: بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حمادالخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر. ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه!

قال السبكي الكبير في السيف الصقيل في الرد علي ابن زفيل _ ومعه تكملة الرد علي نونية ابن القيم للكوثري _ مكتبة زهران بمصر. وابن زفيل هو ابن القيم وزفيل اسم أبيه الذي كان قيما للمدرسة الجوزية وهي مدرسة للحنابلة بدمشق فعرف باسم ابن قيم الجوزية.

قال في/205:

ومما يزيدك بصيرة في هذا الباب اجتراء الذهبي علي حذف لفظ (إن صحت الحكاية عنه) من كلام البيهقي في الأسماء والصفات (/303) عندما نقل كلامه في كتاب العلو (/126) في صدد نسبة القول بأن الله في السماء إلي أبي حنيفة ليخيل إلي السامع أن سند هذه الرواية لا مغمز فيه!

مع أن نوحاً الجامع ربيب مقاتل بن سليمان المجسم في السند هالك مثل زوج أمه، وكذلك نعيم بن حماد ربيب نوح وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة! فأين التعويل علي رواية مجسم فيما يحتج به لمذهبه؟! وليس بقليل ما ذكره الذهبي في حقهما في ميزان الإعتدال..

و مع ذلك وثقوا نعيما لأنه صلب في السنة

سير أعلام النبلاء:10/595:

نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث

بن همام بن سلمة بن مالك، الإمام العلامة الحافظ، أبو عبد الله الخزاعي المروزي الفرضي الأعور... روي عنه: البخاري مقرونا بآخر، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة بواسطة، ويحيي بن معين، والحسن بن علي الحلواني، وأحمد بن يوسف السلمي، ومحمد بن يحيي الذهلي،ومحمد بن عوف، والرمادي، وأبومحمد الدارمي، وسمويه، وأبو الدرداء عبدالعزيز بن منيب، وعبيد بن شريك البزار، وأبو حاتم، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، ويعقوب الفسوي، وأبو الأحوص العكبري، وبكر بن سهل الدمياطي، وخلقٌ...

تهذيب التهذيب:10/409:

روي عنه البخاري مقروناً وروي له الباقون سوي النسائي بواسطة... وقال الميموني عن أحمد: أول من عرفناه يكتب المسند نعيم. وقال الخطيب يقال إنه أول من جمع المسند.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان نعيم كاتباً لأبي عصمة وهو شديد الرد علي الجهمية وأهل الاهواء ومنه تعلم نعيم بن حماد...

وقال أيضاً: ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبدالعزيز بن سلام حدثني أحمد بن ثابت أبويحيي سمعت أحمد ويحيي بن معين يقولان: نعيم معروف بالطلب ثم ذمه بأنه يروي عن غير الثقات....

قال ابن عدي وابن حماد متهم فيما يقوله عن نعيم لصلابته في أهل الرأي وأورد له ابن عدي أحاديث مناكير وقال: وليعلم غير ما ذكرت. وقد أثني عليه قوم وضعفه قوم وكان أحد من يتصلب في السنة.

تهذيب التهذيب:10/411:

قال عبد الغني بن سعيد المصري: كل من حدث به عن عيسي بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه من نعيم. وبهذا الحديث سقط نعيم عند كثير من أهل العلم بالحديث إلا أن يحيي ابن معين لم يكن ينسبه إلي الكذب بل كان ينسبه إلي الوهم... وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ ووهم... أما نعيم

فقد ثبتت عدالته وصدقه ولكن في حديثه أوهام معروفة... قال فيه الدارقطني إمام في السنة كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم ربما يخالف في بعض حديثه وقد مضي أن ابن عدي يتتبع ما وهم فيه، فهذا فصل القول فيه.

هامش سير أعلام النبلاء:19/505:

هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي نزيل مصر، مشهور من الحفاظ، لقيه البخاري ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوي موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر، وروي له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً، وأصحاب السنن إلا النسائي، وكان أحمد يوثقه، وكذا في رواية عن ابن معين، وسئل عنه ابن معين فقال: ليس في الحديث بشئ ولكنه صاحب سنة، وقال الاجري عن أبي داود: عند نعيم نحو عشرين حديثا عن النبي(ص)ليس لها أصل، وقال النسائي: نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال الحافظ أبوعلي النيسابوري: سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة بالسنن، فقيل له في قبول حديثه، فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة فصار في حد من لا يحتج به. وقال ابن قاسم: كان صدوقاً وهو كثير الخطأ، وله أحاديث منكرة (في الملاحم) انفرد بها. وقال الدارقطني: إمام في السنة كثير الوهم.

مكانة المشبهين والمجسمين في مصادر السنيين

المشبهون سادة في التاريخ و مصادر السنة

لا نحتاج إلي إثبات احترام مصادر إخواننا السنة لأهل التشبيه والتجسيم، بعد أن كشفنا أن التشبيه والتجسيم دخل إلي المسلمين من كعب الأحبار وجماعته، عن طريق أكبر شخصيات الدولة الإسلامية، وبذلك شقت أحاديثه طريقها إلي مصادرهم، فصارت جزء من عقائد الأمة وتاريخها، وتأثر بها علماء وجماهير! وتحقق قول النبي صلي الله عليه وآله عن تقليد المسلمين لليهود والنصاري: حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل!

إنه بحث مفيد أن يتتبع

الباحث مجري هذه الأحاديث وتأثيرها علي حياة الأمة الفكرية والإجتماعية والسياسية، ويؤرخ لقصة التجسيم والمجسمين ابتداء من كعب الأحبار.. إلي.. عصرنا، وما سببته من انقسامات في الأمة وصراعات، وحروب وخسارات..

ونكتفي هنا بلقطات من عصور مختلفة يظهر منها احترام أكثر المصادر وأكثر الحكام للتجسيم والمجسمين.

وهب بن منبه: فارسي، يهودي، مجسم محترم و شيخ للمحدثين

روي عنه الصنعاني في تفسيره كثيراً من أفكار التوراة والتلمود في التجسيم، منها في:1/216: عن وهب بن منبه... لما أكل آدم وحواء من الشجرة بدت لهما سوآتهما دخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه أين أنت يا آدم؟

قال: ها هنا يا رب.

قال: ألا تخرج؟

قال: أستحي منك يا رب!

فقال: ملعونة الأرض التي خلقت منها!

ورواه الطبري مفصلاً في تاريخه:1/72، وروي عنه أنواعاً من الإسرائيليات تكفي للتدليل علي أن ثقافة وهب يهودية تلمودية، فمما رواه في تاريخه: 1/337: عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال: لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحي الله إلي نبي بني إسرائيل أن قل لطالوت فليغز أهل مدين فلا يترك فيها حياً إلا قتله، فإني سأظهره عليهم، فخرج بالناس حتي أتي مدين فقتل من كان فيها إلا ملكهم فإنه أسره وساق مواشيهم.

فأوحي الله إلي أشمويل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته بأمري فأختل فيه فجاء بملكهم أسيراً وساق مواشيهم، فالقه فقل له لأنزعن الملك من بيته ثم لا يعود فيه إلي يوم القيامة، فإني إنما أكرم من أطاعني وأهين من هان عليه أمري.

فلقيه فقال له: ما صنعت لم جئت بملكهم أسيراً، ولم سقت مواشيهم!

قال: إنما سقت المواشئ لأقربها.

قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك الملك ثم لا يعود فيه إلي يوم القيامة!

فأوحي الله

إلي أشمويل إنطلق إلي إيشئ فيعرض عليك بنيه فادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكاً علي بني إسرائيل! فانطلق حتي أتي إيشي فقال: إعرض عليَّ بنيك.

فدعا إيشي يأكبر ولده فأقبل رجل جسيم حسن المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه، فقال الحمد لله إن الله بصير بالعباد، فأوحي الله إليه: إن عينيك تبصران ما ظهر، وإني أطلع علي ما في القلوب ليس بهذا.

فقال ليس بهذا، إعرض علي غيره فعرض عليه ستة، في كل ذلك يقول ليس بهذا إعرض عليَّ غيره، فقال هل لك من ولد غيرهم؟

فقال بلي لي غلام أمغر وهو راع في الغنم.

قال أرسل إليه، فلما أن جاء داود جاء غلام أمغر فدهنه بدهن القدس، وقال لأبيه: أكتم هذا فإن طالوت لو يطلع عليه قتله!

فسار جالوت في قومه إلي بني إسرائيل فعسكر، وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر وتهيؤوا للقتال فأرسل جالوت إلي طالوت: لم يقتل قومي وقومك؟ أبرز لي أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي وإن قتلتني كان لك، فأرسل طالوت في عسكره صائحاً من يبرز لجالوت.. ثم ذكر قصة طالوت وجالوت وقتل داود إياه وما كان من طالوت إلي داود. انتهي.

وقد قبل الطبري هذه الرواية فقال: قال أبو جعفر: وفي هذا الخبر بيان أن داود قد كان الله حول الملك له قبل قتله جالوت وقبل أن يكون من طالوت إليه ما كان من محاولته قتله، وأما سائر من روينا عنه قولاً في ذلك فإنهم قالوا إنما ملك داود بعد ما قتل طالوت وولده.

وروي الطبري في تاريخه عن وهب أيضاً:1/343:

ابن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن داود أراد أن يعلم عدد

بني إسرائيل كم هم، فبعث لذلك عرفاء ونقباء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم، فعتب الله عليه ذلك وقال:

قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتي أجعلهم كعدد نجوم السماء وأجعلهم لا يحصي عددهم، فأردت أن تعلم عدد ما قلت إنه لا يحصي عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أيام!

فاستشار داود في ذلك بني إسرائيل فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر، فليس لهم بقية، فإن كان لابد فالموت بيده لا بيد غيره.

فذكر وهب بن منبه أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كبيرة لا يدري ما عددهم!

فلما رأي ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فتبتل إلي الله ودعاه فقال:

يا رب أنا آكل الحماض وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك فأمرت به بني إسرائيل فما كان من شئ فبي واعف عن بني إسرائيل.

فاستجاب الله له ورفع عنهم الموت، فرأي داود الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها يرتقون في سلم من ذهب من الصخرة إلي السماء، فقال داود: هذا مكان ينبغي أن يبني فيه مسجد.

فأراد داود أن يأخذ في بنائه فأوحي الله إليه أن هذا بيت مقدس وأنك قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه، ولكن ابن لك أملكه بعدك أسميه سليمان أسلمه من الدماء، فلما ملك سليمان بناه وشرفه!

وروي عنه المزي في تهذيب الكمال:20/33:

وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن عروة بن محمد: لما استعملت علي اليمن قال لي أبي: أوليت اليمن قلت: نعم. قال: إذا غضبت فانظر إلي السماء فوقك وإلي الأرض أسفل منك ثم

أعظم خالقهما. وقال سماك بن الفضل: كنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتي بعامل لعروة فشكي، فأكثروا عليه فقالوا: فعل وفعل وثبتت عليه البينة. قال: فلم يملك وهب نفسه فضربه علي قرنه بعصا فإذا دماؤه تشخب وقال: أفي زمن عمر بن عبد العزيز تصنع مثل هذا! قال: فاشتهاها عروة وكان حليماً واستلقي علي قفاه وضحك وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب في حكمته وهو يغضب! فقال وهب: وما لي لا أغضب وقد غضب خالق الاحلام! إن الله تعالي يقول: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، يقول: أغضبونا. انتهي.

أقول: حاول وهب أن يستدل علي نسبة الغضب إلي الله تعالي بالآية ففسر

(آسفونا) بأن الله تعالي يغضب كغضب البشر، ولكن أصل الغضب الإلهي في رأس وهب هو الغضب التلمودي الذي قال عنه الدكتور أحمد شلبي في مقارنة الأديان:1/267:

يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود علي لسان الله قوله: تب لي لاني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة علي بني إسرائيل فاستولي عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم علي ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

وترجم السمعاني لوهب في الانساب بكل احترام فقال في:3/11:

وأبو عبد الله وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن سبسجان الذماري من أبناء فارس، كان ينزل ذمار، يروي عن جابر بن عبدالله وابن عباس رضي الله عنهم وأخيه همام بن منبه، وكان عابداً فاضلاً، قرأ الكتب ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء الآخرة، وهم أخوة خمسة: وهب

وهمام وغيلان وعقيل ومعقل والد عقيل بن معقل، روي عنه عمرو بن دينار والمغيرة بن حكيم وعوف الأعرابي وسماك بن الفضل والمنذر بن النعمان وبكار وعبدالصمد بن معقل، وسئل أبو زرعة عن وهب بن منبه فقال: يماني ثقة... الخ.

وترجم له الذهبي في ميزان الاعتدال كما يترجم لثقاة الرواة فقال في: 4/352:

وهب بن منبه أبو عبد الله اليماني، صاحب القصص، من أحبار علماء التابعين، ولد في آخر خلافة عثمان، حديثه عن أخيه همام في الصحيحين. وروي عن ابن عباس، وعبدالله بن عمرو، وروي عنه عمرو بن دينار وعوف الاعرابي وأقاربه. وكان ثقة صادقاً، كثير النقل من كتب الإسرائيليات. قال العجلي: ثقة تابعي، كان علي قضاء صنعاء. انتهي. وماذا يقول الباحث أمام حقيقة: حديثه في الصحيحين... كثير النقل من كتب الإسرائيليات!

وترجم له كذلك في سيره:4/1 فقال:

وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار، وهو الأسوار، الإمام العلامة الأخباري القصصي، أبوعبد الله الأبناوي اليماني الذماري الصنعاني، أخو همام بن منبه، ومعقل بن منبه، وغيلان بن منبه. مولده في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين، ورحل وحج، وأخذ عن ابن عباس، وأبي هريرة إن صح وأبي سعيد، والنعمان بن بشير، وجابر، وابن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص علي خلاف فيه وطاووس. حتي إنه ينزل ويروي عن عمرو بن دينار، وأخيه همام، وعمرو بن شعيب وفنج اليماني ولا يدري من فنج.

حدث عنه ولداه: عبدالله وعبد الرحمن، وعمرو بن دينار، وسماك بن الفضل، وعوف الأعرابي، وعاصم بن رجاء بن حيوة، ويزيد بن يزيد بن جابر، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وإسرائيل أبو موسي، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق، والمغيرة بن حكيم، والمنذر

بن النعمان، وابن أخيه عقيل بن معقل، وابن أخيه عبدالصمد بن معقل، وسبطه إدريس بن سنان، وصالح بن عبيد، وعبد الكريم بن حوران، وعبدالملك بن خلج، وداود بن قيس، وعمران بن هربذ أبو الهذيل، وعمران بن خالد الصنعانيون، وخلق سواهم.

وروايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب.

قال أحمد: كان من أبناء فارس له شرف، قال: وكل من كان من أهل اليمن له ذي هو شريف، يقال: فلان له ذي، وفلان لا ذي له. قال العجلي: تابعي ثقة، كان علي قضاء صنعاء.. وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة.

قال أحمد بن محمد بن الأزهر: سمعت سلمة بن همام بن مسلمة بن همام يذكر عن آبائه: أن هماماً ووهبا وعبد الله ومعقلاً ومسلمة بنو منبه أصلهم من خراسان، من هراة، فمنبه من أهل هراة، خرج أيام كسري، وكسري أخرجه من هراة، ثم إنه أسلم علي عهد النبي(ص)فحسن إسلامه. ومسكنهم باليمن، وكان وهب بن منبه يختلف إلي هراة، ويتفقد أمر هراة.

حسان بن إبراهيم: حدثنا يحيي بن زبان، أنبأنا عبدالله بن راشد، عن مولي لسعيد بن عبدالملك: سمعت خالد بن معدان يحدث عن عبادة بن الصامت، سمع النبي(ص)يقول: سيكون في أمتي رجلان: أحدهما يقال له وهب، يؤتيه الله الحكم، والآخر يقال له غيلان، هو أشد علي أمتي من إبليس. سئل ابن معين عن ابن زبان وشيخه فقال: لا أعرفهما....

وعن عبدالرزاق، عن أبيه، عن وهب قال: يقولون عبدالله بن سلام كان أعلم أهل زمانه، وإن كعباً أعلم أهل زمانه، أفرأيت من جمع علمهما، أهو أعلم أم هما، إسنادها مظلم.

وعن كثير، أنه سار مع وهب، فباتوا بصعدة عند رجل، فخرجت بنت الرجل فرأت

مصباحاً، فاطلع صاحب المنزل فنظر إليه صافا قدميه...

وقال ابن كثير كلاماً ناعماً حول إسرائيليات كعب ووهب كما في سير أعلام النبلاء في ترجمة وهب:

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، فيه (كعب الأحبار) وفي وهب بن منبه: سامحهما الله تعالي فيما نقلاه إلي هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. انتهي. والدعاء لهما بالمسامحة والمغفرة شئ، ومعالجة آثار عدوانهما من مصادر المسلمين شئ آخر.

مقاتل بن سليمان البلخي، مجسم و شيخ ابن حماد و أستاذ للمفسرين

قال ابن حبان في المجروحين:3/14:

مقاتل بن سليمان الخراساني مولي الأزد، أصله من بلخ وانتقل إلي البصرة وبها مات بعد خروج الهاشمية، كنيته أبو الحسن، كان يأخذ عن اليهود والنصاري علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان شَبَهياً يشبه الرب بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك في الحديث.

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمد بن حبال قال: حدثنا عمر بن عبدالغفار: سمعت سفيان بن عيينة وذكر عنده مقاتل بن سليمان فقال: كنت أتيته سراً فقلت له: إن الناس يزعمون أنك لم تسمع من الضحاك، فقال: لقد كان يغلق علي وعليه باب واحد.

سمعت إبراهيم بن محمد بن يوسف قال: سمعت الخضر بن حيان سمعت يحيي بن نصر بن حاجب: سمعت أبا حنيفة يقول: يا أبا يوسف إحذر صنفين من خراسان: الجهمية والمقاتلية.

سمعت ابن خزيمة يقول سمعت علي بن خشرم يقول سمعت وكيعاً يقول: لقينا مقاتل بن سليمان كان كذاباً....

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبد بن حميد قال: حدثنا ابن أبي شيبة وهو عثمان قال: حدثنا جرير عن مغيرة بن عبدالرحمن قال: العجب لقوم يكون ذلك فيهم رأساً يعني مقاتل بن سليمان. أخبرناه الحسين

بن صالح بن حمويه بهمدان قال: حدثنا عبدالعزيز بن منيب قال: حدثنا أبو معاوية النحوي قال: حدثنا خارجة قال: سمعت الكلبي يقول: ما قتلت مسلماً ولا معاهداً ولو رأيت مقاتل بن سليمان حيث لا يكون بيني وبينه أحد لتقربت بدمه إلي الله عز وجل.

وقال الرازي في الجرح والتعديل:8/354:

ثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا محمود بن غيلان قال سئل وكيع عن مقاتل بن سليمان فقال: سمعنا منه والله المستعان.

نا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي سمعت بعض مشيختنا يقول: جلس مقاتل بن سليمان في مسجد بيروت فقال: لا تسألوني عن شئ ما دون العرش إلا أنبأتكم عنه، فقال الأوزاعي لرجل: قم إليه فسله ما ميراثه من جدتيه، فحار ولم يكن عنده جواب، فما بات فيها إلا ليلة ثم خرج بالغداة.

نا عبدالرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال أبي: مقاتل بن سليمان صاحب التفسير ما يعجبني أن أروي عنه شيئاً.

نا عبد الرحمن نا محمد بن سعيد المقرئ قال: سئل عبد الرحمن يعني ابن الحكم بن بشير عن مقاتل بن سليمان فقال: كان قاصاً، ترك الناس حديثه.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:10/249:

وروي عن الشافعي أن وجوه الناس عيال علي مقاتل في التفسير!

وقال نعيم بن حماد: رأيت عند ابن عيينة كتاباً لمقاتل فقلت: يا أبا محمد تروي لمقاتل في التفسير! قال لا، ولكن أستدل به وأستعين....

وقال مكي بن إبراهيم عن يحيي بن شبل قال لي عباد بن كثير: ما يمنعك من مقاتل؟ قلت: إن أهل بلادنا كرهوه، فقال: لا تكرهه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالي منه.

وقال القاسم بن أحمد الصفار: قلت

لإبراهيم الحربي ما بال الناس يطعنون علي مقاتل؟ قال: حسداً منهم له....

وكان يقص في الجامع فوقعت العصبية بينه وبين جهم فوضع كل واحد منهما كتاباً علي الآخر ينقض عليه....

وقال محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: أفرط جهم في النفي حتي قال إنه ليس بشئ، وأفرط مقاتل في الإثبات حتي جعل الله تعالي مثل خلقه... وقال عبد الله ابن أبي القاضي الخوارزمي سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير يعني في البدعة والكذب، جهم ومقاتل وعمر بن صبح.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:10/251:

وقال أبو إسماعيل الترمذي عن عبد العزيز بن عبد الله الأوسي قال: حدثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له: إن إنساناً جاءني فسألني عن لون كلب أصحاب الكهف فلم أدر ما أقول له، فقال له: ألا قلت أبقع، فلو قلته لم تجد أحداً يرد عليك!!....

وقال أحمد بن سيار المروزي: كان من أهل بلخ وتحول إلي مرو وخرج إلي العراق فمات بها، وهو متهم متروك الحديث مهجور القول، وكان يتكلم في الصفات بما لا يحل ذكره....

وقال العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه: سألت مقاتل بن سليمان عن أشياء فكان يحدثني بأحاديث كل واحد ينقض الآخر! فقلت: بأيها؟ قال: بأيها شئت!

الذهبي في ميزان الاعتدال:4/173:

مقاتل بن سليمان البلخي المفسر أبو الحسن. روي عن مجاهد، والضحاك، وابن بريدة. وعنه حرمي بن عمارة، وعلي بن الجعد، وخلق.

قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة....

وترجم له الذهبي في سيره باحترام أكثر فقال في:7/201:

مقاتل كبير المفسرين أبو الحسن مقاتل بن

سليمان البلخي. يروي عن مجاهد والضحاك وابن بريدة وعطاء وابن سيرين وعمرو بن شعيب وشرحبيل بن سعد والمقبري والزهري، وعدة. وعنه: سعد بن الصلت، وبقية، وعبدالرزاق، وحرمي بن عمارة، وشبابة، والوليد بن مزيد، وخلق آخرهم علي بن الجعد.

قال ابن المبارك وأحسن: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة...! انتهي.

ويبدو للباحث من مراجعة كتب إخواننا في الجرح والتعديل أن كفة تكذيب مقاتل هي الراجحة عندهم، ولكن جرح الجارحين ليس هو المقياس العملي، بل المقياس هو مصادرهم التفسيرية وغيرها المليئة بآراء مقاتل، والمؤلم أنهم ينقلونها كأنها مسلمات السلف الصالح، بل كأنها أحاديث نبوية شريفة!

يزيد بن هارون من شيوخ الإمام أحمد

سير أعلام النبلاء: 9/358 _ 362:

يزيد بن هارون بن زاذي، الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو خالد السلمي مولاهم الواسطي الحافظ. مولده في سنة ثمان عشرة ومئة....

وكان رأساً في العلم والعمل، ثقة حجة، كبير الشأن.

حدث عنه: بقية بن الوليد مع تقدمه، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل....

يقال: إن أصله من بخاري.

قال علي بن المديني: ما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون.

وقال زياد بن أيوب: ما رأيت ليزيد كتاباً قط، ولا حدثنا إلا حفظاً.

قال أبو حاتم الرازي: يزيد ثقة إمام، لا يسأل عن مثله.

وقال مؤمل بن يهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما دلست حديثاً قط إلا حديثاً واحداً عن عوف الأعرابي، فما بورك لي فيه.

عن عاصم بن علي قال: كنت أنا ويزيد بن هارون عند قيس بن الربيع، فأما يزيد، فكان إذا صلي العتمة، لا يزال قائماً حتي يصلي الغداة بذلك الوضوء نيفاً وأربعين سنة....

قلت: احتفل محدثو بغداد وأهلها لقدوم يزيد، وازدحموا عليه لجلالته وعلو إسناده... العباس بن عبد العظيم، وأحمد بن

سنان، عن شاذ بن يحيي، سمع يزيد بن هارون يقول: من قال القرآن مخلوق، فهو زنديق... وقد كان يزيد رأساً في السنة معادياً للجهمية، منكراً تأويلهم في مسألة الإستواء. انتهي.

ومعناه أنه كان يرفض تفسير الآية بالاستواء المعنوي، ويفسرها بالقعود الحسي لله تعالي علي العرش!!

السمناني المجسم رئيس الأشعرية

قال الذهبي في سيره:17/651:

السمناني العلامة قاضي الموصل، أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي. حدث عن نصر المرجي وعلي بن عمر الحربي وأبي الحسن الدارقطني، وجماعة. ولازم ابن الباقلاني حتي برع في علم الكلام.

قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً فاضلاً حنفياً، يعتقد مذهب الأشعري، وله تصانيف.

قلت: كان من أذكياء العالم وقد ذكره ابن حزم فقال: هو أبو جعفر السمناني المكفوف، هو أكبر أصحاب أبي بكر الباقلاني ومقدم الأشعرية في وقتنا، ومن مقالته قال: من سمي الله جسماً من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعني وأخطأ في التسمية فقط....

توفي أبو جعفر بالموصل سنة أربع وأربعين وأربع مئة وله ثلاث وثمانون سنة. تخرج به في العقليات القاضي أبو الوليد الباجي، وغيره. انتهي.

ومن العجيب أن الأشاعرة والمجسمة يتهمون الشيعة بالتجسيم لمجرد أن هشاماً بن الحكم قال للمعتزلة تقولون إنه شيء لا كالأشياء فلماذا لاتقولون إنه جسم لا كالأجسام!

الامام الدارمي المجسم

سير أعلام النبلاء:10/199:

المريسي المتكلم المناظر البارع أبو عبدالرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي، من موالي آل زيد بن الخطاب (رض) كان بشر من كبار الفقهاء، أخذ عن القاضي أبي يوسف، وروي عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. ونظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوي، وجرد القول بخلق القرآن ودعا إليه حتي كان عين الجهمية في عصره وعالمهم فمقته أهل العلم، وكفره عدة... ذكره النديم وأطنب في تعظيمه وقال: كان دينا ورعاً متكلما. ثم حكي أن البلخي قال: بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلاً مخافة الشبهة، ولا يتزوج إلا من هي أصغر منه بعشر سنين مخافة

أن تكون رضيعته.

وكان جهمياً له قدر عند الدولة، وكان يشرب النبيذ... وصنف كتاباً في التوحيد... وكتاب الرد علي الرافضة في الإمامة....

قلت: وقع كلامه إلي عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ، فصنف مجلداً في الرد عليه... فيه بحوث عجيبة مع المريسي، يبالغ فيها في الإثبات والسكوت عنها، أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث.

وقال الشيخ محمد حامد الفقي: إنه أتي فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الرد وشدة الحرص علي إثبات صفات الله وأسمائه التي كان يبالغ بشر المريسي وشيعته في نفيها، وكان الأولي والأحسن أن لا يأتي بها، وأن يقتصر علي الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة كمثل الجسم والمكان والحيز، فإنني لا أوافقه عليها ولا أستجيز إطلاقها، لأنها لم تأت في كتاب الله ولا في سنة صحيحة.

ابوالعباس السراج و إسحاق الحنظلي إمامان مجسمان

قال الذهبي في سيره:11/376:

قال أبو العباس السراج: سمعت إسحاق الحنظلي يقول: دخلت علي طاهر بن عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة، فقال لي منصور: يا أبا يعقوب تقول: إن الله ينزل كل ليلة قلت: نؤمن به، إذا أنت لا تؤمن أن لك في السماء رباً لا تحتاج أن تسألني عن هذا. فقال له طاهر الأمير: ألم أنهك عن هذا الشيخ: قال أبو داود السجستاني: سمعت ابن راهويه يقول: من قال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فهو جهمي.

وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له: كفرت برب ينزل من سماء إلي سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء....

وقال في سيره:14/396:

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه، أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا

أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالي يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ولا يصلي عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين....

و صار ابن عقيل شيخ الحنابلة

سير أعلام النبلاء:19/443:

ابن عقيل. الإمام العلامة البحر شيخ الحنابلة، أبوالوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري الحنبلي المتكلم، صاحب التصانيف، كان يسكن الظفرية، ومسجده بها مشهور.

ولد سنة إحدي وثلاثين وأربع مئة وسمع أبا بكر بن بشران، وأبا الفتح بن شيطا، وأبا محمد الجوهري، والحسن بن غالب المقري، والقاضي أبا يعلي بن الفراء، وتفقه عليه، وتلا بالعشر علي أبي الفتح بن شيطا، وأخذ العربية عن أبي القاسم بن برهان، وأخذ علم العقليات عن شيخي الإعتزال أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبوالحسين البصري، فانحرف عن السنة.

وكان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف وكنز فضائل، لم يكن له في زمانه نظير علي بدعته، وعلق كتاب الفنون، وهو أزيد من أربع مئة مجلد، حشد فيه كل ما كان يجري له مع الفضلاء والتلامذة، وما يسنح له من الدقائق والغوامض، وما يسمعه من العجائب والحوادث....

قال المبارك بن كامل: صلي علي شيخنا بجامع القصر فأمهم ابن شافع، وكان الجمع ما لا يحصي، وحمل إلي جامع المنصور فصلي عليه، وجرت فتنة وتجارحوا، ونال الشيخ تقطيع كفن، ودفن قريباً من الإمام أحمد....

وفي تاريخ ابن الأثير قال: كان قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته علي بن الوليد، فأراد الحنابلة قتله فاستجار بباب المراتب عدة سنين، ثم أظهر التوبة.

وقال ابن عقيل في الفنون: الأصلح لإعتقاد العوام ظواهر الاي لأنهم

يأنسون بالإثبات، فمتي محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلي النفي فلا طمع ولا مخافة في النفي. ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالألفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه، كقول الأعرابي: أو يضحك ربنا قال النبي (ص): نعم. فلم يكفهر لقوله، وتركه وما وقع له....

من عقائد الدولة: إطاعة الحاكم الجائر والتجسيم والرؤية

سير أعلام النبلاء:12/67:

وعن يحيي بن عون: قال: دخلت مع سحنون علي ابن القصار وهو مريض فقال: ما هذا القلق؟ قال له: الموت والقدوم علي الله. قال له سحنون: ألست مصدقاً بالرسل والبعث والحساب، والجنة والنار، وأن أفضل هذه الأمة أبوبكر، ثم عمر، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يري يوم القيامة، وأنه علي العرش استوي، ولا تخرج علي الأئمة بالسيف وإن جاروا؟ قال: إي والله، فقال: مت إذا شئت، مت إذا شئت!!

تاريخ الإسلام للذهبي:29/73:

محمود السلطان كان صادق النية في إعلاء كلمة الله.. وقبره بغزنة يدعي عنده.. دخل ابن فورك علي السلطان محمود فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقيه لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتيه.. فقال السلطان: هو وصف نفسه!

هجمة الحنابلة علي الطبري

قال الحموي في معجم الادباء:9 جزء 18/57 في ترجمة الطبري:

فلما قدم إلي بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة، وعن حديث الجلوس علي العرش، فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه. فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم. وأما حديث الجلوس علي العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم وقيل كانت ألوفاً، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتي صار علي بابه كالتل العظيم! وركب نازوك صاحب الشرطة في ألوف من الجند يمنع عنه العامة، ووقف علي بابه يوماً إلي الليل وأمر برفع الحجارة عنه. وكان

قد كتب علي بابه: سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس، فأمر نازوك بمحو ذلك، وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث:

لاحمد منزل لا شك عال إذا وافي إلي الرحمن وافد

فيدنيه ويقعده كريم_اً علي رغم لهم في أنف حاسد

علي عرش يغلفه بطيب علي الاكب_اد من باغ وعاند

له هذا المقام الفرد حقاً كذاك رواه ليث عن مجاهد

فخلا في داره وعمل كتابه المشهور في الإعتذار إليهم، وذكر مذهبه واعتقاده وجرح من ظن فيه غير ذلك، وقرأ الكتاب عليهم وفضل أحمد بن حنبل، وذكر مذهبه وتصويب اعتقاده ولم يزل في ذكره إلي أن مات، ولم يخرج كتابه في الإختلاف حتي مات فوجدوه مدفوناً في التراب، فأخرجوه ونسخوه أعني اختلاف الفقهاء، هكذا سمعت من جماعة منهم أبي رحمه الله!

وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد:4/39:

قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي(ص)وذكر فيه إقعاده علي العرش، وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم... وعبد الله بن الإمام أحمد... إلخ. ثم قال ابن قيم: قلت وهو قول ابن جرير الطبري، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. انتهي.

ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد، ولم يذكر تهديد الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه علي القول بذلك حتي صار ليناً هينا مع التجسيم وأهله.

ولكن جولد تسيهر اليهودي قال في مذاهب التفسير الإسلامي/118:

وهو (الطبري) يعارض أشد صرامة وعنفاً فهم التجسيد في عبارات التشبيه المضافة إلي الله والذهاب إلي أن مثل هذه العبارات دالة علي صفات الله الحقيقية.. فقد اختلف أهل الجدل.. في تأويل قوله (بل يداه مبسوطتان) فقال بعضهم.. عني باليد النعمة أو القدرة أو الملك. وقال آخرون: بل يد الله صفة من صفاته،

هي يد غير أنها ليست بجارحة.. والطبري يجزم بالرأي الثاني..

هجمة الحنابلة علي ابن حبان

المجروحين لابن حبان:1 مقدمة:

قال أبواسماعيل عبدالله بن محمد... قال سألت يحيي بن عمار عن ابن حبان، قلت رأيته؟ قال: وكيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان، لأنه أنكر الحد لله!

وقال السبكي تعليقاً علي ذلك: من أحق بالاخراج من يجعل ربه محدوداً، أو من ينزهه عن الجسمية....

وقال ابن حجر في لسان الميزان:5/113:

وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فيه بها. قال أبو إسمعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيي بن عمار عن أبي حاتم بن حبان فقال: رأيته ونحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين، قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه.

قلت: إنكاره الحد وإثباتكم للحد نوع من فضول الكلام، والسكوت من الطرفين أولي إذ لم يأت نص بنفي ذلك ولا إثباته، والله تعالي ليس كمثله شئ، فمن أثبته قال له خصمه جعلت لله حداً برأيك ولا نص معك بالحد، والمحدود مخلوق تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً. وقال هو للنافي ساويت ربك بالشئ المعدوم، إذ المعدوم لا حد له. فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف.

وقال الذهبي في سيره:16/94:

وقال أبو بكر الخطيب: كان ابن حبان ثقة نبيلاً فهماً. وقال أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية: غلط ابن حبان الغلط الفاحش في تصرفاته. قال ابن حبان في أثناء كتاب الأنواع: لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ.

قلت: كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه والعربية والفضائل الباهرة وكثرة التصانيف....

وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت يحيي بن عمار الواعظ، وقد سألته عن ابن حبان، فقال: نحن أخرجناه من سجستان،

كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحد لله، فأخرجناه!

قلت: إنكاركم عليه بدعة أيضاً، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله، ولا أتي نص بإثبات ذلك ولا بنفيه. ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. وتعالي الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو علمه رسله بالمعني الذي أراد بلا مثل ولا كيف: ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. انتهي.

وهكذا مدح الذهبي ابن حبان وأظهر إعجابه بعلو همته، ولكنه خطَّأه في إنكاره الحد لله تعالي وحكم بأنه صاحب بدعة، فهو يستحق الطرد من سجستان، بل قد يستحق الاعدام إن لم يتب!

ومن عجب الزمان أن يكون الجو الحاكم في بعض مناطق المسلمين في أواخر القرن الثالث أن الذي يقول إن الله تعالي غير محدود بمكان ولا زمان يعتبر مبدعاً في الإسلام، وكأن النبي صلي الله عليه وآله قد بلغ الأمة بأن ربكم محدود بالمكان والزمان، ومن أنكر ذلك فقد أبدع!

ولا تغتر بتخطئة الذهبي للذين طردوا ابن حبان من سجستان، فإنه لم يخطئهم لطرده علي بدعته، بل خطَّأهم لمجادلته حتي أظهر بدعته، ولأنه كان الواجب عليهم أن يسكتوا عن لوازم التجسيم في نزول الله تعالي وجلوسه علي العرش، كما هو مذهبه!!

من تكفيرات المجسمين لمن خالفهم

سير أعلام النبلاء:11/70:

قال عبدالله بن أحمد: سمعت أبا معمر الهذلي يقول: من زعم أن الله لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يرضي ولا يغضب، فهو كافر، إن رأيتموه واقفاً علي بئر فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل!

سير أعلام النبلاء:11/302:

حدثنا أحمد بن جعفر الإصطخري قال: قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل: هذا مذهب أهل العلم والأثر، فمن خالف

شيئاً من ذلك أو عاب قائلها، فهو مبتدع.

وكان قولهم: إن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص، ومن زعم أن الإيمان قول والأعمال شرائع فهو جهمي، ومن لم ير الإستثناء في الإيمان فهو مرجي، والزني والسرقة وقتل النفس والشرك كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لاحد علي الله حجة. إلي أن قال: والجنة والنار خلقتا ثم خلق الخلق لهما لا تفنيان، ولا يفني ما فيهما أبداً. إلي أن قال: والله تعالي علي العرش، والكرسي موضع قدميه. إلي أن قال: وللعرش حملة. ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله، فهو جهمي. ومن لم يكفره فهو مثله. وكلم الله موسي تكليماً من فيه! إلي أن ذكر أشياء من هذا الأنموذج المنكر، والأشياء التي والله ما قالها الإمام. فقاتل الله واضعها. ومن أسمج مافيها قوله: ومن زعم أنه لا يري التقليد ولا يقلد دينه أحداً فهذا قول فاسق عدو لله. فانظر إلي جهل المحدثين كيف يروون هذه الخرافة ويسكتون عنها. انتهي.

ومع أن الذهبي وصف الانموذج بأنه منكر وخرافة، فهو يتبني أكثر عقائده!

التحفة اللطيفة للسخاوي:2/285:

علي بن عبد الله.. قال قبل أن يموت بشهرين.. من زعم أن الله لا يري فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسي علي الحقيقة فهو كافر. انتهي.

وقصدهم أن الله تعالي كلم موسي من فمه، ولم يخلق الصوت في شئ مخلوق، وقد نصت علي ذلك أحاديث أهل البيت عليهم السلام وقال به أكثر المسلمين.

تاريخ الإسلام للذهبي:17/386:

هارون بن معروف... وقال هارون الجبال: سمعت هارون بن معروف يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فكأنما عبد اللات والعزي! وروي عبدالله بن أحمد بن

حنبل عن هارون بن معروف قال: من زعم أن الله لا يتكلم فهو يعبد الأصنام! انتهي. وقصده أن الله تعالي يتكلم من فمه! وأن الذي يعتقد بأن الله لافم له فقد جعله صنماً! والذي يقول له فم، فقد نزهه عن الصنمية!!

سير أعلام النبلاء:17/255:

قال الإمام تقي الدين ابن الصلاح في فتاويه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر رحمه الله أنه قال: صنف أبو عبدالرحمن السلمي حقائق التفسير، فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر. قلت: واغوثاه! واغربتاه!.

سير أعلام النبلاء:8/403:

حدثنا أحمد بن يونس، سمعت ابن المبارك قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق، فقد كفر بالله العظيم.

سير أعلام النبلاء:10/18:

الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن فقال: أف أف، القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فقد كفر. هذا إسناد صحيح.

سير أعلام النبلاء:11/58:

ابن مخلد العطار: حدثنا محمد بن عثمان، سمعت علي بن المديني، يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله غير مخلوق. ومن قال مخلوق، فهو كافر. وقال عثمان بن سعيد الدارمي، سمعت علي بن المديني يقول: هو كفر، يعني من قال: القرآن مخلوق.

ملحد (سني) يحبه المجسمة لأنه يلعن من خالفهم

مروج الذهب للمسعودي:3/43:

كان رجل في أيام هارون الرشيد ببغداد، وإنه كان دهرياً من أهل السنة والجماعة! ويلعن أهل البدع... ويعرف بالسني، تنقاد له العامة فكان يجتمع إليه خلق من الناس، وإذا اجتمعوا وثب قائماً علي قدمه فقال: يا معشر المسلمين قلتم لا ضار ولا نافع إلا الله، فلاي شئ مصيركم إليَّ تسألوني عن مضاركم ومنافعكم؟ إلجؤوا إلي ربكم وتوكلوا علي بارئكم..

من الفتن التي حدثت بسبب التجسيم

في القرن الثاني انتق ثقل التشبيه والتجسيم من الشام إلي بغداد، وأرخ المؤرخون لفتن متعددة حدثت في بغداد ذكرنا بعضها في الفصل الخامس، ونشير منها هنا إلي الفتنة التي ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام:23/384 بسبب تفسير آية: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قالت الحنابلة معناه أن يقعده علي عرشه كما فسره مجاهد. وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمي. وقد تقدم أن ابن خلدون يري أن الفتن بين الحنابلة ومخالفيهم كانت أحد الأسباب في خراب بغداد.

سير أعلام النبلاء:18/89:

القاضي أبو يعلي الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، القاضي أبويعلي، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، الحنبلي، ابن الفراء، صاحب التعليقة الكبري، والتصانيف المفيدة في المذهب. ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مئة... أفتي ودرس، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول، وكان أبوه من أعيان الحنفية، ومن شهود الحضرة، فمات ولابي يعلي عشرة أعوام، فلقنه مقرئه العبادات من مختصر الخرقي، فلذ له الفقه، وتحول إلي حلقة أبي عبدالله بن حامد، شيخ الحنابلة، فصحبه أعواماً، وبرع في الفقه عنده، وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتين وأربع مئة، وأول سماعه من علي بن معروف في سنة 385.

وقد سمع

بمكة ودمشق من عبد الرحمن بن أبي نصر، وبحلب، وجمع كتاب «إبطال تأويل الصفات»، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع، فخرج إلي العلماء من القادر بالله المُعتقَدُ الذي جمعه، وحمل إلي القادر كتاب «إبطال التأويل» فأعجبه، وجرت أمور وفتن _ نسأل الله العافية _ ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة، وقال في الملا: القرآن كلام الله، وأخبار الصفات تمر كما جاءت. ثم ولي أبو يعلي القضاء بدار الخلافة والحريم، مع قضاء حران وحلوان..

و واجه بعض الخلفاء تطرف المجسمين

نشوار المحاضرة للتنوخي:3/144:

وكانت العامة قد هاجت في أيام وزارته (أي أبو محمد المهلبي) وعظمت الفتنة... وكثر كلام القصاص في المساجد ورؤساء الصوفية... فاتفق أن بدئ برجل من رؤساء الصوفية يعرف بإسحاق بن ثابت أحد الربانيين عند أصحابه، فقال له: بلغني أنك تقول في دعائك: يا واحدي بالتحقيق يا جاري اللصيق، فمن لا يعلم بأن الله لا يجوز أن يوصف أنه لصيق علي الحقيقة فهو كافر، لأن الملاصقة من صفات الاجسام. إنكم تهذون وتوهمون الناس علي أنكم ربانيين... وكتب إليه أن لا يتكلم علي الناس.

تاريخ الإسلام للذهبي:32/171:

أبو بكر الواعظ البكري... قدم إلي بغداد وجلس للوعظ وذكر ما يلطخ به الحنابلة من التجسيم... وضربه جماعة من الهاشميين (يقصد العباسيين) بالحصي وهم من أصحاب أحمد، فأخذهم النقيب وعاقبهم.

و قتل خلفاء شرعيون إماما مجسما طمع بالحكم

تهذيب الكمال:1/507:

... حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال: وقُتِل أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي سنة إحدي وثلاثين ومئتين. قال الحافظ أبوبكر: وكان قتله في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن. وبه حدثني القاضي أبو عبدالله الصيمري، حدثنا محمد بن عمران المرزباني، أخبرني محمد بن يحيي الصولي قال: كان أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي من أهل الحديث، وكان جده من رؤساء نقباء بني العباس، وكان أحمد وسهل بن سلامة، حين كان المأمون بخراسان، بايعا الناس علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلي أن دخل المأمون بغداد، فرفق بسهل حتي لبس السواد، وأخذ الأرزاق ولزم أحمد بيته، ثم إن أمره تحرك ببغداد في آخر أيام الواثق، واجتمع إليه خلق من الناس، يأمرون بالمعروف، إلي أن ملكوا بغداد، وتعدي رجلان من أصحابه يقال لأحدهما: طالب في الجانب الغربي ويقال للآخر أبو هارون في

الجانب الشرقي، وكانا موسرين فبذلا مالاً، وعزما علي الوثوب ببغداد في شعبان سنة إحدي وثلاثين ومئتين، فنم عليهم قوم إلي إسحاق بن إبراهيم فأخذ جماعة فيهم أحمد بن نصر، وأخذ صاحبيه طالباً وأبا هارون فقيدهما، ووجد في منزل أحدهما أعلاماً، وضرب خادماً لاحمد بن نصر فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلاً فيعرفونه ما عملوا، فحملهم إسحاق مقيدين إلي سر من رأي، فجلس لهم الواثق وقال لأحمد بن نصر: دع ما أخذت له، ما تقول في القرآن قال: كلام الله. قال: أفمخلوق هو قال: كلام الله. قال: أفتري ربك في القيامة قال: كذا جاءت الرواية، قال: ويحك، يري كما يري المحدود المتجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر، أنا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال عبدالرحمان بن إسحاق، وكان قاضياً علي الجانب الغربي ببغداد فعزل: هو حلال الدم، وقال جماعة من الفقهاء كما قال، فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله، فقال للواثق: يا أميرالمؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقله يؤخر أمره ويستتاب. فقال الواثق: ما أراه إلا مؤدياً لكفره قائماً بما يعتقده منه. ودعا الواثق بالصمصامة وقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي إلي هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشي إليه حتي ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلي بغداد فنصب بالجانب الشرقي أياماً، وفي الجانب الغربي أياماً، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس!. انتهي. ورواه الذهبي أيضاً في:17/56.

سير أعلام النبلاء:11/165:

قال الحسن بن محمد الحربي: سمعت جعفر بن محمد الصائغ، يقول: رأيت أحمد بن

نصر حين قتل قال رأسه: لا إله إلا الله. قال المروذي: سمعت أحمد ذكر أحمد بن نصر فقال رحمه الله: لقد جاد بنفسه. وعلق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر، دعاه الإمام هارون إلي القول بخلق القرآن ونفي التشبيه، فأبي إلا المعاندة فعجله الله إلي ناره. وكتب محمد بن عبد الملك.

تاريخ الإسلام للذهبي:17/58:

قال: رأي بعضي أصحابنا أحمد بن نصر في النوم فقال: ما فعل ربك؟ قال: ما كانت إلا غفوه حتي لقيت الله فضحك لي... وقال غضبت له فأباحني النظر إلي وجهه!

و كان التجسيم منتشرا في عصر ابن الجوزي والسبكي

كشف الظنون:1/218:

للشيخ أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي المتوفي سنة 597 سبع وتسعين وخمسمائة، مختصر صنف في تأييد مذهبه والرد علي الحنابلة المجسمة. انتهي.

وله أيضاً كتاب دفع شبهة التشبيه بأكف التنزيه، حققه في عصرنا ونشره الباحث السيد حسن السقاف، وتجد في ترجمة ابن الجوزي وكتبه قصة محنته مع الحنابلة المجسمين في عصره!

كشف الظنون:1/879:

رسالة الغفران من المكث بحران، مختصر لبعض العلماء، أولها الحمد لله علي كل حال... الخ. ألفها سنة 627 سبع وعشرين وستمائة رد فيها علي حنبلي مجسم منكر، علي قواعد علم الكلام.

وقد ذكر السبكي في طبقات الشافعية وغيره نماذج عديدة للمجسمة العلنيين والسريين، قال في:2/19: وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلي أن كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به علي أحاديث الصفات، فإن النووي أشعري العقيدة، فلم تحمل قوي هذا الكاتب أن يكتب الكتاب علي الوضع الذي صنفه مصنفه! انتهي.

ووصل الحال في عصرنا إلي أن بعض الوهابيين ينشرون كتب النووي وغيره ويحذفون منها كل مايخالف

مذهبهم حتي أنهم حذفوا فضل زيارة النبي صلي الله عليه وآله من أحد كتبه. وهذا غيض من فيض فإن دور نشرهم في عدة بلدان تعمل مناشيرها وسكاكينها في كتب التراث الإسلامي، ومستأجريهم ينفذون تعليماتهم بحذف كل ما لا يليق لهم!

هذا مضافاً إلي نشرهم كتب المشبهة والمجسمة وتكبير شخصياتهم وإشاعة تعظيمهم وتقدسيهم، وتكفير مخالفيهم من سلف الأمة ومعاصريها!

وانتقل التجسيم من بغداد إلي مصر

سير أعلام النبلاء:15/429:

أبو إسحاق المروزي الإمام الكبير، شيخ الشافعية وفقيه بغداد، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، صاحب أبي العباس بن سريج وأكبر تلامذته، اشتغل ببغداد دهراً وصنف التصانيف وتخرج به أئمة كأبي زيد المروزي، والقاضي أبي حامد أحمد بن بشر المروروذي مفتي البصرة، وعدة.

شرح المذهب ولخصه، وانتهت إليه رئاسة المذهب. ثم إنه في أواخر عمره تحول إلي مصر فتوفي بها في رجب في تاسعه، وقيل في حادي عشرة سنة أربعين وثلاث مئة، ودفن عند ضريح الإمام الشافعي ولعله قارب سبعين سنة... صنف المروزي كتاباً في السنة، وقرأه بجامع مصر، وحضره آلاف فجرت فتنة، فطلبه كافور فاختفي، ثم أدخل إلي كافور، فقال: أما أرسلت إليك أن لا تشهر هذا الكتاب فلا تظهره. وكان فيه ذكر الإستواء، فأنكرته المعتزلة. انتهي. يقصد أنه كان في الكتاب ذكر القعود الحسي لله تعالي علي عرشه، فأنكره علماء مصر. ولكن الحاكم كافوراً الأخشيدي كان يميل إلي التجسيم فطلب منه أن لا ينشر كتابه فقط!

الامام العبدري المغربي المجسم

تذكرة الحفاظ:4/1272:

العبدري: الإمام الحافظ العلامة أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجي القرشئ العبدري الميورقي الأندلسي نزيل بغداذ، وكان من أعيان الحفاظ ومن فقهاء الظاهرية، سمع أبا عبدالله مالك بن أحمد البانياسي ورزق الله التميمي وأبا الفضل ابن خيرون وطراد بن محمد الزينبي ويحيي بن أحمد السيبي وأبا عبدالله الحميدي وطبقتهم، قال القاضي أبوبكر بن العربي في معجمه: أبوعامر العبدري هو أنبل من لقيته. وقال ابن ناصر: كان فهماً عالماً متعففاً وكان يذهب إلي أن المناولة كالسماع. وقال السلفي في معجمه: كان من أعيان علماء الإسلام بمدينة السلام، متصرفاً في فنون من العلوم أدباً ونحواً ومعرفة بالأنساب، وكان داودي المذهب قرشي النسب،

كتب عني وكتبت عنه، مولده بقرطبة. وقال أحمد بن أبي بكر البندنيجي: لما دفنوا أبا عامر العبدري قال ابن ناصر: خلا لك الجو فبيضي واصفري. مات أبوعامر حافظ حديث رسول الله صلي الله عليه وآله من شاء فليقل ما شاء.

قال الحافظ ابن عساكر: كان أبو عامر داودياً وكان أحفظ شيخ لقيته... ذكر أنه دخل دمشق، سمعته يقول جري ذكر الإمام مالك فقال: جلف جاف ضرب هشام بالدرة... بلغني أنه قال في: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وضرب علي ساقه فقال: ساق كساقي هذه. قلت: هذه حكاية منقطعة، وهذا قول الضلال المجسمة، وما أعتقد أن بلغ بالعبدري هذا. ثم قال: وبلغني أنه قال إن أهل البدع يحتجون بقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ، أي في الإلهية أما في الصورة فهو مثلي ومثلك... قال ثم تلا قوله تعالي: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، أي في الحرمة!!

وترجم له ترجمة مفصلة في تاريخ الإسلام:36/103.

التجسيم ينتشر في المغرب فيقاومه المهدي بن تومرت

تاريخ ابن خلدون:7/225:

الخبر عن مبدأ أمر المهدي ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها علي يدي بني عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وإفريقية... وكانت وفاة المهدي لأربعة أشهر بعدها، وكان يسمي أصحابه بالموحدين، تعريضاً بلمتونة في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلي التجسيم. وكان حصوراً لا يأتي النساء، وكان يلبس العباءة المرقعة، وله قدم في التقشف والعبادة، ولم تحفظ عنه فلتة في البدعة، إلا ما كان من وفاقه الإمامية من الشيعة في القول بالإمام المعصوم، والله تعالي أعلم. انتهي. يستكثر علينا إخواننا السنة أن نقول بعصمة أهل البيت وهم الأئمة الاثني عشر والصديقة الزهراء عليهم السلام الذين نص عليهم النبي صلي الله عليه وآله فقال إني تارك فيكم الثقلين

كتاب الله وعترتي ونص الله تعالي علي طهارتهم، وأوجب محبتهم وجعل بغضهم نفاقاً، وجعل الصلوة عليهم في صلاة المسلمين اليومية.. ثم نراهم يقولون بعصمة الخليفة عمر وأبي بكر وعثمان، بل وعصمة كل الصحابة وعدالتهم. فهل يريدون بذلك استثناء أهل البيت فقط من عشرة آلاف صحابي. واذا أجابوا بأنا لا نقول بعصمة الصحابة طالبناهم بأن يذكروا أخطاء الذين يقدسونهم منهم.

تاريخ ابن خلدون:7/266:

هذا العهد لما دعا المهدي إلي أمره في قومه من المصامدة بجبال درن، وكان أصل دعوته نفي التجسيم الذي آل إليه مذهب أهل المغرب باعتمادهم ترك التأويل في المتشابه من الشريعة، وصرح بتكفير من أبي ذلك، أخذاً بمذهب التكفير بالمآل، فسمي لذلك دعوته بدعوة التوحيد وأتباعه بالموحدين، نعياً علي الملثمين فإن مذاهبهم إلي اعتقاد الجسمية.

وقال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام:4/368:

صرف ابن تومرت الناس عن اتباع مذهب السلف الذي قد يجر معتنقيه إلي التشبيه والتجسيم. وابن تومرت في هذا الميدان العلمي يعتبر من الشخصيات العلمية البارزة في التاريخ الإسلامي.

و كثر الحشوية والمخلطون في العالم الإسلامي

قال العلامة الأرموي في منهاج الكرامة / 6: وقالت جماعة الحشوية والمشبهة: إن الله تعالي جسم له طول وعرض وعمق، وإنه يجوز عليه المصافحة، وإن الصالحين من المسلمين يعانقونه في الدنيا، وحكي الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز رؤيته في الدنيا وأنه يزورهم ويزورونه، وحكي عن داود الظاهري أنه قال: أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وقال: إن معبودهم له جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء كيد ورجل ولسان وعينين وأذنين، وحكي أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلي صدره مصمت ما سوي ذلك، وله شعر قطط. حتي قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكي علي طوفان نوح حتي رمدت

عيناه، وأنه يفضل من العرش من كل جانب أربع أصابع. وذهب بعضهم إلي أنه تعالي ينزل في كل ليلة جمعة علي شكل أمرد حسن الوجه راكباً علي حمار، حتي أن بعضهم ببغداد وضع علي سطح داره معلفاً يضع كل ليلة جمعة فيه شعيراً وتبناً لتجويز أن ينزل الله علي حماره علي ذلك السطح فيشتغل الحمار بالأكل ويشتغل الرب بالنداء، ويقول: هل من تائب هل من مستغفر، تعالي الله عن مثل ذلك.

... وحكي عن بعض المنقطعين التاركين من شيوخ الحشوية أنه اجتاز عليه في بعض الأيام نفاط ومعه أمرد حسن الوجه قطط الشعر علي الصفات التي يصفون ربهم بها، فألح الشيخ بالنظر إليه وكرره وأكثر تصويبه إليه، فتوهم فيه النفاط فجاء إليه ليلاً فقال: أيها الشيخ رأيتك تلح بالنظر إلي هذا الغلام وقد أتيتك به فإن كان لك فيه نية فأنت الحاكم، فحرد الشيخ عليه وقال: إنما كررت النظر إليه لأن مذهبي أن الله تعالي ينزل علي صورة هذا الغلام، فتوهمت أنه الله تعالي! فقال له النفاط: ما أنا عليه من النفاطة أجود مما أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة....

وأضاف الأرموي: أقول: لا يسع المقام أكثر من ذلك وإلا لنقلنا أضعاف ما ذكرنا... وقال الطبراني: حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الضحاك عن ابن عباس قال: رأي محمد ربه عز وجل في صورة شاب أمرد وبه قال ابن جريج.. عن صفوان بن سليم عن عائشة قالت: رأي النبي ربه علي صورة شاب جالس علي كرسي رجله في خضرة من لؤلؤ يتلالا!

كل الناس مبرؤون... والشيعة متهمون

منطق السلطة و أتباعه

المنطق الحاكم في كتب العقائد عند إخواننا، هو منطق

الدولة الذي يصدر الأحكام ولا يقبل الإعتراض، وأحكامه هنا تقول:

أولاً: السنة هم المسلمون الموحدون، حتي لو كانت مصادرهم تنادي بالتشبيه والتجسيم بأحاديث صحيحة عندهم!

والشيعة هم المجسمون والمعطلون، وإن كانت مصادرهم تنادي بالتنزيه ونفي التشبيه بأحاديث صحيحة عندهم!

ثانياً: يحرم قراءة أي كلام والخوض في أي بحث يوجب اتهام السنة بالتجسيم! كما يحرم قراءة كتب الشيعة وأحاديثهم في العقائد، لأنهم يجسمون الله تعالي ويؤلهون الأئمة من ذرية النبي صلي الله عليه وآله.

هذا هو حكم أكثر الكتاب والمؤلفين في العقائد، ودليلهم أن التاريخ عامل الشيعة بهذه الأحكام، فصارت هي الجو العام الذي نشأوا فيه، فكتبوا كما قرؤوا وكما سمعوا.

لقد استطاع كثير من المظلومين في التاريخ، أن يرفعوا أيديهم أو أصواتهم ويسجلوا (آخهم) من ظالميهم. أما نحن الشيعة فلم نستطع إلي الآن أن نسجل (آخنا) من التاريخ.

يكفيك أن تلقي نظرة علي مصادر التاريخ والعقائد وما كتبوه عن الفرق والملل والنحل، وما يكتبه خصوم الشيعة وأهل البيت في عصرنا.. لتراها تكرر ادعاء أن الشيعة أخذوا عقائدهم من اليهود والفرس والهندوس، فهم المجسمون الذين يعبدون إلهاً مادياً له طول وعرض وأعضاء، ولذا فهم يعبدون صنماً ولا يعبدون الله تعالي!

أما السنة فهم المسلمون الأصيلون الذين أخذوا عقائدهم من منبع الإسلام الصافي، من الكتاب والسنة، عن طريق الصحابة الأبرار بدون أي تأثر باليهود ولا بغيرهم، فهم الموحدون المنزهون لله تعالي عما افتراه عليه اليهود والنصاري والمجوس والشيعة!

إن مشكلتنا نحن شيعة أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله أن الكتب التي اتهمتنا قد كتبت بحبر حكام الجور وأقلام موظفيهم! وأن الذين أنصفونا ومدحونا، كتبوا ذلك وهم علي وجل من غضب السلاطين!

ولكن ذلك من مفاخرنا أيضاً!

محاولات الدولة والمشبهين إلصاق التشبيه بالنبي وآله

يدل النص التالي علي أن تهمة التشبيه والتجسيم للشيعة كانت موجودة في القرن الثاني، أي منذ أن راج التشبيه والتجسيم وطفح كيله فمجه الناس، فاتهمت به السلطة معارضيها من أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وفي نفس الوقت عمد المشبهون والمجسمون إلي نسبة مذهبهم إلي النبي وأهل بيته صلي الله عليه وعليهم، ليثبتوا شرعية فريتهم! وهو اسلوب مزدوج في ترويج التهمة في الناس، بسبتها إلي أهل البيت عليهم السلام، ثم رمي أهل البيت وشيعتهم بها!!

روي النيسابوري في روضة الواعظين/33:

قال الحسن بن خالد: قلت للرضا عليه السلام: يابن رسول الله إن الناس ينسبونا إلي القول بالتشبيه والجبر لما روي في الأخبار في ذلك عن آبائك عليهم السلام!

فقال: يابن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي عليهم السلام في التشبيه أكثر، أم الأخبار التي رويت عن رسول الله صلي الله عليه وآله في ذلك؟

فقلت: بل ما روي عن النبي صلي الله عليه وآله أكثر.

فقال: فليقولوا إن رسول الله صلي الله عليه وآله كان يقول بالتشبيه إذن!!

فقلت له: إنهم يقولون إن رسول الله لم يقل من ذلك شيئاً، وإنما روي عليه.

قال: قولوا في آبائي عليهم السلام إنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً وإنما روي عليهم.

ثم قال عليه السلام: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة. يابن خالد: إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه الغلاة الذين صغروا عظمة الله جل جلاله، فمن أحبهم فقد أبغضنا.. إلي آخر الخبر.

وقال الشيخ الصدوق المتوفي سنة 381 في مقدمة كتابه التوحيد/17:

إن الذي دعاني إلي تأليف كتابي هذا أني وجدت قوماً من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلي

القول بالتشبيه والجبر، لما وجدوا في كتبهم من الأخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا معانيها ووضعوها في غير موضعها، ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن، فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا الناس عن دين الله، وحملوهم علي جحود حجج الله، فتقربت إلي الله تعالي ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد ونفي التشبيه والجبر، مستعيناً به ومتوكلاً عليه.

بغض أهل البيت و شيعتهم إرث غير شرعي

إن التهم لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وشيعتهم موروثة إرثاً (غير شرعي) وقد كانت بدايتها يوم فارق النبي صلي الله عليه وآله الحياة وتركوا جنازته لأهل بيته، وأعلنوا ولادة حكومة السقيفة، فعارضها أهل البيت وجماعة من الأنصار والمهاجرين، واعتصموا في بيت فاطمة الزهراء عليها السلام فكان الهجوم علي بيت فاطمة بالحطب والنار!

ولم يهدأ الهجوم علينا بالحطب والنار إلي يومنا هذا!

نحن لا ننتظر من تاريخنا الإسلامي الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبي صلي الله عليه وآله فهاجم بيتها وبدأ بإحراقه بمن فيه، أن يتحمل معارضتنا في بحوث وكتب!

ولا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا، أو تترك تهمة أو سبة تخطر بالبال أو لا تخطر، دون أن ترمينا بها!

لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون، أن لا يرثوا بغض أهل بيت نبيهم وشيعتهم، وأن يقرؤوا عقائدهم وفقههم من مصادر مذهبهم لا من مصادر الذين اضطهدوهم وأبغضوهم.

قال السيد شرف الدين في الفصول المهمة/180:

فهنا مقصدان: المقصد الأول، في الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني، وأهمها شيئان: الأول، ما سمعته في الفصول السابقة من التكفير والتحقير والشتم والتزوير.

الثاني، إعراض إخواننا أهل السنة عن

مذهب الأئمة من أهل البيت، وعدم الإعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، وعدم الرجوع إليهم في تفسير القرآن العزيز (وهو شقيقهم) إلا دون ما يرجعون فيه إلي مقاتل بن سليمان المجسم المرجي الدجال، وعدم الإحتجاج بحديثهم إلا دون ما يحتجون بدعاة الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية! ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفي صلي الله عليه وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب. انتهي.

وإني لاعجب من علماء إخواننا السنة القدماء والجدد، الذين بحثوا في توحيد الله تعالي وصفاته، ورووا حتي عن أقل الصحابة والتابعين، برهم وفاجرهم، وعن اليهود والنصاري، معتدلهم ومتطرفهم.. كيف لم يطلعوا علي الخطب الغنية لعلي أمير المؤمنين عليه السلام وكلمات أهل البيت البليغة في حقائق التوحيد، التي تشهد بأنهم باب مدينة علم النبي صلي الله عليه وآله وقد كانت هذه الخطب والأحاديث وما تزال في متناولهم، مودعة في المصادر المختلفة، ومجموعة في نهج البلاغة وأمثاله..! فلو أنهم اطلعوا عليها لفتحت لهم أبواباً جديدة، وحلت لهم مشكلات مستعصية ولظهر شئ من آثارها وأنوارها في مؤلفاتهم!

إن مقتضي قاعدة (إحمل أخاك المسلم علي الأحسن) أن نقول إنهم لم يقرؤوا شيئاً من أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم وبحوثهم في التوحيد والصفات، لأنا إذا اتهمناهم بأنهم قرؤوها وتجاهلوها، فذلك يعني وجود كارثة في بحوث العقائد عندهم.

وتعجبي الأكبر من جرأة بعض إخواننا علي تبرئة مصادرهم من التشبيه والتجسيم، وإتهام الشيعة ومذهبهم بذلك!

و تواصلت علينا الإفتراءات عبر العصور

قال السمعاني المتوفي 562 في كتابه الأنساب:5/643:

والهشامية جماعة من غلاة الشيعة، وهم الهشامية الأولي والأخري. أما الأولي فهم أصحاب هشام بن الحكم الرافضي المفرط في التشبيه والتجسيم وكان يقول إن معبوده جسم ذو

حد ونهاية وإنه طويل عريض عميق وطوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه، وله مقالات في هذا الفن حكيت عنه.

وأما الهشامية الأخري فهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، وكان يزعم أن معبوده جسم، وأنه علي صورة الإنسان ولكنه ليس بلحم ولا دم، بل هو نور ساطع يتلالا بياضاً، وله حواس خمس كحواس الإنسان ويد ورجل وسائر الاعضاء، وأن نصفه الاعلي مجوف، إلا الفرج واللحية. وزعم هشام بن الحكم أنه كسبيكة الفضة، وأنه بشبر نفسه سبعة أشبار. وكل واحد منهما يكفر صاحبه، ويكفرهما غيرهما. انتهي.

وقد وصل الأمر بالسمعاني وأمثاله أن ادعوا أن تجسيم الكرامية جاءهم من تأثرهم بالشيعة وغيرهم، وإلا فشيخهم الكرام عالم متقشف زاهد وإن كان في مذهبه شئ من التشبيه والتجسيم! قال السمعاني في الأنساب:5/43: الكرامي: بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة. هذه النسبة إلي أبي عبد الله محمد بن كرام النيسابوري... من أهل نيسابور، ثم أزعج عنها وانتقل إلي بيت المقدس وسكنها ومات بها. يروي عن مالك بن سليمان الهروي. روي عنه محمد بن إسماعيل بن إسحاق وحكي عنه من الزهد والتقشف أشياء، وفي المذهب أشياء من التشبيه والتجسيم، وذكر في كتاب له سماه (عذاب القبر) في وصف الرب عز وجل، أنه أحدي الذات أحدي الجوهر، فشارك النصاري في وصفه إياه بالجوهر، وشارك اليهود والهشامية والجوالقية من مشبهة الروافض في وصفه إياه بأنه جسم. وناقض أصحابه في امتناعهم عن وصفهم إياه أنه جوهر، مع إطلاقهم وصفه بأنه جسم، إطلاق الجسم أفحش من إطلاق الجوهر. وذكر في هذا الكتاب أنه معبود في مكان مخصوص، وأنه مماس لعرشه من فوقه، وهكذا حكي عنه. انتهي. ولكن من حكي عنه، ومن أين أخذ ما نقله عنه.. هذا

ليس مهماً عند من يريد الإتهام.

وقال المسعودي في مروج الذهب: 4/103:

وكان أبو الهذيل محمد بن الهذيل اجتمع مع هشام بن الحكم الكوفي، وكان هشام شيخ المجسمه والرافضة في وقته ممن وافقه علي مذهبه، وكان أبو الهذيل يذهب إلي نفي التجسيم ورفض التشبيه.

وقال الأميني في الغدير:3/142:

الملل والنحل، هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي (الفصل) في بذاءة المنطق غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القاري ملتحداً عن تفنيدها، فإليك نماذج منها:

1 _ قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

2 _ قال في حق علي: إنه إله واجب الطاعة..

3 _ وقال هشام بن سالم: إن الله علي صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهو نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم، وإن هشام هذا أجاز المعصية علي الأنبياء مع قوله بعصمة الأئمة.

4 _ وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

5 _ قال أبوجعفر محمد بن النعمان: إن الله نور علي صورة إنسان، ويأبي أن يكون جسماً.

6 _ وزعم يونس بن عبدالرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش والعرش تحمل الرب، وهو من مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً.

وقال الأميني في الغدير:3/89:

وذكر ابن تيمية في منهاج السنة هذه النسب والإضافات المفتعلة، وراقه أن يري المجتمع أنه أقدر في تنسيق الأكاذيب من سلفه، وأنه أبعد منه عن

أدب الصدق والأمانة فزاد عليها:

اليهود لا يخلصون السلام علي المؤمنين إنما يقولون السام عليكم (السام: الموت) وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح علي الخفين، وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلون أموال الناس كلهم، وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد علي قرونها في الصلاة، وكذلك الرافضة.

اليهود لا تسجد حتي تخفق برؤسها مراراً تشبيهاً بالركوع، وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غش الناس، وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف، وحسبك في تكذيب هذه التقولات المعزوة إلي الشيعة شعورك الحر، وحيطتك بفقههم وكتبهم وعقائدهم وأعمالهم، وما عرف منهم قديماً وحديثاً. فإلي الله المشتكي.

وقال الأميني في الغدير:3 هامش/90 واصفاً كتاب الإنتصار لعبد الرحيم الخياط:

إنك غير مائن لو سميته بمصدر الأكاذيب، ولو عزي إليه علي عدد صفحاته 173 الصفحة لما كذب القائل، ولو جست خلال صحايفه لأوقفك الفحص علي العجب العجاب، من كذب شائن وتحكم بارد وتهكم ممض ونسب مفتعلة، وإنا نرجئ إيقافك عليها إلي ظفرك بالكتاب نفسه، فإنه مطبوع بمصر منشور، ولا نسود جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيلك الاساطير كلها، وإنما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغله في القذائف وتهالكه دون الطامات، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلي تشويه سمعة أمة كبيرة كريمة نزيهة عن كل ما تقوله عليها قال:

1 _ الرافضة تعتقد أن ربها ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل، وأنه كان غير عالم فعلم... إلي أن قال: هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرأت منهم، فأما جملتهم ومشايخهم مثل هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعلي بن ميثم، وهشام بن الحكم بن منور، والسكاك، فقولهم ما حكيت عنهم.

2 _ الرافضة تقول وهي معتقدة: إن ربها

جسم ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل وأنه كان غير عالم ثم علم.

3 _ فهل علي وجه الأرض رافضي إلا وهو يقول: إن الله صورة ويروي في ذلك الروايات، ويحتج فيه بالأحاديث عن أئمتهم! إلا من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد فنفته الرافضة عنها ولم تقر به!!

و تضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم و حرية الفكر

قال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام:1/424:

الرافضة قالوا: إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء. هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة.

وقال في تاريخ الإسلام:2/158:

الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلي ثلاثة أقسام: غالية ورافضة وزيدية، والشيعة الغالية هم الذين غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً.. والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء!

فتاوي الالباني/441:

إن الإسلام كفكر لا يمكن أن يصور أنه مصفي.. كيف وهناك فرق كثيرة جداً كالمعتزلة... والشيعة والرافضة، كل هؤلاء يدعون الإسلام فلا بد أن يقوم العلماء بواجب تصفية هذا الإسلام وتقديمه للناس.

وقال الدكتور القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة، الذي منحته السعودية درجة دكتوراه برتبة الشرف الأولي، وأوصت بجعله مصدراً (أكاديمياً) في جامعات المملكة، علماً أن نسبة كبيرة من سكان المملكة من الشيعة! قال القفاري في ج1/87:

المذهب الشيعي مباءة للعقائد الأسيوية القديمة. ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الأسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الأستاذ أحمد أمين: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الاقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ويشير بعض المستشرقين إلي تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلي الشيعة ويقول: إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية،

وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام. انتهي.

وكأن هذا (الباحث) لا يعرف أن الفرس المجوس صاروا سنيين أولاً، وألفوا أهم مصادر إخواننا السنة وصحاحهم، ونظَّروا لعقائدهم ومذاهبهم بل أسسوا مذاهبهم، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة! فإن كانوا متأثرين بعقائدهم المجوسية والاسيوية فقد نقلوها معهم إلي التسنن الذي الذي صاروا أئمة مذاهبه ثم أئمة مصادره قروناً طويلة، وما زالوا، فالعلامة المجلسي الشيعي مثلاً صاحب موسوعة (بحار الأنوار) المتوفي سنة 1111 هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الأصفهاني السني المتوفي سنة 435 هجرية! وهكذا العشرات بل المئات غيره من الفرس الذين صاروا أئمة المذاهب السنية أولاً، ثم صار أبناؤهم شيعة بعد قرون قد تطول أو تقصر، حتي أنك تجد الكثير من أبنائهم اليوم ما زالوا يحملون أسماء أجدادهم من أئمة السنة!

فمن أولي بتهتة التأثر بالعقائد المجوسية والأسيوية، الاجداد السنيون أم الأبناء الشيعيون!

علي أن الباحث علمياً لا يمكنه أن يرسل أحكامه هكذا جزافاً، ولابد له أن يفحص الأفكار والعقائد واحدة واحدة، ويري من أين جاءت ومن تبناها، ومن وقف ضدها.. الخ.

وقد رأيت أن أفكار الرؤية والتشبيه والتجسيم وأحاديثها ولدت في بيوت الدولة، ودرجت في قصورها ومساجدها، وتربت علي يد كبار شخصياتها، وأن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وقفوا ضدها، وأفتوا بأنها دخيلة، وأن آباءها يهوداً!!

تفسير مقارن للآيات المتعلقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لإمكان الرؤية

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَئٍْ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام: 102 _ 103.

فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. الشوري: 11.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا. طه: 110.

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة: 22.

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَي صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. الأعراف: 143.

وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَي لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة: 55.

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَي أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَ آتَيْنَا مُوسَي سُلْطَانًا مُبِينًا. النساء: 153.

وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَي رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَي يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا. الفرقان: 21 _ 22.

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. أَللهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ. وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. الإخلاص: 1 _ 4.

الآيات المتشابهة التي استدلوا بها علي الرؤية

كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الأخِرَةَ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. القيامة: 20 _ 25.

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَي. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الأَعْلَي. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا

أَوْحَي. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي. إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. النجم: 1 _ 18.

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ. سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ. أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَ يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ وَ هُمْ سَالِمُونَ. القلم: 39 _ 43.

آيات: استوي علي العرش

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. الأعراف: 54.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. يونس: 3.

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّي يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الأيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ الرعد: 2.

طَهَ. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي. إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَي. تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَي. الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَي. طه: 1 _ 6.

الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا. الفرقان: 59.

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ

مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. السجدة: 4.

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَي اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ. الحديد: 4 _ 5.

وقد أوردنا عدداً من الأحاديث الشريفة ومن كلمات العلماء في تفسير هذه الآيات، ونورد هنا ما بقي من تفسيرها، وفيها أحاديث وآراء مشتركة بين أكثر من آية، لأنها وردت في موضوع الرؤية ككل.

تفسير آية: لا تدركه الابصار

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَئٍْ فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ وَكِيلٌ. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام: 102 _ 103.

النبي و آله يقولون: لا تدركه الابصار و لا.. الاوهام

روي الصدوق في التوحيد الهامش 1/397:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل (رض) قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثني محمد بن أبي بشير، قال حدثني الحسين بن أبي الهيثم، قال حدثنا سليمان بن داود، عن حفص بن غياث، قال حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد، قال حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي، قال حدثني سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي، قال حدثني سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله ذات يوم جالساً في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد إلي ما تدعو؟

قال: إلي شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.

قال: يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلي وحدانيته وتزعم أنك رسوله، كيف هو؟

قال: يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف، لأن الكيف مخلوق وهو مكيفه.

قال: فأين هو؟

قال: إن ربي لا يوصف بالاين، لأن الاين مخلوق وهو أينه.

قال: فهل رأيته يا محمد؟

قال: إنه لا يري بالأبصار ولا يدرك بالأوهام.

قال: فبأي شئ نعلم أنه موجود؟

قال: بآياته وأعلامه.

قال: فهل يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال: يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل.

قال: فكيف خروج الأمر منه؟

قال: بإحداث الخطاب في المحال.

قال: يا محمد أليس الخلق كله له؟

قال: بلي.

قال: فبأي شئ اصطفي منهم قوماً

لرسالته؟

قال: بسبقهم إلي الإقرار بربوبيته.

قال: فلم زعمت أنك أفضلهم؟

قال: لاني أسبقهم إلي الإقرار بربي عز وجل؟

قال: فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم؟

قال: لا.

قال: ولم؟

قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

قال: فهل أنزل عليك في ذلك قرآناً يتلي؟

قال: نعم إنه يقول عز وجل: وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ، ويقول: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، ويقول: وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ، ويقول: وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ.

قال اليهودي: يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوح عليه السلام وفيهم الأطفال؟

فقال: يا يهودي إن الله عز وجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاماً فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم، تعالي عن الظلم والجور علواً كبيراً.

قال اليهودي: فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياماً معدودة؟

قال: يخلده علي نيته، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلي انقضائها كان يعصي الله عز وجل خلده في ناره علي نيته، ونيته في ذلك شر من عمله، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لاطاع الله أبداً، ونيته خير من عمله، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، والله عز وجل يقول: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَي شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَي سَبِيل

قال اليهودي: يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك؟

قال: يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب، واسمه

في التوراة إليا وفي الإنجيل حيدار، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي، وهو مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، وإنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقاً، والله إني لاجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك، وإنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وإنه أبو سبطيك وولديك شبراً وشبيراً سيدي شباب أهل الجنة.

وروي الكليني في الكافي:1/98:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: إحاطة الوهم، ألا تري إلي قوله: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من البصر بعينه. ومن عمي فعليها، ليس يعني عمي العيون إنما عني إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يري بالعين....

محمد بن أبي عبدالله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسي، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون!

يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما

تقرأ القرآن قلت بلي، قال أما تقرأ قوله عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ قلت بلي، قال: فتعرفون الابصار قلت: بلي، قال: وما هي قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام.

وروي النيسابوري في روضة الواعظين/33:

عن الإمام الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ قال: لا تدركه أوهام القلوب، فكيف تدركه أبصار العيون.

وسئل الصادق عليه السلام هل يري الله في المعاد؟ فقال: سبحان الله تبارك وتعالي عن ذلك علواً كبيرا، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

وقال محمد بن أبي عمير: دخلت علي سيدي موسي بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له: يابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تبارك وتعالي في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالي واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفني، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل. وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ما يكون من نجوي ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا وهو سادسهم ولا أدني من

ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، وهو الأول الذي لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ بعده، وهو القديم وما سواه محدث، تعالي عن صفات المخلوقين علواً كبيرا.

وسئل الصادق عليه السلام هل لله تعالي رضي وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك علي ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه.

وقال أيضاً عليه السلام: إن الله تعالي لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان، والحركة والسكون والانتقال، تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وروي المجلسي في بحار الأنوار:4/46:

نص: الحسين بن علي، عن هارون بن موسي، عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبدالملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله صلي الله عليه وآله رأي ربه، علي أي صورة رآه، وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، علي أي صورة يرونه؟ فتبسم عليه السلام ثم قال: يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه، ثم لا يعرف الله حق معرفته.

ثم قال عليه السلام: يا معاوية إن محمداً صلي الله عليه وآله لم ير الرب تبارك وتعالي بمشاهدة العيان، وإن الرؤية علي وجهين: رؤية القلب، ورؤية البصر، فمن عني برؤية القلب فهو مصيب ومن عني برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول الله صلي الله عليه وآله: من شبه

الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام فقيل: يا أخا رسول الله هل رأيت ربك فقال: وكيف أعبد من لم أره لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

فإذا كان المؤمن يري ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق، ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعلته إذا محدثاً مخلوقاً، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكاً، ويلهم أولم يسمعوا يقول الله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

وقوله: لَنْ تَرَانِي ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكاً، وإنما طلع من نوره علي الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وصعقت الجبال فخر موسي صعقاً، أي ميتاً، فلما أفاق ورد عليه روحه، قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم أنك تري، ورجعت إلي معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك، وأنا أول المؤمنين، وأول المقرين بأنك تري ولا تري، وأنت بالمنظر الاعلي.

ثم قال عليه السلام: إن أفضل الفرائض وأوجبها علي الإنسان معرفة الرب والإقرار له بالعبودية، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره، ولا شبيه له ولا نظير، وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد، موصوف من غير شبيه ولا مبطل، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة.

وأدني معرفة الرسول الإقرار بنبوته، وأن ما أتي به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عز وجل، وبعده معرفة الإمام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر....

ثم قال: يا معاوية جعلت

لك أصلاً في هذا فاعمل عليه، فلو كنت تموت علي ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الاحوال، فلا يغرنك قول من زعم أن الله تعالي يري بالبصر.

قال: وقد قالوا أعجب من هذا، أو لم ينسبوا آدم عليه السلام إلي المكروه!

أو لم ينسبوا إبراهيم عليه السلام إلي ما نسبوه!

أو لم ينسبوا داود عليه السلام إلي ما نسبوه من حديث الطير!

أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلي ما نسبوه من حديث زليخا!

أو لم ينسبوا موسي عليه السلام إلي ما نسبوه من القتل!

أو لم ينسبوا رسول الله صلي الله عليه وآله إلي ما نسبوه من حديث زيد!

أو لم ينسبوا علي بن أبي طالب عليه السلام إلي ما نسبوه من حديث القطيفة!

إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا علي أعقابهم، أعمي الله أبصارهم كما أعمي قلوبهم، تعالي الله عن ذلك علواً كبيرا.

وروي نحوه في بحار الأنوار:4/33 وص 39 وفيه (إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهي لا تدركه، وهو يدرك الأوهام).

وروي نحوه في بحار الأنوار:4/29 وفيه (لا تدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون! وقال المجلسي رحمه الله:

بيان: هذه الآية إحدي الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها بوجهين:

أحدهما: أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسناداً للفعل إلي الآلة، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعني اتحاد المفهومين أو تلازمهما، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والإستغراق بإجماع أهل العربية والأصول وأئمة التفسير، وبشهادة استعمال الفصحاء، وصحة الإستثناء، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل، فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالي وهو محال.

واعترض عليه: بأن اللام في الجمع لو

كان للعموم والاستغراق كما ذكرتم كان قوله تدركه الأبصار موجبة كلية، وقد دخل عليها النفي، فرفعها وهو رفع الإيجاب الكلي، ورفع الإيجاب الكلي سلب جزئي. ولو لم يكن للعموم كان قوله لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ سالبة مهملة في قوة الجزئية، فكان المعني لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، ونحن نقول بموجبة حيث لا يراه الكافرون، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الأحوال والأوقات فيحمل علي نفي الرؤية في الدنيا جمعاً بين الأدلة.

والجواب: أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلي باللام عام نفياً وإثباتاً في المنفي والمثبت كقوله تعالي: وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ، مَا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، حتي أنه لم يرد في سياق النفي في شئ من الكتاب الكريم إلا بمعني عموم النفي، ولم يرد لنفي العموم أصلاً، نعم قد اختلف في النفي الداخل علي لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضاً بالمعني الذي ذكرنا كقوله تعالي: وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، إلي غير ذلك، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه.

وأما منع عموم الأحوال والأوقات فلا يخفي فساده، فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الأوقات إذ لا ترجيح لبعضها علي بعض، وهو أحد الأدلة علي العموم عند علماء الأصول.

وأيضاً صحة الإستثناء دليل عليه، وهل يمنع أحد صحة قولنا: ما كلمت زيداً إلا يوم الجمعة، ولا أكلمه إلا يوم العيد، وقال تعالي: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ، إلي قوله: إِلا أَنْ يَأتِينَ. وقال: لا تُخْرِجُوهُنَّ، إلي قوله إِلا أَنْ يَاتِينَ.

وأيضاً كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلي ذاته تعالي فهو للتأبيد وعموم الأوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية.

وأيضاً عدم إدراك الأبصار جميعاً لشئ لا يختص بشئ من الموجودات،

خصوصاً مع اعتبار شمول الأحوال والأوقات، فلا يختص به تعالي، فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شئ من الأبصار له في شئ من الأوقات.

وثانيهما: أنه تعالي تمدح بكونه لا يري فإنه ذكره في أثناء المدائح، وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالي عنه، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الأفعال كالعفو والإنتقام فإن الأول تفضل، والثاني عدل، وكلاهما كمال.

الإقتصاد للشيخ الطوسي/39:

ولا يجوز عليه تعالي الرؤية بالبصر، لأن من شرط صحة الرؤية أن يكون المرئي نفسه أو محله مقابلاً للرائي بحاسة، أو في حكم المقابل، والمقابلة يستحيل عليه لأنه ليس بجسم، ومقابلة محله أيضاً يستحيل عليه لأنه ليس بعرض علي ما بيناه.

ولأنه لو كان مرئياً لرأيناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة ووجوده، لأن المرئي إذا وجد وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن نراه، وإنما لا نراه إما لبعد مفرط أو قرب مفرط أو لحائل بيننا وبينه أو للطافة أو صغر، وكل ذلك لا يجوز عليه تعالي لأنه من صفات الأجسام والجواهر.

وبمثل ذلك بعينه يعلم أنه لا يدرك بشئ من الحواس الباقية، فلا وجه للتطويل بذكره، والحاسة السادسة غير معقولة، ولو كانت معقولة لكان حكمها حكم هذه الحواس مع اختلافها واتفاقها في هذا الحكم.

وأيضاً قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، دليل علي استحالة رؤيته، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكل تمدح تعلق بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، كقوله: لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، وقوله تعالي: مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ، وقوله تعالي: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ، وقوله تعالي: لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا، وغير ذلك مما تعلق المدح بالنفي، فكان إثباته نقصاً.

والآية فيها مدح بلا خلاف وإن اختلفوا في جهة المدح، والادراك في الآية بمعني الرؤية، لأنه نفي عن نفسه ما أثبته لنفسه بقوله: وهو يدرك الابصار.

وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، لا يعارض هذه الآية، لأن النظر المذكور في الآية معناه الإنتظار، فكأنه قال: لثواب ربها منتظرة.

ومثله قوله: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة، أي منتظرة. وليس النظر بمعني الرؤية في شئ من كلام العرب، ألا تري أنهم يقولون: نظرت إلي الهلال فلم أره، فيثبتون النظر وينفون الرؤية، ولو كان معناه الرؤية لكان ذلك مناقضة، ويقولون: ما زالت أنظر إليه حتي رأيته، ولا يقولون: ما زلت أراه حتي رأيته. ولو سلم أن النظر بمعني الرؤية لجاز أن يكون معناه: إلي ثواب ربها رائية، وثواب الله يصح رؤيته.

ويحتمل أن تكون إلي في الآية واحد الالاء، لأنه يقال إلي وإلي وألي، وإنما لم تنون لمكان الاضافة، فتكون إلي في الآية إسماً لا حرفاً، فتسقط بذلك شبهة المخالف.

وقول موسي عليه السلام: رب أرني أنظر اليك، يحتمل أن يكون سأل الرؤية لقومه علي ما حكاه الله عز وجل في قوله: فقد سألوا موسي أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة، فسأل الله تعالي ذلك ليرد الجواب من جهته فيكون أبلغ.

ويحتمل أن يكون سأل العلم الضروري الذي تزول معه الخواطر والشبهات، أو إظهار آية من آيات الساعة التي يحصل عندها العلم الذي لا شك فيه، وللأنبياء أن يسألوا تخفيف البلوي في التكليف، كما سأل ابراهيم عليه السلام فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَي قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَي وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وكل ذلك لا ينافي الآية التي ذكرناها. انتهي. ويؤيد الوجه الأخير الذي ذكره

الشيخ الطوسي رحمه الله تركيب الآية: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، ولم يقل أنظرك، فهو يريد أن يريه شيئاً يجعله كأنه يشاهد الله تعالي.

تفسير التبيان:4/223:

قوله تعالي: لاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير الأنعام: 103.

في هذه الآية دلالة واضحة علي أنه تعالي لا يري بالابصار، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكلما كان نفيه مدحاً غير متفضل به فإثباته لا يكون إلا نقصاً، والنقص لا يليق به تعالي. فإذا ثبت أنه لا يجوز إدراكه ولا رؤيته.

وهذه الجملة تحتاج إلي بيان أشياء: أحدها، أنه تعالي تمدح بالآية. والثاني أن الادراك هو الرؤية. والثالث أن كلما كان نفيه مدحاً لا يكون إثباته إلا نقصاً.

والذي يدل علي تمدحه شيئان:

أحدهما، إجماع الأمة فإنه لا خلاف بينهم في أنه تعالي تمدح بهذه الآية، فقولنا تمدح بنفي الادراك عن نفسه لإستحالته عليه، وقال المخالف تمدح لأنه قادر علي منع الأبصار من رؤيته. فالإجماع حاصل علي أن فيها مدحة.

والثاني، أن جميع الأوصاف التي وصف بها نفسه قبل هذه الآية وبعدها مدحة، فلا يجوز أن يتخلل ذلك ما ليس بمدحة. والذي يدل علي أن الإدراك يفيد الرؤية أن أهل اللغة لا يفرقون بين قولهم: أدركت ببصري شخصاً، وآنست، وأحسست ببصري. وأنه يراد بذلك أجمع الرؤية. فلو جاز الخلاف في الادراك لجاز الخلاف فيما عداه من الاقسام.

فأما الإدراك في اللغة، فقد يكون بمعني اللحوق كقولهم: أدرك قتادة الحسن. ويكون بمعني النضج، كقولهم أدركت الثمرة، وأدركت القدر، وإدرك الغلام إذا بلغ حال الرجال.

وأيضاً فإن الإدراك إذا أضيف إلي واحد من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه. ألا تري أنهم يقولون: أدركته بأذني يريدون سمعته، وأدركته بأنفي

يريدون شممته، وأدركته بفمي يريدون ذقته. وكذلك إذا قالوا: أدركته ببصري يريدون رأيته. وأما قولهم أدركت حرارة الميل ببصري فغير معروف ولا مسموع، ومع هذا ليس بمطلق بل هو مقيد، لأن قولهم حرارة الميل تقييد لأن الحرارة تدرك بكل محل فيه حياة، ولو قال أدركت الميل ببصري لما استفيد به إلا الرؤية.

وقولهم إن الإدراك هو الاحاطة باطل، لأنه لو كان كذلك لقالوا: أدرك الجراب بالدقيق وأدرك الحب بالماء وأدرك السور بالمدينة لإحاطة جميع ذلك بما فيه، والأمر بخلاف ذلك. وقوله: حتي إذا أدركه الغرق، فليس المراد به الإحاطة بل المعني حتي إذا لحقه الغرق، كما يقولون أدركت فلاناً إذا لحقته، ومثله: فلما تراءي الجمعان قال أصحاب موسي إنا لمدركون، أي لملحوقون.

والذي يدل علي أن المدح إذا كان متعلقاً بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، قوله: لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ، وقوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ، لما كان مدحاً متعلقاً بنفي فلو ثبت في حال لكان نقصاً.

فإن قيل: كيف يتمدح بنفي الرؤية ومع هذا يشاركه فيها ما ليس بممدوح من المعدومات والضمائر.

قلنا: إنما كان ذلك مدحاً بشرط كونه مدركاً للأصار، وبذلك تميز من جميع الموجودات، لأنه ليس في الموجودات ما يدرك ولا يدرك.

فإن قيل: ولم إذا كان يدرك ولا يدرك يجب أن يكون ممدوحاً.

قلنا: قد ثبت أن الآية مدحة بما دللنا عليه، ولابد فيها من وجه مدحة فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون وجه المدحة أنه يستحيل رؤيته مع كونه رائياً، أو ما قالوه من أنه يقدر علي منع الابصار من رؤيته بأن لا يفعل فيها الإدراك، وما قالوه باطل

لقيام الدلالة علي أن الإدراك ليس بمعني الإحاطة، فإذا بطل ذلك لم يبق إلا ما قلناه، وإلا خرجت الآية من كونها مدحة. وقد قيل: إن وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يدل علي مدحته، وهذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جواباً في الآية.

فإن قيل: إنه تعالي نفي أن تكون الابصار تدركه فمن أين أن المبصرين لا يدركونه؟

قلنا: الأبصار لا تدرك شيئاً البتة فلا اختصاص لها به دون غيره، وأيضاً فإن العادة أن يضاف الإدراك إلي الأبصار ويراد به ذووا الأبصار، كما يقولون: بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني، ويراد به أجمع ذووا الجارحة.

فإن قيل: إنه تعالي نفي أن جميع المبصرين لا يدركونه، فمن أين أن البعض لا يدركونه وهم المؤمنون؟

قلنا: إذا كان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لما قدمناه، فلا اختصاص لذلك براء دون رائي، ولك أن تستدل بأن تقول: هو تعالي نفي الإدراك عن نفسه نفياً عاماً كما أنه أثبت لنفسه ذلك عاماً، فلو جاز أن يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركاً. وإذا ثبت نفي إدراكه علي كل حال، فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفياً عاماً فالقول بنفيها عموماً، مع جواز الرؤية عليه قول خارج عن الإجماع.

فإن عورضت هذه الآية بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، فإنا نبين أنه لا تعارض بينهما وأنه ليس في هذه الآية مايدل علي جواز الرؤية إذا انتهينا إليها إنشاء الله.

تفسير التبيان:1/228:

وقال قوم: إن النظر إذا كان معه إلي لا يحتمل إلا الرؤية. وحملوا قوله: إلي

رَبِّهَا نَاظِرَةٌ علي ذلك وقالوا لا يحتمل التأمل. وذلك غلط لانهم يقولون: إنما أنظر إلي الله ثم إليك بمعني أتوقع فضل الله ثم فضلك. وقال الطريح بن إسماعيل:

وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك جرتني نعماء

وقال جميل بن معمر:

إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلي الغني الموسر

وقال آخر:

وجوه يوم بدر ناظرات إلي الرحمان تأتي بالفلاح

وأتوا ب(إلي) علي معني نظر الإنتظار.

والصحيح أن النظر لا يفيد الرؤية وإنما حقيقته تحديق الجارحة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته، ولو أفاد الرؤية لما جعل غاية لنفسه، ألا تراهم يقولون: مازلت أنظر إليه (حتي رأيته) ولا يقولون ما زلت أراه حتي رأيته، ولانهم يثبتون النظر وينفون الرؤية فيقولون: نظرت إليه فلم أره، ولا يقولون رأيته فلم أره.

تفسير التبيان:10/197:

ثم قسم تعالي أهل الآخرة فقال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي مشرقة مضيئة، فالنضرة الصورة الحسنة التي تملأ القلب سروراً عند الرؤية، نضر وجهه ينضر نضرة ونضارة فهو ناضر. والنضرة مثل البهجة والطلاقة، وضده العبوس والبسور، فوجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة بما جعل الله عليها من النور علامة للخلق، والملائكة علي أنهم مؤمنون مستحقون الثواب.

وقوله: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه أن يصل إليهم.

وقيل (نَاضِرَةٌ) أي مشرفة (إلي) ثواب ربها (نَاظِرَةٌ) وليس في ذلك تنغيص، لأن الإنتظار إنما يكون فيه تنغيص إذا كان لا يوثق بوصوله إلي المنتظر أو هو محتاج إليه في الحال، والمؤمنون بخلاف ذلك، لأنهم في الحال مستغنون منعمون، وهم أيضاً واثقون أنهم يصلون إلي الثواب المنتظر.

والنظر هو تقليب الحدقة الصحية نحو المرئي طلباً للرؤية، ويكون النظر بمعني الإنتظار، كما قال تعالي (وَإِنِّي

مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ، أي منتظرة، وقال الشاعر:

وجوه يوم بدر ناظرات إلي الرحمن تأتي بالفلاح

أي منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم.

وقد يقول القائل: إنما عيني ممدودة إلي الله وإلي فلان، وأنظر إليه أي أنتظر خيره ونفعه وأؤمل ذلك من جهته، وقوله: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، معناه لا ينيلهم رحمته.

ويكون النظر بمعني المقابلة، ومنه المناظرة في الجدل، ومنه نظر الرحمة أي قابله بالرحمة، ويقال: دور بني فلان تتناظر أي تتقابل، وهو ينظر إلي فلان أي يؤمله وينتظر خيره، وليس النظر بمعني الرؤية أصلاً، بدلالة أنهم يقولون: نظرت إلي الهلال فلم أره، فلو كان بمعني الرؤية لكان متناقضاً، ولأنهم يجعلون الرؤية غاية للنظر يقولون: ما زلت أنظر إليه حتي رأيته، ولا يجعل الشئ غاية لنفسه لا يقال: بما زلت أراه حتي رأيته، ويعلم الناظر ناظراً ضرورة، ولا يعلم كونه رائياً بل يسأل بعد ذلك هل رأيت أم لا.

ودخول (إلي) في الآية لا يدل علي أن المراد بالنظر الرؤية، ولا تعليقه بالوجوه يدل علي ذلك، لانا أنشدنا البيت وفيه تعليق النظر بالوجه وتعديه بحرف (إلي) والمراد به الإنتظار، وقال جميل بن معمر:

وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك جدتني نعم

والمراد به الإنتظار والتأميل.

وأيضاً، فإنه في مقابلة قوله في صفة أهل النار: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، فالمؤمنون يؤمنون بتجديد الكرامة وينتظرون الثواب، والكفار يظنون الفاقرة، وكله راجع إلي فعل القلب.

ولو سلمنا أن النظر يعد الرؤية لجاز أن يكون المراد أنها رؤية ثواب ربها، لأن الثواب الذي هو أنواع اللذات من المأكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته.

ويجوز أيضاً أن يكون إلي واحد إلاء وفي واحدها لغات (ألا) مثل قفا و

(ألي) مثل معي و (ألي) مثل حدي و (أل) مثل حسا، فإذا أضيف إلي غيره سقط التنوين، ولا يكون (إلي) حرفاً في الآية. وكل ذلك يبطل قول من أجاز الرؤية علي الله تعالي.

وليس لأحد أن يقول: إن الوجه الأخير يخالف الإجماع، أعني إجماع المفسرين، وذلك لأنا لا نسلم لهم ذلك، بل قد قال مجاهد وأبو صالح والحسن وسعيد بن جبير والضحاك: إن المراد نظر الثواب. وروي مثله عن علي عليه السلام.

وقد فرق أهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي، يقولون: نظر غضبان، ونظر راض، ونظر عداوة ونظر مودة، قال الشاعر:

تخبرني العينان ما الصدر كاتم ولا حن بالبغضاء والنظر الشزر

والرؤية ليست كذلك فإنهم لا يضيفونها، فدل علي أن النظر غير الرؤية، والمرئي هو المدرك، والرؤية هي الإدراك بالبصر، والرائي هو المدرك، ولا تصح الرؤية وهي الإدراك إلا علي الأجسام أو الجوهر أو الألوان. ومن شرط المرئي أن يكون هو أو محله مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يستحيل عليه تعالي، فكيف تجيز الرؤية عليه تعالي!

اميرالمؤمنين يدفع الشبهات

كتاب التوحيد للصدوق/254-269:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيي، عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له عليه السلام: ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟

قال: لاني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً

فكيف لا أشك فيه.

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً، ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا، وقال أيضاً: نسوا الله فنسيهم، وقال: وما كان ربك نسياً، فمرة يخبر أنه ينسي، ومرة يخبر أنه لا ينسي، فأني ذلك يا أمير المؤمنين!

قال: هات ما شككت فيه أيضاً.

قال: وأجد الله يقول: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا، وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين، وقال: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وقال: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ، وقال: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وقال: نَخْتِمُ عَلَي أَفْوَاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ: ومرة يخبر أنهم يختصمون، فأني ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع...

قال: هات ويحك ما شككت فيه.

قال: وأجد الله عز وجل يقول: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. ويقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. ويقول: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي، ويقول: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، ومن أدركته الأبصار فقد

أحاط به العلم، فأني ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟....

فقال عليه السلام: وأما قوله عز وجل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وقوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، وقوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي، وقوله: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، فأما قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدما يفرغ من الحساب إلي نهر يسمي الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فيذهب عنهم كل قذي ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلي ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلي ما وعدهم ربهم فذلك قوله: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وإنما (عني) بالنظر إليه النظر إلي ثوابه يعني لا تحيط به الأوهام. وهو يدرك الأبصار، يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالي وتقدس علواً كبيرا، وقد سأل موسي عليه السلام وجري علي لسانه من حمد الله عزوجل: رب أرني أنظر إليك، فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً، فقال الله تبارك وتعالي: لَنْ تَرَانِي.. انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فأبدي الله سبحان بعض آياته وتجلي ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميماً وخر موسي صعقاً، يعني ميتاً، ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك.

وأما قوله: ولقد رآه

نزلة أخري عند سدرة المنتهي، يعني محمداً صلي الله عليه وآله كان عند سدرة المنتهي حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله، وقوله في آخر الآية: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. رأي جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخري، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين. ورواه الطبرسي في الاحتجاج: 1/358 _ 362 ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/32.

شرح الأسماء الحسني:1/185:

(يا من يَري ولا يُري)

طال التشاجر بين الأشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الأشاعره إلي أن الله تعالي يري في الآخرة وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان، خلافاً للمعتزلة حيث نفوها، وللمشبهه والكرامية فإنهم وإن جوزوا رؤيته تعالي ولكن في الجهة والمكان وعلي سبيل المقابلة، لإعتقادهم جسميته تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وحرر بعض متأخري الأشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة المرئي في العين، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي.

وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم كان نوعاً من المعرفة، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر من المعرفة فوق الأول، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأولين، نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان، فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تقع بدون المقابلة والجهة، وأن تتعلق بذات الله تعالي منزها عن الجهة والمكان أم لا.

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالي

حكاية عن موسي عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ....

ومنها، قوله تعالي لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

ومنها، هذا الإسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية.

وبالجملة كل الآيات والسنن التنزيهية تدل عليه نصاً وظاهراً ومنطوقاً ومفهوماً، والحق أن مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو الشهود بنوره لنوره والإنكشاف البالغ حد العيان، أيدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان، بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان، وكذا قولهم في تحرير محل النزاع، فمثل تلك الحالة الإدراكية أعدل شاهد علي ذلك، إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتي يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة، ومع هذا تكون رؤية لا تعقلاً، بل مرادهم أنه كما أن تلك الحالة ممتازة عن التعقل والتخيل والإحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر، كذلك سيحصل لنا حالة عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالي، هو شهود لا علي المشاعر الجامع لجميعها بنحو أعلي، خذ الغايات ودع المبادي أي المبادي الطبيعية المحدودة، كما ذكرنا في كونه سميعاً بصيراً أن المشاهدة التي يترتب علي قوانا يترتب علي ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا بالسمع والبصر، فهذا مرادهم، وإلا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلاً إذ ليس من سنخ المسموعات أو المشمومات، كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ المبصرات لأن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق وإن كانت الجواهر الفردة عند المتكلم مبصرة بالذات.

فإذا عرفت هذا، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول، وعموا وصموا عما هو لب الحق، إذ كان المراد هو الشهود، والمعتزلة أيضاً

لا ينكرونه، وإنما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع أنه لانزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي بأن يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري، ولكن لا علي سبيل الاكتناه، كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل علي سبيل الفناء الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء، بأن يري كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله وصفته ووجوده تعالي.

ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لأن إنكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الأئمة الهادين وسير السايرين وسلوك السالكين، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب، كما قال تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، أي ليعرفون، وفي الحديث القدسي: فخلقت الخلق لأعرف، فالكتاب المجيد الذي هو تنزيل من حكيم حميد مشحون منه قال تعالي مَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لاتٍ. يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إلي رَبِّكِ. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ. والشهادة بالوحدانية فرع الشهادة بالوجود وشهوده، وهكذا كل آية مشتملة علي ما دل علي الشهود حتي لفظ الإيمان باعتبار بعض درجاته العالية....

قال سيد الأولياء عليه السلام: لم أعبد رباً لم أره. ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه.

وقال ابنه سيد الشهداء عليه السلام: عميت عين لا تراك.

وقال أيضاً: تعرفت بكل شئ فما جهلك شي. تعرفت إلي في كل شئ فرأيتك ظاهراً في كل شئ، فأنت الظاهر لكل شئ.

وليكف هذا اليسير من الكثير لأن كل أشراك مقالاتهم وحبايل تحريراتهم لإصطياد هذا الصيد العديم المثال، فتمام سهام قصودهم واقعة علي هذا الغرض الرفيع المنال،

وحيث حملنا الرؤية علي الشهود فلا تخصيص له بالآخرة، فإن أبناء اليقين لموتهم الإرادي قبل موتهم الطبيعي وفنائهم عن ذواتهم قامت قيامتهم ورأوا ما رأوا، ومن كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي.

روي الشيخ الصدوق رحمه الله عن أبي بصير قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: أخبرني عن الله تعالي هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متي؟ قال: حين قال ألست بربكم قالوا بلي. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة. ألست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعني ماتقول ثم قدر أن هذا تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالي عما يصفه المشبهون والملحدون.

وقال سيد الموقنين ومولي المكاشفين: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً....

وقوله عليه السلام ما ازددت يقيناً، لعل المراد منه نفي الزيادة الكمية لا الكيفية، ومن ثم قال صلي الله عليه وآله: إن العيش عيش الآخرة. ونعم ما قال العارف عبدالرحمن الجامي قدس سره السامي:

تا بود باقي بقاياي وجود كي شود صاف از كدر جام شهود

تا بود پيوند جان وتن بجاي كي شود مقصود كل برقع گشاي

تا بود قالب غبار چشم جان كي توان ديدن رخ جانان عيان

ثم إن الشهود الحاصل لأهل الله في الدنيا ليس لهم بما هم بأبدانهم فرشيون دنيويون، بل بما هم بقلوبهم عرشيون أخرويون، فيصدق أن الرؤية والشهود مطلقاً مخصوصة بالآخرة.

ويمكن أيضاً التوفيق بين المذهبين بأن الرؤية وإن كانت بمعني الشهود لا يمكن في الدنيا والآخرة بالنسبة إلي كنه

ذاته، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، ويمكن بالنسبة إلي وجهه: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ.

بل هاهنا نظر آخر فيه حصر النظر علي وجهه الكريم كما قال المعصوم عليه السلام بنقل القاضي سعيد القمي: لا أري إلا وجهك ولا أسمع إلا صوتك، يا من يخلق ولا يخلق، يا من يهدي ولا يهدي، يا من يحيي ولا يحيي، يا من يسأل ولا يسأل. هذا الإسم الشريف مأخوذ من الآية الشريفة وهي: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وقد تمسك الأشاعرة بها في كثير من المواضع، منها أنهم قالوا بنفي اللمية الغائية والداعي وجواز الترجيح من غير مرجح، فإذا سئل عنهم ما المخصص لأحداث العالم في وقت مخصوص دون ساير الأوقات مع تشابهها، وما المرجح للإمساك في أوقات غير متناهية، كما هو مذهبهم من التعطيل والإفاضة في وقت؟ مع كونه تعالي علة تامة غير محتاج إلي شرط أو آلة أو معاون أو حالة منتظرة، وبالجملة ما به يتم فاعليته؟ قالوا: لا يسئل عما يفعل، والتزموا القدرة الخرافية.

ومنها، أنهم حيث قالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين دون العقليين قالوا بنفي العلاقة اللزومية بين الأعمال الحسنة ودخول الجنة وبين الأعمال القبيحة ودخول النار، بحيث جوزوا أن يدخل الله السعيد في النار خالداً والشقي في الجنة أبداً، فإذا قيل عليهم إن هذا ظلم صريح، قالوا: لا يسأل عما يفعل... إلخ.

واحتج المعتزلة أيضاً بحجج عقلية ونقلية كثيرة، نذكر بعضها ونترك أكثرها لأن من أنس بالقواعد العقلية وحافظ علي تنزيه الله من سمات المحدثات وصفات الأجسام قدر علي إقامة حجج كثيرة وإبطال ما هو ظاهر الأشاعرة من الرؤية.

فمنها، أنه فيما عندنا من المبصرات يجب الرؤية عند تحقق شروط ثمانية

ككون الحاسة سليمة وكون الشئ جايز الرؤية وكون الشئ مقابلاً أو في حكم المقابل وعدم كون المرئي في غاية القرب وغاية البعد وغاية اللطافة وغاية الصغر وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب، إذ لو لم تجب الرؤية عند حصول الشرائط جاز أن يكون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نراها، والستة الاخيرة لا يمكن اعتبارها في رؤيته تعالي لتنزهه عن الجهة والحيز، بقي سلامة الحاسة وجواز الرؤية، وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤية وجب أن تراه في الدنيا والجنة دائماً، والأول منتف بالضرورة والثاني بالإجماع والنصوص القاطعة الدالة علي اشتغالهم بغير ذلك من اللذات.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

روي السيوطي في الدر المنثور:3/37 عدداً من الروايات التي توافق مذهبنا ومذهب عائشة، قال:

وأخرج عبد ابن حميد وأبوالشيخ عن قتادة: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال هو أجلُّ من ذلك وأعظم من أن تدركه الأبصار.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، يقول لا يراه شئ وهو يري الخلائق.

تفسير الطبري:9/38:

معاوية عن علي (بن طلحة) عن ابن عباس قوله تعالي: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، يقول أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شئ من خلقك. انتهي.

وقد تقدم استدلال عائشة بالآية علي عدم إمكان الرؤية، قال الرازي في المطالب العالية:1 جزء 1/87: إن عائشة (رض) قالت: من حدثكم أن محمداً رأي ربه فقد أعظم الفرية، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ.

محاولاتهم تأويل الآية و إبطال معناه

رد النووي علي عائشة في شرح مسلم-هامش الساري:2/93 فقال: فأما إحتجاج عائشة بقول الله تعالي لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ. فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالي لايحاط به! وإذا ورد النص بنفي الإحاطة فلما يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة. انتهي. ولكن المنفي هنا هو إدراك البصر، وهو أعم من الرؤية الجزئية والإحاطة!

وقال الجويني في لمع الأدلة/101-105:

مذهب أهل الحق أن الباري تعالي مرئي، ويجوز أن يراه الراؤون بالأبصار...

والدليل علي جواز الرؤية عقلاً: أن الرب سبحانه وتعالي موجود، وكل موجود مرئي. وبيان ذلك: أنا نري الجواهر والألوان، فإن رئي الجوهر لكونه جوهراً لزم ألا يري الجوهر، وإن رئيا لوجودهما لزم أن يري كل موجود، والباري سبحانه وتعالي: موجود فصح أن يري.

فإن قالوا: إنما يري ما يري لحدوثه والرب تعالي أزلي قديم الذات فلا يري، فالجواب من وجهين: أحدهما أن نقول كلامكم هذا

نقض عليكم لجواز رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإنها حوادث، وعندكم يستحيل أن تري.

ثم الجواب الحقيقي أن نقول: الحدوث ينبي عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا يصحح الرؤية، فانحصر التصحيح في الوجود، فدل علي أن كل موجود صح أن يري.

ويستدل علي جواز الرؤية وأنها ستكون في الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. والنظر إذا عدي بإلي اقتضي رؤية البصر. وإن عارضونا بقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ. قلنا: فمن أصحابنا من قال الرب تعالي يري ولا يدرك فإن الإدراك ينبئ عن الإحاطة ودرك الغاية، والرب مقدس عن الغاية والنهاية. فإن عارضونا بقوله تعالي في جواب موسي عليه السلام: لَنْ تَرَانِي، فزعموا أن لن تقتضي النفي علي التأبيد...

قلنا: هذه الآية من أوضح الأدلة علي جواز الرؤية! فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جوازها ضالاً أو كافراً، وكيف يعتقد ما لا يجوز علي الله تعالي من اصطفاه الله تعالي لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه وجعله أفضل أهل زمانه وأيده ببرهانه، ويجوز علي الأنبياء الريب في أمر يتعلق بعلم الغيب، أما ما يتعلق بوصف الباري عز وعلا فلا يجوز الريب عليهم، فيجب حمل الآية علي أن ما اعتقد موسي عليه السلام جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فيرجع النفي في الجواب إلي السؤال. وما سأل موسي عليه السلام ربه رؤية في الدنيا لينصرف النفي إليها، والجواب نزل علي قضية الخطاب. انتهي. وقد تقدم أن موسي عليه السلام لم يطلب رؤية ذات الله تعالي، بل طلب أن يريه شيئاً من آياته كأنه ينظر إليه.

وروي السيوطي في الدر المنثور:3/37:

وأخرج ابن

أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية، في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: هذا في الدنيا!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن النبي(ص)رأي ربه، فقال له رجل عند ذلك أليس قال الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ! فقال له عكرمة: ألست تري السماء؟ قال: بلي، قال فكلها تري! (يقصد بما أن الله تعالي كبير فإنا نري جزءً منه فقط!)

وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال: رأي محمد ربه، قال عكرمة فقلت له: أليس الله يقول لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلي بنوره لا يدركه شئ، وفي لفظ: إنما ذلك إذا تجلي بكيفيته لم يقم له بصر. انتهي. وهو يقصد أن ذات اللّه تعالي تري ولكن نوره لا تدركه الابصار!!

ثم أكد السيوطي رأي عكرمة فنقل في:3/37 قول ابن جريح في تفسير الآية أن الابصار لا تدرك الله تعالي كله لكبر حجمه! قال:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: قالت امرأة استشفع لي يا رسول الله علي ربك. قال: هل تدرين علي من تستشفعين، إنه ملا كرسيه السموات والأرض ثم جلس عليه فما يفضل منه من كل أربع أصابع، ثم قال: إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد فذلك قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، ينقطع به بصره قبل أن يبلغ أرجاء السماء. زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام. انتهي.

وأعجب منه روايتهم

التي تفسر الأبصار التي لا تدركه بأنها أبصار العقول، ومع ذلك تدركه أبصار العيون!! قال: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبدالرحمن بن مهدي قال سمعت أبا الحصين يحيي بن الحصين قاري أهل مكة يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ قال أبصار العقول. انتهي.

وقد تقدم في أول الباب عن (إمام الأئمة) ابن خزيمة حملته الشديدة علي عائشة وتفسيره للآية بأن جميع الأبصار لا تدركه ولكن البصر الواحد يدركه! قال في كتاب التوحيد/226:

لأن قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قد يحتمل معنيين علي مذهب من يثبت رؤية النبي (ص) خالقه عز وجل، قد يحتمل بأن يكون معني قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، علي ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلي بنوره لا يدركه شيء. والمعني الثاني أي لا تدركه الابصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع علي أبصار جماعة، لا أحسب غريباً يجي من طريق اللغة أن يقال لبصر امري واحد أبصار وإنما يقال لبصر امري واحد بصر، لا ولا سمعنا غريباً يقال لعين امري واحد بصران فكيف أبصار، ولو قلنا: إن الأبصار تري ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان، فأما من قال إن النبي(ص)قد رأي ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الابصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون _ يا ذوي الحجا _ من ينفي أن النبي(ص)محمداً قد رأي ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس رضي الله عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية علي الله، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب

الله في هذه المسألة! انتهي.

وقد علق علي ذلك محقق كتابه وهو الشيخ محمد الهراس من علماء الأزهر، فقال:

عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه! فهل إذا قال قائل لا آكل الرمان، يكون معني هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ولكل جواد كبوة.

وقد كان الطبري من أعقلهم في تفسير الآية حيث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولابد من الإعتراف بأنها تنفي إمكان الرؤية مطلقاً، وأن الأخبار المروية في رؤيته تعالي تنافيها، ولكن لابد لنا من قبول الأخبار وطرح الآية! قال في تفسيره:7/200-203:

قالوا فإن قال لنا قائل: وما أنكرتم أن يكون معني قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، لا تراه الأبصار؟ قلنا له: أنكرنا ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهاً في القيامة إليه ناظرة، وأن رسول الله (ص) أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما يري القمر ليلة البدر....

وقال آخرون.. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، إلا أنه جائز أن يكون معني الآية لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله. قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلي. وقال آخرون: الآية علي العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لاوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوي حواسهم الخمس فيرونه بها... والصواب من القول في ذلك: عذرنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله (ص) أنه قال إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر. انتهي.

ولم يبين

الطبري ولا غيره كيف صار هذا هو الصواب، وهل كلما عارض صريح القرآن خبر أخذنا به وخصصنا به القرآن وقلنا: عذرنا الأخبار المناقضة للقرآن!

قال القسطلاني في إرشاد الساري:10/364:

قوله تعالي في سورة الانعام: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، وأجاب المثبتون بأن معني الآية لا تحيط به الأبصار أو لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون! أو لا تدركه في الدنيا لضعف تركيبها في الدنيا، فإذا كان في الآخرة خلق الله تعالي فيهم قوة يقدرون بها علي الرؤية. انتهي.

ولكنهم بهذه المواصفات الجديدة للعين ونظام الرؤية، خرجوا عن موضوع البحث، بل هربوا منه، وفي نفس الوقت ردوا أحاديثهم في الرؤية التي ظاهرها رؤيته تعالي في الدنيا والآخرة بالعين المتعارفة المجردة، في أحسن صورة، وكما يري القمر ليلة البدر علي حد زعمهم!

وقال الشوكاني في فتح القدير:2/185:

في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ... التقدير لا تدركه كل الابصار بل بعضها، وهي أبصار المؤمنين!....

وقال التلمساني في نفح الطيب:7/296:

سئل النصيبي عن الرؤية بمجلس عضد الدولة فأنكرها محتجاً بأن كل شئ يري بالعين فهو في مقابلتها، فقال له القاضي ابن الطيب: لا يري بالعين، قال له الملك: فبماذا يري؟ قال: بالإدراك الذي يحدثه الله في العين.. وهذا الأجهر عينه قائمة ولا يري بها شيئاً! انتهي.

وقال في نفح الطيب:8/ص 34:

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة، وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفة، فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي علي جواز رؤية الله تعالي؟ قال: قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ! فنظر بعض المعتزلة إلي بعض وقالوا: جنَّ القاضي، وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا علي مذهبهم، وهو ساكت، ثم قال لهم:

أتقولون إن من لسان العرب قولك: الحائط لا يبصر قالوا: لا.. قال: فلا يصح إذن نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا نعم، قال: فكذلك قوله تعالي (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) لولا جواز إدراك الابصار له لم يصح نفيه عنه. انتهي. ولابدّ أنهم أجابوه إن الذي يصحح النفي هو توهم جواز الرؤية لا جوازها وإمكانها!

وهكذا يحرِّم إخواننا التأويل، ولكنهم إذا وصلوا إلي آيات نفي الرؤية وأحاديثها هجموا عليها بمعاول التأويل والمغالطات بلا رحمة ولا ضابطة، حتي يجعلوا من النفي إثباتاً، وقد يجعلون من الكفر إيماناً!

تفسير آية: ما كذب الفؤاد ما رأي

قال الله تعالي: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَي. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَي. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي. إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. النجم: 1 _ 18.

قال أهل البيت: رأي ربه بفؤاده و رأي آياته بعينيه

تقدم في الفصول السابقة عدد من الأحاديث عن النبي وآله صلي الله عليه وآله في تفسير هذه الآية، ونضيف إليها هنا مايلي:

روي الصدوق في كتاب التوحيد/108:

أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسي، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

و في/116:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه عز وجل يعني بقلبه، وتصديق ذلك: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأي رسول الله صلي الله عليه وآله

ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، أي لم يره بالبصر، لكن رآه بالفؤاد.

وقد عقد الصدوق في التوحيد باباً بعنوان (ما جاء في الرؤية)/107، نورد بعض روايته قال:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله، عن آبائه عليهم السلام قال: مر النبي صلي الله عليه وآله علي رجل وهو رافع بصره إلي السماء يدعو، فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله: غض بصرك فإنك لن تراه.

وقال: ومر النبي صلي الله عليه وآله علي رجل رافع يديه إلي السماء وهو يدعو، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أقصر من يديك فإنك لن تناله.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلي أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع عليه السلام يا أبا يوسف جل سيدي وم ولأي والمنعم علي وعلي آبائي أن يري.

قال: وسألته هل رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه؟ فوقع عليه السلام إن الله تبارك وتعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبدالله عليه السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش،

والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

وفي علل الشرائع:1/131:

حدثنا محمد بن أحمد بن السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبدالله الوراق رضي الله عنهم، قالوا حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي الأسدي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن دينار، قال سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالي عن ذلك. قلت: فلم أسري بنبيه محمد صلي الله عليه وآله إلي السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي؟ قال: ذاك رسول الله صلي الله عليه وآله دنا من حجب النور فرأي ملكوت السموات، ثم تدلي صلي الله عليه وآله فنظر من تحته إلي ملكوت الأرض حتي ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدني.

ورواي النيسابوري في روضة الواعظين/33:

قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يابن عباس، تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال: إليَّ يابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن عباس: يابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع بن الازرق نحو الحسين فقال الحسين

عليه السلام: يا نافع، إن من وضع دينه علي القياس لم يزل الدهر في التباس، مائلاً علي المنهاج ظاعناً في الاعوجاج، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير منفصل، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

وقال الطوسي في تفسير التبيان:9/424:

وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأي، قال ابن عباس: رأي ربه بقلبه، وهو معني قوله علمه، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها.

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأي محمد جبرائيل علي صورته.

وقال الحسن: يعني ما رأي من مقدورات الله تعالي وملكوته.

وقال الحسن: عرج بروح محمد صلي الله عليه وآله إلي السماء وجسده في الأرض.

وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: أن الله تعالي صعد بجسمه حياً سليماً حتي رأي ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة... ومعني: ما كذب الفؤاد، أي ما توهم أنه يري شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويري الماء من بعيد فيتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه.

وفي تفسير نور الثقلين:5/155:

في تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسي الرضا عليه السلام قال قال لي: يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روي أن رسول

الله صلي الله عليه وآله رأي ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إن رسول الله صلي الله عليه وآله لما أسري به إلي السماء وبلغ عند سدرة المنتهي، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة فرأي من نور العظمة ما شاء الله أن يري وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

ورواه في بحار الأنوار:3/307، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنوية، وبالرؤية الرؤية القلبية، أو الحجب الصورية، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه.

وفي بحار الأنوار:4/37:

بيان: إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأي راجعاً إلي النبي صلي الله عليه وآله، وإلي الفؤاد. قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأي ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً، لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه، والمعني لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرئ(ما كذَّب) أي صدقه ولم يشك فيه....

قوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالي، والثاني جبرئيل عليه السلام، والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهي. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخري فيحتمل نزوله صلي الله عليه وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها علي جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه

يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلي هذا الوجه في الخبر السابق.

وروي مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبدالله: ما كذب الفؤاد ما رأي، قال: رأي جبرئيل عليه السلام له ستمائة جناح. وروي أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، ولقد رآه نزلة أخري قال: رأي جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلي الفؤاد، فعلي تقدير إرجاع الضمير إلي الله تعالي أيضاً لافساد فيه.

الرابع: أن يكون علي تقدير إرجاع الضمير إليه صلي الله عليه وآله وكون المرئي هو الله تعالي، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الانكشاف.

وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

مختصر في العقيدة لللدكتور المرتضي بن زيد المحطوري/11:

8 _ الله سبحانه وتعالي لا يري بالأبصار. لأنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُري، والدليل علي ذلك _ عقلاً ونقلاً:

دليل العقل: إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات. والله سبحانه وتعالي موجود ولم نره، ولا يصح لنا أن نراه، لأن المرئي يجب أن يكون جسماً يري، وله لون، وفي جهة من الجهات، والله سبحانه وتعالي ليس كذلك، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو

الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر علي وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها.ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فكيف يري الله والروح بعض أسراره؟

وكيف يخفي والشمس بعض آياته؟!

نراه سبحانه بعيون التصديق والإيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة، نراه بالبصائر لا بالأبصار.

ومن زعم أنه يري في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه (إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلي رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآية التي بعدها (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته.

ومن جهة ثانية: فقد ورد ناظر بمعني منتظر كما في قوله سبحانه (مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر. وكذلك قوله تعالي _ حكاية عن بلقيس _ (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ). والدليل إذا طرقه الاحتمال بطل الإستدلال به.

كما أن أهل البيت عليهم السلام مجمعون علي عدم تجويز رؤية الله، وإجماعهم حجة، كما قال ابن تيمية وغيره، والأحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض علي القرآن، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لأنها تقتضي التشبيه.

فالحديث الذي يقول (إنكم ترون ربكم كالقمر) يؤدي إلي تشبيه الله بخلقه كالقمر، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلي التشبيه والتجسيم تعالي الله عن ذلك، والأخذ بالآية المحكمة أولي من الأخذ بالمتشابه.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

صحيح مسلم:1/109:

عن أبي ذر قال سألت رسول الله (ص): هل رأيت ربك قال: نور، أني أراه!

عن

عبدالله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله(ص)لسألته، فقال عن أي شئ كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأيت نوراً.

حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي، قال أخبرني ابن مسعود أن النبي (ص)رأي جبريل له ستمائة جناح.

عن زر، عن عبدالله قال: ما كذب الفؤاد ما رأي، قال: رأي جبريل عليه السلام له ستمائة جناح.

زر بن حبيش، عن عبدالله قال: لقد رأي من آيات ربه الكبري، قال: رأي جبريل في صورته له ستمائة جناح.

عن عطاء، عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخري، قال: رأي جبريل.

عن عبد الملك عن عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

عن أبي العالية، عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأي، ولقد رآه نزلة أخري، قال: رآه بفؤاده مرتين. انتهي.

وروي الترمذي في:5/70، عدة روايات في رؤية النبي لربه في الإسراء بقلبه، وروايتين في رؤيته له بعينه، قال: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال رآه بقلبه. هذا حديث حسن....

عن قتادة، عن عبدالله ابن شقيق، قال قلت لابي ذر لو أدركت النبي (ص)لسألته، فقال عما كنت تسأله؟ قلت: أسأله هل رأي محمد ربه؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً، أني أراه! هذا حديث حسن.

عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبدالله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رأي رسول الله(ص)جبرائيل في حلة من رفرف قد ملا ما بين السماء والأرض. هذا حديث حسن صحيح.

عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأي محمد ربه، قلت أليس

الله يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، قال ويحك ذاك إذا تجلي بنوره الذي هو نوره وقد رأي محمد ربه مرتين. هذا حديث حسن غريب.

عن ابن عباس في قول الله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي، فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. قال ابن عباس: قد رآه النبي (ص). هذا حديث حسن. انتهي.

وروي أحمد في مسنده:1/223:

عن ابن عباس في قوله عز وجل: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رأي محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/123:

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبوالشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن مسعود (رض) قوله مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رأي (ص) جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملا ما بين السماء والأرض.

وأخرج مسلم وأحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رأي محمد ربه بقلبه مرتين.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رآه بقلبه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي عن بعض أصحاب النبي(ص)قال قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال سئل رسول الله (ص)هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أره غير ذلك.

وأخرج عبد بن

حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: محمد، رآه بفؤاد ولم يره بعينيه.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رآه مرتين بفؤاده.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه، وما أزعم أنه لم يره.

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله(ص)هل رأيت ربك؟ فقال نور، أني أراه؟! وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله(ص)هل رأيت ربك؟ فقال رأيت نوراً!

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.

وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأي رسول الله(ص)ربه بقلبه ولم يره ببصره.

وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رأي جبريل عليه السلام.

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأي جبريل في صورته.

وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين، فرآه في خضر يتعلق به الدر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رأي نوراً عظيماً عند سدرة المنتهي.

وأخرج أبوالشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخري، قال: رأي جبريل معلقاً رجله بسدرة عليه الدر كأنه قطر المطر علي البقل.

وأخرج أبوالشيخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي، قال: رأي رسول الله(ص)جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق يتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لايعلمه إلا

الله.

وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد، إذ يغشي السدرة ما يغشي، قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت، وقد رآها محمد بقلبه ورأي ربه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أول شأن رسول الله(ص)أنه رأي في منامه جبريل بأجياد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبريل يا محمد يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً ثلاثاً، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدي رجليه علي الأخري علي أفق السماء، فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه، فهرب النبي(ص)حتي دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس فنظر فرآه، فذلك قول الله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَ مَا غَوَي إلي قوله: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي، يعني جبريل إلي محمد، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي، يقول القاب نصف الأصبع، فأوحي إلي عبده ما أوحي، جبريل إلي عبد ربه.

وروي حديث (في حلة من رفرف) أحمد في:1/394 و/418 والحاكم:2 ص 468، وكلها عن عبدالله بن عمر، وقال الحاكم (صحيح علي شوط الشيخين ولم يخرجاه)

الجواهر الحسان للثعالبي:3 الهامش 1/252:

أنكر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حديث مشرك بن أبي خمر الذي يثبت فيه الدنو والتدلي لرب العزة، سبحانه وتعالي عما يصفون... ذهب البيهقي إلي ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ومن حملهم هذه الآيات (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي..) عن رؤية جبرئيل، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة، قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أني أراه!

مصابيح السنة للبغوي:4/30:

عن زرارة بن أوفي: أن رسول الله (ص) قال لجبرئيل: هل رأيت ربك؟

فانتفض جبرئيل وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت.

و نفي قدماء المتصوفة الرؤية بالعين في الدني

التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي المتوفي سنة 380 قال في/43:

وأجمعوا أنه لا يري في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإيقان، لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا في أفضل المكان، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق، ولما منع الله سبحانه كليمه موسي عليه السلام ذلك في الدنيا، وكان من هو دونه أحري. وأخري أن الدنيا دار فناء، ولا يجوز أن يري الباقي في الدار الفانية، ولو رأوه في الدنيا لكان الإيمان به ضرورة.

والجملة أن الله تعالي أخبر أنها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنها تكون في الدنيا فوجب الانتهاء إلي ما أخبر الله تعالي به.

واختلفوا في النبي (ص): هل رأي ربه ليلة المسري، فقال الجمهور منهم والكبار إنه لم يره محمد(ص) ببصره، ولا أحد من الخلائق في الدنيا، علي ما روي عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأي ربه فقد كذب....

وقال بعضهم: رآه النبي(ص)ليلة المسري، وإنه خص من بين الخلائق بالرؤية كما خص موسي عليه السلام بالكلام، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس، منهم أبو عبدالله القرشئ والشبلي وبعض المتأخرين.

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم يره ببصره، واستدل بقوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي.

ولا نعلم أحداً من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم من زعم أن الله تعالي يري في الدنيا أو رآه أحد من الخلق، إلا

طائفة لم يعرفوا بأعيانهم.

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفية ادعوها لأنفسهم، وقد أطبق المشايخ كلهم علي تضليل من قال ذلك وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتباً، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعي ذلك فلم يعرف الله عز وجل، وهذه كتبهم تشهد علي ذلك.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

يلاحظ أن روايات إخواننا التي ادعت أن النبي صلي الله عليه وآله رأي ربه تعالي بعينه، ورد قليل منها في حادثة الإسراء والمعراج، وأكثرها ورد في حادثة غير مفهومة ادعي راويها أنها وقعت للنبي صلي الله عليه وآله في المدينة، وبعض رواياتها نصت علي أنها منام، أو شك راويها في أن تكون في المنام.. الخ.

شرح مسلم للنووي _ الساري:2/94:

قوله عن عبدالله بن مسعود (رض) في قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال رأي جبريل له ستمائة جناح، وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلي أن المراد أنه رأي ربه سبحانه وتعالي. انتهي.

ويلاحظ أنه نسب القول بالرؤية بالعين إلي جمهور المفسرين، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموي من تلامذة كعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم! ولكنه عاد ونسبها إلي أكثر العلماء، فقال في هامش الساري:2/92:

الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأي ربه يعني بعيني رأسه ليلة الاسراء. انتهي. وهذا إن صحّ فهو يعني أن أكثرية علماء إخواننا قلدوا المفسرين من تلاميذ كعب وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة لها.

رواي أحمد في مسنده:4/66 وج 5/378 وفي:1/368:

عن أبي قلابة عن ابن عباس أن النبي(ص)قال: أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة أحسبه يعني في النوم فقال يا

محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قال قلت لا، قال النبي(ص)فوضع يده بين كتفي حتي وجدت بردها بين ثديي أو قال نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قال قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات والدرجات؟ قال المكث في المساجد والمشئ علي الأقدام إلي الجمعات وابلاغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه! وقل: يا محمد إذا أصليت اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:7/176 _ 178 بعدة روايات، وقال عن رواية ابن عايش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي... قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه رآه حتي انقطع نفس أحمد.

وروي الترمذي في سننه:5/44 وقال:

وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس.

ورواه في 2/45 وص 46 بروايتين أيضاً وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عائش، عن النبي(ص).

وقال النويري في نهاية الارب:8 جزء 16/295:

عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي... ثم ذكر قول أحمد: أنا أقول بحديث بن عباس بعينه رآه رآه، حتي انقطع نفس أحمد.

وقال السهيلي في الروض الانف:2/156 وقال: سئل ابن حنبل

عن الرؤية قال: رآه رآه رآه حتي انقطع صوته.

ورواه أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس... وروي: رأي ربه في أحسن صورة ووضع يديه بين كتفيه حتي وجد بردها بين ثدييه.

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:1/257:

وأما الروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل علي نفي الرؤية لله.

تاريخ الإسلام للذهبي:16/429:

عن نعيم عن... أم الطفيل أنها سمعت النبي (ص) يقول رأيت ربي في أحسن صورة، شاباً، موقراً، رجلاه في مخصر، عليه نعلان من ذهب.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/24:

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبدالرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي(ص)قال سمعت رسول الله(ص)يقول: رأيت ربي في أحسن صورة....

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:1/593:

إبراهيم بن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبدالله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الاسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأي ربه في صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدميه أو رجليه في خضرة.

وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسي، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي(ص)قال: رأيت ربي.

وقال أبوبكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيي بن كثير، حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتي به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت.

قال المرودي قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة! فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان، عن زيرك، عن عكرمة. وهو غريب جداً. انتهي. وروي نحوه الدارمي في سننه:2/126 والبغوي في مصابيحه:1/290 والسهيلي في الروض الأنف:1/268 وابن الاثير في أسد الغابة:3/465 وج 7/356 ورواه الهندي في كنز العمال:15/897 _ 598 وفي:16/245 _ 247 بروايات متعددة وقال في مصادره (عب، حم وعبد بن حميد، ت عن ابن عباس) (ت، ك عن معاذ) (كر) (ابن مندة، والبغوي، ق، كر). والنويري في نهاية الإرب: 8 جزء 16/295 والمنذري في الترغيب والترهيب:1/262.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:6/185

عبدالرحمن بن عائش الحضرمي، روي عنه حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.

الأحاديث القدسية من الصحاح:1/158:

حديث: أتاني ربي في أحسن صورة، أخرجه الترمذي عن ابن عباس: إن الله وضع يده علي كتف رسول الله (ص) حتي وجد رسول الله بردها بين ثدييه أو قال في خدي. وروي نحوه أيضاً في:2/44 والقسطلاني في إرشاد الساري:7/320 وص 359

وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين:2/432:

عن عبدالله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج يوماً علي أصحابه مستبشراً.. فقال لهم: إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة... فوضع يده علي كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. الخ.

وقال في:1/129:

عن عبدالرحمن بن المبارك بن فضالة عن أبيه: كان الحسن يحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأي ربه تبارك وتعالي.

وقال الطبري في تفسيره:7/162:

خالد الحلاج، قال سمعت عبدالرحمن بن عياش، يقول صلي بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم

يختصم الملأ الأعلي يا محمد؟ قلت أنت أعلم، فوضع يده علي كتفي فعلمت ما في السموات والأرض... الخ.

وقال الدميري في حياة الحيوان:2/359:

من حديث معاذ بن جبل (رض) قال: احتبس عنا رسول الله(ص)ذات غداة عن صلاة الصبح حتي كدنا نتراءي عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلي وتجوز في صلاته... ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتي استثقلت، فإذا أنا بربي تعالي في أحسن صورة! فقال يا محمد... فيم يختصم الملأ الأعلي... الخ.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/319:

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر... الخ.

وأخرج الترمذي وصححه ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبل (رض)... الخ.

وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرة (رض).... عن أبي هريرة (رض)...

وأخرج الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب....

وابن مردويه عن أنس (رض)....

وأخرج ابن نصر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة....

وأخرج الطبراني في السنة والخطيب عن أبي عبيدة بن الجراح (رض)....

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في السنة عن عبدالرحمن بن عابس الحضرمي (رض)....

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/124:

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال(ص)رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ فقلت لا يا رب، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض، فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلي الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلاً وكلمت موسي تكليماً

وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل، فأفضي إليَّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها فذلك قوله: ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني فأوحي إلي عبده ما أوحي ما كذب الفؤاد ما رأي. فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي. انتهي.

قال الذهبي في سيره:2/166:

ولم يأتنا نص جلي بأن النبي(ص)رأي الله تعالي بعينيه. وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/123:

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة، فسأله عن شئ فكبر حتي جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأي ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسي ومحمد (عليهما السلام) فرأي محمد ربه مرتين وكلم موسي مرتين.

قال مسروق فدخلت علي عائشة فقلت هل رأي محمد ربه؟ فقالت لقد تكلمت بشئ قَفَّ له شعري، قلت رويداً، ثم قرأت لقد رأي من آيات ربه الكبري، قالت أين يذهب بك! إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمداً رأي ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله إن الله عنده علم الساعة الآية، فقد أعظم الفرية، ولكنه رأي جبريل لم يره في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهي، ومرة عند جياد له ستمائة جناح قد سد الأفق.

وروي الطبري في تفسيره:9/34: ما يوهم

قرب النبي المادي من الله تعالي في الإسراء، قال: عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقربناه نجيا، قال: حدثني من لقي أصحاب النبي أنه قرب للرب حتي سمع صريف القلم من الشوق إليه. انتهي.

وروي النويري في نهاية الارب:8 جزء 16/299:

قال جعفر بن محمد... والدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود. انتهي. ويقصد بجعفر الإمام جعفر الصادق عليه السلام.

والملاحظات علي هذه الروايات كثيرة: منها تعارض نصوصها، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالي لنبيه عن اختصام الملأ الأعلي غير مفهوم، بل غير منطقي! وكذا تأخر النبي عن صلاة الصبح، وطريقة تحديثه المسلمين بالقصة، ثم شباهة متونها بأحاديث اليهود مثل قوله (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض). هذا مضافاً إلي أن بعضها خلط بين القصة المزعومة وبين روايات المعراج وآياته، والمعراج كان في مكة، وهذه القصة المزعومة في المدينة.

كل ذلك، وغيره، يوجب الشك في هذه الرواية والتريث في الحكم بصحتها، خاصة أن بعضها اشتمل علي التناقض كرواية الطبري التي يذكر في أولها أنه رآه في أحسن صورة، وفي آخرها أنه رآه بفؤاده!

وبعضها روي عن صاحبها ما يناقضها كرواية ابن عباس، وقد شهد ابن قيم أن روايتي الرؤية بالعين وضدها كلتاهما صحتا عن ابن عباس، فلابد أن تكون إحداهما مكذوبة! قال في زاد المعاد:3/29 _ 30: واختلف الصحابة رضي الله عنهم، هل رأي ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأي ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهي.

وقد علق علي ذلك ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان فقال في هامشه: لم أقف علي هذه الرواية

في الصحيح، بل الذي صح عن ابن عباس (رض) ما جاء عند مسلم في الإيمان 176 _ 285 في قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، وقوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير 3280.

ثم قال ابن قيم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله: ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال (ص): نور، أني أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية... وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالي ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالي تلك الليلة في منامه، وعلي هذا بني الإمام أحمد رحمه الله وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمد رحمه الله: إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكي عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك. انتهي.

راجع ما تقدم في أول الباب من أن جمهور الصحابة كانوا يوافقون عائشة علي نفي الرؤية بالعين.

و جهل بعضهم فنسب الدنو والتدلي إلي الله تعالي

تاريخ الإسلام للذهبي:1/267:

وقال سليمان بن بلال.. وذكر حديث الاسراء وفيه ثم عرج به محمد (ص) إلي السماء السابعة ثم علا به فوق

ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتي جاء إلي سدرة المنتهي، ودنا الجبار رب العزة فتدلي....

تفسير الطبري:12/14:

عبد الله بن عمر، قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتي يضع عليه كتفه!

الدر المنثور:6/123:

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(ص)لما عرج بي مضي جبريل حتي جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضي حتي جاء لسدرة المنتهي فدنا ربك فتدلي، فكان قاب قوسين أو أدني!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلي.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي(ص)إلي السماء فأوحي الله إلي عبده ما أوحي، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتي قضي الله إلي عبده ما قضي، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الافقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا علي صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه علي صورة دحية الكلبي، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كمايري الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

وقال السهيلي في الروض الانف:2/156:

وروي: لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهي.

وقدتقدم ذكر روايات أخري تنسب التدلي إلي الله تعالي، وتقدم عن أهل البيت عليهم السلام أن النبي صلي الله عليه وآله (دنا من حجب النور فرأي ملكوت السماوات، ثم تدلي فنظر من تحته إلي ملكوت الأرض، حتي ظن أنه في القرب من الأرض كتاب قوسين أو أدني).

و وصفوا عرشه بأنه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

الدر المنثور:6/123:

وأخرج ابن

إسحاق والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه عن عبدالله بن أبي سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلي عبدالله بن عباس يسأله هل رأي محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس: أن نعم، فرد عليه عبدالله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب علي كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهي.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالي في بازار الأحاديث، ويأتي بعصها في تفسير: الرحمن علي العرش استوي.

و قالوا رأي ربه واقفا علي أرض خضرة خلف ستر شفاف

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/124:

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأي محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه علي خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الأبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلي بنوره لا يدركه شئ! انتهي.

ومضافاً إلي تضعيف البيهقي لهذه الرواية، فإنها تحاول تفسير قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، أي لا تدرك نوره، أما ذاته تعالي فتدركها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآية، ولم يفسرها به أحد.

و حاول بعضهم أن يخفف القصة و يجعلها رؤيا في المنام

تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم (أحسبه قال في المنام).

وروي عبد الرزاق في تفسيره:2/137:

عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال: يعني في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قال النبي (ص) قلت: لا، قال النبي (ص): فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. فعلمت ما في السموات والأرض...!!

وروي ابن حبان في المجروحين:3-135:

عن أنس أن الرسول (ص) قال: أتاه ربه في المنام في أحسن صورة، حتي وضع يده بين كتفه فوجد بردها بين ثدييه.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/319:

وأخرج ابن نصر والطبراني في السنة عن ثوبان (رض)... وفي بعض روايات السيوطي أنه رآه بقلبه، وفي بعضها (فعلمت في منامي ذلك ما سألني عنه من أمر الدنيا والآخرة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلي).

تفسير آية: وجوه يومئذ ناضرة، إلي ربها ناظرة

كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الأخِرَةَ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. القيامة:20 _ 25.

تفسير أهل البيت و فقهاء مذهبهم

تفسير القمي:2/397:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ: أي مشرقة. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: قال ينظرون إلي وجه الله أي إلي رحمة الله ونعمته. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ: أي ذليلة. انتهي. ورواه في الاحتجاج:2/191 وفي تفسير نور الثقلين:5/464 وقال: وفي مجمع البيان، وقال: وروي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن علي عليه السلام.

أمالي المرتضي:1/22:

مسألة: إعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنه أصحاب الرؤية في قوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، علي وجوه معروفة، لأنهم بينوا أن النظر ليس يفيد الرؤية ولا الرؤية من أحد محتملاته، ودلوا علي أن النظر ينقسم إلي أقسام كثيرة، منها تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلباً لرؤيته، ومنها النظر الذي هو الإنتظار، ومنها النظر الذي هو التعطف والمرحمة، ومنها النظر الذي هو الفكر والتأمل، وقالوا إذا لم يكن قي أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق واحتجنا جميعاً إلي طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية.

وتأولها بعضهم علي الإنتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفاً والمنتظر منه مذكوراً، علي عادة للعرب معروفة.

وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر وحمل الآية علي رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالي عليهم، علي سبيل حذف المرئي في الحقيقة وهذا كلام مشروح في مواضعه، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة. وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلي العدول عن الظاهر أو إلي تقدير محذوف ولا يحتاج إلي

منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها، بل يصح الاعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الإنتظار بالقلب أم الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالي إلي ربها إلي أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم وفي واحدها أربع لغات: ألا مثل قفا، وألي مثل رمي، وألي مثل معي، وألَّي مثل حتَّي، قال أعشي بكر بن وائل:

أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحماً ولا يخون إلي أراد أنه لا يخون نعمة، وأراد تعالي إلي ربها فأسقط التنوين للإضافة.

فإن قيل: فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية علي أنه أراد به إلي ثواب ربها ناظرة بمعني رائية لنعمه وثوابه.

قلنا: ذلك الوجه يفتقر إلي محذوف لأنه إذا جعل إلي حرفاً ولم يعلقها بالرب تعالي فلابد من تقدير محذوف، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلي تقدير محذوف، لأن إلي فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلي تقدير غيره، والله أعلم بالصواب.

بحار الأنوار:4/28:

لي: علي بن أحمد بن موسي، عن الصوفي، عن الروياني، عن عبدالعظيم الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قال علي بن موسي الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: يعني مشرفة تنتظر ثواب ربها.

بيان: إعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الإستدلال بتلك الآية علي جواز الرؤية وجوها:

الأول: ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله تعالي: فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. روي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن علي عليه السلام، واعترض عليه بأن النظر بمعني الإنتظار لا يتعدي بإلي، وأجيب بأن تعديته

بهذا المعني بإلي كثيرة، كما قال الشاعر:

إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلي الغني الموسر

وقال آخر:

ويوم بذي قار رأيت وجوههم إلي الموت من وقع السيوف نواظر

والشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه، ويحكي عن الخليل أنه قال: يقال: نظرت إلي فلان بمعني انتظرته، وعن ابن عباس أنه قال: العرب تقول إنما أنظر إلي الله ثم إلي فلان، وهذا يعم الاعمي والبصير، فيقولون: عيني شاخصة إلي فلان وطامحة إليك، ونظري إلي الله وإليك....

الثاني: أن يكون فيه حذف مضاف أي إلي ثواب ربها، أي هي ناظرة إلي نعيم الجنة حالاً بعد حال، فيزداد بذلك سرورها، وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه، روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.

الثالث: أن تكون إلي بمعني عند، وهو معني معروف عند النحاة وله شواهد، كقول الشاعر:

فهل لكم فيما إلي فإنني طبيب بما أعيي النطاسي حذيم

أي فيما عندي، وعلي هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة. والأول أظهر.

الرابع: أن يكون النظر إلي الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق الجسمانية، فكأنها ناظرة إليه تعالي كقوله صلي الله عليه وآله: أعبد الله كأنك تراه.

وقال السيد شرف الدين في كتاب أبو هريرة:1/61:

أما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور علي إمكانها في الدنيا والآخرة، وأجمعوا أيضاً علي وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، وأن الكافرين والكافرات لا يرونه أبداً. وأكثر هؤلاء علي أن الرؤية لا تقع في الدنيا، وربما قال بعضهم بوقوعها أيضاً.

ثم أن المجسمة يرونه ماثلاً أمامهم فينظرون إليه كما ينظر بعضهم إلي بعض، لا يمارون فيه كما لا يمارون في

الشمس والقمر ليس دونهما سحاب، علي ما يقتضيه حديث أبي هريرة. وقد خالف هؤلاء حكم العقل والنقل، وخرقوا إجماع الأمة بأسرها، وخرجوا عليها ومرقوا من الدين، وخالفوا ما علم منه بحكم الضرورة الإسلامية، فلا كلام لنا معهم.

وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعرية فقد قالوا بأن الرؤية قوة سيجعلها الله تعالي يوم القيامة بأبصار المؤمنين والمؤمنات خاصة، لا تكون بإتصال الأشعة، ولا بمقابلة المرئي ولا بتحيزه ولا بتكيفه، ولا، ولا، فهي علي غير الرؤية المعهودة للناس، بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات علي الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست.

وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصوره متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا علي وجه تكون فيه الرؤية البصرية كالرؤية القلبية، وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال. ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الأمر لفظي. انتهي.

وقد بيننا في تفسير لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، أن محاولة جعل الرؤية بحاسة أخري كالعين خروج عن الموضوع، وأن روايات إخواننا تأبي ذلك لأنها ظاهرة في الرؤية بالعين المتعارفة.

رؤية العارفين بقلوبهم أرقي من الرؤية البصرية

روي الصدوق في التوحيد/117:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متي؟ قال: حين قال لهم:

أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعني ما تقوله، ثم قدَّر أن ذلك تشبيه كفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالي الله عما يصفه المشبهون والملحدون. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/44.

التحفة السنية/84:

ومن ثمت كان العلم الحاصل من الرؤية ألذ من العلم الحاصل من غيرها لازدياد الكشف فيها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن، فاللذة الزايدة إنما هي باعتبار هذا الإنكشاف الزايد من تصور معشوقه في خياله، فإنه يلتذ بتصوره لا محالة.

لكن لا نسبة لهذه اللذة إلي اللذة الحاصلة من مشاهدته رأي العين، وحيث أنها أقوي طرق الإنكشاف ربما يعبر عن مطلق الإنكشاف التام بأي طريق حصل بالرؤية والنظر كما في قوله سبحانه: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وما ورد من بعض الطرق: أن رسول الله صلي الله عليه وآله رأي ربه ليلة المعراج ونحو ذلك، لتطابق العقل والنقل علي امتناع الرؤية الحسية في حقه تعالي، لاشتراطها بالوضع والجهة وكثافة المرئي وغير ذلك. فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتني بتصحيح كلامهم: غاية الإنكشاف التام الذي لا يكون ما فوقه مجازاً مقبولاً لوجود العلاقة البينة، إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية، وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتماداً علي وضوح القرينة وهي اشتراط الحسية بما يمتنع في حقه سبحانه.

وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: لم أعبد رباً لم أره، لا تدركه

العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الإيمان، حيث أثبت عليه السلام الرؤية أولاً، ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لأنها المتبادر، إلي القلبية.

شرح الأسماء الحسني:1/185-191:

... ومنها قوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وجه الإحتجاج: أن النظر في اللغة جاء بمعني الإنتظار ويتعدي بنفسه، وبمعني التفكر ويستعمل بفي، وبمعني الرأفة ويستعمل باللام، وبمعني الرؤية ويستعمل بإلي كما في الآية، فوجب حمله علي الرؤية كما قيل.

ويظهر من صاحب القاموس أن النظر المتعدي بنفسه يجي بمعني الرؤية أيضاً، وجعله من باب الحذف والإيصال خلاف الأصل، وأنه جاء بمعني الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال: نظره كضربه وسمعه، وإليه نظراً ومنظراً ونظراناً ومنظرة وتنظاراً: تأمله بعينه كتنظره، والأرض أرت العين نباتها، ولهم: أعانهم، وبينهم: حكم.انتهي.

واعترض علي هذا الدليل أيضاً بأن النظر لا يدل علي الرؤية، فإن النظر تقليب الحدقة نحو المرئي. بل ادعي بعضهم أن النظر المستعمل بإلي موضوع لذلك ولتحققه بدونها، يقال نظرت إلي الهلال فما رأيته، ولو كان بمعني الرؤية لكان تناقضاً، ولم أزل أنظر إلي الهلال حتي رأيته، ولو حمل علي الرؤية لكان الشي غاية لنفسه.

أقول: يمكن جعله من باب الإكتفاء بالمراد عن الإرادة، كقوله تعالي: إِذَا قُمْتُمْ إلي الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وهذا باب واسع كما في المغني وغيره، فمعني قولهم نظرت إلي الهلال فما رأيته أردت رؤية الهلال فما رأيته، وهكذا في الآخر، بل في كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة، فالنظر محمول علي معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الإرادة، بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها، الرؤية. وأجيب أيضاً: بأن معني قولهم نظرت إلي الهلال فما رأيته ونحوه، نظرت

إلي مطلع الهلال.

واعترض أيضاً علي هذا الدليل بأنا لا نسلم أن لفظة إلي صلة للنظر، بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعني الإنتظار، أي نعمة ربها منتظرة، ولو سلم فالنظر الموصول بإلي قد جاء للانتظار قال الشاعر:

وشعث ينظرون إلي هلال كما نظر الظما حب الغمام

والجواب: أما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر المستعمل بإلي بمعني الإنتظار مما لم يثبت عند البلغاء، وأما عن الأول فبأن انتظار النعمة غم، بل قيل الإنتظار موت أحمر، والآية مسوقة لبيان النعم.

وهذا الجواب زيف، لأن الآية دالة علي أن الحالة التي عبر عنها بقوله سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، سابقة علي حالة استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، بقرينة المقابلة لقوله تعالي: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، أي تظن أن يفعل بها فعل هو في شدته وفظاعته داهية فاقرة تقصم فقار الظهر، ولم يفعل بها بعد، وحينئذ كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سروراً يستتبع نضارة الوجه، كما أن انتظار إكرام الملك لا يكون موجباً للغم إذا تيقن وصوله إليه.

بل الحق في الجواب أن كون إلي في الآية بمعني النعمة لا يخفي بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به، ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

أورد السيوطي في الدر المنثور:6/290 _ أكثر من ثلاثين رواية وقولاً في تفسير قوله تعالي: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، منها روايتان توافقان مذهبنا وهما:

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي صالح (رض) في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال: حسنة، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: قال: تنتظر الثواب من ربها... وأخرج ابن جرير عن مجاهد

(رض) في قوله: إلي ربها ناظرة، قال: تنتظر منه الثواب. انتهي.

وستأتي بقية رواياته التي فيها تجسيم. وقد تقدم عدد من رواياتهم النافية لامكان الرؤية بالعين في تفسير لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، كرواية أبي سعيد الخدري في الدر المنثور:3/37 وغيرها.

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/583:

وأما في الآخرة فذهب جمهور أهل السنة إلي إثبات رؤية الله تعالي للمؤمنين في الجنة، واحتجوا بقوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وبقوله تعالي عن الكافرين: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، وبحديث: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر، وفي رواية: كما ترون الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب، وهو في البخاري ومسلم.

وخالفهم في ذلك جماعة من أهل السنة والجماعة وغيرهم كالسيدة عائشة رضي الله عنها ومجاهد وأبي صالح السمان وعكرمة وغيرهم، وكذا المعتزلة والأباضية والزيدية، واحتجوا بقول الله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، وأوَّلوا الآيات التي احتج بها جمهور أهل السنة بأن المراد بالآية هو: وجوه ناضرة مسرورة لأنها تنظر ثواب ربها وعطاءه وجنته وإنعامه، كما أنه هناك بالمقابل وجوه يومئذ باسرة عابسة تظن أن يفعل بها فاقرة أي مصابة بداهية كبيرة، وهذا الكلام هو بيان ما يكون في أرض المحشر، وحال المؤمنين والكافرين يومئذ، والرؤيا إنما تكون في الجنة.

قالوا: فالمقام هنا مقام مقابلة بين وجوه تنتظر الثواب ووجوه تنتظر العقاب، ورؤية الله تعالي غير مرادة هنا وخصوصاً أن الكلام يتعلق بالموقف قبل الدخول للجنة والنار، وأنتم _ يا جمهور أهل السنة والجماعة - تقولون بأن الرؤية إنما تتم في الجنة لا في أرض المحشر، وهذا الكلام يتعلق في أرض المحشر.

ورد هؤلاء علي من قال من أهل السنة بأن

لفظ (ناظرة) لا تأتي عربية بمعني منتظرة، فقالوا: إن ذلك ليس صحيحاً، بل قد ورد القرآن الكريم بإثبات أن معني ناظرة منتظرة! من ذلك قوله تعالي عن بلقيس: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بهم يرجع المرسلون. النمل: 35، أي منتظرة بم يرجع المرسلون، وهو واضح ظاهر.

كذلك قالوا بأن المراد بقله تعالي: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، أي عن ثواب ربهم وإكرامه وإنعامه، والحجاب أيضاً هو عن كلامه لا عن رؤيته، لأن الله تعالي يقول وهو أصدق القائلين: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ. البقرة: 174

ثم قال في آخر بحثه/590 فتبين من هذا كله أن هذه الآيات لا يصح الإستدلال بها في مسألة إثبات الرؤية، والله تعالي الموفق. انتهي.

ونؤكد هنا علي ضرورة ملاحظة قوله تعالي (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) الذي يدل علي أن هذا المشهد أحد مشاهد المحشر قبل دخول الجنة والنار كما روي عن علي عليه السلام. وهذا قرينة علي أن (ناظرة) بمعني منتظرة. ودليل علي أن الذين فسروها بالنظر إلي الله تعالي في الجنة لم يلتفتوا إلي بقية الآيات!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

صحيح البخاري:8/179:

باب قول الله تعالي وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ... عن جرير قال كنا جلوساً عند النبي(ص)إذ نظر إلي القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا علي صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا.

سنن الترمذي:4/93:

عن إسرائيل، عن ثوير، قال سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله (ص): إن أدني أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلي جنانه وزوجاته ونعيمه وخدمه وسرره مسير ألف سنة، وأكرمهم علي الله

من ينظر إلي وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله (ص): وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعاً. ورواه عبدالملك بن أبجر عن ثوير، عن ابن عمر موقوفاً. ورواه عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه.

سنن الترمذي:5/103:

عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول... الخ. هذا حديث غريب، وقد روي غير واحد عن إسرائيل مثل هذا مرفوعاً، وروي عبد الملك بن الجبر عن ثوير، عن ابن عمر قوله ولم يرفعه. وروي الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه، ولا نعلم أحداً ذكر فيه عن مجاهد غير الثوري. انتهي. ورواه أحمد في:2/64 ورواه الحاكم في المستدرك:2/509، ولكن فيه (ألفي سنة) بدل ألف سنة، قال: عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن أدني أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يري أقصاه كما يري أدناه، ينظر في أزواجه وخدمه وسرره.

وقال السيوطي في الدرالمنثور:3/37:

وأخرج أبوالشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: في الدنيا، وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة، يقول الله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.، قال ينظر إلي وجه الله.

وقد استعرض السيوطي في الدر المنثور:6/290، أكثر رواياتهم وأقوالهم في تفسير الآية، وقد تقدم منها ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم السلام، ونورد فيما يلي بقيتها، ونلاحظ أن أكثرها غير مسند إلي النبي صلي الله عليه وآله، بل هو أقوال مفسرين،

وأكثرهم علماء سلطة أو معادون لأهل البيت (عليهم السلام). قال السيوطي في:6/290:

وأخرج ابن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال يعني حسنها، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: نظرت إلي الخالق.

وأخرج ابن المنذر والآجري عن محمد بن كعب القرظي في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليه.

وأخرج ابن المنذر والآجري واللالكائي والبيهقي عن عكرمة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال: ناضرة من النعيم، إلي ربها ناظرة، قال: تنظر إلي الله نظراً.

وأخرج الدار قطني والآجري واللالكائي والبيهقي عن الحسن في الآية قال: النضرة الحسن، نظرت إلي ربها فنضرت بنوره.

وأخرج ابن جرير عن الحسن، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ: يقول حسنة، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: تنظر إلي الخالق.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال مسرورة. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال أنظر ماذا أعطي الله عبده من النور في عينيه أن لو جعل نور أعين جميع خلق الله من الإنس والجن والدواب وكل شئ خلق الله فجعل نور أعينهم في عيني عبد من عباده ثم كشف عن الشمس ستراً واحداً ودونها سبعون ستراً ما قدر علي أن ينظر إلي الشمس، والشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الستر. قال عكرمة: أنظروا ماذا أعطي الله عبده من النور في عينيه أن نظر إلي وجه الرب الكريم عياناً.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: تنظر إلي وجه ربها.

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن

مالك قال قال رسول الله(ص)في قول الله وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة قال: ينظرون إلي ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة. (وهل لهذا معني مفهوم غير النظر بالقلب؟!)

وأخرج الدارقطني والخطيب عن أنس أن النبي(ص)أقرأه هذه الآية: وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها، يزورون ربهم تبارك وتعالي فيطعمون ويسقون ويتطيبون ويحلون، ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل، وذلك قوله عز وجل: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا.

وأخرج أبوالشيخ عن الحسن (رض) قال: أول من ينظر إلي الله تبارك وتعالي الأعمي.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن موسي بن صالح بن الصباح قال: إذا كان يوم القيامة يؤتي بأهل ولاية الله فيقومون بين يديه ثلاثة أصناف، فيؤتي برجل من الصنف الأول فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليها... ثم يؤتي برجل من الصنف الثالث فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول ربي حباً لك وشوقاً إليك وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليك وحباً لك، فيقول الله عبدي إنما عملت شوقاً إلي وحباً لي، فيتجلي له الرب فيقول ها أنا ذا أنظر إليَّ! ثم يقول فضلي عليك أن أعتقك من النار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وأسلم عليك بنفسي، فيدخل هو ومن معه الجنة.

الجواهر الحسان للثعالبي:3/416:

قوله تعالي: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، حمل جميع أهل السنة هذه الآية علي أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز وجل بلا تكييف ولا تحديد. انتهي. ولكن هل ذلك نظراً بالعين!

تفسير الطبري:29/119:

عن مجاهد في: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال

مسرورة. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: إلي ربها نظراً.

وقال ابن حزم في المحلي:1/34:

مسألة: وأن الله تعالي يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة. قال عز وجل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ... ولو كانت هذه القوة لكانت لا تقع إلا علي الالوان، تعالي الله عن ذلك. وأما الكفار فإن الله عز وجل قال: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ. انتهي. وقد اضطر ابن حزم أن يجعل الرؤية غير بصرية وأن يوافق أهل البيت (عليهم السلام).

وقال القسطلاني في إرشاد الساري:10/398:

قوله تعالي (إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وقال القاضي: تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه. انتهي. وهي رؤية غير بصرية كما تري.

وقال الألباني في فتاويه/143:

إن عقيدة رؤية الله لم ترد في السنة فقط حتي تشككوا فيها، إن هذه العقيدة أيضاً قد جاءت في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله... إن قوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، هي وجوه المؤمنين قطعاً إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ... المعتزلة والشيعة جاءوا بفلسفة ففسروا: وجوه إلي ربها ناظرة، أي إلي نعيم ربها ناظرة، أعطوا دلالة الآية ورفضوا التفسير الثاني للذين أحسنوا، وهذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحيحة. انتهي.

وبذلك كشف الشيخ الالباني حقيقة موقف القائلين بالرؤية، فقد اعترف بأن تفسير (ناظرة) بالنظر المعنوي يحقق الانسجام والتوافق بين الآيات المحكمات مثل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، وبين هذه الآية. ولكن الخطر كل الخطر منه علي (السنة الشريفة) أن يهدمها معول تأويل هذه الآية!

فلماذا يا تري يهتمون بالمحافظة علي روايات الرؤية ويخافون أن تهدم، ولا يهتمون بالآيات المحكمات النافية للرؤية ولايخافون أن تهدم!

ثم إن أحاديث السنة عند إخواننا منها

ما ينفي الرؤية بالعين مطلقاً ومنها ما يثبتها صراحة، وجميعها في البخاري، الكتاب المعصوم بزعمهم من الجلد إلي الجلد، فكيف صار بعض البخاري سنة يجب أن يحفظ من خطر الهدم وبعضه سنة لا مانع أن يهدم، وتهدم معه آيات محكمات!

لعل جوابهم: أن الذين رووا أحاديث نفي الرؤية عن النبي هم عائشة وعدد من الصحابة وأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله، بينما الذين رووا أحاديث الرؤية الخليفة عمر والمقربون منه، وعند التعارض يجب أن نحافظ علي روايات عمر ولا نسمح لاحد أن يهدمها أو يمسها، ويجب أن نعمل معول التأويل أو الهدم في آيات نفي الرؤية وأحاديثها لكي تخضع لما قاله كعب الأحبار والخليفة عمر ومن وافقهما!

بل الظاهر أنه لا مانع عند إخواننا من أن ترد أقوال كل الصحابة وأن تهدم عصمة البخاري برد بعض أحاديثه، لأنهم إنما يريدون عصمة البخاري من أجل عصمة المولي عمر! إنهم يقولون: الخليفة قال برؤية الله بالعين، والقول ما قاله عمر، وانتهي الكلام.

وإذا وصل الأمر إلي هذا، فعلي المسلم أن يسكت كما سكت نبيه صلي الله عليه وآله وهو علي فراش الموت عندما صاحوا في وجهه (القول ما قاله عمر) عندما كرروا شعارهم في وجهه قال لهم: قوموا عني! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

تفسير آيات التجلي لموسي

قال اللّه تعالي: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسَي صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. الأعراف: 143.

قال أهل البيت: تجلي بنوره الذي خلقه، لا بذاته

الامام الرضا يدفع التهم عن الأنبياء

روي الصدوق في كتابه التوحيد/118-122:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبدالله بن عباس في قوله عز وجل: «فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا تري.

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب (رض): إن موسي عليه السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسي ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ، في حال تدكدكه فسوف تراني. ومعناه أنك لا تراني أبداً، لأن الجبل لا يكون ساكناً متحركاً في حال أبداً، وهذا مثل قوله عز وجل: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً.

فلما تجلي ربه للجبل: أي ظهر بآية من آياته، وتلك الآية نور من

الأنوار التي خلقها ألقي منها علي ذلك الجبل، فجعله دكا وخر موسي صعقا، من هول تدكدك ذلك الجبل علي عظمه وكبره، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، أي رجعت إلي معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبياء لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدباً أن يستعمله ويأخذ به نفسه متي أراد أن يسأله.

علي أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز علي الله عز وجل.

وقوله: وأنا أول المؤمنين، يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه، بأنك لا تري.

والأخبار التي رويت في هذا المعني وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم....

ومعني الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك، وتعلم به حقيقة قدرة الله عز وجل.

وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، فمعني ما روي في الحديث أنه عز وجل يري أي يعلم علماً يقينياً، كقوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إلي رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ. وقوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وقوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ:

وقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين.

وأما قول الله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، فمعناه: لما ظهر عز وجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي تكون بها الجبال سراباً، والذي ينسف بها الجبال نسفاً، تدكدك الجبل فصار تراباً، لأنه لم يطق حمل تلك الآية، وقد قيل إنه بدا له نور العرش....

وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم القرشئ، عن أبيه، عن حمدان بن سليمان، عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسي (عليهم السلام) فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون قال: بلي، فسأله عن آيات من القرآن فكان فيما سأل أن قال له: فما معني قول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي، الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسي بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تعالي ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتي يسأله عن هذا السؤال.

فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسي بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالي عن أن يري بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلي قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتي نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفاً، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربه، فخرج بهم إلي طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسي عليه السلام إلي الطور،

وسأل الله تبارك وتعالي أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالي ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثاً منها حتي سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتي نري الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسي: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لانك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله، إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لوسألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته! فقال موسي عليه السلام: يا قوم إن الله لا يري بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه. فقالوا: لن نؤمن لك حتي تسأله فقال موسي عليه السلام: يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحي الله جل جلاله إليه: يا موسي اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسي عليه السلام: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ، وهو يهوي، فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَي صَعِقًا، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، يقول: رجعت إلي معرفتي بك عن جهل قومي، وأنا أول المؤمنين، منهم بأنك لا تري.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن... الخبر...

ولو أوردت الأخبار التي رويت في معني الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالي ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن

الأئمة (عليهم السلام)بالاسانيد الصحيحة وسلم لهم، ورد الأمر فيما اشتبه عليه إليهم، إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلي الله عز وجل وأعلمهم به، صلوات الله عليهم أجمعين.

وقال في علل الشرائع:2/497:

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي العلوي الحسيني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أسباط قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان قال: حدثني أبوالطيب أحمد بن محمد بن عبدالله قال حدثني عيسي بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام أنه سئل مم خلق الله الذر الذي يدخل في كوة البيت؟ فقال: إن موسي عليه السلام: لما قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قال الله تعالي: إن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوي علي أن تنظر إلي، وإن لم يستقر فلا تطيق إبصاري لضعفك، فلما تجلي الله تبارك وتعالي للجبل تقطع ثلاث قطع، فقطعة ارتفعت في السماء، وقطعة غاصت تحت الأرض، وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلك الغبار، غبار الجبل.

تفسير العياشي:2/26:

عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليه السلام قال: لما سأل موسي ربه تبارك وتعالي: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، قال: فلما صعد موسي علي الجبل فتحت أبواب السماء وأقبلت الملائكة أفواجاً في أيديهم العمد وفي رأسها النور، يمرون به فوجاً بعد فوج يقولون: يابن عمران أثبت فقد سألت عظيماً، قال: فلم يزل موسي واقفاً حتي تجلي ربنا جل جلاله، فجعل الجبل دكاً وخر موسي صعقاً، فلما أن رد الله إليه روحه أفاق قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.

قال ابن أبي عمير: وحدثني عدة من أصحابنا أن النار أحاطت به، حتي لا يهرب من هول ما رأي.

وقال الشريف المرتضي في أماليه:4/125:

فإن قيل: كيف يجوز منه عليه الصلاة والسلام مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالي أن يسأل فيها لقومه، ولئن جاز ذلك ليجوزن أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه تعالي من كونه جسماً وما أشبهه متي شكوا فيه.

قلنا: إنما صح ما ذكرناه في الرؤية ولم يصح فيما سألت عنه لأنه مع الشك في جواز الرؤية التي لا يقتضي كونه جسماً يمكن معرفة السمع وأنه تعالي حكيم صادق في إخباره، فيصح أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالي استحالة ما شكوا في صحته وجوازه، ومع الشك في كونه جسماً لا يصح معرفة السمع فلا يقع بجوابه انتفاع ولا علم..

وقد قال بعض من تكلم في هذه الآية قد كان جائزاً أن يسأل موسي عليه السلام لقومه ما يعلم استحالته وإن كانت دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متي كان المعلوم أن في ذلك صلاحاً للمكلفين في الدين، وإن ورود الجواب يكون لطفاً لهم في النظر في الأدلة وإصابة الحق منها، غير أن من أجاب بذلك شرط أن يتبين في مسألة علمه باستحالة ما سأل عنه وأن غرضه في السؤال ورود الجواب ليكون لطفاً..

والجواب الثاني في الآية أن يكون موسي عليه السلام إنما سأل ربه أن يعلمه نفسه ضرورةً بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلي المعرفة فتزول عنه الدواعي والشكوك والشبهات ويستغني عن الإستدلال فتخف المحنة عليه بذلك، كما سأل إبراهيم عليه السلام ربه تعالي أن يريه كيف يحيي الموتي طلباً للتخفيف عليه بذلك، وإن كان قد عرف ذلك قبل

أن يراه، والسؤال إن وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية تفيد العلم كما تفيد الإدراك بالبصر، وذلك أظهر من أن يستدل عليه أو يستشهد به، فقال له جل وعز: لن تراني، أي لن تعلمني علي هذا الوجه الذي التمسته مني، ثم أكد تعالي ذلك بأن أظهر في الجبل من آياته وعجائبه ما دل به علي أن إظهار ما تقوم به المعرفة الضرورية في الدنيا مع التكليف وبيانه لا يجوز، وأن الحكمة تمنع منه.

والوجه الأول أولي لما ذكرناه من الوجوه ولانه لا يخلو موسي عليه السلام من أن يكون شاكاً في أن المعرفة ضرورية لا يصح حصولها في الدنيا أو عالماً بذلك، فإن كان شاكاً فهذا مما لا يجوز علي النبي صلي الله عليه وآله، لأن الشك فيما يرجع إلي أصول الديانات وقواعد التكليف لا يجوز عليهم سلام الله عليهم، لا سيما وقد يجوز أن يعلم ذلك علي الحقيقة بعض أمتهم فيزيد عليهم في المعرفة، وهذا أبلغ في التنفير عنهم من كل شئ يمنع منه فيهم. وإن كان عالماً فلا وجه لسؤاله إلا أن يقال إنه سأل لقومه، فيعود إلي معني الجواب الأول.

والجواب الثالث في الآية، ما حكي عن بعض من تكلم في هذه الآية من أهل التوحيد وهو أن قال: يجوز أن يكون موسي عليه السلام في وقت مسألته ذلك كان شاكاً في جواز الرؤية علي الله تعالي فسأل ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا، قال وليس شكه في ذلك بمانع من أن يعرف الله تعالي بصفاته بل يجري مجري شكه في جواز الرؤية علي بعض ما لا يري من الاعراض في أنه غير مخل بما يحتاج إليه في معرفته تعالي.

قال: ولا

يمتنع أن يكون غلطه في ذلك ذنباً صغيراً وتكون التوبة الواقعة منه لاجل ذلك.

وهذا الجواب يبعد من قبل أن الشك في جواز الرؤية التي لاتقتضي تشبيهاً، وإن كان لا يمنع من معرفته تعالي بصفاته فإن الشك في ذلك لا يجوز علي الأنبياء (عليهم السلام)من حيث يجوز من بعض من بعثوا إليه أن يعرف ذلك علي الحقيقة فيكون النبي صلي الله عليه شاكاً فيه وغيره عارفاً به مع رجوعه إلي المعرفة بالله تعالي وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، وهذا أقوي في التنفير وأزيد علي كل ما وجب أن يجنبه الأنبياء (عليهم السلام).

فإن قيل: فعن أي شئ كانت توبة موسي عليه السلام علي الجوابين المتقدمين؟

قلنا: أما من ذهب إلي أن المسألة كانت لقومه، فإنه يقول إنما تاب لأنه أقدم علي أن سأل علي لسان قومه ما لم يؤذن له فيه، وليس للأنبياء ذلك لأنه لا يؤمن أن يكون الصلاح في المنع منه فيكون ترك إجابتهم إليه منفراً عنهم. ومن ذهب إلي أنه سأل المعرفة الضرورية يقول إنه تاب من حيث سأل معرفة لا يقتضيها التكليف. وعلي جميع الأحوال تكون التوبة من ذنب صغير لا يستحق عليه العقاب ولا الذم.

والأولي أن يقال في توبته عليه الصلاة والسلام: إنه ليس في الآية ما يقتضي أن تكون التوبة وقعت من المسألة أو من أمر يرجع إليها، وقد يجوز أن يكون ذلك منه إما لذنب صغير تقدم تلك الحال أو تقدم النبوة، فلا يرجع إلي سؤال الله تعالي الرؤيا أو ما أظهره من التوبة علي سبيل الرجوع إلي الله تعالي وإظهار الإنقطاع إليه والتقرب منه وإن لم يكن هناك ذنب صغير، وقد يجوز أيضاً أن

يكون الغرض في ذلك مضافاً إلي ما قلناه تعليماً وتوقيفاً علي ما نستعمله وندعوه به عند الشدائد ونزول الأهوال وتنبيه القوم المخطئين خاصة علي التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه تعالي، فإن الأنبياء(عليهم السلام) وإن لم يقع منهم القبيح عندنا فقد يقع من غيرهم ويحتاج من رفع ذلك عنه إلي التوبة من الإستقالة..

فأما قوله تعالي: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، فإن التجلي هاهنا هو التعريف والإعلام والإظهار لما يقتضي المعرفة، كقولهم هذا كلام جلي أي واضح ظاهر، وكقول الشاعر:

تجلي لنا بالمشرفية والقنا وقد كان عن وقع الاسنة نائي

أراد أن تدبيره دل عليه حتي علم أنه المدبر له وإن كان نائياً فأقام ما أظهره من دلالة فعله علي مقام مشاهدته وعبر عنه بأنه تجلي منه.

وفي قوله تعالي (للجبل) وجهان، أحدهما، أن يكون المراد لأهل الجبل ومن كان عند الجبل فحذف كما قال تعالي: واسأل القرية، وما بكت عليهم السماء والأرض، وقد علمنا أنه بما أظهره من الآيات إنما دل من كان عند الجبل علي أن رؤيته تعالي غير جائزة. والوجه الآخر، أن يكون المعني للجبل أي بالجبل، فأقام اللام مقام الباء كما قال تعالي: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ، أي به، وكما تقول: أخذتك لجرمك أي بجرمك، ولما كانت الآية الدالة علي منع ما سأل إنما حلت الجبل وظهرت فيه جاز أن يضاف التجلي إليه.

وقد استدل بهذه الآية كثير من العلماء الموحدين علي أنه تعالي لا يري بالأبصار من حيث نفي الرؤية نفياً عاماً بقوله تعالي: لَنْ تَرَانِي، ثم أكد ذلك بأن علق الرؤية باستقرار الجبل الذي علمنا أنه لم يستقر، وهذه طريقة للعرب معروفة في تبعيد الشئ لأنهم يعلقونه

بما يعلم أنه لا يكون كقولهم: لا كلمتك ما أضاء الفجر وطلعت الشمس، وكقول الشاعر:

إذا شاب الغراب رجوت أهلي وصار القير كاللبن الحليب

بحار الأنوار:3/45: أورد رواية الصدوق الأولي عن الأمالي والتوحيد وقال:

بيان: إعلم أن المنكرين للرؤية والمثبتين لها كليهما استدلوا بما ورد في تلك القصة علي مطلوبهم، فأما المثبتون فاحتجوا بها بوجهين:

الأول: أن موسي عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالي مرئياً لما سأل، لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال لأنه عبث، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز علي الله تعالي ويمتنع لا يكون نبياً كليماً.

وأجيب عنه بوجوه: الأول: ما ورد في هذا الخبر من أن السؤال إنما كان بسبب قومه لا لنفسه، لأنه كان عالماً بامتناعها، وهذا أظهر الوجوه واختاره السيد الأجل المرتضي في كتابي تنزيه الأنبياء وغرر الفوائد، وأيده بوجوه:

منها، حكاية طلب الرؤية من بني إسرائيل في مواضع كقوله تعالي: فقد سألوا موسي أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم. وقوله تعالي: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَي أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ؟؟ وأنتم تنظرون؟؟. ومنها، أن موسي عليه السلام أضاف ذلك إلي السفهاء، قال الله تعالي: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا. وإضافة ذلك إلي السفهاء تدل علي أنه كان بسببهم ومن أجلهم حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالي.

فإن قيل: فلم أضاف السؤال إلي نفسه ووقع الجواب مختصاً به.

قلنا: لا يمتنع وقوع الإضافة علي هذا الوجه، مع أن السؤال كان لأجل الغير إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس،

فلهذا يقول أحدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع إليه: أسألك أن تفعل بي كذا وتجيبني إلي ذلك، ويحسن أن يقول المشفوع إليه: قد أجبتك وشفعتك، وما جري مجري ذلك، علي أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب.

وأما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير، فأي جرم كان لموسي حتي تاب منه؟

فأجاب رحمه الله بحمل التوبة علي معناها اللغوي أي الرجوع، أي كنت قطعت النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك، وسألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة في ذلك تركت هذا السؤال ورجعت إلي معرفتي بعدم جواز رؤيتك وما تقتضيه من عدم السؤال.

وأجاب السيد قدس الله روحه عنه بأنه يجوز أن يكون التوبة لأمر آخر غير هذا الطلب، أو يكون ما أظهره من التوبة علي سبيل الرجوع إلي الله تعالي، وإظهار الانقطاع إليه والتقرب منه وإن لم يكن هناك ذنب.

والحاصل أن الغرض من ذلك إنشاء التذلل والخضوع، ويجوز أن يضاف إلي ذلك تنبيه القوم المخطئين علي التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه. بل أقول يحتمل أن تكون التوبة من قبلهم كما كان السؤال كذلك.

الثاني: أنه عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها، وإطلاق اسم الملزوم علي اللازم شائع سيما استعمال رأي بمعني علم وأري بمعني أعلم، والحاصل أنه سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلي المعرفة، فتزول عنه الدواعي والشكوك، ويستغني عن الإستدلال كما سأل إبراهيم عليه السلام: رب أرني كيف تحيي الموتي.

الثالث: أن في الكلام مضافاً محذوفاً أي أرني آية من آياتك أنظر إلي آيتك، وحاصله يرجع إلي

الثاني.

الرابع: أنه عليه السلام سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل العقل والسمع، كما في طلب إبراهيم عليه السلام، وحاصله يرجع إلي منع أن العاقل لا يطلب المحال الذي علم استحالته إذ يمكن أن يكون الطلب لغرض آخر غير حصول المطلوب، فلا يلزم العبث لجواز ترتب غرض آخر عليه، والعبث ما لا فائدة فيه أصلاً، ولعل في هذا السؤال فوائد عظيمة سوي ما ذكر أيضاً ولا يلزمنا تعيين الفائدة بل علي المستدل أن يدل علي انتفائها مطلقاً، ونحن من وراء المنع، ومما يستغرب من الأشاعرة أنهم أجمعوا علي أن الطلب غير الإرادة، واحتجوا عليه بأن الأمر ربما أمر عبده بأمر وهو لا يريده، بل يريد نقيضه، ثم يقولون هاهنا: بأن طلب ما علم استحالته لا يتأتي من العاقل.

الثاني من وجهي احتجاجهم: هو أنه تعالي علق الرؤية علي استقرار الجبل وهو أمر ممكن في نفسه، والمعلق علي الممكن ممكن، لأن معني التعليق أن المعلق يقع علي تقدير وقوع المعلق عليه، والمحال لا يقع علي شئ من التقادير.

ويمكن الجواب عنه بوجوه، أوجهها أن يقال: التعليق إما أن يكون الغرض منه بيان وقت المعلق وتحديد وقوعه بزمان وشرط، ومن البينِّ أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. وإما أن يكون المطلوب فيه مجرد بيان تحقق الملازمة وعلاقة الاستلزام بأن يكون لافادة النسبة التي بين الشرط والجزاء مع قطع النظر عن وقوع شئ من الطرفين وعدم وقوعه، ولا يخفي علي ذي لب أن لا علاقة بين استقرار الجبل ورؤيته تعالي في نفس الأمر ولا ملازمة. علي أن إفادة مثل هذا الحكم وهو تحقق علاقة اللزوم بين هاتين القضيتين لا يليق بسياق مقاصد القرآن

الحكيم مع ما فيه من بعده عن مقام سؤال الكليم، فإن المناسب لما طلب من الرؤية بيان وقوعه ولا وقوعه، لا مجرد إفادة العلاقة بين الأمرين فالصواب حينئذ أن يقال: المقصود من هذا التعليق بيان أن الجزاء لا يقع أصلاً بتعليقه علي ما لا يقع، ثم هذا التعليق إن كان مستلزماً للعلاقة بين الشرط والجزاء فواجب أن يكون إمكان الجزاء مستتبعاً لامكان الشرط، لأن ماله هذه العلاقة مع المحال لا يكون ممكناً علي ما هو المشهور من أن مستلزم المحال محال، وإلا فلا وجه لوجوب إمكان الجزاء. والأول وإن كان شائع الإرادة من اللفظ إلا أن الثاني أيضاً مذهب معروف للعرب كثير الدوران بينهم، وهو عمدة البلاغة ودعامتها، ومن ذلك قول الشاعر:

إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب

ومعلوم أن مشيب الغراب وصيرورة القار كالحليب لا ملازمة بينهما وبين إتيان الشاعر أهله. ونظيره في الكتاب الكريم كثير كتعليق خروج أهل النار منها علي ولوج الجمل في سم الخياط، وبعيد من العاقل أن يدعي علاقة بينهما، وإذا كان ذلك التعليق أمراً شائعاً كثير الوقوع في كلامهم فلا ترجيح للإحتمال الأول بل الترجيح معنا، فإن البلاغة في ذلك، وأما إذا تحققت العلاقة في الواقع بينهما وعلق عليه لمكان تلك العلاقة فليس له ذلك الموقع من حسن القبول، ألا تري أن المتمني لوصال حبيبه الميت لو قال: إذا رجع الموتي إلي الدنيا أمكن لي زيارة الحبيب، لم يكن كقول الصب المتحسر علي مفارقة الاحباء: متي أقبل الامس الدابر وحيي الميت الغابر طمعت في اللقاء.

وأيضاً لا يخفي علي ذي فطرة أن التزام تحقق علاقة لزوم بين استقرار الجبل في تلك الحال وبين رؤيته تعالي بحيث

لو فرض وقوع ذلك الاستقرار امتنع أن لا تقع رؤيته تعالي، مستبعد جداً يكاد يجزم العقل ببطلانه، فإذن المقصود من ذلك الكلام مجرد بيان انتفائه بتعليقه علي أمر غير واقع، ويكفي في ذلك عدم وقوع المعلق عليه، ولا يستدعي امتناع المعلق امتناعه. ولو سلم فنقول: إن المعلق عليه هو الإستقرار لا مطلقاً بل في المستقبل وعقيب النظر، بدلالة الفاء وإن، وذلك لأنه إذا دخلت الفاء علي إن تفيد اشتراط التعقيب لا تعقيب الإشتراط، فالشرط هاهنا وقوع الإستقرار عقيب النظر، والنظر ملزوم لوقوع حركة الجبل عقيبه، فوقوع السكون عقيبه محال لإستحالة وقوع الشئ عقيب ما يستعقب منافي ذلك الشئ ويستلزم وقوعه عقيبه.

وأما أن النظر لا يستلزم اندكاك الجبل وتزلزله ولا علاقة بينه وبينه وإنما هو مصاحبة اتفاقية فممنوع، ولعل النظر ملزوم للحركة كما أن استقرار الجبل ملزوم لرؤيته تعالي، وتحقق العلاقة بين النظر والحركة ليس بأبعد من تحقق العلاقة بين الإستقرار والرؤية.

ولنقتصر علي ذلك فإن إطناب الكلام في كل من الدلائل والأجوبة يوجب الخروج عما هو المقصود من الكتاب.

وأما المنكرون فاحتجوا بقوله تعالي: لَنْ تَرَاني، إن كلمة لن تفيد إما تأبيد النفي في المستقبل، كما صرح به الزمخشري في أنموذجه، فيكون نصاً في أن موسي عليه السلام لا يراه أبداً، أو تأكيده علي ما صرح به في الكشاف، فيكون ظاهراً في ذلك لأن المتبادر في مثله عموم الاوقات، وإذا لم يره موسي لم يره غيره إجماعاً.

وإن نوقش في كونها للتأكيد أو للتأبيد فكفاك شاهداً استدلال أئمتنا (عليهم السلام) بها علي نفي الرؤية مطلقاً، لانهم أفصح الفصحاء طراً باتفاق الفريقين، مع أنا لكثرة براهيننا لا نحتاج إلي الأكثار في دلالة هذه الآية علي

المطلوب.

وقال في هامشه: قال الرضي في تلخيصه: هذه استعارة علي أحد وجهي التأويل وهو أن يكون المعني: فلما حقق تعالي بمعرفته لحاضري الجبل الآيات التي أحدثها في العلم بحقيقته عوارض الشبه وخوالج الريب، وكأن معرفته سبحانه تجلت لهم من غطاء أو برزت لهم من حجاب.

شرح الأسماء الحسني:1/185 _ 191:

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالي حكاية عن موسي عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي.

والإحتجاج به من وجهين، أحدهما، أن موسي سأل الرؤية فلو استحالت كان سؤاله عليه السلام إما عبثاً إن علم المحالية وإما جهلاً إن لم يعلم، وكلاهما محالان علي النبي ولاسيما أنه كليم الله، كيف والنبي يدعو إلي العقايد الحقة والأعمال الصالحة. وثانيهما، أنه تعالي علق الرؤية علي استقرار الجبل، وهو أمر ممكن في نفسه فكذا ما علق عليه.

واعترض علي الأول، بأن سؤال موسي عليه السلام عن لسان قومه بدليل قوله تعالي: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً، وقوله تعالي: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ.

وأجيب بأنه مع مخالفته للظاهر حيث لم يقل أرهم ينظروا إليك، وهو فاسد، أما أولاً فلانهم لما قالوا أرنا الله جهرة زجرهم بأخذ الصاعقة فلم يحتج إلي سؤال الرؤية وليس أخذ الصاعقة دليلاً لهم لجواز أن يكون ذلك لقصدهم إعجاز موسي عليه السلام عن إتيان ما طلبوه عناداً، أو لعدم قابليتهم بما هم منهمكون في الدنيا، ولذا قال الأشاعرة: المؤمنون يرونه تعالي في الآخرة.

وأما ثانياً، فلان تجويز الرؤية باطل عند المعتزلة فلا يجوز لموسي عليه السلام تأخير رد الرؤية وتقرير الباطل، ألا تري

أنهم لما قالوا إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، رد عليهم من ساعة بقوله: إنكم قوم تجهلون.

وعلي الوجه الثاني بأنها علقت علي الاستقرار عقيب النظر بدليل الفاء وكلمة إن، وهو حالة الاندكاك، ولا نسلم إمكان الاستقرار حينئذ. والجواب: أن الاستقرار حال الحركة ممكن لا بشرط الحركة كما أن قيام زيد ممكن حال قعوده لا بشرط قعوده.

انواع التجلي الإلهي

شرح الأسماء الحسني:2/5:

بيان ذلك: أن لله تعالي تجليات: تجل ذاتي هو تجلي ذاته بذاته علي ذاته، إذ لم يكن إسم ولا رسم.

وتجل صفاتي، هو تجلي ذاته في أسمائه الحسني وصفاته العليا علي وجه يستتبع تجليه في صور أسمائه وصفاته، أعني الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات لزوماً غير متأخر في الوجود، بل هي هناك موجودة بوجود الأسماء الموجودة بوجود المسمي جل شأنه.

وهذا التجلي يسمي بالمرتبة الواحدية، كما أن الأول يسمي بالمرتبة الأحدية.

وتجل أفعالي، هو تجلي ذاته بفعله، وهو الوجود الإنبساطي علي كل ماهية ماهية من الدراة البيضاء إلي ذرة الهباء، في كل من الجبروت والملكوت والناسوت بحسبه. وهذا مسمي بالرحمة الفعلية، كما أن الثاني مسمي بالرحمة الصفتية، وهذا بالفيض المقدس وذاك بالفيض الأقدس.

وصبح الأزل يمكن أن يراد به الثاني، كما يمكن أن يراد به الثالث.

وبيان النطق الحقيقي للصباح سواء كان صباح عالم الصورة أو صباح عالم المعني: أن النطق الظاهري اللفظي إنما يكون نطقاً لكونه وجوداً كاشفاً عن وجود ذهني وهو عن وجود عيني، لا لكون خصوصية الصوت معتبرة فيه حتي لو لم يكن صوتاً لم يكن نطقاً، وإنما هذه بالمواضعة للتسهيل. كما أن كاشفيته عن وجود آخر ذهني بالمواضعة ودلالته بالوضع لا بالطبع، ولو كان بالطبع لأكد نطقيته كما في الوجودات

الذهنية بالنسبة إلي الوجودات العينية، ولذا تسمي العقول المدركة للكليات نواطق والنفس ناطقة وقيل شعراً:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان علي الفؤاد دليل

والأشاعرة ذهبوا إلي الكلمات النفسية، ولكن لاوجه للتخصيص، فإذن إن كان بدل الكيفيات المسموعة الموضوعة أشياء أخري موضوعة، بحيث يكون حضور الأشياء الدالة منشأ لحضور الأشياء المدلولة في الذهن، كان حالها حينئذ حالها.

تفسير عرفاني لعدم إمكان رؤية الله تعالي

شرح الأسماء الحسني:1/210:

(يا من لا تدرك الأفهام جلاله، يا من لا تنال الأوهام كنهه)

كما قال النبي صلي الله عليه وآله: إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، وإن الملأ الأعلي يطلبونه كما تطلبونه أنتم. ولذلك يطلق علي الذات باعتبار الحضرة الأحدية غيب الغيوب والغيب المطلق والغيب المكنون والغيب المصون والمنقطع الوحداني ومنقطع الإشارات والتجلي الذاتي والكنز المخفي والعماء، وغير ذلك.

وإنما لا يدرك كنه الذات لما تقرر أنه إذا جاوز الشئ حده انعكس ضده فإذا كان ظهوره في قصيا مراتب الظهور أنتج غاية الخفاء وانعكس عكس الجلاء.

وأيضاً لما كان قهاراً للكل فلم يبق أحد في سطوع نوره حتي يراه، بل يتلاشي ويضمحل بتأجج نار محياه.

وأيضاً هو تعالي بكل شئ محيط، والمحيط لا يصير محاطاً....

الله تعالي يتجلي بخلقه

شرح الأسماء الحسني:1/150:

(يا من في الآفاق آياته)

أي في النواحي من عوالم الوجود علاماته، والاسم مأخوذ من الآية أعني قوله تعالي: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، وفي التعبير بالآيات إشارة إلي أن عالم الافاق كتاب تكويني له كالكتاب التدويني، كما قال الإمام الغزالي: العالم كله تصنيف الله، وقيل بالفارسية:

به نزد آنكه جانش در تجلي است همه عالم كتاب حق تعالي است

عرض اعراب وجوهر چون حروفست مراتب همچو آيات وقوفست

از هر عالمي چون سوره خاص يكي زان فاتحه وآن ديگر اخلاص

وفي الإكتفاء بالآفاق في الإسم إشارة إلي تطابق الكتاب الآفاقي والكتاب الأنفسي وأن كلاً منهما تام فيه جميع ما في الآخر.

قال ابن جمهور: الكتب ثلاثة: الآفاقي والقرآني والانفسي، فمن قرأ الكتاب القرآني الجمعي علي الوجه الذي ينبغي فكمن قرأ الكتاب الآفاقي بأسره إجمالاً وتفصيلاً، ومن قرأ الكتاب الآفاقي

علي الوجه المذكور فكمن قرأ الكتاب الأنفسي إجمالاً وتفصيلاً، ولهذا اكتفي النبي صلي الله عليه وآله بواحد منهما في معرفته تعالي بقوله: من عرف نفسه فقد عرف ربه، لأنه كان عارفاً بأن من يعرف نفسه علي ما ينبغي ويطالع كتابه علي ما هو عليه في نفسه يعرف ربه علي ما ينبغي، وإليه الإشارة بقوله تعالي: إقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا.

وكذلك من طالع الكتاب القرآني علي وجه التطبيق تجلي له الحق تعالي في صور ألفاظه وتركيبه وآياته وكلماته تجلياً معنوياً، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: لقد تجلي لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون.

ومن طالع الكتاب الافاقي علي ما هو عليه تجلي له الحق تعالي في صور مظاهره الأسمائية وملابسه الفعلية الكونية المسماة بالحروف والكلمات والآيات، المعبر عنها بالموجودات العلوية والسفلية والمخلوقات الروحانية والجسمانية علي الإطلاق والتعيين تجلياً شهودياً عيانياً، لأنه ليس في الوجود سوي الله وصفاته وأسمائه وأفعاله، فالكل هو وبه ومنه وإليه.

ومن طالع الكتاب الأنفسي الصغير الإنساني وطبقه بالكتاب الآفاقي تجلي له الحق تعالي في الصورة الإنسانية الكاملة والنشأة الحقيقية الجامعة، تجلياً ذاتياً شهودياً عيانياً بحسب ما يشاهده في كل عين من حروفه وكلماته وآياته، المعبر عنها بالقوي والأعضاء والجوارح.

فكل من طالع كتابه الخاص به وشاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها وإحاطتها بعالمها، عرف الحق وشاهده وعرف أنه محيط بالأشياء وصورها ومعانيها عاليها وسافلها شريفها وخسيسها، مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته.

قالوا: وكذلك الحق إذا أراد أن يشاهد نفسه في المرآة الكاملة الذاتية الجامعة يشاهدها في الإنسان الكامل بالفعل، وفي غير الكامل بالقوة لأنه مظهر الذات الجامعة

لا غير... ومن هذا قيل: أراد الله أن يظهر ذاته الجامعة في صورة جامعة فأظهرها في صورة الإنسان، وأراد أن يظهر الأسماء والصفات والأفعال في صورة كاملة مفصلة فأظهرها في صورة العالم.

أقول: في هذا التقسيم لكتب الكون تأملات فكرية وروحية مفيدة، ولا شك في صحة القول بأن الله تعالي قد تجلي بخلقه بمعني من معاني التجلي، ولكن قولهم بأنه تعالي خلق الإنسان ليكون مظهراً تتجلي به ذاته، وخلق الكون ليكون مظهراً لاسمائه، كلام جميل لو وجد عليه دليل. وإلا فمن أين للعرفاني والفيلسوف أن يعرف لماذا خلق الله هذا المخلوق أو ذاك؟ إن الدليل علي ذلك منحصر بإخباره تعالي عن أهدافه عن طريق أنبيائه وأوصيائهم، وما ربما يجزم به العقل.. وما سوي ذلك فهو ظنون من عقولنا واحتمالات، لا يمكننا أن ننسبها إلي الله تعالي!

كما نلاحظ أن بعض الفلاسفة والمتصوفين والعرفانيين يميلون إلي قبول أحاديث التشبيه بلا تحقيق في سندها، ويحاولون الإستشهاد بها علي أفكارهم، بل قد يبنون عليها نظرياتهم، مع أن الحديث لا وجود له! أو له وجود في المصادر لكن ورد عن الأئمة (عليهم السلام) أو عن علماء الجرح والتعديل تكذيبه، كما رأيت في حديث (خلق الله آدم علي صورته)! وهذا البلاء عام في مصادر الفلسفة والعرفان والتصوف عند السنة والشيعة!

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

قال النويري في نهاية الإرب:7 جزء 13/211:

واختلف العلماء في معني التجلي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل... فقام موسي يسبح الله تعالي ويقول: آمنت أنك ربي وصدقت أنه لا يراك أحد.

وأورد السيوطي في الدر المنثور:3/118 _ 123 بضع عشرة رواية في بعضها تصريح بعدم إمكان الرؤية في الدنيا، وليس فيها ذكر خنصر الله تعالي ولا

أصابعه، وفي بعضها أن الله تعالي تجلي بأن أظهر خنصر يده! وفي بعضها اتهامات لموسي عليه السلام بما اتهمه اليهود، وتأثر واضح بأساطير الإسرائيليات.. ونذكر منها هنا الروايات الموافقة لمذهبنا، وشبه الموافقة.. قال السيوطي:

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن ابن عباس، وخر موسي صعقا، قال: غشي عليه إلا أن روحه في جسده، فلما أفاق قال لعظم ما رأي: سبحانك تنزيهاً لله من أن يراه. تبت إليك، رجعت عن الأمر الذي كنت عليه. وأنا أول المؤمنين، يقول: أول المصدقين الآن أنه لا يراك أحد.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين، يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شئ من خلقك.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: فلما تجلي ربه للجبل، قال: كشف بعض الحجب.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة في قوله: وخر موسي صعقاً، أي ميتاً. فلما أفاق، قال: فلما رد الله عليه روحه ونفسه قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، أنه لن تراك نفس فتحيا.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن مجاهد في قوله: تبت إليك، قال من سؤالي إياك الرؤية، وأنا أول المؤمنين، قال: أول قومي إيماناً.

وأخرج عبدبن حميد وأبوالشيخ عن أبي العالية في قوله: وأنا أول المؤمنين، قال: قد كان إذن قبله مؤمنون، ولكن يقول أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلي يوم القيامة.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول الله(ص)هذه الآية، رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قال قال الله عز وجل: يا موسي إنه

لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلي أجسادهم.

عبد بن حميد عن مجاهد قال: لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ، فإنه أكبر منك وأشد خلقاً قال، فلما تجلي ربه للجبل فنظر إلي الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل يندك علي أوله، فلما رأي موسي ما يصنع الجبل، خر موسي صعقا.

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله(ص)لما أوحي الله إلي موسي بن عمران أني مكلمك علي جبل طور سينا، صار من مقام موسي إلي الجبل طور سينا أربع فراسخ في أربع فراسخ رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر، فجاء موسي حتي وقف بين يدي صخرة جبل طور سينا فإذا هو بشجرة خضراء الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها، فوقف موسي متعجباً فنودي من جوف الشجرة ياميشا فوقف موسي مستمعاً للصوت، فقال موسي من هذا الصوت العبراني يكلمني؟ فقال الله له: يا موسي إني لست بعبراني إني أنا الله رب العالمين، فكلم الله موسي في ذلك المقام بسبعين لغة ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة الأخري، وكتب له التوراة في ذلك المقام، فقال موسي: إلهي أرني أنظر اليك، قال: يا موسي إنه لا يراني أحد إلا مات، فقال موسي: إلهي أرني أنظر إليك وأموت، فأجاب موسي جبل طور سينا: يا موسي بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران، فقال موسي وأعاد الكلام: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، فقال: يا موسي انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ

فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسَي صَعِقًا، مقدار جمعة فلما أفاق موسي مسح التراب عن وجهه وهو يقول: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، فكان موسي بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات، واتخذ موسي علي وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه، فبينا موسي ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتي انتهوا إلي الضريح، فجاء موسي حتي أشرف عليهم فقال لهم لمن تحفرون هذا القبر، قالوا له لرجل كأنه أنت أو مثلك وفي طولك أو نحوك، فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح فنزل موسي فتمدد في الضريح فأمر الله الأرض فانطبقت عليه! انتهي.

وهذه واحدة من تهم اليهود لنبيهم موسي علي نبينا وآله و عليه السلام، وهو يدل علي أن وجوده كان ثقيلاً عليهم، حتي زعموا أن الله تعالي أراحهم منه بهذه الطريقة!!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

مسند أحمد:3/125:

عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي(ص)في قوله تعالي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال قال: هكذا، يعني أنه أخرج طرف الخنصر! قال أبي أرانا معاذ، قال فقال له حميد الطويل: ما تريد إلي هذا يا أبا محمد! قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد وما أنت يا حميد! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي(ص)فتقول أنت: ما تريد إليه!

مسند أحمد:3/209:

عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي(ص)في قوله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال: فأومأ بخنصره، قال فساخ.

ميزان الاعتدال:1/593:

عن ثابت عن أنس أن النبي(ص)قرأ: فلما تجلي ربه للجبل. قال: أخرج طرف خنصره وضرب علي إبهامه، فساخ الجبل. فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا قال: فضرب في صدر

حميد وقال: يقوله أنس، ويقوله رسول الله(ص)وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد، وصححه الترمذي.

مستدرك الحاكم:1/25:

... عن ثابت عن أنس (رض) أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال في هذه الآية فلما تجلي ربه للجبل جعله: بدا منه قدر هذا... عن ثابت عن أنس (رض)قال قرأ رسول الله صلي الله عليه وآله: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قال فأخرج من النور مثل هذا وأشار بيده إلي نصف أنملة الخنصر فضرب بها صدر حماد، قال فساخ الجبل. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه.

مستدرك الحاكم:2/320:

عن ثابت عنه (أنس) عن النبي صلي الله عليه وآله في قوله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال حماد: هكذا ووضع الأبهام علي مفصل الخنصر الأيمن، قال فقال حميد لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال: رسول الله صلي الله عليه وآله يحدث به وأنا لا أحدث به، هذا حديث صحيح علي شرط مسلم.

مستدرك الحاكم:2/576:

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن موسي بن عمران لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة وحف حول الملائكة بنار، ثم تجلي ربك للجبل، ثم تجلي منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكاً وخر موسي صعقاً ما شاء الله، ثم إنه أفاق فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول من آمن من بني إسرائيل. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

عن أنس (رض) أن رسول الله صلي الله عليه

وآله تلا هذه الآية: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، أشار حماد ووضع إبهامه علي مفصل الخنصر، قال فساخ الجبل. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه.

بقية روايات السيوطي في الدر المنثور:3/118-123:

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي (ص)قرأ هذه الآية: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال هكذا وأشار بإصبعيه ووضع طرف إبهامه علي أنملة الخنصر، وفي لفظ علي المفصل الأعلي من الخنصر، فساخ الجبل وخر موسي صعقا. وفي لفظ فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلي يوم القيامة.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال: ما تجلي منه إلا قدر الخنصر، جعله دكاً، قال تراباً وخر موسي صعقاً، قال مغشياً عليه.

وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أن رسول الله(ص)قال: لما تجلي الله لموسي تطاير سبعة أجبال، ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن اثنان، في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان، وفي اليمن حصور وصير.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله(ص)في قوله: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال: أخرج خنصره!

من هو قيس بن ثابت راوي حديث خنصر الله تعالي

الظاهر أن عمدة السند عند إخواننا في الحديث المرفوع إلي النبي صلي الله عليه وآله، هو ثابت بن قيس غلام بني أمية، ولذلك نعرض شيئاً من ترجمته من مصادر الجرح والتعديل، ونلاحظ أن حميداً الطويل الذي هو غلام كابلي من منطقة ثابت قد استنكر علي ثابت أن يروي هذا الحديث الذي

فيه تجسيم، وأن الذهبي علي عادته في مدح المجسمين وصف ثابتاً بالصادق، مع أن عدداً من العلماء جرحوه أو وصفوه بالوهم والخلط، قال ابن حبان في كتاب المجروحين:1/206:

ثابت بن قيس أبو الغصن من أهل المدينة مولي عثمان بن عفان، روي عنه ابن مهدي وابن أبي أويس، وكان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه، سمعت الحنبلي يقول: سمعت أحمد بن زهير يقول: سئل يحيي بن معين عن ثابت بن قيس أبي الغصن فقال: ضعيف.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:2/13:

20 _ ي د س. البخاري في جزء رفع اليدين وأبي داود والنسائي. ثابت بن قيس الغفاري مولاهم أبوالغصن المدني. رأي أبا سعيد الخدري وروي عن أنس ونافع بن جبير بن مطعم وسعيد المقبري وأبيه أبي سعيد وخارجة بن زيد بن ثابت وجماعة.

وعنه، ابن مهدي، وزيد بن الحباب، وإسماعيل ابن أبي أويس، والقعنبي، وخالد بن مخلد، وغيرهم....

قال أبوطالب عن أحمد: ثقة، وقال عباس عن ابن معين: ليس به بأس، وقال في موضع آخر حديثه ليس بذاك وهو صالح، وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال ابن سعد مات سنة (168) وهو يومئذ ابن مائة سنة وكان قديماً قد رأي الناس وروي عنهم، وهو شيخ قليل الحديث.

وقال ابن أبي عدي هو ممن يكتب حديثه.

قلت: وقال الآجري عن أبي داود: ليس حديثه بذاك، وقال مسعود الشحري عن الحاكم: ليس بحافط ولا ضابط. وقال ابن حبان في الضعفاء: كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره. وأعاده في الثقات.

وترجم له الذهبي في ميزان الإعتدال ج1 ص366 وقال في سير

أعلام النبلاء: 7/25

أبوالغصن، هو الشيخ العالم الصادق المعمر بقية المشيخة أبوالغصن ثابت بن قيس الغفاري، مولاهم المدني: عداده في صغار التابعين.

يروي عن: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، ونافع بن جبير....

قال يحيي بن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال ابن معين أيضاً في رواية عباس: هو صالح، ليس حديثه بذاك، وروي أحمد بن أبي خيثمة عن يحيي: ضعيف. قال ابن حبان: هو من موالي عثمان بن عفان. وكان قليل الحديث، كثير الوهم فيما يروي، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه. وقال ابن عدي: يكتب حديثه. انتهي.

ومن الملاحظ في كتب الجرح والتعديل وعموم مصادر اخواننا أن أسهم رواة أحاديث التشبيه والتجسيم ارتفعت مع العصور، حتي بلغت أوجها علي يد المجسمين من أمثال الذهبي، وأن الوهابيين أهتموا بتعظيمهم ونشر كتبهم في أنحاء العالم الإسلامي!!

تفسير قوله تعالي: يوم يكشف عن ساق

قال تعالي: أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ. فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. القلم: 39 _ 45.

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننالهذه الآية تحت عنوان (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية)

فسرها أهل البيت بكشف حجاب الآخرة و أهواله

تفسير نور الثقلين:5/395:

في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار في التوحيد بإسناده إلي الحسن بن سعيد عن أبي الحسن عليه السلام في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ، قال: حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجداً، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود.

في مجمع البيان: وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا في هذه الآية: أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة، وقد كانوا يدعون إلي السجود وهم سالمون، أي لا يستطيعون الأخذ بما أمروا والترك لما نهوا عنه، ولذلك ابتلوا.

في كتاب التوحيد بإسناده إلي حمزة بن محمد الطيار قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ.، قال: مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا. ثم قال: ليس شئ مما أمروا به ونهوا إلا ومن الله عز وجل فيه ابتلاء وقضاء.

تفسير التبيان:10/86:

وقوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال الزجاج: هو متعلق بقوله: فليأتوا بشركائهم... وقال ابن عباس

والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك معناه: يوم يبدو عن الأمر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة. والساق ساق الإنسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها، وكل نبت له ساق فهو شجر، قال الشاعر:

للفتي عقل يعيش به حيث يهدي سَاقَهُ قَدَمُهْ

فالمعني يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلي أن يقوم علي ساق، وقد كثر في كلام العرب حتي صار كالمثل فيقولون: قامت الحرب علي ساق وكشفت عن ساق، قال زهير بن جذيمة:

فإذا شَمَّرَتْ لك عن ساقها فَوَيْهاً ربيعُ ولا تسأمِ

وقال جد أبي طرفة:

كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح

وقال آخر:

قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدَّت الحرب بكم فجدو

والقوس فيها وترٌ غِرَدُّ

وقوله: ويدعون إلي السجود، قيل: معناه إنه يقال لهم علي وجه التوبيخ: اسجدوا فلا يستطيعون، وقيل: معناه إن شدة الأمر وصعوبة الحال تدعوهم إلي السجود، وإن كانوا لا ينتفعون به.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

مستدرك الحاكم:2/499:

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه سئل عن قوله عز وجل: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: إذا خفي عليكم شئ من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر. إصبر عناق إنه شر باق....

وقد روي الحاكم وغيره عدة أحاديث فيها (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) بدون نسبة الساق إلي الله تعالي، كما في: 2/376 وج 4/551 وقال عنه: حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه في: 4/582 ونحوه في مسلم في:1/115 وج 8/202.

مجمع الزوائد:7/128:

قوله تعالي: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، عن أبي موسي عن النبي (ص): يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً. رواه

أبو يعلي وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات.

وقال في مجمع الزوائد:6/303، ونحوه في:9/277:

وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال: خرج نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه، حتي قدموا مكة فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا، فيقول هو كذا وكذا، فقال له نافع به الازرق: ما أجراك يا ابن عباس علي ما تخبر به منذ اليوم!

فقال له ابن عباس: ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك! ألا أخبرك من هو أجرأ مني؟

قال: من هو يا ابن عباس؟

قال: رجل تكلم بما ليس له به علم، أو كتم علماً عنده.

قال صدقت يا ابن عباس، أتيتك لاسألك.

قال: هات يا ابن الأزرق فسل.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) ما الشواظ؟

قال: اللهب الذي لا دخان فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص)؟

قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت:

ألا من مبلغ حسان عني مغلغلةً ت_دبُّ إلي عُك_اظِ

أليس أبوك قيناً كان فينا إلي الفتيات فَسْلاً في الحفاظ

يمانياً يظل يشب كيراً وينفخ دائباً لهب الشواظ

قال: صدقت فأخبرني عن قوله: ونحاس فلا تنتصران، ما النحاس؟

قال: الدخان الذي لا لهب فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص).

قال: نعم، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:

يضي كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاس

يعني دخانا.

قال: صدقت فأخبرني عن قول الله: أمشاج نبتليه؟

قال: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص)؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول:

كأن النصل والفوقين فيه خلاف الريش سيط به مشيج

قال: صدقت، فأخبرني عن قول الله عز وجل: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ.، ما الساق بالساق؟

قال: الحرب.

قال: هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص)؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضه

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمر

الدر المنثور:6/254:

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال قال ابن عباس: يكشف عن أمر عظيم، ثم قال: قد قامت الحرب علي ساق.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: إذا خفي عليكم شئ من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب... وقامت الحرب بنا علي ساق، قال ابن عباس: هذا يوم كرب وشدة.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الازرق سأله عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ....

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس....

وأخرج ابن منده عن ابن عباس....

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ....

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ: يَوْمَ

يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: يريد القيامة والساعة لشدتها.

وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة وكشف الأمر عنه.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن منده من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ يوم تكشف عن ساق بفتح التاء، قال أبو حاتم السجستاني: أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً.

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، بالياء ورفع الياء.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ....

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه، وإنما يكشف عن الأمر الشديد. انتهي. ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي. ورواه في:6/292 عن قتادة.

الأحاديث القدسية للمجلس الاعلي المصري:1/98:

قوله: فيكشف عن ساق، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة، أي يكشف عن الشدة. انتهي.

وقد تقدمت رواياتهم التي فيها تجسيم، في الفصل الثالث في بازار الأحاديث، وهي كثيرة. وقد تبني علماء الوهابية تفسيرها بساق الله تعالي عما يصفون!

تفسير آيات الإستواء علي العرش

قال الله تعالي: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. الأعراف: 54.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا

مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. يونس _ 3.

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّي يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الأيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ. الرعد: 2.

طَهَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي. إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَي. تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَي. الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَ مَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَي. طه: 1 _ 6.

الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا. الفرقان: 59.

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. السجدة: 4.

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَي اللهِ تُرْجَعُ الأمور. الحديد: 4 _ 5.

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننا للإستواء علي العرش تحت عنوان (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية).

تفسير أهل البيت

الاستواء علي العرش: استواء نسبة الله إلي العالم

روي الكليني في الكافي:1/127:

علي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسي الخشاب عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، فقال استوي علي كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ.

وعنه، عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيي، عن عبد الرحمن بن الحجاج

قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالي: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي.، فقال: استوي في كل شئ فليس شئ أقرب إليه من شئ، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوي في كل شئ.

وعنه، عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من زعم أن الله من شئ، أو في شئ، أو علي شئ، فقد كفر، قلت: فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشئ له أو بإمساك له أو من شئ سبقه.

وفي رواية أخري: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنه علي شئ فقد جعله محمولاً.

وروي في الكافي:1/128:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه، قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا.

قال: فأخبرني عن قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن العرش خلقه الله تعالي من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه ابيض البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور

من عظمته، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغي من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، فكل شئ محمول، والله تبارك وتعالي الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما من شئ وحياة كل شئ ونور كل شئ، سبحانه وتعالي عما يقولون علواً كبيراً.

قال له: فأخبرني عن الله عز وجل أين هو؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله: ما يكون من نجوي ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثري، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفي، وذلك قوله تعالي: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه، وليس يخرج عن هذه الأربعة شئ خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله عليه السلام فقال: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، وكيف يحمل حملة العرش الله، وبحياته حييت قلوبهم، وبنوره اهتدوا إلي معرفته!

التوحيد للصدوق _ الهامش ص 247 من حديث عن الإمام الصادق عليه السلام:

قال السائل: فله كيفية؟

قال: لا، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا

كيفية لا يستحقها غيره، ولا يشارك فيها، ولا يحاط بها، ولا يعلمها غيره.

قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟

قال أبو عبد الله عليه السلام: هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة، لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجي الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالي نافذ الإرادة والمشية، فعال لما يشاء.

قال السائل: فله رضي وسخط؟

قال أبو عبدالله عليه السلام: نعم، وليس ذلك علي ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دَخَالٌ يدخل عليه فينقله من حال إلي حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالي العزيز الرحيم لا حاجة به إلي شئ مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

قال السائل فقوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي؟

قال أبو عبد الله عليه السلام: بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول علي العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له، ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له، أو يكون عز وجل محتاجاً إلي مكان، أو إلي شئ مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلي السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلي السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلي الله عليه وآله حين

قال: إرفعوا أيديكم إلي الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها.

التوحيد للصدوق - الهامش - ص 315:

روي الحديثين المتقدمين في الكافي ثم قال:

استعمل الإستواء في معان: استقرار شئ علي شئ، وهذا ممتنع عليه تعالي كما نفاه الإمام عليه السلام في أخبار من هذا الباب، لأنه من خواص الجسم. والعناية إلي الشئ ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالي: ثم استوي إلي السماء. والإستيلاء علي الشئ، كقول الشاعر:

فلما علونا واستوينا عليهم تركناههم صرعي لِنِسْر وكاسرِ

والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال، وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.

والإستقامة، وفسر بها قوله تعالي: فَاسْتَوَي عَلَي سُوقِهِ، وهذا قريب من المعني الأول. والإعتدال في شئ وبه، فسر قوله تعالي: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَي. والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالي: وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ. وفسر الإمام عليه السلام الآية بها في هذا الباب، وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان، لأنه تعالي في كل مكان وليس في شئ من المكان بمحدود، ولكنه تعالي تساوت نسبته إلي الجميع من جميع الحيثيات، وإنما الإختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا تبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعني.

حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي قال: حدثنا عبدالله بن عاصم قال: حدثنا عبدالرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث

طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصاري بعد قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن الرب أين هو وأين كان؟

فقال علي عليه السلام: لا يوصف الرب جل جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلي مكان، ولا أحاط به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف.

قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة؟

قال علي عليه السلام: لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبداً، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن تحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة.

قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟

فقال علي عليه السلام: إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل.

قال النصراني: فكيف ذاك ونحن نجد في الإنجيل (كذا): ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟

فقال علي عليه السلام: إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شئ محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشئ علي الشي. وأمر الملائكة بحمله فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه.

قال النصراني: صدقت رحمك الله.. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة....

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر،

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو علي شئ فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور، ومن زعم أنه علي شئ فقد جعله محمولاً.

قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا. ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل عني بقوله: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، أي ثم نقل إلي فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عز وجل (ثم) إنما لرفع العرش إلي مكانه الذي هو فيه ونقله للإستواء، فلا يجوز أن يكون معني قوله استوي استولي لأن استيلاء الله تبارك وتعالي علي الملك وعلي الأشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكاً لكل شئ ومستولياً علي كل شئ، وإنما ذكر عز وجل الإستواء بعد قوله ثم وهو يعني الرفع مجازاً، وهو كقوله: ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم والصابرين، فذكر (نعلم) مع قوله (حتي) وهو عز وجل يعني حتي يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك، لأن حتي لا يقع إلا علي فعل حادث، وعلم الله عز وجل بالأشياء لا يكون حادثاً. وكذلك ذكر قوله عز وجل: اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، بعد قوله (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لإستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا يجوز أن يكون جسماً ولا ذا بدن، تعالي الله عن ذلك علواً كبيرا.

الإقتصاد للشيخ الطوسي/37:

وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، معناه استولي عليه لما خلقه،

كما قال الشاعر:

قد استوي بشرٌ علي العراق من غير سيف ودم مُهْرَاق

وقوله: لما خلقت بيدي، معناه أنه تولي خلقه بنفسه، كما يقول القائل هذا ما عملت يداك، أي أنت فعلته. وقيل: معناه لما خلقت لنعمتي الدينية والدنيوية وقوله: في جنب الله معناه في ذات الله وفي طاعته.

وقوله: والسماوات مطويات بيمينه، أي بقدرته، كما قال الشاعر:

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد تلقاها عَرَابةُ باليمين

وقوله: تجري بأعيننا، أي ونحن عالمون.

ولا يجوز أن يكون تعالي بصفة شئ من الاعراض، لأنه قد ثبت حدوث الأعراض أجمع، فلو كان بصفة شئ من الأعراض لكان محدثاً، وقد بينا قدمه. ولأنه لو كان بصفة شئ من الاعراض لم يخل من أن يكون بصفة ما يحتاج إلي محل أو بصفة ما لا يحتاج إلي المحل كالغني وإرادة القديم تعالي وكراهته، فإن كان بصفة القسم الأول أدي إلي قدم المحال وقد بينا حدوثها، ولو كان بصفة القسم الثاني لاستحال وجوده وقتين كاستحالة ذلك علي هذه الأشياء. وأيضاً لو كان بصفة الغني لاستحال وجود الأجسام معه، وذلك باطل....

ولا يجوز أن يكون تعالي في جهة من غير أن يكون شاغلاً لها، لأنه ليس في الفعل ما يدل علي أنه في جهة لا بنفسه ولا بواسطة، وقد بينا أنه لا يجوز وصفه بما يدل عليه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

ولا يجوز عليه تعالي الحاجة، لأن الحاجة لا تجوز إلا علي من يجوز عليه المنافع والمضار، والمنافع والمضار لا يجوزان إلا علي من تجوز عليه الشهوة والنفار، وهما يستحيلان عليه تعالي. والذي يدل علي أنه يستحيل عليه الشهوة والنفار أنه ليس في الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما يدل علي كونه

مشتهياً ونافراً، وقد بينا أنه لا يجوز إثباته علي صفة لا يقتضيها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

وأيضاً فالشهوة والنفار لا يجوزان إلا علي الأجسام، لأن الشهوة تجوز علي من إذا أدرك المشتهي صلح عليه جسمه وإذا أدرك ما ينفر عنه فسد عليه جسمه، وهما يقتضيان كون من وجدا فيه جسماً، وقد بينا أنه ليس بجسم، فيجب إذا نفي الشهوة والنفار عنه. وإذا انتفيا عنه انتفت عنه المنافع والمضار، وإذا انتفيا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب كونه غنياً، لأن الغني هو الحي الذي ليس بمحتاج.

تفسير التبيان:4/34:

والإستواء علي أربعة اقسام: استواء في المقدار، واستواء في المكان، واستواء في الذهاب، وإستواء في الإنفاق. والإستواء بمعني الإستيلاء راجع إلي الإستواء في المكان، لأنه تمكن واقتدار.

تفسير التبيان:7/159:

الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، قيل في معناه قولان: أحدهما، أنه استولي عليه، وقد ذكرنا فيما مضي شواهد ذلك. الثاني، قال الحسن: استوي لطفه وتدبيره وقد ذكرنا ذلك أيضاً فيما مضي وأوردنا شواهده في سورة البقرة، فأما الإستواء بمعني الجلوس علي الشئ فلا يجوز عليه تعالي، لأنه من صفة الأجسام والأجسام كلها محدثة. ويقال: استوي فلان علي مال فلان وعلي جميع ملكه أي احتوي عليه، قال الفراء: يقال كان الأمر في بني فلان ثم استوي في بني فلان، أي قصد إليهم وأنشد:

أقول وقد قَطَعْنَ بنا شروري اني واستويْنَ من النُّجوعِ

أي خرجن وأقبلن.

كتاب العين:7/326:

والمساواة والاستواء واحد، فأما يسوي فإنها نادرة... ويقال: هما علي سوية من الأمر أي: علي سواء وتسوية واستواء.

مفردات الراغب/251:

واستوي يقال علي وجهين، أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعداً نحو استوي زيد وعمرو في كذا أي تساويا، وقال: لا يستوون عند الله. والثاني أن

يقال لإعتدال الشئ في ذاته نحو: ذو مرة فاستوي، وقال: فإذا استويت أنت. لتستووا علي ظهوره. فاستوي علي سوقه. واستوي فلان علي عمالته واستوي أمر فلان.

ومتي عدي بعلي اقتضي معني الاستيلاء كقوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، وقيل معناه استوي له ما في السموات وما في الأرض، أي استقام الكل علي مراده بتسوية الله تعالي إياه، كقوله: ثم استوي إلي السماء فسواهن. وقيل معناه استوي كل شئ في النسبة إليه فلا شئ أقرب إليه من شئ، إذ كان تعالي ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان.

وإذا عدي بإلي اقتضي معني الإنتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير، وعلي الثاني قوله: ثم استوي إلي السماء وهي دخان.

معني العرش والكرسي عند أهل البيت

الكافي للكليني:1/130:

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيي قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فأستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له: أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: كل محمول للمفعول مضاف، إلي غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلا وأسفل، وقد قال الله: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا، ولم يقل في كتبه إنه المحمول، بل قال: إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوي الله، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول!

قال أبوقرة: فإنه قال: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، وقال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ.

فقال أبو الحسن عليه السلام: العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كل شئ، ثم أضاف الحمل إلي

غيره خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله علي العرش استوي كما قال، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم علي كل نفس وفوق كل شئ وعلي كل شئ، ولا يقال محمول ولا أسفل، قولاً مفرداً لا يوصل بشئ فيفسد اللفظ والمعني.

قال أبوقرة: فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله علي كواهلهم فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلي مواقفهم؟

فقال أبوالحسن عليه السلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالي منذ لعن إبليس إلي يومك هذا هو غضبان عليه فمتي رضي، وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلي أوليائه وعلي أتباعه! كيف تجتري أن تصف ربك بالتغير من حال إلي حال وأنه يجري عليه ما يجري علي المخلوقين! سبحانه وتعالي لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين، وَمَنْ دونَه يدُه وتدبيره، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه!

محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسي، عن ربعي بن عبدالله، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فقال: يا فضيل كل شئ في الكرسي، السماوات والأرض وكل شئ في الكرسي.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن عيسي، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السماوات والأرض

وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش، وكل شئ وسع الكرسي.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: إن كل شئ في الكرسي.

التوحيد للصدوق/108:

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد الله عليه السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

التوحيد للصدوق/319:

باب معني قوله عز وجل: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا جذعان بن نصر أبونصر الكندي قال: حدثني سهل بن زياد الادمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالرحمن بن كثير عن داود الرقي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله عز وجل: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ، فقال لي: ما يقولون في ذلك. قلت: يقولون إن العرش كان علي الماء والرب فوقه. فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوي

منه! قلت: بين لي جعلت فداك.فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم فكان أول من نطق رسول الله صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قيل لبني آدم: أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال للملائكة: إشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا علي أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.

حدثنا تميم بن عبدالله بن تميم القرشئ قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسي الرضا (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، فقال: إن الله تبارك وتعالي خلق العرش والماء والملائكةقبل خلق السموات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء علي الله عز وجل، ثم جعل عرشه علي الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه علي كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، وهو مستول علي عرشه، وكان قادراً علي أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما

يخلقه منها شيئاً بعد شئ، وتستدل بحدوث ما يحدث علي الله تعالي ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون علي العرش لأنه ليس بجسم، تعالي الله عن صفة خلقه علواً كبيرا.

وأما قوله عز وجل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا علي سبيل الإمتحان والتجربة، لأنه لم يزل عليماً بكل شئ.

فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

التوحيد للصدوق/321:

باب العرش وصفاته.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن العرش والكرسي فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة علي حدة. فقوله: رب العرش العظيم، يقول: الملك العظيم، وقوله: الرحمن علي العرش استوي، يقول: علي الملك احتوي، وهذا ملك لكيفوفية الأشياء.

ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي، لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والاين والمشية وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات والترك، وعلم العود والبدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأن ملك العرش سوي ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: رب العرش العظيم، أي صفته أعظم من صفة الكرسي،

وهما في ذلك مقرونان.

قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟

قال: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها وحد رتقها وفتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف وبمثل صرف العلماء (كذا) وليستدلوا علي صدق دعواهما لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.

فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالي: رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوماً أشركوا كما قلت لك، قال تبارك وتعالي: رَبِّ الْعَرْشِ، رب الواحدانية عما يصفون. وقوماً وصفوه بيدين فقالوا: يَدُ الله مَغْلُولَةٌ. وقوماً وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله علي صخرة بيت المقدس فمنها ارتقي إلي السماء. وقوماً وصفوه بالانامل فقالوا: إن محمداً صلي الله عليه وآله قال: إني وجدت برد أنامله علي قلبي!

فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما يصفون، يقول رب المثل الأعلي عما به مثلوه، ولله المثل الأعلي الذي لا يشبهه شئ ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الأعلي، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدني الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به، فلذلك قال: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، فليس له شبه ولا مثل ولا عدل، وله الأسماء الحسني التي لا يسمي بها غيره، وهي التي وصفها في الكتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه، جهلاً بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم، ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان إن الله تبارك وتعالي أمر أن يتخذ قوم أولياء، فهم

الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمداً صلي الله عليه وآله فكان الدليل علي الله بإذن الله عز وجل، حتي مضي دليلاً هادياً، فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلاً هادياً علي ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدون (عليهم السلام).

التوحيد للصدوق/324:

باب أن العرش خلق أرباعاً.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعاً، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار، ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلي أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون، ولخسف البحار ولأهلك ما دونه.

له ثمانية أركان علي كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو أحس شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين. بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم، وليس وراء هذا مقال.

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد

الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.

أخبار مكة للازرقي:1/50:

عن أبي الطفيل قال: شهدت علياً (رض) وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ يكون إلي يوم القيامة إلا حدثتكم به. وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل. فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين علي (رض)وهو خلفي قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو قال: ذاك الضراح فوق سبع سموات، تحت العرش، يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون فيه إلي يوم القيامة.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

تفسير البيضاوي:3/12:

ثم استوي علي العرش: استوي أمره أو استولي، وعن أصحابنا أن الإستواء علي العرش صفة لله بلا كيف، والمعني: أن له تعالي استواء علي العرض علي الوجه الذي عناه، منزهاً عن الإستقرار والتمكن.

والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام، سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك، فإن الأمور والتدابير تنزل منه، وقيل الملك.

سير أعلام النبلاء:20/87:

قال أبو موسي المديني: سألت إسماعيل يوماً (إسماعيل بن محمد الحافظ): أليس قد روي عن ابن عباس في قوله استوي، قعد قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق.

وسمعته يقول: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

قال أبوموسي: أشار بهذا إلي أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لاجل زلته، ترك كثير من الأئمة،

وهذا لا ينبغي أن يفعل.

إرشاد الساري:3/24:

إضافة الظل إليه سبحانه وتعالي إضافة تشريف... والله تعالي منزه عن الظل لأنه من خواص الأجسام، فالمراد ظل عرشه، كما في حديث سلمان.

إرشاد الساري:10/420:

قوله تعالي: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، وتفسير العرش بالسرير والإستواء بالإستقرار كما يقول المشبه باطل، لأنه تعالي كان قبل العرش ولا مكان، وهو الآن كما كان، والتغير من صفات الأكوان.

الجواهر الحسان للثعالبي:2/179:

قوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، إنه سبحانه مستوي علي العرش علي الوجه الذي قاله وبالمعني الذي أراده، استواء منزهاً عن المماسة والإستقرار والتمكن والحلول والإنتقال.

نهاية الارب للنويري:1/32:

روي أن أبا ذر قال يا رسول الله (ص) أي آية أنزلت عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي، ثم قال: يا أبا ذر أتدري ما الكرسي قلت لا، فقال ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ألقاها ملق في فلاة. ونحوه في الجواهر الحسان للثعالبي:1/196 ونحوه في فتح القدير للشوكاني:1/347.

لسان الميزان:1/78:

إبراهيم بن عبدالصمد، عن عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي علي جميع بريته فلا يخلو منه مكان، وعنه عبدالله بن داود الواسطي بهذا. أورده ابن عبد البر في التمهيد وقال لا يصح، وعبد الله وعبدالوهاب ضعيفان، وإبراهيم مجهول لا يعرف.

حياة الحيوان للدميري:1/382:

سئل إمام الحرمين: هل الباري تعالي في جهة؟ فقال: هو متعال عن ذلك.

الفرق بين الفرق للنوبختي/292:

وقد قال أمير المؤمنين علي (رض): إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مكاناً لذاته. وقال أيضاً: قد كان ولا مكان، وهو الان علي ما كان.

معالم السنن للخطابي:4/302:

قال الشيخ: هذا الكلام (أتدري ما الله إن عرشه علي

سماواته وقال بأصابعه مثل القبة..) إذا جري علي ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية.

تفسير المنار لرشيد رضا:12/16:

أما عرش الرحمن عز وجل فهو من عالم الغيب الذي لا ندركه بحواسنا، ولا نستطيع تصويره بأفكارنا، فأجدر بنا أن لا نعلم كنه استوائه عليه... إن بعض المتكلمين تكلفوا تفسير السموات السبع والكرسي والعرش العظيم، أو تأويلهن بالأفلاك التسعة عند فلاسفة اليونان المخالف للقرآن...

خزانة الادب للحموي:1/240:

قال الزمخشري:... قوله تعالي: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي. الإستواء علي معنيين، أحدهما الاستقرار في المكان وهو المعني القريب الموري به الذي هو غير مقصود، لأن الحق تعالي وتقدس منزه عن ذلك.

وقد طعن المستشرق اليهودي جولد تسيهر في تفسير الإستواء علي العرش بغير القعود المادي، تأييداً لمذهبه في التجسيم، فقال في مذاهب التفسير الإسلامي/169: وجاء ذكر كرسي الله سبحانه في آية الكرسي... ويقول الزمخشري في ذلك: وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط. ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد. انتهي. وقد كذب هذا اليهودي علي الزمخشري ليشنع عليه، لأنه خالف مذهبه في التجسيم.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

قالوا إن الله جالس علي كرسيه كما قال اليهود

تاريخ بغداد:1/295:

محمد بن أحمد بن خالد بن شيرزاذ.. أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال قرئ علي أبي الحسين بن مظفر وأنا أسمع، حدثكم أبوبكر محمد بن أحمد بن خالد القاضي، قال نا سعيد بن محمد، قال نا سلم بن قتيبة، قال نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب عن النبي(ص)في قوله تعالي: عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي.، قال: حتي يسمع أطيط كأطيط الرحل. انتهي. ونحوه في فردوس الأخبار:1 ص220 وفتح القدير:1/347.

مسند احمد:1/295:

عن أبي نضرة قال خطبنا ابن

عباس علي هذا المنبر منبر البصرة قال: قال رسول الله (ص): إنه لم يكن نبي إلا له دعوة تنجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي. قال: ويطول يوم القيامة علي الناس... قال ثم آتي باب الجنة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقرع الباب فيقال من أنت فأقول محمد فيفتح لي فأري ربي عز وجل وهو علي كرسيه أو سريره، فأخر له ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي، فيقال: إرفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع.

قال فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي، فيقال لي: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم، ثم أعود فأخر ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي، فيقال لي: إرفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي، فيقال: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم، قال وقال في الثالثة مثل هذا أيضاً! انتهي.

وهذه الرواية مضافاً إلي ما فيها من تجسيم فهي واحدة من روايات توسيع الشفاعة لتشمل جميع الأمة بر وفاجرها وظالمها ومظلومها، وقاتلها ومقتولها بل لتشمل كل الكفار تقريباً كما ستري في باب الشفاعة إن شاء الله تعالي. ولم يستثن إخواننا من هذه الشفاعة الموسعة المجانية إلا أهل بيت النبي وشيعتهم!!

مجمع الزوائد:1/126:

وعن ثعلبة بن الحكم قال قال رسول الله (ص): يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا

قعد علي كرسيه لفصل عباده: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم، إلا وأنا أريد أن أغفر لكم علي ما كان فيكم ولا أبالي. رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

سير أعلام النبلاء:17/656:

قال أبونصر السجزي في كتاب الابانة: وأئمتنا كسفيان، ومالك، والحمادين وابن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، متفقون علي أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلي السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضي، ويتكلم بما شاء!

دلائل النبوة للبيهقي:5/481:

يأتي رسول الله(ص)يوم القيامة إلي الله وهو جالس علي كرسيه. انتهي.

وقد أوردنا في الفصلين الثالث والخامس عدداً آخر من رواياتهم في جلوس الله تعالي علي عرشه وأطيط العرش من ثقله بزعمهم، وأثبتنا أن أول من فتح القول بالتجسيم في الإسلام هو كعب الأحبار والخليفة عمر.

و تناقضت رواياتهم في العرش والكرسي

فردوس الأخبار للديلمي:1/219:

ابن عمر: إن الله عز وجل ملا عرشه، يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل.

تفسير الطبري:3/8:

عن عبدالله بن خليفة أتت امرأة النبي فقال أدع الله أن يدخلني الجنة.. ثم قال (ص) إن كرسيه وسع السموات والأرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع.

تفسير الطبري:3/7:

عن الربيع: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، قال لما نزلت.. قال أصحاب النبي: يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض فكيف العرش؟ فأنزل الله تعالي وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ... عن أبي موسي: قال الكرسي موضع القدمين. وعن السدي: والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه.

فردوس الأخبار للديلمي:5/128:

ابن عباس: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره. ونحوه في تاريخ بغداد: 9/251 وفي تفسير الصنعاني:2/203 وفي فردوس الأخبار:5/128.

مجمع الزوائد:10/343:

وعن عبد

الله بن عمرو عن رسول الله(ص)قال: إن الله يجمع الأمم يوم القيامة ثم ينزل من عرشه إلي كرسيه، وكرسيه وسع السموات والأرض.

سنن أبي داود:2/419:

قال ابن بشار في حديثه: إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته. وساق الحديث.

إرشاد الساري للقسطلاني:5/249:

عن بعض السلف أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهه.

إرشاد الساري للقسطلاني:7/42:

قال قوم هو (أي الكرسي) جسم بين يدي العرش... وزعم بعض أهل الهيئة من الإسلاميين أن الكرسي هو الفلك الثامن... وهو الأطلس.

إرشاد الساري للقسطلاني:7/312:

قال ابن كثير: والعرش فوق العالم مما يلي رؤس الناس.

و قالوا عرش الله كرسي متحرك

مجمع الزوائد:10/154:

وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله (ص): ينزل ربنا تبارك وتعالي إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل فيقول... فيكون كذلك حتي يصبح الصبح ثم يعلو عز وجل علي كرسيه. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه... ويحيي بن إسحاق لم يسمع من عبادة ولم يرو عنه غير موسي بن عقبة، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح.

فردوس الأخبار للديلمي:5/360:

عبادة بن الصامت: ينزل الله عز وجل كل ليلة إلي السماء الدنيا فلا يزال كذلك حتي يصلي الصبح، ثم يعلو ربنا عز وجل علي كرسيه.

فردوس الأخبار للديلمي:5/361:

ينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة، ويضع عرشه حيث يشاء من الأرض.

و قالوا العرش غير الكرسي، و قالوا العرش هو الكرسي

فردوس الأخبار للديلمي:5/365:

ينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلي الكرسي.

معالم التنزيل للبغوي:1/239:

أبو هريرة: الكرسي هو العرش.

وروي السيوطي في:1/324:

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول الكرسي هو العرش... فقال رسول الله(ص)... وسع كرسيه السموات والأرض، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد. ورواه في كنز العمال:14/636.

تفسير قوله تعالي: عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا

أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلي غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 78-79

و قالوا يجلس الله علي عرشه و يجلس النبي إلي جانبه

روي الدارمي في سننه:2/325:

عن ابن مسعود عن النبي(ص)قال قيل له ما المقام المحمود؟ قال: ذاك يوم ينزل الله تعالي علي كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسي إبراهيم، يقول الله تعالي أكسوا خليلي، فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسي علي أثره ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والاخرون. ورواه الحاكم في المستدرك:2/364 والبغوي في مصابيحه:3/552 والهندي في كنز العمال:14/412 والسيوطي في الدر المنثور:3/84.

وقال السيوطي في الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324:

وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال: ذلك يوم ينزل الله علي كرسيه يئط منه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه، وهو كسعة ما بين السماء والأرض. ورواه في كنز العمال:14/636.

وقال السيوطي في الدر المنثور:4/198:

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محمودا، قال: يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام ويشفع لامته، فذلك المقام المحمود.

وروي البيهقي في دلائل النبوة:5/481:

يأتي رسول الله (ص) يوم القيامة إلي الله وهو جالس علي كرسيه.

دلائل النبوة للبيهقي:5/486:

عن عبد الله بن سلام:.. وينجو النبي (ص) والصالحون معه وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم.. حتي ينتهي إلي الله عز وجل فيلقي له كرسي.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:3/85:

ابن عمر: عسي الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، يجلسني

معه علي السرير.

وفي فردوس الأخبار:4/298:

أنس بن مالك: من كرامتي علي ربي عز وجل قعودي علي العرش.

وقال الشوكاني في فتح القدير:3/316:

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً (ص) معه علي كرسيه، حكاه ابن جرير... وقد ورد في ذلك حديث.

تاريخ بغداد:3/22:

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي، أخبرنا يحيي بن وصيف الخواص، حدثنا أحمد بن علي الخراز، حدثنا المعيطي وغير واحد قالوا: حدثنا محمد بن فضيل عن ليث بن مجاهد في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال: يقعده معه علي العرش..

تاريخ بغداد:8/52:

عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال قال رسول الله (ص): الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد!

قال أبوبكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن سلم العابد حين قدمنا إلي بغداد: أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة فكتبه أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً، وقال أبو بكر بن سلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد(ص)ليجلسه عليه. قال أبو بكر الصيدلاني: من رد هذا فإنما أراد الطعن علي أبي بكر المروذي، وعلي أبي بكر بن سلم العابد....

و نفي الفكرة بعض علماء السنة

صحيح شرح العقيدة الطحاوية:1/570:

قال الإمام الطحاوي رحمه الله: والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار، ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم، ولا نقنطهم.

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي صلي الله عليه وآله، ومن تلك الآيات قوله تعالي: وَلَسَوْفَ

يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، الضحي: 3، وقال تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79، وتفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت في الصحيحين وغيرهما [1] وقال الله تعالي: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً. طه: 9-10. وقال تعالي: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ يونس: 3. وفي شفاعة الملائكة قوله تعالي: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء: 78.

[1] أنظر البخاري 3-338 و 8-399 و 13-422 ومسلم 1-179. ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد علي العرش بجنب الله!! تعالي الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً، وهم يعتمدون علي ذلك علي ما يروي عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع، وتكفل الخلال في كتابه السنة 1-209 بنصرة التفسير المخطئ المستبشع، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء!.

و قال المستشرقون إنها فكرة مسيحية

مذاهب التفسير الإسلامي لجولد تسيهر/122:

... سجلت فتنة ببغداد، أثارها نزاع علي مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. ما المراد من المقام المحمود؟ ذهب الحنابلة... إلي أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله سبحانه يقعد النبي معه علي العرش... ربما كان هذا متأثراً بما جاء في إنجيل مرقص 16، 19، وآخرون ذهبوا إلي أن المقام المحمود.. هو مرتبة الشفاعة التي يرفع اليها النبي.

و اعترفوا بأن بعض هذه الأحاديث موضوع

ميزان الاعتدال:4/174:

أنبأني جماعة عن عين الشمس الثقفية، أخبرنا محمد بن أبي ذر سنة ست وعشرين وخمسمائة، أخبرنا أبوطاهر عبدالرحيم، أخبرنا عبدالله بن محمد القباب، أخبرنا أحمد بن الحسن بن هارون الأشعري، حدثنا علي بن محمد القادسي بعكبرا سنة ست وخمسين ومائتين، حدثنا محمد بن حماد، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين حبيب الله فيتخطي صفوف الملائكة حتي يصير إلي العرش حتي يجلسه معه علي العرش، حتي يمس ركبته. فهذا لعله وضعه أحد هؤلاء أصحاب مقاتل أو القادسي.

و قالوا يجلس صاحب أحمد بن حنبل علي سجاد العرش

تاريخ بغداد:12/112:

حدثنا أحمد بن عبد الله الحفار، قال رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع الله بك؟ قال: حباني وأعطاني وقربني وأدناني. قال قلت: الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله به؟ قال: الساعة تركته علي زلالي، يريد العرش. انتهي. وقال في هامشه: الزلية: بكسر الزاي واللام البساط، والجمع زلالي. عن القاموس.

و قالوا يجلس أبابكر علي كرسي عند العرش

تاريخ بغداد:4/386:

عن ابن أبي ذئب، عن معن بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال قال النبي (ص): إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أمام العرش ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لابي بكر كرسي، فنجلس عليها وينادي مناد يالك من صديق بين خليل وحبيب.!!

تفسير قوله تعالي: فلما آسفونا انتقمنا منهم

قال تعالي عن فرعون: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوُه إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ. فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. الزخرف: 54-55.

قال أهل البيت: إن الله لا يأسف كأسفن

الكافي:1/144:

محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، فقال: إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنه جعلهم الدعاة إليه والادلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن ذلك يصل إلي خلقه، لكن هذا معني ما قال من ذلك، وقد قال: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها، وقال: ومن يطع الرسول فقد أطاع الله. وقال: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم. فكل هذا وشبهه علي ما ذكرت لك، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك.

ولو كان يصل إلي الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما، لجاز لقائل هذا أن يقول: إن الخالق يبيد يوماً ما، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الابادة، ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالي الله عن هذا القول علواً كبيرا، بل هو الخالق للاشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم إن شاء الله تعالي. انتهي.

أقول: ومما يؤيد تفسير آسفونا في الآية بأنهم آسفوا الأنبياء والاوصياء (عليهم السلام)، أنه تعالي قال (آسفونا) بجمع المتكلم ولم يقل آسفوني بالمفرد، وقد فسرها الإمام عليه السلام بأن الله تعالي نسب الفعل

إلي نفسه لانهم آسفوا عباده الخاصين، لأن إغضابهم إغضاب له تعالي.

وهذا يفتح لنا باباً لفهم نسبة الفعل الإلهي وقانونها في القرآن، ومتي يسند الفعل إلي الله تعالي بصيغة المفرد المتكلم، ومتي يسند بصيغة الجمع، أو بصيغة الغائب. فإن دراسة الأفعال المسندة إلي الله تعالي في القرآن، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها، سيعطينا فوائد متعددة في معرفة أنواع الفعل الالهي ووسائله. ففي كل نوع من صيغ نسبته إلي الله تعالي هدف، ووراءه قاعدة..

فبعض الأفعال أسندها عز وجل إلي نفسه بصيغة المفرد المتكلم وجمع المتكلم والمفرد الغائب، مثل: أوحيت، أوحينا، نوحي، أوحي... وبعضها أسندها بصيغة جمع المتكلم والغائب فقط ولم يسندها بصيغة المفرد مثل: بشرنا، أرسلنا، صورنا، رزقنا، بينا.. الخ. ولم يقل بشرت أو رزقت.... الخ.

إن كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بموجب علوم إلهية عميقة وحسابات ربانية دقيقة، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ). وإن كشف أصل وجود القاعدة في نسبة الفعل الإلهي في القرآن بحد ذاته أمر مهم. ولكن معادلتها وتطبيقاتها ستبقي علي الأرجح ظناً وتخميناً، لأننا محرومون من الذي عنده علم الكتاب روحي فداه!

روي في الاحتجاج أن شخصاً جاء إلي أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: لولا ما في القرآن من الإختلاف والتناقص لدخلت في دينكم! فقال له عليه السلام: وما هو فقال:... أجد الله يقول: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، وفي موضع آخر يقول: الله يتوفي الأنفس حين موتها، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وما أشبه ذلك، فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت، ومرة للملائكة... فقال أمير المؤمنين: سبوح قدوس رب الملائكة والروح،

تبارك وتعالي، هو الحي الدائم، القائم علي كل نفس بماكسبت، هات أيضاً ما شككت فيه:

قال: حسبي ما ذكرت... قال عليه السلام: فأما قوله: الله يتوفي الأنفس حين موتها، وقوله: يتوفاكم ملك الموت، وتوفته رسلنا، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم... فهو تبارك وتعالي أعظم وأجل من أن يتولي ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفي جل ذكره من الملائكة رسلاً وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم: الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.. فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكل ما يأتون به منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفي الانفس علي يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب علي يد من يشاء، وإن فعل أمنائه فعله. انتهي.

التوحيد للصدوق/168:

باب معني رضاه عز وجل وسخطه.

حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثني أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد عيسي اليقطيني، عن المشرقي، عن حمزة بن الربيع، عمن ذكره قال: كنت في مجلس أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له: جعلت فداك قول الله تبارك وتعالي: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَي، ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: هو العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن الله عز وجل زال من شئ إلي شئ فقد وصفه صفة مخلوق، إن الله عز وجل لا يستفزه شئ ولا يغيره.

وبهذا الإسناد، عن أحمد

بن أبي عبد الله:... كما في رواية الكافي المتقدمة.

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم أن رجلاً سأل أبا عبدالله عليه السلام عن الله تبارك وتعالي له رضا وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك علي ما يوجد من المخلوقين، وذلك أن الرضا والغضب دَخَال يدخل عليه فينقله من حال إلي حال (لأن المخلوق أجوف) معتمل مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد أحدي الذات واحدي المعني، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه، من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلي حال، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالي القوي العزيز الذي لا حاجة به إلي شئ مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، إنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام) فقلت له: يابن رسول الله أخبرني عن الله عز وجل هل له رضا وسخط؟ فقال: نعم وليس ذلك علي ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

بحار الأنوار:4/63:

روي حديث توحيد الصدوق الثالث، وقال:

بيان: في الكافي هكذا: فينقله من حال إلي حال لأن المخلوق أجوف معتمل. وهو الظاهر. والحاصل أن عروض تلك الاحوال والتغيرات إنما يكون لمخلوق أجوف له قابلية ما يحصل فيه ويدخله، معتمل يعمل بأعمال صفاته وآلاته، مركب من أمور مختلفة وجهات مختلفة للأشياء من الصفات والجهات والآلات فيه مدخل، وخالقنا تبارك

اسمه لا مدخل للاشياء فيه لإستحالة التركيب في ذاته، فإنه أحدي الذات واحدي المعني، فإذن لا كثرة فيه لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية، وإنما الإختلاف في الفعل فيثيب عند الرضا ويعاقب عند السخط. قال السيد الداماد رحمه الله: المخلوق أجوف لما قد برهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيعة أن كل ممكن زوج تركيبي، وكل مركب مروج الحقيقة فإنه أجوف الذات لا محالة، فما لا جوف لذاته علي الحقيقة هو الاحد الحق سبحانه لا غير، فإذن الصمد الحق ليس هو إلا الذات الأحدية الحقة من كل جهة، فقد تصحح من هذا الحديث الشريف تأويل الصمد بما لا جوف له وما لا مدخل لمفهوم من المفهومات وشئ من الأشياء في ذاته أصلاً.

الإحتجاج: عن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق عن الصادق عليه السلام. فقال: فلم يزل صانع العالم عالماً بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها؟ قال: لم يزل يعلم فخلق. قال: أمختلف هو أم مؤتلف؟ قال: لا يليق به الإختلاف ولا الايتلاف، إنما يختلف المتجزي ويأتلف المتبعض، فلا يقال له: مؤتلف ولا مختلف.

قال: فكيف هو الله الواحد؟

قال: واحد في ذاته فلا واحد كواحد، لأن ما سواه من الواحد متجزئ، وهو تبارك وتعالي واحد لا متجزئ، ولا يقع عليه العد.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

إرشاد الساري:4/235:

الغضب من المخلوقين شئ يداخل قلوبهم، ولا يليق أن يوصف الباري تعالي بذلك، فيؤول ذلك علي ما يليق به تعالي، فيحمل علي آثاره ولوازمه. وفي:5 ص 229 والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال الشر إلي المغضوب عليه.وفي ج 6/156 نسبة الضحك والتعجب إلي الباري جل وعلا مجازية، والمراد بهما الرضا بصنيعهما.

شرح مسلم للنووي:2 جزء

3/68:

المراد بغضب الله تعالي ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه.. لأن الله تعالي يستحيل في حقه التغير في الغضب.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

تفسير الصنعاني:2/166:

حدثنا عبد الرزاق قال: سمعت ابن جريج يقول: وغضب في شئ فقيل له: أتغضب يا أبا خالد! فقال: قد غضب خالق الأحلام، إن الله تعالي يقول لما آسفونا، أغضبونا.

عن سماك بن الفضل قال: كنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتي بعامل لعروة.. فقالوا فعل وفعل، وثبت عليه البينة، قال فلم يملك وهب بن منبه نفسه فضربه علي قرنه بعصا وقال: أفي زمن عمر بن عبدالعزيز يصنع مثل هذا قال: فاشتهاها عروة... وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب وهو يغضب! قال وهب: قد غضب خالق الأحلام، إن الله يقول: فلما أسفونا انتقمنا منهم، يقول أغضبونا. انتهي. وقد ذكرنا في فصل مكانة المشبهين والمجسمين في مصادر إخواننا: أن وهباً استند في الظاهر إلي الآية ليثبت أن الغضب الإلهي كغضب البشر، ولكن أصل الغضب الإلهي في ثقافته هو الغضب التلمودي الذي قال عنه الدكتور أحمد شلبي في مقارنة الأديان: 1/267: يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود علي لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة علي بني إسرائيل فاستولي عليه الطيش فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم علي ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة. انتهي. والمصيبة أن اخواننا أخذوا نسبة الغضب البشري إلي الله تعالي من وهب وأمثاله من اليهود وجعلوها من عقائد الإسلام،

ثم قعدوا يبكون من خطر الاسرائيليات علي الإسلام والمسلمين!

الدر المنثور:6/19:

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة: فَلَمَّا آسَفُونَا، قال أغضبونا.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: فَلَمَّا آسَفُونَا، قال أغضبونا. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: فَلَمَّا آسَفُونَا، قال أغضبونا.

دلائل النبوة للبيهقي:5/477:

عن أبي هريرة قال:... فيأتون موسي فيقولون: يا موسي أنت رسول الله.. إشفع لنا عند ربك.. فيقول لهم موسي: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله، وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها.. نفسي نفسي، إذهبوا إلي عيسي... قال: فيأتون عيسي فيقولون: يا عيسي أنت رسول الله إشفع لنا عند ربك... فيقول لهم عيسي: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله، ولم يذكر ذنباً، نفسي نفسي، إذهبوا إلي غيري، إذهبوا إلي محمد (ص).

مقالات الإسلاميين للأشعري:1/211:

واختلف الناس في حملة العرش ما الذي يحمله؟ فقال قائلون الحملة تحمل الباري وأنه إذا غضب ثقل علي كواهلهم، وإذا رضي خف!.. وقال بعضهم الحملة ثمانية أملاك. وقال بعضهم ثمانية أصناف. وقال قائلون: إنه علي العرش.

الإيمان لابن تيمية/424:

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة: يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... عن النبي: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دوية مهلكة.. وكذلك ضحكه إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنه، وضحكه إلي الذي يدخل الجنه آخر الناس ويقول أتسخر بي وأنت رب العالمين... وكل هذا في الصحيح..

فتاوي ابن باز:2/96:

وهكذا القول في باقي الصفات، من السمع، والبصر، والرضي، والغضب، واليد، والقدم، والاصابع، والكلام، والإرادة، وغير ذلك، كلها يقال إنها

معلومة من حيث اللغة العربية! فالإيمان بها واجب والكيف مجهول لنا لا يعلمه إلا الله... انتهي.

وإذا كان الكي_ف مجهولاً كما يقول المفتي ابن باز فلماذا يصر علي تفسيره بالظاهر الحسي ولماذا لا يكون مفوضاً مثل مفوضة السلف، اللذين أوكلوا هذه الصفات إلي الله تعالي؟!

تفسير آيات أخري تتعلق بالموضوع

قال الصدوق في التوحيد/159:

باب تفسير قول الله عز وجل: نسوا الله فنسيهم

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان قال: حدثنا أبوحامد عمران بن موسي بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام، عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبدالعزيز بن مسلم قال: سألت الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا ينسي ولا يسهو، وإنما ينسي ويسهو المخلوق المحدث، ألا تسمعه عز وجل يقول: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وقوله عز وجل: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا. أي نتركهم كما تركوا الإستعداد للقاء يومهم هذا.

قال مصنف هذا الكتاب (رض): قوله: نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجو لقاء يومه، لأن الترك لا يجوز علي الله عز وجل.

وأما قول الله عز وجل: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ، أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا.

باب تفسير قوله عز وجل: والأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه.

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني (رض) قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي

بن محمد المعروف بعلان الكليني قال: حدثنا محمد بن عيسي بن عبيد قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، فقال: ذلك تعبير الله تبارك وتعالي لمن شبهه بخلقه، ألا تري أنه قال: وما قدروا الله حق قدره، ومعناه إذ قالوا: إن الأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه، كما قال عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إذ قالوا: ما أنزل الله علي بشر من شئ، ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة واليمين فقال: سبحانه وتعالي عما يشركون.

حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن يحيي بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فقال: يعني ملكه لا يملكها معه أحد، والقبض من الله تبارك وتعالي في موضع آخر المنع، والبسط منه الإعطاء والتوسيع، كما قال عز وجل: وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق، والقبض منه عز وجل في وجه آخر الأخذ في وجه القبول منه كما قال: ويأخذ الصدقات، أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها.

قلت: فقوله عز وجل: وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ قال: اليمين اليد، واليد القدرة والقوة، يقول عز وجل: السماوات مطويات بقدرته وقوته، سبحانه وتعالي عما يشركون.

باب تفسير قول الله عز وجل: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال: حدثنا

أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه قال: سألت الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده، ولكنه يعني أنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون.

باب تفسير قوله عز وجل: وجاء ربك والملك صفاً صف

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه قال: سألت الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، فقال: إن الله عز وجل لا يوصف بالمجي والذهاب، تعالي عن الانتقال، إنما يعني بذلك: وجاء أمر ربك والملك صفاً صفاً.

باب تفسير قوله عزوجل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَاتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ، قال: يقول هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام، وهكذا نزلت. انتهي. أي هكذا نزل تفسيرها معها.

باب تفسير قوله عز وجل: سخر الله منهم

وقوله عز وجل: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وقوله عز وجل: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، وقوله عز وجل: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ

خَادِعُهُمْ.

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ، وعن قول الله عز وجل: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وعن قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ، وعن قوله: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا يسخر ولا يستهزي ولا يمكر ولا يخادع، ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الإستهزاء وجزاء المكر والخديعة، تعالي الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

باب معني الحجزة

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن محمد بن بشر الهمداني قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، قلت: يا أمير المؤمنين وما الحجزة قال: الله أعظم من أن يوصف بالحجزة أو غير ذلك، ولكن رسول الله صلي الله عليه وآله آخذ بأمر الله، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا، وشيعتنا آخذون بأمرنا.

أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي عن الحسن بن علي الخزاز، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، ثم قال: والحجزة النور.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق

رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثني علي بن العباس قال: حدثنا الحسن بن يوسف، عن عبدالسلام، عن عمار بن أبي اليقظان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجي رسول الله صلي الله عليه وآله يوم القيامة آخذاً بحجزة ربه، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، فنحن وشيعتنا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، والله ما نزعم أنها حجزة الإزار ولكنها أعظم من ذلك، يجي رسول الله صلي الله عليه وآله آخذاً بدين الله، ونجي نحن آخذين بدين نبينا، وتجي شيعتنا آخذين بديننا. وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: الصلاة حجزة الله، وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي مادام في صلاته، قال الله عز وجل: إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

باب معني العين والاذن واللسان

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لله عز وجل خلقاً من رحمته خلقهم من نوره ورحمته، من رحمته لرحمته فهم عين الله الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق في خلقه بإذنه، وأمناؤه علي ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة، فبهم يمحو السيئات، وبهم يدفع الضيم، وبهم ينزل الرحمة، وبهم يحيي ميتاً، وبهم يميت حياً، وبهم يبتلي خلقه، وبهم يقضي في خلقه قضيته. قلت: جعلت فداك من هؤلاء؟ قال: الأوصياء.

باب معني قوله عز وجل: وقالت اليهود يد الله مغلولة

غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان.

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن

عبدالله، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه، عن علي بن نعمان، عن إسحاق بن عمار، عمن سمعه، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال في قوله الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ، لم يعنوا أنه هكذا، ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيباً لقولهم: غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. ألم تسمع الله عز وجل يقول: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسي، عن المشرقي، عن عبد الله بن قيس، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول: بل يداه مبسوطتان، فقلت: له يدان هكذا، وأشرت بيدي إلي يده، فقال: لا، لو كان هكذا لكان مخلوقاً.

باب معني قوله عز وجل: ونفخت فيه من روحي

حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله الله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، قال: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه إلي نفسه (كذا) وفضله علي جميع الأرواح، فأمر فنفخ منه في آدم.

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن فضال، عن الحلبي وزرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالي أحد، صمد، ليس له جوف، وإنما الروح خلق من خلقه، نصر وتأييد وقوة، يجعله الله في

قلوب الرسل والمؤمنين.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر بن صالح، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، كيف هذا النفخ؟ فقال: إن الروح متحرك كالريح، وإنما سمي روحاً لأنه اشتق اسمه من الريح، وإنما أخرجه علي لفظ الروح لأن الروح مجانس للريح، وإنما أضافه إلي نفسه لأنه اصطفاه علي سائر الأرواح، كما اصطفي بيتاً من البيوت فقال بيتي، وقال لرسول من الرسل خليلي، وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث، مربوب مدبر.

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي جعفر الاصم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم عليه السلام والتي في عيسي عليه السلام ماهما؟ قال: روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما، روح آدم عليه السلام وروح عيسي عليه السلام.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، قال: من قدرتي.

حدثنا محمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران رضي الله

عنهم قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن أسماعيل البرمكي قال: حدثنا علي بن العباس قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، قال: إن الله عز وجل خلق خلقاً وخلق روحاً، ثم أمر ملكاً فنفخ فيه، فليست بالتي نقصت من قدرة الله شيئاً من قدرته.

تم المجلد الثاني من كتاب العقائد الإسلامية

ويليه المجلد الثالث إن شاء الله تعالي، وأوله بحث الشفاعة

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.