تنقیح مبانی العروه: کتاب الطهاره المجلد 5

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان قراردادی : عروه الوثقی . شرحعروة الوثقی. شرح

عنوان و نام پدیدآور : تنقیح مبانی العروه/ تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم: دارالصدیقه الشهیده، 14ق= 20م= 13-

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : دوره 964-8438-22-6 : ؛ دوره 978-964-8438-22-2 : ؛ 25000 ریال: ج.1 964-8438-21-8 : ؛ ج.1، چاپ دوم 978-964-8438-21-5 : ؛ 25000 ریال: ج.2 964-8438-27-7 : ؛ 25000 ریال: ج.3 964-8438-22-6 : ؛ ج. 4، چاپ دوم 978-964-8438-43-7 : ؛ ج. 5 978-964-8438-49-9 : ؛ ج.6، چاپ دوم 978-964-8438-63-5 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم: 1426ق = 1384.

یادداشت : ج.1 (چاپ اول: 1426ق.= 1383).

یادداشت : ج. 1 - 4 و 6 (چاپ دوم: 1429ق = 1387).

یادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1429 ق. = 1387).

یادداشت : کتاب حاضر شرحی بر "عروة الوثقی" محمد کاظم بن عبدالعظیم یزدی است.

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج.1. الاجتهاد والتقلیدو الطهاره.- ج.2 - 4. الطهاره

موضوع : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقی. برگزیده

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : طهارت

شناسه افزوده : یزدی، محمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقی. شرح

رده بندی کنگره : BP183/5/ی4ع40232173 1300ی

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : 1100399

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

ص :5

ص :6

اشارة

ادامة کتاب الطهارة

فصل فی شرایط الوضوء

اشارة

الأول:إطلاق الماء،فلا یصح بالمضاف،ولو حصلت الاضافة بعد الصب علی المحل من جهة کثرة الغبار أو الوسخ علیه فاللازم کونه باقیاً علی الإطلاق الی تمام الغسل[1]

--------------

اعتبار إطلاق ماء الوضوء

[1]

قد تقدّم فی بحث المضاف أنّ الماء المضاف لا یرفع حدثاً ولا خبثاً والمعتبر أن لا یکون ما یتوضأ به مضافاً وإن حصلت الإضافة فیه بصبّ الماء علی موضع الغسل لکثرة غباره أو الوسخ علیه،ولکن إذا حصلت الإضافة بعد حصول مسمّی الغسل الحدوثی لموضع الصب فاللازم غسل الموضع الثانی الذی صار الماء بوصوله إلیه مضافاً،ولا یعتبر إعادة الغسل علی الموضع الذی قبله.

وعلی الجملة،المعتبر بقاء الماء علی إطلاقه إلی حصول مسمّی الغسل للموضع وإن لم یتمّ الغسل علی تمام العضو،غایة الأمر یتمّ الغسل من موضع الخروج إلی الإضافة بالماء المطلق.

ص :7

الثانی:طهارته[1]

.

--------------

ویکفی فی اعتبار إطلاق الماء مضافاً إلی ما تقدّم فی بحث المضاف قوله سبحانه: «فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَیَمَّمُوا» (1) حیث إنّ انصراف الماء إلی غیر المضاف منه من الواضحات،وکذا ما ورد فی أنّ الطهور هو الماء والصعید (2) ،ومقتضی الثانیة اعتبار کون ما یتطهر به عند التطهر مطلقاً فلا یکفی الماء إذا خرج عند مروره علی العضو مضافاً.

شرطیة طهارة ماء الوضوء

[1]

لا یصحّ الوضوء بالماء المتنجس سواء کان مع العلم أو الجهل بملاقاته النجاسة،فالصلاة المأتی بها بذلک الوضوء فاسدة تجب إعادتها فی وقتها،ومع فوتها قضاؤها خارج الوقت وخالف فی ذلک صاحب الحدائق رحمه الله والتزم بصحة الوضوء بالماء إذا لم یعلم ملاقاته النجاسة وأنّ الصلاة المأتی بها لا تجب إعادتها فضلاً عن قضائها.ویظهر من ملاحظة کلامه من صدره إلی ذیله أنّه لا ینکر اشتراط طهارة الماء، وإنما یدّعی أنّ الماء إذا لم یعلم ملاقاته النجاسة طاهر وأنّ الملاقاة الواقعیة مع الجهل بها لا توجب نجاسة الماء،وذکر أثناء کلامه أنّه لم یرّ من تنبّه بما ذکره واختار ما حققه إلّاالعلّامة السید نعمة اللّٰه الجزائری فی رسالة التحفة،والشیخ جواد الکاظمی فی شرح الرسالة الجعفریة (3) .

وعمدة ما اعتمد علیه (4) فی هذا الحکم أُمور ثلاثة:

الأوّل: ما عبر عنه بالأصل فی المذهب من معذوریة الجاهل،علی مایستفاد

ص :8


1- (1)) سورة النساء:الآیة 43.
2- (2)) وسائل الشیعة 3:370،الباب 14 من أبواب التیمّم،الحدیث 15.
3- (3)) الحدائق الناضرة 2:370 - 375.
4- (4)) فی الحدائق الناضرة 1:78 - 80.

..........

من الروایات فی موارد مختلفة کقوله علیه السلام فیمن أحرم فی قمیصه مع جهله بعدم جواز لبس القمیص للمحرم وعدم جواز الإحرام فیه، (1) وما ورد فی معذوریة من تزوّج امرأة فی عدتها جهلاً بکونها فی العدة أو جهله بحرمة التزویج زمان العدة (2) وما ورد من معذوریة مرتکب موجب الحدِّ مع جهله بحرمة الارتکاب، (3) إلی غیر ذلک مما لا یرتبط الحکم فی المقام أصلاً؛ لما تقدم من أن وجوب الإعادة أو القضاء لم یترتب علی ارتکاب الفعل أو ترکه لیقال إنه لا یترتب علیهما مع الجهل بحال الارتکاب أو الترک،فإن وجوب الإعادة عبارة أُخری عن لزوم امتثال التکلیف المتعلق بالصلاة المتقیدة بالوضوء المفروض فعلیة ذلک التکلیف،کما أن وجوب القضاء مترتب علی فوت الصلاة فی وقتها،ومدلول تلک الروایات أن الأثر الشرعی المترتب علی ارتکاب فعل أو ترکه فیما إذا کان ذلک الأثر الشرعی من قبیل العقاب والجزاء علی الارتکاب یرتفع فیما إذا کان عن جهل.

الثانی: أن ما ورد من النهی عن شرب الماء الملاقی للنجاسة أو التوضؤ به کالنهی عن الغصب والتصرف فی مال الغیر بلا رضاه لا یعم صورة غفلة المکلف عن ملاقاة الماء للنجاسة،کما لا یعم النهی عن الغصب فی صورة الغفلة عن کون الشی ملک الغیر ولا یرضی بالتصرف فیه.

وهذا الوجه أیضاً کما تری فإن النهی عن الغصب تکلیف لا یمکن تعلقه بالغافل وغیر المتمکن بخلاف مثل قوله علیه السلام فی سؤر الکلب:رجس نجس لا یتوضأ بفضله (4) أو لا تتوضأ منه،فإن النهی إرشاد الی نجاسة الماء وبطلان الوضوء به ولیس

ص :9


1- (1)) وسائل الشیعة 12:488،الباب 45 من أبواب تروک الإحرام،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 20:450،الباب 17 من أبواب ما یحرم بالمصاهرة و نحوها،الحدیث 4.
3- (3)) وسائل الشیعة28:33،الباب14 من أبواب مقدمات الحدود،الحدیث5.
4- (4)) وسائل الشیعة 1:226،الباب الأوّل من أبواب الأسآر،الحدیث 4.

..........

من التکلیف المتوجه إلی المکلف،فإن التوضؤ بالماء المتنجس لیس محرماً ذاتیاً بل حرمته تشریعیة،وقد ذکرنا مراراً أنّ للأمر والنهی فیما إذا کانا إرشادیین لا یتقید شیء منهما بالتمکّن فضلاً عن الذکر وعدم الجهل.

الثالث: ما ورد فی أنّ:«الماء کلّه طاهر حتّی یعلم أنّه قذر» (1) وقوله علیه السلام فی موثّقة عمار عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«کلّ شیء نظیف حتی تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر» (2) وقول علی علیه السلام فی معتبرة حفص بن غیاث،عن جعفر،عن أبیه،عن علی علیه السلام:«ما أبالی أبول أصابنی أو ماء إذا لم أعلم» (3) وفیه أنّ مفاد هذه الروایات هو الحکم بالطهارة الظاهریة.ولا تنافی فساد الوضوء مع النجاسة الواقعیة.

ویشهد لذلک أنّ قوله علیه السلام فی ذیل الموثّقة:«فإذا علمت فقد قذر» والوجه فی الشهادة أنّه لا یمکن أن یراد من قوله علیه السلام:«فقد قذر إلّاانقطاع الحکم الأوّل مع العلم بالقذارة ومقتضی ذلک أن یکون للقذارة ثبوت فی الواقع لیتعلّق بها العلم.

ودعوی أنّ المراد بها العلم بالملاقاة،وأنّ الشیء ما لم یعلم ملاقاته للنجاسة طاهر،وإنّما یکون نجساً بعد العلم بالملاقاة لا یمکن المساعدة علیها،فإنّ هذه الدعوی تفکیک بین القذر فی قوله علیه السلام:«کلّ شیء نظیف حتّی تعلم أنّه قذر» وبین القذر فی قوله:«فإذا علمت فقد قذر» ومع الإغماض عن کلّ ذلک فمقضی موثّقة عمار (4) الواردة:فیمن توضّأ واغتسل وغسل الثیاب من حبّ ماء ثمّ وجد فیه فأرة

ص :10


1- (1)) وسائل الشیعة 1:134،الباب الأوّل من أبواب الماء المطلق،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 3:467،الباب 37 من أبواب النجاسات،الحدیث 4.
3- (3)) المصدر السابق:الحدیث 5.
4- (4)) وسائل الشیعة 1:142،الباب 4 من أبواب الماء المطلق،الحدیث الأوّل.

وکذا طهارة مواضع الوضوء،ویکفی طهارة کلّ عضو قبل غسله،ولا یلزم أن یکون قبل الشروع تمام محالّه طاهراً[1]

.

--------------

متسلخة الحکم ببطلان الوضوء والغسل،وتنجس الثیاب المغسولة مع العلم بوقوعها زمان تنجّس ماء الحب،وإن لم یعلم ذلک عند التوضّؤ الاغتسال والغسل حیث علّل الإمام علیه السلام الحکم بصحّة الوضوء والغسل وطهارة الثیاب بأنّ المکلف لا یدری فعلاً زمان موت الفأرة فی الماء،ومقتضاه أنّه لو علم سبق موتها فی الماء یحکم ببطلانهما ونجاسة الثیاب المغسولة فراجع.

اشتراط طهارة محال الغسل والمسح

[1]

ربّما یقال فی اعتبار طهارة مواضع الوضوء فیما إذا لم یتنجّس الماء بغسل مواضع الوضوء،کما إذا کان العضو المتنجّس یکفی فی طهارته غسله مرة أو کان مغسولاً من قبل بغسلة وقصد بثانیتها الوضوء تأمّل،بل منع فإنّه بناءً علی طهارة هذه الغسالة کما ذکرنا سابقاً لا مانع من الحکم بتمام الوضوء أخذاً بالإطلاق فی مثل صحیحة داود بن فرقد الواردة فی حدّ الوضوء من قوله علیه السلام:«وتغسل وجهک ویدیک وتمسح رأسک ورجلیک» (1) بل بالإطلاق فی قوله سبحانه: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ » (2) الآیة.

ودعوی أنّ اعتبار طهارة الأعضاء قبل الوضوء أو اعتبار طهارة کلّ عضو قبل غسله للوضوء مقتضی أصالة عدم التداخل بین الأمر بالغسل للوضوء والأمر بالغسل من الخبث لا یخفی ما فیها؛ فإنّ أصالة عدم التداخل فیما إذا کان کلّ من الأمرین تکلیفاً لا غیر،والأمر إرشاداً إلی حصول المطهر من الخبث ونحوه غیر داخل فی

ص :11


1- (1)) وسائل الشیعة 1:387،الباب 15 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) سورة المائدة:الآیة 6.

..........

الأصل المزبور،نظیر ما إذا أصاب الثوب بول وخمر فإنّه بغسله مرّتین یطهر،ولا یلزم الغسل مرّة من إصابة الخمر ومرّتین من إصابة البول.

ونظیر ما ذکر ما إذا توضّأ عضو المتنجس بالارتماس فی الماء المعتصم فإنّ الغسل المزبور وکونه وضوءاً مقتضی الإطلاق المشار إلیه.

نعم،بناءً علی تنجس الماء بغسل المتنجس حتّی فی الغسلة المتعقبة لطهارة المحل،غایة الأمر یحکم بطهارة المغسول ما یتخلّف علیه من الماء فیه فلا یمکن الوضوء إلّابطهارة العضو قبل غسله للوضوء.

لا یقال: قد ورد فی روایات غسل الجنابة الأمر بإزالة الخبث عن الجسد قبل الاغتسال،وبما أنّه لا یحتمل الفرق بین أعضاء الوضوء فی المقام وأعضاء الغسل هناک فیحکم بالاعتبار فی المقامین.

فإنّه یقال: یأتی إن شاء اللّٰه تعالی عدم اعتبار ذلک فی الغسل أیضاً،وأنّ ما ورد فی إزالة الخبث أوّلاً کالأمر بغسل الیدین والفرج قبل الاغتسال من الآداب.

ولکن ربما یقال:إنّ مرور الماء القلیل علی الموضع المتنجس من العضوء إلی الطاهر منه لو أُرید به الوضوء یکون غسل الموضع الطاهر بغسالة الخبث،وظاهر معتبرة عبداللّٰه بن سنان عدم صحة الوضوء بغسالة الخبث قال علیه السلام فیها:«الماء الذی یغسل به الثوب أو یغسل به الرجل من الجنابة لا یجوز أن یتوضّأ منه و أشباهه، وأمّاالذی یتوضّأ الرجل به،فیغسل به وجهه ویده فی شیء نظیف فلا بأس أن یأخذه غیره ویتوضّأ به» (1) فإنّ ظاهر «أشباهه» الماء المستعمل فی الخبث علی ما تقدّم؛ وما فی ذیلها ناظر إلی استعمال الماء فی غسل الوجه والید فی شیء نظیف أی مع نظافتهما.

ص :12


1- (1)) وسائل الشیعة 1:215،الباب 9 من أبواب الماء المضاف والمستعمل،الحدیث 13.

فلو کانت نجسة ویغسل کلّ عضو بعد تطهیره کفی،ولا یکفی غسل واحد بقصد الإزالة والوضوء،وإن کان برمسه فی الکر أو الجاری،نعم لو قصد الإزالة بالغمس والوضوء بإخراجه کفی،ولا یضر تنجّس عضو بعد غسله[1]

وإن لم یتمّ الوضوء.

(مسألة 1) لا بأس بالتوضّؤ بماء القلیان ما لم یصر مضافاً[2]

.

(مسألة 2) لا یضرّ فی صحّة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن[3]

بعد کون محالّه طاهرة،نعم الأحوط عدم ترک الاستنجاء قبله.

--------------

والوجه فی کونها معتبرة هو أنّ الشیخ رواها بسنده إلی الحسن بن محبوب وفی الطریق أحمد بن هلال (1) ،ولکن ذکر فی الفهرست لجمیع روایات الحسن بن محبوب طریقاً آخر صحیح فلاحظ (2) ،ولکن هذا لا یفید اعتبار طهارة العضو فیما إذا توضّأ بالماء المعتصم،حیث إنّ المعتبرة وغیرهاممّاورد فی الماء المستعمل ظاهرهما الماء القلیل،وما ذکر قدس سره من قصد الوضوء عند الإخراج من الماء لا یفید؛ لما تقدّم من عدم کفایة الغسل البقائی فی الوضوء.

[1]

کما هو مقضی ما ورد فی حدّ الوضوء من الإطلاق؛ ولأنّ تنجس العضو أثناء الوضوء أو بعده لیس من النواقض.

[2]

الظاهر عدم خروج ماء القلیان إلی الإضافة أصلاً،وقد تقدّم فی بحث المیاه أنّ تغیّر لون الماء لا یخرجه عن الماء.

[3]

وکأنّه لا خلاف فیه ویقتضیه الإطلاق فی مثل صحیحة داود بن فرقد،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام عن أبیه قال له رجل:وما حدّه؟ قال:«تغسل وجهک ویدیک وتمسح

ص :13


1- (1)) التهذیب 1:221،الحدیث 13.
2- (2)) الفهرست:96،الرقم 162.

..........

رأسک ورجلیک» (1) نعم،ورد فی بعض روایات الاستنجاء الأمر بإعادة الوضوء مع نسیان الاستنجاء،وفی موثّقة أبی بصیر:«إذا أهرقت الماء ونسیت أن تغسل ذکرک حتّی صلیت فعلیک إعادة الوضوء وغسل ذکرک» (2) .

ولکن قد یقال بأنّ المراد من إعادة الوضوء الاستنجاء وقوله:«وغسل ذکرک» عطف تفسیری،وفیه أنّ هذا خلاف ظاهرها فإنّ الاستنجاء لم یقع قبل ذلک حتّی یؤمر بإعادته مع أنّ حمل الوضوء علی غیرما هو المعهود من لفظه خلاف الظاهر، فیتعیّن حمل الأمر بإعادة الوضوء علی الاستحباب؛ لما ورد فی الروایات من نفی إعادته بنسیان الاستنجاء.

وفی صحیحة علی بن یقطین،عن أبی الحسن علیه السلام فی الرجل یبول وینسی غسل ذکره ثمّ یتوضّأ وضوء الصلاة،قال:«یغسل ذکره ولا یعید الوضوء» (3) ونحوها غیرها کصحیحة عمرو بن أبی نصر قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام:أبول وأتوضّأ وأنسی استنجائی ثمّ أذکر بعد ما صلّیت؟ قال:«اغسل ذکرک وأعد صلاتک ولا تعد وضوءک» (4) .

وقد یقال:إنّ الجمع بین الطائفتین بحمل الأمر بالفعل علی الاستحباب یتمّ فی التکالیف،وأمّا الأمر الإرشادی إلی شرطیة الاستنجاء فی الوضوء فیکون الأمر المزبور متعارضاً مع نفی الإعادة فی الطائفة الأُخری،نظیر ما تقدّم فی الأخبار الآمرة بالوضوء بخروج المذی،مع ما دلّ علی عدم ناقضیة المذی،وعلیه فتحمل الأخبار الواردة فی إعادة الوضوء علی التقیة لحکایة القول المزبور عن العامّة.

ص :14


1- (1)) وسائل الشیعة 1:387،الباب 15 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:296،الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 8.
3- (3)) وسائل الشیعة 1:294،الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث الأوّل.
4- (4)) وسائل الشیعة 1:294،الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 3.

(مسألة 3) إذا کان فی بعض مواضع وضوئه جرح لا یضرّه الماء ولا ینقطع دمه فلیغمسه بالماء[1]

ولیعصره قلیلاً حتّی ینقطع الدم آناً ما ثمّ لیحرّکه بقصد الوضوء مع ملاحظة الشرائط الأُخر،والمحافظة علی عدم لزوم المسح بالماء الجدید إذا کان فی الید الیسری بأن یقصد الوضوء بالإخراج من الماء.

--------------

ولکن قد ذکرنا سابقاً أنّه لا یبعد أن یکون الحمل علی الاستحباب من الجمع العرفی لو ثبت استحباب الإعادة فی مثله،وفی موثّقة عمار الساباطی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل ینسی أن یغسل دبره بالماء حتّی صلّی إلّاأنّه قد تمسّح بثلاثة أحجار،قال:«إن کان فی وقت تلک الصلاة فلیعد الصلاة ولیعد الوضوء،وإن کان قد مضی وقت تلک الصلاة التی صلّی فقد جازت صلاته ولیتوضّأ لما یستقبل من الصلاة» (1) فإنّ هذه الموثّقة ظاهرها استحباب إعادة الصلاة والوضوء کما لا یخفی.

إذا کان فی مواضع الوضوء جرح

[1]

مراده قدس سره أنّه مع کون الجرح المزبور علی العضو یمکن تحصیل شرط الوضوء من تطهیر ذلک الجرح قبل غسل موضعه للوضوء،وذکر فی علاج تحصیل الشرط أن یدخل العضو المزبور فی الماء المعتصم ویعصره فیه بحیث ینقطع الدم آناً ما ثمّ یحرّکه فی الماء بقصد الوضوء،ویراعی حصول سائر شرائط الوضوء کغسل العضو من الأعلی فالأعلی،وکون الرطوبة الباقیة علی الکفّ من بلّة الوضوء،ویکون ذلک بقصده الوضوء عند إخراج العضو من الماء شیئاً فشیئاً،وإذا وصل الخروج إلی موضع الجرح یفعل فیه ما تقدّم ثمّ یخرجه من الماء بقصد الوضوء.

أقول: ما ذکره قدس سره مبنی علی کفایة الغسل البقائی فی الوضوء،وأمّا بناءً علی اعتبار الغسل الحدوثی،فیتعیّن أن یزیل الدم عن ذلک الموضع قبل إدخاله فی الماء

ص :15


1- (1)) وسائل الشیعة 1:317،الباب 10 من أبواب أحکام الخلوة،الحدیث الأوّل.

الثالث:أن لا یکون علی المحل حائل یمنع وصول الماء الی البشرة،ولو شکّ فی وجوده یجب الفحص حتی یحصل الیقین أو الظن بعدمه،ومع العلم بوجوده یجب تحصیل الیقین بزواله[1]

.

--------------

آناً بوضع إصبعه علی موضع الجرح،ثمّ یدخله فی الماء ویرفع إصبعه عنه عند وصول العضو إلی الماء حتّی یحصل الغسل الحدوثی،وإن غسل عضوه تحت الأنابیب المعمولة فی عصرنا فالأمر أسهل حیث یکفی أنّه إذا وصلت النوبة إلی غسل موضع الجرح أن یجعله تحت الأُنبوبة ویقصد الوضوء بوصول الماء إلی البشرة من موضع الجرح،فإنّ الماء بوصوله إلیه یزیل الدم ویصل إلی بشرة الموضع.

أن لا یکون علی المحل حائل یمنع وصول الماء

[1]

هذا الشرط لیس أمراً خارجیاً کاشتراط طهارة الماء وطهارة محال الوضوء، بل شرط داخلی لحصول غسل العضو،فإنّ المحقّق لهذا الغسل وصول الماء إلی البشرة ومع الحاجب علی الموضع لا یحصل،ولو شکّ المکلّف فی الحائل علی عضوه فلا یکفی الاستصحاب فی عدم الحائل،فإنّه لا یثبت وصول الماء إلی البشرة، کما أنّ دعوی أصالة عدم الحاجب أصل مستقل ولا یرتبط بالاستصحاب لیقال بأنه مثبت،قد ذکرنا سابقاً أن ما ذکر مجرد دعوی،بل لو کان علم أو اطمئنان بعدم الحاجب فهو،وإلّا وجب الفحص حتّی یحصل أحدهما،ولا یکفی مجرّد حصول الظن کما هو ظاهر الماتن؛ لعدم الدلیل علی اعتباره،بل لو علم بوجود الحاجب علی العضو فلابدّ من تحصیل أحدهما،ولا یعتبر خصوص تحصیل الیقین کما هو ظاهر الماتن رحمه الله حیث فرّق بین صورتی احتمال وجود الحاجب علی العضو واحتمال بقاء الحائل المعلوم وجوده سابقاً.

ص :16

الرابع:أن یکون الماء[1]

وظرفه ومکان الوضوء ومصبّ مائه مباحاً،فلا یصحّ لو کان واحد منها غصباً من غیر فرق بین صورة الانحصار وعدمه؛ إذ مع فرض عدم الانحصار وإن لم یکن مأموراً بالتیمّم إلّاأنّ وضوءه حرام من جهة کونه تصرّفاً أو مستلزماً للتصرّف فی مال الغیر فیکون باطلاً.

--------------

اشتراط إباحة الماء و ظرفه و مکان الوضوء و...

[1]

لا ینبغی التأمّل فی اشتراط إباحة الماء،فإنّ ترکیب الغسل ولو بعنوان الوضوء فی التوضّؤ بالماء المملوک للغیر مع العدوان علی الغیر فی ملکه اتّحادی، فلا یمکن أن یعمّه الإطلاق فی أدلّة مشروعیة الوضوء أو إیجابه الغیری أو یعمّه الترخیص فی تطبیق طبیعی الوضوء المقیّد به الصلاة ونحوها علی التوضّؤ بالماء المملوک للغیر،ولا یبعد أن یکون الأمر کذلک فی اشتراط إباحة ظرف الماء فیما إذا کان التوضّؤ برمس العضو فیه،فإنّ إدخال العضو فی الماء کما أنّه توضّؤ کذلک تصرّف فی الظرف المملوک للغیر.

وبتعبیر آخر،لا یمکن فی الفرض الترخیص فی تطبیق الوضوء المأمور به علی الغسل بالارتماس ولو بنحو الترتّب؛ لأنّ النهی عن العدوان للغیر فی ملکه انحلالی یعمّ جمیع أفراد التصرف فی ملک الغیر،ومنها نفس رمس العضو فی الماء فی الظرف المغصوب فإنّ نفس الرمس فیه تصرّف فی ملک الغیر،وهذا بخلاف التوضّؤ من الماء المباح الموجود فی الظرف المغصوب فإنّ المحرم اغتراف الماء من ذلک الإناء،وأمّا غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین غیر متّحد مع المحرم فیمکن الترخیص فی تطبیق الوضوء علی الغسل بالماء المغترف علی تقدیر الاغتراف بنحو الترتّب،سواء کان دفعةً کما إذا صب الماء من الظرف المزبور إلی ظرفٍ آخر،أو کان بنحو التدریج فإنّ الترخیص فی التطبیق أو الأمر بالصلاة مع الوضوء علی تقدیر الاغترافات الثلاثة بلا محذور،کما ذکرنا تفصیل ذلک فی مسألة

ص :17

..........

التوضّؤ من أوانی الذهب والفضّة بنحو الاغتراف.

وبتعبیر آخر،الترکیب بین الوضوء والغصب فی الفرض انضمامی بحیث یمکن الأمر بالوضوء أو الترخیص فی التطبیق فیه یمکن بنحو الترتّب.

وممّا ذکر یظهر أنّه یحکم بصحّة الوضوء بنحو الاغتراف مع وجود ماء آخر ومع عدمه فلا یفرق فی الحکم بالصحّة بین المندوحة وعدمها.

نعم،الفرق بینهما أنّه فی صورة الانحصار یجب علیه الصلاة بالتیمّم،فیما إذا کان تفریغ الماء المباح من الظرف المغصوب أیضاً من أفراد التصرّف المحرّم فی الإناء المزبور،کما إذا کان إلقاء مائه فیه بسوء اختیاره کإبقائه فیه علی ما هو المقرر فی مسألة التوسّط فی الدار المغصوبة،وإلّا یجب علیه تفریغ الماء فی إناء آخر والوضوء به.

وأمّا إذا کان المغصوب مکان الوضوء،فإن کان المراد من المکان موقف المتوضّئ من غیر أن یکون الفضاء مغصوباً فالأظهر صحّة الوضوء،سواء کان ذلک مع الانحصار أو عدمه،فأمّا مع عدم الانحصار،فلعدم اتحاد متعلّقی الأمر والنهی فی الوجود أصلاً وإمکان إبقاء کلّ من متعلّقی الأمر والنهی علی إطلاقه،غایة الأمر یکون الترخیص فی تطبیق متعلّق الأمر علی المأتی به فی المکان المغصوب علی نحو الترتّب.

ومن هنا یظهر صحّته مع الانحصار للأمر بطبیعی الوضوء بنحو الترتّب،وإنّما الفرق بین الانحصار وعدمه أنّه فی الأوّل یستقلّ العقل بموافقة النهی عن الغصب، ومعها یکون فاقداً للماء فیتیمّم لصلاته،بخلاف صورة عدم الانحصار فإنّه یتعیّن علیه الوضوء فی غیر ذلک المکان وترک الغصب امتثالاً لکلا التکلیفین.

وأمّا إذا کان المغصوب هو الفضاء فیحکم ببطلان الوضوء فی المکان

ص :18

..........

المغصوب؛ لأنّ مسح الرأس والرجلین کما أنّه وضوء کذلک تصرّف فی الفضاء المغصوب،فیتّحد متعلّقی الأمر والنهی ففی مثله لا یمکن الأمر بالوضوء مترتّباً کما لا یمکن الترخیص فی التطبیق فیه کذلک،ومن هنا یحکم ببطلان الوضوء المزبور مع الانحصار وعدمه.

ولو غسل وجهه ویدیه فی الفضاء المغصوب ومسح رأسه ورجلیه فی الفضاء المباح فیمکن أن یقال أیضاً بصحّة الوضوء وإن ارتکب محرماً بالتصرف فی الفضاء المغصوب؛ وذلک فإنّ إمرار الید علی الوجه والیدین لیس داخلاً فی الوضوء،وإنّما الوضوء إیصال الماء إلی العضو بتمامه؛ ولذا یمکن الإیصال بغیر إمرار الید أیضاً فیمکن الأمر بإیصال الماء بنحو الترتّب علی مخالفة النهی عن الغصب بإمرار الید علی العضو،وأنّه یجب علی تقدیر الارتکاب حمل الماء بالید عند إمرارها علی العضو،وکذلک یصحّ علی نحو الترتّب الترخیص فی التطبیق.

وعلی الجملة،لا یفرّق بین صورة انحصار المکان بالغصب فی صحّة التوضّؤ وعدمه وأن یستقل العقل فی صورة الانحصار بموافقة کلا التکلیفین،ومعه فیتیمّم للصلاة لکونه غیر متمکّن من التوضّؤ وفی صورة عدم الانحصار بالجمع بینهما فی الامتثال بالتوضّؤ فی غیر ذلک المکان.

وأمّا إذا کان الغصب فی مصبّ غسالة الوضوء فالأمر فیه یظهر ممّا ذکرناه من أنّه مع عدم اتّحاد الوضوء مع الغصب یمکن الأمر بالوضوء مع الانحصار بنحو الترتّب علی ارتکاب المحرم أو الترخیص فی التطبیق علی المأتی به،ومعه یحکم الوضوء بالصحّة،والفرق أنّه مع الانحصار یستقلّ العقل بامتثال کلا التکلیفین ویصلّی مع التیمم؛ لکونه فاقداً الماء،بخلاف صورة عدم الانحصار.

ولعلّ الماتن لا یری صحّة الأمر ولا الترخیص فی التطبیق بنحو الترتّب،أو

ص :19

نعم،لو صبّ الماء المباح من الظرف الغصبی فی الظرف المباح ثم توضّأ لا مانع منه وإن کان تصرّفه السابق علی الوضوء حراماً،ولا فرق فی هذه الصورة بین صورة الانحصار وعدمه؛ إذ مع الانحصار وإن کان قبل التفریغ فی الظرف المباح مأموراً بالتیمم إلّاأنّه بعد هذا یصیر واجداً للماء فی الظرف المباح،وقد لا یکون التفریغ أیضاً حراماً کما لو کان الماء مملوکاً له وکان إبقاؤه فی ظرف الغیر تصرفاً فیه فیجب تفریغه حینئذ فیکون من الأوّل مأموراً بالوضوء ولو مع الانحصار.

(مسألة 4) لا فرق فی عدم صحّة الوضوء بالماء المضاف أو النجس أو مع الحائل بین صورة العلم والعمد والجهل أو النسیان وأمّا فی الغصب[1]

.فالبطلان مختصّ بصورة العلم والعمد،سواء کان فی الماء أو المکان أو المصبّ فمع الجهل بکونها مغصوبة أو النسیان لا بطلان،بل وکذا مع الجهل بالحکم أیضاً إذا کان قاصراً،بل و مقصّراً أیضاً إذا حصل منه قصد القربة،و إن کان الأحوط مع الجهل بالحکم خصوصاً فی المقصّر الإعادة.

--------------

یلتزم بأنّه لا یکون العمل مقرّباً مع استلزامه ارتکاب المحرّم فیکون فاسداً،ولکن قد قرّر فی محلّه عدم المحذور فی الأمر بنحو الترتّب،وأنّه إذا أمکن ارتکاب اللازم المحرّم بدون الإتیان بالواجب فلا بأس بالإتیان بالواجب بقصد امتثال أمره ویکون العمل المزبور مقرباً،وإلّا لزم الحکم بالبطلان حتّی فی صورة ارتکاب المحرّم فی ضمن الإتیان بالواجب لکون الإتیان به کذلک غیر مقرّب،وقد ذکر فی محلّه أنّ قصد التقرّب هو الإتیان بالعمل للّٰه تعالی بحیث لولا طلبه لترکه.

فی الجهل بإضافة الماء ونجاسته والحائل والغصبیة

[1]

ذکر قدس سره أنّه مع تخلّف إطلاق الماء وطهارته وعدم الحائل یحکم ببطلان الوضوء بلا فرق بین صورة العلم بالتخلّف والجهل به،حیث إنّ الاشتراط بما ذکر

ص :20

..........

مطلق فیقتضی التخلّف عدم حصول الوضوء المقیّد به الصلاة ونحوها،وکان ینبغی إضافة طهارة محالّ الوضوء،فإنّه لا فرق بناءً علی اشتراط طهارتها بینها وبین سائر الشرائط،وذکر أنّ إباحة الماء وظرفه والمکان والمصبّ،فتخلّفها یوجب بطلان الوضوء مع العلم والعمد،بلا فرق بین إباحة الماء والظرف والمکان والمصب،فمع الجهل بکونها غصباً أو النسیان لا بطلان،وکذا مع الجهل بحرمة الغصب فیما إذا کان قاصراً بل مقصّراً أیضاً إذا حصل منه قصد القربة.

أقول: ما ذکره قدس سره مبنی علی ما اشتهر بین القائلین بعدم جواز اجتماع الأمر والنهی من حصول ملاک الواجب والحرام فی المجمع،ولکن بما أنَّ الواحد لا یتحمّل تکلیفین ولو بعنوانین وکذا المستلزم للحرام فیقدّم خطاب النهی فی المجمع علی خطاب الأمر فیه؛ لکون العنوان المنهی عنه عنواناً ثانویاً للمجمع أو دلالة خطاب النهی علی استیعاب أفراده بالوضع،وخطاب الأمر علی الترخیص فی التطبیق بالإطلاق،أو إنَّ تقیید متعلّق الأمر بخطاب النهی من الجمع العرفی أو إنّ للواجب بدلاً،وعلیه فإن کان الإتیان بالمجمع مع تنجّز الحرمة فیه کما إذا کان مع العلم والعمد فیحکم ببطلانه لوقوعه مبغوضاً فلا یصلح للتقرّب به لتصحّ عبادة، بخلاف ما إذا کان مع الجهل وعدم الالتفات،فإنّه مع عدم وقوعه مبغوضاً یصلح للتقرّب به لوجود ملاک الغاصب فیه.

وبتعبیر آخر،إذا لم یقع المجمع مبغوضاً لأثر ملاک الواجب فی وقوعه مقرّباً؛ ولذا استشکل فیما ذکر الماتن فی الأخیر من حکمه بالصحّة حتّی مع الجهل بالحکم تقصیراً إذا حصل منه قصد القربة بأنَّ الفعل مع الجهل بحرمته تقصیراً یقع مبغوضاً وإن قصد المکلف لغفلته عن هذه المبغوضة التقرّب،فإنّ الغفلة الناشئة عن ترک التعلّم تقصیر لا یمنع عن وقوع الفعل مبغوضاً.

ص :21

..........

ولکن ذکرنا فی باب اجتماع الأمر والنهی أنَّ التنافی بین الأمر والنهی فی مورد کون الترکیب فی المجمع اتّحادیاً واقعی وغیر منوط بتنجز الحرمة،والقائل بالامتناع أیضاً یسلّم بذلک،وعلیه فإذا لم یعمّ متعلّق الأمر والترخیص فی التطبیق للمجمع فلا سبیل إلی إحراز ملاک الواجب فیه فإنّ الکاشف عنه لنا هو الأمر.

نعم،لو سقطت الحرمة عن المجمع واقعاً،کما فی موارد الغفلة والنسیان من غیر الغاصب،فلا بأس بالحکم بصحّة الوضوء أخذاً بإطلاق الأمر والترخیص فی التطبیق بالإضافة إلی المجمع،وإلّا کان الإتیان بالمجمع إجزاءه ظاهریاً ولا قیمة له بعد انکشاف أنّه لم یأتِ بما تعلّق به الأمر إلّافی مورد قیام دلیل خاص فیه علی الإجزاء الواقعی،کما لا یبعد دعوی ذلک فیما إذا صلّی فی مکان مع احتمال کونه غصباً أخذاً بأصالة عدم کون المکان للغیر،ثمّ ظهر أنّه کان ملکاً له ولم یکن راضیاً بالتصرف فیه،فإنّه لا یبعد الحکم بالصحّة أخذاً بعموم قوله علیه السلام:«لا تعاد الصلاة إلّا من خمس». (1)

لا یقال: تسقط الحرمة عن المجمع بنسیان الغصب ولو من الغاصب،فلمَ لا یحکم بصحّته.

فإنّه یقال: یقع الفعل من الغاصب مبغوضاً نظیر الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار،و کما أنّ حدیث رفع الاضطرار لا یعمّه کذلک ما ورد فی حدیث رفع من رفع النسیان لا یعمه.

لا یقال: فی موارد الغفلة عن الحکم لا یمکن الالتزام بارتفاع الحرمة فإنهّ لا یمکن تقیید الحرمة أو غیرها من التکالیف بصورة العلم أو الالتفات إلیها.

ص :22


1- (1)) وسائل الشیعة 1:371-372،الباب 3 من أبواب الوضوء،الحدیث8.

(مسألة 5) إذا التفت إلی الغصبیة فی أثناء الوضوء صحّ ما مضی من أجزائه ویجب تحصیل المباح للباقی،وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح هل یجوز المسح بما بقی من الرطوبة فی یده ویصحّ الوضوء أو لا؟ قولان،أقواهما الأوّل؛ لأنّ هذه النداوة لا تعّد مالاً،ولیس ممّا یمکن ردّه إلی مالکه،ولکنّ الأحوط الثانی، وکذا إذا توضّأ بالماء المغصوب عمداً ثمّ أراد الإعادة هل یجب علیه تجفیف ما علی محاّل الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتّی تجفّ أو لا؟ قولان، أقواهما الثانی،وأحوطهما الأوّل [1]

.

--------------

فإنّه یقال: ضیق التکلیف بالإضافة إلی الغافل ذاتی،وقد تقدّم فی بحث الأُصول أنّ الغرض من التکلیف إمکان داعویته،ففی فرض عدم إمکان داعویته کما فی الغافل لا یصحّ تکلیفه،فالممتنع التقیید اللحاظی فی التکلیف المنشأ لا التقیید الذاتی من ناحیة الغرض ومع التقید الذاتی من ناحیة الغرض لا یکون فی البین کاشف عن ملاک المبغوضیة فی المجمع.

[1]

قد تقدّم الفرق بین احتمال الغصب والعلم به أثناء الوضوء،وبین الغفلة عنه والعلم به أثنائه،وأنّه یجب إعادة الوضوء فی الأوّل،ویجوز إتمام الوضوء بالماء المباح فی الثانی،وإذا التفت إلی الغصب بعد غسل الأعضاء فهل یجوز له المسح بالبلّة الباقیة فی بدنه؟ ذکر قدس سره جوازه؛ لأنّ البلّة لیست بمال وغیر قابل للردّ علی مالک الماء.

وقد یناقش فی ذلک بأنّ الشیء لا یخرج بخروجه عن المالیة عن ملک مالکه سواء أمکن ردّه علیه أم لم یمکن،فإنّ الخیوط التی قد یخاط بها الثوب تسقط عن المالیة،بل قد لا تکون قابلة لردّها علی مالکها لعدم إمکان نزعها من الثوب إلّاأنّها باقیة علی ملک مالکها،وأثر بقائها علی ملکه عدم جواز التصرّف فی الثوب المزبور بلا رضا مالکها.

ص :23

وإذ قال المالک:أنا لا أرضی أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرّف فیها لا یسمع منه بناءً علی ما ذکرنا،نعم لو فرض إمکان انتفاعه بها فله ذلک ولا یجوز المسح بها حینئذ[1]

(مسألة 6) مع الشکّ فی رضا المالک لا یجوز التصرّف ویجری علیه حکم الغصب[2]

--------------

نعم،قد یقال:إنّه إذا خرج من ضمانها بدفع بدلها مثلاً أو قیمة تملّک الخیوط؛ لأنّ الخروج عن الضمان معاوضة قهریة فی مقابل من یدّعی أنّ دفع البدل مجرّد تغریم، ولکن ذکرنا أنّ الضمان بدفع البدل فی سیرة العقلاء یعتبر دفعاً لمال الغیر إلیه بعنوان العوض،وعلیه فإن کان للماء المصروف فی الوضوء مالیة ودفع بدله إلیه فلا إشکال فی جواز المسح بالنداوة المزبورة مع بقائها،وإنّما الکلام فیما لم یکن له مالیة أو لم یدفعها.

یمکن الجواب بأنّه لو سلّم کون الرطوبة الباقیة فی أعضاء الوضوء ملک لمالک الماء مع عدم کونها مالاً،إلّاأنّ الدلیل علی حرمة التصرف فی ملک الغیر هو الظلم والعدوان علی المالک فی ملکه ومثل المسح بالبلّة لا یعدّ عدواناً علیه نظیر الاتّکاء علی حائط الغیر کما لا یخفی.

وعلیه فلو توضّأ بماء الغیر عدواناً ثمّ استأنف الوضوء بالماء المباح لم یجب علیه تجفیف أعضاء الوضوء قبل الاستیناف وإن کان أحوط.

[1]

إذا لم تعدّ الرطوبة الباقیة بیده ملکاً لمالک الماء أو یلتزم بأنّ استعمال تلک الرطوبة لا تعدّ تصرّفاً عدوانیاً وظلماً علی المالک فی ملکه فیجوز للمتوضئ الغافل الملتفت بعد تمام غسل الأعضاء المسح بالرطوبة حتّی فیما إذا أمکن للمالک الانتفاع بتلک الرطوبة،فإنّ جواز انتفاع المالک لا یمنع الغیر عن انتفاعه بها أیضاً کما لایخفی.

[2]

لأصالة عدم طیب نفس المالک فی تصرفه فی الماء ولأصالة عدم إذنه فی

ص :24

فلابدّ فیما إذا کان ملکاً للغیر من الإذن فی التصرّف فیه صریحاً أو فحوی أو شاهد حال قطعی[1]

--------------

التصرف فیه فیثبت بذلک الموضوع بعدم جوازه،کما أنّه لو کان لرضاه وإذنه حالة سابقة فیستصحب فیحرز به الموضوع للجواز،وهذا فیما إذا کانت الحالة السابقة بنحو الإذن العام والرضا بکلّ تصرّف فی أی زمان واحتمل رجوعه عن إذنه وتبدّل رضاه بالکراهة،وأمّا لو أُحرز الإذن بالتصرّفات السابقة واحتمل رضاه من الأوّل بالتصرّفات بعد هذا الزمان فالأصل عدم رضاه بذلک من الأوّل،فإنّ کلّاً من الرضا والإذن بالإضافة إلی التصرّفات ولو بحسب الأزمنة انحلالی،فیؤخذ عند الشکّ بالمقدار المتیقّن،ویؤخذ فی غیره بعموم:لا یحلّ مال امرئ مسلم إلّابطیبة نفسه (1) بعد إحراز عدم طیب نفسه بالأصل.

[1]

الإذن الصریح کما إذا صرّح بأنّ له الوضوء بالماء المملوک له،والإذن بالفحوی کما لو قال:له إتلاف ماله فإنّ فحواه الإذن فی التصرف بمثل الوضوء، وشاهد حال قطعی کما فی الضیافة فإنّها قرینة علی رضاه بما هو المتعارف فی الضیافات خصوصاً فی المضیفات،ولیعلم أنّه لا یعتبر القطع فی المقام،بل یکفی الوثوق والاطمئنان فإنّ الوثوق طریق عقلائی إلی إحراز الشیء وعلم به فی بنائهم کما فی سائر المقامات.

ثمّ إنّ الوارد فی موثّقة سماعة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی حدیث أنّ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:«قال من کانت عنده أمانة فلیؤدّها إلی من ائتمنه علیها فإنّه لا یحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّابطیبة نفسه». (2) وفی موثّقة أبی بصیر،عن أبی جعفر علیه السلام قال:

قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:«سباب المؤمن فسوق،وقتاله کفر،وأکل لحمه معصیة للّٰه

ص :25


1- (1)) وسائل الشیعة 5:120،الباب 3 من أبواب مکان المصلّی،الحدیث الأوّل.
2- (2)) المصدر السابق.

..........

وحرمة ماله کحرمة دمه» (1) .وفی التوقیع المروی فی «إکمال الدین» عن محمد بن أحمد الشیبانی وعلی بن أحمد بن محمّد الدقاق،والحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المؤدب،وعلی بن عبداللّٰه الورّاق،عن أبی الحسین محمد بن جعفر الأسدی قال:کان فیما ورد علیَّ من الشیخ أبی جعفر محمد بن عثمان العمری قدس سره فی جواب مسائلی إلی صاحب الزمان إلی أن قال:فلا یحلّ لأحد أن یتصرّف فی مال غیره بغیر إذنه. (2)

فیقع الکلام فی أنّ المعتبر فی جواز التصرّف فی مال الغیر إحراز رضاه بالتصرّف أو أنّ المعتبر إظهار المالک رضاه به المعبّر عن الإحراز بالإذن،فإنّ المذکور فی موثّقة سماعة اعتبار طیب نفس المالک ولو أُحرز من أمر آخر،والوارد فی التوقیع اعتبار الإذن یعنی إظهار رضاه ولو لم یعلم رضاه واقعاً،وقد ذکرنا فی بحث الإکراه علی البیع والبیع الفضولی أنّ التصرف الخارجی فی ملک الغیر وماله لا یحتاج إلّا إحراز رضا وطیب نفس مالکه فإنّ معه لا یکون التصّرف عدواناً وهتکاً لحرمة ملک الغیر وماله،بل تحفّظاً لحرمته وإنّ التوقیع مع الغمض عن سنده فإنّه لم یثبت لمن یروی الصدوق قدس سره عنهم،عن محمد بن جعفر الأسدی إلّاکونهم مشایخه قد روی عنهم بعض الروایات مترضیاً.

ومع ذلک لا ینافی ما ذکرنا فإنّ مورده یعمّ التصرّفات الاعتباریة التی ذکرنا أنّ تلک التصرّفات المحتاجة إلی التوکیل والإذن لا تصحّ بمجرّد إحراز الرضا وطیب نفس المالک،ومع قطع النظر عن المورد یحمل علی أنّ ذکر الإذن لکونه طریق إحراز الرضا عادة.

ص :26


1- (1)) وسائل الشیعة 12:281 - 282،الباب 152 من أبواب أحکام العشرة،الحدیث 12.
2- (2)) إکمال الدین وتمام النعمة 2:521،الحدیث 49.

(مسألة 7) یجوز الوضوء والشرب من الأنهار الکبار[1]

سواء کانت قنوات أو منشقّة من شطٍّ وإن لم یعلم رضا المالکین،بل وإن کان فیهم الصغار والمجانین، نعم،مع نهیهم یشکل الجواز،و إذا غصبها غاصب أیضاً یبقی جواز التصرّف لغیره ما دامت جاریة فی مجراها الأوّل،بل یمکن بقاؤه مطلقاً،وأمّا للغاصب فلا یجوز، وکذا لأتباعه من زوجته وأولاده وضیوفه وکلّ من یتصرّف فیها بتبعیته.وکذلک الأراضی الوسیعة یجوز الوضوء فیها کغیره من بعض التصرّفات کالجلوس والنوم ونحوهما ما لم ینه المالک ولم یعلم کراهته،بل مع الظن أیضاً الأحوط الترک،ولکن فی بعض أقسامها یمکن أن یقال:لیس للمالک النهی أیضاً.

--------------

وقد ذکرنا فی ذلک البحث أنّه لا یعتبر فی المعاملات إلّاالتراضی المعاملی بعدم الإکراه علیها ولا یعتبر فیها طیب النفس،و إلّالتعین الحکم بالبطلان فی معاملات المضطر إلیها ونحوها فراجع،وکلّ ذلک أخذاً بالإطلاق والعموم فی دلیل إمضاء المعاملات من غیر أن یثبت المقید لها إلّافی صورة الإکراه علیها.

الوضوء من الأنهار الکبیرة

[1]

المشهور بین الأصحاب جواز الوضوء والشرب من الأنهار الکبیرة المملوکة للغیر سواء کانت قنوات أو منشقّة من شط وإن لم یعلم رضا المالکین أو حتی إذا علم أنّ فی المالکین قصّر کالأطفال والمجانین ممّن لا یعتبر رضاهم أو رضا أولیائهم؛ لعدم کون هذا التصرّف صلاحاً لهم.

ویستدلّ علی ذلک بوجوه:

الأوّل:أنّ ما دلّ علی حرمة مال الغیر وعدم حلّیة التصّرف فیه ینصرف عن مثل الوضوء والشرب من الأنهار المملوکة للغیر،وأنّ مثل هذا التصرّف یعدّ فی العرف من الانتفاع بملک الغیر وماله نظیر الاتکاء بحائط البیت والاستظلال به وإنّما یعدّ مثل ذلک تصرّفاً فی المیاه القلیلة عرفاً ممّا یملکه الغیر علی ما تقدّم.

ص :27

..........

الثانی:أنّ مثل هذه التصرفات ممّا لا یکون فیه ضرر علی المالک حیث إنّ الماء المأخوذ للوضوء أو الشرب أو لقضاء الحاجة ممّا لا مالیة له ممّا یرضی المالکین بها نوعاً،فیعتبر هذا العلم بالرضا النوعی حتّی فیما إذا کان بین المالکین القصّر حیث یعتبر لعدم الفساد فی مثل هذه التصرّفات رضا الأولیاء وإذنهم،والفرق بین هذا الوجه والوجه السابق أنّه إذا منع مالک نهر عن الوضوء والشرب ونحوهما ینفذ نهیه علی الثانی،بخلاف الوجه الأوّل فإنّ نهیه نظیر نهیه عن الانتفاع بماله من غیر تصرّف فیه لا یؤثر فی شیء،کما ذکروا ذلک فی نهی المالک عن الاستظلال بحائطه ونحوه، ویمکن دعوی أنّ کلا الوجهین مشترک فی عدم جواز التصرّفات المزبورة من الغاصب ومن یتصرّف فیها بتبعیته کأهله وضیوفه.

الثالث:ما عن المجلسی والکاشانی 0 (1) بما ورد:أنّ المسلمین شرکاء فی الماء والنار والکلأ فإنّ مقتضی ذلک ثبوت الحقّ فی الماء للجمیع وإن لم یرضَ الملّاک بالتصرّفات المزبورة،وفیه أنّ الروایة فی سندها محمد بن سنان،ومع الإغماض عنه فلا دلالة له علی ذلک فإنّها ناظرة إلی المیاه المباحة کما هو الحال فی ماء الأودیة قبل حیازتها قال:سألته عن ماء الوادی؟ فقال:«إنّ المسلمین شرکاء فی الماء والنار والکلأ» (2) ولو ادعی إطلاق الجواب فلابدّ من رفع الید عنه بما دلّ علی تملّک الشخص الماء وجواز بیعه کصحیحة سعید الأعرج،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:

سألته عن الرجل یکون له الشرب مع قوم فی قناة فیها شرکاء فیستغنی بعضهم عن شربه أیبیع شربه؟ قال:«نعم،إن شاء باعه بورق وإن شاء باعه بحنطة» (3) ونحوها

ص :28


1- (1)) بحار الأنوار 63:446،ومفاتیح الشرائع 3:25،المفتاح 866.
2- (2)) وسائل الشیعة 25:417،الباب 5 من أبواب کتاب إحیاء الموت،الحدیث الأوّل.
3- (3)) وسائل الشیعة 17:373،الباب 24 من أبواب عقد البیع،الحدیث الأوّل.

(مسألة 8) الحیاض الواقعة فی المساجد والمدارس إذا لم یعلم کیفیّة وقفها من اختصاصها بمن یصلّی فیها أو الطلاب الساکنین فیها أو عدم اختصاصها لا یجوز لغیرهم الوضوء منها إلّامع جریان العادة بوضوء کلّ من یرید مع عدم منع من أحد،فإنّ ذلک یکشف من عموم الإذن،وکذا الحال فی غیر المساجد والمدارس کالخانات ونحوها[1]

.

--------------

غیرها،ولا یحتمل الفرق بین القناة والنهر المملوک المنشق ماؤه من الشط فإنّ الماء بعد حیازته ولو بالنهر المزبور یدخل فی ملک ملاک النهر فما فی الروایة ناظر إلی حکم الماء قبل الحیازة.

الرابع:ما دلّ علی جواز الوضوء والشرب بالماء إذا لم یتغیّر وکون الماء طهوراً من الحدث والخبث وأنّ الأمر بالتیمّم مع عدم وجدان الماء،وفیه أنّ الإطلاق فی تلک الروایات ناظر إلی عدم المنع فی الماء من حیث النجاسة لا أنّه یجوز لکلّ أحد استعمال کلّ ماء فی رفع حدثه وخبثه و إلّالکان مقتضاها جواز الوضوء بالماء الیسیر المملوک للغیر أیضاً.

الخامس:جریان السیرة القطعیة من المتشرعة فی التصرّف فی الأنهار الکبار ونحوها بالوضوء والشرب وأخذ الماء وللاستنجاء وغسل الثوب ونحوه،وهذه السیرة لم تحدث جدیداً،بل کانت عند زمان الأئمة علیهم السلام ولو کان أمراً منکراً لتعرّضوا علیهم السلام لعدم الجواز إلّامع إحراز الإذن والرضا من الملّاک،والمحرز من السیرة صورة عدم إحراز منع المالکین الموجب للاقتصار بما إذا لم یحرز النهی،وإن یمکن دعوی عموم السیرة فی الأنهار الکبار کما هو الحال فی التوضّؤ والجلوس والنوم وأمثال ذلک فی الأراضی الواسعة جدّاً التی لا تکون مستورة بالجدران ونحوها.

الوضوء من حیاض المدارس

[1]

قد تقدّم سابقاً أنّ عدم جواز التصرّفات ومنها التوضّؤ مقتضی أصالة عدم

ص :29

(مسألة 9) إذا شقّ نهر أو قناة من غیر إذن مالکه لا یجوز الوضوء بالماء الذی فی الشقّ وإن کان المکان مباحاً أو مملوکاً له،بل یشکل إذا أخذ الماء من ذلک الشقّ وتوضّأ فی مکان آخر وإن کان له أن یأخذ من أصل النهر أو القناة[1]

.

(مسألة 10) إذا غیّر مجری نهر من غیر إذن مالکه وإن لم یغصب الماء ففی بقاء حقّ الاستعمال الذی کان سابقاً من الوضوء والشرب من ذلک الماء لغیر الغاصب إشکال،وإن کان لایبعد بقاء هذا بالنسبة إلی مکان التغییر،وأمّا ما قبله وما بعده فلا إشکال.

--------------

کونها وقفاً علی العموم،وذکرنا أنّها لا تعارض بأصالة عدم وقفها علی العنوان الخاصّ،حیث إنّ المراد بعدم کونها وقفاً علی الخاص لا أثر لها فإنّ جواز الاستعمال والتوضّؤ لمن یدخل فی ذلک العنوان مقطوع،سواء کان وقفاً علی العام أو الخاصّ،وإثبات عدم کونها وقفاً علی الخاصّ لإثبات أنّها وقف علی العامّ من الأصل المثبت.

نعم،مع السیرة العملیة من المتشرّعة علی التوضّؤ منه من غیر ردع یحرز عموم الوقف حیث یکشف عند الوقف أیضاً کان الأمر کما یکون بالفعل وهو لا یکون إلّا مع عدم الوقف،وعلیه فلابدّ من الاطمئنان والوثوق بعدم حدوث ما نراه بالفعل لاعتبار انعدام صورة کیفیة الوقف والرعایة علیها لبعض الطوارئ کما فی المدارس التی خلت فی برهة من الزمان من الطلّاب،ولعدم کون الوقف معطّلاً استفاد منها سائر الناس وصار التوضّؤ ونحوه من التصرّفات عادة لغیرهم.

[1]

اذا شقّ نهر مملوک أو قناة مملوکة وأُجری بعض الماء فی ذلک المنشقّ ففی الوضوء بذلک الماء مع عدم إذن المالک فی الشقّ ما تقدّم فی التوضّؤ من الغاصب ومن یتوضّأ منه بتبعه کعیاله وضیوفه،وأمّا توضّؤ غیره من ذلک الماء فلا یجوز أیضاً علی الأحوط؛ لعدم إحراز السیرة المشار إلیها فی الفرض،وما تقدّم سابقاً من جواز الوضوء لغیره فیما إذا غصب الغاصب تمام الماء وکان الماء فی

ص :30

(مسألة 11) إذا علم أنّ حوض المسجد وقف علی المصلّین فیه لا یجوز الوضوء منه بقصد الصلاة فی مکان آخر،ولو توضّأ بقصد الصلاة فیه ثمّ بدا له أن یصلّی فی مکان آخر أو لم یتمکّن من ذلک فالظاهر عدم بطلان وضوئه،بل هو معلوم فی الصورة الثانیة کما أنّه یصحّ لو توضّأ غفلة أو باعتقاد عدم الاشتراط، ولا یجب علیه أن یصلّی فیه،وإن کان أحوط،بل لا یترک فی صورة التوضّؤ بقصد الصلاة فیه والتمکّن منها[1]

.

--------------

مجراه الأوّل وإن لم یستبعد بقاء الجواز حتّی مع تغییر مجراه،وعلیه فالفرق بین ما نفی البعد عنه فی السابق وما حکم بعدم الجواز فی الفرض علی الإطلاق لا یخلو عن التأمل.

ویظهر ممّا ذکرنا الحال فی المسألة العاشرة وأنّه لا مجال للمنع لغیر الغاصب وغیر المغیّر،وأمّا الغاصب والمغیّر منهما علی حدّ سواء فی السیرة المتشرعة.

الوضوء من حیاض المساجد

[1]

بما أنَّ الوضوء عمل عبادی یعتبر فی صحّته تعلّق الأمر به أو الترخیص فی تطبیق الطبیعی علیه أو أن یقصد بالإتیان به التقرّب،وإذا توضّأ المکلّف مع علمه بأنَّ الماء وقف علی المصلّین فی المسجد المزبور بقصد الصلاة فی غیره یحکم ببطلان وضوئه حتّی ما إذا بدا له بعد الوضوء وأراد الصلاة فیه،حیث إنّ مع عدم صلاته فیه یکون فی الوضوء خللاً لحرمته لکونه علی خلاف وجوب العمل بالوقف ولو صلّی فیه یکون الخلل فیه لفقد قصد التقرّب عند التوضّؤ.

کما أنّه لو توضّأ من ذلک الماء معتقداً عموم الوقف أو بانیاً علی الصلاة فی ذلک المسجد ثمّ ظهر عدم تمکّنه من الصلاة فیه لسدّ باب الوقف أو غیره یحکم بصحّة الوضوء؛ لأنّ الوضوء المزبور وإن لم یکن علی وفاق الوقف إلّاأنّ المکلّف بما أنّه غافل عن کونه علی خلاف الوقف،وکذا فی الثانی مع اعتقاده تمکّنه من الصلاة

ص :31

..........

فی المسجد المزبور یمکن الترخیص فی التطبیق أو الأمر بذلک الوضوء؛ لأنّ المفروض سقوط الحرمة عن الوضوء المزبور واقعاً للغفلة،کما أنّ المفروض حصول قصد التقرّب حین التوضّؤ ولا موجب لفرض الصلاة فیه وإن توضّأ بقصدها.

وأمّا إذا احتمل عند التوضّؤ کون الماء وقفاً علی خصوص المصلّین فیه فلا یجوز له الوضوء بقصد الصلاة فی مکان آخر؛ لما تقدّم.فی المسألة الثامنة من جریان الاستصحاب فی ناحیة عدم وقفه علی العموم،وإن توضّأ بقصد الصلاة فی ذلک المکان فإن لم یصلِّ فی ذلک المسجد یحکم ببطلان وضوئه،فإنّ ترکه الصلاة فیه کاشف عن کون وضوئه علی خلاف الوقف مع فعلیة عدم جواز مخالفة الوقف فی حقه کما هو فرض احتماله عند التوضّؤ حتّی فیما إذا کان ترکه لطریان عجز کان یحتمله عند التوضّؤ.وهذا من أحد الموارد التی یکون جواز الفعل واقعاً مشروطاً بالشرط المتأخّر نظیر ما اذا لم تغتسل المستحاضة الصائمة فی اللیل بعد صومها فإنّه یکشف عن ترکها الصوم الواجب فی الیوم.

اللهم إلّاأن یقال:إنّ قول الواقف إنّ هذا الماء وقف علی المصلین فی هذا المسجد ظاهره أنّ الموقوف علیهم من یرید الصلاة فی ذلک المسجد وإن ترکها فیه لعارض احتمله أو لا یحتمله عند التوضّؤ،وفتوی الماتن بالصحّة فی فرض البداء أو طریان العجز مبنی علی کون المستفاد من الوقف ذلک ولیس ببعید إلّاأنّ الحرمة الواقعیة مع عدم تنجّزها لا توجب بطلان العمل لیختصّ الحکم بالصحة بصورة عدم احتمال البداء کما هو المشهور عند القائلین بامتناع اجتماع الأمر والنهی،إذ مع احتمال البداء کصورة العلم بحصوله لا تسقط الحرمة عن التنجّز حیث إنّ البداء لا یوجب ارتفاع التمکّن من الصلاة فی المسجد المزبور،والمفروض أنّ الصلاة فیه شرط لجواز التوضّؤ فیکون المکلّف مع احتماله البداء بعد الوضوء وترکه الوضوء

ص :32

..........

بعده عالماً بحرمة التوضّؤ علیه،بل یحکم ببطلان الوضوء مع احتماله عند التوضّؤ طریان العجز بعده فإنّ الاستصحاب فی عدم حصول الصلاة فیه ولو بعد الوضوء یحرز عدم جواز التوضّؤ به.

وعلی الجملة،الصحّة فی مورد الاجتماع فی موارد الترکیب الاتّحادی وإن تجتمع مع الحرمة الواقعیة مع عدم تنجّزها عند المشهور إلّاأنّ عدم تنجّزها ینحصر بصورة عدم احتمال حصول البداء والغفلة عن طریان العجز،کما أنَّ الصحّة فیهما علی مسلکنا فی الصورتین لعدم الحرمة واقعاً لا لعدم تنجّزها،فتدبّر جیّداً.

وبتعبیر آخر،الفرق بین مسلک المشهور وما تقدّم منّا فی صورة احتمال الحرمة الواقعیة عند العمل ثمّ انکشاف الحرام بعد العمل فیما إذا لم یکن عند العمل أصل موضوعی یحرز به حرمة العمل و إلّافلا کلام فی البطلان علی کلا القولین.

نعم،تظهر الثمرة بین القولین فیما إذا أخبر ثقة بعدم عجزه عن الصلاة فیه وبأنّ باب المسجد لم یغلق مثلاً ثمّ بعد وضوئه سدّ باب المسجد،فبناءً علی مسلک المشهور من أنّ الحرمة الواقعیة لا توجب بطلان العمل یحکم بصحّة وضوئه، بخلاف ما اذا قیل بأنّها مانعة عن صحة العمل ولولم تکن منجّزة کما لا یخفی.

ثم إنّه قد بقی فی المقام أمر وهو: أنّ الحکم بصحّة الوضوء بناءً علی الوقف علی المصلّین فی المسجد المزبور ظاهر اشتراط الصلاة فی الوقت لا إرادتها لا یوجب الحکم بصحّة الوضوء فی بعض الفروض عدم الضمان،کما إذا کان للماء الذی صرفه فی وضوئه مالیة فإنّ المتوضّی مع عدم الصلاة فی المسجد یضمن الماء الذی یتلفه أخذاً بقاعدة الإتلاف حیث إنّ الماء إمّا ملک للواقف،کما إذا کان الوقف انتفاعیاً،وإمّا ملک المصلّین،کما إذا کان الوقف تملکیاً.

وعلی الجملة،صحّة الوضوء وبطلانه لا یستلزم مع مالیة الماء ضمانه أو عدم ضمانه.

ص :33

(مسألة 12) اذا کان الماء فی الحوض وأرضه وأطرافه مباحاً لکن فی بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبی یشکل الوضوء[1]

منه،مثل الآنیة إذا کان طرف منها غصباً.

(مسألة 13) الوضوء فی المکان المباح مع کون فضائه غصبیاً مشکل[2]

بل لا یصحّ؛ لأن حرکات یده تصرّف فی مال الغیر.

--------------

[1]

یجری فی التوضّؤ فی الحوض المزبور - فیما إذا عُدّ الوضوء فیه أو أخذ الماء منه تصرّفاً فی ذلک الآجر والحجر المغصوب - أیضاً ما تقدّم فی التوضّؤ من الإناء المغصوب،وذکر أنّه لو کان الوضوء فیه برمس الأعضاء فی الوضوء یحکم ببطلان الوضوء؛ لکون الرمس فی الماء کما أنّه وضوء یعنی غسل العضو کذلک تصرّف فی ملک الغیر ولو بتحریک الماء.

وأمّا إذا کان الوضوء؛ بنحو الاغتراف فلا یبطل الوضوء؛ لأنّ الاتّحاد بین الحرام والوضوء علی فرض الاغتراف انضمامی بحیث یصحّ الأمر بالوضوء أو الترخیص فی التطبیق فیه ولو بنحو الترتب علی العصیان،وبذلک تظهر صحّة الوضوء بنحو الاغتراف مع انحصار الماء وعدمه وإن کان مع الانحصار یتعیّن التیمم تجنباً من الحرام،بخلاف صورة الارتماس فإنّه لا یصحّ الوضوء بنحو الرمس،سواء کان مع انحصار الماء وعدمه؛ لعدم إمکان الأمر أو الترخیص فی التطبیق فی الوضوء بنحو الرمس؛ لما تقدم من أنّ الأمر بالوضوء المزبور أو الترخیص فی تطبیق الطبیعی علیه لو لم یکن بعینه أمراً بالغصب أو الترخیص فیه،ولکن الأمر والترخیص یستلزم الأمر والترخیص فی الغصب لا محالة أو بتعبیر آخر فرق بین کون الحرام مقدّمة للوضوء کما فی صورة الاغتراف وبین کون الوضوء علّة تامّة منحصرة للحرام ولو ببعض أفعاله.

[2]

وقد یفصّل بین غسل الأعضاء فی الفضاء المغصوب وبین المسح فیه،

ص :34

(مسألة 14) إذا کان الوضوء مستلزماً لتحریک شیء مغصوب فهو باطل[1]

.

(مسألة 15) الوضوء تحت الخیمة المغصوبة إن عدّ تصرّفاً فیها کما فی حال الحرّ والبرد المحتاج إلیها باطل[2]

.

--------------

وأنه إذا غسل وجهه ویدیه فی الفضاء المغصوب ومسح رأسه أو رجلیه فی مکان مباح صحّ وضوءه؛ لأنّ الترکیب بین الحرام والوضوء فی غسل الأعضاء انضمامی، فإنّ المعتبر فی غسل الأعضاء وصول الماء إلیها ولولم یکن فیه تحریک الید فیمکن الأمر أو الترخیص فی التطبیق بنحو الترتّب،وإنّه لو أمررت یدک علی وجهک أو یدیک فلتکن یدک مصاحبة لأجزاء الماء بخلاف المسح فإنّ المعتبر فیه المسح بالید الماسحة فتحریک الید فی الفضاء یدخل فی الغصب،ومنه تحریکها علی العضو الممسوحة فی ذلک الفضاء.

وبتعبیر آخر مجرد وصول بلّة الید علی العضو الممسوح لا یکون کلّ المعتبر فی المسح،بل المسح بالید ببلّتها معتبر،وعلیه فالفرق بین الغسل بالید والمسح بها ظاهر.

[1]

قد تقدّم أنّ الوضوء هو غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین والمحرّم هو تحریک الثوب المغصوب فإنّه داخل فی التصرّف فیه،وبما أنّه یمکن التحریک المزبور بدون الوضوء ولیس ممّا یتوقف علی التوضّؤ فلا مانع عن الأمر بالوضوء أو الترخیص فی تطبیق الطبیعی علیه بنحو الترتّب.

وعلی الجملة،فرق بین الوضوء فی هذه الصورة وبین الوضوء برمس العضو فی الماء فی الظرف أو الحوض المغصوب ولو ببعض أجزائه،حیث إنّ التحریک فی الفرض لا یتوقف علی الوضوء ولا علی غسل العضو،بخلاف فرض الرمس فی الماء علی ما تقدم.

الوضوء والغصب

[2]

الاستیلاء علی الخیمة المملوکة للغیر ونصبها علی الأرض تصرّف فی مال

ص :35

(مسألة 16) إذا تعّدی الماء المباح عن المکان المغصوب إلی المکان المباح لا إشکال فی جواز الوضوء منه[1]

.

(مسألة 17) إذا اجتمع ماء مباح کالجاری من المطر فی ملک الغیر إن قصد المالک تملّکه کان له[2]

و إلّاکان باقیاً علی إباحته فلو أخذه غیره وتملکه ملک --------------

الغیر،وإذا کان بغیر رضاه یکون غصباً بلا فرق بین أن ینتفع بها بالجلوس تحتها أم لا، فالجلوس تحتها انتفاع بملک الغیر و ماله،وعلیه فإذا توضّأ غیر الغاصب تحت تلک الخیمة ولو مع علمه بکونها مغصوبة فلا موجب للحکم ببطلان الوضوء،بل الأمر فی توضّؤ الغاصب أیضاً کذلک،ومثلها السقف المغصوب فإنّ الوضوء تحته کسائر الأفعال تحته لا یعدّ انتفاعاً بالسقف المزبور،بل التصرّف هو الإمساک به وعدم ردّه علی مالکه،وما عن المصنف قدس سره من الوضوء کغیره من الأفعال فی زمان الاحتیاج إلی الاستظلال من المطر أو الشمس إلی الخیمة یعدّ تصرّفاً فی الخیمة لا یمکن المساعدة علیه،فلا موجب للحکم ببطلان الوضوء أو الصلاة تحتها.

[1]

فإنّ الماء لا یخرج عن إباحته بمروره علی ملک الغیر بغیر رضاه،وإذا وصل إلی مکان مباح و فضاء مباح فلا بأس بالتوضّؤ منه.

[2]

بناءً علی ما هو الظاهر من أنّ حیازة الماء المباح بقصد تملّکه یوجب تملّکه کسائر المباحات القابل:للنقل علی ما هو مقتضی السیرة الجاریة من العقلاء علی تملّک المباحات بحیازتها فیما إذا کان قابلاً للنقل.

ویدلّ علیه فی الجملة بعض الروایات مثل معتبرة السکونی الواردة فیمن أبصر طیراً وأخذه آخر:«للعین ما رأت وللید ما أخذت» (1) وأمّا ما ورد فی موثّقة یونس بن یعقوب بناءً علی أنّ محمد بن الولید الراوی عنه الخزازی لا شباب الصیرفی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«من استولی علی شیء منه فهو له» (2) فلا دلالة علی حکم المقام،

ص :36


1- (1)) وسائل الشیعة 23:391،الباب 38 من أبواب الصید،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 26:216،الباب 8 من أبواب میراث الأزواج،الحدیث 3.

إلّا أنّه عصی من حیث التصرّف فی ملک الغیر[1]

وکذا الحال فی غیر الماء من المباحات،مثل الصید وما أطارته الریح من النباتات.

(مسألة 18) إذا دخل المکان الغصبی غفلة وفی حال الخروج توضّأ بحیث لا ینافی فوریته فالظاهر صحّته[2]

لعدم حرمته حینئذٍ،وکذا إذا دخل عصیاناً ثمّ تاب وخرج بقصد التخلّص من الغصب،وإن لم یتب ولم یکن بقصد التخلّص ففی صحّة وضوئه حال الخروج إشکال.

--------------

بل ظاهرها متاع البیت وأنّ الید علیها من الزوج أو الزوجة أمارة کونه لذی الید.

وبتعبیر آخر،لم یحرز أنّ سیرة العقلاء علی ملکیة ما توضع الید علیه من المباحات من غیر الأراضی ونحوها ممّا یحتاج تملّکها علی الإحیاء بمجرد وضع الید علیها ولو من غیر قصد التملّک والمتیقّن منه صورة قصد التملّک،وفی صحیحة عبداللّٰه بن سنان:«من أصاب مالاً أو بعیراً فی فلاة من الأرض قد کلّت وقامت وسیّبها صاحبها ممّا لم یتبعه فأخذها غیره فأقام علیها وأنفق نفقة حتّی أحیاها من الکلال ومن الموت فهی له ولا سبیل له علیها،وإنّما هی مثل الشیء المباح» (1) وممّا ذکر یظهر أنّ مجرّد قصد التملّک بلا وضع الید والاستیلاء علیه لا یوجب الملک.

[1]

فیما إذا لم یکن الدخول فی الأراضی الوسیعة ممّا تقدّم جواز الدخول والمکث فیها.

[2]

لا ینبغی التأمّل فی صحّة الوضوء کما تقدّم فیما إذا کان الماء مباحاً کما هو المفروض؛ لأنَّ مع صبّ الماء علی تلک الأرض من غسالة الوضوء وإن کان محرّماً إلّا أنّ الترکیب بینه وبین الوضوء انضمامی،ولکن علی المصنّف أن یلتزم ببطلان الوضوء فی الفرض حیث حکم ببطلانه مع صبّها علی ملک الغیر،نعم إذا لم یکن

ص :37


1- (1)) وسائل الشیعة 25:458،الباب 13 من أبواب کتاب اللقطة،الحدیث 2.

هذا التصرّف فی ملک الغیر کما إذا جری المطر علی أعضائه فقصد به الوضوء کان (مسألة 19) إذا وقع قلیل من الماء المغصوب فی حوض مباح فإن أمکن ردّه إلی مالکه وکان قابلاً لذلک لم یجُز التصرّف فی ذلک الحوض[1]

وإن لم یمکن ردّه یمکن أن یقال بجواز التصرّف فیه؛ لأنّ المغصوب محسوب تالفاً لکنّه مشکل من دون رضا مالکه.

--------------

الوضوء صحیحاً علی ما ذکره أیضاً،هذا فیما إذا کان الدخول لغفلة عن الغصب و إلّا یکون وضوءه محکوماً بالبطلان حتّی بعد التوبة وقصد التخلّص بناءً علی ما هو الصحیح من أنّ التوبة کفارة للذنب وماحیة له من حیث العقاب لا من حیث مبغوضیة الفعل وحرمته،وبما أنّ هذا الخروج کالدخول فیها أو المکث فیها متعلّق للنهی سابقاً،فلا یمکن أن یتقرّب إلی اللّٰه سبحانه بذلک الوضوء المشتمل علی المسح المعدود من التصرّف فی ملک الغیر علی ما تقدّم.

[1]

قد یقال فی المقام إنّ الامتزاج فی المتماثلین خصوصاً فی المایعات یوجب الشرکة فی المجموع بنسبة الملکین ویکون ردّ الملک إلی مالکه بالقسمة، فمادام لم تحصل القسمة أو رفع المالک یده عن ملکه بالإعراض عنه أو رضاه بالتصرّف الآخر لا یجوز استعمال ذلک الماء ویکون الوضوء بماء یکون فیه ملک الغیر،وقد یفصّل بین ما إذا کان الماء القلیل المغصوب ممتازاً فی وصفه عن الماء الآخر قبل الامتزاج بأن کان ماءً حلواً أو ماءً صافیاً أو لیس فی أوصافه تغیّر وبعد الامتزاج لقلّته وکثرة الماء الآخر لا یمکن ردّه إلی مالکه بالقسمة أو بغیرها،ففی هذه الصورة یعدّ الماء القلیل المزبور تالفاً فیرجع مالکه،إلی البدل،فیجوز للغاصب یعنی مالک الماء الآخر استعمال الممتزج،ویحمل ما ذکره الماتن قدس سره علی ذلک،بل ظاهر عبارته ما ذکر،وفیه أنّه یلزم علی القائل أن یلتزم بجواز استعمال ماء الغیر والوضوء به فیما إذا کان ماء الغیر صافیاً أو حلواً فألقی فیه شیئاً أخرجه عن کونه صافیاً أو حلواً فإنّه بذلک یکون الماء المملوک للغیر تالفاً،فإن قیل هذا من تلف الوصف لا نفس الماء فیقال:إنّ الامتزاج المفروض أیضاً من إتلاف الوصف لا العین.

ص :38

الشرط الخامس - أن لا یکون ظرف ماء الوضوء من أوانی الذهب أو الفضة و إلّا بطل[1]

سواء اغترف منه أو أداره علی أعضائه وسواء انحصر فیه أم لا ومع --------------

وعلی الجملة،تلف الوصف فیما إذا سقط الشیء عن المالیة یحسب تلفاً،ومع ذلک لا یجوز للمتلف التصرّف فی بقایا التالف حتّی فی ما إذا قیل تحصل المبادلة القهریة بمجرّد تلف الشیء فیکون لمن أتلف علیه الماء بدله،فتکون بقایا العین التالفة للمتلف بالکسر ولا تتوقف المبادلة القهریة علی دفع البدل أو تکون بدفعه و إلّالزم کون شیء مالکاً للبدل والمبدل وذلک فإنّ الضامن ما لم یدفع البدل یکون للمضمون له حقّ الإمساک ببقایا الشیء،فیکون تصرف الضامن فیها مع عدم دفع البدل من التصرّف فی العین المتعلّق به حقّ الآخر فلا یجوز فانّه عدوان علی المضمون له.

الوضوء من آنیة الذهب والفضّة

[1]

قد تقدّم أنّ المحرّم هو استعمال آنیة الذهب والفضّة فی الأکل والشرب ونحوهما من الوضوء والاغتسال،وأمّا نفس الأکل وشرب الماء المتناول منهما فلا یکون محرّماً،وعلیه فإن کان الوضوء من آنیة الذهب أو الفضّة بنحو رمس الأعضاء فیه فیکون التوضّؤ بنفسه استعمالاً لهما فیحکم ببطلانه،بخلاف ما إذا کان بنحو الاغتراف فإنّ استعمالها یکون بأخذ الماء منهما لوضوئه،فیکون الترکیب بین المحرم والوضوء انضمامیاً،فیمکن الأمر بالوضوء أو الترخیص فی تطبیق الطبیعی علی ذلک الوضوء بنحو الترتّب،نعم إذا انحصر الماء بالماء فیهما یجب علی المکلّف تفریغهما بإناء آخر ونحوه ممّا لا یعدّ تفریغه علیه استعمالاً لهما،بل قطعاً وإنهاءً لاستعمالهما ثمّ الوضوء به.

وأمّا التوضّؤ منهما بنحو الصبّ علی الأعضاء فإن قصد بالصبّ الوضوء فیحکم ببطلان الوضوء للترکیب الاتحادی بین بعض الوضوء واستعمالهما،وأمّا إذا صب

ص :39

الانحصار یجب أن یفرغ ماءه فی ظرف آخر ویتوضّأ به،وإن لم یمکن التفریغ إلّا بالتوضّؤ یجوز ذلک حیث إنّ[1]

التفریغ واجب ولو توضّأ منه جهلاً أو نسیاناً أو غفلة صحّ کما فی الآنیة الغصبیة،والمشکوک کونه منهما یجوز الوضوء منه کما یجوز سائر استعمالاته.

--------------

الماء علی العضو،لا بقصد الوضوء ثمّ أخذ الماء الجاری ولو مقداراً منه بیده وأعاد الغسل بقصد الوضوء علی ذلک العضو فالوضوء محکوم بالصحة لعدم اتحاد الوضوء مع استعمال الآنیة فی صبّ الماء للوضوء.

وعلی الجملة،الوضوء من آنیة الذهب والفضّة کالوضوء من الآنیة المغصوبة.

وقد ظهر ممّا ذکرنا فی الوضوء من تلک الآنیة أنّه لا فرق فی الحکم ببطلان الوضوء منها بین کون الوضوء منها مع العلم والعمد أو مع الجهل البسیط بمعنی الاحتمال.

ویبقی الکلام فیما ذکره قدس سره فی المقام من أنّه لو لم یمکن التفریغ إلّابالتوضّؤ یجوز ذلک،یعنی التفریغ بالتوضّؤ حیث إنّ التوضّؤ یکون واجباً بعنوان التفریغ، ولکن قد ذکر فی (مسألة 14) من مسائل الأوانی أنّه إذا انحصر ماء الوضوء أو الغسل فی إحدی الآنیتین فإن أمکن تفریغه فی ظرف آخر وجب و إلّاسقط وجوب الوضوء أو الغسل ووجب التیمم،وإن توضّأ أو اغتسل منهما بطل،سواء أخذ الماء منهما بیده أو صّب علی أعضاء محل الوضوء بهما أو ارتمس فیهما،والصحیح ما ذکره فی تلک المسألة من وجوب التیمّم فإنّ الوضوء من الإناء یکون استعمالاً للآنیة وإن ترتّب علی هذا الاستعمال فراغ الآنیة من الماء فالتفریغ هو قطع الاستعمال؛ ولذا لو کان المتعارف فی استعمال الآنیة الإفراغ فی ظرف آخر والتناول منه،کما فی صب الماء من السماور بطبخ الشای ونحوه یکون استعمالاً محرّماً،واللّٰه العالم.

[1]

لجریان الاستصحاب فی ناحیة عدم کون الإناء ذهباً أو فضّة؛ لأنّ الذی لیس له حالة سابقة عدم کون الذهب ذهباً بالحمل الأولی لا بالحمل الشایع،ومع

ص :40

(مسألة 20) إذا توضّأ من آنیة باعتقاد غصبیتها أو کونها من الذهب أو الفضّة ثمّ تبیّن عدم کونها کذلک ففی صحّة الوضوء إشکال،ولا یبعد الصحة إذا حصل منه قصد القربة[1]

.

الشرط السادس:أن لا یکون ماء الوضوء مستعملاً فی رفع الخبث[2]

ولو کان طاهراً مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدّمة،ولا فرق بین الوضوء الواجب والمستحب علی الأقوی حتّی مثل وضوء الحائض،وأمّا المستعمل فی رفع الحدث الأصغر فلا إشکال فی جواز التوضّؤ منه.

--------------

الإغماض فلا أقل من جریان أصالة الحلّیة فی التصرّف والاستعمال وأصالة البراءة عن الاشتراط.

[1]

إذا فرض أنّ المعتقد بغصبیة الإناء أو کونه من الذهب والفضّة یعلم بحرمة الوضوء وغیره من الاستعمال فی الغصب أو فی الإناء من الذهب أو الفضّة فلا تحصل قصد القربة المعتبرة فی الوضوء.نعم،إذا کان جاهلاً کما یتفق ذلک فی استعمال آنیة الذهب أو الفضّة فلا بأس بالحکم بالصحة؛ لإمکان حصول قصد التقرّب بوضوئه،والمفروض عدم کون التوضّؤ محرماً واقعاً؛ لعدم کون الإناء غصباً أو من الذهب أو الفضّة،وکذا لو أخذ الماء من الإناء باعتقاد الغصب أو الذهب والفضّة وتوضّأ بالاغتراف معتقداً أنّ المحرم هو أخذ الماء منه ولیس الوضوء بعد الأخذ محرّماً ففی مثل ذلک لحصول قصد القربة وعدم حرمة الأخذ واقعاً؛ لعدم کون الإناء غصباً أو ذهباً أو فضّة یحکم بصحّة الوضوء حتّی مع الالتزام بأنّ الوضوء اغترافاً من الآنیة المغصوبة أو من الذهب والفضّة محکوم بالحرمة والفساد.

أن لا یکون الماء مستعملاً فی رفع الخبث

[2]

المشهور بینهم عدم جواز الوضوء من الماء المستعمل فی رفع الخبث حتّی ما لو کان طاهراً کماء الاستنجاء أو بناءً علی طهارة غساله الغسلة المتعقّبة

ص :41

والأقوی جوازه من المستعمل فی رفع الحدث الأکبر وإن کان الأحوط ترکه مع وجود ماء آخر،وأمّا المستعمل فی الأغسال المندوبة فلا إشکال فیه أیضاً، والمراد من المستعمل فی رفع الأکبر هو الماء الجاری علی البدن للاغتسال إذا اجتمع فی مکان،وأمّا ما ینصب من الید أو الظرف حین الاغتراف أو حین إرادة الإجراء علی البدن من دون أن یصل إلی البدن فلیس من المستعمل،وکذا ما یبقی فی الإناء وکذا القطرات الواقعة فی الإناء ولو من البدن[1]

.

--------------

لطهارة المغسول،ویدلّ علی ذلک کما تقدّم صحیحة عبداللّٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«قال لا بأس بأن یتوضّأ بالماء المستعمل؟ فقال:الماء الذی یغسل به الثوب أو یغتسل به الرجل من الجنابة لا یجوز أن یتوضّأ منه وأشباهه،وأمّا الماء الذی یتوضّأ الرجل به فیغسل به وجهه ویده فی شیء نظیف فلا بأس أن یأخذه غیره ویتوضّأ به» (1) والوجه فی کونها صحیحة فإنّ للشیخ لجمیع کتب الحسن بن محبوب الراوی عن عبداللّٰه بن سنان وروایاته طریق معتبر،ودلالتها أیضاً علی الحکم لا بأس بها حیث إنّ ظاهر قوله علیه السلام:وأمّا الذی یغسل الثوب،بملاحظة ما فی ذیله:وأمّا الذی یتوضّأ الرجل به فیغسل به وجهه و یده،إلخ هو غسالة الثوب المتنجس حیث لا یحتمل الماء الذی یغسل به ید طاهرة أو ثوب طاهر،نعم ما ذکر فیه من المنع عن التوضّؤ بماء یغتسل به من الجنابة فلا بأس بالالتزام به إلّاأنّه یظهر من بعض الروایات أنّ ذلک لکون مائه محکوماً بالنجاسة،وبما أنّ صریح بعض الروایات طهارة الماء المزبور فیحمل علی صورة وجود الخبث فی بدن الجنب عند الاغتسال کما هو مظنته،ولکن هذا لا ینافی منع الوضوء فلا یترک الاحتیاط.

[1]

وفی حسنة شهاب بن عبد ربه،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام أنّه قال فی الجنب یغتسل فیقطر الماء عن جسده فی الإناء فینضح الماء من الأرض فیصیر فی الإناء أنّه

ص :42


1- (1)) وسائل الشیعة1:215،الباب9 من أبواب الماء المضاف،الحدیث13.

ولو توضّأ من المستعمل فی الخبث جهلاً أو نسیاناً بطل[1]

ولو توضّأ من المستعمل فی رفع الأکبر احتاط بالإعادة.

السابع:أن لا یکون مانع من استعمال الماء من مرض أو خوف عطش أو نحو ذلک،و إلّافهو مأمور بالتیمّم ولو توضّأ والحال هذه بطل[2]

ولو کان جاهلاً بالضرر صحّ وإن کان متحقّقاً فی الواقع والأحوط الإعادة أو التیمّم.

--------------

لا بأس بهذا کلّه، (1) فإنّ نفی البأس لولم یعمّ الوضوء من ذلک الماء بعد ذلک فلا أقل من عدم احتمال الفرق بین جواز الاغتسال منه وجواز التوضّؤ منه.

[1]

کما هو مقتضی إطلاق ما دلّ علی اعتبار الوضوء بماء غیر مستعمل فی الخبث.

أن لا یکون مانع من استعمال الماء کالمرض

[2]

لو کان المانع عن استعمال الماء موجباً لکون غسل العضو محرّماً ولو بعنوان کونه من إتلاف الماء بأن یکون غسل العضو من الجنایة علی النفس أو تعریضها للهلاک فلا ینبغی التأمّل فی بطلان الوضوء،فإنّ المحرّم غیر قابل للتقرّب به ولا یدخل فی إطلاق المتعلّق فی خطاب الأمر الاستحبابی بالوضوء أو خطاب الأمر الغیری أو اشتراط الصلاة ونحوها به،ومن ذلک ما لو کان له عطش یخاف من صرف الماء فی وضوئه علی نفسه أو من یجب التحفّظ علی نفسه علیه فإنّ صبّ الماء علی العضو وغسله تعریض للنفس للهلاکة والضرر فلا یجوز.

وأمّا إذا کان المانع موجباً لارتفاع الوجوب فقط کما فی مورد کون الوضوء حرجیاً أو ضرریاً لا یکون تحمّل ذلک الضرر محرّماً،ففی الفرض لا مانع من الأخذ بالإطلاق فی خطابات استحباب الوضوء حیث إنّ الاستحباب باعتبار کونه حکماً

ص :43


1- (1)) وسائل الشیعة 1:212،الباب 9 من أبواب الماء المضاف،الحدیث 6.

..........

غیر إلزامی لا یعمّه خطاب نفیهما؛ إذ لا امتنان فی نفی الحکم غیر الإلزامی یعنی الحکم الموکول إلی امتثاله إلی مشیة المکلف.

ونتیجة هذا الإطلاق مع خطاب نفی الحرج أو الضرر کون المکلف فی الفرض مخیّراً بین الوضوء والتیمّم،وهذا هو المورد الذی یکون مقتضی الجمع العرفی بین الخطابات وقوع التیمّم فی عرض الوضوء.

وقد ظهر أنّ الحکم بالصحّة فی الفرض لیس للأخذ بالمدلول الالتزامی لخطاب الوجوب الغیری،بدعوی أنّه بالالتزام یدلّ علی کون الوضوء ذا ملاک، ودلیل نفی الحرج أو الضرر إنّما یعارض المدلول المطابقی للأمر بالوضوء حیث لا منافاة بین عدم الأمر الغیری بالوضوء وحصول الملاک فیه؛ وذلک لما بیّنا فی محلّه من أنّ المدلول الالتزامی کما یتبع المدلول المطابقی فی الوجود کذلک یتبعه فی الحجیة والاعتبار؛ ولذا لا یمکن نفی الثالث بالمتعارضین وقد تقدّم بعض الکلام فی ذلک فی مسائل طریق ثبوب النجاسة.

وقد یقال بتعیّن التیمّم فی موارد فعلیة تکلیف آخر لا یتمکّن المکلّف من امتثاله إلّابالصلاة مع التیمم،کما إذا کان للمکلّف ماء لا یکفی بالوضوء وتطهیر المسجد المتنجّس،فإنّه فی الفرض یتعیّن علیه تطهیره والصلاة بالتیمّم،ولو ترک الإزالة وأراد الوضوء بذلک الماء یحکم علی وضوئه بالبطلان،ولا یجری فی المقام الأمر بالوضوء بنحو الترتّب؛ لأنّ اشتغال الذمّة بإزالة النجاسة عن المسجد یوجب کون المکلّف غیر متمکّن من الوضوء.

وبتعبیر آخر،یختص الترتّب بما إذا کان أخذ القدرة فی کلّ من التکلیفین بنحو واحد لا أن یکون فی أحدهما عقلیاً وفی الآخر شرعیاً،فإنّ مع کون القدرة فی أحدهما شرعیة یکون نفس التکلیف بالآخر معجّزاً عنه.

ص :44

..........

وفیه أنّ أخذ القدرة فی الأمر بفعل لا یقتضی إلّاالتمکّن من متعلّقه عقلاً وعدم حرمة مقدّمته شرعاً،وأمّا عدم الاشتغال بتکلیف لا یجتمع امتثاله مع الإتیان بالمتعلّق المزبور فلا ینافی أخذ القدرة،وعلیه فالأمر بالإزالة لا ینافی الأمر بالصلاة مع الوضوء بنحو الترتّب،فإنّ ترک الإزالة وإن کان عصیاناً إلّاأنّه لا یتوقّف علی ترک الوضوء لیکون الوضوء محرّماً غیریّاً،کما أنّ الوضوء لا یتوقّف علی ترک الإزالة حتّی یقال مقدّمة الوضوء غیر جائزة کما تقرّر ذلک فی بحث عدم اقتضاء الأمر بشیء النهی عن ضدّه الخاص،وأنّ ترک ضدّ لا یکون مقدّمة لفعل الضدّ الآخر.

بقی الکلام فیما ذکره الماتن رحمه الله من أنّه لو توضّأ مع الجهل بالضرر صحّ وإن کان متحقّقاً فی الواقع واحتاط استحباباً بإعادة الوضوء مع عدم کون الإعادة ضرریاً ومع بقائه بالتیمم،فنقول:إن کان نفی وجوب الوضوء بحدیث:نفی الضرر (1) کما إذا سرق ماله ونحوه،فمع الجهل بذلک یحکم بصحّة الوضوء؛ لأنّ حکومة قاعدة نفی الضرر تختصّ بموارد الامتنان فی الرفع ولا امتنان فی الرفع مع الجهل بالحال،سواء کان الجهل بمعنی الغفلة أو مجرد الاحتمال غیر البالغ حدّ الخوف،بل ذکرنا أنّ فی مثل هذه الموارد یصحّ الوضوء مع الخوف والعلم أخذاً بما دلّ علی مطلوبیته من المحدث وإن لم یکن واجباً.

وأمّا إذا کان الضرر المزبور موجباً لحرمة الفعل کما فی صورة کون الوضوء من إیقاع النفس فی الهلاکة فمع احتماله یحکم بالبطلان؛ لما تقدّم من أنّ المحرّم الواقعی لا یمکن أنّ یعمّه الأمر بالطبیعی ویرخّص فی تطبیقه علیه،بخلاف ما إذا کان غافلاً عن کونه کذلک فإنّه لا محذور فی الترخیص فی التطبیق معه.

نعم،إذا کان فی البین دلیل خاصّ علی التیمّم فی الفرض کما فی المریض

ص :45


1- (1)) وسائل الشیعة 18:32،الباب 17 من أبواب الخیار،الحدیث 3.

الثامن:أنّ یکون الوقت واسعاً للوضوء والصلاة بحیث لم یلزم من التوضّؤ وقوع صلاته ولو رکعة منها خارج الوقت[1]

و إلّاوجب التیمّم إلّاأن یکون التیمّم أیضاً کذلک،بأن یکون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أکثر إذ حینئذ یتعیّن الوضوء.

--------------

الذی یضرّه استعمال الماء فیمکن الحکم ببطلان وضوئه حتّی فی صورة الغفلة عن مرضه،فإنّ ظاهر قوله سبحانه: «وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضیٰ أَوْ عَلیٰ سَفَرٍ» (1) الخ أنّ وظیفة المریض المضرّ بحاله الوضوء مکلّف بالصلاة مع التیمّم،وکذلک مدلول بعض الروایات الواردة فی الأمر بالتیمّم فی صورة المرض الظاهرة فی کون التیمّم هو الطهارة فی حقّه.

اعتبارسعة الوقت للوضوء

[1]

لا یلزم فی تعیّن التیمّم لزوم وقوع رکعة من الصلاة خارج الوقت،بل یکفی فی الانتقال إلی التیمّم لزوم وقوع جزء منها خارج الوقت؛ وذلک فإنّ المکلّف فی الفرض لا یتمکّن من التحفّظ باشتراط الوقت بالإضافة إلی تمام الصلاة،وباشتراط الوضوء لها،ومع ذلک یتعیّن علیه رعایة الوقت لاستفادة ذلک من الکتاب العزیز، حیث إنّ ظاهره أنّ الصلاة المأتی بها بتمام شرائطها ومنها رعایة الوقت مشروط بالوضوء أیضاً مع تمکّن المکلّف منه،ومع عدم تمکّنه فالصلاة المزبورة مشروطة بالتیمّم،وفی الفرض لا یتمکّن المکلّف من الوضوء للصلاة المأتی بها بتمام شرائطها التی منها إیقاعها بتمامها فی الوقت.

لا یقال: مقتضی حدیث:من أدرک من صلاة الغداة رکعة، (2) أنّ الصلاة التی تقع رکعة منها داخل الوقت،کالصلاة الواقعة فی الوقت،وعلیه فیتمکّن المکلّف فی الفرض من الوضوء للصلاة فی الوقت.

ص :46


1- (1)) سورة النساء:الآیة 43.
2- (2)) وسائل الشیعة4:217،الباب30 من أبواب المواقیت،الحدیث2.

..........

فإنه یقال: الحدیث لا یعمّ صورة تمکّن المکلّف من إیقاع الصلاة بتمامها فی الوقت بأن یکون مفادها جواز تأخیرها إلیٰ بقاء رکعة منها فی الوقت،نعم،لو خالف وأخّرها إلیه ولو عصیاناً فیدخل فی ذلک الوقت فی إطلاق الحدیث المزبور.

نعم،قد ناقش بعض فیما إذا أخّر المکلّف صلاته إلی آخر الوقت عمداً بحیث لو توضّأ لها یقع بعض صلاته خارج الوقت،بخلاف ما إذا تیمّم لها فإنّها تقع بتمامها داخل الوقت.

ووجه الإشکال خروج الفرض عما دلّ علی التیمّم للصلاة مع عدم التمکّن من الوضوء فإنّه یختصّ بما إذا کان ذلک لعدم التمکّن من الوضوء فی نفسه لفقد الماء أو کون استعماله ضرریاً کالمریض،وأمّا عدم التمکّن منه لضیق الوقت فهذا لا یوجب مشروعیة التیمّم،بل علیه الوضوء حتّی مع تمکّن إدراک رکعة من الصلاة فی وقتها، ولازم ذلک أن یتعیّن علیه الوضوء وإن وقع بعض صلاته خارج الوقت فی فرض الاتفاق أیضاً،ومع عدم إدراکه الرکعة یسقط التکلیف بالصلاة وإن کان متمکّناً من إدراک رکعة مع التیمّم فإنّ التیمّم لا یشرع فی الفرض،ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ مع عدم التمکّن من الوضوء تکون الوظیفة التیمّم لو کان عدم التمکّن لضیق الوقت کما هو مقتضی قوله سبحانه: «فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً» (1) فإنّ السفر أو المرض لا خصوصیة لهما،بل الموضوع التمکّن من الوضوء ولو کان لغیرهما ألا تری أنّه لو کان عند المکلّف فی النهر ماء مملوک للغیر لا یأذن مالکه فی الوضوء به ولکنّه یأذن فی کلّ تصرّف غیر الوضوء یدخل فی الآیة لعدم تمکّنه من الوضوء،وکذا فی الفرض بعد ما ذکرنا أنّ مفاد الحدیث أنّ إدراک رکعة من الصلاة فی وقتها واجداً لسائر شرائطها أداءً ولیست الصلاة بقضاء،وأمّا الصلاة الواجدة لتمام شرائطها صلاة مع الطهارة المائیة

ص :47


1- (1)) سورة النساء:الآیة 43.

ولو توضّأ فی الصورة الأُولی بطل إن کان قصده امتثال الأمر المتعلّق به من حیث هذه الصلاة علی نحو التقیید.نعم،لو توضّأ لغایة أُخری أو بقصد القربة صحّ،وکذا لو قصد ذلک الأمر بنحو الداعی لا التقیید[1]

.

(مسألة 21) فی صورة کون استعمال الماء مضرّاً لو صبّ الماء علی ذلک المحل الذی یتضرّر به ووقع فی الضرر ثمّ توضّأ صحّ[2]

إذا لم یکن الوضوء موجباً لزیادته لکنّه عصی بفعله الأول.

--------------

أو الترابیة فلیست الروایة ناظرة إلیها،ویمکن الا استدلال علی الحکم فی الفرض بصحیحة زرارة عن أحدهما علیهما السلام قال:«إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب مادام فی الوقت،فإذا خاف أن یفوته الوقت فلیتیمّم ولیصلّ فی آخر الوقت» (1) فإنّ إطلاقها یعمّ ما إذا علم بالظفر بالماء مع الفحص،وقد تقدّم أنّ ظاهر الوقت والقبلة ونحوهما ممّا یکون فیه توسعة عند الاضطرار ظاهره عند الإطلاق هو الاختیاری؛ ولذا قلنا بجواز التخلّی فی ما بین المشرق والمغرب مع الانحراف عن القبلة الاختیاریة.

[1]

قد تقدّم سابقاً أنّ الوضوء حقیقة واحدة لا یختلف نوعه بقصد الندب أو الوجوب الغیری،وعلیه فإن توضّأ فی الصورة الأُولی وحصل منه قصد التقرّب،کما إذا تخیّل سعة الوقت أو أنّه عند مزاحمة الوقت والوضوء یجب رعایة الوضوء فیحکم بصحّة الوضوء،وإذا لم یحصل قصد التقرّب کما إذا توضّأ مع علمه برعایة الوقت أو مع جهله بالحکم بقصد تعیّن الوضوء فی الفرض یحکم بفساده؛ لعدم حصول التقرّب مع التشریع.

[2]

هذا فیما إذا کان الإضرار المزبور محرّماً و إلّاذکرنا أنّه لا دلیل علی حرمة مطلق الإضرار،اللهمّ إلّاأن یقال:مطلق الإضرار ولو لم یکن محرّماً إلّاأنّ الوضوء الموجب للضرر علی النفس غیر مشروع کما هو ظاهر الآیة المبارکة،وعلیه فلو صبّ

ص :48


1- (1)) الکافی 3:63،الحدیث 2.

التاسع:المباشرة فی أفعال الوضوء فی حال الاختیار،فلو باشرها الغیر أو أعانه فی الغسل أو المسح بطل[1]

.

--------------

الماء لا بقصد الوضوء ثم صبّ ماءً آخر بقصد الغسل وضوءاً فلا یکون الوضوء المزبور ضرریاً فیصحّ لتعلّق الأمر به وإن عصی بصبّ الماء الأوّل.

اعتبار المباشرة فی أفعال الوضوء

[1]

بلا خلاف معروف أو منقول،بل عن غیر واحد دعوی الإجماع علیه ویقتضیه ظاهر مثل قوله سبحانه: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ » (1) الآیة حیث إنّ ظاهر الأمر بفعل خارجی متوجّه إلی شخص کون المتعلّق الفعل المباشری،حیث إنّه الفعل المستند إلیه.

نعم،فی موارد صحّة إسناد الفعل إلی الشخص بالتسبیب کالذبح والحلق والصدقة والاعتباریات من العقود والإیقاعات یعمّ الأمر الإتیان بها بنحو التسبیب وکون الغسل من تلک الأفعال محرز،ولکن فیما إذا کان الأمر به من الخبث،حیث إنّ معلومیة ملاک الطهارة من الخبث توجب ذلک،بخلاف الوضوء والغسل والتیمّم وغیر ذلک من الفعل العبادی الذی لم یسند الفعل فیها إلّاإلی المباشر،فإنّ إطلاق الأمر فیها بالفعل یعیّن الفعل المباشری،سواء أتی به الغیر تولیة ونیابة أم لا،بل لمعلومیة ملاک الأمر بالغسل من الخبث لا یحتاج إلی التسبیب أیضاً،ولو حصل غسل منه ولو بإطارة الریح ونحوه الثوب فی الماء المعتصم وأُخرج عنه حصل غسله،وهذا بخلاف الغسل الوضوئی أو الاغتسال من الحدث.

ویمکن الاستدلال علی اعتبار المباشرة فی الوضوء بالأخبار الواردة فی الوضوءات البیانیة حیث إنّ الامام علیه السلام باشر فیها بإسدال الماء من أعلی الوجه أو من مرفقه وأمرّ یده إلی الذقن إلی الأصابع حاکیاً عن أنّ الوضوء من رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله کان

ص :49


1- (1)) سورة المائدة:الآیة 6.

وأمّا المقدّمات للأفعال فهی أقسام:أحدها المقدّمات البعیدة کإتیان الماء أو تسخینه أو نحو ذلک،وهذه لا مانع من تصدّی الغیر لها،الثانی:المقدّمات القریبة مثل صبّ الماء فی کفّه،وفی هذه یکره مباشرة الغیر.

الثالث:مثل صبّ الماء علی أعضائه مع کونه هو المباشر لإجرائه وغسل أعضائه،وفی هذه الصورة وإن کان لا یخلو تصدّی الغیر عن إشکال إلّاأنّ الظاهر صحّته فینحصر البطلان فیما لو باشر الغیر غسله أو أعانه علی المباشرة بأن یکون الإجراء والغسل منهما معاً[1]

.

--------------

کما یفعله،وکان الإمام علیه السلام بصدد خصوصیات ذلک الفعل المباشری التی خالف فیها بعض الناس،فدلالتها علی کون وضوء رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله مباشریاً أمر ظاهر،وهذا المقدار من فعله کافٍ فی إثبات الاعتبار.

[1]

قد تقدّم أنّ الوضوء عبارة عن غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین،وأنّه یعتبر أن یکون کلّ من الغسلتین والمسحتین بالمباشرة،وأمّا مقدّمات الغسل فقد قسّمها علی ثلاثة أقسام:

الأوّل:المقدّمة البعیدة کالإتیان بالماء أو تسخینه والتزم بعدم المانع عن تصدّی الغیر بهذه المقدّمات،بمعنی أنّه کما لایحرم تصدّی الغیر بها کذلک لاکراهة أیضاً فی تصدّی الغیر لتعارف هذا النحو من تصدّی الغیر فی البیوت والمساجد،من غیر ورود منع عن ذلک فی شیء من الروایات،بل ورد فی روایات الوضوءات البیانیة طلبه علیه السلام الماء لیتوضّأ به.

والثانی:المقدّمات القریبة لصبّ الماء بید المتوضّئ لیغسل به وجهه أو یدیه والتزم بالکراهة بتصدّی الغیر لذلک،ویستدلّ علی ذلک بروایات منها روایة الحسن بن علی الوشا قال:دخلت علی الرضا علیه السلام وبین یدیه إبریق یرید أن یتهیّأ منه للصلاة فدنوت لأصبّ علیه فأبی ذلک فقال:مه یا حسن،فقلت له:لم تنهانی أن

ص :50

..........

أصبّ علی یدیک تکره أن أُوجر؟ قال:تؤجر أنت وأُوزر أنا،فقلت:وکیف ذلک؟ فقال:أما سمعت اللّٰه عزّ وجلّ یقول: «فَمَنْ کٰانَ یَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ یُشْرِکْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» وها أنا ذا أتوضّأ للصلاة وهی العبادة فأکره أن یشرکنی فیه أحد» (1) وظاهر هذه الروایة أنّ الاستعانة بذلک یوجب قلّة ثواب العبادة من فاعلها لا ثبوت الوزر له بمعنی العقاب،و إلّالم یکن وجه لنیل المعین للأجر.

ولکن فی الاستشهاد لقلّة الثواب بالآیة المبارکة یعنی بقوله علیه السلام «وَ لاٰ یُشْرِکْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» نوع صعوبة فی الفهم حیث إنّ ظاهره النهی عن إحداث الشرکة فی المعبودیة لا اجتماع شخصین أو أکثر فی الإتیان بعمل واحد للّٰه،کما إذا اجتمع اثنان فی تغسیل المیّت ونحوه،ولعلّ الاستشهاد لتقریب الکراهة إلی الأذهان أو من التفسیر بالباطن،ولکنّ استشهاد الإمام علیه السلام لبیان کراهته للشرکة فی الصلاة التی یتوضّأ لها فیلزم علی ذلک کراهة الصلاة فیما إذا غسل ثوب المصلّی من الخبث غیره، وأیضاً مدلول الآیة بالظاهر آب عن التقیید والتخصیص،مع أنّه یأتی جواز الاستعانة بالغیر فی نفس الوضوء،بل الصلاة عند الاحتیاج وتوقفهما علیها.

ولکنّ الذی یسهّل الأمر أنّ الروایة ضعیفة سنداً؛ لأنّ الراوی عن الحسن بن علی الوشّاء إبراهیم بن إسحاق الأحمر وهو ضعیف فی حدیثه متّهم فی دینه، ودعوی انجبار ضعفها بعمل الأصحاب لا مجال لها ممّا یحتمل أن یکون وجه عملهم التزامهم بالتسامح فی أدلة السنن،وقد ذکرنا منعه،وعلی تقدیره فلا یعمّ موارد ورود النهی عن العمل منعاً أو کراهة بأن یلتزم باستحباب ترک المنهی عنه،فإنّ ظاهر إخباره الثواب علی ورود العمل لا ما یعمّ ورود الثواب علی الترک.

وبهذا یظهر الحال فی مرسلة الصدوق قال:کان أمیرالمؤمنین علیه السلام إذا توضّأ لم یدع

ص :51


1- (1)) وسائل الشیعة 1:476،الباب 47 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل،و الآیة 11 من سورة الکهف.

..........

أحداً یصبّ علیه الماء فقیل له:یا أمیرالمؤمنین لمَ لا تدعهم یصبّون علیک الماء؟ فقال:لا أُحبّ أن أُشرک فی صلاتی أحداً،وقال اللّٰه تبارک وتعالی: «فَمَنْ کٰانَ یَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ یُشْرِکْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» (1) وهذه المرسلة وإن رواها فی العلل (2) عن أبیه،عن محمّد بن یحیی،عن محمّد بن أحمد،عن إبراهیم بن إسحاق،عن عبداللّٰه بن حمّاد،عن إبراهیم بن عبدالحمید،عن شهاب بن عبد ربه، عن أبی عبداللّٰه علیه السلام عن أمیرالمؤمنین علیه السلام إلّاأنّ فی السند إبراهیم بن إسحاق أیضاً.

نعم،رواه الشیخ بإسناده عن إبراهیم بن هاشم،عن عبدالرحمن بن حمّاد - یعنی الکوفی - عن إبراهیم بن عبدالحمید،عن شهاب بن عبد ربه. (3) ولا یبعد اعتبار السند،فإنّ عبدالرحمن بن حمّاد وإن لم یصرّح بتوثیقه إلّاأنّه من المعاریف صاحب کتاب روی عنه غیر واحد من الرواة المعروفین،تبلغ روایاته فی الکتب الأربعة قرابة الخمسین.

أضف إلی ذلک ما رواه فی الخصال عن أبیه،عن علی بن إبراهیم،عن أبیه،عن النوفلی،عن السکونی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:خلّتان لا أُحب أن یشارکنی فیهما أحد وضوئی فإنّه من صلاتی،وصدقتی فإنّها من یدی إلی ید السائل فإنّها تقع فی ید الرحمن. (4) إلّاأنّه قد یناقش فی دلالتها علی أنّ ظاهر التشریک فی وضوء الصلاة صدوره عن اثنین نظراً للتشریک فی الصدقة بأن یتوضّأ بالتسبیب نظیر الصدقة،وفیه مناسبة الحکم والموضوع مقتضاه کون التشریک فی

ص :52


1- (1)) من لا یحضره الفقیه 1:43،الحدیث 85.والآیة 110 من سورة الکهف.
2- (2)) علل الشرائع 1:278 - 279،الباب 188.
3- (3)) التهذیب 1:354،الحدیث 20.
4- (4)) الخصال:33،الحدیث 2.

..........

الوضوء بنحو الصبّ علی العضو أو الید بخلاف الصدقة،ولکن فی صحیحة أبی عبیدة الحذّاء قال:وضّأت أبا جعفر علیه السلام بجمع وقد بال فناولته ماءً فاستنجی ثمّ صببت علیه کفّاً فغسل به وجهه وکفّاً غسل به ذراعه الأیمن وکفّاً غسل به ذراعه الأیسر،ثمّ مسح بفضلة الندی رأسه ورجلیه (1) .

ویمکن أن یقال:إنّ فی موردها کانت خصوصیة تقتضی مباشرة الغیر بالصبّ ولو کانت تلک الخصوصیة إعلامه علیه السلام بکیفیة الوضوء واعتبار کون المسح بالبلّة الباقیة فی الیدین.

وعلی الجملة،فلا بأس بالالتزام بالکراهة بمعنی قلّة الثواب،واللّٰه سبحانه هو العالم.

وممّا ذکر یظهر کراهة الاستعانة فی القسم الثالث فإنّه یدخل تحت مدلول المعتبرتین ولو بالفحوی،هذا فیما إذا کان الصبّ بنحو لا یستند الغسل إلّاإلی مجری الماء علی وجهه ویدیه،وأمّا إذا کان بحیث یستند الغسل ولو فی بعض مواضع الغسل إلی الصابّ کما إذا أجری الید من بعد موضع المصبوب،وکان موضع المصبوب داخلاً فی حدّ المغسول لما استند غسل ذلک الموضع إلّاإلی الصابّ فلا یصحّ؛ لعدم المباشرة فی غسل ذلک المقدار.

ثمّ إنّ النهی عنه هو الاستعانة بالغیر کما تقدّم لا الاستعانة بالآلات فالاستعانة بالآلات غیر مانع عن فضل الصلاة والوضوء کما لا یخفی.

ثمّ إنّ مع الإغماض عمّا ذکرنا من اعتبار المباشرة فی أفعال الوضوء کما هو مقتضی ما تقدّم وصلت النوبة إلی الأصل العملی فی اعتبارها بأن شکّ أنّ المعتبر فی الصلاة الوضوء مباشرة أو الوضوء ولو بنحو التسبیب،فیمکن أن یقال بأصالة

ص :53


1- (1)) وسائل الشیعة 1:391،الباب 15 من أبواب الوضوء،الحدیث 8.

(مسألة 22) إذا کان الماء جاریاً من میزاب أو نحوه فجعل وجهه أو یده تحته بحیث جری الماء علیه بقصد الوضوء صحّ[1]

،ولا ینافی وجوب المباشرة،بل یمکن أن یقال:إذا کان شخص یصبّ الماء من مکان عالٍ لا بقصد أن یتوضّأ به أحد وجعل هو یده أو وجهه تحته صحّ أیضاً ولا یعد هذا من إعانة الغیر أیضاً.

--------------

البراءة عن وجوب الصلاة المتقیّدة بالوضوء المباشری ولا تعارضها أصالة البراءة عن تعلّق الوجوب بالصلاة المتقیّدة بمطلق الوضوء،فإنّ وجوب الصلاة کذلک نفیه ینافی الامتنان؛ لما فیه من التوسعة علی ما ذکر فی دوران أمر الواجب بین المطلق والمقیّد.

نعم،لو قیل بأنّ الطهارة المشروطة بها الصلاة أمر مسببی عن الوضوء والغسل والتیمّم،یکون الشکّ فی حصول الطهارة بالوضوء التسبیبی، والمشهور عندهم أنّ موارد الشک فی الامتثال ولو کان منشؤه الشبهة الحکمیة مجری قاعدة الاشتغال.

الوضوء من المیزاب

[1]

لأنّ المکلف بجعل وجهه من قصاص شعره إلی آخر ذقنه تدریجاً تحت الماء المصبوب،وکذا جعله یدیه تحته ثمّ مسحه رأسه ورجلیه وضوء مباشری، وکذا إذا کان صبّ الماء من مکان عالٍ من إنسان فإنّ جعل المکلف وجهه ویدیه تحت الماء المزبور وضوء مباشری،بلا فرق بین أن یقصد الصابّ بصبّه أن یتوضّأ أحد بمائه المصبوب أم لم یقصد،فإنّ قصده ذلک لا یوجب أن یصدق أنّه یغسل الوجه والیدین من المکلّف،غایة الأمر أنّ ذلک إذا کان بقصد أن یتوضّأ به الآخر یعد من الإعانة للغیر فی أن یتوضّأ الغیر،بخلاف ما إذا لم یقصد ذلک فإنّه لا یصدق الإعانة أیضاً.

ص :54

(مسألة 23) إذا لم یتمکّن من المباشرة جاز أن یستنیب بل وجب[1]

وإن توقّف علی الأُجرة،فیغسل الغیر أعضاءه وینوی هو الوضوء،ولو أمکن إجراء الغیر الماء بید المنوب عنه بأن یأخذ یده ویصبّ الماء فیها ویجریه بها هل یجب أم لا؟ الأحوط ذلک،وإن کان الأقوی عدم وجوبه؛ لأنّ مناط المباشرة فی الإجراء، والید آلة،والمفروض أنّ فعل الإجراء من النائب.نعم،فی المسح لابد من کونه بید المنوب عنه لا النائب،فیأخذ یده ویمسح بها رأسه ورجلیه،وإن لم یمکن ذلک أخذ الرطوبة التی فی یده ویمسح بها،ولو کان یقدر علی المباشرة فی بعض دون بعض بعّض.

--------------

تجوز الاستنابة إذا لم یتمکّن من المباشرة

[1]

بلا خلاف یعرف بل عن المنتهی دعوی الإجماع (1) وعن المعتبر دعوی اتّفاق الفقهاء علیه، (2) ویمکن أن یستدلّ علی ذلک بما ورد فی تولیة الاغتسال،وفی معتبرة ابن مسکان،عن عبدالله بن سلیمان جمیعاً،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام - فی حدیث - أنّه کان وجعاً شدید الوجع فأصابته جنابة وهو فی مکان بارد،قال:

فدعوت الغلمة فقلت لهم:احملونی فاغسلونی فحملونی ووضعونی علی خشبات ثمّ صبوا علیَّ الماء فغسلونی. (3) ووردت هذه التولیة فی التیمّم أیضاً فی صورة العجر عن المباشرة،ولا یحتمل جواز التولیة فی الغسل والتیمّم ولا یجوز فی الوضوء،بل ربّما یقال إنّ جواز الوضوء تسبیباً لا یحتاج إلی نصّ،بل هو مقتضی القاعدة لا لقاعدة المیسور الجاریة فی الوضوء لیقال إنّ تلک القاعدة لم یتمّ علیها دلیل لتکون کبری کلّیة،بل لأنّ اشتراط المباشرة فی الوضوء لیس لدلیل لفظی علیها

ص :55


1- (1)) المنتهی المطلب 2:132 - 133.
2- (2)) المعتبر 1:162.
3- (3)) وسائل الشیعة 1:478 - 479،الباب 48 من أبواب الوضوء.

..........

لیقال إنّ الأمر الإرشادی لا یقیّد بصورة التمکّن،حیث إنّ هذا التقیید یختصّ بالتکالیف المولویة المتعلّقة بالأفعال.

وعلی الجملة،فاشتراط المباشرة لظهور الأمر بفعل خارجی المتوجه إلی شخص فی طلب صدوره عنه مباشرة،ولکن الظهور المزبور یختصّ بصورة التمکّن من المباشرة.

وأمّا مع العجز فطلب الفعل من المکلّف مقتضاه صدوره عنه بالتسبیب.

وبتعبیر آخر،طلب فعل خارجی من شخص یختلف باختلاف عجز ذلک الشخص بالمباشرة وتمکّنه منه فمع تمکّنه منه لا یکون إسناد الفعل إلیه حقیقة، بخلاف صورة عجزه،فإنَّ إسناده إلیه بالتسبیب فی هذا الحال کإسناده إلیه فی صورة التمکّن من المباشرة،فإذا قال شخص مع تمکّنه من المباشرة فی البناء:بنیت داری، ظاهره بناؤها بالمباشرة،بخلاف ما إذا لم یکن متمکّناً من المباشرة فإنّ ظاهره البناء بالتسبیب،وفیه أنّ العجز عن المباشرة قرینة علی إرادة البناء بالتسبیب،بخلاف صورة تمکّنه فإنّه لا یظهر منه إلّاتحقّق البناء المنتسب إلیه من غیر کونه ظاهراً بالمباشرة أو بالتسبیب إلّامع قرینة حالیّة تعیّن المباشرة أو غیرها؛ ولذا لم یفصّلوا فی باب الحجّ فی أفعال منی من الحلق والتقصیر وذبح الهدی بین صورتی تمکّن المکلّف من المباشرة وعدمه.

والحاصل إذا کان ظاهر الخطاب طلب صدور الفعل من المکلّف بالمباشرة فمقتضی القاعدة سقوط التکلیف عنه عند عدم التمکّن من المباشرة،والاکتفاء بفعل الغیر استنابة یحتاج إلی قیام دلیل علیه غیر خطاب الأمر بذلک الفعل،وما ذکر المصنف قدس سره من أنّه فی صورة التولیة ینوی الشخص الوضوء فلیکن مراده الوضوء بنحو التسبیب،بلا فرق بین أن یقصده المتولی أم لا،فلو فرض أنّ المتولی صبی

ص :56

..........

لا یعرف الوضوء،ولکن أجری الماء بأمر المکلّف علی وجهه بتعلیمه کیفیة الإجراء وکذا فی الیدین ثمّ أمره أن یرفع یده ومسح بإعانة الصبی فی أخذ یده وإمرارها علی الرأس والرجلین کفی؛ لأنّ المکلّف بالوضوء لیس هو المباشر.

اللهمّ إلّاأن یقال:إنّ هذا فی الأفعال الصالحة للاستناد إلی الشخص بالمباشرة والتسبیب،وأمّا إذا فرض أنّ الفعل غیر صالح للاستناد إلّابالمباشرة فالاکتفاء بالاستنابة فیه بالتعبد،وإذا کان التعبد وارداً فی مورد بلوغ المتولی وإیجاده الفعل فی عضوه فعلی المتولی أیضاً قصده.

والحاصل فرق بین الاستنابة فی الوضوء والغسل والتیمم،وبین الاستنابة فی الحلق والذبح المعتبرین فی الحجّ فإنّه یکفی القصد فی المنوب عنه فقط فی الثانی دون الأوّل.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه لا یعتبر فی صورة عجز المکلّف عن إجراء الماء علی عضوه أن یأخذ المتولّی بید الشخص ویجری الماء علی عضوه بیده،حیث إنّ الإجراء بالید غیر مأخوذ فی غسل الأعضاء،وهذا بخلاف المسح فإنّه یعتبر أن یکون بید من غسل أعضاءه حتّی ما إذا کان غسلها بالتولیة،نعم لولم یمکن إمرار یده علی رأسه أو رجلیه یأخذ الغیر البلّة من یده ویمسح بها رأسه ورجلیه،ولا حاجة إلی ضمّ التیمّم فیما إذا لم یمکن التیمّم بالمسح بید الشخص ولو بالاستعانة و إلّا فالأحوط ضمّ التیمّم؛ لأنّ المقدار الثابت من التولیة فی الوضوء للوثوق بل العلم بعدم الفرق بین الغسل والتیمّم وبین الوضوء فی صورة تمکّن الشخص من المسح بیده ولو بالاستعانة.

والمتحصّل أنّ مثل قوله سبحانه: «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ » (1)

ص :57


1- (1)) سورة المائدة :الآیة 6.

...

--------------

وإن کان خطاباً لعامّة المکلّفین،ولکن دعوی أنّ الأمر بغسل الوجه والیدین إلخ بالإضافة إلی المتمکّنین من الغسل بالمباشرة ظاهر فی الغسل بالمباشرة،وبالإضافة إلی غیر المتمکّنین منه بالمباشرة ظاهر فی الغسل بالتسبیب لا یمکن المساعدة علیه،فإنّه إن کان غسل الوجه والیدین والمسح علی الرأس والرجلین من قبیل الصوم والقیام والقعود الذی لا ینتسب إلّاإلی المباشر فالأمر بها یتوجّه إلی المتمکّنین من الوضوء بالمباشرة،وإن کان من قبیل الحلق والذبح جاز الإتیان بها بالتسبیب ولو مع التمکّن المباشرة،وبما أنّ الوضوء من قبیل الأوّل کما هو الفرض فتحتاج مشروعیة الإتیان بالنیابة والتسبیب إلی قیام الدلیل علیه کما هو الحال فی النیابة فی الصلاة والصوم والحج،واللّٰه سبحانه هو العالم.

وأمّا مسألة لزوم إعطاء الأُجرة لو توقّف الوضوء تسبیباً علی إعطائها فقد یقال إنّ ذلک مقتضی أمر العاجز عن المباشرة بالوضوء تسبیباً حیث إنّ الوضوء من الغیر کالغسل والتیمّم منه عمل محترم له مالیة فیکون الأمر بالوضوء بمنزلة الأمر بأدائها، نعم،إذا استدعی فی مورد التوضّؤ أو الاغتسال أو التیمّم کذلک الأُجرة الزائدة علی المتعارف فیمکن نفی وجوبها بقاعدة نفی الضرر حیث إنّ التکلیف بالصلاة مع الوضوء تکلیف ضرری یناسب الامتنان رفعه،ولو قیل بأنّ الاستنابة فی الوضوء لیست علی طبق القاعدة بل هو حکم استفید من الاطمینان بعدم الفرق بین الغسل والتیمّم وبین الوضوء أو من الإجماع علی عدم سقوط الوضوء بالاستنابة مع تعذّره بالمباشرة فالمتیقّن فی الإجماع والاستفادة صورة عدم توقّف الاستنابة علی صرف المال،و فیه أنّه إن أُرید أنّ الوضوء باستنابة الغیر فیما یتوقّف علی بذل الأُجرة لا یستفاد مشروعیته من الإجماع أو الروایات الواردة فی الغسل والتیمّم فلا أظن الالتزام به.

ص :58

العاشر:الترتیب بتقدیم الوجه[1]

ثمّ الید الیمنی،ثمّ الید الیسری،ثمّ مسح الرأس،ثمّ الرجلین،ولا یجب الترتیب بین أجزاء کلّ عضو.نعم،یجب مراعاة الأعلی فالأعلی کما مرّ.

--------------

وإن أُرید عدم استفادة وجوبه فیقال إذا کان الوضوء کذلک مشروعاً فیدخل المکلّف فی واجد الماء فی الآیة فیجب،و إن ادّعی أنّ قاعدة لا ضرر ترفع وجوبه لکونه ضرریاً،فنقول کذلک الأمر فیما کان الوضوء بالاستنابة من العاجز عن المباشرة وضوءاً حقیقة فإنّ هذا الوضوء فیما لا یتوقّف علی بذل المال یجب بالآیة و وجوبه علی توقّفه علی بذل المال بالعموم والإطلاق فیرفع الید عن العموم والإطلاق بحکومة قاعدة نفی الضرر.

اعتبار الترتیب بین أعضاء الوضوء

[1]

بلا خلاف یعرف أو ینقل،بل عن غیر واحد من القدماء والمتأخّرین دعوی الإجماع علیه ویدلّ علیه ما ورد فی الوضوءات البیانیة وفی صحیحة زرارة قال:قال أبو جعفر علیه السلام:ألا أحکی لکم وضوء رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله ؟ فقلنا:بلی،فدعا بقعب فیه شیء من ماء فوضعه بین یدیه،ثمّ حسر عن ذراعیه،ثمّ غمس فیه کفّه الیمنی، ثمّ قال:هکذا إذا کانت الکفّ طاهرة،ثمّ غرف مِلأها ماءً فوضعهما علی جبهته،ثمّ قال:بسم اللّٰه وسدله علی أطراف لحیته،ثمّ أمرّ یده علی وجهه وظاهر جبینه مرّة واحدة،ثمّ غمس یده الیسری فغرف بها مِلأها،ثمّ وضعه علی مرفقه الیمنی فأمرّ کفه علی ساعده حتّی جری الماء علی أطراف أصابعه،ثمّ غرف بیمینه مِلأها فوضعه علی مرفقه الیسری فأمرّ کفّه علی ساعده حتّی جری الماء علی أطراف أصابعه،ومسح مقدّم رأسه وظهر قدمیه ببلّة یساره وبقیة بلّة یمناه (1) .فقد ذکرنا سابقاً أنّ المستفاد منها اعتبار مسح الرأس بالید الیمنی قبل مسح الرجل الیمنی بالید

ص :59


1- (1)) وسائل الشیعة 1:387 - 388،الباب 15 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.

..........

الیمنی ومسح الرجل الیسری بالید الیسری کما هو ظاهر قوله علیه السلام:وظهر قدمیه ببلّة یساره وبقیة بلّة یمناه.

وکیف کان فقد تقدّم اعتبار کلّ ما ورد فی مثل هذه الوضوءات البیانیة إلّامع قیام الدلیل علی عدم اعتبار تلک الخصوصیة کغسل الوجه بالید الیمنی حیث تقدّم أنّ الید بالإضافة إلی غسل الوجه آلة.

ولا یعتبر فیه الغسل بالید فضلاً عن کونه بالیمنی وهکذا غیرها من الروایات الواردة فی بیان الوضوء عن رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وفی صحیحته الأُخری قال أبو جعفر علیه السلام:

«تابع بین الوضوء کما قال اللّٰه عزّ وجلّ ابدأ بالوجه ثمّ بالیدین،ثمّ امسح الرأس والرجلین ولا تقدّمنّ شیئاً بین یدی شیء تخالف ما أُمرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد علی الذراع،و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح علی الرأس قبل الرجل ثمّ أعد علی الرجل ابدأ بما بدأ اللّٰه عزّ وجلّ به (1) .

وأمّا اعتبار کون غسل الید الیمنی قبل الیسری فمضافاً إلی ما ورد فی الوضوءات البیانیة یدلّ علیه مثل صحیحة منصور بن حازم فی الرجل یتوضّأ فیبدأ بالشمال قبل الیمین قال:«یغسل الیمین ویعید الیسار» (2) وفی معتبرته عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«ألا تری أنّک إذا غسلت شمالک قبل یمینک کان علیک أن تعید علی شمالک» (3) کما تقدّم سابقاً،وتقدّم أیضاً أنّ الأحوط،بل الأظهر تقدیم المسح علی الرجل الیمنی بالید الیمنی علی المسح بالرجل الیسری،بالید الیسری وفی صحیحة زرارة:«وتمسح ببلّة یمناک ناصیتک،وما بقی من بلّة یمینک ظهر

ص :60


1- (1)) وسائل الشیعة 1:448 - 449،الباب 34 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:451،الباب 35 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.
3- (3)) المصدر السابق:الحدیث 6.

ولو أخلّ بالترتیب ولو جهلاً أو نسیاناً بطل إذا تذکّر بعد الفراغ وفوات الموالاة[1]

وکذا إن تذکّر فی الأثناء ولکن کانت نیّته فاسدة حیث نوی الوضوء علی هذا الوجه،وإن لم تکن نیّته فاسدة فیعود علی ما یحصل به الترتیب،ولا فرق فی وجوب الترتیب بین الوضوء الترتیبی والارتماسی.

--------------

قدمک الیمنی،وتمسح ببلّة یسارک ظهر قدمک الیسری» (1) وصحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«امسح علی القدمین وابدأ بالشقّ الأیمن» (2)

وأمّا عدم لزوم الترتیب بین أجزاء کلّ عضو فهو بمعنی جواز أن یغسل الجانب الأیمن من وجهه إلی الذقن قبل أن یغسل جانبه الأیسر وبالعکس،کما یجوز أن یغسل جانبیه إلی الذقن معاً،وکذا فی غسل الیدین یجوز أن یغسل ظاهر ذراعه إلی أطراف الأصابع ثمّ یغسل باطن ذراعه کذلک،ویجوز غسل باطن ذراعه إلی أطرافها أوّلاً ثم یغسل ظاهر ذراعه کذلک،کما یجوز أن یغسل تمام ذراعه ظاهرها وباطنها معاً إلی أطراف الأصابع.

نعم،یجب فی ذلک کلّه مراعاة الغسل من الأعلی فالأعلی بمعنی عدم جواز الغسل منکوساً ولو فی بعض العضو،فإنّ هذا کلّه یستفاد من الروایات الواردة فی الوضوءات البیانیة،ومن إطلاق الأمر بغسل الوجه والیدین بضمیمة ما یستفاد منه اعتبار کون الغسل من الأعلی والنهی عن ردّ الکّف والشعر إلی المرفق.

الإخلال بالترتیب

[1]

ویشهد لإطلاق شرطیة الترتیب وأنّ الوضوء یتدارک ولو بالإعادة فی فرض فقد الموالاة المعتبرة فیه عدّة من الروایات منها صحیحة زرارة عن أحدهما علیه السلام عن

ص :61


1- (1)) وسائل الشیعة 1:387 - 388،الباب 15 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:418،الباب 25 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

..........

رجل بدأ بیده قبل غسل وجهه وبرجلیه قبل یدیه؟ قال:«یبدأ بما بدأ اللّٰه به ولیعد ما کان» (1) وفی صحیحة منصور بن حازم عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل یتوضّأ فیبدأ بالشمال قبل الیمین،قال:«یغسل الیمین ویعید الیسار» (2) وفی صحیحته الأُخری عمّن نسی مسح رأسه حتّی قام فی الصلاة؟ قال:«ینصرف ویمسح رأسه ورجلیه» (3) .

وفی معتبرة زرارة،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل ینسی مسح رأسه حتّی یدخل فی الصلاة،قال:«إن کان فی لحیته بلل بقدر ما یمسح رأسه ورجلیه فلیفعل ذلک ولیصلّ،قال:وإن نسی شیئاً من الوضوء المفروض فعلیه أن یبدأ بما نسی ویعید ما بقی لتمام الوضوء» (4) وما فی موثّقة سماعة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«من نسی مسح رأسه أو قدمیه أو شیئاً من الوضوء الذی ذکره اللّٰه تعالی فی القرآن کان علیه إعادة الوضوء والصلاة» (5) ظاهره التذکّر بعد فوات الموالاة کما هو فرض الأمر بإعادة الصلاة،کما أنّ ما فی صحیحة علی بن جعفر،عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال:سألته عن رجل توضّأ ونسی غسل یساره؟ فقال:«یغسل یساره وحدها ولا یعید وضوء شیء غیرها» (6) یعنی لا یغسل الوجه والید الیمنی.

وممّا ذکر یظهر أنّ ما فی موثّقة أبی بصیر،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«إن نسیت فغسلت ذراعیک قبل وجهک فأعد غسل وجهک،ثمّ اغسل ذراعیک بعد الوجه،

ص :62


1- (1)) وسائل الشیعة 1:450،الباب 35 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) المصدر السابق:451،الحدیث 2.
3- (3)) المصدر السابق:الحدیث 3.
4- (4)) المصدر السابق:الحدیث 4.
5- (5)) المصدر السابق:الحدیث 5.
6- (6)) المصدر السابق:452،الحدیث 7.

..........

فإن بدأت بذراعک الأیسر قبل الأیمن فأعد علی غسل الأیمن،ثمّ اغسل الیسار، وإن نسیت مسح رأسک حتّی تغسل رجلیک فامسح رأسک ثمّ اغسل رجلیک» (1) .

وما فی مرسلة الصدوق قدس سره.فیمن بدأ بغسل یساره قبل یمینه أنّه یعید علی یمینه ثمّ یعید علی یساره، (2) أنّه لا وجه لإعادة الغسل علی الیمنی،بل یتعیّن إعادته علی الیسری کما هو ظاهر معتبرة منصور بن حازم المتقدّمة،وعلیه یتعیّن حملهما علی البدء بغسل الیسری لنسیان غسل الید الیمنی أصلاً،ویؤیّد ذلک قوله علیه السلام فی موثّقة أبی بصیر (3) إعادة غسل الوجه مع نسیانه قبل غسل الذراعین،کما ظهر أنّ ما فی روایة علی یعنی علی بن أبی حمزة التی رواها فی العلل قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا؟ قال:«یعید ألا تری أنّه لو بدأ بشماله قبل یمینه فی الوضوء أراه یعید الوضوء» (4) محمول علی صورة فقد الموالاة بقرینة ما تقدّم أو یحمل المراد من إعادته إعادة غسل الأیسر بعد غسل الیمین.

بقی الکلام فیما ذکر قدس سره من أنّه لو أخلّ بالترتیب ولو جهلاً أو نسیاناً بطل إذا تذکّر بعد الفراغ وفقد المولاة،وکذا إذا تذکّر فی الأثناء لکن کانت نیّته فاسدة.حیث نوی الوضوء علی هذا الوجه،وإن لم تکن نیّته فاسدة فیعود علی ما یحصل به الترتیب،وکأنّ مراده قدس سره أنّه إذا قصد المکلّف الإتیان بما یأتی بما أنّه الوضوء المشروع فیحکم ببطلانه لعدم کونه وضوءاً مشروعاً.

وأمّا إذا قصد الوضوء المشروع فی الشرع ولکن نسی أن یغسل یده الیمنی قبل الیسری مثلاً فله أن یغسل الیمنی ثمّ یعید الغسل علی الیسری فلا حاجة إلی إعادة

ص :63


1- (1)) وسائل الشیعة 1:452،الباب 35 من أبواب الوضوء،الحدیث 8.
2- (2)) من لا یحضره الفقیه 1:46،الحدیث 90.
3- (3)) المتقدّمة آنفاً.
4- (4)) علل الشرائع 2:581،الحدیث 18.

الحادی عشر - الموالاة بمعنی عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع فی اللاحقة[1]

.

--------------

أصل الوضوء من الأوّل مع عدم فقد الموالاة کما هو الفرض.

وعلی الجملة،الوضوء بما أنّه عنوان قصدی فلا یحصل إلّابالإتیان بما اعتبره الشارع وضوءاً،والمفروض أنّ المکلّف لم یقصده فیما اعتبره الشارع وضوءاً،بل قصده فی غیره فعلیه الإتیان بالوضوء المشروع من الأوّل ولیس المانع مجرد فقد قصد التقرّب حتّی یقال إنّه یحصل مع الجهل بالإضافة إلی الجزء الذی أتی به علی طبق المشروع کما لا یخفی.

ومن شرائط الوضوء الموالاة

[1]

کما علیه الإجماع فی کلام غیر واحد (1) وفسّر الموالاة بمعنی عدم جفاف الأعضاء السابقة بالتأخیر قبل الشروع فی اللاحقة وتفسیر المتابعة بهذا المعنی منسوب (2) إلی المشهور،ویستدلّ علی ذلک بموثقة أبی بصیر،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:إذا توضّأت بعض وضوئک وعرضت لک حاجة حتّی یبس وضوءک فأعد وضوؤک فإنّ الوضوء لا یبعّض» (3) وصحیحة معاویة بن عمّار قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام:ربما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجاریة فأبطأت علیَّ بالماء فیجفّ وضوئی؟ فقال:«أعد» (4) .

ولا یخفی أنّه لولا الروایتان لکان مقتضی الإطلاقات الواردة فی تحدید

ص :64


1- (1)) منهم:المحقّق فی المعتبر 1:156،والعلّامة فی منتهی المطلب 2:112،وفی التذکرة 1:188،والشهید فی الذکریٰ 2:164.
2- (2)) نسبه السید الحکیم فی المستمسک 2:453.
3- (3)) وسائل الشیعة 1:446،الباب 33 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.
4- (4)) وسائل الشیعة 1:447،الباب 33 من أبواب الوضوء،الحدیث 3.

..........

الوضوء بأن تغسل وجهک ویدیک وتمسح رأسک ورجلیک،جواز تأخیر غسل الیدین عن غسل الوجه حتّی إذا یبس عند غسل الید الیمنی تمام الوجه،وکذلک الأمر یجوز غسل الید الیسری عن الیمنی کما هو الحال فی الغسل من الجنابة أو غیرها،غایة الأمر بما أنّه یعتبر کون المسح بالبلّة الباقیة علی الید،فلا یجوز تأخیر المسح علی الرأس والرجل حتّی لا تبقی البلّة للمسح،ولکنّ ظاهر الصحیحة والموثّقة عدم جواز التأخیر فی غسل العضو حتی تجفّ الأعضاء السابقة،وکأنّ تبعیض الوضوء المنهی عنه إرشاداً إلی عدم حصوله بالتبعیض هو الحاصل بالتأخیر فی غسل حتّی یجفّ الأعضاء السابقة فلا یبطل بالتأخیر فی الغسل مع عدم جفاف الأعضاء،کما أنّه لا یبطل بالجفاف فیما إذا لم یستند إلی التأخیر بل إلی الریاح العاصفة وحرارة الهواء.

لا یقال: کیف لا یکون التأخیر مع عدم جفاف الأعضاء موجباً لفوات الموالاة؟ مع ظهور صحیحة زرارة المتقدّمة فی عدم جواز التأخیر حیث قال أبو جعفر علیه السلام فیها:

«تابع بین الوضوء کما قال اللّٰه عزّ وجلّ» (1) إلخ.وفی صحیحة الحلبی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«إذا نسی الرجل أن یغسل یمینه فغسل شماله ومسح رأسه ورجلیه فذکر بعد ذلک غسل یمینه وشماله ومسح رأسه ورجلیه وإن کان إنّما نسی شماله فلیغسل الشمال ولا یعید علی ما کان توضّأ وقال:اتبع وضوءک بعضه بعضاً» (2)

فإنّه یقال: لا یمکن الالتزام ببطلان الوضوء مع التأخیر وعدم جفاف الأعضاء؛ لظهور موثّقة أبی بصیر فی دخالة یبس الأعضاء مع التأخیر فی وجوب الإعادة فلابد من حمل قوله علیه السلام:«تابع بین الوضوء» علی لزوم رعایة الترتیب بأن لا یقدّم ما أخّر

ص :65


1- (1)) وسائل الشیعة 1:448 - 449،الباب 34 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) المصدر السابق:452 - 453،الباب 35،الحدیث 9.

فلو جف تمام ما سبق بطل[1]

بل لو جفّ العضو السابق علی العضو الذی یرید أن یشرع فیه الأحوط الاستئناف وإن بقیت الرطوبة فی العضو السابق،علی السابق واعتبار عدم الجفاف إنّما هو إذا کان الجفاف من جهة الفصل بین الأعضاء أو طول الزمان،وأمّا إذا تابع فی الأفعال وحصل الجفاف من جهة حرارة بدنه أو حرارة الهواء أو غیر ذلک فلا بطلان،فالشرط فی الحقیقة أحد الأمرین؛ من التتابع العرفی وعدم الجفاف،وذهب بعض العلماء إلی وجوب الموالاة،بمعنی التتابع وإن کان لا یبطل الوضوء بترکه إذا حصلت الموالاة بمعنی عدم الجفاف، --------------

اللّٰه ذکره أو حمل الصحیحتین علی کون الموالاة بمعنی ترک التأخیر واجباً نفسیاً وإن لم یکن موجباً لبطلانه کما حکی ذلک عن الشیخ والسید والمحقق فی المعتبر والعلّامة فی التحریر والشهید فی الدروس (1) ولکن احتمال الوجوب النفسی بعید غایته،فالمتعین هو الاحتمال الأوّل ویؤیّده ذکر رعایة الترتیب فیهما.

ثمّ إنّ ظاهر موثّقة أبی بصیر أنّ المانع عن صحّة الوضوء ما إذا کان للتأخیر دخالة فی جفاف الأعضاء،سواء کانت دخالته بنحو السبب التام أو بنحو جزء السبب،وعلیه فإن لم یکن جفاف الأعضاء بمجرد أمر آخر کحرارة الهواء وهبوب الریاح وکان للتأخیر دخالة یحکم ببطلان الوضوء أیضاً،بخلاف ما إذا لم یکن فی البین أی تأخیر فإنّ جفافها لا یضرّ بصحّة الوضوء فیما إذا أمکن المسح ببلل الوضوء علی ما تقدّم،ولعلّ ما فی کلام الماتن من أنّ اعتبار عدم الجفاف إنّما هو إذا کان الجفاف من جهة الفصل بین الأعضاء،أو طول الزمان یراد به ما ذکرنا من أن یکون الجفاف فیه مستنداً إلی التأخیر فی غسل العضو مع دخالة حرارة الهواء ونحوه،أو یکون الجفاف مستنداً إلی مجرد التأخیر والفصل فی شروع غسل العضو اللاحق.

[1]

فإنّ المتیقّن من موثّقة أبی بصیر المتقدّمة صورة یبس تمام الأعضاء

ص :66


1- (1)) انظر ما حکاه السید الحکیم فی المستمسک 2:454.

ثمّ إنّه لا یلزم بقاء الرطوبة فی تمام العضو السابق بل یکفی بقاؤها فی الجملة ولو فی بعض أجزاء ذلک العضو.

--------------

المغسولة سابقاً حیث حکم الإمام علیه السلام فیه بإعادة الوضوء.

وأمّا إذا یبست بعض الأعضاء السابقة فقد التزم الماتن قدس سره فی صورة یبس تمام العضو السابق علی العضو الذی یرید أن یشرع فی غسله ولو مع عدم جفاف العضو السابق علی العضو الذی جفّ باستئناف الوضوء بالاحتیاط اللازم،وکأنّ هذا الفرض أیضاً کالفرض السابق یدخل فی مدلول موثّقة أبی بصیر،وإن کان دخوله فیه غیر محرز مثله.وفیه أنّ الوارد فی موثّقة أبی بصیر جفاف الوضوء یعنی جفاف ما حصل من غسل الوضوء من قبل ولا یصدق ذلک مع عدم جفاف بعضها؛ ولذا لا یصدق أنّه یبس الثوب إلّامع جفاف تمام ما غسل منه،وکذا غیر الثوب من سائر الأشیاء المغسولة،وعلیه فالاحتیاط المزبور استحبابی،ویؤیّده جواز المسح ببلّة الوضوء المأخوذة من اللحیة.

وممّا ذکر یظهر أنّه لا بأس بالإتیان بالبقیة مع جفاف بعض العضو السابق الذی یرید أن یشرع فی اللاحق علیه.

بقی فی المقام أمران:

أحدهما: أنّه قد ورد فی مضمرة حریز فی الوضوء یجفّ قال:فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذی یلیه؟ قال:جفّ أو لم یجفّ اغسل ما بقی،قلت:وکذلک غسل الجنابة؟ قال:هو بتلک المنزلة. (1) الحدیث.

وربّما یجمع بینها وبین ما تقدّم من موثّقة أبی بصیر،وصحیحة معاویة بن عمار بأنّ مدلول الموثّقة والصحیحة بطلان الوضوء بخصوص الجفاف بالتأخیر،فتحمل المضمرة علی ما إذا کان الجفاف مستنداً إلی أمر آخر غیر التأخیر کحرارة الهواء

ص :67


1- (1)) وسائل الشیعة 1:447،الباب 33 من أبواب الوضوء،الحدیث 4.

..........

والریح العاصفة،وأنّ الجفاف بذلک لا یضرّ بصحّة الوضوء.وفیه أنّ ظاهر المضمرة أنّ الجفاف بالتأخیر فی الوضوء کالجفاف بالتأخیر فی الاغتسال،وأنه یجوز التأخیر فیه کما یجوز التأخیر فی الاغتسال،وعلی ذلک فهی متعارضة مع الموثّقة والصحیحة.

لا یقال: لا معارضة بینها وبینهما فإنّه یحمل الأمر بالإعادة فی الموثّقة والصحیحة علی الاستحباب.

فإنّه یقال: لا تقبلان الحمل علی الاستحباب فإنّ قوله علیه السلام تعلیل الإعادة فی الموثّقة بأنّ الوضوء لا یتبعّض کما فی الاغتسال یأبی عن الحمل المزبور؛ ولذا تحمل المضمرة علی التقیة؛ لأنّ عدم اعتبار الموالاة بالمعنی المتقدّم مذهب العامّة،ولکن یرد علی هذا الحمل بأنّ مضمرة حریز التی رواها فی «مدینة العلم» مسنداً عن أبی عبداللّٰه علیه السلام موافقة لإطلاق الکتاب وموافقته هو المرجّح الأوّل ولا أقل فی ثبوت المرجّح لکلّ منهما.

والصحیح فی الجواب أنّ الوضوء لم ینزّل فی المضمرة منزلة غسل الجنابة لیکون ظاهراً فی جواز التأخیر فی غسل الجزء التالی مع جفاف الجزء السابق ولو مع التأخیر عمداً،بل نزّل فیها الغسل منزلة الوضوء،وإذا کان جفاف العضو السابق غیر مضرّ فی صورة الاضطرار کما فی صورة حرارة الهواء والریح العاصفة یکون الأمر فی غسل الجنابة أیضاً کذلک فی جواز الغسل مع جفاف العضو السابق،ثمّ سأل حریز عن جواز التأخیر فی الغسل عمداً فأجاب علیه السلام بالإیجاب،فالتنزیل السابق علی ذلک لا یوجب جریان ذلک فی الوضوء أیضاً کما لا یخفی.

وعلی الجملة،ترفع الید عن إطلاق عدم البأس بجفاف العضو السابق فی الوضوء بالموثّقة والصحیحة المتقدّمتین،واللّٰه العالم.

ص :68

(مسألة 24) إذا توضّأ و شرع فی الصلاة ثمّ تذکّر أنّه ترک بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته[1]

ووضوءه أیضاً إذا لم یبقَ الرطوبة فی أعضائه وإلّا أخذها ومسح بها واستأنف الصلاة.

--------------

الأمر الثانی: قد تقدّم أنّ ظاهر اعتبار جفاف الوضوء فی إعادته جفاف تمام الأعضاء المغسولة قبل الشروع فی غسل الجزء اللاحق،والأظهر عدم الفرق فی لزوم الإعادة بین حصول الجفاف بالتأخیر قبل أن یشرع فی الجزء اللاحق أو شرع فیه ولکن أخّر إدامته حتّی جفّ ما غسله سابقاً من الأعضاء السابقة وبعض العضو اللاحق؛ وذلک للإطلاق فی صحیحة معاویة بن عمار،وموثّقة أبی بصیر المتقدّمة حیث لم یستفصل الإمام علیه السلام فی الأُولی بین نفاد الماء أثناء غسل العضو أو قبل الشروع فی غسل ذلک العضو،وکذلک فی موثّقة أبی بصیر لم یقید یبس الوضوء بما إذا کان قبل الشروع فی غسل العضو اللاحق من أعضاء الوضوء،وأیضاً المعتبر من جفاف ما أتی من غسل الوضوء هو الجفاف الفعلی لا التقدیری،ولو أخّر المکلّف فی بدء غسل العضو اللاحق أو إدامته ولکن لم یجفّ الوضوء لبرودة الهواء ونحوها لم تجب إعاده الوضوء،حیث إنّ طاهر کلّ عنوان أخذ وجوده أو عدمه فی الخطاب فی ناحیة الموضوع أو المتعلّق أو الحکم ظاهره فعلیته لا شأنیته وتقدیریته کما ذکرنا ذلک فی مسألة تغیرّ الماء المعتصم فی الحکم بانفعاله أو غیرها.

[1]

أمّا بطلان الصلاة؛ لاشتراطها بالوضوء التامّ،وأمّا بطلان الوضوء؛ لاشتراطه بالمسح علی الرأس والرجلین ببلّة الوضوء،وفی موثّقة سماعة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«من نسی مسح رأسه أو قدمیه أو شیئاً من الوضوء الذی ذکره اللّٰه تعالی فی القرآن کان علیه إعادة الوضوء والصلاة» (1) وفی معتبرة زرارة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل ینسی مسح رأسه حتّی یدخل فی الصلاة؟ قال:إن کان فی

ص :69


1- (1)) وسائل الشیعة 1:370،الباب 3 من أبواب الوضوء،الحدیث 3.

(مسألة 25) إذا مشی بعد الغسلات خطوات ثمّ أتی بالمسحات لا بأس[1]

وکذا قبل تمام الغسلات إذا أتی بما بقی ویجوز التوضّؤ ماشیاً.

(مسألة 26) إذا ترک الموالاة نسیاناً[2]

بطل وضوءه مع فرض عدم التتابع العرفی أیضاً،وکذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمّ تبین الخلاف.

--------------

لحیته بلل بقدر ما یمسح رأسه ورجلیه فلیفعل ذلک ولیصلّ. (1) فإنّ مقتضی الجمع بین المعتبرة والموثّقة علی صورة عدم بقاء البلل بتدارک المسح،کما یشهد بذلک الأمر بإعادة الصلاة الظاهر فی التذّکر بعد الجفاف وعدم بقاء البلّة،وبهذا یرفع الید عمّا ورد من تدارک غسل الجزء المنسی بالعود إلی غسله حیث یحمل علی صورة عدم فوت الموالاة بمعنی عدم جفافها تماماً علی ما تقدّم.

[1]

لعدم الإخلال بما یعتبر فی المسح من کونه ببلّة الید کما أنّ عدم مانعیة المشی عند الوضوء مقتضی ما ورد فی بیان حدّ الوضوء من أنّه غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین ولو کان ذلک حال المشی وغیره.

[2]

قد تقدّم أنّ ترک الموالاة هو حصول جفاف الأعضاء بالتأخیر فی الغسل والمسح،فمع حصول الجفاف وعدم حصول التتابع یتحقّق عدم الموالاة ولو کان هذا التأخیر لنسیان اعتبار عدم الجفاف أو الاعتقاد بعدم الجفاف بالتأخیر المزبور.

ویبقیٰ فی المقام أنّه لو حصل جفاف الأعضاء لحرارة الهواء والریح العاصفة من غیر تأخیر فی غسل ما غسل فهل یجب بعد ذلک غسل بقیة الأعضاء بلا فصل أو أنّه یجوز التأخیر؟ فمقتضی الإطلاق فی أدلّة بیان حدّ الوضوء وإن کان ذلک کما تقدّم إلّاأنّه قد یقال:إنّ مقتضی ما ورد فی موثّقة أبی بصیر من قوله علیه السلام «فإنّ الوضوء لایبعّض» (2) عدم جواز التأخیر،فإنّه لا ینبغی التأمّل فی صدق التبعیض بغسل ما

ص :70


1- (1)) وسائل الشیعة 1:408،الباب 21 من أبواب الوضوء،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:446،الباب 33 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.

(مسألة 27) إذا جفّ الوجه حین الشروع فی الید لکن بقیت الرطوبة فی مسترسل اللحیة أو الأطراف الخارجة عن الحدّ ففی کفایتها إشکال[1]

.

الثانی عشر:النیّة وهی القصد إلی الفعل[2]

مع کون الداعی أمر اللّٰه تعالی.

--------------

بقی من الأعضاء بعد ساعة أو ساعتین.

وبتعبیر آخر،الوضوء فی ارتکاز المتشرّعة عمل واحد یکون التأخیر فیه فی الفرض تبعیضاً فیه،أو بما أنّ التأخیر مع عدم جفاف الأعضاء یحسب نوعاً من الموالاة وعدم التبعیض فی الوضوء فلا یکون جوازه موجباً للتبعیض فی الفرض، وفیه أنّ مقتضی صحیحة حریز المتقدّمة عدم مانعیة الجفاف فی الفرض،ویجوز غسل ما بقی من الأعضاء ولو مع التأخیر بعد الجفاف والمتیقّن من نفی التبعیض فی الوضوء هو التبعیض الجائز فی الغسل کما تقدّم،وإن کان رعایة عدم التأخیر أحوط خصوصاً بملاحظة المرتکز عند المتشرّعة من عدم جواز التأخیر.

[1]

والوجه فی الإشکال ما یستفاد من موثّقة أبی بصیر من أنّ الموضوع لبطلان الوضوء جفافه،ومع جفاف أعضاء الوضوء بتمامها یصدق جفاف الوضوء وإن بقی فی أطرافها أو غیرها من البلل والأثر من الوضوء و غسل مقدار الاسترسال من اللحیة لا یکون من غسل الوضوء علی ما تقدّم فی بیان حدّ الوجه.

نیة الوضوء

[2]

یقع الکلام تارة فی أنّ الوضوء کالأغسال عنوان قصدی فیحتاج انطباق عنوانه علی غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین علی قصد عنوان الوضوء ولو إجمالاً کما هو الحال فی سائر العناوین القصدیة،أو أنّه لا یکون منها وأُخری فی اعتبار قصد التقرّب فی وقوعه صحیحاً بأن کان قصد التقرّب فیه کقصده فی سائر العبادات وقصد العنوان فیه علی تقدیر کونه عنواناً قصدیاً غیر قصد التقرّب المعتبر فیه،مثلاً إذا کان وجهه متنجّساً وخاف أن ینسی غسله عند القیام إلی الصلاة وغمسه

ص :71

..........

فی الماء من أعلی الوجه إلی ذقنه،ثمّ بعد إخراجه عن الماء تذکّر أنّه علی غیر وضوء فبدا له فی الوضوء ولولم یکن الوضوء أمراً قصدیاً کفی فی حصوله غسل الیدین ومسح الرأس والرجلین؛ لأنّ المفروض أنّ غسل الوجه قد حصل منه مع قصد التقرّب یعنی التهیؤ للصلاة التی أمر بها الشارع،أو الکلام فی أنّ الالتزام بعدم کفایة الغسل المزبور ولزوم الإتیان به بقصد الوضوء من أی دلیل یستفاد.

أمّا الکلام فی اعتبار قصد التقرّب فی الوضوء وکونه عبادة بنفسه أو بالغایة المقصودة منه فلا ینبغی التأمّل فیه.

و یشهد لذلک - مضافاً إلی أنّ المرتکز فی أذهان المتشرّعة أنّ الوضوء کالأغسال یمتاز عن مثل غسل الثوب والبدن من النجاسات وسائر الواجبات التوصّلیة والمحرّمات فی لحوقه العبادات -بعض الروایات الواردة فی أنّه من الصلاة کمعتبرة السکونی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام عن آبائه عن علی علیهم السلام قال:قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:«خصلتان لا احبّ أن یشارکنی فیها أحد وضوئی فإنّه من صلاتی وصدقتی» (1) فإنّ ظاهر کلمة «من» التبعیض ومناسبة عدم حبّ المشارکة فیه لمطلوبیة الخلوص والاستقلال فی تحمّل تعب العبادة.وفی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«الصلاة ثلاثة أثلاث:ثلث طهور،وثلث رکوع،وثلث سجود». (2)

ولا ینافی ذلک عدم اعتبار ما یعتبر فی الصلاة من الشرائط کاستقبال القبلة ونحوه من ترک الموانع فی الوضوء،فإنّ الوضوء و إن کان من الصلاة أو ثلثاً منها إلّا أنّ کونه کذلک فی مجرد کونه عبادة لا تحصل الصلاة بدونه مطلقاً و إلّایکون تحریم الصلاة هو التکبیر وتحلیلها التسلیم ویجب بعد التحریم لها واجبات أُخر لا تحصل

ص :72


1- (1)) وسائل الشیعة 1:478،الباب 47 من أبواب الوضوء،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 6:310،الباب 9 من أبواب الرکوع،الحدیث الأوّل.

..........

الصلاة بدونها ولو فی بعض الأحوال کما لا یخفی.

وربّما یستدل علی اعتبار قصد التقرّب فیه بأنّ الأصل فی کلّ ما أمر به فی الشرع التعبدیة فکون فعل واجباً توصّلیاً یحتاج إلی قیام دلیل خاصّ علیه لقوله سبحانه «وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِیَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفٰاءَ» (1) حیث إنّ مقتضی الحصرکون المأمور به فی الدین یعتبر فی الإتیان به الإخلاص،ولکن لا یخفی ما فیه،فإنّ دخول «اللام» الظاهر فی الغایة یعطی أنّ ظاهر الآیة «وَ مٰا أُمِرُوا» بعبادة «إِلاّٰ لِیَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِینَ » بها «مُخْلِصِینَ » کما یشهد بذلک أیضاً ما قبل الآیة المبارکة وما فی ذیلها من قوله سبحانه: «وَ یُقِیمُوا الصَّلاٰةَ وَ یُؤْتُوا الزَّکٰاةَ وَ ذٰلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ ».

وعلی الجملة،فالآیة المبارکة بصدد بیان انحصار المعبود باللّٰه سبحانه،و أنّ عبادة غیره أمر لم یشرع و أنّ الکافرین من أهل الکتاب حیث عبدوا العزیر وابن مریم و المشرکین حیث عبدوا الوثن ونحوه،إنّما افترقوا بعد ما جاءتهم البیّنة وإلّا لم یکونو مأمورین إلّالیعبدوا اللّٰه مخلصین له.

أضف إلی ذلک أنّ هذا بالإضافة إلی الأوامر السابقة علی الشریعة الإسلامیة فلا تعمّ الأوامر فی شرعنا،وربّما یستدلّ علی الأصل المزبور بما ورد فی صحیحة أبی حمزه،عن علی بن الحسین علیه السلام قال:«لا عمل إلّابنیّة» (2) بدعوی أنّ المنفی نفس العمل أو صحّته فکلّ مورد ثبت عدم الحاجة فی صحّة العمل إلی قصده وإلّا یؤخذ بمقتضی العموم،وفیه أنّ ظاهر الحدیث أنّ إعطاء الأجر الأُخروی علی عمل العباد یتبع نیّاتهم،فإن کانت نیاتهم النیل من رضا اللّٰه سبحانه ورضوانه یکون لهم عند اللّٰه الأجر الأُخروی و إلّالا یکون لهم هذا الأجر؛ ولذا یستوی فی ذلک

ص :73


1- (1)) سورة البیّنة:الآیة 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:46،الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث الأوّل.

..........

التوصّلیات والتعبّدیات فی أنّ العبد لا یستحقّ الأجر الأُخروی حتّی فی التوصّلیات إلّا بالإتیان بها طلباً لرضا اللّٰه وأمّا أنّ کلّ عمل یعتبر فی صحّته وسقوط التکلیف به قصد التقرّب فلا ظهور لها فیه ویوضّح ذلک ما فی بعض الروایات من التفریع علی النیّة ما عن رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله علی ما فی الوسائل:«لکلّ امرئ مانوی فمن غزا ابتغاء ما عند اللّٰه فقد وقع أجره علی اللّٰه عزّ وجلّ،ومن غزا یرید عرض الدنیا أو نوی عقالاً لم یکن له إلّاما نوی» (1) کیف وإن الواجبات التوصّلیة أکثر من التعبّدیات والمحرّمات کلّها توصّلیات فهل یسمع أن یقول أحد بدلالة الحدیث علی اشتراط الأعمال کلّها بقصد التقرّب فی صحّتها وسقوط التکلیف بها عن المکلّف؟

نعم،قد یقال إنّه عند الشکّ فی کون عمل عبادیاً یعتبر فی صحّته قصد التقرّب أو توصّلیاً یصحّ ولو بلا قصد التقرّب،مقتضی قاعدة الاشتغال عدم سقوطه عن عهدة المکلّف إلّابقصد التقرّب،وکذلک الحال فیما إذا شکّ فی کون عمل عنواناً قصدیاً لا یحصل إلّابقصد عنوانه تفصیلاً أو إجمالاً إو أنّ عنوانه ذاتی لا یحتاج إلی قصد العنوان بوجه،فإنّ مقتضی قاعدة الاشتغال لزوم إحراز حصوله بقصد عنوانه خصوصاً فیما إذا قیل بأنّ الطهارة المشروط بها الصلاة ونحوها أمر مسبب عن الوضوء کما علیه المشهور،حیث إنّه لا یحرز حصولها بدون رعایة ما یحتمل دخله فیها ولکن مع أنّ قاعدة الاشتغال فی موارد الشکّ فی اعتبار قصد التقرّب محل المناقشة،کما ذکرنا فی بحث الأُصول أنّ قاعدة الاشتغال إنّما تصل النوبة الیها مع عدم ثبوت إطلاق مقامی فی بیان ما یعتبر فی العمل،و فی المقام یمکن دعوی ثبوت الإطلاق المقامی،نظیر ما ورد فی صحیحة داود بن فرقد بعد السؤال عن حدّ

ص :74


1- (1)) وسائل الشیعة 1:48 - 49،الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث 10.

إمّا لأنّه تعالی أهل للطاعة[1]

وهو أعلی الوجوه أو لدخول الجنة والفرار من النار وهو أدناها وما بینهما متوسّطات.

--------------

الوضوء قال:«تغسل وجهک ویدیک وتمسح رأسک ورجلیک» (1) .

أللهم إلّاأنّ یقال إنّ هذه واردة فی تحدید ذات المنوی من العمل وغیر ناظرة إلی عدم اعتبار القصد فیه،بل اعتبار القصد فیه مفروغ عنه.

کما هو ظاهر من قوله علیه السلام «إنّ للوضوء حدّاً من تعدّاه لم یؤجر» (2) حیث إنّ مقتضاه أنّ الوضوء مع عدم التعدّی فیه یلازم الأجر وهذا لا یکون إلّابفرض قصد التقرّب فیه.

[1]

ظاهر کلامه قدس سره أنّ الوضوء عبادیته غیر ذاتیه کذکر اللّٰه والتضرّع إلیه،وإنّما تکون عبادیته لتعلّق أمر الشارع به الکاشف عن ملاک یترتّب علیه محبوب للّٰه سبحانه یتعیّن فی وقوعه عبادة الإتیان به بداعویة أمر الشارع به وحیث إنّ داعویة الأمر حتّی مع إحرازه عرضی یکون فی داعویته لمتعلّقه من موجب،وذلک الموجب إمّا لکون اللّٰه سبحانه أهلاً للطاعة،وهذا أعلی أقسام الطاعة وأرقاها و إمّا أن یکون الموجب له نیل العبد جزاءه بالجنة وفراره من عقابه وجحیمه وهذا أدنی أقسام الطاعة وأنزل مراتبها،وإذا کان الموجب لداعویة الأمر غیر ذلک ککون اللّٰه سبحانه أنعم علیه فعلیه شکره فی مقابل نعمه،نظیر داعویة أمر الوالد بالإضافة إلی ولده،وهذا القسم ونحوه متوسّط بین أعلی أقسام الطاعة وبین أدناها.

أقول: لا یخفی أنّ داعویة الأمر لدخول الجنة أو الفرار من النار علی نحوین:

- فإنّه ربّما یکون تمام الموجب لداعویة أمر اللّٰه سبحانه إلی الفعل نیل الجنة أو الفرار من النار.

ص :75


1- (1)) وسائل الشیعة 1:387،الباب 15 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) المصدر السابق.

..........

- وأُخری ینضم إلی ذلک بعض الأُمور بحیث لولا انضمامه لما کان فی الأمر داعویة للشخص إلی العمل،کمن یعطی الزکاة امتثالاً لأمر اللّٰه سبحانه؛ لأنّ الامتثال مع کونه مبعّداً له عن النار موجباً لنموّ ماله.

وکمن یصلّی صلاة اللیل امتثالاً لندب الشارع،والموجب لداعویة الندب مع نیله الجنة کون تلک الصلاة موجباً لعدم فقره،بل ربّما یکون مجرد نمو المال أو انتفاء فقره موجباً لامتثال أمر الشارع ففی کلّ ذلک و إن یصحّ العمل عبادة؛ لکون الداعی إلی داعویة أمر الشارع لا ینافی تحقّق الطاعة بأی موجب فرض إلّاأنّه لا أظن أن یلتزم الماتن قدس سره أو غیره بجعل مثل ذلک من المراتب المتوسطة بین ما ذکره من أعلی المرتبة وما ذکره فی المرتبة الأدنی،بل المتعیّن فی المرتبة أو المراتب المتوسّطة لحاظ أنّ طاعته شکر لنعمه وشکر نعمه من حقّ المنعم علیه ونحو ذلک،فما عن بعض الأعاظم من أنّ داعویة الأمر هی الغایة المترتّبة علی الفعل فهی منحصرة فی ثلاثة:فتلک الغایة إمّا لخصوصیة فی المعبود فقط فهی أرقی مراتب الإطاعة،وإمّا لخصوصیة عائدة إلی العبد فتلک الخصوصیة إمّا النیل لما یلائمة من متاع الدنیا والآخرة أو الفرار من الوزر الدنیوی أو الأُخروی (1) ،لا یمکن المساعدة علیها فإنّه یمکن أن تکون الغایة التعویض بقدر إمکانه عن نعمه یعنی مجموع خصوصیة المعبود والعبد فتدبّر.

وفی معتبرة هارون بن خارجة،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«إنّ العبادة (العباد) ثلاثة:قوم عبدوا اللّٰه عزّ وجلّ خوفاً فتلک عبادة العبید،وقوم عبدوا اللّٰه تبارک وتعالی طلب الثواب فتلک عبادة الأُجراء،وقوم عبدوا اللّٰه عزّ وجلّ حبّاً له فتلک

ص :76


1- (1)) و هو السید الخوئی فی التنقیح 4:479 - 480.

ولا یلزم التلفّظ بالنیّة[1]

بل ولا إخطارها بالبال،بل یکفی وجود الداعی فی القلب بحیث لو سئل عن شغله یقول:أتوضّأ مثلاً وأمّا لو کان غافلاً بحیث لو سئل بقی متحیّراً فلا یکفی وإن کان مسبوقاً بالعزم والقصد حین المقدمات.

--------------

عبادة الأحرار وهی أفضل العبادة» (1) وفیما حکی عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال:«ما عبدتک خوفاً من نارک ولا طمعاً فی جنتک ولکن وجدتک أهلاً للعبادة فعبدتک» (2) وفی نهج البلاغة علی ما حکاه الرضی قدس سره عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنّه قال:«إنّ قوماً عبدوا اللّٰه رغبة فتلک عبادة التجار،وأنّ قوماً عبدوا اللّٰه رهبة فتلک عبادة العبید،وإنّ قوماً عبدوا اللّٰه شکراً فتلک عبادة الأحرار» (3) ولکن مقتضی ما تقدّم کمعتبرة هارون بن خارجة أنّ العبادة حبّاً أعلی مراتب العبادة فلا ینافی ما عن نهج البلاغة حیث إنّ العبادة للّٰه شکراً و إن کان دون مرتبة عبادته حبّاً إلّاأنّها مثلها فی خروجها عن عبادة الأُجراء والتجار والعبید ودخولها فی عبادة الأحرار،وأمّا ما حکی عن أمیرالمؤمنین وإن لم یوجد فی روایتنا إلّاأنّه یطابق ما فی روایة هارون بن خارجة من کون العبادة حبّاً أفضل العبادة.

لا یعتبر التلفّظ فی النیّة

[1]

لا یعتبر فی نیّة الوضوء کنیة غیره من العبادات التلفّظ بما هو مبرز للقصد حیث إنّ الوضوء کمثلها یتوقّف علی قصد الفاعل کان متعلّقه ما هو العنوان القصدی أو قصد التقرب لا علی إبراز ذلک القصد بالتکلم أو بغیره،وأیضاً لا یعتبر فی الوضوء کغیره من العبادات إخطار النیّة بالبال بأن یکون قصده الوضوء بنحو التقرّب ملتفتاً إلیه بالتفصیل،بل یکفی فی وقوع الأعمال عبادة کون الداعی إلی الإتیان بها أمر

ص :77


1- (1)) وسائل الشیعة 1:62،الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث الأوّل.
2- (2)) بحار الأنوار 67:186.
3- (3)) نهج البلاغة:الحکمة 237.

ویجب استمرار النیّة إلی آخر العمل[1]

فلو نوی الخلاف أو تردّد وأتی ببعض الأفعال بطل إلّاأن یعود إلی النیّة الأُولی قبل فوات الموالاة.

--------------

الشارع ولو کان داعویته کقصد العنوان إرتکازیة إجمالیة تحصل بالاعتیاد علی ذلک الفعل کذلک،وفسّر قدس سره هذا القصد الإجمالی بما إذا سئل عما یشتغل قال:إنّه یتوضّأ وأمّا إذا تحیّر فی الجواب فیعلم أنّه لم یقصد الفعل وإن کان عند الإتیان بمقدمات ذلک الفعل قاصداً له،ولکن ما ذکره فی الکاشف القصد الارتکازی الإجمالی تعبیر عن الغالب،فإنّه ربّما یکون الفاعل یصدر عنه الفعل بلا تعمّد وقصد،وبعد السؤال عنه یلتفت إلی فعله کمن دقّ باب جاره خطأً وإذا سئل عنه یلتفت أنّه باب جاره لا نفسه،فمجرّد الجواب بأنّه یدقّ باب جاره لا یکون مع القصد الإجمالی،حیث إنّه لا یجتمع مع الغفلة.

وقد یأتی بالفعل مع القصد الإجمالی الارتکازی ومع ذلک إذا سئل عنه عما یشتغل یتوقّف عن الجواب فیتردّد فیه لدهشة حصلت له من السائل أو کیفیة سؤال السائل.

وعلی الجملة،بما أنّ کلاً من القصد التفصیلی والقصد الإجمالی الارتکازی أمر وجدانی یجده الفاعل من نفسه،فمع أحدهما یقع الفعل عن قصد والتفات فلا عبرة مع الوجدان بالکاشف المزبور.

لزوم الاستمرار فی نیة الوضوء

[1]

فإنّ العمل بمجموعه عنوان قصدی أو یعتبر فیه قصد الامتثال،فإن نوی الخلاف أو تردّد فی الأثناء فلا مانع عن الرجوع إلی النیّة فیما إذا أمکن ذلک،کما فی الوضوء فیما إذا بدا له بعد غسل الوجه مثلاً ثمّ أراد الرجوع إلی إتمام ما شرع.

فإنّه بغسل یدیه ومسح رأسه ورجلیه بنیة الوضوء صحّ وإذا غسل بعد غسل وجهه - وندمه عن إتمام الوضوء -بعض یدیه بقصد تطهیره من الخبث مثلاً فلابدّ

ص :78

..........

من أن یعید الغسل علی ذلک البعض بقصد الوضوء،هذا إذا لم تفت الموالاة وإلّا تعیّن استئناف الوضوء من الأوّل،هذا بالإضافة إلی الوضوء.

وأمّا سائر العبادات فیقال:

- منها ما یبطل العمل بمجرد قصد الخلاف والتردّد کما فی الصوم،فإنّه إذا تردّد فی جزء من أجزاء نهار شهر رمضان أو قصد الإفطار فیه یحکم ببطلان صومه فإنّ الإمساک من طلوع الفجر إلی دخول اللیل یعتبر وقوعه بقصد امتثال الأمر به،وإذا فرض قصد الإفطار فی الأثناء فالإمساک فی ذلک الآن لا یکون بقصد الامتثال، فالبطلان لا من حیث إنّ قصد الإفطار من تناول المفطر لیجب فیه الکفارة،بل لعدم وقوع الإمساک بقصد التقرّب،و وجوب الإمساک بعد بطلانه حکم آخر ووجوب توصلی علی ما تقرر فی محلّه.

- ومنها ما یبطل العمل إذا أتی ببعضه بقصد الخلاف والتردّد،کما فی الصلاة فإنّه إذا عدل عن قصد الصلاة ثمّ عاد إلیها من غیر أن یأتی ببعض أجزائها مع قصد الخلاف أو التردّد یحکم بصحّة الصلاة إذا عاد إلی نیّتها وأتمّها،حیث إنّ الأکوان المتخللة بین أجزاء الصلاة غیر داخلة فی الصلاة وبطلانها بوقوع شیء من منافیاتها وقواطعها فیها لاعتبار الشارع أن لا تقع تلک المنافیات والقواطع حتّی فیها،فإنّ تحلیل تلک المنافیات بالتسلیمة وکذلک الأمر فی شرائط صحّة الصلاة کالطهارة والاستقبال وغیرهما،وأمّا وقوعها صلاة وعبادة فالمعتبر من القصد فی أجزائها والتقرّب بها دون غیرها من الأکوان المتخللة،وإن أتی ببعض أجزائها مع التردّد ثمّ عاد إلی النیّة فیحکم ببطلانها؛ لأنّ ما أتی به من الأجزاء عند العدول زیادة عمدیة مبطلة للصلاة.

أقول: إذا تردّد فی الأثناء وأتی ببعض أفعال الوضوء متردّداً ثمّ أتمّه فإن کان

ص :79

..........

بمعنی الإتیان بتلک الأجزاء لاحتمال أنّه یتم الوضوء ولا یقطعه،فالأظهر هو الحکم بالصحّة وعدم الحاجة إلی تدارکها بالاستیناف؛ لحصول کلا القصدین یعنی الإتیان بالأفعال بعنوان الوضوء وکون داعیه إلی الإتیان بها التقرّب إلی اللّٰه سبحانه.

وقد یقال مع التردّد فی إتمام الوضوء لا یکون الإتیان ببعض الأفعال بقصد الوضوء وبداعویة الأمر المتعلّق به،حیث إنّ الوضوء اعتبر عنواناً لمجموع الأجزاء،فتکون داعویة الأمر به إلی الإتیان ببعض أجزائه فی ضمن داعویته إلی الإتیان بالکلّ،وإنّ القصد ببعض أفعاله فی ضمن القصد بالإتیان بالکلّ،ومع التردد فی أنّه یتمّه لا یکون الإتیان بالبعض فی ضمن القصد بالإتیان بالکلّ،ولا داعویة الأمر إلی ذلک البعض فی ضمن داعویته إلی الإتیان بالکلّ.

وهذا بخلاف الموارد التی یحتمل المکلّف عروض قاصر خارجی لا یکون من الفعل الاختیاری للمکلّف بحیث یمنع عروضه عن إتمام الوضوء،فإنّ احتمال عروضه لا یمنع عن قصد المکلّف الوضوء بتمامه،وکون الداعی إلی الإتیان بالبعض فی ضمن داعویة الأمر له إلی الإتیان بالکلّ،فإنّ قصد الإتیان بالمجموع یکون موجوداً فی نفس المکلّف فی الثانی دون الأوّل؛ ولذا لو تردّد المکلّف فی أنّه یتمّ صومه فی الیوم من شهر رمضان أو أنّه یترکه یوجب بطلان صومه بهذا التردّد،فإنّ مع التردّد فی أنّه یترک الصوم الذی عبارة عن مجموع الإمساک من طلوع الفجر إلی اللیل لا یکون إمساکه حال التردّد بداعویة الأمر المتعلّق به فی ضمن داعویة الأمر بالإتیان بصوم ذلک الیوم ولا قصده الإمساک فی ذلک الحین فی ضمن القصد بالإمساک عن المفطرات فی ذلک الیوم.

ولا یقاس هذا بما إذا احتمل المکلّف حصول ما یمنع عن إتمامه الصوم إلی دخول اللیل ممّا لا یکون ذلک المانع من فعله الاختیاری،فإنّ احتمال عروضه

ص :80

..........

لا یمنع عن کون إمساکه فی کلّ آن بقصده مجموع الإمساکات من طلوع الفجر إلی دخول اللیل وإنّ الإتیان بذلک الصوم بداعی الأمر به فیکون داعویّة الأمر بالإمساک فی کلّ آن فی ضمن داعویته له إلی کلّ الإمساکات.

وبهذا یظهر الحال فیما إذا أراد قطع الصوم أو الإتیان بالمفطر فعلاً أو مستقبلاً قبل دخول اللیل،فإنّ القصد المعتبر فی صحّة الصوم ینتفی فی کلا الفرضین،فما عن بعضهم (1) من التفصیل بین نیّة القطع فعلاً أو قصده تناول المفطر فإنّه من قصد الإفطار مستقبلاً غیر صحیح،فإنّ هذا التفصیل راجع إلی قصد الإفطار بالإضافة إلی طبیعی الإمساک لا بالإضافة إلی مجموع الإمساکات المتعلّق به الأمر،فإنّ قصده ینتفی فی کلا الفرضین حال إرادة القطع أو الإتیان بالقاطع فی هذا الآن أو فیما بعد.

وممّا ذکر یظهر الحال فی مثل الصلاة فیما إذا حصل للمکلّف التردّد فی إتمامها فی أثنائها فإنّه إن لم یشتغل بعد التردّد ببعض أفعالها فیمکن أن یعود إلی قصد الصلاة وامتثال الأمر بها،وإنّ التردّد فی الآنات المتخللة لا یضرّ بصحّتها فإنّها لیست من أفعال الصلاة،بخلاف ما إذا أتی ببعض أفعالها مع التردّد فی الإتمام فإنّ البعض المؤتی به بما أنّه لا یمکن أن یکون امتثالاً للأمر بالصلاة تکون زیادة عمدیة فیها فتبطل بها.

أقول: لو تمّ فی مورد أنّ المعتبر فی العمل المرکّب المتدرج فی الوجود أو غیره الموضوع للحکم أو المتعلّق للتکلیف أن یکون المکلّف حال الإتیان بشیء منه قاصداً للکلّ لما یفید الإتیان بشیء منه بلا قصد الکلّ فی ترتّب ذلک الحکم أو حصول المتعلّق وإن اتفق حصول سائر الأجزاء بإرادة جدیدة،کما فی باب السفر فإنّ

ص :81


1- (1)) کتاب الصوم (للسید الخوئی):84 - 85،المسألة 22.

..........

قصد المسیر ثمانیة فراسخ یعتبر عند التلبس بالسیر وبعده،فلو خرج بنیّة الذهاب إلی أقل من المسافة،ولکن احتمل استمراره إلی ثمانیة فراسخ،کما فی طالب الضالة ونحوها لا یکون ذلک السیر موضوعاً للحکم بقصر الصلاة حتّی إذا استمر إلی ثمانیة فراسخ متردّداً،نعم یجب علیه القصر عند الرجوع لقصده السفر بالإیاب.

والکلام فی أنّ المعتبر فی الواجبات الارتباطیة العبادیّة اعتبار القصد فیها کذلک؛ لأنّ بدون القصد إلیها کذلک لا یکون الإتیان بها بالقصد والتقرّب؛ لما تقدم من أنّ القصد إلی شی من الارتباطی لابدّ من أن یکون فی ضمن قصد الکلّ،والتقرّب فیه یکون بداعویّة الأمر إلیه فی ضمن داعویّته إلی الإتیان بالکلّ،أو أنّ القصد إلی أبعاضها بداعویّة احتمال أن یقصد الإتیان بباقیها کافٍ فی حصول ذلک العمل الواحد والتقرّب فیه علی تقدیر الإتمام.

وبتعبیر آخر،ما تقدّم من لزوم کون القصد إلی الجزء فی ضمن قصد الکلّ وإن تکون داعویة الأمر إلی الإتیان به فی ضمن داعویته فعلاً إلی الإتیان بالکلّ إنّما هو فی الإتیان بالجزء بما هو جزء بالنسبة المطلقة أی غیر المعلّقة،وأمّا إذا کان الإتیان بشیء من المرکّب الارتباطی لاحتمال انضمام سائر الأجزاء ولو بحصول الداعی له إلی الإتیان بسائرها،أو بحصول الداعویّة فی الأمر الموجود بالإضافة إلیها یکون قصد الجزئیة فی المأتی به معلّقاً علی حصول القصد بالإضافة إلی سائرها ولو مستقبلاً،وحیث إنّ القصد إلی الجزء بما هو جزء معلّقاً حاصل والتقرّب المعتبر فی العمل کونه بحساب اللّٰه سبحانه یکون الإتیان بشیء من العمل بداعویّة احتمال أنّه یحصل له الداعویّة فی الأمر الموجود بالإضافة إلی سائر الأجزاء موجباً لتمام العبادة علی تقدیر حصول الداعویّة له فی الأمر بالإضافة إلی سائر الأجزاء فإنّه لو لا احتمال ذلک لم یکن یأتی بذلک البعض.

ص :82

ولا یجب نیّة الوجوب والندب لا وصفاً ولا غایة،[1]

ولا نیّة وجه الوجوب والندب بأن یقول:أتوضّأ الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه أو ندبه،أو أتوضأ لما فیه من المصلحة،بل یکفی قصد القربة وإتیانه لداعی اللّٰه.

--------------

وقد التزموا أنّه لو عدل عن تردّده فی الصلاة بعد الإتیان بشیء منه متردّداً تکون الصلاة محکومة بالبطلان و أنّ تدارک ما أتی به ثانیاً لایصحّحها؛ لأنّ ما أتی به زیادة عمدیة،فإنّ هذا اعتراف بأنّ ما أتی به أتی به بقصد الجزئیة.

وعلی الجملة،فما قالوا من أنّ المعتبر فی صحّة العمل عبادة القصد الجزمی لا یمکن المساعدة علیه خصوصاً فی مثل الوضوء ممّا قیل بعدم تعلّق أمر بنفسه أصلاً لا غیریاً؛ لعدم الملازمة بین إیجاب شیء وإیجاب مقدّمته ولا نفسیاً فإنّ المطلوب النّفسی هی الطهارة المترتبة علی الوضوء بقصد التقرّب،واللّٰه سبحانه هو العالم.

عدم اعتبار قصد الوجوب والندب فی نیّة الوضوء

[1]

تعرض قدس سره لأُمور وذکر عدم اعتبارها فی نیّة الوضوء:

منها قصد الوجوب أو الندب فإنّ قصدهما لا یعتبر فی صحّة الوضوء،سواء کان قصدهما بتوصیف الوضوء بأن ینوی المکلّف عند التوضّؤ الوضوء الواجب أو الوضوء المندوب بما هو واجب أو مندوب،أو بنحو الغایة أی بنحو الداعی بأن یقصد أنّ داعیه إلی التوضّؤ وجوب الوضوء أو ندبه،فإنّ الغایة تطلق علی ما یترتّب علی العمل خارجاً ویکون لحاظ فقده فعلاً محرکاً له إلی العمل لیحصل،مثلاً إذا لاحظ الإنسان أنّ رفع عطشه یترتّب علی شرب الماء،ولحاظ فقده فعلاً - أی عطشه - یدعوه إلی شرب الماء،وبما أنّ سقوط الوجوب أو الندب یترتّب علی التوضّؤ خارجاً،فلحاظ فقده - أی ثبوت الوجوب أو الندب فعلاً یدعوه إلی التوضّؤ،فقصد أنّ داعیّه إلی التوضّؤ فعلاً خصوص الوجوب أو الندب غیر معتبر فی صحّة الوضوء،

ص :83

..........

کما لا یعتبر فی نیّة الوضوء قصد وجه الوجوب أو الندب.

والمراد بالوجه الموجب لإیجاب الشارع الوضوء أو ندبه فإنّ الموجب بناءً علی مسلک العدلیة المصلحة الکامنة فیه فلا یعتبر فی صحّة الوضوء أن ینوی أنّه یتوضّأ لما فی الوضوء من المصلحة،فما فی عبارته:أو أتوضّأ لما فیه المصلحة،تفسّر لقصد وجه الوجوب أو الندب.و لا یخفی أیضاً أنّ مراده من قوله:بأن یقول،هو أن ینوی فإنّ القول بمعنی التکلّم لا یعتبر لا فی نیّة الوضوء ولا فی نیّة غیره من العبادات.کما لا یخفی أنّ ظاهر عبارته:بل یکفی قصد القربة وإتیانه لداعی اللّٰه، حصول قصد التقرّب بمجرد کون الداعی إلی التوضّؤ ما یرجع إلی اللّٰه سبحانه لا خصوص أمره سبحانه بالوضوء،کما تقدّم فی صدر کلامه فی بیان النیّة.

وکیف کان،فالوجه فی عدم اعتبار شیء ممّا ذکر فی نیّة الوضوء هو أنّ الوضوء کما حدّد فی الروایات هو غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین وما ثبت ممّا تقدّم کون الوضوء بنفسه أو بما یترتّب علیه من الطهارة من الحدث المعتبر فی الصلاة ونحوها لابدّ من الإتیان به بنحو التقرّب والعبادة،وهذا یحصل فیما إذا کان داعیه إلی التوضّؤ بما هو أو لحصول الطهارة أمراً یرجع إلی اللّٰه سبحانه،وأمّا الزائد علی ذلک فلا دلیل علی اعتباره فیه.

ولو قیل فی الشکّ فی دخالة مثل هذه الأُمور لا یمکن التمسّک بإطلاق متعلّق الأمر؛ لعدم إمکان أخذها فیه ولا تجری البراءة عن اعتبارها؛ لأنّ الشکّ فی المقام فی سقوط التکلیف بالوضوء بدونها أو فی سقوط التکلیف بالصلاة المشروطة بها ولیس من دوران الواجب بین الأقل والأکثر أو المطلق والمشروط أو أنّ الشکّ فی اعتبارها فی نیّة الوضوء من قبیل الشکّ فی المحصّل للطهارة المشروطة بها الصلاة ونحوها، والشکّ فی المحصل مورد لأصالة الاشتغال،فیدفع بأنّه مع عدم کون الشکّ فی

ص :84

بل لو نوی أحدهما فی موضع الآخر کفی إن لم یکن علی وجه التشریع[1]

أو التقیید[2]

فلو اعتقد دخول الوقت فنوی الوجوب وصفاً أو غایة ثمّ تبیّن عدم دخوله صحّ إذا لم یکن علی وجه التقیید وإلّا بطل،کأن یقول:أتوضّأ لوجوبه و إلّا فلا أتوضّأ.

--------------

المقام فی المحصّل وإمکان أخذ کلّ ما تقدّم فی متعلّق الأمر مع أنّ إمکان أخذ وجه الوجوب أو الندب بالمعنی المتقدّم ممّا لا ینبغی التأمّل فیه أنّ احتمال اعتبار ها مدفوع بالإطلاق المقامی حیث إنّ غیر قصد القربة بالمعنی المتقدّم ممّا یغفل عن احتمال اعتباره عامّة الناس ولو کان شیء منها معتبراً لأُشیر إلیه فی الوضوءات البیانیّة وغیرها کما لا یخفی.

[1]

إذا علم عدم دخول وقت الصلاة ومع ذلک قصد الوضوء الواجب مع علمه بأنّ الوضوء لا یجب قبل دخول الوقت یحکم ببطلان ذلک الوضوء؛ لکون الوضوء بالقصد المزبور افتراءً علی اللّٰه سبحانه فیکون مبغوضاً والمبغوض غیر قابل للتقرّب به،ولو قیل بأنّ التشریع فی حکم العمل لا یجعل العمل مبغوضاً والعمل فی نفسه مشروع فی المقام فیلزم أیضاً ببطلان الوضوء المزبور لفقد قصد التقرّب فإنّ الداعی إلی الإتیان به هو الافتراء علی اللّٰه سبحانه،ویعتبر فی وقوع العمل عبادة قصد التقرّب،وربّما یقال:إنّ التشریع فی مثل المقام ربّما لا ینافی قصد التقرّب،کما إذا کان التشریع فی خصوصیة وصف الوجوب بأن کان الداعی إلی الإتیان بالوضوء أمر الشارع وطلبه،ولکن وصف حکم بالوجوب تشریعاً کما قصد الإتیان بالوضوء الواجب لأمر الشارع وطلبه،وفیه ما لا یخفی؛ لأنّ المنوی طلب خاصّ لا محالة اللهمّ إلّاأن یدّعی أنّ الخصوصیة فی البناء علی عدم ترخیص الشارع فی ترک الفعل بلا دخل لهذه فی تؤضّئه.

[2]

وفسّر قدس سره التقیید بما إذا اعتقد المکلّف دخول الوقت فتوضّأ لوجوبه وینوی

ص :85

(مسألة 28) لا یجب فی الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة علی الأقوی،ولا قصد الغایة التی أُمر لأجلها بالوضوء.[1]

--------------

بحیث إنّه لولاوجوبه فعلاً لا یتوضّأ أصلاً،ولکن قد تقدّم أنّ الاستحباب أو الوجوب حکم یتعلّق بالوضوء،ولا یکون الوضوء المتعلّق به الوجوب نوعاً من الوضوء،والوضوء المتعلّق به الاستحباب نوع آخر بحیث یختلف النوعان بالقصد، بل کما تقدّم إنّ الوضوء المتعلّق به الندب قبل دخول الوقت بعینه هو الوضوء المتعلّق به الوجوب بعد دخوله،بخلاف فریضة الفجر ونافلته فإنّهما نوعان من الصلاة یکون تنوعهما بالقصد.ویستفاد ما ذکر ممّا ورد فی تحدید الوضوء من أنه غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین،وغایة ما تقدّم أیضاً اعتبار قصد التقرّب فی الإتیان به،وعلیه فالغسلتان والمسحتان قد حصلتا خارجاً وأتی بها بداعویة أمر الشارع باعتقاد أنّه إیجاب بحیث لولا وجوبه لما یتوضّأ و هذا من قبیل تخلّف الداعی.والحاصل أنّه لو نوی الوضوء لوجوبه وإلّا فلا أتوضّأ یحکم بصحّة الوضوء لحصول الوضوء والتقرّب به.

وعلی الجملة،الأمر لا یکون بوجوده الواقعی داعیاً إلی العمل وإنّما الموجب لإرادة الفعل إحرازه والاعتقاد به أو احتماله،وإذا کان الاعتقاد بنحو یحسب الإتیان بداعویّته بحساب اللّٰه سبحانه کفی ذلک فی قصد التقرّب،والمفروض أنّ المکلف قصد کلّ الوضوء فلا قصور فی ناحیة الامتثال،ولا معنی للتقیید فیما إذا کان الوضوء فی جمیع الفروض حقیقة واحدة فتدبّر جیداً.

لا یعتبر قصد رفع الحدث أو الاستباحة

[1]

لو قیل بأنّ الوضوء بنفسه لا یکون متعلّقاً للاستحباب النفسی أصلاً ولا بذاته قیداً للصلاة،بل المتعلّق للاستحباب هو الطهارة الحاصلة بالوضوء،

ص :86

..........

والطهارة الحاصلة به قید للصلاة ونحوها،فاللازم فی إتیان الوضوء بنحو العبادة أن یؤتی به قاصداً الطهارة امتثالاً للأمر المتعلّق بها نفسیاً أو غیریاً.

وأمّا إذا قیل بأنّ الوضوء بنحو القربی فی نفسه طهارة قد أُخذ قیداً للصلاة ونحوها فلا یعتبر فی حصول قید الصلاة ونحوها زائداً علی التقرّب فی التوضّؤ.

وعلی الجملة،الوضوء بنحو القربی بنفسه طهارة لا یحصل انتقاضه إلّا بحصول أحد نواقضه فلا موجب لقصد ارتفاع الحدث،بل تقدم سابقاً أنّه لو قیل بترتّب الطهارة علی الوضوء بأن یکون الوضوء محصّلاً لها فلا یعتبر قصد الطهارة فیما إذا أتی بالوضوء بنحو القربی،کما إذا تخیل أنّه علی وضوء فأتی به تجدیداً،حیث إنّ تجدیده من المتطهّر مستحبّ،وإذا صادف الحدث یکون طهارة فاعتبار قصد الطهارة لحدوث التقرّب حیث إنّ الأمر النفسی أو الغیری علی القول به یتعلّق بالطهارة فقصد الطهارة لحصول الامتثال لا أنّ مع الفحص عن الامتثال یعتبر فی صحة الوضوء وإذا کان حال قصد الطهارة ذلک فکیف قصد رفع الحدث أو استباحة الصلاة؟ فلا موجب لقصدهما.

وممّا ذکر یظهر أنّه لا دلالة فی قوله علیه السلام «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (1) علی اعتبار قصد الطهارة أو رفع الحدث،فإنّ ظاهر تعلّق الوجوب بالطهور کون المراد منه الطهارة فإنّها المکلّف بها لا ما یتطهّر به من الماء والتراب.

وقد ذکرنا أنّ الطهارة عنوان لنفس الوضوء القربی،قصد أم لم یقصد، واعتبارقصدها امتثالاً للأمر المتعلّق بالطهارة مبنی علی کونها مسببة عن الوضوء القربی وینحصر التقرّب بالوضوء بقصد الأمر المتعلّق بالطهارة کما لا یخفی.

لا یقال: لا بأس بأن یکون المراد بالطهور فی قوله علیه السلام «اذا دخل الوقت وجب

ص :87


1- (1)) وسائل الشیعة 1:372،الباب 4 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

وکذا لا یجب قصد الموجب[1]

من بول أو نوم کما مرّ.نعم،قصد الغایة معتبر فی تحقق الامتثال بمعنی أنّه لو قصدها یکون ممتثلاً للأمر الآتی من جهتها، وإن لم یقصدها یکون أداءً للمأموربه لا امتثالاً،فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغایة عدم اعتباره فی الصحّة،وإن کان معتبراً فی تحقّق الامتثال.

نعم،قد یکون الأداء موقوفاً[2]

علی الامتثال فحینئذ لا یحصل الأداء أیضاً،کما لو نذر أن یتوضّأ لغایة معیّنة فتوضّأ ولم یقصدها فإنّه لایکون ممتثلاً للأمر النذری، ولا یکون أداءً للمأمور به بالأمر النذری أیضاً وإن کان وضوءه صحیحاً؛ لأنّ أداءه فرع قصده،نعم هو أداء للمأمور به بالأمر الوضوئی.

--------------

الطهور والصلاة» (1) معناه الظاهر بمعنی ما یتطهّر به فیکون ما یتطهّر به نفس الوضوء حیث یحصل به الطهارة فتکون الطهارة مسبّبة عن الوضوء المأتی به بنحو القربی.

فإنه یقال: بناء علی کون الطهور بمعنی ما یتطهّر به فینطبق علی الماء والتراب،ومع فرض عدم شیء منهما فعلاً فلابدّ من تقدیر الفعل من الاستعمال ونحوه،حیث إنّ الوضوء بناءً علی السببیّة مطهّر لا أنّه یتطهّر به کما فی الوقود بمعنی ما یتوقّد به.

[1]

والوجه فی ذلک أنّ کلّاً من نواقض الوضوء ناقض بالإضافة إلی الوضوء المحدود بغسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین فلا أثر للوجود الثانی من الناقض،سواء کان مثل الناقض الأوّل کالبول مرّة ثانیة قبل التوضّؤ أو من غیره کالنوم بعد البول.

لو نذر أن یتوضّأ لغایة معینة

[2]

مراده قدس سره أنّه قد یحکم بصحّة الوضوء ولا یحصل الامتثال بالإضافة إلی أمر

ص :88


1- (1)) وسائل الشیعة 1:372،الباب 4 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

..........

مخصوص،کما إذا توضّأ بقصد النوم ثمّ بدا له فی الصلاة،فإنّ الوضوء بداعی استحبابه للنوم یوجب حصول الوضوء بقصد التقرّب فیکون طهارة فتجوز الصلاة به مع عدم قصده امتثال الأمر الغیری المتعلّق به من قبل الأمر بالصلاة،حیث إنّ الامتثال بالإضافة إلی طلب خاصّ الإتیان بالمتعلّق بقصد موافقة ذلک الأمر والطلب، وقد یحکم بصحة الوضوء مع عدم حصول الامتثال بالإضافة إلی طلب مخصوص ولا أداءً لما تعلّق به ذلک الطلب،کما إذا نذر أن یأتی بالوضوء لغایة معیّنة کقراءة القرآن ولم یتوضّأ لتلک الغایة بعد ذلک،بل توضّأ للصلاة فإنّ الوضوء المزبور صحیح لحصول التقرّب،ولکن لا یکون امتثالاً لوجوب الوفاء بالنذر،بل ولا وفاءً بالنذر.

وقد یقال فی وجه عدم کونه وفاءً بالنذر بأنّ الوفاء بالنذر کأداء الدین من العناوین القصدیّة،فإنّه کما لا یکون إعطاء المال لزید و مجرد تملیکه إیاه أداءً للدین، و إنّما یکون أداءً إذا قصد إفراغ ذمته ممّا علیه من الدین له،کذلک فی نذر الفعل فإنّ النذر هو تملیک اللّٰه سبحانه الفعل علی عهدته فیکون الإتیان به بقصد إفراغ ذمّته ممّا علیه للّٰه معتبراً فی حصول الوفاء بالنذر،ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ الوفاء بالنذر هو الإتیان بنفس العمل المنذور.

وإذا نذر صوم غد فصام فی الغد فقد أدّی ما علیه من النذر وإن کان الداعی إلی الصوم مطلوبیة الصوم للّٰه سبحانه وإذا نذر أن یصلی صلاته الفلانیة فی المسجد فصلّاها فیه فقد أدّیٰ الفعل المنذور،وإن لم یکن صلاة فیه بقصد الوفاء بالنذر کما إذا نسی نذره وهذا وإن لم یکن امتثالاً لأمر الوفاء بالنذر فعدم الوفاء بالنذر فی مسألة الوضوء للصلاة لکون المنذور لیس نفس الوضوء بنحو التقرّب مطلقاً،بل الوضوء بنحو التقرّب الخاصّ یعنی الوضوء لغایة قراءة القرآن.

فلم یحصل هذا المنذور والحکم بصحّة الوضوء المزبور؛ لما تقرّر فی بحث الأُصول من أنّ الأمر بشیء لا یقتضی النهی عن ضدّه الخاصّ.

ص :89

الثالث عشر:الخلوص فلو ضمّ إلیه الریاء[1]

بطل،سواء کانت القربة مستقلّة والریاء تبعاً أو بالعکس أو کان کلاهما مستقلّاً.

--------------

وعلی الجملة،فلیس معنی قول الناذر:للّٰه علیّ کذا من تملیک العمل للّٰه سبحانه بحیث یصیر العمل دیناً له علی عهدته نظیر تملیک الأجیر العمل للمستأجر علی عهدته،بل ظاهر النذر هو الالتزام للّٰه بالعمل،نظیر شرط العمل للمشروط له فی المعاملة کما لا یخفی.

وثانیاً:فقصد الوفاء بالدین فی أداء الدین لوقوع تملیک المال للغیر علی وجوه فیکون تعیّن أحدها بالقصد بخلاف تملیک العمل للّٰه سبحانه،فإنّه لا معنی للّٰه للتملیک له إلّاالإتیان به طلباً لرضاه فتدبّر جیداً.

اعتبار الإخلاص فی العبادة

[1]

ویعتبر فی صحّة الوضوء وغیره من العبادات زائداً علی قصد التقرّب فیها خلوصها من الریاء ولو انصمّ الی قصد التقرّب الریاء بطلت العبادة علی المشهور بین الأصحاب،بل من غیر خلاف یعرف إلّاعن السید المرتضی (1) حیث ذهب إلی أنّ الخلوص معتبر فی الثواب علی العمل،و أمّا سقوط الإعادة أو القضاء فلا یتوقّف علی خلوص العمل من الریاء،فیقع الکلام فی المقام فی أنّ الریاء فی العمل یجتمع مع قصد التقرب أم لا،وعلی فرض الاجتماع هل یکون مقتضی القاعدة - أی مع قطع النظر عن الأخبار الواردة فی حکم الریاء فی العبادة - الحکم بصحّتها مطلقاً أو ببطلانها کذلک؟ أو لابدّ من التفصیل،و أنّ حکم العبادة بالنظر إلی ما ورد فی الریاء فی العبادة ماذا؟

فنقول: قد تقدّم أنّ قصد التقرّب المعتبر فی العبادة أن یکون الإتیان بها مضافاً

ص :90


1- (1)) الانتصار:99 - 100،المسألة 9.

..........

إلی اللّٰه سبحانه بنحو من الإضافة کالإتیان بها بداعویّة أمره بها أو لکونها محبوبة للّٰه سبحانه و فیه رضاه وإذا کان الداعی للإنسان إلی الإتیان والعمل الریاء وکان أمر الشارع به أو رضاه فیه لمجرّد کونه مصحّحاً للریاء بذلک العمل فالعمل المزبور محکوم بالبطلان،لفقد قصد التقرّب،کما أنّه إذا کان داعیه إلی الإتیان والعمل مجرّد أمر الشارع بذلک العمل ولا دخل لغیر أمره فی العمل والإتیان،ولکن یسرّه بأنّ الآخرین یرون عمله وعبادته من غیر أن یکون لرؤیتهم دخالة فی ذلک العمل وکیفیته،فلا ینبغی التأمّل فی أنّ مجرّد السرور و حبّه أن یری عمله الناس لکی یمدحوه لا یوجب فقد قصد التقرّب فی العمل،بل ولا یصدق أنّه مراء بعمله لیقال أنّه تشمله الأخبار الواردة فی حرمة الریاء فی العبادة وکونه مبطلاً لها.

و فی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال:سألته عن الرجل یعمل الشیء من الخیر فیراه إنسان فیسرّه ذلک؟ قال:«لا بأس ما من أحد إلّاوهو یحبّ أن یظهر له فی الناس الخیر إذا لم یکن صنع ذلک لذلک» (1) وقوله علیه السلام:«ما من أحد» ناظر إلی الناس یعنی المتعارف منهم.

و ربّما یقال:إنّه یعارضها ویدّل علی کون ذلک السرور أیضاً من الریاء فی العبادة معتبرة السکونی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:قال أمیرالمؤمنین علیه السلام «ثلاث علامات للمرائی ینشط إذا رأی الناس،و یکسل إذا کان وحده،ویجب أن یحمد فی جمیع أُموره». (2)

ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ ظاهر النشاط فی العمل والکسل فیه اختلاف العمل

ص :91


1- (1)) وسائل الشیعة 1:75،الباب 15 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:73،الباب 13 من أبواب مقدّمة العبادات.

..........

بحسب حالتی النشاط والکسل ولولم یکن هذا ظاهره،فلا أقلّ من شموله لذلک فیحمل علیه بقرنیة صحیحة زرارة المتقدّمة حیث صرح فی ذیلها:«ما لم یکن صنع ذلک لذلک» ثمّ إنّ الاختلاف بین الحالتین أی فیما کان العمل بمحضر من الناس وبین ما کان وحده إنّما یکون ریاءً إذا کان غرض العامل من الاختلاف إراءة عمله للناس لیحسبوه نعم العبد للّٰه سبحانه،و إمّا إذا کان الاختلاف لغرض إلهی کما إذا أطال إمام الجماعة رکوعه أو سجوده أو الجلوس بین السجدتین لیتمکّن الناس أی المأمومین أو یسهل لهم التبعیة فی الأفعال أو رفع صوته بالقراءة لیسمع الناس فینالون ثواب الإصغاء لها أو رفع صوته بالتکبیرة حین الانتقال من حالة إلی أُخری لیأخذ الناس تبعیتهم فی الأفعال،و کمافیمن یعطی زکاته بمشهد من الناس لیتأسّوا به فی إخراجها إلی غیر ذلک،فلا یحسب شیء من ذلک ریاءً فی العبادة،فالریاء إنّما یکون فیما إذا کان غرضه إراءة عمله للناس لیحسبوه نعم العبد أو یکون ذلک دخلاً فی غرضه أو یمدحونه علی عمله.

ثمّ إنّه لا ینبغی التأمّل فی حرمة الریاء فی العبادة وأنّه کما تقدّم عند المشهور وهو الصحیح مبطل لها،و یشهد لذلک مضافاً إلی مثل قوله سبحانه: «فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ * اَلَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاٰتِهِمْ سٰاهُونَ * اَلَّذِینَ هُمْ یُرٰاؤُنَ * وَ یَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ » (1) وفی موثّقة مسعدة بن زیاد،عن جعفر بن محمّد،عن أبیه،عن آبائه علیهم السلام أنّ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله سئل فیما النجاة غداً؟ فقال:إنّما النجاة فی أن لا تخادعوا اللّٰه فیخدعکم فإنّه من یخادع اللّٰه یخدعه،ویخلع منه الإیمان ونفسه یخدع لو یشعر، قیل له:فکیف یخادع اللّٰه؟ قال یعمل بما أمره اللّٰه ثمّ یرید به غیره فاتقوا اللّٰه فی

ص :92


1- (1)) سورة الماعون:الآیة 4 - 7.

..........

الریاء فإنّه الشرک باللّٰه إنّ المرائی یُدعی یوم القیامة بأربعة أسماء:یاکافر یافاجر یاغادر یاخاسر حبط عملک وبطل أجرک فلا خلاص لک الیوم فالتمس أجرک ممّن کنت تعمل له» (1) .

وفی روایة أبی الجارود علی ما رواه فی تفسیر القمی فی تفسیر قول اللّٰه عزّ وجلّ «فَمَنْ کٰانَ یَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ یُشْرِکْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» فقال:

من صلّی مراءاة للناس فهو مشرک - إلی أن قال:- من عمل عملاً ممّا أمر اللّٰه به... (2)

وفی صحیحة علی بن جعفر،عن أخیه موسی بن جعفر،عن أبیه،عن آبائه صلوات اللّٰه علیهم قال:قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:یؤمر برجال إلی النار فیقول لهم خازن النار:یا أشقیاء ما کان حالکم؟ قالوا کنّا نعمل لغیر اللّٰه،فقیل لنا:خذوا ثوابکم ممّن عملتم له (3) .ولا یفرق فی شمول هذه الأخبار ومثلها لما إذا کان کلّ من الریاء وأمر الشارع مستقلّاً فی الداعویّة إلی العمل أو کان الداعی إلی العمل أمر الشارع ولکن کان الریاء مؤکّداً لتلک الداعویة ویعتبر أن تکون القربة مستقلّة والریاء تبعاً وما إذا کان الریاء مستقلّاً فی الداعویة أو کان مجموع کلّ من أمر الشارع والریاء داعیاً إلی العمل.

والفرق بین الصورتین الأخیرتین والأولتین أنّ الأخیرتین مع قطع النظر عن الأخبار الواردة فی الریاء محکومتان ببطلان العبادة فیهما؛ لعدم قصد التقرّب فیهما،حیث إنّ المعتبر فی العبادة أن یکون الداعی إلی العمل أمر الشارع ورضاه بحیث یکون الإتیان بحسابه،و هذا غیر حاصل فی الأخیرتین بخلاف الأولتین،فإنّه

ص :93


1- (1)) وسائل الشیعة 1:69،الباب 11 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث 16.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:68،الحدیث 13.والآیة 110 من سورة الکهف.
3- (3)) وسائل الشیعة 1:70،الباب 12 الحدیث الأوّل.

وسواء کان الریاء فی أصل العمل[1]

أو فی کیفیّاته أو فی أجزائه،بل ولو کان جزءاً مستحبّاً علی الأقوی،وسواء نوی الریاء من أوّل العمل أو نوی فی الأثناء وسواء تاب منه أم لا،فالریاء فی العمل بأیّ وجه کان مبطل له لقوله تعالی علی ما فی الأخبار:أنا خیر شریک،من عمل لی ولغیری ترکته لغیری.

--------------

لو فرض غمض النظر عمّا ورد فی حرمة الریاء وکونه مبطلاً للعبادة تکون العبادة فیهما محکومة بالصحة؛ لعدم قصور قصد التقرّب المعتبر فی العبادة،فإنّه لو کان الریاء لغیره من الدواعی المباحة کالتبرید فی التوضّؤ لما کان فی قصد القربة المعتبرة فی العبادة خلل،ولکن إطلاق ما ورد فی کون الریاء شرکاً وأنّه لا یصحّ العمل عبادة للّٰه إلّاإذا کانت خالصة للّٰه سبحانه کمعتبرة هشام بن سالم،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:

یقول اللّٰه عزّ وجلّ:«أنا خیر شریک فمن عمل لی و لغیری» فهو لمن عمله لغیری أو کمن عمله لغیری (1) .

وعلی الجملة،إذا کان الداعی إلی العمل کلّ من أمر الشارع والریاء مستقلّاً یکون العمل بالفعل مستنداً إلی کلا الأمرین،حیث إنّ استناده إلی أحدهما دون الآخر بلا مرجّح،وکذا فیما کان أمر الشارع بالعمل داعیاً مستقلّاً ویکون الریاء» مؤکّداً لداعیه إلی العمل أو کان الأمر بالعکس بأن یکون داعیه إلی العمل الریاء مستقلّاً وأمر الشارع مؤکّداً لداعیه وفی تصویر ذلک تأمّل؛ لما أشرنا سابقاً من أنّ أمر الشارع یکون موجباً لحصول الموضوع للریاء فمع عدم أمره بالعمل لا یکون للریاء مورد.

[1]

شرع قدس سره فی بیان ما یحصل من العمل بالریاء فإنّه قد یحصل أصل العمل بالریاء بحیث یکون الریاء دخیلاً فی أصله و أُخری تکون الکیفیة الخاصة من العمل بالریاء،و ثالثة یحصل الجزء بالریاء وهو إمّا الجزء الواجب من العمل أو الجزء المستحب منه.

ص :94


1- (1)) وسائل الشیعة 1:72،الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث 7.

..........

فقد أفتی قدس سره بعد الجزم ببطلان العمل بالریاء فی أصله وکیفیته وجزئه الواجب ببطلانه بالریاء فی جزئه المستحبّ أیضاً،بلافرق فی جمیع ذلک بین التوبة من الریاء بعد وقوع العمل به أم لا؛لقوله تعالی «أنا خیر شریک» علی ما فی الأخبار،- أنا خیر شریک من عمل لی ولغیری ترکته لغیری (1) .

أقول: قد یقال إنّ الریاء فی الجزء الواجب إنّما یوجب بطلان ذلک الجزء،فإن اقتصر فی الإتیان الواجب به فیبطل الواجب؛ لأنّ ما أتی به جزءاً بالریاء لا یصلح کونه مقرّباً وأمّا إذا تدارک الجزء بالإعادة بقصد الخلوص فیتمّ العمل فی مثل الوضوء ممّا لا تکون الزیادة فیه مبطلة،وأمّا فی مثل الصلاة ممّا تکون الزیادة العمدیة فیها مبطلة فلا تصحّحها إعادة الجزء.

ولکنّ الظاهر بطلان العمل رأساً مطلقاً؛ وذلک فإنّ الآتی بجزء العمل یقصد کون المجموع عملاً واحداً،وإذا حصل شیء منه بقصد الریاء فقد شرک فی العمل الواحد غیر اللّٰه فیبطل،بمعنی أنّ ذلک العمل لا یصیر عبادة ولو بتدارک ذلک الجزء.

وأمّا الجزء المستحبّ فیمکن أن یقال:إنّ الریاء فیه لا یوجب إلّابطلان نفس ما یسمیّ جزءاً ولا یوجب بطلان العمل الواجب،حیث إنّ الجزء المستحب خارج عن متعلّق الأمر بالواجب والمفروض حصول متعلّق الأمر الوجوبی بداعویة ذلک الأمر لا غیر،وما قصد الإتیان به متعلّق أمر آخر قد أتی به ریاءً فیکون کالریاء فی الکیفیة التی لا تکون متّحدة فی الوجود مع العبادة،کما إذا صلّی وتحنّک فی صلاته ریاءً فإنّ الریاء فی مثل هذه الکیفیة لا یسری إلی الصلاة حتّی تبطل،بخلاف ما إذا کان الریاء فی الکیفیة التی تتّحد مع الصلاة خارجاً،کما إذا صلّی فی أوّل الوقت أو فی المسجد

ص :95


1- (1)) انظر وسائل الشیعة 1:72،الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث 7.

..........

ریاءً فإنّ الصلاة فی أوّل الوقت أو فی المسجد حصّته من الصلاة،فإن کان الداعی إلی اختیار تلک الحصّة من سائر الحصص هو الریاء تکون الصلاة المزبورة ممّا أشرک فیها غیر اللّٰه سبحانه،فتکون مبغوضة،والمبغوض لا یمکن أن یتقرّب به.

وعلی الجملة،ما یسمّی بالجزء المستحب کالکیفیة المنحازة فی الوجود عن أصل متعلّق الأمر الوجوبی فی العبادة متعلّق للأمر الاستحبابی،وظرف الإتیان بذلک المستحبّ هو الصلاة،وإذا أتی بها فی ظرف العبادة وأثنائها یکون المبغوض نفس ذلک الفعل الذی تعلّق به الأمر الاستحبابی،ولا موجب لمبغوضیة نفس متعلّق الأمر بتلک العبادة حیث لا ینطبق عنوان الریاء بما ینطبق علیه متعلّق ذلک الأمر الوجوبی.

اللّٰهمّ إلّاأن یقال إنّ الآتی بالجزء المستحب یقصد کونه جزءاً من فرد الواجب بمعنی أنّه یصیر به الفرد الواجب من أفضل الأفراد،وإذا کان ذلک بقصد الریاء یصدق أنّه شرک فی عمله غیر اللّٰه سبحانه فیبطل.

ثمّ إنّ مقتضی ما ذکر بطلان العمل بدخول الریاء فیه،سواء کان الریاء فیه من أوّل ذلک العمل أو أثنائه،واحتمال أنّه إذا دخل فیه الریاء فی أثناء العمل ثمّ تدارک ذلک المقدار من العمل بالإعادة بقصد الخلوص یتمّ العمل إلّاإذا کانت زیادة ذلک المقدار موجبة لبطلانه کما فی زیادة الصلاة،قد ذکرنا أنّ مقتضی ظاهر بعض أنّ العمل بدخول الریاء فیه یترک لغیر اللّٰه فلا یفید إعادة ذلک المقدار وتدارکه،وکذا لا یصحّح العمل التوبة من الریاء فی صحّة العمل،سواء کانت التوبة قبل إکمال العمل أو بعده،فإنّ التوبة مکفرة عن عقاب العمل لا إنّها مصحّحة للخلوص فی العمل الواقع مبغوضاً،وهذا ظاهر.

وقد أشرنا إلی أنّ ما دلّ علی حرمة الریاء وکونه شرکاً للّٰه فی العمل یختصّ بالریاء فی العبادات،حیث یعتبر وقوعها خالصة للّٰه سبحانه،وأمّا غیرها فلا یعتبر فی

ص :96

هذا،ولکنّ إبطاله إنّما هو إذا کان جزءاً من الداعی علی العمل،ولو علی وجه التبعیة وأمّا إذا لم یکن کذلک،بل کان مجرّد خطور فی القلب من دون أن یکون جزءاً من الداعی فلا یکون مبطلاً،وإذا شکّ حین العمل فی أنّ داعیه محض القربة أو مرکب منها ومن الریاء فالعمل باطل[1]

لعدم إحراز الخلوص الذی هو الشرط فی الصحّة.

--------------

وقوعها التقرّب فضلاً عن الإخلاص ویسقط التکلیف بها بمجرد الإتیان بذات المتعلّق،فلا مورد فیها للسؤال:یا أشقیاء ما حالکم،حتّی یقال:کنا نعمل لغیر اللّٰه (1) ، ولا لقوله سبحانه:أنا خیر شریک (2) الخ.

[1]

إذا شکّ بعد تمام العمل أنّه قد دخل فیه من الریاء حال العمل أم لا یحکم بصحّة العمل کما هو مقتضی قاعدة الفراغ،وأمّا إذا شکّ فیه حین العمل فی أنّ داعیه محض القربة،فإن أمکن تصویر هذا الشکّ فإنّ القصد من الأُمور الوجدانیة التی یکون علم النفس بها حضوریاً،والشکّ إنّما یعقل فیما یکون علم النفس بها حصولیاً فالفاعل حال العمل لا یتردّد فی أنّه یأتی بالعمل بداعویة أمر الشارع فقط أو أنّ لغیر اللّٰه سبحانه دخالة فی الإتیان به،وإنّما المعقول تردّده فی أنّه کیف یقصده قبل ذلک أو یقصده بعد ذلک؟ ثمّ علی تقدیر الشکّ فلا یحکم ببطلان العمل مطلقاً فإنّه إذا أحرز أنّ داعیه إلی العمل أمر اللّٰه سبحانه و احتمل تأکّد هذا الداعی بالریاء فباستصحاب عدم تأکّده به یحرز الخلوص،حیث إنّه لیس الخلوص إلّاوقوع العمل بداعویة أمر الشارع من غیر دخالة رضا الغیر لیتأکّد ذلک الداعی به،وکذا فیما إذا أحرز أنّ أمر الشارع داع مستقلّ واحتمل أن یکون رضا الغیر أیضاً داعیاً مستقلّاً.

فإنّه إذا کان الریاء أیضاً داعیاً مستقلّاً تتأکّد داعویة الأمر به عند الاجتماع،

ص :97


1- (1)) وسائل الشیعة 1:70،الباب 12 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:72،الحدیث 7.

وأمّا العُجب[1]

فالمتأخّر منه لا یبطل العمل،وکذا المقارن،و إن کان الأحوط فیه الإعادة.

--------------

وتقدّم أنّ مقتضی الاستصحاب عدم تأکّده به،و هذا بخلاف ما إذا شک فی أنّ لأمر الشارع داعویة له بالإضافة إلی العمل أو أنّ داعویة أمر الشارع مستقلّة فإنّ مقتضی الاستصحاب عدم کون داعیه إلی العمل أمر اللّٰه سبحانه وإحراز عدم قصد التقرّب کافٍ فی الحکم ببطلان العمل کما لا یخفی.

فی العُجب

[1]

العُجب إمّا یتعلّق بالنفس بأن یری الشخص لنفسه مقاماً شاخصاً عند ربّه یمتاز به عن سائر الناس والعباد،وإمّا یتعلّق بالعمل بأن یری لعمله وعبادته لربّه عظمة بحیث ربّما یجترئ بالمنّ علی اللّٰه سبحانه بذلک العمل وعبادته له،والعُجب بالنفس من الصفات المذمومة کالعُجب بالعمل،وربّما یوجب التحقیر لعبادة الغیر والتکبّر،بل ربّما یبتلی بأنّه یری نفسه أنّه فاق مرتبة العبد لربّه،کما أنّ العُجب بعمله أیضاً ربّما یوجب ذلک وأنّه عبد ربّه وفاق فی عمله أزید ممّا یستحق ربّه علیه من العمل،وقد عدّ فی بعض الروایات الإعجاب بالنفس من المهلکات ولا دلالة فیها ولا فی غیرها علی بطلان العمل بالعجب کبطلانه بالریاء،و فقد قصد التقرّب بأن لا یسقط التکلیف مع العُجب بالنفس أو مع العُجب بالعمل.

وعلی الجملة،لا یستفاد من الروایات الواردة فی العُجب بنفسه أو بعمله إلّا انحطاط العمل وفساد النفس،و أمّا بطلان العمل فلا یستفاد منها حیث إنّ ما یعتبر فی العبادة من قصد التقرّب والخلوص ممّا لا ینافیه العُجب سواء کان متأخّراً عن العمل أو مقارناً له،أضف إلی ذلک أنّ العجب المتأخّر لا یزید علی الکفر المتأخّر فإنّه لا یوجب بطلان الأعمال بأن یجب علیه بعد إسلامه إعادة تلک العبادات،وما ذکر

ص :98

..........

الماتن من الاحتیاط فی الإعادة استحباباً مع العُجب المقارن لعلّه لرعایة ما نقل عن بعض بطلان العمل به،ولکن المحکی عن بعض بطلانه حتّی بالعجب المتأخّر فإنّ الهمدانی (1) قدس سره حکی عن السید المعاصر بطلانه بالعُجب المتأخّر وردّه بأنّه مبنی علی الشرط المتأخّر والشرط المتأخّر مستحیل،وفیه ما لا یخفی من جواز اشتراط العمل بأمر متأخّر وجودی أو عدمی کما فی صوم المستحاضة المشروط بالاغتسال لیلاً حیث إنّ الشرط فی المقام قید متعلّق الأمر لا معناه الفلسفی.

وما یمکن أن یستدل به علی بطلان العمل بالعُجب المقارن صحیحة أبی عبیدة،عن أبی جعفر علیه السلام قال:قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله قال اللّٰه تعالی:إنّ من عبادی المؤمنین لمن یجتهد فی عبادتی فیقوم من رقاده ولذیذ وساده - إلی أن قال - فیأتیه من ذلک ما فیه هلاکه لعُجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتّی یظنّ أنّه قد فاق العابدین وجاز فی عبادته حدّ التقصیر،فیتباعد منی عند ذلک وهو یظنّ أنّه یتقرّب إلیَّ (2) .

فإنّه یقال إنّ مع العُجب لا یحصل القُرْب المعتبر فی العبادة،وفیه أنّ المعتبر فی العبادة قصد التقرّب بما أمر الشارع به والعُجب لا ینافی القصد به و إن ینافی حصول قرب العبد إلی اللّٰه کما هو ظاهرها.

والحاصل کون العجب بالنفس أو بالعمل موجباً لانحطاط الشخص عند ربّه وانحطاط عمله عن استحقاق المثوبة ظاهر إنّما الکلام فی کونه عنواناً للعمل بحیث یصیر العمل مبغوضاً للّٰه سبحانه حتّی لا یمکن قصد التقرّب به ولا دلالة فی الصحیحة علی ذلک.

و أمّا ما فی معتبرة عبدالرحمن بن الحجاج:«إنّ الرجل لیذنب الذنب فیندم

ص :99


1- (1)) مصباح الفقیه 2:238 - 240.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:98،الباب 23 من أبواب مقدّمة العبادات،الحدیث الأوّل.

..........

علیه ویعمل العمل فیسرّه ذلک فیتراخی عن حاله تلک فلأن یکون علی حاله تلک خیر له ممّا دخل فیه» (1) .

و فی صحیحته قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام الرجل یعمل العمل وهو خائف مشفق،ثمّ یعمل شیئاً من البرّ فیدخله شبه العُجب به،فقال:«هو فی حاله الأُولی وهو خائف أحسن حالاً منه فی حال عُجبه» (2) وظاهرها أیضاً أنّ حال الشخص مع تندّمه عن ذنبه بالتوبة خیر ممّن عمل عملاً خیراً،مع إعجابه بعمله حیث ینحطّ ثواب عمله،بخلاف التائب فإنّه ینال ثواب التوبة مع إمحائها عقاب ذنبه.

والحاصل أنّ القائل بکون العُجب مبطلاً للعمل إمّا أن یلتزم یکون العُجب بالعمل یوجب حرمة العمل ومبغوضیته فلا یمکن أن یتقرّب به،وإمّا أن یلتزم بأنّ من شرط العبادات عدم دخول العُجب بها فیها،فإن قیل بالأوّل فلابُدّ من التفصیل بین العُجب المتأخّر والعُجب المقارن للعمل،فإنّ العمل بعد انقضائه لا یمکن أن یتعلّق به التحریم حتّی یصیّره مبغوضاً لا یمکن قصد التقرّب به،بخلاف الثانی فإنّه یمکن أن یلتزم باشتراط تمامیّة العبادة بعدم تعلّق العُجب به سواء کان حال العمل أو بعد انقضائه،کما بیناه فی بحث الشرط المتأخّر وأمّا الإعجاب بالنفس من غیر تعلّق العُجب بالعمل فهو غیر قابل للحکم التکلیفی،فإنّه من الصفات،والذی یقبل التکلیف إزالته أو العمل الموجب لعدم حدوثه کالتفکّر فی ضعفه وفقره،وکون جمیع ما علیه النعم کلّها من جانب اللّٰه سبحانه،و إنّه یصیر بعد مکثه فی هذه الدنیاإلی عالم آخر لا ینجو من حساب اللّٰه سبحانه إلّابرحمته وفضله علی العباد إلی غیر ذلک.

ص :100


1- (1)) وسائل الشیعة 1:99 - 100،الباب 23 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث 4.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:99،الباب 23 من أبواب مقدّمة العبادات،الحدیث 2.

..........

وقد ذکرنا أنّه لا یستفاد من الأخبار الواردة فی العجب إلّاکون العُجب بالنفس یجر الإنسان إلی الهلاک بارتکاب السیّئة تحقیراً لها وحبط ثواب أعماله التی یکون الاستحقاق علیها بنحو الفضل والتفضّل من اللّٰه سبحانه،فإنّ العُجب بالنفس بحیث یمنّ علی اللّٰه سبحانه بإیمانه وأعماله یخرجه عن الحالة الموجبة لاستحقاق التفضّل بالثواب،وکذا العُجب بالعمل وحسبان أنّه أمر عظیم قد أتی به للّٰه فیحطّ ثوابه بذلک لخروجه عن استحقاق التفضل.

و أمّا حرمة العُجب بالعمل کحرمة الریاء فیه أو التشریع فیه فلا یستفاد من تلک الأخبار کما لا یستفاد منها اشتراط صحّة العبادة بمعنی سقوط التکلیف بها بعدم حصول العُجب.

وقد یقال إنّ ظاهر معتبرة علی بن سوید،عن أبی الحسن علیه السلام قال:سألته عن العجب الذی یفسد العمل؟ فقال:«العجب درجات:منها أن یزین للعبد سوء عمله فیراه حسناً فیعجبه ویحسب أنّه یحسن صنعاً،ومنها أن یؤمن العبد بربه فیمنَّ علی اللّٰه عزّ وجلّ وللّٰه علیه فیه المنّ» (1) وفیه أنّ ظاهرها أنّه إذا کان العُجب فی الإنسان بحیث یری العمل السوء منه حسناً کتحقیر الناس وإهانتهم وإیذائهم أو یری فی إیمانه باللّٰه منّته علی اللّٰه تعالی فهذه المرتبة من العجب توجب فساد أعماله الحسنة أیضاً فلا یری لها أی ثواب عند اللّٰه سبحانه،وأمّا کون هذا العُجب موجباً لعدم سقوط التکلیف ولزوم تدارک العباده بالقضاء أو الإعادة فهذا خارج عن مدلول الروایة وکذا غیرها.

وفی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:قال إبلیس إذا

ص :101


1- (1)) وسائل الشیعة 1:100،الباب 23 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث 5.

وأمّا السمعة فإن کانت داعیة علی العمل أو کانت جزءاً من الداعی بطل،و إلّا فلا،کما فی الریاء[1]

.

--------------

استمکنت من ابن آدم فی ثلاث لم أُبالی ما عمل فإنّه غیر مقبول منه:إذا استکثر عمله ونسی ذنبه ودخله العجب». (1)

فی السمعة

[1]

ذکر قدس سره أنّ السمعة التی تکون داعیة للإنسان إلی العمل أو کانت جزءً من داعیه ولو بنحو التأکّد فتوجب بطلان العمل،کما هو ظاهر قوله أنّها کالریاء فی الصورة المزبورة،حیث إنّ العمل معها کذلک یکون لغیر اللّٰه أو یکون لغیر اللّٰه فیه شرکة.

وعلی الجملة،فلولم یکن ظاهر الریاء یعمّ السمعة المزبورة فلا ینبغی التأمّل فی أنّ ما ورد فی الریاء یعمّها کقوله:«من عمل لی ولغیری فهو لمن عمله غیری» (2) أو «من عمل لغیر اللّٰه وکّله إلی عمله یوم القیامة». (3)

والشاهد لکون حکم السمعة المزبورة حکم الریاء فی انتفاء الإخلاص فی النیّة مع کلّ منهما روایة ابن القداح حیث ورد فیها:«واعملوا للّٰه فی غیر ریاء وسمعة،فإنّه من عمل لغیر اللّٰه وکّله اللّٰه إلی عمله یوم القیامة» (4) وکذا فی روایة محمد بن عرفة قال:قال لی الرضا علیه السلام:«ویحک یابن عرفة اعملوا لغیر ریاء ولا سمعة،فإنّه من عمل لغیر اللّٰه وکله اللّٰه إلی ما عمل» (5) وبتعبیر آخر الرؤیة المعتبرة فی الریاء کالسماع

ص :102


1- (1)) وسائل الشیعة1:98،الباب 22 من أبواب مقدّمة العبادات،الحدیث7.
2- (2)) وسائل الشعیة1:72،الباب12،الحدیث7.
3- (3)) وسائل الشیعة1:66،الباب 11،الحدیث10.
4- (4)) المصدر السابق.
5- (5)) المصدر السابق:الحدیث8.

فإذا کان الداعی له علی العمل هو القربة إلّاأنّه یفرح إذا اطلع علیه الناس من غیر أن یکون داخلاً فی قصده لا یکون باطلاً،لکن ینبغی للإنسان أن یکون ملتفتاً فإنّ الشیطان غرور،و عدوّ مبین،و أمّا سائر الضمائم فإن کانت راجحة کما إذا کان قصده فی الوضوء القربة وتعلیم الغیر فإن کان داعی القربة مستقلّاً والضمیمة تبعاً أو کانامستقلّین صحّ[1]

وإن کانت القربة تبعاً أو کان الداعی هو المجموع منهما بطل،وإن کانت مباحة فالأقوی أنّها أیضاً کذلک،کضمّ التبرّد إلی القربة لکنّ الأحوط فی صورة استقلالهما أیضاً الإعادة.

--------------

المعتبر فی السمعة سیّان فی وصول العامل إلی غرضه وهو أن یمدحه الناس فی عمله وکونه نعم العبد للّٰه تعالی.

فی الضمیمة الراجحة والمباحة

[1]

فصّل قدس سره بین الضمیمة الراجحة کتعلیم الوضوء وبین الضمیمة المباحة کالتبرید بالوضوء بأنّه إذا کانت الضمیمة الراجحة داعیاً مستقلّاً إلی الوضوء،وکذا أمر الشارع به یحکم بصحة الوضوء،وکذا فی غیره من العبادات بخلاف الضمیمة المباحة فإنّه إذا کانت داعیاً مستقلّاً إلی الوضوء وکذا الأمر به فلا یحکم بصحة الوضوء.

و بتعبیر آخر الضمیمة الراجحة لا تنافی صحة العبادة فی صورتین:

إحداهما:ما إذا کان أمر الشارع بالوضوء داعیاً مستقلّاً و قصد الضمیمة الراجحة تبعیاً.

وثانیتهما:ما إذا کان کلّ من أمر الشارع بالعمل وقصد الضمیمة داعیاً مستقلّاً بخلاف ما إذا کانت الضمیمة مباحة فإنّ الوضوء معه محکوم بالصحّة فی الصورة الأُولی فقط،و أمّا الثانیة فالعبادة فیها محکومة بالبطلان.

ص :103

ولکن لا یمکن المساعدة علی التفصیل فإنّ المعتبر فی العبادة هو قصد التقرّب ...

--------------

بها وإنّما یحصل التقرّب بکون أمر الشارع داعیاً مستقلاً إلی ذلک العمل،فإن کان تأکّد داعویته بضمیمة مباحة موجباً لبطلان العمل فلا یفرق فی ذلک بین کون التأکد بالداعویة المستقلّة أو بغیرها،و حیث إنّ الزائد ممّا ذکر من کون أمر الشارع داعیاً مستقلّاً غیر معتبر فی صحّة العبادة،وشرط الخلوص فی التقرّب یختصّ بضمیمة الریاء والسمعة فلا وجه للتفرقة بین الضمیمة الراجحة والمباحة فی کلتا الصورتین.

لا یقال :إذا کانت الضمیمة الراجحة أو المباحة مستقلّة فی الداعویة و کذا أمر الشارع بها یتعین الحکم یبطلان العمل؛ لأنّ مع فرض اجتماع الداعیین المستقلّین یکون الداعی الفعلی إلی العمل مجموعهما،کما هو مقتضی اجتماع العلل مع فرض وحدة المعلول،فیکون الفرض کالصورة التی لا یکون الأمر ولا الضمیمة داعیاً مستقلّاً،بل باجتماعهما یحصل الداعی إلی العمل ولذا ذکر أنّ الداعی إذا کان مجموعهما بطل.

فإنّه یقال :مع اجتماع الداعیین المستقلّین یحصل الداعی المؤکّد بحیث یکون ذات الداعی إلی العمل کلّ من أمر الشارع وغیره،وتتأکّد داعویته بالانضمام،وبتعبیر آخر المقدار اللازم فی قصد التقرّب أن یصحّ استناد العمل وصدوره إلی أمر الشارع باستقلاله،و هذا حاصل والزائد علی ذلک غیر معتبر فی صحّة العمل.

و هذا بخلاف صورة عدم استقلال کلّ من أمر الشارع والضمیمة فی الداعویة فإنّ أصل الداعویة إلی العمل غیر موجود فی أمر الشارع استقلالاً،بل حصلت تلک الداعویة أی أصلها بمجموع الأمر والضمیمة،وهذا غیر قصد التقرّب.

لا یقال :ما ذکر من بطلان العمل مع الضمیمة المباحة أو الراجحة وفرض عدم استقلال الأمر فی الداعویة،إنّما فیما لم تکن تلک الضمیمة من قبیل الداعی إلی الداعی بأن لا یکون الموجب لداعویة أمر الشارع إلی العمل لحاظ تلک الضمیمة،

ص :104

و إن کانت محرّمة غیر الریاء والسمعة فهی فی الإبطال مثل الریاء[1]

لأنّ الفعل یصیر محرّماً فیکون باطلاً،نعم الفرق بینها وبین الریاء أنّه لولم یکن داعیه فی ابتداء العمل إلّاالقربة لکن حصل له فی الأثناء فی جزء من الأجزاء یختصّ البطلان بذلک الجزء،فلو عدل عن قصده و أعاده من دون فوات الموالاة صحّ،وکذا لو کان ذلک الجزء مستحبّاً و إن لم یتدارکه بخلاف الریاء علی ما عرفت فإنّ حاله حال الحدث فی الإبطال.

--------------

ومع کون تلک الضمیمة موجبة لداعویة الأمر فلا موجب للحکم ببطلان العمل، فمجرد عدم استقلال الأمر فی الداعویة بهذا النحو لا یوجب بطلان العمل.

فإنّه یقال :فیما إذا کان الغرض المباح حاصلاً بامتثال أمر الشارع والإتیان بالعمل بطور العبادة کما مثلنا ذلک فی أداء الزکاة حیث یتوقف إنماء المال بأدائها عبادة یکون المورد من موارد الداعی إلی داعویّة الأمر فیصحّ العمل.وأمّا إذا کان الغرض المباح حاصلاً بالإتیان بذات العمل ولا یتوقف علی قصد الامتثال،کما فی مسألة التبرید المنضم إلی قصد الوضوء فیمکن فیه أن لا یکون الفرض المباح داعیاً إلی داعویة الأمر بأن یأتی بذات العمل علی ما ذکر من تصویر الأقسام.

فی الضمیمة المحرّمة

[1]

حاصل ما ذکره قدس سره فی المقام أنّه لو کان قصد الحرام الذی غیر الریاء والسمعة حال العمل فی البین یکون المأتی به من العمل محکوماً بالبطلان،بلا فرق بین کون قصد الحرام کالأمر بالفعل داعیاً مستقلّاً أو مؤکّداً أو کان مجموع القصدین داعیاً إلی العمل فإنّ مع قصد عنوان الحرام بالعمل لا یمکن قصد التقرّب به.

و علی الجملة،ما ذکر فی الضمیمة المباحة أو الراجحة من الحکم بصحّة العمل فی بعض الفروض لا یجری فیما إذا کان فی البین قصد الحرام،بل یحکم علی العمل بالبطلان کما فی ضمیمة قصد الریاء والسمعة حال العمل وإنّما الفرق بین

ص :105

..........

ضمیمة الریاء والسمعة وبین الضمیمة المحرمة أنّه لو کان قصد الحرام أثناء العمل فی جزء منه وتدارک المکلف ذلک الجزء بالإعادة بداعویة الأمر بذلک العمل تمّ العمل،بل لو کان ذلک الجزء مستحباً لما یضرّ عدم تدارکه بصحة العمل إذا عاد المکلّف إلی قصد امتثال الأمر بالعمل،و هذا بخلاف قصد الریاء فإنّه إذا دخل فی جزء من العمل ولو کان الجزء مستحبّاً لأوجب بطلان العمل من الأصل نظیر الحدث أثناء الوضوء.

وذکر بعض الأعلام أطال اللّٰه عمره الشریف -بعد بیان أنّ الفرق المزبور بین الریاء والضمیمة المحرّمة مبنی علی أنّ الریاء یوجب بدخوله فی جزء العمل ولو کان جزءاً مستحبّاً بطلان أصل العمل لا بطلان نفس ذلک کما هو الصحیح - فرقاً آخر بین الریاء والضمیمة الأُخری بأنّ الضمیمة الأُخری فیما إذا لم تکن مقصودة،بل فیما إذا انطبق علی المأتی به العنوان المحرّم مع عدم غفلة المکلّف،بل مع التفاته إلی انطباقه علیه تکون موجبة لبطلانها؛ لأنّ المبغوض لا یمکن أن یتقرّب به بخلاف الریاء فإنّه إذا لم یکن داعیاً إلی العمل بوجه،بل مجرد التفات الشخص بأنّ الغیر یری عمله ویحسب العامل نعم العبد من غیر أن یکون ذلک دخیلاً فی عمل المکلّف بوجه لا یوجب بطلان العمل.

ولکن لا یخفی أنّ ما ذکر لا یکون ریاءً فإنّ الریاء فی العمل أن یقصد ذلک العمل بداعویة إراءته للناس کی یحسبوه نعم العبد علی ما تقدّم،بخلاف قصد الضمیمة فإنّ الضمیمة إذا لم یکن أمراً وعنواناً قصدیاً یکون انطباقه علی العمل موجباً لبطلانه فیما إذا لم یکن المکلّف غافلاً عنه کما تقدّم ذلک فی مسألة اجتماع الأمر والنهی،وإذا کان الترکیب بین متعلّق الأمر والنهی انضمامیاً بحیث یمکن الأمر بذلک العمل ترتباً فلا یضرّ بصحّته قصد ذلک الحرام إذا لم یحصل فی قصد التقرّب به خلل کما یأتی.

ص :106

(مسألة 29) الریاء بعد العمل[1]

لیس بمبطل.

(مسألة 30) إذا توضّأت المرأة فی مکان یراها الأجنبیّ لا یبطل وضوءها،وإن کان من قصدها ذلک.[2]

--------------

الریاء بعد العمل

[1]

قد تقدّم أنّ الریاء لا یحصل إلّاحین العمل حیث إنّ الریاء قصد إراءته العمل للغیر لکی یحسبه نعم العبد للّٰه سبحانه،وذکرنا أنّ دخول الریاء فی عمل یوجب بطلانه،وأمّا بعد العمل ووقوعه بعد قصد التقرّب خالصاً فربّما ینقدح فی نفسه حکایة ذلک العمل الغیر إظهاراً عبودیته للّٰه وجلباً لاعتقاد الغیر بکونه خیّراً، وبما أنّ العمل فی ظرفه وقع بالتقرّب والإخلاص فلا موجب لبطلانه بما دلّ علی أنّ الریاء فی العمل أو السمعة فیه حال العمل مبطل له إلّاأنّه لا بأس بالالتزام بأنّ السمعة بعد العمل یوجب نحواً من انحطاط ثوابه،وفی مرسلة علی بن أسباط عن أبی جعفر علیه السلام،أنّه قال:«الإبقاء علی العمل أشد من العمل» قال:وما الإبقاء علی العمل؟ قال:«یصل الرجل بصلة وینفق نفقه للّٰه وحده لا شریک له فکتبت له سرّاً ثم یذکرها فتمحی فکتب له علانیة ثمّ یذکرها فتمحی وتکتب له ریاءً» (1) ولما ذکرنا تحمل علی النحو من إحباط الثواب.

[2]

إن لم ینحصر وضوؤها بالتوضّؤ فی ذلک المکان کان علیها التوضّؤ فی غیره جمعاً بین الوظیفتین ستر بدنها عن الأجنبی والصلاة مع الوضوء،وإذا توضّأت فی المکان المزبور بقصد صلاتها بالوضوء فیصحّ وضوؤها فإنّ الوضوء هو غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین،غایة الأمر أنّها تعصی ربّها بکشف جسدها فی ذلک الموضع فالوضوء غیر متّحد مع المحرّم فلا بأس بالترخیص فی التطبیق علی نحو الترتّب کما هو الحال فی موارد کون الترکیب بین العنوان الواجب والمحرّم انضمامیّاً

ص :107


1- (1)) وسائل الشیعة 1:75،الباب 14 من أبواب مقدّمة العبادات،الحدیث2.

(مسألة 31) لا إشکال فی إمکان اجتماع الغایات المتعدّدة للوضوء،کما إذاکان بعدالوقت وعلیه القضاءأیضاً،وکان ناذراً لمسّ المصحف وأراد قراءة القرآن وزیارة المشاهد،کما لا إشکال فی أنّه إذا نوی الجمیع وتوضّأ وضوءاً واحداً لها کفی،وحصل امتثال الأمر بالنسبة إلی الجمیع،وأنّه إذا نوی واحداً منها أیضاً کفی عن الجمیع وکان أداءً بالنسبة إلیها،وإن لم یکن امتثالاً إلّابالنسبة إلی ما نواه.[1]

--------------

وکذا الحال فیما إذا انحصر الوضوء بالتوضّؤ فی ذلک المکان فإنّه وإن یتعیّن علیه فی الفرض التیمّم لعدم تمکّنها علی الوضوء الموقوف علی کشف بدنها للأجنبی إلّاأنّها إذا کشفت باختیارها عصیان تکلیف الستر فلامانع من الأمر بالوضوء بنحو الترتّب.

ثمّ إنّ الحکم بصحة الوضوء فیما إذا کان وضوؤها أی غسل وجهها ویدیها ومسح رأسها ورجلیها بقصد التقرب والوضوء حقیقة،وأمّا إذا أتی بصورة الوضوء تغطیة لغرضها من إراءة جسدها للأجانب فالوضوء محکوم بالبطلان؛ لعدم قصدها التقرّب فیه کما لا یخفی،وما فی عبارة الماتن من قوله:وإن کان من قصدها ذلک،غیر راجع إلی هذا الفرض.

إمکان تعدد غایات الوضوء

[1]

ذکر قدس سره أنّه یجتمع فیمن کان محدثاً بالأصغر الغایات التی یجب الوضوء لها،أو یستحب لها کما إذا کان بعد الوقت وکان علیه قضاء مافات من یومه أو من غیره وکان قد نذر مس کتابة القرآن وأراد أیضاً قراءة القرآن وزیارة المشاهد حیث تقدّم أنّ قراءة القرآن وزیارة المشاهد من الغایات التی یستحبّ لها الوضوء ولا إشکال فی أنّه إذا توضّأ بداعویة جمیع الغایات المزبورة کفی الوضوء الواحد وحصل الامتثال بالإضافة إلی جمیع الغایات،وأمّا إذا نوی بعضها ولو واحداً منها صحّ وضوءه وجاز بعده الإتیان بجمیع الغایات.

ص :108

..........

وبتعبیر آخر،المعتبر فی صحّة الغایات أو کما له نفس الوضوء القربی،وقد حصل ذلک بالوضوء الواحد ولو بقصد واحد من تلک الغایات،غایة الأمر لا یکون الوضوء المزبور امتثالاً بالإضافة إلی جمیعها،حیث إنّ الامتثال بالإضافة إلی غایة کون الداعی إلی الإتیان تلک الغایة.

وقد یبادر إلی الذهن أنّ الحکم بصحّة الوضوء فیما إذا قصد جمیع الغایات لزوم کون کلّ منها مستقلّة فی الداعویة،فإنّ مع اسقلالها فی الداعویة لا ینبغی التأمّل فی حصول قصد التقرّب المعتبر فی العبادة،وأمّا إذا لم تکن الداعویة إلی التوضّؤ إلّا بمجموعها بحیث لو کانت کلّ من تلک الغایات منفردة لمّا کانت تدعو المکلّف إلی التوضّؤ فإنّ هذا یدخل فیما تقدّم من أنّ الأمر بالعمل إذا لم یکن له داعویّة مستقلّة بل حصلت الداعویّة ولو بضمیمة راحجة أو مباحة لما یحکم بصحّته.

ویجاب عن ذلک:أنّ ما تقدّم فیما إذا لم یکن فی الأمر الموجب لعبادیة عمل داعویة مستقلّة وکانت فی البین ضمیمة راحجة أو مباحة بحیث لا تقتضی الإتیان بالعمل عبادة وتحصل للمکلّف الداعویّة إلی العمل عبادة بمجموعها،وهذا بخلاف المقام،وقد یقال عبادیّة الوضوء لم تنشأ من الغایات الغیریّة،نعم الغایات الغیریّة تدعو إلی الإتیان بالوضوء بنحو العبادة فإنّ الوضوء بما هو أو بالطهارة المسببة عنه عبادة،وقد جعل قیداً للصلاة أو غیرها من الغایات.

وعلی الجملة،فلیست عبادیّة الوضوء أو الطهارة المسبّبة عنه من ناحیة الغایات الغیریة المزبوره،بل من ناحیة الأمر به أو بالطهارة المسبّبة عنه بأمر عبادیّ نفسی ولا یعتبر فی وقوع الوضوء صحیحاً الالتفات إلی هذا الأمر الاستحبابی فإنّ المعتبر فی صحّته وقوعه بنحو إضافة إلی اللّٰه سبحانه ولو مع الجهل بأمره النفسی العبادی،کما فی الإتیان به لغایة من تلک الغایات أو لجمیعها أو لمجموعها حیث إنّ

ص :109

ولا ینبغی الإشکال فی أنّ الأمر متعدّد حینئذ[1]

،وإن قیل:إنّه لایتعدّد وإنّما المتعدّد جهاته،وإنّما الإشکال فی أنّه هل یکون المأمور به متعدّداً أیضاً،وأنّ کفایة الوضوء الواحد من باب التداخل،أو لا بل یتعدّد،ذهب بعض العلماء إلی الأوّل وقال:إنّه حینئذ یجب علیه أن یعیّن أحدها،وإلّا بطل؛ لأنّ التعیین شرط عند تعدّد المأمور به.

--------------

التوضّؤ لمجموعها نحو إضافة للوضوء إلی اللّٰه سبحانه.

زأقول :إذا کان المکلّف ملتفتاً إلی الاستحباب النفسی للوضوء ولم یکن للأمر المزبور داعویّة إلی التوضّؤ،بل الموجب له کان مجموع تلک الغایات الغیریّة فاللازم الحکم ببطلان الوضوء؛ لأنّ الأمر الموجب لعبادیة الوضوء لم یکن له داعویة إلی التوضّؤ علی الفرض کما إذا غسل المکلّف وجهه ویدیه ومسح رأسه ورجلیه بداعویة الإتیان بالصلاة الأدائیّة والقضائیّة ومسّ کتابة القرآن بنحو المجموع، والصحیح فی الجواب ما تقدّم من أنّ المراد من الضمیمة ما لا یقتضی الإتیان بالعمل علی الوجه القربی کتعلیم الوضوء،وذکرنا أیضاً أنّ الضمیمة المزبورة إذا فرضت کونها داعیة إلی داعویة الأمر صحّ العمل،فتدبّر.

[1]

شرع قدس سره فی بیان الأمر فی حال اجتماع الغایات علی المحدث بالأصغر وذکرأنّه لا ینبغی الإشکال فی أنّ کلّ غایة یقتضی تعلّق أمر بالوضوء،وإن قیل إنّ الأمر المتعلّق بالوضوء عند اجتماعهما أمر واحد،والتعدّد فی جهات الأمر أی العناوین الموجبة لتعلّق الأمر؛ لکون الوضوء مقدّمة لصلاة أدائیّة ومقدّمة لصلاة قضائیّة أو مقدّمة للإتیان بالمنذور أو القراءة الکاملة والزیارة الکاملة للمشاهد،وإنّما الإشکال فی أنّ المتعلّق فی کلّ من تلک الأوامر غیر المتعلّق فی الأمر الآخر،نظیر الأمر بالاغتسال یوم الجمعة لکل من غسل الجمعة والجنابة والعید،فیکون الاکتفاء

ص :110

..........

بالوضوء الواحد من باب تداخل المسبّبات نظیر التداخل یوم الجمعة فی الأغسال أو أنّ متعلّق الأوامر الغیریّة للوضوء لا یتعدّد،بل تتعدّد جهات الأمر به أو نفس الأمر به.

ویتفرّع علی ذلک أنّه لو قیل بتعدّد المأمور به فلا یجزی الوضوء مع اجتماع الغایات من غیر تعیین غایة أو جمیعها عند التوضّؤ،کما إذا توضّأ قربة إلی اللّٰه من غیر تعیین غایة الأمر،فإنّ ما علی المکلّف عن الفعل إذا کان متعدّداً کما إذا دخل الظهر وکان علیه قضاء صلاة الظهر من السابق أو من غیره فیتعیّن علیه أنّ یعیّن أنّ ما یأتی به ظهراً أدائیّة أو أنّها قضائیّة،وإلّا بطل.

وأمّا إذا قیل بأنّ المأمور به مع تعدّد الغایات لا یتعدّد،بل التعدّد فی نفس الأمر بالوضوء أو فی جهات الأمر فیحکم بصحّة التوضّؤ قربة إلی اللّٰه وإن لم یعیّن غایة؛ لعدم التعدّد فی المأمور به علی الفرض.

أقول :قد تقدّم أنّ الوضوء المشروط بها الصلاة أداءً وقضاءً فی مسّ المصحف جوازاً أو وجوباً،وکذا المستحبّ؛ لدخول المشاهد وقراءة القرآن حقیقة واحدة لا تعدّد فیه من حیث النوع،کما أنّه لا تعدّد فی التوضّؤ من حیث الجهات التقییدیّة، بل نفس الوضوء القربی قید للصلاة ونحوها أو بما یحصل به الطهارة،وعلیه فلو لم یلتزم بالوجوب الغیری للمقدّمة فلیس للوضوء إلّاالأمر الاستحبابی النفسی بما هو أو بما یحصل به الطهارة،سواء کان قبل الوقت أو بعده،وصحّته بقصد غایة أو جمیع الغایات لا لحصول امتثال أمره الغیری أو أوامر الغیری،بل لحصول قصد التقرّب المعتبر فی کونه طهارة أو یحصل به الطهارة.

وعلیه فلا تعدّد فی ناحیة الأمر به ولا فی ناحیة نفس الوضوء حیث إنّ القید فی جمیع موارد الغایات نفس غسل الوجه والیدین مسح الرأس والرجلین بنحو

ص :111

..........

القربی من المحدث بالأصغر فلا یرتبط المقام بمسألة التداخل فی المسبّبات المفروض فیه تعدد الشیء بالعناوین التقییدیة القصدیة،وکذا لو قیل بالوجوب الغیری للمقدّمة وإنّ ذلک الوجوب یتعلّق بذات المقدّمة فإنّه فی هذا الفرض بما أنّ عنوان المقدّمة عنوان تعلیلی ویتعلّق الوجوب الغیری بذات المقدّمة یکون فی الوضوء عند اجتماع الغایات الملاکات المتعدّدة للوجوب الغیری المعلّق بصرف وجود الوضوء بالنحو القربی حیث إنّ الطهارة من المحدث بالأصغر لا یحصل أو لا یکون إلّابصرف الوجود من الوضوء،وهذا یکون من باب التداخل فی الأسباب لا محالة.

وعلی الجملة،التعدّد فی الأمر یعقل فیما إذا تعدّد المتعلّق فی کلّ من الأوامر ولو فی عنوانه التقییدی،وهذا غیر حاصل فی المقام،نعم لو قیل بتعلّق الوجوب الغیری بالمقدّمة التی قصد بها التوصل إلی ذیها أو بالمقدّمة الموصلة للواجب فمتعلّق الوجوبات الغیریة وإن یختلف بقصد التوصل أو الإیصال إلّاأنّ عدم قصد غایة معیّنة لا یوجب بطلان الوضوء حیث إنّ صحّة الوضوء وما هو دخیل فیه هو الإتیان بالغسلات والمسحات بقصد قربی،وقصد القربة یحصل بقصد غایة أو إیصال لا علی التعیین.

والحاصل أنّ المحدث بالأصغر إذا توضّأ وضوءاً واحداً بنحو قربی یحصل ما هو الشرط فی صحّة الصلاة ونحوها،وما هو الشرط فی کمال قراءه القرآن ونحوها.

نعم،لو نذر الوضوء بامتثال خاصّ بقصد غایة معیّنة فتوضّأ لغیرها صحّ وضوؤه ولکن یحصل الحنث؛ لعدم الوفاء بنذره بالإتیان بالمنذور،وقد تقدّم الکلام فی ذلک.

ص :112

وذهب بعضهم إلی الثانی،وأنّ التعدّد إنّما هو فی الأمر أو فی جهاته، وبعضهم إلی أنّه یتعدّد بالنذر ولا یتعدّد بغیره،وفی النذر أیضاً لا مطلقاً بل فی بعض الصور،مثلاً إذا نذر أن یتوضّأ لقراءة القرآن،ونذر أیضاً أن یتوضّأ لدخول المسجد،فحینئذ یتعدّد[1]

،ولا یغنی أحدهما عن الآخر،فإذا لم ینوِ شیئاً منهما لم یقع امتثال أحدهما،ولا أداؤه،وإن نوی أحدهما المعیّن حصل امتثاله وأداؤه، ولا یکفی عن الآخر،وعلی أیّ حال وضوؤه صحیح؛ بمعنی أنّه موجب لرفع الحدث،وإذا نذر أن یقرأ القرآن متوضّئاً،ونذر أیضاً أن یدخل المسجد متوضّئاً فلا یتعدّد حینئذ،ویجزی وضوء واحد عنهما،وإن لم ینوِ شیئاً منهما ولم یمتثل أحدهما،ولو نوی الوضوء لأحدهما کان امتثالاً بالنسبة إلیه وأداءً بالنسبة إلی الآخر،وهذا القول قریب.

--------------

وعلی الجملة،فقصد غایة معیّنة فی المقام لیس لحصول ذات الواجب وکونه عنواناً قصدیّاً،بل لحصول قصد التقرّب وقصد التقرّب یحصل بغیر قصد الغایة وبقصد الغایة لا علی التعیین کما تقدّم.

[1]

إذا نذر أن یتوضّأ عند الحدث الأصغر لقراءة القرآن ونذر أیضاً أن یتوضّأ عند الحدث لدخول المساجد فتوضّأ عند الحدث لکلّ من قراءة القرآن ودخول المساجد حصل الامتثال بالإضافة إلی وجوب الوفاء بکلّ من النذرین.

وإذا نوی أحدهما دون الآخر حصل الامتثال والأداء بالإضافة إلی ما نوی ولم یحصل الأداء بالإضافة إلی الآخر.

نعم،إذا نذر أن یتوضّأ عقیب الحدث وضوءین أحدهما للقراءة والثانی لدخول المساجد،ففی صحّة النذر الثانی تأمّل،حیث إنّ المستحبّ دخول المساجد تطهّراً إلّا تجدید الوضوء لدخولها.

نعم،لو نذر أن یجدّد الوضوء عند الدخول فی المساجد صحّ نذره؛ لأنّ تجدید

ص :113

(مسألة 32) إذا شرع فی الوضوء قبل دخول الوقت وفی أثنائه دخل[1]

لا إشکال فی صحّته،وأنّه متّصف بالوجوب باعتبار ما کان بعد الوقت من أجزائه، وبالاستحباب بالنسبة إلی ما کان قبل الوقت،فلو أراد نیّة الوجوب والندب نوی الأوّل بعد الوقت والثانی قبله.

--------------

الوضوء ثانیاً مستحبّ حتّی ما إذا أراد دخول المساجد علی ما تقدّم.

فی نیة الوجوب والندب

[1]

خلافاً للعلّامة (1) علی ما حکی عنه حیث حکم ببطلانه حیث إنّه لا یمکن أن یتعلّق به الأمر الاستحبابی؛ لعدم تمکّن المکلّف من إتمامه قبل الوقت کما لا یمکن أن یتعلّق به الوجوب حیث إنّ الوجوب یحدث بدخول الوقت ویتعلّق بالوضوء التامّ.

ولکن الصحیح هو الحکم بالصحّة کما فی المتن فإنّه لو قیل بعدم وجوب المقدّمة أصلاً بوجوب مولوی غیری کما اخترناه،فالوضوء بما هو أو بما یحصل به الطهارة مستحبّ نفسیّ تعبّدیّ قبل دخول الوقت وبعده،غایة الأمر الوضوء المزبور قید للصلاة وغیرها.

وإذا بنی علی تعلّق الوجوب الغیری به بدخول الوقت وأنّه لا مانع عن تعلّق الاستحبات النفسیّ به حتّی بعد دخول الوقت مع تعلّق الوجوب الغیریّ به بعد دخولها حیث إنّ ثبوت الاستحباب النفسیّ بعد دخولها له أثر وهو استحقاق المثوبة لنفس الوضوء ولو لم یقصد المکلّف الإتیان بالصلاة أو غیرها ممّا هو مشروط به فی صحّته أو کماله فالأمر ظاهر،نظیر ما یقال من ثبوت الوجوب النفسیّ والوجوب

ص :114


1- (1)) نهایة الأحکام 1:33.

..........

الغیریّ لصلاة الظهر بما هی صلاة الظهر وبما هی شرط فی صحّة صلاة العصر، ولا یکون ذلک من اجتماع المثلین فی شیء؛ لأن الوجوب والاستحباب کلّ منهما حکم یکون مصحّح اعتباره هو الأثر وعدم اللغویّة.

وإن قیل باندکاک الحکمین وثبوت حکم واحد وإن کان أحدهما نفسیّاً والآخر غیریّاً فالأمر أیضاً کذلک فإنّه لا یختلف الاستحباب والوجوب إلّاثبوت الترخیص فی الترک فی الأوّل دون الثانی،وعلیه فما دام لم یدخل الوقت یتعلّق بالوضوء الطلب ویثبت الترخیص فی ترکه إلی دخول الوقت ولو أراد فیه خصوص الوجوب والندب نوی الندب إلی دخول الوقت والوجوب بعد دخوله لعدم ثبوت الترخیص فی ترکه بعده فهذا نظیر ما إذا دخل فی صلاة الظهر بعد دخول الوقت وصار بالغاً أثناءها بإکمال سنته الخامسة عشرة فإنّه یدخل فیها بقصد الاستحباب بناءً علی مشروعیّة عباداته وتیمّمها بعد بلوغه بنیّة وجوبها.

بل لو قیل ببقاء الاستحباب النفسی بعد دخول الوقت وتعلّق الوجوب الغیری أیضاً به بدخول الوقت یجوز أن یتوضّأ بقصد الاستحباب إلی دخولها ویتمّ الوضوء بنیّة الوجوب الغیری أو بقصد الصلاة؛ لأنّ المشروط وهی الصلاة یعتبر فیها الوضوء القربی بما هو طهارة أو تحصل به الطهارة ویکون الدخول فیها بقصد الاستحباب وإتمامه بنیّة الوجوب الغیری من قصد التقرّب به کما لا یخفی.

لا یقال :کیف یمکن الالتزام بالاستحباب بعد دخول الوقت مع أنّه لا یجوز ترکه.

فإنّه یقال :الترخیص فی ترکه بما هو لا ینافی مع عدم الترخیص فی ترک الصلاة المتقیّدة به فعدم الالتزام بالوجوب الغیری أو الالتزام به لا ینافی الالتزام ببقاء الاستحباب النفسیّ کما لا یخفی.

ص :115

(مسألة 33) إذا کان علیه صلاة واجبة أداءً أو قضاءً،ولم یکن عازماً علی إتیانها فعلاً،فتوضّأ لقراءة القرآن،فهذا الوضوء متّصف بالوجوب،وإن لم یکن الداعی علیه الأمر الوجوبی،فلو أراد قصد الوجوب والندب لابدّ أن یقصد الوجوب الوصفیّ والندب الغائیّ[1]

؛ بأن یقول:أتوضّأ الوضوء الواجب امتثالاً للأمر به لقراءة القرآن هذا،ولکن الأقوی أنّ هذا الوضوء متّصف بالوجوب والاستحباب معاً،ولا مانع من اجتماعهما.

--------------

[1]

کان مراده إذا لم یکن عند توضّئه عازماً للصلاة بذلک الوضوء لا أداءً ولا قضاءً،بل یکون قصده القراءة به یکون الداعی إلی ذلک الوضوء الغایة المندوبة وإذا أراد قصد الوجوب والندب فی هذا الفرض فلا بأس أن یصف الوضوء المزبور بالوجوب الغیریّ الوصفیّ بأن یقول أتوضّأ للأمر به للقراءة والوضوء المزبور واجب غیری.

وبتعبیر آخر،بما أنّ الوضوء المزبور لم یقصد به الصلاة فلا یکون الوجوب الغیری المتعلّق به داعیاً إلی الإتیان وبما أنّ الوضوء المزبور لا یمکن أن یکون مستحبّاً غیریاً بحدّ الاستحباب فلا یمکن توصیفه بالندب الغیری،ولکن الصحیح عنده تعدّد الأمر فی الوضوء عند اجتماع الغایات فعلیه یمکن أن یوصف الوضوء المزبور بالوجوب الغیریّ و بالندب الغیری معاً.

أقول: قد تقدّم أنّ الداعی إلی الوضوء إذا کان غایة یکفی قصد تلک الغایة فی وقوع الوضوء بالنحو القربی فیصحّ حیث إنّه بنفسه مشروع فیکون طهارة من المحدث بالأصغر،وبما أنّ الطهارة شرط للصلاة وغیرها من الغایات فیصحّ الإتیان بها بتلک الطهارة،وأمّا الوجوب الغیری أو الاستحباب الغیری فثبوته مبنیّ علی الملازمة،وأشرنا إلی أنّها غیر ثابتة وعلی تقدیرها فلا یکون مقدّمیّة الوضوء للغایات الواجبة أو المستحبّة مصحّحة لثبوت الوجوبات والاستحبابات الغیریّة المتعدّدة به لکون عنوان المقدّمیّة من الجهات التعلیلیة لا التقییدیة والمصحّح لثبوت التکالیف

ص :116

(مسألة 34) إذا کان استعمال الماء بأقلّ ما یجزی من الغسل غیر مضرّ واستعمال الأزید مضرّاً یجب علیه الوضوء کذلک،ولو زاد علیه بطل[1]

،إلّاأن یکون استعمال الزیادة بعد تحقّق الغسل بأقلّ المجزئ،وإذا زاد علیه جهلا أو نسیاناً لم یبطل،بخلاف ما لو کان أصل الاستعمال مضرّاً وتوضّأ جهلاً أو نسیاناً، فإنّه یمکن الحکم ببطلانه؛ لأنّه مأمور واقعاً بالتیمّم هناک بخلاف ما نحن فیه.

--------------

المتعدّدة فی واحد تعدّد العناوین التقییدیّة فیه وإلّا فتعدّد الملاک یوجب تأکّد الحکم.

إذا أضرّه استعمال الماء الأزید

[1]

الزیادة علی أقلّ ما یجزی یتصوّر علی وجهین:

الأوّل: أن یتحقّق الغسل بأقلّ ما یجزی أوّلاً ثمّ زاد علیه بما یضرّه سواء کان الزیادة کذلک بعد تمام غسل العضو التام أو بعد غسل أبعاضه بأن یزید علی کلّ بعض من العضو المغسول بمقدار المجزی قبله ففی هذه الصورة یحکم بصحّة الوضوء فیما إذا لم یوجب الغسل کذلک فقد شرط آخر من شرایط الوضوء کالمسح بالبلة من الغسل الزائدة المحرّمة.

الثانی: أن یکون الغسل العضو بالماء الزائد علی المقدار المجزی قبل أن یحصل أصل الغسل بأن یکون أصل الغسل بذلک الغسل الزائد علی المقدار المجزی،ففی هذه الصورة إن کان الضرر بحیث یحرم إدخاله علی النفس فلا إشکال فی بطلان ذلک الوضوء؛ لأنّ المحرّم لا یمکن أن یتقرّب به فالأمر باستحباب الوضوء من المحدث بالأصغر وکذلک الأمر بالصلاة المتقیّدة بالوضوء مقیّد بغیر هذا الوضوء غیر فرق بین صورة العلم أو الجهل فی مقابل الغفلة والنسیان کما ذکرنا مراراً بخلاف صورة الغفلة أو النسیان فإنّ عدم ثبوت الحرمة فی صورة الغفلة أو النسیان کما هو مقتضی حدیث رفع النسیان بقاء الإطلاق فی الأمر بالوضوء استحباباً أو الأمر

ص :117

(مسألة 35) إذا توضّأ ثمّ ارتدّ لا یبطل وضوءه[1]

،فإذا عاد إلی الإسلام --------------

بالصلاة المتقیّدة بالوضوء بحاله فیحکم بصحّته،ولا فرق فی الحکم بالصحّة مع الغفلة والنسیان فی هذا الفرض وبالبطلان مع العلم والجهل وبین الحکم بالصحّة مع الغفلة والنسیان فی فرض کون أصل الغسل ضرریّاً و بالبطلان فی فرض العلم والجهل حیث إنّ مع الغفلة و النسیان لا بأس بالأمر بالوضوء لفرض عدم حرمة الإضرار بالغسل ولو لغفلة المکلّف أو نسیانه هذا کلّه مع فرض الضرر المحرّم إیراده علی النفس،وأمّا مع عدم کونه أمراً محرّماً وإن ینتفی وجوب الوضوء بقاعدة نفی الضرر فالوضوء فی جمیع الفروض محکوم بالصحة حیث إنّ غایة مفاد قاعدة نفی الضرر نفی وجوب الوضوء لا نفی مشروعیته المستفادة ممّا دلّ علی مطلوبیة الوضوء للمحدث بالأصغر کقوله سبحانه: «إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ التَّوّٰابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ » (1) ومع کون الوضوء مشروعاً وطهارة ومع وضوء المکلّف وحصول الطهارة له یخرج عن الموضوع فی آیة «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاٰةِ » (2) حیث إنّه خطاب للمحدث کما هو ظاهر.

ثمّ إنّ فی موارد الجهل بالضرر بمعنی احتماله فإن کان فی البین خوف منه یکون وظیفة المکلّف الاقتصار بأقلّ الغسل فی الصورة الأُولی والتیمّم فی الصورة الثانیة یعنی ما إذا احتمل کون أصل الغسل ضرریاً،فإنّ الخوف طریق عقلائی فی إحراز الضرر فیما إذا کان الضرر ممّا یحرم إدخاله علی النفس کما لا یخفی.

إذا توضّأ ثمّ ارتدّ

[1]

وذلک فإنّ الارتداد لیس من نواقض الوضوء علی ما یقتضیه ما ورد فی

ص :118


1- (1)) سورة البقرة:الآیة222.
2- (2)) سورة المائدة:الآیة 6.

لا یجب علیه الإعادة،وإن ارتدّ فی أثنائه ثمّ تاب قبل فوات الموالاة لا یجب علیه الاستئناف.نعم،الأحوط أن یغسل بدنه من جهة الرطوبة التی کانت علیه حین الکفر.وعلی هذا،إذا کان ارتداده بعد غسل الیسری وقبل المسح ثمّ تاب یشکل المسح؛ لنجاسة الرطوبة التی علی یدیه.

(مسألة 36) إذا نهی المولی عبده عن الوضوء فی سعة[1]

الوقت إذا کان مفوّتاً لحقّه فتوضّأ یشکل الحکم بصحّته،وکذا الزوجة إذا کان وضوؤها مفوّتاً لحقّ الزوج،والأجیر مع منع المستأجر وأمثال ذلک.

--------------

حصر النواقض بما تقدّم فی بحثها ولا یحتاج فی إثبات بقاء الطهارة من الحدث إلی استصحابها کی یشکل بأنّ الاستصحاب فی الشبهة الحکمیة لا اعتبار به،ومنه یعلم الحال ما إذا إرتدّ فی أثناء الوضوء ثمّ تاب فإنّه لا یحتاج إلی استیناف ما حصل من الوضوء قبل الارتداد لعدم کونه من الحدث أثناء الوضوء وعدم صحّة الصلاة حال الارتداد لا لحدث المرتد،بل لعدم شرط صحّة العمل من إسلامه أو قصد التقرّب فی الإتیان بها؛ ولذا تبطل العبادة حال الارتداد ولو لم تکن تلک العبادة مشروطة بالطهارة،وعلی ذلک فلوتاب عن ارتداده وأتی ببقیّة الوضوء مع عدم فوت الموالاة صحّ.

نعم،لو قیل بتنجّس الرطوبة التی کانت علی أعضائه بالارتداد مطلقاً أو فیما إذا لم یکن ارتداده بصیرورته یهودیّاً أو نصرانیّاً أو مجوسیّاً وعدم طهارتهما بالتبع برجوعه إلی الإسلام لوجب تطهیر تلک الأعضاء من تلک الرطوبة،وعلیه یشکل المسح بالبلّة الباقیة علی کفّیه إذا ارتدّ بعد تمام الغسل وقبل المسح.

إذا نهی المولی عبده عن الوضوء

[1]

والوجه فی الحکم ببطلان وضوء العبد فی سعة الوقت مع نهی مولاه وأمره فی ذلک الوقت بعمل یکون من خدمته له هو أنّ العبد ملک لمولاه فیکون وضوءه

ص :119

(مسألة 37) إذا شکّ فی الحدث بعد الوضوء بنی علی بقاء الوضوء[1]

،إلّا إذا کان سبب شکّه خروج رطوبة مشتبهة بالبول ولم یکن مستبرئاً،فإنّه حینئذ یبنی علی أنّها بول وأنّه محدث،وإذا شکّ فی الوضوء بعد الحدث یبنی علی بقاء الحدث،والظنّ الغیر المعتبر کالشکّ فی المقامین،وإن علم الأمرین وشکّ فی المتأخّر منهما بنی علی أنّه محدث إذا جهل تاریخهما،أو جهل تاریخ الوضوء، وأمّا إذا جهل تاریخ الحدث وعلم تاریخ الوضوء بنی علی بقائه،ولا یجری استصحاب الحدث حینئذ حتّی یعارضه؛ لعدم اتّصال الشکّ بالیقین به حتّی یحکم ببقائه،والأمر فی صورة جهلهما أو جهل تاریخ الوضوء وإن کان کذلک،إلّا أنّ مقتضی شرطیّة الوضوء وجوب إحرازه،ولکنّ الأحوط الوضوء فی هذه الصورة أیضاً.

--------------

المزبور تصرّفاً فی ملک مولاه فیبطل،ولکن وضوء الزوجة فیما إذا ترکت طاعة زوجها فإنّ وضوءها یکون ضدّاً لما هو الواجب علیها،والأمر بالشیء لا یقتضی النهی عن ضدّه الخاصّ ولیس بدن الزوجة ملکاً للزوج حتّی یجری فی وضوئها ما تقدّم فی وضوء العبد،وکذا الحال فی وضوء الأجیر للغیر فإنّ وضوءه صحیح حتّی مع منع المستأجر فإنّ المستأجر یملک العمل المستأجر علیه،سواء کان ذلک العمل من قبیل الکلّیّ علی العهدة أو من المنفعة الخاصّة کخیاطة أو جمیع منافعه حیث إنّ الوضوء خارج عن تلک المنافع وضدّ خاصّ لها کما لا یخفی.

وبتعبیر آخر،یکون مورد التملیک فی الأجیر العام صرف قابلیته فیما یطلب منه المستأجر لا نفس القابلیة فیکون صرفها فی الوضوء ضدّاً خاصّاً لما وقع علیه الإجارة.

إذا شکّ فی الحدث بعد الوضوء

[1]

إذا علم الوضوء وشکّ فی الحدث بعده یجری الاستصحاب فی ناحیة

ص :120

..........

عدم صدور الحدث وقد حکم الشارع ببقاء الوضوء وعدم انتقاضه إلّابصدوره، وکذلک إذا علم الحدث وشکّ فی الوضوء فإنّه یجری الاستصحاب فی ناحیة عدم الوضوء فیحکم بکونه محدثاً حیث إنّ الشارع قد جعل ممّن صدر منه أحد نواقضه رافع حدثه الوضوء کما تقدّم،والمراد بالشکّ عدم إحراز البقاء والارتفاع بوجه معتبر فالظنّ فیما إذا لم یکن معتبراً کما إذا لم یصل إلی حد الوثوق والاطمینان فهو شکّ حیث إنّ المراد به خلاف العلم کما تقرّر فی بحث الاستصحاب من علم الأُصول.

وإذا علم بالوضوء والحدث وشکّ فی المتقدّم والمتأخّر منهما فقد ذکر قدس سره أنّه یحکم بکونه محدثاً فی الصورتین:إحداهما:الجهل بتاریخهما.وثانیتهما:الجهل بتاریخ الوضوء خاصّة،بأن یعلم تاریخ الحدث فإنّه یجری فی الثانیة الاستصحاب فی ناحیة بقاء الحدث وعدم الوضوء بعده بلا معارض حیث إنّه لا مجال للاستصحاب فی ناحیة بقاء الوضوء؛ لعدم إحراز اتّصال الشکّ فی بقاء الوضوء بزمان التعیّن به.

وأما فی صورة الجهل بتاریخهما فإنّ الاستصحاب وإن لا یجری فی ناحیة شیء من الحدث والوضوء إلّاأنّ الوضوء بما هو شرط وقید للصلاة فلابدّ فی إحراز سقوط تکلیف بالصلاة بالوضوء من إحرازه.

وممّا ذکر یظهر أنّ تعلیل لزوم الوضوء بإحراز الشرط یختصّ بصورة الجهل بتاریخهما،وأمّا مع الجهل بخصوص تاریخ الوضوء فلزومه لإحراز الحدث ویحکم بکونه علی وضوء فی صورة واحدة،وهی ما إذا علم تاریخ الوضوء وجهل تاریخ الحدث فإنّ الاستصحاب یجری فی ناحیة بقاء الوضوء ولا یجری فی ناحیة

ص :121

..........

الحدث؛ لعدم إحراز اتصال الشکّ فی الحدث بزمان الیقین به.

ثمّ ذکره قدس سره أنّ الأحوط أی استحباباً أتوضّأ للصلاة أو لغیرها من الغایات.

أقول :قد ذکرنا فی بحث الأُصول أنّ خطابات الاستصحاب یشمل کلّ مورد احتمل البقاء فیما علم وجوده وأُحرز حدوثه،وأمّا اعتبار الأزید من ذلک بأن أُحرز المشکوک زمانه متّصل بالزمان الواقعی للمتیقّن فلا یستفاد ذلک من شیء من تلک الخطابات،ولو کان هذا أمراً معتبراً فی جریانه لزم عدم جریان الاستصحاب فی شیء من الوضوء و الحدث مع الجهل بتاریخهما وإن لا یجری الاستصحاب فی ناحیة بقاء المجهول تاریخه منهما کما علیه الماتن قدس سره وعلی ما ذکرنا تقع المعارضة بین الاستصحاب فی ناحیة بقاء الحدث والوضوء فی جمیع الصور الثلاث وعلی المکلّف التوضّؤ فیها لإحراز کون صلاته بالوضوء بمقتضی قاعدة الاشتغال.

وممّا ذکرنا یظهر فساد تفصیل آخر فی المسألة وهو أنّه إذا جهل حال المکلّف قبل الحدث والوضوء المفروض الشکّ فی المتقدّم والمتأخّر منهما یبنی علی ما تقدّم،وأمّا إذا علم الحالة السابقة علیهما بمایؤخذ بضدّها فإنّ الحالة السابقة علیهما إن کان هو الحدث فقد انتقض وارتفع بالوضوء المزبور یقیناً،ولکن یحتمل بقاء ذلک الوضوء وعدم انتقاضه بالحدث بعده لاحتمال تعاقب الحدثین،ولو کانت الحالة السابقة علیهما هی الطهارة فقد انتقضت تلک الطهارة بالحدث بعده ویحتمل عدم ارتفاع الحدث لتعاقب الوضوءین.

ووجه الظهور أنّ للمکلّف فی کلتا الصورتین علم آخر وهو کونه محدثاً عند حدوث الناقض المفروض علمه به وبالوضوء ویحتمل بقاء الحدث الذی کان عند صدور ذلک الناقض من البول أو غیره،وکذلک الحال فی فرض کون الحالة السابقة علیها هی طهارة فإنّه یعلم بکونه علی الطهارة عند التوضّؤ الثانی فیحتمل بقاء تلک

ص :122

..........

الطهارة لاحتمال کونها بعد الحدث.

وعلی الجملة،کما ذکرنا لا یعتبر فی جریان الاستصحاب إلّاالعلم بشیء واحتمال بقائه الکافی فیه احتمال اتّصال زمان شکّه بزمان الیقین،ولا یعتبر فی جریانه إحراز هذا الاتّصال کما لا یخفی.

وعلی الجملة،لیس المستصحب شخص الحدث قبل الحالتین لیقال بأنّ ارتفاعه معلوم،بل الشخص الذی کان حاصلاً عند التبوّل مثلاً حیث من المحتمل کونه بعد الوضوء فیحتمل بقاؤه فعلاً ویعبّر عن ذلک باستصحاب الکلّی علی ما أوضحناه فی بحث الأُصول.

بقی فی المقام أمر وهو أنّ المنسوب (1) إلی السیّد بحر العلوم قدس سره أنّه إذا علم تاریخ الوضوء وشکّ فی تاریخ الحدث یحکم بکون المکلّف محدّثاً عکس ما ذکره الماتن قدس سره وذکر فی وجه ذلک أنّه مع الجهل بتاریخ الحدث یجری فیه أصالة تأخّر الحادث،بخلاف الوضوء فإنّه مع العلم بتاریخه لا مجری فیه لأصالة تأخّره.

أقول :یلزم علیه أنّه لو علم تاریخ الحدث وشکّ فی تاریخ الوضوء أن یحکم بکونه علی وضوء لأصالة تأخّر الحادث یعنی الوضوء،ولکن من المقرّر فی محلّه أنّه إن کان المراد من أصالة تأخّر الحادث عدم حدوثه إلی زمان حدوث الآخر فهذا الاستصحاب یجری فیما کان؛ لعدم الشیء إلی زمان حدوث الآخر أثر کما إذا صار الماء کرّاً وشک فی ملاقاته النجاسة قبل صیرورته کرّاً،وفیما نحن فیه لا أثر لعدم الحدث إلی زمان الوضوء وإن کان المراد إثبات حدوثه بعد زمان حدوث الآخر فهذا الاستصحاب مثبت لأنّ عدم حدوث الحدث إلی زمان الوضوء واقعاً یلزمه عقلاً

ص :123


1- (1)) نسبه فی جواهر الکلام 2:353،الدرة النجفیة:23.

(مسألة 38) من کان مأموراً بالوضوء من جهة الشکّ فیه بعد الحدث إذا نسی وصلّی فلا إشکال فی بطلان صلاته[1]

بحسب الظاهر،فیجب علیه الإعادة إن تذکّر فی الوقت،والقضاء إن تذکّر بعد الوقت،وأمّا إذا کان مأموراً به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسیه وصلّی یمکن أن یقال بصحّة صلاته من باب قاعدة الفراغ،لکنّه مشکل،فالأحوط الإعادة أو القضاء فی هذه الصورة أیضاً،وکذا الحال إذا کان من جهة تعاقب الحالتین والشکّ فی المتقدّم منهما.

--------------

وقوعه بعد الوضوء کما هو فرض تعاقب الحالتین هذا مع أنّ معلومیّة تاریخ الوضوء لا ینافی جریان أصالة تأخّره عن الحدث فیتعارضان.

من نسی و صلّی بالوضوء المشکوک فیه بعد الحدث

[1]

یمکن أن یستند القائل بالبطلان إلی أحد وجهین:

أحدهما:أنّ استصحاب الحدث وعدم الوضوء قبل الصلاة مقتضاه العلم ببطلان الصلاة منه بلا وضوء،وإذا نسی وصلّی ثمّ التفت إلی أنّه لم یتوضّأ بعد الاستصحاب المزبور فلا مورد لقاعدة الفراغ؛ لأنّه یعلم ببطلان صلاته تعبّداً.

وبتعبیر آخر الاستصحاب الجاری قبل الصلاة ینفی الشک فی الصحّة بعد العمل الموضوع فی قاعدة الفراغ.

وثانیهما:أنّ الشکّ فی الصحّة الحادث بعد الفراغ موضوع لقاعدة الفراغ والشکّ فی الصحّة لم یحدث بعد العمل عرفاً،بل کان الشکّ السابق الذی کان قبل العمل وعاد إلی القوّة الذاکرة بعد العمل.

والصحیح من الوجهین هو الثانی؛ لأنّ الاستصحاب السابق قد انقطع بحدوث النسیان ویعتبر فی جریانه فعلیه الشکّ والیقین.

ومن هنا یعلم أنّه یحکم ببطلان الصلاة فی الفرض الثانی أیضاً بأن کان مأموراً بالوضوء قبل الصلاة من جهة الجهل بالحالة السابقة أو لتعاقب الحالتین،فإنّ مع

ص :124

..........

غفلته وصلاته ثمّ تذکّره وإن یشکّ فی صحّة تلک الصلاة إلّاأنّ الشکّ المزبور لم یحدث بعد العمل،وإنّما هو بعینه الشکّ السابق ولو بنظر العرف،کما لا یخفی.

ثمّ إنّ الحکم بإعادة الصلاة فی وقتها فی کلا الفرضین ممّا لا ینبغی التأمّل فیها.

وأمّا إذا تذکّر حاله بعد خروج الوقت فالحکم بوجوب القضاء فیهما لا یخلو عن إشکال فإنّ قاعدة الفراغ وإن لا تجری فی شیء من الفرضین کما تقدّم إلّاأنّ الموضوع لوجوب القضاء فوت الفریضة فی وقتها وبالاستصحاب فی بقاء الحدث عندما کان یصلّی أو بقاعدة الاشتغال الموجبة للتوضّؤ لإحراز الصلاة مع الوضوء لا تثبت فوت الفریضة فی وقتها بعد ذلک.

اللٰهمّ إلّاأن یقال إنّ الصلاة بلا وضوء کالنوم عن صلاة فی وقتها موضوع لوجوب قضائها وباستصحاب عدم الوضوء عندما کان یصلّی یحرز أنّه صلّی بلا وضوء الموضوع لوجوب قضائها أو أنّ الصلاة بلا وضوء فرد من فوتها،وبهذا أمکن التفصیل بین الفرض الأوّل والثانی کما لا یخفی.

لا یقال :لا موجب للتقیید فی نفی القضاء بما إذا تذکّر المکلّف بعد خروج وقت الصلاة،بل إذا تذکّر قبل خروجه أیضاً یکون مقتضی البراءة نفی وجوب الإعادة فیما إذا لم یجرِ الاستصحاب فی ناحیة الحدث للجهل بالحالة السابقة أو للعلم بالحدث والطهارة والشکّ فی المتقدّم والمتأخّر منهما کما هو مقتضی إنکار قاعدة الاشتغال وإنکار جریان الاستصحاب فی الشبهات الموضوعیة فی ناحیة نفس الحکم الشرعی الجزئی والالتزام بأنّه إنّما یجری فی ناحیة الموضوع لذلک الحکم وجوداً أو عدماً.

فإنّه یقال :التذکّر قبل الوقت موجب للزوم الإعادة حتّی بناءً علی إنکار قاعدة الاشتغال فی غیر موارد العلم الإجمالی وإنکار الاستصحاب فی نفس الحکم الشرعی؛ لأنّ المستفاد من صحیحة زرارة والفضیل عن أبی جعفر علیه السلام أنّ الشکّ فی

ص :125

(مسألة 39) إذا کان متوضّئاً وتوضّأ للتجدید وصلّی ثمّ تیقّن بطلان أحد الوضوءین ولم یعلم أیّهما لا إشکال فی صحّة صلاته[1]

،ولا یجب علیه الوضوء --------------

إتیان الصلاة فی وقتها إذا کان قبل خروج وقتها یوجب تدارکها،بخلاف الشکّ فیها بعد خروج وقتها ودخول وقت صلاة أُخری فإنّه لا یوجب التدارک إلّاالیقین بعدم الإتیان بها،ولا یفرّق فی ذلک بین کون الشکّ فی أصل الإتیان أو فی الإتیان بتمام أجزائها وشرائطها،غایة الأمر لو جرت فی مورد قاعدة الفراغ أو التّجاوز أو استصحاب بقاء الشرط عند الإتیان بالصلاة یحرز به الإتیان وینتفی الشک،بخلاف ما إذا لم تجرِ فی شیء منها کما هو الفرض فی المقام.

وعلیه فإن کان التذکّر قبل خروج الوقت فی فرض الجهل بالحالة السابقة أو فی فرض الشک فی المتقدّم والمتأخّر من الطهارة أو الحدث ولم یصلّها فی وقتها یجب قضاؤها أخذاً بإطلاق الصحیحة:«صلّیتها» (1) أضف إلی أنّ القضاء فی الفرض لو سلّم الشکّ فی وجوبه وقلنا بعدم دلالة الصحیحة إلّاعلی الإعادة فی وقتها لعدم إحراز فوتها بعد خروجها فاللازم بحکم العقل الاحتیاط بالقضاء؛ لأنّ العقل کما یستقلّ بدفع العقاب المحتمل کذلک یستقلّ بلزوم تقلیله إذا أمکن والمفروض أنّ المکلّف فی الفرض مؤاخذ بترک الصلاة فی وقتها کما لو اتّفق وقوعها مع الحدث فبالقضاء یخفف ذلک العقاب المحتمل کما لا یخفی.

من توضأ للتجدید وصلّی وتیقّن بطلان أحد الوضوءین

[1]

المراد من بطلان أحد الوضوءین نقصه من حیث بعض الأجزاء والشرائط لا بطلانه بالحدث بعده أو أثناءه وعلی ذلک فالصلاة التی أتی بها بعد الوضوءین

ص :126


1- (1)) وسائل الشیعة 4:282-283،الباب60 من أبواب المواقیت،الحدیث الأوّل.

للصلوات الآتیة أیضاً،بناءً علی ما هو الحقّ من أنّ التجدیدی إذا صادف الحدث صحّ،وأمّا إذا صلّی بعد کلّ من الوضوءین ثمّ تیقّن بطلان أحدهما فالصلاة الثانیة صحیحة،وأمّا الأُولی فالأحوط إعادتها،وإن کان لا یبعد جریان قاعدة الفراغ فیها.

--------------

صحیحة؛ لوقوعها بالطهارة أما بالوضوء الأوّل أو بالوضوء الثانی بناءً علی ما هو الأظهر کما تقدّم من أنّ الوضوء المأتی به بقصد التقرّب من المحدث بالأصغر طهارة قصد المکلّف به الطهارة أم لا.وذکرنا أیضاً أنّ الوضوء التجدیدی لا یکون عنواناً قصدیّاً،بل الوضوء إذا کان بعد الوضوء من غیر حدث فهو تجدیدی،قصده أم لا فیکون قصد الوضوء التجدیدی مع الحدث الواقعی،کما إذا کان الباطل هو الأوّل من الاشتباه فی التطبیق.

وبما ذکر یظهر أنّه لا یجب علیه الوضوء للصلوات الآتیة؛ لأنّه علی وضوء إمّا بالأوّل أو بالثانی،وأمّا إذا صلی بعد کلّ وضوء صلاة کما إذا صلّی الظهر بوضوء ثمّ توضّأ وصلّی العصر ثمّ علم ببطلان أحد الوضوءین فقد ذکر الماتن أنّ صلاته الثانیة یعنی العصر صحیحة لوقوعها بالطهارة علی ما تقدّم وذکر أنّ الأحوط استحباباً إعادة الصلاة الأُولی یعنی الظهر لاحتمال وقوعها بلا وضوء وإن لا تجب الإعادة لجریان قاعدة الفراغ فیها.

أقول: الصلاة الأُولی صحیحة لجریان قاعدة الفراغ فی نفس الوضوء الأوّل حیث لا أثر لقاعدة الفراغ بالإضافة إلی الوضوء الثانی حتّی تقع المعارضة بین جریانها فیه وجریانها فی الوضوء الثانی حیث إنّ استحباب تجدید الوضوء فعلاً مقطوع ولا أثر آخر لوقوعه صحیحة باطلاً.

أضف إلی ذلک أنّ جریان قاعدة الفراغ فی الصلاة لا یخلو عن المناقشة باعتبار حفظ صورتها کما لا یخفی.

ص :127

(مسألة 40) إذا توضّأ وضوءین وصلّی بعدهما ثمّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما یجب الوضوء للصلوات الآتیة؛ لأنّه یرجع[1]

إلی العلم بوضوء وحدث والشکّ فی المتأخّر منهما،وأمّا صلاته فیمکن الحکم بصحّتها من باب قاعدة الفراغ،بل هو الأظهر.

(مسألة 41) إذا توضّأ وضوءین وصلّی بعد کلّ واحد صلاة ثمّ علم حدوث حدث بعد أحدهما یجب الوضوء للصلوات الآتیة[2]

،وإعادة الصلاتین السابقتین إن کانا مختلفتین فی العدد.

--------------

من توضأ وضوءین وصلی ثمّ علم بالحدوث بعد أحدهما

[1]

وذلک فإنّ المکلّف فی الفرض یعلم تفصیلاً بانتقاض وضوئه الأوّل بالحدث إما بعده قبل الوضوء الثانی،وإمّا بالحدث بعد الوضوءین وعلیه فلا مجری للاستصحاب فی ناحیته،وأمّا الوضوء الثانی فالعلم به وبالحدث یدخل فی المسألة السابقة من العلم بحدوثهما والشک فی المتقدّم والمتأخّر ومقتضی سقوط الاستصحابین - فی ناحیة بقائهما أمّا بالمعارضة کما اخترنا أو بعدم الجریان کما اختاره الماتن - لزوم الوضوء للصلوات الآتیة لقاعدة الاشتغال،وأمّا الصّلاة التی صلّاها فیحکم بصحّتها؛ لقاعدة الفراغ حیث یحتمل وقوع الحدث بعد الوضوء الأوّل وقبل الثانی فتقع تلک الصلاة مع الطهارة والعجب ممّن اعتبر فی جریان قاعدة الفراغ احتمال الذکر ومع ذلک حکم فی الفرض بجریان قاعدة الفراغ مع فرض أنّ الصلاة قد وقعت حال الغفلة عن الحدث کما هو فرض حصول العلم بالحدث بعد الوضوءین والصلاة،وأمّا احتمال إحرازه فی السابق بأن حدثه کان قبل الوضوء الثانی وصلّی مع إحراز الطهارة فهو خارج عن ظاهر فرض الماتن.

إذا توضأ وضوءین وصلّی بعد کلّ منهما صلاة

[2]

فإنّ هذه المسألة کسابقتها داخلة فی فرض تعاقب الحالتین من العلم

ص :128

..........

بالحدث وبالوضوء والشکّ فی المتقدّم منهما فیجب الوضوء للصلوات الآتیة،أمّا للاستصحاب فی ناحیة بقاء التکلیف بها علی فرض الإتیان بها بلا توضّؤ جدید أو لقاعدة الاشتغال الجاریة فیها،وأمّا الصلاتین فتجب إعادة الثانیة منها؛ لسقوط قاعدة الفراغ فی ناحیتها بالمعارضة بالقاعدة الجاریة فی ناحیة الصلاة الأُولی.

وقد یقال بالحکم بصحّة الصلاة الأُولی للاستصحاب فی ناحیة بقاء الوضوء الأوّل إلی حین تمام تلک الصلاة ولا یعارض ذلک بالاستصحاب فی ناحیة بقاء الوضوء الثانی إلی تمام الصلاة الثانیة؛ لأنّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب الحدث المردّد بین کونه قبل الوضوء الثانی أو بعده.

وبتعبیر آخر،الاستصحاب فی ناحیة بقاء الوضوء الثانی إلی تمام الصلاة الثانیة معارض فی نفسه باستصحاب الحدث عند الصلاة الثانیة فلا یمکن أن یکون معارضاً لاستصحاب بقاء الوضوء الأوّل إلی تمام الصلاة الأُولی.

لا یقال: لا منافاة بین أن یکون أصل واحد معارضاً لکلا الأصلین فإنّ استصحاب الحدث فی الأزمنة المتأخّرة ومنها زمان الصلاة الثانیة لا یعارض استصحاب الطهارة إلی تمام الصلاة الأُولی،إلّاأنّ استصحاب الوضوء الثانی إلی تمام الصلاة الثانیة یعارض کلا الاستصحابین،غایة الأمر معارضته مع استصحاب بقاء الوضوء الأوّل إلی تمام الصلاة الأُولی للعلم الإجمالی بوقوع أحدهما مع الحدث ولزوم الترخیص فی مخالفة التکلیف الواصل من جریانهما ووجه معارضته مع استصحاب الحدث فی الأزمنة المتأخّرة ومنها زمان الصلاة الثانیة للمناقضة فی مقتضاه مع مقتضی الاستصحاب فی بقاء الوضوء الثانی فی تلک الأزمنة.

فإنّه یقال: لا تجری معارضة أصل واحد لکلا الأصلین فیما إذا اختلف موجب المعارضة بالإضافة إلیهما.

ص :129

..........

وبتعبیر آخر،موجب المعارضة بین الأصلین إمّا لزوم الترخیص فی مخالفة التکلیف الواصل أو المناقضة فی مفاد الأصلین،وفی مورد لزوم الترخیص فی مخالفة التکلیف الواصل لیس التنافی بین الأصلین وتعارضهما أصلیّاً،بل بما أنّ مفاد کلا الأصلین ینافی التکلیف الواقعی الواصل إلی المکلّف فإنّ مقتضی وصوله لزوم رعایته فالأصلین ینافیان ذلک التکلیف الواصل،وحیث إنّه یقبح علی المولی الحکیم الترخیص فی المخالفة القطعیّة لذلک التکلیف تقع المعارضة بین الأصلین باعتبار أنّ شمول دلیل الاعتبار لأحدهما یحتاج إلی قرینة مفقودة بخلاف ما إذا کان موجب المعارضة التنافی بین مفاد کلا الأصلین فإنّ عدم شمول دلیل الاعتبار لهما من جهة قصور دلیل الاعتبار فی نفسه حیث لا یمکن التعبّد بالمتناقضین،بخلاف موارد لزوم الترخیص فی مخالفة التکلیف الواصل فإنّ وصول ذلک التکلیف قرینة علی رفع الید عن ظهور دلیل الاعتبار وشموله لکلّ من أطراف شبهة ذلک التکلیف ویکون هذا رفع الید عن الظهور بالقرینة المنفصلة،وعلیه فإذا کان استصحاب بقاء الوضوء إلی الصلاة الثانیة طرف المعارضة؛ لاستصحاب الحدث فی الأزمنة المتأخّرة،ومنها زمان تلک الصلاة فلا موجب لرفع الید عن ظهور دلیل اعتبار الاستصحاب فی بقاء الوضوء الأوّل إلی تمام الصلاة الأُولی،حیث إنّ لزوم الترخیص فی مخالفة التکلیف الواصل غیر موجود؛ لعدم شموله لاستصحاب بقاء الوضوء الثانی إلی الأزمنة المتأخّرة؛ للتنافی بین شموله له ولاستصحاب بقاء الحدث فی تلک الأزمنة.

نعم،إذا کان موجب المعارضة أمراً واحداً فی تعارض أصل واحد مع أصلین یکون تخصیص أحدهما بطرف المعارضة دون الآخر من الترجیح بلا مرجّح وتعیین بلا معیّن.

ص :130

..........

وعلی الجملة،إجمال دلیل اعتبار الأصل بالإضافة إلی موارد لزوم المناقضة بین مفاد الأصلین إجمال ذاتی،بخلاف إجماله بالإضافة إلی موارد لزوم المخالفة القطعیّة فی التکلیف الواصل فإنّه إجمالی حکمی یثبت بالدلیل علی التقیید،ویترتّب علی ذلک أنّه إذا کان أصل منافیاً مع أصل آخر بالذات ومنافیاً مع أصل آخر بالعرض یشمل دلیل الاعتبار لذلک الأصل الآخر الذی یکون موجب التنافی فیه بالعرض خاصّة؛ لعدم ظهور خطاب:لا تنقض الیقین بالشکّ،بالإضافة إلی موارد لزوم المناقضیة، بخلاف موارد لزوم الترخیص فی المخالفة القطعیّة فإنّ ظهور الخطاب المزبور وشموله لکلا طرفی العلم الإجمالی تامّ،غایة الأمر لنا علم بعدم إرادة الظهور المزبور بالإضافة إلی کلیهما ولا قرینة علی عدم إرادة خصوص أحدهما فالإجمال حکمیّ، وإذا کان لأحد طرفی العلم الإجمالی موجب المناقضة مع أصل آخر یکون ظهور لا تنقض فی اعتبار الاستصحاب فی طرفه الآخر والأخذ به بلا محذور.

ولکن لا یخفی أنّه لو سلّم أنّ عدم شمول خطابات الاستصحاب لموارد لزوم المناقضة بین الاستصحابین لقصورها،وعدم ظهورها فی شیء منها،وأنّ عدم شمولها لموارد لزوم الترخیص فی مخالفة التکلیف الواصل بالتقیید،ولکن هذا لا یوجب جریان الاستصحاب فی ناحیة بقاء الوضوء الأوّل إلی تمام الصلاة الأُولی بلا معارض،فإنّه تعارضه أصالة الحلّیة والبراءة الجاریة فی مسّ کتابة القرآن بالفعل حیث إنّ کلّاً من الاستصحاب فی ناحیة بقاء الوضوء الأوّل وأصالة حلّیة مسّ کتابه القرآن له فعلاً بخطاب مختصّ یلزم من جریانهما الترخیص فی مخالفة التکلیف الواقعی الواصل،وهو إمّا لزوم إعادة الصلاة الأُولی أو عدم جواز المسّ له فعلاً،نعم إذا فرض إحراز الحدث فعلاً لا تکون المعارضة بین الاستصحاب - أی بقاء الوضوء الأول عند الصلاة الأُولی - وأصالة الحلّیة لعدم الموضوع للثانی.

ص :131

وإلّا یکفی صلاة واحدة بقصد ما فی الذمّة جهراً إذا کانتا جهریّتین،وإخفاتاً إذا کانتا إخفاتیّتین،ومخیّراً بین الجهر والإخفات إذا کانتا مختلفتین[1]

،والأحوط فی هذه الصورة إعادة کلتیهما.

--------------

[1]

لا ینبغی التأمّل فی إجزاء صلاة واحدة بقصد ما علی الذمّة فیما إذا کانتا متساویتین فی العدد والجهر أو الإخفات،حیث إنّ قصد ما علی الذمّة قصد إجمالی لتلک الصلاة الفائتة بعنوانها.

وأمّا إذا کانتا مختلفتین فی الجهر والإخفات،کالظهر والعشاء فالمنسوب (1) إلی المشهور الاکتفاء برباعیّة بقصد ما فی الذمة مخیّراً فی الجهر والإخفات بقراءتها خلافاً لجماعة ذکروا الإتیان بها مکرراً بالإخفات مرّة وبالجهر أُخری،وذکر فی وجه ما ذهب إلیه المشهور أنّ مقتضی العلم الإجمالی بفوت الجهریة أو الإخفائیة وإن کان التکرار إلّاأنّه یستفاد ممّا ورد فی کیفیّة قضاء الصلوات أنّ المکلّف إذا کان علیه إحدی صلاتین متساویتین فی العدد مختلفتین فی الجهر والإخفات یکفیه الإتیان بها مرّة بقصد ما علیه مخیّراً فی قراءتها بین الجهر والإخفات،وفیما رواه الشیخ باسناده عن أحمد بن محمّد بن عیسی،عن الحسن بن علی الوشا،عن علی بن أسباط،عن غیر واحد من أصحابنا،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«من نسی صلاة من صلاة یومه واحدة ولم یدرِ أیّ صلاة هی صلّی رکعتین وثلاثاً وأربعاً» (2) فإنّ مقتضی الاکتفاء بالصلاة أربعاً مع تردّدها بین الظهر والعصر والعشاء التخییر فی قراءتها بین الجهر والإخفات والسند معتبر؛ لأنّه لا یحتمل عادة أن یکون:«غیر واحد» الظاهر فی کثرة الناقلین کلّهم ضعفاء لو لم نقل بظهوره فی قطعیّة النقل عن الإمام علیه السلام.

ونحوها بل عینهما ما رواه عن محمّد بن أحمد بن یحیی،عن محمّد بن

ص :132


1- (1)) نسبه السید الخوئی فی التنقیح 6:97،المسألة 41.
2- (2)) تهذیب الأحکام 2:197،الحدیث 75.

..........

الحسین بن أبی الخطاب،عن علی بن أسباط،عن غیر واحد. (1)

وقد یناقش فی دلالتها علی حکم المقام من أنّ المفروض فیها کون المأتی به من الصلاة قضاءً علی کلّ تقدیر،ولا یشمل ما إذا کان المکلّف فی وقت إحدی الصلاتین المعلوم إجمالاً ببطلان إحداهما کما هو الفرض فی المقام.

وبهذا یظهر الحال فیما رواه البرقی فی المحاسن عن أبیه،عن العبّاس بن معروف،عن علیّ بن مهزیار،عن الحسین بن سعید یرفع الحدیث قال سئل أبو عبداللّٰه علیه السلام عن رجل نسی صلاة من الصلوات لا یدری أیّتها هی؟ قال:«یصلّی ثلاثة وأربعة ورکعتین،فإن کانت الظهر والعصر والعشاء کان قد صلی،وإن کانت المغرب أو الغداة فقد صلّی» (2) مضافاً إلی ضعف سنده بالرفع،والصحیح فی حکم التخییر فی المقام أنّ اعتبار الجهر أو الإخفات فی مثل المقام غیر معلوم ولا یستفاد ممّا دلّ علی اعتبارهما إلّافیما إذا تعمّد الجهر فی موضع الإخفات أو تعمّد الإخفات فی موضع الجهر،و إذا کانت حال الصلاة التی علیه مردّدة بین کونها إخفاتیة أو جهریة فلایکون الجهر أو الإخفات فی موضع الآخر عمداً.

وفی صحیحة زرارة،عن أبی جعفر علیه السلام عن رجل جهر فیما لا ینبغی الإجهار فیه وأخفی فیما لا ینبغی الإخفاء فیه فقال:«أیّ ذلک فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة فإن فعل ذلک ناسیاً أو ساهیاً أو لا یدری فلا شیء علیه وقد تمّت صلاته» (3) فإنّ قوله علیه السلام:«أو لا یدری» یعمّ الجهل بالموضوع أو الحکم کما لا یخفی.

ص :133


1- (1)) تهذیب الأحکام 2:197،الحدیث 76.
2- (2)) المحاسن2:325،الحدیث68.
3- (3)) وسائل الشیعة6:86،الباب 26 من أبواب القراءة فی الصلاة،الحدیث الأوّل.

..........

أقول :لا یبعد ظهور الصحیحة فی فرض الصلاة التی یأتی بها بعنوانها الخاصّ المحرز ولا یدری اعتبار الجهر فیها کمن جهل لزوم الجهر فی صلاة العشاء مثلاً.

وبتعبیر آخر،کما أنّ المراد بقوله علیه السلام:«إن فعل ذلک ناسیاً» هو نسیان الجهر أو الإخفات فی الصلاة المأتی بها لا نسیان عنوان تلک الصلاة المأتی بها کذلک الأمر فی:«لا یدری» ثمّ ما فرضه فی المتن من أنّ المکلّف توضّأ وصلّی بصلاة ثمّ توضّأ وصلّی بصلاة أُخری ثمّ علم بالحدث بعد أحد الوضوءین یتصوّر فی صور ثلاث:

الأُولی:أن یکون المکلّف فی الوقت من کلّتا الصلاتین،وفی هذه الصورة لا یمکن تردّد الصلاة الواقعة مع الحدث المزبور بین الجهریة والإخفاتیة.

الثانیة:أن یکون فی وقت من الصلاة الثانیة مع انقضاء وقت الصلاة الأُولی،کما إذا توضّأ وصلّی صلاة العصر ثمّ توضّأ وصلّی المغرب والعشاء ثمّ علم بوقوع الحدث بعد أحد الوضوءین قبل الصلاة،وفی هذا الفرض لا یکون العلم الإجمالی إمّا بوقوع صلاة العصر مع الحدث أو صلاتی المغرب والعشاء معه منجّزاً لانحلاله بجریان البراءة فی ناحیة قضاء صلاة العصر وجریان قاعدة الاشتغال بالإضافة إلی صلاتی المغرب والعشاء فلا تتردّد الصلاة بین الجهر والإخفات.

الصورة الثالثة:بأن لا یکون المکلّف فی وقت من الصلاتین فهذه داخلة فی معتبرة علی بن أسباط المتقدمّة کما لا یخفی.

نعم،یمکن تصویر ما ذکره المصنف ما إذا توضّأ وصلّی صلاة ظهره،ثمّ توضّأ وصلّی قضاء صلاة العشاء الفائته ثمّ علم بوقوع الحدث بعد أحد الوضوءین وقبل الصلاة التی صلّاها بذلک الوضوء فإنّ المتعیّن عنده حینئذٍ قضاء صلاتین بالإتیان بأربع رکعات مخیّراً بین الجهر والإخفات فیها،ولکن الالتزام بالتخییر مبنی علی

ص :134

الوثوق بعدم الخصوصیّة لما دلّ علیه معتبرة علی بن أسباط من تردد الفائتة بین (مسألة 42) إذا صلّی بعد کلّ من الوضوءین نافلة ثمّ علم حدوث حدث بعد أحدهما،فالحال علی منوال الواجبین[1]

،لکن هنا یستحبّ الإعادة،إذ الفرض کونهما نافلة.

وأمّا إذا کان فی الصورة المفروضة إحدی الصلاتین واجبة والاُخری نافلة فیمکن أن یقال بجریان قاعدة الفراغ فی الواجبة،وعدم معارضتها بجریانها فی النافلة أیضاً؛ لأنّه لا یلزم من إجرائها فیهما طرح تکلیف منجّز،إلّاأنّ الأقوی عدم جریانها للعلم الإجمالی،فیجب إعادة الواجبة ویستحبّ إعادة النافلة.

--------------

الرباعیة الجهریة والإخفاتیة وتساوی الباطلة المردّدة بین الرباعیة الجهریة والرباعیة الإخفاتیة معها فی هذا الحکم ولا یخلو دعوی الوثوق عن المناقشة کما تقدّم أیضاً المناقشة فی قصور الدلیل علی اعتبار الجهر فی صلاة العشاء مثلاً مطلقاً بحیث لا یعمّ الجهل بالموضوع فتدبّر.

إذا صلی بعد کل من الوضوءین نافلة وعلم بالحدث بعد أحدهما

[1]

جزم قدس سره بعدم جریان قاعدة الفراغ فی شیء من النافلتین ولکن مقتضی عدم جریانها استحباب الإعادة حیث إنّ کلّاً من الصلاتین نافلة،وأمّا إذا صلّی بعد أحد الوضوءین نافلة کنافلة الفجر وصلّی بعد الوضوء الثانی الفریضة کصلاة الفجر ثمّ علم بالحدث بعد أحد الوضوءین فیمکن أن یقال بجریان قاعدة الفراغ فی ناحیة الصلاة الفریضة فلا یجب إعادتها إلّاأنّه ذکر ضعف الاحتمال وأنّ القاعدة لا تجری فی شیء من النافلة والفریضة.

أقول :الکلام فی وجه احتمال جریان القاعدة فیما إذا صلّی بعد أحد الوضوءین الصلاة النافلة وبعد الآخر الفریضة وعدم جریان هذا الاحتمال فیما إذا کانت کلّ من الصلاتین نافلة،مع أنّه ینبغی أن یعکس الأمر؛ لأنّ المعارضة موجبها فی الأُصول کما تقدّم إمّا لزوم التناقض فی التعبّد أو لزوم الترخیص فی مخالفة التکلیف

ص :135

.

--------------

الواصل،وبما أنّ فی الصورة الأُولی کلّاً من الصلاتین نافلة فلا یلزم من جریان القاعدة فی ناحیة کلّ منها الترخیص فی مخالفة التکلیف،بخلاف الصورة الثانیة فإنّ الترخیص فیها فی مخالفة التکلیف الواصل محتمل،ولعلّ ما ذکره بصورة الجزم والاحتمال مبنیّ علی أنّ قاعدة الفراغ لا تجری فی موارد امتثال الاستحباب؛ لأنّ الغرض من تشریعها إسقاط لزوم إحراز الامتثال لدفع العقاب المحتمل،ففی الصورة الأُولی عدم جریانها فی شیء من النافلتین إمّا لعدم المورد للقاعدة فی المستحبّات أو لتعارضها،بخلاف الصورة الثانیة فإنّه بما أنّ إحدی الصلاتین فریضة فیحتمل جریان القاعدة فیها؛ لعدم المورد لها فی ناحیة النافلة.

ولکن یظهر من اختیاره عدم جریان القاعدة فی ناحیة الصلاة الفریضة جریانها فی المستحبّات أیضاً فتقع المعارضة فی جریانها فی ناحیة کلّ من الصلاتین مع الأُخری،ولکن فی جریان القاعدة فی المستحبّات التقیة التی لا أثر لصحّتها إلّا سقوط التکلیف الاستحبابی بها لا الإتیان بسائر الأعمال کالوضوء المستحبّی مشکل؛ لعدم ظهور معنی للتعبّد بالصحّة مع ثبوت الترخیص الواقعی فی ترک ذلک العمل.

وما قیل من جریانها فی الصورتین فی کلّ من الصلاتین وتسقطان بالمعارضة لا یخلو عن الإشکال؛ فإنّ موجب المعارضة فی الأُصول العملیة - ومنها قاعدة الفراغ - ینحصر فی لزوم المناقضة فی التعبّد أو الترخیص فی مخالفة التکلیف الواصل،وشیء من الأمرین لا یجری فی الصورتین؛ لعدم التکلیف فی الصورة الأُولی علی الفرض،وعدم لزوم الترخیص القطعی فی مخالفته فی الصورة الثانیة.

ودعوی أنّ التعبّد بالصحّة فی الصورة الأُولی بل الثانیة تعبّد علی خلاف الوجدان فلا یصحّ فتنتقض بموارد جریان الاستصحاب فی نجاسة الأطراف مع

ص :136

..........

العلم الوجدانی بوقوع المطهر علی بعضها،حیث إنّ التعبّد بنجاسة الأطراف حاصل مع أنّ نجاسة کلّ منها فعلاً علی خلاف الوجدان،وکما یجاب أنّ التعبّد بالنجاسة فی کلّ منها مادام الجهل فیه لا ینافی الطهارة الواقعیة المعلومة بالوجدان،کذلک الجواب فی التعبّد بالصحّة.

وعلی الجملة،عدم جریان الأُصول النافیة للحکم الاستحبابی فی أطراف العلم بثبوته بین الأطراف،سواء کانت الأُصول النافیة محرزة أم لا،لیس لأجل التعارض وکونه من التعبّد علی خلاف الوجدان،بل لأنّه لا معنی لتلک الأُصول مع ثبوت الترخیص فی الترک فی مورد الاستحباب،ولا یقاس ذلک بما إذا دار الأمر المستحبّ الارتباطی بین الأقلّ والأکثر أو المطلق والمشروط فإنّه بالبراءة عن تعلّقه بالأکثر والمشروط مع العلم بثبوت الحکم علی الجامع یوجب الاکتفاء بالإتیان بالأقلّ وذات المطلق بقصد الاستحباب المزبور.

اللٰهمّ إلّاأن یقال إنّ التعبّد بحصول الامتثال فی المستحبّات أمر معقول،کما یشهد لذلک ما ورد فی التعبّد بحصول الأذان بعد الدخول فی الإقامة بناءً علی ما هو الصحیح من أنّ الأذان مستحبّ نفسی ظرف امتثاله قبل الإقامة،وأدلّة الفراغ غیر تامة ذذفی مقام الإثبات عن شمولها،ومع العلم الإجمالی ببطلان إحدی النافلتین بوقوعها مع الحدث یقع التعارض فی قاعدة الفراغ الجاریة فی کلّ منهما لولا الأُخری؛ لأنّ الغرض من الاستحباب الترغیب إلی الإتیان بها ومع العلم ببقاء الغرض لا یمکن التعبّد بحصولهما،وبما أنّ التکلیف فی الصورة الثانیة غیر معلوم فیمکن القول بالتفصیل بین الصورة الأُولی أو الثانیة بجریان قاعدة الفراغ فی کلّ من الواجبة والنافلة.

ص :137

(مسألة 43) إذا کان متوضّئاً وحدث منه بعده صلاة وحدث،ولا یعلم أیّهما المقدّم،وأنّ المقدّم هی الصلاة حتّی تکون صحیحة،أو الحدث حتّی تکون باطلة، الأقوی صحّة الصلاة لقاعدة الفراغ[1]

،خصوصاً إذا کان تاریخ الصلاة معلوماً؛ لجریان استصحاب بقاء الطهارة أیضاً إلی ما بعد الصلاة.

--------------

إذا توضّأ وکان بعده صلاة وحدث لا یعلم أیّهما المقدّم

[1]

حیث إنّه یحتمل بقاء الوضوء السابق إلی آخر الصلاة المزبورة بتأخّر الحدث المعلوم حدوثه بعدها ومعه تجری فی ناحیتها قاعدة الفراغ،هذا علی تقدیر الالتزام بأنّ مجرّد احتمال الصحّة فی العمل کافٍ فی جریان قاعدة الفراغ،وأمّا إذا اعتبر احتمال الذکر فی جریانها فالجریان علی تقدیر احتمال إحراز الوضوء حال الصلاة،وأمّا إذا علم غفلته عن حاله عند صلاته فالحکم بالصحة یبتنی علی جریان استصحاب الوضوء إلی آخر تلک الصلاة،وقیّد الماتن جریان هذا الاستصحاب بما إذا علم تاریخ الصلاة،وکأنّ نظره أنّه إذا جهل تاریخ الصلاة لم یجرِ الاستصحاب المزبور؛ لعدم اتّصال زمان الشّکّ فی الطهارة - یعنی حال الصلاة -بزمان الیقین بالوضوء لتخلّل الحدث بینهما علی تقدیر تأخّر الصلاة أو لتعارض استصحاب الوضوء إلی تمام الصلاة مع استصحاب عدم الصلاة إلی زمان وقوع الحدث؛ ولذا یحکم ببطلان الصلاة فیما إذا جهل تاریخها وعلم تاریخ الحدث فإنّه یجری استصحاب عدم الصلاة إلی ذلک الزمان.

ولکن لا یخفی أنّ استصحاب عدم الصلاة إلی زمان الحدث لا یثبت وقوعها فی زمان الحدث،بل استصحاب عدم الصلاة حال الطهارة غیر جارٍ فی نفسه؛ لأنّ وقوع الصلاة محرز بالوجدان،ومقتضی الاستصحاب بقاء الوضوء حالها فیتمّ إحراز الإتیان بمتعلّق التکلیف ومع إحرازه لا مجال للاستصحاب فی ناحیة عدم الصلاة إلی زمان الحدث؛ لما تقدّم فی بحث الاستصحاب أنّه إذا لم یکن التقیّد فی متعلّق

ص :138

(مسألة 44) إذا تیقّن بعد الفراغ من الوضوء أنّه ترک جزءاً منه ولا یدری أنّه الجزء الوجوبی أو الجزء الاستحبابی،فالظاهر الحکم بصحّة وضوئه؛ لقاعدة الفراغ[1]

،ولا تعارض بجریانها فی الجزء الاستحبابی؛ لأنّه لا أثر لها بالنسبة إلیه، ونظیر ذلک ما إذا توضّأ وضوءاً لقراءة القرآن،وتوضّأ فی وقت آخر وضوءاً للصلاة الواجبة،ثمّ علم ببطلان أحد الوضوءین،فإنّ مقتضی قاعدة الفراغ صحّة الصلاة، ولا تعارض بجریانها فی القراءة أیضاً؛ لعدم أثر لها بالنسبة إلیها.

--------------

التکلیف بعنوان انتزاعی مع کون کلّ من القید و المقیّد فعلاً للمکلّف و موجوداً آخر فبإحراز ذات المقید بالوجدان و القید بالتعبد یتمّ إحراز ذلک المتعلّق فاستصحاب عدم ذات المقیّد حال حصول القید یرجع إلی الاستصحاب فی عنوان عدم الاجتماع والتقارن،والمفروض عدم الأثر له کما لا یخفی.

وممّا ذکر یعلم عدم الفرق فیما ذکرنا من الحکم بصحّة الصلاة بین العلم بتاریخها أو عدمه حیث إنّ بقاء الوضوء حال الصلاة محتمل حتّی مع العلم بتاریخ الحدث حیث إنّ بقاء الوضوء بالإضافة إلی الأزمنة فی نفسها غیر مشکوک ولکنّ بقاءه فی زمان الصلاة محتمل،وهذا المقدار یکفی فی جریان الاستصحاب فی بقائه إلی زمانها.

لا یقال :یعارض استصحاب الوضوء إلی تمام الصلاة باستصحاب الحدث المعلوم إجمالاً عند الصلاة لاحتمال کونه قبل تلک الصلاة ویبقی عندها.

فإنّه یقال: المعتبر فی جریان الاستصحاب احتمال البقاء بعد زمان العلم بحدوثه فیه بأن یکون حدوثه قبل زمان احتمال البقاء محرزاً والحدث فی الفرض لم یحرز حدوثه قبل الصلاة حتّی یستصحب بقاؤه عندها.

إذا ترک جزءاً من الوضوء

[1]

قد تقدّم جریان قاعدة الفراغ فی الواجبات والمستحبّات وأنّ الغرض من

ص :139

..........

تشریعها فی المستحبّات أیضاً تسهیل الأمر للمکلّف بعدم إعادتها وتدارکها إذا احتمل صحّة ما أتی به منها وعلیه فلامجری للقاعدة فیما إذا لم یمکن تدارک النقص بلا فرق فی ذلک بین الواجب والمستحب،مثلاً إذا ردّ السلام علی المسلم ثمّ شکّ بعد ذلک أنّه سلّم بنحو سمع الجواب أم لا فلا مورد لقاعدة الفراغ؛ لعدم إمکان تدارکه؛ ولذا لا مجری للقاعدة فی المستحبّات من النوافل الابتدائیة وإذا علم المکلّف بأنّه إمّا ترک الجزء المستحبی للوضوء بأن مسح رأسه بإصبع واحدة بناءً علی استحباب المسح بثلاث أصابع أو أنّه ترک مسح رأسه أصلاً یجب علیه إعادة الوضوء؛ لفوات الموالاة فتجری قاعدة الفراغ بالإضافة إلی صحّة الوضوء ولا یعارضها قاعدة التجاوز أو الفراغ فی ناحیة المسح المستحبّ؛ لأنّ ترک المستحبّ المزبور لا تدارک له وإعادة الوضوء والمسح فیه علی الرأس بثلاث أصابع عمل آخر لا یحسب تدارکاً لمّا ترک نظیر ما ذکرنا من الإتیان بالنافلة المبتدأة فی زمان لا یحسب قضاءً لما ترکه سابقاً حیث إنّ الصلاة فی کلّ زمان مستحبّ.

وبهذا یعلم الحال فیما إذا توضّأ لقراءة القرآن فی زمان وتوضّأ للصلاة فی زمان آخر ثمّ بعد الصلاة علم ببطلان أحد الوضوءین ولو بالحدث بعده فإنّه تجری قاعدة الفراغ بإلاضافة إلی الصلاة،ولا یعارضها قاعدة الفراغ فی القراءة لعدم الأثر لبطلان الوضوء لتلک القراءة بالتدارک کما لا یخفی.

ثمّ إنّه إذا توضّأ المکلّف لصلاته فصلّی ثمّ توضّأ لقراءته فقرأ ثمّ أحدث وعلم قبل خروج وقت الصلاة ببطلان أحد وضوءیه بأن علم أنّه ترک مسح الرأس إمّا فی وضوئه للصلاة أو فی وضوئه للقراءة ففی هذا الفرض تجری قاعدة الفراغ فی وضوئه للصلاة،ولا یعارض بجریانها فی وضوئه للقراءة لعدم الأثر لبطلان الثانی حتّی فیما إذا کان وضوءه للقراءة بعد الحدث أیضاً؛ لأنّ القراءة کالصلاة المبتدأة غیر قابلة للتدارک.

ص :140

(مسألة 45) إذا تیقّن ترک جزء أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء،فإن لم تفت الموالاة[1]

رجع وتدارک وأتی بما بعده.

--------------

وأمّا إذا لم یحدث بعد قراءته وعلم قبل خروج الوقت ببطلان أحد وضوءیه تقع المعارضة بین قاعدة الفراغ الجاریة فی وضوئه للصلاة وبین القاعدة الجاریة فی وضوئه للقراءة؛ لأنّ لصحّة کلّ من الوضوءین أثراً أمّا وضوءه للصلاة فصحّته توجب عدم لزوم إعادة الصلاة،وأمّا وضوءه للقراءة فصحّته یترتب علیها عدم الحاجة إلی الوضوء للقراءة مرّة أُخری؛ لکونه علی وضوء کما لا یخفی،وعلیه فیجب إعادة الوضوء وإعادة الصلاة بعده.

أقول :هذا مبنیّ علی دعوی عدم جریان قاعدة الفراغ فی نفس الصلاة بدعوی أنّها وقعت مع الوضوء المشکوک فی صحّته وفساده فصورة العمل محفوظة ولا تجری القاعدة فی موارد إحراز صورة العمل وعدم احتمال کونه أذکر،وفیه ما لا یخفی فإنّ المکلّف فی الفرض یعلم بالغفلة فی أحد الوضوءین لا فی خصوص الوضوء لصلاته،ولذا یحتمل کونه عند صلاته أذکر بالنسبة إلیها من حیث شرطها فتصحّ الصلاة فتجری القاعدة فیها.

أضف إلی ذلک ما ذکرنا فی قاعدة الفراغ من عدم اعتبار احتمال الذکر وکفایة احتمال الصحّة فی مقام الامتثال بعد الفراغ عن إحراز مقام التکلیف.

نعم،لدعوی معارضة قاعدة الفراغ الجاریة فی الوضوء للقراءة مع قاعدة الفراغ الجاریة فی الوضوء والجاریة فی نفس الصلاة وجه وجیه تعرضنا لذلک فی موارد کون الأصل الجاری فی أطراف العلم بخطاب واحد،فتدبّر.

[1]

إذا فاتت الموالاة المعتبرة بین أجزاء الوضوء یکون الوضوء المزبور باطلاً؛ لمّا تقدّم من شرط الوضوء الموالاة وإذا لم تفت الموالاة رجع إلی ما أخلّ به من ترک الجزء أو شرطه،وإذا أتی به وبما بعده یتمّ الوضوء،وقد ذکر ذلک فی صحیحة زرارة

ص :141

وأمّا إن شکّ فی ذلک،فإمّا أن یکون بعد الفراغ أو فی الأثناء،فإن کان فی الأثناء[1]

رجع وأتی به وبما بعده وإن کان الشکّ قبل مسح الرجل الیسری فی غسل الوجه مثلاً أو فی جزء منه.

--------------

الآتیة:«وإن تیقّنت أنّک لم تتمّ وضوءک فأعد علی ما ترکت حتّی تأتی بالوضوء» (1) حیث إنّ ظاهرها کظاهر غیرها الإتیان بالوضوء بما یعتبر فیه حتّی الموالاة.

إذا شکّ فی الوضوء أثناءه

[1]

یستدلّ علی عدم اعتبار قاعدة التجاوز فیما إذا شکّ فی جزء من الوضوء ودخل فی غیره ولا لقاعدة الفراغ فیما إذا شکّ فی صحّة جزء من أجزائه بعد الفراغ عن ذلک الجزء مادام لم یفرغ من الوضوء بما سیأتی بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام:«إذا کنت قاعدا ً علی وضوئک فلم تدرِ أغسلت ذراعیک أم لا فأعد علیهما وعلی جمیع ما شککت فیه أنّک لم تغسله و تمسحه ممّا سمّی اللّٰه ما دمت فی حال الوضوء،فإذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت فی حال أُخری فی الصلاة أو فی غیرها فشککت فی بعض ما سمّی اللّٰه ممّا أوجب اللّٰه علیک فیه وضوءه لا شی علیک فیه» (2) ولو لم یکن جزم بأنّ المدرک فی الإجماع المدّعی فی المقام بعدم الاعتبار بقاعدة التجاوز فی أجزاء الوضوء هی هذه الصحیحة فلا أقلّ من احتماله.

ولکن ربّما یقال بأنّ هذه الصحیحة تعارضها موثّقة عبداللّٰه بن أبی یعفور،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«قال إذا شککت فی شیء من الوضوء وقد دخلت فی غیره فلیس شکّک بشیء،إنّما الشکّ إذا کنت فی شیء لم تجزه» (3)

ص :142


1- (1)) وسائل الشیعة1:469،الباب42 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) المصدر السابق.
3- (3)) وسائل الشیعة1:469-470،الباب 42 من أبواب الوضوء،الحدیث2.

..........

ووجه المعارضة ما قیل من ظهورها فی رجوع الضمیر فی «غیره» إلی «شیء من الوضوء» لا لنفس الوضوء خصوصاً بملاحظة ما فی ذیلها من قوله علیه السلام:«إنّما الشک إذا کنت فی شی لم تجزه» (1) فإنّه بمنزلة الکبری الکلّیة الجاریة فی أجزاء الوضوء وسائر المرکبات.

وفیه أنّه لم یثبت ظهور الموثّقة کما ذکر،بل یحتمل فیها رجوع الضمیر فی «غیره» إلی نفس الوضوء وکون ماذکر فی ذیلها بمنزلة ضابطة الشکّ المعتبر فی الاعتناء فی الوضوء وأنّه إنّما یعتبر إذا لم یفرغ عند الشکّ عن الوضوء.

نعم،یحتمل أن یکون الذیل قاعدة کلّیة جاریة فی الوضوء وغیره،ویکون المراد أنّه إذا شکّ فی شیء من المرکّب یعتنی بذلک الشکّ فیما إذا لم یفرغ من ذلک المرکّب،سواء کان الشکّ فی شیء من الوضوء أو غیره،ولکن قد خرج الشکّ فی أجزاء الصلاة وشرائط أجزائها عن قاعدة الحکم بالاعتناء بما ورد فیها من عدم الاعتناء بالشکّ فی جزء من الصلاة فیما إذ شکّ فیه بعد الدخول فی جزء آخر منها.

نعم،إذا بنی علی جریان قاعدة التجاوز فی أجزاء الصلاة وغیرها من أعمال الحجّ ونحوه من سائر المرکّبات یکون ذیل الموثّقة بناءً علی عمومها منافیة لعموم قاعدة التجاوز المستفاد من نظیر قوله علیه السلام:إذا شککت فی شیء ثمّ دخلت فی غیره فشککّ لیس بشیء. (2) فإنّ مع عموم قاعدة التجاوز فی أجزاء کلّ مرکّب لا یبقی لذیل الموثقة - کما ذکر من الاعتناء بالشکّ فی الجزء مالم یفرغ عن المرکّب - مورد إلّا الوضوء،فعلیه فلابدّ من أن یکون المراد من موثّقة عبداللّٰه بن أبی یعفور ذیلاً وصدراً

ص :143


1- (1)) وسائل الشیعة1:469 - 470،الباب 42 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.
2- (2)) المتقدّمة فی الصفحة السابقة.

خصوص الشکّ فی شیء من الوضوء قبل الفراغ عن الوضوء والشکّ فی شیء منه ...

--------------

بعد الفراغ عن الوضوء،أو یکون الذیل قاعدة والضمیر فی صدرها فی «غیره» راجعاً إلی «شیء من الوضوء» فتکون معارضة مع صحیحة زرارة وقد یقرب اختصاص الموثّقة صدراً وذیلاً بالشکّ فی شیء من الوضوء قبل الفراغ عنه وبعده ولا عموم فیما ورد فی ذیلها بالإضافة إلی سائر المرکبات من غیر الوضوء.

ویذکر فی وجه اختصاص صدرها بالشکّ فی شیء من الوضوء بعد الفراغ عن الوضوء بظهور الضمیر فی «غیره» فی رجوعه إلی نفس الوضوء؛ لأنّه أقرب.

وما قیل من أنّ لفظ «شیء» أصل و «من الوضوء» تابع له وکلّما دار الأمر فی الضمیر بین رجوعه إلی المتبوع أو إلی تابعه یکون الرجوع إلی المتبوع أولی دعوی جزافة لم یشهد لها وجه موجب للظهور.

وأمّا عدم العموم فی ذیلها فإنّ ذیلها تصریح لبیان المفهوم المستفاد من صدرها وهو أنّه یعتنی بالشکّ فی شی من الوضوء فیما إذا لم یفرغ منه.

وقد یقال المتأمّل فی الموثّقة یجد ظهور ذیلها کالتعلیل للحکم المذکور فی صدرها،فإن کان الحکم المذکور فی صدرها عدم الاعتناء بالشکّ فی شیء من الوضوء بعد الفراغ عن الوضوء یکون ذیلها بما أنّه کبری کلّیة أنّه إنّما یعتنی بالشک فی شیء من أجزاء المرکّب فیما إذا لم یفرغ من ذلک المرکب،وهذا ینافی اعتبار قاعدة التجاوز فی سائر المرکبات من غیر الوضوء کالصلاة والحج ونحوهما.

ودعوی أنّ سائر المرکّبات قد خرجت عن مدلول الذیل بصحیحة زرارة الواردة فی اعتبار قاعدة التجاوز فی أجزاء الصلاة وغیرها،وأنّه إذا شکّ فی شیء من غیر الوضوء من سائر المرکّبات مع تجاوز محلّه والدخول فی غیر ذلک المشکوک من أجزائه لا یعتنی أیضاً یوجب خروج التعلیل عن الکبری الکلّیة وینحصر موردها بالوضوء کما لا یخفی،حیث یعتبر فی الاعتناء بالشک بشیء من سائر المرکّبات

ص :144

وإن کان بعد الفراغ[1]

فی غیر الجزء الأخیر بنی علی الصحّة؛ لقاعدة الفراغ، وکذا إن کان الشک فی الجزء الأخیر إن کان بعد الدخول فی عمل آخر،أو کان بعد ما جلس طویلاً،أو کان بعد القیام عن محلّ الوضوء،وإن کان قبل ذلک أتی به إن لم تفت الموالاة،وإلّا استأنف.

--------------

عدم مضی محلّ ذلک الشیء بالدخول فی غیره لا عدم تجاوز نفس المرکّب.

والصحیح فی الجواب عن المعارضة هو أن یقال لیس فی موثّقة عبداللّٰه بن أبی یعفور ظهور فی رجوع الضمیر فی «غیره» إلی «شیء من الوضوء»بل یحتمل رجوعه إلی نفس الوضوء،کما أنّه لا ظهور فی ذیلها فی التعلیل،بل بیان موارد الاعتناء بالشکّ فی شیء من الوضوء فیحمل بقرینة صحیحة زرارة علی الفراغ من الوضوء والدخول فی غیر الوضوء وعدمها صدراً وذیلاً.

وبتعبیر آخر،صحیحة زرارة المتقدّمة رافعة للإجمال عن الموثّقة،بل لو کان للموثّقة ظهور فی رجوع الضمیر إلی «شیء من الوضوء» صدراً وذیلها فیحمل علی ما تقدّم بقرینة صحیحة زرارة.

ودعوی أنّه علی تقدیر ظهور الموثّقة فی رجوع الضمیر إلی شیء من الوضوء لابدّ من حمل الحکم فی الصحیحة علی الاستحباب وأولویة الاعتناء لا یمکن المساعدة علیها فإنّ حمل الصحیحة علی الاستحباب لا یعدّ جمعاً عرفیّاً بینهما فإنّ مفاد الموثّقة إلغاء الشکّ ونفیه فی شیء من الوضوء بعد الدخول فی غیر ذلک الشیء،ومدلول الصحیحة عدم إلغائه ونفیه فینحصر الجمع العرفی بینهما بما ذکرنا من کون المراد من الضمیر فی «غیره» غیر الوضوء.

الشکّ فی الوضوء بعد الفراغ

[1]

الشکّ فی الوضوء بعد الفراغ منه یتصوّر علی صور ثلاث:

إحداها :أن یکون الشکّ فی غیر الجزء الأخیر مع فوت الموالاة بحیث لا یمکن

ص :145

..........

تدارکه علی تقدیر الخلل إلّابإعادة الوضوء،ولا ینبغی التأمّل فی هذه الصورة فی جریان قاعدة الفراغ أو التجاوز فی الوضوء والحکم بصحّته حیث إنّ مع فوت الموالاة کما ذکر یصیر المکلّف فی حالة أُخری وغیر قاعد للوضوء وینقضی حال الوضوء الذی ورد فی صحیحة زرارة أنّه مع الشکّ فی بعض الوضوء وکونه قاعداً فیه یرجع ویغسل المشکوک أو یمسحه ویأتی بما بعده.

وعلی الجملة،المتیقّن من التجاوز عن الوضوء والمضی والفراغ عنه هو هذه الصورة.

ولیکن المراد من فوت الموالاة فیما إذا کان المشکوک هو المسح کمسح الرأس عدم بقاء بلة الوضوء ولو فی لحیته کما سنذکر مع بقائها فعلیه تدارک المسح المزبور وما بعده وإن کان داخلاً فی الصلاة ونحوها کما یدلّ علیه صحیحة زرارة المتقدّمة.

الصورة الثانیة :ما إذا شکّ فی الوضوء فی غیر الجزء الأخیر مع عدم فوت الموالاة ومقتضی صحیحة زرارة المتقدّمة أنّه إذا شکّ فی الغسل بأن یکون المشکوک غسل بعض أعضائه ودخل فی الصلاة ونحوها فلا یعتنی بشکّه ویمضی فی صلاته،وأمّا إذا کان المشکوک هو المسح یتدارکه،ولکن ربّما یقال بجریان قاعدة الفراغ فی الوضوء لمعتبرة بکیر عن أعین قال:قلت له:الرجل یشکّ بعد ما یتوضّأ؟ قال:«هو حین یتوضّأ أذکر منه حین یشکّ» فإنّ مقتضاها عدم الاعتناء بالشکّ بعد الوضوء مع فقد الموالاة أو معها أی أمکن تدارک المشکوک بغیر إعادة الوضوء أم لا.

ولکن لا یخفی أنّ الروایة مضمرة ولعلّ المسؤول غیر الإمام علیه السلام مع أنّ إطلاق الجواب لا یمکن الأخذ به فإنّ مقتضاه جریان قاعدة الفراغ فی أجزاء الوضوء أیضاً کما إذا شکّ فی تمام الغسل فی جزء بعد الاشتغال بجزء آخر.

وعلی الجملة،مقتضی صحیحة زرارة أنّه إذا دخل فی الصلاة وغیرها مع عدم

ص :146

..........

فوت الموالاة وکان شکّه فی أجزاء الغسل فلا یعتنی،وأمّا إذا شکّ فی أجزاء المسح فیعتنی،وسائر ما ورد من الأمر بالمضی وعدم الاعتناء بالشکّ فیما إذا حصل بعد مضی الوضوء والفراغ عنه مطلق من حیث فقد الموالاة وعدمها فیحمل علی صورة فقدها کقولة علیه السلام:«کلّ ما مضی من صلاتک وطهورک فذکرته تذکّراً فأمضه ولا إعادة علیک فیه» (1) وقوله علیه السلام:«إنّما الشّک إذا کنت فی شیء لم تجزه» (2) فإنّ مقتضاهما عدم اعتبار الدخول فی غیر الوضوء فی عدم الاعتناء بالشّک.

والحاصل أنّ کلّ ذلک بالإطلاق فیرفع الید عنه بالتقیید فی صحیحة زرارة (3) بأنّ عدم الاعتناء بالدخول فی الصلاة أو غیرها اللهمّ إلّاأن یقال بأنّ ذکر الدخول فی غیره لتحقّق مضی الوضوء والفراغ عنه ولو کان الشّک فی الجزء الأخیر منه ولکن هذا ینافی التفصیل فی الصحیحة بین الشّک فی أجزاء الغسل وأجزاء المسح.

لا یقال :قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة:«فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت فی حال أُخری فی الصلاة أو فی غیرها» (4) تفریع علی الشرطیة الأُولی کما هو مقتضی «الفاء» فی قوله:«فإذا قمت» وعلیه فلا یکون ذکر خصوصیة الدخول فی الغیر فی ذلک التفریع دالّاً علی اعتباره فی عدم الاعتناء،حیث یکون التفریع المزبور من التعرّض لبعض المفهوم المستفاد من الشرطیة الأُولی.

فإنّه یقال: الشرط فی الشرطیة الأُولی القعود إلی الوضوء الخاصّة حتّی یکون مفهومه أنّه مع انتهاء القعود علیه لا یعتنی بالشّک فیه،بل الشرط القعود علی

ص :147


1- (1)) وسائل الشیعة 1:471،الباب 42 من أبواب الوضوء،الحدیث6.
2- (2)) وسائل الشیعة1:469-470،الباب42 من أبواب الوضوء،الحدیث2.
3- (3)) المتقدمة فی الصفحة 142.
4- (4)) وسائل الشیعة1:469،الباب42 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

..........

الوضوء وکون المکلّف فی حال الوضوء الظاهر فی عدم الانتقال إلی حالة أُخری من صلاة ونحوه.

وممّا ذکرنا أیضاً ما ذکر من أنّ المعیار فی جریان قاعدة الفراغ أو التجاوز فی الوضوء الفراغ منه والتجاوز عنه وعبّر عن ذلک فی الصحیحة بالفراغ تارة والقیام عن الوضوء أُخری والدخول فی فعل آخر ثالثة.

ووجه الظهور أنّ المذکور فی الصحیحة القیام عن الوضوء و الفراغ عنه والدخول فی حالة أُخری بالواو لا بکلمة «أو» و ظاهرها فی الشرطیة الأُولی أیضاً الاعتناء بالشّک ما لم یدخل فی حالة أُخری.

اللٰهمّ إلّاأن یقال إنّ الاعتناء بالشّکّ فی الشرطیة الأُولی الظاهرة لبیان حکم الشّکّ فی الوضوء غسلاً ومسحاً أنّ الاعتناء بالشّک ما دام حال الوضوء،وعلیه فإن شکّ بعد انقضاء الوضوء کما إذا شکّ فی بعض الوضوء بعد مسح الرجل الیسری فلا یکون الشّکّ حال الوضوء،کما أنّه إذا شکّ فی الجزء الأخیر بعد الدخول فی عمل آخر أو بعد یبس الأعضاء بالتأخیر فلا یکون الشّکّ حال الوضوء،فالعبرة بما دام الوضوء حال الوضوء ولا عبرة إلّابالفراغ المحقّق بعضاً بصیرورته فی حالة أُخری،وعلیه یحمل الاعتناء بالشّک فی المسح - ولو همّ الدخول فی الصلاة - علی الاستحباب کما لا یخفی.

وعلی الجملة،ففی قوله علیه السلام:«فإذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت فی حالة أُخری» (1) فیه دلالة علی أنّ الصیرورة فی حالة أُخری لتحقّق الفراغ ولو بعضاً به،وإلّا لکان ذکر الفراغ لغواً وشرطیة القعود علی الوضوء بمنزلة الشرطیة

ص :148


1- (1)) وسائل الشیعة1:469،الباب42 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

..........

المسوّغة لبیان الموضوع فإنّ مع عدم التوضّؤ لا یکون شکّ فیه.

الصورة الثالثة :ما إذا شکّ فی الجزء الأخیر من الوضوء فذکر قدس سره أنّه إذا کان هذا الشّکّ بعد الدخول فیما یعدّ عملاً آخر کالصلاة أو قام من محلّ الوضوء أو جلس طویلاً فلا یعتنی بشکّه بعد ذلک وإن کان قبل ذلک فإن لم تفت الموالاة بأن لم تیبس أعضاء وضوئه وبقی بلّة فیها أتی بذلک الجزء،وإلّا استأنف الوضوء وکأنّ مراده قدس سره أنّه إذا دخل فی عمل آخر أو قام عن محلّ الوضوء أو جلس طویلاً یصدق أنّه فرغ من الوضوء ومضی وضوؤه بخلاف ما إذا لم یکن شیء من ذلک فإنّه باعتبار صدق قعوده علی الوضوء علیه أن یعتنی بشکّه فإن کانت بلّة یمسح بها وإلّا استأنف حتّی یحرز المسح.

ولکن لا یخفی أنّه لا یصدق مع بقاء البلّة وعدم جفاف الأعضاء مضی الوضوء و تجاوزه و إن کان جلوسه طویلاً،بل و إن قام من محل الوضوء،کما أنّه إذا یبس أعضاؤه بحیث لم یبقَ فیها بلّة أصلا ً یصدق مضی وضوؤه وفراغه عن التوضّؤ، حیث إنّه لیس المراد من مضیّه مضی الوضوء التام و الصحیح،و إلّالم یعقل الشکّ فی صحته،کما أنّه لیس المراد مضی الوضوء ببنائه واعتقاده حیث لا یعتبر فی جریان قاعدة الفراغ سبق الاعتقاد بالفراغ،بل تجری ولو فی مورد احتمال الغفلة عن اتمامه فیما إذا أحرز أنّه قاصداً للإتیان به وأتی بمعظمه بحیث یصدق أنّه توضّأ.

وعلی الجملة،فیما إذا کان یبس الأعضاء للتأخیر ومضی الزمان وشکّ بعد ذلک أنّ توضّؤه کان تاماً أم لا فیصدق أنّ توضّؤه ممّا جاوزه ومضی کما لا یخفی، ولکن هذا مع قطع النظر عن ماورد فی صحیحة زرارة المتقدّمة من أنّه إذا شکّ فی المسح ولو بعد دخوله فی الصلاة وکان له بلّة من وضوئه ولو فی لحیته یمسح بها، (1)

ص :149


1- (1)) وسائل الشیعة 1:469،الباب 42 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

(مسألة 46) لا اعتبار بشکّ کثیر الشکّ[1]

،سواء کان فی الأجزاء،أو فی الشرائط،أو الموانع.

--------------

وإنّما یمضی فی صلاته إذا لم یکن له هذه البلّة،کما أنّه لا یعتنی بالشّکّ فی المسح ولو کان قاعداً فی محلّ الوضوء ولکن حین الشّکّ کانت أعضاؤه یابسة بحیث لم یبقَ له بلّة للمسح حیث إنّ ظاهر الصحیحة العود إلی الغسل أو المسح المشکوک لا إعادة الوضوء واستئنافه فیما إذا کان قاعداً علی موضع الوضوء،بل الوارد فیها القعود علی الوضوء الظاهر فی بقاء البلّه وعدم جفاف الأعضاء فتدبّر.

کثیر الشکّ

[1]

قد تقدّم أنّ الشکّ فی الوضوء فی أثنائه یعتنی به سواء کان الشکّ فی جزء الوضوء کما إذا شکّ عند غسل یده الیمنی فی بقاء شیء من الوجه غیر مغسول أو شکّ فی أنّه غسل الوجه من الأعلی إلی الأسفل أو شکّ فی وجود حاجب علی وجهه ففی کلّ ذلک یعود إلی المشکوک لیحرز الغسل المعتبر.

وما ربّما یقال من أنّ الشکّ فی الشرط،بل المانع غیر داخل فی مدلول صحیحة زرارة الدالّة علی العود إلی المشکوک فیما إذا کان الشکّ قبل الفراغ من الوضوء حیث إنّ الإمام علیه السلام ذکر العود إلی المشکوک فیما کان المشکوک ممّا سمّاه اللّٰه وهذا یکون بالشکّ فی نفس غسل العضو ولا یعمّ الشکّ فی شرط الغسل لا یمکن المساعدة علیه فإنّ الشکّ فیما سمّاه اللّٰه یعمّ الشکّ فی شرط ذلک الغسل؛ ولذا أعاد علیه السلام الشکّ فیما سمّاه اللّٰه فی الحکم بعد الاعتناء فیما إذا کان الشکّ بعد الفراغ من الوضوء والدخول فی غیره؛ وعلی ذلک إذا کان الشخص کثیر الشکّ فی الوضوء من حیث الجزء منه أو الشرط أو المانع فلا یعتنی بشکّه حتّی فیما إذا کان شکّه أثناء الوضوء.

ص :150

ویستدلّ علی ذلک بصحیحة عبداللّٰه بن سنان قال:ذکرت لأبی عبداللّٰه علیه السلام ...

--------------

رجل مبتلی بالوضوء والصلاة،وقلت هو رجل عاقل،فقال أبو عبداللّٰه علیه السلام:وأیّ عقلٍ له وهو یطیع الشیطان؟ قلت له:وکیف یطیع الشیطان؟ فقال:سله هذا الذی یأتیه من أیّ شیء هو؟ فإنّه یقول لک:من عمل الشیطان. (1)

ویورد علیه بأنّ ظاهر هذه الوسواس والکلام فی المقام فی مطلق کثرة الشکّ، ولکنّ الإیراد غیر صحیح فإنّه وإن کان بین الوسواس ومطلق کثرة الشّکّ فرق،فإنّ الشّکّ فی الوسواس لا یکون له منشأ عقلانی،بل یکون الاحتمال فیه والاعتناء به ناشئاً عن مجرّد التخیّل ویعود نفسه علی مثل هذا الشّکّ والاعتناء به کما إذا أدخل یده المتنجّسة فی الماء المعتصم ولا یتیقّن بوصول الماء إلی تمام بشرته المتنجّسة، أو أدخل رأسه فی الماء ولا یتیقّن باستیلاء الماء علی تمام جسده مع کون التشکیک عند السائرین أمراً خیالیاً،وهذا بخلاف مطلق کثیر الشّکّ فإنّه ربّما یکون المنشأ لشکّه أمراً عقلانیاً یحصل للغیر أیضاً فی عمله بالأزید ممّا یتعارف؛ لضعف قوة حافظته أو لعدم الاطمئنان والوثوق إلی التفاته إلی عمله ونحو ذلک،ولکن هذا لا ینافی بکون تعوید النفس إلی الاعتناء بهذا الشّکّ أیضاً من عمل الشیطان حیث إنّ التعوید یوجب صرف النظر عمّا یطلب فی العبادة من التوجّه والتقرّب به إلی اللّٰه سبحانه أن لا یصرف تمام همّه إلی صورة ذلک العمل.

وممّا ذکرنا یظهر الحال فی الاستدلال علی الحکم بصحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال:«إذا کثر علیک السهو فامضِ علی صلاتک فإنّه یوشک أن یدعک إنّما هو من الشیطان» (2) وجه الظهور ما تقدّم من أنّ تعوید النفس علی الاعتناء بالشکّ یوجب خلو العبادة عن التوجّه إلی اللّٰه سبحانه المعتبر فیه أو

ص :151


1- (1)) وسائل الشیعة1:63،الباب10 من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة8:227-228،الباب16 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،الحدیث الأوّل.

(مسألة 47) التیمّم الذی هو بدل عن الوضوء لا یلحقه حکمه فی الاعتناء بالشکّ إذا کان فی الأثناء،وکذا الغسل والتیمّم بدله،بل المناط فیها التجاوز عن محلّ المشکوک فیه وعدمه،فمع التجاوز تجری قاعدة التجاوز[1]

وإن کان فی الأثناء،مثلاً إذا شکّ بعد الشروع فی مسح الجبهة فی أنّه ضرب بیدیه علی الأرض أم لا یبنی علی أنّه ضرب بهما،وکذا إذا شکّ بعد الشروع فی الطرف الأیمن فی الغسل أنّه غسل رأسه أم لا،لا یعتنی به،لکنّ الأحوط إلحاق المذکورات أیضاً بالوضوء.

--------------

المطلوب فیه أو رفع الید عن العمل بترکه اعتذاراً بأنّه لا یتمکّن من إحراز الإتیان به وغیر ذلک ممّا هو من الشیطان وهمّه.

وما یقال فی المقام من أنّ الاعتناء بالشکّ مع کثرته حرج فلا یکلّف بالاعتناء به لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ لزوم الحرج نوعیّاً لا یوجب ارتفاع التکلیف فیما لم یکن التکلیف فی شخص حرجیّاً مع أنّ فی کون الاعتناء بالشکّ تکلیفاً یرتفع به دون التکلیف بذلک العمل تأمّلاً،کما لا یخفی.

الشک فی التیمّم

[1]

إذا التزمنا باختصاص قاعدة التجاوز فی إجزاء المرکّب بأجزاء الصلاة أمّا بدعوی أنّ صحیحة زرارة الوارد فیها:«یا زرارة إذا خرجت من شیء ثمّ دخلت فی غیره فشکّک لیس بشی» (1) المراد ب«الشیء» فیها شیء من أجزاء الصلاة أو أنّ المراد به الشیء الواحد ولو اعتباراً حیث إنّ أیّ مرکّب اعتباری من الصلاة أو غیرها شیء واحد،ومفاد الکبری:إذا خرجت من شیء یعنی مرکّب وشککت فیه فشکّک لیس بشیء،غایة الأمر أجری الشارع هذه الکبری وطبّقها علی أجزاء الصلاة فیکون

ص :152


1- (1)) وسائل الشیعة8:237،الباب23 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،الحدیث الأوّل.

..........

جریان حکم الشّکّ فی أجزاء الوضوء وشرائطها أثناء الوضوء فی غیره من التیمّم والغسل والتیمّم البدل عن الغسل علی القاعدة.

وأمّا لو بنی علی عموم قاعدة التجاوز وعدم اختصاصها بباب الصلاة وأن خروج الوضوء عنها لصحیحة زرارة یتعیّن الالتزام بجریان قاعدة التجاوز فی التیمّم والغسل أخذاً بالإطلاق فی صحیحة زرارة وغیرها کالعموم فی صحیحة اسماعیل بن جابر:«کلّ شیء شکّ فیه ممّا قد جاوزه ودخل فی غیره فلیمض علیه» (1) فالعموم فی قاعدة التجاوز ثابت؛ لأنّ المورد لا یکون مقیّداً للإطلاق فی الکبری الواردة فی صحیحة زرارة فضلاً عن أن یکون مخصّصاً للعموم فی صحیحة إسماعیل بن جابر.

ودعوی أنّ «الشیء» فی الصحیحة لو شمل کلّاً من الجزء والمرکّب لزم التناقض فی مدلولها،حیث إنّ الشّک فی الجزء بعد مضی محلّه والدخول فی جزء آخر بما أنّه شیء خرج منه ودخل فی غیره فلا یعتنی بشکّه،وبما أنّه مع سائر الأجزاء شیء لم یتجاوزه ولم یدخل غی غیره فیعتنی بشکّه لا یمکن المساعدة علیها؛ فإنّ مع شمول القاعدة للجزء المشکوک بعد تجاوز محلّه لا یبقی فی ناحیة المرکّب شکّ،ولم یذکر فی القاعدة أنّ الشّک فی الشیء قبل تجاوز محلّه یعتنی به، بل هو حکم العقل فی مقام إحراز الامتثال بعد انحصار التعبّد علی الإتیان بما إذا کان الشکّ فیه بعد تجاوز محلّه.

وعلی الجملة،لا موجب لخروج التیمّم والغسل من قاعدة التجاوز،ولیس فی البین إجماع علی الإلحاق،بل فی الجواهر:لم أجد من ألحق سائر الطهارات بالوضوء غیر صاحب الریاض (2) .

ص :153


1- (1)) وسائل الشیعة6:317-318،الباب13 من أبواب الرکوع،الحدیث4.
2- (2)) جواهر الکلام2:355.

(مسألة 48) إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح علی الحائل،أو مسح فی موضع الغسل أو غسل فی موضع المسح ولکن شکّ فی أنّه هل کان هناک مسوّغ لذلک من جبیرة أو ضرورة أو تقیّة أو لا،بل فعل ذلک علی غیر الوجه الشرعی،الظاهر الصحّة حملاً للفعل علی الصحّة لقاعدة الفراغ أوغیرها[1]

.

--------------

ودعوی أنّ عدم جریان القاعدة فی الوضوء لکون الطهارة التی هی شرطللصلاة ونحوها أمر واحد بسیط مسبّب عن الوضوء فباعتبار ذلک الواحد البسیط لا تجری قاعدة التجاوز أیضاً لا یمکن المساعدة علیها؛ فإنّ الطهارة کما تقدّم عنوان لنفس الوضوء المفروض کونه مرکّباً اعتباریاً،وثانیاً کون الطهارة المسبّبة عنه أمراً بسیطاً لا یوجب عدم جریان قاعدة التجاوز فی نفس الوضوء حتّی یقال بأنّ ما ذکر یمنع عن جریانه فی التیمّم والغسل وکون التیمّم بدلاً عن الوضوء فی کونه طهارة لا فی کون الشّک فی التیمّم أیضاً بدلاً عن الشّک فی الوضوء کما لا یخفی،ولکن مع ذلک یأتی استظهار إلحاق الغسل بالوضوء بلزوم الاعتناء بالشّک فی الأثناء.

جریان قاعدة الفراغ فی بعض الفروض

[1]

وقد یقال بعدم جریان قاعدة الفراغ فی شیء من الفروع المفروضة فی المتن وذلک فإنّ الشّکّ فی صحّة العمل المفروغ عنه قد ینشأ عن الشّک فی تعلّق التکلیف به،کما إذا صلّی صلاة الظهر وشکّ بعد الفراغ عنها فی دخول وقت صلاة الظهر أم لا،فإنّه لا مورد لقاعدة الفراغ فی هذا الفرض،حتّی فیما إذا احتمل أنّه کان حین صلاته محرزاً دخوله؛ وذلک لأنّ جریان قاعدة الفراغ والتجاوز فیما إذا کان الشّکّ فی نفس فعل المکلّف،وفیما نحن فیه لا شکّ للمکلّف فی فعل نفسه،بل شکّه فی أمر الشارع وتکلیفه.

وأمّا إذا علم التکلیف وشکّ فی متعلّقه کما إذا صلّی فی السفر إلی مکان تماماً

ص :154

ثمّ شکّ بعد الفراغ عن الصلاة أنّ سفره إلی ذلک کان سفراً موجباً للقصر کما إذا کان ...

--------------

ثمانیة فراسخ أو أنّ المسافة أقلّ من الثمانیة فکان مکلّفاً بالتمام وقد صلّاها،وفی مثل ذلک لو کان فی البین أصل یثبت التکلیف بالتمام کالاسصتحاب فی عدم کون سفره إلی ثمانیة فراسخ فهو یوجب الحکم بالصحة لا قاعدة الفراغ؛ لأنّ الشّک فی حکم الشارع بوجوب التمام.

وأمّا إذا کان الأصل مثبتاً لتکلیف آخر کما إذا کان صلّی فی الفرض قصراً فلا یحکم بصحّة صلاته بقاعدة الفراغ؛ لأنّ الشّک فی فعل الشارع وحکمه لا فعل نفسه والمفروض أنّ الاستصحاب یثبت وجوب التمام والمسح علی الحائل أو المسح فی موضع الغسل،وغسل موضع المسح من هذا القبیل حیث یتردّد متعلّق التکلیف بین الوضوء الاختیاری والاضطراری،ومقتضی الأصل عدم حدوث الاضطرار الموجب للمسح علی الحائل أو الجبیرة ونحو ذلک.

وعلی الجملة،فقاعدة الفراغ تجری فی خصوص ما کان الشّک فی عمل نفسه وأنّه أُتی به تاماً أو ناقصاً،ولا تجری فی الموارد التی یکون ما أتی به من العمل محرزاً فعلاً ویکون شکّه فی أنّه کان مأموراً به أم لا،أو کان هو المأمور به أم غیره؛ وذلک فإنّ بعض الروایات مثل قوله علیه السلام:«کلّ ما شککت فیه ممّا قد مضی فأمضه کما هو» (1) و«کلّ ما مضی من صلاتک وطهورک فذکرته تذکّراً فأمضه» (2) وإن یشمل جمیع صور الشّکّ فی العمل المفروغ عنه إلّاأنّ مقتضی معتبرة بکیر بن أعین المشتملة علی قوله:«هو حین یتوضّأ أذکر منه حین یشّک» (3) اعتبار الجهالة بالعمل المفروغ عنه،وکذا معتبرة محمّد بن مسلم التی رواها فی الفقیه بسنده إلی محمّد بن مسلم عن

ص :155


1- (1)) وسائل الشیعة8:237-238،الباب 23 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،الحدیث3.
2- (2)) وسائل الشیعة1:471،الباب42 من أبواب الوضوء،الحدیث6.
3- (3)) وسائل الشیعة1:471،الباب42 من أبواب الوضوء،الحدیث 7.

.

--------------

أبی عبداللّٰه علیه السلام أنّه قال:«إن شکّ الرجل بعد ما صلّی فلم یدر أثلاثاً صلّی أم أربعاً وکان یقینه حین انصرف أنّه کان قدأتمّ لم یعد الصلاة،وکان حین انصرف أقرب إلی الحقّ منه بعد ذلک» (1) ووجه اعتبارها أنّ ابن إدریس رواها عن کتاب محمد بن علی بن محبوب. (2)

أقول: قد تقدّم ما فی مضمرة بکیر بن أعین من ضعفها؛ لکونها مضمرة أوّلاً، وعدم دلالتها علی التعبّد ثانیاً فإنّه من قبیل الحکمة،وأمّا روایة محمّد بن مسلم فهی وإن کانت تامّة سنداً فإنّ ابن إدریس رواها عن کتاب محمد بن علی بن محبوب التی کان عنده بشهادة خطّه وإنّما الضعف فی دلالتها فإنّ مدلولها اعتبار قاعدة الیقین فی الشّکّ فی رکعات الصلاة لا اعتبار قاعدة الفراغ فإنّه لا یعتبر فی جریان قاعدة الفراغ الیقین بصحّة العمل حین الانصراف عنه،بل تجری فیما إذا احتمل أنّ الانصراف عنه وقع لغفلة کما لا یخفی.

ولکن الصحیح عدم جریان قاعدة الفراغ فیما إذا کان الشّک فی مجرّد التکلیف بالعمل وکان ما عمله محرزاً بتمامه حین الشّکّ؛ لأنصراف الأخبار إلی ما إذا کان الشکّ فیما عمله فی مقام الامتثال لا فیما إذا کان عمله محرزاً فیه وکان شکّه فی مجرّد التکلیف به علی ما ذکرنا فی البحث عن قاعدتی الفراغ والتجاوز،وعلیه فلو احتمل المکلّف أنّه عندما کان محرزاً التکلیف به وجه معتبر فلا یبعد جریان قاعدة الفراغ لشمول الإطلاق،وأمّا إذا لم یکن هذا الاحتمال فلا یحکم بالصحّة لانصراف إطلاقات القاعدة إلی الشکّ فی مقام الامتثال،بل یجری فی فرض احتمال الإحراز المعتبر قوله علیه السلام:«وکان حین انصرف أقرب إلی الحقّ منه بعد ذلک» (3) کما لا یخفی.

ص :156


1- (1)) من لایحضره الفقیه1:352،الحدیث1027.
2- (2)) السرائر3:614.
3- (3)) من لایحضره الفقیه1:352،الحدیث1027.

وکذا لو علم أنّه مسح بالماء الجدید ولم یعلم أنّه من جهة وجود المسوغ أو لا[1]

والأحوط الإعادة فی الجمیع.

(مسألة 49) إذا تیقّن أنّه دخل فی الوضوء وأتی ببعض أفعاله ولکن شکّ فی أنّه أتمّه علی الوجه الصحیح أو لا،بل عدل عنه اختیاراً أو اضطراراً الظاهر عدم جریان قاعدة الفراغ فیجب الإتیان به؛ لأنّ مورد القاعدة ما إذا علم کونه بانیاً علی إتمام العمل وعازماً علیه إلّاأنّه شاکّ فی إتیان الجزء الفلانی أم لا،وفی المفروض لا یعلم ذلک،وبعبارة أُخری مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسیان لا احتمال العدول عن القصد [2]

.

--------------

[1]

قد ظهر الحال فیه ممّا تقدّم،وقد ظهر منه أیضاً أنّ الاحتیاط لا یکون استحبابیاً فی موارد الشّکّ فی نفس التکلیف بالعمل المفروغ منه فیما إذا لم یکن فی البین أصل آخر مصحّح للعمل المزبور.

[2]

والوجه فی ذلک أنّ قاعدة الفراغ تختصّ بالموارد التی احتمل المکلّف الخلل الواقع فی عمله المفروغ عنه غفلةً واشتباهاً،وأمّا ما إذا علم أنّ الخلل علی تقدیره تعمّدی فلا مجری للقاعدة؛ لانصراف الأخبار الواردة فی اعتبارها عن ذلک.

وبتعبیر آخر،المفروض فی تلک الأخبار وقوع العمل امتثالاً لما علیه أو المطلوب منه من العمل واحتمل النقص؛ للغفلة فی أثنائه وهذا یجری فی اعتبار قاعدة التجاوز أیضاً حیث یعتبر فی جریانها احتمال ترک ما یعتبر فی العمل فی محلّه غفلة واشتباهاً،وعلیه فلا مورد فی المقام لا لقاعدة الفراغ ولا لقاعدة التجاوز حتّی ما إذا حصل هذا الشّک له بعد الدخول فی الصلاة ونحوها ممّا هو مشروط بالطهارة، ولکن ذکر الماتن علیه السلام فی مسألة 41 من مبطلات الصلاة ما ینافی ما ذکره فی المقام حیث قال فی تلک المسألة:إنّه لو نام اختیاراً وشکّ فی أنّه أتمّ الصلاة ثمّ نام أو نام فی أثنائها بنی علی أنّه أتمّ ثمّ نام.

ووجه المنافاة أنّه إذا نام اختیاراً فتارة یعلم أنّه علی تقدیره أثناء الصلاة کان

ص :157

(مسألة 50) إذا شکّ فی وجود الحاجب وعدمه قبل الوضوء أو فی الأثناء وجب الفحص حتّی یحصل الیقین أو الظنّ بعدمه إن لم یکن مسبوقاً بالوجود،وإلّا وجب تحصیل الیقین ولا یکفی الظنّ[1]

.

--------------

ملتفتاً أنّه أثناء الصلاة ففی مثل ذلک لا مجری لا لقاعدة الفراغ ولا لقاعدة التجاوز.

وأُخری أنّه نام اختیاراً بتخیّل أنّه أتمّ الصلاة ففی مثل ذلک لا بأس بجریان قاعدة الفراغ،بل التجاوز حیث إنّ الدخول فی المنافی یوجب صدق مضی العمل ومحلّه کما لا یخفی.

وکیف ما کان،فإطلاق قوله قدس سره:بنی علی أنّه قد أتمّ الصلاة،غیر صحیح وینافی ما ذکره فی المقام دعوی حمل الفعل علی الصحّة فیما إذا دخل المکلّف فیه بقصد الإتمام فلا یمکن المساعدة علیه فیما إذا کان العامل والحامل متّحداً،کما قرّر فی مسألة حمل عمل الغیر علی الصحّة لو لم نقل باختصاص الحمل فیما إذا کان الحامل غیر العامل أیضاً بصورة إحراز عدم عدوله عن قصده ذلک العمل تعمداً إلّا إذا کان رفع الید عن العمل اختیاراً محرّماً کما فی الصلاة الواجبة.

ثمّ إنّه لا منافاة بین عدم الحکم بالصحّة والإتمام فی هذه المسألة وبین الحکم بالصحّة فی المسألة السابقة؛ لأنّ منشأ الخلل فی تلک المسألة - أی الثامنة والأربعون - احتمال الغفلة فی الحکم والوظیفة؛ ولذا أجری فیها قاعدة الفراغ أخذاً بعموم الأخبار - کما تقدّم -بخلاف هذه المسألة فإنّ الخلل علی تقدیره تعمّدی وغیر ناشٍ عن الغفلة عن العمل وحکمه بوجه؛ ولذا ذکرنا انصراف الأخبار عن احتمال هذا الخلل.

إذا شک فی وجود الحاجب

[1]

فصّل قدس سره بین ما إذا احتمل المکلّف عند الوضوء الحاجب فی بعض مواضع الوضوء وبین ما إذا علم بوجوده علیها سابقاً واحتمل بقاءه،فإنّه ذکر فی

ص :158

..........

الأوّل أنّه یجب الفحص حتّی یحصل الیقین أو الظن بعدمه،بخلاف الصورة الثانیة - یعنی ما إذا کان الحاجب له حالة سابقة - فاللازم تحصیل الیقین بالزوال ولا یکفی الظن به،وقد تقدّم سابقاً أنّ استصحاب عدم الحاجب علی العضو لایثبت غسل ذلک العضو کما أنّ استصحاب الحاجب علیه لایثبت عدم غسله،بل مقتضی قاعدة الاشتغال بل استصحاب عدم وصول الماء إلی تمام العضو لزوم إحراز الغسل الموقوف علی الفحص وأنّ الإحراز لا ینحصر بالیقین بالعدم أو الزوال بل یکفی الاطمئنان بهما،حیث إنّ الاطمئنان طریق معتبر عند العقلاء إلّافی الموارد التی ذکرناها،وعلیه فإن کان المراد بالظنّ خصوص الاطمئنان فیکفی فی الصورتین،وإن أُرید به غیره فلا دلیل علی اعتبار الظنّ بعدم الحاجب حتّی فیما إذا لم یکن مسبوقاً بالوجود.

ودعوی السیرة المتشرّعة علی الاکتفاء بالظنّ بعدم المانع فی موارد احتمال المانع وإن لم یصل إلی حدّ الاطمئنان لا تخلو عن مجرد الدعوی،بل یظهر من صحیحة علی بن جعفر لزوم إحراز الغسل مع الفحص عمّا ذکرنا حیث قال:سألت موسی بن جعفر علیه السلام عن المرأة علیها السوار والدملج فی بعض ذراعها لا تدری یجری الماء تحته أم لا کیف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال:«تحرّکه حتّی یدخل الماء تحته أو تنزعه» (1) فإنّ ظاهر قوله علیه السلام:«تحرّکه حتّی یدخل الماء تحته» مع فرض الشّک فی وصول الماء تحته لزوم إحراز الغسل ولا یعارضها ما فی ذیلها:«عن الخاتم الضیق لا یدری هل یجری الماء تحته إذا توضّأ أم لا کیف یصنع؟ قال:«إن علم أنّ الماء لا یدخله فلیخرجه إذا توضّأ» ولیس الوجه فی عدم المنافاة أنّه إذا ذکر فی الصدر لزوم إحراز وصول الماء إلی البشرة فلا یکون للذیل مفهوم بأنّه إذا لم یعلم

ص :159


1- (1)) وسائل الشیعة1:467،الباب41 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

وإن شکّ بعد الفراغ فی أنّه کان موجوداً أم لا،بنی علی عدمه ویصحّ وضوءه[1]

وکذا إذا تیقّن أنّه کان موجوداً و شکّ فی أنّه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا،نعم فی الحاجب الذی قد یصل الماء تحته وقد لایصل إذا علم أنّه لم یکن ملتفتاً إلیه حین الغسل ولکن شکّ فی أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، یشکل جریان قاعدة الفراغ فیه فلا یترک الاحتیاط بالإعادة.

--------------

بالحاجبیة فلا یجب النزع وتحصیل الیقین بوصول الماء،بل یحمل الذیل علی أنّه إذا علم أنّه لا یصل الماء تحت الخاتم بالتحریک تعیّن نزعه وذلک فإنّه إذا ذکر فی الصدر لزوم إیصال الماء إلی البشرة بالتحریک أو النزع فلا یبقی مورد للسؤال ثانیاً عن حکم الخاتم الضیّق،فأنّه إذا لزم إیصال الماء إلی البشرة وتوقّف علی النزع خاصّة تعیّن بلا حاجة إلی السؤال،بل الوجه فی عدم المنافاة أنّه یحتمل قریباً بقرینة ما ذکر من معلومیة الحکم من الصدر أنّ الذیل روایة أُخری وذکره من قبیل الجمع فی الروایة،ومقتضی الجمع العرفی بین الروایتین یعنی الصدر والذیل أنّ ذکر العلم فی الذیل لمجرّد کونه طریقاً إلی الواقع.

وبتعبیر آخر،لم یعلم أنّ علی بن حعفر کان سؤاله بغرض إطلاعه علی الحکم الظاهری فی موضع السواد والدملج والخاتم،بل من المحتمل قریباً أن یکون غرضه اعتبار غسل موضع لبسها أو عدم اعتباره،فالإمام علیه السلام فی کلتا الروایتین فی مقام بیان اعتبار غسل مواضعها ولو بمجرّد دخول الماء تحتها ولو لم یجر علیه ومع عدم الدخول فاللازم التحریک أو النزع.

هذا،ومع تسلیم المعارضة یکفی فی المقام ما تقدّم من مقتضی الاستصحاب وقاعدة الاشتغال بعد کون مقتضی الآیة والروایات اعتبار غسل تمام المحدود من الید وغیرها.

[1]

ذکر قدس سره فی المقام فروضاً أربعة:

ص :160

..........

الأوّل:ما إذا فرغ من من وضوئه وشکّ بعد فراغه أنّه هل کان فی بعض مواضع الوضوء حاجب قد منع عن غسل موضعه أم لا؟

الثانی:أنّه تیقّن أنّه کان عند إرادة الوضوء علی بعض مواضعه حاجب یمنع الماء عن الوصول عن موضعه واحتمل أنّه عند الغسل أزال الحاجب أو أوصل الماء تحته.

ففی هذین الفرضین حکم بصحة الوضوء؛ لأنها مقتضی قاعدة الفراغ الجاریة فیه.

الثالث:ما إذا تیقّن بعد الفراغ أنّه کان علی بعض مواضعه ما یمنع عن وصول الماء إلی تحته بعضاً ولایمنع بعضاً وشکّ فی أنّه وصل الماء تحته عند غسل العضو فحکم بصحّة الوضوء فیما إذا احتمل التفاته إلیه عند التوضّؤ وأحرز وصول الماء تحته.

وأمّا إذا علم بغفلته عن وجوده عند غسل الوضوء ولکن احتمل وصول الماء تحته اتفاقاً فیشکل جریان قاعدة الفراغ فالأحوط وجوباً الإعادة.

أقول: اللازم علیه التفصیل فی الفرض الأوّل أیضاً،فأنّه إذا احتمل وجود الحاجب عند التوضّؤ وعلم بغفلته عنه علی تقدیر وجوده فاللازم إعادة الوضوء، وقد تقدّم أنّ استصحاب عدم المانع حین الوضوء لا یثبت غسل العضو بتمامه والمفروض أنّه حین التوضّؤ لیس أذکر من حین الشّک ولا أقرب إلی الحقّ منه.

وقد یقال إنّه یحکم فی الفرض الثالث أیضاً بالصحة لا لقاعدة الفراغ بل الحکم بالصحّة مقتضی صحیحة الحسین بن أبی العلاء قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت؟ قال:«حوّله من مکانه،وقال فی الوضوء:تدیره فإن نسیت حتّی

ص :161

وکذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أوالمشکوک حجبه وشکّ فی کونه موجوداً حال الوضوء أو طرأ بعده فإنّه یبنی علی الصحّة[1]

إلّاإذا علم أنّه فی حال الوضوء لم یکن ملتفتاً إلیه فإنّ الأحوط الإعادة حینئذ.

(مسألة 51) إذا علم بوجود مانع وعلم زمان حدوثه وشک فی أنّ الوضوء کان قبل حدوثه أو بعده یبنی علی الصحّة؛ لقاعدة الفراغ [2]

،إلّاإذا علم عدم الالتفات إلیه حین الوضوء،فالأحوط الإعادة حینئذ.

--------------

تقوم فی الصلاة فلا آمرک أن تعید الصلاة». (1)

ولکن یمکن المناقشة بأنّه لم یظهر أنّ هذه الروایة أیضاً فی مقام بیان الحکم الظاهری،بل یمکن کون المراد أنّ تحویل الخاتم فی الغسل عن موضعه وفی الوضوء إدارته مستحبّ،ولو کان فی مقام بیان الحکم الظاهری لم یکن وجه للتفرقة بین الوضوء والغسل بالإرادة فی الأوّل والتحویل فی الثانی.

[1]

مراده ما إذا جهل تاریخ حدوث الحاجب أو ما یکون حاجباً بعضاً وغیر حاجب بعضاً آخر،سواء علم تاریخ حدوث الوضوء أو جهله أیضاً،ففی النتیجة یحتمل وجود الحاجب المزبور حال الوضوء فیکون وضوؤه محکوماً بالصحة إلّاإذا علم أنّه حال وضوئه لم یکن ملتفتاً إلی حال أعضاء الوضوء من حیث الحاجب وعدمه فإنّ الأحوط مع إحراز هذه الغفلة إعادة الوضوء.

أقول: هذا مبنیّ علی الإشکال فی جریان قاعدة الفراغ فی موارد إحراز الغفلة حال العمل واحتمال صحّته اتفاقاً.

[2]

المفروض فی هذه المسألة العلم بزمان حدوث الحاجب المزبور ولکن تردّد زمان الوضوء بین کونه قبل زمان حدوث الحاجب المزبور حتّی یصحّ أو بعده فیبطل فإنّه فی الفرض أیضاً یحکم بصحّة الوضوء؛ لاحتمال کونه قبل حدوث

ص :162


1- (1)) وسائل الشیعة1:468،الباب41 من أبواب الوضوء،الحدیث2.

(مسألة 52) إذا کان محلّ وضوئه من بدنه نجساً،فتوضّأ وشک بعده فی أنّه طهّره ثمّ توضّأ أم لا،بنی علی بقاء النجاسة[1]

فیجب غسله لما یأتی من الأعمال وأمّا وضوءه فمحکوم بالصحة عملاً بقاعدة الفراغ إلّامع علمه بعدم التفاته حین الوضوء إلی الطهارة والنجاسة.

--------------

الحاجب إلّاإذا علم أنّه حال الوضوء لم یکن ملتفتاً إلی حال أعضاء الوضوء فإنّ الأحوط فی الفرض الإعادة لماتقدّم من الإشکال فی جریان قاعدة الفراغ مع إحراز الغفلة حال العمل.

إذا کان محلّ وضوئه من بدنه نجساً

[1]

والوجه فی ذلک ما تقرّر فی البحث عن قاعدة الفراغ من أنّها کسائر الأُصول العملیة والاستصحاب لا تثبت لوازمها،فإنّه مع احتمال تطهیر العضو المزبور وإن تجری قاعدة الفراغ فی الوضوء فیحکم بصحّته إلّاأنّ الحکم بصحّته لا یثبت طهارة ذلک العضو.

والوجه فی ذلک أنّ طهارة العضو وتطهیره لا یکون من أجزاء الوضوء؛ لمّا تقدّم من أنّ الوضوء غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین،وإنّما تکون طهارته شرطاً فی صحّة الوضوء ومعنی الاشتراط واقع التقید المعبّر عنه بمفاد واو الجمع، فقاعدة الفراغ فی الوضوء یحرز به مفاد واو الجمع لا نفس طهارة العضو المفروض اعتبار وجودها زمان غسل العضو بعنوان الوضوء؛ ولذا یجری فی ناحیة العضو استصحاب بقائه علی ما کان من التنجّس فیجب غسله یعنی تطهیره بالإضافة إلی الأعمال الآتیة التی منها الوضوء الآتی.

وممّا تقدّم فی المسائل السابقة یظهر أنّ الحکم بصحّة الوضوء فیما إذا احتمل

ص :163

و کذا لو کان عالماً بنجاسة الماء الذی توضّأ منه سابقاً علی الوضوء ویشکّ فی أنّه طهّره بالاتصال بالکر أو بالمطر أم لا فإنّ وضوءه محکوم بالصحة،والماء محکوم بالنجاسة،ویجب علیه غسل کلّ ما لاقاه،وکذا فی الفرض الأوّل یجب غسل جمیع ما وصل إلیه الماء،حین التوضّؤ أو لاقی محل الوضوء مع الرطوبة[1]

.

--------------

الالتفات إلی نجاسة العضو حال الوضوء.

[1]

وهذا بناءً علی اعتبار احتمال الالتفات حال العمل فی جریان قاعدة الفراغ علی ما ذکره جماعة.

ثمّ إنّ الحکم بصحّة الوضوء لا ینافی الحکم ببقاء العضو علی نجاسته السابقة فیما إذا لم تکن النجاسة ممّا لا یطهر الشی بجریان الماء علیه مرّة،کما إذا کان العضو متنجّساً بالبول أو کانت النجاسة لها عین یحتمل عدم زوالها به وذلک فإنّ مفاد قاعدة الفراغ فی الوضوء التعبّد بحصول ما هو معتبر فی الوضوء وهو اجتماع غسل العضو وطهارة ذلک العضو أی مفاد واو الجمع واقعاً وإن لا ینفک عن طهارة العضو إلّاأنّ التعبّد بمفاد واو الجمع ینفک عنه لعدم اعتبار الأصل المثبت،وعلی ذلک تجری فی نفس العضو بقاؤه علی نجاسته ویحکم بتنجّس الماء الذی توضّأ به حیث إنّه لاقی الموضع الذی حکم بتنجیسه عند الملاقاة.

وممّا ذکر یظهر أیضاً فی ما إذا شکّ بعد الوضوء فی تطهیر الماء الذی تنجّس به فإنّه مع احتمال تطهیره باتصاله بالکر أو وقوع المطر علیه وإن کان الوضوء المزبور محکوماً بالصحّة؛ لأنّ مفاد قاعدة الفراغ التعبّد باجتماع غسل الأعضاء وطهارة الماء المغسول به إلّاأنّ الماء بنفسه محکوم بالنجاسة ولذا یجب غسل کلّ ما أصابه ذلک الماء.

وبتعبیر آخر،لم یکن فی الفرضین تعبّد بطهارة الماء والعضو إلّاأنّه یکون التعبّد

ص :164

.

--------------

بما هو مفاد واو الجمع والتعبّد بمفادها لا یثبت نفس طهارة الماء فی هذا الفرض وطهارة العضو فی الفرض السابق.

لا یقال: إذا لم یکن التعبّد بصحّة الوضوء فی الفرضین یثبت نفس طهارة العضو والماء فکیف یکون التعبّد بطهارة الماء والعضو فیما إذا کانا مسبوقین بالطهارة وشکّ قبل الوضوء فی تنجّسهما مفیدا ً فی ثبوت مفاد واو الجمع وتقید غسل الأعضاء بطهارتهما.

فإنّه یقال: إذا وقع التعبّد بنفس طهارة العضو أو الماء یکون التقید أی اجتماع الغسل بالطهارة التعبّدیة لهما وجدانیاً نظیر ما ذکرنا فی بحث الأمارات والأُصول من أنّه إذا وقع التعبّد بالحکم الواقعی یجعل الحکم الظاهری بکون العلم بذلک الحکم الواقعی التعبّدی وجدانیاً؛ ولذا یترتّب علیه ما یترتّب علی العلم بالحکم من جواز الإفتاء وغیره.

لا یقال: إذا حکم بنجاسة الماء الذی توضّأ به باستصحاب نجاسة العضو کما فی الفرض الأوّل أو باستصحاب نجاسة نفس الماء کما فی الفرض الثانی فکیف یحکم بصحّة الوضوء؟ مع أنّ شرط الوضوء اجتماع الغسل بطهارة الوضوء وطهارة الماء المغسول به فالماء المتنجّس لا یتوضّأ به.

فإنّه یقال: نعم،ولکن هذا بلحاظ تقدیم قاعدة الفراغ علی الاستصحاب غیر ضائر؛ لأنّ ثبوت الوجدانی للمتعبد به أی مفاد واو الجمع ملغی بجریان قاعدة الفراغ فی نفس الوضوء کما تقدّم،فلاحظ وتدبّر.

ص :165

(مسألة 53) إذا شکّ بعد الصلاة فی الوضوء لها وعدمه بنی علی صحتها، لکنّه محکوم[1]

ببقاء حدثه،فیجب علیه الوضوء للصلوات الآتیة،ولو کان الشکّ فی أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء[2]

،والأحوط الإتمام مع تلک الحالة ثمّ الإعادة بعد الوضوء.

--------------

فی شکوک مختلفة

[1]

قد ظهر الحکم ببقاء الحدث ممّا تقدّم سابقاً وأنّ أصالة الصحّة فی الصلاة لا تثبت إلّاصحّتها لا ارتفاع الحدث المتیقّن سابقاً.

[2]

وأمّا إذا کان الشّکّ فی الوضوء أثناء الصلاة فلا مجری لا لقاعدة الفراغ ولا لقاعدة التجاوز،فإنّ قاعدة الفراغ فیما أتی به من الصلاة وکونه ممّا مضی لا تثبت حصول الطهارة بالإضافة إلی ما بقی منها وفی الآن الشّک فی کونه علی الطهارة،کما لا تثبت قاعدة الفراغ فی صلاة الظهر فیما إذا فرغ منها وشکّ فی الوضوء لها أنّه علی الطهارة بعدها لئلا یجب الوضوء لصلاة العصر أو یأتی غیرها ممّا هو مشروط بالطهارة.

وأمّا قاعدة التجاوز فی الوضوء فلأنّ قبل الصلاة لیس محلّاً شرعیّاً للوضوء لیقال إنّه قد مضی محل الوضوء وشکّ فی حصوله فی محلّه کالشّک فی أجزاء الصلاة حیث إنّ الصلاة مشروطة بوقوعها مع الوضوء لا أنّ الوضوء مشروط بوقوعه قبل الصلاة،نظیر اشتراط صلاة العصر بوقوعها قبل الظهر لا أنّ صلاة الظهر مشروطة بوقوعها قبل العصر فلو لم تصلِّ العصر بعد الظهر أصلاً صحّت صلاة الظهر کما هو ظاهر.

ولعلّ الوجه فی الاحتیاط استحباباً بإتمام الصلاة ثمّ الوضوء والإعادة؛ لاحتمال صحّة الصلاة المزبورة واقعاً فیکون قطعها من قطع الصلاة الفریضة،ولکن

ص :166

(مسألة 54) إذا تیقّن بعد الوضوء أنّه ترک منه جزءاً أو شرطاً أو أوجد مانعاً، ثمّ تبدّل یقینه بالشکّ یبنی علی الصحّة[1]

عملاً بقاعدة الفراغ،ولا یضرّها الیقین بالبطلان بعد تبدّله بالشکّ،ولو تیقّن بالصحّة ثمّ شکّ فیها فأولی بجریان القاعدة.

--------------

ما دلّ علی حرمة قطع الصلاة الفریضة ما ثبت أنّها فریضة لا الفریضة الواقعیة وإن کانت محکومة بالفساد بحسب الحکم الظاهری،حیث إن عمدة الدلیل علی حرمة قطعها الإجماع،والثابت من الإجماع هو هذا المقدار کما قرّر فی محلّه.

ودعوی العلم الإجمالی بحرمة قطع الصلاة المشکوکة أو المعادة لا مجال لها بعد ما ذکرنا مورد ثبوت حرمة القطع،وعلی تقدیر تسلیم أنّ الموضوع لحرمة القطع الفریضة الواقعیّة لا مجال للالتزام بلزوم الإتمام ثمّ الإعادة،فإنّ العلم الإجمالی المزبور ینحلّ باستصحاب بقاء الحدث فی الصلاة المشکوکة وبثبوت أنّ الفریضة هی الصلاة المعادة باستصحاب عدم وقوع الصلاة المزبورة قبلها.

[1]

لأنّ الموضوع فی قاعدة الفراغ الشکّ فی صحّة ما مضی من العمل والشّکّ فی العمل الماضی موجود بالفعل وقاعدة الیقین المقتضیة الفساد لا اعتبار بها.

وبتعبیر آخر،مقتضی إطلاق الموضوع فی أخبار قاعدة الفراغ عدم الفرق بین کون الشّکّ فی العمل الماضی مسبوقاً بالیقین بعد الفراغ بالنقص وعدمه،وما فی صحیحة محمّد بن مسلم الواردة فی الشّک فی الثلاث والأربع بعد الصلاة من قوله علیه السلام:«وکان یقینه حین انصرف أنّه کان قد أتمّ لم یعد الصلاة» (1) لا یقیّد جریان قاعدة الفراغ بما إذا کان الشّکّ مسبوقاً بالیقین بالصحّة فإنّ هذا القید غیر معتبر فی جریان القاعدة فی غیر الشّک فی رکعات الصلاة؛ لإطلاق الأخبار بل فی الصلاة أیضاً؛ لأنّ المراد بالانصراف فیها ذکر التسلیمة التی یخرج بها من الصلاة کما یظهر ذلک لمن لاحظ أخبار التسلیمة.

ص :167


1- (1)) وسائل الشیعة8:246،الباب27 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،الحدیث3.

(مسألة 55) إذا علم قبل تمام المسحات[1]

أنّه ترک غسل الید الیسری،أو شکّ فی ذلک فأتی به وتمّم الوضوء،ثمّ علم أنّه کان غسله،یحتمل الحکم ببطلان الوضوء من جهة کون المسحات أو بعضها بالماء الجدید،لکنّ الأقوی صحّته؛ لأنّ الغسلة الثانیة مستحبّة علی الأقوی حتّی فی الید الیسری،فهذه الغسلة کانت مأموراً بها فی الواقع،فهی محسوبة من الغسلة المستحبّة،ولا یضرّها نیّة الوجوب، لکنّ الأحوط إعادة الوضوء؛ لاحتمال اعتبار قصد کونها ثانیة فی استحبابها.هذا، ولو کان آتیاً بالغسلة الثانیة المستحبّة وصارت هذه ثالثة تعیّن البطلان؛ لما ذکر من لزوم المسح بالماء الجدید.

--------------

وممّا ذکر یظهر أنّه لو تیقّن بصحّة الوضوء بعد الفراغ ثمّ شکّ فیه جرت قاعدة الفراغ بالأولویة لحصول القید الذی ربّما یتوهمّ استفادته من صحیحة محمّد بن مسلم کما لا یخفی.

وأمّا الأولویة فی مقام الثبوت أی مقام ثبوت اعتبار قاعدة الفراغ فهو وإن کان صحیحاً إلّاأنّ الأولویة فی مقام الإثبات أیضاً موجودة کما أشّرنا إلیها فی صحیحة محمّد بن مسلم المتقدّمة. (1)

[1]

إذا شکّ قبل تمام المسحات المعتبرة فی الوضوء فی غسل یده الیسری، وبما أنّ الشکّ قبل الفراغ عن الوضوء أعاد غسلها ثمّ تمّم وضوءه بالمسحات وبعده تیقین أنّه کان قد غسل یده الیسری قبل الإعادة فقد فصّل قدس سره بین ما إذا اکتفی بعد الشکّ بغسل الید الیسری مرّة فذکر أنّ وضوءه فی هذه الصورة محکوم بالصحة، حیث إنّ المسحات کلّها أو بعضها وإن وقعت ببلّة الغسلة المعادة إلّاأنّها لیست بماء جدید،حیث إنّ الغسلة الثانیة فی الوضوء مستحبّ علی الأظهر فیکون المسح ببلتیها من المسح ببلّة الوضوء،وقصده الوجوب فی الغسلة الثانیة غیر مضرّ فإنّه من

ص :168


1- (1)) فی الصفحة السابقة.

..........

الخطأ فی التطبیق حیث توهمّ أنّ العنوان المنطبق علی تلک الغسلة هو عنوان الغسلة الأُولی وبین ما إذا غسل یده الیسری بعد الشک مرتین إحداهما بقصد الغسلة الواجبة والثانیة بقصد الغسلة الثانیة المستحبّة،وإذا ظهر أنّ الغسلة الثانیة المزعومة کانت ثالثة یحکم ببطلان الوضوء؛ لوقوع المسحات کلّها أو بعضها بالماء الجدید، ولکن احتاط فی الصورة الأُولی أیضاً بإعادة الوضوء؛ لاحتمال أنّ الغسلة الثانیة المستحبّة ما إذا قصد بها عنوان الثانیة والمفروض أنّه قصد بها الأُولی عند الإعادة.

أقول: الأحوط لزوماً إعادة الوضوء حتّی فی الصورة الأُولی؛ لعدم ثبوت الاستحباب فی الغسلة الثانیة.

نعم،علی تقدیر ثبوت الاستحباب فلا مجال للمناقشة فإنّ الثابت من عنوان (القصد) هو الغسلات والمسحات الوضوئیة لا عنوان کون الغسلة الأُولی أو الثانیة کما فی رکعات الصلاة وصیام أیام شهر رمضان کما لا یخفی.

ص :169

ص :170

فصل فی أحکام الجبائر

وهی الألواح الموضوعة علی الکسر والخرق والأدویة الموضوعة علی الجروح والقروح والدمامیل،فالجرح ونحوه إمّا مکشوف أو مجبور،وعلی التقدیرین إمّا فی موضع الغسل أو فی موضع المسح،ثمّ إمّا علی بعض العضو أم تمامه أو تمام الأعضاء ثمّ إمّا یمکن غسل المحلّ أو مسحه أو لا یمکن[1]

.

--------------

فصل فی أحکام الجبائر

لابدّ من ذکر أمر

[1]

قبل الشروع فی مباحث وضوء الجبیرة ینبغی ذکر أمر و هو أنه لو قطع النظر عن الوارد فی الوضوء جبیرة من الرویات یتعیّن التیمّم عند عدم التمکّن من الوضوء التام الذی تقدّم أنّه غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین،فإنّ قوله سبحانه «فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً» (1) بقرینة ذکر المریض یراد به عدم التمکّن من استعمال الماء للوضوء والاغتسال،سواء کان عدم التمکّن لفقد الماء أو لعدم التمکّن من إیصاله إلی الأعضاء والبدن،وعلیه فأیّ مقدار استفید ممّا ورد فی الوضوء جبیرة أو ناقصاً فیؤخذ به ویتعدّی إلی ما لا یحتمل الفرق بینه وبین مورد النصّ لو کان،وفی غیره یؤخذ بمقتضی القاعدة الأوّلیّة المستفادة من الآیة المبارکة.

نعم،قد یقال إنّ فی البین قاعدة اخری یلاحظ تلک القاعدة فإنّها مقدّمة علی القاعدة الأوّلیّة المشار إلیها حیث إنّها محکومة بها،وهی القاعدة المعروفة بقاعدة المیسور الجاریة فی کلّ مرکّب ارتباطی لا یتمکّن المکلّف علیه بتمامه فیکون مکلّفاً

ص :171


1- (1)) سورة المائدة:الآیة 6.

..........

بالمیسور من ذلک المرکّب،ولو قیل بأنّ قاعدة المیسور لا دلیل علیها کما بیّن فی محلّه،ففی المیسور من الوضوء تجری لدلالة خبر عبد الأعلی مولی آل سام علیها، قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام:عثرت فانقطع ظفری فجعلت علی إصبعی مرارة فکیف أصنع بالوضوء؟ قال:«یعرف هذا وأشباهه من کتاب اللّٰه عزّ وجلّ قال اللّٰه تعالی: «مٰا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ» (1) امسح علیه» (2) ولکن قد ضعف هذه الروایة سنداً ودلالة.

أمّا دلالة فإنّ المستفاد من الآیة المبارکة: «مٰا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ» عدم وجوب الوضوء التامّ لا المسح علی المرارة؛ فإنّه کما لا یقال لغسل الخرقة الموضوعة علی الیدین غسلهما مع عدم وصول الماء إلی الید أصلاً،کذلک لا یقال لمسح الخرقة أو المرارة الموضوعة علی الرجل أنّه مسحها حتّی یستفاد ذلک من الآیة المبارکة،فالروایة علی تقدیر صحّتها سنداً لا تدلّ إلّاعلی نفی وجوب مسح البشرة والوضوء التامّ حیث إنّ وجوبه حرجی،ولا دلالة فی الروایة علی استفادة المسح علی المرارة أیضاً من الآیة.

وبتعبیر آخر،لو فرض أنّ عدم سقوط أصل الوضوء کان مفروغاً عنه عند عبدالأعلی وسئل عن الوضوء یعنی ما یجب علیه فی هذا الحال فلا ینبغی التأمّل فی أنّ أمره دائر لو کانت المرارة مستوعبة لتمام الأظفار بین سقوط المسح علیها بأن تعتبر فی المسح بالمقدار المکشوف من الرجل وبین أن یکلّف برفع المرارة حتّی یمسح تمام الرجل،وبأن یمسح علی المرارة فالآیة لا تدل إلّاعلی عدم وجوب مسح تمام الرجل ولا یعیّن المسح علی المرارة أو المقدار المکشوف هذه بحسب دلالتها.

ص :172


1- (1)) سورة الحج:الآیة78.
2- (2)) وسائل الشیعة1:464،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث5.

.

--------------

وأمّا من حیث السند فقد یقال بعدم ثبوت التوثیق لعبدالأعلی فإنّ عبدالأعلی مولی آل سام وإن قیل هو عبدالأعلی بن أعین العجلی الذی شهد الشیخ المفید فی رسالته العددیة أنّه من فقهاء أصحاب الصادقین علیهم السلام ومن الأعلام والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام. (1)

ووجه دعوی الاتّحاد هو ما رواه الکلینی فی باب الفضل فی تزویج الأبکار، (2) والشیخ قدس سره فی التهذیب فی باب اختیار الأزواج (3) عن علیّ بن رئاب،عن عبداللّٰه بن أعین مولی آل سام عن أبی عبداللّٰه علیه السلام.

ویجاب عن ذلک فإنّه لا دلالة فی الروایة المزبورة علی الاتّحاد حیث یحتمل أن یکون عبدالأعلی مولی آل سام من حیث اسم الأب مشترکاً مع عبدالأعلی العجلی ویفصح عن التعدّد أنّ الشیخ قدس سره (4) ذکر فی أصحاب الصادق علیه السلام کلّاً من عبدالأعلی مولی آل سام وعبدالأعلی بن أعین العجلی،وهذا یدلّ علی تعددهما

أقول :یمکن المناقشة فی ذلک وأنّ الشیخ قدس سره قد یکرّر فی رجاله شخصاً واحداً فی أصحاب کلّ من الصادق أو الباقر علیهما السلام نظیر العلاء بن الأسدی والعلاء بن الأسود الأسدی (5) هذا ظاهر لمن لاحظها وهذا لا یدلّ علی التعدّد بل اشتراک الراوی عنه فی بعض الموارد یوحی إلی الاتحاد،والله العالم.

وکیف ما کان،فلا یهمّ ذلک فی المقام بعد ما ذکرنا أنّه لا یستفاد من آیة فی

ص :173


1- (1)) جوابات أهل الموصل فی العدد و الرؤیة (مصنفات الشیخ المفید)9:25-26و39.
2- (2)) الکافی5:334،باب فضل الأبکار،الحدیث الأوّل.
3- (3)) التهذیب7:400-401،الحدیث7.
4- (4)) رجال الطوسی:242،الرقم 235 و 237.
5- (5)) رجال الطوسی:247 الرقم 351و356.

فإن أمکن ذلک بلا مشقة ولو بتکرار الماء علیه حتّی یصل إلیه لو کان علیه جبیرة أو وضعه فی الماء حتّی یصل إلیه بشرط أن یکون المحل والجبیرة طاهرین أو أمکن تطهیرهما وجب ذلک[1]

--------------

جعل الحرج إلّاعدم وجوب الوضوء الاختیاری،وأمّا وظیفة التیمّم أو المسح علی الجبیرة فلا یستفاد من نفی جعله ولا دلالة لقوله علیه السلام علی أنّ ذلک أیضاً یستفاد منه.

إن أمکن مسح العضو المجروح أو غسله

[1]

ما ذکره قدس سره من أنّه إذا أمکن للمکلّف أن یتوضّأ الوضوء التامّ مع الجبیرة، کما إذا لم یکن الماء مضرّاً و لکن لم یمکن رفع الجبیرة ولکن أمکن إیصال الماء إلی محلّها بتکرار صبّ الماء علی محل الغسل حتّی یصل إلیه،أو وضع ذلک فی الماء حتّی یصل إلیه بشرط أن یکون المحل والجبیرة طاهرین أو أمکن تطهیرهما فإنّه یتعیّن فی هذا الفرض غسل محل الجبیرة،وذلک فإنّ مع تمکّن المکلّف من الوضوء الاختیاری بلا ضرر ولا حرج لا تصل النوبة إلی الوضوء الناقص کما هو مقتضی القاعدة والمستفاد من بعض الروایات الواردة فی الوضوء جبیرة،وفی صحیحة الحلبی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام أنّه سئل عن الرجل تکون به القرحة فی ذراعه أو نحو ذلک فی موضع الوضوء فیعصبها بالخرقة ویتوضّأ ویمسح علیها إذا توضّأ؟ فقال:«إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة وإن کان لا یؤذیه الماء فلینزع الخرقة ثمّ لیغسلها». (1)

وفی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج قال:سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الکسیر تکون علیه الجبائر أو تکون به الجراحة کیف یصنع بالوضوء وعند غسل

ص :174


1- (1)) وسائل الشیعة1:463 الباب39 من أبواب الوضوء الحدیث 2.

..........

الجنابة وغسل الجمعة؟ فقال:«یغسل ما وصل إلیه الغسل ممّا ظهر ممّا لیس علیه الجبائر ویدع ما سوی ذلک ممّا لا یستطیع غسله ولا ینزع الجبائر ویعبث بجراحته» (1) فإنّ المستفاد منهما تعیّن الغسل إذا استطاع ذلک من غیر ضرر فی غسله.

ثمّ إن قلنا بکفایة الغسل البقائی فی غسل الوضوء أو فی أبعاضه فالتمکّن من الوضوء بوضع موضع الجبیرة فی الماء ظاهر حیث إنّ المکلّف یقصد الوضوء فی ذلک المحل الأعلی فالأعلی بأن لا یقصد غسل الوضوء بأوّل وصول الماء إلی موضع من ذلک المحل ولو کان ذلک الموضع بعد الموضع الذی یجب غسله أوّلاً، بل یقصد غسل الوضوء فیما إذا تمّ وصول الماء إلی تمام الموضع الذی قبله.

وأمّا إذا قیل باعتبار الغسل الحدوثی فی کلّ موضع من مواضع العضو فرعایة الترتیب فی الغسل الحدوثی لا یحصل بوضع تمام ذلک المحلّ المجبور فی الماء، حیث ربّما یصل الماء إلی موضع منه ولا یصل قبله إلی الموضع الذی قبله،ولعلّ هذا هو الموجب لما یستظهر من بعض الکلمات عدم اعتبار الترتیب فی العضو المجبور إذا غسل بوضعه فی الماء مع الجبیرة،ویستظهر ذلک من موثقّه عمار بن موسی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل ینکسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا یقدر أن یحلّه لحال الجبر إذا جبر کیف یصنع؟ قال:«إذا أراد أن یتوضّأ فلیضع إناءً فیه ماء ویضع موضع الجبر فی الماء حتّی یصل الماء إلی جلده وقد أجزأه ذلک من غیر أن یحلّه» (2) .

ونحوها موثّقة إسحاق بن عمار ولکن الموجود فی التهذیب فی باب تطهیر

ص :175


1- (1)) وسائل الشیعة1:463،الباب 39 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:465،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث7.

وإن لم یمکن إمّا لضرر الماء أو للنجاسة وعدم إمکان التطهیر أو لعدم أمکان إیصال الماء تحت الجبیرة ولا رفعها،فإن کان مکشوفاً یجب غسل أطرافه ووضع خرقة طاهرة علیه والمسح علیها مع الرطوبة،وإن أمکن المسح علیه بلا وضع خرقة تعیّن ذلک إن لم یمکن غسله کما هو المفروص،وإن لم یمکن وضع الخرقة أیضاً اقتصر علی غسل أطرافه،لکنّ الأحوط ضمّ التیمّم إلیه [1]

وإن کان فی موضع المسح ولم یمکن المسح علیه کذلک یجب وضع خرقة طاهرة والمسح علیها بنداوة،وإن لم یمکن سقط وضمّ إلیه التیمّم.

--------------

البدن والثیاب من النجاسات:عن الرجل ینکسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا یقدر أن یمسح علیه بحال الجبر إذا جبر کیف یصنع؟ قال:«إذا أراد أن یتوضّأ...» (1) إلخ.

وحیث إنّ المسح فی أعضاء الغسل غیر لازم،وأنّما اللازم إیصال الماء إلی البشرة الموجب لصدق الغسل حکم علیه السلام أن یضع العضو فی الماء حتّی یصل إلیه ولیست الروایة فی مقام اشتراط الغسل من الأعلی إلی الأسفل أیضاً.

وبتعبیر آخر،الروایة فی مقام نفی توهّم لزوم غسل الموضع بالمسح علیه وأنّه غیر لازم،لا أنّ الغسل من الأعلی إلی الأسفل غیر لازم.

إذا لم یمکن غسل العضو أو مسحه

[1]

ذکر قدس سره أنّه مع إمکان غسل موضع الکسر أو الجرح والقرح والدمل بوجه إمّا لضرر الماء أو لنجاسة الموضع أو أنّ الماء لا یصل إلی تحت الجبیرة مع عدم إمکان رفعها،فإن کان الموضع مکشوفاً تعیّن غسل أطراف الموضع ویوضع خرقة،

ص :176


1- (1)) التهذیب1:426،الحدیث27.

..........

طاهرة علیه ویمسح علی الخرقة،ولو فرض فی هذه الصورة إمکان مسح نفس الموضع دون غسله کما هو المفروض تعیّن ذلک المسح،ولو لم یمکن هذا المسح ولا وضع الخرقة والمسح علیه یجب علیه الاحتیاط بالجمع بین غسل الأطراف والتیمّم للصلاة وکأن مع العلم إجمالاً بلزوم غسل الأطراف خاصّة أو التیمّم الذی یکون من العلم بلزوم أحد المتباینین یجب الجمع بینهما.

أقول :إذا کان الجرح أو القرح مکشوفاً ولم یمکن غسله کما هو المفروض؛ لضرر مجرّد وصول الماء علیه،أو أنّ مجرّد الوصول لا یضرّه ولکن لنجاسة موضع القرح أو الجرح یحتاج غسله للوضوء إلی صبّ الماء الکثیر حتّی تزول نجاسته وکثرة الماء یضرّه ففی النتیجة لا یتمکّن علی غسل الوضوء،ففی هذه الصورة لا یبعد الالتزام بکفایة غسل الأطراف بلا حاجة إلی وضع الخرقة والمسح علیها أخذاً بالإطلاق فی صحیحة عبداللّٰه بن سنان،قال:سألته عن الجرح کیف یصنع صاحبه؟ قال:«یغسل ما حوله» (1) حیث إنّه لم یدلّ دلیل علی وجوب المسح علی الخرقة إلّا إذا کان الجرح مجبوراً بأن یکون الجبر لرعایة برء الجرح،وأمّا جبره للمسح علیه فی الوضوء خاصّة فمقتضی الإطلاق فی هذه وعدم قیام دلیل علی القید من الخارج عدم لزومه.

ودعوی أنّ ذلک مقتضی قاعدة المیسور مطلقاً أو فی خصوص الوضوء فقد تقدّم الکلام أنّ قاعدة المیسور مطلقاً أو فی الوضوء لم یقم علیها دلیل،بل وضع الخرقة علی الموضع لمسحه لا یعدّ میسوراً لغسل الموضع کما لا یخفی.

وممّا ذکر یظهر الحال فیما إذا لم یمکن وضع الخرقة ولکن یمکن مسح الموضع ببلّة الید فإنّ المسح کذلک لا یعدّ غسلاً واللازم فی الوضوء غسل العضو

ص :177


1- (1)) وسائل الشیعة1:464،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث3.

..........

فإنّ عدّ المسح المزبور میسوراً من غسله فلا دلیل علی لزوم رعایته بعد أنّ مقتضی الإطلاق فی الصحیحة عدم لزومه،ولو فرض المناقشة فی الصحیحة بأنّه لم یفرض فیها الجرح فی مواضع الوضوء وکون الغسل لرفع الحدث یکفی فیما ذکرنا ما فی ذیل صحیحة الحلبی،وقال:سألته عن الجرح کیف أصنع به فی غسله؟ قال:«اغسل ما حوله» (1) حیث إنّ صدرها قرینة قطعیّة علی أنّ المراد بغسله غسله عند الوضوء، وعلی ذلک فیکون وضع الخرقة والمسح علیها أو المسح علی نفس الجرح احتیاطاً استحبابیّاً فیکفی فی جمیع الصور الثلاث غسل الأطراف.

ثمّ إنّ هذا فیما إذا کان فی موضع الغسل جرحاً أو قرحاً.

وأمّا إذا لم یکن فی العضو شیء من القرح والجرح،بل کان مجرّد غسله مضراً له لمرض فی العضو فهذا خارج عن مدلول الروایات التی عمدتها فی المکشوف صحیحة عبداللّٰه بن سنان وما فی صحیحة الحلبی علی ما تقدّم (2) فیؤخذ فیه بالقاعدة التی أشرنا إلیها بأنّ مقتضی القاعدة انتقال الوظیفة إلی التیمّم،وکذا فیما إذا کان فی العضو جرح لا یضرّه الماء ولکن لا یمکن تطهیره؛ لضیق الوقت أو عدم توقّف خروج الدم لنبعه ولو آناً بحیث یمکن إیصال الماء إلی البشرة،فإنّ هذا الفرض أیضاً خارج عن منصرف الأخبار فإنّ ظاهرها عدم إمکان غسل العضو لضرر الماء فی غسله للوضوء أو للتطهیر حتّی یتوضّأ کما یشیر إلی ذلک ما فی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج:«ولا ینزع الجبائر ویعبث بجراحته» (3)

وعلی الجملة،فمجرّد عدم إمکان التطهیر مع فرض عدم التضرر بالغسل

ص :178


1- (1)) وسائل الشیعة1:463-464،الباب 39 من أبواب الوضوء،الحدیث2.
2- (2)) قبل قلیل.
3- (3)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث الأول.

..........

أصلاً،بل لمثل ضیق الوقت وعدم توقّف نبع الدم لا یوجب کفایة غسل الأطراف.

وعلی الجملة،ما ذکر من الاکتفاء بغسل الأطراف فی الوضوء یختصّ بما إذا کان فی موضع الغسل جرح أو قرح مکشوف یضرّه استعمال الماء،للوضوء أو تطهیره للوضوء ولو کان فی العضو کسر غیر مجبور من غیر جرح فهذا أیضاً خارج عن مدلول صحیحتی الحلبی وعبداللّٰه بن سنان فتجری فیه القاعدة التی أشرنا إلیها فی أوّل البحث من انتقال الوظیفة إلی التیمّم،ولا یمکن التعدّی من مدلولهما إلی الکسر المزبور،کما لا یمکن التعدّی إلی ما کان الماء مضرّاً بموضع من العضو ولو لم یکن کسر أیضاً.

لا یقال :الصحیحتان واردتان فی الجرح فالتعدّی منهما إلی القرح أو الدمل بلا وجه.

فإنّه یقال: المفهوم العرفی عدم الخصوصیّة للجرح،بل الجرح بمعناه العرفی یعمّ القرح،فإنّ القرح هو الجرح الذی فیه قیح کما لا یخفی،هذا فیما کان الجرح والقرح فی موضع الغسل.

أمّا إذا کانا فی موضع المسح وکان مستوعباً لموضعه وکان مکشوفاً فذکر قدس سره أنّه یضع علیه خرقة ویمسح علی تلک الخرقة بنداوة الوضوء وإن لم یمکن ذلک سقط ذلک المسح وضمّ إلیه التیمّم.

أقول: إذاکان الجرح أو القرح مکشوفاً ومستوعباً فهذا خارج عن مدلول الأخبار ووضع خرقة علیه والمسح علی الخرقة بدعوی أنّه مقتضی قاعدة المیسور لا یمکن المساعدة علیه،لعدم تمامیّة القاعدة أوّلاً،وعدم کون المسح علیها میسوراً من المسح المعتبر فی الوضوء یعنی مسح البشرة ثانیاً.

نعم،إذا کان موضع المسح مجبوراً أو علیه دواء یکفی المسح علیها کما تدلّ

ص :179

..........

روایة عبد الأعلی مولی آل سام المتقدّمة (1) التی ذکرنا عدم البعد فی اعتبارها سنداً حیث ورد فیها الأمر بالمسح علی المرارة،وصحیحة الحلبی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام أنّه سئل عن الرجل تکون به القرحة فی ذراعه أو نحو ذلک من موضع الوضوء فیعصبها بالخرقة ویتوضّأ ویمسح علیها إذا توضّأ؟ فقال:«إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة،و إن کان لایؤذیه الماء فلینزع الخرقة ثم لیغسلها» (2) فإنّ قوله علیه السلام:«إذا کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة» یعمّ ما إذا کانت الخرقة فی موضع الغسل أو موضع المسح ولا یدلّ علی اختصاصه بمسح موضع الغسل قوله علیه السلام:«وإن کان لا یؤذیه الماء فلینزع الخرقة فیغسلها» حیث إنّ ضمیر یغسلها یرجع إلی الذراع ولذلک ذکر غسلها.

ولکن یمکن المناقشة فی الاستدلال بها بأنّ قول الحلبی:«أو نحو ذلک من موضع الوضوء» حیث یحتمل أن یکون مراده من:«نحو ذلک» الذراع ممّا یعتبر غسله.

ویمکن الجواب بأنّ بیان «نحو ذلک»بموضع الوضوء مقتضاه الأعم من مواضع الغسل.

وکیف کان،فیکفی فی الالتزام بمسح الجبیرة فی مواضع المسح الإطلاق فی حسنة کلیب الأسدی قال:سألت أبا عبدااللّٰه علیه السلام عن الرجل إذا کان کسیراً کیف یصنع بالصلاة؟ قال:«إن کان یتخوف علی نفسه فلیمسح علی جبائره» (3) فإنّها تعمّ المسح علی الجبیرة فی مواضع المسح.

ص :180


1- (1)) فی الصفحة 171.
2- (2)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث2.
3- (3)) وسائل الشیعة1:465،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث8.

وإن کان مجبوراً وجب غسل أطرافه مع مراعاة الشرائط والمسح[1]

علی الجبیرة إن کانت طاهرة أو أمکن تطهیرها،وإن کان فی موضع الغسل،والظاهر عدم تعیّن المسح حینئذٍ فیجوز الغسل أیضاً،والأحوط إجراء الماء علیها مع الإمکان بإمرار الید من دون قصد الغسل أو المسح.

--------------

وعلی الجملة،إذا کان موضع المسح مکشوفاً والجرح أو القرح مستوعباً بحیث لا یمکن المسح الاختیاری بمسمّاه فیؤخذ بالقاعدة التی أشرنا إلیها من تعیّن التیمّم.

نعم،الأحوط استحباباً ضم الوضوء بغسل الأعضاء والمسح علی الخرقة بوضعها علی موضع المسح.

ما هو المتعین فی الجبیرة المسح أو الغسل؟

[1]

المتیقّن من الروایات الواردة فی الجبائر المسح علیها إذا کانت فی مواضع الغسل فإنّه یغسل المواضع الخالیة عن الجبیرة و یمسح علی الجبیرة فیما کانت الجبیرة طاهرة أو أمکن تطهیرها،وذکرنا شمول بعضها بما إذا کانت الجبیرة فی مواضع المسح.

ولکن یبقی فی المقام أُمور الأوّل ما ذکر الماتن من أنّ الجبیرة فیما کانت فی مواضع الغسل لا یتعیّن المسح علیها،بل یکفی غسل نفس الجبیرة بدل مسحها، ولکن الأحوط إجراء الماء علیها بإمرار الید علیها من غیر قصد خصوص الغسل والمسح.

ولعلّ نظره قدس سره فی حکمه بالتخییر بین المسح علی الجبیرة وغسلها کون الأمر بالمسح علی الجبیرة فی مقام توهّم الحظر أی عدم الإجزاء فإنّ المسح علی الجبیرة فی موضع الغسل لا یکون غسلاً ولأنّ المسح علی الجبیرة فرد للمیسور من غسل العضو بمقتضی الترخیص فیه،ومن الظاهر أنّ غسل الجبیرة أولی بکونه میسوراً

ص :181

ولا یلزم أن یکون المسح بنداوة الوضوء إذا کان فی موضع الغسل[1]

ویلزم أن تصل الرطوبة إلی تمام الجبیرة [2]

ولا یکفی مجرّد النداوة،نعم لا یلزم --------------

لغسل العضو،ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ ظاهر الأمر بالمسح علی الجبیرة تعیّنه وکون المسح علیها بما أنّه فرد للمیسور من الغسل لم یقم علیه قرینة یعتمد علیها،ومجرّد الظن لا یکفی فی الحکم بالتخییر کما لا یخفی،وعلیه فکفایة غسل الجبیرة بدلاً عن مسحها مشکل،بل الأظهر تعیّن المسح.

هل یلزم أن یکون المسح بنداوة الوضوء؟

[1]

فإنّ عدم اعتبار المسح علی الجبیرة بنداوة الوضوء فیما إذا کانت فی موضع الغسل مقتضی الإطلاق فی مثل صحیحة الحلبی «إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة» (1) ولا یقاس ذلک بالمسح علیها فی موضع المسح کالرأس وظهر القدمین حیث یقال إنّ منصرف المسح فیه أنّ المسح المعتبر وقوعه علی نفس الرأس وبشرة الرجلین یقع علی الجبیرة فیکون بنداوة الوضوء.

وبتعبیر آخر،الأمر بالمسح علی الجبیرة فی موضع الغسل لا ینصرف إلّاإلی رعایة المسح علیها بما یعتبر فی غسل البشرة لولا الجبیرة؛ من کونه من الأعلی فالأعلی وکونه بعد غسل الظاهر من العضو ممّا قبل الجبیرة؛ ولذا لا یجزی المسح علیها بعد غسل تمام أعضاء الغسل،فیعتبر فی المسح علی الجبیرة فی مواضع المسح کونه بنداوة الوضوء ولا یعتبر ذلک فی المسح علیها فی مواضع الغسل.

[2]

المراد أن یکون إمرار الید بالرطوبة المسریة إلی جمیع الخرقة ولا یکفی مسح بعض الخرقة کذلک بدعوی أنّه معه یصدق المسح علی الجبیرة،حیث إنّ المتفاهم العرفی أنّ المسح علی کلّ جزء من الجبیرة بدل عن غسل الموضع من

ص :182


1- (1)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث2.

المداقة بإیصال الماء إلی الخلل والفرج،بل یکفی صدق الاستیعاب عرفاً،هذا کلّه إذا لم یمکن رفع الجبیرة والمسح علی البشرة،وإلّا فالأحوط تعیّنه،بل لا یخلو عن قوة إذا لم یمکن غسله کما هو المفروض،والأحوط الجمع بین المسح علی الجبیرة وعلی المحل بعد رفعها.

--------------

العضو الذی حجبه ذلک الجزء من الجبیرة؛ ولذا یفترق المسح علی الجبیرة فی موضع الغسل عن المسح علیها فی مواضع المسح،وذکرنا اعتبار الترتیب فی المسح علی الجبیرة فی مواضع الغسل وکونه من الأعلی فالأعلی فما عن الذکری من الاکتفاء بمسح بعض الجبیرة (1) حتّی فی موضع الغسل لا یمکن المساعدة علیه، ولا یکفی أیضاً المسح علی الجبیرة بمجرد النداوة فی الید ولو لم تکن مسریة إلی الجبیرة للانصراف المشار إلیه وإلّا لزم الالتزام بإجزاء المسح علیها حتّی مع عدم النداوة أصلاً بأن تکون الید الماسحة یابسة.

وذکر قدس سره أنّه إذا لم یمکن غسل العضو الذی علیه الجبیرة ولکن یمکن رفع الجبیرة والمسح علی موضعها فالأحوط تعینه،بل لایخلو عن قوة ثمّ احتاط استحباباً بالجمع بینه وبین المسح علی الجبیرة،ولکن لا یخفی أنّه إذا أمکن رفع الجبیرة والمسح علی موضعها بالرطوبة المسریة بحیث یصدق غسلاً فهذا یدخل فی التمکّن من الوضوء الاختیاری،وإن لم یصدق علیه المفروض فی المقام فمقتضی الأمر بالمسح علی الجبیرة تعیّن مسحها،ففی صحیحة الحلبی إذا کان یؤذیه الماء فیمسح علی الخرقة وإن کان لا یؤذیه الماء فلینزع الخرقة ثمّ لیغسلها حیث إنّ ظاهرها أنّه مع إمکان الغسل فالمتعیّن غسل الموضع وإلّا فلیمسح علی الجبیرة.

ولعلّ الوجه فیما ذکره من تعیّن المسح علی نفس الموضع احتیاطاً هو أنّ المسح علی نفس الموضع أقرب من المسح علی الجبیرة إلی غسل الموضع.

ص :183


1- (1)) الذکرٰی2:199.

وإن لم یمکن المسح علی الجبیرة لنجاستها أو لمانع آخر،فإن أمکن وضع خرقة طاهرة علیها ومسحها یجب ذلک[1]

وإن لم یمکن ذلک أیضاً فالأحوط الجمع بین الإتمام بالاقتصار علی غسل الأطراف والتیمّم.

--------------

وبتعبیر آخر،المسح علی البشرة یحسب المیسور الأوّل من غسل البشرة فلا تصل النوبة مع إمکانه إلی غیره،وفیه کون المسح علی الموضع میسوراً لغسله مع أنّه مورد التأمّل فیما إذا لم یکن الغسل لإزالة القذر عن المحل لا دلیل علی رعایته بل مقتضی الإطلاق المشار إلیه تعیّن المسح علی الجبیرة وعلی فرض الإغماض عنه بدعوی عدم دخول الفرض فی الروایات الواردة فی الکسیر المجبور،حیث إنّ ظاهرها عدم إمکان رفع الجبیرة وما ورد فی القرح أو الجرح المجبور حیث ذکر فیها إیذاء الماء فی الأمر بالمسح علی الجبیرة فیمکن دعوی انصرافه عن الفرض فالمتعیّن هو الجمع بین مسح الجبیرة ومسح الموضع بناءً علی أنّ الطهارة أمر مسبب عن الوضوء،وبناءً علی کونها نفس الوضوء یکون مقتضی البراءة عن اعتبار أحدهما بخصوصه فی الوضوء التخییر بین مسح الموضع أو الجبیرة لا تعیّن الأوّل،بل یمکن استفادة الإجزاء فی المسح علی الجبیرة ولو مع إمکان المسح علی موضعها من أعضاء الغسل بالإطلاق أی ترک الاستفصال فی صحیحة الوشاء قال:سألت أبا الحسن علیه السلام عن الدواء إذا کان علی یدی الرجل أیجزیه أن یمسح علی طلا الدواء؟ فقال:«نعم، یجزیه أن یمسح علیه» (1) ،هذا مع ما ذکرنا من ظهور صحیحة الحلبی فی تعیّن المسح علیها ودعوی عدم شمولها الفرض کماتری.

إذا لم یمکن المسح علی الجبیرة

[1]

قد تقدّم أنّ ظاهر ما ورد فی الأمر بالمسح علی الجبیرة مسح الجبیرة التی

ص :184


1- (1)) وسائل الشیعة1:455،الباب37 من أبواب الوضوء،الحدیث2.

..........

تکون علی العضو بمقتضی کسره أو القرح أو الجرح ولا تعمّ ما إذا وضعت الخرقة علی الموضع أو جبیرته للوضوء.

نعم،إذا کانت الجبیرة نجسة وأمکن تبدیلها إلی جبیرة طاهرة تعیّن المسح علیها بتبدیلها،ولکن هذا خارج عن فرض الماتن علیه فقد یقال إنّ مقتضی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج الاکتفاء بغسل المواضع الخالیة عن الجبیرة بلا حاجة إلی ضمّ التیمّم حیث ذکر سلام اللّٰه علیه فیها اعتبار الغسل ممّا ظهر ممّا لیس علیه الجبائر وأن یدع ما سوی ذلک.

غایة الأمر یرفع الید عن إطلاقها فی صورة إمکان المسح علی الجبیرة ویلتزم بلزوم المسح علیها بصحیحة الحلبی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام حیث ذکر الإمام علیه السلام:«إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة» (1) وکذا حسنة کلیب الأسدی المتقدمة، (2) ویؤخذ فی غیر صورة إمکان المسح علی الجبیرة بإطلاقها،إلّاأنّه یمکن أن یقال إنّ الأمر بالمسح علی الجبیرة إرشاد إلی کون المسح علیها جزءاً فی صورة عدم إمکان الغسل فلا یقید بصورة إمکان المسح علی الجبیرة،کما هو الحال فی الإطلاق فی موارد الإرشاد إلی الشرطیة والجزئیة وفرض التمکّن من المسح علی الجبیرة إلی الآن لا یمنع الإطلاق بما إذا طرأ التعذر علیها بعد ذلک،وبما أنّه لا یحتمل التخییر الواقعی بین غسل سائر المواضع والتیمّم واقعاً،فإنّ الصلاة فی هذا الحال إمّا مقیدة بالتیمّم خاصّة أو بغسل المواضع الخالیة عن الجبیرة المزبورة یکون مقتضی العلم الإجمالی الجمع بینهما کما لا یخفی.

لا یقال :لو کان فی الأمر بالمسح علی الجبیرة هذا الإطلاق لکان صحیحة

ص :185


1- (1)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث2.
2- (2)) فی الصفحة 180.

(مسألة 1) إذا کانت الجبیرة فی موضع المسح ولم یمکن رفعها والمسح علی البشرة لکن أمکن تکرار الماء إلی أن یصل إلی المحلّ هل یتعیّن ذلک أو یتعیّن المسح علی الجبیرة؟ وجهان ولا یترک الاحتیاط بالجمع.[1]

--------------

عبدالرحمن بن الحجاج معارضة لصحیحة الحلبی (1) أو غیرها من الروایات المتقدّمة الدالّة علی المسح علی الجبائر حیث أمر سلام الله علیه فیها بغسل ما وصل إلیه ممّا ظهر ممّا لیس علیه الجبائر ویدع ما سوی ذلک.

فإنّه یقال :دلالة الصحیحة علی عدم لزوم مسح الجبائر بالإطلاق أی بالسکوت عن التعرض للزوم المسح علی الجبیرة فی مقام بیان الوظیفة فیرفع الید عنه بما دلّ علی الأمر بالمسح علی الجبیرة وقوله علیه السلام فی الصحیحة:«ویدع ما سوی ذلک» نصّ فی عدم اعتبار غسل موضع الجبیرة،وأما عدم لزوم مسحها فإنّه بالسکوت فی مقام البیان کما لا یخفی.

وقد تلخّص ممّا ذکرنا أنّه لو قطع النظر عن القاعدة التی أشرنا إلیها فی أوّل البحث فالمتعیّن الجمع بین غسل الأجزاء الخالیة عن الجبیرة وضمّ التیمّم وإلّا فمقتضاها الاکتفاء بالتیمّم.

حکم الجبائر فی مواضع المسح

[1]

ما هو معتبر فی الوضوء هو المسح علی نفس الرأس أی مقدّمته وظاهر بشرة الرجلین والمفروض عدم إمکان ذلک لمکان الجبیرة فقد یحتمل أنّ مع تعذّر المس الاختیاری تصل النوبة إلی غسل موضع المسح مع إمکانه،ویستدلّ علی ذلک بموثّقة عمار عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل ینکسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا یقدر أن یحلّه لحال الجبر إذا جبر کیف یصنع؟ قال:«إذا أراد أن یتوضّأ

ص :186


1- (1)) وسائل الشیعة1:463-464،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث2.

..........

فلیضع إناءً فیه ماء ویضع موضع الجبر فی الماء حتّی یصل الماء إلی جلده،وقد أجزأه ذلک من غیر أن یحلّه». (1)

ولکن لا یخفی أنّ ما ذکر سلام اللّٰه علیه علاج لغسل العضو الواجب فی الوضوء من غیر أن یحلّ الجبیرة،فإنّه إذا کان مقوّم الغسل إیصال الماء علی العضو فیمکن هذا الإیصال من دون أن یحلّ الجبیرة.

وبتعبیر آخر،لا یلزم غسل العضو أن یکون بمعونة الید فإنّ المعتبر فی الوضوء غسل الوجه والیدین لا غسلها بالید،وأمّا ما ورد فی غسل الرجلین بدلاً عن مسحهما فهو وارد فی فرض التقیة عن مسحهما،فالتعدی من مورده إلی المقام غیر ممکن لاحتمال أنّ تجویزه علیه السلام غسلها بدلاً عن مسحها لرعایة مذهب المخالفین لا مطلق التعذّر کما لا یخفی.

وقد یقال أیضاً: إنّ تجویز المسح علی الجبیرة فی صحیحة الحلبی معلّق علی إیذاء الماء لموضع الجبیرة فالمفهوم إذا لم یکن إیذاء فی الماء فلا یجوز المسح علی الجبیرة.

أقول :هذا راجع إلی موارد الحاجة إلی رعایة الغسل المعتبر فی الوضوء وإیذاء الماء فرد غالبی؛ لعدم إمکان غسل العضو وإلّا لو کان الضرر فی رفع الجبیرة التی یتوقّف الغسل علی رفعها لزم المسح علی الجبیرة کما تقتضیه معتبرة کلیب الأسدی قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل إذا کان کسیراً کیف یصنع بالصلاة؟ قال:«إن کان یتخوّف علی نفسه فلیمسح علی جبائره ولیصلّ» (2) فإنّ کلیب الأسدی من المعاریف؛ لکثرة روایته وکونه صاحب کتاب لم یرد فیه قدح فلا مجال للمناقشة فیها

ص :187


1- (1)) وسائل الشیعة1:465،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث7.
2- (2)) وسائل الشیعة1:465،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث8.

(مسألة 2) إذا کانت الجبیرة مستوعبة لعضو واحد من الأعضاء فالظاهر جریان الأحکام المذکورة،وإن کانت مستوعبة لتمام الأعضاء فالإجراء مشکل فلا یترک الاحتیاط بالجمع بین الجبیرة والتیمّم.[1]

--------------

سنداً،وعلی ما ذکر الخوف من الوضوء الاختیاری فی الفرض ولو لضرر فی رفع الجبیرة موجود فیمسح علی الجبیرة.

نعم،إذا کان ذلک فی موضع الغسل وإمکان إیصال الماء إلی تحت الجبیرة من غیر نزعها فلا خوف فی الوضوء الاختیاری.

حکم الجبیرة مع استیعابها العضو أو الأعضاء

[1]

والوجه فی ذلک الإطلاق فی بعض الروایات الواردة فی المسح علی الجبائر،ففی صحیحة الحلبی:أنّه سأل عن الرجل تکون به القرحة فی ذراعه أو نحو ذلک من موضع الوضوء،فیعصبها بالخرقة ویتوضّأ ویمسح علیها؟ فقال:«إذا کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة» (1) فإنّها تعمّ ما إذا کانت القرحة فی تمام ظهر إحدی الرجلین فیعصبها بالخرقة ونحوها،بل أوضح منها معتبرة کلیب الأسدی:عن الرجل إذا کان کسیراً کیف یصنع بالصلاة (2) فإنّها تعمّ ما إذا کان تمام العضو الواحد کالناصیة لکسره مجبوراً.

ودعوی أنّها لو شملت صورة کون تمام العضو الواحد مجبوراً وکانت الوظیفة فیه هو المسح علی الجبیرة لشملت صورة کون تمام الأعضاء مجبورة مع أنّه لا یمکن الالتزام فیه بالمسح علی تمام الجبائر التی لا یکون مع مسحها شیء من الوضوء الذی هو عبارة عن غسل الوجه والیدین ومسح الرأس والرجلین،وفیه ما

ص :188


1- (1)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث2.
2- (2)) وسائل الشیعة1:465،الباب 39 من أبواب الوضوء،الحدیث 8.

(مسألة 3) إذا کانت الجبیرة فی الماسح فمسح علیها بدلاً عن غسل المحل یجب أن یکون المسح به بتلک الرطوبة[1]

أی الحاصلة من المسح علی جبیرته.

(مسألة 4) إنّما ینتقل إلی المسح علی الجبیرة إذا کانت فی موضع المسح بتمامه،وإلّا فلو کان بمقدار المسح بلا جبیرة یجب المسح علی البشرة مثلاً لو --------------

لا یخفی؛ فإنّ المفروض فیه کون الرجل کسیراً،ولا ینبغی التأمّل فی أنّ الکسر وإن یمکن استیعاب جبیرته لعضو واحد بعضاً کما ذکرنا إلّاأنّه عادة لا یکون موجباً لاستیعاب جمیع الأعضاء فإنّ من الأعضاء الوجه وحدوث الکسر فی الجبین أو حتّی مع حدوثه فی الفکّین والذقن لا یقتضی جبر تمام الوجه.

نعم،المعتبرة واردة فی الکسیر وإجراء الحکم فی غیر الکسر من القرح أو الجرح مبنیّ علی عدم احتمال الفرق بین الجبیرتین،وعلی ذلک فمع الاستیعاب لتمام الأعضاء فإنّ کانت أعضاء التیمّم أیضاً مجبورة کما هو ظاهر الفرض فلا وجه لاحتمال وجوب التیمّم فالأحوط للصلاة بالمسح علی الجبائر وقضاؤها بعد ذلک، وإلّا فالأحوط الجمع بین التیمّم والوضوء بنحو الجبیرة وإن کان لا یبعد جواز الاکتفاء بالوضوء أیضاً؛ لإطلاق معتبرة کلیب،وقد تقدّم أنّ کلیباً من المعاریف الذین لم یرد فیهم قدح،وهذا یکفی فی اعتبار الخبر،والله سبحانه هو العالم.

المسح علی الجبیرة

[1]

والوجه فی ذلک هو أنّ المعتبر فی المسح أن یکون ببلّة الوضوء والماسح إذا کان مجبوراً یکون المسح به کالمسح بغیر المجبور،حیث إنّ المسح بالمجبور، بدل عن المسح بغیر المجبور وظاهر البدلیة رعایة ما یعتبر فی المسح الاختیاری من کونه ببلّة الوضوء،وهذا إذا کانت الجبیرة مستوعبة لتمام الجزء الماسح وإلّا تعیّن المسح بالجزء غیر المجبور لتمکّن المکلّف عن المسح الاختیاری کما لا یخفی.

ص :189

کانت مستوعبة تمام ظهر القدم مسح علیها ولو کان من أحد الأصابع ولو الخنصر إلی المفصل مکشوفاً وجب المسح علی ذلک[1]

وإذا کانت مستوعبة عرض القدم مسح علی البشرة فی الخط الطولی من الطرفین وعلیها فی محلّها.

(مسألة 5) إذا کان فی عضو واحد جبائر متعددة یجب الغسل أو المسح فی فواصلها.

(مسألة 6) إذا کان بعض الأطراف الصحیح تحت الجبیرة فإن کان بالمقدار المتعارف مسح علیها،وإن کان أزید من المقدار المتعارف،فإن أمکن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحیح [2]

ثمّ وضعها ومسح علیها.

--------------

[1]

حیث إنّ المسح علی الجبیرة بدل اضطراری عن المسح علی البشرة کما هو ظاهر الأخبار فی المقام وفی کلّ مقام یؤمر بالبدل الاضطراری وإذا تمکّن من المبدل والمأمور به الاختیاری فلا تصل النوبة إلی الاضطراری،ولا یمکن الاستدلال بمعتبرة عبد الأعلی مولی آل سام فإنّ تمسّکه علیه السلام فی انتقال الوظیفة إلی المسح علی الجبیرة بقوله سبحانه: «مٰا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ» (1) قرینة علی استیعاب الدواء علی الأظفار،وعلی ذلک لو کان أحد الأصابع ولو الخنصر إلی المفصل مکشوفاً وجب المسح علی ذلک،بل لو کان مقدار من الخنصر إلی وسط القدم مکشوفاً وجب المسح علی ذلک المقدار وإتمام المسح إلی قبّة القدم بجرّ الجزء الماسح إلی الکعب.

[2]

فإنّه علی الفرض یکون الجزء الزائد ممّایستطیع غسله ولا یؤذیه الماء ولا یتخوّف علی نفسه ممّا یعتبر فی المسح علی الجبیرة بحسب ظاهر الروایات.

نعم،إذا کان المقدار المتعارف من المواضع والأطراف تحت الجبیرة یکفی المسح علیها من غسلها،حیث إنّ کون الجبیرة بمقدار القرح أو الجرح من غیر زیادة

ص :190


1- (1)) سورة الحج:الآیة78.

وإن لم یمکن ذلک مسح علیها،ولکنّ الأحوط ضمّ التیمّم أیضاً[1]

خصوصاً إذا کان عدم إمکان الغسل من جهة تضرّر القدر الصحیح أیضاً بالماء.

(مسألة 7) فی الجرح المکشوف إذا أراد وضع طاهر علیه ومسحه یجب أوّلاً أن یغسل ما یمکن من أطرافه ثمّ وضعه.

--------------

ونقیصة أمر نادر ولا یمکن حمل الأخبار الدالّة علی المسح علی الجبائر علی ذلک الأمر النادر،هذا إذا أمکن رفع الجبیرة عن المقدار الزائد عن المتعارف.

إذا وقعت بعض الأطراف الصحیحة تحت الجبیرة

[1]

ظاهر الروایات أنّ غسل ما علیه الجبیرة من القرح والجرح فیما کان مضرّاً بأن یکون غسل القرح أو الجرح مضرّاً أو کان رفع الجبیرة التی علیها مضرّاً لهما یتعیّن الوظیفة فی المسح علی الجبیرة ولکن مع کون الجبیرة متعارفة.

وأمّا إذا لم تکن متعارفةً بحیث لا یمکن رفعها بالمقدار الزائد لیغسل ما تحتها من الأجزاء الصحیحة فیشکل القول بالاکتفاء بالمسح علی الجبیرة،ومقتضی القاعدة المشار إلیها تعیّن التیمّم عند عدم التمکّن من الوضوء الاختیاری؛ ولذا احتاط فی الفرض بضمّ التیمّم خصوصاً فیما کان رفع الجبیرة وغسل ما علیها مضرّاً بالجزء الصحیح الذی تحت الجبیرة أیضاً حیث تقدّم أنّ تضرّر العضو الصحیح بالماء لا یوجب المسح علی الجبیرة،بل تنتقل الوظیفة إلی التیمّم،ولکن مع ذلک یمکن دعوی شمول الإطلاق فی معتبرة کلیب الأسدی الفرض،فإنّ المذکور فیها فی الانتقال إلی المسح علی الجبیرة الخوف علی نفسه من غسل موضعها إلّاأن یدّعی أنّ هذه فی الجبیرة علی الکسر،ولا یعمّ الجبیرة فی القرح أو الجرح.

وکیف کان فالأحوط ضمّ التیمّم حتّی فی صورة کون الجبیرة الخارجة عن المتعارف فی الکسر فضلاً عن الجرح و القرح.

ص :191

(مسألة 8) إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح أزید من المقدار المتعارف یشکل کفایة المسح علی الجبیرة التی علیها أو یرید أن یضعها علیها فالأحوط غسل القدر الممکن[1]

والمسح علی الجبیرة ثمّ التیمّم،و أمّا المقدار المتعارف بحسب العادة فمغتفر.

--------------

الجرح المکشوف

[1]

إذا فرض أنّ الماء یضرّ بأطراف الجرح ولا یضرّ غسل تلک الأطراف بنفس الجرح وکانت تلک الأطراف زائدة عن المتعارف بحیث یصدق أنّه لا یمکن له غسل أطرافه ففی الفرض احتاط بغسل الأطراف بالمقدار الممکن ومسح الجبیرة التی علیها أو یرید وضعها علیه وضمّ التیمّم إلیه،والوجه فی ضمّ التیمّم خروج الفرض عن مدلول روایات الجبیرة لانصرافها إلی صورة تضرّر الجرح أ والقرح بالغسل،وأنّه مع هذا التضرّر یغسل الأطراف أو یمسح علی الجبیرة التی علیه.

وأمّا کون غسل الأطراف مضرّاً بنفس الأطراف فمقتضی القاعده المشار إلیها فی أوّل البحث تعیّن التیمّم.

لا یقال :قد ورد فی صحیحة الحلبی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام الواردة فیمن یکون فی ذراعه القرحة فیعصبها بالخرقة ویمسح علی الخرقة إذا توضّأ،فقال:«إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة» (1) ومقتضاها أنّ مع إیذاء الماء یمسح علی الخرقة سواء کان الإیذاء فی نفس غسل القرحة أو فیه و فی غسل أطرافها أیضاً.

فإنّه یقال: ظاهرها أیضاً إیذاء الماء بغسل القرحة خاصّة ومع کون الغسل کذلک یغتفر غسل المقدار المتعارف من أطراف القرحة سواء کانت مکشوفة أو مجبورة.

ص :192


1- (1)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث2.

(مسألة 9) إذا لم یکن جرح ولاقرح ولا کسر بل کان یضرّه استعمال الماء لمرض آخر فالحکم هو التیمّم[1]

لکنّ الأحوط ضمّ الوضوء مع وضع خرقة والمسح علیها أیضاً مع الإمکان أو مع الاقتصار علی ما یمکن غسله.

(مسألة 10) إذا کان الجرح أو نحوه فی مکان آخر غیر مواضع الوضوء لکن کان بحیث یضرّ استعمال الماء فی مواضعه أیضاً فالمتعیّن التیمّم [2]

.

(مسألة 11) فی الرمد یتعیّن التیمّم إذا کان استعمال الماء مضرّاً مطلقاً،أمّا إذا أمکن غسل أطراف العین من غیر ضرر وإنّما کان یضرّ العین فقط فالأحوط الجمع بین الوضوء بغسل أطرافها ووضع خرقة علیها ومسحها وبین التیمّم [3]

.

--------------

إذا أضره استعمال الماء

[1]

لخروج الفرض عن الأخبار الواردة فی الجبائر ومن علیه القرح أو الجرح والکسیر،ومقتضی القاعدة هو تعیّن التیمّم.

نعم،لو أطلی علیه الدواء یجری فیه ما تقدّم فی المسح علی الجبیرة کما یأتی، وروایة کلیب السؤال فیها عن الکسیر والأمر فیها بالمسح علی الجبائر راجع إلیه فراجع.

[2]

لما تقدّم من عدم تمامیّة قاعدة المیسور وأنّ المتّبع فی غیر موارد شمول الروایات الواردة فی الجبائر هی القاعدة المشار إلیها فی أوّل البحث،وذکرنا أنّ مورد شمولها ما إذا کان استعمال الماء فی غسل القرح أو الجرح موجباً للتضرر،وأمّا إذا لم یکن فی مواضع الوضوء شیء من الکسر والقرح والجرح ولکن کان استعمال الماء فی مواضعه موجباً للضرر فی الجرح والقرح أو الکسر فی غیر مواضعه فهذا خارج مدالیلها فالمتبع حینئذٍ القاعدة المشار إلیها.

[3]

إذا کان استعمال الماء ولو فی أطراف العین مضرّاً للعین فلا ینبغی التأمّل فی خروج الفرض عن مدالیل أخبار المسح علی الجبائر وغسل أطراف الجرح أو

ص :193

(مسألة 12) محلّ الفصد داخل فی الجروح[1]

فلو لم یمکن تطهیره أو کان مضرّاً یکفی المسح علی الوصلة التی علیه إن لم یکن أزید من المتعارف،وإلّا حلّها وغسل المقدار الزائد ثمّ شدّها کما أنّه إن کان مکشوفاً یضع علیه خرقة ویمسح علیها بعد غسل ما حوله وإن کانت أطرافه نجسة طهّرها وإن لم یمکن تطهیرها وکانت زائدة علی القدر المتعارف جمع بین الجبیرة والتیمّم.

--------------

القرح،وکذا فیما کان وصول الماء إلی ظاهر العین وغسله مضرّاً بها فإنّ الرمد فی العین لا یکون من الجرح والقرح.

وما ذکره قدس سره فیما کان غسل أطرافها غیر مضرّ من وضع خرقة علی ظاهر العین والمسح علیها،والجمع بینه وبین التیمّم وإن کان لا بأس به إلّاأنّ الاحتیاط المزبور لا یجب،بل الأظهر انتقال الوظیفة إلی التیمّم لخروج الفرض عن مدالیل الأخبار،بل یصدق کون الشخص مریضاً یضرّه استعمال الماء کما لا یخفی.

محل الفصد داخل فی الجروح

[1]

فإنّه یصدق علی موضع الفصد أنّه جرح وعلیه فیجزی غسل أطرافه فیما إذا کان مکشوفاً ووضع خرقة علی الموضع والمسح علیها احتیاط مستحب علی ماتقدّم،وإذا کان علی الموضع جبیرة یغسل الأطراف ویمسح علی تلک الجبیرة وإذا کانت الجبیرة أو أطرافها نجسة ولم یمکن تطهیرها؛ لعدم إمکان تبدیل الجبیرة أو کون غسل أطرافها مضرّاً له وکانت الأطراف خارجة عن المقدار المتعارف فالمتبع فیه القاعدة المشار إلیها من تعیّن التیمّم،وما ذکره قدس سره من الجمع بین الوضوء بغسل سائر الأطراف والتیمّم احتیاط مستحبّ.

ص :194

(مسألة 13) لا فرق فی حکم الجبیرة بین أن یکون الجرح أو نحوه حدث باختیاره علی وجه العصیان[1]

أم لا باختیاره.

(مسألة 14) إذا کان شیء لاصقاً ببعض مواضع الوضوء مع عدم جرح أو نحوه ولم یمکن إزالته أو کان فیها حرج ومشقّة لا تتحمّل مثل القیر ونحوه یجری علیه حکم الجبیرة [2]

والأحوط ضمّ التیمّم أیضاً.

--------------

حکم الجبیرة یعمّ الجرح الاختیاری علی وجه العصیان وغیره

[1]

یکون الجرح ونحوه عصیاناً فیما کان حدوثه باختیاره إضراراً یحسب جنایة وظلماً علی نفسه،بل یکون عصیاناً فیما إذا کان ذلک بحدوثه باختیاره حتّی لو لم یحسب ذلک ظلماً وجنایة فیما کان ذلک بعد دخول وقت الصلاة حیث إنّ الصلاة مع التوضّؤ جبیرة من المأمور به الاضطراری المستفاد من خطاباته تفویت القدرة علی المأمور به الاختیاری.نعم،مقتضی إطلاق بعض الروایات الواردة فی الوضوء جبیرة عدم الفرق بین کون الجرح حادثاً باختیاره علی وجه العصیان أم لا.

حکم الجبیرة یعمّ ما لصق ولم یمکن إزالته

[2]

الوجه المذکور فی جریان حکم الجبیرة دعوی أنّه یستفاد من الروایات الواردة فی الوضوء جبیرة أنّ الملاک فی انتقال الوظیفة إلیه عدم التمکّن من إیصال الماء تحت الجبیرة لتضرر المکلّف بإیصال الماء تحتها سواء کان الإیصال بنفسه ضرریاً أو یکون الضرر فی رفع الجبیرة کالعبث بالجرح وهذا الملاک موجود فی الفرض؛ لعدم تمکّن المکلّف من إیصال الماء تحت القیر أو غیره من اللاصق، بالعضو،وفیها أنّ کون تمام ملاک الوضوء جبیرة ما ذکر لا یمکن استظهاره فی شیء من روایات الباب.

وما عن الجواهر من القطع بأنّ من فی یده شیء لاصق لا یتمکن من أزالته

ص :195

(مسألة 15) إذا کان ظاهر الجبیرة طاهراً لا یضرّه نجاسة باطنة[1]

.

(مسألة 16) إذا کان ما علی الجرح من الجبیرة مغصوباً لا یجوز المسح علیه بل یحب رفعه وتبدیله،وإن کان ظاهرها مباحاً وباطنها مغصوباً فإن لم یعدّ مسح الظاهر تصرّفاً فیه فلا یضرّ وإلّا بطل وإن لم یمکن نزعه أو کان مضرّاً فإن عدّ تالفاً یجوز المسح علیه وعلیه العوض لمالکه،والأحوط استرضاء المالک أیضاً أوّلاً، وإن لم یعدّ تالفاً وجب استرضاء المالک ولو بمثل شراء أو إجارة،وإن لم یمکن --------------

لا یکلّف بالصلاة بالتیمّم ما دام العمر (1) أیضاً لا یمکن المساعدة علیه فإنّ الفرض کالمریض الذی یضرّه الماء ما دام العمر فإنّه کما یصلّی ما دام عمره بالتیمّم،ولیکن هذا کذلک فالصحیح أن یفصّل بین ما إذا کان الشی اللاصق فی أجزاء التیمّم أیضاً وبین عدمه ففی الصورة الأُولی یکون الحکم الوضوء وغسل ظاهر الشیء اللاصق بالمسح حیث لا یحتمل سقوط فرض الصلاة عنه ولا یحتمل تعیّن الوظیفة فی التیمّم؛ لحصول المانع فی أعضائه أیضاً،کما أنّ التخییر الواقعی بین الوضوء والتیمّم المزبور غیر محتمل کما تقدّم فی مسألة الجبیرة المستوعبة لتمام الأعضاء،وأمّا إذا لم یکن فی شیء من أعضاء التیمّم مانع فالمتعین انتقال الوظیفة إلیه کما هو مقتضی القاعدة المشار إلیها.

[1]

فإنّه یعمّ الفرض ما دلّ علی غسل سائر الأعضاء والمسح علی الجبیرة المزبورة ولا تقاس نجاسة باطنها بما إذا کان ظاهرها نجس حیث لا یمکن المسح مع نجاسة الظاهر،وبتعبیر آخر نجاسة باطنها لا یزید علی نجاسة موضعها من القرح أو الجرح.

ص :196


1- (1)) الجواهر2:304.

فالأحوط الجمع بین الوضوء بالاقتصار علی غسل أطرافه وبین التیمّم [1]

.

--------------

إذا کانت الجبیرة مغصوبة

[1]

ذکر قدس سره أنّه إذا کانت الجبیرة بظاهرها وباطنها مغصوبة وأمکن رفعها وتبدیلها تعیّن رفعها وتبدیلها ولو مسح علیها بطل وضوءه،وکذا فیما إذا کان ظاهرها مغصوباً فقط وعدّ المسح علی ذلک الظاهر تصرّفاً فی المغصوب أیضاً کما إذا کان بحیث تصل رطوبة المسح إلی المغصوب،وأمّا إذا لم یعدّ تصرّفاً فیه فیحکم بصحة الوضوء جبیرة؛ لأنّ المسح علی ظاهر الجبیرة لا یدخل فی التصرّف فی مال الغیر حتّی یبطل لحرمته.

وأمّا إذا لم یمکن رفعها وتبدیلها فإن عدّ الجبیرة المزبورة من مال الغیر تالفاً یجوز المسح علیها لا لخروجها عن ملک مالکها بالتلف وثبوت عوضها علی ذمّته مثلاً أو قیمة؛ لأنّ التلف لا یوجب خروج الشیء الباقی منه عن ملکیّة مالکه قبل أداء البدل،وإنّما یجوز المسح علیه،فلأنّ حرمة التصرّف فی ملک الغیر؛ لکونه ظلماً وعدواناً علی مالکه ومع عدم إمکان الرد کما هو الفرض ترتفع الحرمة.

وعلی الجملة،التلف یوجب خروج الشیء عن المالیة؛ ولذا یثبت العوض علی ذمّته ولا یوجب خروج الباقی منه عن ملکیة مالکه والشاهد لما فسّرنا به کلامه أنّه قدس سره لم یفصّل مع أمکان النزع والتبدیل بین عدّ الجبیرة تالفة أم لا،ولو کان مجرّد التلف موجباً للخروج عن الملک لزم التفصیل بینه وبین عدم التلف فی صورة إمکان النزع والتبدیل أیضاً،ولکن ذکر أنّ الأحوط استحباباً استرضاء المالک أیضاً قبل المسح.

ولو لم تعدّ الجبیرة تالفة وجب استرضاء المالک قبل المسح علیها ولو بمثل شراء أو إجارة،وإن لم یرضَ المالک وجب الجمع بالوضوء بغسل الأطراف فقط وبین التیمّم.

ص :197

..........

أقول :لا ینبغی التأمّل فی أنّه إذا کان ظاهر الجبیرة مباحة ولم یعد المسح علی ظاهر من التصرف فی المغصوب کما أشرنا إلیه فالوضوء جبیرة لا یتّحد مع المحرم حتّی یحکم ببطلانه سواء أمکن رفع الجبیرة وتبدیلها أم لم یمکن.

وأمّا إذا کان المسح علیها من التصرّف فی المغصوب أو کانت الجبیرة بتمامها مغصوبة فلا یجوز المسح علیه قبل استرضاء المالک أو دفع البدل بلا فرق بین إمکان النزع والتبدیل وعدمه فإنّ عدم إمکان النزع فعلاً لا یوجب جواز التصرف فیه حتّی فیما إذا عدت تالفه فإنّ الجواز یمکن الالتزام فی التالف مع عدم إمکان ردّه أصلاً، کما لا یمکن الالتزام بجواز التصرّف فیما کان الردّ ضرریاً حیث إنّ قاعدة لا ضرر لا تشمل موارد کون الرفع فیها خلاف الامتنان علی الغیر فما لم یکن فی البین موجب آخر کضرر تلف النفس والعضو لا یکون وجوب الرد علی المالک ساقطاً.

ثمّ إنّه إذا لم یمکن الاسترضاء ورفع الجبیرة المغصوبة و تبدیلها ولم یکن فی مواضع التیمّم شیء منها فالمتعیّن هو التیمّم أخذاً بالقاعدة المشار إلیها ولو فرض وجود الجبیرة فی مواضع التیمّم أیضاً فقد یقال بوجوب الوضوء جبیرة؛ لأنّ وجوب الصلاة المشروطة بالطهارة مع حرمة التصرف فی مال الغیر أو ملکه من المتزاحمین، وبما أنّ أهمیّة وجوب الصلاة وعدم سقوطها بحال محرز ولا یکون الصلاة بلاطهارة فیکون الفرض کما فی المحبوس فی المکان المغصوب.

ولکن لا یخفی أنّ ما دلّ علی وجوب الصلاة مع الطهارة فی الفرض ما دلّ علی حرمة التصرّف فی الجبیرة المغصوبة لا یکونان من المتزاحمین،وإنّما یکونان من المتعارضین بناءً علی ما هو الصحیح من کون الطهارة عنواناً لنفس الوضوء و التیمّم، کالمعارضة بین ما دلّ علی وجوب الصلاة وما دلّ علی حرمة الغصب فی مسألة الصلاة فی الدار المغصوبة،وإذا کان الدخول فی الدار المغصوبة بلا اختیار

ص :198

(مسألة 17) لا یشترط فی الجبیرة أن تکون ممّا یصحّ الصلاة فیه[1]

فلو کانت حریراً أو ذهباً أو جزء حیوان غیر مأکول لم یضرّ بوضوئه فالذی یضرّ هو نجاسة ظاهرها أو غصبیّته.

--------------

کالمحبوس فیها فیسقط حرمة الغصب للاضطرار فیبقی ما دلّ علی وجوب الصلاة بلا معارض بخلاف المقام فإنّه لا اضطرار فی الفرض فی التصرّف فی الجبیرة بالمسح علیها خصوصاً إذا کان غصب الجبیرة بسوء اختیاره ففی الفرض لا یکون المکلّف واجداً للطهور بناءً علی عدم احتمال کون الطهارة فی الفرض خصوص الغسل والمسح فی سائر أعضاء الوضوء ممّا لیس علیها جبیرة،وعلیه فالمتعیّن فی الفرض إمّا الالتزام بسقوط فرض الصلاة أو الالتزام بکون الوضوء هو الغسل والمسح فی سائر أعضاء الوضوء فیکون علی المکلّف الصلاة بالغسل والمسح فی سائر الأعضاء خاصّة وقضاؤها بعد ذلک فإنّه مقتضی العلم الإجمالی بوجوب أحد الأمرین علیه کما لا یخفی.

لا یضر بالوضوء أن تکون الجبیرة من حریر أو ذهب

[1]

حیث إنّ المحرّم لبس الذهب أو الحریر المحض وکون لبسهما کأجزاء الحیوان غیر المأکول لحمه مانعاً عن الصلاة فیها،ولا یکون المسح علی الحریر أو الذهب الملبوس محرّماً أو مانعاً عن الوضوء وکذا الجبیرة من غیر مأکول اللحم، ومقتضی الإطلاق فی بعض الروایات بالإضافة إلی الخرقة من الحریر أو من جلد الحیوان کون غسل سائر المواضع والمسح علیها وضوءاً فیجوز له کتابة القرآن بعد الوضوء المزبور،بل الصلاة إذا أمکن نزعها أو تبدیلها بعد الوضوء أو بلا نزع،کما إذا کان بلا اختیاره ولم یتمکّن من نزعها بعد ذلک أو حتّی کان مع اختیاره قبل وقت الصلاة کما فی الجبیرة من جزء الحیوان غیر المأکول لحمه.

ص :199

(مسألة 18) ما دام خوف الضرر باقیاً یجری حکم الجبیرة وإن احتمل البرء[1]

ولا یجب الإعادة إذا تبیّن برؤه سابقاً،نعم لو ظنّ البرء وزوال الخوف وجب رفعها.

--------------

یجری حکم الجبیرة مادام خوف الضرر باقیاً

[1]

لعلّ نظره قدس سره أنّ الموضوع لاعتبارالوضوء جبیرة هو أنّ الکسر أو الجرح أو القرح الحادث إذا کان مجبوراً وخاف المکلّف من غسل مواضعها فعلیه الوضوء جبیرة،کما یستظهر ذلک من معتبرة کلیب الصیداوی حیث قال علیه السلام فیها «إن کان یتخوّف علی نفسه فلیمسح علی جبائره ولیصلِّ» (1) وبما أنّ الکسر أو القرح أو الجرح قد حدث وهو مجبور فبالخوف من إیصال الماء یتمّ الموضوع لاعتبار الوضوء جبیرة فی الصلاة ونحوها،ولا یکون انکشاف البرء قبل الوضوء بعد الوضوء موجباً لإعادته.

وعلی ذلک فلا مورد لاستصحاب عدم البرء حیث مع إحراز الموضوع للوضوء جبیرة لا مجری للأصل فیه.

ولکن یناقش أنّ الوارد فی صحیحة الحلبی إذا کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة،ومقتضاه أنّ الموضوع لاعتبار الوضوء جبیرة کون الماء وإیصاله إلی ما تحت الجبیرة ضرراً فیکون الموضوع هو الضرر الواقعی،ومقتضی الجمع العرفی بینها وبین معتبرة کلیب هو حمل الخوف الوارد فیها علی کونه طریقاً إلی الضرر الواقعی؛ وذلک فإنّه وإن یحتمل بدواً أن یکون کلّ من الضرر الواقعی وخوفه فیما حدث فیه کسر أو قرح أو جرح مجبور موضوعاً لاعتبار الوضوء جبیرة،نظیر خفاء الأذان وخفاء الجدران الموضوع لوجوب القصر إلّاأنّ المصیر إلیه خلاف الظاهر فی المقام حیث إنّ الخوف فی نفسه عند العقلاء طریق إلی رعایة الضرر الواقعی فیکون ذکره فی

ص :200


1- (1)) وسائل الشیعة1:465،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث8.

..........

خطاب خصوصاً مع ذکر الضرر الواقعی فی خطاب آخر موضوعاً للحکم محمولاً علی الطریقیة.

وعلی ذلک فلو ظهر بعد الوضوء أنّه کان قد حصل البرء قبل الوضوء ولم یکن فی غسل موضع الجبیرة أیّ ضرر یکون إجزاء الوضوء المزبور مبنیّاً علی إجزاء المأمور به الظاهری عن الواقعی.

لا یقال :لا یمکن أن یکون الموضوع للوضوء جبیرة الضرر الواقعی فإنّ مع خوف الضرر وعدم الضرر الواقعی لا یتمکن المکلّف علی الوضوء الاختیاری حیث إنّ مع الخوف تکون حرمة الوضوء محرزة.

فإنّه یقال :مع أنّ الفرض مبنیّ علی حرمة الإضرار بالنفس تکلیفاً مطلقاً وإلّا فیمکن الوضوء الاختیاری مع الخوف المزبور احتیاطاً بعد التوضّؤ جبیرة وعلی تقدیر الإضرار یکون المورد من الموارد التی لا یمکن الاحتیاط فیها ولا یوجب أن یکون تمام الموضوع للجواز الواقعی هو خوف الضرر لیحکم بإجزاء الوضوء جبیرة ولو مع عدم الضرر الواقعی.

اللهمّ إلّاأن یدّعی أنّ المستفاد من صحیحة الحجّاج أنّ من حدث فیه کسر والقرح أو جرح وکان علیه جبیرة فلا یعبث بجراحته ولا ینزع الجبائر (1) حتّی فیما إذا احتمل البرء وهو مکلّف بغسل المواضع الخالیة عن الجبیرة.

وعلی الجملة،غسل سائر المواضع الخالیة عن الجبیرة ما لم یحرز الاستغناء عن الجبیرة حکم واقعی غایة الأمر قد ثبت المسح علی الجبیرة بسائر الروایات أنّه لا یکتفی بمجرّد غسل سائر المواضع فیکون الموضوع لاعتبار الوضوء جبیرة فی

ص :201


1- (1)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

(مسألة 19) إذا أمکن رفع الجبیرة وغسل المحل لکن کان موجباً لفوات الوقت هل یجوز عمل الجبیرة؟ فیه إشکال،بل الأظهر عدمه والعدول إلی التیمّم[1]

(مسألة 20) الدواء الموضوع علی الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم وصارا کالشیء الواحد ولم یمکن رفعه بعد البرء بأن کان مستلزماً لجرح المحل وخروج الدم،فإن کان مستحیلاً بحیث لا یصدق علیه الدم بل صار کالجلد فما دام کذلک یجری علیه حکم الجبیرة[2]

وإن لم یستحل کان کالجبیرة النجسة یضع علیه خرقة ویمسح علیه.

--------------

الصلاة ونحوها واقعاً،إحراز الاستغناء عن الجبیرة،ویؤیّده ندرة إحراز البرء فی وقته بلا نزع الجبیرة کما لا یخفی.

لو أمکن رفع الجبیرة والغسل مع فوات الوقت

[1]

حیث إنّ الفرض خارج عن مدالیل أخبار الجبیرة فإنّها ناظرة إلی صورة کون إیصال الماء إلی موضعها ضرراً بنفسه أو برفع الجبیرة،وشیء من الأمرین غیر متحقّق فی الفرض،وبما أنّه عند دوران الأمر بین رعایة الوقت وبین الطهور المائی یجب رعایة الوقت وتنتقل الوظیفة إلی التیمّم یتعیّن فی الفروض العدول إلی التیمّم لکون الفرض من صورة الدوران بین الرعایتین،وهذا فیما لم یکن الجبیرة فی مواضع التیمّم ظاهر،وأمّا مع کونها فیها أیضاً تعیّن رفعها فیما إذا أمکن إدراک رکعة أو أزید من وقتها مع الوضوء أو التیمّم.

إذا صار الدم کالجلد

[2]

مجرّد صیرورة الدم کالجلد واستحالته لا یوجب طهارة الدواء المختلط مع الدم وإذا لم یندمل الجرح الموضوع علیه الدواء فالوضوء منه هو غسل ما هو الجرح

ص :202

(مسألة 21) قد عرفت أنّه یکفی فی الغسل أقلّه بأن یجری الماء من جزء إلی جزء آخر ولو بإعانة الید،فلو وضع یده فی الماء وأخرجها ومسح بما یبقی فیها من الرطوبة محل الغسل یکفی[1]

وفی کثیر من الموارد هذا المقدار لا یضرّ خصوصاً إذا کان بالماء الحار،وإذا أجری الماء کثیراً یضرّ فیتعیّن هذا النحو من الغسل ولا یجوز الانتقال إلی حکم الجبیرة فاللازم أن یکون الانسان ملتفتاً لهذه الدقّة.

--------------

وإذا برئ ولم یمکن تطهیر الدواء الموضوع فمقتضی القاعدة المشار إلیها انتقال الوظیفة إلی التیمّم ووضع خرقة طاهرة والمسح علیها غیر داخل فی مدالیل الأخبار هذا فیما إذا لم یستحل الدم أو إذا استحال؛ لأنّ استحالة الدم لا یوجب طهارة الدواء الموضوع علیه.

نعم،لو فرض مع استحالة الدم استحالة الدواء أیضاً بحیث صار کالجلد علی موضع الجرح أو القرح فالمکلّف یتمکّن من الوضوء الاختیاری وهو غسل ظاهر الجلد المزبور،وهذا خارج عن ظاهر فرض الماتن.

فی أقلّ الغسل

[1]

ولیکن المراد أنّ الرطوبة تحملها الید أجزاء مائیّة تنتقل إلی العضو بوضع الید علیه وبمسحها علی العضو تنتقل تلک الأجزاء ولو بعضها من جزء ذلک العضو إلی الجزء الذی بعده،وأمّا إذا تأثّر العضو بالرطوبة من غیر انتقال الأجزاء المنتقلة وجریانها من جزء العضو إلی جزئه الآخر فلا ینبغی التأمّل فی أنّه لا یصدق علیه الغسل،بل یصدق علیه مسح ذلک العضو خاصّة.

وبتعبیر آخر،المسح والغسل وإن کان بینهما العموم من وجه وربّما یجتمعان فیما إذا کان انتقال أجزاء الماء من جزء العضو إلی الآخر یمسح الید علیه ولکن إذا لم یمکن هذا الجریان فلا یصدق علیه الغسل،کما أنّه إذا کان الجریان من غیر المسح

ص :203

(مسألة 22) إذا کان علی الجبیرة دسومة لا یضرّ بالمسح علیها إن کانت طاهرة[1]

(مسألة 23) إذا کان العضو صحیحاً لکن کان نجساً ولم یمکن تطهیره لا یجری علیه حکم الجرح[2]

بل یتعیّن التیمّم،نعم لو کان عین النجاسة لاصقة به ولم یمکن إزالتها جری حکم الجبیرة والأحوط ضمّ التیمّم.

--------------

یصدق علیه الغسل من دون صدق المسح.

وعلی الجملة،فاللازم ملاحظة التمکّن من أقل مرتبة الغسل فی مواضعه فإن أمکن ذلک ولم یکن فیه ضرر یکون المکلّف متمکّناً من الوضوء الاختیاری ولا تصل النوبة إلی الوضوء الاضطراری من غسل أطراف الجرح أو المسح علی الجبیرة.

إذا کان علی الجبیرة دسومة

[1]

ظاهر الأمر بالمسح علی الجبیرة تأثّرها بالید الماسحة فإن کان فی البین هذا التأثّر فیکتفی بالمسح علیه أخذاً بإطلاق الأمر بالمسح علی الجبیرة وإن لم یکن تأثّر فی الجبیرة بوجه أصلاً بأن تکون الدسومة مانعة عن وصول الماء إلیها ولا یتأثر أصلاً فالفرض داخل فی صورة عدم التمکّن من مسح الجبیرة وتکون الوظیفة علی القاعدة المشار إلیها الانتقال إلی التیمّم علی ما تقدّم.

إذا کان العضو نجساً

[2]

قد تقدّم أنّ الموضوع للوضوء جبیرة هو کون المکلّف کسیراً مجبوراً أو به قرح أو جرح وشیء من العناوین فی الفرض غیر محقّق فعدم إمکان غسل الموضع لنجاسته أو لصوق النجس کلصوق الطاهر موجب لانتقال الوظیفة إلی التیمّم،نعم لو کان المانع اللاصق فی مواضع التیمّم أیضاً فقد تقدّم عدم البعد فی الاکتفاء بغسل سائر المواضع الممکنة للوضوء وأنّ الأحوط قضاء الصلاة فیما بعد وهذا بلا فرق بین کون النجاسة لاصقة بالعضو أم لا علی ما تقدّم.

ص :204

(مسألة 24) لا یلزم تخفیف ما علی الجرح من الجبیرة إن کانت علی المتعارف [1]

کما أنّه لا یجوز وضع شیء آخر علیها مع عدم الحاجة إلّاأن یحسب جزءاً منها بعد الوضع.

(مسألة 25) الوضوء مع الجبیرة رافع[2]

للحدث لا مبیح.

--------------

لا یلزم تخفیف الجبیرة

[1]

إذا أمکن تخفیف الجبیرة التی تکون متعارفة لم یتعیّن تخفیفها،بل یکفی المسح علیها أخذاً بإطلاق الأمر بالمسح علی الجبائر ولا یجوز زیادة الجبیرة التی علیها إلّاإذا عدّ جزءاً منها کما إذا کان احتیاج إلی تلک الزیادة ولو تحفّظاً عن خروج القیح وسرایة الدم إلی ظاهرها،وهذا أیضاً مقتضی الإطلاق فی صحیحة الحلبی وغیرها.

ودعوی أنّ التخفیف فی صورة إمکانه جعل المسح علیها أقرب إلی غسل البشرة أو مسحها کما أنّ زیادتها توجب بعد المسح علیها عن غسل البشرة أو مسحها لا یمکن المساعدة علیها أوّلاً لعدم الأقربیة،وعلی تقدیرها یدفع اعتبارها الإطلاق المشار إلیه.

فی رافعیة وضوء الجبیرة للحدث

[2]

المراد أنّ الوضوء جبیرة فی موارد مشروعیته طهارة یحصل به ما هو شرط للصلاة أو هو بنفسه شرط لها،والالتزام بأنّ الوضوء المزبور لا یکون طهارة حتّی فی تلک الموارد،بل إنّما یبیح بها الصلاة.

وبتعبیر آخر،بما أنّه لا یمکن الإتیان بالصلاة مع الطهارة فمع عدم إمکانه ولو بسوء الاختیار یؤتی بالصلاة بالوضوء جبیرة،ویترتّب علی ذلک أنّه إذا زالت الجبیرة بعد التوضّؤ وعدم انتقاضه بشیء من النواقض یتعیّن الوضوء الاختیاری للصلاة

ص :205

..........

الآتیة حیث إنّه لا صلاة إلّابطهور. (1)

وعلی الجملة،لا یستفاد من الروایات أنّ الذی یحصل بالوضوء الاختیاری فی حال الاختیار یحصل بالوضوء جبیرة عند الاضطرار،نظیر وجوب الصلاة تماماً فی غیر السفر،ووجوبها قصراً فی السفر و إلّاکان اللازم أن یجوز للمکلّف إدخال نفسه فی الاضطرار حتّی بعد دخول الوقت حیث إنّ الطهارة المشروط بها الصلاة حاصلة علی الفرض،فاللازم فی جمیع موارد ثبوت البدل الاضطراری الالتزام ببقاء المبدل الاختیاری علی ملاکه حال الاضطرار أیضاً،وحیث إنّ هذا الملاک یفوت عن الشخص قد أمر الشارع بما هو یکون فی الملاک ناقصاً والنقص فی الطهارة فی المقام هو المعبّر عنه بکون الوضوء جبیرة أو التیمّم مبیحاً،وهذا هو مقتضی الجمع العرفی بین جمیع الموارد من ثبوت الأبدال الاضطراریة.

وفیه أنّه یمکن أن یکون التیمّم عند عدم التمکّن من الوضوء الاختیاری و الوضوء جبیرة عند عدم التمکّن منه رافعاً للحدث حقیقة بأن یکون الشخص مع الوضوء جبیرة حال الجبیرة علی عضوه کالوضوء الاختیاری فی حال عدم الجبیرة فی الطهارة،إلّاأنّه مع ذلک لم یجز إدخال نفسه فی الاضطرار،حیث إنّ الملاک الملزم فی الصلاة مع الطهارة بالوضوء الاختیاری أقوی بمراتب عن الصلاة بالطهارة الاضطراریة فلم یجز للمکلّف تفویت ذلک الملاک الزائد فی الصلاة بتعجیز نفسه.

وبتعبیر آخر،ما ذکر من لزوم العرضیّة لو لم یکن فی البین اختلاف فی الملاک إنّما یلزم فیما کان کلّ من البدل والمبدل واجباً نفسیّاً،وأمّا فیما کان الشی قیداً للواجب وکان فی نفسه ملاک آخر غیر ملزم فیمکن أن لا یختلف البدل والمبدل

ص :206


1- (1)) وسائل الشیعة1:315،الباب9 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

(مسألة 26) الفرق بین الجبیرة التی علی محلّ الغسل والتی علی محلّ المسح من وجوه کما یستفاد ممّا تقدّم:

أحدها:أنّ الأُولی بدل الغسل[1]

والثانیة بدل عن المسح.

الثانی:أنّ فی الثانیة یتعیّن المسح وفی الأُولی یجوز الغسل أیضاً علی الأقوی[2]

.

--------------

بالإضافة إلی الملاک النفسی للقید فیکون کلّ منهما طهارة حقیقة إلّاأنّهما یختلفان فی الملاک الحاصل للمقیّد أی الصلاة ونحوها،وعلی ذلک فالمستفاد ممّا ورد فی الوضوء جبیرة أنّ ما هو شرط فی الصلاة من الطهارة وضوءاً أو غسلاً من صاحب الجبیرة هو غسل سائر المواضع الخالیة عنها والمسح علی الجبیرة ولا یتبادر من شی من الأخبار أنّ الوضوء المزبور لا یکون طهارة وإنّما هو مبیح للصلاة فقط فلا یجوز للمتوضئ جبیرة غیر الصلاة ممّا لا یجوز مع الحدث کمس کتابة القرآن فلاحظ.

الفوارق بین جبیرة محل الغسل وجبیرة محل المسح

[1]

إن کان المراد أنّ الشارع قد أمر بالمسح علی الجبیرة فی موضع الغسل وأمر بالمسح علیها أیضاً فی موضع المسح علی البشرة فهذا لا یکون إلّاأنّ الجبیرة فی موضع الغسل والجبیرة فی موضع المسح،وإن أُرید أنّ علی المکلّف أن یقصد فی الأُولی البدلیة عن الغسل وفی الثانیة البدلیة عن المسح فهذا غیر معتبر ولو أسلم صاحب الجبیرة وتعلّم الوضوء جبیرة قبل أن یتعلّم الوضوء الاختیاری صحّ وضوؤه حیث إنّه لم یقید فی الروایات المتقدّمة کون المسح علیهابقصد بدلیة الغسل أو المسح،بل غایة ما یستفاد کون المسح علی الجبیرة بقصد کونه من الوضوء.

[2]

قد تقدّم أنّ مقتضی الروایات اعتبار المسح علی الجبیرة،وأمّا مجرّد الغسل کما إذا صبّ الماء علی ظاهر الجبیرة بحیث وصل إلی جمیع أطرافها فلا دلیل علی إجزائه ومشروعیّة الوضوء المزبور کما تقدّم.

ص :207

الثالث:أنّه یتعیّن فی الثانیة کون المسح بالرطوبة الباقیة فی الکفّ وبالکفّ[1]

وفی الأُولی یجوز المسح بأیّ شیء کان،وبأیّ ماء ولو بالماء الخارجی.

الرابع:أنّه یتعیّن فی الأُولی استیعاب المحلّ إلّاما بین الخیوط والفرج،وفی الثانیة یکفی المسمّی.

الخامس:أنّ فی الأُولی الأحسن أن یصیر شبیهاً بالغسل فی جریان الماء، بخلاف الثانیة فالأحسن فیها أن لایصیر شبیهاً بالغسل.[2]

.

السادس:أنّ فی الأُولی لا یکفی مجرّد إیصال النداوة[3]

بخلاف الثانیة حیث إنّ المسح فیها بدل عن المسح الذی یکفی فیه هذا المقدار.

السابع:أنّه لو کان علی الجبیرة رطوبة زائدة لا یجب تجفیفها فی الأُولی[4]

بخلاف الثانیة.

--------------

[1]

قد تقدّم أنّ ظاهر الأمر بالمسح علی الجبیرة فی موضع المسح کون المسح المزبور بالنحو الذی کان یعتبر فی مسح البشرة حال الاختیار،کما أنّ ظاهر الأمر بالمسح علیها فی موضع الغسل کونه بالنحو الذی یعتبر فی غسل البشرة من کونه من الأعلی إلی الأسفل وکونه بأیّ ماء وأی شیء فلا یعتبر کون الآلة الماسحة الکفّ فضلاً عن کونه ببلّتها،وهذا بخلاف المسح علی الجبیرة فی موضع اعتبار مسح البشرة.

[2]

هذه إشارة إلی ما تقدّم فی المسح بدلاً عن الغسل من أنّ الأحوط إجراء الماء علی الجبیرة بإمرار الید من دون قصد الغسل أو المسح،وهذا وإن کان احتیاطاً إلّا أنّ حسنه بعنوان الاحتیاط لا کونه أحسن المسح.

[3]

قد تقدّم أنّ المعتبر فی المسح بدل الغسل أیضاً أن تکون الرطوبة المسریة فی الآلة الماسحة بحیث تتأثر الجبیرة بها،وأمّا تخلّف الرطوبة المسریة علی نفس الجبیرة فلا یعتبر کما فی المسح علی الجبیرة فی موضع المسح فما ذکره احتیاط مستحبّ.

[4]

اعتبار التجفیف بأن لا یکون علی الجبیرة رطوبة مسریة فیما إذا کانت

ص :208

الثامن:أنّه یجب مراعاة الأعلی فالأعلی فی الأُولی دون الثانیة.

التاسع:أنّه یتعیّن فی الثانیةإمرار الماسح علی الممسوح بخلاف الأُولی فیکفی فیها بأیّ وجه کان.[1]

(مسألة 27) لا فرق فی أحکام الجبیرة بین الوضوءات الواجبة والمستحبّة[2]

(مسألة 28) حکم الجبائر فی الغسل کحکمها فی الوضوء واجبة ومندوبة[3]

--------------

الجبیرة فی موضع المسح ظاهر فإنّ المعتبر فی ذلک المسح أن یکون ببلّة الکفّ فاللازم اعتبار الرطوبة المتخلّفة فی الکفّ لیمسح الجبیرة بها بخلاف المسح علی الجبیرة فی موضع الغسل فإنّه یجوز المسح بالبلة الخارجیة وبالماء الخارجی،وإذا کان فی الآلة الماسحة رطوبة مسریة فانتقلت إلی جزء من الجبیرة وبامتداد المسح أخذ الماء عن ذلک الجزء الذی فیه أجزاء مائیة من قبل أیضاً ویمسح بها باقی الجبیرة لکفی.

[1]

فإنّه یعتبر فی المسح فی موضع الغسل أن تکون الجبیرة التی علیه ممسوحة بالأجزاء المائیة،سواء کانت تلک الأجزاء المائیة فی الید أو غیرها،وسواء کانت ممسوحة بها بإمرار الماسح الحامل للأجزاء المائیة علیه أو بإمرار الجبیرة علی ما فیه الأجزاء المائیة.

[2]

فإنّ عدم الفرق بین الوضوء الواجب والمستحبّ فیما تقدّم من الأحکام کما هو مقتضی الإطلاق فی الروایات المتقدّمة.

حکم الجبیرة فی الاغتسال

[3]

المعروف بین الأصحاب أنّ حکم الجبائر فی الغسل کحکمها فی الوضوء، وأنّه إذا کان کسیراً أو ذا قرح أو جرح وکان الجرح أو القرح مجبوراً یغسل سائر البدن

ص :209

..........

یمسح علی الجبیرة المزبورة،وأمّا غسل سائر الجسد فهو مقتضی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج المتقدّمة حیث ذکر سلام الله علیه بعد السؤال عمّن کان کسیراً مجبوراً أو تکون به الجراحة کیف یصنع بالوضوء وغسل الجنابة وغسل الجمعة؟ أنّه یغسل ما وصل إلیه الغسل ممّا ظهر ممّا لیس علیه الجبائر. (1)

وأمّا لزوم المسح علی الجبائر فهو مقتضی الإطلاق فی معتبرة کلیب الأسدی فیما کان کسیر مجبوراً حیث إنّها تعمّ ما إذا کانت الصلاة مشروطة بالغسل کما هو مقتضی قول السائل کیف یصنع بالصلاة؟ وأمّا المسح علی الجبیرة التی تکون علی الجرح أو القرح فإنّه لا یحتمل الفرق بین الجبیرة الموضوعة علی موضع الغسل من الوضوء والموضوعة علی موضعه من الغسل خصوصاً بملاحظة ثبوت لزوم المسح علی الجبیرة من الکسیر کما ذکرنا.

نعم،یبقی فی الغسل جبیرة موارد من الکلام وهو أنّ ظاهر بعض الأخبار الواردة فیمن له کسر أو جرح أو قرح سواء کان مجبوراً أم لا تعیّن التیمّم للصلاة فیما إذا کان جنباً،وفی صحیحة محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یکون به القرح والجراحة یجنب؟ قال:«لا بأس بأن لا یغتسل،یتیمّم» (2) وفی صحیحة داود بن سرحان عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل تصیبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو یخاف علی نفسه من البرد،قال:«لا یغتسل،ویتیمّم» (3) وفی صحیحة البزنطی عن الرضا علیه السلام فی الرجل تصیبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو یکون یخاف

ص :210


1- (1)) وسائل الشیعة1:463،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة3:347،الباب5 من أبواب التیمّم،الحدیث5.
3- (3)) وسائل الشیعة3:348،الباب5 من أبواب التیمّم،الحدیث8.

..........

علی نفسه البرد،قال:«لا یغتسل،یتیمّم» (1) .

وربّما بقرینة ما دلّ علی غسل الأطراف والمسح علی الجبیرة فیما کانت القروح أو الجروح مجبورة بحمل ما دلّ علی التیمّم علی ما إذا کانت مکشوفة،ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ ما دلّ علی التیمّم معارض أیضاً بما دلّ علی غسل الأطراف ولو فی الجرح أو القرح المکشوف،وفی صحیحة عبداللّٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن الجرح کیف یصنع صاحبه؟ قال:«یغسل ما حوله» (2) ولذا قیل إنّ ما دلّ علی غسل أطراف الجرح أو القرح والمسح علی الجبیرة علی تقدیرها فی الغسل أیضاً یحمل علی ما إذا کان الجرح أو القرح واحداً،وما دلّ علی ترک الاغتسال والتیمّم علی ما إذا کان متعدّداً.

ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ المراد من الجرح أو القرح کما هو ظاهره إرادة الجنس فیشمل الواحد والمتعدّد وکذلک المراد من القروح أو الجروح؛ ولذا ذکر فی صحیحة محمد بن مسلم عن الرجل یکون به القرح والجراحة،یجنب؟ قال:«لا بأس بأن لا یغتسل،یتیمّم» (3) وعن الشیخ الأنصاری قدس سره (4) حمل الروایات الدالّة علی صورة کون الغسل ولو جبیرة ضرریّاً وما دلّ علی المسح علی الجبیرة،وغسل الأطراف علی صورة عدم الضرر فی الغسل جبیرة أو فی غسل الأطراف خاصّة ضرر،وقد یقال إنّ هذا الجمع أحسن الوجوه،ویقال أیضاً إنّه کالوجوه الأُخر ضعیف حیث إنّ ضرر الماء فی غسل المواضع السالمة خارج عن ظاهر کلتا الطائفتین.

ص :211


1- (1)) وسائل الشیعة3:347-348،الباب5 من أبواب التیمّم،الحدیث7.
2- (2)) وسائل الشیعة1:464،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث3.
3- (3)) وسائل الشیعة3:347،الباب5 من أبواب التیمّم،الحدیث5.
4- (4)) کتاب الطهارة2:386.

..........

وقد یقال إنّ مقتضی الجمع العرفی بین الطائفتین إنّ یقال إنّ المکلّف إذا کان به قروح أو جروح أو القرح والجرح وکان جنباً یتخیّر بین الغسل جبیرة بغسل الأطراف و المسح علی الجبیرة و بغسل الأطراف خاصّة مع عدم الجبیرة و بین التیمّم فإنّه مقتضی الجمع بین صحیحة عبد اللّٰه بن سنان وصحیحة عبدالرحمن بن الحجاج وبین ما تقدّم من صحیحة محمّد بن مسلم وصحیحة داود بن سرحان وصحیحة البزنطی لصراحة کلّ من الطائفتین فی مشروعیّة کلّ منهما،ویرفع عن ظهور کلّ منهما فی التعیّن،فیکون کلّ من الفعلین تخییریّاً،ولا ینافی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة داود بن سرحان والبزنطی:«لا یغتسل» حیث إنّ هذا النهی فی مقام توهّم الوجوب التعیینی فلا ینافی الأمر به فی الخطاب الآخر تخییریاً.

وعلی الجملة،إذا کان المکلّف کسیراً مجبوراً یتعین علیه الاغتسال جبیرة ومع عدم إمکان الاغتسال جبیرة ولو لعدم إمکان المسح علی الجبیرة لنجاستها أو لعدم الجبیرة علی کسره وضرر الماء لموضع الکسر ینتقل الأمر إلی التیمّم،وهذا بخلاف ذی القرح أو الجرح فإنّه سواء کان مجبوراً أم لا یتخیّر بین الاغتسال جبیرة أو بغسل الأطراف وبین التیمّم جمعاً بین الطائفتین علی ما تقدّم.

أقول: ما ذکره الشیخ قدس سره فیمکن أن یقال فی توجیهه بأنّ الأمر بالتیمّم وترک الاغتسال وإن کان ظاهر ما دلّ علیه فرض الضرر فی الاغتسال إلّاأنّ الضرر المفروض بکون الاغتسال غسلاً اختیاریاً وبغسل نفس القرح أو الجرح فیعمّ ما دلّ علیه ما إذا کان فی الاغتسال بنحو الجبیرة ضرراً أیضاً کما إذا استلزم وصول الأجزاء المائیة وقوعها علی الجرح والقرح أم لم یکن فی الاغتسال بنحو الجبیرة ضرر أصلاً،وهذا بخلاف صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج وصحیحة عبداللّٰه بن سنان ومعتبرة کلیب الأسدی فإنّها مختصّة بصورة عدم التضرر بالاغتسال بنحو الجبیرة،فیرفع الید عن

ص :212

وإنّما الکلام فی أنّه هل یتعیّن حینئذٍ الغسل ترتیباً أو یجوز الارتماسی أیضاً، وعلی الثانی هل یجب أن یمسح علی الجبیرة تحت الماء أو لا یجب؟ الأقوی جوازه وعدم وجوب المسح،وإن کان الأحوط اختیار الترتیب وعلی فرض اختیار الارتماس فالأحوط المسح تحت الماء[1]

--------------

إطلاق ما دلّ علی الأمر بالتیمّم بقرینة الصحاح المزبورة بتقییده بما إذا کان الاغتسال بنحو الجبیرة ضرریاً أیضاً وحیث إنّ هذا الإطلاق والتقیید راجع إلی مورد الأمر بالاغتسال جبیرة والأمر بالتیمّم فیکون الجمع العرفی بینهما بتقیید الإطلاق مقدّماً علی تقیید الحکم فی ناحیة کلّ من الأمر بالاغتسال جبیرة والأمر بالتیمّم.

وما ذکر من أنّ قوله علیه السلام فی صحیحة محمّد بن مسلم:«لا بأس بأن لا یغتسل، یتیمّم» (1) ترخیص فی ترک الاغتسال فیکون کالصریح فی جواز کلا الأمرین من الغسل والتیمّم فیه ما لا یخفی.

فإنّ قوله علیه السلام:«لا بأس بأن لا یغتسل» ورد فی مقام توهّم وجوب الاغتسال الاختیاری وعدم جواز ترکه فیکون قوله علیه السلام:«لا بأس بأن لا یغتسل» فی مقام بیان عدم المحذور فی ترک الاغتسال الاختیاری فلا ینافی تعیّن ترکه والإتیان بالتیمّم نظیر قوله تعالی: «فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاٰةِ » (2) .

وعلی الجملة،فمع إمکان الأخذ بإطلاق الحکم فی ناحیة الأمر بالاغتسال جبیرة فلا موجب لرفع الید عنه.

تعیّن الاغتسال الترتیبی

[1]

الوجه فی عدم جواز الاغتسال الارتماسی وتعیّن الاغتسال الترتیبی هو أنّ الاغتسال الارتماسی یحصل بآن واحد وهو حال استیلاء الماء علی جمیع الجسد،

ص :213


1- (1)) وسائل الشیعة3:347،الباب5 من أبواب التیمّم،الحدیث5.
2- (2)) سورة النساء:الآیة 101.

لکن جواز الارتماسی مشروط بعدم وجود مانع آخر من نجاسة العضو[1]

--------------

حیث إنّ الاستیلاء المزبور أمر آنی،وبما أنّ الاغتسال جبیرة یتوقّف علی المسح علی الجبیرة والمسح علیها أمر تدریجی لا یحصل فی آن واحد فلا یمکن تحقّق الاغتسال جبیرة بنحو الارتماس ولو قیل بعدم تعیّن المسح علی الجبیرة،بل یحوز غسلها کما بنی علیه الماتن قدس سره علی ما تقدّم فلا بأس بالاغتسال ارتماساً کما صرّح بأنّه یجوز الاغتسال ارتماساً وعدم وجوب المسح علی الجبیرة.

نعم،یکون الاحتیاط الاستحبابی عنده اختیار الاغتسال الترتیبی،وأیضاً لو اختار الاغتسال الارتماسی فالأحوط المسح تحت الماء،والوجه فی کون المسح تحت الماء احتیاطاً هو أن یلتزم استیلاء الماء علی تمام البدن ولو فی بقاء التغطیة کافٍ فی حصول الاغتسال الارتماسی،کما إذا نزل فی النهر فإنّ بعد النزول یغمس رجلیه فی طین النهر وإذا ارتمس فی الماء لا یکون استیلاء الماء علی جمیع بدنه فی زمان حدوث ذلک الاستیلاء،بل إذا أخرج رجلیه من الطین حال بقاء تلک التغطیة کفی ذلک فی صدق أنّه ارتمس فی الماء فی آن،وعلیه فیمکن المسح علی الجبیرة حال بقاء التغطیة کافیاً.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه لو کان الجرح أو القرح مکشوفاً یجوز الاغتسال ارتماساً، کما إذا وضع علی الجرح أو القرح ما یمنع عن وصول الماء إلیهما ویغسل أطرافهما ولا یجب للمسح علی تلک الجبیرة وإن کان أحوط؛ لأنّ الجبیره التی أمر بالمسح علیها ما إذا کانت لاقتضاء الجرح أو القرح.

[1]

کما إذا کان ما تحت الجبیرة من القرح أو الجرح نجساً واستلزم الارتماس وصول الماء إلی تحت الجبیرة وسرایته إلی الأطراف المتعارفة تحت الجبیرة ممّا لا یمکن تطهیرها بعد ذلک؛ لتوقّفه علی نزعها أو رفعها المفروض عدم التمکّن علی الرفع والنزع.

وعلی الجملة،لعدم جواز تنجیس الطاهر من البدن بعد دخول وقت الصلاة

ص :214

وسرایتها إلی بقیة الأعضاء أو کونه مضرّاً[1]

من جهة وصول الماء إلی المحلّ.

(مسألة 29) إذا کان علی مواضع التیمّم جرح أو قرح أو نحوهما فالحال فیه حال[2]

الوضوء فی الماسح کان أو فی الممسوح.

--------------

لا یجوز الاغتسال بالنحو المزبور.

[1]

هذا فیما إذا کان الضرر المزبور بمرتبة الإضرار المحرّم،وإلّا فلا یمکن الحکم بعدم جواز الاغتسال جبیرة بنحو الارتماس لا تکلیفاً ولا وضعاً کما یظهر وجهه بالتأمّل.

إذا کان جرح أو قرح علی مواضع التیمّم

[2]

بلا خلاف معروف أو منقول والکلام فیما یستند إلیه فی هذا الحکم،فإنّه قد یستدلّ علی ذلک بحسنة الوشاء قال:سألت أبا الحسن علیه السلام عن الدواء إذا کان علی یدی الرجل أیجزیه أن یمسح علی طلی الدواء؟ فقال:«نعم،یجزیه أن یمسح علیه» (1) .

وربّما یناقش فیها باختصاصها بالمسح علی طلی الدواء فلا تعمّ الجبیرة علی القرح والجرح فضلاً عن جبیرة الکسر وبأنّ الصدوق قدس سره رواها بعین السند تقریباً وفیما رواه:أیجزیه أن یمسح فی الوضوء علی الدواء، (2) فلو لم یمکن مقتضی الأخذ بالزیادة عند دوران الأمر بین النقیصة والزیادة الالتزام بوجود لفظ الوضوء فلا أقلّ من إجمال الروایة من هذه الجهة فلا یمکن الاستناد إلیها فی اعتبار المسح علی جبیرة التیمّم.

ص :215


1- (1)) وسائل الشیعة1:465،الباب39 من أبواب الوضوء،الحدیث9.
2- (2)) عیون أخبار الرضا علیه السلام 1:24،الحدیث48.

(مسألة 30) فی جواز استئجار صاحب الجبیرة إشکال،بل لا یبعد انفساخ الإجارة إذا طرأ العذر فی أثناء المدة مع ضیق الوقت عن الاتمام واشتراط المباشرة،بل إتیان قضاء الصلوات عن نفسه لا یخلو عن إشکال مع کون العذر مرجوّ الزوال،وکذا یشکل کفایة تبرّعه عن الغیر.[1]

--------------

أقول :یمکن الجواب عن المناقشة الأُولی بأنّ المسح علی طلی الدواء یصدق فیما إذا کان علی الدواء المطلی خرقة لاصقة به بحیث ینفذ الدواء فی تلک الخرقة مع عدم احتمال الفرق بین الجبیرة وبین الدواء المزبور،وأنّه یمکن الاستناد فی الحکم فی غیره بمعتبرة کلیب الأسدی قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل إذا کان کسیراً کیف یصنع بالصلاة؟ قال:«إن کان یتخوّف علی نفسه فلیمسح علی جبائره ولیصلّ» (1) فإنّها تعمّ ما إذا کانت وظیفة المکلّف التیمّم والمسح علی البشرة ویخاف من المسح المزبور؛ لکون رفع الجبیرة ضرریاً علی نفسه.

أضف إلی ذلک دعوی العلم بعدم سقوط الصلاة عن مکلّف یکون غیر متمکّن من استعمال الماء لمرضه وتکون وظیفته التیمّم وکان علی بعض أعضائه جبیرة، فتدبر.

فی استئجار صاحب الجبیرة

[1]

وربّما یقال بعدم الفرق فی الحکم بعدم جواز استیجار صاحب الجبیرة بین القول بأنّ الوضوء أو الغسل أو التیمّم جبیرة مبیحة للصلاة أو أنّها رافعة للحدث،فإنّه لو قیل بأنّها مبیحة فإنّها یتاح بها الصلوات التی تضطرّ فی الإتیان بها بالوضوء أو الغسل أو التیمّم جبیرة،والمفروض أنّه لا اضطرار بقضاء ما فات عن المیت بالإتیان بالصلاة بالأعمال جبیرة،کما أنّ الأمر کذلک فیما إذا أراد القضاء عن نفسه مع کون

ص :216


1- (1)) وسائل الشیعة1:465،الباب 39 من أبواب الوضوء،الحدیث8.

..........

عذره مرجو الزوال حیث لا اضطرار له بالإضافة إلی قضاء ما فات عن نفسه.

وأمّا إذا قیل بأنّ الوضوء جبیرة طهارة فی حال الاضطرار حقیقة ولا حدث للمتوضّئ المزبور؛ ولذا یجوز له فی هذا الحال ما یحرم علی المحدث،فالوجه فی عدم جواز الاستیجار أنّه لا اضطرار فی ما فات عن المیّت من أن یقضی بالوضوء جبیرة حتّی یکون الوضوء المزبور طهارة بالإضافة إلیها.

وعلی الجملة،فالوضوء المزبور إنّما یکون طهارة بالإضافة إلی شروط یضطرّ إلی الإتیان به بتلک الطهارة والمفروض عدم الاضطرار بالإضافة إلیه،بل الوضوء المزبور لا یکون طهارة بالإضافة إلی القضاء عن نفسه أیضاً فیما کان عذره مرجو الزوال.

وبتعبیر آخر،لا یشرّع الوضوء جبیرة فی صلاة یکون المکلّف متمکّناً من الإتیان بها بالوضوء الاختیاری؛ ولذا لا یجوز الصلاة فی أوّل الوقت مع تمکّنه من رفع الجبیرة والوضوء بغسل العضو ولو فی آخر الوقت،والمفروض أنّه بالإضافة إلی قضاء الصلاة کذلک.

أقول: لو کان الوضوء جبیرة طهارة بالاضافة إلی صلاة یضطرّ فی الإتیان بها إلی الوضوء المزبور لما صحّ ما ذکر فی المسألة الآتیة من أنّه لو توضّأ جبیرة لصلاة فلم ینقض تلک الطهارة حتّی دخل وقت صلاة أُخری لا یضطرّ فی الإتیان بها إلی الوضوء جبیرة صحّ الإتیان بها بالوضوء المزبور ولا یحتاج إلی إعادة الوضوء؛ ولذا فصّل جماعة بتفصیل آخر هو أنّه أنّ الوضوء جبیرة لا یشرّع لصلاة القضاء عن المیّت أو عن نفسه مع کون عذره مرجوّ الزوال إلّاأنّه إذا توضّأ جبیرة لصلاة الوقت کما إذا کان عذره مستوعباً لوقتها فلا بأس بالقضاء بذلک الوضوء عن الغیر تبرعاً أو بالإجارة أو عن نفسه،ولو کان عذره مرجو الزوال فإنّ بعد الوضوء المزبور یکون علی طهارة فما

ص :217

..........

هو شرط فی صحّة الصلاة من الطهارة حاصل فلا موجب لعدم الجواز،وفیه ما لا یخفی فإنّ الوضوء من صاحب الجبیرة إذا کان مشروعاً ولو فی غیر وقت الصلاة الواجبة کما إذا توضّأ جبیرة لکونه علی الطهارة کما یقتضیه مثل صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج حیث لم یقیّد الوضوء فیه بکونه فی وقت الصلاة الواجبة، بل ظاهره أنّ صاحب الجبیرة کیف یصنع فی موارد الوضوء یعنی مشروعیّته أو مشروعیة غسل الجمعة والجنابة،وکذا صحیحة الحلبی وموثّقة عمار وحسنة الوشّاء فلاحظ فیمکن استیجار صاحب الجبیرة حیث إن استیجاره لا یتوقّف علی توضّئه بقصد الصلاة عن المیّت،بل یمکن أن یتوضّأ؛ لکونه علی الطهارة وبعده یصلّی عن المیّت لکونه علی الطهارة.

وعلی الجملة،لو کان الوضوء أو الغسل جبیرة طهارة اضطراریة بأن یکون طهارة بالإضافة إلی مشروط لا یتمکّن من الإتیان به إلّابالوضوء جبیرة فلم یجز الإتیان بصلاة أُخری قد دخل وقتها وهو علی وضوء جبیرة من الصلاة التی صلّاها قبل ذلک،بل ولا تجوز الصلاة بذلک الوضوء إذا توضّأ حال الجبیرة واتفق ارتفاع الجبیرة أو أمکن رفعها بعد الوضوء المزبور وإن کان طهارة مطلقة حال کون المکلّف علی جبیرة لا یتمکن معها رفعها وغسل البشرة أو المسح علیها جاز استیجار صاحب الجبیرة،حیث یمکن له الوضوء جبیرة بقصد کونه علی الطهارة أو للصلاة الموقتة ویستأجر نفسه للصلاة عن المیّت بعد الوضوء المزبور.

و التمسّک فی التفصیل المزبور بأدلّة حصر النواقص وأنّ مقتضاه أنّ الوضوء جبیرة إذا اضطر إلیه للصلاة المؤقتة طهارة یکون ولا ینتقض ذلک الوضوء إلّا بالنواقص ومع عدم حصول أحدها حیث یکون علی طهارة فیجوز له الاتیان بما هو مشروط للطهارة من القضاء عن نفسه أو عن غیره تبرّعاً أو بالإجارة یمکن المناقشة

ص :218

..........

فیه بانصراف أدلّة حصر النواقض إلی الوضوء الاختیاری،وأمّا بالإضافة إلی الوضوء الاضطراری فلا یکون فیها حصر،بل مقتضی کونه طهارة اضطراریة ارتفاعها بارتفاع الاضطرار.

ثمّ إنّه علی تقدیر کون الوضوء جبیرة طهارة اضطراریة،یعنی طهارة بالإضافة إلی مشروط یضطر إلی الإتیان به بذلک الوضوء لم یجز استیجار صاحب الجبیرة،ولو طرأ العذر أثناء المدّة فمع ضیق الوقت واشتراط المباشرة فهل یحکم ببطلان الإجارة بالإضافة إلی باقی العمل کما إذا خربت الدار المستأجرة أثناء مدّة الإجارة أو أنّه لا تبطل الإجارة بل یتخیّر المستأجر بین فسخ الاستیجار لعدم تمکّن الأجیر علی ما شرط علیه من الإتیان بالمباشرة وبین إبقاء الاستیجار والمطالبة بالإتیان بالعمل بالتسبیب؟ ومرجع هذا الاختلاف إلی أنّ اشتراط المباشرة فی العمل تقیید للعمل المستأجر علیه بحیث لا یکون العمل بالتسبیب إلّامبایناً للعمل بالمباشرة نظیر اشتراط الوصف فی بیع الکلّی کما إذا باعه الحنطة الجیدة ودفع إلیه الحنطة الردیّة فإنّه قد ذکرنا فی بحث الخیار أنّه لا یثبت بذلک خیار الفسخ،بل علیه دفع الحنطة الجیدة بالاسترداد،و هذا بخلاف اشتراط الوصف فی بیع العین الشخصیة فإنّه مع تخلّف الوصف یثبت للمشروط له خیار الفسخ فیما إذا لم یکن الوصف مقوّماً، وهکذا الاشتراط فی الأعمال فإنّ العمل المستأجر علیه کلّیّ یکون اشتراط المباشرة فیه من تقیید الکلّی علی العهدة فلا یکون الإتیان به بنحو التسبیب من العمل بمورد الإجارة،هذا بحسب ظهور اشتراط المباشرة حیث یقتضی کاشتراط الوصف فی بیع الکلّی تقیید العمل المستأجر علیه وإلّا فلو صرح بأنّه استأجره علی نفس العمل واشترط علیه أن یأتی به بالمباشرة،ففی الفرض مع عدم المباشرة یکون له خیار الفسخ والتفصیل فی باب الإجارة.

ص :219

(مسألة 31) إذا ارتفع عذر صاحب الجبیرة لا یجب إعادة الصلوات التی صلّاها مع وضوء الجبیرة وإن کان فی الوقت بلا إشکال،بل الأقوی جواز الصلوات الآتیة بهذا الوضوء فی الموارد التی علم کونه مکلّفاً بالجبیرة،وأمّا فی الموارد المشکوکة التی جمع فیها بین الجبیرة والتیمّم فلابد من الوضوء للأعمال الآتیة؛ لعدم معلومیة صحّة وضوئه[1]

و إذا ارتفع العذر فی أثناء الوضوء وجب الاستئناف أو العود إلی غسل البشرة التی مسح علی جبیرتها إن لم تفت الموالاة.

--------------

صاحب الجبیرة لا یعید صلاته بعد ارتفاع عذره

[1]

قد تقدّم فی المسألة السابقة أنّه لو توضّأ جبیرة لصلاة کان مضطراً إلی المسح علی الجبیرة فی وقتها ودخل وقت صلاة أُخری أنّه لا اشکال فی صحّة الصلاة التی توضّأ لها جبیرة للاضطرار فی تمام وقتها فلا فوت بالإضافة إلیها حتّی یجب قضاؤها،وهکذا الحال بالإضافة إلی الصلاة التی دخل وقتها فإنّه لو صلّاها بذلک الوضوء وارتفع اضطراره قبل خروج وقتها لا تجب إعادتها،فإنّ عدم وجوب الإعادة للإتیان بوظیفة الوقت مع الطهارة،کما هو مقتضی حصر النواقض،ولکن قد ذکرنا أنّ عدم وجوب الإعادة فیه إشکال لانصراف حصر النواقض إلی الوضوء الاختیاری،وکذا لو توضّأ وضوء الجبیرة لصلاة فی وقتها لاعتقاد بقاء الاضطرار إلی خارج وقتها أو لاحتمال البقاء ثمّ ارتفع الاضطرار؛ لأنّ ظاهر الأمر بالفعل الاضطراری فرض عدم التمکّن من الاختیاری فی وقته،والمفروض أنّ المکلّف یکون متمکّناً من صرف الوجود للصلاة مع الوضوء الاختیاری فی وقتها،هذا کلّه بالإضافة إلی الصلاة المشروطة بالوضوء جبیرة.

وأمّا فی الموارد التی جمع المکلّف فیها بین الوضوء جبیرة والتیمّم بنحو الاحتیاط فمع ارتفاع العذر یجب الوضوء الاختیاری للصلوات الآتیة؛ لاحتمال کون المکلّف علی طهارة بالتیمّم،والتیمّم ینتقض بالتمکّن من الوضوء،والمفروض

ص :220

(مسألة 32) یجوز لصاحب الجبیرة الصلاة أوّل الوقت مع الیأس عن زوال العذر فی آخره،ومع عدم الیأس [1]

الأحوط التأخیر.

--------------

حصوله فمقتضی إحراز وقوع الصلاه بطهارة تجدید الوضوء بنحو الوضوء الاختیاری،وإذا ارتفع العذر أثناء الوضوء فعلیه استئناف الوضوء إن لم یکن العود إلی غسل البشرة التی مسح علی جبیرتها؛ لأنّ المفروض عدم تمام وضوء الجبیرة لیقال إنّه علی طهارة فلم تنتقض تلک الطهارة،ومقتضی أدلّة اشتراط الصلاة بها إحرازها بالاستئناف أو العود إلی غسل البشرة المزبورة.

لا یقال: فی موارد الجمع بین الوضوء جبیرة والتیمّم یمکن أن یقال بعدم الوضوء الاختیاری للصلوات الآتیة بناءً علی عدم انتقاض الوضوء جبیرة إلّابالحدث فإنّ الإتیان بالصلاة الآتیة مقتضی استصحاب الطهارة الحاصلة سابقاً؛ لاحتمال بقائها لکون الوضوء جبیرة.

وبتعبیر آخر،یکون مفروض الکلام فی موارد الاستصحاب فی القسم الثانی من الکلّیّ.

فإنّه یقال: مع أنّ المورد من قبیل الاستصحاب فی الشبهة الحکمیّة والاستصحاب فی الطهارة بعد ارتفاع العذر معارض بعدم اعتبار الطهارة بعده فلا مجری للاستصحاب فی ناحیة الطهارة حتّی بناءً علی جریانه فی الشبهة الحکمیة؛ فإنّ الطهارة کما ذکرنا عنوان لنفس الوضوء،سواء کان اختیاریة أو جبیرة ولنفس التیمّم،ومقتضی الاستصحاب عدم الأمر بالصلاة المقیّدة بالوضوء جبیرة، وهذا الاستصحاب کان ساقطاً بالإضافة إلی الصلاة التی صلّاها قبل ذلک لمعارضته باستصحاب عدم الأمر بتلک الصلاة مع التیمّم،کما لا یخفی.

صاحب الجبیرة یصلی أوّل الوقت مع الیأس

[1]

قد تقدّم أنّ الموضوع لجواز غسل سائر الأعضاء وترک ما لا یستطیع ممّا

ص :221

(مسألة 33) إذا اعتقد الضرر فی غسل البشرة فعمل بالجبیرة ثمّ تبیّن عدم الضرر فی الواقع،أو اعتقد عدم الضرر فغسل العضو ثمّ تبیّن أنّه کان مضرّاً وکان وظیفته الجبیرة،أو اعتقد الضرر ومع ذلک ترک الجبیرة ثمّ تبیّن عدم الضرر وأنّ وظیفته غسل البشرة،أو اعتقد عدم الضرر ومع ذلک عمل بالجبیرة ثمّ تبیّن الضرر صحّ وضوءه فی الجمیع بشرط حصول قصد القربة منه فی الأخیرتین والأحوط الإعادة فی الجمیع[1]

--------------

تحت الجبیرة کون المکلّف کذلک فی جمیع الوقت علی ماهو المتبادر من الأمر بالفعل الاضطراری وعلیه فإن احتمل المکلّف بقاء عدم استطاعته غسل ما تحت الجبیرة إلی آخر الوقت جاز له الإتیان بالوضوء جبیرة ولو لرجاء أنّه مکلّف بالصلاة مع ذلک الوضوء،غایة الأمر أنّه إذا زال العذر قبل خروج الوقت یجب علیه إعادة الصلاة بالوضوء الاختیاری،کان عند الوضوء مأیوساً من زوال العذر أم لا.

لا یقال: الموضوع لجواز الغسل أو الوضوء جبیرة خوف الضرر من غسل ما تحت الجبیرة،وهذا الخوف کان موجوداً عن الوضوء أو الغسل جبیرة.

فإنّه یقال: الخوف تمام الوضوع ممّن علیه جبیرة فی تمام الوقت والمفروض زوال الجبیرة قبل خروج الوقت،مع أنّ دعوی انصراف الخوف إلی الخوف فی تمام الوقت غیر بعید،کما لا یخفی.

إذا اعتقد الفرد الضرر فعمل بالجبیرة فتبین الخلاف

[1]

قد ذکرنا فیما تقدّم أنّ الموضوع لجواز المسح علی الجبیرة التی لا یمکن رفعها إلّابعد البرء یعنی إحرازه کالجبیرة علی الکسر هو خوف الضرر،فمع وجود الخوف وبقائه إلی آخر الوقت علی ما تقدّم یحکم بصحّة الوضوء جبیرة.

ودعوی کون الخوف فی الفرض اعتبر طریقاً لا شاهد له،وأمّا فی موارد الجبیرة التی لا منع عن رفعها وتبدیلها والموارد التی لا جبیرة کما فی القرح والجرح

ص :222

..........

المکشوفین فالموضوع لجواز الوضوء جبیرة ضرر الماء وایذاؤه،وإذا ظهر بعد الوضوء أو حتی بعد خروج وقت الصلاة أنّه لم یکن ضرر فلا موجب للحکم بصحّة الوضوء.

وممّا ذکرنا یظهر الحال فی الصورة الثانیة وهی ما إذا اعتقد عدم الضرر فغسل العضو ثمّ ظهر أنّه کان مضرّاً ففی مثل موارد الجبر علی الکسر یحکم بصحّة الوضوء،لعدم الخوف من الغسل کما هو المفروض،وأمّا فی موارد القرح أو الجرح فیحکم ببطلان الوضوء لإیذاء الماء وضرره المفروض کونه الموضوع لوجوب الوضوء جبیرة.

اللهمّ إلّاأن یقال بأنّ صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج وصحیحة الحلبی وصحیحة عبداللّٰه بن سنان منصرفة عن صورة اعتقاد عدم الضرر،بل ظاهرها فرض إحراز الضرر أو احتماله فعلیه یحکم بصحة الوضوء فی هذه الصورة والصورة السابقة مطلقاً.

وأمّا الصورة الثالثة فهی ما إذا اعتقد الضرر فی غسل العضو الذی فیه قرح أو جرح ومع ذلک غسل العضو،ثمّ ظهر عدم الضرر یحکم بصحّة وضوئه فیما إذا حصل منه قصد التقرّب،کما إذا احتمل أو اعتقد أنّ الانتقال إلی الوضوء جبیرة حکم ترخیصی لا أنّ المتعیّن هو الوضوء جبیرة،کما یتوهّم أنّ الأمر کذلک أکثر العوام بالإضافة إلی بعض الجروح غیر العمیقة فی جبیرة الکسر ونحوها لا یمکن الحکم بالصحّة.

وأمّا الصورة الرابعة فهی ما إذا اعتقد عدم الضرر،ومع ذلک عمل بوظیفة الجبیرة بتوهم أنّ الجبیرة علی الجرح فی نفسه موضوع لجواز الوضوء جبیرة.

ثمّ ظهر أنّه إذا کان فی غسل العضو ضرر وأنّه یؤذیه الماء فیحکم بصحّة

ص :223

(مسألة 34) فی کلّ مورد یشکّ فی أنّ وظیفته الوضوء الجبیری أو التیمّم الأحوط الجمع بینهما[1]

--------------

الوضوء أیضاً بناءً علی عدم الانصراف المتقدم.

وممّا ذکرنا یظهر أنّ الحکم ببطلان الوضوء فی الصورتین الأخیرتین -بدعوی أنّه لا یمکن التقرّب فیهما - فیه ما لا یخفی.

إذا شک فی وظیفته هل هی الوضوء الجبیری أو التیمّم؟

[1]

فإنّ الجمع مقتضی العلم الإجمالی بوجوب أحد أمرین متباینین ولو بتقیّد الصلاة بخصوص أحدهما المعیّن،أو لکون الشبهة قبل الفحص للعامیّ فیجب علیه الاحتیاط.

ص :224

فصل فی حکم دائم الحدث

المسلوس والمبطون إمّا أن یکون لهما فترة تسع الصلاة والطهارة ولو بالاقتصار علی خصوص الواجبات وترک جمیع المستحبّات أم لا[1]

وعلی الثانی إمّا أن یکون خروج الحدث فی مقدار الصلاة مرّتین أو ثلاثة مثلاً أو هو متّصل،ففی الصورة الأُولی یجب إتیان الصلاة فی تلک الفترة،سواء کانت فی أوّل الوقت أو وسطه أو آخره،وإن لم تسع إلّالإتیان الواجبات اقتصر علیها وترک جمیع المستحبّات.

--------------

فصل فی حکم دائم الحدث

الصورة الأُولی [أن یکون له فی وقت صلاة الفریضة فترة لا یخرج فیها البول أو الغائط و تسع تلک الفترة للوضوء والصلاة فیه]

[1]

ذکر قدس سره فی المسلوس والمبطون صوراً ثلاث:

الأُولی:أن یکون له فی وقت صلاة الفریضة فترة لا یخرج فیها البول أو الغائط وتسع تلک الفترة للوضوء والصلاة فیه ولو بالاقتصار علی واجباتها وترک مستحبّاتها، وقال:إنّه یتعیّن علیه فی هذه الصورة الطهارة والصلاة فی تلک الفترة وهذا للأخذ بما دلّ علی اشتراط الصلاة بالوضوء من المحدث بالأصغر وکون خروج البول ولو قطرة وکذا الغائط ناقضاً للوضوء،أضف إلی ذلک أنّ ما یأتی فی الصورتین الثانیة والثالثة من أنّ المتفاهم العرفی ممّا ورد فی الأمر بالصلاة مع جعل الخریطة و بالوضوء لها أنّها حالة اضطراریة،وأنّه لا تصل النوبة إلیه مع تمکّن المکلّف من الصلاة الاختیاریة ولو فی فترة من الوقت حیث إنّ المطلوب صرف وجود الصلاة الاختیاریة بین الحدّین ومع التمکن منها لا تصل النوبة إلی غیرها،ویستفاد ذلک من صحیحة

ص :225

فلو أتی بها فی غیر تلک الفترة بطلت[1]

نعم لو اتّفق عدم الخروج والسلامة إلی آخر الصلاة صحّت إذا حصل منه قصد القربة و إذا وجب المبادرة لکون الفترة فی أوّل الوقت فأخّر إلی الآخر عصی،لکنّ صلاته صحیحة.

--------------

منصور بن حازم قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام الرجل یعتریه البول ولا یقدر علی حبسه؟ قال:فقال لی:«إذا لم یقدر علی حبسه فاللّٰه أولی بالعذر یجعل خریطة» (1) حیث إنّ ظاهرها أنّ مع التمکّن من الحبس والصلاة فی ذلک الزمان فلا عذر.

ولکن المحکی عن الأردبیلی قدس سره (2) عدم تعیّن الصلاة علیه فی تلک الفترة،بل یجوز له الصلاة بجعل الخریطة والوضوء لها فی غیر تلک الفترة ولعلّه التزام منه بعدم کون البول بالقطرات منه ناقضاً للوضوء ولا نجاسة البدن الناشئة من خروجه من الخبث المانع للصلاة،ولعلّه استفاد ذلک ممّا ورد فی روایة الحلبی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سئل عن تقطیر البول؟ قال:«یجعل خریطة إذا صلی» (3) وفیه مع الغمض عن سندها فإنّ العیاشی رواها عن محمّد بن نصیر المحتمل کونه النمیری لا الکشی الثقة أنّه لا دلالة لها إلّاعلی تقطیر البول حال الصلاة وأنّه إذا کان التقطیر یجعل خریطة.

وأمّا جواز الصلاة حال التقطیر مع وجود الفترة التی تسع الصلاة بلا تقطیر فلا دلالة لها علی جوازها،بل لو کانت لها هذه الدلالة فهی بالإطلاق فیرفع الید عنه بما یستفاد من التعلیل فی صحیحة منصور بن حازم کما تقدّم.

[1]

والوجه فی البطلان عدم الأمر بتلک الصلاة التی یأتی بها نعم لو اتّفق عدم خروج شیء من البول أو الغائط فی زمان شروعه فی الوضوء إلی آخر الصلاة یحکم

ص :226


1- (1)) وسائل الشیعة1:297،الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث2.
2- (2)) حکاه فی الجواهر2:324،و انظر مجمع الفائدة و البرهان1:112.
3- (3)) وسائل الشیعة1:298،الباب19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث5.

وأمّا الصورة الثانیة وهی ما إذا لم تکن فترة واسعة إلّاأنّه لا یزید علی مرّتین أو ثلاثة أو أزید بما لا مشقّة فی التوضّؤ فی الإثناء والبناء یتوضأ ویشتغل بالصلاة بعد أن یضع الماء إلی جنبه[1]

فإذا خرج منه شیء توضّأ بلا مهلة وبنی علی صلاته من غیر فرق بین المسلوس والمبطون،لکنّ الأحوط أن یصلّی صلاة أُخری بوضوء واحد خصوصاً فی المسلوس،بل مهما أمکن لا یترک هذا الاحتیاط فیه.

--------------

بصحة الصلاة المزبورة فیما إذا حصل منه قصد التقرّب؛ لعدم نقصان شیء من الصلاة الاختیاریة،والمفروض حصول قصد التقرّب منه کما إذا احتمل عدم الخروج فی ذلک الزمان أو اعتقد عدم الفترة له أصلاً ولو فی آخر الصلاة وشرع فیها بقصد الأمر بالصلاة الاضطراریة،فإنّ هذا الاشتباه من قبیل الخطأ فی الأمر المعبّر عنه بالاشتباه فی التطبیق فلا یضرّ بقصد التقرّب المعتبر فی العمل.

ثمّ إنّه إذا کانت الفترة فی أوّل الوقت أو فی وسطه ففوّتها وأخّر الصلاة إلی غیر تلک الفترة عصی ولکن تکون صلاته صحیحة.

أمّا عصیانه فلتفویته الصلاة المشروطة بالطهارة الاختیاریة.

وأمّا صحّة صلاته بأنّ الصلاة لا تسقط عنه بالتأخیر علی ما یدّعی من الإجماع علیه،ولا یحتمل أن تکون الطهارة الاضطراریة فی الفرض مختلفة عن الطهارة الاضطراریة فی الصورة الثانیة أو الثالثة و إن کان مقتضی القاعدة الأولیة سقوط الأمر بالصلاة فی جمیعها،کما ذکرنا ذلک فی مباحث الجبیرة.

الصورة الثانیة [ما إذا لم تکن فترة واسعة إلّا أنّه لا یزید علی مرّتین أو ثلاثة أو أزید بما لا مشقّة فی التوضّؤ فی الإثناء]

[1]

ذکر فی المقام الصورة الثانیة وهی ما إذا لم یکن للمسلوس والمبطون الفترة المتقدّمة،ولکن کان خروج البول أو الغائط منه أثناء الصلاتین مرّتین أو أزید ممّا یمکن بلا مشقّة التوضّؤ أثناء الصلاة وإیقاعها بتمام أجزائها مع الطهارة ویکون

ص :227

..........

الحدث فی الآنات المتخلّلة بین أجزائها،ففی هذا الفرض یتعیّن علیه التوضؤ والدخول فی الصلاة ووضع الماء إلی جنبه بحیث إذا خرج شیء بعد الشروع توضّأ أثناءها ویبنی علیها من موضع الحدث وذلک فإنّ مقتضی قوله سبحانه التوصّؤ للصلاة عند القیام إلیها،ومقتضی بعض الروایات اعتبار الطهارة فی نفس الصلاة کقوله علیه السلام:«لا صلاة إلّابطهور» (1) یعنی بطهارة علی ما تقدّم الکلام فی الحدیث، وأنّ الطهور فیه نظیر ما فی قوله علیه السلام فیمن یتیمّم أنّه فعل أحد الطهورین، (2) أی الطهارتین وهذه الروایات لا یستفاد منها إلّااعتبار الطهارة فی نفس أجزاء الصلاة حیث إنّ الصلاة اسم للأجزاء ولا یدخل فیها الآنات المتخللة بین الأجزاء.

ولکن مقتضی بعض الروایات الأُخری اعتبار الطهارة فی الآنات المتخلّلة أیضاً، وأنّه إذا وقع الحدث فیها أو فی جزء من الصلاة یبطل أصل الصلاة لا خصوص ذلک الجزء لیمکن تدارکه بإعادته مع التوضّؤ کالروایات الواردة فی قاطعیّة الحدث والاستدبار،وعلی ذلک بما أنّ الصلاة لا تسقط فی الفرض عمّن به سلس البول أو الغائط فیرفع الید عمّا دلّ علی قاطعیّة الحدث بتقطیر البول.

وأمّا قاطعیّة خروج البول أو الغائط بنحو آخر أو قاطعیّة غیرهما من الحدث فلا یرفع الید عنه،کما لا یرفع الید عمّا دلّ علی اشتراط الصلاه یعنی أجزاءها بالطهارة وتکون النتیجة کما ذکره الماتن قدس سره ظاهرهم فی البناء أنّه لوحدث الخروج بعد الانحناء والوصول إلی حدّ الرکوع قبل الإتیان بالذکر أو حدث الخروج بعد السجود کذلک أنّه یرفع یده عن الرکوع والسجود ویتوضّأ ویرجع إلیها لا بنحو الرکوع من القیام أو السجود بنحو الحدوث،بل یقوم إلی حدّ الرکوع أو یرجع إلی السجود

ص :228


1- (1)) وسائل الشیعة1:315،الباب9 من أبواب أحکام الخلوة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة3:370،الباب14 من أبواب التیمّم،الحدیث 15.

..........

بقصد الإتیان ببقیّة الرکوع والسجود حتّی یقع ذکرهما حال الطهارة،وهذا لا یخلو عن الإشکال لأنّ الفصل یوجب تعدد الرکوع أو السجود کمن نسی ذکرهما بعد الخروج عن حدّهما فاللازم أن یقال بسقوط الذکر فی الفرض أو بسقوط اعتبار الطهارة فیه.

ویبقی فی البین دعوی أنّ التوضّؤ کذلک أثناء الصلاة من الفعل الکثیر فیکون مبطلاً لها ولکنّ الدعوی المزبورة لا یمکن المساعدة علیها،فإنّ الفعل الکثیر الماحی لصورة الصلاة ینافی الصلاة بحسب ارتکاز المتشرعة،ولیس بعنوان الفعل الکثیر مورداً للنهی فی خطاب شرعی لیؤخذ بإطلاقه فی المقام،وهذا الارتکاز بعد کون التوضّؤ أثناء الصلاة مقتضی الدلیل علی اشتراطها بالطهارة غیر موجود،کما فی غسل النجاسة الواقعة علی الثوب والبدن أثناء الصلاة أو غسل الأنف من الرعاف الحادث أثناء الصلاة.

نعم،لو أتی بعمل خارجی أنّه من وظیفة الصلاة أو آدابها فربّما یکون مقتضی ما ورد فی المنع عن التکفیر -بأنّه عمل ولا عمل فی الصلاة - (1) بطلانها،وهذا لا یرتبط بالمقام ولکن ربّما یظهر من بعض الروایات أنّ تقطیر البول سواء کان أثناء الاشتغال بأجزاء الصلاة أو فی الآنات المتخلّلة بینهما لا یوجب انتقاض الوضوء، وأنّ الأمر بجعل الخریطة والکیس وإدخال الذکر فیه للتحفّظ عن سرایة نجاسة البول أو غیره من النجاسة الخارجیة عن المخرج،وفی موثّقة سماعة قال:سألته عن رجل أخذه تقطیر من فرجه إمّا دم أو غیره؟ قال:«فلیضع خریطة ولیتوضّأ ولیصلّ فإنّما ذلک بلاء ابتلی به فلا یعیدنّ إلّامن الحدث الذی یتوضّأ منه» (2) .

ص :229


1- (1)) وسائل الشیعة7:266،الباب 15 من أبواب قواطع الصلاة،الحدیث 4.
2- (2)) وسائل الشیعة1:266-267،الباب7 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث9.

..........

ووجه الظهور أنّ الإمام علیه السلام لم یأمر بالتوضّؤ أثناء الصلاة بخروج الدم أو غیره الشامل للبول،بل هو الغالب بل ذکره فی آخره أنّه لا یعاد وضوءه إلّامن الحدث الذی یتوضّأ منه وهو خروج غیر البول أو البول المتعارف.

وعلی الجملة،فمفادها أنّ تقطیر البول منه کتقطیر الدم غیر ناقض وإنّما یجعل الکیس للتحفّظ عن سرایة النجاسة.

ولکن قد یورد علی هذا الاستظهار بأنّ الموجود فی نسخة الوسائل (من قرحه) بدل (فرجه) ومن الظاهر أنّ الخارج من القرح یکون دماً أو قیحاً لا بولاً فلا دلالة للروایة علی حکم السلس حتّی یرفع الید بها عن مقتضاها الذی تقدّم ذکره.

وفیه أنّ هذا الإیراد غیر صحیح،فإنّه مضافاً إلی أنّ کلّ من تصدّی لنقل الروایة عن التهذیب (1) نقلها بلفظ (من فرجه) وإنّما القرح موجود فی نسخة الوسائل،أنّ قوله علیه السلام:«فلیضع خریطة» شاهد جلی لکون الصحیح (من فرجه) لأنّ الخریطة الکیس الذی یدخل فیه الذکر کما فی سایر روایات السلس ودعوی أنّ جعل الخریطة وإن کان قرینة علی کون لفط «فرجه» هو الصحیح إلّاأنّه لم یفرض فیها خروج البول وتقطیره،بل قوله علیه السلام إنّ الخارج لو لم یکن من الحدث الذی یتوضّأ منه یعنی البول لا یوجب انتقاض الوضوء فتکون الروایة ما دلّ علی أنّ خروج الدم أو غیره من القیح ونحوهما لا یوجب انتقاض الوضوء؛ ولذا أورده فی الوسائل فی باب أنّ خروج الدم لا یوجب انتقاض الوضوء.

وفیها أیضاً أنّه لا یمکن المساعدة علیها؛ فإنّ الغالب کون عن الفرج هو البول

ص :230


1- (1)) التهذیب1:349،الحدیث19.

فکیف تحمل الروایة علی غیره ولو کان مراد الإمام علیه السلام غیره لذکر فی ذیله أنّه ...

--------------

لا یعید وضوءه إلّابتقطیر البول،وظاهرها أنّ الحدث المتعارف أی البول المتعارف یوجب انتقاض وضوئه لا تقطیره.

لا یقال: الالتزام بأنّ تقطیر البول من المبتلی بالسلس لا یوجب الوضوء ینافیه ما فی صحیحة حریز من الجمع بین الصلاتین.

فإنّه یقال: یمکن أن یقال الجمع بین الصلاتین باعتبار عدم العفو عن النجاسة الناشئة عن خروج البدن فی غیر صورة الجمع بین الصلاتین بأن یلزم تطهیر المخرج قبل الدخول فی الصلاة الثانیة مع التفریق.

والحاصل لو لم تکن الموثّقة ظاهرة فیما ذکرنا وبنی علی إجمالها کفی فی الحکم بعد لزوم إعاده الوضوء بالتقطیر فی أثناء الوضوء والصلاة بالإطلاق فی صحیحة حریز حیث لم یقیّد سلام اللّٰه علیه تقطیر البول فیها بالمرّات الکثیرة الموجب إعادة الوضوء والبناء علی الصلاة معها للحرج أو بعدم انقطاع بوله أصلاً فیعمّ ما إذا کان التقطیر بالمرّتین أو أکثر ممّا لا حرج فی الوضوء والبناء للصلاة،ولعلّه لذلک احتاط الماتن قدس سره بإعادة الصلاة بوضوء واحد مهما أمکن.

ولکن لا یخفی أنّ التوضّؤ أثناء الصلاة علی ما ذکرنا لا بأس به ولا یعدّ من الفعل الکثیر الماحی للصلاة،غایة الأمر یکون لاحتمال المطلوبیة خصوصاً بملاحظة ما ورد فی موثّقة محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر علیه السلام عن المبطون؟ فقال:«یبنی علی صلاته» (1) وفی روایة عن أبی جعفر علیه السلام قال:«صاحب البطن الغالب یتوضّأ ثمّ یرجع فی صلاته فیتمّ ما بقی» (2) وظاهرهما تجدید الوضوء أثناء

ص :231


1- (1)) وسائل الشیعة1:297-298،الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث3.
2- (2)) وسائل الشیعة1:298،الباب19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث4.

وأمّا الصورة الثالثة وهی أن یکون الحدث متّصلاً بلا فترة أو فترات یسیرة بحیث لو توضّأ بعد کلّ حدث وبنی لزم الحرج یکفی أن یتوضّأ لکلّ صلاة، ولا یجوز أن یصلّی صلاتین بوضوء واحد،نافلة کانتا أو فریضة أو مختلفة،هذا إن أمکن إتیان بعض کلّ صلاة[1]

بذلک الوضوء،وأمّا إن لم یکن کذلک،بل کان الحدث مستمرّاً بلا فترة یمکن إتیان شیء من الصلاة مع الطهارة فیجوز أن یصلّی بوضوء واحد صلوات عدیدة،وهو بحکم المتطهّر إلی أن یجیئه حدث آخر من نوم أو نحوه أو خرج منه البول أو الغائط علی المتعارف،لکنّ الأحوط فی هذه الصورة أیضاً الوضوء لکلّ صلاة.

--------------

الصلاة وإذا لزم تجدیده بخروج الغائط مرّة أو مرّتین أثناء الصلاة فلا یبعد عدم الفرق بینه وبین تقطیر البول أثنائها مرّة أو مرّتین ممّا لا حرج ولا عسر فی تجدیده والإتیان ببقیة الصلاة،إلّاأن یقال إنّ الموثّقة لا ظهورلها فیما ذکر،بل التوضّؤ أثناء الصلاة خارج عن مدلولها ولو لم یکن ظهورها عدم الاعتناء بخروج الغائط أثناء الصلاة وأنّه یتمّ صلاته فلا أقل من احتماله.

وأمّا روایته فلضعف سندها لا یمکن الاعتماد علیها،فعلیه یکون مقتضی التعلیل فی موثّقة سماعة:فإنّما هو بلاء ابتلی به،کفایة الوضوء الواحد فی کلّ من المسلوس والمبطون،وأنّه لا یعید وضوءه إلّامن البول أو الغائط الذی لم یکن خروجه من تقطیر السلس والبطن الغالب؛ فإنّه وإن یحتمل أن یکون المراد عدم التوضّؤ من خروج الدم إلّاأنّ ذلک خلاف توصیف الحدث بالذی یتوضّأ منه،فإنّه لو کان المراد بالحدث مطلق خروج البول لکان توصیفه بالذی یتوضّأ منه توضیحاً.

الصورة الثالثة [أن یکون الحدث متّصلاً بلا فترة أو فترات یسیرة]

ص :232

[1]

ذکر قدس سره فی الصورة الثالثة فرضین:

...

--------------

الأوّل:أن یکون بین خروج القطره فترة یسیرة بحیث لو توضّأ أثناء الصلاة عند خروج القطرة والإتیان بالبقیة بعده لزم الحرج والمشقّة علیه،فقال فی الفرض بلزوم الوضوء لکلّ صلاة سواء کانت فریضة أو نافلة أو کان إحداهما فریضة والأُخری نافلة،و لعلّ مبنی ما ذکره عدم احتمال کون الحدث الصادر أثناء کلّ صلاة مبطلة لها وإلّا لزم سقوط تکلیفه بالصلاة أو التکلیف بالعسر والحرج،وأمّا سقوط اعتبار الوضوء للصلاة التی یصلّیها بعد ذلک فلا موجب لرفع الید عن ناقضیّة خروج البول بالإضافة إلیها فیجب الوضوء لها.

والفرض الثانی:أن یکون التقطیر مستمرّاً بلا فترة بحیث لو توضّأ أثناء الصلاة لا یقع بعضها مع الطهارة ففی هذا الفرض یجوز له الصلاة واحدة کانت أو أزید وأنّه بحکم المتطهّر حتّی یجیء منه حدث آخر أو خرج منه بول أو غائط بنحو المتعارف حیث لافترة فی البین ولو یسیراً حتّی یلتزم باعتبار التحفّظ علی اعتبار الطهارة فی تلک الفترة من أجزاء الصلاة بالتوضّؤ للصلاة الأُخری.

أقول: لا یخفی ما فیه فإنّه لو أخذ بما ذکرنا بظاهر الموثّقة فمقتضاها کون صاحب السلس والبطن مع عدم الفترة الواسعة له بعد التوضّؤ بحکم المتطهر إلی أن یجیء منه حدث آخر أو بول أو غائط بالنحو المتعارف،سواء کان له فتره غیر واسعة أو کان تقطیره مستمرّاً غایة الأمر مع عدم الجمع بین الصلاتین یتعین تطهیر مخرج البول للصلاة التی یرید الدخول فیها،وإن ترک الموثّقة بدعوی إجمالها وعدم ظهورها فلابدّ من تجدید الوضوء أثناء الصلاة ما لم یصل إلی حدّ الحرج فی الفرض

الأوّل من الفرضین؛ لإمکان التحفّظ علی الطهارة فی بعض الصلاة،کما لا یخفی.

نعم،یمکن أن یقال مع الغمض عن دلالة الموثّقة بعد کون التقطیر من المبتلی

ص :233

والظاهر أنّ صاحب سلس الریح أیضاً کذلک[1]

(مسألة 1) یجب علیه المبادرة إلی الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة[2]

--------------

بالسلس ناقضاً إنّ مقتضی صحیحة منصور بن حازم:«إذا لم یقدر علی حبسه فاللّٰه أولی بالعذر» (1) العفو عن تقطیر البول من صاحب السلس حال الصلاة ویعفی عن نجاسة الموضع أیضاً إذا جعل الخریطة،ومقتضی صحیحة حریز بن عبداللّٰه (2) جریان العفو بالإضافة إلی الصلاة الثانیة أیضاً إذا جمع بینها وإلّا یختصّ العفو بالصلاة الأُولی بلا فرق بین ما إذا کان التقطیر مع الفترة غیر الواسعة أو بلا فترة أصلاً،وعلیه فالأحوط التوضّؤ لکلّ صلاة إلّامع الجمع فإنّه معه یکتفی بالوضوء الواحد،واللّٰه سبحانه هو العالم.

سلس الریح

[1]

والوجه فی ذلک أنّه إذا لم یکن لصاحب سلس الریح فترة یعمّه التعلیل الوارد فی صحیحة منصور بن حازم،وأنّ الریح الخارج أثناء الصلاة لا یضرّ بصحّتها، وکذلک لو قلنا بدلالة موثّقة سماعة بدلالتها علی أنّ الحدث الذی ابتلی به لا یکون أثناء الصلاة مفسداً لها،وأنّه لا یعید وضوءه الّا بالحدث الذی کان یتوضّأ منه من غیر ما ابتلی به.

وجوب المبادرة إلی الصلاة

[2]

قد تقدّم أنّ لصاحب السلس فروض:

الأوّل:أن یکون له فترة تسع تلک الفترة الوضوء والصلاة فیها بلا خروج البول

ص :234


1- (1)) وسائل الشیعة1:297،الباب19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث2.
2- (2)) وسائل الشیعة1:297،الباب19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث الأوّل.

..........

فیها أثناء الصلاة،وهذا ممّن لا عذر له فی ترک الصلاة مع الطهارة حدثاً وخبثاً وأنه یجب علیه الإتیان بها فی تلک الفترة فهذا خارج عن فرض احتمال وجوب المبادرة إلی الصلاة.

الثانی:أن لا یکون له فترة ولکن یمکنه التوضّؤ عند خروج القطرة أثناء الصلاة بلا حرج علیه فی هذا التوضّؤ والبناء علی صلاته فهذا أیضاً لا یجب علیه المبادرة، غایة الأمر لو تأخّر الدخول فی الصلاة وخرج بول یجدّد وضوءه للصلاة،بل تطهیر مخرج البول قبل الشروع فی الصلاة فوجوب المباردة إلی الصلاة فی حقّ هذا الشخص،بمعنی أنّه لو أراد عدم تجدید ذلک الوضوء وعدم تطهیر المخرج ثانیاً فلیدخل فی الصلاة قبل خروج القطرة الأُخری.

والفرض الثالث:ما إذا کان التقطیر مع الفترة إلّاأنّ تجدید الوضوء لتلک القطرات موجب للحرج وفی هذا الفرض أیضاً یجب علیه المبادرة فی الدخول إلی الصلاة تحفّظاً للطهارة من الحدث والخبث من أوّل صلاته بقدر الإمکان،فالذی لا یتمکّن منه أو یکون حرجیاً فاللّٰه أولی بالعذر.

وأمّا الفرض الرابع:وهو ما إذا کان التقطیر مستمرّاً لا یمکن له التحفّظ علی الحدث وطهارة الحشفة حتّی فی آن من الصلاة فلا وجه لوجوب المبادرة فی حقّه ولو قیل بعدم انتقاض الوضوء بخروج القطرة کما استفدناه من موثّقة سماعة فاللازم أیضاً فی الفرض الثانی والثالث المبادرة إلی الصلاة تحفّظاً لطهارة الحشفة فی مقدار من الصلاة بقدر الإمکان،کما أنّه لو بنی فی الفرض الرابع أن خروج القطرة حدث فالمکلّف المزبور محدث ولکن عفی عن ذلک الحدث بالإضافة إلی الصلاة التی یأتی بها بالوضوء المزبور فالعفو ینحصر بما إذا بادر إلی الصلاة بعد الوضوء مباشره، وأمّا مع التأخیر فعلیه تجدیده کما قیل ذلک فی حدث الاستحاضة،ولکنّ هذا

ص :235

(مسألة 2) لا یجب علی المسلوس والمبطون أن یتوضّأ لقضاء التشهد والسجدة المنسیین[1]

بل یکفیهما وضوء الصلاة التی نسیا فیها بل وکذا صلاة الاحتیاط یکفیها وضوء الصلاة التی شکّ فیها،وإن کان الأحوط الوضوء لها مع مراعاة عدم الفصل الطویل وعدم الاستدبار.

وأمّا النوافل فلا یکفیها وضوء فریضتها،بل یشترط الوضوء لکلّ رکعتین منها[2]

--------------

الاحتمال لا یمکن استفادته فی المقام من شیء من الأخبار إلّاما قد یتوّهم من دلالة صحیحة حریز بن عبداللّٰه (1) علیه علی ما تقدّم.

عدم وجوب التوضّؤ لغیر الصلاة

[1]

لو قیل بأنّ قطرات البول الخارجة أثناء الصلاة لا تکون حدثاً بإلاضافة إلی تلک الصلاة،وإنّما تحسب حدثاً بالإضافة إلی الصلاة التی یأتی بها بعدها من غیر جمع أو حتّی مع الجمع فالأمر فی قضاء التشهّد والسجدة ظاهر؛ لأنّ التشهد أو السجدة المزبورة جزء من الصلاة التی کانت بیده وکذلک صلاة الاحتیاط فإنّها جابرة للصلاة المزبورة وکالجزء لها علی تقدیر نقصها،وعلی تقدیر عدم نقصها تکون غیر مفسدة ولا تحسب جزءاً منها فلا یضرّ الحدث فیها أو حتّی قبلها بخروج القطرة أو غیره.

وجوب الوضوء للنوافل علیهما

[2]

لو قیل بأنّ تقطیر البول فی الفرض الثانی والثالث کالفرض الرابع لا یکون من الحدث،بل المکلّف بعد الوضؤ یکون من المتطهّر حتّی ینتقض وضوءه بغیره

ص :236


1- (1)) وسائل الشیعة1:297،الباب19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث الأوّل.

(مسألة 3) یجب علی المسلوس التحفّظ من تعدی بوله بکیس فیه قطن أو نحوه[1]

والأحوط غسل الحشفة قبل کلّ صلاة،وأمّا الکیس فلا یلزم تطهیره،وإن کان أحوط،والمبطون أیضاً إن أمکن تحفّظه بما یناسب یجب،کما أنّ الأحوط تطهیر المحلّ أیضاً إن أمکن من غیر حرج.

--------------

من غیر البول أو البول المتعارف فلا موجب للوضوء لا للنوافل ولا سائر الفرائض، کما التزم قدس سره فی الفرض الرابع فیکون مراده من الوضوء لکلّ من الرکعتین من النافلة الفرض الثالث،وأمّا الفرض الثانی فمع خروج القطرة أثناء النافلة یعید الوضوء،ومع عدم الخروج أثناءها یتوضّأ أیضاً للنافلة الثانیة فیما إذا خرجت القطرة قبل الشروع فیها ولو قیل بأنّ البول حتّی من السلس حدث،ولکن یغتفر بالإضافة إلی الصلاة التی بیده إذا توضّأ لها فیجب التوضّؤ لکلّ صلاة،ولکن لا یبعد الاستظهار من صحیحة حریز أنّه إذا کان الجمع بین الفریضتین موجباً للاکتفاء بالوضوء الواحد لا یکون الإتیان بنوافل کلّ فریضة أقلّ من الجمع المزبور.

وجوب التحفظ من النجاسة

[1]

اشتراط الصلاة بطهارة الثوب والبدن مقتضاه وجوب التحفّظ عن سرایة البول الخارج إلیهما،بل مقتضاه تطهیر المخرج قبل الدخول فی الصلاة فی الفرض الثانی،والفرض الثالث کالفرض الأوّل.

وأمّا الفرض الرابع فلا یفید تطهیره لتنجّسه بخروج القطرة قبل الدخول فی الصلاة.نعم،لا یجب التطهیر قبل الصلاة الثانیة فیما إذا کان الإتیان بها بعد الأُولی من الجمع بین الفریضتین کما تقدّم عند البحث فی صحیحة حریز کما لا یجب تطهیر نفس الکیس مطلقاً،فإنّه لو لم یعدّ من المحمول المتنجّس،فلا ینبغی التأمّل فی أنّه ممّا لا تتمّ الصلاة فیه ولا یضرّ نجاسته بالصلاة.

ص :237

(مسألة 4) فی لزوم معالجة السلس والبطن إشکال والأحوط المعالجة[1]

مع الإمکان بسهولة،نعم لو أمکن التحفّظ بکیفیّة خاصّة مقدار أداء الصلاة وجب وإن کان محتاجاً إلی بذل مال.

--------------

اللّٰهم إلّاأن یقال الصلاة من أوّلها إلی آخرها مشروطة بالطهارة من الخبث فی کلّ من الثوب والبدن،وإذا لم یمکن الإتیان بها من أوّلها إلی آخرها مع طهارة البدن یعنی طهارة مخرج البول فلا یکون فی البین تکلیف بالصلاة مع طهارة المخرج، ورعایة طهارة المخرج فی بعض الصلاة بتطهیره قبل الدخول فی الصلاة لا یستفاد من أدلة اشتراط طهارة کلّ من أجزاء البدن،کما لا یستفاد تطهیر المخرج من شیء من الروایات الواردة فی السلس،بل قد یقال عدم التعرّض فیها لتطهیر الحشفة ظاهر فی عدم وجوبه ولعلّه لذلک ذکر لزوم تطهیره بنحو الاحتیاط،وهذا کما ذکرنا من أنّه إذا کان الإتیان بتمام أجزاء الصلاة مع الطهارة من الحدث حرجاً فارتفع اشتراط الطهارة بعدم التکلیف بالصلاة المشروطة بالطهارة فی الإتیان بأجزائها فلا یکون دلیل علی لزوم رعایتها فیما یتمکّن من أجزائها فلا یجب فی الفرض الثالث من الفروض المتقدّمة تجدید الوضوء أثناء الصلاة إذا کان تجدیده إلی آخر الصلاة حرجیّاً.

هذا،ولکنّ الأخبار الواردة فی السلس لا نظر لها إلّاعلی البول الخارج أثناء الصلاة،وأنّه لا یضرّ بصحّتها إذا تحفّظ من سرایته إلی ثوبه أو سائر بدنه فلا نظر لها إلی الخبث قبل الصلاة،فإنّ تطهیر البدن منه مقتضی الأدلة الأولیّة الدالّة علی اعتبار الطهارة من الحدث والخبث والمرتکز العرفی فی الأوامر الاضطراریة أنّه یرفع الید عمّا یعتبر فی الاختیاری بمقدار الضرورة والاضطرار.

معالجة السلس والبطن

[1]

بل لا یبعد وجوب المعالجة فإنّ مقتضی المفهوم فی قوله علیه السلام:«إذا لم یقدر

ص :238

(مسألة 5) فی جواز مسّ کتابة القرآن للمسلوس والمبطون بعد الوضوء للصلاة مع فرض دوام الحدث وخروجه بعده إشکال حتّی حال الصلاة إلّاأن یکون المسّ واجباً [1]

.

--------------

علی حبسه فاللّٰه أولی بالعذر» (1) فإنّه یقال کما إذا قدر علی حبس البول بشدّ المخرج بالخیط مدّة الصلاة أو إدخال القطنة فی دبره لحبس الغائط یجب ذلک أخذاً بالمفهوم المزبور کذلک معالجة السلس مع إمکانها فی وقت الصلاة بسهولة،ودعوی أنّه لیس إمکان المعالجة من حبس البول لا یمکن المساعدة علیها.

وعلی الجملة،لو لم یکن لزوم المعالجة أظهر فلا ینبغی التأمّل فی أنّها أحوط حتّی إذا احتاج إلی بذل المال لا یقاس المقام بشراء ماء الوضوء لیقال إنّه لا اعتبار بالقیاس،بل لعدم حکومة قاعدة لا ضرر فی مثل المقام؛ لأنّه لا امتنان فی نفی التکلیف بالصلاة مع الطهارة إذا وجد المکلّف معها صحّته وتخلّصه من المرض کما لا یخفی.

حکم مس کتابة القرآن

[1]

لا ینبغی التأمّل فی جواز المسّ ما دام لم یخرج البول من حین الشروع إلی الوضوء حتّی إلی زمان المسّ فإنّ المکلّف فی هذه الفترة متطهّر واقعاً بلا کلام؛ لعدم حصول الناقص،وأمّا إذا خرجت القطرة بعده فإنّه وإن یجوز الصلاة بذلک الوضوء فی الفرض الثالث والرابع عن الماتن،بل فی الفرض الثانی أیضاً علی ما استظهرنا من موثّقة سماعة،ولکنّ جواز المسّ بناءً علی ما ذکرنا من أنّ صاحب السلس بعد الوضوء من الحدث المتعارف متطهّر ولا یکون التقطیر ناقضاً له ظاهر؛ لعدم کونه محدّثاً،بل هو متطهّر ولکن بناءً علی المناقشة فی دلالة الموثّقة فلا یستفاد من

ص :239


1- (1)) وسائل الشیعة1:297،الباب19 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث2.

(مسألة 6) مع احتمال الفترة الواسعة الأحوط الصبر،بل الأحوط الصبر إلی الفترة التی هی أخفّ مع العلم بها،بل مع احتمالها لکنّ الأقوی عدم وجوبه[1]

--------------

الأخبار إلّاکون الوضوء المزبور مبیحاً للصلاة خاصّة لا کون الشخص متطهّراً،وعلیه فلا یجوز له مسّ کتابة القرآن حتّی فی حال الصلاة أیضاً،نعم لو وجب علیه المسّ لا بالنذر ونحوه لیقال إنّه ینحلّ لعدم جواز مسّها علی المحدث،بل بمثل اخراج المصحف عن البالوعة ونحوه یکون جواز المسّ أو وجوبه للمزاحمة بین التکلیف برفع الهتک عن المصحف وبین حرمة مسّ المحدث کتابته فیقدّم التکلیف برفع الهتک لکونه أهم أو یتخیر فی موارد عدم إحراز أهمیّة التکلیف الآخر.

الأحوط الصبر مع احتمال الفترة الواسعة

[1]

قد تقدّم أنّ مع الفترة الواسعة للصلاة مع الطهارة الاختیاریة یکون مکلّفاً بالإتیان بالصلاة بتلک الطهارة حتّی فیما إذا کانت الفترة فی آخر الوقت،حیث إنّ المکلّف متمکّن من صرف الوجود من الطبیعی المأمور به،وعلیه فإن احتمل تلک الفترة فی آخر الوقت یجوز له الصلاة بالطهارة الاضطراریة قبلها؛ لاحتمال کونه مکلّفاً بها،ولا یتوقف علی الالتزام بجریان الاستصحاب فی بقاء الاضطرار إلی آخر الوقت، غایة الأمر أنّه لو انکشف فی آخر الوقت وجود الفترة الواسعة أعادها؛ لأنّه لم یکن مکلّفاً إلّابالصلاة التی أتی بها هذا بالإضافة إلی الفترة الواسعة.

وأمّا بالإضافة إلی الفترة التی تکون أخفّ فقد ذکر الماتن أنّ الأقوی عدم وجوب انتظارها سواء علم بوجودها أو احتملها ولعلّ نظره فی ذلک إلی الإطلاق فی الروایات الواردة فی المقام وعدم التعرّض فیها لوجود الفترة الأخفّ وعدمها.

وقد یقال إنّه لا وجه لانتظارها حتّی مع العلم بوجودها فضلاً عن احتمالها؛ لأنّه إذا قیل بعدم کون القطرة الخارجة من البول ناقضاً للوضوء فالأمر ظاهر؛ لأنّ

ص :240

(مسألة 7) إذا اشتغل بالصلاة مع الحدث باعتقاد عدم الفترة الواسعة وفی الأثناء تبیّن وجودها قطع الصلاة ولو تبیّن بعد الصلاة أعادها.[1]

(مسألة 8) ذکر بعضهم أنّه لو أمکنهما إتیان الصلاة الاضطراریة ولو بأن یقتصرا فی کلّ رکعة علی تسبیحة ویومئا للرکوع والسجود مثل صلاة الغریق --------------

خروج القطرة کثیراً أو قلیلاً یکون کخروج المذی عن المتوضّئ قلیلاً أو کثیراً فی أنّه لا یوجب انتقاض الوضوء.

وإن قیل بأنّها ناقض یتوضّأ للصلاة فی أثناءها عند خروجها فالأمر کذلک،ولو قیل بعدم الوضوء أثناءها لاستمرار الخروج أو کون التوضّؤ حرجیّاً وتمکّن من فترة لا یکون الوضوء فی أثنائها حرجیّاً أو لا یستمر الخروج فی تلک الفترة فلا یجب التأخیر إلیها أیضاً؛ لأن وظیفة المبطون والمسلوس ما تقدّم بحسب حاله.

أقول: الأحوط وجوب التأخیر إلی الفترة الأخفّ؛ لمّا تقدّم فی مسألة وجوب المبادرة من أنّه مع إمکان التحفّظ علی طهارة البدن ولو فی بعض الصلاة فالأحوط رعایته،إلّاأن یتمسّک بالإطلاق فی الأخبار المتقدّمة سواء قیل بعدم ناقضیة القطرة أو ناقضیها وهذا یجری فی جمیع الفروض الثلاثة المتقدّمة.

وعلی الجملة،لو لم یکن إطلاق الأخبار کان اللازم مع وجود الفترة الأخفّ رعایتها تحفّظاً لاشتراط طهارة البدن فی الصلاة ولو فی بعضها،وکذا تحفّظاً علی الإتیان بأجزائها مع الطهارة من الحدث بقدر الإمکان.

[1]

فإنّه قد تقدّم أنّ مع الفترة الواسعة یکون تکلیفه بالصلاة بالطهارة الاختیاریة فالاعتقاد بعدم وجود الفترة فی شیء من الوقت مع زواله أثناء الصلاة أو بعدها لا یوجب إجزاء ما أتی به مع الاعتقاد أو مع احتمال عدم الفترة إلی آخر الوقت.

ص :241

فالأحوط الجمع بینها وبین الکیفیّة السابقة،وهذا وإن کان حسناً لکنّ وجوبه محلّ منع،بل تکفی الکیفیّة السابقة[1]

(مسألة 9) من أفراد دائم الحدث المستحاضة و سیجیء حکمها.

(مسألة 10) لا یجب علی المسلوس والمبطون بعد برئهما قضاء ما مضی من الصلوات[2]

نعم إذا کان فی الوقت وجبت الإعادة.

--------------

إذا تمکّنا من الصلاة الاضطراریة

[1]

کأنّ مرادهم أنّ المکلّف إذا أتی بدل القراءة فی کلّ رکعة بتسبیحة ورکع وسجد فیها مومیاً للرکوع والسجود یکون ذلک من البدل الاضطراری لأجزاء الصلاة، ومع تمکّنه من الإتیان بالبدل المزبور مع الوضوء وعدم خروج القطرة بعده یکون المورد من دوران الأمر بین أن یترک من الصلاة ما له بدل وهی الأجزاء وبین أن یترک منه ما لا بدل له وهی الطهارة،والقاعدة أن یراعی مالیس له بدل فرعایة القاعدة المزبورة مع ملاحظة الأخبار الواردة فی السلس یوجب الجمع بین الأمرین،ولکن لا یخفی ما فیه أوّلاً فإنّ القاعدة المشار إلیها لا تجری فی المقام مع ثبوت البدل للطهارة،وقد دلّت الأخبار أنّ الوضوء من سائر الحدث غیر خروج تقطیر البول أثناء الطهارة بدل عن الوضوء المعتبر فی الأجزاء الاختیاریة من الصلاة،ومع هذا لا تصل النوبة إلی ملاحظة القاعدة المشار إلیها.

عدم وجوب القضاء علیهما

[2]

فإنّ الموضوع لوجوب القضاء فوت الفریضة فی وقتها،والمفروض أنّ صاحب السلس أو البطن الغالب قد أتی فی الوقت بما هی فریضة الوقت له وأنّ المکلّف لا یزید فرائضه فی الیوم واللیلة عن خمس صلوات.نعم،إذا حصل البرء قبل خروج وقت الفریضة یعلم أنّه لم یکن مکلّفاً إلّابالصلاة مع الوضوء الاختیاری، فلو ترکها بعد برئه فعلیه قضاؤها کما کان علیه فی الوقت إعادتها.

ص :242

(مسألة 11) من نذر أن یکون علی الوضوء دائماً إذا صار مسلوساً أو مبطوناً الأحوط تکرار الوضوء بمقدار لا یستلزم الحرج،ویمکن القول بانحلال النذر وهو الأظهر[1]

--------------

إذا نذر الکونَ علی الوضوء دائماً

[1]

إذا کان نذره بنحو العام الاستغراقی بأن نذر أن یکون علی وضوء بعد کلّ حدث ما دام عمره إلی مدّة معینة ففی مثل ذلک یمکن أن یقال إنّ علیه الوضوء ما لم یکن الوضوء بعد الحدث حرجاً،وإذا وصل إلی حدّ الحرج فلا یجب الوضوء،وهذا بناءً علی أنّ خروج القطرة من البول عن صاحب السلس والبطن الغالب حدثاً،وإلّا فلا حرج فی التوضّؤ عن کلّ حدث.

ویمکن أن یقال قصده عن نذره فرض بقاء حاله علی المتعارف من حیث النواقض،وهذا لیس ببعید فالوضوء زمان السلس غیر داخل فی نذره،سواء قیل بأنّ خروج القطرة ناقض أو لم یکن،ولعل هذا هو الموجب لقوله بأنّ انحلال النذر أظهر.

وأمّا إذا کان نذره بنحو العام المجموعی فانحلال النذر ظاهر؛ لعدم وجوب الوفاء بالنذر المزبور؛ لکونه حرجیاً أو أنّه غیر مراد کما ذکرنا،ویمکن التفرقة بین انحلال بین صورة نذر الوضوء بنحو العامّ الاستغراقی وبین نذره بنحو العامّ المجموعی أنّه لو أحرز بعد النذر ابتلاءه بالسلس مستقبلاً لا یجب علیه الوضوء فعلاً علی الثانی،بخلاف صورة النذر بنحو العامّ الاسغراقی فإنّ علیه الوضوء قبل ابتلائه بالسلس،بل بعد برئه أیضاً،فتدبر.

ص :243

ص :244

فصل فی الأغسال

والواجب منها سبعة:غسل الجنابة،والحیض،والنفاس،والاستحاضة، ومسّ المیّت،وغسل الأموات،والغسل الذی وجب بنذر ونحوه،کأن نذر غسل الجمعة أو غسل الزیارة،أو الزیارة مع الغسل والفرق بینهما أنّ فی الأوّل إذا أراد الزیارة یجب أن یکون مع الغسل،ولکن یجوز أن لا یزور أصلاً[1]

وفی الثانی یجب الزیارة فلا یجوز ترکها،وکذا إذا نذر الغسل لسائر الأعمال التی یستحبّ الغسل لها.

--------------

فصل فی الأغسال

اشارة

[1]

وبتعبیر آخر،المنذور هو الغسل عند الزیارة فلو لم یزر فلا نذر علی نفسه فی فرض ترکها ولیس المنذور هو ترک الزیارة بلا غسل؛ لیقال إنّ النذر لا ینعقد حیث یعتبر فی انعقاده کون المنذور راجحاً وترک الزیارة ولو بلاغسل لها غیر راجح،بل الزیارة ولو بدونه راجحة.

وعلی الجملة،حنث النذر یحصل بترک الغسل قبل أن یزور لا بالزیارة بدون الغسل،بل إذا نذر الزیارة مع الغسل بأن یکون علیه کلا الأمرین معاً فزار بلا غسل لا یکون حنث نذره بالزیارة حیث کان علیه أن یزور والذی أوجب حنثه ترک الغسل قبلها؛ ولذا ترک الزیارة والغسل فی فرض نذر المجموع کما هو ظاهر المتن فعلیه أیضاً کفارة واحدة فیکون الفرق بین الفرضین أنّ فی الأوّل یجوز ترک الزیارة وأن یترک الغسل لها بترکها،بخلاف الثانی فإنّه لا یجوز ترک الزیارة وأن لا یجوز أیضاً ترک الغسل قبلها.

ص :245

(مسألة 1) النذر المتعلّق بغسل الزیارة ونحوها یتصوّر علی وجوه:

الأوّل:أن ینذر الزیارة مع الغسل[1]

فیجب علیه الغسل والزیارة وإذا ترک أحدهما وجبت الکفّارة.

الثانی:أن ینذر الغسل للزیارة بمعنی أنّه إذا أراد أن یزور لا یزور إلّامع الغسل،فإذا ترک الزیارة لا کفّارة علیه،وإذا زار بلا غسل وجبت علیه.

الثالث:أن ینذر غسل الزیارة منجزاً وحینئذٍ یجب علیه الزیارة أیضاً و إن لم یکن منذوراً مستقلّاً،بل وجوبها من باب المقدّمة فلو ترکهما وجبت کفّارة واحدة؛ وکذا لو ترک أحدهما،ولا یکفی فی سقوطها الغسل فقط،وإن کان من عزمه حینه أن یزور،فلو ترکها وجبت لأنّه إذا لم تقع الزیارة بعده لم یکن غسل الزیارة.

الرابع:أن ینذر الغسل والزیارة فلو ترکهما وجبت علیه کفّارتان ولو ترک أحدهما فعلیه کفّارة واحدة.

الخامس:أن ینذر الغسل الذی بعده الزیارة والزیارة مع الغسل،وعلیه لو ترکهما وجبت کفّارتان ولو ترک أحدهما فکذلک؛ لأنّ المفروض تقیّد کلّ بالآخر،وکذا الحال فی نذر الغسل لسائر الأعمال.

--------------

ثمّ إنّ ما ذکرنا فی نذر الغسل للزیارة یجری فی سائر الأغسال الفعلیة المستحبة علی ما یأتی.

صور النذر المتعلّق بغسل الزیارة

[1]

النذر المتعلّق بغسل الزیارة أو غیرها من الأفعال التی یستحب لها الغسل یتصور علی وجوه:

الأوّل:أن ینذر المکلّف الإتیان بالمجموع من العمل والغسل له،وبتعبیر آخر

ص :246

..........

المنذور مجموع الزیارة والغسل لها قبلها،ففی هذا الفرض إذا ترک أحدهما أو کلاهما یجب علیه کفارة واحدة.

الثانی:أن ینذر الغسل للزیارة بمعنی أنّه إذا زار فعلیه الغسل لها قبلها کما تقدّم فی الفرض الأوّل من الفرضین المذکورین قبل المسألة،وما فی عبارة الماتن قدس سره:

بمعنی أنّه إذا أراد أن یزور لایزور إلّامع الغسل،ینبغی تبدیله إلی:أنّه بمعنی إذا أراد الزیارة علیه أن یغتسل لا أن یترک الزیارة بلا غسل.

والحاصل أنّ المنذور هو الاغتسال لا ترک الزیارة،کما تقدّم نظیر ذلک فی نذر الوضوء للقراءة،وإذا زار فی الفرض بلا اغتسال لها صحّت زیارته لتعلّق الأمر الاستحبابی بها وإن کان عاصیاً بترک الاغتسال لها،نعم إذا لم یزر أصلاً لم یکن فی البین عصیان ولا علیه کفارة.

الثالث:أن ینذر غسل الزیارة منجزاً بمعنی أنّ علیه الغسل المزبور مطلقاً لا فی خصوص ما إذا أراد أن یزور بنحو النذر المعلّق کما تقدّم فی الوجه الثانی،وعلی ذلک یجب علی المکلّف فی هذا الوجه الزیارة أیضاً لا لأنّ الزیارة قد تعلّق بها النذر استقلالاً أو ضمناً،بل لأنّ النذر قد تعلّق بنفس الغسل الخاصّ مطلقاً وهو الغسل قبل الزیارة وحصول هذا المنذور یتوقّف علی الزیارة بعده واعتبار قصد الزیارة عند الاغتسال لا لکون المنذور هو الغسل بقصد الزیارة لیقال لا یتوقّف الإتیان بالمنذور علی نفس الزیارة،بل لأنّ القصد المزبور عند الاغتسال لحصول قصد التقرّب حیث إنّ مشروعیة الاغتسال للفعل بعده لا لقصده عند الاغتسال کما هو ظاهر الروایات الواردة فیها الأمر بالأغسال الفعلیة.

وممّا ذکر یظهر أنّه لو ترک فی الفرض الغسل والزیارة معاً أو ترک أحدهما وجبت کفّارة واحدة ولا یفید فی سقوطها الغسل فقط حتّی ما إذا کان عند الاغتسال

ص :247

..........

عازماً أن یزور بعده لمّا تقدّم من أنّ ظاهر الأدلة مشروعیة الغسل قبل الفعل المفروض تعلّق النذر به وإلّا کان النذر منحلاً من الأوّل کما إذا قصد الغسل بلا زیارة بعده أو مطلقاً سواء زار بعده أم لا.

الرابع:أن ینذر الزیارة وغسلها بنحو الاستیعاب وذکر الماتن قدس سره أنّه لو ترکهما وجبت علیه کفّارتان ولو ترک أحدهما فعلیه کفّارة واحدة،ولکن قد ظهر ممّا تقدّم أنّه لو زار ولم یغتسل لها فالأمر کما ذکره من أنّ علیه کفّارة واحدة حیث أتی بأحد المنذورین وهی الزیارة ولم یأتِ بالمنذرو الآخر وهو الغسل لها،وأمّا إذا اغتسل ولم یزر یکون الفرض کما إذا لم یغتسل و لم یزر فی لزوم کفّارتین حیث إنّ الغسل الموجود فی فرض ترک الزیارة غیر غسل الزیارة فلا یکون مشروعاً،بل ولا منذوراً؛ لأنّ المفروض تعلّق النذر بغسل الزیارة کما تقدّم،وإلّا کان النذر باطلاً من الأوّل بالإضافة إلی الغسل.

والفرق بین الوجه الرابع والوجه الخامس أنّ فی الوجه الرابع تعلّق النذر بنفس الزیارة؛ ولذا لو زار بلا غسل أتی بأحد المنذورین المفروض رجحانه،بخلاف الوجه الخامس فإنّ النذر فیه قد تعلّق بالزیارة الخاصّة أی الزیارة بعد الغسل لها،ولذا لو زار بلا اغتسال یکون علیه کفّارتان لعدم الإتیان بشیء من المنذورین.

نعم،الحنث لا یکون بالزیارة قبل الغسل کما تقدّم،بل یکون بترک الغسل قبلها فتکون الزیارة صحیحة.

ثمّ لا یخفی أنّ انحصار الأغسال الواجبة بالسبعة بحسب ما یستفاد من الأدلة الشرعیة،والوجوب المستفاد منها یختلف ففی بعضها شرطی فیکون غیریّاً بناءً علی ثبوت الملازمة بین إیجاب الشیء وإیجاب مقدّمته کما فی غسل الجنابة والحیض والاستحاضة والنفاس ومسّ المیّت،وفی بعضها وجوب نفسی کغسل الأموات،

ص :248

..........

وفی بعضها یکون شرطیاً وغیریاً تارة کما إذا نذر الزیارة المسبوقة بالغسل،ویکون نفسیاً کما إذا نذر الغسل للزیارة مشروطة أو مطلقة علی ما تقدّم.

ولا ینافی ما ذکرنا ما ورد فی بعض الروایات من أنّ غسل الجنابة فریضة (1) فإنّ المراد بالفریضة ذکره فی الکتاب المجید نظیر ما تقدّم فی الوضوء من أنّه فرض اللّٰه، (2) لا أنّ وجوبه نفسی،وکذا ما ورد فی بعض الروایات من أنّ غسل الجنابة والحیض واجب فإنّ مثل هذه الروایة لا یزید علی ما فی کلمات الأصحاب من تعداد غسل الجنابة والحیض وغیرهما من الواجبات فی أنّ المراد لیس بیان خصوص الوجوب النفسی لها،بل ذکرها فی مقابل الأغسال المستحبّة ویفصح عن ذلک ما فی موثّقة سماعة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«غسل الجنابة واجب وغسل الحائض إذا طهرت واجب وغسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالکرسف وجاز الدم الکرسف فعلیها الغسل لکلّ صلاتین وللفجر غسل» (3) الحدیث فإنّ قوله علیه السلام:

«فعلیها الغسل» الخ قرینة جلیّة فی أنّ مراده علیه السلام لیس بیان خصوص الواجب نفسیّاً، وما فی مصحّحة حجر بن زائدة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«من ترک شعرة من الجنابة متعمّداً فهو فی النار» (4) لا یدلّ إلّاعلی کون الشخص مع تعمّده فی ترک بعض الغسل فی موضع الإتیان به فی النار،وأمّا تعیین موضع الإتیان به أو موضع وجوب غسل الجنابة فلا دلالة لها علیه،ولو سلم الإطلاق فی الموثّقة والمصحّحة فیرفع الید عنه بما ستسمع من الروایة وغیرها أنّه لا یجب غسل الجنابة،بل ولا غیرها ممّا

ص :249


1- (1)) وسائل الشیعة2:173،الباب الأوّل من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:439،الباب 31 من أبواب الوضوء،الحدیث 15،وغیره.
3- (3)) وسائل الشیعة2:173-174،الباب الأوّل من أبواب الجنابة،الحدیث3.
4- (4)) وسائل الشیعة2:175،الباب الأوّل من أبواب الجنابة،الحدیث5.

..........

ذکرناها فی غیر موضع الصلاة ونحوها ممّا هو مشروط بالطهارة،وترتّب دخول النار علی ترک بعض غسل الجنابة کترتّبه علی عدم الاجتناب عن البول لأجل بطلان الصلاة ونحوها معه کما لا یخفی.

ص :250

فصل فی غسل الجنابة

وهی تحصل بأمرین:

الأوّل:خروج المنی ولو فی حال النوم أوالاضطرار وإن کان بمقدار رأس إبرة سواء کان بالوطی أو بغیره [1]

مع الشهوة أو بدونها،جامعاً للصفات أو فاقداً لها، مع العلم بکونه منیّاً،وفی حکمه الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الغسل مع عدم الاستبراء بالبول.

--------------

فصل فی غسل الجنابة

ماتحصل به الجنابة: الأوّل:خروج المنی

[1]

لا خلاف بین الأصحاب فی أنّ خروج المنی فی الرجل یوجب الغسل علیه،سواء کان حال النوم کما فی الخروج بالاحتلام أو فی حال الیقظة أو حتّی ما إذا کان بالاضطرار،سواء کان بالوطی أو بغیره ولو کان بمقدار رأس الإبرة،ویشهد لذلک مثل صحیحة عبداللّٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«ثلاث یخرجن من الإحلیل وهنّ المنی وفیه الغسل» (1) الحدیث،ورفع الید عمّا ورد فیه من الوضوء للودی وحمله علی استحباب الوضوء أو کونه قبل الاستبراء بالخرطات لا یوجب رفع الید عن حلم المنی.

وفی مصححة عبیداللّٰه الحلبی قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن المفخّذ علیه الغسل؟ قال:«نعم،إذا أنزل» (2) .

ص :251


1- (1)) وسائل الشیعة 1:280،الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 14.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:186،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

..........

وفی مصححة الحسین بن أبی العلاء قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یری فی المنام حتّی یجد الشهوة وهو یری أنّه قد احتلم فإذا استیقظ لم یرَ فی ثوبه الماء ولا فی جسده،قال:لیس علیه غسل،وکان علیّ علیه السلام یقول:إنّما الغسل من الماء الأکبر فإذا رأی فی منامه ولم یرَ الماء الأکبر فلیس علیه غسل (1) .

وروایة عنبسة بن مصعب عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:کان علیّ علیه السلام لا یری فی شیء الغسل إلّافی الماء الأکبر» (2) .

أقول: الحصر فی الأخیرین إضافی بالإضافة إلی ما یخرج من الإحلیل فلا ینافی ما یأتی من لزوم الغسل وحصول الجنابة بالدخول.

وعلی الجملة،فمقتضی الإطلاق ولو فی بعض ما تقدّم ترتّب لزوم الاغتسال بمجرّد خروج المنی حتّی ولو کان بمقدار رأس الإبرة حال النوم أو الیقظة بالاختیار أو بالاضطرار بالوطی أو بغیره مع الشهوة أو بدونها جامعاً للصفات أو فاقداً لها مع إحراز کونه المنی،وفی حکم ذلک الرطوبة المشتبهة الخارجة بعد الاغتسال مع عدم الاستبراء فیما کانت الجنابة بالإنزال کما تقدّم فی بحث الاستبراء،وما ورد فی البلل فیه أیضاً دلالة علی کون البلل ولو کانت شیئاً قلیلاً من المنی یترتّب علیه الجنابة واقعاً.

لا یقال: فی صحیحة علیّ بن جعفر،عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال:سألته عن الرجل یلعب مع المرأة ویقبّلها فیخرج منه المنی فما علیه؟ قال:«إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعلیه الغسل،وإن کان إنّما هو شیء لم یجد له فترةولا شهوة فلا بأس» (3) ومقتضاها أنّه لا یترتّب علی خروج المنی حکم الجنابة ما لم

ص :252


1- (1)) وسائل الشیعة 2:196،الباب 9 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:197،الباب 9 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:194،الباب 8 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

.

--------------

یکن فی خروجه شهوة ولا فتور،وقد حملها الشیخ قدس سره علی أن عدم الترتّب فیما إذا کان البلل الخارج مشتبهاً بین المنی وغیره کالمذی حیث یبعد فی العادة أن یخرج من الإنسان المنی ولا یجد فی خروجه شهوة ولا لذّة. (1)

وقال فی الوسائل:ولو کان المراد بالمنی فی الروایة ظاهره یعنی المنی حقیقة وأنّه إذا لم یکن خروجه بالشهوة ولا الفتور لا یترتب علیه حکم الجنابة یتعین حملها علی التقیّة فإنّ عدم ترتّب الحکم علی خروج المنی مع عدم الشهوة موافق لأشهر مذاهب العامة (2) .

ویورد علی کلا الوجهین بأنّ حمل المنی فی الصحیحة فی کلام السائل علی المشتبه وزعمه منیّاً خلاف الظاهر،کما أنّ حمل الروایة علی التقیّة یکون فی مقام التعارض؛ لکون مخالفة العامّة فی أحد الخبرین المتعارضین مرجّحة لوجه صدوره، وأمّا إذا لم یکن فی البین تعارض فلا مورد للترجیح ودلالة الأخبار المتقدّمة ونحوهابترتّب الحکم علی مجرّد خروج المنی ولو لم یکن فیه الأوصاف بالإطلاق فیرفع الید عنه بالتقیید الوارد فی الصحیحة.

والصحیح فی الجواب أنّ المروی عن کتاب علیّ بن جعفر فی الوسائل وقرب الاسناد لفظ (الشی)بدل (المنی) وعلیه فلو لم یکن الوارد فیهما هو الصحیح،لوقوع الاشتباه کثیراً فی روایات الشیخ علی ما شاهدنا فلا أقلّ من عدم ثبوت روایة الشیخ، وإجمال الروایة من هذه الجهة فیکون المتّبع الإطلاقات.

أقول: هذا الکلام غیر تام بنظری القاصر فإنّه لا ینبغی التأمّل فی أنّ ما رواه الشیخ،عن علیّ بن جعفر هو:«فیخرج منه المنی» وسند صاحب الوسائل إلی کتابه

ص :253


1- (1)) التهذیب 1:120،ذیل الحدیث 8.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:194،الباب 8 من أبواب الجنابة،ذیل الحدیث الأوّل.

..........

هو بطریق الشیخ فلا یکون له طریق إلی النسخة التی فیها:«فیخرج منه الشی» لیعتبر قوله وتعرض الشیخ لرفع المنافاة بینها وبین الروایات المطلقة المشار إلیها یبعد احتمال أنّ النسخة التی کانت عند الشیخ کان أیضاً:«فیخرج منه الشی» واشتبه الشیخ فی رؤیة ما فی تلک النسخة والذی یشاهد عن الشیخ قدس سره کثیراً هو الاشتباه فی نقل ما فی تلک الکتب والأُصول إلی کتابه حیث یسهو القلم.

وعلی الجملة،الاشتباه فی رؤیة ما فی النسخة لم یحرز کثرته عن الشیخ لو لم نقل لم یحرز أصل وقوعه،والذی یخطر بالبال أنّ کثیراً من الناس کانوا یزعمون أنّ الخارج من الإحلیل مثلاً عند ملاعبة الرجل مع زوجته ولو کان بللاً قلیلاً منی فیسألون عن حکمه وهذه الروایة أیضاً من هذا القبیل فیذکر الإمام علیه السلام أنّ الخارج مع الشهوة والدفع والفتور منیّ وإلّا فشیء لا یترتب علیه حکم الجنابة یعنی لیس بمنی، ولعلّ هذا هو المراد أیضاً من صحیحة عبداللّٰه بن سنان المتقدّمة:«ثلاث یخرجن من الإحلیل» (1) حیث لم یتعرّض فیها الإمام علیه السلام لخروج البول مع أنّه مجری البول ففیه الوضوء،والذی أوجب الحمل علی هذا المعنی أنّه یبعد فی مورد فرض علیّ بن جعفر أن یخرج المنیّ من الرجل ولا یکون فیه شیء من الشهوة والفتور والدفع فمع عدمها لم یخرج المنی لا أنّه منی لا حکم له،وهذه هی القرینة علی حمل المنیّ فی کلام السائل علی خلاف ظهوره هذا کلّه بالإضافة إلی الرجل.

وأمّا المرأة فالمشهور أن خروج منیّها وإنزالها وإمناءها یوجب جنابتها خلافاً لما عن الصدوق قدس سره فی المقنع حیث قال:«إن احتلمت المرأة فأنزلت فلیس علیها غسل،وروی أنّ علیها الغسل إذا أنزلت» (2) .

ص :254


1- (1)) وسائل الشیعة 1:280،الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 14.
2- (2)) المقنع:42.

..........

ویشهد لما علیه المشهور صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع قال:سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یجامع المرأة فیما دون الفرج وتنزل المرأة هل علیها غسل؟ قال:

«نعم» (1) .

وصحیحة الحلبی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن المرأةتری فی المنام ما یری الرجل؟ قال:إن أنزلت فعلیها الغسل وإن لم تنزل فلیس علیه الغسل» (2) .

وفی صحیحة إسماعیل بن سعد الأشعری قال:سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یلمس فرج جاریته حتّی تنزل الماء من غیر أن یباشر یعبث بها بیده حتّی تنزل؟ قال:

«إذا أنزلت من شهوة فعلیها الغسل» (3) .

وفی روایة محمّد بن الفضیل،ولا یبعد کونه محمّد بن القاسم بن الفضیل،قال:

سألت أبا الحسن علیه السلام عن المرأة تعانق زوجها من خلفه فتحرّک علی ظهره فتأتیها الشهوة فتنزل الماء علیها الغسل أو لا یجب علیها الغسل؟ قال:«إذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب علیها الغسل» (4) .

وظاهر هذه الروایات عدم الفرق بین الرجل والمرأة فی کون إنزالها موجباً لجنابتها.

ولکن فی مقابلها عدّة روایات یستفاد منها أنّ المرأة لا تجنب بإنزالها منها:

صحیحة عمر بن یزید قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام:الرجل یضع ذکره علی فرج المرأة فیمنی،علیها غسل؟ فقال:إن أصابها من الماء شیء فلتغسله ولیس علیها

ص :255


1- (1)) وسائل الشیعة 2:186،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:187،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:186،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:187،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

..........

شیء إلّاأن یدخله.قلت:فإن أمنت هی ولم یدخله؟ قال:لیس علیها الغسل» (1) .

وفی الصحیحة الأُخری التی رواها الحسن بن محبوب فی کتاب المشیخة عن عمر بن یزید قال:اغتسلت یوم الجمعة بالمدینة ولبست ثیابی وتطیبت فمرّت بی وصیفة لی ففحذت لها فأمذیت أنا وأمنت هی فدخلنی من ذلک ضیق فسألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن ذلک؟ فقال:«لیس علیک وضوء ولا علیها غسل» (2) .

وفی الصحیحة الثالثة له أیضاً قال:قلت لأبی جعفر علیه السلام:کیف جعل علی المرأة - إذا رأت فی النوم أنّ الرجل یجامعها فی فرجها - الغسل؟ ولم یجعل علیها الغسل إذا جامعها دون الفرج فی الیقظة فأمنت؟ قال:لأنّها رأت فی منامها أنّ الرجل یجامعها فی فرجها فوجب علیه الغسل،والآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم یجب علیها الغسل؛ لأنّه لم یدخله ولو کان أدخله فی الیقظة وجب علیها الغسل أمنت أو لم تمنِ» (3) .

وفی روایة عبید بن زرارة قال:قلت له:هل علی المرأة غسل من جنابتها إذا لم یأتها الرجل؟ قال:لا وأیّکم یرضی أن یری أو یصبر علی ذلک أن یری ابنته أو أُخته أو أُمّه أو زوجته أو أحداً من قرابته قائمة تغتسل،فیقول:مالک؟ فتقول:احتلمت ولیس لها بعل،ثمّ قال:لا لیس علیهنّ ذلک وقد وضع اللّٰه ذلک علیکم،قال: «وَ إِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» ولم یقل لهنّ (4) .

ثمّ لا ینبغی التأمّل فی تعارض الطائفتین وعدم الجمع العرفی بینهما،فإنّ

ص :256


1- (1)) وسائل الشیعة 2:190 - 191،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 18.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:191،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 20.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:191،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 19.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:192،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 22.

..........

حمل الأخبار الواردة فی أنّ علیها الغسل مع إنزالها بالاحتلام أو فی الیقظة علی استحباب غسل الجنابة علیها بدعوی أنّ هذه الطائفة صریحة فی مشروعیة غسل الجنابة بإنزالها المنی وظاهرة فی وجوبه،وحمل الطائفة النافیة الغسل لإنزالها علی نفی الوجوب فقط،حیث إنّها صریحة فی نفی وجوبه وظاهرة فی نفی مشروعیته فیؤخذ بالصراحة فی کلّ من الطائفتین فیرفع الید فیهما عن الظهور لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ هذا الجمع إنّما یصحّ فی الأحکام التکلیفیة لا الأحکام الوصفیة التی لم یثبت مثل هذا الحمل فی موردها؛ فإنّ إثبات استحباب غسل الجنابة فی مورد بدلاً عن الوضوء المعتبر فیه غیر ثابت لیقال إنّ المقام مثله.

نعم،ربّما تحمل الأخبار النافیة علی التقیّة بدعوی أنّ العامّة وإن یتّفقون علی جنابة المرأة بالإنزال أو بالاحتلام إلّاأنّ ذلک عن الأربعة المشهورة الآن،ویمکن أن یکون فی ذلک - یعنی فی أعصار الأئمة - من کان یفتی بعدم جنابتها إلّابالدخول والقرینة علی الاختلاف فی ذلک التعلیل المجازی فی صحیحة محمد بن مسلم، والاستدلال الظاهری الإقناعی فی حدیث عبید بن زرارة کما عن صاحب الوسائل (1) أو أنّ التقیّة لا تنحصر بموافقة العامّة،بل یحصل بإلقاء التفرقة والخلاف بین الشیعة لیترکون علی حالهم کما عن صاحب الحدائق قدس سره (2) ولکنّ الظاهر بحسب روایاتهم أیضاً جنابة المرأة بالاحتلام وعدم الاختلاف بینهم حتّی فی ذلک الزمان، وما ذکر فی الوسائل لا یکون قرینة کما یظهر الوجه ممّا نذکر؛ ولذا ذکر جماعة أنّ الطائفة النافیة لابدّ من إرجاع علمها إلی أهلها:لأنّ مع إعراض المشهور عنها لا یمکن الاعتناء بها،وذکر بعض علمائنا الأبرار رضوان اللّٰه علیه أن مع التعارض لا بأس

ص :257


1- (1)) وسائل الشیعة2:192،الباب 7 من أبواب الجنابة،ذیل الحدیث 22.
2- (2)) الحدائق الناضرة 3:17.

..........

بالالتزام بسقوط کلتا الطائفتین عن الاعتبار فیرجع فی الحکم بجنابة المرأة بإنزالها إلی الإطلاق فی قول علی علیه السلام:«إنّما الغسل من الماء الأکبر» (1) کما فی حسنة الحسین بن أبی العلاء والتفریع علیه باحتلام الرجل لا یوجب تقییده کما هو ظاهر.

أقول: ما ذکر فی الحدائق (2) من عدم انحصار رعایة التقیّة وإن أمکن تصدیقه إلّاأنّ ما دلّ الدلیل علی المرجّحیّة عند التعارض کون أحد الخبرین موافقاً لهم والآخر مخالفاً لهم،والتقیّة بالمعنی المزبور لا دلیل علی رعایتها فی ترجیح أحد الخبرین المتعارضین علی الآخر.

وممّا ذکرنا یظهر أنّ رفع الید عن الطائفة النافیة بدعوی إعراض المشهور عنها مشکل لإمکان کون وجه رفع یدهم عنها موافقة الطائفة المثبتة لقول علیّ علیه السلام أو زعم بعضهم کون النافیة وردت موافقة لبعض العامة فی ذلک الزمان،فالأظهر أنّه یؤخذ بإطلاق قول علیّ علیه السلام بعد تعارضها،ولکن مع ذلک یلتزم بعدم وجوب إبلاغ هذا الحکم إلی النساء نظیر سائر التکالیف الواجب إبلاغها إلی الجاهلات منهن بشهادة حسنة أدیم بن الحر أو مصححته قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن المرأةتری فی منامها ما یری الرجل علیها غسل؟ قال:«نعم،ولا تحدّثوهنّ فیتّخذنه علّة» (3) فیلتزم بکونها معذورة فی صلاتها مع الوضوء مع جنابتها بالإنزال أو یلتزم بصحّة الصلاة المزبورة، وإنّما تکون الصلاة فی حقّها مقیّدة بالغسل عند علمها بجنابتها بالإنزال،وإنّ علیها الغسل نظیر الجهل فی مسألة وجوب القصر علی المسافر أو اعتبار الجهر والإخفات فی موضعهما،وعلی ذلک فیمکن کون الحکم بعدم جنابتها لإنزالها لعدم وجوب

ص :258


1- (1)) وسائل الشیعة 2:196،الباب 9 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) الحدائق 3:17.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:189،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 12.

..........

الإبلاغ وإن علّل ببعض ما ذکر فی الروایات علی ما تقدّم.

نعم،ربّما یناقش فی وجوب الغسل علیها وجنابتها فیما إذا کان إنزالها بلا شهوة حیث إنّ الوارد فی صحیحة إسماعیل بن سعد الأشعری المتقدّمة من قوله علیه السلام:«إذا أنزلت من شهوة فعلیها الغسل» (1) فإنّ المستفاد منها اعتبار کون الإنزال بالشهوة.

ولکن یمکن الجواب عن ذلک بأنّ تقیید الإنزال بکونه من شهوة باعتبار العادة حیث إنّ لعب الرجل بفرج امرأته إن أوجب الإنزال یکون الإنزال من شهوة فلا یوجب التقیید فی الإطلاق فی غیرها نظیر قول علیّ علیه السلام:«إنّما الغسل من الماء الأکبر» (2) بل وغیره ممّا ورد فی إنزالها.

وبتعبیر آخر،لا یکون الإنزال من المرأة عادة إلّاإذا جاءتها الشهوة کما هو المفروض فی الصحیحة وروایة محمّد بن الفضیل التی لا یبعد اعتبارها؛ لکونه هو محمّد بن القاسم بن الفضیل قال:سألت أبا الحسن علیه السلام عن المرأة تعانق زوجها من خلفه فتحرّک علی ظهره فتأتیها الشهوة فتنزل الماء علیها الغسل أو لا یجب علیها الغسل؟ قال:«إذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب علیها الغسل» (3) ویکشف عمّا ذکرنا ما ورد فی تعلیل عدم وجوب الغسل علی المرأة بخروج البلل عن فرجها بعد اغتسالها حیث إنّ مقتضاه وجوب الغسل علیها مع علمها باختلاطهما مع أنّه لا یکون عند خروجه شهوة،کما لا یخفی.

ص :259


1- (1)) وسائل الشیعة 2:186،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:196،الباب 9 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:187،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

ولا فرق بین خروجه من المخرج المعتاد أو غیره[1]

--------------

لا فرق فی خروج المنی من الموضع المعتاد ومن غیره

[1]

الوارد فی الروایات فی الجنابة بغیر الدخول عنوان الإمناء والإنزال وخروج المنی حتّی فی قول علیّ علیه السلام:«إنّما الغسل من الماء الاکبر» (1) المراد خروجه؛ ولذا فرّع فی ذیله سلام الله علیه «فإذا رأی فی منامه ولم یرَ الماء الأکبر فلیس علیه غسل» وعلیه فلو خرج المنی من الموضع المعتاد فلا تأمّل فی حصول الجنابة،کان مع الصفة أم لا،علی ما تقدّم،وکذا فیما إذا خرج من غیر موضعه ولکن کان ذلک اعتیاداً له؛ لصدق العناوین المزبورة.وما فی صحیحة عبداللّٰه بن سنان المتقدّمة:«ثلاث یخرجن من الإحلیل وهنّ:المنی وفیه الغسل» (2) راجع إلی خروج منیّ الرجل بحسب الخلقة الأصلیّة،ولا دلالة لها علی أنّ الخارج من غیره لا یکون منیّاً أبداً.

نعم،ظاهر بعض أنّه إذا لم یکن اعتیاد فلا یوجب خروجه منه الجنابة،وعن بعض آخر الخروج من غیر الموضع یوجب الجنابة مع انسداده،وعن بعض اعتبار صدق الإنزال أو الإمناء بحسب المتفاهم العرفی فلو استخرج المنی من إنسان بالآلات الطبیّة ممّا لا یصدق علیه الإنزال والإمناء لم یجب علیه الاغتسال.

أقول: قد ذکرنا فی بحث نواقض الوضوء أنّ المتفاهم العرفی من الروایات الواردة فیها أنّ خروج البول أو خروج الغائط والمنیّ ناقض،سواء کان خروجها بنحو الاعتیاد ومن مخرجها أم لا،وأن ذکر ما یخرج من الطرفین الأسفلین فی جملة من الروایات عنوان مشیر إلی خروجها حیث یکون خروجها بمقتضی الخلقة منها.

وبتعبیر آخر،ذکر الطرفین الأسفلین لیس من تقیید ناقضیتها،بل لبیان أنّ غیرها

ص :260


1- (1)) وسائل الشیعة 2:196 - 197،الباب 9 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:280،الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 14.

والمعتبر خروجه إلی خارج البدن،فلو تحرّک من محلّه ولم یخرج لم یوجب الجنابة [1]

وأن یکون منه [2]

فلو خرج من المرأة منیّ الرجل لا یوجب جنابتها إلّا مع العلم باختلاطه بمنیّها.

--------------

ممّا لا یخرج منها بحسب الخلقة کالقیء أو لا ینحصر خروجه بالخروج منها کالدم وغیر ذلک لا یوجب نقض الوضوء وعلیه فلو لم یکن خروج المنی ولو بإخراجها بالآلات الطبیّة موجباً للجنابة هوالأظهر فلا ینبغی التأمّل فی عدم جواز ترک الاحتیاط وإن کان مقتضی الصناعة مع عدم إحراز اعتبار الجنابة بخروج شیء الاکتفاء بالوضوء،کما لا یخفی.

المعتبر خروج المنی إلی خارج البدن

[1]

لأنّه لا یصدق مع عدم خروج المنی إلی الخارج شیء من العناوین الواردة فی الروایات،والظاهر أنّ مجرّد حرکة المنیّ من محلّه غیر موجب للجنابة اتفاق بین الفریقین.

خروج ماء الرجل من المرأة

[2]

فإنّه مضافاً إلی أنّ عنوان الإمناء أو الإنزال لا یصدق بخروج ماء الرجل من المرأة وظاهر خروج الماء الأکبر کون الماء ممّن خرج،یشهد للحکم مثل موثّقة سلیمان بن خالد المرویّة فی التهذیبین والکافی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن یبول فخرج منه شیء؟ قال:یعید الغسل.قلت:فالمرأة یخرج منها شی بعد الغسل؟ قال:لا تعید.قلت:فما الفرق بینهما؟ قال:لأنّ ما یخرج من المرأة إنّما هو ماء الرجل (1) .ونحوها غیرها ومقتضاها کمقتضی ما تقدّم أنّه لو

ص :261


1- (1)) الاستبصار 1:118،الحدیث الأوّل،التهذیب 1:143،الحدیث 95؛ الکافی 3:49،الحدیث الأوّل.

وإذا شکّ فی خارج أنّه منیّ أم لا اختبر بالصفات من الدفق والفتور والشهوة، فمع اجتماع هذه الصفات یحکم بکونه منیّاً وإن لم یعلم بذلک،ومع عدم اجتماعها ولو بفقد واحد منها لا یحکم به[1]

إلّاإذا حصل العلم.

--------------

خرج ماؤها بعد اغتسالها مختلطاً بماء الرجل یکون خروجه موجباً لجنابتها.

إذا شک فی الخارج منه أنه منی أم لا

[1]

ذکر جمع من الأصحاب أنّه مع اشتباه البلل الخارج وعدم العلم بکونه منیّاً تعتبر الأوصاف أمارة بکونه منیّاً،والمراد مجموع الأوصاف من اللذة من خروجه وحصول الفتور للإنسان وکون خروجه بالدفق،وهذا بالإضافة إلی الرجل الصحیح.

وبتعبیر آخر،کما جعل خروج البلل بعد الجنابة بالإنزال والاغتسال قبل الاستبراء بالبول أمارة بکون ذلک البلل منیّاً کذلک اجتماع الأوصاف فی خروج البلل،ولوتخلّف شی من الأوصاف فی الرجل الصحیح لا یحکم بکونه منیّاً.

ویستدل علی ذلک بصحیحة علیّ بن جعفر المتقدّمة عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال:سألته عن الرجل یلعب مع المرأة ویقبّلها فیخرج منه المنی فما علیه؟ قال:إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعلیه الغسل،وإن کان إنّما هو شیء لم یجد له فترة ولا شهوة فلا بأس» (1) بدعوی أنّ ظاهر الشرطیّة الأُولی اجتماع الأوصاف فی الحکم بکون البلل منیّاً،والشرطیّة الثانیة تأکید لمفهومها،وترک ذکر الدفع فیها؛ لکون الدفع ملازماً لحصول الفتور والشهوة،وأما کون الشرطیة الأُولی تنویعاً للمنیّ فلا یوجب مجرّد خروج المنی الجنابة،بل فیما إذا کان خروجه مع الأوصاف فقد تقدّم أنّ هذا غیر محتمل فی الروایة خصوصاً بملاحظة أنّ المروی

ص :262


1- (1)) وسائل الشیعة 2:194،الباب 8 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

..........

عن کتاب علی بن جعفر:«فیخرج منه الشی» (1) .

وقد یناقش فی دلالة الصحیحة علی کون مجموع الأوصاف أمارة بوجهین:

الأوّل:أنّه لم یظهر منها کون الشرطیّة الثانیة بیان لمفهوم الشرطیة الأُولی أو لبعض مفهومها حیث لم تذکر بقاء التفریع فیمکن أن تکون الشرطیّة الثانیة أصلاً، وأنّه إذا لم یکن فی البلل الخارج شیء من أوصاف المنی لا شهوة ولا فتور بخروجه فلا یحکم بکونه منیّاً،فیکون مفهومها إذا کان فیه شیء من الأوصاف فیحکم بکونه منیّاً غایة الأمر ذکر اجتماع الأوصاف فی الشرطیة الأُولی باعتبار أنّ أحد تلک الأوصاف فی البلل الخارج من الرجل الصحیح یلازم الآخرین،والمفهوم حقیقة للشرطیّة الثابتة إذا جاءت الشهوة أو دفع أو فتر لخروجه فعلیه الغسل.

ولکن یمکن الجواب عن هذه المناقشة بأنّ عدم ذکر الدفع فی الشرطیّة الثانیة وذکره فی الأُولی قرینة علی کون الأُولی أصلاً مع ذکرها أوّلاً وإن لم یکن مجرّد ذکر أحد الشرطیتین أوّلاً قرینة علی کونها أصلاً،ویشهد بعدم کون الشهوة مجرّداً أو مع إحساس الفتور کافیاً فی الحکم بکون البلل الخارج من الرجل الصحیح منیّاً صحیحة عبداللّٰه بن یعفور،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:قلت له:الرجل یری فی المنام ویجد الشهوة فیستیقظ فینظر فلا یجد شیئاً ثمّ یمکث الهوین بعد فیخرج،قال:إن کان مریضاً فلیغتسل وإن لم یکن مریضاً فلا شیء علیه قلت:فما الفرق بینهما؟ قال:لأنّ الرجل إذا کان صحیحاً جاء الماء بدفقة قویّة،وإن کان مریضاً لم یجئ إلّابعد» (2) فإنّ ظاهرها عدّ الحکم علی البلل الخارج من الرجل السالم بکونه منیّاً بلا دفع وأنّه یحکم علی الخارج من المریض بشهوة بکونه منیّاً ولو مع عدم الدفع.

ص :263


1- (1)) مسائل علی بن جعفر علیه السلام:157،الحدیث 230
2- (2)) وسائل الشیعة 2:195،الباب 8 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.

..........

الوجه الثانی:أنّ ما ورد فی صحیحة علیّ بن جعفر من قوله علیه السلام:«إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه فعلیه الغسل» (1) بیان لما هو یختلف بها المنی عن غیره من البلل تکویناً لا بیان للطریق التعبدی،فمع الأوصاف المزبورة یعلم بخروج المنی وجداناً، ومع عدمها یعلم بعدم خروجه،ولکن الظاهر ضعف هذا الوجه من المناقشة أیضاً، فإنّ اجتماع الأوصاف المزبورة وإن یوجب العلم بکون الخارج منیّاً إلّاأنّ عدم بعضها لا یوجب العلم بعدم خروجه،والشارع جعل عدم اجتماعها أمارة علی عدم کون الخارج منیّاً،ویکشف عن جعل عدم الاجتماع طریقاً التعلیل فی صحیحة عبداللّٰه بن أبی یعفور بأنّه إذا:«کان مریضاً لم یجئ إلّابعد» (2) أو بضعف فإنّه من الظاهر أنّ هذا لیس أمراً دائمیّاً لکلّ مریض،کما أنّ الخروج بالدفق لیس أمراً دائمیّاً للرجل الصحیح.

أضف إلی ذلک أنّ بیان الطریق الاعتباری داخل فی بیان الحکم الذی هو الأصل فی الکلام الصادر عن الإمام علیه السلام بخلاف بیان الممیّز الخارجی للمنی عن غیره تکویناً کما لا یخفی.

وممّا ذکرنا یظهر الوجه فی الاحتیاط بالجمع بین الوضوء والغسل فی صورة تخلّف الفتور وحصول الشهوة والدفق فیما إذا کان الرجل صحیحاً،وفی الخروج بشهوة من غیر فتور ودفع فیما إذا کان الرجل مریضاً،کما هو ظاهر صحیحة ابن أبی یعفور فإنّ هذا الاحتیاط مبنیّ علی المناقشة الأُولی فی صحیحة علیّ بن جعفر وملاحظة ضعف السند فی مرسلة ابن رباط،عن بعض أصحابنا،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«یخرج من الإحلیل المنی والمذی والودی والوذی،فأمّا المنیّ فهو الذی

ص :264


1- (1)) وسائل الشیعة 2:194،الباب 8 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:195،الباب 8 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.

وفی المرأة والمریض یکفی اجتماع صفتین[1]

وهما الشهوة والفتور

--------------

تسترخی له العظام،ویفتر منه الجسد وفیه الغسل» (1) فإنّ ظاهرها أنّ مع عدم الاسترخاء والفتور لا یحکم علی الخارج بالمنی،وملاحظة ما یظهر من صحیحة بن أبی یعفور کما مرّ،ومقتضی ذلک أیضاً فی المریض صحیحة معاویة بن عمار قال:

سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل احتلم فلمّا انتبه وجد بللاً قلیلاً،قال:«لیس بشیء إلّا أن یکون مریضاً فإنّه یضعف،فعلیه الغسل» (2) وصحیحة زرارة قال:«إذا کنت مریضاً فأصابتک شهوة،فإنّه ربّما کان هو الدافق لکنّه یجیء مجیئاً ضعیفاً لیست له قوة لمکان مرضک ساعة بعد ساعة قلیلاً قلیلاً فاغتسل منه» (3)

یکفی فی المرأة والمریض الشهوة والفتور

[1]

أمّا المریض فقد تقدّم الکلام فیه.

وأمّا المرأة فالقول بأنّه یکفی الشهوة والفتور فی الحکم بأنّ الخارج منها منیّ؛ لانتفاء الدفق عادة فی خروج مائها فیکون غیره من الشهوة والفتور معتبراً فی منیّها.

وربّما یستشکل فی ذلک بأنّها لو أحرزت أنّ الخارج منها من البلل منیّ فهو وإلّا فلا دلیل علی کون الصفة طریقاً فی مائها تعبّداً،وما فی الروایات:«إذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب علیها الغسل» (4) أو «إن أنزلت فعلیها الغسل» (5) ناظرة إلی بیان جنابة المرأة بالإمناء وإنزال منیّها وأنّه لا تختص الجنایة بالإنزال بالرجال،وأمّا أنّ ما

ص :265


1- (1)) وسائل الشیعة 2:190،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 17.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:194،الباب 8 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:196،الباب 8 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:187،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:187،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.

..........

یخرج منها عن شهوتها من البلل یحکم علیه بالمنی مع حصول الفتور أو بدونه أیضاً حتّی فیما إذا احتملت أنّه بلل آخر کالمذی فلیس ذلک من مدلولها.

نعم،یکون عادة إنزالها وإمناؤها عند هیجان شهوتها بالاحتلام أو بغیره؛ ولذا ذکر مجیء الشهوة أو تحرّک شهوتها فی تلک الروایات ففی روایة معاویة بن حکیم سمعت أبا عبداللّٰه علیه السلام یقول:«إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم یجامعها فی نوم کان ذلک أو فی یقظة فإنّ علیها الغسل» (1) ولکن یمکن دعوی أنّ بعض الروایات الواردة فی وجوب الغسل علی المرأة بإمنائها وإنزالها المنی وإن کان کذلک إلّاأنّ بعضها الآخر ظاهر فی لزوم الغسل إذا جاءتها الشهوة فأنزلت،بلا فرق بین إحراز کون الخارج منها منیاً أو کان مشکوکاً،بأن احتملت أنّ الخارج مذی کصحیحة إسماعیل بن سعد الأشعری المتقدّمة حیث إنّ قوله علیه السلام فیها:«إذا أنزلت من شهوة فعلیها الغسل» (2) یعمّ ما إذا احتملت أنّ الخارج مع الشهوة مثل المذی ولا بأس بکون الحکم الوارد فی الروایة بالإضافة إلی بعض الموارد واقعیاً نفسیاً أو غیریاً،وبالإضافة إلی بعضها طریقیاً،ومثلها ما فی روایة محمّد بن الفضیل من قوله علیه السلام:«إذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب علیها الغسل» (3) .

وعلی کلّ تقدیر فلم یرد فی الروایات مایدّل أو یستظهر منه اعتبار الفتور فی إنزال المرأة فإنّ صحیحة علی بن جعفر واردة فی إنزال الرجل،وکذلک مرسلة ابن رباط المتقدّمة حیث إنّ الوارد فیها بیان أقسام ما یخرج من الإحلیل،وعلیه فلو استظهر من بعض الروایات الوارد فی إنزال المرأة عمومها لصورة عدم إحراز کون

ص :266


1- (1)) وسائل الشیعة 2:189،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 14.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:186،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:187،الباب 7 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

الثانی:الجماع وإن لم ینزل[1]

،ولو بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها فی القبل

--------------

الخارج منیّاً فالمتعیّن فی الحکم بجنابتها بإنزالها خروج البلل منها مع الشهوة.

ثمّ إنّ الشکّ فی خروج المنی داخل فی الشبهة الموضوعیّة،سواء شکّ فی أصل خروج البلل المشتبه أو علم خروج البلل وشک فی کونه منیّاً،فلا یجب الفحص عن خروجه أو الفحص عن کون الخارج منیّاً ولو بالفحص عن کونه واجداً لمّا یعتبر فی الحکم علیه بأنّه منی،بل المرجع هو استصحاب عدم خروج المنیّ منه وعدم جنابته فیکتفی فی صلاته بالوضوء.

نعم،لو علم بخروج البلل ودار أمره بین البول والمنی فقد ذکروا أنّه لو کان متطهّراً قبل خروجه من الحدثین الأصغر والأکبر یجب الجمع علیه بین الوضوء والغسل فإنّه مقتضی العلم الإجمالی بوجوب أحدهما وإن أمکن فی الفرض الفحص وتعیین حال البلل من کونه منیاً أم بولاً یجوز له الجمع أو العمل بما یتعیّن بعد الفحص،وأمّا إذا دار أمر البلل بین البول والمنیّ وکان محدثاً بالأصغر قبله یکتفی بالوضوء،ویأتی الکلام فی الفرق بین کون الحالة السابقة علی البلل طهارة أو حدثاً أصغر،إن شاءاللّٰه تعالی.

الثانی:الجماع

[1]

وجوب الغسل علی کلّ من الرجل والمرأة بالإدخال فی قبلها متسالم علیه بین الأصحاب،بلا فرق بین الإنزال معه أم لا،کما أنّ المعیار فی الدخول غیبوبة الحشفة ممّا لا کلام فیه،وفی صحیحة محمّد بن إسماعیل قال:سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یجامع المرأة قریباً من الفرج فلا ینزلان متی یجب الغسل؟ فقال:إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل،فقلت:التقاء الختانین هو غیبوبة الحشفة؟ قال:نعم (1) .

ص :267


1- (1)) وسائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

..........

وفی صحیحة عبیدالله بن الحلبی قال:سئل أبو عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یصیب المرأة فلا ینزل أعلیه غسل؟ قال:کان علیّ علیه السلام یقول:إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل،وکان علیّ علیه السلام یقول:کیف لا یوجب الغسل والحدّ یجب فیه؟ وقال:یجب علیه المهر والغسل (1) .

وفی صحیحة زرارة،عن أبی جعفر علیه السلام قال:جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبیّ صلی الله علیه و آله فقال:ما تقولون فی الرجل یأتی أهله فیخالطها ولا ینزل؟ فقالت الأنصار:

الماء من الماء،وقال المهاجرون:إذا التقی الختانان فقد وجب علیه الغسل،فقال عمر لعلی علیه السلام:ما تقول یا أبا الحسن؟ فقال علیّ علیه السلام:أتوجبون علیه الحدّ والرجم ولا توجبون علیه صاعاً من ماء؟ إذا التقی الختانان فقد وجب علیه الغسل،فقال عمر:القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار (2) .إلی غیر ذلک.

ولا ینافی ذلک ما تقدّم فی الجنابة بالإنزال قول علی علیه السلام:«إنّما الغسل من الماء الأکبر» (3) فإنّ الحصر المزبور راجع إلی ما یخرج من الفرج من البلل وأنّ الغسل منه ینحصر بالمنی لا بخروج غیره،ولو سلّم الإطلاق فلا ینبغی التأمّل فی أنّ مقتضی الجمع العرفی بینه وبین هذه الروایة تقیید القضیّة السالبة المعبّر عنها بالمفهوم بمنطوق هذه الأخبار،حیث إنّ المستفاد من قول علیّ علیه السلام إنّ الغسل یجب فی خروج المنی ولا یجب فی شیء آخر أصلاً،فیرفع الید عن هذا الإطلاق بما دلّ علی ثبوته فی غیبوبة الحشفة والتقاء الختانین حتّی مع عدم الإنزال.

ص :268


1- (1)) وسائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:184،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:196 - 197،الباب 9 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

وممّا ذکر یظهر الحال فی روایة محمّد بن عذافر قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام:

...

--------------

متی یجب علی الرجل والمرأة الغسل؟ فقال:«یجب علیهما الغسل حین یدخله، وإذا التقی الختانان فیغسلان فرجهما» (1) فإنّ الروایة علی تقدیر الإغماص عن سندها ظاهرها الالتقاء بلا دخول ذکر ولو بالحشفة،وعلی فرض الإطلاق یرفع الید عنه بحمله علی صورة مجرّد المماسة من غیر دخول الحشفة جمعاً بینها وبین بعض الروایات المتقدّمة الواردة فی الدخول بالحشفة مع عدم الإنزال.

و أمّا المناقشة فی سندها بالقطع فهو غیر صحیح؛ لأنّ نوادر محمّد بن علی بن محبوب کان عند ابن إدریس بخطّ الشیخ قدس سره فیروی عن الشیخ قدس سره وطریق الشیخ إلی نوادره وغیره معروف مذکور والعمدة أنّ فی السند محمّد بن عمر بن یزید الراوی لکتاب محمّد بن عذافر کما لا یخفی.

وعلی الجملة،فالتقاء الختانین بلا غیبوبة الحشفة لا یوجب الغسل مع عدم الإنزال ومع غیبوبتها بالدخول یجب الغسل علی کلّ من الرجل والمرأة.

وأمّا صحیحة علیّ بن یقطین قال:سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یصیب الجاریة البکر لا یفضی إلیها ولا ینزل علیها،أعلیها غسل؟ وإن کانت لیست ببکر ثمّ أصابها ولم یفض ِ إلیها،أعلیها غسل؟ قال:«إذا وقع الختان علی الختان فقد وجب الغسل،البکر وغیر البکر» (2) فالمراد بوقوع الختان علی الختان فیها الوقوع داخل الختان الموجب لحصول غیبوبة الحشفة ولو جمعاً بینها وبین صحیحة محمّد بن إسماعیل.

وبتعبیر آخر،یرفع الید عن إطلاقها من حیث الوقوع علی ظاهر الختان أو داخله بحملها علی الوقوع علی داخله أخذاً بالتقیید فی صحیحة ابن بزیع.

ص :269


1- (1)) وسائل الشیعة 2:185،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 9.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.

..........

وأمّا فی مقطوع الحشفة فالمشهور أنّ الدخول بمقدارها من مقطوعها یوجب الجنابة فإنّ احتمال أنّ مقطوعها لا یکون جنباً بالدخول أصلاً وینحصر جنابته بالإنزال فقط لا موجب له؛ فإنّ المستفاد من عدة روایات أنّ الدخول الموجب للغسل هو الموجب للحدّ واستقرار المهر،وفی صحیحة محمّد بن مسلم،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن الرجل والمرأة متی یجب علیها الغسل قال:«إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (1) .

وفی صحیحة داود بن سرحان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر» (2) .

وفی صحیحة عبداللّٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قیل له:فإن کان واقعها فی الفرج ولم ینزل؟ قال:«إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدّة» (3) وکما أنه یستفاد منها أنّ وجوب الغسل یلازم ثبوت الحدّ ولزوم المهر واستقراره،کذلک یستفاد من صحیحة الحلبی أنّ لزوم الحدّ أو المهر یلازم وجوب الغسل قال:سئل أبو عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یصیب المرأة فلا ینزل،أعلیه غسل؟ قال کان علیّ علیه السلام یقول:إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل،قال:وکان علیّ علیه السلام یقول:کیف لا یوجب الغسل والحدّ یجب فیه؟ وقال:یجب علیه المهر والغسل» (4) والظاهر أنّ الدخول الموجب لثبوت الحد سواء کان جلد المئة أو الرجم یلازم لزوم المهر ووجوب الغسل،وعلیه فلا ینبغی التأمّل فی تحقّق الزنا من مقطوع الحشفة وثبوت

ص :270


1- (1)) وسائل الشیعة 2:182،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 21:320،الباب 54 من أبواب المهور،الحدیث 5.
3- (3)) وسائل الشیعة 21:319،الباب 54 من أبواب المهور،الحدیث الأوّل.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

..........

الحدّ علیه فلازم ذلک ثبوت وجوب الغسل.

وممّا ذکر یظهر وجه الاستدلال علی وجوب الغسل فی دخول مقطوع الحشفة بصحیحة زرارة المتقدّمة والمناقشة فی قول علیّ علیه السلام أنّه کان علی طریق الاستدلال الإلزامی وإلّا فلا ملازمة بین شیء من ثبوت الحدّ وثبوت المهر ووجوب الغسل فإنّ الحدّ یثبت فی سائر الموارد من غیر ثبوت الآخرین والمهر یثبت بالإفضاء من دون ثبوت الغسل،والغسل یثبت من غیر ثبوت شیء من الحدّ والمهر لا یمکن المساعدة علیها؛ لما تقدّم من أنّ المستفاد من الروایات أنّ الموضوع فی کلّ من ثبوت حدّ الزنا و وجوب المهر - یعنی استقراره - و وجوب الغسل هو الدخول بالمرأة ولو بلا إنزال، وأنّ الدخول إذا ثبت فیه الحدّ ثبت فیه الغسل،وقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی:

«وکان علی علیه السلام یقول» ظاهره الاستمرار علیه واستشهاده علیه السلام للحکم بقول علیّ علیه السلام قرینة جلیة علی أنّ قوله علیه السلام لم یقع لمجرد الاستدلال الإلزامی.

وعلی ذلک فیدور الأمر بین أن یکون الموجب فی مقطوع الحشفة الدخول بمقدارها أو مسمّی الدخول ولو بأقلّ من مقدار الحشفة أو الدخول بها بتمام ذکره، والأظهر من الوجوه هو الثانی؛ لأنّ وجوب الغسل قد علّق علی عنوان الدخول والإیلاج وإدخال الذکر والمواقعة فی الفرج فیکون المعیار بصدقها،غایة الأمر یکون فی من له الحشفة الملاک غیبوبتها،والتحدید بغیبوبة مقدارها فی مقطوعها لم یقم علیه قرینة لیکون نظیر تحدید مسیرة یوم فی قصر الصلاة بثمانیة فراسخ أو تحدید خفاء الجدران بمقدار بعد لو کانت جدران لم تشاهد،حیث إنّ المتفاهم العرفی ممّا ورد فی القصر مع خفاء الجدران لحاظ البعد لا أنّ للجدران موضوعیّة بخلاف المقام کما لا یخفی.

ص :271

أو الدبر[1]

،من غیر فرق بین الواطئ والموطوء.

--------------

وطء المرأة دبراً

[1]

یقع الکلام فی وطء المرأة فی دبرها وأنّه یوجب الغسل علیهما وإن لم ینزلا کما علیه المشهور أو أنّه یجب الغسل علی الرجل خاصّة مع إنزاله أو علیها أیضاً مع إنزالها بذلک،وفی الحدائق (1) نقل جمع (2) من الأصحاب رضوان الله علیهم عن المرتضی رضی الله عنه أنّه قال:«لا أعلم خلافاً بین المسلمین فی أنّ الوطء فی الموضع المکروه من ذکر أو أُنثی یجری مجری الوطء فی القبل مع الإیقاب وغیبوبة الحشفة فی وجوب الغسل علی الفاعل والمفعول به وإن لم یکن أنزل،ولا وجدت فی کتب الإمامیة إلّاذلک ولا سمعت ممّن عاصرنی منهم من شیوخهم نحواً من ستّین سنة یفتی إلّابذلک فهذا إجماع من الکلّ،واتصل لی فی هذه الأیام عن بعض الشیعة الإمامیة أنّ الوطء فی الدبر لا یوجب الغسل تعویلاً علی أنّ الأصل عدم الوجوب أو علی خبر یذکر أنّه فی منتخبات سعد أو غیره وهذا ممّا لا یلتفت إلیه» انتهی.

أقول: یظهر من الشیخ قدس سره فی الاستبصار عدم کون الوطء فی دبرها موجباً للغسل مع عدم الإنزال،حیث أورد فی باب الرجل یجامع المرأة فیما دون الفرج فینزل هو دونها بعض الروایات التی مفادها أنّ إتیان المرأة فیما دون فرجها لا یوجب الغسل علیها إذا أنزل الرجل ولم تنزل هی وجعل من تلک الأخبار مرفوعة البرقی قال:«إذا أتی الرجل المرأة فی دبرها فلم ینزل فلا غسل علیهما وإن أنزل فعلیه الغسل ولا غسل علیها» (3) .

ثمّ تعرّض لمرسلة حفص بن سوقة،عمن أخبره،قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام

ص :272


1- (1)) الحدائق الناضرة 3:4 - 5.
2- (2)) منهم العلامة فی المختلف 1:328،والسید فی المدارک 1:272،والسبزواری فی ذخیرة المعاد:49.
3- (3)) الاستبصار 1:112،الحدیث 371.

..........

عن الرجل یأتی أهله من خلفها؟ قال:«هو أحد المأتیین فیه الغسل» (1) وعلّق علیها أنّ هذه تنافی الأخبار المتقدّمة الدالّة علی أنّ الدخول بالمرأة فی غیر فرجها لا یوجب الغسل علیها وأنّه لا یصحّ الأخذ بهذه؛ لأنّها خبر واحد مرسل لا یعارض الأخبار المسندة.

أقول: ربّما یناقش فی دلالتها أیضاً بأنّ إتیان المرأة من خلفها لیس هو وطؤها فی دبرها فإنّه فرق واضح بین الإتیان بها فی خلفها وبین إتیان خلفها،فظاهر الثانی هو وطؤها فی الدبر،بخلاف الأوّل فظاهره الإدخال فی قبلها من خلفها.

ولکن المناقشة کما تری أیظن أحد أن کان السائل یحتمل أنّه لا یجب الغسل فی إدخال الذکر فی قبلها من الخلف،وإنّما یجب الغسل إذا أدخله فی قبلها من غیر الخلف حتّی یجاب عنه بأنّ الخلف أحد المأتیین وفیه الغسل مع أنّ ظاهر المأتیین موضع الإتیان والوطء کما هو ظاهر.

واستظهر عدم کون وطء المرأة فی دبرها موجباً للجنابة من غیر إنزال من عبارته فی النهایة أیضاً حیث ذکر فیها أنّ موجب الجنابة شیئین الإنزال والآخر التقاء الختانین (2) ،حیث إنّ التقاء الختانین ظاهره الوطء فی القبل،وقریب إلی ذلک المحکی عن سلّار (3) .

وکیف کان فالأخبار الواردة فی خصوص وطء المرأة فی دبرها هی مرسلة حفص بن سوقة المتقدّمة الظاهرة فی کونه موجباً لجنابة الرجل والمرأة،ومرفوعة البرقی التی أوردها فی الاستبصار وجعلها ممّا یدلّ علی عدم حصول الجنابة بالوطء

ص :273


1- (1)) الاستبصار 1:112،الحدیث 373.
2- (2)) النهایة:19.
3- (3)) حکاه العلّامة فی المختلف 1:324،و انظر المراسم:41.

..........

فی غیر الفرج،ومرفوعة بعض الکوفیین،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الرجل یأتی المرأة فی دبرها وهی صائمة،قال:«لا ینقض صومها ولیس علیها غسل» (1) وبما أنّ کلّاً من المثبت والنافی ضعیف سنداً فلا یمکن الاعتماد علی شیء منها.

وأمّا الاستدلال علی عدم کون الدخول فی دبرها موجباً لجنابتها بما ورد فی صحیحة الحلبی من قوله علیه السلام کان علیّ علیه السلام یقول:«إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل» (2) وقول الرضا علیه السلام فی صحیحة ابن بزیع:«إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل» (3) لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ مدلولهما أنّ الجنابة بالدخول فی قبل المرأة لا یتوقّف علی إدخال تمام الذکر وکما أنّ هذا الظاهر لا ینافی الجنابة بالإنزال من غیر دخول،کذلک لا ینافی الجنابة بالدخول فی غیر قبلها،وربّما یستظهر عدم الجنابة بوطئها فی دبرها من صحیحة الحلبی،قال:سئل أبوعبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یصیب المرأة فیما دون الفرج أعلیها غسل إن هو أنزل ولم تنزل هی؟ قال:

«لیس علیها غسل،وإن لم ینزل هو فلیس علیه غسل» (4) بدعوی أنّ دون الفرج هو دون قبلها سواء کان المراد به قریب قبلها أو غیر قبلها فیشمل الإتیان بها فی دبرها.

وقریب منها صحیحة أبی مریم قال:قلت لأبی جعفر علیه السلام:ما تقول فی الرجل یتوضّأ ثمّ یدعو جاریته فتأخذ بیده حتّی ینتهی إلی المسجد؟ فإنّ من عندنا یزعمون أنّها الملامسة،فقال:«لا واللٰه ما بذلک بأس،وربّما فعلته وما یعنی بهذا «أَوْ لاٰمَسْتُمُ

ص :274


1- (1)) و سائل الشیعة 2:200،الباب 12 من أبواب الجنابة ،الحدیث 3.
2- (2)) و سائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة ،الحدیث 4.
3- (3)) و سائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة ،الحدیث 2.
4- (4)) و سائل الشیعة 2:199،الباب 11 من أبواب الجنابة ،الحدیث الأول .

...

--------------

اَلنِّسٰاءَ» إلّاالمواقعة فی الفرج» (1) ووجه الاستظهار هو ظهور الفرج والمواقعة فیه هو وطؤها فی قبلها،ولکن لا یخفی أنّ کون المراد بالفرج هو قبلها خاصّة غیر معلوم، ولو لم یکن فرجها ظاهراً فی الأعمّ من القبل والدبر،حیث قد یطلق الفرج ویراد به الذکر کما فی قوله سبحانه: «اَلَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ » (2) .

وقد یطلق ویراد به الدبر ففی موثّقة سماعة قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یمسّ ذکره أو فرجه أو أسفل من ذلک وهو قائم یصلّی یعید وضوءه (3) ، ولا أقلّ من احتمال أن یکون المراد منه الأعمّ فیؤخذ فی مورد الإجمال بالإطلاق فی سائر الروایات کقوله علیه السلام فی صحیحة عبداللّٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:

«ملامسته النساء هو الإیقاع بهن» (4) ولو شمل مثل هذه الإیقاع فی غیر القبل والدبر فیرفع الید عنه؛ لأنّ غیرهما لیس بفرج قطعاً،وقد دلّت الروایات ومنها ما تقدّم علی أنّ الإیقاع فی غیر الفرج لا یوجب الغسل ما لم یکن إنزال.

وبتعبیر آخر لا إجمال فی تلک الروایات من حیث دلالتها علی أنّ الإیقاع فی غیر قبلها ودبرها لا یوجب الغسل ما لم یکن إنزال،وفی مورد إجمالها یؤخذ بالإطلاق المزبور،کما یقرب إلی هذا الوجه التمسّک بإطلاق قوله سبحانه: «أَوْ لاٰمَسْتُمُ النِّسٰاءَ (5) » حیث علم أنّ اللمس فی غیر الوطء فی قبلها ودبرها لا یوجب شیئاً ما لم یکن إنزال،وأمّا الوطء فی دبرها فیؤخذ بالآیة کما یؤخذ بها فی وطئها فی

ص :275


1- (1)) وسائل الشیعة 1:271،الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 4.
2- (2)) سورة المؤمنون:الآیة 5.
3- (3)) وسائل الشیعة 1:272،الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 8.
4- (4)) وسائل الشیعة 21:319،الباب 54 من أبواب المهور،الحدیث 2.
5- (5)) سورة النساء:الآیة 43.و سورة المائدة:الآیة 6.

..........

قبلها،وإن کان التقریب فی الآیة مشکلاً؛ لأنّ اللمس فیها یراد به الوطء بالکنایة لا بالتقیید،والمکنی عنه مردّد بین الوطء فی قبلها أو فی الأعمّ فتکون مجملة، بخلاف صحیحة عبداللّٰه بن سنان فإنّ:«الإیقاع بهن» (1) ظاهرها وطیهنّ والإدخال بهنّ فیرفع الیدعن إطلاقها فی خصوص الإدخال فی غیر الموضعین؛ لأنّ غیرهما لیس من فرجها قطعاً،وبهذا یظهر وجه التمسّک بقوله علیه السلام فی صحیحة محمّد بن مسلم،عن أحدهما علیهماالسلام قال:سألته متی یجب الغسل علی الرجل والمرأة؟ فقال:«إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (2) حیث إنّ ظاهرها أنّ الموضوع لوجوب الغسل علی کلّ من المرأة والرجل إدخال الرجل ذکره فیرفع الید عن إطلاقها فی إدخال الذکر فی غیر الموضعین هذا بالإضافة إلی الوطء فی دبر المرأة.

وأمّا فی وطء دبر الذکر فلیس فی البین ما یعتمد علیه فی الحکم بجنابة الموطوء أو الواطئ فیما إذا لم یکن إنزال.

نعم،قد تقدّم حکایة دعوی الإجماع عن السید المرتضی وأنّ عدم الفرق فی الموطوء بین المرأة والرجل مشهور بین الأصحاب وما یمکن الاستدلال علیه دعوی الملازمة بین إیجاب الحدّ ووجوب الغسل المستفادة من صحیحتی عبیداللّٰه بن علی الحلبی وزرارة المتقدّمتین (3) وبإطلاق بعض الأخبار الدالّة علی أنّه یجب الغسل بإدخال الرجل ذکره (4) وبإیلاجه (5) ،وبحسنة أبی بکر الحضرمی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام

ص :276


1- (1)) تقدم تخریجها فی الصفحة السابقة.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:182،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
3- (3)) فی الصفحة:268.
4- (4)) تقدمت آنفاً.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:185،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.

.

--------------

قال:«قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله:من جامع غلاماً جاء یوم القیامة جنباً لا ینقیه ماء الدنیا» (1) الحدیث.

أقول: أمّا الملازمة بین لزوم الحدّ ووجوب الغسل فهی فی وطء المرأة فی قبلها أو مطلقاً علی ما تقدّم،وبتعبیر آخر الملازمة بین لزوم حدّ الزنا من الجلد والرجم وبین وجوب الغسل،فمفاد صحیحة الحلبی ثبوت الملازمة بین لزوم الغسل واستقرار المهر ووجوبه ووجوب الحدّ،وهذا یختصّ بالدخول بالمرأة،وکذلک مفاد صحیحة زرارة حیث إنّ المفروض أنّ الرجل یأتی أهله فیخالطها ولا ینزل فقال علیّ علیه السلام:«أتوجبون علیه الحدّ والرجم ولا توجبون علیه صاعاً من الماء (2) ؟»

وممّا ذکر یظهر حال التمسّک بالإطلاق فی مثل صحیحة محمّد بن مسلم فی قوله علیه السلام:«إذا أدخله وجب الغسل والمهر» (3) ووجه الظهور أنّ ظاهر حکم دخول الرجل بالمرأة بقرینة السؤال عن وقت لزوم الغسل علی الرجل والمرأة،وکذلک فی روایة البزنطی قال:سألته ما یوجب الغسل علی الرجل والمرأة؟ قال:«إذا أولجه وجب الغسل والمهر والرجم» (4) وأمّا حسنة أبی بکر الحضرمی (5) فمفادها الجنابة التی لا ترفع بماء الدنیا،والکلام فی المقام فی ثبوت الجنابة التی ترتفع بمائها.

نعم،کما أشرنا إلیه من دعوی الإجماع وارتکاز المتشرّعة بعدم الفرق فی الأدخال بین دبر المرأة والغلام فلا یترک الاحتیاط بترک الاغتسال فیما إذا کان

ص :277


1- (1)) وسائل الشیعة 20:329،الباب 17 من أبواب النکاح المحرم...،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:184،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
3- (3)) وسائل الشیعة 21:320،الباب 54 من أبواب المهور،الحدیث 9.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:185،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.
5- (5)) المتقدّمة آنفاً.

والرجل والمرأة،والصغیر والکبیر[1]

،والحیّ والمیّت،والاختیار والاضطرار،فی النوم أو الیقظة،حتّی لو أدخلت حشفة طفل رضیع فإنّهما یجنبان، وکذا لو أدخلت ذکر میّت أو أدخل فی میّت.

--------------

الشخص قبل الأدخال متطهّراً من الحدثین،وبالجمع بین الاغتسال والوضوء مع کونه محدثاً بالأصغر.

وممّا ذکرنا یظهر الحکم فی وطء البهائم فإنّه وإن ربّما یستظهر من کلام السیّد المرتضی قدس سره دعوی الإجماع علیه (1) أیضاً،وبدعوی الملازمة بین لزوم الحدّ والغسل بناءً علی أنّ المراد بالحدّ ما یعمّ التعزیر،وبالإطلاق فی بعض الروایات ولکن ذکرنا ما فی کل منها.

نعم،یجری فی وطیها الاحتیاط المتقدّم.

ولیس المراد أنّه لا یمکن لأحد الإفتاء بکفایة الوضوء فی موارد عدم الدلیل علی کون الدخول موجباً للجنابة،بل المراد أنّه لا یمکن الحکم بالاکتفاء بالغسل فیها حتّی لو قیل بکون الحصر فی قوله علیه السلام:«إنّما الغسل من الماء الأکبر» (2) إضافیاً بالإضافة إلی ما یخرج من القبل أو الإحلیل،فإنّ مقتضی الآیة المبارکة الآمرة بالوضوء فیما إذا لم یکن المحدث جنباً،وما ورد فی نواقض الوضوء وحصرها وأنّ الوضوء یبقی مع عدم حدوث شیء منها بضمیمة أصالة عدم اعتبار الجنابة علی من أدخل ذکره فی دبر غلام أو الحیوان کون الشخص المزبور مکلّفاً بالوضوء لصلاته فیما إذا صدر عنه نواقض الوضوء من قبل،ومع عدم صدورها عنه یبقی وضوؤه ویکتفی به لصلاته کما لا یخفی.

[1]

فإنّ قوله علیه السلام فی صحیحة عبیداللّٰه بن الحلبی المتقدّمة وکان علیّ علیه السلام یقول:

ص :278


1- (1)) استظهره العلامة فی المختلف 1:330.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:196،الباب 9 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

والأحوط فی وطء البهائم من غیر إنزال الجمع بین الغسل والوضوء إن کان سابقاً محدثاً بالأصغر،والوطء فی دبر الخنثی موجب للجنابة[1]

دون قبلها إلّامع الإنزال،فیجب الغسل علیه دونها إلّاأن تنزل هی أیضاً،ولو أدخلت الخنثی فی الرجل أو الاُنثی مع عدم الإنزال لا یجب الغسل علی الواطئ ولا علی الموطوء، وإذا أدخل الرجل بالخنثی والخنثی بالأُنثی وجب الغسل علی الخنثی دون الرجل والاُنثی.

--------------

«إذا مسّ الختان فقد الختان وجب الغسل» (1) یعمّ الختانان من الرجل والمرأة والرجل والجاریة والصغیر والمرأة لو لم نقل عمومه لما إذا کان من الصغیر والصغیرة فإنّ الوجوب لغة ثبوته لا الوجوب التکلیفی المصطلح،مع أنّ السؤال فی صحیحة علی بن یقطین المتقدّمة یعمّ الجاریة والمرأة حیث إنّ البکر یطلق علی من لا یفضی إلیها ولو کانت صغیرة.

وممّا ذکر یظهر وجه عدم الفرق بین الاختیار والاضطرار وفی النوم أو الیقظة والحی والمیت،حیث یصدق علی کلّ من ذلک مسّ الختان الختان والتقاؤهما حتّی ما لو أدخلت ذکر میت فی فرجها أو أدخل ذکره فی فرج امرأة میّتة.

وطء الخنثی

[1]

هذا بناءً علی ما تقدّم من أنّ الإدخال فی الدبر موجب للجنابة من غیر فرق بین دبر المرأة والرجل،وهذا بخلاف قبل الخنثی فإنّ مجرد الإدخال فی قبلها لا یوجب الحکم بالجنابة لا للواطئ ولا للخنثی؛ لاحتمال کون القبل منها عضواً زائداً وأنّ الخنثی رجل،وإدخال الرجل ذکره فی ثقبة فی جسد رجل آخر لا یوجب جنابته ما لم یکن إنزال،نعم إذا أنزل یجب علیه الغسل لجنابته بالإنزال،کما إذا

ص :279


1- (1)) وسائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

(مسألة 1) إذا رأی فی ثوبه منیّاً وعلم أنّه منه ولم یغتسل بعده وجب علیه الغسل وقضاء ما تیقّن من الصلوات التی صلّاها بعد خروجه[1]

،وأمّا الصلوات التی یحتمل سبق الخروج علیها فلا یجب قضاؤها.

--------------

أنزلت الخنثی أیضاً یحکم بجنابتها بناءً علی ما تقدّم من أنّ خروج المنی یوجب الجنابة فی کلّ من المرأة والرجل،کان من الموضع الأصلی أو من غیره.

وممّا ذکر ظهر أنّه لو أدخلت الخنثی فی الرجل أو الأُنثی وکان بغیر إنزال منهما لم یجب الغسل لا علی الواطئ ولا علی الموطوء؛ فإنّه یحتمل أن یکون ما أدخلته الخنثی عضواً زائداً ولا یوجب إدخال غیر الذکر فی الدبر أو فی قبل المرأة موجباً للجنابة لا لمن أدخل ولا للمدخول به،ویترتّب علی ذلک أنّه لو أدخل الرجل فی قبل الخنثی وأدخل الخنثی ذکره فی قبل المرأة أو دبرها یجب الغسل علی الخنثی للعلم بجنابتها إمّا بإدخال الرجل ذکره فی قبلها وإمّا بإدخالها ذکره فی الأُنثی،ولکن لا یجب الغسل لا علی الرجل؛ لعدم إحرازه الدخول بالمرأة فی قبلها ولا للمرأة؛ لعدم إحرازها إدخال الرجل فی دبرها أو قبلها.

إذا رأی فی ثوبه منیّاً

[1]

کما إذا رأی المنی فی ثوبه بعد طلوع الشمس وعلم بأنّه قد خرج منه ولکن لم یدرِ أنّه خرج فی هذه اللیلة التی قام من نومها أو فی اللیالی قبلها،ففی مثل ذلک یجب الاغتسال لعلمه بجنابته فعلاً ویجب قضاء صلاة الصبح التی صلّاها الیوم مع جنابته،وأمّا بالإضافة إلی صلوات الأیّام الماضیة فلا یجب قضاؤها؛ لقاعدة الفراغ الجاریة بالإضافة إلیها أو لاستصحاب عدم الجنابة فی زمان الإتیان بها أو لأصالة عدم فوتها فی وقتها،ولا أقل من عدم إحراز فوتها فیها الموضوع لوجوب القضاء فتجری البراءة عن وجوب قضائها.

ص :280

وإذا شکّ فی أنّ هذا المنیّ منه أو من غیره لا یجب علیه الغسل وإن کان أحوط،خصوصاً إذا کان الثوب مختصّاً به[1]

،وإذا علم أنّه منه ولکن لم یعلم أنّه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة اخری لم یغتسل لها لا یجب علیه الغسل أیضاً،لکنّه أحوط.

--------------

[1]

أمّا عدم وجوب الغسل علیه لعدم إحراز جنابته فیجری الاستصحاب فی ناحیة عدم خروج ذلک المنی منه فیکون الاحتیاط بالاغتسال استحبابیاً لا یکتفی به لصلاته بل علیه التوضؤ،وأمّا التأکید بهذا الاحتیاط فیما کان الثوب المزبور مختصّاً به؛ فلما قیل أو احتمل أنّ الشخص إذا وجد المنیّ فی ثوبه المختصّ یحکم بجنابته، والتعبّد بها فی هذا المورد استظهر من موثّقة سماعة قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل ینام ولم یرَ فی نومه أنّه احتلم فوجد فی ثوبه وعلی فخذه الماء هل علیه غسل؟ قال:«نعم» (1) وموثقته الأُخری عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن الرجل یری فی ثوبه المنیّ بعدما یصبح ولم یکن رأی فی منامه أنّه قد احتلم؟ قال:

«فلیغتسل ولیغسل ثوبه ویعید صلاته» (2) .

أقول: ما ذکر ظاهر کلام الشیخ قدس سره حیث حمل الروایتین علی رؤیة المنی فی الثوب المختصّ (3) ،وحمل روایة أبی بصیر التی لا یبعد کونها معتبرة علی وجدان المنیّ فی الثوب المشترک قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یصیب بثوبه منیّاً ولم یعلم أنّه احتلم؟ قال:«ولیغسل ما وجد بثوبه ولیتوضّأ» (4) ولکن لا یخفی أنّ الروایتین الأولتین ظاهرهما فرض علم الشخص بأنّ المنی المزبور قد خرج منه

ص :281


1- (1)) وسائل الشیعة 2:198،الباب 10 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:198،الباب 10 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
3- (3)) التهذیب 1:368،ذیل الحدیث 12.
4- (4)) التهذیب 1:367،الحدیث 10.

..........

جدیداً لما هو رآه علی فخذه،والثانیة یحتمل جداً کونها هی الأُولی وقد نقل الحدیث بطریقین،ومفادهما أنّ خروج المنیّ عن الإنسان یوجب جنابته وإن لم یکن لخروجه سبب عادی کالاحتلام،ومفاد روایة أبی بصیر عدم العلم بأنّ المنی المزبور منه جدید لم یغتسل منه واحتمال کونه من الجنابة السابقة التی اغتسل منها أو لم یعلم أنّه منه،وعلی ذلک فیستفاد من الأخیرة حکم ما لو علم أنّ المنی منه ولکن لم یعلم أنّه من جنابته السابقة أو جنابة جدیدة فإنّه یغسله ویتوضّأ لصلاته.

ولکن قد یناقش فی الاکتفاء بالوضوء فی الفرض وأنّه یجب علیه الاغتسال والوضوء فیما إذا أحدث بالأصغر بعد الاغتسال من جنابته السابقة وذلک لجریان الاستصحاب فی ناحیة الجنابة التی تعلم بحدوثها عند خروج هذا المنیّ المشاهد، ولیس هذا من قبیل الاستصحاب فی القسم الثالث من الکلّی؛ لأنّ المفروض فی القسم الثالث العلم بحدوث فرد من الکلّی والعلم بانقضائه ویشکّ فی حدوث فرد مقارن لحدوث ذلک الفرد المنقضی أو مقارن لارتفاعه،وفیما نحن فیه نحتمل أنّ نفس الحادث بخروج هذا المنی بعینه باقٍ إلی الآن ولو لاحتمال کونه جنابة جدیدة.

کما أنّ الاستصحاب فی تلک الجنابة لیس من استصحاب القسم الثانی من الکلّی؛ لأن طبیعی الحادث فیه من الأوّل مردّد بین کونه فی ضمن فرد یقطع بعدم بقائه علی تقدیر حدوثه وبین حدوثه فی ضمن فرد آخر مقطوع البقاء،وفیما نحن فیه نقطع بحدوث جنابة سابقة وارتفاعها بالاغتسال،وهذا الاستصحاب قسم رابع من استصحاب الکلّی سمّاه بعض باستصحاب الفرد المردّد غایة الأمر یکون استصحاب عدم الجنابة بعد الاغتسال من السابقة معارضاً لاستصحاب الجنابة الحادثة بخروج هذا المنیّ فیتعارضان،فلابدّ فی إحراز الطهارة لصلاته الاغتسال والوضوء فیما إذا أحدث بالأصغر بعد الاغتسال السابق.

ص :282

(مسألة 2) إذا علم بجنابة وغسل ولم یعلم السابق منهما وجب علیه الغسل، إلّا إذا علم زمان الغسل دون الجنابة[1]

،فیمکن استصحاب الطهارة حینئذ.

--------------

وبتعبیر آخر،الوضوء وظیفة المحدث إذا لم یکن جنباً،وهذا المحدث بعد الاغتسال الأوّل لا یمکن إحراز عدم جنابته لمعارضة الاستصحابین فیتعیّن فی حقّه الجمع بین الغسل والوضوء لیحرز الطهارة لصلاته.

أقول: الصحیح کفایة الوضوء کما فی المتن وعدم الحاجة إلی الاغتسال وإن کان أحوط؛ وذلک فإنّ مقتضی معتبرة أبی بصیر عدم الاعتناء باحتمال کون المنیّ المشاهد من جنابة جدیدة،فإنّه لو لم تکن ظاهرة فی رؤیة المنیّ فی ثوبه المختصّ وعلمه بکونه منه لإضافة (الثوب) إلی الضمیر الراجع إلی الرجل المفروض فیها فلا أقلّ من إطلاقها وشمولها لصورة رؤیة منیّه فی ثوبه وتردده بین کونه من الجنابة السابقة أو کونها جنابة جدیدة.

إذا علم بجنابة وغسل ولم یعلم أیّهما أسبق

[1]

کما إذا علم أنّه اغتسل لاحتلامه ولکن لا یدری أنّ غسله کان قبل وطء امرأته لیکون جنباً فعلاً أو کان قبل غسله لیکون طاهراً فعلاً أو أنّه اغتسل للجمعة وجامع امرأته ولا یدری أنّ غسله کان قبل الجماع لیکون جنباً أو کان الجماع قبله لیکون طاهراً،ففصّل قدس سره بین ما کان تاریخ الاغتسال معلوماً فإنّه یحکم بطهارته فعلاً وبین جهل تاریخهما أو علم تاریخ الجماع،فإنّه یجری فی فرض العلم بتاریخ الجماع الاستصحاب فی ناحیة بقاء الحدث،وفی فرض الجهل بتاریخهما لا یجری شیء من الاستصحابین فعلیه الاغتسال لإحراز الطهارة لصلاته.

وقد تقدّم هذا التفصیل فی مسائل الوضوء أیضاً فیما إذا علم بالوضوء والحدث وشکّ فی المتقدّم منهما،وذکرنا أنّ التفصیل بلا موجب فإنّ استصحاب بقاء الطهارة حتّی مع العلم بتاریخ الوضوء أو الاغتسال معارض باستصحاب الحدث

ص :283

(مسألة 3) فی الجنابة الدائرة بین شخصین لا یجب الغسل علی واحد منهما[1]

،والظنّ کالشکّ،وإن کان الأحوط فیه مراعاة الاحتیاط،فلو ظنّ أحدهما أنّه الجنب دون الآخر اغتسل وتوضّأ إن کان مسبوقاً بالأصغر.

--------------

أو الجنابة المعلوم حدوثها فیتعارضان ویجب الوضوء هناک والاغتسال فی المقام لإحراز الطهارة لصلاته.

إذا دارت الجنابة بین شخصین

[1]

لأنّ مجرّد العلم الإجمالی بجنابة نفسه أو جنابة شخص آخر معیّن أو غیر معیّن لا یوجب العلم بالتکلیف المتوجّه إلیه أو بالوضع الموضوع له کذلک ولو إجمالاً،فیجری فی حقّه أصالة عدم الخروج المنی منه بلا معارض.

نعم،ربّما یقال إذا کانت جنابة الآخر داخلاً فی ابتلائه،بأن تکون موضوعاً للتکلیف المتوجه إلیه بأن یکون الآخر ممّن یمکن استیجاره عادة لکنس المسجد، فإنّه فی الفرض لعلمه إجمالاً بوجوب الاغتسال لصلاته أو حرمة استیجار الآخر لکنس المسجد یجب علیه الاحتیاط بالجمع بین الوضوء والغسل لصلاته فیما إذا کان من قبل محدثاً بالأصغر،ولو کان غیر محدّث به یکتفی بالاغتسال احتیاطاً.

وبتعبیر آخر،یکون فی الفرض العلم بجنابة نفسه أو الآخر منجّزاً لأطرافه، ولکن لا یخفی أنّ استیجار الجنب فی نفسه لا یکون تسبیباً،وإنّما یکون التسبیب بمطالبة الجنب الکنس بعد استیجاره؛ ولذا لو أبرأه عمّا استأجره علیه قبل العمل فلا علم للمکلّف المفروض بمخالفة تکلیف أصلاً،وبطلان استیجار الجنب للکنس وضعی بمعنی عدم إمضاء الاستیجار بعد وقوعه،وعلی ذلک فلو کان صاحب أحد واجدی المنیّ فی الثوب المشترک ممّن یعمل بالاستئجار خاصّة فلا موجب لتنجیز العلم الإجمالی له بجنابة أحدهما.

ص :284

(مسألة 4) إذا دارت الجنابة بین شخصین لا یجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر؛ للعلم الإجمالی بجنابته أو جنابة إمامه[1]

،ولو دارت بین ثلاثة یجوز لواحد أو الاثنین منهم الاقتداء بالثالث؛ لعدم العلم حینئذ،ولا یجوز لثالث علم إجمالاً بجنابة أحد الاثنین أو أحد الثلاثة الاقتداء بواحد منهما أو منهم،إذا کانا أو کانوا محلّ الابتلاء له وکانوا عدولاً عنده،وإلّا فلا مانع،والمناط علم المقتدی بجنابة أحدهما لا علمهما،فلو اعتقد کلّ منهما عدم جنابته وکون الجنب هوالآخر،أو لا جنابة لواحد منهما وکان المقتدی عالماً کفی فی عدم الجواز،کما أنّه لو لم یعلم المقتدی إجمالاً بجنابة أحدهما وکانا عالمین بذلک لا یضرّ باقتدائه.

--------------

نعم،لو کان ممّن یعمل بالأمر ولو بالأُجرة یکون العلم الإجمالی منجّزاً؛ لأنّه یعلم إمّا بوجوب الغسل لصلواته أو بحرمة الأمر لصاحبه بالدخول فی المسجد للکنس أو غیره قبل اغتساله،وفی غیر الفرض لا یجب علیه الاغتسال.

نعم،بما أنّه یحتمل جنابته والاحتیاط حسن عقلاً وشرعاً یکون الأولی الاغتسال لاحتمال جنابته،ولا یفرق فی هذا الاحتیاط بین صورة الظنّ بأنّه الجنب أو عدمه فإنّ مجرّد الظن لا اعتبار به شرعاً وحسن الاحتیاط مورده احتمال التکلیف واقعاً سواء کان احتماله قویاً أم لا.

[1]

ذکر فی الجواهر أنّه یکفی فی جواز الاقتداء صحّة صلاة الإمام عند نفسه؛ ولذا یجوز لثالث الاقتداء بشخصین فی صلاتین یعلم المأموم إجمالاً بجنابة أحدهما (1) ،ولکن هذا ممّا لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ ماورد فی جواز الاقتداء بصلاة الإمام ظاهره الاقتداء فی الفریضة الواقعیة کما هو الحال فی سائر الخطابات، ممّا یحمل فیها العنوان علی الواقع؛ ولذا لو انکشف بعد الصلاة تخلّف شرائط

ص :285


1- (1)) جواهر الکلام 3:22.

..........

الاقتداء مع إحرازها حال الاقتداء ولو بإصالة الصحّة یحکم ببطلان الجماعة.

نعم،لا یحکم ببطلان أصل صلاة المأموم؛ لأنّ المتروک منها مع بطلان الجماعة القراءة وترکها مع العذر لا یوجب بطلانها،وأمّا إذا کان فی البین ما یوجب بطلان أصلها کتعدّد الرکوع فیمکن القول ببطلان الصلاة معه،وماورد فی عدم الباس بالصلاة مع انکشاف کفر الإمام لو شمل صورة تعدّد الرکوع فی الرکعة فلا یتعدّی من مورد النص،وعلی ذلک فلو علم المکلّف بجنابة نفسه أو جنابة إمامه یحکم بعدم جواز الاقتداء بالإمام المزبور لعلمه ببطلان صلاته إمّا لعدم طهارته أو لبطلان صلاة الإمام الموجب لبطلان صلاة المأموم بترکه القراءة مع بطلان الاقتداء،وحتّی لو اغتسل لصلاته احتیاطاً وأراد الاقتداء بالإمام المزبور لم یحکم بصحّة صلاته؛ لأنّ علمه الإجمالی إمّا بوجوب الاغتسال علیه أو عدم جواز الاقتداء،بالإمام المزبور حتّی بعد غسله یوجب سقوط أصالة الصحّة الجاریة فی صلاة الإمام.

وعلی الجملة،الحکم بصحّة صلاة المأموم فیها إذا ظهر بعد الصلاة بطلان صلاة الإمام لا یرتبط بما نذکره فی المقام من عدم جواز الاقتداء فإنّ المفروض فی تلک المسألة إحراز صحّة صلاة الإمام حال الاقتداء بخلاف المقام.

وممّا ذکرنا یظهر أنّ ما ذکره قدس سره من أنّه لو دارت الجنابة بین ثلاثة یجوز لواحد أو لاثنین منهم الاقتداء بالثالث إنّما یصحّ فیما إذا لم تکن جنابة غیر الثالث محلّ الابتلاء،کما إذا لم یکن غیره عدلاً لیجوز الاقتداء به ولم یمکن استیجاره عادة لکنس المسجد،فإنّ فی مثل الفرض لا علم للمقتدی ببطلان صلاته أو عدم جواز الاقتداء بالثالث فتجری أصالة عدم الجنابة فی حقّه وفی صلاة إمامه،وأمّا إذا کانت جنابة الثانی أیضاً محلّ ابتلائه کما إذا کان عدلاً یکون له علم إجمالی إمّا ببطلان صلاته بالوضوء أو عدم جواز الاقتداء بالثانی أوالثالث،فیکون عدم جواز الاقتداء بأحدهما

ص :286

(مسألة 5) إذا خرج المنیّ بصورة الدم وجب الغسل أیضاً بعد العلم بکونه منیّاً[1]

(مسألة 6) المرأة تحتلم کالرجل،ولو خرج منها المنیّ حینئذ وجب علیها الغسل،والقول بعدم احتلامهنّ ضعیف.[2]

(مسألة 7) إذا تحرّک المنیّ فی النوم عن محلّه بالاحتلام ولم یخرج إلی خارج لا یجب الغسل کما مرّ،فإذا کان بعد دخول الوقت ولم یکن عنده ماء للغسل هل یجب علیه حبسه[3]

عن الخروج أو لا؟ الأقوی عدم الوجوب و إن لم یتضرّر به.

--------------

أحد طرفی علمه الإجمالی نظیر ما ذکره فی الذیل من علم المقتدی بجنابة أحد الشخصین لا یجوز له الاقتداء بواحد منهما،وکذا فیما علم جنابة أحد الثلاثة مع کون جنابة کلّ منهما أو منهم محلّ الابتلاء.

[1]

کما إذا کان خروجه بالدفع والشهوة وفتر الشخص به فإنّه یوجب علمه بکونه منیّاً وإن خرج بصورة الدم أو بصورة الاختلاط به.

وبتعبیر آخر،لا یضرّ صدق عنوان الدم علیه فیما إذا صدق علیه المنیّ أیضاً بأن یقال إنّه خرج منه المنیّ دماً حیث إنّ اللون لا اعتبار به فی الحکم بخروج المنیّ والجنابة کما تقدّم.

[2]

قد تقدّم الکلام فی ذلک وذکرنا أنّ المستفاد من النصّ عدم وجوب إعلام ذلک للنساء فلا نعید.

إذا تحرک المنی فی النوم عن محلّه بالاحتلام ولم یخرج

[3]

قد تقدّم أنّ المنی ما لم یخرج فلا حکم لحرکته،بلا فرق بین الرجل والمرأة،کما یستفاد ذلک ممّا ورد فی خروج الماء عن المرأة بأنّه لا یجب علیه الغسل؛ لأنّه ماء الرجل حیث یعلم أنّه لو علم أنّه ماؤها یجب علیه الغسل،وکذا

ص :287

بل مع التضرّر یحرم ذلک[1]

،فبعد خروجه یتیمّم للصلاة.

نعم،لو توقّف إتیان الصلاة فی الوقت علی حبسه -بأن لم یتمکّن من الغسل، ولم یکن عنده ما یتیمّم به وکان علی وضوء؛ بأن کان تحرّک المنیّ فی حال الیقظة --------------

ماورد من الغسل من الماء الأکبر حیث ذکر فی ذیله ما یقتضی أنّ الغسل بخروجه من قوله علیه السلام:فإذا رأی فی منامه ولم یرَ الماء الأکبر فلیس علیه الغسل (1) .

وعلی ذلک فلو تحرّک المنیّ فی النوم فی محلّه بالاحتلام ولم یخرج إلی خارج ولکن کان بحیث لو لم یحبسه لخرج فهل یجب علیه هذا الحبس إذا کان بعد دخول الوقت ولم یکن عنده ماء للغسل؟ ذکر قدس سره أنّ الأقوی عدم الوجوب حتّی وإن لم یتضرّر بالحبس،ولکنّه محلّ تأمّل،بل الأظهر عدم الوجوب فی صورة الضرر.

وأمّا مع عدم الضرر فیجب الفحص فإنّ وجوب الحبس مع عدم خوفه مقتضی التکلیف بالصلاة مع الطهارة المائیة،حیث إنّ مع التمکّن من صرف الوجود منها بین الحدّین یکون الشخص مکلّفاً بها.

نعم،إذا خاف الضرر تکون قاعدة نفی الضرر حاکمة علی أدلّة التکلیف بها.

ودعوی أنّه یستفاد ذلک ممّا ورد فی جواز إجناب الشخص نفسه ولو مع دخول الوقت وعدم تمکّنه علی الغسل لا یمکن المساعدة علیها؛ فإنّ الروایة فیه لا تعمّ إلّاإجناب النفس ولو بعد دخول الوقت بإتیان أهله.

[1]

هذا مبنیّ علی حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً،وقد تقدّم التفصیل فی الوضوء،ولکن بما أنّ المفروض فی المسألة الضرر فی الحبس دون الوضوء بعده فإنّ حبس وتوضّأ وصلّی صحّت صلاته حتّی مع کون إضرار الحبس بحدّ التحریم فإنّه علی تقدیر الحبس متمکّن من الصلاة بالوضوء مع عدم جنابته.

ص :288


1- (1)) وسائل الشیعة 2:250،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.

ولم یکن فی حبسه ضرر علیه - لا یبعد وجوبه،فإنّه علی التقادیر المفروضة لو لم یحبسه لم یتمکّن من الصلاة فی الوقت،ولو حبسه یکون متمکِّناً.[1]

(مسألة 8) یجوز للشخص إجناب نفسه ولو لم یقدر علی الغسل وکان بعد دخول الوقت[2]

.نعم،إذا لم یتمکّن من التیمّم أیضاً لا یجوز ذلک،وأمّا فی الوضوء فلا یجوز لمن کان متوضّئاً - ولم یتمکّن من الوضوء لو أحدث - أن یبطل وضوءه إذا کان بعد دخول الوقت،ففرق فی ذلک بین الجنابة والحدث الأصغر،والفارق النصّ.

--------------

[1]

وکذا إذا لم یکن علی وضوء کما إذا تحرّک المنیّ فی النوم إلّاأنّه کان عنده الماء بقدر الوضوء بحیث لا یمکن الغسل به فإنّه فی هذه الصورة أیضاً إذا لم یکن الحبس ضرریاً تعیّن حیث إنّه متمکّن من الصلاة بالطهارة فی وقتها،وأمّا إذا کان ضرریاً فترک الحبس وخرج المنی یقضی تلک الصلاة فی خارج وقتها؛ لعدم تمکّنه من تلک الصلاة فی وقتها فهو مکلّف بقضائها.

جواز إجناب الشخص نفسه

[2]

یجوز إجناب الشخص نفسه بإتیان أهله حتّی ما إذا کان ذلک بعد دخول الوقت بلا خلاف معروف إلّاعن ظاهر عبارتی المفید (1) ،وابن الجنید (2) ،ویشهد بذلک موثّقة اسحاق بن عمّار،قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یکون معه أهله فی سفر لا یجد الماء یأتی أهله؟ قال:ما أُحبّ أن یفعل إلّاأن یخاف علی نفسه، قلت:فیطلب بذلک اللذّة أو یکون شبقاً إلی النساء،فقال:إنّ الشبق یخاف علی نفسه،قال:قلت:طلب بذلک اللذّة،قال:هو حلال (3) .فإنّ هذه بإطلاقها یقتضی عدم الفرق فی الجواز بین دخول الوقت وقبله،وما فی بعض الروایات من الأمر بالاغتسال

ص :289


1- (1)) المقنعة:60.
2- (2)) حکاه العلامة فی المختلف 1:437.
3- (3)) وسائل الشیعة 20:109 - 110،الباب 50 من أبواب مقدّمات النکاح،الحدیث الأوّل.

(مسألة 9) إذا شکّ فی أنّه هل حصل الدخول أم لا؟ لم یجب علیه الغسل[1]

،وکذا لو شک فی أنّ المدخول فیه فرج أو دبر أو غیرهما،فإنّه لا یجب علیه الغسل.

(مسألة 10) لا فرق فی کون إدخال تمام الذکر أو الحشفة موجباً للجنابة بین أن یکون مجرّداً أو ملفوفاً[2]

بوصلة أو غیرها،إلّاأن یکون بمقدار لا یصدق علیه الجماع.

--------------

مع التعمّد إلی الجنابة وإن أصابه ما أصابه (1) علی تقدیر الالتزام به لا ینافی جواز الإجناب،مع أنّه قد ذکر فیها ابتلاء الإمام علیه السلام بذلک مع عدم احتمال جنابته علیه السلام بالاحتلام.

ثمّ إنّه إذا لم یکن متمکّناً من التیمّم لا یجوز إجناب نفسه بعد دخول الوقت کما هو مقتضی التکلیف بالصلاة بدخولها وعدم دلالة الموثّقة علی الجواز فی هذا الفرض،کما أنّه لا یجوز بعد دخول الوقت إبطال الوضوء لمن کان متوضّئاً وعلم بعدم تمکنه من الوضوء لوأحدث،فالفارق فی ذلک حیث یجوز إجناب النفس ولا یجوز إبطال الوضوء بالحدث الأصغر هی الموثّقة الواردة فی الإجناب،وأمّا إبطال الوضوء فیبقی علی القاعدة المتقدّمة من أنّ التحفظ مقتضی التکلیف بالصلاة بالوضوء عند دخول وقتها.

إذا شک فی الدخول وعدمه

[1]

لأصالة عدم الدخول فی فرجها أو دبرها،وکذا فیما إذا شکّ فی کون المدخول فیه هو فرجها من دبرها أو قبلها وأصالة عدم الدخول فی غیرهما لإثبات أنّ المدخول فیه قبلها أو دبرها مثبت،وبلحاظ نفی نفس الدخول فی غیرهما لا تجری لعدم الأثر.

[2]

حیث إنّ إدخال ذکره فی قبلها أو دبرها یصدق ولو مع کون الذکر ملفوفاً

ص :290


1- (1)) وسائل الشیعة 3:373 -\374،الباب 17 من أبواب التیمّم،الحدیث 3.

(مسألة 11) فی الموارد التی یکون الاحتیاط فی الجمع بین الغسل والوضوء الأولی أن ینقض الغسل بناقض من مثل البول ونحوه[1]

ثمّ یتوضّأ؛ لأنّ الوضوء مع غسل الجنابة غیر جائز،والمفروض احتمال کون غسله غسل الجنابة.

--------------

کما یصدق عنوان الإتیان بالمرأة ووطئها فی قبلها أو دبرها.

ودعوی أنّ الموضوع للجنابة مسّ الختانین والتقاؤهما ومع اللف لا یکون مسّ ولا التقاء لا یمکن المساعدة علیه؛ لما تقدّم من أنّ المراد من مسّ الختانین والتقائهما غیبوبة الذکر فی قبلها،وهذا تحدید من ناحیة مقدار الدخول وأنّه یکفی فی الجنابة الغیبوبة بمقدار الحشفة،وهذا یصدق مع لفّ الذکر أیضاً،ومع الإغماض عن ذلک فذکر المسّ باعتبار الغالب فلا یمنع الأخذ بالإطلاق فی الروایات خصوصاً الواردة فی تفسیر ملامسة النساء من أنّ المراد وطؤهنّ فی الفرج والإیقاع بهنّ.

نعم،لو فرض عدم صدق وطء المرأة والجماع فلا یوجب الجنابة حتّی مع صدق الإدخال حیث إنّ المراد بالملامسة فی قوله سبحانه وطؤهنّ فی فرجهن والإیقاع بهنّ علی ما تقدّم.

إذا احتاط بالجمع بین الغسل والوضوء

[1]

الوجه فی کونه أولی لا أنّه متعیّن هو أنّ الوضوء حرمته مع غسل الجنابة تشریعیّة ولیست بذاتیه،کما هو ظاهر النهی عن العبادة ومن الظاهر أنّ التشریع لا یتحقّق فیما إذا توضّأ مع احتمال عدم جنابته واقعاً و کونه مکلّفاً بالوضوء لصلاته.

و مما ذکر ظهر أنّه الأولویّة فی الحقیقة لیست من هذه الجهة؛ لعدم احتمال حصول التشریع مع عدم النقض،بل النقض أولی؛ لتمکنه معه علی الموافقة التفصیلیّة بالوضوء.

ص :291

ص :292

فصل فیما یتوقّف علی الغسل من الجنابة

وهی امور:

الأوّل:الصلاة،واجبة أو مستحبّة،أداءً وقضاءً لها ولأجزائها المنسیّة[1]

، وصلاة الاحتیاط،بل وکذا سجدتا السهو علی الأحوط.نعم،لا یجب فی صلاة الأموات ولا فی سجدة الشکر والتلاوة.

--------------

فصل فیما یتوقّف علی الغسل من الجنابة

الأوّل:الصلاة واجزاؤها المنسیة و...

[1]

تقدّم فی باب غایات الوضوء أنّ ظاهر مادلّ علی قضاء السجدة المنسیّة أو التشهّد المنسی أن المأتی بها تلک السجدة الصلاتیة وکذا التشهد،غایة الأمر تغیّر موضع الإتیان بهما بالنسیان وعدم إمکان الرجوع إلی تدارکهما فی موضعهما،وکذا الحال فی صلاة الاحتیاط اللازمة عند الشکّ فی الرکعات،فإنّها علی تقدیر نقص الصلاة،تحسب من الصلاة فتجری علیها ما یعتبر فی سائر رکعات الصلاة من الطهارة والاستقبال أو غیر ذلک،مع الإتیان بها قبل الإتیان بالمنافیات علی کلام فی اعتبار الأخیر نتعرض له فی موضعه إن شاء اللٰه تعالی.

وأمّا سجدتا السهو فلا تدخلان فی الصلاة ولا تحسبان من أجزائهما ولا تبطل الصلاة بترکها عمداً،بل الإتیان بهما واجب نفسی بحصول موجبهما.

ص :293

..........

نعم،ورد فی بعض الروایات الأمر بالإتیان بهما قبل التکلّم وربّما استظهر منها أنّه یجری علیهما ما یعتبر فی سجود الصلاة،ولعلّ هذا هو الوجه فی احتیاط الماتن قدس سره وفی مؤثقة عبداللّٰه بن میمون القدّاح،عن جعفر بن محمّد،عن أبیه عن علی علیه السلام قال:«سجدتا السهو بعد التسلیم وقبل الکلام» (1) ولکنّ الظاهر أنّ الأمر بالإتیان بهما قبل الکلام؛ لوجوب المبادرة إلیهما لا لاشتراطهما بعدم الإتیان بالمنافیات جمعاً بینهما وما یدلّ علی أنّها واجب نفسی أمر بهما إرغاماً لأنف الشیطان،حیث إنّ السهو منه،وفی صحیحة معاویة بن عمّار قال:سألته عن الرجل یسهو فیقوم فی حال قعود أو یقعد فی حال قیام؟ قال:«یسجد سجدتین بعد التسلیم،وهما المرغمتان ترغمان الشیطان» (2) .

وفی موثقة عمّار بن موسی:عن الرجل یسهو فی صلاته فلا یذکر حتّی یصلّی الفجر کیف یصنع؟ قال:لا یسجد سجدتی السهو حتّی تطلع الشمس ویذهب شعاعها» (3) فإنّ التأخیر بهذا النحو لا یخلو عادة عن فعل المنافیات مع أنّه علیه السلام لم یتعرّض لترکها،وعلیه فالاحتیاط لو کان له مورد فهو استحبابی،وأمّا صلاة المیت فلیست بصلاة کما فی الروایات کما یأتی التعرّض لذلک فی صلاة المیت.

وممّا ذکرنا فی سجدتی السهو یظهر الحال فی سجدتی الشکر والتلاوة فإنّه لم یدلّ دلیل علی اعتبار الطهارة فیهما،بل قام الدلیل علی اعتبارها فی الصلاة، فالمرجع إطلاق أدلّة الأمر بها وعدم تقییدهما فیها بالطهارة.

ص :294


1- (1)) وسائل الشیعة 8:208،الباب 5 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 8:250،الباب 32 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،الحدیث الأوّل.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:250 -\251،الباب 32 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة،الحدیث 2.

الثانی:الطواف الواجب دون المندوب،لکن یحرم علی الجنب دخول مسجد الحرام،فتظهر الثمرة فیما لو دخله سهواً وطاف،فإنّ طوافه محکوم بالصحّة.نعم،یشترط فی صلاة الطواف الغسل ولو کان الطواف مندوباً.[1]

--------------

الثانی:الطواف

[1]

وأمّا الطواف فقد عرفت فی باب الوضوء اشتراطه بالطهارة من الحدث وأنّ المراد بالطواف الواجب ما یکون جزءاً من الحجّ أو العمرة ولو کان الحجّ أو العمرة مندوبة لقول سبحانه: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ » (1) حیث إنّ ظاهر الآیة وجوب إتمامهما وإن کانا مندوبین،ولیست الآیة فی مقام الإرشاد إلی شرطیّة التقرّب فیهما،فإنّ التقرّب معتبر فی الدخول بهما أیضاً،بل مفادها وجوب إتمامهما بنحو التقرّب،وفی صحیحة علی بن جعفر،عن أخیه أبی الحسن قال:سألته عن رجل طاف بالبیت وهو جنب فذکر وهو فی الطواف؟ قال:یقطع الطواف ولا یعتدّ بشیء ممّا طاف،وسألته عن رجل طاف ثمّ ذکر أنّه علی غیر وضوء؟ قال:یقطع الطواف ولا یعتد به (2) .

وهذه الصحیحة وإن کانت بإطلاقها تعمّ الطواف المندوب إلّاأنّه لا یبعد رفع الید عن إطلاقها حتّی بالإضافة إلی عدم اعتبار الحدث الأکبر،ممّا یدلّ علی عدم اعتبار الوضوء فیه علی ما نذکر من أنّ المتفاهم منه أنّ الطهارة من الحدث لا یعتبر فی الطواف المندوب،وإنّما تعتبر فی صلاته لا لأصالة البراءة عن اشتراطه بالطهارة من الحدث الأکبر لیقال لا مجری لها فی المستحبّات؛ لعدم الضیق فی وضعها لجواز ترکها لیجاب عنه بأنّ اشتراط المندوب بشیء فیه أیضاً ضیق ورفع رعایة الشرط المحتمل فیه نوع سعة.

ص :295


1- (1)) سورة البقرة:الآیة 196.
2- (2)) وسائل الشیعة 13:375،الباب 38 من أبواب الطواف،الحدیث 4.

الثالث:صوم شهر رمضان وقضاؤه،بمعنی أنّه لا یصحّ إذا أصبح جنباً متعمّداً أو ناسیاً[1]

للجنابة.

--------------

وعلی الجملة،الطواف المجرّد مستحبّ نفسی،وقد ورد فی بعض الروایات أنّه أفضل من الصلاة لمجاور مکّة وقد ورد فی بعض الروایات ما ظاهره عدم اعتبار الطهارة فی هذا الطواف کصحیحة محمّد بن مسلم،قال:سألت أحدهما علیهما السلام عن رجل طاف طواف الفریضة وهو علی غیر طهور؟ قال:«یتوضّأ ویعید طوافه،وإن کان تطوعاً توضّأ وصلی رکعتین» (1) .وفی موثّقة عبید بن زرارة علی روایة التهذیب عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:قلت له:إنی أطوف طواف النافلة وأنا علی غیر وضوء؟ قال:«توضّأ وصلّ وإن کنت متعمّداً» (2) ولا یحتمل الفرق فی اعتبار الطهارة وعدمها بین الحدث الأصغر والأکبر،وعلی ذلک فلو غفل عن جنابته فدخل المسجد وطاف یحکم بصحّة طوافه وإن یجب الإتیان بصلاته بعد الاغتسال بناءً علی تعیّن الصلاة فی الطواف المندوب،ولکنّ الأظهر بطلان طواف المندوب جنباً لا لاشتراط الطواف بالطهارة من الجنابة،بل لأنّ الطواف بنفسه مکث للجنب فی المسجد ومکثه فی المسجد حرام واقعاً فلا یصحّ عبادة.

الثالث:الصوم

[1]

أمّا کون البقاء علی الجنابة متعمّداً فی صوم شهر رمضان یوجب بطلانه فعلیه قضاؤه وأنّ علیه إمساک ذلک الیوم أیضاً،فقد تعرّضنا لذلک فی بحث ما یمسک عنه الصائم،ویشهد له بعض الروایات مثل صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام أنّه قال فی رجل احتلم أوّل اللیل أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّداً

ص :296


1- (1)) وسائل الشیعة 13:374،الباب 38 من أبواب الطواف،الحدیث 3.
2- (2)) التهذیب 5:117،الحدیث 55.

..........

فی شهر رمضان حتّی أصبح؟ قال:«یتمّ صومه ذلک ثمّ یقضیه إذا أفطر من شهر رمضان ویستغفر ربّه» (1) .

وأمّا بطلان صوم شهر رمضان إذا نسی الغسل،ویشهد له أیضاً صحیحته الأُخری قال:سئل أبو عبداللّٰه علیه السلام عن رجل أجنب فی شهر رمضان فنسی أن یغتسل حتّی خرج شهر رمضان؟ قال:«علیه أن یغتسل ویقضی الصلاة والصیام» (2) هذا بالإضافة إلی صوم شهر رمضان.

وأمّا قضاؤه فمقتضی بعض الروایات أنّه لا یصحّ قضاء شهر رمضان مع الإصباح جنباً بمعنی عدم إدراک الفجر متطهّراً من الحدث الأکبر بلا فرق بین تعمّد البقاء أو النسیان أو مع عدم التعمّد،ولکن موردها التفاته بجنابته قبل الفجر،وأمّا مع عدم علمه بجنابته فی اللیل فلیس فی البین ما یدلّ علی بطلان قضاء صوم شهر رمضان بالإصباح جنباً فمقتضی أصالة البراءة عن الاشتراط،بل إطلاق ما دلّ علی عدم بطلان الصوم من غیر ما ورد من المفطرات صحّة ذلک الصوم.

وکیف ما کان،فالفرق بین بطلان صوم شهر رمضان وبطلان قضائه أنّه یجب الإمساک عن سائر المفطرات فی بطلان صوم شهر رمضان،ولا یجب الإمساک عنها فی صورة بطلان قضائه،ولعلّ هذا هو المراد ممّا ورد فی موثّقة سماعة بن مهران قال:سألته عن رجل أصابته جنابة فی جوف اللیل فی رمضان فنام وقد علم بها ولم یستیقظ حتّی یدرکه الفجر؟ فقال:

علیه أن یتمّ صومه ویقضی یوماً آخر،فقلت:إذا کان ذلک من الرجل وهو یقضی رمضان؟ قال:فلیأکل یومه ذلک ولیقض ِ فإنّه لا یشبه رمضان شیء من الشهور (3) .

ص :297


1- (1)) وسائل الشیعة 10:63،الباب 16 من أبواب ما یمسک عنه الصائم،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:257 -\258،الباب 39 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
3- (3)) التهذیب 4:211،الحدیث 18.

وأمّا سائر الصیام ما عدا شهر رمضان وقضائه فلا یبطل بالإصباح جنباً[1]

وإن کانت واجبة.نعم،الأحوط فی الواجبة منها ترک تعمّد الإصباح جنباً.

--------------

[1]

أمّا الصوم المندوب فلا یضرّه الإصباح جنباً حتّی مع التعمّد وفی موثّقة ابن بکیر قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یجنب ثمّ ینام حتّی یصبح أیصوم ذلک الیوم تطوّعاً؟ فقال:«ألیس هو بالخیار ما بینه وبین نصف النهار» (1) وروایة حبیب الخثعمی التی لا یبعد اعتبارها لکون الخثعمی هو ابن المعلل،قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام:

أخبرنی عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأیّام إذا أجنبت من أوّل اللیل فأعلم أنی أجنبت فأنام متعمّداً حتّی ینفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال:«صم» (2) .

وأمّا الصوم الواجب غیر صوم شهر رمضان وقضائه فهل یشترط فیه أیضاً عدم الاصباح جنباً متعمدّاً أو أنّ الصوم الواجب المزبور کالصوم تطوّعاً لا یشترط فیه ذلک،فقد التزم جماعة بالاشتراط،ویذکر فی وجهه أنّ ظاهر الأمر بالصوم فی مورد الکفارة مثلاً أنّ الصوم المأمور به فیها هو ما أُمر به فی شهر رمضان فیکون ما هو مفطر فیه مفطراً فی صوم الکفارة أیضاً،وما لا یکون مفطراً فیه لا یکون مفطراً فی الکفارة.

وبتعبیر آخر،یکون دلیل الاشتراط ظاهراً فی اعتباره فی طبیعی الصوم فإنّ الطبیعی هو المأمور به فی شهر رمضان وغیره،وعلیه فإن قام دلیل علی عدم اشتراطه فی صوم کما قام علی عدم بطلان الصوم المندوب بالإصباح جنباً ولو متعمّداً فهو،وإلّا یؤخذ بالظهور المزبور کما هو الحال فی سائر الصوم الواجب.

وعلی الجملة،صوم شهر رمضان فیما إذا ترتّب علیه حکم وإن یمکن اختلافه مع الحکم فی سائر الصیام إلّاأنّ ما هو دخیل فی صوم شهر رمضان جزءاً أو شرطاً یکون دخیلاً فی سائر الصوم؛ لظهور الأمر فیها فی أنّ متعلّق الأمر بعینه ما کان واجباً فی صوم شهر رمضان.

ص :298


1- (1)) وسائل الشیعة 10:68،الباب 20 من أبواب ما یمسک عنه الصائم،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 10:68،الباب 20 من أبواب ما یمسک عنه الصائم،الحدیث الأوّل.

نعم،الجنابة العمدیّة فی أثناء النهار تبطل جمیع الصیام حتّی المندوبة منها[1]

،وأمّا الاحتلام فلا یضرّ بشیء منها حتّی صوم رمضان.

--------------

نعم،إذا قام دلیل علی الاختلاف کما فی الصوم المندوب یرفع الید عن ذلک الظهور، ولکن یمکن المناقشة فیه بوجهین:

الأوّل:أنّه من المحتمل أن یکون وجوب القضاء فی صوم شهر رمضان بالتعمّد بالإصباح جنباً من قبیل وجوب القضاء فی فساد الحجّ بالجماع من عدم الفساد حقیقة ویجب الإتمام والقضاء عقوبة للارتکاب،کما هو ظاهر بعض الروایات فی النوم الثانی قبل الاغتسال من جنابته کالصحیح عن معاویة بن عمّار،قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام:الرجل یجنب فی أوّل اللیل ثمّ ینام حتّی یصبح فی شهر رمضان؟ قال:لیس علیه شیء،قلت:فإنّه استیقظ ثمّ نام حتّی أصبح؟ قال:فلیقض ِ ذلک الیوم عقوبة (1) .

والثانی:أنّ ما ذکر یتمّ فیما إذا لم یکن فی البین إطلاق یقتضی عدم اعتبار الشرط المزبور فی طبیعی الصوم،کما هو مقتضی إطلاقات الأدلّة الحاصرة للمفطرات،فإنّه إذا قام دلیل علی بطلان صوم فی مورد بشیء ولم یکن لدلیل الاشتراط إطلاق یقتضی اعتبار ذلک الشیء فی مطلق الصوم یؤخذ بإطلاقات الأدلّة الحاصرة مع احتمال الخصوصیة فی ذلک الصوم،والإصباح جنباً مع التعمّد من هذا القبیل خصوصاً مع اختلاف أدائه مع قضائه،کما تقدّم.

وممّا ذکر یظهر الوجه فی الاحتیاط الاستحبابی الذی ذکره الماتن.

[1]

بلا خلاف معروف أو منقول ویقتضیه ما ورد فی وجوب اجتناب النساء علی الصائم والإمناء بالعبث بأهله ونحوه فی حکم الجماع،ففی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن رجل یعبث بامرأته

ص :299


1- (1)) وسائل الشیعة 10:61،الباب 15 من أبواب ما یمسک عنه الصائم،الحدیث الأوّل.

..........

حتّی یمنی وهو محرم من غیر جماع أو یفعل ذلک فی شهر رمضان؟ فقال:«علیهما جمیعاً الکفارة مثل ما علی الذی یجامع» (1) ونحوها غیرها.

وأمّا الاحتلام فلا یضرّ الصائم حتّی ما إذا علم أنّه لو قام لیحتلم،کما هو مقتضی ما ورد فی أنّ الاحتلام لا یفطر الصوم،کما فی معتبرة عبداللٰه بن میمون،عن أبی عبداللٰه علیه السلام قال:«ثلاثة لا یفطرن الصائم:القیء والاحتلام والحجامة» (2) وقریب منها غیرها.

ص :300


1- (1)) وسائل الشیعة 10:40،الباب 4 من أبواب ما یمسک عنه الصائم،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 10:80،الباب 26 من أبواب مایمسک عنه الصائم،الحدیث 11.

فصل فی ما یحرم علی الجنب

وهی أیضاً امور:

الأوّل:مسّ خطّ المصحف[1]

علی التفصیل الذی مرّ فی الوضوء.

--------------

فصل فی ما یحرم علی الجنب

مسّ خطّ المصحف

[1]

علی المشهور بل غیر واحد دعوی الإجماع (1) علیه.نعم،فی المحکی (2) عن ابن الجنید کراهة المسّ علی الجنب واحتمل أنّ المراد بالکراهة معناها اللغوی کما تستعمل فیها فی الأخبار،وحتّی فی کلام القدماء فلا ینافی إرادته الحرمة.

نعم،فی المدارک (3) نقل الکراهة بمعناها المصطلح عن الشیخ فی المبسوط.

وقیل:إنّ هذا سهو من صاحب المدارک وأن الشیخ صرّح بها فی المحدث بالأصغر.وأمّا الحدث الأکبر فقد صرّح فیه بالحرمة (4) .

نعم،نفس صاحب المدارک مال إلی الکراهة بعد نقلها عن ابن الجنید والمبسوط،وعلّل ذلک وبضعف الأدلّة علی التّحریم سنداً أو دلالة (5) .

أقول: وجه التضعیف أنّه لا یری خبر الثقة معتبراً،وقد تقدّم فی عدم جواز مسّ کتابة القرآن للمحدث بالأصغر موثّقة أبی بصیر قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عمّن

ص :301


1- (1)) المعتبر 1:187،والمنتهی 2:220،وروض الجنان 1:145.
2- (2)) حکاه العلّامة فی المختلف 1:353.
3- (3)) المدارک 1:279.
4- (4)) مشارق الشموس 1:164.
5- (5)) المدارک 1:279.

..........

قرأ فی المصحف وهو علی غیر وضوء؟ قال:«لا بأس،ولا یمسّ الکتاب» (1) وظاهر مسّ الکتاب مسّ کتابته کما لا یخفی،ویؤیدّه مرسلة حریز عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال کان إسماعیل بن أبی عبداللٰه عنده فقال:یا بنی اقرأ المصحف،فقال:إنّی لست علی وضوء،فقال:لا تمسّ الکتابة ومسّ الورق فاقرأه (2) ،وإذا لم یجز مسّ کتابته مع الحدث الأصغر فلا یحتمل جواز مسّ کتابته بالجنابة والحیض ونحوه،بل حکی عن السیّد المرتضی تحریم مسّ هامش القرآن للجنب والحائض (3) ،وربّما قیل باستظهاره من روایة محمّد بن مسلم التی وصفت فی بعض الکلمات بالحسنة أو بالصحیحة قال:قال أبو جعفر علیه السلام:«الجنب والحائض یفتحان المصحف من وراء الثوب ویقرآن من القرآن ما شاءا إلّاالسجدة» (4) بدعوی أنّ ظاهر الأمر بفتح المصحف من وراء الثوب حرمة مسّ هامشه أیضاً.

وفیه أوّلاً:أنّ فی سند الروایة نوح بن شعیب ولم یحرز أنه نوح بن شعیب البغدادی الذی وثّقه الفضل بن شاذان واستظهر اتّحاده مع نوح بن صالح البغدادی من ترجمة الکشی،وأمّا الاستظهار بأنّ نوح بن شعیب البغدادی ونوح بن شعیب الخراسانی أو النیشابوری واحد فلم یظهر له وجه.

وعلی تقدیر الإغماض عن السند فالأمر بفتح المصحف من وراء الثوب للاجتناب عن مسّ الید کتابته لا لأنّ مسّ هامش الکتاب مع الجنابة غیر جایز،حیث إنّ الأمر بمثل ذلک فی مورد التحفّظ عن إصابة الید الکتابه أمر متعارف.

ص :302


1- (1)) وسائل الشیعة 1:383،الباب 12 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:383 -\384،الباب 12 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.
3- (3)) حکاه العلامة فی المنتهی 2:385.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:217،الباب 19 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.

وکذا مسّ اسم اللٰه تعالی[1]

وسائر أسمائه وصفاته المختصّة.

--------------

ویدلّ أیضاً علی عدم جواز مسّ کتابة القرآن مع الحدث ماورد فی تعلیق الحائض العوذة (1) کما یأتی.

مسّ ما علیه اسم اللّٰه تعالی

[1]

قد وقع فی کلام جملة من الأصحاب أنّه لا یجوز للجنب مسّ ما علیه اسم اللٰه تعالی من دراهم أو غیرها،وفی کلام بعض آخر لا یجوز له مسّ اسم اللٰه تعالی، والظاهر أنّ المراد واحد،کما صرّح به بعضهم حیث لا یحتمل أن یفتوا هؤلاء بعدم جواز مسّ جانب شیء کتب علیه اسم اللٰه ولو من غیر مسّ اسم الجلالة،ولکن یجوز مسّ هامش القرآن.

وکیف کان،المشهور بین الأصحاب قدیماً وحدیثاً عدم الجواز وینقل عن بعض کراهة المسّ من غیر تحریم.

ویستدلّ علی عدم الجواز بموثقة عمّار بن موسی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:

«لا یمسّ الجنب درهماً ولا دیناراً علیه اسم اللّٰه» (2) .

وربّما یناقش بأنّه لابدّ من حملها علی الکراهة جمعاً بینها وبین موثّقة إسحاق بن عمّار،عن أبی إبراهیم علیه السلام قال:سألته عن الجنب والطامث یمسّان بأیدیهما الدراهم البیض؟ قال:«لا بأس» (3) .

وعن الشیخ علیه السلام حمل الثانیة علی ما إذا لم یکن علی الدرهم اسم اللٰه

ص :303


1- (1)) وسائل الشیعة 2:342،الباب 37 من أبواب الحیض.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:214،الباب 18 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:214،الباب 18 من أبواب الجنابة،الحدیث2.

..........

سبحانه (1) ،ولکن لا یخفی ما فیه من البعد فإنّه لا یحتمل أن یسأل إسحاق بن عمّار عن مسّ الدرهم الذی لیس علیه اسم اللٰه وأنّ الجنب والحائض یجوز لهما مسّه أم لا.

ودعوی أنّه کان یحتمل نجاسة بدن الجنب والحائض ما لم یغتسلاً فلذا سأل عن مسّهما الدراهم لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّه مع فرض بُعد هذا الاحتمال فی نفس ینافیه تقیید الدراهم بالبیض فی سؤاله،والظاهر أنّ تلک الدراهم کان مکتوباً علیها اسم اللّٰه أو من القرآن فلذا سأل عن حکم مسّهما.

ویمکن الجمع بینهما بأنّ ظاهر النهی فی موثّقة عمّار تعلّقه بمسّ نفس الکتابة، والترخیص فی موثّقة إسحاق فی مسّ نفس الدراهم.

وبتعبیر آخر،تکون الأُولی قرینة علی تقیید الترخیص فی الثانیة بالإضافة إلی غیر موضع الکتابة،حیث إنّ النهی فی موثّقة عمّار عن المسّ الشمولی الکتابة فتکون قرینة علی أنّ المراد بالثانیة المسّ غیر الشمولی لموضع الکتابة بأن یأخذه عن الغیر حال جنابته.

وربّما یستأنس بذلک بما رواه المحقّق فی المعتبر من کتاب جامع البزنطی،عن محمّد بن مسلم،عن أبی جعفر علیه السلام قال:سألته هل یمسّ الرجل الدرهم الأبیض وهو جنب؟ فقال:«واللٰه إنّی لأُوتی بالدرهم فآخذه وإنّی لجنب» (2) .

وبما رواه عن الحسن بن محبوب فی کتاب مشیخته،عن خالد،عن أبی الربیع الشامی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الجنب یمسّ الدراهم وفیها اسم اللٰه واسم رسوله؟ قال:«لا بأس به ربّما فعلت ذلک» (3) فإنّه لا یحتمل عادة أن یکون أخذه علیه السلام یراد به

ص :304


1- (1)) التهذیب 1:126،ذیل الحدیث 32.
2- (2)) المعتبر 1:188،وعنه فی الوسائل الشیعة 2:214،الباب 18 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.
3- (3)) المعتبر 1:188،وعنه فی وسائل الشیعة 2:215،الباب 18 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

..........

مسّه الکتابة؛ فإنّ الکتابة لو لم تکن مسّها محرّمة فلا أقلّ من کراهته ویبعد الالتزام بأنّه علیه السلام کان یفعل المکروه خصوصاً بملاحظة ذیل روایة محمّد بن مسلم حیث ورد فی ذیلها:«وما سمعت أحداً یکره من ذلک شیئاً إلّاأنّ عبداللٰه بن محمّد کان یعیبهم عیباً شدیداً یقول:جعلوا سورة من القرآن فی الدرهم فیعطی الزانیة،وفی الخمر ویوضع علی لحم الخنزیر» (1) حیث یعطی هذا الذیل أنّه کان یحتمل السائل المنع الشرعی عن أخذ تلک الدراهم حال الجنابة والحیض،حیث إنّ أخذها معهما ترک لاحترام الکتابة واسم الجلالة فذکر علیه السلام لا مهانة فی مجرّد الأخذ،وهذا لا ینافی حرمة مسّ نفس الکتابه مع الحدث فإن أمکن هذا الجمع فهو،وإلّا فلابد من حمل النهی فی موثّقة عمّار علی الکراهة،ولکنّ هذا الحمل لا یناسب فعل الإمام علیه السلام فالمتعیّن ما تقدّم من الجمع بین المسّ الشامل للکتابه أیضاً وعدمه واللٰه سبحانه هو العالم.

وأمّا سائر أسمائه تعالی وصفاته المختصّة کما إذا لم یکن الاسم علماً لذاته المقدّسة،بل یطلق علیه سبحانه ولو بتضمّنه وصفاً یختصّ به کقوله:یا من لم یلد ولم یولد ویا فاطر السماوات والأرض ویا من لا یخفی علیه شیء،فجریان الحرمة فی مسّ کتابتها مبنی علی أحد أمرین:

الأوّل:أنّ الوارد فی موثّقة عمّار المتقدّمة:«لا یمسّ الجنب درهماً ولا دیناراً علیه اسم اللٰه» (2) وأنّ اسم اللٰه یعمّ مسّ کتابة ما ذکر فإنّها من أسمائه الحسنی.

والثانی:أنّه وإن یلتزم بانصراف اسم اللّٰه إلی لفظ الجلالة؛ ولذا عطف الماتن سائر أسمائه علی اسم اللٰه،وکذا غیره ولو لم یکن هذا الانصراف لم یکن للعطف

ص :305


1- (1)) المعتبر 1:188.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:214،الباب 18 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

وجه،ولکنه یدّعی الوثوق بعدم الفرق بین التعظیم اللازم بین لفظ الجلالة وسائر وکذا مسّ أسماء الأنبیاء والأئمّة علیهم السلام علی الأحوط[1]

.

الثانی:دخول مسجد الحرام ومسجد النبیّ صلی الله علیه و آله علی الأحوط وإن کان بنحو المرور[2]

.

--------------

أسمائه الحسنی غیر المشترکة،ولکنّ الکلام فی حرمة المسّ جنباً لا فی لزوم التعظیم فیما کان ترکه مهانة،وممّا ذکر یظهر وجه الجواز فیما إذا لم یکن الوصف مختصّاً ولکن أراد القائل أو الکاتب ذاته المقدّسة کما إذا کتب علی الدرهم یا کریم یا بصیر.

مس أسماء الأنبیاء والأئمة علیهم السلام

[1]

أسماء سائر الأنبیاء والأئمّة علیهم السلام وإن کانت من العلم إلّاأنّ الوارد فی موثّقة عمّار:اسم اللٰه تعالی،والتعدّی منه إلی أسماء الأنبیاء والأئمّة فیما إذا کتبت علی الدرهم أو غیره مریداً به النبیّ أو الإمام صلوات اللٰه وسلامه علیهما یحتاج إلی دعوی عدم احتمال الفرق فی لزوم التعظیم أو دعوی الإجماع علی عدم الفرق، ولا یمکن الاعتماد علی شیء ممّا ذکر لما تقدّم من أنّ حرمة المهانة غیر مسألة حرمة مسّ الکتابة جنباً،ودعوی الإجماع کماتری؛ ولذا احتاط الماتن قدس سره.

دخول مسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله

[2]

لا یجوز للجنب أن یدخل المسجد الحرام ومسجد النبیّ صلی الله علیه و آله ولو اجتیازاً بلا خلاف معروف أو منقول من الأصحاب.

نعم،نقل فی الذکری عن الصدوقین والمفید أنّهم أطلقوا المنع عن دخول المساجد للجنب إلّااجتیازاً (1) .

ص :306


1- (1)) الذکری 1:267.

..........

ویشهد للحکم صحیحة جمیل قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الجنب یجلس فی المساجد؟ قال:«لا،ولکن یمرّ فیها کلّها إلّاالمسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله » (1) .

وفیما رواه عن جمیل بن درّاج فی الکافی عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«للجنب أن یمشی فی المساجد کلّها ولا یجلس فیها إلّاالمسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله » (2) .

وفی صحیحة محمّد بن حمران،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن الجنب یجلس فی المسجد؟ قال:«لا،ولکن یمرّ فیه إلّاالمسجد الحرام ومسجد المدینة» (3) .

والحاصل لا مجال للمناقشة فی الحکم وأنّ المراد بالمشی فیما رواه الکلینی عن جمیل هو الاجتیاز والمرور کما یأتی،هذا مع وجود سهل بن زیاد فی سنده، وفی صحیحة أبی حمزة الثمالی،عن أبی جعفر علیه السلام:إنّ اللّٰه أوحی إلی نبیّه أن طهّر مسجدک - إلی أن قال -:ولا یمرّن فیه جنب (4) .

ثمّ إنّه قد ورد فی صحیحة أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام:إذا کان الرجل نائماً فی المسجد الحرام أو مسجد الرسول فاحتلم فاصابته جنابة فلیتیمّم ولا یمرّ فی المسجد إلّامتیمّماً و لا بأس أن یمرّ فی سائر المساجد (5) .وظاهرها تعیّن التیمّم فیما إذا توقّف الخروج عن المسجد علی المرور فیها جنباً،ولا بأس بالالتزام بلزوم

ص :307


1- (1)) وسائل الشیعة 2:205،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
2- (2)) الکافی 3:50،الحدیث 3.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:206،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:205،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:206،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 6.

الثالث:المکث فی سائر المساجد[1]

بل مطلق الدخول فیها علی غیر وجه المرور،وأمّا المرور فیهابأن یدخل من باب ویخرج من آخر فلابأس به.

--------------

التیمّم فی الفرض حیث إنّ المکلّف غیر واجد للماء بالإضافة إلی المرور فیها متطهّراً،ولا یشرع بهذا التیمّم البقاء حیث إنّه متمکّن من الکون فیهما بالطهارة المائیة یعنی الاغتسال؛ لتمکّنه من الخروج متطهّراً بالطهارة الترابیة والاغتسال خارج المسجد.

نعم،إذا لم یتوقّف الخروج عن المسجدین علی المرور فیها جنباً کما إذا کان نائماً خلف باب المسجد وبوضع قدمه خارج الباب یخرج من المسجد من غیر مرور فیه فلا دلالة للصحیحة علی تعیّن التیمّم أو مشروعیّته،کما أنّه إذا فرض تمکّنه من الاغتسال فی المسجدین من غیر تنجیسهما وکون زمان الغسل بمقدار زمان التیمّم فلا دلالة لها أیضاً علی مشروعیّة التیمّم،بل علیه أن یغتسل؛ لخروج هذا الفرض عن فرض الروایة کما یظهر ذلک لمن تأمّل حال المسجدین فی ذلک الزمان مع فرض احتلام الشخص فیها،بل الأمر فی هذا الزمان أیضاً کذلک.

المکث فی سائر المساجد

[1]

قد ورد فی جملة من الروایات نهی الجنب عن الجلوس فی المساجد والترخیص فی الاجتیاز والمرور فیها،وربّما تعطی هذه الروایات أنّ المنهی عنه هو المکث فیها جلوساً أو وقوفاً،وأنّ نفس الدخول فیها غیر منهی عنه،ولکن هذا غیر صحیح،وفی صحیحة زرارة،ومحمّد بن مسلم،عن أبی جعفر علیه السلام قالا:قلنا له:

الحائض والجنب یدخلان المسجد أم لا؟ قال:الحائض والجنب لا یدخلان المسجد إلّا مجتازین إنّ اللٰه تبارک وتعالی یقول: «وَ لاٰ جُنُباً إِلاّٰ عٰابِرِی سَبِیلٍ حَتَّیٰ تَغْتَسِلُوا» (1)

ص :308


1- (1)) و سائل الشیعة 2:207،الباب 15 من أبواب الجنابة ،الحدیث 10،والآیة 43 من سورة النساء.

...

--------------

فالنهی عن الجلوس فیها إمّا لوقوع السؤال عنه أو لکونه هو الغرض من الدخول فی غیر أوقات الصلاة فیدخلون فیها لأجله،والذی تقدّم من حرمة المکث فی المساجد هو المعروف بین أصحابنا،بل لم ینسب الخلاف إلّاإلی سلّار حیث نقل عنه الکراهة (1) ،وتقدّم أنّ الکراهة فی کلام القدماء کالأخبار تستعمل فی معناها اللغوی وهو المنع فلا ینافی إرادة التحریم.

نعم،ذکر الصدوق قدس سره فی الفقیه من جملة ما یجوز للجنب:أن ینام فی المسجد ویمرّ فیه (2) .

ویقال إنّه یدلّ علی جواز نوم الجنب صحیحة محمّد بن القاسم قال:سألت أبا الحسن علیه السلام عن الجنب ینام فی المسجد؟ قال:«یتوضّأ ولا بأس أن ینام فی المسجد ویمرّ فیه» (3) وهذه الصحیحة دلالتها علی جواز نوم الجنب فی المساجد بعد الوضوء وإن کانت تامّة إلّاأنّ الصدوق قدس سره لم یعتبر الوضوء فی جوازه فبمدلولها معرض عنها عند الأصحاب فلا یمکن العمل بها.

ودعوی أنّ المراد بالوضوء فیه هو الاغتسال (4) لا یمکن المساعدة علیها،فإنّ ظاهر جواز نوم الجنب فیها کمروره فیها وبعد الاغتسال لا جنابة،کما أن دعوی أنّ الروایة لا اعتبار بها؛ لأنّها مخالف للکتاب المجید بالتباین (5) ،حیث إنّ الکتاب

ص :309


1- (1)) نقله العلامة فی المختلف 1:332،و انظر المراسم:42.
2- (2)) من لا یحضره الفقیه 1:87.ذیل الحدیث 191.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:210،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 18.
4- (4)) الوافی 6:422.
5- (5)) مصباح الفقیه 3:298.

المجید منع عن المکث والدخول فی المساجد بغیر اجتیاز حتّی یغتسل کما هو ...

--------------

ظاهر قوله سبحانه: «وَ لاٰ جُنُباً إِلاّٰ عٰابِرِی سَبِیلٍ حَتَّیٰ تَغْتَسِلُوا» (1) وهذه الروایة تدلّ علی المنع إلّاأن یتوضّأ لا یمکن المساعدة علیها فإنّ «حتّی تغتسلوا» لیس قیداً زائداً علی حرمة دخول الجنب ومکثه فی المساجد حیث بعد الاغتسال لا جنابة،بخلاف الوضوء فإنّه قید فی حرمة الدخول والمکث حال الجنابة مع أنّ الجائز بالوضوء مکث ودخول خاص وهو الدخول للنوم فیه لا مطلق الدخول والمکث جنباً، فمدلول الروایة بالإضافة إلی الآیة أخصّ،کما یأتی فی الدخول فیها لأخذ شیء منها،فالعمدة فی الإغماض عنها إعراض المشهور وعدم العمل بمضمونها حتّی من الصدوق قدس سره.

وأمّا جواز المرور جنباً فی غیر المسجدین بأن یدخل من باب ویخرج منه فإنّ هذا النحو من المرور داخل فی الاجتیاز جنباً،ومثله ما إذا وقع بعض جوار المسجد ودخل فیها من موضع کسر وخرج من بابه أو موضع کسر آخر مقابل.

وبتعبیر آخر،هذا النحو من المرور هو المتیقّن من الدخول الجائز حیث إنّه معه عابر سبیل.

وأمّا إذا لم یجعل المسجد أو بعضه طریقاً لمروره بأن یدخل المسجد من بابه ویمشی فیها ویخرج من ذلک الباب أو من باب بجنب ذلک الباب،فالأظهر عدم جواز هذا النحو من المشی والمرور لو صدق علیه المرور؛ وذلک فإنّ الوارد فی روایة جمیل،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«للجنب أن یمشی فی المساجد کلّها ولا یجلس فیها إلّا المسجد الحرام» (2) .والوارد فی صحیحة محمّد بن حمران:الجنب یمرّ فی المسجد

ص :310


1- (1)) سورة النساء:الآیة 43.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:206،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

..........

إلّا المسجد الحرام ومسجد المدینة (1) .ومقتضی الأُولی جواز المشی والدخول المزبور،کما أنّ مقتضی الثانیة کذلک لو قیل بأنّ المرور یعمّه.

ولکن الوارد فی صحیحة زرارة ومحمّد بن مسلم:«الجنب والحائض لا یدخلان المسجد إلّامجتازین» (2) والاستثناء فی هذه الصحیحة یدلّ علی جواز الاجتباز،والجملة المستثنی منه تدلّ علی حرمة غیر الدخول اجتیازاً،والنسبة بین هذه الجملة المستثنی منه وما تقدّم من تجویز المشی جنباً فی المساجد والمرور فیها العموم من وجه،فإنّ مقتضی ما تقدّم جواز المشی اجتیازاً فلاینافیه الجملة المستثنی منه،کما أنّ مقتضی هذه الجملة حرمة الجلوس فیها جنباً حیث إنّه غیر الدخول الاجتیازی فلا ینافیها فی ذلک ما تقدّم من تجویز المشی.

وأمّا إذا کان المشی بغیر الاجتیاز فمقتضی الجملة المستثنی منه حرمته،حیث إنّه غیر الاجتیاز،ومقتضی ما تقدّم جوازه حیث إنّه مشی أو مرور،والترجیح مع الجملة المستثنی منه لموافقتها للکتاب المجید حیث إنّ مقتضاه عدم جواز الدخول فی المساجد غیر عابری سبیل.

أضف إلی ذلک ضعف الروایة الوارد فیها المشی سنداً،وعدم إحراز صدق المرور الوارد فی بعض الروایات المعتبرة بمثل الدخول من باب والمشی والخروج من ذلک الباب.

أقول: ما ذکرنا ملخّص کلام السیّد الخوئی (3) رضوان اللٰه علیه ولا حاجة إلیه؛ لأنّ وکذا الدخول بقصد أخذ شیء منها،فإنّه لا بأس به[1]

،

ص :311


1- (1)) وسائل الشیعة 2:206،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:207،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 10.
3- (3)) التنقیح فی شرح العروة الوثقی:کتاب الطهارة،فصل فیما یحرم علی الجنب،الثالث.

--------------

روایة تجویز المشی أو مطلق المرور أیضاً تعارضها الجملة المستثنی منه فی الکتاب المجید بالعموم من وجه بعد تخصیصها أو تقییدها بغیر المسجدین،فلا یکون لإطلاق تجویز المشی والمرور اعتبار حتّی وإن لم یکن فی البین صحیحة زرارة ومحمّد بن مسلم کما لا یخفی.

الدخول فی المساجد لأخذ شیء منها

[1]

الظاهر من جماعة المصرّح به فی کلام بعضهم أنّ للجنب أن یأخذ متاعه أو نحوه ممّا یکون فی المسجد ولکن لا یجوز له وضع شیء فیه،فلو أراد الجنب وضع شیء فیه من الخارج أو فی حال اجتیازه لا یجوز،ولکن لو أراد أخذ شیء منه من الخارج أو فی حال اجتیازه یجوز.

وبتعبیر آخر،الوضع فیه والأخذ منه بنفسهما متعلّقان للحرمة والحلّیة وأنّ حرمة الوضع لا تنافی حلّیة الدخول کالوضع فی حال الاجتیاز کما أنّ حلّیة الأخذ لا ینافی حرمة الدخول کالأخذ من المسجد بآلة کالخشب کما أنّه إذا دخل اجتیازاً فلا بأس بأخذه المتاع،کما أنّ ظاهر جماعة أنّ الأخذ منه أو الوضع فیه لیسا بأنفسهما متعلقا الحلیة والحرمة،بل کلّاً منهما فی أنفسهما محلّل وإنّما الحلّیة والحرمة للدخول فی المسجد لأجلهما،فإن دخله لمجرّد أخذ شیء منه من غیر کون دخوله اجتیازاً جاز ذلک الدخول،ولو دخل فیه لمجرّد وضع شیء فیه وبلا اجتیاز حرم ذلک الدخول،وعن ظاهر بعض کالماتن الوضع فی المسجد فی نفسه محرّم ولو لم یکن فی الوضع فیه دخول فی المسجد ولکن الأخذ فیه حلال ویوجب حلیة الدخول فیه ولو للأخذ؛ ولذا عطف فی عبارته للدخول فی المسجد مروراً الدخول فیه لأخذ شیء فیه.

ص :312

..........

والمستند فی هذا التفصیل ما استظهر من تفرقة الإمام علیه السلام فی صحیحة زرارة ومحمّد بن مسلم بین أخذ الشیء من المسجد والوضع فیه قال أبو جعفر علیه السلام فیها:الحائض والجنب لا یدخلان المسجد إلّامجتازین - إلی أن قال - [3]

ویأخذان من المسجد ولا یضعان فیه شیئاً،قال زرارة:قلت له:فما بالهما یأخذان منه ولا یضعان فیه؟ قال:

لأنّهما لا یقدران علی أخذ ما فیه إلّامنه،ویقدران علی وضع ما بیدهما فی غیره (1) .

بدعوی أنّ المتفاهم العرفی من تفرقته علیه السلام فی التعلیل أنّ عدم إمکان أخذ الجنب شیئاً من المسجد حال جنابته إلّامن المسجد اضطرار نوعی إلی الأخذ أو الدخول فیه،وبهذا الاعتبار جوّز الشارع الأخذ منه ولو بالدخول فیه جنباً،بخلاف الوضع فإنّه لا اضطرار نوعاً لوضع الشیء فیه حال جنابته فیمکن وضعه فی مکان آخر فلم یجوز الشارع الوضع فیه ولا الدخول فیه لأجله.

ولکن یمکن أن یقال إنّ الأخذ منه والوضع فیه أمران ذکر حکمهما بعد ذکر حکم دخول الجنب فی المساجد من أنّه لا یجوز له الدخول فیها إلّااجتیازاً، ومقتضی ذلک أن یکون للوضع وللأخذ بأنفسهما خصوصیة لا ترتبط بجواز الدخول کما فی الدخول اجتیازاً وحرمته کما فی الدخول فیها من غیر اجتیاز.

لا یقال: قوله علیه السلام فی صحیحة عبداللٰه بن سنان قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الجنب والحائض یتناولان من المسجد المتاع یکون فیه؟ قال:«نعم،ولکن لا یضعان فی المسجد شیئاً» (2) مقتضاه تجویز التناول ولو لم یمکن فی المسجد الاجتیاز،کما إذا لم یکن له إلّاباب واحد فتجویز التناول من المسجد المزبور تجویز للدخول فیه.

ص :313


1- (1)) وسائل الشیعة 2:213،الباب 17 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:213،الباب 17 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

والمشاهد کالمساجد فی حرمة المکث فیها[1]

.

--------------

فإنّه یقال: الصحیحة ناظرة إلی حکم التناول فی نفسه وحکم الوضع فی نفسه، ولا نظر لها إلی صورة توقّف التناول من المسجد إلی محرم آخر،کالجلوس فی المسجد لأخذ الشیء المنتشر فیه بجمع أجزائه ولو أُغمض عن ذلک وفرض إطلاقها فیعارض الإطلاق الجملة المستثنی منه فی صحیحة زرارة ومحمّد بن مسلم حیث إنّ مدلولها عدم جواز الدخول فی المساجد بغیر الاجتیاز،وحیث إنّ النسبة بین تلک الجملة وتجویز التناول من المسجد العموم من وجه یجتمعان فی التناول الذی لا یمکن بغیر اجتیاز فیرجع بعد تساقطهما إلی المستثنی منه فی الآیة المبارکة الدالّة علی حرمة الدخول والقرب إلی المسجد إذا لم یکن بنحو عابر سبیل.

وممّا ذکر یظهر وجه المناقشة فیما ذکر للقول الثانی من الاستدلال بأنّ تحریم الوضع لتحریم الدخول لا أن الوضع بنفسه محرّم،وتجویز الأخذ لتجویز الدخول لا لأنّ للوضع بنفسه خصوصیة،والقرینة علی ذلک التعلیل فی صحیحة زرارة ومحمّد بن مسلم حیث إنّ مفاده العرفی هو الاضطرار إلی الدخول فی موارد الوضع وعدم الاضطرار علی الوضع لیضطر إلی الدخول،فلا یجوز الدخول فی الثانی ویجوز الدخول فی الأوّل.

ووجه المناقشة أنّ حکم الوضع والأخذ قد ذکر بعد الفراغ عن حکم الدخول وأنّه یأخذ ما فی المسجد ولا یضع شیئاً فیه.

حکم المشاهد المشرّفة

[1]

وقد صرح جماعة من الأصحاب بأنّ المشاهد المشرفة تلحق بالمساجد فی الحکم السابق حیث إنّ للمشاهد منزلة المساجد بل أعظم منها مقاماً وأنها تدخل فی بیوت إذن اللّٰه أن ترفع ویذکر فیها اسمه.

ص :314

..........

وفیه أنّ الموضوع لحرمة الدخول أو المکث المسجد ولا یعم هذا العنوان المشهد.

وبتعبیر آخر،کون الملاک فی الحکم المزبور منزلة المسجد ومقامه ممّا لا ینبغی التأمّل فیه،وأمّا کونها تمام الملاک فی الحکم المزبور فلا سبیل لنا إلی إحرازه.

ودعوی أنّ ترک الدخول جنباً فی المشاهد یحسب من تعظیم شعائر اللٰه کترک دخول الجنب المساجد لا یمکن المساعدة علیها؛ فإنّ الآیة لا دلالة لها علی لزوم جمیع مراتب التعظیم؛ ولذا یجوز للمحدث بالأصغر دخول المساجد مع أنّ ترک الدخول فیها بلا وضوء لا یستوی والدخول فیها بالوضوء بالإضافة إلی تعظیمها.

نعم،فی البین بعض الروایات وربّما یقال باستفادة الحکم منها،وتلک الروایات ما دلّت علی المنع من دخول بیوت الأنبیاء جنباً کصحیحة بکر بن محمّد الّتی رواها الصفار فی بصائر الدرجات قال:خرجنا من المدینة نرید منزل أبی عبداللّٰه علیه السلام فلحقنا أبو بصیر خارجاً من زقاق وهو جنب،ونحن لا نعلم حتّی دخلنا علی أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:فرفع رأسه إلی أبی بصیر فقال:یا أبا محمّد أمّا تعلم أنّه لا ینبغی لجنب أن یدخل بیوت الأنبیاء،قال:فرجع أبوبصیر ودخلنا (1) .ورواه الحمیری فی قرب الإسناد عن أحمد بن إسحاق عن بکر بن محمّد للأزدی (2) .

والحاصل أنّ السند فی الحدیث ممّا لا ینبغی فیه التأمّل،وأمّا دلالتها فهی غیر تامّة فإنّه لا یستفاد ممّا:«لا ینبغی» الحرمة مع أنّ کون المشهد بیتاً للإمام علیه السلام غیر

ص :315


1- (1)) بصائر الدرجات:261،الحدیث 23.
2- (2)) قرب الإسناد:43،الحدیث 140.

..........

ظاهر،ولا یصحّحه دعوی أنّه لا فرق بین حیاة الإمام علیه السلام ومماته فإنّ کون الإمام علیه السلام حیّاً عند ربّه یرزق لا یقتضی حضوره فی مشهده وکون مشهده بیتاً له.

وممّا یؤکّد عدم التحریم فی دخول بیوتهم جنباً أنّ تعرض الإمام علیه السلام لدخول أبی بصیر؛ لأنّه أراد اختبار الإمام علیه السلام بدخوله جنباً کما یظهر ذلک ممّا رواه علی بن عیسی فی کشف الغمّة حیث ذکر فیما رواه قال:أبو بصیر دخلت علی أبی عبداللّٰه علیه السلام وأنا أُرید أن یعطینی من دلالة الإمامة مثل ما أعطانی أبوجعفر علیه السلام فلمّا دخلت وکنت جنباً،فقال:یا أبا محمّد أما کان لک فیما کنت فیه شغل تدخل علیّ وأنت جنب،فقلت:ما عملته إلّاعمداً،قال:أو لم تؤمن قلت:بلی ولکن لیطمئن قلبی (1) .وظاهره علم أبی بصیر بالحکم وأنّ المنع یکون علی غیر وجه التحریم.

نعم،ظاهر ما رواه الکشّی حرمة الدخول وأنّ أبا بصیر قد فهم من تعرّض الإمام حرمة الدخول ولکنّها بحسب السند ضعیفة.

وأمّا ما یقال فی وجه تأیید عدم الحرمة من ابتلاء من یعیشون فی بیوتهم بالجنابة کأزواجهم وأولادهم وخدمهم حیث کانوا فی بیوتهم علیهم السلام وکانوا یحتلمون أو یجنبون ولم یرد فی شیء من الأخبار إخراجهم علیهم السلام هؤلاء حال جنابتهم أو منعهم عن دخولهم حال جنابتهم.

وما یقال فی ردّ هذا التأیید من أنّ المنع قد ثبت فی حقّ من أجنب خارج بیوتهم،وأمّا من أجنب فی بیوتهم فهو خارج عن هذا المنع موضوعاً لا یمکن المساعدة بشیء منهما.

ص :316


1- (1)) کشف الغمّة 2:404.

الرابع:الدخول فی المساجد بقصد وضع شیء فیها،بل مطلق الوضع فیها، وإن کان من الخارج أو فی حال العبور[1]

.

الخامس:قراءة سور العزائم،وهی سورة «اقرأ» و«النجم» و«الم تنزیل» و«حم السجدة» وإن کان بعض واحدة منها[2]

،بل البسملة أو بعضها بقصد إحداها علی الأحوط،لکن الأقوی اختصاص الحرمة بقراءة آیات السجدة منها.

--------------

والوجه فی عدم المساعدة إمکان عدم شمول هذا الحکم لمن یعیش فی بیت الإمام علیه السلام ولو بعنوان الخادم سواء أجنب داخل بیته علیه السلام أو خارجه کما ذکروا عدم شمول الحکم بدخول المساجد جنباً للإمام علیه السلام.

وکیف کان،فالحکم فی المشاهد مبنی علی الاحتیاط،ولا فرق فی الدخول فیها بنحو الاجتیاز والمرور أو للجلوس کما هو ظاهر ما تقدّم:«أمّا تعلّم أنه لا ینبغی للجنب أن یدخل بیوت الأنبیاء»

[1]

قد تقدّم الکلام فی ذلک فی الأمر الثالث فلا نعید.

قراءة سور العزائم

[2]

سور العزائم أربع:سورة العلق المعبر عنها بسورة اقرأ،والنجم،والم تنزیل المعبر عنها بسورة السجدة،وحم السجدة المعبر عنها بسورة فصّلت.

والعجب أنّ المذکور فی کلام بعضهم کالصدوق حیث ذکر فی الفقیه:لا بأس للجنب أن یقرأ القرآن کلّه ما خلا العزائم التی یسجد فیها وهی سجدة لقمان وحم السجدة والنجم وسورة اقرأ باسم ربّک (1) ،مع أنّ فی سورة لقمان لیست سجدة، وفی صحیحة عبداللٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«والعزائم أربعة:حم السجدة وتنزیل والنجم واقرأ باسم ربّک» (2) وکذا غیرها،مع أنّ الصدوق قدس سره روی فی الخصال

ص :317


1- (1)) من لا یحضره الفقیه 1:86،الحدیث 191.
2- (2)) وسائل الشیعة 6:239 -\240،الباب 42 من أبواب قراءة القرآن،الحدیث الأوّل.

..........

عن أحمد بن محمّد بن عیسی،عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر البزنطی،عن داود بن سرحان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«إنّ العزائم أربع:اقرأ باسم ربّک الذی خلق والنجم وتنزیل السجدة وحم السجدة» (1) بناءً علی ما هو المشهور بین الأصحاب من أنّ البسملة جزء السور حتّی فی قراءتها.

ثمّ إنّ الکلام فی المقام یقع فی أنّ المحرّم علی الجنب والحائض قراءته خصوص آیة السجدة من السور الأربع أو أنّ المحرّم قراءته تلک السور ولو ببعضها حتّی البسملة منها أو بعض البسملة فیما إذا قرأها أو بعضها بقصد بسملة تلک السور.

والمستند للاختلاف فی المقام أنّ الوارد فی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال:قلت له:الحائض والجنب یقرءان من القرآن شیئاً؟ قال:«نعم،ما شاءا إلّا السجدة» (2) ونحوها غیرها فاختلف فی أنّ المراد بالسجدة فی الصحیحة ونحوها آیة السجدة أو سورة السجدة حیث إنّ السجدة فی نفسها غیر قابلة للقراءة فقد یقال بظهورها فی قراءة نفس آیة السجدة کما ورد فی بعض الروایات:«إذا قرأت السجدة فاسجد» (3) ولکن لو لم نقل بظهورها فی قراءة آیتها فلا أقلّ من إجمالها فعدم جواز القراءة فی آیة السجدة محرز،وفی قراءة غیرها یرجع إلی الإطلاقات الدالّة علی أنّ للجنب والحائض یقرآن حیث یرفع الید عن إطلاقها بالإضافة إلی قراءة السجدة ویؤخذ بها فی مورد الإجمال فی الأدلّة الناهیة عن قراءتهما السجدة.

ص :318


1- (1)) الخصال:252،الحدیث 124.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:312،الباب 7 من أبواب أحکام الخلوة،الحدیث 6.
3- (3)) وسائل الشیعة 6:240،الباب 42 من أبواب قراءة القرآن،الحدیث 3.

ولکن روی المحقّق فی المعتبر عن جامع البزنطی،عن المثنی،عن الحسن الصیقل،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«یجوز للجنب والحائض أن تقرأ ما شاء من القرآن إلّا ...

--------------

سور العزائم الأربع وهی:اقرأ باسم ربّک،والنّجم،وتنزیل السجدة،وحم السجدة» (1) وظاهرها کما قیل عدم جواز قراءتها بشیء من السور الأربع ویقال إنّ هذه ترفع الإجمال عن السابق ویعیّن أنّ متعلّق النهی لیس خصوص قراءة آیات السجدة من تلک السور.

والروایة من حیث السند لا بأس بها فإنّ للمحقّق سند إلی جامع البزنطی وغیره علی ما ذکر فی إجازاته والمراد من المثنی المثنی بن الولید الحنّاط،کما ورد فی بعض ما رواه البزنطی عن المثنی الحناط،وفی بعضها الآخر المثنی بن الولید، والحسن بن زیاد الصیقل من المعاریف وإن لم یکن توثیق خاصّ فی حقّه،ولکن فی رفع الید بها عن الإطلاق المتقدّم إشکال؛ وذلک لأنّ المذکور فی المعتبر:«یجوز للجنب والحائض أن یقرأ ما شاء من القرآن إلّاسور العزائم الأربع وهی:اقرأ باسم ربّک الذی خلق والنّجم وتنزیل السجدة وحم السجدة» روی ذلک البزنطی فی جامعه عن المثنی عن الحسن الصیقل عن أبی عبداللّٰه علیه السلام » (2) وظاهر ذلک أن ذکر الروایة استدلال علی ما ذکره أوّلاً،وعلیه فمن المحتمل أن تکون الروایة فی جامعه علی منوال ما تقدّم فی صحیحة زرارة واستظهر من قراءة السجدة قراءة سورها.

ویؤیّد ذلک عدم تعرّض المشایخ الثلاثة لنقلها حیث یوهم ترک نقلهم اتّحاد مضمونها مع ما تقدّم عندهم،الثانی أن السورة ظاهر إطلاقها تمامها ولا یطلق علی قراءة أبعاضها فلا یقال:قرأ فلان سورة الرحمن إلّاإذا أتمّها،وإذا لم یتمّها یقال:قرأ من سورة الرحمن.

ص :319


1- (1)) المعتبر 1:186 -\187.
2- (2)) المصدر المتقدم.

(مسألة 1) من نام فی أحد المسجدین واحتلم أو أجنب فیهما أو فی الخارج ودخل فیهما عمداً أو سهواً أو جهلاً وجب علیه التیمّم للخروج،إلّاأن یکون زمان الخروج أقصر من المکث للتیمّم فیخرج من غیر تیمّم،أو کان زمان الغسل فیهما مساویاً أو أقلّ من زمان التیمّم فیغتسل[1]

حینئذ.

--------------

وبتعبیر آخر،یطلق القرآن علی أبعاضه وإذا قرأ شخص آیة أو آیتین یقال:إنّه قرأ القرآن أو قرأ من القرآن،ولا یقال:إنّه قرأ سورة الرحمن،بل یقال:قرأ من تلک السورة، ولو کان الوارد فی الروایة یجوز للجنب أن یقرأ ما شاء من القرآن إلّامن سور العزائم کان الاستدلال بالروایة تامّاً،ولکن الوراد فیها:إلّاسور العزائم،فالمقام نظیر النهی عن تصویر ذوات الأرواح عند المشهور فإنّ ظاهر تصویرها تصویرهابتمامها لا تصویر أبعاضها أیضاً فلا یکون منع عن تصویر بعض ذی الروح.

نعم،لو کانت الصورة بحسب العرف صورة إنسان ناقص العضو فیدخل فی متعلّق النهی،وتفصیل الکلام فی محلّة.

والمتحصّل أنّ المحکم فی غیر قراءة آیة السجدة من تلک السور هو إطلاق ما دلّ علی جواز القراءة للجنب ما شاء من القرآن.

الاحتلام أو الجنابة فی أحد المسجدین

[1]

قد تقدّم أنّ لزوم التیمّم لخروج الجنب من المسجدین وارد فی حقّ من احتلم فی أحد المسجدین وفی صحیحة أبی حمزة الثمالی قال:قال أبوجعفر علیه السلام:

«إذا کان الرجل نائماً فی المسجد الحرام أو مسجد الرّسول صلی اللّٰه علیه وآله فاحتلم فأصابته جنابة فلیتیمّم ولا یمرّ فی المسجد إلّامتیمماً...ولا بأس أن یمرّا فی سائر المساجد» (1) ولکن الظاهر منها أن التیمّم حکم للشخص الجنب المتوسّط فی

ص :320


1- (1)) وسائل الشیعة 2:205 -\206،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.

..........

أحدالمسجدین حیث لا یجوز له المرور فیه جنباً ولا البقاء بغیر مرور،ولو أنّ هذا الظهور بمناسبة الحکم والموضوع حیث إنّ الاحتلام فیه فرض لکون الشخص متوسطاً فیه جنباً کما هو المتفاهم العرفی،وبما أنّ المرور فیه جنباً کالبقاء من غیر مرور غیر جائز فالأمر بالتیمّم والخروج به أمر باختیار المکث الأقلّ،وعلیه فلو کان زمان التیمّم مساویاً لزمان الخروج أو أکثر فلا یستفاد منها حکم هذه الصورة،بل مقتضی حرمة المکث فیه بالمرور أو غیره خروجه بلا تیمّم.

وبتعبیر آخر،الصحیحة غیر ناظرة إلی حکمها،بل منصرفها إلی الصورة المتعارفة نوعاً من کون المکث فیه بالمرور یکون أطول زماناً من زمان التیمّم.

وعلی الجملة،المتفاهم العرفی منها ولو بقرینة عدم جواز المکث فی المسجدین جنباً بالمرور وغیره أنّ الأمر بالتیمّم لتوقّف المکث ولو بالمرور علی أزید من زمانه،وإذا فرض عدم توقّف المرور علی المکث الزائد،سواء کان زمان المرور أقلّ من زمان المکث للتیمّم أو مساویاً،له فلا أمر بالتیمّم حیث إنّ التیمّم طهارة اضطراریة للمکث الزائد والمفروض عدم الاضطرار إلی المکث الزائد فی الفرض.

وقد ذکرنا سابقاً أنّ الأمر بالتیمّم فی الفرض لمکان عدم التمکّن من الاغتسال أصلاً لتوقّفه علی المکث الزائد علی المکث للتیمّم ومع تساوی زمانهما أو کون زمان التیمّم أطول فالمتعین الاغتسال لتمکنه فی الزمان الزائد علی زمان الاغتسال المساوی لزمان التیمّم أو کونه أقلّ من عدم المکث فی المسجد جنباً،والتیمّم طهارة اضطراریة علی ما هو المرتکز فی أذهان المتشرعة تصل النوبة إلیه مع عدم التمکّن من الطهارة المائیة.

ص :321

وکذا حال الحائض والنفساء[1]

.

--------------

حکم الحائض والنفساء فی أحد المسجدین

[1]

یقع الکلام تارة فی الحائض والنفساء بعد انقطاع الدم وحصول النقاء وقبل الاغتسال،وأُخری فی توسطهما فی أحد المسجدین فی حال الدم.

أمّا الأوّل فلا یبعد أن یقال بلحوقهما بالجنب للحوق النفساء بالحائض فیما یحرم علی الحائض کما یستفاد ذلک من بعض الروایات الواردة فی النفساء،وأمّا الحائض فیستفاد من بعض الروایات الواردة فی دخول الجنب فی المسجد،وکذا فی حرمة مسّ الکتابة وقراءة العزائم أنّ الجنب والحائض متساویان فی الأحکام المزبورة،وإذا لم یجز للحائض أیضاً المرور فی أحد المسجدین یجری علیها حکم المتوسّط فی أحد المسجدین جنباً فیما إذا أمکن رفع حدثها بالتیمّم ولو فی حال المرور کما فی الجنب،ویشهد للحوق الحائض الجنب فیما ذکر ظاهر صحیحة زرارة ومحمّد بن مسلم،عن أبی جعفر علیه السلام قال:«الحائض والجنب یدخلان المسجد أم لا؟ قال:قال:الحائض والجنب لا یدخلان المسجد إلّامجتازین إنّ اللٰه تبارک وتعالی یقول: «وَ لاٰ جُنُباً إِلاّٰ عٰابِرِی سَبِیلٍ حَتَّیٰ تَغْتَسِلُوا» (1) ولولا أنّ الحائض ملحقة فی الأحکام للجنب لم یکن وجه للاستدلال علی حکمهما بالآیة.

وأمّا إذا فرض توسّطهما فی أحد المسجدین حال الدّم وقبل النقاء فمقتضی عبارة الماتن کعبارة بعض الأصحاب عدم الفرق فی جریان حکم التیمّم،وقد ورد فی مرفوعة محمّد بن یحیی العطار،عن أبی حمزه أنّ المرأة إذا أصابها الحیض فی أحد المسجدین تتیمّم لخروجها (2) .ولکن ما رواه الشیخ بسنده الصحیح عن

ص :322


1- (1)) وسائل الشیعة 2:207،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 10،والآیة:43 من سورة النساء.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:205 -\206،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.

(مسألة 2) لا فرق فی حرمة دخول الجنب فی المساجد[1]

بین المعمور منها والخراب،وإن لم یصلّ فیه أحد ولم یبق آثار مسجدیّته.نعم،فی مساجد الأراضی المفتوحة عنوة إذا ذهب آثار المسجدیّة بالمرّة یمکن القول بخروجها عنها؛ لأنّها تابعة لآثارها وبنائها.

--------------

أبی حمزة غیر مشتمل علی حکم المرأة إذا اصابتها الحیض (1) ،وبما أنّ التیمّم لا یرفع الحدث مع الدم فلا یمکن الحکم بالاعتماد علی المرفوعة؛ لضعف سندها ومقتضی الأصل عدم وجوب التیمّم علیها،وکذا فی النفساء قبل انقطاع الدم.

وقد یقال بأنه یجوز لهما التیمّم فی خروجها عن المسجدین بعنوان الرجاء أو بقصد الاستحباب ویستند فی ذلک إلی الأخبار الواردة فی قاعدة التسامح فی السنن ویبنی علی أنّ المستفاد منها استحباب نفس العمل أو العمل المأتی به بقصد الرجاء،ولکن لا یمکن المساعدة علیه فإنّ استحباب نفس العمل لا یستفاد من تلک الأخبار.

نعم،یستفاد منها إعطاء الأجر فی العمل المأتی به بقصد الرجاء وأنّه یعطی علیه الثواب المأثور إلّاأنّ ذلک یؤخذ به فیما إذا لم یکن العمل مستلزماً لما یحرم بالأدلّة الأُخری کما فی المقام حیث إنّ تیمّمهما الموجب للمکث الزائد علی الخروج محرّم بما ورد فی حرمة المکث فی المسجدین جنباً أو حال الحیض.

الحرمة تعمّ المسجد الخراب

[1]

فإنّ الموضوع لحرمة الدخول فیه إلّااجتیازاً هو المسجد،والمسجد کما یصدق علی المعمور کذلک یصدق علی المخروب،وسواء صار بحیث لا یصلی فیه أحد لخرابه أو غیره أم لا.

ص :323


1- (1)) التهذیب 1:407،الحدیث 18.

(مسألة 3) إذا عیّن الشخص فی بیته مکاناً للصلاة وجعله مصلّی له لا یجری علیه حکم المسجد[1]

.

(مسألة 4) کلّ ما شکّ فی کونه جزءاً من المسجد من صحنه والحجرات التی فیه ومنارته وحیطانه ونحو ذلک لا یجری علیه الحکم[2]

،وإن کان الأحوط الإجراء إلّاإذا علم خروجه منه.

--------------

نعم،إذا صار بحیث لم یبقَ فیه شیء من الآثار المسجدیّة کما إذا صار نهراً أو جادّة أو بستاناً،سواء کان صیرورته کذلک قد وقع علی وجه العصیان والغصب أم لا،کما إذا أذهب السیل الآثار الباقیة من مسجد مخروب ونبت فیه الکلأ وصار مرعی فإنّه فی مثل ذلک لم یصدق علیه أنّه مسجد،بل یقال إنّه کان مسجداً أو کون وقف المساجد تحریراً لا ینافی زوال عنوان المسجد مع بقاء الأرض محررة لا تدخل فی الملک.

وبهذا یظهر الحال فی المساجد فی الأراضی المفتوحة عنوة فإنّ مع زوال آثار الملکیّة رأساً وتعنون الأرض بعنوان آخر وإن ترتفع الأحکام المترتبة علی عنوان المسجد إلّاأنّ الأرض فی تلک الأراضی لا تصیر ملکاً للمسلمین؛ لأنّ تحریر الأرض عن الملکیّة ولو حصل تبعاً للآثار ینافی عود الأرض إلی الملکیّة وإنّما یکون ذلک فیما إذا صارت الأرض مملوکة لشخص تبعاً للآثار وإذا زالت الآثار زالت ملکیّة الأرض له أیضاً ولا ینافی زوال الملکیّة الشخصیّة لعودها إلی ملک المسلمین.

[1]

فإنّ الموضوع لحرمة الدخول فیه إلّااجتیازاً هو المسجد لا المصلی فی بیت أو غیره کما تقدّم.

حکم ما شک فی کونه جزءاً من المسجد

[2]

لأنّ الأصل عدم وقفها مسجداً والمفروض أنّ الآثار الخاصّة الموضوع لها کون المکان مسجداً ولا أقل من أصالة الحلّیّة فی الدخول فیه جنباً أو حال الحیض أو

ص :324

(مسألة 5) الجنب إذا قرأ دعاء کمیل الأولی والأحوط أن لا یقرأ منها[1]

«أَ فَمَنْ کٰانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کٰانَ فٰاسِقاً لاٰ یَسْتَوُونَ »

لأنّه جزء من سورة «حم السجدة»، وکذا الحائض،والأقوی جوازه لما مرّ من أنّ المحرّم قراءة آیات السجدة لا بقیّة السورة.

(مسألة 6) الأحوط عدم إدخال الجنب فی المسجد،وإن کان صبیّاً أو مجنوناً أو جاهلاً بجنابة نفسه[2]

.

--------------

النفاس نعم إذا کانت فی موضع السیرة العملیة معاملة المسجد معه یکون السیرة العملیة طریقاً معتبراً فی إحراز کونه مسجداً،کما فی إحراز عموم الوقف أو خصوصه فی سائر الأماکن الموقوفة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ جدران المسجد والمراد جدران بنائه جزء منه،فلو کان علی بعض جدرانه شبّاکاً وأراد الجنب المکث بالجلوس أو غیره أو وضع المتاع فی موضع الشباک لم یجز،وکذا إذا ما وقع بعض الجدار وأراد الجلوس فی موضع کسره، واللٰه سبحانه وهو العالم.

[1]

لاحتمال عدم جواز قراءة بعض سور العزائم أیضاً وإن لم یتمّ علیه الدلیل، بل مقضی الإطلاق کما تقدّم جوازه؛ ولذا یکون الاحتیاط استحبابیاً.

ثمّ إنّ ما فی المتن من أنّها جزء من سورة حم السجدة من غلط النسخة أو من سهو القلم فإنّ الآیه المزبورة جزء من سورة الم تنزیل یعنی سورة السجدة لا من حم فصلت.

عدم جواز إدخال الجنب فی المسجد

[2]

قد تقدّم سابقاً أنّ ظاهر النهی عن فعل وإن کان الفعل المباشری إلّاأنّه یفهم منه عرفاً عدم جواز إیجاده بنحو التسبیب إلی فعل الغیر،مثلاً إذا نهی عن

ص :325

(مسألة 7) لا یجوز أن یستأجر الجنب لکنس المسجد فی حال جنابته،بل الإجارة فاسدة،ولا یستحق أُجرة[1]

،نعم،لو استأجره مطلقاً ولکنّه کنس فی حال جنابته وکان جاهلاً بأنّه جنب أو ناسیاً استحقّ الأُجرة بخلاف ما إذا کنس عالماً، فإنّه لا یستحق لکونه حراماً،ولا یجوز أخذ الأُجرة علی العمل المحرّم،وکذا الکلام فی الحائض والنفساء،ولو کان الأجیر جاهلاً أو کلاهما جاهلین فی الصورة الأُولی أیضاً یستحقّ الاُجرة؛ لأنّ متعلّق الإجارة وهو الکنس لا یکون حراماً،وإنّما الحرام الدخول والمکث،فلا یکون من باب أخذ الاُجرة علی المحرّم.

--------------

الشرب أو أکل النجس یکون المتفاهم العرفی عدم جواز التسبیب إلی شرب الغیر أو أکله النجس،وکذا فی المقام نهی الجنب عن الدخول فی المسجد،ولکنّ المتفاهم العرفی فیما کان ذلک الغیر أیضاً مکلّفاً بذلک التکلیف ولو واقعاً وإن کان معذوراً فی مخالفته لعدم إحرازه فعلیه ذلک التکلیف فی حقه لجهله بحصول الموضوع له،وأمّا إذا لم یکن الغیر مکلّفاً بذلک التکلیف واقعاً کما فی الصبی والمجنون والغافل عن الموضوع له رأساً فلیس فی البین ما یوجب حرمة التسبیب.

نعم،لو أُحرز فی موارد أنّ المفسدة فی الفعل فیها بحیث لا یرضی الشارع بحصولها ویجب المنع عن الفعل علی المتمکّن کالزنا والسرقة واللواط ونحوهما، فحرمة التسبیب فیها ممّا لا کلام فیه؛ لأنّه إذا وجب المنع عن الارتکاب حتّی عملاً فکیف یکون التسبیب جایزاً؟ وحرمة دخول الجنب فی المساجد من قبیل الأوّل لا من قبیل القسم الثانی کما لا یخفی،وعلیه فالإدخال ولو کان بحمل الصبی المجنب أو حمل المجنون أو حتّی الغافل عن جنابته ممّا لا بأس به.

عدم جواز استئجار الجنب لکنس المسجد

[1]

ذکر قدس سره فی المسألة صوراً ثلاث:

الأُولی: أن یستأجر الجنب لکنس المسجد حال جنابته،وهذه الصورة علی فرضین:

ص :326

.

--------------

الأوّل:أن یعلم الأجیر بجنابته وفی هذا الفرض حکم ببطلان الإجارة وعدم استحقاقه علی کنسه أُجرة،وظاهره عدم استحقاقه حتّی أُجرة المثل لعمله.

الفرض الثانی:أن لا یعلم بجنابته أو نسیها کما إذا قال المستأجر آجرتک أن تکنس المسجد بالشروع من هذا الحین وحکم فی هذا الفرض باستحقاقه الاُجرة علی کنسه،وعلّل ذلک بأنّ نفس الکنس لیس بمحرم واقعاً حتّی لا یصحّ أخذ الاُجرة علیه،بل المحرم واقعاً دخوله المسجد أو مکثه فیه،والمفروض استیجاره علی الکنس لا علی الدخول والمکث.

الصورة الثانیة: ما إذا استأجره علی کنس المسجد من تقییده بحال جنابته أو ما یلازمه بحیث للأجیر أن یغتسل ثمّ یکنس،وفی هذه الصورة أیضاً ذکر فرضین:

أحدهما:أن یکنس المسجد حال جنابته مع علمه بجنابته وحکم أنّه لا یستحقّ فی الفرض الاُجرة،لوقوع عمله علی وجه الحرام فلا یستحقّها.

والثانی:أن لا یعلم بجنابته أو نسیها،سواء کان مع علم المستأجر بجنابته أو جهله بها أیضاً،وحکم فی هذا الفرض باستحقاقه الأُجرة علی الکنس؛ لأنّ الکنس فی نفسه لیس بحرام والمفروض عدم وقوعه أیضاً بوجه العصیان لجهله أو نسیانه جنابته.

الصورة الثالثة: ما إذا استأجره علی نفس الدخول فی المسجد أو المکث فیه، وحکم فی هذا الفرض ببطلان الإجارة وعدم استحقاقه الأُجرة،سواء فرض علمه بجنابته أو جهله بها؛ لأنّ الإنسان لا یستحقّ أُجرة علی العمل المحرم واقعاً.

وممّا ذکر یعلم بعدم الفرق أیضاً بجهل المستأجر أو علمه،ولا فرق فیما ذکر فی الصور الثلاث بین الجنب والحائض والنفساء علی ما تقدّم.

ویظهر ممّا ذکر فی الصورة الثالثة أنّه لو استأجر الجنب أو الحائض أو النفساء

ص :327

..........

للطواف المندوب کانت الإجارة باطلة ولو مع الجهل بالجنابة والحیض والنفاس؛ لأنّ الطواف المندوب - کما تقدّم منّا -بنفسه محرّم واقعاً حیث إنّه فی الحقیقة مکث فی المسجد الحرام حیناً فلا یستحقّ علیه حتّی أُجرة المثل،ومن هذا القبیل لو استؤجر أحد هؤلاء لقراءة سور العزائم بناءً علی حرمة قراءتها فإنّ متعلّق الإجارة بنفسه فعل حرام واقعاً فلا یصحّ الإجارة علیه ولا یستحقّ علیه أُجرة.

أقول: یلزم علی الماتن قدس سره أن یلتزم علی ما ذکره فی الصورتین الثانیة والثالثة بأنّه لواستؤجر شخص لحفر بئر فی أرض مملوکة للمستأجر مع تمکّنه من الحفر بوجه مباح،ولکنّه حفر البئر بمحفار مغصوب أنّ الأجیر لا یستحقّ أُجرة،علی حفره سواء استؤجر علی نفس الحفر أو استؤجر علی جعل البئر فی تلک الأرض،فإنّه علی الوجه الأوّل یعنی استیجاره علی الحفر یکون حفره محرّماً فلا یستحقّ علیه الأُجرة، وعلی الوجه الثانی یکون جعل البئر علی وجه العصیان فلا یستحقّها علی ما ذکره فی الصورة الثانیة.

وکیف ما کان،ففی الصورة الأُولی من الصور الثلاث مع فرض علم الأجیر بجنابته یکون استیجاره لکنس المسجد فاسداً؛ لعدم تمکّنه من العمل المستأجر علیه شرعاً،وأنّ ما دلّ علی وجوب الوفاء بالعقد والإجارة لا یعمّ الاستیجار المزبور؛ لتوقّف الوفاء بتسلیم العمل علی الدخول المحرّم.

لا یقال: یمکن أن یعمّه وجوب الوفاء بالعقد والإجارة علی نحو الترتّب وعصیان النهی عن دخول المسجد.

فإنّه یقال: إنّما یعتبر ملکیّة العمل للمستأجر وجواز إلزامه الأجیر بالعمل فیما إذا کان فی البین وجوب الوفاء بالعقد وبالإجارة مطلقاً،ومع عدمه کما هو الفرض فلا کاشف عن ملکیّته وحقّه لمطالبة الأجیر به.

ص :328

..........

وبتعبیرآخر،الترتّب المقرّر فی محلّه لا مجری له فی العقود والإیقاعات.

وعلی الجملة،مع فساد الإجارة لا یستحقّ الأجیر بعمله الأُجرة المسمّاة وهل یستحق أُجرة المثل أم لا؟ فعدم استحقاقه مبنی علی دعوی أنّ الشارع إذا حرّم ما یتوقّف علیه العمل وکانت الحرمة منجّزة بحیث یقع الموقوف علیه علی وجه العصیان،تکون الحرمة المنجّزة للمقدّمة موجبة لسقوط العمل الموقوف المباح فی نفسه عن الاحترام عند الشرع فلا یستحقّ العامل المطالبة من الغیر الأُجرة علیه ولو کان إتیانه به بأمر من ذلک الغیر.

وإن شئت قلت الأمر بمثل هذا العمل الموقوف علی معصیة الشارع کالأمر بنفس العمل المحرّم فی أنّ الإتیان به ولو بأمر الغیر وبما هو فی سیرة العقلاء بمنزلة الأمر به کالعقد الفاسد لا یوجب ثبوت الأُجرة للعامل.

ودعوی أنّ عدم استحقاق أُجرة المثل ینافی قاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده لا یمکن المساعدة علیها لما أشرّنا إلیه من أنّ الموجب للضمان هو الأمر بعمل محترم،والعقد الفاسد إذا اعتبر کالأمر بذلک العمل فیوجب الضمان وإلّا فالقاعدة بنفسها لا أساس لها.

کما لا یمکن المساعدة لدعوی أنّ الأمر بعمل محرّم لا یوجب الضمان؛ لأنّ تعلّق التحریم به یوجب سقوطه عن الاحترام،وأمّا العمل الموقوف علی الحرام فیضمن لعدم تعلّق النهی بنفس العمل الذی أمر به الغیر،والوجه فی عدم المساعدة أنّ الحرمة فیها إذا کانت منجزة لمّا یتوقّف علیه العمل فهذه أیضاً توجب سقوط ذلک العمل عن الاحترام شرعاً،ولا یقاس بما إذا کان العمل المباح الذی له مالیّة عند العقلاء ملازماً للعصیان بعمل آخر لا موقوفاً علی العصیان.

وبهذا یظهر وجه ضمان أُجرة المثل علی الکنس فیما إذا استأجر علی الکنس

ص :329

..........

حال جنابته مع جهل العامل بجنابته،فإنّ الإجارة وإن لم تصحّ لعدم إمکان شمول الأمر بالوفاء والإجارة مع النهی الواقعی عن الدخول فی المسجد جنباً مع توقّف الکنس علیه،إلّاأنّ النهی الواقعی مع عدم تنجّزه وترخیص الشارع ظاهراً فی الدخول لا یوجب سقوط نفس الکنس عن الاحترام؛ لأنّ المفروض کونه فی نفسه عمل مباح له مالیّة عند العرف والعقلاء.

وأیضاً ظهر ممّا ذکرنا أنّه لا موجب للحکم بفساد الإجارة وعدم استحقاق العامل الأُجرة المسمّی فیما إذا استأجره علی الکنس مطلقاً ولکنّه کنس حال جنابته مع جهله بجنابته،فإنّه کما ذکرنا یستحقّ الأُجرة المسمّاة مع صحّة الإجارة للأمر بالوفاء بالعقد والإجارة وعدم توقّف الوفاء بها علی دخول المسجد قبل الاغتسال، بل الأمر کذلک حتّی فیما إذا کنس المسجد جنباً مع علمه بجنابته مع تعلّق الإجارة بالکنس مطلقاً؛ لأنّ الکنس فی نفسه عمل مباح له مالیة عند العقلاء ولا یتوقّف الکنس المستأجر علیه علی الدخول جنباً مع علمه بجنابته لیقال إنّ النهی عمّا یتوقّف علیه العمل المستأجر علیه یوجب بطلان الإجارة وسقوط ذلک العمل المستأجر علیه عن الاحترام شرعاً،فما فی عبارة الماتن من عدم استحقاقه الأُجرة؛ لکونه حراماً لم یظهر وجهه.

وأمّا الصورة الثالثة فهی ما کان العمل المستأجر علیه بنفسه حراماً فإنّه یذکر أنّ النهی عن ذلک العمل یوجب سقوطه عن المالیّة فلا یستحق الآتی به أُجرة لا الأُجرة المسمّاة ولا أُجرة المثل لقوله علیه السلام:إذا حرّم اللٰه شیئاً حرم ثمنه (1) .بلا فرق بین علم العامل بأنّه محرّم علیه أو جهله وغفلته عن حرمته،کما إذا استأجره علی نفس

ص :330


1- (1)) انظر عوالی اللآلی 2:110،الحدیث 301.

..........

المکث فی مسجد فإنّ الجنب المزبور لا یستحقّ علی مکثه أُجرة.

ولکن قد یناقش فیما ذکر بأنّ مجرّد تحریم عمل لا یقتضی سقوطه عن المالیّة، وسقوط عمل عن المالیة شرعاً تحتاج کسقوط عین عن المالیة شرعاً إلی دلیل،نظیر ما ورد من:أجر المغنّیة سحت (1) .وإذا سقط العمل عن المالیّة شرعاً فلا یجوز أخذ الأُجرة علیه مع العلم بحرمته أو الجهل،وأمّا مجرّد تعلّق النهی بعلم فلا یقتضی ذلک.

نعم،إذا لم یرخّص الشارع ظاهراً فی الإتیان به بأن کان المکلّف عالماً بحرمة الفعل فیحکم ببطلان الإجاره لعدم تمکّنه من الإتیان به فلا یعمّه وجوب الوفاء بالعقد والإجاره.

وأمّا إذا کان جاهلاً به وثبت فیه الترخیص ظاهراً فالمکلّف الجاهل تمکّن من الإتیان بالعمل المستأجر علیه والعمل المزبور له مالیة عند العقلاء فیعمّه وجوب الوفاء بالعقد والإجارة فالعمدة فی البطلان فی صورة العلم ما ذکر من عدم تمکّن الأجیر من العمل لا ما ورد من قوله علیه السلام:إذا حرّم اللٰه شیئاً حرّم ثمنه (2) ،ولا روایة تحف العقول (3) ؛ لعدم ثبوت الأوّل وضعف سند الثانی.

أقول: یلزم علی هذا القائل أن یلتزم بأن علی المستأجر للأجیر أُجرة المثل حتی فیما إذا أتی بالعمل مع علمه بحرمته،فإنّ تحریم الفعل وعدم الترخیص الظاهری لا یوجب سقوط عمله عن المالیّة،وإنّما کان بطلان الإجارة لعدم تمکّنه من الوفاء بها شرعاً،مع أنّه لا أظن أن یلتزم هذا القائل العظیم أو غیره بذلک.

وقد ذکرنا أنّ ظاهر النهی عن عمل إسقاط ذلک العمل عن الحرمة والاحترام،

ص :331


1- (1)) وسائل الشیعة 17:123 -\124،الباب 16 من أبواب مایکتسب به،الحدیث 4 -\6.
2- (2)) عوالی الآلی 2:110،الحدیث 301.
3- (3)) تحف العقول:331.

نعم،لو استأجره علی الدخول أو المکث کانت الإجارة فاسدة ولا یستحقّ الاُجرة ولو کانا جاهلین؛ لأنّهما محرّمان،ولا یستحقّ الأُجرة علی الحرام، --------------

سواء کان العامل به عالماً أو جاهلاً،فیکون أخذ العامل العوض لذلک العمل أکلاً للمال أی العوض بالباطل.

نعم،لو حکم فی مورد إعطاء مال خاصّ أو شیء للجاهل کثبوت مهر المثل فی موارد وطی الشبهة فیخرج عن أکل ذلک المال بالباطل.

نعم،لا یبعد أن یقال فی موارد غفلة الأجیر عن جنابته وجهل المستأجر أیضاً بجنابته باستحقاق الأجیر علی عمله الأُجرة المسمّاة؛ لأنّه لا مانع من صحّة الإجارة حتی إذا ما وقعت الإجارة علی نفس المکث أو الطواف المندوب؛ لعدم حرمة الفعل فی حقّه حتّی واقعاً فلا مانع من شمول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) والإجارة لتلک الإجارة.

والمفروض أنّ المستأجر أیضاً لا یعلم جنابته لیقال إنّ استیجاره تسبیب إلی فعل یحرم علی الجنب وإنّ إدخال الجنب فی المسجد محرّم کدخول الجنب مباشرة؛ وذلک لأنّ التسبیب لا یتحقّق مع جهل المستأجر کما هو المقرّر فی باب التسبیب إلی الحرام،والمفروض عدم تعلّق النهی عن مکثه لیقال إنّ النهی إسقاط ذلک المکث عن الاحترام،بل لا یبعد أن یکون الأمر کذلک حتی مع علم المستأجر بجنابة الغافل عن جنابته لأنّ تسبیبه لدخول المسجد کتسبیب الصبی والمجنون المجنبین فی عدم تکلیفهما بالإضافة إلی الدخول حتّی یکون التسبیب إلیه محرماً.

ص :332


1- (1)) سورة المائدة:الآیة 1.

ومن ذلک ظهر أنّه لو استأجر الجنب أو الحائض أو النفساء للطواف المستحبّ کانت الإجارة فاسدة [1]

ولو مع الجهل،وکذا لو استأجره لقراءة العزائم،فإنّ المتعلّق فیهما هو نفس الفعل المحرّم،بخلاف الإجارة للکنس فإنّه لیس حراماً، وإنّما المحرّم شیء آخر وهو الدخول والمکث،فلیس نفس المتعلّق حراماً.

(مسألة 8) إذا کان جنباً وکان الماء فی المسجد یجب علیه أن یتیمّم[2]

ویدخل المسجد لأخذ الماء أو الاغتسال فیه،ولا یبطل تیمّمه لوجدان هذا الماء إلّا بعد الخروج أو بعد الاغتسال،ولکن لا یباح بهذا التیمّم إلّادخول المسجد واللبث فیه بمقدار الحاجة،فلا یجوز له مسّ کتابة القرآن ولا قراءة العزائم إلّاإذا کانا واجبین فوراً.

--------------

لو استؤجر الجنب أو الحائض أو النفساء للطواف

[1]

ولا یفرق فی ذلک بین العلم بالجنابة والحیض أو النفاس من الأجیر أو الجهل،والوجه فی ذلک أنّ الطواف بنفسه مکث فی المسجد الحرام کما أنّ قراءة العزائم بنفسه متعلّق النهی،ومقتضی النهی الواقعی ولو کان المکلّف معذوراً فی مخالفته سقوط المتعلّق عن الاحترام فیکون أکل المال بإزائه من أکله بالباطل،کما أنّ مع عدم إحراز الحرمة فیما یتوقّف علیه العمل المباح فی نفسه وثبوت النهی الواقعی فی تلک المقدّمة لا یوجب سقوط ذلک العمل المباح المستأجر علیه عن الاحترام،وإن لم تصحّ الإجارة لتنافی النهی الواقعی عن المقدّمة وإن لم یتنجّز مع وجوب الوفاء بعقد الإجارة حیث إنّ ثبوت النهی واقعاً مع صحّة الإجارة ووجوب الوفاء بها یکون لغواً محضاً؛ ولذا ذکرنا أنّ فی الصورة الأُولی مع فرض الجهل بالجنابة یثبت أُجرة المثل.

دخول الجنب المسجد لأخذ الماء

[2]

کان نظر الماتن قدس سره أنّه إذا وجب فعل علی مکلّف وذلک الفعل کان مشروطاً بالطهارة یجوز بل یجب علی المکلّف الفاقد للماء التیمّم لذلک الفعل وأنّ

ص :333

..........

ما نحن فیه من صغریات هذه القاعدة؛ لأنّ المکلّف فی الفرض یجب علیه الصلاة بالطهارة المائیّة لتمکّنه من تلک الصلاة بأخذ الماء من المسجد،وأن یغتسل به فی خارج المسجد أو أن یغتسل فی المسجد والصلاة المشروطه بالطهارة المائیّة تتوقف علی دخوله المسجد وأن یمکث فیها بمقدار أخذ الماء أو الاغتسال فیه،وبما أنّ دخوله بغیر طهارة لا یجوز أو أنّ مکثه فیه غیر جایز فیتیمّم للدخول فیه،وهذا التیمّم لا ینتقض إلّابإخراج الماء المأخوذ من المسجد أو تمام الاغتسال فیه فوراً لأنّه إن انتقض تیمّمه قبل ذلک یکون الانتقاض خلفاً لمشروعیة التیمّم المزبور،کما أنّ التیمّم المزبور لا یکون طهارة إلّابالإضافة إلی الدخول والمکث بمقدار الضرورة حیث إنّه فاقد للماء بالإضافة إلیه خاصّة فلا یجوز له مسّ کتابة القرآن بذلک التیمّم؛ لأنّه متمکّن من المسّ بعد الاغتسال.

نعم،لو وجب المسّ أو قراءة العزائم فوراً بحیث لا یجوز له تأخیره عن هذا الحال جاز لکونه فاقد الماء بالإضافة إلیه أیضاً.

ولکن یناقش فی ما ذکره قدس سره بوجهین:

الأوّل:أنّ ما ذکره قدس سره فی المقام ینافی ما تقدّم منه من جواز دخول المساجد جنباً لأخذ شیء منها؛ فإنّ مقتضی ذلک عدم الحاجة إلی التیمّم فی الدخول لأخذ الماء.

والثانی:أنّ کون المکلّف المفروض مکلّفاً بالصلاة مع الطهارة المائیة أوّل الکلام.

وبتعبیر آخر،إنّما یجب علی الجنب الصلاة مع الطهارة المائیّة فیما إذا تمکّن من الاغتسال بوجه مشروع بأن تمکّن من إخراج الماء عن المسجد باستیجار الغیر علی إخراجه أو الالتماس منه فیما لم یکن فیه منّة بحیث یکون الالتماس معه حرجاً

ص :334

..........

علیه،وفی غیر ذلک یجب علیه التیمّم لصلاته والإتیان بها فی غیر المسجد؛ لأنّ مع التیمّم لصلاته وإن یرتفع حدثه ویکون متطهّراً ویجوز له کلّ ما یکون مشروطاً بالطهارة کمسّ کتابة القرآن إلّاأنّه لا یجوز له ما یحرم علی الجنب کقراءة العزائم والدخول فی المسجدین حتّی اجتیازاً والمکث فی سائر المساجد بغیر الاجتیاز؛ لأنّ التیمّم للصلاة لا یوجب رفع جنابته وإلّا لم یکن وجه لوجوب الاغتسال علیه بعد وجدانه الماء فإنّ موجب الجنابة أحد أمرین:الإنزال والدخول،وشیء منهما لم یتحقّق منه بعد ارتفاع جنابته بالتیمّم،وقد دلّ الکتاب العزیز وکذلک الروایات أنّه لا یجوز للجنب دخول المساجد إلّااجتیازاً،ومقتضی إطلاقها عدم الفرق بین صورة التیمّم ولو لصلاته وعدمه.

أقول:المناقشة الأُولی فی محلّها ولکن یظهر من الماتن فی هذه المسألة ومن تکرارها فی مسائل مسوغات التیمّم أنّه عدل عن ذلک وبنی أنّه یجوز للجنب أخذ شیء من غیر المسجدین حال المرور خاصّة.

وأمّا المناقشة الثانیة فهی مبنیّة علی أحد أمرین:

الأوّل: أن یلتزم بأن التیمّم من ذوی الأعذار لا یصحّح جواز الدخول فی المساجد حتّی فیما إذا کان تیمّمهم للصلاة الواجبة لإضرار الماء أو عدم وجود الماء أصلاً،ففی هذا الفرض لحرمة الدخول فی المسجد یکون الشخص مکلّفاً بالتیمّم لصلاته والإتیان بها خارج المسجد،ولکن هذا الأمر لم یلتزم به الأصحاب، وظاهرهم أنّه یجوز لذوی الأعذار مع التیمّم المشروع فی حقّهم کلّ فعل لا یجوز للجنب،سواء کان مسّ الکتابة أو قراءة العزائم أو دخول المساجد،بل یمکن دعوی أنّ سیرة المتشرعة جاریة علی دخول ذوی الأعذار من الطهارة المائیّة فی المساجد والصلاة فیها،بل علی دخول المسجد الحرام والطواف،سواء کان الطواف مندوباً أو

ص :335

..........

جزءاً من حجّ أو عمرة،ولم یعهد فی الأخبار من النهی عن شیء من ذلک.

وظاهر الأخبار المتقدّمة فی أنّ الجنب والحائض لا یدخلان المسجد أو المساجد إلّااجتیازاً هو عدم ذلک حال الطهارة ولو بالتیمّم کما یشیر إلی ذلک ما ورد فی صحیحة أبی حمزة الثمالی المتقدّمة:«إذا کان الرجل نائماً فی المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلی اللّٰه علیه وآله فاحتلم فأصابته جنابة فلیتیمّم ولا یمرّ فی المسجد الّا متیمّماً...ولا بأس أن یمرّا فی سائر المساجد» (1) وقوله علیه السلام:«الجنب والحائض یفتحان المصحف من وراء الثوب ویقرآن من القرآن ما شاءا إلّا السجدة» (2) فإنّ الأمر بفتحهما المصحف من وراء الثوب لعدم وصول یدهما مع الحدث خط المصحف ونهیهما عن قراءته السجدة أیضاً یتعلّق بالقراءة حال الحدث،أضف إلی ذلک أنّه لم یعهد من الجنابة إلّاکونه حدثاً خاصّاً،ومقتضی ما ورد فی التیمّم أنّ التیمّم یجزیه عن کلّ ما یجزیه الغسل إلی أن یجد الماء.

ودعوی أنّه لو کان رافعاً للجنابة لما کان وجه لعدم جواز بقاء المحتلم بعد تیمّمه فی المسجد الحرام ولما وجب الخروج عنه فوراً،بل لما کان فی البین موجب للاغتسال بعد وجدان المتیمّم الماء؛ لأنّ موجب الجنابة ینحصر فی أحد أمرین:

الإنزال والدخول،وشی منهما لم یحصل بعد التیمّم لا یمکن المساعدة علیها؛ وذلک لأنّ اعتبار کون التیمّم رافعاً موقتاً للجنابة أمر معقول بحیث تعود الجنابة المرتفعة بموجبها الأوّل وعدم جواز البقاء فی المسجد بالتیمّم بعد احتلامه فیه؛ لأنّ المکث الزائد ممّا یتمکّن الجنب علیه بعد اغتساله فجنابته لا ترتفع بالإضافة إلی المکث الزائد،ولا ینافی ارتفاع الجنابة موقتاً ما ورد فی صحیحة زرارة خطاباً لمن

ص :336


1- (1)) وسائل الشیعة 2:205،الباب 15 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:217،الباب 19 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.

..........

یتیمّم بأیّ غایة:ومتی أصبت الماء فعلیک الغسل إن کنت جنباً والوضوء إن لم تکن جنباً» (1) بدعوی أنّ ظاهرها کون المتیمّم مع تیمّمه جنب والوجه فی عدم المنافاة ظهورها فی کون المتیمّم قبل تیمّمه جنباً.

وعلی الجملة،المرتکز عند المتشرعة أنّ الجنابة حدث یرتفع بالاغتسال وبالتیمّم ما لم یحدث أو لم یجد ماءً أو یعود مع أحدهما،وهذا هو العمدة فی جواز دخول المساجد والمکث فیها لذوی الأعذار مع التیمّم لا ما یمکن أن یقال إنّ ما ورد فی أنّ الجنب والحائض لا یدخلان المسجدین حتّی اجتیازاً ویمرّان فی غیرهما ولا یجلسان فی المساجد مطلق بالإضافة إلی الجنب والحائض من ذوی الأعذار اللذین یتیمّمان لصلاتهما.

وما ورد فی صحیحة مرازم:«علیکم بإتیان المساجد فإنّها بیوت اللٰه فی الأرض من أتاها متطهّراً طهّره اللٰه من ذنوبه» (2) أیضاً مطلق یعمّ الجنب أو الحائض بعد نقائها مع تیمّمهما لکونهما من ذوی الأعذار،وبعد تساقط الإطلاق من الجانبین فیرجع إلی أصالة الحلیة.

والوجه فی عدم تمامیّة ذلک أنّه بعد فرض تعارضهما بالعموم من وجه یرجع إلی إطلاق الآیة المبارکة الدالّ علی منع قرب الجنب المسجد إلّاعابر سبیل حتّی یغتسل.

وعلی الجملة،فالظاهر جواز دخول المساجد بالتیمّم من ذوی الأعذار المکلّفون به للصلاة وغیرها ممّا هو مشروط بالطهارة.

نعم،إذا کان المسوّغ للتیمّم مختصّاً بغایة کالتیمّم لضیق الوقت بحیث لو

ص :337


1- (1)) وسائل الشیعة 3:361 -\362،الباب 12 من أبواب التیمّم،الحدیث 4.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:380،الباب 10 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.

..........

اغتسل المکلّف فی ذلک الحین لغایة أُخری صحّ اغتساله فباعتبار کونه واجداً للماء بالإضافة إلی غیر الصلاة لا یجوز له مع ذلک التیمّم إلّاتلک الصلاة التی فرض ضیق وقتها،ولا یجوز له الدخول فی المسجد بذلک التیمّم،ویأتی التفصیل فی هذا البحث فی مباحث التیمّم،إن شاء اللّٰه.

والأمر الثانی: أنّ التیمّم لدخول المسجد فی فرض المسألة غیر مشروع؛ لأنّ مشروعیّته یوجب کون المکلّف بعد تیمّمه واجداً للماء لجواز أن یدخل المسجد ویغتسل بالماء الموجود فیه أو فی خارجه وکونه واجد الماء یوجب بطلان تیمّمه؛ لأنّ التیمّم وظیفة من لم یتمکّن من الماء فما یلزم من مشروعیّته عدم مشروعیة تشریعه غیر معقول فعلی المکلّف المزبور أن یتیمّم لصلاته فقط ویأتی بها فی خارج المسجد؛ لأنّه لا یتمکّن للاغتسال لصلاته لحرمة دخوله ومکثه فی المسجد حتّی المسجد الذی فرض وجود الماء فیه.

وأجاب الماتن عن ذلک بالإشارة وقال:إنّ هذا التیمّم لا ینتقض لا بدخول المسجد ولا قبل تمام الاغتسال فیه أو قبل إخراج الماء عنه،ولکن لا یباح بهذا التیمّم إلّادخول المسجد واللبث فیه بمقدار الحاجة من الاغتسال فیه أو إخراج الماء عنه فلا یجوز له مسّ کتابة القرآن ولا قراءة العزائم بالتیمّم المزبور إلّاإذا کانا واجبین فوراً.

ویوضح ما أشار إلیه قدس سره بأنّه إن أُرید أنّه بعد التیمّم للدخول یکون الجنب المزبور واجداً الماء بالإضافة إلی الکون فی المسجد الذی یتوقّف علیه الاغتسال، فمن الظاهر أنّ هذا الوجدان غیر حاصل بالتیمّم المزبور فإنّه لا یمکن أن یحصل ذلک الکون بالغسل حتّی عقلاً؛ لأنّ المفروض توقّف الغسل علیه،وإن أُرید کونه وجداً الماء بالإضافة إلی سائر الغایات فالوجدان بالإضافة إلیها کان حاصلاً قبل

ص :338

..........

التیمّم المزبور أیضاً؛ لأنّ المکلّف متمکّن من الإتیان بها مع الاغتسال لتمکّنه من التیمّم للدخول فی المسجد علی الفرض؛ ولذا لا یجوز لهذا التیمّم إلّاالکون المزبور.

لا یقال: التیمّم حیث ما یشرع یکون بدلاً اضطراریاً للاغتسال ولم یعهد فی الشرع مورد لتیمّم الجنب مع عدم کونه بدلاً فیه عن الغسل،وفیما نحن فیه التیمّم مقدّمة للغسل من الجنب فیکون وجوبه غیریّاً لوجوب الاغتسال للصلاة غیریّاً،ومن الظاهر أنّه لا یمکن الغسل الذی مبدل لهذا التیمّم أن یکون مقدمة للغسل من الجنب؛ لأنّ الجنب إذا تمکّن من الاغتسال یحلّ به تمام الغایات ولا یعقل أن یکون غسله خارج المسجد مقدّمة للاغتسال من الماء فی المسجد أو للاغتسال بالماء المزبور خارج المسجد.

فإنّه یقال: مشروعیّة التیمّم لدخول المسجد فی الفرض لیس لکونه واجباً غیریّاً لوجوب الغسل لیقال لم یوجد مورد لکون الغسل واجباً غیریّاً لوجوب الغسل بل مشروعیّته أو وجوبه للجمع بین التکلیفین والفرضین للشارع،أحدهما:الإتیان بالصلاة مع الطهارة المائیّة،والثانی:عدم جواز دخول الجنب المسجد بلا طهارة، نظیر ما إذا وجب شراء الدواء للعلاج الموجب لنجاة الإنسان نفسه عن المهلکة؛ فإنّ الشراء المزبور لیس مقدّمة للعلاج بالدواء لإمکان العلاج بدواء مغصوب،بل وجوب شرائه للجمع بین الفرضین الملزمین،أحدهما:نجاة النفس عن المهلکة والضرر الواجب دفعه،والثانی:حرمة الغصب والتصرّف فی مال الغیر،و وجوب الجمع بین الفرضین کذلک بحکم العقل ولا یرتبط بالوجوب الغیری للمقدّمة لیقال لابدّ من فرض کون غسل مقدّمة للغسل أو یقال إنّ التیمّم لا یمکن أن یکون مقدّمة للدخول فی المسجد وإنّما یتوقّف علیه جواز الدخول فیه.

اللهم إلّاأن یقال إنّ مشروعیّة التیمّم لمجرّد الدخول فی المسجد ولا یستباح

ص :339

..........

به غیره من الغایات لم یقم علیها دلیل،بتعبیر آخر کون جواز الدخول فی المسجد بمجرّده غایة للتیمّم غیر ثابت والأصل عدم مشروعیّته له،ولکن یمکن أن یقال بأنّه یستفاد من صحیحة مرازم المتقدّمة استحباب الدخول فی المساجد متطهّراً والطهارة من هذا الجنب غیر المتمکّن علی دخوله فیه مغتسلاً هو التیمّم له کما فی سائر الغایات المستحبّة.

أقول: إنّما یحکم العقل بلزوم الجمع بین الفرضین الملزمین أو التکلیفین فیما إذا ثبت کون الأمرین غرضین ملزمین فعلاً للشارع،وهذا غیر محرز بالإضافة إلی وجوب الصلاه بالطهارة المائیّة من الجنب المفروض،بل الجنب المفروض لعدم تمکّنه من الدخول فی المسجد المزبور مکلّف بالصّلاة مع الطهارة الترابیّة بأن یأتی بها خارج المسجد حیث إنّ الدخول فی المسجد المتوقّف علیه الغسل محرّم فی حقّه.

نعم،إذا ثبت مشروعیّة التیمّم لمجرّد الدخول فی المسجد فیما إذا صار المکلّف متمکّناً من الطهارة المائیّة لسائر الغایات یتعیّن الجمع بین التکلیفین بما ذکر،ولکنّ مشروعیّة التیمّم کذلک غیر مستفادة من شی من الأدلّة،وإنّما ثبتت مشروعیّتها وجوباً أو استحباباً فی موردین:

أحدهما:ما إذا وجب حتّی علی الجنب فعل مشروط بالطهارة من الحدث ولم یتمکّن الجنب علی الاغتسال لذلک الفعل أو ثبت استحباب فعل حتّی للجنب مشروط بالطهارة لم یتمکّن من الاغتسال له کصلاة اللیل.

وثانیهما:ما إذا أمر الشارع المکلّف حتّی الجنب بفعل یشترط فی کمال ذلک الفعل الطهارة من الحدث،ولم یتمکّن الجنب علی الاغتسال له کالسعی بین الصفا والمروة وغیره من أعمال الحج و العمرة ممّا لا یشترط فی صحّتها الطهارة ولکن

ص :340

..........

یستحبّ الطهارة لتلک الأعمال،نعم مورد ثالث لمشروعیّة التیمّم بنحو الوجوب وهو ما إذا اقتضی الجمع بین التکلیفین فی الامتثال الطهارة ولم یتمکّن فیه من الاغتسال کما إذا توقّف إنقاذ شخص من الحریق فی المسجد أو إطفاء الحریق فیه علی الدخول فیه وکان غیر متمکّن فی ذلک الحین من الاغتسال وشیء من الأمرین ومن المورد الثالث غیر متحقّق فی مفروض المسألة.

نعم،قد یقال إنّ الدخول فی المساجد مستحبّ لکلّ أحد ویشترط الطهارة من الحدث الأکبر فی دخولها کما یعتبر الطهارة من الحدث الأصغر فی کمالها کما هو ظاهر صحیحة مرازم المتقدّمة،ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ ظاهرها الإتیان بالمساجد لعمل یناسب المساجد من العبادة فیها،وهذا لا یعمّ دخول الجنب لأخذ الماء الذی حرّم اللٰه سبحانه دخوله فیها إلّاعابر سبیل حتّی یغتسل،وقد رفعنا الید عن إطلاقها بالإضافة إلی من یکون وظیفته لکونه من ذوی الأعذار وکونه مکلّفاً بالتیمّم لفقده الماء مطلقاً أو کون الماء مضرّاً له علی ما تقدّم،وذکرنا أنّ هذا الجنب إذا تیمّم لصلاته یتعیّن علیه الإتیان بها خارج المسجد أخذاً بإطلاق ما دلّ علی أنّ الجنب لا یدخل المساجد إلّااجتیازاً؛ لأنّ هذا الشخص إنّما ترتفع جنابته بالإضافة إلی صلاته فیما إذا لم یدخل المسجد،وإذا دخل فیه یکون واجد الماء بالإضافة إلی صلاته لتمکّنه من أخذ الماء ولو علی تقدیر عصیانه بالدخول فیه فیبطل تیمّمه للصلاة.

وممّا ذکرنا یظهر أنّ الجنب المفروض فی المسألة إذا تیمّم للکون علی الطهارة وقلنا بمشروعیّة التیمّم فی نفسه أو للکون علی الطهارة کالوضوء والغسل لا یجوز له الدخول فی المسجد؛ لأنّ دخوله فیه یوجب تمکّنه من الأخذ أو الاغتسال فیبطل تیمّمه فیکون مکثه فیه ولو بأخذ الماء أو الاغتسال محرّماً فتدبر جیّداً.

ص :341

(مسألة 9) إذا علم إجمالاً جنابة أحد الشخصین لا یجوز له استئجارهما ولا استئجار أحدهما لقراءة العزائم،أو دخول المساجد أو نحو ذلک ممّا یحرم علی الجنب[1]

.

--------------

استئجار اللذین علم إجمالاً جنابة أحدهما

[1]

إذا فرض تعلّق الاستیجار بنفس العمل المحرم علی الجنب کقراءة العزائم والمکث فی المسجد فاستئجارهما مع مطالبتهما بالعمل المستأجر علیه تسبیب إلی الحرام المعلوم إجمالاً للمستأجر کما أن استئجار أحدهما مخالفة احتمالیّة لذلک التسبیب المعلوم حرمته إجمالاً.

هذا من حیث التکلیف وأمّا مع استئجار أحدهما فقط فلا یحکم بفساد إجارته فإنّه لم یحرز أنّ إعطاء الأجر علی عمله من إعطائه علی الباطل فیعمّه: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) أو الإجارة.

اللهم إلّاأن یقال إنّ عموم الوفاء بالعقد والإجارة لا یعمّ الموارد التی لا یستحقّ المستأجر المطالبة بالعمل ولو کان ذلک بحکم العقل للفرار من المخالفة الاحتمالیّة للتکلیف المنجّز المعلوم بالإجمال.

أضف إلی ذلک أنّ مجرّد احتمال کون إعطاء الأجر بإزاء العمل الباطل کافٍ فی عدم جواز التمسّک بالعموم المزبور فیما إذا لم یدفع الاحتمال المزبور ولو بالأصل، والمفروض فی المقام عدم دفع الاحتمال لمعارضته فی إعطاء الأجر لعمل الآخر، ویجری ما ذکر حتّی مع فرض الغفلة عن الجنابة فی کلّ من الشخصین عن جنابته أو غفلة أحدهما بناءً علی التسبیب المحرّم یجری فی حقّ الغافل أیضاً.

وأمّا إذا فرض تعلّق الاستئجار بفعل مباح فی نفسه ولکنّ موقوف علی الفعل الحرام فیجری فیه الکلام المتقدّم بالإضافة إلی حرمة التسبیب وفی عدم إمکان

ص :342


1- (1)) سورة المائدة:الآیة 1.

(مسألة 10) مع الشک فی الجنابة لا یحرم شیء من المحرّمات المذکورة إلّا إذا کانت حالته السابقة هی الجنابة[1]

.

--------------

شمول: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) والإجارة.

نعم،فی الفرض إذا کنسا المسجد مع جهل کلّ منهما بجنابته فیستحقّا أُجرة المثل لعملهما بعد فرض أنّ ما یأخذان الأجر علیه لیس بالباطل فی نفسه،بخلاف الفرض المتقدّم فإنّ المستحقّ للأجر لیس إلّاأحدهما کما لا یخفی.

إذا شک فی الجنابة لایحرم شی من المذکورات

[1]

إذا علم بجنابته وشکّ فی الاغتسال منها فیحکم بکونه جنباً لجریان الاستصحاب فی ناحیة عدم اغتساله منها ویترتّب علیه جنابته فعلاً،کما إذا علم جنابته سابقاً وشکّ فی حدوثها بالاحتلام أو بغیره یجری الاستصحاب فی ناحیة عدم حصول الموجب لها منه فیحکم بکونه غیر جنب،وإذا علم بحصول الجنابة والاغتسال وشکّ فی المتقدّم والمتأخّر،بأن احتمل أنّ احتلامه أو وطء امراته کان قبل اغتساله من الجنابة السابقة فالاستصحاب فی ناحیة عدم حصول موجب الجنابة منه بعد اغتساله وفی ناحیة عدم الاغتسال بعد احتلامه المفروض أو وطء امرأته یتساقطان فیرجع فی المحرّمات علی الجنب إلی أصالة الحلیّة.

لا یقال :مقتضی العلم الإجمالی فی الصورة الأخیرة فی فرض حصول موجب الوضوء بأنّه إمّا یجب علیه الوضوء لصلاته أو أنّه یجب علیه الغسل لها ویحرم مکثه فی المسجد وقراءته العزیمة بدونه وجوب الاحتیاط.

فإنّه یقال:الأمر بالإضافة إلی ما هو مشروط بالطهارة وإن کان کما ذکر إلّاأنّه لا بأس بالرجوع إلی أصالة الحلیّة فیما یحرم علی الجنب خاصّة؛ لأنّه أصل مختصّ علی ما هو المقرّر فی محلّه.

ص :343


1- (1)) سورة المائدة:الآیة 1.

ص :344

فصل فی ما یکره علی الجنب

وهی امور:

الأوّل:الأکل والشرب،ویرتفع کراهتهما بالوضوء،أو غسل الیدین والمضمضة والاستنشاق،أو غسل الیدین فقط.

الثانی:قراءة ما زاد علی سبع آیات من القرآن ما عدا العزائم،وقراءة ما زاد علی السبعین أشدّ کراهة.

الثالث:مسّ ما عدا خطّ المصحف من الجلد والأوراق والحواشی وما بین السطور.

الرابع:النوم،إلّاأن یتوضّأ أو یتیمّم - إن لم یکن له الماء -بدلاً عن الغسل.

الخامس:الخضاب،رجلاً کان أو امرأة،وکذا یکره للمختضب قبل أن یأخذ اللون إجناب نفسه.

السادس:التدهین.

السابع:الجماع إذا کان جنابته بالاحتلام.

الثامن:حمل المصحف.

التاسع:تعلیق المصحف.[1]

--------------

فصل فی ما یکره علی الجنب

[1]

المشهور بین الأصجاب القائلین بکراهة قراءة الجنب ما زاد علی سبع آیات أنّ الکراهة فی قراءته بمعناها الاصطلاحی،بمعنی أنّ قراءة سور العزائم أو

ص :345

..........

آیات السجدة منها محرّمة علیه وقراءته غیرها زیادة عن سبع آیات مکروهة،ویذکر فی وجه الکراهة أنّها مقتضی الجمع بین مثل صحیحة زرارة،عن أبی جعفر علیه السلام قلت:الحائض والجنب یقرءان شیئاً؟ قال:نعم،ما شاءا إلّاالسجدة ویذکران اللّٰه تعالی علی کلّ حال (1) .وبین موثقة سماعة،قال:سألته عن الجنب هل یقرأ القرآن؟ قال:«ما بینه وبین سبع آیات» (2) .حیث إنّ الترخیص قی قراءة القرآن بأی مقدار شاء إلّا قراءة السجدة یکون قرینة علی حمل المنع عن قراءة الزائد علی السبع علی الکراهة.

وبهذا یظهر ضعف المحکی (3) عن ابن البراج من عدم جواز قراءته بأزید من السبع،کما ظهر ضعف ما حکی (4) عن سلار من تحریم القراءة علی الجنب مطلقاً.

هذا،ولکنّ ربّما یخطر بالبال أنّ المغروس فی أذهان المتشرّعة أنّ الأمر بقراءة القرآن والترخیص فی قراءته قراءته بنحو العبادة حیث إنّ قراءته عندهم ممّا یتقرّب بها إلی اللّٰه سبحانه کسائر العبادات فیکون قوله علیه السلام:«نعم یقرءان ما شاءا» ظاهراً فی الترخیص فی القراءة بنحو العبادة کالترخیص فی ذکر اللّٰه سبحانه بقوله علیه السلام ویذکران اللّٰه» فیکون المنع مع هذا الترخیص موجباً لحمل الکراهة علی الکراهة فی العبادة من أفضلیّة الترک بقصد تعظیم القرآن نظیر الکراهة فی صوم یوم عاشوراء أو علی الکراهة نظیر الکراهة فی الصلاة فی بیت الحمام.

اللّٰهمّ إلّاأن یقال قراءة القرآن من معلم الأطفال أو الاستشهاد علی المطالب والاستعمالات أمر شائع فالترخیص فی الروایات فی مقابل المنع عن قراءة السجدة

ص :346


1- (1)) وسائل الشیعة 1:312،الباب 7 من أبواب أحکام الخلوة،الحدیث 6.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:218،الباب 19 من أبواب الجنابة،الحدیث 9.
3- (3)) حکاه الشهید الأوّل فی الذکری 1:269،وانظر المهذب 1:34.
4- (4)) حکاه الشهید الأوّل فی الذکری 1:269.

..........

یرجع إلی نفس قراءته لا قراءته بعنوان العبادة،وإلّا لم یکن فی استثناء السجدة دلالة علی حرمة قراءتها فی نفسها من غیر قصد التقرّب بها.

وکیف کان،فقد ظهر أنّ مقتضی الجمع أیضاً بین موثقة سماعة المتقدّمة وبین موثقته الأُخری قال:«ما بینه وبین سبعین آیة» حمل السبعین علی أشدّیة الکراهة بقرینة الترخیص فی قراءة ما شاء منها إلّاالسجدة،هذا بناءً علی کون السبعین روایة أُخری لسماعة،وأما بناءً علی استظهار أنّها روایة واحدة نقلها عن سماعة عثمان بن عیسی:ما بینه وبین سبع آیات.ونقلها عنه زرعة:سبعین آیة،فلا یثبت کراهة الأقل من السبعین،ولا تکون أوثقیة عثمان بن عیسی علی تقدیرها موجبة لترجیح روایته علی ما ذکرنا فی مرجّحات المتعارضین من بحث الأُصول علی أنّ أو ثقیته لم تثبت أصلاً.

ص :347

ص :348

فصل [ فی کیفیة الغسل وأحکامه]

غسل الجنابة مستحبّ نفسی وواجب غیری للغایات الواجبة،ومستحبّ غیریّ للغایات المستحبّة،والقول بوجوبه النفسی ضعیف[1]

--------------

فصل فی کیفیة الغسل وأحکامه

غسل الجنابة مستحب نفسی

[1]

المشهور بین الأصحاب أنّ غسل الجنابة مستحبّ نفسی لقول سبحانه:

«إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ التَّوّٰابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ » (1) بعد ما ثبت أنّ الغسل من الجنب طهارة کما یفصح عن ذلک قوله سبحانه: «وَ إِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» (2) وقد تقدّم فی الروایات کون الدخول والإنزال موجباً للغسل کما فی إیجاب البول وغیره الوضوء، ولکنّ المحکی (3) عن ابن حمزة (4) والعلّامة ووالده (5) والمحقّق الاردبیلی (6) وصاحبی المدارک (7) والذخیرة (8) أنّه واجب علی الجنب بوجوب نفسی علی نحو

ص :349


1- (1)) سورة البقرة:الآیة 222.
2- (2)) سورة المائدة:الآیة 6.
3- (3)) حکاه السید الخوئی فی التنقیح 5:435.
4- (4)) الوسیلة:54.
5- (5)) المختلف 1:321.
6- (6)) مجمع الفائدة والبرهان 1:136.
7- (7)) المدارک 1:265 و344.
8- (8)) الذخیرة:55.

..........

الواجب الموسع ویستدلّ علی ذلک بوجهین:

الأوّل:الروایات الظاهرة فی وجوبه نفساً کمعتبرة معاذ بن مسلم،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام أنّه سئل عن الدین الذی لا یقبل اللّٰه من العباد غیره ولا یعذرهم علی جهله؟ قال:«شهادة أن لا إله إلّااللّٰه وأنّ محمداً رسول اللّٰه والصلوات الخمس وصیام شهر رمضان والغسل من الجنابة وحجّ البیت والإقرار بما جاء من عند اللّٰه جملة والائتمام بأئمة الحقّ من آل محمد» (1) ووجه الاستدلال بها أنّ عدّ غسل الجنابة فیها فی مقابل الصلوات الخمس والحج والصیام یدلّ علی وجوبه نفساً وإلّا لکان ذکرها کافیاً عن ذکره.

ومعاذ بن مسلم لو لم یکن من الثقات والعدول کما هو ظاهر المفید فی الإرشاد (2) فلا أقل من کونه من الحسان الممدوحین.

والحسین بن سیف بن عمیرة من المعاریف الذین لم یرد فیهم القدح، وصحیحة عبدالرحمن بن أبی نجران،عن أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام فی حدیث:«غسل الجنابة فریضة» (3) وقول أحدهما علیه السلام فی صحیحة محمّد بن مسلم:

«إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (4) وقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی:«إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل» (5) إلی غیر ذلک.

ص :350


1- (1)) وسائل الشیعة 1:28،الباب الاول من أبواب مقدمة العبادات،الحدیث 38.
2- (2)) انظر الإرشاد 2:216،فصل فی النص علی إمامةالامام موسی الکاظم (ع).
3- (3)) وسائل الشیعة 2:173،الباب الاول من أبواب الجنابة،الحدیث الاول.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:182،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث الاول.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:183،الباب 6 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.

ولا یخفی ما فی هذا الوجه من الضعف فإنّ ما ورد فی کون الإدخال أو الإنزال ...

--------------

یوجب الغسل فهو نظیر ما ورد فی الوضوء:«من وجد طعم النوم قائماً أو قاعداً فقد وجب علیه الوضوء» (1) فی صحیحة عبدالرحمن بن الحجّاج،فإنّ مثلها ناظر إلی کون النوم موجباً للوضوء،أمّا کونه بنحو الوجوب النفسی أو الغیری فلا دلالة لها علی ذلک،وفی المقام أیضاً یکون المستفاد أنّ الدخول فی الفرج یوجب الغسل،أما أنّه بنحو الوجوب النفسی أو الغیری فلا یکون لها دلالة علی ذلک.

وبهذا یظهر الجواب عمّا ورد فی کون الغسل فریضة فإنّها أیضاً مثل ما ورد فی الوضوء بأنّه من الفریضة والمراد بها وروده فی الکتاب المجید،ولو سلم الإطلاق بدعوی أنّ إطلاق الوجوب مقتضی کونه نفسیّاً فیرفع الید عنه بما ورد من أنّه:إذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور (2) .فإنّها ظاهرة فی أنّه کما لا وجوب للصّلاة قبل الوقت وکذلک الطهور.

لا یقال:[3]

یمکن استثناء الغسل من الجنابة عن الشرطیّة فیقال إنّ دخول الوقت شرط لوجوب الطهارة فی غیر الغسل من الجنابة.

فإنّه یقال:[3]

لا وجه لإبقاء غیر الغسل فی الشرطیّة فإنّ الإطلاق المزعوم موجود فیما دلّ علی وجوب الوضوء بالنوم ونحوه،ولا تقاس الشرطیتین فی المقام بالشرطیتین فی مثل قوله:إذا خسف القمر فصلّ وإذا زلزلت الأرض فصلّ حیث لا یمکن الالتزام بوجوب الغسل بدخول الوقت من غیر موجب الجنابة.

وعلی الجملة،کما یرفع الید بذلک عن إطلاق ما ورد فی وجوب الوضوء بالنوم أو غیره کذلک یرفع الید به عمّا دلّ علی وجوب الغسل بالدخول والإنزال.

وأمّا روایة معاذ فإن کان الإمام علیه السلام فی مقام الجواب بصدد بیان الواجبات التی

ص :351


1- (1)) وسائل الشیعة 1:254،الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 9.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:372،الباب 4 من أبواب الوضوء،الحدیث الأوّل.

..........

تعدّ من أرکان الدین ولا یتیسر للعباد دعوی الجهل فیها،فمن الظاهر أنّ وجوب غسل الجنابة فی غیر وقت وجوب الصلاة لیس منها فلابدّ من تقییده بدخول وقت الصلاة،وإفراده بالذکر وعدم الاکتفاء بذکر الصلوات الخمس والحج والصیام فیه، لعلّه کان لنکتة فی السائل أو فی غیره من التعریض لبعض الجهلة من ترکهم الصلاة عند جنابتهم إلی أن یغتسلوا مع إهمالهم فی الغسل،وإلّا فلا وجه لذکره علیه السلام الغسل من الجنابة وترکه ذکر الزکاة والجهاد وغیرهما.

والوجه الثانی:أنّه لو لم یجب غسل الجنابة نفساً لزم المحذور وهو أنّه إذا أجنب المکلّف فی لیالی شهر رمضان،فأمّا أن نلتزم بوجوب الغسل علیه قبل الفجر نفسیّاً أو غیریّاً فالثّانی باطل،فإنّ الوجوب الغیری تابع لوجوب ذی المقدّمة حدوثاً وبقاءً والصوم یجب عند طلوع الفجر کما هو ظاهر قوله سبحانه: «کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ » (1) فیتعیّن الالتزام بالأوّل.

والجواب عن ذلک:أنّ تجویز الأکل والشرب إلی طلوع الفجر لا ینافی وجوب الصوم من اللیل،فإنّ الصوم هو الإمساک من الفجر إلی دخول اللیل فمقتضی قوله سبحانه: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ » (2) وجوب الصوم عند رؤیة الهلال بناءً علی أنّ المراد بالشهادة رؤیته فیکون واجباً معلّقاً هذا أوّلاً.

وثانیاً:أنّ الوجوب لا ینحصر بالنفسی والغیری،بل له قسم آخر یعبّر عنه بالوجوب للغیر،وهذا الوجوب له أثر الوجوب الغیری من عدم استحقاق العقاب علی مخالفته،بل العقاب یکون علی ترک ذلک الغیر وله أثر الوجوب النفسی من عدم توقّف فعلیّة ذلک الوجوب علی فعلیّة وجوب ذلک الغیر.

ص :352


1- (1)) سورة البقرة:الآیة 187.
2- (2)) سورة البقرة:الآیة 185.

..........

والحاصل بما أنّ الأمر به بملاک التحفّظ علی ذلک الغیر یکون العقاب علی ترک ذلک الغیر،ولا یستحقّ المکلّف عقابین فی ترکهما ومع ذلک یکون فعلیّة الأمر به غیر متوقّف علی فعلیّته فی الحدوث علی ما هو مقتضی التحفّظ علی ذلک الغیر.

وثالثاً:أنّ ما ذکر من أنّ الوجوب الغیری تابع لوجوب ذیها فی الحدوث،فإن أُرید الوجوب الغیری المستفاد من إیجاب ذی المقدّمة فالأمر کما ذکر من تبعیة وجوب المقدّمه لوجوب ذیها فی الفعلیّة،وأمّا إذا استفید وجوبها بأمر آخر بخطاب مستقل بحیث لو لم یأتِ المکلّف بها قبل حصول زمان ذیها لما یتمکّن منها بعد حصول ذلک الزمان وکان ذلک التوقّف دائمیّاً فلا تبعیة،بل یجب الإتیان بتلک المقدّمة حفظاً للأمر بها عن اللغویة.

وقد ذکرنا فی بحث الأُصول أنّ المعقول من الأمر الغیری الشرعی هو هذا القسم من الأمر وإلّا فالأمر المولوی بالمقدّمة مع استقلال الفعل بلزوم الإتیان بها مع فعلیّة وجوب ذیها لغو محض،ویشهد لذلک أنّه لو لم یتمکّن المکلّف من الاغتسال قبل الفجر؛ لکون استعمال الماء مضرّاً له أو لفقده الماء أصلاً فعلیه التیمّم قبل طلوع الفجر بدلاً عن الغسل،والعامل بوجوب غسل الجنابة نفسیّاً لا یلتزم بوجوب التیمّم نفسیّاً لمن لا یتمکّن من الاغتسال.

ولا یخفی أنّ القائل بوجوب غسل الجنابة نفسیّاً یلتزم به علی نحو الواجب الموسع وعلیه فلا تظهر للنزاع فی وجوبه النفسی ثمرة إلّابالإضافة إلی جواز قصد الوجوب النفسی حین الاغتسال وعدم جواز ترکها ممّن یعلم أو یظنّ أنّه لا یدرک وقت الصلاة فیغتسل مثلاً قبل دخول وقتها،وبالإضافة إلی استحقاق العقاب فیمن ترک الصلاة والاغتسال بعد الجنابة فإنّه یستحقّ العقابین علی الوجوب النفسی وعقاب واحد علی الوجوب الغیری.

ص :353

ولا یجب فیه قصد الوجوب والندب،بل لو قصد الخلاف لا یبطل إذا کان مع الجهل،بل مع العلم إذا لم یکن بقصد التشریع وتحقّق منه قصد القربة،فلو کان قبل الوقت واعتقد دخوله فقصد الوجوب لا یکون باطلاً،وکذا العکس،ومع الشک فی دخوله یکفی الإتیان به بقصد القربة للاستحباب النفسی،أو بقصد إحدی غایاته المندوبة،أو بقصد ما فی الواقع من الأمر الوجوبیّ أو الندبیّ[1]

--------------

وأمّا الاستدلال علی عدم کون غسل الجنابة واجباً نفسیّاً بما ورد من أنّ المرأة لا تغتسل من جنابتها إذا جائها الحیض بعد جنابتها. (1) فیمکن المناقشة فیه بأنّ غسل الجنابة یجب بما هو طهارة،وإذا جاءها الحیض فلا یکون غسلها حال حیضها طهارة،والتعبیر فی بعض تلک الروایات بأنّها لا تغتسل بعدما جاءها ما یفسد الصلاة لهذه الجهة.

لا یجب فیه قصد الوجوب والندب

[1]

بناءً علی تعلّق الوجوب المولوی بالمقدّمة بعد فعلیّة الأمر بذیها یکون غسل الجنابة واجباً علی الجنب بعد دخول وقت الصلاة.

ولکنّ قصد الوجوب الغیری لا یعتبر فی صحّة الاغتسال فی الوقت؛ لمّا تقدّم فی الوضوء من أنّ الثابت فی الطهارات الثلاث لزوم الإتیان بها بقصد التقرّب،فإن کان داعیه إلی الاغتسال بعد دخول الوقت بل قبله الإتیان بالصلاة ولو بعد دخول وقتها لکفی ذلک فی قصد التقرّب،کما أنّه لو اغتسل بعد دخول الوقت بداعویة أمر الشارع بالاغتسال کفی ذلک فی حصوله ولو لم یقصد شیئاً من خصوصیّة الوجوب الغیری أو الاستحباب النفسی،حیث إنّ قصد الوجه غیر معتبر کما تقدّم وإنّما

ص :354


1- (1)) وسائل الشیعة 2:263 - 265،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث 4 - 9.

..........

المعتبر الإتیان بحساب اللّٰه سبحانه؛ ولذا لو قصد الخلاف مع الجهل بأن ظنّ دخول الوقت فاغتسل لوجوبه الغیری ثمّ بان أنّ الوقت لم یدخل صحّ غسله؛ لأنّه أتی بالغسل بحساب اللّٰه سبحانه ولأمره به،غایة الأمر أخطأ وتخیّل أنّ أمره به وجوبی فبان کونه استحبابیاً نفسیّاً،وکذلک فی العکس فیما إذا اغتسل باعتقاد عدم دخول الوقت بقصد استحبابه النفسی ثمّ ظهر دخول الوقت وأنّ الغسل کان واجباً غیریّاً،بل ذکر قدس سره أنّه لو قصد الخلاف حتّی مع العلم لا یبطل غسله إذا لم یکن اغتساله بقصد التشریع وتحقّق قصد التقرّب منه فی اغتساله.

وتقریره أنّه قد یکون غسل الجنب مع علمه بعدم دخول الوقت بداعویة أمر الشارع به واقعاً ولکن بنی علی أنّ الأمر المزبور وجوب غیری،ولکن هذا النباء غیر دخیل فی داعویة الأمر الواقعی من الشارع؛ ولذا کان یغتسل حتّی مع عدم البناء المزبور،فالتشریع لیس فی مقام الأمر وداعویته إلی العمل،بل فی تطبیق عنوان الوجوب الغیری علی ذلک الأمر،ففی هذا الأمر یحکم بصحّة الغسل لحصول قصد الامتثال فیه وعدم دخالة التشریع المزبور فی داعویة أمر الشارع.

وعلی الجملة،المعتبر فی صحّة الغسل وقوعه خارجاً بقصد التقرّب والمفروض حصول ذلک،ولکنّ ربّما یناقش فی ذلک ویحکم ببطلان الغسل فی الفرض،فإنّ بناء المغتسل علی أنّ غسله واجب غیری مع العلم بعدم وجوبه یوجب کون اغتساله بالبناء المزبور محرّماً،حیث إنّ حرمه التشریع تسری إلی العمل والعمل المبغوض غیر قابل للتقرّب به.

أقول:إذا کان العمل مستنداً إلی تشریعه بحیث یکون إخباراً عملیّاً عن تشریعه فلا ینبغی التأمّل فی مبغوضیّة العمل المزبور لکونه افتراء علی اللّٰه سبحانه،وإذا لم یکن العمل کذلک بل کان التشریع فی مجرّد توصیف العمل بغیر عنوانه الشرعی

ص :355

والواجب فیه بعد النیّة غسل ظاهر تمام البدن[1]

--------------

کتوصیف الغسل مع علمه بعدم دخول الوقت بالواجب الغیری الفعلی فسرایة مبغوضیة التشریع إلی العمل غیر ظاهر،ولعلّ الماتن أراد ذلک،ویمکن أن یکون مراده ما إذا اغتسل الجنب بعد دخول الوقت بقصد الاستحباب النفسی،فإنّ مع علمه بدخول الوقت وکون الغسل واجباً غیریّاً لجواز الإتیان بقصد الاستحباب النفسی ولا یکون هذا تشریعاً أصلاً لا فی مقام الأمر ولا فی مقام الامتثال؛ لأنّ نفس الطلب النفسی یجتمع مع الوجوب الغیری غایة الأمر ینتفی الترخیص فی الترک الذی کان ثابتاً قبل دخول الوقت کما مرّ فی التوضّؤ بعد دخول وقت الصلاة بقصد استحبابه النفسی؛ ولذا ذکر قدس سره أنّه عند الشک فی دخول الوقت له أن یغتسل بقصد استحبابه النفسی بناءً علی عدم إرادته الاستحباب النفسی الثابت بالاستصحاب فی عدم دخول الوقت.

غسل ظاهر تمام البدن

[1]

یجب فی غسل الجنابة کغیره من الأغسال الواجبة غسل تمام ظاهر البدن علی المشهور بین الأصحاب قدیماً وحدیثاً،بل عن غیر واحد دعوی الإجماع علیه (1) ،ویشهد لذلک صحیحة زرارة قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن غسل الجنابة؟ - إلی أن قال:- ثمّ تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک (2) .وفی صحیحة البزنطی عن الرضا علیه السلام:ثمّ أفض علی رأسک و جسدک (3) .وفی موثقة سماعة عن

ص :356


1- (1)) حکاه السید الحکیم فی المستمسک (3:73) عن الخلاف (1:129،المسألة 73) والتذکرة (1:230) والذکری (2:216) والمدارک (1:291).
2- (2)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 6.

..........

أبی عبداللّٰه علیه السلام ثمّ یفیض الماء علی جسده کلّه (1) .وفی صحیحة حجر بن زائدة:من ترک شعرة من الجنابة متعمّداً فهو فی النار (2) .فالمراد منها إمّا شعرة تعدّ من توابع الجسد لمّا یأتی من عدم وجوب غسل الشعور الخارجة عن توابع الجسد،فإذا لم یجز بقاؤها بلا غسل فموضعها أولی بذلک،أو أنّ المراد بها المقدار الجزئی من الجسد کما هو المتعارف فی الکنایة عن مقدارها.

وکیف کان،فلا ینبغی التأمّل فی ظهور ما تقدّم فی لزوم استیعاب الغسل تمام ظاهر البدن ویأتی بعض ما یدلّ علی اعتبار الاستیعاب المزبور،ولکن عن المحقّق الخونساری نفی البعد عن القول بعدم الاعتداد ببقاء شیء یسیر عرفاً یصدق معه غسل جمیع البدن إمّا مطلقاً أو فی خصوص صورة النسیان لصحیح إبراهیم بن أبی محمود قال:قلت للرضا علیه السلام الرجل یجنب فیصیب جسده ورأسه الخلوق والطیب والشیء اللکد مثل علک الروم والظرب وما أشبهه فیغتسل فإذا فرغ وجد شیئاً قد بقی فی جسده من أثر الخلوق والطیب وغیره؟ قال:«لا بأس» (3) .وعلّق نفی البعد علی عدم الإجماع علی خلافه ولکنّ الأولی أن لا یجتزئ علیه (4) .

أقول:[3]

الخلوق قسم من الطیب ومنه خلوق الکعبة الذی یذکر فی باب الإحرام، وفی التهذیب بدل اللکد اللزق (5) ،وفی الکافی بدل الظرب الطرار وحکی عن بعض نسخة الطراد (6) ،ولکن لا یخفی أنّه لا دلالة للصحیحة علی عدم اعتبار غسل جمیع

ص :357


1- (1)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:175،الباب الأوّل من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:239،الباب 30 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
4- (4)) مشارق الشموس:170،السطر 12.
5- (5)) التهذیب 1:130،الحدیث 47.
6- (6)) الکافی 3:51،الحدیث 7،مع الهامش.

دون البواطن منه[1]

فلا یجب غسل باطن العین والأنف والأُذن والفم ونحوها.

--------------

مواضع البدن مطلقاً أو فی حال الغفلة،فإنّ المفروض فیها بقاء الأثر من الرائحة أو اللون وشیء من بقاء الأثر لا یمنع وصول الماء إلی موضعه،وهذه الصحیحة نظیر ما ورد فی معتبرة السکونی،عن جعفر بن محمّد عن أبیه عن آبائه علیهم السلام قال:«کنّ نساء النبی إذا اغتسلن من الجنابة یبقین صفرة الطیب علی أجسادهن وذلک أنّ النبی صلی الله علیه و آله أمرهن أن یصببن الماء صباً علی أجسادهن» (1) .ونظیر ما ورد فی موثقة عمّار بن موسی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی الحائض تغتسل وعلی جسدها الزعفران لم یذهب به الماء،قال:«لا بأس» (2) .فإنّ بقاء الزعفران علی جسدها لا یمنع غسل تمام جسدها حیث إنّ ما علی موضع من الجسد من الزعفران ینتقل إلی موضع آخر بوصول الماء إلیه لعدم لزوقه هذا إذا لم یکن المراد من بقائه بقاء أثره.

وعلی الجملة،فلو لم یکن ظاهرها ذلک فلابدّ من حملها علیه جمعاً بینها وبین صحیحة زرارة،عن أبی جعفر علیه السلام قلت له:رجل ترک بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة؟ فقال:إذا شک وکانت به بلّة وهو فی صلاته مسح بها علیه،وإن کان استیقن رجع فأعاد علیهما ما لم یصب بلّة،فإن دخله الشکّ وقد دخل فی صلاته فلیمضِ فی صلاته ولا شیء علیه وإن استیقن رجع فأعاد علیه الماء الحدیث (3) .فإنّ ظاهرها اعتبار غسل تمام ظاهر الجسد ولزوم إحرازه.

لا یجب غسل البواطن

[1]

بلا خلاف ظاهر أو منقول ویقتضیه ما ورد فی جواز غسل الجنابة برمسة

ص :358


1- (1)) وسائل الشیعة 2:239،الباب 30،من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:240،الباب 30 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:260،الباب 41 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

ولا یجب غسل الشعر[1]

مثل اللحیة،بل یجب غسل ما تحته من البشرة،ولا یجزئ غسله عن غسلها.نعم،یجب غسل الشعور الدقاق الصغار المحسوبة جزءاً من البدن مع البشرة.

--------------

واحدة فی الماء وأنّ الظاهر أنّ فی الرمسة الواحدة لا یصل الماء إلی البواطن، ولا یحتمل أن یکون عدم اعتبار غسل البواطن مختصّاً بصورة الغسل ارتماساً،أضف إلی ذلک ما ورد فی تطهیر البدن من الخبث بأنّه یغسل ظاهره کما فی بعض روایات الاستنجاء من الغائط (1) ،وما ورد فی الوضوء من عدم اعتبار المضمضة والاستنشاق فیه معلّلاً بأنّ داخل الأنف والفم من الجوف (2) .

فی غسل الشعر

[1]

یقع الکلام فی الشعر من جهتین:

أحداهما:أنّه یکفی غسل الشعر عن غسل موضعه من البشرة کما کان یکفی ذلک فی غسل الوجه فی الوضوء أم لا.

وثانیتهما:أنّه إذا لم یکن غسل الشعر مجزیاً وأنّه لابدّ فی غسل الجنابة وغیره من غسل البشرة،فهل یجب غسل الشعر مع البشرة أم لا یعتبر غسل الشعر الّا الشعار الدقاق الخفاف التی تعدّ من توابع العضو بحیث یصح إطلاق اسم العضو علیه معه؟

أمّا الجهة الأُولی:فالمشهور بین الأصحاب قدیماً وحدیثاً هو اعتبار غسل نفس البشرة وأنّة لا یکفی غسل الشعر عن موضعها ویشهد لذلک صحیحة زرارة، قال سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن غسل الجنابة - إلی أن قال:- ثمّ تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک لیس قبله ولا بعده وضوء وکلّ شیء أمسسته الماء فقد أنقیته.

ص :359


1- (1)) وسائل الشیعة 1:347،الباب 29 من أبواب أحکام الخلوة،الحدیث 1 و2.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:431،الباب 29 من أبواب الوضوء،الحدیث 6.

..........

الحدیث (1) فإنّ ظاهرها اعتبار غسل جمیع الجسد ومن المعلوم غسل الشعر مع بقاء ما علیه من البشرة یابساً لم یصل إلیها الماء لا یصدق أنّه غسل جمیع جسده.

نعم،المتفاهم من غسل الجسد غسل الشعر من الدقاق الخفاف التی تغسل مع غسل البشرة ویمکن الاستدلال علی ذلک بما ورد فی غسل النساء رؤوسهن فی اغتسالهن من الجنابة بأنّه یبالغن فی الغسل (2) ،فإنّ ظاهر الأمر به إیصال الماء إلی أُصول شعورهن لیصل الماء إلی البشرة.

لا یقال:قد ورد فی صحیحة زرارة قال:قلت له:أرأیت ما کان تحت الشعر؟ قال:«کلّ ما أحاط به الشعر فلیس للعباد أن یغسلوه ولا یبحثوا عنه ولکن یجری علیه الماء» (3) .ومقتضاها کفایة غسل الشعر الکثیف عن موضعه وأنّه لا یجب تخلیل الشعر لإیصال الماء إلی ما تحته من البشرة.

فإنّه یقال:قد تقدّم فی باب الوضوء أنّه لا یمکن أن تکون الصحیحة ناظرة إلی عدم لزوم غسل البشرة التی علیها شعر کثیف،حتّی ما إذا کان الغسل من الخبث بأن یغسل بدل غسلها الشعر بإجراء الماء علیه فیقتصر علی مورد الیقین،وهو باب غسل الوجه من الوضوء فإنّه قد ورد فیه مثل صحیحة محمّد بن مسلم،عن أحداهما علیهما السلام قال:سألته عن الرجل یتوضّأ أیبطن لحیته؟ قال:«لا» (4) .والعموم فی صحیحة زرارة باعتبار مواضع الشعر لا باعتبار الغسل فی الوضوء،والغسل،والغسل من الخبث کما لا یخفی.

ص :360


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:255،الباب 38 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
3- (3)) وسائل الشیعة 1:476،الباب 46 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.
4- (4)) وسائل الشیعة 1:476،الباب 46 من أبواب الوضوء،الحدیث الأول.

..........

وعلی الجملة،ما ورد فی السؤال فی الصحیحة لا یظهر منه وجه السؤال،بل وجه السؤال کان معلوماً للإمام علیه السلام من الخارج،فیحتمل أن یکون وجه السؤال ومورده هو الغسل المعتبر فی الوضوء.

ویمکن الاستدلال أیضاً علی لزوم إیصال الماء إلی البشرة ولا یکفی مجرّد غسل الشعر النابت علیها بصحیحة محمّد بن مسلم الواردة فی اغتسال الحائض، قال أبو جعفر علیه السلام فیها:«الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزاها» (1) .فإنّ ظاهرها وصول الماء من شعرها إلی البشرة فإنّه فرق بین قوله:ما بلغ الماء شعرها،وبین قوله علیه السلام:ما بلغ الماء من شعرها،کما لا یخفی.

وأمّا الاستدلال بکفایة غسل الشعر عن البشرة التی نبت علیها بما ورد فی کفایة غرفتین أو ثلاث من الماء لغسل الرأس والرقبة (2) ،بدعوی أنّ غرفتین أو ثلاث لا تصل إلی البشرة فیما کان علی الرأس شعر کثیف،فالحکم بالاکتفاء بها مقتضاه إجزاء غسل نفس الشعر کما عن الأردبیلی قدس سره (3) فلا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ الوارد فی النصوص ثلاث أکفّ من الماء وملء کفّیه ثلاث مرّات (4) ،وثلاث حفنات (5) والحفنة هو ملء الکفّین،ومن الظاهر أنّ ثلاث حفنات أو ثلاث مرّات ملأ کفیّه،کافٍ فی وصول الماء إلی بشرة الرأس،بل یمکن ذلک عادة بالکفّین أیضاً حیث إنّه یکفی فی الغسل فی الوضوء والغسل مثل التدهین،وأنّ الشعر لیس کالقطن

ص :361


1- (1)) وسائل الشیعة 2:241،الباب 31 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:229،الحدیث 26 من أبواب الوضوء،الحدیث 2.
3- (3)) مجمع الفائدة والبرهان 1:137.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2 و8.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:257،الباب 38 من أبواب الجنابة،الحدیث 6.

..........

والصوف ونحوهما ممّا یجذب الماء إلی نفسه،وقد ذکر فی تلک الروایات الکفّین لکلّ من الطرفین لو کان الکفّان من الماء کافیاً لغسل تمام أحد الجانبین فکیف لا یکفی ثلاث الأکف للرأس؟

والجهة الثانیة:وهی غسل الشعر الکثیف أو عدم اعتباره فیستظهر من صحیحة زرارة المتقدّمة عدم اعتبار غسله فلو کان علی الشعر ما یمنع عن وصول الماء إلیه ولکن یصل إلی البشرة التی نبت علیها الشعر المزبور کفی غسل البشرة التی من الجسد،فإنّ الوارد فی الصحیحة المزبورة:ثمّ تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک (1) .ویستدلّ علی ذلک أیضاً بما ورد من أنّ المرأة لا تنقض شعرها إذا اغتسلت من الجنابة (2) ،أو غیرها.فإنّ مع عدم نقض شعرها المفتول لا یصل الماء المصبوب علی رأسها إلی جمیع أجزاء المفتول،والأمر فی بعض الروایات بإرواء شعرها من الماء، (3) یمکن أن یکون لوصول الماء إلی بشرة رأسها لا لاعتبار غسل شعر رأسها بنفسه فی مقابل اعتبار غسل بشرة رأسها أو زائداً علیه.

وما فی صحیحة حجر بن زائدة،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«من ترک شعرة من الجنابة متعمّداً فهو فی النار» (4) .قد تقدّم أنّ المراد منه إمّا مقدار الشعرة من البشرة أو الشعرة التی تکون من توابع العضو کما فی الشعر النابت الدقیق فإنّ غیره لا یعدّ من الجسد المعتبر غسله فی الأغسال،وما ورد فی الروایات من الأمر بصب الماء علی الرأس ثمّ صبّه علی الجانبین (5) ،فلیست ناظرة إلّاإلی الترتیب بین غسل الرأس

ص :362


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:255،الباب 38 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:256،الباب 38 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:175،الباب الأول من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

والثُقبة التی فی الأُذن أو الأنف للحلقة إن کانت ضیّقة لا یری باطنها لا یجب غسلها،وإن کانت واسعة بحیث تعدّ من الظاهر وجب غسلها[1]

وله کیفیّتان:

الأُولی:الترتیب،وهو أن یغسل الرأس والرقبة أوّلاً[2]

ثمّ الطرف الأیمن من البدن،ثمّ الطرف الأیسر.

--------------

والجانبین لا ما یغسل من الرأس أو من الجانبین من نفس الجسد أو حتّی الشعر النابت ولو خرج عن تابعیّة الرأس أو الجانبین،وما عن صاحب الحدائق قدس سره (1) من اعتبار غسل الشعر حتّی ما إذا خرج عن تبعیّة موضع نبته کما فی شعر اللحیة وشعر الرأس مطلقاً لا یمکن المساعدة علیه.

[1]

ذکر قدس سره ثقبة الأنف فی مسائل غسل الوجه من الوضوء وقال:والثقبة فی الأنف موضع الحلقة أو الخزامة لا یجب غسل باطنها ولم یفصّل فیه بین ما إذا کانت ضیقة یری باطنها أو کانت وسیعة،والصحیح ما ذکره هناک حیث إنّ مجرّد رؤیة الداخل لا یوجب کون الموضع من الظاهر،فإنّ المراد بالظاهر فی باب الغسل من الحدث والخبث ما کان ظاهراً بطبعه،وأمّا إذا ظهر الجوف لحصول شقّ فی الموضع لبرد أو غیره فاللازم غسل أطراف الشقّ،وأمّا داخله المرئی فهو من الباطن وکذلک الحال فی ثقبة الإذن والأنف،ولعلّ مراده قدس سره من قوله:وإن کانت واسعة بحیث تعدّ من الظاهر،أنّ الثقبة لسعتها لم یبقَ لها جوف عرفاً.

الغسل الترتیبی:

غسل الرأس أوّلاً

[2]

المشهور بین أصحابنا فی غسل الجنابة الترتیبی أن یغسل الرأس أوّلاً قبل

ص :363


1- (1)) الحدائق الناضرة 3:88.

..........

البدن بحیث لو غسل بدنه قبل رأسه أو غسل رأسه وبدنه معاً لم یصحّ بل لم یعلم الخلاف بینهم،وما ذکر الصدوق قدس سره أوّلاً وحکاه عن والده فی رسالته - من صب الماء علی رأسه وبدنه مرّتین - (1) وأن یعطی عدم الترتیب کما هو مقتضی واو العاطفة إلّا أنّه صرّح فی آخر کلامه:فإذا بدأت بغسل جسدک قبل الرأس فأعد الغسل علی جسدک بعد غسل رأسک (2) .ومقتضی هذا الذیل رعایة الترتیب واعتباره.

ویشهد باعتبار الترتیب صحیحة محمّد بن مسلم،عن أحدهما علیه السلام قال:سألته عن غسل الجنابة؟ فقال تبدأ بکفیک - إلی أن قال:- ثمّ تصبّ علی رأسک ثلاثاً ثمّ تصبّ علی سائر جسدک مرّتین (3) .فإنّ ظاهر کلمة (ثمّ) اعتبار الترتیب ولا ینافی ذلک اشتمالها علی المستحبّات قبل الصبّ علی الرأس من غسل الکفّین والفرج ولو مع طهارتها،فإنّ رفع الید عن الظهور فی بعض الروایة لا یوجب قرینة علی رفع الید عن ظهورها فی البعض الآخر منها.

وممّا ذکر یظهر وجه الاستدلال بصحیحة زرارة قال:قلت:کیف یغتسل الجنب؟ فقال:إن لم یکن أصاب کفّه شیء غمسها فی الماء ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صبّ علی رأسه ثلاث أکف ثمّ صبّ علی منکبه الأیمن مرّتین وعلی منکبه الأیسر مرّتین فما جری علیه الماء فقد أجزأه (4) .وموثّقة سماعة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فلیفرغ علی کفّیه ولیغسلهما دون المرفق ثمّ یدخل یده فی إنائه ثمّ یغسل فرجه ثمّ لیصبّ علی رأسه

ص :364


1- (1)) من لا یحضره الفقیه 1:82.
2- (2)) من لا یحضره الفقیه 1:88.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
4- (4)) وسائل الشیعة 9:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

..........

ثلاث مرّات ملء کفّیه ثمّ یضرب بکفّ من ماء علی صدره وکفّ بین کتفیه ثمّ یفیض الماء علی جسده کلّه» (1) .وفی صحیحة حریز:وکذلک غسل الجنابة؟ «...وابدأ بالرأس ثمّ أفض علی سائر جسدک» (2) .وهذا وإن کان مقطوعاً علی روایة الشیخ ولکنّ مستنده فی (مدینة العلم) للصدوق إلی أبی عبداللّٰه علیه السلام (3) .وفی صحیحة زرارة،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«من اغتسل من جنابة فلم یغسل رأسه ثمّ بدا له أن یغسل رأسه لم یجد بدّاً من إعادة الغسل» (4) .ونحوها صحیحة حریز،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«من اغتسل من جنابة ولم یغسل رأسه ثمّ بدا له أن یغسل رأسه لم یجد بدّاً من إعادة الغسل» (5) .ولا یبعد أن یرویها حریز تارة عن زرارة وأُخری قد سمع الحکم عن الإمام علیه السلام فرواه عنه علیه السلام.

والفرق بین هذه الطائفة وما تقدّم علیها هو إمکان القول بأنّ هذه الطائفة تدلّ علی عدم جواز تقدیم غسل الجسد علی الرأس لا علی عدم جواز غسلها معاً،بل یمکن المناقشة فی دلالتها علی الترتیب أصلاً بأنّ ظاهرها أنّه بدا له بعد غسل الجسد أن یغسل الرأس یعنی أنّه کان حین غسل البدن قاصداً لعدم غسل الرأس أصلاً ثمّ بدا له وبنی أن یغسله وهذا یوجب بطلان غسل البدن لا من جهة فقد الترتیب،بل من جهة فقد قصد التقرّب فإنّ الاکتفاء بغسل سائر البدن مع العلم باعتبار غسل الرأس أیضاً وأنّه جزء من غسل الجنابة تشریع موجب لفساد العمل،

ص :365


1- (1)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنایة،الحدیث 8.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:447،الباب 33 من أبواب الوضوء،الحدیث 4.
3- (3)) الذکری 2:165.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:235،الباب 28 من أبواب الجنابة،الحدیث الأول.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:235،الباب 28 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.

..........

إلّا أن یقال إنّ ذلک غیر ظاهر فإنّ المسلم البانی علی امتثال وظیفته بالاغتسال لا یقصد غسل الرأس رأساً،فتدبر.

بخلاف تلک الطائفة فإنّها ظاهرة فی الترتیب وعدم جواز غسل الرأس مع الجسد مقارناً کما هو مقتضی کلمة (ثمّ) الظاهرة فی التأخیر وما فی مقابلهما صحیحة زرارة قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن غسل الجنابة؟ فقال:تبدأ فتغسل کفّیک - إلی أن قال - ثمّ تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک (1) .وصحیحة ابن أبی نصر قال:

سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن غسل الجنابة؟ قال تغسل یدک الیمنی - إلی أن قال - ثمّ أفض علی رأسک وجسدک (2) .

والصحیح عن حماد بن عثمان،عن حکم بن حکیم قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن غسل الجنابة؟ قال:أفض علی کفّک الیمنی من الماء - إلی أن قال - وأفض علی رأسک وجسدک فاغتسل (3) .إلّاأنّ دلالتها علی عدم اعتبار الترتیب بین غسل الرأس وسائر الجسد بالإطلاق فیرفع الید عنه بما دلّ علی اعتباره،ولا موجب لرفع الید عن ظاهر ما تقدّم من اعتبار الترتیب بالتحفّظ علی الإطلاق فإنّ هذا ینافی ما هو المقرّر فی سائر الموارد من تقدیم خطابات التقیید علی الإطلاقات،هذا لو لم یدّعی إهمال هذه الطائفة وأنّها فی مقام بیان الآداب قبل الاغتسال خاصّة لا فی مقام بیان کیفیّة نفس الاغتسال وإلّا لذکر فیها الترتیب،فإنّ الترتیب لو لم یکن شرطاً فلا أقل من استحبابه وأولویة رعایته.

نعم،ورد فی صحیحة هشام بن سالم،قال:کان أبو عبداللّٰه علیه السلام فیما بین مکّة

ص :366


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة.الحدیث 6.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.

..........

والمدینة ومعه أُم إسماعیل فأصاب من جاریة له فأمرها فغسلت جسدها وترکت رأسها،وقال لها:إذا أردتِ أن ترکبی فاغسلی رأسک ففعلت ذلک فعلمت بذلک أُم إسماعیل فحلقت رأسها فلمّا کان من قابل انتهی أبو عبداللّٰه علیه السلام إلی ذلک المکان فقالت له أُم إسماعیل:أی موضع هذا؟ قال لها:هذا الموضع الذی أحبط اللّٰه فیه حجّک أوّل عام (1) .

وهذه الصحیحة صریحه فی جواز تقدیم غسل الجسد علی غسل الرأس ولکن ذکر الشیخ قدس سره أنّ النقل کما ذکر وهم من الراوی؛ لأنّ هشام بن الحکم روی عن محمّد بن مسلم الواقعة علی خلافها حیث قال علیه السلام فیها:فقلت:اغسلی رأسک وامسحیه مسحاً شدیداً لا تعلم به مولاتک فإذا أردت الإحرام فاغسلی جسدک ولا تغسلی رأسک فتستریب مولاتک (2) الحدیث.

وعلی الجملة،فلو لم یکن الوهم فیه محرزاً تعینیّاً فلا أقل من أنّ أحد النقلین وهم،ومعه لا یکون فی البین وجه لرفع الید عن الطائفتین الأوّلتین فی ظهورهما فی اعتبار الترتیب.

لا یقال:لم لا یجعل الصب علی الرأس والجانبین من آداب الغسل فیقال:

لا ترتیب بین غسل الرأس والبدن فیمکن غسلهما معاً حیث إنّه لم یذکر فی الروایات أنّ الصبّ علی الجانبین یکون بعد تمام غسل الرأس وإنّما ذکر أنّه بعد الصبّ علی الرأس،وفی موثقة سماعة بعد أن ذکر صبّ الماء علی رأسه ثلاث مرّات:ثمّ یضرب بکفّ من ماء علی صدره وکفّ بین کتفیه ثمّ یفیض الماء علی جسده کلّه (3) .

ص :367


1- (1)) وسائل الشیعة 2:236،الباب 28 من أبواب الجنابة،الحدیث 4.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:237،الباب 29 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.

..........

ومقتضاها إفاضة الماء علی جمیع جسده من قرنه إلی قدمه فیکون مفادها کمفاد صحیحة زرارة المتقدّمة:«تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک» (1) .

فإنّه یقال:المراد من الجسد فیها مقابل الرأس والرقبة بقرینة ما ورد فی صحیحة محمّد بن مسلم وصحیحة زرارة المتقدّمة حیث ذکر فیهما فی الذیل:فما جری علیه الماء فقد طهر (2) .وظاهرهما أنّ جریان الماء بالصبّ المزبور محقّق للغسل فلا یمکن حمل الصبّ فیهما علی الآداب کما لا یخفی.

فی غسل الرقبة

وهل الرقبة داخلة فی الرأس فیجب غسلها قبل غسل سائر البدن أو أنّها تغسل مع سائر البدن فبناءً علی الترتیب بین الیمین والیسار یغسل نصفها الأیمن مع الیمین ونصفها الأیسر مع الیسار،فالمشهور أنّها داخلة فی الرأس لا بمعنی أنّ معنی الرأس یعمّ الرقبة بل غسل الرأس فی الأغسال کما أنّه یعمّ غسل الوجه مع أنّ الرأس ظاهره ما نبت علیه الشعر کذلک یعمّ غسل الرقبه؛ لأنّ الأمر بصب الماء علی الرأس أوّلاً ثمّ الأمر بصب الماء علی الجانبین أو الیمین والیسار بضمیمة ما تقدّم من اعتبار تمام غسل البدن مقتضاه أن یغسل الرقبة کالوجه مع الرأس،وکذلک ما فی موثقة سماعة:

من الأمر بصبّ الماء علی رأسه ثلاث مرّات ملء کفّیه ثمّ یضرب بکفّ من الماء علی صدره وکفّ بین کتفیه (3) .فإنّ ظاهره أنّ الرقبة تغسل قبل صبّ هذا الماء علی

ص :368


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 1 و 2.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.

صدره وبین کتفیه،وأنّ هذا الصبّ إمّا جزء من غسل سائر الجسد أو أنّه مقدّمة ...

--------------

لتسهیل غسل سائره،وعن بعض المتأخّرین الإشکال فی دخول الرقبة فی غسل الرأس کالخراسانی صاحب الذخیرة (1) والبحرانی (2) بدعوی أنّ مفهوم الرأس لا یعم الرقبة،وبما فی صحیحة أبی بصیر،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«وتصبّ الماء علی رأسک ثلاث مرّات وتغسل وجهک وتفیض علی جسدک الماء» (3) .لأنّ التعرّض لغسل الوجه مع الرأس وعدم التعرّض لغسل الرقبة بالصبّ علی الرأس یدلّ علی خروجها عن غسل الرأس،ولکن لا یخفی أنّ غایتها عدم دلالتها علی دخول الرقبة فی غسل الرأس فیؤخذ بدلالة غیرها فی دخول غسلها فی غسل.

الترتیب بین الجانب الأیمن والأیسر

أمّا اعتبار الترتیب بین غسل الیمنی وغسل الیسری فهو المنسوب (4) إلی المشهور،بل عن بعض (5) دعوی الإجماع علیه ویستدلّ علی ذلک بوجهین:

الأوّل: أنّ المستفاد من الروایات الواردة فی کیفیّة غسل الجنابة أنّ للغسل أجزاء ثلاثة:غسل الرأس،وغسل الیمنی،وغسل الیسری،ولو لم یکن اعتبار الترتیب بین غسل الیمنی وغسل الیسری لکان للغسل جزءان إحدهما غسل الرأس وثانیهما غسل البدن،وفی الصحیحة:«ثمّ صبّ علی رأسه ثلاث أکف ثمّ صبّ علی

ص :369


1- (1)) الذخیرة 1:56.
2- (2)) وهو الشیخ عبداللّٰه بن صالح البحرانی کما فی الحدائق الناضرة 3:65.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 9.
4- (4)) نسبه الکاشانی فی مفاتیح الشرائع 1:56،المفتاح 61،والفاضل الهندی فی کشف اللئام 2:15،والبحرانی فی الحدائق 3:72.
5- (5)) منهم السید المرتضی فی الانتصار:120،المسألة 21،والشیخ فی الخلاف 1:132،المسألة 75،وابن زهرة فی الغنیة:61،والعلّامة فی التذکرة 1:231.

..........

منکبه الأیمن مرّتین وعلی منکبه الأیسر مرّتین فما جری علیه الماء فقد أجزأه» (1) .

ولکن لا یخفی أنّه لم یذکر الصبّ علی الیسری فی الصحیحة بلفظ (ثمّ) الظاهرة فی الترتیب فی صبّ الماء علی الیسری،بل ذکر الصبّ علی منکبه الیسری عطفاً علی الصبّ بالیمنی بالواء العاطفة،وذکر فی ذیلها:أنّ ما جری علیه الماء فقد أجزأه.

وبتعبیر آخر،فرض مواضع الصب ثلاثه باعتبار أنّ المفروض فی تلک الروایات الاغتسال بالماء القلیل،والاغتسال به بعد غسل الرأس یکون عادة بصبّ الماء علی الجانبین،سواء قدّم الصبّ علی الیسری أو قدّم الصبّ علی الیمنی کما هو مقتضی واو العاطفة التی لا ظهور لها علی الترتیب أصلاً،مع أنّه علیه السلام قد جعل فی موثقة سماعة جزأین حیث ذکر:«ثمّ لیصبّ علی رأسه ثلاث مرّات ملء کفّیه،ثمّ یضرب بکفّ من ماء علی صدره وکفّ بین کتفیه،ثمّ یفیض الماء علی جسده کلّه». (2) هذا مع الإغماض عمّا قیل من شمول:«فما جری علیه الماء» (3) .فی صحیحة زرارة.بل فی صحیحة محمّد بن مسلم (4) لمّا إذا جری من أحد الجانبین علی الآخر،ووجه الإغماض للزوم الشمول لمّا إذا جری المصبوب علی الرأس علی بعض البدن.

والوجه الثانی:ما ورد فی بعض الروایات الواردة فی غسل المیّت من أنّ غسل المیّت کغسل الجنابة (5) ،وبما أنّ الترتیب بین غسل یمین المیّت ویساره معتبر یکون

ص :370


1- (1)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنابة،الدیث 8.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:486،الباب 3 من أبواب غسل المیت،الحدیث الأوّل.

والأحوط أن یغسل النصف الأیمن من الرقبة ثانیاً مع الأیمن[1]

--------------

الترتیب المزبور معتبراً فی غسل الجنابة أیضاً،وفیه أنّ مقتضی التنزیل أن یثبت للمنزّل جمیع آثار المنزّل علیه أو أثره الظاهر لا أن یثبت للمنزّل علیه أثر للمنزل.

وعلی الجملة،مقتضی ما ورد فی غسل المیّت أن یثبت له الاعتبار الثابت فی غسل الجنابة لا العکس،ولعلّ المراد من تنزیل غسل المیّت منزلة غسل الجنابة بیان عدم الحاجة إلی اغتسال المیّت بغسل الجنابة فیما إذا أمنی قبل موته،وأنّ غسل المیّت مثل غسل الجنابة فی رفع جنابته کما ورد فی بعض الروایات من أنّ المیّت یخرج منه النطفة التی خلق منها قبل موته وأنّ علّة غسل المیّت لکونه جنباً (1) .

والمتحصّل مقتضی الإطلاق فی الروایات الدالّة علی غسل سائر الجسد بعد غسل الرأس عدم اعتبار الترتیب بین غسل الیمنی والیسری،ودعوی الإجماع علی اعتبار الترتیب بینهما لا یمکن المساعدة علیها بعد إطلاق کلام بعض قدماء أصحابنا کالصدوق (2) وابن أبی عقیل (3) ،وتصریح جملة من المتأخّرین بعدم اعتبار الترتیب (4) بینهما مع احتمال أن یکون المدرک للمشهور أحد الوجهین المتقدّمین، واللّٰه سبحانه هو العالم.

[1]

قد ظهر ممّا تقدّم الوجه فی الاحتیاط استحباباً کما أنّه قد ظهر وجه لزوم غسل نصف السرّة والعورة مع غسل الجانب الأیمن ونصفهما الآخر مع الجانب الأیسر،فإنّ هذا النحو من الغسل مبنی علی اعتبار الترتیب بین غسل الیمنی وبین غسل الیسری،وأنّ نصفهما یتبع الأیمن ونصفهما الآخر للأیسر حیث إنّ القول بتبعیة

ص :371


1- (1)) وسائل الشیعة 2:487،الباب 3 من أبواب غسل المیت،الحدیث 2.
2- (2)) من لا یحضره الفقیه 1:82،صفة غسل الجنابة.
3- (3)) نقله عنه الشهید الأول فی الذکری 2:220.
4- (4)) کالشیخ البهائی فی الحبل المتین:41،والسید العاملی فی المدارک 1:295،والمحقق السبزواری فی ذخیرة المعاد:56.

والنصف الأیسر مع الأیسر،والسُرّة والعورة یغسل نصفهما الأیمن مع الأیمن،ونصفهما الأیسر مع الأیسر،والأولی أن یغسل تمامهما مع کلّ من الطرفین،والترتیب المذکور شرط واقعیّ،فلو عکس ولو جهلاً[1]

أو سهواً بطل، ولا یجب البدأة بالأعلی فی کلّ عضو[2]

ولا الأعلی فالأعلی.

--------------

کلّ منهما للأیمن خاصّة أو للأیسر خاصّة بلا موجب یکون غسلهما بتمامهما فی غسل کلّ من الجانبین من غیر ملزم.

نعم،یحتمل کون کلّ منهما جزءاً مستقلّاً وما دلّ علی الترتیب بین الأیمن والأیسر هو التسالم عند المشهور والتسالم لا یجری فیهما فللمکلّف غسلهما مع غسل الیمین أو الیسار أو بعد غسلهما کما لا یخفی.

[1]

فإنّه مقتضی اعتبار الترتیب بین غسل الرأس والجسد أو بین غسل الجانب الأیمن والأیسر أیضاً علی ما تقدّم،فإنّ مقتضی الأخبار المتقدّمة الواردة فیها الأمر بصبّ الماء علی الجانب الأیمن بعد غسل الرأس الإرشاد إلی شرطیّة الترتیب.

نعم،یمکن المناقشة فی الطائفة الثانیة الدالّة علی إعادة الغسل إذا غسل البدن قبل الرأس بأنّها مختصّة بصورة التعمّد إلی ذلک.

عدم اعتبار البدء بالأعلی فالأعلی

[2]

الظاهر عدم الخلاف فی عدم اعتبار الغسل من الأعلی فالأعلی لدلالة صحیحة محمّد بن مسلم وزرارة أنّ الماء المصبوب علی الرأس أو علی المنکب إذا جری علی موضع قبل جریانه علی ما قبله من الموضع کفی ذلک فی غسل ذلک الموضع،کما یتفق غالباً فی صبّ الماء علی المنکب أنّه یصل إلی البطن قبل إصابته علی بعض المواضع قبله مضافاً إلی ما یأتی من الروایات الدالّة علی الاکتفاء بغسل الموضع المنسی من غیر إعاده الغسل علی المواضع التالیة له.

ص :372

..........

وأمّا عدم وجوب البدأة بالأعلی فإنّه مشهور بین أصحابنا،والمحکی (1) عن بعض القدماء کالغنیّة والإشارة والسّرائر (2) ولعلّ المستند لهم ما فی صحیحه زرارة من قوله علیه السلام:«ثمّ تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک» (3) بدعوی أنّ ظاهرها البدء فی الاغتسال من غسل الرأس،وما ورد فی بعض الراویات المتقدّمة من صبّ الماء علی الرأس ثمّ الصبّ علی المنکبین،حیث إنّ ظاهرها البدء فی غسل الرأس والوجه والرقبة من الرأس والبدء فی غسل الجانبین من الأعلی.

ولکن شیء ممّا ذکر غیر تام فإنّ التحدید فی صحیحه زرارة راجع إلی المغسول وأنّه یعتبر فی غسل الجنابة غسل تمام البدن حیث یعبر عن تمام البدن من القرن إلی القدم مع أنّ القرن لا یکون أعلی الأعضاء حیث إنّ المراد منه موضع القرن الموجود فی الحیوان،وما ورد فی صبّ الماء علی المنکبین لیس لاعتبار الغسل فی الجانبین من الأعلی وإلّا لم یکن وجه للصب علی المنکب فی المرّة الثانیة حیث إنّ المنکب یغسل بالمرّة الأُولی،بل صبّه علیه فی المرّتین لاستعمال الماء الأقل فی غسل البدن؛ ولذا ذکر فی سائر الروایات صبّ الماء علی سائر الجسد سواء کان الصب بدأة من الأعلی أو من غیره،وفی صحیحة حکم بن حکیم:«وأفض علی رأسک وجسدک فاغتسل» (4) وفی موثقة سماعة:«ثمّ یفیض الماء علی جسده کلّه» (5) .فإنّه یعمّ ما إذا أفاض الماء علی جسده أی غیر رأسه بالبدء من الأعلی أم لا.

ص :373


1- (1)) حکاه السید العاملی فی مفتاح الکرامة 3:48،عن الظاهر من المذکورین.
2- (2)) غنیة النزوع:61،وإشارة السبق:72،والسرائر 1:118 - 119.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.
5- (5)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.

ولا الموالاة العرفیّة بمعنی التتابع،ولا بمعنی عدم الجفاف[1]

فلو غسل رأسه ورقبته فی أوّل النهار والأیمن فی وسطه والأیسر فی آخره صحّ،وکذا لا یجب الموالاة فی أجزاء عضو واحد،ولو تذکّر بعد الغسل ترک جزء من أحد الأعضاء رجع وغسل ذلک الجزء،فإن کان فی الأیسر کفاه ذلک،وإن کان فی الرأس أو الأیمن وجب غسل الباقی علی الترتیب،ولو اشتبه ذلک الجزء وجب غسل تمام المحتملات مع مراعاة الترتیب.

--------------

لا تعتبر الموالاة فی الغسل

[1]

ولا یعتبر الموالاة لا بین غسل الرأس والرقبة وبین غسل الأیمن أو الأیسر، ولا بین غسل العضو الواحد فلو غسل رأسه ورقبته فی وقت ثمّ غسل سائر البدن فی وقت آخر کفی کما یشهد بذلک ما ورد فی قضیّة أُم إسماعیل والصحیح عن إبراهیم بن عمر الیمانی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:إنّ علیّاً لم یرَ بأساً أن یغسل الجنب رأسه غدوة ویغسل سائر جسده عند الصلاة (1) .وکذلک ما فی صحیحة حریز:ابدأ بالرأس ثمّ أفض علی سائر جسدک،قلت:وإن کان بعض یوم؟ قال:

نعم (2) .وهذه الأخیرة کما أنّها تعمّ عدم اعتبار الموالاة بین الرأس والجسد کذلک تعمّ عدم اعتبار الموالاة فی عضو واحد.أضف إلی ذلک ما ورد فی نسیان غسل جزء من العضو الواحد (3) ،فإنّ ظاهره الاکتفاء بغسل ذلک الموضع المنسی غسله،وعلی ذلک لو تذکّر بعد الغسل بترک جزء من أحد الأعضاء ورجع وغسل ذلک الجزء،فإن کان ذلک الجزء فی الرأس علیه إعادة غسل البدن لحصول الترتیب،وإن کان فی البدن یکتفی بغسله بناءً علی عدم الترتیب بین غسل الأیمن والأیسر،وأمّا بناءً علی

ص :374


1- (1)) وسائل الشیعة 2:238،الباب 29 من أبواب الجنابة،الحدیث 3.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:237،الباب 29 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:259،الباب 41 من أبواب الجنابة،الحدیث 1 و 2.

..........

اعتباره فإن کان فی الأیمن یعید الغسل علی الأیسر،وإن کان فی الأیسر اکتفی بغسله.

ولکن ربّما یقال مقتضی صحیحة زرارة،عن أبی جعفر علیه السلام الواردة فیمن ترک غسل بعض ذراعه أوبعض جسده (1) ،الاکتفاء بغسل ذلک المنسی،سواء کان المنسی فی الیمین أو الیسار،ولکن لا یخفی بناءً علی اعتبار الترتیب بین غسل الأیمن والأیسر اللازم رعایة الترتیب فإنّ مفاد الصحیحة إعادة الغسل علی الموضع المنسی بشرائطه.

وأمّا ما ذکره قدس سره من أنّه لو اشتبه ذلک الجزء وجب غسل تمام المحتملات، فالوجه فیه جریان الاستصحاب فی ناحیة عدم غسل کلّ موضع یحتمل المعلوم بالإجمال مع أنّه مقتضی قاعدة الاشتغال للزوم إحراز غسل تمام البدن،ولکن قیل هذا إنّما یصحّ فیما إذا کانت المحتملات کلّها فی جزء لا یعتبر الترتیب فیه،وأمّا إذا کان الجزء غیر المغسول مردّداً أمره بین کونه فی الرأس أو فی البدن أو مردّداً بین کونه فی الیمین أو الیسار بناءً علی اعتبار الترتیب بین غسل الأیمن والأیسر فیکتفی بغسل الموضع الذی یعتبر کون غسله بعد تمام العضو الأوّل،مثلاً یکتفی بالموضع المحتمل من البدن فیما إذا دار أمر المتروک بین کونه فی الرأس أو البدن أو یکتفی بغسل الموضع من الأیسر بناءً علی الترتیب بین الجانبین؛ وذلک للعلم تفصیلاً ببطلان غسل ذلک الموضع إمّا لعدم غسله أو لفقد الترتیب،وأمّا النقص فی الجزء السابق علیه فمشکوک فتجری فیه قاعدة التجاوز،ولکن التفصیل غیر صحیح ویصحح جریانها فی الجزء السابق غسل جمیع المواضع التی بعده حتّی یفرغ من الغسل.

ولا یقاس المقام بما إذا توضّأ وصلّی ثمّ علم إمّا ببطلان فی صلاته أو نقص فی

ص :375


1- (1)) وسائل الشیعة 2:260،الباب 41 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

الثانیة:الارتماس،وهو غمس تمام البدن فی الماء دفعة واحدة عرفیة، واللازم أن یکون تمام البدن تحت الماء فی آن واحد،وإن کان غمسه علی التدریج،فلو خرج بعض بدنه قبل أن ینغمس البعض الآخر لم یکفِ،کما إذا خرجت رجله،أو دخلت فی الطین قبل أن یدخل رأسه فی الماء،أو بالعکس؛ بأن خرج رأسه من الماء قبل أن تدخل رجله،ولایلزم أن یکون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء،بل لو کان بعضه خارجاً فارتمس کفی[1]

--------------

وضوئه،فإنّه یعلم تفصیلاً ببطلان صلاته وتجری قاعدة الفراغ فی وضوئه،والوجه فی عدم القیاس أنّه لا تجری قاعدة التجاوز فی الغسل مع إحراز عدم الفراغ منه ولو بالعلم ببقاء شیء منه کما هو الحال فی المقام،ویستفاد ذلک من صحیحة زرارة الواردة فیمن شکّ فی نقص غسله أو علم ببقاء شیء منه (1) .وسیأتی الکلام فیها حیث قید سلام اللّٰه علیه فیها عدم الاعتناء بالشکّ بالدخول فی الصلاة أو القیام من الغسل.

الغسل الارتماسی

اشارة

[1]

جواز الاغتسال بنحو الارتماس بأن یدخل جمیع أعضاء بدنه فی الماء بحیث یکون جمیع بدنه من أُم رأسه إلی قدمیه فی الماء فی آن معروف ومشهور،بل لم ینقل الخلاف فیه وإن ذکر عدم تعرض جملة من القدماء لذلک،ویشهد بذلک من الروایات صحیحة زرارة،قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن غسل الجنابة - إلی أن قال علیه السلام:- «لو أنّ رجلاً جنباً ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک وإن لم یدلک جسده» (2) .

ص :376


1- (1)) وسائل الشیعة 2:260،الباب 41 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.

..........

وفی صحیحة الحلبی،قال سمعت أبا عبداللّٰه علیه السلام یقول:«إذا ارتمس الجنب فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک» (1) .وفی معتبرة السکونی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:قلت له:الرجل یجنب فیرتمس فی الماء ارتماسة واحدة ویخرج یجزیه ذلک من غسله؟ قال:«نعم» (2) .وروی فی الفقیه فی الصحیحة عن عبیداللّٰه بن علی الحلبی قال:حدثنی من سمعه یقول:«إذا اغتمس الجنب فی الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلک من غسله» (3) .

وظاهر هذه الأخبار أن یکون وصول الماء إلی جمیع أعضاء البدن فی تلک الرّمسة الواحدة المفروضة فیها وإن کان وصوله إلی موضع من البدن متأخّراً عن وصوله إلی سائر المواضع،کما إذا ارتمس فی الماء بقصد الاغتسال وبقی تحت الماء دقائق،وکان علی بعض مواضع بدنه شعر لاصق یتوقّف وصول الماء إلی بشرة ذلک الموضع علی الدلک أو مانع آخر قد رفعه عنه وهو تحت الماء فإنّه کفی ذلک فی الاغتسال حیث یصدق أنّه وصل الماء إلی جمیع بدنه فی تلک الرّمسة،ونظیر ذلک ما إذا کان حین رمسه فی الماء رجله فی الطین وأخرجها عن الطین قبل إخراج رأسه من الماء ولعلّ هذا ممّا لا خلاف فیه.

وأمّا ما ذکر المشهور ومنه الماتن کون غمس تمام البدن فی الماء بدفعة واحدة عرفیّة بأن لا یعدّ غمس البدن فی الماء مجزئاً کما إذا أدخل رجلیه بقصد الاغتسال من الجنابة فی الماء ومکث ساعة أو نصف ساعة أو أقل ثمّ غمس إلی بطنه فیه ومکث کذلک ثمّ غمس إلی صدره ثمّ إلی رأسه،فالمنسوب إلی المشهور عدم جواز

ص :377


1- (1)) وسائل الشیعة 2:232،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 12.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:232،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 13.
3- (3)) من لا یحضره الفقیه 1:86،الحدیث 191.

بل لو کان تمام بدنه تحت الماء فنوی الغسل وحرّک بدنه کفی علی الأقوی[1]

--------------

هذا التجزی فیما کان الغمس بقصد الاغتسال،فإنّ إدخال تمام البدن فی الماء دفعة واحدة حقیقة غیر ممکن والتجزی حاصل لا محالة إلّاأنّ التجزّی الکافی ما إذا عدّ الغمس بدفعة واحدة عرفاً لا فیما إذا عدّ بنظرهم غمسات فالتدرّج ولو بنظرهم لا بأس به.

أقول:لهذا الکلام وجه إذا قیل بجواز قصد الاغتسال من حین إدخال الرجل فی الماء بأن یحصل الاغتسال من حین إدخال الرجلین،وأمّا بناءً علی تعیّن قصد الاغتسال حین استیلاء الماء بجمیع البدن بأن یحصل الاغتسال للجنابة من ذلک الآن فلا موضوع لکلام المشهور کما لا یخفی.

[1]

لم یظهر وجه القوّة بل الأظهر عدم إجزائه فإنّ ظاهر ما دلّ علی أنّ وصول الماء إلی جمیع البدن کافٍ فی الغسل هو حدوث الارتماس بقصد الغسل وکون ذلک الارتماس برمسة واحدة،وفی صحیحة زرارة المتقدّمة:«ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک» (1) وقد ذکرنا توضیح أنّ الأمر بفعل مع عدم القرینة من الداخل أو الخارج علی الخلاف ظاهره إحداث ذلک الفعل ولا یجزی فی امتثاله البقاء علی الفعل الحادث من قبل،وعلیه فاللازم أن یکون عند الارتماس بقصد الاغتسال بعض أعضاء بدنه خارج الماء عرفاً،بلا فرق بین کون ذلک البعض الرأس والرقبة أو الرجل،کما تقدّم فی دخول الرجل فی الطین عند ارتماس الرأس فی الماء من أنّه لابدّ من إخراج الرجل عنه قبل إخراج الرأس عن الماء ومع الإغماض عمّا ذکر فلا وجه لاعتبار تحریک البدن تحت الماء.

ودعوی أنّ مع التحریک یصدق جریان الماء علی البدن فیها ما لا یخفی،فإنّ اعتبار الجریان الظاهر فی الاغتسال بالماء القلیل،وأمّا فی الارتماس فالمعتبر وصول

ص :378


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.

ولو تیقّن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت الإعادة[1]

ولا یکفی غسل ذلک الجزء فقط.

--------------

الماء إلی جمیع البدن فی الرمسة الواحدة جری علیه الماء أو لم یجر.

تجب إعادة الغسل مع العلم بعدم انغسال جزء

[1]

وجوب الإعادة لما تقدّم من أنّ الغسل الارتماسی هو غسل تمام البدن فی الرمسة الواحدة بأن یصل الماء إلی جمیع البدن فی تلک الرّمسة،والمفروض عدم وصول الماء إلی بعض البدن فیها ولا یحصل الغسل الترتیبی أیضاً،فإنّ المعتبر فی الغسل الترتیبی غسل الرأس والرقبة أوّلاً ثمّ غسل البدن والمفروض أنّ الغسل بنحو الترتیب لم یحصل سواء اعتبر الترتیب بین غسل الیمین والیسار أم لا.

نعم،ربّما یقال إنّ الجزء الباقی إن کان فی البدن دون الرأس والرقبة یکفی إعادة غسل البدن ولا یجب إعادة غسل الرأس والرقبة؛ لأنّ غسل الجنابة تقسیمه إلی الترتیبی والارتماسی کتقسیم صلاة الظهر إلی القصر والتمام،وکما إذا شرع المسافر فی الصلاة بنیّة القصر وصلّی رکعتین أو أقل ثمّ بدا له الإقامة یجزی إضافة الرکعتین الباقیتین؛ لأنّ القصر والتمام لیس أحدهما مبایناً للآخر بالقصد والعنوان،بل تباینهما باشتراط رکعتین أخیرتین فی التمام واشتراط عدمهما فی القصر،کذلک الغسل الترتیبی مشروط بالترتیب فی غسل سائر البدن بأن یقع غسله بعد تمام غسل الرأس والرقبة،والارتماسی مشروط بغسل جمیع البدن باستیلاء الماء فی الرّمسة الواحدة من غیر أن یکون أحدهما مبایناً للآخر بالعنوان القصدی،وعلیه بما أنّ فی الفرض الشرط فی صحّة الغسل ترتیبیاً غیر حاصل بالإضافة إلی غیر الرأس والرقبة فیبطل الغسل بالإضافة إلیه فیعاد الغسل علی البدن،وأمّا الرأس والبدن فلا یجب إعادته علیهما.

ولکن یمکن المناقشة بأنّه کما یعتبر فی الغسل الترتیبی وقوع غسل البدن بعد

ص :379

..........

غسل الرأس والرقبة،کذلک یعتبر أن یقع غسل الرأس والرقبة قبل البدء بغسل الجسد،کما هو مقتضی کلّ واجب مرّکب ارتباطی یعتبر الترتیب بین أجزائه،وبما أنّ قوله علیه السلام صبّ الماء علی رأسه ثمّ یصبّ علی منکبیه (1) .مقتضاه الترتیب فی غسل الرأس والرقبة وبین البدن،وأن مقتضی العادة وقوع شیء من الماء المصبوب علی الرأس علی البدن فلابدّ أن لا یقصد الغسل بما یقع علی البدن من الماء المصبوب علی الرأس،وإلّا غسل البدن مع الرأس والرقبة فلا یکون غسل الرأس مقدّماً علی غسل البدن،وفی ما نحن فیه کذلک فإنّ المفروض أنّ المکلّف قصد غسل جمیع البدن عند ارتماسه فی الماء فلا یکون إعادة غسل البدن موجباً لتقدّم غسل الرأس والرقبة علی البدن،ولا یقاس ذلک بمسألة القصر والتمام حیث لا یمکن فیه حصول ما یعتبر فی التمام أو فی القصر بمجرّد البدء بالآخر.

وعن العلّامة فی القواعد (2) وصاحب المستند (3) أنّه یکفی فی الفرض غسل الموضع الذی لم یصل إلیه الماء فلا یحتاج إلی إعادة الغسل أخذاً بالإطلاق فی صحیحة زرارة الواردة فیمن شکّ فی غسل بعض أعضاء الغسل أو استیقن بعدم غسله،فإنّ قوله علیه السلام فیها:«فإن دخله الشکّ وقد دخل فی صلاته فلیمضِ فی صلاته ولا شیء علیه،وإن استیقن رجع فأعاد علیه الماء وإن رآه وبه بلّة مسح علیه وأعاد الصلاة باستیقان» (4) فإنّها تعمّ ما إذا کان اغتساله بنحو الترتیب أو بنحو الارتماس وأنّه فی کلتا الصورتین مع الاستیقان ببقاء شیء من عضوه غیر مغسول یعید الماء علیه.

ص :380


1- (1)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
2- (2)) قواعد الأحکام 1:211.
3- (3)) مستند الشیعة 2:334.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:260،الباب 41 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

ویجب تخلیل الشعر إذا شکّ فی وصول الماء إلی البشرة التی تحته[1]

، --------------

وفیه أنّ هذه الصحیحة فی مقام بیان لزوم التدارک مع الاستیقان وعدم لزومه مع الشکّ الذی یحصل بعد القیام من الغسل بالدخول فی الصلاة ونحوها،ولا تنظر إلی إلغاء الشروط المعتبرة فی الغسل مثلاً إذا استیقن ببقاء شیء من رأسه غیر مغسول فی الترتیبی فلا تدلّ الصحیحة علی إعادة الغسل علیه من دون أن یغسل بعده سائر جسده تحفّظاً علی اعتبار الترتیب،بل مفادها إعادة الغسل علیه بالشرائط المعتبرة فی غسله،ومن تلک الشرائط کون غسله قبل غسل الجسد فیلزم إعادة الغسل علی الجسد أیضاً کما هو الحال فی الأمر بإعادة الغسل علی المواضع الباقیة من الوضوء أو المشکوک بقائها قبل القیام من الوضوء کما ذکر فی صدر الصحیحة،فیکون إعادة الغسل علی ذلک الموضع مع کون الغسل ارتماسیّاً بإعادة نفس الغسل،کما تکون إعادة الوضوء علی ما ترکت غسله یقیناً مع جفاف الأعضاء بإعادة نفس الوضوء فقوله علیه السلام فیها:«وإن تیقنت أنّک لم تتم وضوءک فأعد علی ما ترکت یقیناً» (1) کما لا یدلّ علی إلغاء اعتبار عدم الجفاف فی الأعضاء السابقة کذلک قوله علیه السلام:

فأعد الماء علیه فی الغسل.لا تدلّ علی إلغاء شرائط غسل العضو.

أضف إلی ذلک ما قیل من أنّ الصحیحة ظاهرها هو الوضوء أو الغسل بنحو الترتیب،ولکن هذا لا یخلو من المناقشة،بل الوضوء فی صدرها یعمّ الوضوء بنحو ارتماس الأعضاء کما لا یخفی.

[1]

لإحراز وصول الماء إلی البشرة حیث لا فرق فی اعتبار غسلها بین کون الغسل ترتیبیاً أو ارتماسیّاً.

ص :381


1- (1)) وسائل الشیعة 1:469،الباب 42 من أبواب الوضوء،الحدیث الأول.

ولا فرق فی کیفیّة الغسل بأحد النحوین بین غسل الجنابة[1]

وغیره من سائر الأغسال الواجبة والمندوبة.

نعم،فی غسل الجنابة لا یجب الوضوء بل لا یشرع،بخلاف سائر الأغسال کما سیأتی إن شاءاللّٰه.

--------------

لا فرق فی کیفیة الغسل بین غسل الجنابة وغیره من الأغسال

[1]

لا خلاف فی أنّ الغسل من الجنابة ترتیبیاً یجری فی سائر الأغسال من الواجبة والمستحبّة ولا اختلاف بین الأغسال فی ذلک،وکذا فی الغسل ارتماسیاً کما أنّه یجزی فی غسل الجنابة کذلک یجزی فی سائر الأغسال،ویشهد لذلک ما ورد فی أنّ غسل الجنابة والحیض واحد کما فی موثقة عبیداللّٰه بن علی الحلبی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«غسل الجنابة والحیض واحد» (1) ونحوها مرسلة الصدوق (2) ، وفی معتبرة محمّد بن علی الحلبی،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:غسل الجنابة والحیض واحد،قال:وسألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الحائض علیها غسل مثل غسل الجنب؟ قال:

نعم (3) .ومقتضاها کون غسل الحیض کغسل الجنابة فی کونه ترتیبیاً وارتماسیّاً،بل فی مضمرة زرارة:«إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأک غسلک للجنابة والحجامة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزیارة،فإذا اجتمعت علیک حقوق أجزأها عنک غسل واحد» (4) وظاهرها أنّ المشروع فی کلّ من هذه الموارد الغسل بنحو واحد، وإنّما الاختلاف فی الأسباب أو إنّ اختلافها بالقصد والعنوان،أضف إلی ذلک أنّ مع معلومیّة کیفیّة الغسل من الجنابة والحیض یکون الأمر بالغسل فی سائر الموارد من

ص :382


1- (1)) وسائل الشیعة 2:315،الباب 23 من أبواب الحیض،الحدیث الأوّل.
2- (2)) من لا یحضره الفقیه 1:77،الحدیث 173.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:175،الباب الأوّل من أبواب الجنابة،الحدیث 6.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:261،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

(مسألة 1) الغسل الترتیبی أفضل من الارتماسی[1]

.

(مسألة 2) قد یتعیّن الارتماسی کما إذا ضاق الوقت عن الترتیبی،وقد یتعیّن الترتیبی کما فی یوم الصوم الواجب[2]

وحال الإحرام،وکذا إذا کان الماء للغیرولم یرضَ بالارتماس فیه.

--------------

غیر تعرّض لبیان کیفیّته ظاهره الإتیان بالغسل الذی عین کیفیّته فی الجنابة،ولو کان لسائر الأغسال کیفیّة أُخری کما فی تغسیل المیّت لتصدوا لبیانها.

نعم،یختلف غسل الجنابة عن سائر الأغسال بعدم مشروعیّة الوضوء فیه، بخلاف سائر الأغسال فإنّه یستحبّ فیها أو یجب فیما کان محدّثاً بالأصغر قبل الغسل علی ما سیأتی.

نعم،احتمل انحصار الغسل بنحو الترتیبی وأنّ الارتماس لیس بغسل فإنّما هو مجزئ عن غسل الجنابة فلا نتعدی إلی سائر الأغسال،ولکنّ ضعفه ظاهر؛ لأنّ ظاهر صحیحة زرارة،بل غیرها أنّ الارتماس الفرد المجزی من غسل الجنابة لا أنّه غیر غسل مجزءٍ عن الغسل.

[1]

لمّا فی التعرّض فی الروایات أوّلاً لبیان الغسل ترتیبیاً ثمّ ذکر أنّ الغسل ارتماساً یجزی،ظاهره أنّ المجزی أقلّ الفردین،ونظیره ما فی العرف من تعیین أمر أوّلاً ثمّ بیان أنّه یجزی عنه الأمر الآخر.

فی تعیّن أحد الکیفیتین

[2]

لأنّ الارتماس مفطر للصوم وإذا کان الصوم واجباً وإفطاره غیر جائز یکون الغسل ارتماساً باطلاً؛ لأنّه من تناول المفطر وکذا الاغتسال ارتماساً فی حال الإحرام،وهذا بخلاف الغسل الترتیبی فی ضیق الوقت فإنّ الغسل کذلک ضد خاصّ للواجب الآخر وهی الصلاة فی وقتها فلا یکون محرّماً لیبطل بخلاف الارتماس فی الماء مع عدم رضا صاحبه فإنّه یبطل الغسل لکونه تصرّفاً فی ملک الغیر بلا رضاه.

ص :383

(مسألة 3) یجوز فی الترتیبی أن یغسل کلّ عضو من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس[1]

بل لو ارتمس فی الماء ثلاث مرّات:مرّة بقصد غسل الرأس،ومرّة بقصد غسل الأیمن،ومرّة بقصد الأیسر کفی،وکذا لو حرّک بدنه تحت الماء ثلاث مرّات،أو قصد بالارتماس غسل الرأس،وحرّک بدنه تحت الماء بقصد الأیمن، وخرج بقصد الأیسر،ویجوز غسل واحد من الأعضاء بالارتماس والبقیّة بالترتیب،بل یجوز غسل بعض کلّ عضو بالارتماس وبعضه الآخر بإمرار الید.

(مسألة 4) الغسل الارتماسی یتصوّر علی وجهین:

أحدهما:أن یقصد الغسل بأوّل جزء دخل فی الماء،وهکذا إلی الآخر، فیکون حاصلاً علی وجه التدریج.

--------------

یجوز فی الترتیبی غسل کلّ عضو ارتماساً

[1]

کلّ ذلک مقتضی الإطلاق فی مثل صحیحة زرارة،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«ثمّ تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک» (1) فإنّه یعمّ الغسل بنحو صبّ الماء علی الجسد وما إذا کان غسل الأعضاء بنحو الرمس فی الماء،وما فی بعض الروایات من الأمر بصبّ الماء علی الرأس وعلی الجانبین أو المنکب الأیمن والمنکب الأیسر (2) ، قد تقدّم أنّها فی مقام بیان الترتیب بین غسل الرأس والرقبة وغسل سائر الجسد، وبما أنّ الغالب الاغتسال بالماء القلیل أمر بصبّ الماء علی الأعضاء،وإلّا فلا یعتبر غسل العضو من الأعلی لا فی الرأس ولا فی الجانبین.

نعم،ما ذکره قدس سره من کفایة تحریک بدنه تحت الماء ثلاث مرّات أو قصد بالارتماس غسل الرأس وحرّک بدنه تحت الماء بقصد الأیمن وخرج بقصد الأیسر لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ ظاهر الخطابات کما ذکرنا فی عدم جواز نیّة الوضوء

ص :384


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

والثانی:أن یقصد الغسل حین استیعاب الماء تمام بدنه،وحینئذ یکون آنیّاً، وکلاهما صحیح،ویختلف باعتبار القصد،ولو لم یقصد أحد الوجهین صحّ أیضاً وانصرف إلی التدریجیّ[1]

--------------

عند إخراج العضو من الماء هو الغسل الحدوثی،ومقتضاه أن یکون العضو قبل غسله خارج الماء.

کیفیة الغسل الارتماسی

[1]

ذکر قدس سره وجهین فی قصد الاغتسال:

الأوّل:أن یقصد الغسل من حین البدء فی الدخول فی الماء إلی أن یحصل ارتماس البدن فی الماء بحیث تعدّ الرّمسة واحدة عرفاً ویلزم علی ذلک أنّه لو أحدث بعد البدء فی الارتماس وقبل صیرورة تمام بدنه فی الماء یکون الحدث المزبور قبل تمام الغسل وفی أثنائه.

والثانی:أن یقصد الغسل حین استیعاب الماء تمام بدنه من قرنه أو قدمه،وفی مثل ذلک یکون الحدث المزبور قبل الغسل لا فی أثنائه،وحکم قدس سره بجواز کلا الوجهین أخذاً بظاهر ما تقدّم من الروایات من أنّ الارتماسة الواحدة بقصد الغسل مجزئة عن غسل الجنابة،حیث إنّ مقتضاها أنّ الارتماسة الواحدة من بدئها الحاصل بالورود فی الماء بقصد الاغتسال غسل الجنابة.

نعم،لو لم یقصد الغسل إلّامقارناً لحدوث الرّمس بالإضافة إلی تمام البدن لما کان الورود فی الماء داخلاً فی غسل الجنابة،بل یکون مقدّمة للاغتسال.

أقول:لا ینبغی التأمّل فی أنّه لو حصل الغسل الارتماسی من حین الورود فی الماء فلا یجوز أیضاً إخراج العضو الذی حصل غسله بالورود عن الماء قبل إدخال آخر الأعضاء الباقیة فیه؛ لأنّ مع إخراجه عن الماء لا یتّصف الارتماس بالارتماسة

ص :385

..........

الواحدة،بل یصدق أنّه ارتمس ببعض بدنه دفعة وارتمس ببعضه الآخر دفعة أُخری،وأیضاً اللازم عدم التأنّی فی إدخال الأعضاء فی الماء بحیث ینافی صدق الارتماس بالدفعة وبالمرّة الواحدة کما تقدّم.

ولکنّ القول بحصول الغسل بالبدء فی الورود فی الماء مشکل وخلاف ظاهر الروایات المتقدّمة فإنّ ظاهرها حصوله بتغطیة الماء البدن الظاهر من القرن إلی القدم حیث ورد فیها ارتماس الجنب واغتماسه الماء،وظاهر کلّ من العنوانین تغطیة الماء للبدن أجمع ولا یصدقان بمجرّد إحاطة الماء ببعض البدن.

وعلی الجملة،التغطیة لا تحصل بمجرّد البدء بالورود فی الماء،وعلیه یتعیّن أن یتعلّق القصد بالاغتسال عند حدوث تلک التغطیة.

نعم،ذکرنا أنّه لا بأس بوصول الماء إلی بعض بشرته بعد حدوث التغطیة،کما إذا کان علی بعض مواضع عضوه شعر لاصق یصل الماء إلی بشرته بالدلک أو مانع آخر یزیله فی تلک التغطیة،واعتبار وصول الماء إلی جمیع بشرته فی آن حدوث التغطیة کما یحتمل أن یکون المراد ممّا حکاه المحقّق الثانی عن بعض الطلبة (1) غیر محتمل؛ لأنّ مثل الشعر اللاصق أو غیره علی بعض مواضع البشرة أمر متعارف.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه یمکن أیضاً فرض وقوع الحدث فی أثناء الغسل علی الوجه الثانی أیضاً،بل لا بأس بعد وصول الماء إلی بشرته فی تلک التغطیة أن یحصل مانع فی بعضها عن وصول الماء علیه عند رفع المانع عن بعضها الآخر،کما إذا وضع رجله بعد غسلها علی الأرض عند رفع المانع عن ساقه،ولکن یعتبر أن لا یخرج شیئاً من أعضاء بدنه من الماء وحتّی بإدخال رجله فی الطین علی الأحوط تحفّظاً علی عنوان الانغماس فی الماء عند اغتساله،واللّٰه سبحانه هو العالم.

ص :386


1- (1)) جامع المقاصد 1:262.

(مسألة 5) یشترط فی کلّ عضو أن یکون طاهراً حین غسله،فلو کان نجساً طهَّره أوّلاً،ولا یکفی غسل واحد لرفع الخبث والحدث کما مرّ فی الوضوء، ولا یلزم طهارة جمیع الأعضاء قبل الشروع فی الغسل وإن کان أحوط[1]

--------------

اعتبار طهارة کلّ عضو قبل الغسل

[1]

یقع الکلام فی جهتین:

الأُولی:اعتبار طهارة جمیع البدن من الخبث عند البدء فی الغسل.

الثانیة:أنّه علی تقدیر عدم اعتبار طهارة جمیع البدن عند البدء به فهل یعتبر طهارة کلّ عضو من الخبث عند البدء بغسل ذلک العضو من الحدث بحیث لا یکفی غسل واحد لکلّ من الخبث والحدث،فقد أنکر الماتن قدس سره کما هو المنسوب إلی الشهرة اعتبار الأوّل وأنّ ذکره أنّ رعایته أحوط،بخلاف الأمر الثانی فإنّه اعتبره، ومقتضی إطلاق کلامه عدم الفرق بین أن یکون غسل العضو بالماء القلیل أو بالماء المعتصم.

وما یمکن أن یتمسّک به القائل باعتبار طهارة جمیع الأعضاء قبل البدء بالاغتسال بعض الروایات الواردة فی کیفیّة الاغتسال،حیث ذکر سلام اللّٰه علیه تطهیر البدن ممّا أصابه من الأذی والمنی کصحیحة البزنطی،عن الرضا علیه السلام أنّه قال فی غسل الجنابة:«تغسل یدک الیمنی من المرفق إلی أصابعک ثمّ تدخلها فی الإناء ثمّ اغسل ما أصاب منک ثمّ أفض علی رأسک وسائر جسدک». (1)

ویحمل الأمر بغسل الید علی الاستحباب لما ورد من أنّه لا بأس بإدخالها فی الإناء قبل غسلها إذا کانت الید طاهرة کصحیحة حریز قال:کیف یغتسل الجنب؟ قال:

«إن لم یکن أصاب کفّه شیء غمسها فی الماء ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف،ثمّ صبّ علی رأسه ثلاث أکفّ» الحدیث. (2)

ص :387


1- (1)) وسائل الشیعة 2:233،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 16.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

..........

فهذه أیضاً مع کونها قرینة علی استحباب غسل الکفّ ظاهرة فی تطهیر الفرج قبل البدء بالغسل.

وفی صحیحة حکم بن حکیم قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن غسل الجنابة؟ فقال:«أفض علی کفّک الیمنی من الماء فاغسلها،ثمّ اغسل ما أصاب جسدک من أذی ثمّ اغسل فرجک وأفض علی رأسک وجسدک فاغتسل» الحدیث. (1) وبما أنّ ظاهر الأمر بشیء عند الإتیان بعمل هو الإرشاد إلی شرطیته فی ذلک العمل فیلتزم باعتبار طهارة الأعضاء قبل الاغتسال کما حکی (2) هذا الاعتبار عن جماعة کالحلبی وابنی زهرة وحمزة وسلّار والهدایة والقواعد (3) وغیرها.

ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ ظاهر الأمر بشیء عند الإتیان بعمل واجب وإن کان الإرشاد إلی شرطیته إلّاأنّ هذا فیما لم یکن قرینة علی أنّ الأمر به لعدم الابتلاء بالمحذور عند الإتیان بذلک العمل لا الشرطیّة،وبیان ذلک أنّ المفروض فی الروایات المزبورة الاغتسال بالماء القلیل،وبما أنّ الجنب الذی علی فرجه أو موضع من بدنه منّی إذا لم یطهّر الفرج والموضع أوّلاً فبصبّ الماء علی بدنه ربّما یقع الماء علی الموضع الذی فیه المنی فیقع فی إنائه والمنی شیء لزج لا یزول بمجرّد وصول الماء إلیه فیتنجّس ماء الإناء بطفرة الماء من ذلک الموضع ووقوعه فیه،وإلّا فذیل صحیحة حکم بن حکیم قرینة علی أنّ تنجّس بعض البدن،لا یضرّ بصحّة غسل

ص :388


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.
2- (2)) حکاه السید الحکیم فی المستمسک 3:96.
3- (3)) الکافی فی الفقه:133،غنیة النزوع:61،الوسیلة:55،المراسم:41،الهدایة:93،قواعد الأحکام 1:211.

سائر البدن،قال علیه السلام فیها:«فإن کنت فی مکان نظیف فلا یضرّک أن لا تغسل رجلیک ...

--------------

وإن کنت فی مکان لیس بنظیف فاغسل رجلیک» (1) فإنّ مع طهارة الموضع یکفی فی غسل الرجلین الماء المنصبّ علی البدن حیث یصل إلی الرجلین عادة،بخلاف ما إذا کانت الرجلان علی الموضع المتنجّس فإنّ الماء المنصبّ یتنجّس بموضع القدمین فلا یکون وصول الماء المتنجّس غسلاً لهما فلابد من غسلهما لیتمّ غسل البدن من القرن إلی القدم وفی ذیل موثقة سماعة:فما انتضح من مائه فی إنائه - یعنی ماء غسل الجنابة -بعد ما صنع ما وصفت فلا بأس (2) .

وأمّا الکلام فی الجهة الثانیة فقد یستدلّ علیها بأنّ کل من غسل الجنابة وخبث الموضع یقتضی غسلاً والأصل عدم التداخل،ولکن لا یخفی أنّ أصالة عدم التداخل فیما إذا کان العمل الواحد متعلّقاً لأمرین تکلیفیین کما فی الأمر بالسجود بتلاوة آیة السجدة والأمر به عند استماع قراءتها،وأمّا إذا کان کلا الأمرین أو أحدهما إرشادیّاً فمقتضی الأمر الإرشادی أنّ طبیعی العمل کافٍ فی ترتّب الأثر،فإذا کان موضع من عضو متنجّساً بحیث یکفی فی طهارته صبّ الماء علیه مرّة فبصبّ الماء بقصد غسل الجنابة یحصل ما هو المطهّر له کما لا یخفی.

ویستدلّ علی الاعتبار بوجهین آخرین یختصّ کلّ منهما بالاغتسال بالماء القلیل:

أحدهما:أنّ الماء القلیل بمجرّد وصوله إلی موضع النجس یتنجّس فلا یمکن رفع الخبث به،وهذا یبتنی علی القول بنجاسة الغسالة مطلقاً حتّی فی الغسالة المتعقّبة لطهارة المحل،ولا یجری فی الاغتسال بالماء المعتصم ولا علی القول بطهارة تلک الغسالة.

ص :389


1- (1)) وسائل الشیعة 2:233،الباب 27 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:231،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.

(مسألة 6) یجب الیقین بوصول الماء إلی جمیع الأعضاء،فلو کان حائل وجب رفعه.

ویجب الیقین بزواله مع سبق وجوده،ومع عدم سبق وجوده یکفی الاطمئنان بعدمه بعد الفحص[1]

--------------

وثانیهما:أنّ مع تنجّس الموضع یکون الماء مستعملاً فی رفع الخبث والماء المستعمل فی رفع الخبث لا یمکن استعماله فی رفع الحدث،سواء کان وضوءاً أم غسلاً.

وهذا الوجه لا یخلو عن قوّة فی الجملة؛ لأنّه یمکن استفادة الحکم فی الوضوء من صحیحة عبداللّٰه بن سنان الظاهرة فی المنع عن الوضوء بالماء المستعمل فی رفع الخبث،وکونها صحیحة باعتبار وقوع الحسن بن محبوب فی سندها وذکر الشیخ فی التهذیب طریقاً صحیحاً إلی جمیع کتبه وروایاته،ویلحق الغسل بالوضوء لعدم احتمال الفرق بینهما فی ذلک.

اعتبار الیقین بوصول الماء إلی جمیع الأعضاء

[1]

لا یخفی أنّ مقتضی الاستصحاب عدم وصول الماء إلی البشرة مع احتمال الحاجب فی موضع من بدنه لابد فی إحراز وصوله إلیها من إحراز عدمه بلا فرق بین العلم بسبق الحائل وعدمه،ویکفی الاطمئنان بوصوله إلیها فی کلتا الصورتین حیث إنّه طریق عقلائی فی إحراز الشیء إلّافی موارد خاصّة کالدعاوی وثبوت موجب الحدّ والتعزیر،فالتفرقة بین موارد العلم بوجود الحائل سابقاً بلزوم تحصیل الیقین بزواله وبین موارد عدم سبقه حیث یکفی فیها الاطمئنان بلا وجه؛ ولذا یرفع الید عن الحالة السابقة فی موارد ثبوت الامارة علی ارتفاعها.

ص :390

(مسألة 7) إذا شک فی شیء أنّه من الظاهر أو الباطن یجب غسله،علی خلاف ما مرّ فی غسل النجاسات،حیث قلنا بعدم وجوب غسله،والفرق أنّ هناک الشک یرجع إلی الشک فی تنجّسه بخلافه هنا،حیث إنّ التکلیف بالغسل معلوم فیجب تحصیل الیقین بالفراغ.نعم،لو کان ذلک الشیء باطناً سابقاً وشک فی أنّه صار ظاهراً أم لا،فلسبقه بعدم الوجوب لا یجب غسله عملا بالاستصحاب[1]

--------------

إذا شک فی شیء أنّه من الظاهر أو الباطن

[1]

قد تقدّم الکلام فی ذلک فی بحث أفعال الوضوء مفصّلاً وقلنا:إنّ الشکّ فی کون شیء من الظاهر أو الباطن بنحو الشبهة المفهومیة یوجب الأخذ بما دلّ علی اعتبار غسل الوجه والیدین هناک،واعتبار غسل البدن من القرن إلی القدم فی المقام حیث إنّ مع إجمال المخصّص والمقید المنفصلین یؤخذ بظهور العام وإطلاق المطلق،وإن کان بنحو الشبهة الموضوعیّة فإن بنی علی أنّ الطهارة أمر مسبّب من الغسل ولا تنطبق علی نفس الوضوء والغسل فلابد من الاحتیاط إحرازاً لحصول الطهارة التی هی شرط للصلاة ونحوها حتّی ما إذا کانت الحالة السابقة فی موضع أنّه من الجوف،فإنّ الاستصحاب فی بقاء کونه علی ما کان لا یثبت حصول الطهارة التی لها وجود آخر واقعی کشف عنه الشارع،وأمّا بناءً علی الوضوء والغسل ینطبق علیهما الطهارة أو أنّ الطهارة أمر اعتباری ومن قبیل الحکم الشرعی الوضعی للغسل والوضوء،فمع کون موضع فی السابق جوفاً یثبت عدم اعتبار غسله فی حصولها بالاستصحاب من بقائه علی ما کان من کونه جوفاً فیترتّب علیه حکمه من عدم اعتبار غسله فی الوضوء أو عدم اعتبار غسله فی اعتبار الطهارة.

ص :391

(مسألة 8) ما مرّ من أنّه لا یعتبر الموالاة فی الغسل الترتیبی إنّما هو فیما عدا غسل المستحاضة والمسلوس والمبطون[1]

فإنّه یجب فیه المبادرة إلیه وإلی الصلاة بعده من جهة خوف خروج الحدث.

--------------

المبادرة إلی الغسل فی المستحاضة والمسلوس والمبطون

[1]

یجب علی المستحاضة المبادرة إلی إتمام غسلها وعدم الفصل بین غسلها وصلاتها،وسیأتی الکلام فی ذلک فی بحث الاستحاضة إن شاء اللّٰه تعالی.

وأمّا المسلوس والمبطون فإن کانت لهما فترة تسع تلک الفترة الطهارة والصلاة یتعیّن علیهما الطهارة والصلاة فی تلک الفترة کما تقدّم فی بحث الوضوء،ومقتضی وجوبهما فی تلک الفترة المبادرة إلی غسلهما علی تقدیر جنابتهما والمبادرة إلی صلاتهما بعد غسلهما،ولکن وجوب هذه المبادرة لیس باعتبار اشتراط المبادرة فی غسلهما،بل لکونهما مکلّفین بالصلاة مع الطهارة الاختیاریّة،والطهارة الاختیاریّة کالصلاة الاختیاریّة تتوقّف علی المبادرة فتجب؛ ولذا تکون النسبة بین الموالاة المعتبرة فی الوضوء وهذه المبادرة الأعم من وجه کما لا یخفی.

وأمّا إذا لم یکن لهما فترة تسعهما فلا موجب لوجوب المبادرة حیث إنّ الخارج منهما ممّا ابتلیا به لیس بحدث علی ما تقدّم،ثمّ إنّ وجوب المبادرة إلی إتمام الغسل علی من یکون له فترة تسع الطهارة والصلاة یبتنی علی القول ببطلان الغسل بالحدث الأصغر أثناءه،وأمّا إذا قیل بعدم بطلانه به فیمکن للجنب المزبور الاغتسال فی غیر تلک الفترة وترک الموالاة فیه والوضوء لصلاته فی تلک الفترة.

نعم،إذا بدأ بالاغتسال فی تلک الفترة یجب علیه المبادرة إلی اتمامه.

ص :392

(مسألة 9) یجوز الغسل تحت المطر وتحت المیزاب ترتیباً لا ارتماساً.نعم، إذا کان نهر کبیر جاریاً من فوق علی نحو المیزاب لا یبعد جواز الارتماس تحته أیضاً إذا استوعب الماء جمیع بدنه علی نحو کونه تحت الماء[1]

--------------

الاغتسال تحت المطر

[1]

لا ینبغی التأمل فی جواز الاغتسال تحت المطر ترتیباً فإنّه إذا وقف تحت المطر بقصد غسل رأسه ورقبته وجری علیهما الماء تحقّق غسلهما،وإذا غسل بعد ذلک سائر الجسد أو الیمین والیسار علی الترتیب کمل غسل الجنابة وشمله قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة:«تغسل جسدک من قرنک إلی قدمیک» (1) والمفروض رعایة الترتیب أیضاً علی ما هو المعتبر فی الترتیبی،بل ربّما یقال بعدم اعتبار الترتیب بین الأعضاء مع غسلها بالمطر،بل یجری علی الاغتسال بالمطر حکم الغسل ارتماساً، ویستظهر ذلک من صحیحة علی بن جعفر،عن أخیه علیه السلام أنّه سأله عن الرجل یجنب أیجزیه من غسل الجنابة أن یقوم فی المطر حتّی یغسل رأسه وجسده وهو یقدر علی ما سوی ذلک؟ فقال:«إن کان یغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلک». (2)

وفی صحیحته الأُخری:وسألته عن الرجل تصیبه الجنابة ولا یقدر علی الماء فیصیبه المطر أیجزیه ذلک أو علیه التیمّم؟ فقال:«إن غسله أجزأه وإلّا تیمّم» (3) حیث ادّعی ظهورهما فی کفایة الغسل بوقوع المطر علی جمیع بدنه وإن لم یکن فی البین ترتیب،ولکن لا یخفی ما فیها فإنّ مدلولهما أنّه لابد فی تحقّق الغسل کون وقوع المطر بحیث یصدق الغسل المعتبر بغیر ماء المطر فلا یکفی القطرات الیسیرة التی لا یصدق مع وقوعها علی بدنه عنوان الغسل المعتبر فی الاغتسال،وأمّا مع صدق عنوان الغسل لا یعتبر فیه ملاحظة الترتیب المعتبر فی الاغتسال ترتیباً فلا نظر

ص :393


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:231 - 232،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 10.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:232،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 11.

..........

لها إلی ذلک،وقد تقدّم ظهور بعض الروایات المعتبرة فی اعتبار الترتیب فی غسل البدن وأنّ خصوصیّة الصبّ الوارد فیها لإیصال الماء إلی الأعضاء بالترتیب لا لخصوصیّة فی الماء القلیل.

وبتعبیر آخر لیس نظر السائل ونظر الإمام علیه السلام فی الجواب فیهما إلی اختلاف الاغتسال بماء المطر مع الاغتسال بالماء القلیل،بل نظرهما إلی کمیّة الماء وأنّ المطر یقوم مقام سائر الماء إذا کان المطر بحیث یصدق مع وقوعه علی بدنه الغسل المعتبر بنحو الصبّ،وإلّا فمع عدم ماء آخر علیه التیمّم ومعه الاغتسال به.

نعم،فی البین روایة أُخری ربّما یقال بظهورها فی إلغاء الترتیب عند الاغتسال بماء المطر وهی مرسلة محمّد بن أبی حمزة،عن رجل،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام فی رجل أصابته جنابة فقام فی المطر حتّی سال علی جسده أیجزیه ذلک من الغسل؟ قال:«نعم» (1) وفیه أیضاً یمکن أن یکون نظر السائل إلی أنّ هذا المقدار من استناد الفعل إلی المکلّف یکفی فی أنّه اغتسل أو أن مجرّد القیام تحت المطر لا یوجب هذا الصدق،أضف إلی ذلک ضعف سندها بالإرسال.

وعلی الجملة،الغسل ارتماساً الملغی فیه اعتبار الترتیب یحصل بالارتماس فی الماء،والارتماس یصدق فیما إذا کان النهر کبیراً جاریاً من فوق علی نحو المیزاب ووقف المکلّف فی موضع انحداره واستوعب الماء جمیع بدنه بحیث یصدق أنّه منغمس فی الماء،فإنّه لا یعتبر فی صدق الارتماس والانغماس فیه الورود فیه برجلیه.

ص :394


1- (1)) وسائل الشیعة 2:232 - 233،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 14.

(مسألة 10) یجوز العدول عن الترتیب إلی الارتماس[1]

فی الأثناء وبالعکس،لکن بمعنی رفع الید عنه والاستئناف علی النحو الآخر.

--------------

العدول من الترتیب إلی الارتماس

[1]

والوجه فی الجواز هو الإطلاق فی خطابی الأمر بالاغتسال ترتیباً أو ارتماساً،فإنّه ما لم یکمل الاغتسال بأحد النحوین فالشخص باقٍ علی جنابته کما إذا غسل رأسه ورقبته بقصد الاغتسال ترتیباً فهو بعد جنب فیعمّه قوله علیه السلام:«ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک» (1) وقد تقدّم أنّ صحّة غسل الرأس والرقبة غسلاً مشروطاً بحصول غسل سائر جسده بعده،وإذا لم یغسل سائر الجسد بعده کما هو الفرض یکون الغسل من الجنابة بالارتماس موجباً لبطلان الترتیبی المزبور،وإذا ارتمس فی الماء بقصد الاغتسال ارتماساً فلم یکمل کما إذا کان علی بعض جسده مانع عن وصول الماء إلیه فلم یرفعه فی تلک التغطیة وبنی علی الاغتسال ترتیبیاً جاز لبطلان الارتماسی برفع الید عنه.

وعلی الجملة،فالتفرقة بین العدول من الارتماسی إلی الترتیبی بالقول بجوازه حیث إنّ الخروج من الماء قبل وصول الماء إلی جمیع بشرة بدنه مبطل للغسل الارتماسی فیصحّ الاغتسال بالترتیبی،بخلاف العدول من الترتیبی إلی الارتماسی فلا یصحّ الغسل الارتماسی مع صحّة غسله رأسه ورقبته أو سائر جسده أیضاً وإن لم یتمّه لعدم اعتبار الموالاة فی الترتیبی لا یمکن المساعدة علیها؛ لمّا عرفت من أنّ جواز العداول مقتضی الإطلاق مع أنّ عند إکمال الغسل الارتماسی یبطل الغسل الترتیبی المزبور لعدم إمکان لحوق غسل الباقی مع ارتفاع الجنابة،وقبل إکماله لم یتحقّق الغسل الارتماسی لیکون الترتیبی مانعاً عنه.

نعم،إذا قلنا بأنّ حصول الاغتسال ارتماسیّاً یکون آنیّاً وهو آن وصول الماء إلی

ص :395


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.

(مسألة 11) إذا کان حوض أقلّ من الکرّ یجوز الاغتسال فیه بالارتماس مع طهارة البدن،لکن بعده یکون من المستعمل فی رفع الحدث الأکبر،فبناءً علی الإشکال فیه یشکل الوضوء والغسل منه بعد ذلک،وکذا إذا قام فیه واغتسل بنحو الترتیب بحیث رجع ماء الغسل فیه،وأمّا إذا کان کرّاً أو أزید فلیس کذلک.نعم، لا یبعد صدق المستعمل علیه إذا کان بقدر الکرّ لا أزید واغتسل فیه مراراً عدیدة،لکن الأقوی کما مرّ جواز الاغتسال والوضوء من المستعمل[1]

--------------

جمیع بشرته فلا یکون العدول عن الارتماس فی الأثناء ممکناً حیث قبل وصول الماء إلی جمیع بشرة بدنه لا غسل وبعده لا جنابة کما لا یخفی.

الاغتسال بالماء القلیل ارتماساً

[1]

ذکر قدس سره جواز الاغتسال فی الماء القلیل بنحو الارتماس کما إذا کان الماء فی الحوض أقل من الکرّ وارتمس فیه الجنب بقصد الاغتسال مع طهارة بدنه من الخبث،والوجه فی الجواز الإطلاق فی الروایات المتقدّمة من قوله علیه السلام:«إذا ارتمس الجنب فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک من غسله» (1) حیث لم یفرض فیها کون الماء المزبور کرّاً.

نعم،إذا کان علی بدنه خبث فیتنجّس الماء فلا یصلح للاغتسال به،ثمّ قال:إنّ الماء المزبور بعد الاغتسال فیه من الماء المستعمل فی الحدث الأکبر فیشکل الوضوء أو الاغتسال منه بعد ذلک.

أقول:قد تقدّم جواز الوضوء من الماء المستعمل فی الحدث الأکبر وأنّ ما ورد فی صحیحة عبداللّٰه بن سنان من عدم جواز الوضوء بالماء الذی اغتسل به الجنب (2) ،کعدم جواز الوضوء بالماء المستعمل فی رفع الخبث؛ أمّا محمول علی

ص :396


1- (1)) وسائل الشیعة 2:232،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 12.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:215،الباب 9 من أبواب الماء المضاف،الحدیث 13.

..........

التقیّة لما یظهر من بعض الروایات من أنّ العامة ولو بعضهم کان یری نجاسة الماء الذی یغتسل به من الجنابة أو عدم جواز الوضوء منه؛ وأمّا محمول علی صورة الخبث ببدن الجنب.

وما ذکر قدس سره:وکذا إذا قام فیه واغتسل بنحو الترتیب بحیث یرجع ماء الغسل فیه،لا یخلو عن تأمّل؛ فإنّه إذا کان ما یأخذه من الماء ویصبّ علی جسده شیئاً قلیلاً بالنسبة إلی الماء الذی فی الحوض فلا یصدق علی الماء فیه أنّه مستعمل فی غسل الجنابة،بخلاف صورة الارتماس فیه،بل لو قلنا بالمنع فی صورة الارتماس فلا نقول به فی صورة أخذ الماء منه وإن رجع ماء الغسل إلی الحوض.

ویستفاد ذلک من حسنة شهاب بن عبد ربّه،وما فی صحیحة علی بن جعفر، عن أخیه علیه السلام:وإن کان الماء فی مکان واحد وهو قلیل لا یکفیه لغسله فلا علیه أن یغتسل ویرجع الماء فیه فإنّ ذلک یجزیه. (1)

وأمّا إذا کان الماء بقدر الکر ولم ینقص عن مقدار الکرّ بالاغتسال فیه ولو مراراً فلا بأس أیضاً بالاغتسال فیه ومنه کما هو مقتضی بعض الروایات الواردة فی اعتصام ماء الکر،صدق علیه الماء المستعمل أم لم یصدق،بل مقتضاها أنّه لو نقص عن الکریّة بعد الاغتسال ووقوع الولوغ ونحوه ممّا لا یبقی عین النجاسة فیه بعد الإصابة کما فی المیتة الواقعة فیه فلا بأس بالوضوء والغسل منه ما لم یتغیّر بتلک الوقوع والإصابة.

ص :397


1- (1)) وسائل الشیعة 1:216،الباب 10 من أبواب الماء المضاف،الحدیث الأوّل.

(مسألة 12) یشترط فی صحّة الغسل ما مرّ من الشرائط فی الوضوء من النیّة[1]

واستدامتها إلی الفراغ،وإطلاق الماء وطهارته،وعدم کونه ماء الغسالة، وعدم الضرر فی استعماله،وإباحته وإباحة ظرفه،وعدم کونه من الذهب والفضّة، --------------

فی شرائط الغسل

[1]

الشرائط المتقدّمة فی الوضوء تجری فی الغسل أیضاً حیث یعتبر فیه أیضاً القصد من البدء إلی إکماله،وأن یکون الاغتسال بالماء فلا یصحّ بالمضاف کما تقدّم فی بحث المضاف،ولا بالغسالة من الخبث وأن تکون طاهرة،کما یشترط عدم کون الاغتسال مضرّاً مطلقاً أو فیما کان الإضرار من قبیل الظلم بالنفس والجنایة علیه.

نعم،مع کونه مضرّاً یرتفع وجوبه وإن لم یکن کذلک علی ما تقدّم فی الوضوء، وکذا یعتبر فیه أیضاً إباحة الماء مطلقاً وإباحة ظرفه وعدم کونه من الذهب والفضّة فیما إذا کان الاغتسال بنحو رمس العضو فی الإناء،وأمّا إذا کان بنحو الاغتراف فالغسل کالوضوء محکوم بالصحّة وأن یجب مع انحصار الماء بما فیهما التیمّم ولا یخفی أنّ الأمر فی إباحة مکان الغسل ومصبّ الماء کما تقدّم فی الوضوء یعنی فی غسله،وکذا اعتبار عدم ضیق الوقت حیث إنّ عدم ضیق الوقت شرط فی وجوب الغسل لا فی صحّته فالاغتسال مع ضیق الوقت کالوضوء معه محکوم بالصحّة فیما لم یکن مشرعاً بقصده الوجوب.

نعم،یفترق الغسل عن الوضوء بکون الوضوء قسماً واحداً بخلاف الغسل فإنّه ترتیبی وارتماسی،فیعتبر فی الترتیبی رعایة الترتیب لا الموالاة،وفی الارتماسی عدم حرمة الارتماس للجنب المزبور کیوم الصوم الواجب علیه وفی حال الإحرام، ویعتبر فی الغسل أیضاً المباشرة فی حال الاختیار کما هو ظاهر أمر الجنب بارتماسه وغسله جسده من قرنه إلی قدمه.

وما ذکر قدس سره من أنّ الاشتراط بإباحة الماء وظرفه والمصبّ وعدم کون الإناء من الذهب أو الفضّة وعدم حرمة الارتماس مقصور بحال العمد والعلم،وأمّا فی غیرها

ص :398

وإباحة مکان الغسل ومصبّ مائه،وطهارة البدن،وعدم ضیق الوقت،والترتیب فی الترتیبی،وعدم حرمة الارتماس فی الارتماسی منه،کیوم الصوم،وفی حال الإحرام،والمباشرة فی حال الاختیار،وما عدا الإباحة،وعدم کون الظرف من الذهب والفضّة،وعدم حرمة الارتماس من الشرائط واقعیّ لا فرق فیها بین العمد والعلم والجهل والنسیان،بخلاف المذکورات،فإنّ شرطیّتها مقصورة علی حال العمد والعلم.

(مسألة 13) إذا خرج من بیته بقصد الحمّام والغسل فیه فاغتسل بالداعی --------------

واقعی فمع فقد أحدها ولو مع الجهل والنسیان یکون الغسل محکوماً بالبطلان فهو مبنی علی مسلک المشهور من أنّ کلّ شرط ثبت للواجب بالقول بعدم جواز اجتماع الأمر والنهی وتقدیم جانب النهی علی خطاب الأمر یسقط عن الشرطیّة حال الجهل والنسیان من الأعذار.

ولکن قد ذکرنا فی الوضوء أنّه مع اتّحاد العنوان المحرم مع المأمور به وجوداً لا یمکن الحکم بصحّة العمل فیما إذا کان سقوط الحرمة واقعیّاً کما فی موارد الغفلة والنسیان،ولم یقع المجمع الذی یکون الترکیب بین العنوانین فیه اتّحادیّاً بنحو المبغوضیّة،کما فی نسیان الغاصب کون الماء الذی یغتسل به غصباً،وأمّا مع عدم سقوط الحرمة واقعاً کما فی صورة الجهل والشک فالمجمع المزبور خارج عن متعلّق الأمر بعد کون خطاب النهی انحلالیّاً،وهذا بخلاف ما إذا کان الترکیب بین العنوانین انضمامیّاً فإنّه لا بأس فی الحکم بالصحّة فی موارد جواز الأمر أو الترخیص فی التطبیق ولو بنحو الترتّب،بلا فرق بین صورة العلم والجهل والغفلة والنسیان مع الانحصار أو مع وجود المندوحة.

ص :399

الأوّل،لکن کان بحیث لو قیل له حین الغمس فی الماء:ما تفعل؟ یقول:

أغتسل،فغسله صحیح[1]

وأمّا إذا کان غافلاً بالمرّة بحیث لو قیل له:ما تفعل؟ یبقی متحیّراً فغسله لیس بصحیح.

(مسألة 14) إذا ذهب إلی الحمّام لیغتسل وبعدما خرج شکّ فی أنّه اغتسل أم لا یبنی علی العدم[2]

ولو علم أنّه اغتسل لکن شکّ فی أنّه علی الوجه الصحیح أم لا،یبنی علی الصحّة.

--------------

فی نیّة الغسل

[1]

قد تقدّم فی بحث نیّة الوضوء أنّ المعتبر وقوع العمل بالقصد وإن لم یخطر القصد عند العمل بالبال.

وبتعبیر آخر،لا یعتبر فی وقوع العمل المعتبر إلّاوقوعه بذلک القصد ولو کان القصد مخزوناً فی خزانة النفس والسؤال والجواب کما ذکر فی المتن لا یلازم وجود القصد وعدمه؛ لإمکان أن یکون العمل بالقصد،ولکن اندهش العامل من السائل ویتردّد فی جوابه أو کان غافلاً عن العمل بالمرّة ولم یکن قصده حتّی فی خزانة نفسه ولکنّ عند السؤال تذکر بالعمل فتواه فالعبرة کون داعیه إلی العمل قصده ذلک العمل وإن لم یکن حین العمل ملتفتاً إلی قصده لاشتغاله نفسه بما اختلج بباله عند العمل کما هو الغالب الشائع عند عامة المکلّفین.

الشک فی الغسل بعد الخروج من الحمام

[2]

فإنّه مقتضی الاستصحاب فی ناحیة عدم اغتساله ولا تجری قاعدة التجاوز فی الشیء بمجرّد انقضاء محلّه العادی علی ما هو المقرّر فی مجری قاعدة التجاوز.

نعم،إذا أحرز أنّه غسل رأسه ورقبته تماماً وغسل سائر جسده أیضاً تماماً بقصد الاغتسال ولکن شکّ فی أنّه سهی واغتسل بغسل رأسه أو رقبته بعد

ص :400

(مسألة 15) إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبیّن ضیقه وأنّ وظیفته کانت هو التیمّم،فإنّ کان علی وجه الداعی یکون صحیحاً،وإن کان علی وجه التقیید یکون باطلاً[1]

.

--------------

غسل سائر جسده أو أنه بدأ بغسل الجسد بعد الفراغ عن غسل الرأس والرقبة أو أنّه أزال المانع الذی کان علی رأسه أو یبنی علی الصحّة لقاعدة الفراغ الجاریة فی الغسل.

إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبین عدمه

[1]

قد ذکرنا فی بحث الوضوء أنّ الوضوء والغسل لا یختلف بالإتیان بما هما شرطان للصلاة أو بما هما مستحبّان نفسیّان،فإنّ أحدهما طهارة للمحدث بالأصغر والآخر للمحدث بالأکبر،فالذی مأخوذ فی الصلاة بعینه ما تعلّق به الأمر الاستحبابی فلا یکون بقصده الاغتسال للصلاة آتیاً بنوع من الغسل،وبقصده الاستحباب النفسی آتیاً بنوع آخر فیما لو علم بضیق الوقت لم یکن یغتسل للصلاة،فإنّ هذا مثل ما إذا صلّی المکلّف فی الوقت صلاته باعتقاد أنّ الوقت ضیق بحیث لو علم بسعته لم یکن یصلّی فی ذلک الوقت،وعلیه فلا معنی للتقیید فی الفرض إلّابمعنی التعلیق، وبما أنّه یری حصول المعلّق علیه فعلاً فلا یکون تعلیق أیضاً فی الحقیقة فلا موجب للحکم ببطلان الغسل؛ لأنّ وظیفته وإن کانت مع احتماله ضیق الوقت التیمّم لصلاته إلّا أنّ هذا لا یوجب سقوط الأمر بنحو الاستحباب ولو بنحو الترتّب کما لا یخفی.

وعلی الجملة،یعتبر فی صحّة العمل عبادة ومنه الغسل أمران:أحدهما:أن یکون العمل محبوباً للّٰه سبحانه وتعالی،والثانی:أن یؤتی به بقصد التقرّب،وبعد ما بیّنا أن الغسل الذی هو قید للصلاة بعینه ما تعلّق به الأمر الاستحبابی فالغسل المأتی به بقصد الصلاة فی نفسه محبوب،وبما أنّ قصد الإتیان به للصلاه حصل من اعتقاد عدم ضیق وقتها فلا یکون تشریعاً،بل یحسب من قصد التقرّب بمعنی إضافة العمل إلی حساب اللّٰه سبحانه.

ص :401

ولو تیمّم باعتقاد الضیق فتبیّن سعته ففی صحّته وصحّة صلاته إشکال[1]

.

--------------

إذا تیمّم باعتقاد ضیق الوقت فتبین عدمه

[1]

إذا تیمّم باعتقاد ضیق الوقت وصلّی ثمّ انکشف بعد الصلاة سعة وقتها فإن کان الوقت عند الانکشاف باقیاً بحیث یدرک الصلاة فی وقتها مع الاغتسال فلا ینبغی التأمل فی بطلان صلاتها؛ لأنّ مقتضی الأدلّة الأولیّة أنّ المتمکّن من طبیعی الصلاة مع الطهارة المائیّة فی وقتها علیه الصلاة مع الطهارة المائیّة فیرفع الید عن ذلک فیما إذا لم یکن المکلّف واجداً الماء عند إرادته الصلاة مع یأسه عن الوصول إلی الماء إلی آخر الوقت؛ للروایة علی إجزاء الصلاة مع التیمّم فی الفرض ولو وجد الماء قبل خروج وقتها.

وربّما یقال أیضاً بالإجزاء فیما إذا لم یکن متمکّناً من الطهارة المائیّة وخاف فوت وقت الصلاة لو انتظر الوصول إلی الماء وانکشف بعد الصلاه عدم فوت الوقت ووصوله إلی الماء مع انتظاره،ولکن شیء من الفرضین غیر متحقّق فی المقام؛ لأنّ المفروض فی المقام تمکّنه من الاغتسال عند التیمّم،وإنّما ترک الاغتسال لمجرّد اعتقاده ضیق الوقت.

وممّا ذکر یظهر أنّه یشکل الحکم بالإجزاء حتّی ما إذا ظهر الحال بعد فوت الوقت؛ لأنّ مجرّد اعتقاد ضیق الوقت مع تمکّنه من الاغتسال عند الضیق بمعنی الحکم بصحّة غسله کما تقدّم لیس بموضوع للإجزاء فی شیء من الروایات.

نعم،لو اعتقد عدم التمکّن من الاغتسال لعدم الماء وتیمّم وصلّی ثمّ علم أنّ الماء کان عنده،وکان هذا العلم بعد خروج الوقت فیمکن الحکم بإجزاء صلاته؛ لأنّه باعتقاده عدم الماء یری نفسه غیر متمکّن من الاغتسال وجداناً فی الوقت، ویأتی الکلام فی ذلک فی بحث التیمّم إن شاء اللّٰه تعالی.

ص :402

(مسألة 16) إذا کان من قصده عدم إعطاء الأُجرة للحمّامی فغسله باطل[1]

وکذا إذا کان بناؤه علی النسیئة من غیر إحراز رضا الحمامی بذلک،وإن استرضاه بعد الغسل،ولو کان بناؤهما علی النسیئة ولکن کان بانیاً علی عدم إعطاء الأُجرة، أو علی إعطاء الفلوس الحرام ففی صحّته إشکال.

--------------

فی أُجرة الحمام

[1]

هذا فیما إذا کان تصرّفه فی الحمام والاغتسال فیه بإباحة المالک بالعوض، وأمّا إذا کان بنحو إجازة الحمام فقصد عدم أداء الأُجرة لا یوجب کون تصرّفه واغتساله فیه محرّماً کما هو الحال فی استیجار سائر الأعیان.

وعلی الجملة،المتعارف فی مثل الحمامات هی الاباحة بالعوض؛ ولذا یدخل فیه کلّ من یرید الاغتسال مع قصده إعطاء العوض من غیر علمه بمقدار العوض والکاشف عن رضا المالک بالاغتسال والاستحمام فیه بطور المتعارف بالعوض فتحه باب الحمّام،وعلیه فقصده عدم اعطاء الأُجرة یوجب کون تصرّفه فی الحمّام أمراً محرّماً فیکون غسله باطلاً،وکذا إذا کان بناؤه علی النسیئة مع عدم إحراز رضا المالک بالتصرّف مع عدم إعطاء العوض نقداً،فإنّ مقتضی الاستصحاب عدم رضاه بالتصرّف المزبور ولو کان المالک غیر راضٍ عند اغتسالهم ثمّ استرضاه المتصرّف لا یفید ذلک فی صحّة اغتساله حتّی ما لو اعتقد حین الاغتسال أنّه یرضی المالک عند خروجه عن الحمّام؛ وذلک لأنّ رضا المالک اللاحق بالتصرّف لا یوجب انقلاب التصرّف المزبور من المحرم إلی المحلّل،بل غایته إسقاط المالک العوض عن عهدته أو إسقاط حقّ مطالبته ورضاه ببقائه علی عهدته.

وممّا ذکر یظهر أنّه لو کان مالک الحمّام راضیاً بالتصرّف فی الحمّام بالاستحمام أو بالاغتسال بالعوض علی نحو النسیئة،وکان من قصد المغتسل عدم أداء العوض أصلاً یکون تصرّفه فیه بالاغتسال أو بغیره محرماً؛ لتعلیق رضا المالک

ص :403

(مسألة 17) إذا کان ماء الحمّام مباحاً لکن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فیه[1]

لأنّ صاحب الحطب یستحقّ عوض حطبه،ولا یصیر شریکاً فی الماء ولا صاحب حقّ فیه.

--------------

بأداء العوض ولو بعد مدّة،فیکون قصده عدم الأداء موجباً لخروجه عن الموضوع لرضاه ولو کان حین الاغتسال بانیاً علی إعطاء العوض عند خروجه عن الحمّام ولکنّ بدا له عند الخروج ولم یعطِ فهل یحکم بصحّة اغتساله؟ فإنّه من قبیل الغافل عن حرمة الاستعمال عند الاغتسال،حیث إنّه لم یحتمل عنده عدم إعطاء الأُجرة کما هو مقتضی بنائه الجزمی علی إعطائها أو یحکم ببطلانه؛ لأنّ علمه حین الاغتسال بعدم رضا صاحب الحمّام بتصرّف من لا یعطیه العوض عند خروجه عن الحمّام کافٍ فی إحراز کون اغتساله محرماً علی تقدیر عدم إعطاء العوض،فبناؤه عند الاغتسال بإعطاء العوض مصحّح لقصد تقرّبه عند الاغتسال لا لخروجه عن مصداق الحرام وإن لم یعطِ العوض،ولا یقاس ذلک بما إذا اعتقد بأنّ الماء مباح أو ملکه ثمّ ظهر أنّه ملک الغیر ولم یکن راضیاً بالتصرّف فیه فإنّه لا یحتمل فی الفرض حرمة التصرّف فیه لا مطلقاً ولا معلّقاً بفعله الاختیاری الاستقبالی.

وممّا ذکر یظهر أنّه یحکم ببطلان غسله فیما إذا کان حین الاغتسال متردّداً فی إعطاء العوض عند الخروج فإنّه إذا لم یعطِ العوض عند الخروج کان فعله حراماً منجزاً،وإن أعطاه عند الخروج یحکم أیضاً ببطلان غسله؛ لأنّ مقتضی الاستصحاب فی عدم إعطائه العوض أدخله فی التصرّف ومع إدخاله فی التصرّف الحرام ولو ظاهراً لا یمکن له قصد التقرّب بالفعل کما لا یخفی.

إذا سخن الماء بالحطب المغصوب

[1]

قد ذکرنا فی بحث المکاسب أنّه لا یمکن اعتبار العین ملکاً لواحد والوصف فیه ملکاً لآخر،وأنّه إذا وجد وصف العین بعمل عامل فإن کان ذلک

ص :404

(مسألة 18) الغسل فی حوض المدرسة لغیر أهله مشکل،بل غیر صحیح[1]

بل وکذا لأهله إلّاإذا علم عموم الوقفیة أو الإباحة.

--------------

العمل بالمعاملة مع المالک أو بأمر المالک یستحقّ علی المالک أُجرة عمله،کما أنّه إذا وجد الوصف بسبب استعمال مال الغیر أو إتلافه فیستحقّ الغیر عوض استعمال ماله أو بدل نفس المال علی مستعمله أو متلفه،وعلیه فسخونة الماء وصف للماء المملوک لصاحب الحمّام غایة الأمر لو کان التسخین بفعله من إحراقه الحطب المملوک للغیر أو جری یده علی ذلک الحطب یکون علیه ضمانه،وإلّا فلا موجب لضمانه.

والمتحصل أنّه لا موجب لتوهّم شرکة صاحب الحطب مع صاحب الحمام فی الماء ولو بنسبة قیمة الحطب،حیث إنّ بدل الحطب إمّا مثله أو قیمته لا الماء فضلاً عن الماء المزبور،وعلیه فلا بأس بالغسل بالماء المزبور ترتیباً أو ارتماساً.

الغسل فی حوض المدرسة

[1]

المفروض فی المقام عدم معلومیّة کیفیّة الوقف من کون الموقوف علیه عاماً أو خاصّاً فلو علم عبارة الوقف فمع عدم تقیید الموقوف علیهم بکونه من أهل المدرسة یؤخذ بإطلاقه،وأمّا مع عدم معلومیّتها فلا یجوز التصرّف فیه لغیر أهل المدرسة؛ لجریان الأصل فی ناحیة عدم وقفه علی العموم أو العنوان العام ولا تعارضه أصالة عدم جریان الوقف علی العنوان الخاصّ؛ لعدم الأثر له فإنّ من یکون من أهل المدرسة یجوز له التصرّف فی الماء المزبور یقیناً،وإثبات الوقف علی العنوان العام بنفی الوقف علی العنوان الخاص بالأصل مثبت کما لا یخفی.

وکذا لو شکّ فی أنّ الحوض وقف علی خصوص الوضوء ونحوه من الاستعمالات فلا یعمّ الاغتسال فیه حتّی للساکنین فیها أو أنّه یعمّ الوقف أو الإباحة حتّی للاغتسال فیکون مقتضی الأصل فی عدم عموم الوقف بالإضافة إلی الاغتسال عدم جواز الاغتسال فیه من غیر أن یعارض بأصالة عدم خصوص الوقف.

ص :405

(مسألة 19) الماء الذی یسبّلونه یشکل الوضوء والغسل منه إلّامع العلم بعموم الإذن[1]

(مسألة 20) الغسل بالمئزر الغصبی باطل[2]

--------------

وممّا ذکرنا یظهر الحال فی الماء الذی یسبّلونه فإنّ مع الشک فی عموم إذن مالکه یکون مقتضی الأصل عدم إذنه فی مطلق التصرّف کما لا یخفی.

ماء السبیل والغسل والوضوء منه

[1]

ولو بجریان السیرة العملیّة علی الاغتسال فیها من غیر نکیر کما فی غالب حیاض المدارس بالإضافة إلی الساکنین فیها من أهل العلم،بل یمکن أن یقال إنّ مقتضی وقفها لسکنی أهل العلم هو سکناهم فیها نظیر سکنی سائر الناس فی مساکنهم المملوکة والمستأجرة.

الغسل بالمئزر الغصبی

[2]

وقد یشکل فی الحکم ببطلان الغسل فی صورة الاتزار بمئزر غصبی بأنّ الترکیب بین التصرّف فی المئزر بإیصال الماء إلیه مع الاغتسال وهو إیصال الماء إلی البشرة انضمامی،غایة الأمر أنّ الوجودین حصلا بفعل واحد وهو صبّ الماء الذی یصل إلی المئزر والبشرة أو الارتماس فی الماء الموجب لوصوله إلیهما،ولا موجب للحکم بالفساد فی موارد الترکیب الانضمامی،فیکون الفرض کما إذا اغتسل علی خشبة وقف علیها عند اغتساله وبصبّ الماء علی جسده کإن یصل إلی تلک الخشبة.

وفیه قد ذکرنا فی بحث اجتماع الأمر والنهی أنّ مجرّد کون الترکیب انضمامیّاً لا یوجب الحکم بصحّة العمل،بل إنّما یوجب ذلک فیما إذا أمکن الترخیص أو الأمر فی المجمع بنحو الترتب،وهذا یتوقّف علی إمکان التفکیک بین الوجودین بأن یأتی ذلک الفرد المحرم من دون أن ینضم إلیه الواجب أو شیئاً منه،کما فی الاغتراف من الإناء الغصبی أو التصرّف فی الموضع بصبّ الما أو إیصاله إلیه من غیر أن یصبّه علی

ص :406

(مسألة 21) ماء غسل المرأة من الجنابة والحیض والنفاس،وکذا أُجرة تسخینه إذا احتاج إلیه علی زوجها علی الأظهر[1]

لأنّه یعدّ جزءاً من نفقتها.

(مسألة 22) إذا غتسل المجنب فی شهر رمضان أو صوم غیره أو فی حال الإحرام ارتماساً نسیاناً لا یبطل صومه ولا غسله وإن کان متعمّداً بطلا معاً،ولکن لا یبطل إحرامه وإن کان آثماً،وربّما یقال لو نوی الغسل حال الخروج من الماء صحّ غسله،وهو فی صوم رمضان مشکل؛ لحرمة إتیان المفطر فیه بعد البطلان أیضاً،فخروجه من الماء أیضاً حرام کمکثه تحت الماء،بل یمکن أن یقال:

--------------

جسده ویوصل إلی بشرته،والأمر فیما نحن فیه لیس کذلک فإنّه بإیصال الماء إلی المئزر الذی أتّزر به یصل الماء إلی جسده لا محالة،وهذا فی الارتماس أو بصبّ الماء سواء فیکون الأمر بإیصال الماء إلی موضع الاتزار به من قبیل الأمر بتحصیل الحاصل.

هل أُجرة ماء غسل المرأة وتسخینه من النفقة؟

[1]

کما صرّح بذلک جماعة مطلقاً أو مع فقر الزوجة،ولکن لا یخفی إنّ ماء الغسل إن عدّ جزءاً من نفقتها فلا یفرق فی کونه علی الزوج بین فقر الزوجة أو غناها، کما هو الحال فی سائر نفقتها فالتقیید بصورة فقر الزوجة بلا وجه.

والثابت من نفقتها الواجبة علی الزوج ما یقیم ظهرها من إطعامها ونحوه من مداواها من مرضها والکسوة وسکناها وکلّ ذلک ممّا یتعلّق بمعاشها،وأمّا ما یرتبط بمعادها کالکفارة من إفطارها وغیرها أو ضمان إتلافها أو تلف مال الغیر بیدها فلا یدخل فی نفقتها وماء غسلها من هذا القبیل،ولایقاس بالماء الذی تحتاج إلیه للتنظیف فإنّه یدخل فی أمر معاشها.

ودعوی أنّ ماء غسلها أو وضوئها أیضاً ببناء العرف داخل فی نفقتها لا تخلو عن تأمّل،بل منع بعد التحدید لنفقتها.

ص :407

إنّ الارتماس فعل واحد مرکّب من الغمس والخروج فکلّه حرام،وعلیه یشکل فی غیر شهر رمضان أیضاً.نعم،لو تاب ثمّ خرج بقصد الغسل صحّ[1]

--------------

من اغتسل ارتماساً فی شهر رمضان وهو ناس

[1]

مورد الکلام ما إذا کان الارتماس مع التعمّد محرّماً کما فی الصوم فی نهار شهر رمضان أو قضائه بعد زوال الشمس أو فی الصوم الواجب المعیّن بالنذر،وإذا کان الارتماس المزبور محرّماً یفسد کلّ من الصوم والغسل،وأمّا فی ارتماس المحرّم متعمّداً یبطل غسله ولا یبطل إحرامه؛ لأنّ عدم ارتماسه متعمّداً من محرمات الإحرام لا من شرائطه فیکون غسله بالارتماس محرّماً لحرمته فلا یصحّ غسلاً.

وممّا ذکر یعلم أنّه لو کان الصوم ممّا یجوز إفطاره کقضاء صوم شهر رمضان قبل الزوال أو الصوم المندوب یحکم ببطلان صومه وصحّة غسله لعدم حرمة الارتماس فی الفرض.

کما ظهر أنّه لو کان الارتماس مع الغفلة فلا یبطل الصوم ویصحّ الاغتسال،فإنّ مع عدم حرمة الارتماس یعمّه ما دلّ علی إجزائه فی غسل الجنب کما أنّ مع عدم التعمّد فی الارتماس لا یکون الارتماس مفطراً،وربّما یقال إنّه فی موارد الارتماس المحرم لو قصد المکلّف الاغتسال عند خروجه عن الماء یصحّ اغتساله حیث إنّ خروجه عن الماء لا یکون محرّماً،ولکنّه لا یخفی أنّ هذا یتمّ فی غیر صوم شهر رمضان حیث إنّ المحرم فی صوم غیر شهر رمضان إفطار الصوم وإبطاله،فإفطاره وإبطاله یتحقّق بحدوث الارتماس،وأمّا البقاء مرتمساً بدنه فی الماء فلا یکون محرماً،وأمّا فی صوم شهر رمضان فتناول المفطر فیه ولو بعد إفطار الصوم وإبطاله أیضاً محرّم فیکون بقاؤه تحت الماء ولو عند إنهائه أیضاً محرماً فلا یصحّ غسلاً، وأیضاً صحّته فی غیر صوم شهر رمضان مبنی علی کفایة الارتماس البقائی فی الاغتسال.

ص :408

..........

وأمّا إذا قلنا باعتبار الارتماس الحدوثی کما تقدّم سابقاً فلا یفید قصد الاغتسال عند الخروج.

وناقش الماتن فی صحّة الغسل حتّی فی غیر صوم شهر رمضان بقصده عند الخروج بأنّ الارتماس من حدوثه إلی إنهائه فعل واحد وإذا کان محرّماً لکونه إبطالاً للصوم فلا یمکن قصد الاغتسال به حتّی عند الخروج عن الماء،ولکن لا یخفی أنّ کون الارتماس من أوّله إلی آخره فعلاً واحداً لا ینافی عدم الحرمة فی بقائه حیث إنّ إبطال الصوم یتحقّق بحدوثه لا ببقائه.

نعم،لا تنحصر مفطریّته بحدوثه بل ربّما یکون بقاؤه مفطراً،کما إذا ارتمس فی الماء قبل طلوع الفجر وبقی مرتمساً فی الماء إلی أن طلع الفجر فإنّه یحکم ببطلان صومه بالبقاء المزبور.

وعلی الجملة،فلا بأس باختلاف الحکم فی الفعل الواحد من حیث الحدوث والبقاء فالسجود عند تلاوة آیتها واجبة ولکن تطویلها والبقاء علیها مستحب.

وأمّا ما ذکر قدس سره من أنّه لو تاب بعد حدوث الارتماس وخرج بقصد الغسل صحّ فلا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ مع حرمة الارتماس بقاءً أیضاً لا توجب التوبة انقلاب المبغوض،وإنّما تکون کفارة جزاء الذنب والمعصیة،کما ذکر تفصیل ذلک فی مسألة التوسّط فی الدار المغصوبة.

ص :409

ص :410

فصل فی مستحبّات غسل الجنابة

اشارة

وهی امور[1]

:

أحدها:الاستبراء من المنیّ بالبول قبل الغسل.

الثانی:غسل الیدین ثلاثاً إلی المرفقین،أو إلی نصف الذراع،أو إلی الزندین، من غیر فرق بین الارتماس والترتیب.

الثالث:المضمضة والاستنشاق بعد غسل الیدین ثلاث مرّات،ویکفی مرّة أیضاً.

الرابع:أن یکون ماؤه فی الترتیبی بمقدار صاع،وهو ستّمئة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال.

الخامس:إمرار الید علی الأعضاء لزیادة الاستظهار.

السادس:تخلیل الحاجب الغیر المانع لزیادة الاستظهار.

السابع:غسل کلّ من الأعضاء الثلاثة ثلاثاً.

الثامن:التسمیة؛ بأن یقول:«بسم اللّٰه»،والأولی أن یقول:«بسم اللّٰه الرحمن الرحیم».

التاسع:الدعاء المأثور فی حال الاشتغال،وهو:«اللٰهمّ طهِّر قلبی،وتقبّل --------------

فصل فی مستحبات غسل الجنابة

المستحبات یؤتی بها بعنوان الرجاء

[1]

الحکم باستحباب کلّ واحد ممّا ذکره قدس سره من الأُمور العشرة مبنی علی قاعدة التسامح فی أدلّة السنن بدعوی أنّ ورود خبر ولو کان ضعیفاً سنداً علی الثواب لعمل کافٍ فی الحکم باستحبابه،بل یکفی فی الحکم به مجرّد فتوی بعض

ص :411

سعیی،واجعل ما عندک خیراً لی،اللٰهمّ اجعلنی من التوّابین،واجعلنی من المتطهِّرین» أو یقول:«اللٰهمّ طهِّر قلبی،واشرح صدری،وأجر علی لسانی مدحتک والثناء علیک،اللٰهمّ اجعله لی طهوراً وشفاءً ونوراً،إنّک علی کلّ شیء قدیر» ولو قرأ هذا الدعاء بعد الفراغ أیضاً کان أولی.

العاشر:الموالاة والابتداء بالأعلی فی کلّ من الأعضاء فی الترتیبی.

(مسألة 1) یکره الاستعانة بالغیر فی المقدّمات القریبة علی ما مرّ فی الوضوء[1]

(مسألة 2) الاستبراء بالبول قبل الغسل لیس شرطاً فی صحّته[2]

وإنّما فائدته --------------

العلماء باستحبابه ولو لم یرد فیه خبر أصلاً،وقد تقدّم الکلام فی ذلک فی محلّه وأنّه لا یستفاد من أخبار من بلغ (1) الاستحباب لنفس الفعل،وعلیه فلیکن الإتیان بما ذکر بعنوان الرجاء.

الاستعانة بالغیر فی الغسل

[1]

لم یرد فی الاستعانة بالغیر فی الغسل روایة،وما یستظهر منه کراهة الاستعانة وارد فی الوضوء إلّاأنّه لو تمّ الاستظهار منه لعمّ الاستعانة بالغیر فی الغسل أیضاً حیث ورد فی معتبرة السکونی:«خصلتان لا أُحب أن یشارکنی فیهما أحد:

وضوئی فإنّه من صلاتی» (2) وهذا التعلیل کما یجری فی الوضوء یجری فی الغسل أیضاً.

الاستبراء بالبول

[2]

بلا خلاف ظاهر إلّاعن ظاهر الحلّی والمنتهی (3) حیث ذکرا وجوب إعادة

ص :412


1- (1)) وسائل الشیعة 1:80،الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:478،الباب 47 من أبواب الوضوء،الحدیث 3.
3- (3)) قال فی المستمسک (3:117):نعم عن الحلی والمنتهی حکایة القول بوجوب إعادة الصلاة التی صلّاها...عن بعض أصحابنا.انظر السرائر 1:123،والمنتهی 2:253.

عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة بالمنیّ،فلو لم یستبرئ واغتسل وصلّی ثمّ خرج منه المنیّ أو الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته،ویجب علیه الغسل لما سیأتی.

--------------

الصلاة التی صلّاها بالغسل قبل خروج البلل ولو کان خروج البلل المحکوم بکونه منیّاً جنابة جدیدة لما کان وجه للزوم إعادة الصلاة التی صلّاها قبل خروجه،بخلاف ما إذا قیل باشتراط صحّة الغسل بالاستبراء ولو فی صورة خروج البلل فإنّه یحکم ببطلان الغسل والصلاة التی صلّاها کما لا یخفی.

وربّما یذکر لاستظهار الاشتراط وجهان:

الاوّل صحیحة محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یخرج من إحلیله بعد ما اغتسل شیء؟ قال:«یغتسل ویعید الصلاة إلّاأن یکون بال قبل أن یغتسل فإنّه لا یعید غسله» (1) .

ووجه الاستظهار أنّه لو کان خروج البلل المحکوم بکونه منیّاً جنابة جدیدة لما کان فی البین موجباً للحکم بإعادة الصلاة،ولکن لا یخفی أنّ المفروض فی الروایة خروج البلل بعد الغسل لا بعد الصلاة لیقال إنّ الحکم بلزوم إعادة الصلاة قرینة علی عدم صحّه الغسل السابق،ومع الإغماض عن ذلک والالتزام بإطلاقها من حیث خروج البلل قبل الصلاة أو بعدها فیرفع الید عن إطلاقها بحملها علی صورة خروجه قبل الصلاة؛ لما فی ذیلها من قول محمّد بن مسلم:وقال أبو جعفر علیه السلام:«من اغتسل وهو جنب قبل أن یبول ثمّ وجد بللاً فقد انتقض غسله وإن کان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللاً فلیس ینقض غسله ولکن علیه الوضوء؛ لأنّ البول لم یدع شیئاً» (2) حیث

ص :413


1- (1)) وسائل الشیعة 2:251،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 6.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:251،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.

..........

إنّ دلالتها علی کون خروج البلل بعد الغسل وقبل الاستبراء ناقض للغسل فیکون جنابة جدیدة ظاهرة.

وفی مضمرة أحمد بن هلال،قال:سألته عن رجل اغتسل قبل أن یبول؟ فکتب:«أنّ الغسل بعد البول إلّاأن یکون ناسیاً فلا یعید منه الغسل» (1) .

وربّما یقال بصراحتها فی اشتراط الغسل بالاستبراء بالبول قبله،ولکن بما أنّها مطلقة وظاهرها نفی الاغتسال إلّابعد البول نظیر نفی الطلاق إلّابعد الزواج بلا فرق بین خروج البلل بعد الاغتسال وقبل البول وعدمه ولم یلتزم بذلک أحد یترک العمل بها.

أقول:مع الإغماض عن المناقشة فی أحمد بن هلال المعروف بالعبرتائی الروایة مضمرة مع أنّها مفصّلة بین صورة نسیان البول قبل الاغتسال وبین التذکر، وهذا التفصیل قرینة علی أنّ المراد بیان الاستحباب فی البول قبل الغسل من غیر نظر لها إلی صورة خروج البلل بعد الاغتسال قبل البول أم لا کما لا یخفی.

الثانی:ما یستظر منه اشتراط الغسل بالبول قبله،بمعنی أنّه یحکم ببطلان الغسل فی الفرض مع خروج البلل بعد الغسل ما ورد فی الروایات من الأمر بإعادة الغسل حیث إنّ التعبیر بالإعادة ظاهره فساد الغسل السابق لا حدوث جنابة جدیدة، وفی صحیحة عبداللّٰه بن علی الحلبی:عن الرجل یغتسل ثمّ یجد بعد ذلک بللاً وقد کان بال قبل أن یغتسل؟ قال:«لیتوضّأ وإن لم یکن بال قبل أن یغتسل فلیعد الغسل» (2) وفی موثقة سماعة قال:سألته عن الرجل یجنب ثمّ یغتسل قبل أن یبول

ص :414


1- (1)) وسائل الشیعة 2:252،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 12.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:250،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

..........

فیجد بللاً بعد ما یغتسل؟ قال:«یعید الغسل» (1) .

وفیه:أنّه لا دلالة علی الأمر بإعادة الغسل علی بطلان الغسل السابق حیث إنّ الأمر بالإعادة باعتبار أنّ الغسل السابق لا یجزی بالإضافة إلی الصلوات الآتیة کما ورد نظیر ذلک یعنی الأمر بالإعادة فی الوضوء والتیمّم،وفی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال:«فإن أصاب الماء ورجا أن یقدر علی ماء آخر وظنّ أنّه یقدر علیه کلّما أراد فعسر ذلک علیه؟ قال:«ینقض ذلک تیمّمه وعلیه أن یعید التیمّم» (2) وفی صحیحة عبداللّٰه بن المغیرة،ومحمّد بن عبداللّٰه قالا:سألنا الرضا علیه السلام عن الرجل ینام علی دابته؟ قال:«إذا ذهب النوم بالعقل فلیعد الوضوء» (3) .

وعلی الجملة،کما أنّ الأمر بإعادة العمل یصحّ فی موارد الإرشاد إلی الخلل فی العمل السابق کذلک یصحّ فی موارد الإرشاد إلی حصول موجب آخر لذلک العمل وعدم کفایة العمل السابق.

وعلی الجملة،إذا خرج البلل المشتبه بعد الاغتسال من دون الاستبراء بالبول فعلیه إعادة الغسل حیث إنّ البلل المزبور محکوم بکونه منیّاً،وإذا استبرأ بالبول قبل الغسل ولکن لم یستبرئ من البول بالخرطات یحکم علی البلل بأنّه بول فیجب علیه الوضوء،ولکن ربّما یقال إنّ ما دلّ علی إعادة الغسل فیما إذا اغتسل قبل الاستبراء بالبول یعارضه ما دلّ علی عدم البأس بالبلل المزبور کالصحیح عن ثعلبة بن میمون، عن عبداللّٰه بن هلال،قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یجامع أهله ثم یغتسل

ص :415


1- (1)) وسائل الشیعة 2:251،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.
2- (2)) وسائل الشیعة 3:377،الباب 19 من أبواب التیمّم،الحدیث الأوّل.
3- (3)) وسائل الشیعة 1:252 - 253،الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 2.

قبل أن یبول ثمّ یخرج منه شیء بعد الغسل؟ قال:«لا شیء علیه إنّ ذلک ممّا وضعه ...

--------------

اللّٰه عنه» (1) وروایة زید الشحام،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن رجل أجنب ثمّ اغتسل قبل أن یبول ثمّ رأی شیئاً؟ قال:«لا یعید الغسل لیس ذلک الذی رأی شیئاً» (2) .

وربّما یقال مقتضی الجمع بینهما وبین الأخبار المتقدّمة الدّالة علی إعادة الغسل حملها علی الاستحباب،بل عن ظاهر الصدوق فی المقنع الاکتفاء بالوضوء بعد خروج البلل (3) ،ولکن لا یخفی أنّ شیئاً من الخبرین لا یصلح للمعارضة؛ فإنّ الأوّل ضعیف سنداً بعبداللّٰه بن هلال حیث لم یثبت له توثیق،والثانی بأبی جمیلة مع أنّه لم یفرض فیهما الجنابة بالإنزال بخلاف بعض ما تقدّم فلاحظ.

نعم،فی صحیحة جمیل بن دراج،قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل تصیبه الجنابة فینسی أن یبول حتّی یغتسل ثمّ یری بعد الغسل شیئاً أیغتسل أیضاً؟ قال:«لا قد تعصرت ونزل من الحبائل» (4) ولکن لیس فیها الأمر بالوضوء فما عن الصدوق قدس سره وفی خبر آخر:وإن لم یکن بال ورأی بللاً فلیتوضّأ (5) ،لا یمکن أن یکون ناظراً إلی هذه الصحیحة مع أنّه لا یحتمل أن یکون تفصیل بین صورة نسیان البول وعدمه کما هو مقتضی التعلیل الوارد فی صحیحة محمّد بن مسلم بقوله علیه السلام:«لأنّ البول لم یدع شیئاً» (6) حیث إنّ ظاهره احتمال الجنابة الجدیدة مع البول ولا یدخل فی التعلیل شیء من النسیان والتذکر.

ص :416


1- (1)) وسائل الشیعة 2:252 - 253،الباب 37 من أبواب الجنابة،الحدیث 13.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:253،الباب 37 من أبواب الجنابة،الحدیث 14.
3- (3)) المقنع:42.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:252،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 11.
5- (5)) من لا یحضره الفقیه:1:85،الحدیث 188.
6- (6)) وسائل الشیعة 1:283،الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 5.

(مسألة 3) إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ثمّ خرج منه رطوبة مشتبهة بین البول والمنیّ فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول یحکم علیها بأنّها منی فیجب الغسل،ومع الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات بعده یحکم بأنّه بول فیوجب الوضوء ومع عدم الأمرین یجب الاحتیاط بالجمع بین الغسل والوضوء إن لم یحتمل غیرهما،وإن احتمل کونها مذیاً مثلاً؛ بأن یدور الأمر بین البول والمنیّ والمذی فلا یجب علیه شیء،وکذا حال الرطوبة الخارجة بدواً من غیر سبق جنابة،فإنّها مع دورانها بین المنیّ والبول یجب الاحتیاط بالوضوء والغسل،ومع دورانها بین الثلاثة،أو بین کونها منیّاً أو مذیاً،أو بولاً أو مذیاً لا شیء علیه[1]

--------------

خروج البلل المشتبه بعد الغسل

[1]

قد تقدّم ما دلّ علی أنّ البلل الخارج بعد الإنزال والاغتسال منه محکوم علیه بأنّه منی فعلیه أن یغتسل منه،ومقتضی الإطلاق فیه عدم الفرق بین بوله قبل الإنزال أو عدمه ففی کلتا الصورتین البلل الخارج بعد الغسل وترک الاستبراء بالبول منی،وفی موثقة سماعة،قال:سألته عن الرجل یجنب ثمّ یغتسل قبل أن یبول فیجد بللاً بعد ما یغتسل قال:«یعید الغسل فإن کان بال قبل أن یغتسل فلا یعید غسله ولکن یتوضّأ ویستنجی» (1) وفی صحیحة محمّد بن مسلم علّل عدم وجوب الغسل بخروج البلل مع الاسبراء بالبول بأنّ البول لم یدع شیئاً (2) ،یعنی شیئاً من المنی فی المجری وظاهره فرض الجنابة بالإنزال.

نعم،ما فیهما من الحکم بوجوب الوضوء فیما إذا کان غسله بعد الاستبراء بالبول یحمل علی صورة ترک الاستبراء بالخرطات؛ لما ورد فی أنّ خروج البلل بعد الاستبراء بالخرطات لا یوجب الحکم بالوضوء کما تقدّم فی بحث الاستبراء

ص :417


1- (1)) وسائل الشیعة 2:251،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:251،الباب 36 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.

..........

بالخرطات،وعلیه فالبلل فی صورة عدم الاستبراء بالبول محکوم بکونه منیّاً ومع الاستبراء بالبول وعدم الاستبراء بالخرطات یحکم بکونه بولاً.

لا یقال:ما ورد من البلل بعد الاستبراء لیس بشیء مطلق یعمّ ما إذا کان الاستبراء بعد البول مسبوقاً بالإنزال أم لا،کما أنّ ما ورد فی المقام من أنّ خروج البلل بعد الاستبراء بالبول بعد الإنزال موجب للوضوء،سواء استبرأ أم لا،فیعارضان الإطلاق فیما إذا بال بعد الإنزال واستبرأ فإنّ مقتضی إطلاق ما ورد فی أنّ الجنب بعد البول والاغتسال یتوضّأ بالبلل الخارج بعد الاغتسال،وما تقدّم فی الاستبراء فی الخرطات عدم الوضوء بالبلل المزبور فیتساقطان.

فإنّه یقال:[3]

علی فرض التعارض والتساقط یکون المرجع هو الاستصحاب فی بقاء الطهارة أو عدم خروج البول مع أنّه لا یحتمل الفرق فی الحکم بأنّ البلل بعد الاستبراء بالخرطات من الحبائل بین کون الشخص قبل البول جنباً بالإنزال أم لم یکن جنباً أصلاً.

ولکنّ هذا الحکم لا ینحصر بما إذا کان أمر البلل مردّداً بین البول والمنی،بل یعمّ ما إذا تردّد أمر البلل بینهما وبین بلل آخر کالمذی،کما أن مقتضی ما ورد فی المقام أنّ البلل بعد الاغتسال قبل البول یحکم بکونه منیّاً سواء استبرأ بعد الإنزال بالخرطات أم لا کما لا یخفی.

لا یقال:کما أنّ مقتضی روایات الباب أنّ البلل الخارج قبل الاستبراء بالبول محکوم بکونه منیّاً وإن استبرأ بالخرطات بعد الإنزال،کذلک مقتضی ما ورد فی الاستبراء بالخرطات أنّ البلل الخارج بعد البول والوضوء قبل الاستبراء بالخرطات بول حتّی ما إذا أُنزل بعد البول فتتعارض الطائفتان فیما إذا بال ولم یستبرئ بالخرطات،ولکن أنزل واغتسل من الجنابة قبل البول،فإنّ مقتضی الطائفة الواردة

ص :418

..........

فی الاستبراء بالخرطات کون البلل المزبور بولاً،ومقتضی الإطلاق الطائفة الواردة فی الاستبراء بالبول أنّه منی فیتعارضان فیجب الجمع بین الغسل والوضوء فیما إذا تردّد أمر البلل بین البول والمنی کما هو ظاهر المفروض فی المتن.

فإنّه یقال:قد تقدّم فی بحث الاستبراء بالخرطات أنّ ما ورد فیه ظاهره دوران أمر البلل بین البول وغیر المنی ولیس شیء منها ناظراً إلی صورة الإنزال بعد البول فراجع،ولو فرض الإطلاق فیها وأنّ ما خرج قبل الخرطات بمقتضاه أنّه بول یرفع الید عن إطلاقها بالتعلیل الوارد فی الاستبراء بالبول:بأنّ البول لم یدع شیئاً (1) فإنّ مثل هذا یجری أیضاً فی الإنزال وبأنّ المنی عند الإنزال لم یدع شیئاً من البول،مع الأمرین کما إذا بال بعد الإنزال واستبرأ بالخرطات واغتسل ثمّ خرج بلل،فإن کان مردّداً بین البلل الطاهر کالمذی وبین البول والمنی فلا یجب علیه شیء من الوضوء والغسل؛ لأصالة عدم خروج المنی منه الموجب للجنابة،کما أنّ الأصل عدم خروج البول الموجب للوضوء فیثبت کونه طاهراً من الحدث حیث إنّ من اغتسل من جنابته ولم یخرج منه منی أو بول تبقی طهارته،وبالإضافة إلی البلل یرجع إلی أصالة الطهارة إن استشکل فی استصحاب عدم کونه بولاً أو منیّاً بأنّه من الاستصحاب فی العدم الأزلی.

وأمّا إذا تردّد أمره بین البول والمنی فالمعروف کما فی المتن أنّه یجمع بین الغسل والوضوء فإنّه مقتضی العلم الإجمالی بأنّه بخروجه إمّا محدث بالأکبر أو بالأصغر مع معارضة الاستصحاب فی عدم خروج المنی بالاستصحاب فی ناحیة عدم خروج البول وتساقطها بذلک،وکذا الحال فیما إذا لم یکن جنباً أصلاً وکان متطهّراً من الحدث الأصغر وخرج منه البلل المردّد بین البول والمنی فإنّه یجب

ص :419


1- (1)) وسائل الشیعة 1:283،الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 5.

..........

الاحتیاط أیضاً بالجمع بین الوضوء والغسل.

وهذا بخلاف ما إذا کان محدثاً بالأصغر وخرج منه البلل المردّد بین البول والمنی فإنّه یجری الاستصحاب فی ناحیة عدم جنابته،والمحدث أی من صدر منه نواقض الوضوء ولم یکن جنباً فوظیفته الوضوء لصلاته کما هو المستفاد من الآیة المبارکة الآمرة بالوضوء عند القیام إلی الصلاة (1) ،وکونه ممّن صدر منه نواقض الوضوء محرز وجداناً وعدم جنابته محرز بالأصل فیدخل فی موضوع وجوب الوضوء.

هذا،ولکن ذکرنا فی مسائل الوضوء أنّ الأظهر عدم الفرق فی الاکتفاء بالوضوء بین ما إذا کان المکلّف متطهّراً خرج منه البلل المردّد بین البول والمنی،وبین ما کان محدثاً بالأصغر وخرج منه ذلک البلل وأنّه کما یکتفی فی الثانی بالوضوء کذلک فی الأوّل؛ لمّا ذکر من أنّ الموضوع فی الآیة لوجوب الوضوء المحدث ولم یکن بجنب وبخروج البلل المکلّف محدث بالوجدان وعدم جنابته محرز بالأصل،وما یعبر بالحدث الأصغر لیس بالموضوع فی الآیة المبارکة.

وما یقال من أنّ المستفاد منها فی نفسها کذلک،وأمّا بملاحظة ما ورد فی تفسیرها یکون الموضوع لوجوب الوضوء المحدث بالأصغر،وقد ورد فی موثقة ابن بکیر،قال:قلت لأبی عبداللّٰه علیه السلام:قوله تعالی «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاٰةِ » ما یعنی بذلک؟ قال:إذا قمتم من النوم،قلت:ینقض النوم الوضوء؟ فقال:نعم (2) .بدعوی أنّ النوم یتعدّی منه إلی غیره من موجبات الوضوء للقطع بعدم خصوصیّة النوم،والتعرّض له

ص :420


1- (1)) الآیة 6 من سورة المائدة: «یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا...» .
2- (2)) وسائل الشیعة 1:253،الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 7.

(مسألة 4) إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل وشک فی أنّه استبرأ بالبول أم لا بنی علی عدمه،فیجب علیه الغسل[1]

والأحوط ضمّ الوضوء أیضاً.

--------------

خاصّة لکونه مورد خلاف العامّة فالموضوع لوجوب الوضوء من صدر عنه موجب الوضوء ولم یکن جنباً فلا یمکن إحراز هذا الموضوع فیما إذا خرج من المتطهّر البلل المردّد بین البول والمنی لا یمکن المساعدة علیها؛ فإن ذکر النوم بما أنّه ناقض الوضوء وأنّ المکلّف به یکون محدثاً؛ ولذا أعاد ابن بکیر السؤال بنحو آخر وهو أنّ النوم ناقض للوضوء فأجاب عنه بالإیجاب،فمعنی الآیة من یکون محدثاً یعنی صدر منه ناقض الوضوء ولم یکن جنباً فعلیه الوضوء والمحدث الذی یکون جنباً فعلیه الغسل،وقد تقدّم فی بحث النواقض کون الجنابة من نواقض الوضوء،فالمکلّف إذا خرج منه بعد طهارته بللاً مردّداً بین البول والمنی فهو ممّن صدر عنه ناقض الوضوء یقیناً،والأصل عدم جنابته فیتمّ الموضوع لوجوب الوضوء،ولو لم یکن هذا مدلول الآیة لزم خروج الجنب الذی لم یصدر منه موجب الوضوء من مدلولها کما لا یخفی.

وعلی الجملة،لو لم یرد فی ذیل الآیة أنّ وظیفة الجنب الغسل وکذا فی سائر الخطابات الشرعیّة؛ لکان مقتضی صدر الآیة بضمیمة أخبار نواقض الوضوء وجوب الوضوء فی حقّ الجنب أیضاً؛ لأنّ الجنابة من نواقض الوضوء.

[1]

وذلک فإنّ الموضوع للحکم بالبلل بأنّه منی فیجب بخروجه هو أن ینزل ویغتسل من غیر أن یبول قبله والإنزال والاغتسال محرز بالوجدان والأصل عدم البول قبل الاغتسال فیکون البلل منیّاً،بل لو أنزل ثمّ خرج منه بلل فذلک البلل منی وإن لم یوجب خروجه جنابة أُخری لکونه قبل الاغتسال.

وقوله قدس سره:فالأحوط ضمّ الوضوء،وجهه احتمال أنّ الخارج بول فإنّه یحتمل استبراؤه قبل الاغتسال،ولو علم أنّه لیس ببول بل إمّا منی أو مذی مثلاً لم یکن مورد للاحتیاط بضمّ الوضوء.

ص :421

(مسألة 5) لا فرق فی جریان حکم الرطوبة المشتبهة بین أن یکون الاشتباه بعد الفحص والاختبار،أو لأجل عدم إمکان الاختبار من جهة العمی أو الظلمة أو نحو ذلک[1]

(مسألة 6) الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حکم لها[2]

وإن کانت قبل استبرائها،فیحکم علیها بعدم الناقضیة وعدم النجاسة،إلّاإذا علم أنّها إمّا بول أو منیّ.

--------------

[1]

فإن ما ورد فی أنّ البلل مع الإنزال والاغتسال قبل البول منی وما إذا اغتسل بعد البول أنّه بول مطلق یعمّ ما إذا کان الاشتباه فی البلل بعد الفحص والاختبار أو قبل الاختبار؛ لعدم إمکانه من جهة الظلمة أو العمی أو غیرهما،بل لا یبعد دعوی إطلاق تلک الأخبار بالإضافة إلی البلل حتّی مع ترک الفحص عنه اختیاراً إلّاأن یقال إنّ منصرف ما ورد فی البلل فی الاستبراء بالخرطات عند البول والاستبراء بالبول بعد الإنزال البلل الذی لا یمکن له تشخیصه ولو لعدم إمکانه للمانع کالعمی والظلمة فلا یعمّ ما أمکن الاختبار ولم یمنع عنه مانع.

الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة

[2]

بمعنی أنّه إذا خرج بعد إنزالها واغتسالها قبل البول بلل تحتمل أنّه من منیّها لیوجب جنابة جدیدة فلا تعتنی بهذا الاحتمال،کما أنّه إذا خرج البلل بعد إنزالها وبولها قبل الاغتسال فلا حکم لذلک البلل وإن احتمل أنّه من منیّها أو من بولها مع احتماله أنّه من منی الرجل أو بلل طاهر فإنّ ذلک مقتضی الاستصحاب فی عدم خروج منیّها أو بولها.

نعم،إذا تردّد أمر البلل فی مورد بین کونه من منیّها أو من البول،فإن کانت قبل خروجها جنباً تکتفی بالغسل؛ لأنّ وظیفة الجنب هو الاغتسال،وإن کانت غیر جنب

ص :422

..........

تکتفی بالوضوء؛ لأنّ أصالة عدم خروج منیّها ویحرز بها کون وظیفتها هو الوضوء کما تقدّم.

نعم،بناءً علی مسلک المعروف من أنّ مقتضی العلم الإجمالی هو الجمع بین الوضوء والغسل یفصّل بین ما کانت قبل خروجه محدثاً بالأصغر فتکتفی بالوضوء؛ لأصالة عدم خروج منیّها،وإن کانت قبل خروجه طاهرة من الحدث تجمع بین الوضوء والغسل،والوجه فی عدم الحکم علی البلل الخارج منها أنّ الروایات الواردة فی أنّ الاغتسال قبل البول یوجب الحکم علی البلل الخارج بعده بأنّه منی وإذا بال ثمّ اغتسل ولم یستبرئ بالخرطات یوجب الحکم علی البلل أنّه بول کلّها ناظرة إلی بول الرجل واغتساله قبله أو بعده بعد فرض الإنزال،وشیء منها لا یعمّ المرأة کما لا یمکن التعدّی من حکم الرجل إلیها کما فی سائر المقامات حیث یتعدّی فیها إلی المرأة لعدم احتمال الفرق فی حکم الرجل والمرأة،وأمّا فی المقام حیث یحتمل الفرق بأنّ مجری بول المرأة غیر مجری منیّها وأنّ الاستبراء بالخرطات لا یجری علی المرأة ظاهر،بل لو علمت المرأة بأنّ الخارج منها منی ولکن تردّد بین کونه من منیّها أو منی الرجل یحکم بعدم کونه من منیّها.

وفی موثقة سلیمان بن خالد،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن یبول فخرج منه شیء؟ قال:یعید الغسل،قلت:فالمرأة یخرج منها شیء بعد الغسل؟ قال:لا تعید،قلت:فما الفرق بینهما؟ قال:لأنّ ما یخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرجل (1) ونحوها غیرها (2) ،فإنّ مدلولها عدم التعدّی فی الحکم إلی المرأة للفرق بین المرأة والرجل ولا دلالة لها علی أنّ المرأة بحکم الرجل فیما إذا کان

ص :423


1- (1)) وسائل الشیعة 2:201،الباب 13 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:201 - 202،الباب 13 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.

(مسألة 7) لا فرق فی ناقضیّة الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بین أن یکون مستبرئاً بالخرطات أم لا،وربّما یقال:إذا لم یمکنه البول تقوم الخرطات مقامه،وهو ضعیف[1]

--------------

جنابتها بإنزال نفسها وخرج بعد اغتسالها بلل مردّد بین منیّها أو شیء طاهر کما لا یخفی.

الاستبراء بالخرطات لا یمنع ناقضیة الرطوبة الخارجة

[1]

لعدم قیام دلیل علی کون الخرطات کالبول عند تعذّره،بل مقتضی إطلاق ما دلّ علی إعادة الغسل بخروج البلل بعد الغسل وعدم البول قبله عدم الفرق بین أن یخرط بها أم لا.

نعم،قد ورد فی صحیحة البزنطی،قال:سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن غسل الجنابة؟ فقال:تغسل یدک الیمنی من المرفقین إلی أصابعک وتبول إن قدرت علی البول ثمّ تدخل یدک فی الإناء (1) .الحدیث،وربّما یستظهر منها أن یکون اعتبار البول قبل الاغتسال مختصّاً بصورة التمکّن منه،ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ البول لا یعتبر فی صحّة الغسل علی ما تقدّم لیقال ظاهر الصحیحة اختصاص الاشتراط بصورة التمکّن من البول فلا اشتراط مع عدم التمکّن،بل مدلولها مطلوبیّة البول قبل الاغتسال فی صورة التمکّن علیه،فالصحیحة ممّا تدلّ علی استحباب البول قبل الغسل،وأمّا أنّ عدم البول مع عدم التمکّن منه یوجب أن لا یحکم علی البلل الخارج بعد الاغتسال بأنّه منی فلا دلالة لها علی ذلک أصلاً،وإلّا لما احتاج إلی الاستبراء بالخرطات أیضاً فیتمسّک بإطلاق ما ورد بأنّ البلل بعد الاغتسال قبل البول منی کما تقدّم.

ص :424


1- (1)) وسائل الشیعة 2:230،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث 6.

(مسألة 8) إذا أحدث بالأصغر فی أثناء غسل الجنابة الأقوی عدم بطلانه[1]

نعم،یجب علیه الوضوء بعده،لکن الأحوط إعادة الغسل بعد إتمامه والوضوء بعده،أو الاستئناف والوضوء بعده.

--------------

إذا أحدث بالأصغر أثناء غسل الجنابة

[1]

هذا أحد الأقوال فی المسألة وقد نسب (1) هذا القول إلی جماعة من الأصحاب من القدماء السید المرتضی (2) ،ومن المتأخّرین المحقّق (3) ،والفاضل الأردبیلی (4) ،وتلمیذه صاحب المدارک (5) ،والشهید الثانی (6) ،وبعض آخر.

والقول الثانی:عدم بطلان الغسل،وأنّه یتمّ غسله من غیر أن یکون علیه الوضوء،وهذا هو المحکی عن ابن البراج (7) ،وابن ادریس (8) ،وعن المتأخرین میر محمّد باقر الداماد (9) ،وصاحب الذخیرة (10) .

والقول الثالث:أنّه یبطل الغسل بالحدث فی الأثناء،وهذا محکی عن الصدوق (11) ،وعن الشیخ فی النهایة والمبسوط (12) ،والعلامة (13) فی بعض کتبه.

ص :425


1- (1)) حکی البحرانی الأقوال الثلاثة عن المذکورین فی الحدائق الناضرة 3:129.
2- (2)) نقله عنه المحقّق فی المعتبر 1:196.
3- (3)) المعتبر:196.
4- (4)) مجمع الفائدة والبرهان 1:140.
5- (5)) المدارک 1:307.
6- (6)) مسالک الأفهام 1:55.
7- (7)) جواهر الفقه:12،المسألة 22.
8- (8)) السرائر 1:119.
9- (9)) حکاه عنه البحرانی فی الحدائق الناضرة 3:129.
10- (10)) ذخیرة المعاد 1:60 و 61.
11- (11)) من لا یحضره الفقیه 1:88،ذیل الحدیث 191.
12- (12)) النهایة:22،المبسوط 1:29 - 30.
13- (13)) قواعد الأحکام 1:210،تحریر الأحکام 1:95،نهایة الأحکام 1:114.

..........

ویستدلّ علی القول الأوّل بأنّ الموجب لغسل الجنابة أحد أمرین علی ما تقدّم الإنزال والدخول،ومقتضی ما ورد فی بیان کیفیّة الاغتسال أنّ رافع الجنابة غسل الرأس والرقبة ثمّ غسل سائر البدن مطلقاً أو تقدیماً للجانب الأیمن،بلا فرق بین أن یقع فی أثنائه حدث أصغر أم لا،حیث لم یرد فی تلک الروایات اعتبار عدم الحدث فی الأثناء مع کونها فی مقام بیان ما یعتبر فی الغسل،وعلیه یؤخذ بما دلّ علی وجوب الوضوء من البول والغائط أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجدریحها (1) .

فإنّ إطلاق ذلک کما یعمّ ما إذا وقع شیء من ذلک بعد الغسل کذلک یعمّ ما إذا کان فی أثناء الغسل،وما ورد من عدم الوضوء مع غسل الجنابة (2) ظاهره أنّ الغسل فی الجنابة بوحده طهارة للصلاة فلا یحتاج معه الوضوء ولو مع سائر نواقض الوضوء قبل الصلاة،وأمّا مع موجب الوضوء أثناء الغسل أو بعده فلیست تلک الروایات ناظرة إلی ذلک.

وممّا ذکر یظهر الوجه فی القول الثانی وجوابه ووجه الظهور أنّ الحدث الأصغر أثناء الوضوء یبطل الوضوء وکذا الجنابة،حیث إنّ المتفاهم العرفی من روایات نواقض الوضوء عدم الفرق بین حدوثها بعد الوضوء أو أثنائه بخلاف غسل الجنابة فإنّ موجبها أحد الأمرین الإنزال والدخول وشیء منهما لم یحصل أثناء الغسل لیبطل الغسل،بل الحادث موجب الوضوء،ومقتضی ما دلّ علی کیفیّة الغسل تحقّقه مع الحدث الأصغر فی الأثناء،ومقتضی ما ورد فی إجزاء الغسل عن الوضوء عد الفرق بین الحدث الأصغر قبل الشروع فی الاغتسال أو بعد الشروع فإنّه یکتفی فی

ص :426


1- (1)) وسائل الشیعة 1:245،الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:246،الباب 34 من أبواب الجنابة.

..........

الصلاة بالغسل وحده،وأمّا الحدث الأصغر بعد تمام الغسل فهو غیر داخل فی مدلول ما دلّ علی إجزاء الغسل کیف،وقد تقدّم أنّه إذا بال قبل الغسل ولم یستبرئ بالخرطات ثمّ اغتسل وخرج بعد الغسل بلل فهو یوجب الوضوء،فما ظنّک بالبول بعده أو بسائر النواقض،وفیه أنّه قد تقدّم انصراف ما دلّ علی عدم الوضوء مع الغسل هو الاکتفاء للصلاة بلا نظر لها إلی الحدث الأصغر أثناء الغسل،فیکون ما دلّ علی وجوب الوضوء بالبول أو غیره من النواقض وجوبه حتّی ما إذا صدر أثناء الغسل.

وأمّا القول الثالث وهو وجوب إعادة الغسل من غیر حاجة إلی الوضوء بعده فالوجه فیه أنّ الآیة المبارکة قد دلّت علی أنّ المکلّف مع صدور النوم أو شیء آخر من نواقض الوضوء إذا کان جنباً فعلیه الغسل،ولو لم یکن جنباً فعلیه الوضوء کما مرّ، فالمکلّف المزبور عند حدوث نواقض الوضوء أثناء الغسل جنب علی الفرض حیث إنّ الإنسان لا یخرج عن الجنابة إلّابتمام الغسل،وإذا کان الصادر عنه الناقض جنباً فوظیفته الغسل،وقد تقدّم أنّ ظاهر الأمر بالغسل أو الوضوء إحداثه فیتعیّن علی الجنب المزبور استئناف الغسل بلا حاجة إلی الوضوء.

نعم،ضمّ الوضوء بعد استئناف الغسل أو تمامه ثمّ إعادته أحوط،حیث یحتمل أن تکون الوظیفة بحسب الواقع الوضوء کما أنّه لو رفع یده عن غسله وأتی بالغسل التام بقصد الأعم من الإتمام والتمام لم یکن حاجة إلی إتمامه،وفیه أنّ الموضوع فی الآیة المبارکة من صدر عنه ناقض الوضوء قبل الشروع فی وضوئه أو غسله،والمکلّف المزبور لا یخرج هذا الموضوع بالحدث الأصغر أثناء غسله من جنابته فکانت وظیفة الجنابة هو الاغتسال،غایة الأمر ما دلّ علی وجوب الوضوء بالبول وبغیره من الموجبات وجوب الوضوء أثناء الغسل أو بعد تمامه،وفی

ص :427

وکذا إذا أحدث فی سائر الأغسال[1]

--------------

صحیحة زرارة،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:لا یوجب الوضوء إلّامن غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ریحها (1) .

هذا کلّه إذا لم یبطل غسله السابق بعد خروج الحدث الأصغر،وأمّا إذا أبطلها بالعدول إلی الغسل الارتماسی کما تقدّم سابقاً فلا یحتاج بعد الغسل ارتماساً إلی الوضوء،فإنّ غسل الجنابة بمجرّده کافٍ ولو مع الحدث الأصغر قبل الغسل کما تقدّم.

الحدث بالأصغر أثناء غیر غسل الجنابة

[1]

یعلم الحال فی الحدث الأصغر أثناء سائر الأغسال ممّا ذکرنا سابقاً إلّاأنّه لا یجری فیها القول الثالث یعنی الاکتفاء بإعادة الغسل بالتقریب المتقدّم فإنّ التقریب المتقدّم یختص بالحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة،وکان مقتضاه بطلان غسل الجنابة بالحدث أثناء غسل الجنابة،وأمّا سائر الأغسال الواجبة فلا دلیل علی بطلانها بالحدث الأصغر أثناءها.

لا یقال:إذا بنی علی بطلان غسل الجنابة بالحدث الأصغر أثناءه لزم الالتزام بالبطلان فی سائر الأغسال الواجبة لما ورد من أنّ غسل الحیض وغسل الجنابة واحد وأنّ غسل مسّ المیّت وغسل الجنابة واحد،کما هو ظاهر صحیحة محمّد بن مسلم،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«من غسّل میتاً و کفّنه اغتسل غسل الجنابة» (2) وفی صحیحة عبداللّٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام:«غسل الجنابة والحیض واحد» (3) .

ص :428


1- (1)) وسائل الشیعة 1:245،الباب الأول من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 2.
2- (2)) وسائل الشیعة 3:290،الباب الأوّل من أبواب غسل المس،الحدیث 6.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:265،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث 9.

..........

أضف إلی ذلک إطلاق ما روی فی المدارک من کتاب عرض المجالس للصدوق،عن الصادق علیه السلام:قال فإن أحدثت حدثاً من بول أ وغائط أو ریح أو منی بعد ما غسلت رأسک قبل أن تغتسل جسدک فأعد الغسل (1) .ونحوها ما فی فقة الرضوی (2) فإنّهما یعمّان الغسل من غیر الجنابة.

وعلی الجملة،إذا استفید من الآیة المبارکة بضمیمة ما ورد فی تفسیره من أنّ ناقض الوضوء أثناء غسل الجنابة مبطل لها،ویؤیده ما عن الفقه الرضوی وما روی عن المدارک فلابد من الالتزام بذلک فی سائر الأغسال الواجبة أیضاً،فإنّها أیضاً مثل غسل الجنابة فی الاشتراط وعدمها إلّاأنّه یعتبر بعدها أو قبلها الوضوء أو یستحب الوضوء فیها قبلها أو بعدها.

وعلیه فلو قلنا إنّ سائر الأغسال لا یغنی عن الوضوء بل لابدّ من ضمّ الوضوء إلیها فلا یترتّب علی الحدث الأصغر إلّالزوم الإتیان بالوضوء بعد الغسل المزبور ولا یجزی الوضوء قبله،بخلاف ما إذا لم یکن الأصغر أثناءه فإنّه کان یجزی الوضوء قبله أم بعده،ولو قلنا بأنّ سائر الأغسال أیضاً یجزی عن الوضوء وإنّ الفرق بینهما وبین غسل الجنابة مشروعیّة الوضوء فیها قبلها أو بعدها،بخلاف غسل الجنابة فإنّه لا یشرع فیه الوضوء قبلها أم بعده تکون الوظیفة فی الفرض الوضوء بعد الحدث المزبور قبل إتمام الغسل أم بعده،فإنّ أخبار إجزاء الأغسال لیست ناظرة إلی الحدث بعدها أو أثناءها کما تقدّم،ولا یفرق أیضاً بین القول بأنّ موجبات سائر الأغسال

ص :429


1- (1)) مدارک الأحکام 1:308.
2- (2)) الفقه المنسوب إلی الامام الرضا علیه السلام:85.

الواجبة ناقضة للوضوء بأنفسها کما بنینا علیه سابقاً لقول أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:

ولا فرق بین أن یکون الغسل ترتیبیّاً أو ارتماسیّاً إذا کان علی وجه التدریج[1]

وأمّا إذا کان علی وجه الآنیّة فلا یتصوّر فیه حدوث الحدث فی أثنائه.

--------------

«لا ینقض الوضوء إلّاحدث والنوم حدث» (1) فإن مسّ المیّت والحیص النفاس والاستحاضة کلّ ذلک حدث ولذا یجب الغسل،أم قلنا بأنّها لا تکون نواقض للوضوء لحصول ناقض الوضوء فی الفرض.

لا یقال: مقتضی ما ورد فی حصر نواقض الوضوء بما یخرج من طرفیک (2) - أی البول والغائط والمنی وبالنوم - عدم کون غیر ذلک ناقضاً وإن کان من قبیل الحدث.

فإنّه یقال: مقتضی الجمع بینهما حملها علی النواقض الغالبة فی حقّ الرجال أو حمل الحصر فیها علی الإضافی وبالإضافة إلی سائر ما کان یلتزم العامّة بکونها من نواقض الوضوء.

ثمّ إنّ الالتزام بوجوب الوضوء فی سائر الأغسال الواجبة بالحدث الأصغر أثناءها بصورة عدم العدول بعد الحدث إلی الغسل الارتماسی وإلّا فلا حاجة إلی الوضوء إلّاعلی القول بعدم إجزاء غیر غسل الجنابة عن الوضوء،نعم یستحب الوضوء لها کما یأتی.

التدریج فی الغسل

[1]

قد تقدّم فی کلامه تصویر الغسل الارتماسی التدریجی وذکرنا أنّ الورود فی الماء تدریجاً لا یحسب من الغسل الارتماسی لیکون وقوع الحدث قبل ارتماسه فی الماء بتمام بدنه من الحدث فی أثناء الغسل،ولکن مع ذلک یمکن وقوع الحدث أثناء الارتماسی حیث إنّ مع ارتماس الجنب فی الماء بتمام بدنه یمکن أن یکون

ص :430


1- (1)) وسائل الشیعة 1:253،الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث 4.
2- (2)) وسائل الشیعة 1:248،الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء،الحدیث الأوّل.

(مسألة 9) إذا أحدث بالأکبر فی أثناء الغسل،فإن کان مماثلاً للحدث السابق - کالجنابة فی أثناء غسلها،أو المسّ فی أثناء غسله - فلا إشکال فی وجوب الاستئناف[1]

وإن کان مخالفاً له فالأقوی عدم بطلانه فیتمّه ویأتی بالآخر،ویجوز الاستئناف بغسل واحد لهما،ویجب الوضوء بعده إن کانا غیر الجنابة،أو کان السابق هو الجنابة،حتّی لو استأنف وجمعهما بنیّة واحدة علی الأحوط،وإن کان اللاحق جنابة فلا حاجة إلی الوضوء،سواء أتمّه وأتی للجنابة بعده أو استأنف وجمعهما بنیّة واحدة.

--------------

وصول الماء إلی بعض بشرته بعد وصوله إلی سائر بشرته للمانع فی تلک البشرة، فالحدث قبل وصول الماء إلیها یکون من الحدث فی الأثناء.

نعم،لو فرض حدوث وصول الماء إلی جمیع البشرة فی آن حدوث ارتماس جمیع البدن فی الماء بحیث یکون الغسل فی آن واحد.

إذا أحدث بالأکبر فی أثناء الغسل

[1]

وذلک فإنّ ظاهر ما دلّ علی وجوب الغسل بالإنزال أو بالدخول أو بمسّ المیّت هو الاغتسال بعد الموجب فالمقدار المأتی من الغسل قبل حدوث المماثل کالعدم فی عدم الأثر له.

وبتعبیر آخر،حال نوع من الغسل کغسل الجنابة بالإضافة إلی موجباته کحال الوضوء بالإضافة إلی موجبات الوضوء بلا کلام،فإنّ مع تعدّد موجبات الوضوء لم یجب إلّاوضوء واحد ولو دفع موجب الوضوء أثناء الوضوء یبطل الوضوء السابق لما تقدّم من أنّ مبطل الوضوء بعد تمامه یکون مبطلاً فی أثنائه أیضاً،کذلک الغسل من نوع بالإضافة إلی موجبات ذلک النوع،وأمّا إذا لم یکن الحدث الأکبر الحادث أثناء الغسل مماثلاً للحدث السابق،کما إذامسّ میّتاً أثناء غسل جنابته أو أجنب أثناء

ص :431

..........

غسله من مسّ میّت فله أن یتمّ الغسل السابق لعدم الدلیل علی بطلانه بحدوث غیر المماثل فی الأثناء،ویجوز الاستئناف بغسل واحد لمهما فإن کان الاستئناف بنحو الارتماسی فلا ینبغی التأمل فی صحّته وجواز نیّة الغسل من کلا الحدثین،وإن کان الاستئناف بنحو الاغتسال ترتیباً فالأحوط أن ینوی ما علیه من غسل الجنابة وغسل الارتماس من غیر تعیین البدء لهما أو الاتمام لهما،بلا فرق بین کون الحدث الأوّل جنابة والثانی غیرها کمسّ المیّت أو کان الأمر بالعکس.

ثمّ إن کان الأوّل غیر الجنابة وحدثت الجنابة فی الأثناء فإن أتمّ الأوّل ثمّ استأنف الغسل للجنابة فلا ینبغی التأمل فی عدم الحاجة إلی الوضوء،فإنّ ما دلّ علی عدم مشروعیّة الوضوء مع غسل الجنابة محکم،وما دلّ علی أنّ غیر غسل الجنابة معه الوضوء وجوباً أو استحباباً ناظر إلی صورة إتیان الصلاة بذلک الغسل، والمفروض فی المقام أنّ الصلاة یؤتی بها بعد غسل الجنابة.

ومن هنا یظهر الحال فیما إذا استأنف الغسل بقصدهما فإنّه لا یحتاج إلی الوضوء لما ذکر،وأمّا إذا کان الأوّل جنابة ثمّ حدث أثناء الاغتسال منها مسّ المیّت، فعلی ما ذکر من عدم بطلان الغسل من الجنابة بالمس فی الأثناء یتخیّر بین إتمام غسل الجنابة ثمّ الاغتسال بالمسّ فیجب علیه الوضوء بعده،أو یستحب أخذاً بما دلّ علی أنّ کلّ غسل معه الوضوء إلّاغسل الجنابة (1) ،ولا یعارضه ما دلّ علی عدم مشروعیّة الوضوء مع غسل الجنابة فإنّه فیما کان یصلّی بعد غسل الجنابة،وفی المفروض لا یکون غسل الجنابة طهارة الصلاه.

نعم،إذا استأنف الغسل لهما فیمکن القول بعدم الحاجة إلی الوضوء لما تقدّم، ولکن الأحوط بناءً علی لزوم الغسل فی سائر الأغسال هو الوضوء مع الاستئناف

ص :432


1- (1)) وسائل الشیعة 2:248،الباب 35 من أبواب الجنابة،الحدیث 1 و 2.

..........

لهما ترتیباً؛ لأنّ عدم مشروعیّة الوضوء مع غسل الجنابة فیمکن أن یقع الحدث فی ذلک الآن فبناءً علی القول بعدم بطلان غسل الجنابة بالحدث فی أثنائه لا یبطل الغسل المزبور ویجب علی المکلّف الوضوء لصلاته؛ لمّا تقدّم من الأخبار الواردة فی إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء،بل عدم مشروعیته غیر ناظرة إلی الحدث الأصغر أثناء الغسل أو عند تمامه.

وأمّا بناءً علی بطلان الغسل بالحدث فی الأثناء فهل یبطل الغسل الارتماسی بالحدث معه أم لا؟ فیقال عدم بطلانه به بل علی المکلّف الوضوء بعده،وذلک فإنّ المکلّف عند حدوث الناقض مغتسل من جنابته کما هو فرض اقتران الناقض مع حصول الارتماس الموجب لارتفاع الجنابة فیکون کما إذا أحدث بالأصغر بعده فی کونه مکلّفاً بالوضوء،وما دلّ علی إجزاء الغسل عن الوضوء غیر ناظر إلی من صدر عنه الناقض مع ارتفاع جنابته أو بعد ارتفاعه فیما إذا وقع غسل الجنابة بتمامها بلا حدث من الشروع فیه،وفیما نحن فیه حتّی مع الاستئناف قد وقع بعد بعضه الحدث یعنی مسّ المیّت بناءً علی ما تقدّم من أنّ الاحوط أن یستأنف بقصد الأعم من التمام والإتمام لاحتمال تداخل الغسلین فی الباقی من غسل الجنابة.

نعم،بناءً علی أنّ حدوث الأصغر أثناء غسل الجنابة یوجب إعادة غسل الجنابة وأنّ موجبات سائر الأغسال الواجبة کموجب الجنابة یوجب بطلان الوضوء فإنّها أیضاً من الحدث الناقض للوضوء.

فلابدّ من الالتزام بتجدید غسل الجنابة إذا حدث موجبات سائر الأغسال ثانیاً ورفع الید عن سائر الأغسال بحدوث الجنابة أثناءها والاکتفاء بغسل الجنابة؛ لأنّ مع حدوث موجباتها فی أثناء غسل الجنابة یکون المکلّف ممّن صدر عنه ناقض الوضوء،والمفروض أنّه جنب فوظیفة الجنب مع نواقض الوضوء وهی غسل

ص :433

(مسألة 10) الحدث الأصغر فی أثناء الأغسال المستحبّة أیضاً لا یکون مبطلا لها[1]

نعم،فی الأغسال المستحبّة لإتیان فعل - کغسل الزیارة والإحرام - --------------

الجنابة خاصّة فیجب إحداث غسل الجنابة باستئناف غسل الجنابة کما إذا کان الموجب الأوّل الجنابة،وإن کان الموجب الأوّل غیر الجنابة فالأمر أوضح فإنّه بحدوث الجنابة یکون المکلّف ممّن صدر منه ناقض الوضوء وهو جنب،والعجب ممّن بنی علی الأمر الأوّل وذکر قدس سره أنّه بناءً علی أنّ موجبات سائر الأغسال نواقض الوضوء فعلیه إتمام غسل الجنابة فیما إذا کان الموجب الأوّل الجنابة أو استئناف الغسل لهما مع الوضوء.

نعم،إذا استأنف الغسل لهما بالارتماس فلا حاجة إلی الوضوء ولو بناءً علی وجوب الوضوء من غیر غسل الجنابة،إلّاأن یجاب بأنّ موضوع غسل الجنابة من صدر عنه موجب الوضوء وکان جنباً لا مجرّد ناقض الوضوء.

ثمّ إنّ ما تقدّم کلّه بناءً علی أنّ الأغسال الواجبة أنواع یکون اختلاف بعضها عن بعض بالقصد،وأمّا إذا قلنا بأنّ الغسل کالوضوء حقیقة واحدة واختلاف الموجبات لا یوجب اختلافاً فیها کموجبات الوضوء فلا ینبغی التأمّل فی بطلان الغسل السابق بحصول موجب آخر أثناء الاغتسال من الموجب الأوّل کبطلان الوضوء إذا حصل موجب آخر أثناءه من غیر فرق بین کون الموجب الثانی مماثلاً للأوّل أو مخالفاً له، غایة الأمر أنّه إذا کان الموجب الثانی هی الجنابة فلا یحتاج بعد الاغتسال إلی الوضوء بل لا یشرع،بخلاف ما إذا کان غیر الجنابة فإنّه یجب الوضوء بعده أو یستحب کما یأتی،والوجه فی ذلک کلّه أنّ خطابات تلک الأغسال کلّها إرشادات بحصول الحدث عند حصول موجباتها،وأنّ رافع ذلک الحدث هو الاغتسال بعده بلا وضوء أو معه.

الحدث الأصغر أثناء الأغسال المستحبة

[1]

لو بنی علی الأغسال المستحبّة کلّها طهارات یجوز إتیان الصلاة وغیرها

ص :434

لا یبعد البطلان،کما أنّ حدوثه بعده وقبل الإتیان بذلک الفعل کذلک،کما سیأتی.

--------------

ممّا هو مشروط بالطهارة بتلک الأغسال ومع وقوع الحدث الأصغر أثناء تلک الأغسال لا یحصل هذه الطهارة کما هو الحال فی الحدث الأصغر بعدها،وعلی ذلک فظاهر الأمر بغسل لإتیان فعل کالأمر بالغسل للإحرام أو الزیارة الإتیان بذلک الفعل بالطهارة الاغتسالیّة،ومع وقوع الحدث فی أثناء الغسل أو بعده لا تکون تلک طهارة، فإن توضّأ بعد ذلک یکون الإتیان بالفعل بالطهارة الوضوئیّة،فالإتیان بالطهارة الغسلیّة یتوقّف علی استئناف الغسل،بل الأظهر بطلان الغسل المزبور بالحدث الأصغر حتّی مع الالتزام بعدم کونه طهارة یجزی للصلاة بلا وضوء،وذلک فإنّ المستفاد ممّا ورد فی اعتبار عدم وقوع الحدث إلی أن یأتی بالفعل الذی أمر به لأجله،وفی صحیحة النضر بن سوید،عن أبی الحسن علیه السلام قال:سألته عن الرجل یغتسل للإحرام ثمّ ینام قبل أن یحرم؟ قال:«علیه إعادة الغسل» (1) ونحوهما غیرها،ولکن فی صحیحة عیص بن القاسم قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن الرجل یغتسل للإحرام بالمدینة ویلبس ثوبین ثمّ ینام قبل أن یحرم؟ قال:«لیس علیه غسل» (2) ولکن مقتضی الجمع بینهما عدم وجوب الغسل فلا ینافی استحبابه،وفی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج قال:سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الرجل یغتسل لدخول مکّة ثمّ ینام فیتوضّأ قبل أن یدخل أیجزیه ذلک أو یعید؟ قال:«لا یجزیه لأنّه إنّما دخل بوضوء» (3) .

نعم،الأغسال المستحبّة للأزمان یمکن أن یقال بعدم بطلانها بالحدث الأصغر، وفی معتبرة ابن بکیر،عن أبیه قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن اللیالی التی اغتسل من

ص :435


1- (1)) وسائل الشیعة 12:329،الباب 10 من أبواب الإحرام،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 12:330،الباب 10 من أبواب الإحرام،الحدیث 3.
3- (3)) وسائل الشیعة 13:201،الباب 6 من أبواب مقدّمات الطواف،الحدیث الأوّل.

(مسألة 11) إذا شکّ فی غسل عضو من الأعضاء الثلاثة أو فی شرطه قبل الدخول فی العضو الآخر رجع وأتی به،وإن کان بعد الدخول فیه لم یعتنِ به ویبنی علی الإتیان علی الأقوی،وإن کان الأحوط الاعتناء ما دام فی الأثناء ولم یفرغ من الغسل،کما فی الوضوء.نعم،لو شکّ فی غسل الأیسر أتی به وإن طال الزمان؛ لعدم تحقّق الفراغ حینئذ؛ لعدم اعتبار الموالاة فیه،وإن کان یحتمل عدم الاعتناء إذا کان معتاد الموالاة[1]

--------------

شهر رمضان - إلی أن قال:- والغسل أوّل اللیل،قلت:فإن نام بعد الغسل؟ قال:هو مثل غسل یوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزاک. (1) فإنّ ظاهرها عدم اعتبار وقوع الحدث الأصغر بعد الغسل بعد تحقّقه،والروایة معتبرة سنداً فإنّ فی سندها ابن فضال،عن ابن بکیر،عن أبیه،وللشیخ قدس سره لکتب ابن فضال وروایاته طریق آخر معتبر ذکره فی فهرسته (2) ،ولکن یمکن المناقشة أنّ عدم بطلان الغسل بعد تمامه بالحدث لا ینافی بطلانه بالحدث الأصغر،خصوصاً بملاحظة ما هو المرتکز عند الأذهان المستفاد ممّا ورد فی إجزاء الغسل المشروع عن الوضوء أنّ الطهارة الحاصلة من الأغسال المستحبّة مثل طهارة الوضوء فیجری علیها ما جری علی الوضوء من بطلانه بوقوع النواقض فی أثنائه وانتقاضها بالنواقض بعدها وسیأتی الکلام فی ذلک.

الشک فی غسل عضو قبل الدخول فی الآخر

[1]

قد تقرّر فی محلّه أنّ مجری قاعده التجاوز ما إذا کان فی البین مرکّب مترتّب الأجزاء وشکّ المکلّف بعد الدخول فی الجزء اللاحق منه فی الإتیان بالجزء

ص :436


1- (1)) وسائل الشیعة 3:322،الباب 11 من أبواب الأغسال المسنونة،الحدیث 2.
2- (2)) الفهرست:97،الرقم 164.

..........

السابق وعدم إتیانه أصلاً،أو کان بین الفعلین ترتّب بأن اعتبر فی أحد الفعلین أن یأتی به المکلّف قبل الفعل الآخر،فالأوّل کما فی الصلاة المرکّبة من الأجزاء المترتّبة، والثانی کما فی الإقامة بالإضافة إلی الصلاة.

وعلی الجملة،یعتبر فی جریان قاعدة التجاوز مضی المحل الشرعی للمشکوک،وأمّا قاعدة الفراغ فهی تجری فیما إذا فرغ المکلّف من عمل ویشکّ فی صحّته وفساده،سواء کان العمل من قبیل الکل أو من غیره حتّی ما إذا کان من قبیل جزء المرکب وإذا فرغ من جزء المرکب وشکّ فی أنّه أتی به صحیحاً أم لا فلا یعتنی بشکّه،وقد رفع الید عن قاعدة التجاوز فی الشکّ فی الوضوء علی ما تقدّم،بل عن قاعدة الفراغ أیضاً ما دام المکلّف قاعداً فی حالة الوضوء ولم ینتقل إلی عمل آخر، وقد تکلّمنا فی ذلک فی باب الوضوء وألحقّ أکثر الأصحاب - علی ما قیل - الغسل والتیمّم بالوضوء بدعوی أنّ ما هو شرط للصلاة هی الطهارة الحاصلة من الوضوء والغسل والتیمّم والطهارة أمر بسیط لیس لها محلّ بأن تشترط وقوعها قبل الصلاه، بل الصلاة مشروطة بوقوعها بعدها،وعلیه فإذا شکّ فی شیء من الوضوء أو الغسل أو التیمّم یکون هذا شکّاً فی أصل تحقّق الطهارة فلا یکون مجری قاعدة الفراغ؛ لأنّ الشک فی أصل تحقّق الطهارة التی هی أمر بسیط،ولا قاعدة التجاوز لعدم الترکّب وعدم مضی محلّ الطهارة،ولکن لا یخفی ما فیه أوّلاً بأنّ الطهارة عنوان لنفس الوضوء والغسل والتیمّم،وثانیاً أنّ تسبب الطهارة منها وکونها شرطاً للصلاة لا تمنع من جریان القاعدتین فی نفس الوضوء والغسل والتیمّم ویثبت حصول الطهارة لکون التسبّب أمراً شرعیّاً.

ولکن قد ذکرنا سابقاً أنّ إلحاق الغسل بالوضوء لا یحتاج الی ما ذکر من أمر بساطة الطهارة أو دعوی الإجماع،بل ذیل صحیحة زرارة غیر قاصر فی الدلالة علی

ص :437

(مسألة 12) إذا ارتمس فی الماء بعنوان الغسل ثمّ شکّ فی أنّه کان ناویاً للغسل الارتماسی حتّی یکون فارغاً[1]

أو لغسل الرأس والرقبة فی الترتیبی حتّی --------------

أنّ الشک فی شیء من الأغسال ما لم یدخل فی الصلاة أو غیرها من الأعمال یعتنی به،فلاحظ وتدبّر.

ثمّ إنّ ما فی کلام الماتن قدس سره بناءً علی عدم إلحاق الغسل بالوضوء من لزوم الاعتناء بالشکّ فی صحّة الجزء الذی أتی به ما لم یدخل فی جزئه الآخر لا یمکن المساعدة علیه،فإنّه إذا فرغ من غسل رأسه ورقبته وقبل غسل الأیمن شکّ فی أنّه هل طهر ما فی الرأس أو الرقبة من الخبث قبل غسلها لئلا یکون ما غسل به الرأس والرقبة غسالة الخبث فیصحّ غسلهما أم لا فلا مانع من إجراء قاعدة الفراغ فی غسلهما کما ذکرنا،فالدخول فی الغیر معتبر فی جریان قاعدة التجاوز لا الفراغ فتدبّر.

بقی فی المقام أمر وهو أنّ بناءً علی اعتبار الترتیب بین الیمین والیسار یکون الاشتغال بغسل الیسار من الدخول فی الغیر،وبناءً علی اعتبار قاعدة التجاوز فی الغسل کما علیه الماتن یکون الشکّ فی غسل الیمین أو فی جزء منه بعد الاشتغال بغسل الیسار موجباً لتجاوز محل المشکوک،وأمّا بناءً علی عدم اعتبار الترتیب بینهما کما ذکرنا سابقاً یکون الشکّ المزبور من الشکّ قبل تجاوز المحل.

هذا کلّه بناءً علی جریان القاعدة وعدم جریانها،وأمّا بملاحظة ما ذکرنا من إلحاق الغسل بالوضوء فلا فرق بین القولین فی لزوم الاعتناء ما لم یدخل فی الصلاة ونحوها،وبعد الدخول فیها أو نحوها فلا یعتنی بشکّه ولو کان شکّه فی شیء من الیسار.

الشک فی نیة الغسل ارتماسیاً أو ترتیبیاً

[1]

إنّ أراد المکلّف المزبور استئناف الغسل بنحو الارتماس جاز،فإنّ الأصل

ص :438

یکون فی الأثناء،ویجب علیه الإتیان بالطرفین،یجب علیه الاستئناف.

نعم،یکفیه غسل الطرفین بقصد الترتیبی؛ لأنّه إن کان بارتماسه قاصداً للغسل الارتماسی فقد فرغ،وإن کان قاصداً للرأس والرقبة فبإتیان غسل الطرفین یتمّ الغسل الترتیبی.

(مسألة 13) إذا انغمس فی الماء بقصد الغسل الارتماسی ثمّ تبیّن له بقاء جزء من بدنه غیر منغسل یجب علیه الإعادة ترتیباً أو ارتماساً،ولا یکفیه جعل ذلک الارتماس للرأس والرقبة إن کان الجزء الغیر المنغسل فی الطرفین،فیأتی بالطرفین الآخرین؛ لأنّه قصد به تمام الغسل ارتماساً لا خصوص الرأس والرقبة، ولا یکفی نیّتهما فی ضمن المجموع[1]

--------------

عدم نیّة الغسل الارتماسی حین غمسه فی الماء والاستصحاب فی ناحیة عدم نیّة الغسل بنحو الترتیب غیر جار،فإنّه إن أُرید بجریانه إثبات أنّه قصد الغسل الارتماسی یکون من الأصل المثبت،وإن أُرید عدم الاکتفاء بغسل الطرفین بعد ذلک فالاکتفاء بغسلهما مقطوع؛ لأنّه إن کان ناویاً الغسل الارتماسی فقد فرغ منه،وإن کان قاصداً الترتیبی فبغسل الطرفین یتمّ غسله جزماً؛ ولذا ذکر الماتن قدس سره یکفیه غسل الطرفین بقصد الغسل الترتیبی.

إذا قصد الغسل الارتماسی فتبین بقاء جزء من بدنه

[1]

قد تقدّم أنّه یعتبر فی صحّة غسل الجنابة ترتیباً عدم قصد غسل سائر البدن معه،وقد استفدنا ذلک من الروایات الدالّة علی الترتیب بین غسل الرأس وسائر الجسد،وذکرنا أنّ الصب علی الرأس یلازم جریان شیء من الماء علی الجسد عادة،وقد ذکر سلام اللّٰه علیه فی بعضها:أنّ کلّ ما جری علیه الماء فقد طهر (1) .

ص :439


1- (1)) وسائل الشیعة 2:229،الباب 26 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

(مسألة 14) إذا صلّی ثمّ شک فی أنّه اغتسل للجنابة أم لا یبنی علی صحّة صلاته[1]

ولکن یجب علیه الغسل للأعمال الآتیة.

--------------

فالتحفّظ علی اشتراط الترتیب والتحفّظ بکون الجریان غسلاً مقتضاه أن لا ینوی غسل سائر الجسد مع غسل الرأس والرقبة،وعلیه یتعیّن فی الفرض استئناف الغسل ارتماساً أو ترتیباً من الأوّل.

إذا صلّی ثمّ شکّ فی أنه اغتسل للجنابة أم لا

[1]

لا کلام فی البناء علی صحّة صلاته التی صلّاها فیما إذا لم یکن محدثاً بالأصغر بعدها إلی أن اغتسل للصلاة الآتیة،فإنّ مقتضی قاعدة الفراغ فی تلک الصلاة صحّتها،وبما أنّ صحّتها لا تثبت نفس الاغتسال من الجنابة کما هو المقرر فی محلّه،فیکون مقتضی استصحاب عدم الاغتسال من الجنابة بقاء جنابتها ویرفع الید عن مقتضاه بالإضافة إلی الصلاة التی صلّاها؛ لکون قاعدة الفراغ حاکماً أو مخصّصاً للاستصحاب،وقد تقدّم أنّ الطهارة ومنها الغسل للجنابة لیس لها محل شرعی؛ لکونها قبل الصلاة لتجری القاعدة فیها بعد دخول المکلّف فی الصلاة ویحرز نفس الغسل،وما تقدّم فی صحیحة زرارة البناء علیه بعد الدخول فی الصلاة موردها الشکّ فی نقص الغسل لا الشکّ فی أصل الغسل کما لا یخفی.

ثمّ إنّه إنّما یکتفی بالاغتسال للصلاة الآتیة إذا لم یحدث بالأصغر بعد الصلاة التی صلّاها وقبل الصلاة التی یرید أن یصلّیها بالاغتسال،وأمّا إذا أحدث بالأصغر قبل الصلاة التی یرید أن یصلّیها فلا یجوز له الاکتفاء بالاغتسال،بل علیه أن یتوضّأ أیضاً؛ لأنّه عند الحدث الأصغر یحصل له علم إجمالی منجّز وهو إمّا بطلان الصلاة التی صلّاها قبل ذلک أو بطلان الصلاة التی یرید أن یصلّیها بالاغتسال؛ لأنّه إن کان اغتسل قبل ذلک من الجنابة فالصلاة الثانیة بالغسل باطلة؛ لکونه محدثاً بالأصغر مع

ص :440

..........

عدم بقاء الجنابة.

وأمّا إن کان لم یغتسل لها فالتکلیف بتلک الصلاة باقٍ بحاله فیلزم من جریان القاعدة الفراغ من تلک الصلاة والاستصحاب فی ناحیة عدم الاغتسال من جنابته مخالفة أحد التکلیفین الواقعیین أحدهما بقاء التکلیف بالصلاة الأُولی،والثانی لزوم الوضوء للصلاة الثانیة،وقاعدة الفراغ مقتضاها سقوط التکلیف بالصلاة الأُولی ومقتضی بقاء الجنابة عدم لزوم الوضوء للصلاة الثانیة فیتساقطان،وبما أنّ العلم الإجمالی باعتبار الغسل للصلاة الثانیة أو وجوب الوضوء لها موجود یکون مقتضاه الجمع بین الوضوء والغسل لها ولابدّ من إعادة الصلاة الأُولی ولو بعد الاغتسال؛ لقاعدة الاشتغال به بعد سقوط قاعدة الفراغ فی ناحیتها.

لا یقال:کانت الصلاة الأُولی قبل حدوث الأصغر مورداً لقاعدة الفراغ فکیف تسقط قاعدة الفراغ بعد جریانها فی مورد کما هو فرض سقوطها بعد حدوث الأصغر؟

فإنّه یقال:المراد فی فرض حدوث الأصغر قبل الصلاة الثانیة لا تعمّ خطابات قاعدة الفراغ للصلاة الأُولی من الأوّل لا إنّها تجری فیها وتسقط بحدوث الأصغر کما هو المقرّر فی باب تنجیز العلم الإجمالی فی التدریجیات،أضف إلی ذلک أنّ قاعدة الفراغ الجاریة فی عمل تفید سقوط التکلیف فیما إذا بقیت علی اعتبارها فی ذلک العمل،فإذا سقطت عن الاعتبار بحدوث علم إجمالی منجّز للتکلیف الواقعی کما هو الفرض فی المقام لم یترتّب علی جریانها فی القبل أثر حیث إنّ بقاءها علی الاعتبار مع جریان الاستصحاب فی بقاء الجنابة المقتضی لعدم اعتبار الوضوء للصلاة الآتیة ممّا لا یمکن.

ثمّ إنّه لا فرق فی التعارض فی قاعدة الفراغ فی الصلاة التی صلّاها واستصحاب

ص :441

..........

بقاء الجنابة المقتضیة للاکتفاء بالغسل للصلاة الثانیة بین کون الصلاتین مترتّبتین کالظهرین والعشاءین أو غیر مترتّبتین،کما إذا صلّی صلاة قضاء وشک بعد الفراغ منها للاغتسال من جنابته قبلها وقد أحدث بالأصغر وأراد الإتیان بفریضة الوقت.

نعم،فی المترتّبتین کون بطلان الصلاة الثانیة بالاغتسال فقط مقطوعاً وجداناً فإنّ المکلّف المزبور أمّا لم یصل الصلاة التی تقدّمها شرط فی الصلاة الثانیة أو أنّ الثانیة باطلة لعدم الوضوء لها،وهذا العلم ببطلانها یؤکّد المعارضة بین القاعدة والاستصحاب فی ناحیة بقاء الجنابة لا أنّه یوجب سقوط الاستصحاب فی ناحیة الجنابة عن الاعتبار لتجری قاعدة الفراغ فی الصلاة الأُولی بلا معارض،بأن یقال الاستصحاب فی ناحیة الجنابة فی الفرض لا أثر له فإنّ مقتضاه جواز الإتیان بالصلاة الثانیة مع الغسل خاصّة وبطلانها بالغسل خاصّة مقطوع إمّا لعدم الإتیان بالوضوء أو لبطلان الصلاة قبلها المفروض اشتراط الثانیة بالأُولی،فیجب الجمع بین الوضوء والغسل للصلاة الثانیة للعلم باعتبار أحدهما فیها،وتجری القاعدة فی الصلاة السابقة بلا معارض.

والوجه فی عدم سقوط الاستصحاب خاصّة فإنّ مقتضاه الاکتفاء فی الطهارة للثانیة بالغسل لا عدم الإتیان بعده بالأُولی لیکون مقتضاه مخالفاً للواقع یقیناً،بل بطلان الصلاة واقعاً یلزم من الأخذ بمفاد قاعدة الفراغ فی الصلاه التی صلّاها وبالاستصحاب فی ناحیة بقاء الجنابة،وبعد تساقطهما یکون مقتضی العلم الإجمالی باعتبار الغسل أو الوضوء للثانیة الجمع بینهما،ومقتضی قاعدة الاشتغال فی التکلیف بالأُولی إعادتها ولو بعد الغسل.

نعم،إذا کانت الصلاة الأُولی ممّا فات وقتها لا یجب تدارکها بالقضاء فإنّ العلم الإجمالی إمّا ببطلان الصلاة الأُولی أو لزوم الوضوء للصلاة الثانیة وإن أوجب سقوط

ص :442

ولو کان الشّک فی أثناء الصلاة بطلت،لکن الأحوط إتمامها ثمّ الإعادة[1]

(مسألة 15) إذا اجتمع علیه أغسال متعدِّدة فإمّا أن یکون جمیعها واجباً،أو یکون جمیعها مستحبّاً،أو یکون بعضهاً واجباً وبعضها مستحبّاً،ثمَّ إمّا أن ینوی الجمیع أو البعض[2]

--------------

قاعدة الفراغ فی ناحیة الصلاة الأُولی کما أوجب سقوط الاستصحاب فی ناحیة بقاء الجنابة فیجب الجمع بین الغسل والوضوء للصلاة الثانیة للعلم باعتبار أحدهما لها، إلّا أنّ الاستصحاب فی ناحیة بقاء الحدث حال الإتیان بالصلاة الأُولی بعد سقوط قاعدة الفراغ لا یجری؛ لأنّه لا یثبت الموضوع لوجوب القضاء وهو فوت الفریضة فی وقتها فتجری أصالة البراءة من وجوب قضائها؛ لأنّ القضاء بتکلیف جدید، ولا یقاس بما تقدّم من الفرضین السابقین المفروض فیهما عدم فوت وقت الأُولی فإنّ وجوب الإعادة فیهما کان لقاعدة الاشتغال.

إذا شک أثناء الصلاة فی أنّه اغتسل أولا

[1]

إذا شکّ فی أثناء الصلاة أنّه اغتسل من جنابته ثمّ شرع فی الصلاة أم دخل فیها بلا اغتسال یحکم ببطلان الصلاة؛ لأنّ قاعدة التجاوز لا تجری فی ناحیة الغسل لعدم مضی محل الغسل حیث أنّه غیر مشروط بوقوعه قبل الصلاة بل الصلاة مشروطة بوقوعها بعده،وأمّا قاعدة الفراغ بالإضافة إلی الأجزاء التی أتی بها من الصلاة فلا تجری فإنّ الطهارة من الحدث کما أنّها شرط بالإضافة إلی الأجزاء السابقة کذلک شرط فی الآن المتخلّل بین الأجزاء السابقة واللاحقة وفی الأجزاء اللاحقة، وقاعدة الفراغ لا تثبت الطهارة فی ذلک الآن کما لا تثبت بالإضافة إلی الأجزاء اللاحقة والاحتیاط بالإتمام فهو اعتبار احتمال الغسل واقعاً فیکون استحبابیّاً.

إذا اجتمع علیه أغسال متعدّدة

[2]

لو بنی علی أنّ موجبات الأغسال الواجبة من الجنابة والحیض والنفاس

ص :443

..........

والاستحاضة ومسّ المیّت کموجبات الوضوء،وکما أنّ الوضوء طبیعة واحدة کذلک الغسل،وکما أنّ موجبات الوضوء إذا اجتمعت یکون الوضوء الواحد کافیاً فی الطهارة ولا یجری فیها ما تقرّر فی محلّه من أنّه إذا تعدّد الأمر بالفعل مع اختلاف السبب وتعدّده کالأمر الوارد بصلاة الآیات عند خسوف القمر الزلزال وأنّه إذا اتّفق الخسوف الزلزال یجب صلاتان لاقتضاء کلّ أمر وجوداً من صلاة الآیات،ولا یتعلّق التکلیف المتعدّد بصرف وجود الطبیعی فیکون تعدّده قرینة علی المراد من المتعلّق.

والوجه فی عدم الجریان أنّ الأمر بالوضوء عند البول أو غیره إرشاد إلی حصول الحدث المعبّر عنه بالأصغر بالبول أو غیره وأنّ رافعه هو الوضوء،وتعدّد الأمر الإرشادی کذلک لا یقتضی تعدّد الوضوء حتّی لو قلنا بتعلّق الأمر الاستحبابی النفسی بالوضوء عند الحدث الأصغر فلا یقتضی اجتماع موجباته تعدّد الأمر الاستحبابی؛ لأنّ الأمر الاستحبابی یتعلّق بالوضوء بما هو طهارة والطهارة عقیب الموجبات یکون بصرف وجود الوضوء،وعلی ذلک فیجری فی موجبات الغسل أیضاً عند اجتماعها ما جری فی اجتماع موجبات الوضوء فلا یقتضی تعدّد الأمر الإرشادی بالغسل إلّاالغسل مرّة واحدة.

وأمّا لو بنی علی أنّ الأغسال الواجبة لا تقاس بالوضوء فإنّ الأغسال طبائع مختلفة ویکون اختلافها بالقصد کاختلاف صلاة الظهر عن صلاة العصر،فالغسل المنوی به رفع الجنابة غیر الغسل المنوی به رفع حدث الحیض أو مسّ المیّت یکون مقتضی القاعدة عند اجتماع الموجبات لزوم الأغسال المتعدّدة؛ لأنّ الموجود بکلّ موجب حدث خاصّ یعنی نوع من الحدث یکون رافعه الغسل المنوی به رفعه.

وأمّا الأغسال المستحبّة فإن بنی فیها علی أنّها لا ترفع الحدث؛ ولذا یجب

ص :444

..........

علی المغتسل بالغسل الاستحبابی الوضوء لصلاته فیما إذا کان محدثاً بالأصغر حتّی قبل الاغتسال فیکون الأمر بتلک الأغسال عند حصول أسبابها کالأمر بصلاة الآیات عند اجتماع موجباتها فی أنّ کل موجب یقتضی غسلاً،وکذا لو بنی علی أنّها أیضاً طهارات ترفع الحدث عن المکلّف سواء کان حدثاً أکبر أو أصغر؛ ولذا یجوز الاکتفاء بها للصلاة لکونها مع ذلک مستحبّات عند حصول موجباتها وإن لم یکن المکلّف علی حدث بأن کان متطهّراً من الحدثین.

والمتحصّل أنّ مقتضی القاعدة فی الأغسال المستحبّة هو الالتزام باستحباب تعدّد الغسل عند اجتماع موجباته حتّی ولو قیل أنّ الغسل حقیقة واحدة،ولکن عدم التداخل فی الأغسال المستحبّة بناءً علی کون الغسل حقیقة واحدة فیما إذا کان الاختلاف فی ناحیة الموجب لها خاصّة،کما إذا ورد الأمر بالغسل من رؤیة المصلوب وورد الأمر به من مسّ المیّت الذی غسّل فإنّ کلّ موجب یقتضی تعلّق الأمر بنفس الاغتسال،وبما أنّ صرف وجود الغسل لا یقبل تعدّد التکلیف یکون متعلّق کلّ وجوداً غیر وجوده بالموجب الآخر کما تقرّر فی بحث تعدّد الأمر بطبیعة واحدة مع اختلاف الموجب وتعدّده.

وأمّا إذا اختلف متعلّق الأمرین بأن کان متعلّق أحد الأمرین الاستحبابیین الغسل المقیّد بقید ومتعلّق الأمر الآخر الغسل المقیّد بقید آخر کما فی الأمر بالغسل یوم الجمعة،فإنّ متعلّق الأمر هو الاغتسال یوم الجمعة والأمر بالغسل عند الإحرام فإنّ متعلّق الأمر هو الاغتسال قبل أن یحرم،فإن کان بین الغسلین المقیّدین العموم من وجه کما فی المثال حیث لو اغتسل یوم الجمعة وأراد الإحرام فی ذلک الیوم فقد تحقّق الاغتسال یوم الجمعة والغسل قبل الإحرام کما أنّهما یفترقان فی الاغتسال فی غیر یوم الجمعة للإحرام وفی الاغتسال یومها من غیر إرادة الإحرام،فمقتضی ما

ص :445

..........

ذکرنا من أنّ القاعدة فیما إذا اختلف متعلّق کلّ من الأمرین عن الآخر بالعموم من وجه هو تداخلهما فی مورد اجتماعهما.

وأمّا إذا کان متعلّق أحد الأمرین الاستحبابیین هو طبیعی الاغتسال کالأمر بالاغتسال من رؤیة المصلوب والأمر بالاغتسال یوم الجمعة فهذا أیضاً یدخل فی عدم التداخل بعد فرض أنّ الأمر بکلّ من الطبیعی والمقیّد أمراً نفسیّاً کما أنّ الأمر بالمقیّد إرشاد إلی کونه أفضل الأفراد فإنّ تعدّد الأمر نفسیّاً مقتضاه مطلوبیّة الوجود المتعدّد.

وممّا ذکرنا یظهر الحال فی اجتماع الأغسال الواجبة مع المستحبّة فإنّ بالإتیان بالاغتسال المستحب یحصل طبیعی الغسل الموجب لحصول الطهارة من الجنابة حیث إنّ رافعها الطبیعی بناءً علی أنّ الأغسال طبیعة واحدة لا أنّها عناوین قصدیّة وإلّا فالأصل عدم التداخل بلا فرق بین الأغسال الواجبة والمستحبّة بأقسامها کما لا یخفی.

هذا کلّه مع قطع النظر عن الروایات الواردة فی المقام التی عمدتها صحیحة زرارة قال:إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزاک غسلک ذلک للجنابة والحجامة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزیارة،فإذا اجتمعت علیک حقوق [اللّٰه]

أجزأها عنک غسل واحد،قال:ثمّ قال:وکذلک المرأة یجزیها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حیضها وعیدها (1) .واحتمال کون ما ورد فی الصحیحة قول زرارة علیه فلا اعتبار به لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّ ما فی ذیلها:قال:ثمّ قال،قرینة واضحة علی أنّ ما ذکر قول غیر زرارة،ولا یحتمل من نقل زرارة قول الغیر إلّاکونه هو

ص :446


1- (1)) وسائل الشیعة 2:261،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

فإن نوی الجمیع بغسل واحد صحّ فی الجمیع[1]

وحصل امتثال أمر الجمیع،وکذا إن نوی رفع الحدث أو الاستباحة إذا کان جمیعها أو بعضها لرفع الحدث والاستباحة،وکذا لو نوی القربة.

--------------

الإمام علیه السلام أظف إلی ذلک أنّ الشیخ رواها بإسناده عن محمّد بن علی بن محبوب، عن علی بن السندی،عن حماد بن عیسی،عن حریز،عن زرارة،عن أحدهما علیهما السلام (1) وکذلک ابن إدریس نقلها من کتاب محمّد بن علی بن محبوب، وعلی بن السندی (2) مضافاً إلی قوّة احتمال أنّه علی بن اسماعیل الثقة من المعاریف الذین لم یرد فیهم ضعف مع أنّ للشیخ قدس سره لجمیع کتب حریز وروایاته سند آخر ومن روایاته هذه الصحیحة.

وأمّا ما ورد فیها من (الحجامة) فالظاهر أنّه نشأ من غلط النسخة،وأصل النسخة کانت (الجمعة)بدل (الحجامة)بقرینة قوله علیه السلام:«إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر» حیث إنّ غسل الجمعة هو الذی یجزی بعد طلوع الفجر ولا یجزی قبله مع أنّ المذکور فیما رواه الشیخ قدس سره وابن إدریس (الجمعة)بدل (الحجامة) ودلالتها علی إجزاء الغسل الواحد عن المتعدّد تامّة.

إذا نوی الجمیع بغسل واحد

[1]

بلا خلاف معروف أو منقول إن کانت کلّها واجبة أو کان واحد منها غسل الجنابة کما قیل،وعلی الأظهر فی غیر ذلک.

والوجه ما تقدّم من أنّ الأمر بالأغسال الواجبة إرشاد إلی الحدث وأنّ رافعه الاغتسال.

ص :447


1- (1)) التهذیب 1:107،الحدیث 11.
2- (2)) السرائر 3:608.

..........

نعم،بناءً علی أنّ کلّ من تلک الأغسال نوع ویکون اختلافه مع الأغسال الأُخر بالقصد،نظیر اختلاف صلاة الظهر والعصر یکون الاستناد فی کفایة غسل واحد للجمیع إلی الصحیحة المتقدّمة وقوله علیه السلام فیها:«إذا اجتمعت علیک حقوق أجزأها عنک غسل واحد» (1) حیث إنّ المتیقّن من الحقوق الأغسال الواجبة فإنّه کما قیل إنّ الأغسال المستحبّة لا یطلق علیها الحقوق خصوصاً بملاحظة نسخة:«حقوق اللّٰه» کما أنّ صدر الصحیحة دالّ علی إجزاء الغسل الواحد حتّی عن الأغسال المستحبة مع فرض غسل الجنابة فیها.

ولکن لا یخفی أنّ الحقوق کما یطلق علی الواجبات کذلک یطلق علی المستحبّات،وحتّی لو قیل بظهورها فی الواجبات فلابدّ من أن یکون المراد منها مطلق المطلوبات بقرینة التفریع بالفاء علی ما ذکر فی الصحیحة أوّلاً،فإنّ مقتضی التفریع بیان القاعدة الکلّیة هو إجزاء الغسل الواحد عن الأغسال المتعدّدة المطلوبة، ولو کان الذیل مختصّاً بالواجبات لذکر بالواو دون الفاء،وعلیه فلا ینبغی التأمّل فی دلالتها علی الإجزاء والامتثال إذا قصد المکلّف بالغسل الواحد الجمیع فی الفروض الثلاثة،أی ما إذا کان کلّ الأغسال واجبة أو کلّها مستحبّة أو کان بعضها واجبة،بعضها مستحبّة.

ولکن قد یشکل فیها بأنّه إذا کان ما علیه من الأغسال واجبة فلا بأس بالالتزام بالتداخل کما إذا کانت کلّها مستحبّة،وأمّا إذا کان بعضها واجباً وبعضها مستحبّاً فکیف یقصد بفعل واحد الوجوب والاستحباب مع امتناع اجتماع الوجوب والندب فی فعل؟ ولکن قد یقال فی المقام فی توجیه المستفاد من صحیحة زرارة بحیث یندفع هذا الإشکال ونحوه أنّ کلّاً من الأغسال الواجبة والمندوبة عنوان قصدی کما

ص :448


1- (1)) تقدّم تخریجها فی الصفحة 446.

..........

هو ظاهر قوله قدس سره:«إذا اجتمعت علیه الحقوق» الخ إلّاأنّ الأغسال لیست من المتباینات بالعنوان نظیر تباین صلاتی الظهر والعصر أو صلاتی الفجر ونافلتها،بل هی من المتغایرات بالعنوان،وعلیه فإذا اجتمع علی المکلّف موجبات الأغسال فإن قصد المکلّف بالاغتسال الواحد جمیع ما علیه من الأغسال فتحقّق تلک الأغسال بغسل واحد فیکون امتثالاً لما علیه من الأغسال،فإن قصد المکلّف البعض المعیّن منها یبقی علیه الباقی ممّا لم یقصده،فإن کان الباقی مستحبّاً فله الإتیان به وإن کان واجباً فعلیه الإتیان بذلک الواجب،بلا فرق بین کون ما علیه من الأغسال واجبة رافعة للحدث،حیث إنّ الحدث الأکبر مختلفه متعدّدة فحدث الجنابة هو الإنزال والدخول وحدث الحیض خروج الدم بشرائطه وحدث مسّ المیّت مسّه أو کان ما علیه من الأغسال مستحبّة مستبیحة.

وعلی الجملة،فبالاغتسال بقصد غسل یسقط الأمر به وبقصد الجمیع یسقط الأمر بها وإذا کان ما علیه غسلاً واجباً وغسلاً مندوباً کغسل الجنابة وغسل الجمعة فالاغتسال بقصدهما امتثال للتکلیف الواجب والمستحب المتعلّق کلّ منهما بغسل یکون بینهما العموم من وجه کما هو فرض تغایرهما بالقصد،ولا یقاس ذلک بباب اجتماع الأمر النهی حیث ذکروا فیه أنّ الصلاة فی الدار المغصوبة لا یمکن أن تکون مع کونها مخالفة للنهی عن الغصب مصداقاً للصلاة الواجبة لیسقط التکلیف بالإتیان بها؛ وذلک للمضادة بین مقتضی النهی الانحلالی مع مقتضی الأمر بالطبیعی وهو ترخیص الشارع بتطبیق متعلّق التکلیف علی المنهی عنه،بل للمضادة فی ملاکهما أیضاً وعدم إمکان قصد التقرّب بالمنهی عنه،بخلاف التکلیف الوجوبی بعنوان والتکلیف الاستحبابی بعنوان یجتمعان فی بعض المصداق،فإنّ الإتیان بذلک المصداق یحسب امتثالاً لهما من غیر أن یکون مضادة بینهما،فإنّ الترخیص

ص :449

..........

فی التطبیق مع الترخیص فی التطبیق فی کلّ من الأمرین لا یتنافیان وصاحب هذا القول یجعل قوله علیه السلام فی الصحیحة:«للجنابة والجمعة وعرفة» (1) الخ متعلّقاً بالغسل یعنی:غسلک للجنابة وللجمعة ولعرفة،الخ فإنّ المجرور وإن یمکن تعلّقه بالأجزاء إلّا أنّ قرب (غسلک) إلی المجرور وقوله علیه السلام فی ذیلها:إذا اجتمعت علیک حقوق یوجب تعلّق المجرورات بالغسل لا بالأجزاء.

ولکن لا یخفی ما فی الاستظهار فإنّه لم یظهر أنّ المراد بالحقوق فی الأغسال بل لو لم یکن ظاهره فی تعدّد الموجب فلا أقل من عدم الظهور فی خلافه قوله علیه السلام:

للجنابة والجمعه،الخ یتعلّق بقوله:أجزاک غسلک ذلک،فإنّه لم یفرض فی قوله:إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر،وقوعها بقصد غسل الجنابة وقصد غسل الجمعة وعرفة الخ،بل ظاهرها أنّ الغسل الواحد بعد طلوع الفجر یجزی عن تمام ما ذکر ولو لم یقصد کلّها.

وإذ قلنا بأنّ الأغسال کلّها حقیقة واحدة وإنّ طبیعی الاغتسال القربی یرفع الحدث جنابة کانت أم غیرها فقد تقدّم أنّ مقتضی القاعدة التداخل فی الأحداث مع اجتماعها،وأنّ الإتیان بالاغتسال مرّة یوجب ارتفاعها ویسقط التکلیف به،وما فی عبارة الماتن قدس سره من أنّه إذا نوی المکلّف الجمیع یکون امتثالاً لجمیعها،وأمّا إذا قصد البعض یکون امتثالاً لذلک البعض وأداءً لغیره لا یمکن المساعدة علیه؛ فإنّه مع نیّة البعض یکون قصد القربة المعتبرة فی الاغتسال بقصدها لا أنّ التکلیف بالغسل متعدّد کما فی فرض تعدّد الموجب للوضوء،فإنّ التکلیف مع تعدّده یکون واحداً یسقط بالامتثال.

وأمّا إذا کانت الأغسال مستحبّة مستبیحة فمع تعلّق الأمر المتعدّد بالطبیعی

ص :450


1- (1)) وسائل الشیعة 3:339،الباب 31 من أبواب الأغسال المسنونة،الحدیث الأوّل.

..........

یکون المطلوب فی بعض الفروض الوجود المتعدّد کما تقدّم،ولکن بعد قیام الصحیحة المتقدّمة الدّالة علی إجزاء الغسل الواحد یعلم وحدة التکلیف فیها أیضاً مع اجتماعها ولو بنحو التأکد،فبالإتیان بالغسل الواحد یسقط ذلک التکلیف ونیّة الجمع أو البعض یوجب قصد القربة بها أو بقصد البعض،وأمّا مع اجتماع الموجب للغسل الواجبی والموجب للغسل المستحبّی فربّما یستشکل بعدم تحمّل الفعل الواحد الوجوب والاستحباب فکیف الاجتماع؟

ولکن الظاهر عدم الإشکال فی هذه الصورة فإنّ الوجوب فی الأغسال الواجبة کلّها شرطی ولیس بتکلیفی،وإذا کان الرافع للحدث مجرّد الاغتسال المشروع فبالغسل للجمعة مثلاً یحصل طبیعی الاغتسال فیطهر ولو قیل بأنّ غسل الجمعة عنوان قصدی وکذا غسل الجنابة،فالاغتسال بقصدهما یحصل کلا العنوانین علی نحو التداخل کما تقدّم.

وعلی الجملة،الطلب المتعلّق بالأغسال الواجبة نفسیّاً هو الاستحباب کالاغتسال للجمعة فیکون الاغتسال بقصدهما کالاغتسال بقصد الجمعة وعرفة ولو بنی علی الوجوب الغیری فی الأغسال الواجبة،فقد تقدّم أنّ الوجوب الغیری لا ینافی الاستحباب النفسی ویجتمع معه کما فی الوضوء بعد الوقت،غایة الأمر الترخیص فی الترک الثابت فی الفعل قبل الوقت یرتفع بدخولها.

ثمّ إنّ الماتن قدس سره ذکر إجزاء الاغتسال مرّة فیما إذا قصد به جمیع ما علیه من الأغسال فیکون الاغتسال المزبور امتثالاً للجمیع،وکذا إذا قصد بالاغتسال المزبور رفع الحدث به فیما إذا کان جمیع ما علیه الأغسال الرافعة للحدث،أو قصد بالاغتسال المزبور الاستباحة فیما إذا کان جمیع ما علیه الأغسال المبیحة حیث إنّ مع کلّ ما علیه من الأغسال رافعة أو مستبیحة یکون اختصاص الحصول بواحد منها

ص :451

وحینئذ فإن کان فیها غسل الجنابة لا حاجة إلی الوضوء بعده أو قبله[1]

وإلّا وجب الوضوء.

وإن نوی واحداً منها وکان واجباً کفی عن الجمیع أیضاً علی الأقوی،وإن کان --------------

وامتثال الأمر به خاصّة من الترجیح بلا مرجح،وألحق بذلک أیضاً فیما إذا کان بعض ما علیه من الأغسال رافعة وبعضها مبیحة وقصد عند الاغتسال رفع الحدث به أو الاستباحة به،ولکن لا یخفی أنّه یمکن البناء علی حصول الإجزاء فی هذه الصورة، ولکن لا وجه للالتزام بحصول الامتثال بالإضافة إلی الجمیع،بل یحسب الامتثال بالإضافة إلی ما یرفع الحدث خاصّة مع قصده رفع الحدث خاصّة أو بالإضافة إلی ما یکون مستبیحة فیما إذا قصد الاستباحة به خاصّة.

نعم،لو قصد الاغتسال بداعی الأمر به فیکون ذلک موجباً لقصد الأوامر المتعلّقة بالاغسال،حیث إنّ تخصیص قصد الأمر بأحدهما بخصوصة ترجیح بلا معیّن.

غسل الجنابة یغنی عن الوضوء

[1]

لما تقدّم من أنّ وظیفة الجنب هی الاغتسال للصلاة بلا حاجة إلی الوضوء، وبتعبیر آخر المستفاد من الآیة المبارکة والروایات أنّ الاغتسال من الجنب یرفع الحدث الأصغر،وإذا فرض تحقّق الاغتسال من الجنابة أیضاً کما هو الفرض ولم یقع أثناءه أو بعده حدث فیجوز له الصلاة بذلک الغسل،وأمّا وجوب الوضوء قبل الاغتسال أو بعده فیما لم یکن جنباً فهو مبنی علی لزوم الوضوء فی سائر الأغسال لا مجرّد مشروعیّته واستحبابه فیها کما هو مقتضی الجمع بین الروایات الواردة فیها، وسیأتی الکلام فی ذلک فی بحث الأغسال المسنونة إن شاء اللّٰه تعالی.

ص :452

ذلک الواجب غیر غسل الجنابة وکان من جملتها،لکن علی هذا یکون امتثالاً بالنسبة إلی ما نوی وأداء بالنسبة إلی البقیّة،ولا حاجة إلی الوضوء إذا کان فیها الجنابة،وإن کان الأحوط مع کون أحدها الجنابة أن ینوی غسل الجنابة[1]

--------------

[1]

أمّا کون الغسل ولو بقصد واحد من موجباته یکفی عن الغسل بسائر موجباته فهو لإطلاق الصحیحة المتقدّمة:«فإذا اجتمعت علیک حقوق أجزأک عنها غسل واحد» (1) فإنّ ظاهرها أنّ الغسل الواحد یجزی عن تمام موجباته،وأمّا کون غسل الجنابة مجزیاً عن سائر الموجبات فهو القدر المتیقّن من الکبری المزبورة،حیث إنّ من یکون جنباً یغتسل مع الالتفات إلی جنابته وفی مرسلة جمیل بن دراج،عن بعض أصحابنا،عن أحدهما علیهما السلام أنّه قال:«إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلک الغسل من کلّ غسل یلزمه فی ذلک الیوم» (2) فإنّ إطلاقها یقتضی إجزاء غسل الجنابة وإن کان اللازم علیه الاغتسال من مسّ المیّت أیضاً.

وربّما یقال إنّه یتعیّن فی فرض تعدّد الأغسال الواجبة قصد جمیعها فلا یحکم بالإجزاء مع عدم القصد،ویستدلّ علی ذلک -بعد المناقشة فی دلالة صحیحة زرارة المتقدّمة علی الإجزاء من غیر قصد -بمثل موثقة أبی بصیر،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سئل عن رجل أصاب من امرأة ثمّ حاضت قبل أن تغتسل؟ قال:«تجعله غسلاً واحداً» (3) وموثقة حجّاج الخشاب،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألت أبا عبداللّٰه علیه السلام عن رجل وقع علی امرأته فطمثت بعدما فرغ أتجعله غسلاً واحداً إذا طهرت أو تغتسل مرّتین؟ قال:«تجعله غسلاً واحداً عند طهرها» (4) وفی موثقة عمّار الساباطی،

ص :453


1- (1)) وسائل الشیعة 3:339،الباب 31 من أبواب الأغسال المسنونة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:263،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث 2.
3- (3)) وسائل الشیعة 2:263،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث 5.
4- (4)) وسائل الشیعة 2:264،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث 6.

..........

عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:سألته عن المرأة یواقعها زوجها ثمّ تحیض قبل أن تغتسل؟ قال:«إن شاءت أن تغتسل فعلت،وإن لم تفعل فلیس علیها شیء،فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً للحیض والجنابة» (1) .

فإنّ ظاهر جعل ما علیها من الغسلین واحداً قصدهما بالاغتسال الواحد کما أنّ ظاهر قوله علیه السلام:«اغتسلت غسلاً واحداً لهما» اعتبار قصدهما.وأوضح منها موثقة سماعة بن مهران،عن أبی عبداللّٰه وأبی الحسن علیهما السلام قالا:فی الرجل یجامع المرأة فتحیض قبل أن تغتسل من الجنابة؟ قال:«غسل الجنابة علیها واجب» (2) فإنّه لو کان الاغتسال من الحیض مجزیاً عن الجنابة وإن کانت غافلة عن جنابتها لمّا کان لقوله علیه السلام:«غسل الجنابة علیها واجب» معنی.

أقول:أمّا موثقة سماعة فظاهر وجوب الاغتسال لها من جنابتها حال الدم فلابد من حمل الوجوب علی مجرّد المشروعیّة جمعاً بینها وبین ما تقدّم وإلّا تطرح.

وأمّا ما تقدّم فمدلولهما الإتیان بغسل الجنابة مع غسل الحیص بعد النقاء ولو جوازاً کما هو ظاهر موثقة عمّار.

وأمّا إذا لم یقصد بعد نقائها عند غسلها من الحیض فلا یکفی ذلک عن جنابتها فلا دلالة لهما علی عدم الإجزاء فیحکم بالإجزاء أخذاً بما استظهرنا من صحیحة زرارة المتقدّمة،بل غایة الأمر یلتزم بعدم الاکتفاء عن غسل الجنابة بمجرّد قصد غسل الحیض،بل لابدّ من قصده أیضاً.

یبقی الکلام فی أثر غسل الجنابة مع دم الحیض فیمکن أن یقال:مقتضی الروایات ارتفاع جنابتها أیام دمها بالغسل فیکون حدثها بعد النقاء حدث الحیض

ص :454


1- (1)) وسائل الشیعة 2:264،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث 7.
2- (2)) وسائل الشیعة 2:264،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث 8.

وإن نوی بعض المستحبّات کفی أیضاً عن غیره من المستحبّات [1]

وأمّا کفایته عن الواجب ففیه إشکال،وإن کان غیر بعید،لکن لا یترک الاحتیاط.

--------------

خاصّة،وعلیه لو اغتسلت بعد النقاء یشرع فی حقّها الوضوء قبل غسلها أم بعده أو یجب ذلک،بل لو قیل بصحّة قضاء الصوم مع حدث الحیض فلها أن تصوم قضاء شهر رمضان من غیر أن تغتسل من حدثها،بخلاف ما إذا أخّرت غسل جنابتها فإنّه لا یشرع مع اغتسالها للحیض مع جنابتها الوضوء،کما لا یجوز لها قضاء شهر رمضان من غیر أن تغتسل قبل الفجر؛ لأنّه یعتبر فی قضاء شهر رمضان عدم البقاء علی الجنابة،کما تقدّم.

إذا نوی بعض المستحبات کفی عن غیره من المستحبات

[1]

بناءً علی أنّ الغسل حقیقة واحدة وکان التعدّد فی الموجب خاصة أو کان تعددهما بالإطلاق والتقیید فالإجزاء وإن کان علی خلاف القاعدة،وکذا بناءً علی أنّ الاغسال کلّها أنواع یکون اختلافها بالقصد إلّاأنّ مقتضی صحیحة زرارة المتقدّمة الإجزاء فإنّه علیه السلام ذکر فیها:اجتمعت علیک حقوق - أی التکالیف أو موجباتها أو نفس الأغسال - أجزأها عنک غسل واحد، (1) فإنّ الغسل الواحد کما یصدق علی الغسل مرّة بنیّة الجمیع کذلک یصدق مع الغسل بقصد عنوان واحد ولو بقصد غسل الجمعة غافلاً عن کون الیوم یوم عرفة فمقتضی الصحیحة الإجزاء بل مقتضاها الإجزاء عن الواجبة أیضاً.

ودعوی کون المراد بالحقوق فی الصحیحة الأغسال الواجبة قد تقدّم ما فیها فلا نعید.

ویؤید إجزاء المندوب عن الغسل الواجب مرسلة الصدوق حیث إنّه قدس سره روی

ص :455


1- (1)) وسائل الشیعة 2:261،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.

..........

فی الفقیه بأنّ الصائم فی شهر رمضان لو نسی غسل الجنابة فعلیه قضاء الصوم والصلوات التی صلّاها بالاغتسال قال:«وروی فی خبر آخر من جامع فی أوّل شهر رمضان ثمّ نسی الغسل حتّی خرج شهر رمضان أنّ علیه أن یغتسل ویقضی صلاته وصومه إلّاأن یکون قد اغتسل للجمعة فإنّه یقضی صلاته وصیامه إلی ذلک الیوم ولا یقضی ما بعد ذلک» (1) فإنّه لولا إجزاء المندوب عن الواجب لم یکن وجه للتفصیل.

ثمّ إنه یبقی الکلام فی أنّه إذا اغتسل الجنب بنیّة غسل واجب آخر علیه،کما إذا اغتسل لمسّ المیّت أو اغتسل بنیّة غسل مندوب،کما إذا اغتسل یوم الجمعة بنیّة غسل الجمعة،فإن قلنا بلزوم الوضوء فی سائر الأغسال الواجبة والمندوبة فهل یلزم علی الجنب المزبور الوضوء أو أنّه لجنابته لا موجب للوضوء بل الوضوء فی حقّه غیر مشروع.

ولکن لا یخفی أنّه لو صحّ ما بنینا علیه من کون الغسل حقیقة واحدة،وإنّما الاختلاف فی ناحیة موجباتها حیث إنّ الموجبات فی الأغسال الواجبة کلّ منها حدث ورافعه الاغتسال،وقصد الموجب من الجنابة والمس والنقاء من الحیض لحصول التقرّب المعتبر فی الغسل بقصد جمیعها أو بعضها،فلا ینبغی التأمّل فی أنّ الصادر عن الجنب فی الفرض غسل الجنابة حیث إنّ غسل الجنابة لیس إلّا الاغتسال القربی مع کون المغتسل جنباً فیعمّه ما دلّ علی إغناء غسل الجنابة عن الوضوء،وکذا الحال بالإضافة إلی نیّة الجنب الاغتسال المندوب،کما إذا اغتسل یوم الجمعة غافلاً عن جنابته فإنّه إذا تذکّر الجنابة بعد الاغتسال فلا حاجة إلی الوضوء؛ لأنّ غسل الجنابة قد تحقّق فیکون ما دلّ علی أنّ سائر الأغسال معها الوضوء ناظراً إلی غیر الجنب.

ص :456


1- (1)) من لا یحضره الفقیه 2:119،الحدیث 1896.

(مسألة 16) الأقوی صحّة غسل الجمعة من الجنب والحائض[1]

بل لا یبعد إجزاؤه عن غسل الجنابة،بل عن غسل الحیض إذا کان بعد انقطاع الدم.

(مسألة 17) إذا کان یعلم إجمالاً أنّ علیه أغسالاً،لکن لا یعلم بعضها بعینه یکفیه أن یقصد جمیع ما علیه،کما یکفیه أن یقصد البعض المعیّن ویکفی عن غیر المعیّن،بل إذا نوی غسلاً معیّناً ولا یعلم ولو إجمالاً غیره وکان علیه فی الواقع کفی عنه أیضاً،وإن لم یحصل امتثال أمره.

نعم،إذا نوی بعض الأغسال ونوی عدم تحقّق الآخر ففی کفایته عنه إشکال، --------------

وأمّا إذا قیل بأنّ الأغسال الواجبة والمندوبة کلّ منها نوع فقد یشکل فی عدم الحاجة إلی الوضوء بأنّ غایة ما دلّ علیه صحیحة زرارة کون الأغسال کغسل الجنابة فی رفع حدث الجنابة لا أنّ الغسل الآخر غسل الجنابة لیترتّب علیه أثر غسل الجنابة من عدم الحاجة إلی الوضوء معه.

وبتعبیر آخر،مفاد الصحیحة علی القول بالإجزاء وکون الأغسال أنواعاً مختلفة بالقصد أنّ الجنب إذا اغتسل بغسل آخر لا یکون حاجة إلی اغتساله من جنابته،بل یرتفع حدث جنابته أیضاً لا أنّ غسله الآخر غسل الجنابة،ولکن قد ذکرنا أنّ الظاهر کون الأغسال واحدة کما علیه الماتن.

یصحّ غسل الجمعة من الجنب والحائض

[1]

ظاهر عبارته صحّة غسل الجمعة عن الحائض أیام الدم،کما تقدّم فی مشروعیّة غسل الجنابة لها أیام دمها،ولعلّ إفراد المسألة عن سابقتها لهذه الجهة، وإن علم من سابقتها الإجزاء فیما إذا اغتسل للجمعة کلّ من الجنب والحائض بعد نقاء دمها،والظاهر أنّ الوجه فیما ذکر إطلاق ما دلّ علی استحباب غسل الجمعة للمرأة.

ص :457

بل صحّته أیضاً لا تخلو عن إشکال بعد کون حقیقة الأغسال واحدة،ومن هذا یشکل البناء علی عدم التداخل؛ بأن یأتی بأغسال متعدّدة کلّ واحد بنیّة واحد منها،لکن لا إشکال إذا أتی فیما عدا الأوّل برجاء الصحّة والمطلوبیّة[1]

--------------

إذا کان یعلم إجمالاً أنّ علیه أغسالاً لا یعلم بعضها بعینه

[1]

قد تقدّم الکلام فی جمیع ذلک وأنّه لو قصد بالاغتسال بمرّة جمیع ما علیه من الأغسال فمع تعدّد الأمر بها کما إذا قیل بتعدّد الأغسال بالعناوین یحصل امتثال الجمیع لما تقدّم من أنّ ذلک مقتضی صحیحة زرارة،وکذا إذاقلنا بأنّ الأغسال حقیقة واحدة وأنّ التعدّد فی موجباته والأحداث فیکون قصد ما علیه من الأغسال لقصد التقرّب فی ذلک الاغتسال،ولو نوی واحداً ولم یعیّن غیره یکون الاغتسال المزبور مع صحّته موجباً لارتفاع الحدث بأی موجب،سواء قلنا بتعدّد الأغسال أم قلنا بوحدة طبیعة الاغتسال والتعدّد فی موجباته والأحداث الحاصلة بها،فإنّ سقوط الأغسال وارتفاع الأحداث ومقتضی صحیحة زرارة المتقدّمة ولو لم یعلم أنّ علیه موجب آخر وکونه محدثاً بحدث آخر یکون الاغتسال المزبور علی تقدیر غسل آخر علیه أو علی تقدیر حدث آخر موجباً للإجزاء وارتفاع الحدث الآخر.

ویبقی الکلام فی فرض آخر وهو إذا اغتسل بقصد واحد معیّن ونوی عدم الاغتسال بغسل آخر أو عدم الاغتسال من موجب آخر فهل یکون هذا الاغتسال کافیاً عمّا نوی عدم الاغتسال منه أو أنّه لم یکفِ بل مع عدم کفایته یحکم ببطلانه أیضاً أم لا؟

فنقول:بناءً علی أنّ الأغسال حقائق متعدّدة وأنّ اختلافها وتعدّدها یکون بالقصد وأنّ صحیحة زرارة وغیرها ممّا یستفاد منها الإجزاء هو الاغتسال مرة بقصد الأغسال المتعدّدة،فلا ینبغی التأمّل فی جواز أن ینوی بالاغتسال واحداً منها وینوی عدم حصول الآخر به فإنّ هذا القصد غیر ضائر بالاغتسال المزبور ولا تنافیه الصحیحة.

ص :458

.

--------------

وکذا إذا قیل بأنّ الاغتسال بغسل یجزی عن سائر الأغسال ولکنّها طبایع مختلفة، ولو قیل بأنّها طبیعه واحدة والاختلاف فی موجباته والأحداث الحاصلة بها فیشکل الحکم بصحّة الغسل المزبور،حیث إنّ قصد عدم تحقّق الغسل الآخر من التشریع الموجب لبطلان العمل.

ولا یخفی أنّه بناءً علی أنّ الغسل من جمیع موجباته طبیعة واحدة وأنّ الاختلاف فی موجباته والأحداث الحاصلة بها فقط یکون الغسل المزبور تشریعاً فیما إذا کان المکلّف حین الاغتسال عالماً بوحدة الطبایع لیرجع قصده الاغتسال المزبور إلی غسل لیس مشروعاً،وأمّا إذا اعتقد بتعدّد الطبایع - کما التزم به کثیر من الاصحاب - فلا بأس بأن یقصد بالغسل المزبور حصول واحد من الأغسال وعدم حصول الآخر،حیث إنّ عدم حصول الآخر لا ینافی إجزاء ذلک الغسل عن الأغسال الأُخر بسقوط التکلیف المتعلّق بکلّ منها وارتفاع الحدث الحاصل بحصول موجبه.

وعلی الجملة،فلا وجه للالتزام ببطلان الغسل المزبور بناءً علی تعدّد الأغسال حتّی لو قیل بإجزاء حصول طبیعة منها عن الأغسال الأُخر،وکذا لا وجه للبطلان بناءً علی وحدة الأغسال وأنّ طبیعی الغسل لا اختلاف فیه وإنّما الاختلاف فی الموجبات والأحداث،حیث ذکرنا أنّ البطلان فیما إذا علم المغتسل حین الاغتسال بذلک لیرجع قصده الغسل المزبور بغسل لم یشرّع.

ومن هنا یظهر الحال فیما إذا اغتسل بنیّة غسل واحد بانیاً علی عدم التداخل أی عدم سقوطه التکلیف بسائر الاغسال،فإنّه لو کان عالماً بالتداخل وسقوط التکلیف ورفع الأحداث بغسل واحد یکون غسله ذلک تشریعاً،وأمّا مع جهله واعتقاد عدم الإجزاء فی هذه الصورة فلا موجب للبطلان.

وممّا ذکر یظهر بما أنّ کون الأغسال طبایع مختلفة بحسب الواقع وأنّ إجزاء

ص :459

..........

الاغتسال مرّة مشروط بقصد الجمیع محتملاً وإن کان علی خلاف ظواهر الأدلّة فی کونها طبیعة واحدة وأنّ الإجزاء غیر مشروط بقصد الجمیع فلا بأس للمکلّف أن یغتسل أوّلاً بقصد واحد منها ویأتی الباقی برجاء الصحّة والمطلوبیّة.

بقی فی المقام أمر وهو أنّه کما ذکرنا سابقاً استظهر من صحیحة زرارة المتقدّمة الواردة فی إجزاء الغسل الواحد تعدّد طبایع الاغسال حیث ذکر علیه السلام:«فإذا اجتمعت علیک حقوق أجزاها عنک غسل واحد» (1) ویقال لو کان الغسل طبیعة واحدة لمّا عبّر عنها بالحقوق فإنّه لا یعبّر عن الطبیعة الواحدة بالحقوق،ولکن لا یخفی أنّ کون المراد من الحقوق الأغسال غیر ظاهر،بل صدر الصحیحة یوجب أن یکون المراد من الحقوق هی الموجبات لطلب الغسل والأمر وأنّ تلک الموجبات عند اجتماعها یقتضی غسلاً واحداً،ویتعیّن هذا الاحتمال بملاحظة مثل صحیحة عبداللّٰه بن سنان،عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال:«الغسل من الجنابة،ویوم الجمعة،ویوم الفطر،ویوم الأضحی،ویوم عرفة عند زوال الشمس،ومن غسل میّتاً،وحین یحرم، وعند دخوله مکّة والمدینة،ودخول الکعبة،وغسل الزیارة والثلاث اللیالی من شهر رمضان» (2) فإنّ ظاهرها کظاهر نحوها أنّ الغسل طبیعة واحدة مطلوبة عند هذه الموجبات،فیکون ما ورد فی بعض الروایات من غسل الجنابة والحیض وغسل مسّ المیّت ونحوها من الإضافات،من الإضافة بمعنی (من) أو بمعنی (فی) کما لا یخفی.

ثمّ إنّه لو سلّمنا ظهور الحقوق فی صحیحة زرارة فی الأغسال من قوله علیه السلام:«إذا اجتمعت علیک حقوق» یعنی الأغسال فأیضاً لا دلالة لها علی کون الأغسال طبایع؛

ص :460


1- (1)) وسائل الشیعة 2:261،الباب 43 من أبواب الجنابة،الحدیث الأوّل.
2- (2)) وسائل الشیعة 3:306،الباب الأوّل من أبواب الأغسال المسنونة،الحدیث 10.

..........

وذلک فإنّ کونها طبیعة واحدة یوجب عند اجتماع موجباتها تعدّد الأمر بتلک الطبیعة،حیث إنّ تعلّق الأوامر بالطبیعی الواحد یوجب صرف الطلب إلی وجوداتها،فتدلّ الصحیحة علی أنّ الإتیان بوجود واحد یوجب سقوط الأمر الآخر به،فیکون المقام من التداخل فی المسبب کما کان ما ذکرنا أوّلاً من وحدة الأمر عند اجتماع الموجبات من التداخل فی السبب نظیر التداخل فی أسباب الوضوء.

ص :461

ص :462

ص :463

ص :464

ص :465

ص :466

ص :467

ص :468

ص :469

ص :470

ص :471

ص :472

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.