مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه المجلد 3

اشارة

سرشناسه : بنی فضل، مرتضی، 1312 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه/ تالیف مرتضی بنی فضل؛ تحقیق و نشر موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی قدس سره

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1422ق. = - 1380.

شابک : 20000ریال:(ج.1)

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

عنوان دیگر : کتاب الصلاه

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله علمیه

موضوع : نماز

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30232 1380الف

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 81-15544

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

[تتمة] كتاب الصلاة

اشارة

* صلاة القضاء

* صلاة الاستئجار

* صلاة الجمعة

* صلاة العيدين

* صلاة المسافر

* صلاة الجماعة

ص: 7

القول في صلاة القضاء

اشارة

يجب قضاء الصلوات اليومية التي فاتت في أوقاتها- عدا الجمعة- عمداً كان أو سهواً أو جهلًا أو لأجل النوم المستوعب للوقت و غير ذلك (1).


1- وجه وجوب قضاء الصلوات الفائتة- مضافاً إلى الأخبار- أنّه ممّا لا خلاف فيه بين الفريقين: أمّا الجمعة فلا قضاء فيها بفوات وقتها؛ للإجماع، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 26، الحديث 3.) و كذا لا قضاء في العيدين، و هو المشهور عند أصحابنا. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 3.) و ما دلّ على تأخير صلاة العيد إلى الغد فيما ثبت العيد بعد الزوال، محمول على الاستحباب، كما في صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»(وسائل الشيعة 7: 432، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 9، الحديث 1.) و يدلّ على قضاء الفوائت اليومية النبوي المشهور: «من فاتته الفريضة فليقضها إذا ذكرها؛ فذلك وقتها»(انظر رياض المسائل 4: 271، مستند الشيعة 7: 267.) ، و قد ورد مضمون هذا النبوي في صحيح زرارة: «يقضي ما فاته كما فاته»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) و من طريقنا صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و رواية ابن مسلم عنه عليه السلام قال: قلت له: رجل مرض فترك النافلة، فقال عليه السلام: «يا محمّد ليست بفريضة، إن قضاها فهو خير يفعله، و إن لم يفعل فلا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 4: 79، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 20، الحديث 1.) دلّ بمفهومه أنّه إن كانت فريضة و تركها فعليه شي ء. و يدلّ على وجوب قضائها فيما فاتته عن نسيان أو نوم أو بغير طهور صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب الوارد أكثرها في نسيان الفريضة. و لا دخالة لخصوص النسيان و النوم و نحوهما في وجوب القضاء، بل الموجب للقضاء مجرّد ترك الصلاة في وقتها. و لا فرق في النوم بين المستوعب لتمام الوقت أو آخره و بين المتعارف و غيره. و يظهر من بعض فقهائنا- كالشهيدين في «الذكرى» و «المسالك» و الفاضل الميسي- الفرق بين النوم العادي و غيره، قالوا: لو كان النوم على خلاف العادة فالظاهر التحاقه بالإغماء. و علّله في «الجواهر» باحتياج القضاء بفرض جديد، و ليس هو هنا إلّا الإجماع؛ إذ أخبار الفوات غير صادقة على من لم يكلّف بالأداء، و المعلوم منه الثاني- أي المتعارف- فيبقى الأوّل على الأصل. و أجاب رحمه الله أوّلًا بأنّ معقد الإجماع هو النوم الأعمّ من المتعارف و غيره. و ثانياً بأنّ القضاء مترتّب على الفوات الصادق مع النوم الغير المتعارف أيضاً. و أمّا النوم الغالب فقد يقال: إنّه ممّا غلب اللَّه، و اللَّه تعالى أولى بالعذر، كما في الإغماء في وقت الصلاة؛ فلا قضاء فيه(جواهر الكلام 13: 12.) و فيه: أنّ غلبة النوم ليست ممّا غلب اللَّه، بل هو ممّا أعدّه المكلّف على نفسه بحيث لم ينم في الوقت المقرّر مثلًا و أخّره باختياره حتّى غلب عليه.

ص: 8

ص: 9

ص: 10

و كذا المأتي بها فاسداً لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان (1). و لا يجب قضاء ما تركه الصبي في زمان صباه (2). و المجنون في حال جنونه (3).

و المغمى عليه إذا لم يكن إغماؤه بفعله، و إلّا فيقضي على الأحوط (4).


1- هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه. و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم، و عموم أدلّة قضاء الفائتة، و لو لفوت شرطها كالطهارة و القبلة، أو جزئه الذي هو من الأركان و لو نسياناً. و يقتضيه أيضاً استصحاب اشتغال الذمّة بالواجب.
2- لأنّ التكليف بالقضاء فرع التكليف بالأداء، و المفروض أنّ الصبي في زمان صباه غير مكلّف. و هذه المسألة إجماعية، بل من ضروريات ديننا.
3- و كان جنونه بآفة سماوية و مستوعباً لجميع الوقت. و أمّا إذا كان جنونه بفعله فعليه القضاء. و يظهر من الشهيدين: أنّ وجوب القضاء عليه إجماعي، و لعلّه لصدق الفوت عليه. و كذا يجب عليه القضاء إذا مضى عليه من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة بجميع أجزائها و شرائطها و لم يصلّ و عرض له الجنون؛ فإنّ الجنون حينئذٍ لا يكون تمام السبب للفوت، بل هو مع اختيار تركها في أوّل الوقت.
4- و يدلّ على عدم وجوب القضاء على المغمى عليه صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المريض هل يقضي الصلوات إذا اغمي عليه؟ فقال: «لا، إلّا الصلاة التي أفاق فيها»(وسائل الشيعة 8: 258، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصلوات أو لا؟ فكتب: «لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 2.) و صحيح علي بن مهزيار أنّه سأله- يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام- عن هذه المسألة، فقال: «لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة، و كلّ ما غلب اللَّه عليه فاللَّه أولى بالعذر»(وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.) و خبر موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك، كم يقضي من صلاته؟ قال: «أ لا اخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟ كلّ ما غلب اللَّه عليه من أمر فاللَّه أعذر لعبده»(وسائل الشيعة 8: 260، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 8.) و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول في المغمى عليه قال: «ما غلب اللَّه عليه فاللَّه أولى بالعذر»(وسائل الشيعة 8: 261، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 13.) و صحيح آخر لابن مهزيار قال: سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب عليه السلام: «لا يقضي الصوم و لا الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 262، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 18.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يغمى عليه الأيّام، قال: «لا يعيد شيئاً من صلاته»(وسائل الشيعة 8: 263، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 23.) ، و غيرها من روايات الباب. و في جملة من الأخبار دلالة على قضاء ما فاته حال الإغماء مطلقاً، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كلّ ما تركته من صلاتك لمرض اغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت»(وسائل الشيعة 8: 264، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يغمى عليه ثمّ يفيق، قال: «يقضي ما فاته، يؤذّن في الاولى و يقيم في البقية»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المغمى عليه، قال: «يقضي كلّ ما فاته»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 3.) و صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المغمى عليه شهراً، ما يقضي من الصلاة؟ قال: «يقضيها كلّها؛ إنّ أمر الصلاة شديد»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح حفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المغمى عليه يقضي ما فاته»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 8.) و مضمر إسماعيل بن جابر قال: سقطتُ عن بعيري فانقلبتُ على امّ رأسي، فمكثت سبع عشرة ليلة مغمىً علي، فسألته عن ذلك، فقال: «اقض مع كلّ صلاةٍ صلاةً»(وسائل الشيعة 8: 267، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 15.) و بعضها يدلّ على قضاء ثلاثة أيّام، كموثّق سماعة قال: سألته عن المريض يغمى عليه، قال: «إذا جاز عليه ثلاثة أيّام فليس عليه قضاء، و إذا اغمي عليه ثلاثة أيّام فعليه قضاء الصلاة فيهنّ»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 5.) و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في المغمى عليه يقضي صلاته ثلاثة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 7.) ، و صحيح أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل اغمي عليه شهراً أ يقضي شيئاً من صلاته؟ قال: «يقضي منها ثلاثة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 11.) و بعضها يدلّ على قضاء يوم واحد، كصحيح ثالث لحفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يقضي صلاة يوم»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 9.) و بعضها يدلّ على قضاء الصلاة التي أفاق فيها، كصحيح رابع لحفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يقضي الصلاة التي أفاق فيها»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 10.) و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل ما يدلّ على القضاء على الاستحباب على اختلاف مراتب الفضل؛ قال السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»: و ظاهر محكي «المقنع» العمل بها- أي بالأخبار الدالّة على قضاء المغمى عليه- انتهى. و لا يخفى: أنّ الصدوق رحمه الله حمل في «الفقيه» تلك الأخبار على الاستحباب، حيث إنّه بعد الفتوى على عدم قضاء الصلاة و الصوم على المغمى عليه مطلقاً قال: فأمّا الأخبار التي رويت في المغمى عليه أنّه يقضي جميع ما فاته، و ما روي أنّه يقضي صلاة شهر، و ما روي أنّه يقضي ثلاثة أيّام، فهي صحيحة و لكنّها على الاستحباب لا على الإيجاب(الفقيه 1: 237، ذيل الحديث 1042.) نعم في «المقنع» بعد الفتوى بوجوب قضاء جميع ما فات عن المغمى عليه قال: و روي: «ليس على المغمى عليه أن يقضي إلّا صلاة اليوم الذي أفاق فيه، و الليلة التي أفاق فيها»، و روي أنّه: «يقضي الصوم ثلاثة أيّام»، و روي أنّه: «يقضي الصلاة التي أفاق فيها في وقتها»(المقنع: 122- 123.) ، انتهى. و ليعلم: أنّ عدم القضاء على المغمى عليه إنّما هو إذا لم يكن إغماؤه بفعله بل بآفة سماوية. و أمّا إذا كان بفعله فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ يظهر من «السرائر» القول بوجوب القضاء حيث قيّد عدم الوجوب بما إذا لم يكن هو السبب في دخوله عليه بمعصية يرتكبها، و به قال الشهيد في «الذكرى» و نسبه إلى الأصحاب، و هو مشعر بكون المسألة إجماعية، و تبعه بعض من تأخّر عنه، و لعلّه لعموم التعليل في الأخبار بقولهم عليهم السلام: «كلّما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر». و المشهور عند فقهائنا سقوط القضاء عنه؛ عملًا بإطلاق النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم القضاء. و أمّا العلّة في قولهم عليهم السلام: «فاللَّه أولى بالعذر» فلم يثبت كونه من قبيل العلل الصريحة الظاهرة في الانحصار الموجبة للتقييد، إذ من المحتمل أن يكون المراد منه أنّ كلّ من يعذر في الأداء لا يجب عليه القضاء؛ فحينئذٍ لا تنحصر العلّة في نفي خصوص القضاء؛ فلا توجب تقييد إطلاق النصوص المطلقة.

ص: 11

ص: 12

ص: 13

ص: 14

و الكافر الأصلي في حال كفره دون المرتدّ؛ فإنّه يجب عليه قضاء ما فاته في حال ارتداده بعد توبته، و تصحّ منه و إن كان عن فطرة على الأصحّ (1).


1- سقوط القضاء عن الكافر الأصلي فيما فات عنه حال كفره الأصلي إجماعي، كما عن «المنتهى» و غيره. بل عدّه بعض فقهائنا من ضروريات ديننا. و يدلّ عليه النبوي المشهور: «الإسلام يجبّ ما كان قبله»(تفسير القمي 2: 27، كنز العمّال 1: 66/ 243 و 75/ 297.) ، و قد تمسّك به في كتب الخاصّة و العامّة في موارد متعدّدة، كإسلام المغيرة، و شفاعة امّ سلمة لأخيها عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم في قبول إسلامه، و شفاعة عثمان لأخيه عنده صلى الله عليه و آله و سلم و غيرها. و أمّا المرتدّ فيجب عليه قضاء ما فات عنه حال ارتداده إجماعاً؛ فيقضي بعد عوده إلى الإسلام، و تصحّ منه و إن كان عن فطرة على الأصحّ؛ و ذلك لإطلاق معقد الإجماع و عموم ما دلّ على وجوب القضاء، خرج عنه الكافر الأصلي؛ فيجب على المرتدّ القضاء و إن وجب قتله؛ فيقضي ما دام لم يقتل. و ذهب جماعة إلى عدم صحّة القضاء عن الفطري؛ لصحيح ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتدّ، فقال: «من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل على محمّد صلى الله عليه و آله و سلم بعد إسلامه فلا توبة له، و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسّم ما ترك على ولده»(وسائل الشيعة 28: 323، كتاب الحدود، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 2.) ؛ فعدم صحّة القضاء عنه إنّما هو لعدم قبول توبته. و فيه: أنّه من المحتمل أنّ عدم قبول توبته إنّما هو لأجل وجوب قتله، لا مطلقاً و من حيث تمام الآثار حتّى صحّة عباداته؛ و لذا وقع خصوص وجوب قتله في مقابل قبول توبته، كما في قوله عليه السلام: «هل يستتاب، أو يقتل و لا يستتاب؟»(وسائل الشيعة 28: 325، كتاب الحدود، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 6.)

ص: 15

ص: 16

و الحائض و النفساء مع استيعاب الوقت (1).

(مسألة 1): يجب على المخالف بعد استبصاره قضاء ما فات منه أو أتى على وجه يخالف مذهبه،

اشارة

بخلاف ما أتى به على وفق مذهبه فإنّه لا يجب عليه قضاؤها و إن كانت فاسدة بحسب مذهبنا. نعم إذا استبصر في الوقت يجب عليه الأداء؛ فلو تركها أو أتى بها فاسداً بحسب المذهب الحقّ يجب عليه القضاء (2).


1- هذه المسألة إجماعية، بل قد ادّعي أنّه من ضروريات مذهب الشيعة، و تدلّ عليه الأخبار، و لعلّها تبلغ حدّ التواتر.
2- المشهور وجوب القضاء على المخالف بعد استبصاره بالنسبة إلى ما فات منه حال خلافه أو أتاه في تلك الحال على وجه يخالف مذهبه، و لا يجب عليه بعد الاستبصار قضاء ما أتى به على وفق مذهبه صحيحاً. و نسبه في «الروض» إلى الأصحاب، و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة: منها: صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك، غير الزكاة لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية»(وسائل الشيعة 9: 216، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 3، الحديث 2.) و منها: صحيح معاوية بن بريد العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة متديّن، ثمّ منّ اللَّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضي حجّة الإسلام؟ فقال: «يقضي أحبّ إليّ»، و قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللَّه تعالى عليه و عرف الولاية فإنّه يوجر عليه، إلّا الزكاة فإنّه يعيدها؛ لأنّه وضعها في غير موضعها؛ لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء»(وسائل الشيعة 1: 125، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 31، الحديث 1.) و يظهر من بعض الأخبار سقوط القضاء عن المخالف مطلقاً- حتّى فيما أتاه غير صحيح على وفق مذهبه حال خلافه- كخبر عمّار الساباطي قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السلام و أنا جالس: إنّي منذ عرفت هذا الأمر اصلّي في كلّ يوم صلاتين، أقضي ما فاتني قبل معرفتي؟ قال: «لا تفعل؛ فإنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة»(وسائل الشيعة 1: 127، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 31، الحديث 4.) . لكنّه- مضافاً إلى ضعف سنده- محتمل لأن يكون فائتاً باعتقاد سليمان، و أنّ ما أتاه بحكم ما لم يأته أصلًا، أو محمول على إرادة ما تركت من شرائطها و أفعالها، لا تركها أصلًا و بالكلّية على ما يقتضيه حال سليمان بن خالد و جلالته- حتّى قبل الاستبصار- كما احتمله الشهيد رحمه الله. ، ففيه خلاف بين فقهائنا: ذهب جماعة- منهم الشهيد في «الذكرى» و «الروض»- إلى سقوط القضاء. و علّله في «الجواهر» بأولويته من الفعل على مذهبه، و بإطلاق الأدلّة، و بأنّه لم يفقد إلّا الإيمان، و لعلّه كافٍ في صحّة الفعل و إن تأخّر في الوجود عنه، و لما عرفته في الحجّ (جواهر الكلام 13: 10.) و آخرون إلى عدم السقوط؛ لكون ما أتى به فاسداً في مذهبه و اعتقاده و لم يحصل به التقرّب؛ فيجب القضاء، و هذا هو المختار. فهل يجب عليه إعادة الفعل في حال الاستبصار أو لا؟ فيه خلاف بين علمائنا: فقال جماعة- منهم المحقّق و الشهيد الثانيان و الخراساني- بوجوب الإعادة؛ لأنّه في الوقت من أهل الولاية و مكلّف بالصلاة على المذهب الحقّ و لم يأته بعد. و الأدلّة الدالّة على إجزاء ما أتاه سابقاً و عدم وجوب الإتيان ثانياً إنّما هو بالنسبة إلى القضاء. و قال بعضهم بعدم الوجوب؛ لعموم قوله عليه السلام في صحيح الفضلاء المتقدّم: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك» ، حيث إنّ ذلك إشارة إلى امور مذكورة في الصحيح؛ منها كلّ صلاة صلّاها و لو بقي وقتها. و كذا قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن بريد العجلي المتقدّم: «و كلّ عمل عمله في حال نصبه و ضلالته» . و القول بعدم وجوب الإعادة لا يخلو من قوّة؛ لظهور الصحيحين المزبورين فيه. فهل يجب عليه بعد الاستبصار ثانياً قضاء ما فعله حال خلافه موافقاً لمذهبه؟ فيه خلاف. و في «الجواهر»: و هل يجري الحكم في المخالف و نحوه إذا استبصر ثمّ رجع؛ فيجب عليه القضاء و إن لم يخلّ به على مذهبه؛ اقتصاراً فيما خالف القاعدة على المتيقّن، و المعلوم منه الحال الأوّل كالكافر، أو لا يجب؛ للإطلاق أو العموم مع ترك الاستفصال؟ الأقوى الأوّل، و إن لم أعثر على مصرّح من الأصحاب به(جواهر الكلام 13: 14.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الاقتصار على المتيقّن إنّما هو فيما لم يكن دليل لفظي في البين، و الحال أنّ لنا دليلًا لفظياً في المسألة؛ و هو إطلاق حال النصب و الضلالة و عموم «كلّ عمل عمله» ؛ فالمختار عدم وجوب القضاء.

ص: 17

بقي هنا فروع:
الأوّل: لو أتى حال خلافه عملًا على خلاف مذهبه و لكن كان موافقاً للمذهب الحقّ ثمّ استبصر

ص: 18

الثاني: إذا استبصر في الوقت و قد أتى الفعل في أوّله على وفق مذهبه
الثالث: لو استبصر ثمّ خالف و أتى عمله على وفق مذهبه ثمّ استبصر ثانياً،

ص: 19

(مسألة 2): لو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو المغمى عليه في الوقت وجب عليهم الأداء

و إن لم يدركوا إلّا مقدار ركعة مع الطهارة و لو كانت ترابية، و مع الترك يجب عليهم القضاء، و كذلك الحائض و النفساء إذا زال عذرهما. كما أنّه لو طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار من أوّل الوقت بحسب حالهم من السفر و الحضر و الوضوء و التيمّم و لم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء (1).


1- يجب الأداء على الصبي البالغ آخر الوقت، و كذا من أفاق عن الجنون و الإغماء فيه و الحائض و النفساء الزائل عنهما العذر فيه، و إن لم يدركوا إلّا مقدار ركعة مع الطهارة و لو كانت ترابية؛ فهم في آخر الوقت مخاطبون لقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»(الإسراء( 17): 78.) ؛ فيشملهم عموم الآية، و كذلك يشملهم عموم قوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت»(لم نعثر عليه فيما بأيدينا من الكتب الروائية و لكن وردت في بعض الكتب الفقهية الاستدلالية.) راجع مدارك الأحكام 3: 93.) و توهّم عدم شموله لهم لظهوره فيما كان للوقت سعة ثمّ تضيّق و لم يبق إلّا بمقدار ركعة، مدفوع بأنّه لا منشأ للظهور المذكور، بل العموم المذكور محكّم. و مع الترك يجب عليهم القضاء؛ لصدق الفوت الموجب للقضاء. و كذلك يجب القضاء عليهم فيما إذا طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار من أوّل الوقت بحسب حالهم من السفر و الحضر و الوضوء أو التيمّم و لم يأتوا بالصلاة؛ و ذلك لتوجّه خطاب «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» إليهم و تركهم لها في الوقت الأوّل مع التمكّن من فعلها؛ فيصدق الفوت الاختياري الموجب للقضاء.

ص: 20

(مسألة 3): فاقد الطهورين يجب عليه القضاء،

و يسقط عنه الأداء على الأقوى، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالأداء أيضاً (1).


1- وجوب القضاء على فاقد الطهورين ممّا لم يعرف فيه مخالف من الأصحاب. و يدلّ عليه عموم أدلّة وجوب القضاء و الاستصحاب، و سقوط الأداء عنه لأجل انتفاء الشرط الموجب لانتفاء المشروط، و قد ورد أنّه: «لا صلاة إلّا بطهور»(وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.) ، و لسانه جعل الشرطية حالتي الاختيار و الاضطرار. إن قلت: إنّ مقتضى حديث: «الصلاة لا تسقط بحال»(راجع وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.) وجوب الأداء، كما حكاه السيّد المرتضى عن جدّه؛ فيكون هذا الحديث حاكماً على قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» ، و مقتضى الحكومة اختصاص شرطية الطهارة بحال الاختيار. قلنا: إنّه مسلّم لو ثبتت حجّية حديث: «الصلاة لا تسقط بحال» ، و لكنّه مرسل غير منجبر؛ فإطلاق دليل الشرطية محكّم.

ص: 21

(مسألة 4): يجب قضاء غير اليومية من الفرائض-

سوى العيدين و بعض صور صلاة الآيات- حتّى المنذورة في وقت معيّن على الأحوط فيها (1).


1- وجه وجوب غير اليومية من الفرائض سوى العيدين و بعض صور صلاة الآيات- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة- إطلاق قوله عليه السلام: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(عوالي اللآلي 2: 54/ 143.) . و ما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها»(مستدرك الوسائل 6: 430، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 12.) ، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) . و دعوى انصراف الصلاة إلى اليومية دعوى بلا دليل. و أمّا صلاة العيدين فلا يجب قضاؤها؛ لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 3.) و في بعض الأخبار نفي الصلاة قبل العيدين و بعدهما؛ ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة، و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلّا الزوال»(وسائل الشيعة 7: 419، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 2.) و أمّا تأخير صلاة عيد الفطر إلى الغد فيما ثبت هلال شوّال بعد الزوال فليس هو بعنوان قضاء ما فات عنه في يوم العيد، بل الواجب هو إتيانه في غد العيد و كان الغد ظرفاً و وقتاً لإتيان الصلاة فيما ثبت الهلال بعد زوال يوم العيد؛ ففي صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»(وسائل الشيعة 7: 432، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 9، الحديث 1.) و أمّا صلاة الآيات: فالزلزلة تجب فوراً، و إن أخلّ بالفورية لعذر أو غيره يفعلها بنية الأداء في أيّ وقت أتاها. و كذا سائر الآيات الواقعة دفعة، كالصيحة السماوية. و أمّا الخسوفان فيجب قضاؤهما على من تركهما مع العلم به و إن لم يحترق كلّ القرص، و كذلك يجب قضاؤهما على من لم يعلم به مع احتراق تمام القرص. و يدلّ على الحكمين صحيح الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟ قال: «إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت، و إن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه»(الفقيه 1: 346/ 1532، وسائل الشيعة 7: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 2.) و صحيح حريز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا انكسف القمر و لم تعلم به حتّى أصبحت ثمّ بلغك فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 4.) و عن المفيد رحمه الله في «المقنعة»: إذا احترق القرص كلّه و لم يكن علمت به حتّى أصبحت صلّيت صلاة الكسوف جماعة، و إن احترق بعضه و لم تعلم به حتّى أصبحت صلّيت القضاء فرادى. و عن الصدوق رحمه الله في «المقنع» و والده: أنّه إذا انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم فعليك أن تصلّيها إذا علمت به، و إن تركتها متعمّداً حتّى تصبح فاغتسل و صلّها، و إن لم يحترق كلّه فاقضها و لا تغتسل. و عن الشهيد في «الذكرى»- بعد نقل القول بالقضاء عنهم و إن لم يحترق كلّه- قال: و لعلّه لرواية لم نقف عليها. و أمّا المنذورة- أي النوافل المنذورة في وقت معيّن- فالظاهر اندراجها في أدلّة وجوب قضاء الفائتة. و من المحتمل أن تكون تلك الأدلّة منصرفة إلى ما كان فريضته بعنوانها الأوّلي لا بالعنوان الثانوي و بواسطة النذر مثلًا؛ فلا يترك الاحتياط بقضائها. و أمّا النوافل الغير المنذورة فيستحبّ قضاء الموقّتة منها- أي الرواتب منها- لظهور اختصاص بعض النصوص بها و عدم الدليل على مشروعية قضاء ما عداها. و قد ورد في بعض الروايات «أنّ العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الربّ ملائكته منه، فيقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه»(وسائل الشيعة 4: 75، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 1.) و قال الصدوق: و قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّ اللَّه ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار؛ فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه اشهدكم أنّي قد غفرت له»(وسائل الشيعة 4: 77، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 3.) و غيرهما من روايات الباب.

ص: 22

ص: 23

ص: 24

(مسألة 5): يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت من ليل أو نهار أو سفر أو حضر،

اشارة

و يصلّي في السفر ما فات في الحضر تماماً، كما أنّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصراً. و لو كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس، فالعبرة بحال الفوت على الأصحّ؛ فيقضي قصراً في الأوّل و تماماً في الثاني، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع. و إذا فاتته فيما يجب عليه الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام يحتاط في القضاء أيضاً (1).

هنا مسائل:
الاولى: يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت من ليل أو نهار؛

1- فيقضي الفائتة النهارية في الليل و الفائتة الليلية في النهار. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس، قال: «يصلّيها حين يذكرها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ثمّ صلّاها حين استيقظ، و لكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 5.) و أمّا موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس و هو في سفر، كيف يصنع؟ أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا تقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا تجوز له و لا تثبت له، و لكن يؤخّرها فيقضيها بالليل»(وسائل الشيعة 8: 258، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 6.) الدالّ بظاهره على وجوب قضاء ما فات من الليل في الليل، فهو شاذّ مخالف للمشهور و محمول على التقية. كما أنّه يقضي ما فات في السفر قصراً في الحضر، و هو ممّا اتّفق عليه الأصحاب. و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، قال: «يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سألته عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر، هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: «نعم يقضيها بالليل على الأرض، فأمّا على الظهر فلا، و يصلّي كما يصلّي في الحضر»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 2.) و موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور و هو مقيم أو مسافر فذكرها، فليقض الذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك و لا ينقص منه، من نسي أربعاً فليقض أربعاً حين يذكرها؛ مسافراً كان أو مقيماً، و إن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر؛ مسافراً كان أو مقيماً»(وسائل الشيعة 8: 269، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 4.) ، هذا. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع؛ لموثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخّر الصلاة حتّى قدم، فهو يريد يصلّيها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال: «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر؛ لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 3.) في المسألة أقوال: الأوّل: أنّه مكلّف بقضاء ما كان واجباً في آخر الوقت؛ لأنّ الواجب الموسّع مخيّر فيه المكلّف في أجزاء وقته، و يجوز له تركه اختياراً في أوّل الوقت برخصة الشارع له في التأخير إلى آخر الوقت، ويتعيّن في آخر الوقت؛ فالفائت في آخر الوقت إن كان تماماً فالقضاء تماماً، و إن قصراً فقصرٌ. الثاني: أنّه مكلّف بقضاء حال الوجوب؛ لأنّ الفائت هو ما خوطب به في أوّل زمان التكليف. و يدلّ عليه موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المتقدّم: «لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، و كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك». الثالث: الجمع في القضاء بين التمام و القصر؛ جمعاً بين وظيفتي أوّل الوقت و آخره. الأقوى هو القول الأوّل، و الجمع بينهما أحوط. الرابعة: إذا فاتته الصلاة في السفر الذي كانت وظيفته فيه الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام فالقضاء كذلك؛ لكون فرضه الجمع بينهما، و هو الفائت عنه؛ للعلم الإجمالي المنجّز للتكليف. فالعلم الإجمالي حاصل في القضاء على نحو حصوله في الأداء بلا تفاوت.

ص: 25

الثانية: يجوز قضاء ما فات في الحضر تماماً في السفر،

ص: 26

الثالثة: لو كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس و فاتت فريضته،

ص: 27

(مسألة 6): لو فاتت الصلاة في أماكن التخيير فالظاهر التخيير في القضاء أيضاً

إذا قضاها في تلك الأماكن، و تعيّن القصر على الأحوط لو قضاها في غيرها (1).


1- إذا فاتت إحدى الرباعية في أماكن التخيير و أراد قضاءها في تلك الأماكن فالظاهر من أدلّته التخيير في القضاء أيضاً. و قوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله حيث إنّ الفائتة هي المخيّرة فيها بين القصر و الإتمام مع دخالة خصوصية المكان في الصلاة فيها، و المفروض قضاؤها في خصوص تلك الأماكن. و لو قضاها في غيرها فالظاهر وجوب القصر عليه؛ لأنّ التمام لأجل خصوصية الأماكن، و أنّ الأصل في الصلاة في السفر هو القصر، و التمام بدل عنه لمصلحة لوحظت في خصوص الأماكن، لا مطلقاً كما في الأبدال الاضطرارية. و يمكن استفادته من صحيح ابن مهزيار قال: كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين؛ فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة، و منها أن يأمر بقصر الصلاة؛ بأن يتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو عشرة أيّام، و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا؛ فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير إذا كنتُ لا أنوي مقام عشرة أيّام، فصرتُ إلى التقصير، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك. فكتب إليّ بخطّه: «قد علمت يرحمك اللَّه فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما؛ فأنا أُحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما من الصلاة»، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهةً: إنّي كتبتُ إليك بكذا و أجبتني بكذا، فقال: «نعم»، فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و المدينة ...»(وسائل الشيعة 8: 525، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 4.) الحديث، حيث إنّ وجوب القضاء منوط على فوت الواجب الأصلي- و هو القصر على المسافر- لا البدلي- و هو التمام في خصوص الأماكن- و المفروض قضاؤها في غيرها، هذا كلّه على فرض عدم الإجمال في الدليل. و على فرض إجماله يتعيّن القصر؛ لأصالة التعيين في دوران الأمر بين التعيين و التخيير.

ص: 28

ص: 29

(مسألة 7): يستحبّ قضاء النوافل الرواتب،

و يكره أكيداً تركه إذا شغله عنها جمع الدنيا. و من عجز عن قضائها استحبّ له التصدّق بقدر طوله، و أدنى ذلك التصدّق عن كلّ ركعتين بمدٍّ، و إن لم يتمكّن فعن كلّ أربع ركعات بمدّ، و إن لم يتمكّن فمدٌّ لصلاة الليل و مدٌّ لصلاة النهار (1).


1- هذه المسألة إجماعية. و يدلّ عليه صحيح ابن سنان قال: قلت له: أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع؟ قال: «فليصلّ حتّى لا يدري كم صلّى من كثرتها؛ فيكون قد قضى بقدر علمه (ما علمه) من ذلك»، ثمّ قال: قلت له: فإنّه لا يقدر على القضاء، فقال: «إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي ء عليه، و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، و إلّا لقي اللَّه و هو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»، قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق؟ فسكت ملياً ثمّ قال: «لكم فليتصدّق بصدقة»، قلت: فما يتصدّق؟ قال: «بقدر طوله، و أدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة»، قلت: و كم الصلاة التي يجب فيها مدٌّ لكلّ مسكين؟ قال: «لكلّ ركعتين من صلاة الليل مدّ، و لكلّ ركعتين من صلاة النهار مدٌّ»، فقلت: لا يقدره، قال: «مدّ لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار و أربع ركعات من صلاة الليل»، قلت: لا يقدر، قال: «فمدٌّ إذاً لصلاة الليل و مدٌّ لصلاة النهار، و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل»(وسائل الشيعة 4: 75، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 2.)

ص: 30

(مسألة 8): إذا تعدّدت الفوائت فمع العلم بكيفية الفوت و التقديم و التأخير فالأحوط تقديم قضاء السابق

في الفوات على اللاحق. و أمّا ما كان الترتيب في أدائها معتبراً شرعاً كالظهرين و العشاءين من يوم واحدٍ فيجب في قضائها الترتيب على الأقوى. و أمّا مع الجهل بالترتيب فالأحوط ذلك، و إن كان عدمه لا يخلو من قوّة، بل عدم وجوب الترتيب مطلقاً إلّا ما كان الترتيب في أدائها معتبراً لا يخلو من قوّة (1).


1- هنا مسائل ثلاث: الاولى: إذا تعدّدت الفوائت فمع العلم بكيفية الفوت و التقديم و التأخير ففي وجوب الترتيب و تقديم قضاء السابق في الفوات على اللاحق قولان؛ حكى الشهيد في «الذكرى» عن بعض الأصحاب القول بالاستحباب. و نسب إلى المشهور بين أصحابنا وجوب الترتيب. و حكي عن المحقّق و العلّامة في «المعتبر» و «المنتهى» الإجماع عليه. قال في «الشرائع»: و يجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة، و تترتّب السابقة على اللاحقة، كالظهر على العصر، و العصر على المغرب، و المغرب على العشاء؛ سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت. و قال في «المعتبر»: إنّ الأصحاب متّفقون على وجوب ترتيبها بحسب الفوائت، انتهى. و لا يخفى: أنّ القول بالاستحباب لم نقف له على دليل. نعم في «الذكرى»: أنّ قائله حمل الأخبار و كلام الأصحاب على الاستحباب. و استدلّ للقول بالوجوب بالنبوي المنجبر بالإجماعات المحكية عن الشيخ في «الخلاف» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى» و المحقّق في «المعتبر» و غيرهم: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(عوالي اللآلي 2: 54/ 143.) . وجه الاستدلال: أنّ قوله: «كما فاتته» يعمّ كلّ فريضة فائتة و كيفيتها من التقدّم و التأخّر. و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى الصلوات و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة ثمّ ذكر بعد ذلك، قال: «يتطهّر و يؤذّن و يقيم في اولاهنّ ثمّ يصلّي و يقيم بعد ذلك في كلّ صلاة، فيصلّي بغير أذان حتّى يقضي صلاته»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 3.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا نسيت الصلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ باولاهنّ، فأذّن لها و أقم ثمّ صلّها، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 4.) الحديث. و يرد على الأوّل: أوّلًا: أنّه ضعيف سنداً؛ لعدم وجوده في اصولنا المعتمدة. و دعوى انجباره بالإجماعات المحكية تدفع بدعوى الإجماع عن «الروض» و «المهذّب البارع» و «شرح الإرشاد» للفخر على عدم الوجوب، حيث إنّ دعوى الإجماع على الترتيب معارض بدعوى الإجماع على عدم الترتيب في الكتب المذكورة. و ثانياً: أنّ الظاهر منه إرادة كيفية الفائتة الثابتة لها وقت أدائها من القصر و الإتمام، لا ما يشمل التقديم و التأخير في خصوص الفوات. و ذلك بقرينة الأخبار الواردة في أنّ العبرة في القضاء بزمان الفوت لا الأداء، كما في صحيح زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال: «يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) و يرد على الصحيحين ما أورده في «الجواهر» من احتمال عدم إرادة الوجوب من الأمر بالبدأة فيه بالأوّل؛ لجريانه مجرى الغالب في فعل من يريد القضاء، و سوقه لإرادة بيان الاجتزاء بالأذان لأوّلهنّ عنه لكلّ واحدة واحدة، و باحتمال إرادة أوّلهنّ قضاءً لا فواتاً؛ بمعنى أنّ المراد ابدأ بأذان لأوّلهنّ قضاءً في عزمك و إرادتك(جواهر الكلام 13: 22.) ، انتهى. و العمدة في الاستدلال على وجوب الترتيب في المسألة صحيح الوشّاء عن رجل عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: تفوت الرجل الاولى و العصر و المغرب و يذكر بعد العشاء، قال: «يبدأ بصلاة الوقت الذي هو فيه؛ فإنّه لا يأمن الموت؛ فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل ثمّ يقضي ما فاته الأوّل فالأوّل»(وسائل الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 6.) . كما أنّ صحيح زرارة المتقدّم له ظهور في المدّعى. فالاستدلال على وجوب الترتيب في المسألة بصحيحي الوشّاء و زرارة يتمّ لو لا قيام الشهرة على الخلاف. و في «المستمسك»: يجوز قضاء اليومية المتأخّرة فواتاً قبل قضاء غيرها السابق فواتاً على المشهور، بل لم يعرف القول بخلافه إلّا من بعض مشايخ الوزير العلقمي رحمه الله. و ليس له دليل ظاهر عدا النبوي المشهور: «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها، فذلك وقتها» ، و في دلالته منع، و الأصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 7: 72.) ، انتهى. و المختار في المسألة عدم وجوب الترتيب؛ للشهرة المحقّقة في المسألة، و إن كان الأحوط مراعاة الترتيب. هذا كلّه فيما علم بكيفية الفوت و التقدّم و التأخّر. و أمّا مع الجهل به ففي المسألة قولان: الأوّل: وجوب الترتيب. ذهب إليه جماعة، و قوّاه صاحب «الجواهر»، و ذهب إليه السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين. و الثاني: عدم وجوبه. نسبه في «الرياض» إلى الأكثر، و إليه ذهب العلّامة في «القواعد» و «التحرير» و ولده في «شرح التحرير» و الشهيدان و المحقّق الثاني و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و غيرهم. و لا يخفى: أنّ الترتيب في صورة الجهل يحصل بالتكرار ما لم يكن مستلزماً للمشقّة التي لا تتحمّل من جهة كثرتها. و في «المدارك»: و على هذا فيجب على من فاتته الظهر و العصر من يومين و جهل السابق أن يصلّي ظهراً بين عصرين أو عصراً بين ظهرين ليحصل الترتيب بينهما على تقدير سبق كلّ منهما، و لو جامعهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب و بعدها، و لو كان معها عشاء فعل السبع قبلها و بعدها، و لو انضمّ إليها صبح فعل الخمس عشرة قبلها و بعدها(مدارك الأحكام 4: 297.)، انتهى. و استدلّ للقول الأوّل- كما في «الجواهر» و غيره- بأنّه أحوط في البراءة عمّا اشتغلت الذمّة به من الصلاة، و بإطلاق الأدلّة من معاقد بعض الإجماعات و الأخبار التي لا مدخلية للعلم و الجهل فيما يستفاد منها؛ خصوصاً الحكم الوضعي، كما في غيره من التكاليف. و استدلّ للقول الثاني بالأصل، و استلزام التكليف بالمحال من جهة عدم إمكان الجزم بالنية، أو الحرج في كثير من موارده. و فيه: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل؛ فلا يصار إليه مع وجود الإطلاق في الأخبار، و أنّه لا دليل على اعتبار الجزم في النية، و أنّ التكرار واجب ما دام لم يستلزم الحرج، و الحرج في بعض الموارد لا يوجب سقوط التكليف بالتكرار مطلقاً و بالمرّة حتّى فيما لم يكن حرج في البين. و في المسألة قول بوجوب الترتيب مع الظنّ به. ذهب إلى هذا القول الشهيد في «البيان» و «الذكرى»، و نسب إليه في «الدروس» و «الموجز» و «كشف الالتباس» وجوبه مع الوهم أيضاً. بقي الكلام فيما كان الترتيب معتبراً شرعاً في أدائها- كالظهرين و العشاءين- فيجب في قضائهما أيضاً على الأقوى، و هو المشهور عند فقهائنا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل ادّعي عليه الإجماع في كلام جماعة كالمحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التذكرة» و غيرهما. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال: «و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 4.) ، و نحوهما غيرهما من روايات الباب.

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

ص: 35

(مسألة 9): لو علم أنّ عليه إحدى الصلوات الخمس من غير تعيين يكفيه صبح و مغرب و أربع ركعات

بقصد ما في الذمّة، مردّدةً بين الظهر و العصر و العشاء (1).


1- هذه المسألة مشهورة بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل ادّعى عليها الإجماع في «الخلاف» و «السرائر» و «المختلف». و يدلّ عليها مرسل علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من نسي من صلاة يومه واحدة و لم يدر أيّ صلاة هي صلّى ركعتين و ثلاثاً و أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 275، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 11، الحديث 1.) و مرفوع الحسين بن سعيد قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي من الصلوات لا يدري أيّتها هي، قال: «يصلّي ثلاثة و أربعة و ركعتين؛ فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعاً، و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 11، الحديث 2.) و خالف ابنا زهرة و حمزة في المسألة و قالا بوجوب قضاء خمس صلوات، و لعلّه لضعف الخبرين بالإرسال و الرفع و وجوب تعيين العمل تفصيلًا. و فيه: أنّ ضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة، و لا دليل على وجوب التعيين التفصيلي مطلقاً. و في «المستمسك»: بل التردّد في العنوان مع الجزم بالوجه أولى بالصحّة من الجزم بالعنوان مع التردّد في الوجه؛ و لذا بنى المشهور على اعتبار الجزم بالنية و لم يبنوا على اعتبار الجزم بالعنوان(مستمسك العروة الوثقى 7: 78.) ، انتهى. و ما نحن فيه ليس من قبيل التردّد في النية المخلّ و الموجب لبطلان العبادة، بل هو في الحقيقة تردّد في الشي ء في نفسه، و إنّ الواجب في الحقيقة هو الأمر المردّد بين امور.

ص: 36

مخيّراً فيها بين الجهر و الإخفات (1). و إذا كان مسافراً يكفيه مغرب و ركعتان مردّدتان بين الأربع (2).


1- مقتضى إطلاق أدلّة وجوب الجهر و الإخفات وجوب التكرار بفعل رباعية جهرية و رباعية اخرى إخفاتية مردّدة بين الظهر و العصر، لكن المرسل و المرفوع المذكورين المنجبرين بالشهرة يقيّدان الإطلاق المزبور.
2- هذه المسألة مشهورة عند أصحابنا شهرة عظيمة. و ادّعى الشهيد في «الروض» الإجماع عليها. و ذكر الأربع ركعات في الخبرين؛ لكون المورد خصوص الحاضر، و المورد لا يخصّص؛ فيعمّ الحكم للمسافر. و في «الحدائق»: و أنت خبير بأنّ ظاهر خبر «المحاسن» و قوله عليه السلام فيه: «فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 11، الحديث 2.) هو الإشارة إلى أنّ الغرض من التشريك و العلّة فيه هو حصول الفريضة الفائتة في ضمن هذه الكيفية، و لا تفاوت فيه بين اشتراك هذا العدد بين ثلاث فرائض أو أربع، و ورود الثلاث في الخبرين المذكورين إنّما هو باعتبار صلاة الحضر التي هي الغالبة المتكرّرة؛ فذكر هذا التفصيل فيها بالثلاث و الأربع و الثنتين إنّما خرج مخرج التمثيل(الحدائق الناضرة 11: 20.) ، انتهى. و خالف في المسألة ابن إدريس فأوجب على المسافر خمس صلوات؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل و القاعدة على مورد النصّ.

ص: 37

و إن لم يعلم أنّه كان حاضراً أو مسافراً يأتي بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الأربع، و أربع ركعات مردّدة بين الثلاث (1).


1- و وجهه: أنّه إن كان مسافراً فوظيفته المغرب و الركعتان المردّدتان بين أربع صلوات؛ فينوي ما في الذمّة، و إن كان حاضراً فوظيفته الصبح و المغرب و أربع ركعات مردّدة بين الثلاث؛ فمع عدم العلم بكونه حاضراً أو مسافراً يجمع بين الوظيفتين بإتيان مغرب و ركعتين مردّدتين بين الأربع، و أربع ركعات مردّدة بين الثلاث، و به تحصل البراءة اليقينية.

ص: 38

و إن علم أنّ عليه اثنتين من الخمس من يوم أتى بصبح ثمّ أربع ركعات مردّدة بين الظهر و العصر ثمّ مغرب ثمّ أربع مردّدة بين العصر و العشاء. و له أن يأتي بصبح ثمّ بأربع مردّدة بين الظهر و العصر و العشاء ثمّ مغرب ثمّ أربع مردّدة بين العصر و العشاء (1). و إذا علم أنّهما فاتتا في السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و له أن يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح و الظهر و العصر و مغرب و ركعتين مردّدتين بين الظهرين و العشاء (2).


1- وجه إتيان المغرب احتمال كونها إحدى الاثنتين الفائتتين. و وجه إتيان أربع ركعات بعد المغرب مردّدة بين العصر و العشاء مع كون العشاء منوية مردّدة بينها و بين الظهرين قبل أن يأتي المغرب، هو أنّه من المحتمل أن تكون الفائتة الاخرى هي العشاء المترتّبة على المغرب. و لم نفهم وجهاً لذكر العشاء في قول المصنّف رحمه الله: «ثمّ بأربع مردّدة بين الظهر و العصر و العشاء»؛ لأنّ إتيان الأربع المردّدة بين العصر و العشاء بعد المغرب يغني عن إتيان العشاء في ضمن الأربع قبل المغرب.
2- لا وجه أيضاً لملاحظة العشاء في إتيان ركعتين قبل المغرب؛ لكونها ملحوظة في الركعتين المأتيتين بعد المغرب المردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و أمّا الاولى- أعني الصبح- فقد لوحظت في الركعتين قبل المغرب؛ فلا حاجة إلى لحاظها في الركعتين بعد المغرب؛ فالركعتان المأتيان قبل المغرب مردّدتان بين الصبح و الظهرين.

ص: 39

و إن لم يعلم أنّ الفوت في الحضر أو السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و أربع مردّدة بين الظهرين و العشاء، و أربع مردّدة بين العصر و العشاء (1). و إن علم أنّ عليه ثلاثاً من الخمس يأتي بالخمس إن كان في الحضر، و إن كان في السفر يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح و الظهرين، و ركعتين مردّدتين بين الظهرين و العشاء، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين العصر و العشاء، و تتصوّر طرق اخر للتخلّص. و الميزان هو العلم بإتيان جميع المحتملات (2).


1- إذا علم بفوات اثنتين من خمس من يوم واحد و لم يعلم أنّه كان في الحضر أو السفر، عمل بوظيفة المسافر و الحاضر كليهما، كما ذكره المصنّف رحمه الله. و له أن يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح و الظهرين، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و أربع مردّدة بين الظهرين و العشاء. و يرد على المصنّف رحمه الله أيضاً: أنّه لا وجه لملاحظة العشاء في الركعتين الاوليين، بل يأتيهما مردّدتين بين الصبح و الظهرين كما مرّ.
2- إذا علم أنّ عليه ثلاثاً من الخمس من يوم واحد يأتي بالخمس مع مراعاة الترتيب بين الظهرين و العشاءين، و لا يكفي إتيان ركعتين و مغرب و أربع ركعات مردّدة بين الظهرين و العشاء؛ لاحتمال أن تكون الفائتات الثلاثة هي الظهرين و العشاء. و لا يخفى: أنّه إذا كان في السفر يكفي إتيان ما ذكره المصنّف رحمه الله؛ إلّا أنّه لا حاجة لملاحظة العشاء في الركعتين قبل المغرب، بل يأتيهما مردّدتين بين الظهرين.

ص: 40

(مسألة 10): إذا علم بفوات صلاة معيّنة كالصبح- مثلًا- مرّات،

و لم يعلم عددها، يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى، لكن الأحوط التكرار حتّى يغلب على ظنّه الفراغ، و أحوط و أحسن منه التكرار حتّى حصل العلم بالفراغ؛ خصوصاً مع سبق العلم بالمقدار و حصول النسيان بعده. و كذلك الحال فيما إذا فاتت منه صلوات أيّام لا يعلم عددها (1).


1- إذا علم بفوات صلاة معيّنة مرّات و لم يعلم عددها، أو فاتت عنه صلوات أيّام لا يعلم عددها، فهل يجب قضاؤها حتّى يحصل العلم بإتيان الفائت، أو يجب قضاؤها حتّى يغلب على ظنّه الوفاء به، أو يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم؟ ذهب إلى كلٍّ فريق: ظاهر عبارة «الشرائع» الاكتفاء بالظنّ في قضاء صلاة معيّنة لا يعلم عددها، و وجوب تحصيل العلم في قضاء صلوات أيّام لا يعلم عددها؛ قال في «الشرائع»: إذا فاتته صلاة معيّنة و لم يعلم كم مرّة، كرّر من تلك الصلاة حتّى يغلب عنده الوفاء، و لو فاتته صلوات لا يعلم كمّيتها و لا عينها صلّى أيّاماً متوالية حتّى يعلم أنّ الواجب دخل في الجملة، انتهى. و في «المدارك»: قد يسأل عن الوجه في اشتراط العلم هنا و الاكتفاء فيما قبله بغلبة الظنّ. و لا يمكن الجواب عنه إلّا بحمل العلم هنا على ما يتناول الظنّ، انتهى. و في «الجواهر» بعد نسبة الجزم بإرادة الظنّ من العلم إلى صاحب «المدارك»، قال: أو يريد من غلبة الظنّ في الأوّلتين العلم الذي هو في أيدي الناس في جميع امورهم الذي لا يقدح فيه بعض الاحتمالات التي تقدح في العلم المصطلح عليه عند أرباب المعقول. بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب عليه، كما يومئ إليه في الجملة توافق التعبير هنا عنه بغلبة الظنّ، لا الظنّ خاصّة(جواهر الكلام 13: 125.) ، انتهى. و عن العلّامة في «التذكرة» قال: لو فاتته صلوات معلومة العين غير معلومة العدد صلّى من تلك الصلوات إلى أن يغلب في ظنّه الوفاء؛ لاشتغال الذمّة بالفائت؛ فلا يحصل البراءة قطعاً إلّا بذلك. و لو كانت واحدة و لم يعلم العدد صلّى تلك الصلاة مكرّراً حتّى يظنّ الوفاء. ثمّ احتمل في المسألة احتمالين: أحدهما: تحصيل العلم لعدم البراءة إلّا باليقين، و الثاني: الأخذ بالقدر المعلوم؛ لأنّ الظاهر أنّ المسلم لا يفوت الصلاة. و نسب كلا الوجهين إلى الشافعية(تذكرة الفقهاء 2: 361.) ، انتهى ملخّصاً. الأقوى في المسألة الاكتفاء بالقدر المعلوم، اختاره المحقّق الأردبيلي رحمه الله، و استوجهه صاحب «المدارك» و «الذخيرة»، و هو المشهور بين متأخّري المتأخّرين؛ و ذلك لأنّ العلم الإجمالي بفوائت كثيرة ينحلّ إلى علم تفصيلي بوجوب الأقلّ المتيقّن، و الشكّ البدوي المتعلّق بما زاد عليه؛ فالأصل البراءة و عدم تعلّق التكليف به. إن قلت: الأمر الأدائي متى شكّ فيه فقد شكّ في سقوط التكليف الذي علم بتنجّزه عليه حال كونه أداءً، و مقتضى الأصل بقاء التكليف و عدم سقوطه حتّى يحصل اليقين، و لا يحصل إلّا بإتيان ما زاد. قلت: إنّ قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت حاكمة على مثل هذه الاصول. إن قلت: إنّ العقل يحكم بوجوب الاحتياط في أطراف الشبهة المحصورة الوجوبية. قلت: نعم، و لكنّه مخصوص بما كانت الأطراف متباينة؛ فلا يعمّ ما تردّد فيه الأطراف بين الأقلّ و الأكثر؛ لانحلال العلم الإجمالي فيه إلى العلم التفصيلي بالأقلّ- الذي هو القدر المتيقّن- و شكّ بدوي بالنسبة إلى ما زاد؛ فيكون المورد من موارد البراءة. و قد يستدلّ لوجوب القضاء حتّى يغلب على ظنّه الوفاء بصحيح عبد اللّه بن سنان الوارد في قضاء النوافل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الربّ ملائكته منه، فيقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه»(وسائل الشيعة 4: 75، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 1.) . وجه الاستدلال: أنّ الاهتمام في النافلة بمراعاة الاحتياط يوجب ذلك في الفريضة بطريق أولى. و مثله في الاستدلال رواية مرازم قال: سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: أصلحك اللَّه إنّ عليّ نوافل كثيرة فكيف أصنع؟ فقال: «اقضها»، فقال له: إنّها أكثر من ذلك، قال: «اقضها»، قلت (قال): لا احصيها، قال: «توخّ ...»(وسائل الشيعة 4: 78، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 19، الحديث 1.) الحديث. و التوخّي كما عن «الجوهري» هو التحرّي، و هو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظنّ. و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل نسي ما عليه من النافلة و هو يريد أن يقضي، كيف يقضي؟ قال: «يقضي حتّى يرى أنّه قد زاد على ما يرى عليه و أتمّ»(وسائل الشيعة 4: 79، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 19، الحديث 3.) و الجواب عنه: أنّ الأولوية ممنوعة؛ لأنّ المندوبات مبنية على التوسعة و الترخيص، و في الواجبات كلفة و إلزام، و الأمر بالاحتياط في المندوب للإرشاد إلى ما هو أصلح بحاله من غير إلزام، فكيف يقاس عليه ما فيه كلفة و إلزام؟! و قد يستدلّ لعدم وجوب تحصيل اليقين بإتيان الأكثر بالإجماع، و بقاعدة نفي الحرج و أنّ الإلزام بإتيان الأكثر حتّى يحصل القطع بالفراغ حرجي. و فيه: أنّ الإجماع غير ثابت مع اشتهار الخلاف؛ خصوصاً بين المتأخّرين، و الحرج منفي في غالب الموارد؛ ضرورة غلبة معرفة عدد يقطع بدخول الواجب فيه و يتمكّن من فعله من غير عسر و لو في الأزمنة المتداولة؛ لكثرة دورانه بين الأعداد الحاصرة- كالعشرة و العشرين مثلًا- بل قد يمنع تحقّق العسر و الحرج في إتيان الأكثر، و في موارد تحقّقه يقتصر على ما يندفع به الحرج. و قد يستدلّ للقول بتحصيل اليقين بالبراءة بقاعدة توقّف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية المقتضية وجوب القضاء إلى أن يحصل العلم بالفراغ. و في «الجواهر»: بل ينبغي القطع به فيما كان عالماً بقدر الفوائت ثمّ نسيه؛ فدار بين أفراد متعدّدة؛ إذ لا ريب حينئذٍ في بقاء الخطاب واقعاً بذلك المنسي، و لو من جهة الاستصحاب الذي لا يقطعه عروض النسيان بعد إمكان امتثاله بإتيان عدد يعلم دخوله فيه(جواهر الكلام 13: 127.)، انتهى. و يرد عليه: أنّ العلم الإجمالي ينحلّ إلى علم تفصيلي بالأقلّ- الذي هو القدر المتيقّن- و شكّ بدوي بالنسبة إلى ما زاد؛ فيجري فيه البراءة، هذا. مضافاً إلى كون ما زاد مندرجاً تحت قاعدة الشكّ بعد الوقت المستفادة من صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله فرّق بين الشكّ في نفس الفوات ابتداءً و بين الشكّ في وجوب الزائد على المتيقّن- كما فيما نحن فيه- و قال بجريان قاعدة الشكّ بعد الوقت في الأوّل دون الثاني. و فيه: أنّ الصحيحة مطلقة شاملة لما نحن فيه. و لا يخفى حسن الاحتياط بإتيان ما زاد.

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

(مسألة 11): لا يجب الفور في القضاء،

اشارة

بل هو موسّع ما دام العمر لو لم ينجرّ إلى المسامحة في أداء التكليف و التهاون به (1).


1- هذا القول هو المشهور المختار. و في «الجواهر»: و لم يجب فعلها فوراً متى ذكرها، و لم يجب العدول من الحاضرة لو ذكرها في الأثناء إليها، و لم يحرم التشاغل بسائر ما ينافي فعلها من مندوبات أو واجبات موسّعة أو مباحات أو غير ذلك، كما هو المشهور بين المتأخّرين نقلًا و تحصيلًا. بل في «الذخيرة»: أنّه مشهور بين المتقدّمين أيضاً ... إلى أن قال رحمه الله، و هو كذلك، يشهد له التتبّع لكلمات الأصحاب وجادة و حكاية في الرسائل الموضوعة في هذا الباب(جواهر الكلام 13: 33.)، انتهى. و ذكر رحمه الله أسماء جماعة كثيرة من فقهائنا القائلين بعدم وجوب فعل الفائتة فوراً متى ذكرها، فعليك بالمراجعة. أقول: ما ذكره حقّ متين، و العمدة في الاستدلال أصالة البراءة عن وجوب الفورية. و حكي عن جماعة من الأصحاب- منهم السيّد و الحلّي و الحلبي و ظاهر المفيد و الديلمي- القول بوجوب قضاء الفائتة فوراً و عدم جواز التأخير. و حكي عن بعضهم عدم جواز ارتكاب فعل من الأفعال- كالأكل و الشرب و النوم و التكسّب- إلّا بمقدار الضرورة. و عن بعضهم التصريح ببطلان صلاة الفريضة في أوّل الوقت ممّن عليه الفائتة. و يظهر من ابن حمزة في «الوسيلة» القول بالمضايقة في الفائتة نسياناً دون الفائتة عمداً، و قال بوجوب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة نسياناً. فإنّه مع المبادرة يأمن من العقوبة، و لا يأمن منها مع التأخير. و أيضاً لا يحصل له اليقين بالبراءة عن عهدة الحاضرة إلّا بقضاء الفائتة قبله؛ إذ مع عدم إتيان الفائتة يشكّ في صحّة الحاضرة. و فيه: أنّ الاحتياط غير لازم المراعاة في الشبهة الوجوبية؛ لأنّ الشكّ في تحصيل الأمن من العقوبة ناشٍ من الشكّ في وجوب الفورية و المبادرة إلى الفائتة، و مقتضى الأصل عدمه اتّفاقاً. و أمّا الشكّ في صحّة الحاضرة قبل قضاء الفائتة فهو في الحقيقة يرجع إلى الشكّ في الشرطية، و المرجع فيه البراءة؛ خصوصاً إذا كان منشأ الشكّ في الشرطية هو الشكّ في الفورية لا وجوبه تعبّداً. «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»(طه( 20): 14.) ، بناءً على ما نسب إلى كثير من المفسّرين، قال في «الذكرى»: قال كثير من المفسّرين: إنّه في الفائتة؛ لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «من نام من صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها؛ إنّ اللَّه تعالى يقول: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»»(ذكرى الشيعة 2: 413.)، انتهى. و في رواية عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»، و إن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها و اقض الاخرى»(وسائل الشيعة 4: 287، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 2.) و فيه: أنّ الآية بنفسها لا دلالة فيها على وجوب خصوص قضاء الفائتة، فضلًا عن وجوب الفور، و الخطاب فيها كان متوجّهاً إلى موسى- عليه الصلاة و السلام- و يمتنع أن يفوته الصلاة نسياناً. و قد قيل في تفسيرها وجوه أوفق بمداليل ألفاظها من إرادة خصوص قضاء الفائتة؛ ففي «مجمع البيان»: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»؛ أي لأن تذكرني فيها بالتسبيح و التعظيم؛ لأنّ الصلاة لا تكون إلّا بذكر اللَّه. و قيل: لأن أذكرك بالمدح و الثناء. و قيل: إنّ معناه صلّ لي، و لا تصلّ لغيري كما يفعله المشركون. و قيل معناه: أقم الصلاة متى ذكرت، إنّ عليك صلاة؛ كنتَ في وقتها أو لم تكن(مجمع البيان 7: 10.)، انتهى. و أمّا الأخبار الواردة في تفسير الآية- مثل رواية زرارة المتقدّمة- فغاية ما تدلّ عليه وجوب البدء بالتي فاتتك قبل أن تصلّي الحاضرة في وقتها، لا على وجوب الفور؛ فالمقصود إيجاب إيجادها بعد التذكّر لا إيجاب المبادرة إلى فعلها في أوّل آنات الذكر. و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني رحمه الله: يحتمل قويّاً أن يكون المراد بقوله: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى» هي اولي الظهرين و العشاءين ... إلى أن قال: و ربّما يومئ إليه تتمّة الرواية؛ و هي قوله عليه السلام: «و إن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها و اقض الاخرى». و ربّما يؤيّده رواية العيص بن القاسم المروية عن كتاب الحسين بن سعيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: «إن كانت صلاة الاولى فليبدأ بها، و إن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء، ثمّ يصلّي العصر»(مستدرك الوسائل 6: 428، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 6.) . فعلى هذا لا دلالة فيها لا على الفورية و لا على الترتيب فيما هو محلّ الكلام(مصباح الفقيه، الصلاة: 605/ السطر 14.)، انتهى. منها: الأخبار الواردة الآمرة بالقضاء عند ذكرها، كما في النبوي: «من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها» ، و ادّعى في «السرائر» أنّ النبوي من المجمع عليه بين الامّة. و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أدّيتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميّت، هذه يصلّيهنّ الرجل في الساعات كلّها»(وسائل الشيعة 4: 240، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها، قال: «فليصلّ حين يذكر»(وسائل الشيعة 4: 240، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الجنازة»(وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 4.) و خبر نعمان الرازي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها، قال: «فليصلّ حين ذكره»(وسائل الشيعة 4: 244، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 16.) ، قال الشيخ: إنّ نعمان الرازي من أصحاب الصادق عليه السلام، الظاهر منه أنّه إمامي، و لكنّه مجهول الحال. و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها ...»(وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1.) الحديث. و صحيح ثالث لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها، فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت الصلاة و لم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت، و هذه أحقّ بوقتها فليصلّها، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى، و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها»(وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 3.) و صحيح رابع له عنه عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس، قال: «يصلّيها حين يذكرها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثمّ صلّاها حين استيقظ، و لكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 5.) و فيه: أنّ توقيت القضاء بحين الذكر أو الاستيقاظ جارٍ مجرى التعبير بعدم سقوطه و وجوب الإتيان به بعد زوال العذر الموجب للفوت؛ فلا ينسبق من مثل هذا التعبير إرادة الفورية. و كلّها منفية في الشريعة السهلة. و فيه: أنّ القائلين بوجوب الفور لا يقولون به مطلقاً، بل يقتصرون على الفورية العرفية الغير المنافية لأدلّة نفي العسر و الحرج و التكليف بما لا يطاق؛ لحكومة تلك الأدلّة على عموم أدلّة سائر التكاليف و إطلاقها. مع اشتغال ذمّتهم على الفوائت، و كذا يشتغلون بمشاغل الدنيا كالأكل و الشرب و النوم و الاكتساب في تلك الأوقات مع اعتقادهم بعدم كونها معصية، مع أنّ المشهور عند الاصوليين اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه. و فيه: أنّ السيرة ليست حجّة مطلقاً، و لا يعتمد على السيرة المحتمل فيها كون منشأها المساهلة في الدين و قلّة المبالاة، كما هو الحال في أكثر السيرات الدائرة بينهم. و في «مصباح الفقيه»: و أمّا ما قيل من أنّ المشهور عندهم أنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، ففيه ما لا يخفى، فإنّ هذا إن كان مشهوراً فهو بين الاصوليّين و إلّا فعامّة الناس لا يعرفونه، بل و كذلك أغلب الفقهاء؛ إذ لا يعهد عنهم الالتزام بما يعهد على هذه المسألة الاصولية في سائر أبواب الفقه، بل حكي عن فقيه عصره و وحيد دهره صاحب «كشف الغطاء» التصريح بأنّ مسألة الضدّ شبهة في مقابلة الضرورة، و هو في محلّه(مصباح الفقيه، الصلاة: 606/ السطر 26.)، انتهى. التي هي كلفة زائدة ممّا يقتضيه التكليف بأصل الفعل، فينفيه أدلّة البراءة. أقول: هذا الدليل متين، كما نقلناه عن صاحب «الجواهر» رحمه الله. منها: ما ورد في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة، قد ذكرنا بعضها في مسألة وجوب الترتيب و عدمه في الفوائت، فراجع، و نذكر هنا بعضها؛ ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل نسي المغرب حتّى دخل وقت العشاء الآخرة، قال: «يصلّي العشاء ثمّ المغرب»(وسائل الشيعة 8: 255، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 7.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل تفوته المغرب حتّى تحضر العتمة، فقال: «إن أحضرت العتمة و ذكر أنّ عليه صلاة المغرب فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ، و إن أحبّ بدأ بالعتمة ثمّ صلّى المغرب بعد»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 5.) . و الاستدلال بها مبني على الملازمة بين جواز تقديم الحاضرة على الفائتة و بين المواسعة. و فيه: أنّ الكلّية ممنوعة، و لا ملازمة بين القولين. و قد نسب إلى صاحب «هدية المؤمنين» القول بجواز تقديم الحاضرة على الفائتة مع القول بالمضايقة. و منها: ما ورد في نوم النبي صلى الله عليه و آله و سلم؛ ففي صحيح عبد اللّه بن سنان قال: سمعته يقول: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد فغلبته عيناه، فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس، ثمّ استيقظ فعاد نادية ساعة و ركع ركعتين، ثمّ صلّى الصبح و قال: يا بلال ما لك؟ فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللَّه، قال: و كره المقام، و قال: نمتم بوادي الشيطان»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين، إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمّ اقض ما شئت»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة». قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه، فقبلوا ذلك منّي، فلمّا كان في القابل لقيتُ أبا جعفر عليه السلام فحدّثني: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال و ناموا حتّى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللَّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، و قال: يا بلال أذّن، فأذّن فصلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ركعتي الفجر، و أمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، و قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»». قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه، فقالوا: نقضت حديثك الأوّل، فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم، فقال: «يا زرارة ألا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعاً، و أنّ ذلك كان قضاءً من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 6.) ، و نحوهما غيرهما من الروايات. و هذه الأخبار علمها عند أهله. و ناقش فيها جماعة من علمائنا و قالوا بوجوب طرحها؛ لمنافاتها العصمة، كالأخبار المتضمّنة للسهو منه- عليه الصلاة و السلام- أو من أحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام. و اجيب عنهم بظهور الفرق عند الأصحاب بينه و بين السهو، و لم يعمل أحد منهم بأخبار السهو، عدا ما يحكى عن الصدوق و شيخه ابن الوليد و الكليني و أبي علي الطبرسي في تفسير قوله تعالى: «وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(الأنعام( 6): 68.) و في «الجواهر»: و إن كان ربّما يظهر من الأخير- الطبرسي- أنّ الإمامية جوّزوا السهو و النسيان على الأنبياء في غير ما يؤدّونه عن اللَّه تعالى مطلقاً ما لم يؤدّ ذلك إلى الإخلال بالعقل، كما جوّزوا عليهم النوم و الإغماء الذين هما من قبيل السهو. بخلاف أخبار الأوّل كما عن الشهيد في «الذكرى» الاعتراف به حيث قال: لم أقف على رادّ لهذا الخبر من حيث توهّم القدح في العصمة، بل عن صاحب رسالة «نفي السهو»- و هو المفيد أو المرتضى- التصريح بالفرق بين السهو و النوم؛ فلا يجوز الأوّل و يجوز الثاني. بل ربّما يظهر منه: أنّ ذلك كذلك بين الإمامية، كما عن والد البهائي رحمه الله في بعض المسائل المنسوبة إليه: أنّ الأصحاب تلقّوا أخبار نوم النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الصلاة بالقبول، إلى غير ذلك ممّا يشهد لقبولها عندهم، كرواية الكليني و الصدوق و الشيخ و صاحب «الدعائم» و غيرهم لها؛ حتّى أنّه عقد في «الوافي» باباً لما ورد أنّه لا عار في الرقود عن الفريضة مورداً فيه جملة من الأخبار المشتملة على ذلك؛ معلّلة بأنّه فَعَل اللَّه بنبيّه صلى الله عليه و آله و سلم ذلك رحمةً للعباد، و لئلّا يعير بعضهم بعضاً. لكن و مع ذلك كلّه فالإنصاف: أنّه لا يجتري على نسبته إليهم عليهم السلام؛ لما دلّ من الآيات و الأخبار، كما نقل على طهارة النبي و عترته- عليهم الصلاة و السلام- من جميع الأرجاس و الذنوب و تنزّههم عن القبائح و العيوب، و عصمتهم من العثار و الخطل في القول و العمل، و بلوغهم إلى أقصى مراتب الكمال، و أفضليتهم ممّن عداهم في جميع الأحوال و الأعمال(جواهر الكلام 13: 72.) ، انتهى موضع الحاجة، فراجع تتمّة كلامه رحمه الله. و قد استدلّ أيضاً لعدم وجوب الفور في قضاء الفائتة بصحيح زرارة الطويل المستدلّ به على وجوب الترتيب في قضاء الفوائت؛ ففي بعض فقراته قال: «فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمّ صلّ المغرب و العشاء، ابدأ بأوّلهما؛ لأنّهما جميعاً قضاء، أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس»، قال: قلت: و لِمَ ذاك؟ قال: «لأنّك لست تخاف فوتها»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «يصلّيها إن شاء بعد المغرب، و إن شاء بعد العشاء»(وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 6.) و صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «متى شاء؛ إن شاء بعد المغرب، و إن شاء بعد العشاء»(وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 7.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سألته عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر، هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: «نعم يقضيها بالليل على الأرض، فأمّا على الظَّهر فلا، و يصلّي كما يصلّي في الحضر»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 2.) . و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال: «يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 2.) و خبر علي بن موسى بن طاوس في كتاب «غياث سلطان الورى» عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: «يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك»(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) و حسنة الحسين بن أبي العلاء الخفّاف عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار، كلّ ذلك سواء»(وسائل الشيعة 4: 277، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 57، الحديث 12.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها، ثمّ ليصلّها»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 3.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 4.) و منها: ما ورد في جواز تقديم النوافل على الفوائت، كصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال: «يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 2.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين، إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمّ اقض ما شئت ...»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) الحديث.

ص: 45

و القائلون بالمضايقة استدلّوا بامور:
الأوّل: أصالة الاحتياط؛

ص: 46

الثاني: قوله تعالى: [أَقِمِ الصّلَاةَ لِذِكْرِي]

ص: 47

ص: 48

الثالث: أخبار كثيرة:

ص: 49

ص: 50

و استدلّ لعدم وجوب الفور في القضاء بوجوه:
الأوّل: لزوم العسر و الحرج و التكليف بما لا يطاق عادةً في بعض الأحيان،
الثاني: قيام سيرة المسلمين على إتيان الصلوات الحاضرة في أوّل أوقاتها

ص: 51

الثالث: أصالة البراءة عن وجوب الفورية
الرابع: الأخبار:

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

(مسألة 12): الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر،

إلّا إذا علم ببقائه إلى آخر العمر أو خاف من مفاجأة الموت لظهور أماراته. نعم لو كان معذوراً عن الطهارة المائية فللمبادرة إلى القضاء مع الترابية وجه- حتّى مع رجاء زوال العذر- لا يخلو من إشكال، فالأحوط تأخيره إلى الوجدان (1).


1- لا بأس بنقل كلام المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» لتنقيح هذه المسألة و بيان وجهها، قال: ثمّ لا يخفى عليك أنّ العبرة في هيئات الصلاة التي يجب رعايتها في القضاء هي الهيئات الأصلية المعتبرة في الصلاة من حيث هي لدى القدرة عليها؛ من الطهارة و القيام و الاستقبال و الاستقرار و نحوها، دون الثانوية التي سوّغته الضرورة، كالصلاة مع التيمّم أو جالساً أو ماشياً و نحوها؛ لأنّ من ترك صلاة في وقتها فقد فاتته طبيعة تلك الصلاة بجميع أجزائها و شرائطها المعتبرة فيها من حيث هي؛ فعليه تداركها كذلك؛ سواء كان في الوقت متمكّناً من الإتيان بها كذلك أو عاجزاً، إلّا عن الإتيان ببعض مراتبها الناقصة الممضاة شرعاً لدى الضرورة؛ إذ الضرورة لا توجب إلّا عدم سقوط الميسور بالمعسور، و كون صلاته الناقصة ما دام كونه عاجزاً مجزية في حقّه. و لكن ذلك فيما لو أتى بالناقصة في وقتها، و أمّا لو تركها فقد فاتته طبيعة الصلاة المفروضة عليه، التي حكمها وجوب الإتيان بها عن قيام- مثلًا- لدى القدرة و جالساً مع العجز فعليه قضاؤها على ما شرّعت. و الحاصل: أنّ الهيئات التي تجب رعايتها في القضاء إنّما الهيئات الأصلية المعتبرة في الصلاة، دون الهيئات العارضية التي سوّغتها الضرورة. فالمريض الذي لا يقدر إلّا على الصلاة مستلقياً مومئاً لو فاتته يجب عليه بعد أن برئ من مرضه أن يقضيها صلاة المختار. و هل له أن يقضي في حال المرض و العجز عن الصلاة الاختيارية ما فاتته في حال صحّته و تمكّنه من الصلاة الاختيارية؟ أمّا مع استمرار العجز و عدم رجاء زواله فلا شبهة فيه؛ إذ الصلاة لا تسقط بحال؛ فمتى تنجّز التكليف بشي ء منها- أدائيةً كانت أم قضائية- من الفرائض الخمس أو من غيرها لا يسقط ميسورها بمعسورها. و ليس قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «فليقضها كما فاتته» إلّا كغيره من الأدلّة الدالّة على اعتبار سائر الشرائط و الأجزاء في ماهية الصلاة المقيّدة بحال القدرة بقاعدة الميسور و نحوها، كما لا يخفى. و أمّا مع رجاء زوال العذر فهو مندرج في موضوع مسألة اولي الأعذار التي وقع الكلام فيها في أنّه هل يجوز لهم البدار أم يجب الانتظار؟ و أنّه على تقدير الجواز هل تكون صحّة عملهم مراعاة بعدم ارتفاع العذر في تمام الوقت- و هو طول العمر- بالنسبة إلى القضاء، أم يكفي الضرورة حال الفعل؟ و قد تقدّم تحقيقها في بعض المباحث المناسبة له من التيمّم و الوضوء الاضطراري من كتاب «الطهارة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 618/ السطر 22.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

ص: 58

ص: 59

(مسألة 13): لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة؛

فيجوز الاشتغال بالحاضرة لمن عليه القضاء، و إن كان الأحوط تقديمها عليها؛ خصوصاً في فائتة ذلك اليوم، بل إذا شرع في الحاضرة قبلها استحبّ له العدول منها إليها إن لم يتجاوز محلّ العدول، بل لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم و ترك العدول إلى الفائتة (1).


1- وجه جواز الاشتغال بالحاضرة لمن عليه القضاء و عدم وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة- مضافاً إلى أصالة البراءة عند الشكّ في شرطية وجوب تقديم الفائتة لصحّة الحاضرة- هو الأخبار، و قد ذكرناها مفصّلًا عند الاستدلال على القول بعدم وجوب الفور في قضاء الفوائت، فراجع. و الأحوط استحباباً تقديم الفائتة على الحاضرة؛ جمعاً بين الأخبار الآمرة به و بين الأخبار الدالّة على عدم وجوب الفور في القضاء. و وجه الخصوصية في فائتة ذلك اليوم التعرّض له في صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر، فقال: «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي عليه السلام يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب، ثمّ صلّاها»(وسائل الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 7.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و وجه استحباب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة فيما لم يتجاوز محلّ العدول هو بعض الأخبار، كصحيح زرارة الطويل المتقدّم: «و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر ...» إلى أن قال عليه السلام: «و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمّ قم فأتمّها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّي المغرب ...» إلى أن قال عليه السلام: «و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة ...» إلى أن قال عليه السلام: «و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الاولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.)

ص: 60

(مسألة 14): يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى،

اشارة

كما يجوز الإتيان بها أيضاً بعد دخول الوقت قبل إتيان الفريضة (1).

هنا مسألتان
اشارة
فالاولى منهما: أنّه يجوز الإتيان بالنوافل أداءً و قضاءً لمن عليه القضاء.

1- تقدّمت الإشارة إليهما في ضمن البحث عن عدم وجوب الفور في قضاء الفوائت: و يدلّ عليه موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال: «يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 2.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين، إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمّ اقض ما شئت ...»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) الحديث. و رواية علي بن موسى بن طاوس في كتاب «غياث سلطان الورى» عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه، فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: «يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك»(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) و ما دلّ من الأخبار على المنع من التطوّع لمن عليه القضاء محمول على الكراهة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ...» إلى أن قال: «و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 3.) و صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتّى تنبسط الشمس؟ فقال: «يصلّي حين يستيقظ»، قلت: يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: «بل يبدأ بالفريضة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 4.) و من قال بجواز نوم النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قضاء صلاته استدلّ بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد، فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس، ثمّ استيقظ فعاد نادية ساعة و ركع ركعتين، ثمّ صلّى الصبح و قال: يا بلال ما لك؟ فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللَّه، قال: و كره المقام و قال: نُمتم بوادي الشيطان»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة». قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه، فقبلوا ذلك منّي، فلمّا كان في القابل لقيتُ أبا جعفر عليه السلام فحدّثني: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال و ناموا حتّى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللَّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قوموا فحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، و قال: يا بلال أذّن، فأذّن، فصلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ركعتي الفجر، و أمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، و قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»». قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه فقالوا: نقضت حديثك الأوّل، فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم، فقال: «يا زرارة أ لا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعاً، و أنّ ذلك كان قضاء من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 6.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد ذكر الحديث قال: و المناقشة فيه بأنّ الواجب طرحها- لمنافاتها العصمة، كالأخبار المتضمّنة للسهو منه أو من أحد الأئمّة عليهم السلام- يدفعها ظهور الفرق عند الأصحاب بينه و بين السهو ... إلى آخر ما ذكره(جواهر الكلام 13: 71.) ، و قد نقلنا شطراً من كلامه رحمه الله قبل صفحات، فراجع. و يدلّ عليه موثّق سماعة قال: سألته (سألت أبا عبد اللّه) عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله، أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال: «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة، و هو حقّ اللَّه، ثمّ ليتطوّع ما شاء، إلا هو (الأمر) موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل، إلّا أن يخاف فوت الفضل. إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة، و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت»(وسائل الشيعة 4: 226، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت: اصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: «نعم في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة»(وسائل الشيعة 4: 226، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 2.) و ما دلّ على المنع عن التنفّل في وقت الفريضة محمول على الكراهة؛ مراعاةً لوقت فضيلة الحاضرة، أو على ضيق الوقت، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت: إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع»(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 3.) و رواية نجية قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: تدركني الصلاة و يدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: «لا، و لكن ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة»(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 5.) و رواية أديم بن الحرّ قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة»، قال: و قال: «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها»(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 61

ص: 62

ص: 63

المسألة الثانية: أنّه يجوز الإتيان بالنافلة بعد دخول وقت الحاضرة و قبل إتيانها.

ص: 64

(مسألة 15): يجوز الإتيان بالقضاء جماعة؛

سواء كان الإمام قاضياً أو مؤدّياً، بل يستحبّ ذلك. و لا يجب اتّحاد صلاة الإمام و المأموم (1).


1- هذه المسألة ممّا لم يعرف فيه مخالف. و يدلّ على جواز إتيان القضاء جماعة- مضافاً إلى إطلاق أدلّة الجماعة و عمومها- خبر إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تقام الصلاة و قد صلّيتُ؟ فقال: «صلّ و اجعلها لما فات»(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 55، الحديث 1.) و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان صلّى العتمة وحده، فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك»(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) ، و قد وقع في سند الحديث معلّى بن محمّد البصري، و هو واقع في سند «كامل الزيارات»، و عن النجاشي: أنّه مضطرب الحديث و المذهب. و كيف كان: قد ينجبر الخبران بعدم المخالف في المسألة.

ص: 65

(مسألة 16): يجب على الولي- و هو الولد الأكبر- قضاء ما فات عن والده من الصلوات لعذر؛

من نوم و نسيان و نحوهما. و لا تلحق الوالدة بالوالد و إن كان أحوط. و الأقوى عدم الفرق بين الترك عمداً و غيره، نعم لا يبعد عدم إلحاق ما تركه طغياناً على المولى، و إن كان الأحوط إلحاقه، بل لا يترك هذا الاحتياط (1).


1- لا يجب على غير الولي قضاء ما علم فواته من الميّت من الصلوات، بلا خلاف و لا إشكال. و أمّا وجوبه على الولي ففيه أقوال: الأوّل: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من الصلوات مطلقاً- و لو كان لغير عذر- نسب هذا القول إلى الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و العمّاني و القاضي و ابن حمزة و العلّامة في أكثر كتبه. الثاني: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عنه لعذر- كالمرض و السفر- لا ما تركه الميّت عمداً مع قدرته عليه. ذهب إليه المحقّق رحمه الله في بعض كتبه و السيّد عميد الدين، و في «التذكرة» نفى البأس عنه. الثالث: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عنه في مرض موته فقط. ذهب إليه الحلّي و يحيى بن سعيد و الشهيد في «اللمعة». الرابع: وجوب القضاء عليه فيما فات عنه في المرض مطلقاً؛ مخيّراً بينه و بين التصدّق لكلّ ركعتين بمدّ، فإن لم يقدر فلكلّ أربع ركعات بمدّ، فإن لم يقدر فمدٌّ لصلاة النهار و مدٌّ لصلاة الليل، مع أفضلية القضاء. نسب هذا القول إلى الإسكافي و السيّد. الخامس: وجوب القضاء عليه فيما فات عنه لمرض أو غيره، مع التخيير بينه و بين التصدّق على النحو المذكور، و نسب هذا القول إلى ابن زهرة. السادس: عدم وجوب القضاء على الولي مطلقاً. و ذهب النراقي في «مستند الشيعة» إلى القول الثالث، و قال: إنّ الأقوى هو اختصاص الوجوب على الولي بقضاء ما فات في مرض الموت، و الأحوط قضاؤه ما فات في المرض مطلقاً. و لا يخفى: أنّ القول بعدم الوجوب على الولي مطلقاً و إن كان يساعده الأصل إلّا أنّ الإجماع و النصوص المتضافرة على خلافه، و القائل به غير معروف؛ ففي رواية ابن سنان المحكية عن كتاب «غياث سلطان الورى» لابن طاوس عن الصادق عليه السلام قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 18.) و صحيح حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال عليه السلام: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه»، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال عليه السلام: «لا، إلّا الرجال»(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.) ثمّ إنّه اختلف في الولي الواجب عليه قضاء ما فات عن الميّت؛ فعن الأكثر: أنّه الولد الأكبر، و عن ابن إدريس و سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد و الشهيد في «اللمعة»: أنّه الولد الأكبر من الذكران. و يدلّ على الاختصاص بالأكبر صحيح الصفّار مكاتبةً إلى العسكري عليه السلام: رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام و له وليان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً خمسة أيّام أحد الوليين و خمسة أيّام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيّام ولاءً إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 3.) و يدلّ على الاختصاص بالذكران صحيح حفص المتقدّم. و قال جماعة- منهم المفيد و الصدوقان و الإسكافي و ابن زهرة و القاضي- بإطلاق الولي، من غير تخصيص بالولد. و اختاره صاحب «الحدائق» و قال: إنّ تخصيص الولي بالولد خالٍ عن المستند(الحدائق الناضرة 11: 55.) و الشهيد في «الذكرى» بعد أن نقل عن الأكثر اختصاص الولي بالولد الأكبر من الذكران، قال: و كأنّهم جعلوه بإزاء حبوته؛ لأنّهم قرنوا بينها و بينه، و الأخبار خالية عن التخصيص، كما أطلقه ابن الجنيد و ابن زهرة. و لم نجد في أخبار الحبوة ذكر الصلاة. نعم ذكرها المصنّفون، و لا بأس به اقتصاراً على المتيقّن، و إن كان القول بعموم «كلّ ولي ذكر» أولى حسبما تضمّنته الروايات(ذكرى الشيعة 2: 448.) ، انتهى. و فيه: أنّ المستفاد من صحيحي حفص و الصفّار هو الاختصاص بالأكبر من الذكران. و اختلفوا أيضاً في الميّت المقضى عنه، و أنّه خصوص الوالد أو يعمّ الوالدة. و منشأ الاختلاف هو الأخبار؛ لأنّ المذكور في بعضها لفظ «الميّت» الشامل للرجل و المرأة، و في بعضها خصوص «الرجل». الأحوط بل الأقوى أنّ المقضي عنه أعمّ من الرجل و المرأة. و اختاره الشيخ في «النهاية» و القاضي و المحقّق و العلّامة في «التذكرة» و «المختلف» و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس». و المذكور في أكثر الأخبار هو القضاء عن الميّت، و الظاهر حمل ذكر الرجل في بعض الأخبار على مجرّد التمثيل، كما في الروايات: «رجل شكّ». و يؤيّده: أنّ التخصيص بالرجل في الروايات إنّما وقع في السؤال. و على فرض وروده في كلام المعصوم عليه السلام لا يقتضي تقييد المطلق الوارد في الروايات، و هو كقوله: «الرجل يشكّ في الصلاة». و في «مستند الشيعة»: و لأنّ المرأة مثل الرجل في التكليفات الشرعية، و لأنّ عناية اللَّه سبحانه بالنسبة إليهما على السواء(مستند الشيعة 7: 338.) ، انتهى. بقي الكلام في المقضي و أنّه عبارة عن كلّ ما فات عن الميّت من الصلوات مطلقاً؛ لعذر كان أم لا لعذر، في مرض الموت أو غيره. قد نسب إلى جماعة من أصحابنا وجوب قضاء ما فات عن الميّت لعذر كالمرض و السفر، لا ما تركه الميّت عمداً مع قدرته عليه، و هو المنقول عن الشيخين و العُمّاني و القاضي و ابن حمزة و العلّامة في أكثر كتبه و المحقّق في بعض رسائله و السيّد عميد الدين و الشهيدين. و استدلّ له بانصراف نصوص القضاء إليه. و المشهور- و هو المختار- وجوب قضاء ما فات عنه مطلقاً؛ لإطلاق الأخبار؛ ففي صحيح حفص المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه»(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.) ، و تقييده بالعذر يحتاج إلى دليل مقيّد. نعم في رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 18.) ، حيث يظهر منها قضاء خصوص ما فات عنه في مرض الموت. و لكن في «الحدائق» قال: و لا ينافي ذلك- أي إطلاق الأخبار- الخبر الرابع و العشرون- أي خبر عبد اللّه بن سنان- إذ لا دلالة فيه على نفي ما عدا ما ذكر فيه، بل غايته أن يكون بالنسبة إلى ذلك مطلقاً، و إطلاقه محمول على ما دلّ عليه الخبران المذكوران من جميع ما فات الميّت(الحدائق الناضرة 11: 55.)، انتهى. ثمّ إنّه لا يبعد دعوى الإطلاق و شمول الروايات لما تركه الميّت طغياناً على المولى. و يمكن أن يدّعى انصراف الأخبار إلى خصوص الفائتة من الصلوات؛ فلا يشمل ما تركه عمداً. و لا يترك الاحتياط بإلحاق ما تركه عمداً بما فاته لعذر. و لا يخفى: أنّ السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» عدّ المرض و السفر من موارد العذر، و هما ليسا من موارد العذر في الصلاة. نعم هما عذران في الصوم كالحيض.

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

و الظاهر وجوب قضاء ما أتى به فاسداً من جهة إخلاله بما اعتبر فيه (1). و إنّما يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من صلاة نفسه، دون ما وجب عليه بالإجارة أو من جهة كونه ولياً (2). و لا يجب على البنات (3). و لا على غير الولد الأكبر من الذكور (4).


1- فيشمله قوله عليه السلام في صحيح حفص المتقدّم: «في الرجل يموت و عليه صلاة».
2- و ذلك للأصل و الاقتصار على المجمع عليه، و في «مستند الشيعة»: و لو كان المستند الروايات لقوى القول بالتحمّل؛ لإطلاقها. و انصرافه إلى الشائع إنّما يسلّم إذا بلغ الشيوع حدّاً يوجب التبادر، و هو في المقام ممنوع(مستند الشيعة 7: 337.)، انتهى. و فيه: أنّه إنكار لما هو المتفاهم عرفاً من قوله: مات و عليه صلاة أو صوم أو عليه دين.
3- لما تقدّم في صحيح حفص من قوله عليه السلام: «لا، إلّا الرجال».
4- للإجماع، و لما تقدّم في صحيح صفّار من وجوب القضاء على أكبر ولييه، مع فرض كون الولي القاضي عن الميّت من الذكران. و في «المستمسك» بعد الاستدلال بصحيح الصفّار قال: لكن ظاهره وجوب الموالاة في الصوم و عدم جواز فعله من غير الأكبر، و كلاهما لا يلتزم به أحد(مستمسك العروة الوثقى 7: 142.) ، انتهى. و فيه: أنّ غاية ما يدلّ عليه الصحيح المذكور عدم وجوب القضاء على غير الولد الأكبر من الذكور، لا عدم جواز فعله منه، و كأنّ السائل توهّم وجوبه على كلا الوليين، فأجاب عليه السلام بأنّه لا يجب على كليهما بل على أكبرهما.

ص: 71

و لا على سائر الأقارب؛ حتّى الذكور، كالأب و الأخ و العمّ و الخال، و إن كان هو أحوط في ذكورهم (1).


1- هذه المسألة مشهورة بين المتأخّرين من الإمامية، و مقتضى صحيح حفص و الصفّار وجوب القضاء على أكبر الأولاد الذكور فقط دون غيره من الأقارب. نعم الأحوط استحباباً هو القضاء على الذكور من سائر الأقارب؛ لما ورد في الروايات من أنّه يقضي عنه أولى الناس به، كما في رواية ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن الصادق عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم، قال: «يقضيه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 6.) . و رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 18.) و في بعضها: أنّه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، كما في صحيح حفص المتقدّم(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.) و في بعضها: فليقض عنه من شاء من أهله، كما في مرسل «الفقيه» قال: قد روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله»(وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 1.) و في بعضها: يقضيه أفضل أهل بيته، كما في رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه، قال: «يقضيه أفضل أهل بيته»(وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 11.) و في «العروة الوثقى»: و إن كان الأحوط مع فقد الولد الأكبر قضاء المذكورين على ترتيب الطبقات، و أحوط منه قضاء الأكبر فالأكبر من الذكور، ثمّ الإناث في كلّ طبقة؛ حتّى الزوجين و المعتق و ضامن الجريرة(العروة الوثقى 1: 756.)، انتهى.

ص: 72

و إذا مات الولد الأكبر بعد والده لا يجب على من دونه في السنّ من إخوته (1).


1- و ذلك لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «يقضيه أكبر ولييه» هو الأكبر حال موت المولّى عليه.

ص: 73

و لا يعتبر في الولي أن يكون بالغاً عاقلًا عند الموت؛ فيجب على الصبي إذا بلغ، و على المجنون إذا عقل (1).


1- في المسألة قولان: أحدهما: عدم الوجوب. اختاره الشهيد في «الذكرى»، قال: الأقرب اشتراط كمال الولي حال الوفاة؛ لرفع القلم عن الصبي و المجنون. و استشكل عليه النراقي في «مستند الشيعة» بأنّه لو تمّ لزم عدم وجوبه على الغافل عند الموت و النائم و الجاهل بالموت، لمشاركتهما مع غير الكامل في عدم التكليف حال الوفاة. و لو جاز التعلّق بعد رفع المانع لجاز في غير البالغ أيضاً؛ فيلحقه الأمر عند البلوغ(مستند الشيعة 7: 336.) ، انتهى. و اختار هو رحمه الله عدم الوجوب، و استدلّ بأنّ الدليل على الوجوب هو الإجماع المنفي في موضع النزاع. الثاني: وجوبه عليه بعد التكليف. و هو المختار؛ و ذلك لوجوب الرجوع إلى العامّ فيما نحن فيه و نظائره من دوران الأمر بين الرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ و الرجوع إلى العامّ؛ فيقال فيما نحن فيه: إنّه كان صغيراً أو مجنوناً حال موت المولّى عليه، و لم يكن تكليف عليه في تلك الحال، و إذا بلغ أو أفاق فيشكّ في الوجوب عليه، فهل يستصحب عدم الوجوب أو يرجع إلى عموم قوله: «يقضي عنه أكبر ولييه»؛ فمقتضى الرجوع إلى العموم في الدوران المذكور هو الوجوب. و استدلّ بعض الفقهاء على الوجوب عليه بأنّ الحبوة ثابتة لغير البالغ، و هو يستلزم ثبوت القضاء. و فيه: أنّ الملازمة بين ثبوت الحبوة و وجوب القضاء غير ثابتة شرعاً. و قد أشكل الأمر على صاحب «الحدائق» رحمه الله قال: لو اتّفق عدم بلوغه وقت الوفاة، و فيه إشكال؛ لعدم النصّ الواضح في البين، و قيام الاحتمال من الجانبين(الحدائق الناضرة 11: 57.)

ص: 74

كما أنّه لا يعتبر كونه وارثاً؛ فيجب على الممنوع منه بسبب القتل أو الكفر أو نحوهما (1). و لو تساوى الولدان في السنّ يقسّط القضاء عليهما، و لو كان كسرٌ يجب عليهما كفايةً (2).


1- لا يخفى: أنّ التقييد بأولى الناس بميراثه- كما في صحيح حفص المتقدّم- يمنع من تعلّق الوجوب على الممنوع من الإرث، فالمتعيّن تعلّق الوجوب على الأولى بميراثه.
2- المراد من الكسر ما لا يكون قابلًا للقسمة، كصلاة واحدة وصوم يوم واحد. و في المسألة أقوال ثلاثة: الأوّل: وجوب التقسيط عليهما، و هو المشهور بين فقهائنا. الثاني: عدم الوجوب على أحدهما، و هو المحكي عن ابن إدريس؛ لانتفاء الأكبر، الذي هو متعلّق التكليف. الثالث: الوجوب لكلّ واحد منهما على الكفاية، و هو المنسوب إلى القاضي. و استدلّ على التقسيط بأنّه لمّا لم يكن دليل على ثبوت التكليف لكلّ واحد منهما على نحو الوجوب العيني، و أنّ الأصل عدم وجوب الزائد على كلّ واحد منهما عن مقدار حصّته، فالمتعيّن هو التقسيط قهراً. و يمكن أن يقال: إنّ الواجب على الولي هو تفريغ ذمّة الميّت، و إذا كان الولي متعدّداً كان متعلّق التكليف هو كلّ منهما بعينه، و لكن لمّا كان فعل أحدهما كافياً في إبراء ذمّة الميّت انقلب الوجوب العيني لكلّ واحد منهما إلى الوجوب الكفائي، كما أنّه إذا فرغت ذمّته بأداء المتبرّع من أهله أو غيره سقط عن الولي. و بالغ الفاضل النراقي في «مستند الشيعة» و قال بعدم السقوط عن الولي بفعل الغير و إن سقط عن الميّت بفعل غيره تبرّعاً. و في «العروة الوثقى»: و لو كان صوماً من قضاء شهر رمضان لا يجوز لهما الإفطار بعد الزوال، و الأحوط الكفّارة على كلّ منهما مع الإفطار بعده بناءً على وجوبها في القضاء عن الغير أيضاً، كما في قضاء نفسه(العروة الوثقى 1: 758.) ، انتهى. أقول: أمّا الإفطار بعد الزوال فيجوز لأحدهما مع الاطمئنان بإتمام الآخر، و إلّا فلا يجوز. و أمّا الكفّارة- بناءً على وجوبها في القضاء عن الغير- ففيها احتمالات: وجوبها على كلّ منهما مستقلّاً، و وجوب كفّارة واحدة عليهما بالمناصفة، و وجوب واحدة عليهما كفاية، و سقوطها عنهما معاً، و التفصيل بين إفطارهما دفعة فيجب على كلّ منهما و على التعاقب فيجب على المتأخّر منهما. و المختار وجوب كفّارة واحدة عليهما كفايةً فيما أفطرا مقارناً، و على خصوص المتأخّر؛ خصوصاً مع اطّلاعه على إفطار الآخر قبله.

ص: 75

ص: 76

و لا يجب على الولي المباشرة، بل يجوز له أن يستأجر (1).

و الأجير ينوي النيابة عن الميّت لا عن الولي. و إن باشر الولي أو غيره الإتيان يراعي تكليف نفسه- باجتهاد أو تقليد- في أحكام الشكّ و السهو،


1- وجه جواز الاستئجار للولي هو جواز إبراء ذمّة الميّت تبرّعاً من كلّ متبرّع غير الولي؛ فالواجب على الولي إبراء ذمّة الميّت، مخيّراً فيه بين المباشرة بنفسه و استئجار الغير. و نسب إلى الحلّي و جماعة عدم جواز الاستئجار، و اختاره الشهيد و صاحب «الحدائق»، قال الشهيد في «الذكرى»: الأقرب أنّه ليس له الاستئجار لمخاطبته بها، و الصلاة لا تقبل التحمّل عن الحيّ. و فيه: أنّ المستأجر ينوي النيابة عن الميّت لا عن الحيّ. و منه يظهر ما فيما أفاده في «المدارك»، و إن كان استجوده صاحب «الحدائق»، قال في «الحدائق»: و أمّا ما علّل به إمكان الجواز- من حصول ذلك في الصوم، و كون الفرض فعلها عن الميّت- ففيه ما ذكره السيّد السند قدس سره في «المدارك»، و أنّ وجه السقوط حصول المقتضي- و هو براءة الذمّة- حيث قال: و يتوجّه عليه: أنّ الوجوب تعلّق بالولي، و سقوطه بفعل غيره يحتاج إلى دليل، و من ثمّ ذهب ابن إدريس و العلّامة في «المنتهى» إلى عدم الاجتزاء بفعل المتبرّع و إن وقع بإذن من تعلّق به الوجوب؛ لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلّف بفعل غيره، و قوّته ظاهرة، انتهى. و هو جيّد(الحدائق الناضرة 11: 62.)، انتهى كلام «الحدائق».

ص: 77

بل في أجزاء الصلاة و شرائطها دون تكليف الميّت، كما أنّه يراعي تكليف نفسه في أصل وجوب القضاء إذا اختلف مقتضى تقليده أو اجتهاده مع الميّت (1).


1- وجه نية الأجير النيابة عن الميّت دون الولي كون الصلاة في الحقيقة و أوّلًا و بالذات فائتة عن الميّت؛ فلا بدّ من النيابة عمّن فاتت عنه. و وجه مراعاة تكليف نفسه اجتهاداً أو تقليداً في أحكام الشكّ و السهو دون تكليف الميّت، هو أنّ الصلاة الفائتة و إن كانت صلاة المنوب عنه الميّت و لكن الشاكّ و الساهي هو المباشر؛ فيعمل بوظيفته، و لا يجب عليه إعادة الصلاة. و أمّا أجزاء الصلاة و شرائطها فيمكن أن يقال بوجوب مراعاة مقتضى تقليد الميّت أو اجتهاده لنسبة الفائتة إليه، و هو الظاهر من الأخبار، كقول الصادق عليه السلام في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم(وسائل الشيعة 8: 277، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 5.) ، و قوله عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم(وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 6.) ، و قوله عليه السلام: «يقضى عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 19.) ، حيث إنّ المقضي عبارة عمّا في ذمّة الميّت، و إنّ «الفعال» مضاف إلى «الميّت». و يجب أيضاً مراعاة مقتضى نظر الميّت بالنسبة إلى أصل وجوب القضاء، إلّا أن يحصل للولي القطع بخطإ نظر الميّت؛ إذ لا يمكن نية القضاء من الولي مع القطع المذكور؛ فيراعى حينئذٍ تكليف نفس الولي. تمّت صلاة القضاء، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*.

ص: 78

ص: 79

القول في صلاة الاستئجار

اشارة

يجوز الاستئجار للنيابة عن الأموات في قضاء الصلوات كسائر العبادات، كما تجوز النيابة عنهم تبرّعاً، و يقصد النائب بفعله- أجيراً كان أو متبرّعاً- النيابة و البدلية عن فعل المنوب عنه، و تفرغ ذمّته، و يتقرّب به و يثاب عليه، و يعتبر فيه قصد تقرّب المنوب عنه لا تقرّب نفسه، و لا يحصل له بذلك تقرّب إلّا أن يقصد في تحصيل هذا التقرّب للمنوب عنه الإحسان إليه لِلَّه تعالى؛ فيحصل له القرب أيضاً كالمتبرّع لو كان قصده ذلك. و أمّا وصول الثواب إلى الأجير- كما يظهر من بعض الأخبار- فهو لمحض التفضّل. و يجب تعيين الميّت المنوب عنه في نيته و لو بالإجمال، كصاحب المال و نحوه (1).


1- جواز الاستئجار للنيابة عن الأموات في قضاء العبادات- صلاةً كانت أو غيرها- مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و في «الحدائق»- حكاية عن «الذكرى»- أنّ كلّما جازت الصلاة عن الميّت جاز الاستئجار عنه، و هذه المقدّمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر. و لا يخالف فيها أحد من الإمامية، بل و لا من غيرهم؛ لأنّ المخالف من العامّة إنّما منع لزعمه أنّه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه(الحدائق الناضرة 11: 45.) انتهى موضع الحاجة. و في هامش «الحدائق» نقلًا عن «بدائع الصنائع»: أنّ العبادات البدنية المحضة- كالصلاة و الصوم- لا تقبل النيابة عن الحيّ و الميّت؛ لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، و لا يصلّي أحدٌ عن أحدٍ»(نفس المصدر، الهامش.) ، انتهى موضع الحاجة. و يدلّ على جواز النيابة عن الأموات تبرّعاً رواية محمّد بن مروان الكلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يحجّ عنهما و يصوم عنهما؛ فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيده اللَّه- عزّ و جلّ- ببرّه وصلته خيراً كثيراً»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 1.) و رواية علي بن جعفر في كتاب مسائله عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألت أبي جعفر بن محمّد عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم، فليصلّ على ما أحبّ و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له»(وسائل الشيعة 8: 277، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 2.) ، و كذا غيرهما من روايات الباب. و يظهر من السيّد في «الانتصار» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «المختلف»: أنّ عبادات الميّت الفائتة لا تقبل النيابة، و أنّ معنى قضاء الولي عن الميّت أنّه يقضي عن نفسه ما فات عن الميّت لا عن الميّت. و نسبة الفائتة المقضية إلى الميّت باعتبار أنّه السبب لتوجّه التكليف بالقضاء إلى الولي. و استدلّوا بقوله تعالى: «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى»(النجم( 53): 39.) ، و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إذا مات المؤمن انقطع عمله، إلّا من ثلاث ...»(بحار الأنوار 2: 22/ 65.) إلى آخره. و يدلّ على كون فعل النائب بدلًا عن فعل المنوب عنه ذيل رواية محمّد بن مروان الكلبي المتقدّم: «فيكون الذي صنع لهما»، و ذيل رواية علي بن جعفر: «و يجعل تلك للميّت» . و الروايات المذكورة في الباب الثاني عشر من أبواب قضاء الصلوات من «وسائل الشيعة»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12.) تدلّ أيضاً على فراغ ذمّة الميّت عمّا اشتغلت و وصول الثواب إليه. و الوجه في اعتبار قصد تقرّب المنوب عنه في فعل النائب دون تقرّب نفسه، هو كون الفعل الصادر من النائب فعل المنوب عنه بالنيابة التي هي عبارة عن تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه، و المفروض كون فعل المنوب عنه عبادة يتقرّب بها إلى اللَّه تعالى؛ فالتقرّب تقرّب المنوب عنه؛ فلا بدّ من قصده. و لا وجه لحصول القرب للنائب، كما أنّه لا وجه لحصول الثواب له، بل ثواب الفعل أيضاً كان للمنوب عنه. نعم لو قصد الأجير النائب في تحصيل هذا التقرّب للمنوب عنه بنيابته الإحسان إليه لِلَّه تعالى يحصل له القرب و الثواب أيضاً، كما أنّ المتبرّع لو قصد بتبرّعه الإحسان إلى المتبرّع له يحصل له الثواب لذلك. و ما ورد في بعض الأخبار من وصول الأجر و الثواب للأجير فليس عائداً إليه من نفس العبادة الاستئجارية، بل هو تفضّل من اللَّه تعالى. نعم قد ورد في بعض الروايات وصول ثواب من نفس العبادة للعامل، كما في رواية الحسن بن محبوب في كتاب «المشيخة» عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «يدخل على الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و البرّ و الدعاء»، قال: «و يكتب أجره للّذي يفعله و للميّت»(وسائل الشيعة 8: 279، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 10.) ، و غيرها من روايات الباب. ثمّ إنّه يجب على النائب تعيين المنوب عنه في نيته و لو بالإجمال، كصاحب المال و نحوه؛ و ذلك لكون مورد الإجارة من الامور القصدية، و مع عدم تعيينه و لو بالإجمال لا يسقط ذمّة من عليه الفعل.

ص: 80

ص: 81

ص: 82

(مسألة 1): يجب على من عليه واجب من الصلاة و الصيام الإيصاء باستئجاره،

إلّا من له ولي يجب عليه القضاء عنه و يطمئنّ بإتيانه (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب الإيصاء على من عليه واجب من الصلاة و الصيام و الحجّ و سائر الواجبات المالية، كالزكاة و الخمس و المظالم و الكفّارات باستئجاره، هذا بالنسبة إلى من لم يكن له ولي يجب عليه القضاء عنه في عباداته. و كذا اختلفوا في وجوب الإعلام على الولي على من كان له الولي: فقد أفتى جماعة- منهم النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»- بعدم الوجوب؛ للأصل، و عدم الدليل على الوجوب. و اورد عليه: بأنّه من عليه الفائتة يجب عليه تحصيل البراءة عمّا اشتغلت ذمّته به، و لا يحصل إلّا بالإيصاء أو الإعلام؛ فيجبان لوجوب مقدّمة الواجب. و اجيب عنه: بأنّ مقتضى اشتغال ذمّته بالفائتة قضاؤها مع التمكّن منه، و لم يثبت الاشتغال بأزيد منه حتّى تجب مقدّمته. نعم يكون آثماً معاقباً على الفائتة مع التمكّن من قضائها و عدم إتيانها. و اورد عليه أيضاً: بأنّ دفع مضرّة العصيان و الإثم واجب، و لا يحصل إلّا بالإيصاء أو الإعلام. و اجيب عنه: بأنّ دافع مضرّة العصيان و الإثم هو التوبة و إتيان الفائتة بنفسه مع التمكّن منه، و فعل الغير لا يصلح لدفع المضرّة عنه. نعم وصول الثواب من فعل الغير إليه ثابت بالأخبار، و هو لا يستلزم وجوب تحصيله بالإيصاء و الإعلام. و استدلّ على وجوب الإيصاء و الإعلام من باب وجوب المقدّمة، حيث إنّ الثابت شرعاً صلاحية سقوط ذمّة الميّت بفعل النائب؛ فملاك التكليف في فعل النائب ثابت؛ و حينئذٍ يجب على المكلّف بالقضاء تحصيل ما يسقط به ذمّته و التسبّب إليه بقدر المُكنة، و لا يحصل إلّا بالإيصاء أو الإعلام. قال في «المستمسك»- و نعم ما قال- فإذا كان الأمر بفعله بعد موته دخيلًا في تحقّق الفعل المذكور يجب عليه، بل لعلّه يجب عليه أكثر من الأمر ممّا له دخل في حصوله من النائب، و انقطاع التكليف بالموت لا يمنع من وجوب الوصية و الأمر بفعل ما في الذمّة الصادرين حال الحياة، كما أنّ عدم العلم بترتّب الفعل على الأمر لا يمنع من وجوبه عقلًا في ظرف احتمال ترتّبه؛ إذ الشكّ في القدرة كافٍ في وجوب الاحتياط. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الفوات بعذر و بغيره؛ لاطّراد المقتضي لوجوب الأمر من باب المقدّمة في المقامين. كما لا فرق أيضاً بين الواجبات المالية و غيرها؛ لذلك(مستمسك العروة الوثقى 7: 115.)، انتهى.

ص: 83

ص: 84

و يجب على الوصي- لو أوصى- إخراجها من الثلث، و مع إجازة الورثة من الأصل. و هذا بخلاف الحجّ و الواجبات المالية- كالزكاة و الخمس و المظالم و الكفّارات و نحوها- فإنّها تخرج من أصل المال؛ أوصى بها أو لم يوص، إلّا إذا أوصى بأن تخرج من الثلث فتخرج منه، فإن لم يفِ بها يخرج الزائد من الأصل (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب إخراج اجرة الصوم و الصلاة من الواجبات البدنية على الوصي من أصل التركة أو من الثلث؛ فمن قال بأنّ الواجبات البدنية دينٌ قال بالأوّل، و من قال بعدم كونها ديناً قال بالثاني. و المختار هو الثاني، و الدليل عليه: أنّ الديون الخارجة من أصل المال هي الديون المالية، لا كلّ ما اشتغلت عليه الذمّة حتّى العبادات البدنية. و استدلّ للقول الأوّل بأنّه قد صرّح في الأخبار بكونها ديناً، كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: «يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك»(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) و رواية حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في إخباره عن لقمان: «و إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي ء، صلّها و استرح منها فإنّها دينٌ»(وسائل الشيعة 8: 282، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 25.) و رواية ابن بابويه في «معاني الأخبار» بإسناده إلى محمّد بن الحنفية في حديث الأذان قال: «لمّا اسري بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم ...» إلى أن قال: «ثمّ قال: حيّ على الصلاة، قال اللَّه- جلّ جلاله- فرضتُها على عبادي و جعلتُها لي ديناً»(مستدرك الوسائل 4: 70، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 37، الحديث 2.) و قد ورد في بعض الأخبار أنّ دين اللَّه أحقّ أن يقضى، كما في قضية الخثعمية عن ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه جاءته امرأة من خثعم، فقالت: يا رسول اللَّه إنّ فريضة اللَّه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً زمِناً لا يستطيع أن يحجّ، إن حججتُ عنه أ ينفعه ذلك؟ فقال لها: «أ رأيت لو كان على أبيك دين فتقضيه أ كان ينفعه ذلك؟» قالت: نعم، قال: «فدين اللَّه أحقّ بالقضاء»(مستدرك الوسائل 8: 26، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الباب 18، الحديث 3.) و في «سنن النسائي» عن ابن عبّاس قال: قال رجل: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إنّ أبي مات و لم يحجّ، أ فأحجّ عنه؟ قال: «أ رأيت لو كان على أبيك دين أ كنت قاضيه؟» قال: نعم، قال: «فدين اللَّه أحقّ»(سنن النسائي 5: 118.) و يرد على الاستدلال المذكور: أنّه- على فرض كون الصلاة و الصوم ديناً حقيقة- لا دليل على وجوب إخراج كلّ دين من أصل التركة؛ لأنّ المستفاد من الأدلّة إخراج الديون المالية منه لا مطلقاً. فالديون المالية كلّها تخرج من الأصل؛ أوصى بها أو لم يوص. و الحجّ و إن كان مشوباً من الجهة المالية و العبادة البدنية لكنّه غلبت فيه الجهة المالية؛ فيخرج من الأصل، فهو مجمع عليه نصّاً و فتوى. نعم إذا أوصى بإخراج الديون المالية و الحجّ من الثلث فتخرج منه لا من الأصل، و إن وفى الثلث بها فبها، و إلّا يخرج الزائد على الثلث من الأصل.

ص: 85

ص: 86

و إن أوصى بأن يقضى عنه الصلاة و الصوم و لم يكن له تركة لا يجب على الوصي المباشرة أو الاستئجار من ماله (1). و الأحوط للولد- ذكراً كان أو انثى- المباشرة لو أوصى إليه بها لو لم تكن حرجاً عليه (2). نعم يجب على وليه قضاء ما فات منه؛ إمّا بالمباشرة أو الاستئجار من ماله و إن لم يوص به، كما مرّ (3).


1- لا دليل على وجوب المباشرة على الوصي و لا الاستئجار من ماله فيما كان الموصى به من قبيل العبادات البدنية- كالصلاة و الصوم- و لم يكن للموصي تركة، و الأصل براءة ذمّة الوصي.
2- و لعلّ ذلك لعموم أدلّة وجوب إطاعة الولد للوالد، و لكن القدر المسلّم هو حرمة العقوق على الوالدين، و لم يثبت كون ترك مطلق ما أمر به الوالدان أو فعل مطلق ما نهيا عنه عقوقاً ما لم تنطبق عليه الإيذاء في العرف، لا في خصوص نظرهما؛ إذ ربّما يكون لهما توقّع منه لا مورد له؛ فلا تكون مخالفته عقوقاً مسلّماً.
3- لا يجب على الولي خصوص المباشرة على ما فات عن الميّت، بل يجوز له الاستئجار أيضاً؛ لأنّ الصلاة و الصوم دين يصحّ أن يقضيه كلّ أحد؛ فالواجب على الولي إبراء ذمّة الميّت إمّا بالمباشرة أو بالاستئجار. و لو تبرّع بالقضاء عن الميّت متبرّع سقط التكليف عن الولي.

ص: 87

(مسألة 2): لو آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به

فإن شرط عليه المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه، و تشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه، فيخرج من تركته، و إن لم يشترط المباشرة وجب الاستئجار من تركته إن كانت له تركة، و إلّا فلا يجب على الورثة كسائر ديونه مع فقد التركة (1).

(مسألة 3): يشترط في الأجير أن يكون عارفاً بأجزاء الصلاة و شرائطها و منافياتها

و أحكام الخلل و غيرها عن اجتهاد أو تقليد صحيح. نعم لا يبعد جواز استئجار تارك الاجتهاد و التقليد إذا كان عارفاً بكيفية الاحتياط و كان محتاطاً في عمله (2).


1- إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ أو غيرها من الأعمال فمات الأجير قبل الإتيان، فإن كان مورد الإجارة خصوص عمل الأجير بما أنّه فعله الخارجي تبطل الإجارة قطعاً؛ لانتفاء الموضوع بموته و تشتغل ذمّة الأجير الميّت بمال الإجارة إن كان قد قبضه و يرجع المستأجر إلى ورثة الأجير و يخرج من تركته، و إن كان موردها قضاء ما فات عن الميّت و اشترط في ضمن عقد الإجارة إتيانه بنفسه و تعذّر الشرط بموته فللمستأجر خيار الفسخ بتعذّر الشرط و الرجوع بمال الإجارة عيناً أو مثلًا أو قيمةً، و إن لم يشترط المباشرة وجب على الورثة الاستئجار من تركته إن كانت له تركة، و مع فقدها لا يجب الاستئجار للورثة، كما أنّه لا يجب عليهم أداء سائر ديونه من أموالهم الشخصية، نعم يجوز الاستئجار من الزكاة من سهم الغارمين و تفريغ ذمّة الميّت.
2- وجه اشتراط كون الأجير عارفاً بالأجزاء الواجبة للصلاة و شرائطها و منافياتها و أحكام الخلل و المبطلات و غيرها عن اجتهاد أو تقليد صحيح، هو توقّف الإتيان بالعمل الصحيح المبرئ لذمّته و المسقط لذمّة الميّت على المعرفة بها. و فحوى ما ورد في حجّ المرأة عن الرجل إذا كانت فقيهة مسلمة، كما في رواية مصادف عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة تحجّ عن الرجل الصرورة، فقال: «إن كانت قد حجّت و كانت مسلمة فقيهة، فربّ امرأة أفقه من رجل»(وسائل الشيعة 11: 177، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ، الباب 8، الحديث 4.) و لو كان الأجير غير مجتهد و لا مقلّد و لكن كان عارفاً بموارد الاحتياط يجوز استئجاره مع كونه محتاطاً في عمله؛ لحصول البراءة بالعمل بطريق الاحتياط.

ص: 88

(مسألة 4): لا يشترط عدالة الأجير،

بل يكفي كونه أميناً بحيث يطمأنّ بإتيانه على الوجه الصحيح. و هل يعتبر فيه البلوغ؛ فلا يصحّ استئجار الصبي المميّز و نيابته، و إن علم إتيانه على الوجه الصحيح؟ لا يبعد عدمه و إن كان الأحوط اعتباره (1).


1- لا دليل على اعتبار عدالة الأجير؛ فلو استأجر غير العادل و كان صلاته صحيحة اجتهاداً أو تقليداً و حصل الاطمئنان بفعله صحّت الإجارة و تسقط ذمّة الميّت بفعله، كما يجوز الوصية باستئجار شخص معيّن غير عادل. نعم يعتبر وثوق الأجير بالنسبة إلى إخباره عن إتيان العمل الاستئجاري و كيفيته المعتبرة في إسقاط الذمّة؛ فإذا أخبر الأجير الموثوق به بإتيان الفعل اكتفي بإخباره. و لو شكّ في كونه صحيحاً أو فاسداً كفى جريان أصالة الصحّة في البناء على صحّته. و أمّا اعتبار البلوغ في الأجير فقد وقع الإشكال فيه، و منشأ الإشكال ليس هو شرعية عبادات الصبي أو تمرينيتها كي يقال: إنّه يعتبر بناءً على تمرينيتها و لا يعتبر بناءً على شرعيتها، بل منشأ الإشكال ثبوت عموم أدلّة تشريع النيابة للصبي و عدمه؛ فمن قال بثبوت عموم أدلّة النيابة قال بعدم اعتبار البلوغ و إن كانت عباداته تمرينية، و من قال بعدم ثبوته قال باعتبار البلوغ و إن كانت عباداته شرعية، و لا يترك الاحتياط بترك استئجار غير البالغ. و قال النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»: و هل يجوز استئجار المميّز من الصبيان بإذن وليه؟ مقتضى الأصل ذلك، و لا يمنع عنه تمرينية عبادة نفسه؛ لأنّ الصلاة نيابة ليست عبادة للنائب حقيقة. و أمّا رواية عمّار عن الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا رجل عارف»، و لا شكّ أنّ الصبي ليس برجل؛ فهي منساقة لبيان أمر آخر؛ و هو اشتراط المعرفة، مع أنّها عن إفادة الحرمة قاصرة، إلّا أن يجعل السؤال عن الجواز قرينة على إرادة عدمه في الجواب(مستند الشيعة 7: 344.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه لم يذكر لفظ «رجل» في الرواية في نسخة «الوسائل» الموجودة عندنا؛ لا في السؤال و لا في الجواب، بل المذكور فيها هكذا: هل يجوز له أن يقضيه غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا مسلم عارف»(وسائل الشيعة 8: 277، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 5.) نعم، المذكور في الطبع الجديد من «الوسائل»- ثلاثين مجلداً- هكذا: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف».

ص: 89

ص: 90

(مسألة 5): لا يجوز استئجار ذوي الأعذار،

كالعاجز عن القيام مع وجود غيره، بل لو تجدّد له العجز ينتظر زمان رفعه. و إن ضاق الوقت انفسخت الإجارة، بل الأحوط عدم جواز استئجار ذي الجبيرة و من كان تكليفه التيمّم (1).


1- وجه عدم جواز استئجار ذوي الأعذار كالعاجز عن القيام مع التمكّن من استئجار غيره المتمكّن من الفعل الاختياري، هو عدم ثبوت الشمول في أدلّة البدلية في الأبدال الاضطرارية. و في «الجواهر»- بعد أن تأمّل في صحّة عمل المستأجر فيما لو عرضه عذر- قال: لاحتمال اختصاص المعذور بالعذرية؛ فلا تتعدّى منه إلى غيره، لا أقلّ من الشكّ، و شغل الذمّة مستصحب، و إن كان قد يقال: بأنّ أدلّة التبرّع شاملة لسائر المكلّفين، الذين منهم ذووا الأعذار. إلّا أنّ الإنصاف عدم استفادة ذلك منها على وجه معتبر؛ لعدم سوقها لبيان مثله، كما لا يخفى على من لاحظها. و عليه فلا يصحّ حينئذٍ استئجار الزمن و نحوه من ذوي الأعذار للقضاء عن الغير ابتداءً؛ لعدم صحّة تبرّعه، و كذا ما عرض منها بعد الإجارة؛ ضرورة عدم صلاحيتها لتسويغ غير السائغ قبلها، بل أقصاها الإلزام بالسائغ قبلها. فتنفسخ حينئذٍ مع اشتراط المباشرة- مثلًا- و عدم رجاء زوال العذر أو طول مدّته، و يلزم باستئجار غيره إن لم يكن كذلك(جواهر الكلام 13: 119.)، انتهى موضع الحاجة.

ص: 91

(مسألة 6): لو حصل للأجير سهو أو شكّ يعمل بحكمه على طبق اجتهاده أو تقليده

و إن خالف الميّت، كما أنّه يجب عليه أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليفه و اعتقاده- من اجتهاد أو تقليد- لو استؤجر على الإتيان بالعمل الصحيح، و إن عيّن له كيفية خاصّة يرى بطلانه بحسبها فالأحوط له عدم إجارة نفسه له (1).


1- وجه عمل الأجير على وظيفة نفسه في أحكام الشكّ و السهو- و إن خالف وظيفة الميّت- هو أنّ الصلاة و إن كانت فائتة الميّت و لكن الساهي و الشاكّ هو الأجير؛ فيعمل بوظيفة نفسه. و قد ذكرنا في نيابة الولي عن الميّت أنّ الولي يجب عليه مراعاة مقتضى تقليد الميّت أو اجتهاده في أجزاء الصلاة و شرائطها. و أمّا في نيابة الأجير فاللازم عليه مراعاة مورد الإجارة؛ فإن كان موردها مقتضى تكليف الميّت المنوب عنه يجب على الأجير مراعاته، و إن كان موردها مقتضى تكليف نفس الأجير النائب يجب عليه مراعاة تكليف نفسه، هذا إذا كان مورد الإجارة مقيّداً بمقتضى تكليف أحدهما المعيّن. و أمّا إذا اطلق فالواجب مراعاة مقتضى تكليف الميّت المنوب عنه؛ لكون العمل عمل المنوب عنه. فلو كان مذهب الميّت- اجتهاداً أو تقليداً- وجوب التسبيحات الأربع ثلاثاً أو جلسة الاستراحة و كان مذهب الأجير عدم وجوبها، يجب على الأجير المراعاة و إتيانها. و لو كان مورد الإجارة تفريغ ذمّة الميّت يجب مراعاة تكليف الميّت أيضاً؛ لأنّ ما في ذمّة الميّت عبارة عمّا فات عنه حال حياته من الصلاة مع الأجزاء و الشرائط التي ثبتت جزئيتها و شرطيتها عنده اجتهاداً أو تقليداً، إلّا أن يكون الأجير قاطعاً وجداناً ببطلان مذهب الميّت في المسألة واقعاً؛ فيعمل حينئذٍ على طبق مذهبه، و إن كان الأحوط عدم إجارة نفسه لها.

ص: 92

(مسألة 7): يجوز استئجار كلّ من الرجل و المرأة للآخر.

و في الجهر و الإخفات و التستّر و شرائط اللباس يراعى حال النائب لا المنوب عنه؛ فالرجل يجهر في الجهرية و لا يستر ستر المرأة و إن كان نائباً عنها، و المرأة مخيّرة في الجهر و الإخفات فيها و يجب عليها الستر بالكيفية التي لها و إن كانت نائبة عن الرجل (1).


1- جواز استئجار كلّ من الرجل و المرأة للآخر ممّا لا خلاف فيه من أحد من علمائنا. و يدلّ عليه- مضافاً إلى إطلاق أدلّة النيابة- خصوص بعض الأخبار، كرواية محمّد بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يحجّ عنهما و يصوم عنهما؛ فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيد اللَّه- عزّ و جلّ- ببرّه وصلته خيراً كثيراً»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 1.) و مضمرة علي بن أبي حمزة في أصله قال: سألته عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته، قال: «لا بأس به يوجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلة قرابته»، قلت: إن كان لا يرى ما أرى و هو ناصب؟ قال: «يخفّف عنه بعض ما هو فيه»(وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 8.) و رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: إنّ امّي هلكت و لم أتصدّق بصدقة منذ هلكت إلّا عنها، فيلحق ذلك بها؟ قال: «نعم»، قلت: و الصلاة؟ قال: «نعم»، قلت: و الحجّ؟ قال: «نعم»، ثمّ سألت أبا الحسن عليه السلام بعد ذلك عن الصوم، فقال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 280، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 17.) و ما رواه المفيد في «المقنعة» عن الفضل بن العبّاس قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فقالت: إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابّته؟ فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «فحجّي عن أبيكِ»(وسائل الشيعة 11: 64، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الباب 24، الحديث 4.) و وجه مراعاة حال النائب دون المنوب عنه في الجهر و الإخفات و التستّر و شرائط اللباس هو ظهور اعتبار تلك الخصوصيات في خصوص المصلّي. و في «المستمسك»: و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين حالتي الأصالة و النيابة(مستمسك العروة الوثقى 7: 130.)

ص: 93

(مسألة 8): قد عرفت سابقاً أنّ عدم وجوب الترتيب مطلقاً في القضاء

- خصوصاً فيما إذا جهل بكيفية الفوت- لا يخلو من قوّة؛ فيجوز استئجار جماعة عن واحد في قضاء صلواته، و لا يجب تعيين الوقت لهم. و يجوز لهم الإتيان في وقت واحدٍ؛ سيّما مع العلم بجهل الميّت أو الجهل بحاله (1).


1- قد تقدّم في البحث عن المسألة الثامنة من مسائل «القول في صلاة القضاء» وجه عدم وجوب مراعاة الترتيب في الصلوات الفائتة غير ما اعتبر الترتيب في أدائها، كالظهرين و العشاءين، و قلنا: إنّ العمدة في الاستدلال على الوجوب صحيح زرارة و الوشاء، و لكن الشهرة قائمة على عدم الوجوب. و نقول في المسألة: إنّه لمّا كانت النيابة عبارة عن تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه فلا جرم كان فعل النائب الأجير؛ تداركاً للقضاء الواجب على الميّت؛ فكما أنّ الميّت لو كان مؤدّياً حال حياته ما فات عنه لم يجب عليه مراعاة الترتيب، فكذلك نائبه. و يتفرّع على هذه المسألة: أنّه إذا استوجر جماعة لفوائت الميّت فبناءً على وجوب الترتيب يجب أن يعيّن الوقت لكلّ منهم، و يجب على كلّ واحد منهم إتيان ما استوجر عليه في الوقت الذي عيّن له. و لا يجوز لواحد منهم الإتيان في الوقت الذي عيّن للآخر. فالواجب على كلّ منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية مثل الظهر و أن يتمّ اليوم و الليلة في دوره، و أنّه إن لم يتمّ اليوم و الليلة بل مضى وقته و هو في الأثناء أن لا يحسب ما أتاه، و إلّا لاختلّ الترتيب، مثلًا إذا صلّى الظهر و العصر و انقضى وقته أو ترك البقية مع بقاء الوقت ففي اليوم الآخر يبدأ بالظهر و لا يحسب ما أتى به من الصلاتين. و لا يخفى: أنّ قول المصنّف رحمه الله «سيّما مع العلم بجهل الميّت أو الجهل بحاله» مبني على التفصيل بين صورة العلم بالترتيب و بين الجهل به؛ فإنّ بعض فقهائنا قال بوجوب الترتيب في صورة العلم به فقط.

ص: 94

ص: 95

(مسألة 9): لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل بلا إذن من المستأجر.

نعم لو تقبّل العمل من دون أن يؤاجر نفسه له يجوز أن يستأجر غيره له، لكن حينئذٍ لا يجوز أن يستأجره بأقلّ من الاجرة المجعولة له على الأحوط، إلّا إذا أتى ببعض العمل و إن قلّ (1).


1- إذا كان مورد الإجارة مباشرة نفس الأجير للعمل فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل بلا إذن من الموجر؛ فيجوز مع إذنه، و يكون إذنه له معاوضة بين الموجر و الأجير الثاني؛ فينتقل ما في ذمّة الأجير الأوّل إلى ذمّة الأجير الثاني، و يملكه الموجر بذلك الإذن. و أمّا إذا كان مورد الإجارة تحصيل العمل للموجر؛ سواء كان بمباشرة نفس الأجير أو بتسبيب منه و استئجار الغير؛ فيجوز للأجير استئجار الغير. و لكن حينئذٍ لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره بأقلّ من الاجرة المجعولة لنفسه، إلّا أن يكون آتياً ببعض العمل و لو قليلًا. و هذه المسألة مشهورة بين فقهائنا. و يدلّ عليه صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن الرجل يتقبّل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر، فيربح فيه، قال: «لا، إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئاً»(وسائل الشيعة 19: 132، كتاب الإجارة، الباب 23، الحديث 1.)، و نحوه صحيحه الآخر عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه، و يدفعه إلى آخر يربح فيه، قال: «لا»(وسائل الشيعة 19: 133، كتاب الإجارة، الباب 23، الحديث 4.)، و هذا الصحيح خالٍ عن الاستثناء المذكور في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام. و في «المستمسك»: و ليس لها معارض، سوى ما حكي عن الحلّي و الفاضل من روايتهما رواية أبي حمزة بدل قوله عليه السلام: «لا» «لا بأس»، لكن الظاهر أنّه سهو، كما في «مفتاح الكرامة»(مستمسك العروة الوثقى 7: 133.)

ص: 96

(مسألة 10): لو عيّن للأجير وقتاً و مدّة و لم يأت بالعمل أو تمامه في تلك المدّة

ليس له أن يأتي به بعدها إلّا بإذن من المستأجر، و لو أتى به فهو كالمتبرّع لا يستحقّ اجرة. نعم لو كان القرار على الإتيان في الوقت المعيّن بعنوان الاشتراط يستحقّ الاجرة المسمّاة لو تخلّف، و للمستأجر خيار الفسخ؛ لتخلّف الشرط، فإن فسخ يرجع إلى الأجير بالاجرة المسمّاة، و هو يستحقّ اجرة المثل للعمل (1).


1- لو عيّن للأجير وقتاً و مدّةً فإن لم يأت بالعمل أصلًا أو تمامه في تلك المدّة تبطل الإجارة أصلًا أو بالنسبة إلى المقدار الباقي من العمل، و ليس له أن يأتي به بعد تلك المدّة، و لا يستحقّ اجرة من ناحية تلك الإجارة. و لو أتى به فهو كالمتبرّع. نعم لو أذن المستأجر له بإتيانه بعد تلك المدّة يستحقّ الاجرة المسمّاة؛ فيكون الإذن منه إجارة جديدة إن عيّن للعمل وقتاً و مدّة، و إلّا فجعلٌ، هذا كلّه فيما كان القرار على الإتيان في المدّة المضروبة بطور التقييد في الإجارة. و أمّا إذا كان القرار المذكور بعنوان الاشتراط فيستحقّ الأجير الاجرة المسمّاة لو تخلّف، و للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط؛ فمع الفسخ يرجع إلى الأجير بالاجرة المسمّاة، و الأجير يستحقّ اجرة المثل للعمل؛ لاحترام عمله مع عدم قصده التبرّع.

ص: 97

(مسألة 11): لو تبيّن بعد العمل بطلان الإجارة استحقّ الأجير اجرة المثل بعمله،

و كذا إذا فسخت الإجارة من جهة الغبن أو غيره (1).

(مسألة 12): لو لم يعيّن كيفية العمل- من حيث الإتيان بالمستحبّات-

و لم يكن انصراف يجب الإتيان بالمستحبّات المتعارفة، كالقنوت و تكبيرة الركوع و نحو ذلك (2).


1- وجه استحقاق الأجير الاجرة في المسألة شمول القاعدة المعروفة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» لها بالإجماع، حيث إنّ العامل لم يقصد بعمله التبرّع. و لا يستحقّ اجرة المسمّى؛ لبطلان الإجارة. و احترام عمله مع إذن من المستأجر يقتضي استحقاق اجرة المثل.
2- وجه وجوب الإتيان بالمستحبّات المتعارفة هو انصراف إطلاق عقد الإجارة إلى العمل المتعارف، و الصلاة المتعارفة لمتعارف المؤمنين عبارة عن الصلاة مع الإقامة في كلّ من الصلوات اليومية، و الأذان في بعضها، و التسبيحات الأربعة ثلاث مرّات، و كلّ واحد من التسليمات الثلاث، و التكبيرات المستحبّة بعد الركوع و السجود؛ فيجب على الأجير إتيان كلّ ما يتعارف إتيانه في الصلاة لمتعارف المصلّين، و إن لم تشترط صريحاً في الإجارة. تمّت مباحث صلاة الاستئجار. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*.

ص: 98

ص: 99

البحث في صلاة الجمعة

[القول في وجوبها]

(مسألة 1): تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيّراً بينها و بين صلاة الظهر،

(مسألة 1): تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيّراً بينها و بين صلاة الظهر (1)،


1- لا إشكال و لا خلاف بين الفريقين في وجوب صلاة الجمعة في الجملة. بل قد ادّعى جماعة كثيرة من الفريقين الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: و أجمع المسلمون كافّةً على وجوب الجمعة(تذكرة الفقهاء 4: 8.) ، و في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: و قد اتّفقت الامّة على فرضيتها(الفقه على المذاهب الأربعة 1: 375.) بل هو من ضروريات الدين، كما ادّعاه جماعة. و في «الجواهر»: بل لعلّ وجوبها من الضروريات، بل ادّعاه بعضهم، و لا بأس به(جواهر الكلام 11: 152.)، انتهى. و لا خلاف بين أصحابنا في وجوبها التعييني في زمن حضور المعصوم عليه السلام و نائبه الخاصّ على كلّ مكلّف مع وجود الشرائط الآتية. و أمّا في زمن الغيبة- كهذه الأعصار- ففيه خلاف و أقوال: الأوّل: أنّها واجبة تعييناً، و إليه ذهب جماعة كثيرة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين، كالشيخ المفيد في «المقنعة»، و الشيخ في «التهذيب»- حيث اكتفى بنقل القول بوجوبه التعييني عن المفيد، و الاستدلال له بجملة من الأخبار، من غير تعرّض للإيراد عليه- و الحلبي، و الشيخ أبو الفتح الكراجكي و الكليني في «الكافي»، و الصدوق في «الفقيه» و «المقنع»، و الشهيدين في رسالتهما الموضوعة في صلاة الجماعة، و صاحب «الحدائق»، و صاحب «المدارك»، و غيرهم. الثاني: أنّها واجبة تخييراً، مع كون الإمام فقيهاً جامعاً لشرائط الإفتاء. و إليه ذهب جماعة من المتأخّرين و كثير من متأخّريهم. الثالث: أنّها واجبة تخييراً، و لا يشترط في إمامها إلّا شروط إمام الجماعة. الرابع: أنّها حرام، ذهب إليه السلّار في «المراسم» و ابن إدريس في «السرائر». و في «مفتاح الكرامة»: و قد يلوح من «جمل» علم الهدى و الشيخ و «الوسيلة» و كذا «الغنية» المنع، كما يأتي نقل كلامهم. و هو المحكي عن الطبرسي و الفاضل التوني. الخامس: التوقّف، و هو الظاهر من العلّامة رحمه الله في جهاد «التذكرة» حيث اقتصر على نسبة الجواز إلى جماعة و المنع إلى آخرين، من غير اختيار شي ء منهما. و لا بأس بالإشارة إجمالًا إلى أدلّة الأقوال:% و استدلّ للقول الأوّل بالآية الشريفة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(الجمعة( 62): 9.) وجه الاستدلال: أنّ المراد ب «الذكر» المأمور بالسعي إليه في الآية الشريفة، صلاة الجمعة أو خطبتها أو هما معاً باتّفاق المفسّرين، و الأمر للوجوب، و إطلاق الأمر يقتضي كون الوجوب عينياً و تعيينياً، على ما حقّق في الاصول. و الأخبار الدالّة على وجوبها فوق حدّ التواتر(راجع وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1.) و في «الحدائق»- حاكياً عن رسالة مبسوطة في تحقيق هذه المسألة للفقيه المحدّث محمّد تقي المجلسي والد صاحب «البحار»-: فالذي يدلّ على الوجوب بصريحه من الصحاح و الحسان و الموثّقات و غيرها، أربعون حديثاً ... إلى أن قال: و أكثرها أيضاً يدلّ على الوجوب العيني(الحدائق الناضرة 9: 390.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ الأخبار الدالّة على وجوبها العيني كثيرة: منها: مرسل الصدوق قال: و خطب أمير المؤمنين عليه السلام في الجمعة، فقال: «الحمد للَّه الولي الحميد ...» إلى أن قال: «و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن، إلّا على الصبي و المريض و المجنون و الشيخ ...»(وسائل الشيعة 7: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 6.) الحديث. و منها: صحيح أبي بصير و محمّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه- عزّ و جلّ- فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 14.) و منها: صحيح منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «الجمعة واجبة على كلّ أحد، لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 300، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 16.) و منها: مرسل المحقّق قال: و قال عليه السلام: «الجمعة واجبة على كلّ مسلم في جماعة»(وسائل الشيعة 7: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 23.) و منها: ما رواه الشهيد الثاني في «رسالة الجمعة» قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم، إلّا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»(وسائل الشيعة 7: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 24.) و منها: صحيح آخر لمنصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم. و الجمعة واجبة على كلّ أحد»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 7.) و استدلّ للقول الثاني: بأنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو الوجوب التخييري؛ حيث إنّ وجوب صلاة الجمعة بحسب أصل وضعه في الشرع مشروط بأن يقيمها النبي أو خلفاؤه المعصومون عليهم السلام و في زمان عدم حضورهم أو كونهم غير مبسوطي اليد يجب على المكلّفين في ظهر يوم الجمعة صلاة أربع ركعات. و مع ذلك لو اجتمعوا للجمعة بالعدد المعتبر تصحّ لهم الجمعة، مع بقاء مشروعية الظهر. و في «صلاة» آية اللَّه الحائري رحمه الله: و الأخبار التي قدّمناها بين ما يدلّ على أنّ الجمعة لا تصلح أو لا تصحّ إلّا بواسطة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أو خلفائه، و بين ما يدلّ على أنّه مع عدم حضورهم أو بسط يدهم يصلّون الظهر أربع ركعات، و إن شاءوا أن يجتمعوا للجمعة بالعدد المعتبر فلهم أن يصلّوا الجمعة(الصلاة، المحقّق الحائري: 665.) ، انتهى. و أمّا اشتراط كون إمامها فقيهاً جامعاً لشرائط الفتوى، فقد ادّعى جماعة كثيرة من القائلين بالوجوب التخييري الإجماع عليه؛ ففي «جامع المقاصد»: لا نعلم خلافاً بين أصحابنا في أنّ اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الإمام أو غيبته، و عبارات الأصحاب ناطقة بذلك ... إلى أن قال: فلا يشرع فعل الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط(جامع المقاصد 2: 379.) و للقول الثالث: بما ذكر في الاستدلال للقول الثاني بالنسبة إلى الوجوب التخييري. و يستدلّ لعدم اشتراط كون الإمام فقيهاً جامعاً لشرائط الفتوى بإطلاق بعض الأخبار، كصحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: على من تجب الجمعة؟ قال: «تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) و نحوه غيره من الروايات، مع عدم وجود دليل على التقييد بكون إمام الجمعة فقيهاً جامعاً لشرائط الإفتاء.% و استدلّ للقول الرابع بوجوه ضعيفة: الأوّل: أنّ شرط انعقاد الجمعة هو وجود المعصوم عليه السلام أو من نصبه لها، و الشرط في حال الغيبة منتفٍ، و انتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط. الثاني: الأخبار الدالّة على أنّ صلاة الجمعة و إمامتها من مختصّات الإمام عليه السلام، و لا تصحّ إلّا به أو نائبه الخاصّ، و نذكر بعضها: منها: رواية «دعائم الإسلام» عن علي عليه السلام أنّه قال: «لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا للإمام أو من يقيمه الإمام»(دعائم الإسلام 1: 182، مستدرك الوسائل 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 4.) و منها: المروي عن كتاب «الأشعثيات» مرسلًا: «أنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين»(الأشعثيات: 43( مع تفاوت)، انظر جواهر الكلام 11: 158.) و منها: ما روي عنهم عليهم السلام من: «أنّه لنا الخمس، و لنا الأنفال، و لنا الجمعة، و لنا صفو المال»(انظر جواهر الكلام 11: 158.) و منها: النبوي: «أربع إلى الولاة: الفي ء و الحدود و الجمعة و الصدقات»(نصب الراية 3: 326/ 16، انظر جواهر الكلام 11: 158.) الثالث: دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في «الصحيفة» في دعائه في الأضحى و الجمعة: «اللهمّ إنّ هذا يوم مبارك، و المسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك، يشهد السائل منهم و الطالب و الراغب و الراهب، و أنت الناظر في حوائجهم ...» إلى أن قال: «اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها و أنت أعلم به، غير متّهم على خلقك و لا إرادتك، حتّى صار صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلًا، و كتابك منبوذاً، و فرائضك محرّفة عن جهات إشراعك، و سنن نبيّك متروكة، اللهمّ العن أعداءهم من الأوّلين و الآخرين و من رضي بفعالهم و أشياعهم و أتباعهم»(الصحيفة السجّادية: 281، الدعاء 48.) و الأقوى عندنا هو القول الثالث. و قد علم وجهه ممّا ذكرناه في الاستدلال على القول بالوجوب التخييري، و على القول بعدم اشتراط كون إمام الجمعة فقيهاً جامعاً لشرائط الفتوى، فراجع.

ص: 100

ص: 101

ص: 102

ص: 103

ص: 104

ص: 105

و الجمعة أفضل و الظهر أحوط، و أحوط من ذلك الجمع بينهما، فمن صلّى الجمعة سقطت عنه صلاة الظهر على الأقوى، لكن الأحوط الإتيان بالظهر بعدها و هي ركعتان كالصبح (1).


1- الجمعة أفضل فردي الواجب التخييري. و هو الظاهر من صحيح زرارة، قال: حثّنا أبو عبد اللّه عليه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: «لا، إنّما عنيت عندكم»(وسائل الشيعة 7: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 1.) و موثّق عبد الملك عن أبي جعفر عليه السلام قال: «مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللَّه»، قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: «صلّوا جماعة؛ يعني صلاة الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 2.) وجه الظهور: ترغيب المعصوم عليه السلام مثل زرارة و عبد الملك على فعل الجمعة. و الوجه في كون الظهر أحوط، فتوى جماعة بحرمة الجمعة، و هو مقتضى قاعدة الاشتغال؛ فإنّ كلّ أحد في زمن الغيبة مكلّف بأحد الأمرين: إمّا الجمعة، أو الظهر قطعاً، و بعد انتفاء الوجوب العيني للجمعة في زمن الغيبة يكون الظهر مبرئاً للذمّة قطعاً، بخلاف الجمعة؛ لأنّها إمّا جائزة أو محرّمة، فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالظهر. و فيه: أنّه كيف تحصل البراءة اليقينية بالظهر مع قول أصحابنا الأخباريين بالوجوب التعييني للجمعة في زمن الغيبة و حرمة الظهر، و تخطئتهم، بل سبّهم و طعنهم أصحابنا الاصوليين القائلين بالوجوب التخييري، فضلًا عن القائلين بالحرمة؟! و الوجه في كون الجمع بين الظهر و الجمعة أحوط من الأحوط، هو العمل بفتوى كلا الفريقين و إتيان ما هو الواجب في الواقع، و بالجمع بينهما يحصل اليقين بالبراءة. و أمّا وجه كون الجمعة ركعتين كالصبح، فسيأتي في الفرع الخامس من الفروع التي يعنونها المصنّف قدس سره في ذيل مباحث صلاة الجمعة.

ص: 106

ص: 107

(مسألة 2): من ائتمّ بإمام في الجمعة جاز الاقتداء به في العصر،

لكن لو أراد الاحتياط أعاد الظهرين بعد الائتمام، إلّا إذا احتاط الإمام- بعد صلاة الجمعة قبل العصر- بأداء الظهر، و كذا المأموم، فيجوز الاقتداء به في العصر و يحصل به الاحتياط (1).

(مسألة 3): يجوز الاقتداء في الظهر الاحتياطي،

فإذا صلّوا الجمعة جاز لهم صلاة الظهر جماعة احتياطاً، و لو ائتمّ بمن يصلّيها احتياطاً من لم يصلّ الجمعة، لا يجوز له الاكتفاء بها، بل تجب عليه إعادة الظهر (2).


1- من ائتمّ بإمام في الجمعة فقد سقط التكليف عن كلّ من الإمام و المأموم بالنسبة إلى الجمعة، بناءً على كلّ من القولين- أي القول بالوجوب التعييني، و القول بالوجوب التخييري- و لم يبق في ذمّتهما إلّا صلاة العصر. فحينئذٍ: يجوز للمأموم أن يقتدي بالإمام في العصر. و لكن لو أراد المأموم العمل بالاحتياط أعاد الظهرين بعد إتمام العصر جماعةً؛ و ذلك لما ذكر في وجه كون الظهر أحوط من فتوى جماعة بحرمة الجمعة. فعلى تلك الفتوى تكون الجمعة باطلة، و بطلانها يوجب بطلان العصر المترتّبة صحّتها على وقوع الجمعة صحيحة قبلها حال العمد. نعم، لو احتاط الإمام و المأموم كلاهما بإتيان الظهر بعد صلاة الجمعة جاز للمأموم الاقتداء به في العصر، و به يحصل الاحتياط؛ لترتّب العصر على الفريضة المأتية قبلها- إمّا الجمعة أو الظهر- من غير حاجة للمأموم في احتياطه إلى أداء الظهرين بعد إتمام العصر جماعةً.
2- إذا صلّوا الجمعة جازت لهم صلاة الظهر جماعةً احتياطاً، على القول بالوجوب التخييري في زمن الغيبة؛ لكون الظهر إحدى فردي الواجب التخييري مع تطابق نية الإمام و المأموم. و أمّا من لم يصلّ الجمعة فإذا أراد أن يصلّي الظهر فلا يجوز له أن يقتدي بمن يصلّي الظهر احتياطاً بعد أداء الجمعة؛ و ذلك لعدم إحراز المأموم مشروعية صلاة الإمام الاحتياطية. و سيأتي البحث في مشروعية الجماعة في صلاة الاحتياط في المسألة الاولى من مسائل «فصل في صلاة الجماعة».

ص: 108

ص: 109

القول في شرائط صلاة الجمعة

[الشرائط]
اشارة

و هي امور:

الأوّل: العدد،

و أقلّه خمسة نفر أحدهم الإمام، فلا تجب و لا تنعقد بأقلّ منها. و قيل: أقلّه سبعة نفر، و الأشبه ما ذكرناه، فلو اجتمع سبعة نفر و ما فوق تكون الجمعة آكد في الفضل (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في اشتراط العدد في وجوب الجمعة، بل قام الإجماع بقسميه عليه. و الأخبار في اعتباره في الجملة في حدّ الاستفاضة، بل متواترة. و كذا لا خلاف في عدم اعتبار أزيد من سبعة، أحدهم الإمام. و إنّما الخلاف في المقدار المعتبر من العدد؛ فقيل: خمسة و الإمام أحدهم، و قيل: سبعة نفر. و القول بالخمسة هو قول الشيخ المفيد و المرتضى و أبناء الجنيد و أبي عقيل و إدريس و المحقّق و العلّامة و غيرهم، و هو الأشهر كما في «الجواهر»، و في «جامع المقاصد»(جامع المقاصد 2: 383.) و عن غيره: أنّه المشهور. و نسب القول بالسبعة إلى الشيخ و الصدوق و بني حمزة و زهرة و البرّاج و الشهيد في «الذكرى» و صاحب «المدارك» و صاحب «الحدائق» و العلّامة الطباطبائي في «منظومته» و غيرهم. و منشأ اختلافهم اختلاف الأخبار؛ فمنها ما يدلّ على انعقاد الجمعة بالخمسة، و منها ما يدلّ على اعتبار السبعة: فممّا يدلّ على اعتبار الخمسة صحيح زرارة، قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة»(وسائل الشيعة 7: 303، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 2.) و مفهوم صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تكون جماعة بأقلّ من خمسة»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 5.) و صحيح الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 6.) و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبة على كلّ أحد»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 7.) و موثّق ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 8.) و مرسل ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا، عن محمّد بن حكيم و غيره، عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الجمعة قال: «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمّعوا»(وسائل الشيعة 7: 306، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 11.) و ما يدلّ على اعتبار السبعة من الأخبار على قسمين: قسم يدلّ على عدم الاكتفاء بأقلّ منها، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين (المؤمنين)، و لا تجب على أقلّ منهم: الإمام، و قاضيه، و المدّعي حقّاً، و المدّعى عليه، و الشاهدان، و الذي يضرب الحدود بين يدي الإمام»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 9.) و صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة ...» إلى أن قال: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 10.) و قسم آخر يدلّ على الاكتفاء بأحد الأمرين: الخمسة أو السبعة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 303، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 3.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام على من تجب الجمعة؟ قال: «تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) الأقوى هو القول باعتبار الخمسة؛ للأخبار المذكورة، و حمل أخبار السبعة على الفضيلة المؤكّدة، و هو مقتضى الجمع بين الأخبار. و في «صلاة» الحائري رحمه الله: فالأولى، بل المتعيّن حملها- أي أخبار الخمسة و أخبار السبعة- على مرتبتي الفضل؛ بمعنى أنّ عقد الجمعة بكلّ من العددين يصحّ و يكون طرفاً للتخيير بين الجمعة و الظهر، و لكن عقدها بسبعة نفر فما زاد أفضل من عقدها بخمسة(الصلاة، المحقّق الحائري: 668.) ، انتهى. و جمع صاحب «الحدائق» و النراقي في «مستند الشيعة» بين أخبار الخمسة و أخبار السبعة بحمل الاولى على الوجوب التخييري، و الثانية على الوجوب التعييني. و فيه: أنّ هذا الحمل لا يصحّ على مذهب القائلين بالوجوب التخييري في زمن قصور يد المعصوم عليه السلام، مع ورود أخبار السبعة أيضاً في زمن قصور أيديهم. ثمّ إنّ العامّة اختلفوا في العدد؛ فعن الشافعي: أنّها لا تنعقد بأقلّ من أربعين رجلًا، و عن أحمد: أنّها لا تنعقد بأقلّ من خمسين، و عن أبي حنيفة: أنّها تنعقد بأربعة أحدهم الإمام، و قيل غير ذلك من الأقوال، و استندوا في أقوالهم على وجوه واهية.

ص: 110

ص: 111

ص: 112

الثاني: الخطبتان،

و هما واجبتان كأصل الصلاة، و لا تنعقد الجمعة بدونهما (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في وجوب الخطبتين، كأصل الصلاة. و الخطبتان واجبتان شرطاً؛ لصحّة الجمعة، بخلاف العدد فإنّه شرط لأصل وجوب الجمعة، و وجوبهما ممّا أجمع به الأصحاب، و به قال أكثر العامّة. و قال مالك و أحمد في رواية بالاجتزاء بخطبة واحدة. و يدلّ على وجوبهما- مضافاً إلى الإجماع بكلا قسميه- ما رواه المحقّق في «المعتبر» نقلًا عن «جامع البزنطي» عن داود بن الحصين، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا جمعة إلّا بخطبة، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 9.) و رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة لأنّ الجمعة أمر دائم و تكون في الشهر مراراً و في السنة كثيراً، و إذا كثر ذلك على الناس ملّوا و تركوا و لم يقيموا عليه و تفرّقوا عنه؛ فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة و لا يتفرّقوا و لا يذهبوا. و أمّا العيدين فإنّما هو في السنة مرّتين، و هو أعظم من الجمعة، و الزحام فيه أكثر و الناس فيه أرغب، فإن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم، و ليس هو كثيراً فيملّوا و يستخفّوا به»(وسائل الشيعة 7: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 4.) . و لا يخفى: أنّ هذه الرواية تدلّ على وجوب أصل الخطبة، و لا تعرّض فيها لتعدادها. و ذيل صحيح معاوية بن وهب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أوّل من خطب و هو جالس معاوية، و استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه، و كان يخطب خطبة و هو جالس، و خطبة و هو قائم يجلس بينهما»، ثمّ قال: «الخطبة و هو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 2.) و في «مستند الشيعة»: فإنّ إيجاب القعود بين الخطبتين يستلزم إيجابها من باب المقدّمة(مستند الشيعة 6: 65.) ، انتهى. و يؤيّده الأخبار الواردة في أحكام استماع الخطبتين، و الكلام في أثنائهما، و كيفية الخطبتين و ما يعتبر فيهما. و بعضها لا يخلو من الإشعار بوجوبهما: كصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و نحوهما غيرهما من روايات الباب. و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في خطبة يوم الجمعة، و ذكر خطبة مشتملة على حمد اللَّه و الثناء عليه و الوصية بتقوى اللَّه و الوعظ ... إلى أن قال: «و اقرأ سورة من القرآن، و ادع ربّك، و صلّ على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و ادع للمؤمنين و المؤمنات، ثمّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمّ تقوم و تقول ...» و ذكر الخطبة الثانية؛ و هي مشتملة على حمد اللَّه و الثناء عليه، و الوصية بتقوى اللَّه، و الصلاة على محمّد و آله، و الأمر بتسمية الأئمّة عليهم السلام إلى آخرهم، و الدعاء بتعجيل الفرج ... إلى أن قال: «و يكون آخر كلامه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ...»(النحل( 16): 90.) الآية»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب - يعني إمام الجمعة- و هو قائم، يحمد اللَّه و يثني عليه، ثمّ يوصي بتقوى اللَّه، ثمّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة (قصيرة) ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد اللَّه و يثني عليه و يصلّي على محمّد صلى الله عليه و آله و سلم و على أئمّة المسلمين، و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذّن فصلّى بالناس ركعتين يقرأ في الاولى بسورة الجمعة و في الثانية بسورة المنافقين»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و صحيح ثالث لمحمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: «أذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(الإخلاص( 112): 1.) ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 3.) و غيرها من روايات الباب.

ص: 113

ص: 114

ص: 115

ص: 116

الثالث: الجماعة،

فلا تصحّ الجمعة فرادى (1).


1- اشتراط الجماعة في صحّة صلاة الجمعة إجماعي بين فِرق المسلمين، و لم يخالف أحدٌ منهم فيه. و يدلّ عليه صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّما فرض اللَّه- عزّ و جلّ- على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واحدة فرضها اللَّه- عزّ و جلّ- في جماعة؛ و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: «صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل من غير علّة ثلاث جُمَع فقد ترك ثلاث فرائض، و لا يدع ثلاث فرائض من غير علّة إلّا منافق»(وسائل الشيعة 7: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 8.) و صحيح أبي بصير و محمّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 14.) وجه الاستدلال به: أنّ وجوب حضورهم للصلاة الواجبة كناية عن إقامتها جماعةً. و استدلّ صاحب «الحدائق» لوجوب الجماعة بصحيح عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة، و يتوكّأ على قوس أو عصا، و ليقعد قعدةً بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة، و يقنت في الركعة الاولى منهما قبل الركوع»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 5.) و فيه: أنّ هذا الصحيح مشتمل على ذكر بعض المستحبّات، فمع قطع النظر عن الإجماع و الصحاح المذكورة الدالّة على وجوب الجماعة فيها، يشكل التمسّك به في إثبات وجوبها.

ص: 117

الرابع: أن لا يكون هناك جمعة اخرى و بينهما دون ثلاثة أميال،

فإذا كان بينهما ثلاثة أميال صحّتا جميعاً. و الميزان هو البعد بين الجمعتين، لا البلدين اللذين ينعقد فيهما الجُمعة، فجازت إقامة جُمُعات في بلاد كبيرة تكون طولها فراسخ (1).


1- يشترط في صحّة الجمعة أن لا يكون هناك جمعة اخرى و بينهما دون ثلاثة أميال- أي أقلّ من فرسخ- و هو إجماعي عند أصحابنا. و حكي عن ابن فهد جوازها في أقلّ منها، و لم يحك ما يدلّ عليه، و خلافه غير قادح في الإجماع. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال- يعني لا تكون جمعة إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال- و ليس تكون جمعة إلّا بخطبة»، قال: «فإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء و يجمع هؤلاء»(وسائل الشيعة 7: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 1.) و ذيل موثّقه عنه عليه السلام قال: «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين، و معنى ذلك: إذا كان إمام عادل». و قال: «إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء، و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 2.) و قال النراقي في «مستند الشيعة»: دلّتا بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- بتجميع الطائفتين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال، مضافاً إلى نفيهما أقلّ هذه المسافة بين الجماعتين؛ بأن يبقى النفي على ظاهره و حملت الجمعة أو الجماعة على الصحيحة، أو يحمل على النهي تجوّزاً(مستند الشيعة 6: 100.) ، انتهى. ثمّ إنّ الميزان في هذا الشرط هو البعد بين الجمعتين، لا البلدين اللذين تنعقد فيهما الجمعة، و هو الظاهر المصرّح به في الصحيح و الموثّق المزبورين. فعلى هذا جازت إقامة الجمعتين- بل جمعات- في بلاد كبيرة يكون الفصل بين جُمعاتها بثلاثة أميال. و عن الشافعي و مالك: أنّه لا تقام الجمعة في المصر الواحد إلّا في موضع واحد و إن تباعدت أقطاره. و عن أحمد: أنّه إذا كبر البلد جاز أن تقام فيه جمعتان و أكثر مع الحاجة، و لا يجوز مع عدمها. و لم ينقل عن أبي حنيفة ما هو الميزان.

ص: 118

ص: 119

[أحكام الشروط]
(مسألة 1): لو اجتمع خمسة نفر للجمعة، فتفرّقوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل الصلاة،

و لم يعودوا، و لم يكن هناك عدد بقدر النصاب، تعيّن على كلّ صلاة الظهر (1).

(مسألة 2): لو تفرّقوا في أثناء الخطبة ثمّ عادوا،

فإن كان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّى الواجب، فالظاهر عدم وجوب إعادتها و لو طالت المدّة، كما أنّه كذلك لو تفرّقوا بعدها فعادوا. و إن كان قبل تحقّق الواجب منها، فإن كان التفرّق للانصراف عن الجمعة فالأحوط استئنافها مطلقاً، و إن كان لعذر كمطر- مثلًا- فإن طالت المدّة بمقدار أضرّ بالوحدة العرفية، فالظاهر وجوب الاستئناف، و إلّا بَنَوا عليها و صحّت (2).


1- وجه سقوط وجوب الجمعة و تعيّن صلاة الظهر على المتفرّقين و كذا على الباقين إذا كانوا أقلّ من خمسة نفر، هو انتفاء شرطه؛ أعني الجماعة.
2- هنا مسألتان: الاولى: أنّه لو تفرّقوا في أثناء الخطبة و لم يبق العدد المعتبر من الجماعة، ثمّ عادوا و تحقّق العدد المعتبر، و كان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّى الواجب من الخطبة- أي بعض من مجموع التحميد للَّه تعالى، و الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام، و الإيصاء بتقوى اللَّه، و قراءة سورة خفيفة- فالظاهر عدم وجوب إعادتها و لو طالت مدّة العود؛ و ذلك لإطلاق أدلّة وجوب الخطبة، حيث إنّها غير مقيّدة باستدامة اجتماع العدد المعتبر من أوّل الخطبة إلى آخرها. و مقتضى الأصل عدم اشتراط الموالاة. و الإطلاق و الأصل المذكوران، مقتضاهما عدم وجوب إعادة الخطبة أيضاً فيما لو تفرّقوا بعد الخطبة فعادوا قبل الشروع في صلاة الجمعة. الثانية: لو تفرّقوا في أثناء الخطبة قبل تحقّق مسمّى الواجب منها، و كان تفرّقهم للانصراف عن الجمعة، ثمّ عادوا، فالأحوط- بل الأقوى- وجوب استئناف الخطبة مطلقاً- أي سواءٌ قصرت المدّة أو طالت- لعدم حصول الامتثال. و أمّا لو كان تفرّقهم لعذر- كمطر مثلًا- فإن طالت المدّة بمقدار مضرّ بوحدة الخطبة عرفاً، فالظاهر وجوب الاستئناف؛ لأنّ المقدار المقروّ قبل التفرّق مع طول مدّة العود و عدم تحقّق مسمّى الواجب صار بحكم العدم، و لا يصلح للبناء عليه و إدامتها؛ فوجب الاستئناف. و أمّا إذا قصرت مدّة العود- بحيث لا تضرّ عرفاً بوحدة الخطبة- بنوا عليها و صحّت.

ص: 120

(مسألة 3): لو انصرف بعضهم قبل الإتيان بمسمّى الواجب،

و رجع من غير فصل طويل، فإن سكت الإمام في غيبته اشتغل بها من حيث سكت، و إن أدامها و لم يسمعها الغائب أعادها من حيث غاب و لم يدركها (1)،


1- الوجه في اشتغال الإمام بالخطبة من حيث سكت فيما رجع بعضهم المنصرف من غير فصل طويل، هو بقاء الوحدة العرفية للخطبة مع إدراكه تمام الخطبة الموجب لإدراك نصاب الجمعة- أعني خمسة نفر- الخطبةَ، هذا فيما سكت الإمام في الفاصلة القليلة بين انصراف بعضهم و بين رجوعه. و أمّا لو لم يسكت الإمام و أدام الخطبة، و لم يسمعها الغائب في تلك الفاصلة، أعادها من حيث غاب و لم يدركها؛ و ذلك لاشتراط العدد في الواجب من الخطبة كالصلاة، و قد انتفى هذا الشرط بانصراف بعضهم و عدم سماعه حين تحقّق مسمّى الواجب من الخطبة بإدامة الإمام إيّاها. قال العلّامة في «التذكرة»: و لو انفضّوا في أثناء الخطبة أعادها بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها، و إن سمعوا الواجب منها أجزأ(تذكرة الفقهاء 4: 41.)، انتهى. و عن الشهيد في «الذكرى»: لو انفضّوا في أثناء الخطبة سقطت، فلو عادوا أعادها من رأس إن كانوا لم يسمعوا أركانها، و لو سمعوا بنى- سواء طال الفصل، أو لا- لحصول مسمّى الخطبة، و لم يثبت اشتراط الموالاة، إلّا أن نقول: هي كالصلاة، فيعيدها(ذكرى الشيعة 4: 110.)، انتهى.

ص: 121

و إن لم يرجع إلّا بعد فصل طويل- يضرّ بوحدة الخطبة عرفاً- أعادها (1)، و إن لم يرجع و جاء آخر تجب استئنافها مطلقاً (2).

(مسألة 4): لو زاد العدد على نصاب الجمعة، لا يضرّ مفارقة بعضهم مطلقاً بعد بقاء مقدار النصاب.

(مسألة 4): لو زاد العدد على نصاب الجمعة، لا يضرّ مفارقة بعضهم مطلقاً بعد بقاء مقدار النصاب (3).


1- و ذلك لما ذكرناه في شرح المسألة الثانية من أنّ المقروّ قبل انصراف بعضهم مع طول مدّة العود صار بحيث لا يصلح لاتّصال بقية الخطبة إليه، فتجب إعادتها.
2- أي سواء كان مجي ء الآخر قبل الإتيان بمسمّى الواجب من الخطبة، أو بعده؛ فتجب استئنافها؛ لتجدد النصاب بعد هدمه بانصراف بعضهم و عدم رجوعه.
3- و وجهه واضح، حيث إنّ شرط الوجوب- و هو وجود النصاب- موجود في مفروض المسألة، و مفارقة بعضهم مع بقاء النصاب بالباقين ليست مانعة؛ سواءٌ عاد بعد مفارقته، أو لم يعد.

ص: 122

(مسألة 5): إن دخل الإمام في الصلاة، و انفضّ الباقون قبل تكبيرهم و لم يبقَ إلّا الإمام،

فالظاهر عدم انعقاد الجمعة (1)،


1- أي الظاهر من قول أبي جعفر عليه السلام: «و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) ، هو عدم انعقاد الجمعة فيما لو تفرّق الباقون قبل تكبيرهم؛ لانتفاء شرط وجوب الجمعة في الابتداء، فضلًا عن الاستدامة. و في «الجواهر»: فالتحقيق: أنّ الجمعة للإمام تستقرّ بدخول العدد معه كما هو واضح، و افتتاحه لها على ذلك بتخيّل لحوق الشرط لا يصيّرها كذلك، و إن فات(جواهر الكلام 11: 206.)، انتهى. و في «مفتاح الكرامة»: يؤيّده قوله عليه السلام: «فرضها اللَّه في جماعة» ، و قوله عليه السلام: «لا جمعة لأقلّ من خمسة» . فانعقادها مشروط بالعدد، و انعقادها للإمام من دون العدد متزلزل، إنّما يستقرّ بالجميع(مفتاح الكرامة 3: 103/ السطر 24.)، انتهى. و نسب إلى الشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» صحّة صلاة الإمام جمعةً، و استوجهه في «المدارك»، و استظهره في «كشف اللثام». و فيه: أنّ الظاهر من النصوص خلافه، كما ذكرناه.

ص: 123

و هل له العدول إلى الظهر، أو يجوز إتمامها ظهراً من غير نية العدول، بل تكون ظهراً بعد عدم انعقاد الجمعة فيتمّها أربع ركعات؟ فيه إشكال، و الأحوط نيّة العدول و إتمامها ثمّ الإتيان بالظهر، و أحوط منه إتمامها جمعة ثمّ الإتيان بالظهر و إن كان الأقرب بطلانها، فيجوز رفع اليد عنها و الإتيان بالظهر (1).


1- وجه العدول إلى الظهر هو: أنّ صلاة الإمام انعقدت صحيحة حين كبّر، و لا تجوز له إدامتها جمعةً بعد الالتفات إلى انتفاء شرطها بتفرّق الباقين؛ فجاز له العدول كما في سائر موارده، كالعدول عن اللاحقة إلى السابقة. و وجه إتمامها ظهراً من غير نية العدول، بل كونها ظهراً بعد عدم انعقاد الجمعة هو: أنّه لمّا انعقدت صلاة الإمام صحيحة ابتداءً حين شروعها، و لم تصلح أن تكون جمعة استدامةً- لانتفاء شرطها- صارت ظهراً بالطبع، فيتمّها أربع ركعات. و فيه: أنّ انعقادها صحيحة حين شروعها أوّل الكلام، بل تنعقد باطلة، و لا تصلح جمعة لانتفاء شرطها، و لا ظهراً لعدم كونها منوية؛ لا ابتداءً و لا ثانياً بالعدول إليها. فالأحوط عند المصنّف رحمه الله العدول إليها و إتمامها ظهراً ثمّ الإتيان بالظهر. أحوط منه إتمامها جمعةً، ثمّ الإتيان بالظهر. و لا وجه لهذا الاحتياط بعد عدم صلاحية كونها جمعةً و لا ظهراً ابتداءً، فالأقرب بطلانها و إتيان الظهر.

ص: 124

(مسألة 6): إن دخل العدد- أي أربعة نفر مع الإمام- في صلاة الجمعة و لو بالتكبير، وجب الإتمام

و لو لم يبقَ إلّا واحد على قول معروف، و الأشبه بطلانها؛ سواء بقي الإمام و انفضّ الباقون أو بعضهم، أو انفضّ الإمام و بقي الباقون أو بعضهم، و سواء صلّوا ركعة أو أقلّ. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام جمعة ثمّ الإتيان بالظهر. نعم لا يبعد الصحّة جُمعة إذا انفضّ بعض في أخيرة الركعة الثانية، بل بعد ركوعها، و الاحتياط بإتيان الظهر مع ذلك بعدها لا ينبغي تركه (1).


1- قد ادّعى جماعة من فقهائنا نفي الخلاف في وجوب إتمام صلاة الجمعة على من دخل في الجمعة- و لو بالتكبير- مع وجود الشرائط، و لو انفضّ كلّهم و لم يبق إلّا هو؛ سواء كان الباقي مأموماً أو إماماً، و سواء صلّوا ركعة أو أقلّ. و علّلوا وجوب الإتمام: بأنّ العدد معتبر في الابتداء، دون الاستدامة عند الأصحاب. قال صاحب «المدارك» في شرح عبارة «الشرائع»: «و إن دخلوا في الصلاة- و لو بالتكبير- وجب الإتمام، و لو لم يبق إلّا واحد»(شرائع الإسلام 1: 85.) ، قال: «المراد بقاء واحدٍ من العدد؛ سواء كان الإمام أو غيره من المأمومين، و هذا الحكم- أعني وجوب الإتمام مع تلبّس العدد المعتبر بالصلاة و لو بالتكبير- مذهب الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً؛ للنهي عن قطع العمل، و لأنّ اشتراط استدامة العمل منفي بالأصل، و لا يلزم من اشتراطه ابتداءً اشتراطه استدامة كالجماعة»(مدارك الأحكام 4: 29.)، انتهى. و أورد عليه الوحيد البهبهاني في «حاشية المدارك»: بأنّ الظاهر من الأخبار اشتراط استدامة العدد، و عدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة، بل هو في الصلاة التي هي اسم للمجموع، فإن كان إجماع، و إلّا أشكل الحكم(حاشية مدارك الأحكام، ضمن مدارك الأحكام: 189، ذيل قوله: اشتراط استدامته،( ط- حجري).) ، انتهى. و صاحب «الجواهر»- بعد أن قال: إنّ تحصيل الإجماع في المقام في غاية الصعوبة- قال: نعم يمكن دعوى ظهور نصوص العدد- و لو بمعونة هذه الشهرة العظيمة- في اعتبار ذلك في عقد الجمعة، بل لا ينكر قابليتها لإرادة ذلك؛ فتحمل- حينئذٍ- عليه. و يبقى استصحاب حكم الجمعة للمتلبّس بحاله، مؤيّداً بالنهي عن إبطال العمل. لكن ظاهر الأصحاب في المقام- بل صريح الشيخ و جماعة- ذلك و إن بقي الإمام وحده. بل صرّح آخرون به فيما لو بقي مأموم وحده. و قد يشكل بأنّ عدم اعتبار العدد في الاستدامة لا يقضي بعدم اعتبار الجماعة فيها أيضاً. فالمتّجه: وجوب اعتبارها مع الإمكان، و لو باستخلاف إمام جديد منهم- إذا كان المنفضّ الإمام- و البطلان مع عدمه. إلّا بناءً على أنّ فوات الجماعة اضطراراً غير قادح، و أنّ المسبوق و نحوه ممّا هو مستفاد من الأدلّة لا خصوصية له، و فيه بحث. و حينئذٍ يمكن حمل المتن و ما شابهه على إرادة بقاء واحد مع الإمام لتحصيل مسمّى الجماعة ... إلى أن قال رحمه الله: و لعلّ كلمات الأصحاب في المقام مساقة لعدم اعتبار استمرار العدد، و هو مسألة اخرى غير الجماعة، فتأمّل جيّداً. إلّا أنّه يسهّل الخطب قوّة عدم اعتبار الجماعة فيها عندنا مع الاضطرار أيضاً(جواهر الكلام 11: 205- 206.)، انتهى. و العلّامة رحمه الله في «التذكرة» قال: لا يشترط بقاء العدد مدّة الصلاة؛ فلو انعقدت بهم ثمّ انفضّوا أو ماتوا إلّا الإمام بعد الإحرام، لم تبطل الجمعة، بل يتمّها جمعةً ركعتين. ثمّ حكى رحمه الله عن الشافعي و مالك قولًا بأنّه إن انفضّوا بعد ما صلّوا ركعة بسجدتيها أتمّها جمعةً؛ لقوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها اخرى» ، و قال: و لا بأس بهذا القول عندي(تذكرة الفقهاء 4: 39- 40.)، انتهى. إذا عرفت الأقوال المزبورة مع مبانيها: فالأشبه بطلان الجمعة و إتيان الظهر؛ لما يظهر من بعض الأخبار من صيرورة الركعتين جمعة مع الإمام، كما في موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان؛ فمن صلّى وحده فهي أربع ركعات»(وسائل الشيعة 7: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 2.) ، و لما ذكره الوحيد البهبهاني رحمه الله من عدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة، بل هو في الصلاة التي هي اسم للمجموع(حاشية مدارك الأحكام، ضمن مدارك الأحكام: 189( ط- حجري).) و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بإتمامها جمعة ثمّ إتيان الظهر. و لا يبعد عند المصنّف رحمه الله الصحّة جمعة إذا انفضّ بعض في أخيرة الركعة الثانية- كالتشهّد أو السجدة الثانية مثلًا- بل بعد ركوعها؛ و ذلك لصدق إتيان ركعتي صلاة الجمعة مع الإمام. و الاحتياط بإتيان الظهر مع ذلك بعدها.

ص: 125

ص: 126

ص: 127

(مسألة 7): يجب في كلّ من الخطبتين التحميد،

و يعقّبه بالثناء عليه تعالى على الأحوط. و الأحوط أن يكون التحميد بلفظ الجلالة، و إن كان الأقوى جوازه بكلّ ما يُعدّ حمداً له تعالى (1)،


1- اختلف فقهاؤنا فيما يجب في الخطبتين: فعن الشيخ في «المبسوط» و ابن حمزة في «الوسيلة» و ابن إدريس: أنّ أقلّ ما تكون الخطبة أربعة أصناف: حمد اللَّه تعالى، و الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من القرآن(المبسوط 1: 147، الوسيلة: 103/ السطر 18، السرائر 1: 295.) و عن الشيخ في «الاقتصاد»: أقلّ ما يخطب به أربعة أشياء: الحمد، و الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين(الاقتصاد: 267.) و عنه في «النهاية»: أنّه ينبغي أن يخطب الخطبتين، و يفصل بينهما بجلسة، و يقرأ سورة خفيفة، و يحمد اللَّه تعالى في خطبته، و يصلّي على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و يدعو لأئمّة المسلمين عليهم السلام، و يعظ و يزجر و ينذر و يخوّف(النهاية: 105.) و عن أبي الصلاح: أنّ الخطبة مقصورة على حمد اللَّه تعالى، و الثناء عليه بما هو أهله، و الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم، و وعظ و زجر، و لم يتعرّض لوجوب قراءة القرآن سورةً أو آية(الكافي في الفقه: 151.) و عن السيّد المرتضى في «المصباح»: يحمد اللَّه و يمجّده و يثني عليه، و يشهد لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم بالرسالة، و يوشح الخطبة بالقرآن، ثمّ يفتتح الثانية بالحمد و الاستغفار، و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و الدعاء لأئمّة المسلمين عليهم السلام. ثمّ إنّه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب التحميد في كلّ من الخطبتين، بل ادّعي عليه الإجماع عن جماعة. و الأحوط وجوباً- لو لم يكن الأقوى- أن يكون التحميد بلفظ الجلالة؛ للتأسّي بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام، و لكونه مبرئاً للذمّة قطعاً، و لصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في خطبة يوم الجمعة و ذكر خطبة مشتملة على حمد اللَّه»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) ، و موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب- يعني إمام الجمعة- و هو قائم، يحمد اللَّه»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) ، و كذا في الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام قد ذكرت الخطبة بلفظ: «الحمد للَّه». و في «مصباح الفقيه»: «مع إمكان دعوى أنّه هو الذي ينصرف إليه لفظ التحميد»(مصباح الفقيه، الصلاة: 445/ السطر 33.) و في الاكتفاء ب «الحمد للرحمن» أو «لربّ العالمين» وجهان، الأوجه العدم؛ لما ذكرنا في وجه الاحتياط في التحميد بلفظ الجلالة. و في «التذكرة»: «فهل يجزيه لو قال: «الحمد للرحمن» أو «لربّ العالمين»؟ إشكال، ينشأ من التنصيص على لفظة «اللَّه»، و من المساواة في الاختصاص به تعالى»(تذكرة الفقهاء 4: 64.) و أمّا الثناء عليه تعالى- مضافاً إلى التحميد له تعالى- فلا يبعد اعتباره؛ لصحيح محمّد بن مسلم، و موثّق سماعة المتقدّمين، و خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام قد نقلهما صاحب «الجواهر» رحمه الله بطولهما، فهي مشتملة على الثناء كالتحميد. و قد ادّعى جماعة الإجماع عليه، كالشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و غيرهما. و لكن يحتمل أن يكون الثناء عليه تعالى عطف تفسير للحمد له تعالى، كما عن ظاهر «الخلاف» و صريح «كشف اللثام»؛ و لذا قال المصنّف رحمه الله- كغيره- بالاحتياط الوجوبي. و استبعد صاحب «الجواهر» هذا الاحتمال.

ص: 128

ص: 129

و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم على الأحوط في الخطبة الاولى، و على الأقوى في الثانية (1)،


1- لا خلاف في وجوب الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم في الخطبة في الجملة. و نسب إلى الأكثر وجوبها في كلّ من الخطبتين؛ ففي «مصباح الفقيه»: «و حكي عن الأكثر: أنّهم اعتبروا أيضاً في كلّ من الخطبتين الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم»(مصباح الفقيه، الصلاة: 445/ السطر 34.) و يظهر من جماعة الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: «و تجب فيهما الصلاة على النبي و آله عليهم السلام عندنا»(تذكرة الفقهاء 4: 65.) و حكي عن جماعة- كالمحقّق في «النافع» و «المعتبر»، و السيّد، و ابن إدريس في موضع من «السرائر»- عدم وجوبها في الخطبة الاولى؛ لعدم ذكرها فيها في موثّق سماعة المتقدّم. و يمكن تقييده بصحيح محمّد بن مسلم، و خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام، و الإجماع المصرّح فيها بذكرها فيها. فالأحوط- لو لم يكن الأقوى- وجوب ذكرها في الاولى، و تجب في الثانية، بلا خلاف و لا إشكال.

ص: 130

و الإيصاء بتقوى اللَّه تعالى في الاولى على الأقوى، و في الثانية على الأحوط (1)،


1- قد ادّعى جماعة من فقهائنا- كالشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و غيرهما- الإجماع على وجوب الإيصاء بتقوى اللَّه، و الوعظ في كلّ من الخطبتين. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام المتقدّم: «و الوصية بتقوى اللَّه و الوعظ»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و بالإجماع و الصحيح المزبورين يقيّد كلّ ما ظاهره عدم الوعظ في الخطبة الثانية، كموثّق سماعة المتقدّم، و إحدى خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام، قد نقلهما صاحب «الجواهر» رحمه الله(جواهر الكلام 11: 220- 226.) ، إحداهما عن «روضة الكافي»(الكافي 8: 173/ 194.) ، و اخراهما عن «الفقيه»(الفقيه 1: 275/ 1262.) و يظهر من صاحب «الجواهر» رحمه الله: أنّ إحدى خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام كموثّق سماعة المتقدّم في عدم ذكر الوعظ في الخطبة الثانية، و هي المنقولة عن «روضة الكافي»، و اخراهما كالإجماع و الصحيح مقيّدة بالوعظ في الخطبة الثانية، و هي المنقولة عن «الفقيه»، حيث إنّه عليه السلام وعظ في ذيل تلك الخطبة بعد ذكر الآية: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(النحل( 16): 90.) ، بقوله: «اذكروا اللَّه يذكركم؛ فإنّه ذاكر لمن ذكره، و اسألوا اللَّه من رحمته؛ فإنّه لا يخيب عليه داعٍ دعاه».

ص: 131

و قراءة سورة صغيرة في الاولى على الأقوى، و في الثانية على الأحوط (1)،


1- نسب إلى المشهور بين أصحابنا وجوب قراءة سورة خفيفة في كلّ من الخطبتين: ففي «المبسوط»: «يجب في كلّ خطبة حمد اللَّه و الثناء عليه، و الصلاة على النبي و آله عليهم السلام، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من القرآن»(المبسوط 1: 147/ السطر 8.) و في «التذكرة»: و يجب أن يقرأ في كلّ منهما سورة خفيفة من القرآن، قاله الشيخ؛ لقول الصادق عليه السلام: «ثمّ يقرأ سورة قصيرة من القرآن» ، و لأنّهما بدل، فتجب فيهما القراءة كالمبدل(تذكرة الفقهاء 4: 66.) ، انتهى. و لكن الظاهر من صحيح ابن مسلم و موثّق سماعة المتقدّمين، و كذا من خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام وجوبها في الاولى فقط، و به صرّح جماعة من فقهائنا؛ فعن الشيخ في «الاقتصاد»: «أقلّ ما يخطب به أربعة أشياء، الحمد، و الصلاة على النبي و آله، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة بين الخطبتين»(الاقتصاد: 267.) و نسب إلى جماعة اخرى قراءة شي ء من القرآن. و إلى ثالثة قراءة آية تامّة الفائدة. و لعلّهم استندوا إلى ما ورد في ذيل الخطبة الثانية لأمير المؤمنين عليه السلام المروية عن «الفقيه»، حيث إنّه عليه السلام قرأ في آخر الخطبة الثانية آية: «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ»(البقرة( 2): 201.) و الأقوى وجوب قراءة سورة كاملة خفيفة في الخطبة الاولى؛ لما ذكرنا من ظاهر صحيح ابن مسلم و موثّق سماعة و خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام. و الأحوط وجوباً قراءتها أيضاً في الخطبة الثانية، و عدم الاجتزاء بالآية التامّة أو شي ء من القرآن؛ لعدم حصول اليقين بالبراءة بهما.

ص: 132

و الأحوط الأولى في الثانية الصلاة على أئمّة المسلمين عليهم السلام، بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات. و الأولى اختيار بعض الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، أو المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام (1).


1- يظهر من السيّد في «المصباح» و موضع من «السرائر» وجوب الشهادة لرسالة محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، و الاستغفار، و الدعاء لأئمّة المسلمين عليهم السلام، مضافاً إلى الحمد و الصلاة على النبي و آله في الخطبة الثانية. و قال المحقّق في «المعتبر» و «النافع» و صاحب «الرياض» بوجوب الاستغفار للمؤمنين في الخطبة الثانية. و في موضع آخر من «السرائر» قال: «قام الإمام- متوكّئاً على ما في يده- فابتدأ بالخطبة الاولى معلناً بالتحميد للَّه تعالى، و التمجيد و الثناء «بآلائه»، و شاهداً لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم بالرسالة، و حسن الإبلاغ و الإنذار، و يوشح خطبته بالقرآن و مواعظه و آدابه، ثمّ يجلس جلسةً خفيفة، ثمّ يقوم فيفتتح الخطبة الثانية بالحمد للَّه و الاستغفار و الصلاة على النبي و على آله صلى الله عليه و آله و سلم و يثني عليهم بما هم أهله، و يدعو لأئمّة المسلمين، و يسأل اللَّه تعالى أن يعلي كلمة المؤمنين، و يسأل اللَّه تعالى لنفسه و للمؤمنين حوائج الدنيا و الآخرة، و يكون آخر كلامه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»»(السرائر 1: 295.) ، انتهى كلام «السرائر». و لا يخفى: أنّ صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم مشتمل على الدعاء للمؤمنين و المؤمنات في الخطبة الاولى، و الصلاة على الأئمّة المعصومين عليهم السلام في الخطبة الثانية. و كلتا الخطبتين عن أمير المؤمنين عليه السلام مشتملة على الشهادتين. و موثّقة سماعة المتقدّمة مشتملة على الصلاة على أئمّة المسلمين عليهم السلام و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات في الخطبة الثانية. و خطبة أمير المؤمنين عليه السلام المنقولة عن «روضة الكافي»(الكافي 8: 173/ 194.) ، قد اشتملت اولاها على الشهادتين و ثانيتها على الاستغفار و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات. و خطبته الاخرى المنقولة عن «الفقيه»(الفقيه 1: 275/ 1262.) الاولى منها و كذا الثانية كلتاهما مشتملة على الشهادتين، و الاولى منها مشتملة على الاستغفار و الثانية منها مشتملة على طلب النصر من اللَّه تعالى لجيوش المسلمين و الاستغفار و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات. و كيف كان: المشهور بين أصحابنا عدم وجوب شي ء من المذكورات. نعم كلّها الأحوط الأولى.

ص: 133

ص: 134

(مسألة 8): الأحوط إتيان الحمد و الصلاة في الخطبة بالعربي؛

و إن كان الخطيب و المستمع غير عربي، و أمّا الوعظ و الإيصاء بتقوى اللَّه تعالى فالأقوى جوازه بغيره، بل الأحوط أن يكون الوعظ و نحوه- من ذكر مصالح المسلمين- بلغة المستمعين، و إن كانوا مختلطين يجمع بين اللغات. نعم لو كان العدد أكثر من النصاب جاز الاكتفاء بلغة النصاب، لكن الأحوط أن يعظهم بلغتهم (1).


1- نسب إلى المشهور اعتبار العربية في الخطبتين، و نسبه في «المدارك» إلى أكثر الأصحاب، و علّله بالتأسّي و استحسنه. و في «التذكرة»: «لا تصحّ الخطبة إلّا بالعربية؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم داوم على ذلك، و قال: «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» . و يحتمل غيرها لمن يفهم لو لم يفهم العربية على الأقوى؛ إذ القصد الوعظ و التخويف، و إنّما يحصل لو فهموا كلامه»(تذكرة الفقهاء 4: 68.) ، انتهى. و فرّق صاحب «الجواهر» في الخطبة بين الحمد و الصلاة، و بين الوعظ؛ قال: فيجوز بغيرها اختياراً مع فهم العدد، بخلافهما؛ لظهور الأدلّة في إرادة اللفظ فيهما و المعنى فيه، و إن كان الواقع منه عليه السلام العربية فيه أيضاً، لكن لعلّه؛ لأنّه عليه السلام عربي يتكلّم بلسانه، لا لوجوبه. و على الاشتراط لو لم يفهم العدد العربية و لا أمكن تعلّمها، فالأقوى- كما عن الفاضل و الشهيدين و الكركي- الاجتزاء بالعجمية؛ لأنّ مقصود الخطبة لا يتمّ بدون فهم معانيها(جواهر الكلام 11: 216- 217.) ، انتهى. و احتمل في «المدارك»(مدارك الأحكام 4: 35.) سقوط الجمعة فيما لم يفهموا العربية، و لا أمكن التعلّم؛ لعدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه. و استقربه صاحب «الحدائق»، و قال في ذيل كلامه: «الأحوط الخطبة بالعربية و ترجمة بعض الموارد التي يتوقّف عليها المقصود من الخطبة»(الحدائق الناضرة 10: 95.) ، انتهى. الأقوى عندنا جواز غير العربية و مراعاة لغة المستمعين في الوعظ و الإيصاء بتقوى اللَّه و ذكر مصالح المسلمين؛ لما ذكره صاحب «الجواهر» و غيره من أنّ مقصود الخطبة لا يتمّ بدون فهم معانيها. و لعلّ وجه احتياط المصنّف رحمه الله في إتيان الحمد و الصلاة في الخطبة بالعربي- و إن كان الخطيب و المستمع غير عربي- هو أنّ المتبادر من الأمر الوارد في الروايات بأن «يحمد اللَّه و يصلّي على النبي و آله» هو أن يقول: «الحمد للَّه» و «صلّى اللَّه على محمّد و آله»؛ فلا يترك هذا الاحتياط. ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله قال بجواز الاكتفاء بلغة النصاب فيما كان العدد أكثر من النصاب. و فيه: أنّه لا يتمّ مطلقاً- حتّى فيما لو كان العدد كثيراً و أضعاف النصاب- فإنّ مقتضى مقصود الخطبة مراعاة لغة الأكثرية. نعم الأحوط مراعاة لغة جميعهم.

ص: 135

ص: 136

(مسألة 9): ينبغي للإمام الخطيب أن يذكر- في ضمن خطبته- ما هو من مصالح المسلمين في دينهم و دنياهم،

و يخبرهم بما جرى في بلاد المسلمين و غيرها؛ من الأحوال التي لهم فيها المضرّة أو المنفعة، و ما يحتاج المسلمون إليه في المعاش و المعاد، و الامور السياسية و الاقتصادية ممّا هي دخيلة في استقلالهم و كيانهم، و كيفية معاملتهم مع سائر الملل، و التحذير عن تدخّل الدول الظالمة المستعمرة في امورهم- سيّما السياسية و الاقتصادية- المنجرّ إلى استعمارهم و استثمارهم. و بالجملة: الجُمعة و خطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين، كسائر المواقف العظيمة، مثل الحجّ و المواقف التي فيه و العيدين و غيرها، و مع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السياسية فيها و في غيرها من المواقف السياسية الإسلامية، فالإسلام دين السياسة بشئونها؛ يظهر لمن له أدنى تدبّر في أحكامه الحكومية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، فمن توهّم أنّ الدين منفكّ عن السياسة، فهو جاهل لم يعرف الإسلام و لا السياسة (1).


1- و يشير إلى ما ذكره المصنّف رحمه الله ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عامّ، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، و ترغيبهم في الطاعة، و ترهيبهم من المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق (و) من الأهوال التي لهم فيها المضرّة و المنفعة. و لا يكون الصابر في الصلاة منفصلًا، و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة، و إنّما جعلت خطبتين ليكون واحدة للثناء على اللَّه و التمجيد و التقديس للَّه- عزّ و جلّ- و الاخرى للحوائج و الأعذار و الأنذار و الدعاء، و لما يريد أن يعلّمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد»(وسائل الشيعة 7: 344، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 6.) و في «الوسائل»: و قوله عليه السلام: «و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة» غير موجود في «عيون الأخبار»، و هو إشارة إلى تلك الأشياء التي يحتاج الإمام إلى ذكرها في الخطبة(وسائل الشيعة 7: 344، ذيل الحديث 6.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ ما ذكره المصنّف رحمه الله في هذه المسألة مبتنٍ على مبناه في مسألة ولاية الفقيه، و أنّ دائرتها وسيعة، و وظائف الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة عين وظائف النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الولي المعصوم المبسوط اليد عليه السلام، في إدارة شئون الإسلام و جوامع المسلمين. و لقد وفّقه اللَّه تعالى لتأسيس الحكومة الإسلامية في إيران و إدارة شئونها بقدر الإمكان، مع مخالفة جماعة من بني نوعه، و لا أقلّ من سكوتهم المرموزة أو الناشئة من عدم تشخيص مصالح الإسلام و المسلمين، و المرافعة و فصل الخصومة بينهم و بينه يوم الجزاء بقضاء أحكم الحاكمين. اللهمّ اجعل عواقب امورنا خيراً، بحقّ محمّد و آله صلّى اللَّه عليهم أجمعين.

ص: 137

ص: 138

(مسألة 10): يجوز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس

بحيث إذا فرغ منهما زالت، و الأحوط إيقاعهما عند الزوال (1).


1- اختلف الفقهاء في جواز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس؛ فقال جماعة- منهم الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» و «الخلاف» و ابن برّاج و ابن حمزة و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و السبزواري في «الذخيرة» و «الكفاية» و الشهيدان و كثير من المتأخّرين- بالجواز، و به قال مالك و أحمد من العامّة. و قال ابن حمزة بوجوبه؛ قال: تجب ثلاثة أشياء: صعود المنبر قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت الشمس، و أن يخطب قبل الزوال، و يصلّي بعده ركعتين(الوسيلة: 104.) و ذهب جماعة اخرى- منهم السيّد المرتضى و ابن زهرة و ابن إدريس و الحلبي و العمّاني و العلّامة في «التذكرة» و غيرهم- إلى كون وقتها من زوال الشمس. و نسب هذا القول إلى المعظم كما في «الذكرى»، و إلى الأشهر كما في «التذكرة»، و إلى المشهور كما عن «الروض»، و عن الوحيد البهبهاني في «حاشية المدارك»: أنّه الموافق لطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار، و ظاهر «الغنية» الإجماع عليه، و به قال الشافعي. و استدلّ للقول الأوّل بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل، فيقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت الشمس فأنزل فصلّ، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 4.) و اورد عليه: بأنّه يحتمل أنّه صلى الله عليه و آله و سلم كان مشغولًا بغير الواجبات من الخطبة قبل الزوال، و كان متلبّساً بواجباتها من حين الزوال، و كان شروعه في الصلاة حين تزول الشمس قدر شراك. و في «المختلف»: «بالمنع من دلالته على صورة النزاع؛ لاحتمال أن يكون المراد ب «الظلّ الأوّل» هو الفي ء الزائد على ظلّ المقياس، فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظلّ الأوّل- و هو أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله، و هو الظلّ الأوّل- نزل فصلّى بالناس، و يصدق عليه أنّ الشمس قد زالت حينئذٍ؛ لأنّها قد زالت عن الظلّ الأوّل»(مختلف الشيعة 2: 231.) و فيه أوّلًا: أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر وقوع تمام الخطبة في الظلّ الأوّل- الذي اريد منه الفي ء الحاصل بعد الزوال بغير فصل- و أنّ جبرئيل عليه السلام كان يخبره بزوال الشمس عند انتهاء الظلّ الأوّل و أخذه في الرجوع. و ثانياً: أنّ ما ذكره- من أنّه إذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظلّ الأوّل؛ و هو أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله، نزل فصلّى- مستلزم لإيقاع الصلاة بعد خروج الوقت. و قال النراقي في «مستند الشيعة»،- و نعم ما قال-: «و تأويل الصلاة في الروايات بها و ما في حكمها- أعني الخطبة- لكونها بدلًا من الركعتين، خلاف الأصل و الظاهر، كتأويل الخطبة في الصحيحة بالتأهّب لها كما عن «التذكرة»، أو تأويل الظلّ الأوّل بأوّل الفي ء، كما عن «المنتهى»، أو بما قبل المثل من الفي ء، و الزوال بالزوال عن المثل كما عن «المختلف»، أو حملها على أنّه إذا أراد تطويل الخطبة كان يشرع فيها قبل الزوال، و لم ينوها خطبة الصلاة؛ حتّى إذا زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة، ثمّ ينزل فيصلّي»(مستند الشيعة 6: 71.) ، انتهى. و استدلّ أيضاً بالأخبار الدالّة على توقيت صلاة الجمعة بالزوال المستلزم لجواز تقديم الخطبتين على الزوال، كصحيح فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ من الأشياء أشياء موسّعة و أشياء مضيّقة، فالصلاة ممّا وسّع فيه؛ تقدّم مرّة و تؤخّر اخرى، و الجمعة ممّا ضيّق فيها؛ فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّ من الامور اموراً مضيّقة و اموراً موسّعة، و إنّ الوقت وقتان، و الصلاة ممّا فيه السعة؛ فربّما عجّل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و ربّما أخّر، إلّا صلاة الجمعة؛ فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقتٌ واحدٌ حين تزول، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 11.) و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس»(وسائل الشيعة 7: 317، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 8.) و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة»(وسائل الشيعة 7: 319، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 15.) و غيرها من روايات الباب. و اورد عليه: بأنّ الروايات المذكورة و إن كانت صريحة في توقيت صلاة الجمعة بزوال الشمس، و لكن يحتمل أن يكون المراد بالصلاة هنا ما يعمّ الخطبتين؛ لما ورد في بعض الأخبار من أنّهما صلاة ما دام الإمام يخطب، و أنّهما جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، كما في مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و فيه: أنّه خلاف الظاهر؛ ضرورة كون المراد من الصلاة في الروايات المذكورة نفس الركعتين، و إطلاق الصلاة على الخطبتين في المرسل المزبور مجاز، كإطلاقها على ما يعمّ الإقامة. و استدلّ للقول الثاني بقوله تعالى: «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ»(الجمعة( 62): 9.) حيث أوجب السعي بعد النداء للصلاة، و النداء عبارة عن الأذان؛ فلا يجب السعي قبله. بل ادّعى صاحب «الحدائق» اتّفاق الأصحاب و الأخبار على أنّه لا يجوز الأذان قبل الوقت المحدود شرعاً، إلّا في صلاة الصبح خاصّة(الحدائق الناضرة 10: 108.) ، انتهى. و استدلّ أيضاً بصحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال عليه السلام: «بأذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة، و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 7.) و رواية عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذّن»(وسائل الشيعة 7: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 28، الحديث 2.) و استدلّ العلّامة رحمه الله في «المختلف»- بعد الاستدلال بالآية و الصحيح المذكورين- بقوله: «و لأنّه يستحبّ صلاة ركعتين من نافلة الجمعة عند الزوال، و إنّما يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعد الزوال. أمّا المقدّمة الاولى: فلما رواه الحسين بن سعيد في الصحيح، عن يعقوب بن يقطين، عن العبد الصالح عليه السلام قال: «و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 11، الحديث 10.) و أمّا المقدّمة الثانية: فلأنّ الجمعة عقيب الخطبة، فلو وقعت الخطبة قبل الزوال لتعقّبتها صلاة الجمعة، فلا يستحبّ الركعتان من النوافل، و لأنّهما بدل من الركعتين، و لا يجوز إيقاع المبدل قبل الزوال، فكذا البدل تحقيقاً؛ للبدلية المقتضية للمساواة»(مختلف الشيعة 2: 230.) ، انتهى. هذا كلّه، مضافاً إلى استقرار سيرة المسلمين في الأعصار و الأمصار على شروع الخطبة عند الزوال، و قاعدة الشغل و الاحتياط و توقيفية العبادة. و نوقش في جميع ما استدلّ به للقول الثاني: أمّا في الآية: فلأنّ الاستدلال بها منوط بكون المراد من «النداء» هو الأذان، و أنّ الأذان في ظهر يوم الجمعة لصلاة الجمعة لا يشرع قبل الزوال، و أنّ المراد من «الذكر» هو خصوص الخطبة، و شي ء منها غير ثابت، كذا قيل. و لكن احتمال كون المراد من «النداء» نداءً مخصوصاً غير الأذان بعيد؛ إذ لم يعهد في زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام النداء إلى صلاة الجمعة قبل الزوال بغير الأذان. و يمكن أن يقال: إنّ مفاد الآية وجوب السعي إلى الجمعة بعد الزوال، فهو لا ينافي جوازه قبله؛ فالآية إنّما تنهض دليلًا لإبطال القول بوجوب السعي إلى الخطبة قبل الزوال- كما حكي عن ابن حمزة- لا لإبطال القول بالجواز. و أمّا صحيح محمّد بن مسلم فلا يصلح لإثبات الوجوب، لاشتماله على بعض المستحبّات في الخطبة. و في «مصباح الفقيه»: «و أمّا رواية محمّد بن مسلم، فبمنع ظهورها في الوجوب؛ لكونها جملة خبرية»(مصباح الفقيه، الصلاة: 446/ السطر 35.) و فيه: أنّ الجملة الخبرية الواردة مورد الإنشاء آكد دلالةً على الوجوب من صيغة الأمر عليه، على ما قرّر في الاصول. و في «صلاة» الحائري رحمه الله: «و أمّا الرواية فالاستدلال بها مبني على أنّ المراد من الأذان المذكور في قوله عليه السلام: «يخرج الإمام بعد الأذان، فيصعد المنبر» هو الأذان للصلاة، و أنّه لا يشرّع قبل الزوال. و أمّا لو كان المراد منه مجرّد التنبيه و الإعلام لجلب الناس إلى استماع الخطبة، أو قلنا بأنّ أذان الصلاة لا مانع من إيقاعه قبل الزوال- و لو في خصوص يوم الجمعة- فلا تكون دليلًا على لزوم إيقاع الخطبة بعد الزوال»(الصلاة، المحقّق الحائري: 669.) و فيه: أنّ احتمال كون المراد من الأذان أذان الإعلام- لمجرّد تنبيه الناس و جلبهم إلى استماع الخطبة- خلاف الظاهر، و لم يعهد في الأعصار و الأمصار، و لم ينقل عنهم عليهم السلام الأذان للإعلام قبل الزوال في يوم الجمعة؛ فالظاهر كون الأذان أذان الصلاة. و أمّا ما استدلّ به في «المختلف» فيرد على دليله الأوّل: أنّ استحباب الركعتين عند الزوال- على فرض تسليم الاتّفاق على عدم جواز إتيانهما بين الخطبتين و صلاة الجمعة- يمكن تقييده بما إذا لم يخطب قبل الزوال، أو أنّه اختار تركهما بتقديم الخطبتين؛ فلا ينافي استحبابهما بتأخير الخطبتين إلى الزوال. و على دليله الثاني: أنّ البدلية إن اقتضت عدم جواز تقديمهما على الزوال اقتضت عدم تقديمهما على ركعتي الجمعة أيضاً؛ لأنّهما بدل عن الركعتين الأخيرتين، فتقديمهما على الصلاة كاشف عن أنّ المراد من بدلية الخطبتين من الركعتين الأخيرتين ليس البدلية في جميع الشرائط المعتبرة في الصلاة. و في «مصباح الفقيه»: «و إنّما اريد بها في الروايات الدالّة عليها بيان الحكم و المناسبات المقتضية للتخفيف و قصر الجمعة على الاوليين»(مصباح الفقيه، الصلاة: 446/ السطر الأخير.) ، انتهى. كلامه رحمه الله إشارة إلى ما ورد في رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين، و إذا كان بغير إمام ركعتين و ركعتين؛ لأنّ الناس يتخطّون إلى الجمعة من بُعدٍ، فأحبّ اللَّه- عزّ و جلّ- أن يخفّف عنهم؛ لموضع التعب الذي صاروا إليه، و لأنّ الإمام يحبسهم للخطبة و هم منتظرون للصلاة، و من انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام، و لأنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل بعلمه و فقهه و فضله و عدله، و لأنّ الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان، و لم تقصر لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 3.) و أمّا استقرار سيرة المسلمين في الأعصار و الأمصار على مواظبة الشروع في الخطبة عند الزوال، فيرد عليه: أنّ السيرة تصلح دليلًا على نفي وجوب تقديمها على الزوال أو استحبابه، و لا تصلح دليلًا على وجوبها عند الزوال. و أمّا الاحتياط فلا يجري في المقام- الذي هو مجرى البراءة- لكون الشكّ في شرطية تحقّق الزوال في وجوب الخطبة. و أمّا توقيفية العبادة فهي لا تنافي جريان البراءة في المقام. و لا يخفى: أنّ أدلّة القول بجواز تقديم الخطبتين على الزوال و إن كانت متقنة، إلّا أنّ فيه خوف مخالفة الشهرة المدّعاة في كلام الشهيد في «الروض»؛ فالأحوط وجوباً تأخيرهما إلى الزوال.

ص: 139

ص: 140

ص: 141

ص: 142

ص: 143

ص: 144

ص: 145

ص: 146

(مسألة 11): يجب أن تكون الخطبتان قبل صلاة الجمعة،

فلو بدأ بالصلاة تبطل، و تجب الصلاة بعدهما لو بقي الوقت، و الظاهر عدم وجوب إعادتهما إذا كان الإتيان جهلًا أو سهواً، فيأتي بالصلاة بعدهما. و لو قيل بعدم وجوب إعادة الصلاة- أيضاً- إذا كان التقديم عن غير عمد و علم، لكان له وجه (1).


1- المشهور- شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً- وجوب تقديم الخطبتين على صلاة الجمعة؛ لكون تقديمهما شرطاً لصحّتها، و لم يعرف الخلاف إلّا عن الصدوق في «الفقيه» و «المقنع» و «الهداية» و «العيون» و «العلل»، حيث اعتبر وجوب تأخّرهما عن صلاة الجمعة. و استدلّ له بكونهما بدلًا عن الركعتين الأخيرتين، و بما رواه مرسلًا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان؛ لأنّه كان إذا صلّى لم يقف الناس على خطبته و تفرّقوا و قالوا: ما نصنع بمواعظه، و هو لا يتّعظ بها و قد أحدث ما أحدث، فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين على الصلاة»(وسائل الشيعة 7: 332، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 3.) و هذا القول ضعيف شاذّ، و دليله عليل بالإرسال و معارضته بالأخبار المستفيضة الدالّة على وجوب تقديمهما عليها. و في «الوسائل»- بعد نقل المرسل عن الصدوق- قال: «هذا غريب لم يروه إلّا الصدوق. و لا يبعد أن يكون لفظ «الجمعة» غلطاً من الراوي أو من الناسخ، و أصله يوم العيد؛ لما يأتي في محلّه، و يحتمل أن يكون العيد الذي قدّم فيه الخطبة على الصلاة كان يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 333/ ذيل الحديث 3.) و تدلّ على القول المشهور الأخبار المستفيضة: منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل، فيقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت الشمس فأنزل فصلّ»(وسائل الشيعة 7: 332، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 1.) و منها: رواية أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن خطبة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: «قبل الصلاة، ثمّ يصلّي»(وسائل الشيعة 7: 332، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 2.) و منها: صحيح الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة؛ لأنّ الجمعة أمر دائم و تكون في الشهر مراراً و في السنة كثيراً، و إذا كثر ذلك على الناس ملّوا و تركوا و لم يقيموا عليه و تفرّقوا عنه؛ فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة و لا يتفرّقوا و لا يذهبوا. و أمّا العيدين فإنّما هو في السنة مرّتين، و هو أعظم من الجمعة، و الزحام فيه أكثر و الناس فيه أرغب، فإن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم، و ليس هو كثيراً فيملّوا و يستخفّوا به»(وسائل الشيعة 7: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 4.) و منها: موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب- يعني إمام الجمعة- و هو قائم يحمد اللَّه و يثني عليه، ثمّ يوصي بتقوى اللَّه، ثمّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة (قصيرة) ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد اللَّه و يثني عليه و يصلّي على محمّد صلى الله عليه و آله و سلم و على أئمّة المسلمين، و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذّن فصلّى بالناس ركعتين، يقرأ في الاولى بسورة الجمعة و في الثانية بسورة المنافقين»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و منها: صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: «أذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(الإخلاص( 112): 1.) ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 3.) و يدلّ عليه أيضاً بعض الأخبار الواردة في حكم الكلام في أثناء الخطبة: منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و منها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام قال: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن يقام الصلاة، و إن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 3.) ثمّ إنّه إذا وجب تقديم الخطبتين فلو بدأ بالصلاة عمداً تبطل؛ لانتفاء شرط صحّتها، و تجب الصلاة بعدهما لو بقي الوقت. و علّل النراقي في «مستند الشيعة» بطلان الصلاة الواقعة قبل الخطبة بقوله: «لأنّ وجوب الإعادة- و لو في الجملة- يدلّ على عدم كون ما أتى به موافقاً للمأمور به، و لأنّ الأمر بالخطبة قبل الصلاة نهي عن ضدّه- الذي هو الصلاة قبل الخطبة- و النهي يوجب الفساد»(مستند الشيعة 6: 70.) و إذا بطلت الصلاة فلا يكتفي بالخطبتين لو أتاهما بعدها للصلاة؛ لوقوعهما من العامد بنحو التشريع. نعم لو قصد امتثال الأمر الواقعي حين الشروع بهما بعد الصلاة الباطلة اكتفى بهما و صلّى بعدهما، كما أنّه يجوز الاكتفاء بهما إذا كان إتيانهما بعد الصلاة جهلًا أو نسياناً. و في صحّة الصلاة و بطلانها مع الاكتفاء بهما وجهان: وجه الصحّة: عموم حديث «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة»(راجع وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 4.) ، حيث إنّ مقتضاه صحّة الصلاة الفاقدة لما اعتبر فيها شرطاً أو جزءاً، نسياناً أو جهلًا- فيما كان عذراً- إلّا أن يكون المفقود أحد الخمسة المذكورة في الحديث، من غير فرق بين صلاة الجمعة و غيرها من الصلوات. فلو قدّم الصلاة على الخطبتين نسياناً أو سهواً صحّت الصلاة، و كذا لو جلس الخطيب حال الخطبة، أو وقعت الجمعتان و بينهما دون ثلاثة أميال. و وجه البطلان: أنّ الظاهر من الأخبار كون تقدّم الخطبة شرطاً واقعياً لصحّة الجمعة، كالطهارة و القبلة و الوقت. و هذا الوجه قوي. و حديث «لا تعاد» لا يشمل صلاة الجمعة؛ لأنّ وقتها من الزوال بمقدار ما يتّسع للأذان و الخطبتين و الإقامة و الصلاة- على قول في المسألة- و ينقضي هذا الوقت المحدود بالعمل الفاقد للقيد المعتبر فيه.

ص: 147

ص: 148

ص: 149

ص: 150

(مسألة 12): يجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة،
اشارة

و يجب وحدة الخطيب و الإمام، فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره، و أمهم الذي خطبهم، و لو لم يكن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظهر. نعم لو كانت الجمعة واجبة تعييناً خطبهم العاجز عن القيام جالساً، و الأحوط الإتيان بالظهر بعد الجمعة، و يجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة (1).

هنا مسائل:
الاولى: أنّه يجب كون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة.

1- و يدلّ عليه صحيح معاوية بن وهب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أوّل من خطب و هو جالس معاوية، و استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه، و كان يخطب خطبة و هو جالس و خطبة و هو قائم، يجلس بينهما»، ثمّ قال عليه السلام: «الخطبة و هو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسةً لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير أنّه سأل عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال عليه السلام: «يخطب قائماً، إنّ اللَّه يقول: «وَ تَرَكُوكَ قائِماً»»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 3.) و موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب- يعني إمام الجمعة- و هو قائم»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و يمكن أن يستدلّ أيضاً بالأخبار الدالّة على وجوب الجلوس بين الخطبتين، كصحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال عليه السلام: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «ثمّ يجلس، ثمّ يقوم»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و في موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «ثمّ يجلس، ثمّ يقوم»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: «أذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 3.) وجه الاستدلال: أنّ الجلوس بين الخطبتين لا يكون و لا يتصوّر إلّا بعد تحقّق القيام فيما قبل الجلوس و فيما بعده؛ أي كان الجلوس بعد القيام في الخطبة الاولى، و القيام إلى الخطبة الثانية بعد الجلوس عن قيام الخطبة الاولى. و صاحب «الجواهر»- بعد الاستدلال بصحيح أبي بصير على وجوب القيام في الخطبتين- قال: «بل قد يستفاد منه- حينئذٍ- هنا صحّة الاستدلال على الوجوب بالتأسّي، و من المعلوم: أنّ فعله عليه السلام و فعل أمير المؤمنين عليه السلام و الحسن و الصحابة القيام فيهما(جواهر الكلام 11: 230.)، انتهى. لما ورد في أخبار متظافرة- بل متواترة- من نسبة الخطبة إلى الإمام. كما في موثّق سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال عليه السلام: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر؛ يعني إذا كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 3.) و صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 4.) و صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و غيرها من الروايات الواردة في أبواب متفرّقة. و في رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّ الإمام يحبسهم للخطبة»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 3.) . و في بعضها: «إنّ الإمام هو الذي يصعد المنبر فيخطب، ثمّ ينزل فيصلّي» ، كما في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم. و يظهر من العلّامة في «النهاية»(نهاية الإحكام 2: 18.) جواز التعدّد؛ بأن يكون الإمام غير الخطيب؛ لانفصال كلّ من الصلاة و الخطبة عن الاخرى، و لأنّ الخطبتين بمكان الركعتين، و يجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة. و قوّاه في «جامع المقاصد»(جامع المقاصد 2: 408.) و يظهر منه في «المنتهى»: أنّ عدم جواز التعدّد أقرب، إلّا لضرورة، قال: «الذي يظهر من عبارات الأصحاب: أنّ المتولّي للخطبة هو الإمام، فلا يجوز أن يخطب واحد و يصلّي آخر. و لم أقف فيه على نصّ صريح لهم، لكن الأقرب ذلك إلّا لضرورة»(منتهى المطلب 1: 324/ السطر 29( ط- حجري).) ، انتهى. كذا في «الذكرى». و قد يقال: إنّ الأخبار المذكورة جارية مجرى الغالب؛ من اتّحاد الخطيب و الإمام، فلا دلالة لها على شرطية الاتّحاد. و مقتضى الأصل عدم الشرطية و عدم وجوب الإمامة على من باشر الخطبة، و عدم وجوب الخطبة على من يؤمّ. و فيه: أنّ حمل الأخبار على ما ذكر خلاف ظاهرها، و الاصول المذكورة لا مجرى لها مع الظهور المذكور. و في «مستند الشيعة»: الحقّ هو الثاني- أي القول بعدم وجوب الاتّحاد- لما ذكر- من الأصل- و عدم دلالة شي ء ممّا مرّ على الوجوب؛ حتّى موثّقة سماعة؛ لجواز أن يراد بالإمام فيها مطلق من يتبع، و لو في أمر و نهي(مستند الشيعة 6: 76.) ، انتهى. و فيه: أنّ الأصل غير جارٍ مع ظهور الأخبار في الاتّحاد. و حمل الإمام و من يؤمّهم على مطلق من يتبع خلاف الظاهر. و أمهم من خطبهم؛ و ذلك لعدم وجوب الخطبة على شخص خاصّ بحيث لا يكون جائزاً لغيره، بل وجوبها كفائي. و مع انحصار إيراد الخطبة في العاجز عن القيام و عدم إمكانه للغير، فهل يسقط وجوب القيام و يخطب جالساً و يفصل بين الخطبتين بسكتة عند جماعة أو بضجعة- كما احتمله في «التذكرة»(تذكرة الفقهاء 4: 72.) - أو ينتقل التكليف إلى الظهر؟ نسب إلى المشهور القول بسقوط وجوب القيام و الخطبة جالساً. و مستندهم في ذلك أمران: الأوّل قاعدة الميسور، الثاني انصراف ما دلّ على وجوب القيام في الخطبة إلى صورة التمكّن منه؛ فيبقى إطلاق ما دلّ على وجوب الخطبة سليماً عن المقيّد. و صاحب «الجواهر» بعد تقوية هذا القول قال: لظهور ما دلّ على الشرطية في حال الاختيار؛ فيبقى الإطلاق- حينئذٍ- سالماً(جواهر الكلام 11: 230.) ، انتهى. و اورد على الاستناد بقاعدة الميسور: بأنّ موردها المركّبات التي يعجز المكلّف عن إتيان بعض أجزائها أو شرائطها، و دار الأمر بين سقوط أصل التكليف أو إتيان الميسور من المركّب؛ فمقتضى القاعدة- حينئذٍ- إتيان الميسور. و ما نحن فيه ليس كذلك؛ إذ مع عدم التمكّن من القيام- الذي هو شرط واقعي- يتعيّن عليه الظهر لا الجمعة الفاقدة للشرط. و يرد على الاستناد بالانصراف: أنّ الأخبار المذكورة واردة في بيان كيفية الخطبة و ما يعتبر فيها شرطاً أو جزءاً؛ فبانتفاء شرطها يسقط التكليف بها، و هذا هو الوجه في سقوط التكليف بالجمعة و تبديله بالظهر؛ فلا مجال لدعوى الانصراف. و الحقّ: أنّه بناءً على القول بالوجوب التخييري لا مجال للتمسّك بقاعدة الميسور؛ لدوران الأمر بين تعيّن الظهر عليه و بين التخيير بينها و بين الجمعة الفاقدة لقيام خطبتها. فمقتضى القاعدة تعيّن الظهر عليه. و على القول بالوجوب التعييني ينتقل التكليف إلى الظهر؛ لعدم القدرة على الجمعة، حيث إنّ المستفاد من الأخبار اشتراط القيام في الخطبة على الإطلاق. و لا مجال أيضاً لجريان قاعدة الميسور و وجوب الجمعة مع الخطبة جالساً، كما يقوله المصنّف رحمه الله. و لا يترك الاحتياط بإتيان الظهر بعد إتيان الجمعة الفاقدة لقيام خطبتها. و هو المشهور بين فقهائنا؛ شهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كصحيح عمر بن يزيد: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم: «ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 7.) و صحيح معاوية بن وهب: «يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم: «ثمّ يجلس قدر ما يمكن هنيئة»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و موثّق سماعة: «ثمّ يجلس»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و احتمل المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهى» استحباب الجلوس؛ لأنّ فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما يحتمل أن يكون تكليفاً، يحتمل أن يكون للاستراحة. و فيه أوّلًا: أنّ الجلوس لو كان للاستراحة لكان اتّفاقياً لا دائمياً. و ثانياً: أنّ الدليل ليس منحصراً في فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم، بل الدليل هو الأمر الوارد به في الأخبار المذكورة. و أمّا مقدار الجلوس بينهما فقد قدّر في بعض الأخبار المذكورة بالقليل، و في بعضها بفصل ما بين الخطبتين، و في بعضها بقدر ما يمكن هنيئة- مصغّر من «الهنو» بمعنى الوقت؛ أي ساعة يسيرة- و في بعضها بقدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، و في بعضها بالخفيفة. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد أن حكى عن «الروض»: أنّه لو أطالها بما لا يخلّ بالوحدة لم يضرّ- قال: و هو لا يخلو من قوّة(جواهر الكلام 11: 234.)

ص: 151

ص: 152

الثانية: يجب وحدة الخطيب و الإمام؛

ص: 153

ص: 154

الثالثة: لو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره القادر على القيام مع الإمكان،

ص: 155

الرابعة: يجب الجلوس بين الخطبتين،

ص: 156

ص: 157

(مسألة 13): الأحوط- لو لم يكن الأقوى- وجوب رفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد،

بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها، بل لا إشكال في عدم جواز إخفات الوعظ و الإيصاء، و ينبغي أن يرفع صوته بحيث يسمع الحُضّار، بل هو أحوط، أو يخطب بواسطة السمّاعات إذا كان الجماعة كثيرة؛ لإبلاغ الوعظ و الترغيب و الترهيب و المسائل المهتمّ بها (1).


1- يجب رفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد، بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها؛ و ذلك لظهور قوله عليه السلام «خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) أو «خطب الإمام الناس»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 4.) فيه. بل لا إشكال في عدم جواز إخفات الوعظ و الإيصاء؛ لأنّ المقصود من الخطبة- خصوصاً الوعظ و الإيصاء- هو فهم المخاطبين و اتّعاظهم، و هو لا يحصل إلّا بالإسماع؛ فلا يكفي أن يخطب إخفاتاً؛ لمنافاته الغرض منها. و علّل صاحب «الجواهر» رحمه الله وجوب رفع الصوت بقوله: لأنّه المتيقن في براءة الذمّة من الشغل اليقيني، بعد الشكّ في تناول الإطلاقات لغيره؛ لمعهودية الاستماع في سائر الأعصار و الأمصار، فضلًا عن خصوص النبي و آله- صلوات اللَّه عليهم أجمعين- و قد روي أنّه صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا خطب يرفع صوته، كأنّه منذر جيش، بل يمكن منع صدق الخطبة بدونه(جواهر الكلام 11: 240.)، انتهى. و ينبغي أن يرفع صوته- و لو بواسطة السمّاعات- بحيث يسمع الحضّار إذا كانت الجماعة كثيرة لإبلاغ الوعظ و الترغيب و الترهيب و المسائل المهتمّ بها، كما اشير إليه في خبر «العلل» و «العيون» عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام: «فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، و ترغيبهم في الطاعة، و ترهيبهم من المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق (و) من الأهوال التي لهم فيها المضرّة و المنفعة ...» إلى أن قال: «و لما يريد أن يعلّمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد»(وسائل الشيعة 7: 344، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 6.) و قد تردّد جماعة من فقهائنا- كالمحقّق في «الشرائع» و السبزواري في «الذخيرة» و الفاضل الهندي في «كشف اللثام»- في وجوب رفع الصوت. و في «مستند الشيعة» بعد نقل التردّد من «الشرائع» قال: و هو في موقعه، بل مقتضى الأصل عدمه(مستند الشيعة 6: 80.) و قال العلّامة في «التذكرة»: و لو رفع الصوت بقدر ما يبلغ، و لكن كانوا أو بعضهم صمّاً، فالأقرب الإجزاء. و لا يجهد نفسه في رفع الصوت؛ لما فيه من المشقّة، و لا تسقط الجمعة و لا الخطبة و إن كانوا كلّهم صمّاً(تذكرة الفقهاء 4: 74.) ، انتهى. و في «المدارك» احتمل سقوط الجمعة إذا كان المانع حاصلًا للعدد المعتبر؛ لعدم ثبوت التعبّد بالصلاة على هذا الوجه(مدارك الأحكام 4: 41.)

ص: 158

ص: 159

(مسألة 14): الأحوط- بل الأوجه- وجوب الإصغاء إلى الخطبة،
اشارة

بل الأحوط الإنصات و ترك الكلام بينها، و إن كان الأقوى كراهته. نعم لو كان التكلّم موجباً لترك الاستماع و فوات فائدة الخطبة لزم تركه. و الأحوط الأولى استقبال المستمعين الإمام حال الخطبة، و عدم الالتفات زائداً على مقدار الجواز في الصلاة، و طهارة الإمام حال الخطبة عن الحدث و الخبث، و كذا المستمعين. و الأحوط الأولى للإمام أن لا يتكلّم بين الخطبة بما لا يرجع إلى الخطابة، و لا بأس بالتكلّم بعد الخطبتين إلى الدخول في الصلاة (1).

هنا مسائل:
الاولى: اختلف فقهاؤنا في وجوب الإصغاء-

1- أي التوجّه لاستماع الكلام- إلى الخطبة و عدمه: نسب إلى الأكثر وجوبه، بل في «الذكرى» و «الحدائق» و غيرهما: أنّه المشهور. و ذهب جماعة إلى عدم الوجوب. و عن الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «المعتبر» و «النافع» و العلّامة في «المنتهى» و ابن زهرة في «الغنية» و الأردبيلي في «مجمع البرهان» و غيرهم: أنّه مستحبّ. و تردّد فيه بعضهم- كالمحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «التحرير» و «الإرشاد» و ولده في «الإيضاح» و الشهيد في «غاية المراد»- لضعف أدلّة الوجوب عندهم. و استدلّ للوجوب بوجوه ضعيفة: منها: أنّ المقصود من الخطبة- خصوصاً الوعظ و الإيصاء بتقوى اللَّه- لا يحصل إلّا بالإصغاء. و منها: قوله تعالى: «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا»(الأعراف( 7): 204.) و في «مجمع البيان»: قيل: إنّه- أي الوقت المأمور بالإنصات للقرآن و الاستماع له- في الخطبة، امروا بالإنصات و الاستماع إلى الإمام يوم الجمعة، و قيل: إنّه في الخطبة و الصلاة جميعاً(مجمع البيان 4: 791.) و منها: خبر «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام: «يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم و يصغون إليه»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 5.) و منها: قوله عليه السلام في بعض الروايات المتقدّمة: «يخطب لهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 6.) ، و كذا قوله: «فهي صلاة»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 4.) . وجه دلالتهما كما في «كشف اللثام»: أنّ الحاضرين للخطبة كالمقتدِين في الصلاة؛ فيجب الاستماع للآية(كشف اللثام 4: 260.) و منها: أنّ الإصغاء يجب مقدّمةً للسماع الواجب. و منها: أنّ بين تحريم الكلام و وجوب الإصغاء تلازماً، كما نسب في «مفتاح الكرامة» إلى ظاهر «السرائر» و «الإيضاح» و صريح «التذكرة» و «نهاية الأحكام» و «المختلف» و «غاية المراد» و «التنقيح» و «حاشية الإرشاد» و «الروض». و منها: غير ذلك من الوجوه الضعيفة. و يرد على الوجه الأوّل: أنّ فائدة الخطبة لا تنحصر في الإصغاء؛ إذ قد تحصل بمجرّد السماع. و على الوجه الثاني: أوّلًا: أنّه حكي عن الشيخ في «تفسير التبيان»: أنّ فيه أقوالًا: الأوّل: إنّها في صلاة الإمام، فعلى المقتدى به الإنصات. و الثاني: إنّها في الصلاة؛ فإنّهم كانوا يتكلّمون فيها، فنسخ. و الثالث: إنّها في خطبة الإمام. و الرابع: إنّها في الصلاة و الخطبة. و أقوى الأقوال الأوّل؛ لأنّه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلّا حال قراءة الإمام في الصلاة؛ فإنّ على المأموم الإنصات لذلك و الاستماع له، فأمّا خارج الصلاة فلا خلاف أنّه لا يجب الإنصات و الاستماع. و عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه في حال الصلاة و غيرها، و ذلك على وجه الاستحباب(مجمع البيان 4: 791، التبيان في تفسير القرآن 5: 67- 68.) ، انتهى. و ثانياً: أنّ وجوب الإصغاء على المأموم لقراءة الإمام في الصلاة لم يثبت، و مقتضى الأصل عدمه. و على الوجه الثالث: أنّ خبر «الدعائم» مرسل غير منجبر؛ لعدم ثبوت الشهرة على الوجوب. و على الوجه الرابع: ما اورد ثانياً على الوجه الثاني. و على الوجه الخامس: أنّ مورد النزاع هو الوجوب النفسي لا المقدّمي. و على الوجه السادس: أنّه مجرّد دعوى يحتاج مدّعيها إلى الإثبات. هذا مضافاً إلى أنّ حرمة الكلام في أثناء الخطبة أوّل الكلام، كما سنشير إليه. و استدلّ للقول بعدم الوجوب بالأصل، و بإطلاقات أدلّة وجوب الخطبة؛ إذ لا مدخلية للإصغاء في صدق الخطبة، و المقصود من الخطبة- و هو فهم مطالبها- يحصل بالسماع دون الإصغاء. و في «الجواهر»: «و نمنع وجوب الإنصات في حال الخطبة بالسيرة التي هي فوق الإجماع»(جواهر الكلام 11: 289.) و فيه: أنّ السيرة يتمسّك بها فيما لو احرز تحقّقها من المتديّنين العارفين بوظائفهم الشرعية. و استدلّ أيضاً بصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) وجه الدلالة ظهور لفظ «لا ينبغي» في الكراهة، فيجوز الكلام و إن كان مكروهاً، فهو مستلزم لعدم وجوب الإصغاء؛ إذ لا يتحقّق الإصغاء مع التكلّم غالباً. يقال: أنصت له أي: سكت مستمعاً لحديثه- و ترك الكلام على المخاطبين للخطبة. و الخلاف إنّما هو في الإثم و عدمه- كما في «النهاية»(نهاية الإحكام 2: 39.) - للإجماع على أنّ الكلام في أثناء الخطبة ليس مبطلًا للجمعة. و صرّح جماعة بحرمة الكلام على الخطيب، كالمستمعين، و يأتي الإشارة إليه. و استدلّ للقول بالوجوب- مضافاً إلى الشهرة المدّعاة في كلام جماعة كما في «الذكرى» و «كشف الالتباس»، بل الإجماع المدّعى في «الخلاف»- بالأخبار الدالّة على أنّ الخطبة صلاة، و أنّ الخطبتين بدل عن الركعتين؛ فيجب الإنصات و ترك الكلام في الخطبتين كما في الركعتين. و استدلّ أيضاً بمرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و مفهوم صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن يقام الصلاة، و إن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 3.) و رواية «دعائم الإسلام» عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام، عنه، عن آبائه عليهم السلام: «إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصمت»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 2.) و في «الدعائم» أيضاً عن جعفر بن محمّد عليهما السلام: «لا كلام حتّى يفرغ الإمام من الخطبة، فإذا فرغ منها فتكلّم ما بينك و بين افتتاح الصلاة إن شئت»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 4.) و رواية الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: «نهى رسول اللَّه عن الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا و من لغا فلا جمعة له»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 4.) و في المرسل: «من تكلّم يوم الجمعة و الإمام يخطب فهو كالحمار يَحْمِلُ أَسْفاراً»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 6.) و ما رواه في «قرب الإسناد» عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ علياً عليه السلام كان يكره الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، و في الفطر و الأضحى و الاستسقاء»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 5.) و بالإسناد المذكور عن علي عليه السلام: «أنّه كان يكره ردّ السلام و الإمام يخطب»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 6.) و الاستدلال بهذين الخبرين الأخيرين مبني على إرادة الحرمة من الكراهة. و استدلّ أيضاً بالتلازم بين وجوب الإصغاء و بين حرمة الكلام، و أنّ من قال بالوجوب هناك قال بالتحريم هنا، و من قال بالاستحباب هناك، قال بالكراهة هنا. و الجواب: أنّ أكثر الوجوه المزبورة ضعيف السند و ظاهر الدلالة في الكراهة. نعم، مفهوم صحيح محمّد بن مسلم ثبوت البأس في التكلّم قبل فراغ الإمام عن الخطبة، و كذلك النهي في رواية الحسين بن زيد ظاهر في الحرمة. و لكنّهما محمولان على الكراهة، بقرينة صحيح آخر لمحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) ، حيث إنّ لفظ «لا ينبغي» أقوى ظهوراً في الكراهة. و أمّا ما روي عن جامع البزنطي من وجوب الصمت على الناس فقد أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: بل قد يضعّف ما عن البزنطي و «الدعائم» من وجوب الصمت باستلزامه زيادة الخطبة على الصلاة؛ ضرورة جواز الذكر و القرآن و نحوهما فيها، بخلافها؛ فيجب فيها الصمت. بل التزام حرمة ذلك و إن لم يكن مفوّتاً للاستماع أو لاستماع المقصود من الخطبة من الغرائب(جواهر الكلام 11: 295- 296.) ، انتهى. و يرد على صدر كلامه: أنّ محلّ البحث في هذه المسألة هو الكلام الآدمي؛ فلا يشمل الذكر و قراءة القرآن. أقول: لو لا مخالفة الشهرة المدّعاة في «الذكرى» و «كشف الالتباس» على حرمة الكلام، لقلنا بالجواز. فالأحوط ترك الكلام للمستمعين؛ لاحتمال تحقّق الشهرة في الواقع. و يدلّ عليه موثّق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: كلّ واعظ قبلة؛ يعني إذا خطب الإمام الناس يوم الجمعة ينبغي للناس أن يستقبلوه»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 1.) و صحيح علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن القعود في العيدين و الجمعة و الإمام يخطب كيف يصنع، يستقبل الإمام أو يستقبل القبلة؟ قال: «يستقبل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 2.) و مرسل الصدوق قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «كلّ واعظ قبلة، و كلّ موعوظ قبلة للواعظ؛ يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء في الخطبة، يستقبلهم الإمام و يستقبلونه حتّى يفرغ من خطبته»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 3.) و الجملة الخبرية: «يستقبل الإمام، يستقبلهم الإمام و يستقبلونه» في بعض هذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في الوجوب، إلّا أنّها محمولة على الاستحباب، بقرينة لفظ «ينبغي» في الموثّق المزبور. و هل يحرم غير الكلام ممّا يحرم في الصلاة، كالالتفات زائداً على المقدار الجائز في الصلاة؟ نسب إلى السيّد المرتضى رحمه الله في «المصباح»: أنّه يحرم في الخطبة من الأفعال ما لا يجوز مثله في الصلاة، و استدلّ له بمرسل الصدوق المتقدّم: «و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) المشهور- شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً- عدم الحرمة. و في «الجواهر»- بعد نقل القول بالحرمة عن «مصباح» المرتضى- قال: «لكن ظاهر الأصحاب خلافه»(جواهر الكلام 11: 295.) على الخطيب و المخاطبين: فذهب جماعة- منهم الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و العلّامة في «المنتهى» و الشهيدان في «الذكرى» و «الدروس» و «البيان» و «الروضة» و «المسالك» و غيرهم- إلى الوجوب. و جماعة اخرى- منهم ابن إدريس و الفاضل الآبي في «كشف الرموز» و العلّامة في «المختلف» و «التبصرة» و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و غيرهم- إلى عدم الوجوب. و لم يتعرّض جماعة من فقهائنا للبحث عن الطهارة حال الخطبة؛ لا نفياً و لا إثباتاً. و الظاهر من تركهم البحث عنها: أنّها ليست واجبة، و لا شرطاً عندهم. و قد صرّح جماعة من فقهائنا بوجوب الطهارة من دون تنصيص على الشرطية. و صرّح جماعة اخرى منهم بأنّ الطهارة، من الحدث و الخبث شرط في الخطبتين، كما في «التذكرة» و «غاية المراد». و في «نهاية الإحكام»: «شرط بعض علمائنا طهارة الحدث و البدن و الثوب و المكان من الخبث»(نهاية الإحكام 2: 36.) و قال المحقّق في «المعتبر»: «لا ريب أنّ الطهارة من الحدث الأكبر شرط لجواز دخول المسجد، فلا بدّ من اعتباره، لا لأنّه شرط في الخطبة»(المعتبر 2: 285.) و في «مفتاح الكرامة» بعد نقل كلام «المعتبر» قال: «و قضية كلامه: أنّها ليست شرطاً؛ لا من الخبث، و لا من أكبر الأحداث، و لا من أصغرها، و إن خطب في المسجد»(مفتاح الكرامة 3: 119/ السطر 25.)، انتهى. نسب إلى جماعة- منهم ابن حمزة في «الوسيلة» و الراوندي في «فقه القرآن» و المفيد و الشهيد في «الذكرى» و الفاضل الميسي و المحقّق و الشهيد الثانيان و صاحب «الحدائق» و غيرهم- حرمته عليه. و عمدة ما استدلّ به على الحرمة الأخبار الدالّة على أنّ الخطبتين بمكان الركعتين، و أنّ الخطبة صلاة، كما في صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث، قال: «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 4.) و مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و فيه: أنّه قد مرّ غير مرّة أنّ الخطبتين و إن كانتا بدلًا عن الركعتين، و لكن ليس مقتضى البدلية إجراء تمام أحكام المبدل على البدل. و ذهب جماعة كثيرة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين إلى جواز الكلام للإمام في أثناء الخطبة مع الكراهة، و هو المختار. و قيّده في «الجواهر» بقوله: إذا لم يكن مفوّتاً لهيئتها و سالباً لصدق المراد شرعاً منها، و إلّا حرم الاجتزاء بها و وجب استئناف غيرها. و كأنّ وجه الكراهة:- مضافاً إلى انفصام نظام الخطبة الموجب للوهن في الإبلاغ و الإنذار و الحمد و الثناء- ضيق الوقت و انتظار المأمومين الذين يسأمون و لا يخلون غالباً عن حاجات ربّما تفوت لطول المكث(جواهر الكلام 11: 329.) ، انتهى. و استدلّ له في «التذكرة» بالأصل، و بأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كلّم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة، و بأنّ المستمع إنّما حرم عليه الكلام لئلّا يشغله عن الاستماع(تذكرة الفقهاء 4: 78.) ، انتهى. فرعان: الأوّل: يجوز للمستمعين، و كذا للإمام، الكلام بين الخطبتين؛ للأصل و عدم المانع؛ لأنّ المانع- على فرض وجوده- إنّما هو في حال الخطبة، فلا يشمل زمان الجلوس بين الخطبتين. و في «الجواهر»: «أمّا حال الجلوس بين الخطبتين، فالأقوى عدم الحرمة أيضاً»(جواهر الكلام 11: 296.) ، انتهى. الثاني: لا بأس بالتكلّم للسامعين و الإمام بعد الفراغ عن الخطبتين و قبل الشروع في الصلاة. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و صحيحه الآخر، عنه عليه السلام قال: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن يقام الصلاة، و إن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 3.)

ص: 160

ص: 161

ص: 162

المسألة الثانية: اختلف فقهاؤنا في وجوب الإنصات-

ص: 163

ص: 164

ص: 165

المسألة الثالثة: يستحبّ استقبال الخطيب الناسَ، و استقبال الناس إيّاه.

ص: 166

ص: 167

المسألة الرابعة: اختلف فقهاؤنا في وجوب الطهارة حال الخطبة و عدمها

ص: 168

المسألة الخامسة: اختلف فقهاؤنا في حرمة الكلام في أثناء الخطبة على الإمام؛

ص: 169

ص: 170

و ينبغي أن يكون الخطيب بليغاً مراعياً لمقتضيات الأحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد، عارفاً بما جرى على المسلمين في الأقطار، سيّما قطره، عالماً بمصالح الإسلام و المسلمين، شجاعاً لا يلومه في اللَّه لومة لائم، صريحاً في إظهار الحقّ و إبطال الباطل حسب المقتضيات و الظروف، مراعياً لما يوجب تأثير كلامه في النفوس؛ من مواظبة أوقات الصلوات، و التلبّس بزيّ الصالحين و الأولياء، و أن يكون أعماله موافقاً لمواعظه و ترهيبه و ترغيبه، و أن يجتنب عمّا يوجب وهنه و وهن كلامه؛ حتّى كثرة الكلام و المزاح و ما لا يَعني. كلّ ذلك إخلاصاً للَّه تعالى و إعراضاً عن حُبّ الدنيا و الرئاسة- فإنّه رأس كلّ خطيئة- ليكون لكلامه تأثير في النفوس (1).


1- الوجه فيما ذكره- من أوّله إلى آخره ممّا ينبغي مراعاته للخطيب- هو ما أشار إليه في ذيل كلامه من تأثير كلام الخطيب في النفوس. و إلى بعض ما ذكره صرّح جماعة من فقهائنا؛ منهم العلّامة في «التذكرة»، قال: «يستحبّ أن يكون الخطيب بليغاً ليأتي بالألفاظ الناصّة على التخويف و الإنذار، مواظباً على الصلوات ليكون وعظه أبلغ في القلب، حافظاً لمواقيت الفرائض»(تذكرة الفقهاء 4: 83.) و صاحب «الجواهر» بعد حكاية كلام «نهاية الإحكام»: «بحيث لا يكون مؤلّفة من الكلمات المبتذلة؛ لأنّها لا تؤثّر في القلوب، و لا من الكلمات الغريبة الوحشية؛ لعدم انتفاع أكثر الناس بها، بل تكون قريبة من الأفهام ناصّة على التخويف و الإنذار»، قال مزجاً بالمتن: و أن يكون مواظباً على الصلوات في أوّل أوقاتها، و على الائتمار بما امر به و الانزجار عمّا نهي عنه، ليكون له وقع في النفوس، فتكون موعظته أوقع في القلوب(جواهر الكلام 11: 329.)، انتهى.

ص: 171

و يستحبّ له أن يتعمّم في الشتاء و الصيف، و يتردّى ببرد يمني أو عدني، و يتزيّن، و يلبس أنظف ثيابه متطيّباً، على وقار و سكينة، و أن يسلّم إذا صعد المنبر، و استقبل الناس بوجهه، و يستقبلونه بوجوههم، و أن يعتمد على شي ء من قوس أو عصا أو سيف، و أن يجلس على المنبر أمام الخطبة حتّى يفرغ المؤذّنون (1).


1- هذه المستحبّات كلّها إجماعي و منصوص، نذكر نصوصها بترتيب ذكرها في المتن: ففي موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس أن يلبس عمامة في الشتاء و الصيف، و يتردّى ببرد يمنية أو عدني»(وسائل الشيعة 7: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 24، الحديث 1.) و صحيح هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة يغتسل و يتطيّب و يسرّح لحيته و يلبس أنظف ثيابه و ليتهيّأ للجمعة، و ليكن عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار، و ليحسن عبادة ربّه، و ليفعل الخير ما استطاع؛ فإنّ اللَّه يطّلع إلى الأرض ليضاعف الحسنات»(وسائل الشيعة 7: 395، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 47، الحديث 2.) و مرفوع عمرو بن جميع، رفعه عن علي عليه السلام قال: «من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس»(وسائل الشيعة 7: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 28، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «كلّ واعظ قِبلةٌ، و كلّ موعوظ قبلة للواعظ؛ يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الإمام و يستقبلونه حتّى يفرغ من خطبته»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 3.) و صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة، و يتوكّأ على قوس أو عصا، و ليقعد قعدةً بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة، و يقنت في الركعة الاولى منهما قبل الركوع»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 5.) و صحيح عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام، قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذّنون»(وسائل الشيعة 7: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 28، الحديث 2.)

ص: 172

ص: 173

(مسألة 15): قد مرّ اعتبار الفاصلة بين الجمعتين بثلاثة أميال،

فإن اقيمت جمعتان دون الحدّ المعتبر، فإن اقترنتا بطلتا جميعاً، و إن سبقت إحداهما و لو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخّرة؛ سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة أم لا، و صحّت المتقدّمة؛ سواء علم المصلّون بلحوق جمعة أم لا.

و الميزان في الصحّة: تقدّم الصلاة لا الخطبة، فلو تقدّم إحدى الجمعتين في الخطبة و الاخرى في الصلاة، بطلت المتأخّرة في الشروع في الصلاة (1).


1- قد مرّ في البحث عن «القول في شرائط صلاة الجمعة»: أنّ الشرط الرابع أن لا يكون هناك جمعة اخرى و بينهما دون ثلاثة أميال، و ذكرنا هناك دليل المسألة مفصّلًا. فلو كانت هناك جمعة اخرى و كان بينهما دون ثلاثة أميال، فإن اقترنتا- أي اقيمتا مقترنتين- بطلتا جميعاً، بلا خلاف معتدّ به؛ و ذلك لانتفاء شرط صحّتهما حين انعقادهما، و عدم المقتضي لصحّة إحداهما، فتبطلان جميعاً، من غير فرق بين علم كلّ فريق بالآخر و عدمه، كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى و الإجماعات. مع أنّ الأحكام الوضعية ليست كالأحكام التكليفية في التقييد بالعلم و الالتفات، هذا. مضافاً إلى أنّ النهي الوارد في صحيح محمّد بن مسلم: «لا تكون جمعة إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال»(وسائل الشيعة 7: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 1.)، و موثّقة: «و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 2.) لبيان الشرطية، بل هو نفي في الحقيقة. فعلى هذا: لو اقترنت الجمعتان في أقلّ من الحدّ المعتبر بطلتا- و إن وقعتا نسياناً أو من غير التفات- كما هو مقتضى الشرطية. و لا سبيل إلى الحكم بصحّتهما، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر. و نسب إلى بعض متأخّري المتأخّرين صحّة الصلاتين كلتيهما مع عدم علم كلّ فريق بالآخر؛ و ذلك لاستحالة تكليف الغافل على الإعادة، و عدم ثبوت اعتبار الفصل بينهما بثلاثة أميال في صورة عدم علم كلّ فريق بالآخر. و فيه: أنّ الفرق بين العالم و غيره ثابت في الأحكام التكليفية دون الوضعية. هذا كلّه فيما لو اقترنت الجمعتان. و أمّا فيما لم تقترنا- بأن سبقت إحداهما على الاخرى- تصحّ السابقة و تبطل المتأخّرة؛ و ذلك لأنّ السابقة انعقدت صحيحةً فتستصحب صحّتها، بخلاف المتأخّرة فإنّها فاقدة لشرط صحّتها حين انعقادها؛ سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة على صلاتهم، أم لا. و في «الجواهر»: «بل لا فرق فيه بين علم المصلّين عند عقدها أنّ اللاحقة ستوقع و عدمه، أو أنّ جمعة تعقد هناك إمّا لاحقة أو غيرها و عدمه، و لا بين علم مصلّي اللاحقة أنّ جمعة سبقتها أو تعقد هناك و عدمه، و لا بين تعذّر الاجتماع و التباعد عليهما أو على أحدهما علم به الآخرون أو لا و عدمه»(جواهر الكلام 11: 248.) ، انتهى. ثمّ إنّ المعيار في الاقتران و السبق هو الشروع في الصلاة- و لو بتكبيرة الإحرام- لا الشروع في الخطبة؛ و ذلك لانصراف الجمعة في الأخبار إلى خصوص الصلاة. و قد مرّ مراراً أنّ التعبير في الروايات عن الخطبة بالصلاة تجوّز.

ص: 174

ص: 175

(مسألة 16): الأحوط عند إرادة إقامة جمعة في محلٍّ، إحرازُ أن لا جمعة هناك-

دون الحدّ المقرّر- مقارنة لها أو منعقدة قبلها؛ و إن كان الأشبه جواز الانعقاد و صحّة الجمعة؛ ما لم يُحرز انعقاد جمعة اخرى مقارنة لها أو مقدّمة عليها، بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اخرى و شكّ في مقارنتها أو سبقها (1).


1- وجه الاحتياط في إحراز انتفاء الجمعة الاخرى عند إرادة إقامة جمعة في محلّ هو: أنّه مع عدم الإحراز يحتمل سبق الجمعة الاخرى على جمعتهم أو مقارنتها إيّاها، و معه لا يحصل العلم بامتثال التكليف، بل لا يحصل الجزم بالنية؛ لكون صلاته في معرض البطلان. و الأشبه جواز الانعقاد و صحّة الجمعة ما لم يحرز انعقاد جمعة اخرى مقارنة لها أو مقدّمة عليها؛ لأنّ المانع هو حصول العلم أو الظنّ المعتبر على انعقاد جمعة اخرى، دون الحدّ المعتبر مقارنة لها أو مقدّمة عليها، و المفروض عدم حصول المانع المزبور؛ فيكفي في صحّة الجمعة عدم العلم و الظنّ المعتبر بكونها مقارنة للجمعة الاخرى أو مقدّمة عليها. بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اخرى و شكّ في مقارنتها أو سبقها؛ و ذلك لعدم إحراز المانع- أعني مقارنة الاخرى أو تقدّمها- علماً أو ظنّاً معتبراً.

ص: 176

(مسألة 17): لو علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اخرى،

و احتمل كلّ من الجماعتين السبق و اللحوق، فالظاهر عدم وجوب الإعادة عليهما- لا جمعةً و لا ظهراً- و إن كان الوجوب أحوط. و يجب على الجماعة- التي لم يحضروا الجُمعتين- إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة، إحرازُ بطلان الجُمعتين المتقدّمتين، و مع احتمال صحّة إحداهما لا يجوز إقامة جُمعة اخرى (1).


1- وجه عدم وجوب الإعادة عليهما- لا جمعة و لا ظهراً- فيما علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اخرى- مع احتمال كلّ من الجماعتين أنّه السابق و أنّ الآخر هو اللاحق- هو الاستصحاب، و أنّ كلًاّ من الجماعتين قد دخلوا في الجمعة الواجدة لشرائط الصحّة، من غير إحراز المانع إلى أن فرغوا منها. و العلم بعد الفراغ منها بمجرّد عقد جمعة اخرى من غير إحراز مقارنتها بصلاتهم أو سبقها عليها، غير مانع. نعم، الأحوط الإعادة عليهما جمعة مع بقاء وقتها، و إلّا فظهراً؛ لاحتمال تحقّق المقارنة أو اللحوق في الواقع. و أمّا الجماعة التي لم يحضروا الجمعتين إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة وجب عليهم إحراز بطلان الجمعتين المتقدّمتين؛ إذ مع صحّة إحداهما- و لو احتمالًا- لا يجوز إقامة جمعة اخرى إجماعاً.

ص: 177

القول فيمن تجب عليه

(مسألة 1): يشترط في وجوبها امور:

التكليف، و الذكورة، و الحرّية، و الحضر، و السلامة من العمى و المرض، و أن لا يكون شيخاً كبيراً، و أن لا يكون بينه و بين محلّ إقامة الجُمعة أزيد من فرسخين، فهؤلاء لا يجب عليهم السعي إلى الجمعة لو قلنا بالوجوب التعييني، و لا تجب عليهم و لو كان الحضور لهم غير حرجي و لا مشقّة فيه (1).


1- لا خلاف في اشتراط وجوب صلاة الجمعة بالامور المذكورة في المتن، بل قد ادّعي في كلام جماعة الإجماع عليه، و حكي في «الجواهر» عن «المنتهى» و غيره الإجماع على اشتراط البلوغ، بل لعلّه من ضروريات المذهب أو الدين، كالعقل. و لا بأس بنقل كلام «المنتهى» في كلّ من المذكورات، قال: «إنّما تجب الجمعة على الذكور، فلا يتعلّق الوجوب بالمرأة، و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم. و الحرّية شرط، و هو مذهب علمائنا أجمع. و الحضر شرط في وجوب الجمعة، فلا تجب على المسافر، ذهب إليه علماؤنا أجمع. و لا تجب الجمعة على الأعمى، ذهب إليه علماؤنا. و لا تجب على المريض، و هو مذهب علمائنا أجمع. و لا تجب على من بَعُد عن الجمعة بأزيد من فرسخين، ذهب إليه علماؤنا أجمع. و لا تجب على الشيخ الكبير، و هو مذهب علمائنا(منتهى المطلب 1: 321/ السطر 25.) ، انتهى كلام «المنتهى» ملخّصاً. و قيّد جماعة من فقهائنا «الشيخ الكبير» بالعاجز عن الحضور، أو بالذي لا حراك له، أو بالمزمن، أو بالبالغ حدّ العجز أو المشقّة الشديدة بواسطة الكبر. و في «الجواهر»: و لم أعرف الوجه في التقييد بذلك في خصوص هذا العذر، مع أنّ النصوص اطلقت، كغيره من الأعذار(جواهر الكلام 11: 264.)، انتهى. و يدلّ على اشتراط الامور المذكورة- مضافاً إلى الإجماع- صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّما فرض اللَّه- عزّ و جلّ- على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واحدة فرضها اللَّه- عزّ و جلّ- في جماعة، و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.) و خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في الجمعة، فقال: «الحمد للَّه الولي الحميد ...» إلى أن قال: «و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن، إلّا على الصبي و المريض و المجنون و الشيخ الكبير و الأعمى و المسافر و المرأة و العبد المملوك و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 6.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد ذكر بعض الأخبار الدالّة على استثناء خمسة أو أربعة من كلّ مسلم وجبت عليه الجمعة، كخبر منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «الجمعة واجبة على كلّ أحد، لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 300، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 16.) ، و ما رواه الشهيد الثاني في «رسالة الجمعة» قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم، إلّا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»(وسائل الشيعة 7: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 24.) ، قال: إلى غير ذلك من النصوص التي لا ضرر في النقيصة فيها و الزيادة في المستثنى بعد تحكيم منطوق بعضها على مفهوم الآخر، أو تكلّف تداخل بعضها في بعض، على أنّه لا خلاف في أكثرها أو جميعها(جواهر الكلام 11: 258.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه رحمه الله نقل الخبر عن منصور بن يعقوب، و الظاهر أنّه اشتباه؛ إذ ليس منه أثر في كتب الرجال، و أنّه منصور بن حازم. ثمّ إنّ الفاقدين لشرائط وجوب الجمعة لا يجب عليهم السعي إليها لو قلنا بالوجوب التعييني في زمن الغيبة، فضلًا عن القول بالوجوب التخييري. و لا تجب عليهم و لو كان الحضور لهم غير حرجي و لا مشقّة فيه.

ص: 178

ص: 179

(مسألة 2): كلّ هؤلاء إذا اتّفق منهم الحضور أو تكلّفوه، صحّت منهم و أجزأت عن الظهر،

(مسألة 2): كلّ هؤلاء إذا اتّفق منهم الحضور أو تكلّفوه، صحّت منهم و أجزأت عن الظهر (1)،


1- الفاقدون لشرائط وجوب الجمعة إذا اتّفق منهم الحضور لها حال كونها منعقدة بالواجدين للشرائط صحيحةً، أو تكلّفوا الحضور لها، أجزأتهم عن الظهر بلا خلاف. و في «المدارك»: «أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب»(مدارك الأحكام 4: 53.) و ذلك لأنّ الظاهر من أخبار السقوط و صريح الفتاوى و الإجماعات سقوط السعي إليها من ذوي الأعذار، لا الجمعة نفسها؛ فجاز لهم فعلها و تركها و إتيان الظهر. و في بعض الأخبار تصريح بالرخصة في ترك الجمعة لهم ما لم يحضروا، فلمّا حضروا وجبت الجمعة و تجزي عنهم. ففي رواية حفص بن غياث قال: سمعت بعض مواليهم سأل ابن أبي ليلى عن الجمعة، هل تجب على العبد و المرأة و المسافر؟ قال: لا. قال: فإن حضر واحد منهم الجمعة مع الإمام فصلّاها هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ قال: نعم. قال: و كيف يجزي ما لم يفرضه اللَّه عليه عمّا فرض اللَّه عليه ... إلى أن قال: فما كان عند أبي ليلى فيها جواب، و طلب إليه أن يفسّرها له، فأبى. ثمّ سألته أنا ففسّرها لي، فقال: الجواب عن ذلك: أنّ اللَّه- عزّ و جلّ- فرض على جميع المؤمنين و المؤمنات، و رخّص المرأة و العبد و المسافر أن لا يأتوها، فلمّا حضروا سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأوّل؛ فمن أجل ذلك أجزأ عنهم. فقلت عمّن هذا؟ قال: عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام(وسائل الشيعة 7: 337، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 18، الحديث 1.)

ص: 180

و كذا كلّ من رُخّص له في تركها لمانع؛ من مطر، أو برد شديد، أو فقد رجل، و نحوها ممّا يكون الحضور معه حرجاً عليه. نعم لا تصحّ من المجنون، و صحّت صلاة الصبي. و أمّا إكمال العدد به فلا يجوز، و كذا لا تنعقد بالصبيان فقط (1).


1- يجوز ترك الجمعة لكلّ ما يوجب سقوط التكليف، من ضرر أو مشقّة لا تتحمّل عادةً، أو معارضة واجب أهمّ. ففي «المبسوط»: «من تجب عليه الجمعة يجوز له أن يتركها لعذر في نفسه أو أهله أو قرابته أو أخيه في الدين، مثل أن يكون مريضاً يهتمّ بمراعاته، أو ميّتاً يقوم على دفنه و تجهيزه، أو ما يقوم مقامه»(المبسوط 1: 146.) و في «المنتهى»: «و يسقط مع كلّ عذر يتعذّر معه الفعل؛ لأنّ فيه مشقّة، فكان الوجوب ساقطاً. فلو مرض له قريب و خاف موته جاز له الاعتناء به و ترك الجمعة، و لو لم يكن قريباً و كان معيناً به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه، و لو كان عليه دين يخاف معه من الحضور و هو غير متمكّن سقطت عنه، و لو تمكّن لم يكن عذراً، و لو كان عليه حدّ قذف أو شرب أو غيرها لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله و ترك الجمعة»(منتهى المطلب 1: 324/ السطر 2.) و في «نهاية الإحكام»: «يجوز له تركها إذا اشتغل بجهاز ميّت أو مريض أو حبس بباطل أو حقّ عجز عنه أو خاف على نفسه أو ماله أو بعض إخوانه لو حضر ظالماً أو لصّاً أو مطراً أو وحلًا شديداً أو حرّاً أو برداً شديدين أو ضرباً أو شتماً»(انظر جواهر الكلام 11: 263، نهاية الإحكام 2: 42- 43.)، انتهى. و قد ورد في بعض الروايات تركها في المطر، كما في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس أن تدع الجمعة في المطر»(وسائل الشيعة 7: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 23، الحديث 1.) و صاحب «الحدائق» بعد حكاية إلحاق الوحل و الحرّ و البرد الشديدين بالمطر إذا خاف الضرر معها عن العلّامة، قال: «و لا بأس به؛ تفصّياً من لزوم الحرج المنفي بالآية و الرواية. و أمّا ما لم يخف معه الضرر فيشكل إلحاقه بالمطر؛ لعدم صدقه عليهما»(الحدائق الناضرة 10: 151.)، انتهى. ثمّ إنّ الجمعة لا تصحّ من المجنون؛ لعدم تحقّق القصد منه. و أمّا الصبي فتصحّ منه فيما إذا انعقدت بالواجدين لشرائط انعقادها، فلا تنعقد فيما كان الصبي مكمّلًا للعدد، فضلًا عمّا كان تمام العدد صبياناً و لم يكن نصاب غيرهم.

ص: 181

ص: 182

(مسألة 3): يجوز للمسافر حضور الجمعة،

و تنعقد منه و تجزيه عن الظهر، لكن لو أراد المسافرون إقامتها- من غير تبعية للحاضرين- لا تنعقد منهم، و تجب عليهم صلاة الظهر، و لو قصدوا الإقامة جازت لهم إقامتها، و لا يجوز أن يكون المسافر مكمّلًا للعدد (1).


1- الوجه في جواز حضور الجمعة للمسافر و انعقادها منه و إجزائها عن الظهر، هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. و يدلّ عليه الخبر الدالّ على أفضلية الجمعة للمسافر، عن سماعة، عن جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال: «أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبةً فيها و حبّاً لها أعطاه اللَّه- عزّ و جّل- أجر مائة جمعة للمقيم»(وسائل الشيعة 7: 339، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 19، الحديث 2.) . و ضعف سند الرواية منجبر بالإجماع. فمتى جازت أجزأت. و صاحب «الجواهر»- بعد نقل هذه الرواية في مقام دفع توهّم كون الجمعة مندوبة من المسافر- قال: «و قد حكي الإجماع على عدم وقوع الجمعة مندوبة، بل متى جازت أجزأت و كانت أحد الفردين، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه»(جواهر الكلام 11: 268.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ ذوي الأعذار- منهم المسافر- لا تسقط منهم الجمعة، بل الساقط منهم هو وجوب السعي و الحضور، و أنّهم إذا حضروا صحّت منهم و أجزأت عن الظهر، كما تقدّم. و لكن الظاهر من بعض الأخبار سقوط الجمعة نفسها عن المسافر: منها: صحيح ربعي بن عبد اللّه و الفضيل بن يسار جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس في السفر جمعة و لا فطر و لا أضحى»(وسائل الشيعة 7: 338، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 19، الحديث 1.) و منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لنا: «صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و أجهروا بالقراءة»، فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال: «أجهروا بها»(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 6.) و منها: صحيح جميل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر؟ فقال: «يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 8.) و منها: صحيح آخر لمحمّد بن مسلم، قال: سألته عن صلاة الجمعة في السفر؟ فقال عليه السلام: «تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(وسائل الشيعة 6: 162، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 9.) و حمل الشيخ رحمه الله ترك الإمام الجهر بالقراءة على التقية و الخوف. و صاحب «الجواهر» رحمه الله أجاب عن الروايات المذكورة بقوله: «لكن يمكن إرادة الرخصة من الأمر الوارد في مقام توهّم الحظر و نفي التعيين من الصحيح الأوّل، و إرادة عقد جمعة للمسافرين بناءً على عدم جوازه- كما ستسمع- لا دخولهم تبعاً، و الحمل على التقية بقرينة النهي عن الجهر، و غير ذلك»(جواهر الكلام 11: 270.)، انتهى. ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في انعقاد الجمعة بالمسافرين و عدمه: ذهب جماعة إلى عدم انعقادها بهم، و هذا القول هو المختار لما سننقله عن صاحب «الجواهر». ففي «المبسوط»: «و من لا تجب عليه و لا تنعقد به فهو الصبي و المجنون و العبد و المسافر و المرأة، فهؤلاء لا تجب عليهم و لا تنعقد بهم»(المبسوط 1: 143.) و في «المختلف» بعد نقل القول بالمنع عن الشيخ في «المبسوط» و «الوسيلة»، قال: «و هو الأقرب»(مختلف الشيعة 2: 246.) و في «كشف اللثام» بعد نقل القول بالمنع عن «المبسوط» و «الوسيلة» و «الإصباح» و «المختلف» ذكر دليلهم بقوله: «لأنّ الاعتداد بالعبد يوجب التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، و هو قبيح. و لا فارق من الأصحاب بينه و بين المسافر، مع أنّها لو انعقدت بالمسافر تعيّن عليه؛ لأنّ العدد إن اجتمعوا مسافرين انعقدت بهم، و إذا انعقدت وجبت»(كشف اللثام 4: 280.)، انتهى. و ذهب جماعة إلى انعقادها بهم؛ منهم ابن إدريس في «السرائر»، و الشيخ في «الخلاف»، و ابن زهرة في «الغنية»، و المحقّق في «المعتبر» و «الشرائع»، و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى» و «الإرشاد»، و النراقي في «مستند الشيعة». و اختاره «كاشف اللثام» حيث إنّه- بعد اختيار القول بوجوبها للفاقدين للشروط العشرة مع حضورهم- قال: «و لمّا وجبت عليهم انعقدت بهم، كما في «الغنية» و «السرائر» و «الشرائع»؛ لعموم الأدلّة، إلّا غير المكلّف للصغر أو الجنون و المرأة و العبد- على رأي- فلا تجب عليهم عيناً و لا تنعقد بهم. أمّا الانعقاد بمن عداهم، فكأنّه لا خلاف فيه، إلّا الهمّ الذي لا حراك به»(كشف اللثام 4: 277.)، انتهى. و صاحب «الجواهر» بعد حكاية القول بانعقادها بالمسافر و العبد عن «الخلاف» و «السرائر» و «المعتبر» و «المنتهى» و «الإرشاد» و «التلخيص» و غيرها، و تقوية هذا القول، خصوصاً بناءً على أنّ الساقط عنهم السعي إليها لا الجمعة، فيشملهم- حينئذٍ- نصوص الانعقاد بالسبعة و نحوهم، بل مقتضاها- حينئذٍ- تعيّن العقد عليهم، قال: «إلّا أنّه يقوى في النظر تخييرهم في ذلك؛ للأصل، و ظهور خبر حفص في حضور الجمعة المنعقدة بغيرهم، و ظهور نصّ السبعة- مثلًا- في إرادته من حيث العدد، لا أيّ عدد كان. بل قد ينقدح من ذلك الإشكال في أصل العقد بهم؛ لعدم دليل صالح عليه، و الوجوب حال الحضور أعمّ من العقد»(جواهر الكلام 11: 275.)، انتهى. بقي هنا أمران: الأوّل: أنّ المسافرين لو قصدوا الإقامة جازت لهم إقامة الجمعة، و كذا لو كانوا كثير السفر أو العاصين بسفرهم أو المقيمين ثلاثين يوماً متردّدين؛ و ذلك لأنّ المانع من إقامتها هو السفر الموجب للقصر. و أمّا المسافرون في الأماكن الأربعة فلا تتعيّن عليهم الجمعة؛ لكونهم مخيّرين بين القصر و الإتمام، فجازت لهم إقامتها و تركها. الثاني: أنّه لا يجوز أن يكون المسافر الواجب عليه التقصير أن يكون مكمّلًا للعدد؛ لكونه فاقداً لشرط انعقادها؛ و هو الحضر و ما في حكمه.

ص: 183

ص: 184

ص: 185

ص: 186

(مسألة 4): يجوز للمرأة الدخول في صلاة الجمعة، و تصحّ منها،

و تُجزيها عن الظهر إن كان عدد الجمعة- أي خمسة نفر- رجالًا، و أمّا إقامتها للنساء، أو كونها من جملة الخمسة، فلا تجوز، و لا تنعقد إلّا بالرجال (1).


1- إذا انعقدت الجمعة بخمسة نفر من الرجال جاز للمرأة الدخول فيها و صحّت منها و أجزأت عن الظهر. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة- بعض الروايات: ففي صحيح أبي همام- هو إسماعيل بن همام عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ميمون البصري، ثقة- عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، و إن صلّت في المسجد أربعاً نقصت صلاتها، لتصلّ في بيتها أربعاً أفضل»(وسائل الشيعة 7: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 22، الحديث 1.) وجه الدلالة: أنّ المراد من نقص جمعتها نقص فضيلتها بالنسبة إلى صلاتها في بيتها أربعاً، فجمعتها مجزية و لكنّها ناقصة فضيلةً. و رواية حفص بن غياث المتقدّمة: «و رخّص للمرأة و العبد و المسافر أن لا يأتوها، فلمّا حضروا سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأوّل، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم»(وسائل الشيعة 7: 337، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 18، الحديث 1.) و قال جماعة من فقهائنا بالوجوب على المرأة لو حضرت كالشيخين في «المقنعة» و «النهاية» و ابن إدريس في «السرائر». و أمّا إقامتها لها و كونها من جملة الخمسة فلا تجوز. و لا تنعقد إلّا بالرجال إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة»(وسائل الشيعة 7: 303، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 2.) و صحيح آخر لزرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: على من تجب الجمعة؟ قال: «تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) و صحيح ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 8.) وجه الاستدلال بهذه الصحاح: أنّ «الرهط»- على ما في الصحاح- عبارة عن ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة. و أنّ «القوم» عبارة عن الرجال دون النساء. و «النفر»- بالتحريك- عدّة رجال من ثلاثة إلى عشرة. و صاحب «الجواهر» نسب الإجماع على عدم انعقادها بالمرأة إلى «التذكرة» و غيرها، ثمّ قال: «بل يمكن تحصيله. مع اختصاص الرهط و النفر و القوم- بل و الخمسة و السبعة- لتذكير المميّز في نصوص العقد بغيرها»(جواهر الكلام 11: 277.)، انتهى.

ص: 187

ص: 188

(مسألة 5): تجب الجمعة على أهل القُرى و السواد،

كما تجب على أهل المدن و الأمصار مع استكمال الشرائط، و كذا تجب على ساكني الخيم و البوادي إذا كانوا قاطنين فيها (1).


1- وجه وجوب الجمعة على أهل السواد- أي القرى- مع استكمال الشرائط امور: الأوّل: الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل الإجماع بقسميه عليه. الثاني: العمومات الدالّة على وجوب الجمعة على الناس، أو على كلّ مؤمن، أو على كلّ مسلم، أو على كلّ أحد. و عمومها يشمل أهل السواد، كأهل المدن و الأمصار. الثالث: خبر الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إذا كان قوم (القوم) في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 306، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 3، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن اناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعة؟ قال: «نعم (و) يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب»(وسائل الشيعة 7: 306، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 3، الحديث 1.) . هذا الصحيح يدلّ صدره بالمنطوق و ذيله بالمفهوم على المطلوب. و في بعض الأخبار دلالة على عدم وجوب الجمعة لأهل القرى، كما في خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «لا جمعة إلّا في مصر تقام فيه الحدود»(وسائل الشيعة 7: 307، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 3، الحديث 4.) . و خبر حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: «ليس على أهل القرى جمعة، و لا خروج في العيدين». و لكنّهما ضعيفان سنداً، و موافقان لمذهب أبي حنيفة. و كذا تجب الجمعة على ساكني الخيم و البوادي إذا كانوا متوطّنين فيها؛ للعمومات المذكورة السالمة عن ورود المخصّص لها، سوى ما وضعها عن التسعة المعهودة.

ص: 189

(مسألة 6): تصحّ الجمعة من الخُنثى المُشكل، و لا يصحّ جعله إماماً أو مكمّلًا للعدد،

فلو لم يكمل إلّا به لا تنعقد الجمعة، و تجب الظهر (1).


1- قد وقع الخلاف بين فقهائنا في وجوب الجمعة على الخنثى. الظاهر من بعض النصوص وجوبها عليه، حيث إنّه اكتفي فيه باستثناء جماعة منهم خصوص المرأة ممّن تجب عليه الجمعة، كما في صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّما فرض اللَّه- عزّ و جلّ- على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واحدة فرضها اللَّه- عزّ و جلّ- في جماعة، و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و من الواضح: أنّ الخنثى لا يصدق عليه أنّه امرأة؛ فيدخل في المستثنى منه. و إلى هذا القول ذهب الشهيد الثاني في «الروض» و النراقي في «مستند الشيعة». و هو المتّجه عند صاحب «الجواهر»(جواهر الكلام 11: 258.) ، قال: «نعم قد يقال بأنّ الظاهر من النصوص سقوطها عن المرأة، و لعلّه المراد من الفتاوى و معاقد الإجماعات. قال في «التذكرة»: الذكورة شرط، فلا تجب على المرأة إجماعاً. و لعلّه مراد غيره أيضاً. فيتّجه حينئذٍ وجوبها على الخنثى المشكل- سواء قلنا بالواسطة في الواقع، أو لا- للعموم الذي يدخل فيه المشتبه صدق الخاصّ عليه، بناءً على عدم كونه مقسماً للعامّ، و أنّه لم يؤخذ في مفهومه عدم الخاصّ كي يكون مجملًا بالنسبة إلى الفرض؛ فيتمسّك فيه بأصالة البراءة، انتهى كلام صاحب «الجواهر». و ذهب جماعة إلى عدم وجوبها على الخنثى؛ لاحتمال كونها امرأة، و الأصل براءة الذمّة و عدم التكليف حتّى يثبت بالدليل. و اورد عليهم: بأنّ مقتضى الدليل المذكور عدم وجوب الظهر عليه أيضاً؛ لاحتمال كونه رجلًا. و اجيب عن هذا الإيراد: بأنّ الظهر هو الأصل؛ لأنّ الجمعة مشروطة بالذكورة و غيرها من الشروط، و الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط، و الظهر واجب على المكلّفين إلّا من اجتمع فيه شرائط الجمعة. و لأنّ الواجب أوّلًا كان الظهر، ثمّ تغيّر إلى الجمعة بالنسبة إلى من اجتمع شروطها. و أشكل الأمر على صاحب «الحدائق» و جماعة. و التحقيق: أنّ الظاهر من الصحاح المتقدّمة و إن كان وجوب الجمعة على الخنثى من حيث إنّ متعلّق الحكم فيها عبارة عن الناس أو كلّ مسلم أو كلّ أحد، و هذه العناوين صادقة على الخنثى بلا إشكال. لكنّ المراد من هذه العناوين خصوص الرجال، بقرينة ذكر ألفاظ في بيان متعلّق الحكم دالّة على الرجال، كلفظ «رهط» و «نفر» و «قوم»، و قد نقلنا سابقاً عن صحاح اللغة في معانيها: إنّها عبارة عن الرجال. و قد يقال بالفرق بين كون الذكورية شرطاً، و بين جعل المرأة مستثناة ممّن وجبت عليه الجمعة؛ فإنّ مقتضى شرطية الذكورية الرجوع إلى البراءة لدى الشكّ في تحقّقها، و مقتضى جعل المرأة مستثناة الاقتصار في رفع اليد عن الحكم الثابت بالعموم على الأفراد التي علم كونها انثى. فالخنثى حيث لم يعلم كونه انثى يدخل تحت العموم. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بعدم جواز التمسّك بالعمومات في الشبهات المصداقية، و أنّ المرجع هي الاصول العملية، و قضية الأصل فيه الاحتياط بالجمع بين الجمعة و الظهر، لو قيل بعدم صحّة الجمعة من المرأة، و لو قيل بصحّتها و إجزائها عن الظهر لها لو تكلّفت الحضور فمقتضى الأصل البراءة(مصباح الفقيه، الصلاة: 452/ السطر 3.) و فيه: أنّ عدم جواز التمسّك بالعمومات مسلّم في الشبهات المصداقية للعامّ، لا في مثل ما نحن فيه- من كون المشتبه من قبيل الشبهة المصداقية للخاصّ، بناءً على جعل المرأة مستثناة ممّن وجبت عليه الجمعة- و لذلك تمسّك به صاحب «الجواهر»، كما نقلناه عنه.

ص: 190

ص: 191

ص: 192

القول في وقتها

(مسألة 1): يدخل وقتها بزوال الشمس،
اشارة

فإذا زالت فقد وجبت، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين عند الزوال فشرع فيها صحّت. و أمّا آخر وقتها بحيث تفوت بمُضيّه ففيه خلاف و إشكال، و الأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفية من الزوال، و إذا اخّرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظهر؛ و إن لا يبعد امتداده إلى قدمين من في ء المتعارف من الناس (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أنّ أوّل وقت صلاة الجمعة زوال الشمس، بل ادّعى جماعة من فقهائنا الإجماع عليه. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة: منها: صحيح ربعي بن عبد اللّه و فضيل بن يسار جميعاً، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ من الأشياء أشياء موسّعة و أشياء مضيّقة؛ فالصلاة ممّا وسّع فيه؛ تقدّم مرّة و تؤخّر اخرى، و الجمعة ممّا ضيّق فيها، فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 1.) و رواية مسمع أبي سيّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر في يوم الجمعة في السفر؟ فقال: «عند زوال الشمس، و ذلك وقتها يوم الجمعة في غير السفر»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 2.) و صحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّ من الامور اموراً مضيّقة و اموراً موسّعة، و إنّ الوقت وقتان، و الصلاة ممّا فيه السّعة؛ فربّما عجّل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و ربّما أخّر، إلّا صلاة الجمعة؛ فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقت واحد حين تزول، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 11.) و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل، فيقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت الشمس فأنزل فصلّ، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين؛ فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 4.) و غيرها من روايات الباب. و إنّما الإشكال و الخلاف في آخر وقتها: نسب إلى الأكثر: أنّ وقتها يخرج إذا صار ظلّ كلّ شي ء مثله، و حكي عن غير واحد دعوى الشهرة عليه، بل عن «المنتهى» دعوى الإجماع عليه. و حكي عن ابن زهرة و أبي الصلاح: أنّ وقتها من الزوال بمقدار ما يتّسع للأذان و الخطبتين و صلاة الجمعة؛ ففي «الغنية» على ما حكي عنه: «و إذا فاتت الجمعة- بأن يمضي عن الزوال مقدار الأذان و الخطبة و صلاة الجمعة- لم يجز قضاؤها، و وجب أن تؤدّى ظهراً، كلّ ذلك بدليل الإجماع»(غنية النزوع 2: 91.) و عن ابن إدريس و الشهيد في «الدروس» و «البيان»: أنّه يمتدّ وقتها بامتداد وقت الظهر. و اختار هذا القول المحقّق الحائري رحمه الله في «صلاته»، و قال: و لعلّ هذا هو الأظهر؛ للأدلّة الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان، إلّا أنّ هذه قبل هذه ... إلى أن قال في ذيل كلامه: المستفاد من الأخبار: أنّ الصلاة في يوم الجمعة لمّا لم يكن قبلها نافلة ضيّق وقتها الذي ينبغي فعلها فيه- سواء أتى بها ركعتين مع الإمام مع وجود الشرائط، أم أتى أربع ركعات- بخلاف الظهر في سائر الأيام؛ فإنّه وسّع في وقتها التفصيلي؛ لمكان النافلة. كما يدلّ على هذا المضمون الأخبار المذكورة في بحث المواقيت، فلا دلالة فيها على تحديد الوقت بحيث تفوت الصلاة بفوته، فلا مانع من الأخذ بعموم الأخبار الواردة في باب الأوقات الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان، ثمّ إنّه موسّع إلى أن تغرب الشمس، و تخصيصها بغير صلاة الجمعة ممّا لا أرى له وجهاً(الصلاة، المحقّق الحائري: 677- 679.) ، انتهى. و عن العلّامة في «التذكرة»: «آخر وقت الجمعة هو آخر وقت الظهر عند الأكثر، إلّا أنّ عندنا آخر وقت الظهر للإجزاء الغروب، و آخر وقت الفضيلة إذا صار ظلّ كلّ مثله. و المراد منه هذا الأخير، فلا تجوز الجمعة بعده»(تذكرة الفقهاء 4: 9.) ، انتهى. و استدلّ له بأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يصلّي دائماً بعد الزوال بلا فصل، فلو جاز التأخير ممّا حدّدناه لأخّرها في بعض الأوقات. و عن الجعفي- هو الشيخ أبو الفضل محمّد بن إبراهيم الجعفي الكوفي، المعروف في كتب الرجال بالصابوني و ابن المغافري، و بين الفقهاء بالجعفي و صاحب «الفاخر»، روى عنه الشيخ و النجاشي بواسطتين، و ابن قولويه و جماعة ممّن في طبقته بلا واسطة، و له كتب كثيرة؛ منها «الفاخر» المختصر من كتابه «تحبير الأحكام»- أنّ وقتها ساعة من النهار، أي ساعة من الزوال(انظر ذكرى الشيعة 4: 132.) و حكي عن المجلسيّين: أنّ وقتها من الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث قدمين(انظر مصباح الفقيه، الصلاة: 430/ السطر 15.) و اختاره صاحب «الحدائق». و نفى عنه البعد المصنّف رحمه الله، و هو المختار. و استدلّ لقول الأكثر بالشهرة و الإجماع في كلام جماعة، و بما حكيناه عن العلّامة من أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يصلّي في ذلك الوقت. و يرد عليه: أنّ الشهرة- فضلًا عن الإجماع- غير ثابتة، و لم يثبت فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم الصلاة محدودة بذلك الحدّ، بحيث لم يكن الفعل زائداً عليه و لا ناقصاً عنه، و الثابت بالدليل فعله و شروعه الصلاة في أوائل الزوال، من غير إشارة إلى آخر وقتها أصلًا. و استدلّ للقول الثاني بالأخبار المستفيضة الدالّة بظاهرها على أنّ صلاة الجمعة من الواجبات المضيّقة: منها: صحيح ربعي بن عبد اللّه و فضيل بن يسار جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم: «و الجمعة ممّا ضيّق فيها؛ فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح زرارة المتقدّم: «فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقتٌ واحدٌ حين تزول»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 3.) و رواية محمّد بن أبي عمر (عمير)، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: «نزل بها جبرئيل مضيّقة إذا زالت الشمس فصلّها» قال: قلت: إذا زالت الشمس صلّيت ركعتين ثمّ صلّيتها، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أمّا أنا فإذا زالت الشمس لم أبدأ بشي ء قبل المكتوبة»(وسائل الشيعة 7: 319، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 16.) و خبر عبد الأعلى بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إنّ من الأشياء أشياء مضيّقة ليس تجري إلّا على وجه واحد؛ منها وقت الجمعة، ليس لوقتها إلّا وقت واحد حين تزول الشمس»(وسائل الشيعة 7: 320، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 21.) و اجيب: بأنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الأخبار: أنّ صلاة الجمعة لمّا لم يكن قبلها نافلة ضيّق وقتها الذي ينبغي فعلها فيه. و لا دلالة فيها على تحديد وقتها بحيث تفوت الصلاة بفوته. و أيضاً: هذا التضييق لا يختصّ بخصوص صلاة الجمعة، بل هو يعمّ صلاة الظهر في يوم الجمعة لمن كان فرضه أربع ركعات؛ لعدم وجود شروط الجمعة فيه. و استدلّ للقول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر بما حكاه النراقي في «مستند الشيعة»(انظر مستند الشيعة 4: 127.) عن القائلين بهذا القول؛ من أنّ صلاة الجمعة بدل عن الظهر؛ فكما أنّ صلاة الظهر يمتدّ وقتها إلى الوقت المختصّ بالعصر- بل إلى الغروب بالنسبة إلى من قدّم العصر لا عمداً- فكذا الجمعة. و فيه: أنّه لم يعهد في زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام و في سائر الأزمنة إلى زماننا هذا، إتيان صلاة الجمعة في أواخر الوقت، كصلاة الظهر في سائر الأيّام. و في «مصباح الفقيه»- بعد حكاية القول بامتداد وقتها بامتداد الظهر عن الشهيد و بعض من تأخّر عنه- قال: «و هو لا يخلو من وجه، و لكن يبعّده عدم معهوديته في الشريعة، فلو جاز فعلها في آخر الوقت لاتّفق حصوله أو التصريح بجوازه من النبي و أوصيائه عليه و عليهم السلام، و لو عند قدومهم من الأسفار أو حدوث بعض الأعذار أو الأمراض المانعة للإمام عن حضوره في أوّل الوقت، و لو اتّفق لنقل؛ فهذا يكشف عن عدم مشروعية التأخير»(مصباح الفقيه، الصلاة: 431/ السطر 27.) ، انتهى. و استدلّ لاختصاص الوقت بساعة من النهار ببعض الأخبار: كمرسل الصدوق قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة، فحافظ عليها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا يسأل اللَّه عبدٌ فيها خيراً إلّا أعطاه»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 13.) و صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا يسأل اللَّه- عزّ و جلّ- فيها عبد خيراً إلّا أعطاه اللَّه»(وسائل الشيعة 7: 320، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 19.) و المراد من «ساعة» الزمان اليسير الذي يحافظ فيه على الصلاة، و هو أوائل الوقت التي عبّر عنها المصنّف رحمه الله بالأوائل العرفية من الزوال، لا الساعة النجومية (ستّون دقيقة). و أمّا تحديد وقتها من الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث قدمين، فللأخبار الدالّة على أنّ وقت صلاة العصر في يوم الجمعة هو وقت صلاة الظهر في سائر الأيّام: منها: صحيح عبد اللّه بن مسكان (ابن سنان)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت صلاة الجمعة عند الزوال، و وقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة، و يستحبّ التكبير بها»(وسائل الشيعة 7: 317، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 5.) و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 11.) و مرسل الصدوق، قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: «وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس، و وقتها في السفر و الحضر واحد، و هو من المضيّق، و صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الاولى في سائر الأيّام»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 12.) وجه الدلالة في هذه الأخبار هو: أنّ وقت الظهر في سائر الأيّام حين بلوغ الظلّ الحادث قدمين، و قبل ذلك الوقت- أي من حين الزوال إلى القدمين- وقت نافلة الظهر في سائر الأيّام؛ فإذا سقطت النافلة يوم الجمعة من حين الزوال إلى القدمين- مع كون وقت العصر يوم الجمعة حين بلوغ الظلّ الحادث قدمين- كان وقت صلاة الجمعة من الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث قدمين. و ببلوغ الظلّ قدمين يفوت وقت الجمعة و تجب الظهر. و صاحب «الحدائق» بعد ذكر أخبار المسألة- و أنّه تجب المبادرة إلى الجمعة في الزوال- قال: «و إنّ وقتها مضيّق بهذا الوقت؛ يعني يجب الشروع فيها بعد تحقّق الزوال بالإتيان بالأذان، ثمّ الخطبتين، ثمّ الركعتين حتّى يفرغ، لا فيه، كغيرها من الصلوات التي تقبل التأخير عن الأوّل. و هي صريحة في بطلان قولي الأكثر و ابن إدريس؛ فإنّ وقت صلاة العصر في ذلك اليوم هو وقت الظهر في سائر الأيّام؛ يعني بالنسبة إلى التطوّع. و قد تكاثرت الأخبار، و عليه بنيت هذه الأخبار بأنّ وقت الظهر في سائر الأيّام بعد القدمين، و أنّ اختزال القدمين من أوّل الظهر لمكان النافلة، كما تقدّم تحقيق ذلك في مبحث الأوقات. و أنت إذا ضممت هذه الأخبار بعضها إلى بعض، ظهر لك أنّ وقت الجمعة من أوّل الزوال إلى مضيّ قدمين، و متى خرج هذا المقدار خرج وقتها و وجب الإتيان بها ظهراً. و من هنا ثبت التضييق فيها و عدم الامتداد. و لا ينافي ذلك خبر الساعة؛ فإنّها تطلق عرفاً على الزمان القليل، و هو المراد هنا، لا الساعة النجومية أو الساعات التي ينقسم إليها النهار»(الحدائق الناضرة 10: 138.) ، انتهى كلامه، نقلناه بطوله لجودته.

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

ص: 199

ص: 200

(مسألة 2): لا يجوز إطالة الخطبة بمقدار يفوت وقت الجمعة إذا كان الوجوب تعيينيّاً،

فلو فعل أَثِم و وجبت صلاة الظهر، كما تجب الظهر في الفرض على التخيير أيضاً، و ليس للجمعة قضاء بفوت وقتها (1).


1- وجه عدم جواز إطالة الخطبة بمقدار يوجب فوت وقت الجمعة- بناءً على الوجوب التعييني- هو كون الإطالة موجبة لفوات الواجب في وقته عمداً، و هو حرام. و أمّا بناءً على الوجوب التخييري فلا إثم عليه، فما دام لم يدخل في الصلاة جازت له إطالة الخطبة حتّى يخرج الوقت، بل له قطع الخطبة و رفع اليد عنها و فعل الظهر. و الوجه في عدم وجوب القضاء للجمعة بفوات وقتها هو الإجماع بقسميه، و يظهر من «المدارك»: أنّه إجماعي الفريقين(انظر مدارك الأحكام 4: 14.) و قد يستدلّ ببعض الأخبار أيضاً: منها: صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة؟ قال: «يصلّي ركعتين؛ فإن فاتته الصلاة و لم يدركها فليصلّ أربعاً»، و قال: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، و إن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 3.) و صحيح عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة اخرى و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهّد فصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 5.) و غيرهما من روايات الباب. و فيه: أنّ هذه الروايات ليست مربوطة بمسألتنا، بل هي في صدد بيان مسألة اخرى، و هي: أنّه من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة، و من لم يدرك منها ركعة فليصلّ الظهر أربع ركعات، و ليس لهم إقامة جمعة ثانية بعد الجمعة الاولى.

ص: 201

(مسألة 3): لو دخلوا في الجمعة فخرج وقتها،

فإن أدركوا منها ركعة في الوقت صحّت، و إلّا بطلت على الأشبه، و الأحوط الإتمام جُمعة ثمّ الإتيان بالظهر. و لو تعمّدوا إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة، فإن قلنا بوجوبها تعييناً أثموا و صحّت صلاتهم، و إن قلنا بالتخيير- كما هو الأقوى- فالأحوط اختيار الظهر. بل لا يترك الاحتياط بإتيان الظهر في الفرض الأوّل أيضاً مع القول بالتخيير (1).


1- صحّة الجمعة فيما دخلوا فيها و خرج وقتها بعد إدراك ركعة في الوقت مشهورة بين فقهائنا شهرةً عظيمة كادت تكون إجماعاً. و يدلّ عليه العمومات الواردة في بحث الوقت، المصرّحة بأنّ من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت. و خصوص صحيح الفضل بن عبد الملك البقباق، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، و إن فاتته فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 2.) و صحيحه الآخر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 6.) فالجمعة كسائر الواجبات اليومية في ذلك الحكم، و لا فرق فيه بين الإمام و المأموم. و ذهب جماعة من فقهائنا- منهم الشيخ و المحقّق و العلّامة في «القواعد»- إلى أنّه إذا دخلوا في الجمعة في الوقت- و لو بالتلبّس بالتكبير- فخرج وقتها صحّت. و علّلوه بأنّها استجمعت الشرائط و انعقدت صحيحة، فيجب إتمامها؛ للنهي عن إبطال العمل، كما إذا انفضّت الجماعة في الأثناء. ففي «التذكرة»: بقاء الوقت ليس شرطاً، فلو انعقدت الجمعة و تلبّس بالصلاة- و لو بالتكبير- فخرج الوقت قبل إكمالها، أتمّها جمعةً؛ إماماً كان أو مأموماً- و به قال مالك و أحمد- لأنّه دخل فيها في وقتها، فوجب إتمامها كسائر الصلوات، و لأنّ الوجوب يتحقّق باستكمال الشرائط، فلا يسقط مع التلبّس بفوات البعض كالجماعة. و قال الشافعي: تفوت الجمعة؛ حتّى لو وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة، لكنّه يتمّها ظهراً؛ لأنّ ما كان شرطاً في ابتداء الجمعة كان شرطاً في جميعها، كسائر الشرائط. و ينتقض بالجماعة. و قال أبو حنيفة: لا يبنى عليها، و يستأنف الظهر؛ لأنّهما صلاتان مختلفتان، فلا تبنى إحداهما على الاخرى. و يرد على الشافعي لا علينا. و قال بعض الجمهور: إن أدرك ركعة في الوقت أدرك الجمعة، و إلّا فلا، و لا بأس به(تذكرة الفقهاء 4: 10- 11.) ، انتهى كلام «التذكرة». و اورد عليه: بأنّه لم يثبت تكليف بالجمعة مع قصور الوقت عن أدائها، فلا يحرم إبطال عمل غير مأمور به، خرج عنه من أدرك ركعة من الوقت. و نسب إلى بعض فقهائنا- كما حكاه في «الذكرى»- البطلان مطلقاً؛ حتّى فيما أدرك ركعة من الوقت. و فيه: أنّه مخالف للشهرة، و العمومات، و خصوص صحيحي البقباق المتقدّمتين، حيث إنّها دالّة على الصحّة فيما أدرك ركعة منها في الوقت. و وجه الاحتياط الاستحبابي في إتيان الظهر بعد إتمام الجمعة، فتوى بعض فقهائنا ببطلان الجمعة و وجوب الظهر. و لو تعمّدوا في التأخير إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة فعلى القول بالوجوب التعييني كانوا آثمين و صحّت صلاتهم. وجه كونهم آثمين: هو التأخير العمدي الموجب لفوت الوقت بالنسبة إلى ركعة من الصلاة. و وجه صحّة صلاتهم: ما ذكرناه من عمومات «من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة»(انظر وسائل الشيعة 4: 217- 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.) ، و خصوص صحيحي الفضل بن عبد الملك، حيث تشتمل على المتعمّد في التأخير أيضاً، هذا بناءً على القول بالوجوب التعييني. و أمّا على القول بالوجوب التخييري ففي الاكتفاء بالجمعة إشكال، ينشأ من أنّه مع إمكان إدراك تمام الوقت و وقوع تمام الفعل فيه بإتيان الظهر لا يجوز إتيان الجمعة مع إخلاء بعضها عن الوقت عمداً. فلا يترك الاحتياط باختيار الظهر في فرض المسألة- و هي صورة تعمّد التأخير إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة- على القول بالوجوب التخييري. بل لا يترك الاحتياط على القول بالوجوب التخييري بإتيان الظهر أيضاً بعد الجمعة في الفرض الأوّل- أي فيما دخلوا في الجمعة و أدركوا ركعة منها من غير تعمّد في التأخير- أيضاً. و لعلّ وجه الاحتياط هو أنّ جواز الدخول في الجمعة- بناءً على القول بالوجوب التخييري- مبني على إحراز إدراك تمام الواجب في الوقت- و لو بالاستصحاب- قبل الدخول فيها، و إلّا فلا تكون الجمعة إحدى فردي الواجب التخييري. فمع إمكان إتيان أحد فردي الواجب التخييري بجميع أجزائه في الوقت- كالظهر- لا يجوز إتيان فرده الآخر مع وقوع بعض أجزائه خارج الوقت، كالجمعة في مفروض المسألة.

ص: 202

ص: 203

ص: 204

ص: 205

(مسألة 4): لو تيقّن أنّ الوقت يتّسع لأقلّ الواجب من الخطبتين و ركعتين خفيفتين،

اشارة

تخيّر بين الجمعة و الظهر، و لو تيقّن بعدم الاتّساع لذلك تعيّن الظهر، و لو شكّ في بقاء الوقت صحّت، و لو انكشف بعدُ عدم الاتّساع حتّى لركعة يأتي بالظهر، و لو علم مقدار الوقت و شكّ في اتّساعه لها يجوز الدخول فيها، فإن اتّسع صحّت، و إلّا يأتي بالظهر، و الأحوط اختيار الظهر، بل لا يترك في الفرع السابق مع الاتّساع لركعة (1).

هنا مسائل:
الاولى: لو تيقّن باتّساع الوقت لأقلّ الواجب من الخطبتين و ركعتين خفيفتين
الثانية: لو شكّ في بقاء الوقت وجبت الجمعة؛

1- - بل ركعة واحدة خفيفة على المشهور- فبناءً على القول بالوجوب التعييني وجبت الجمعة، بلا خلاف و لا إشكال. و الأحوط فعل الظهر بعد الجمعة فيما تيقّن باتّساعه للخطبتين الخفيفتين و ركعة خفيفة. و على القول بالوجوب التخييري يتخيّر بين الجمعة و الظهر. و مع اليقين بعدم الاتّساع لأقلّ الواجب من الخطبتين و ركعتين تعيّن الظهر على القول بالوجوب التخييري أيضاً. لأصالة بقاء الوقت و استصحاب وجوب الجمعة. و استشكل صاحب «المدارك» على جريان الاستصحاب: «بأنّ الواجب الموقّت يعتبر وقوعه في الوقت، فمع الشكّ فيه لا يحصل اليقين بالبراءة. و الاستصحاب هنا إنّما يفيد ظنّ البقاء، و هو غير كافٍ في ذلك»(مدارك الأحكام 4: 16.) و اورد عليه: أنّه لا مورد لإشكاله بعد البناء على كون الاستصحاب حجّة شرعية. و بنى على بقائه و أتى بالجمعة، و انكشف بعد إتيانها عدم اتّساع الوقت- حتّى لركعةٍ- فلا تجزي؛ لوقوعها خارج الوقت، و يأتي بالظهر لزوماً. فلا يجري الاستصحاب؛ لعدم اليقين سابقاً بالاتّساع حتّى يستصحب، بل هو مشكوك حين اليقين بمقدار الوقت، و مع ذلك يجوز الدخول فيها مع احتمال السعة؛ لعدم المانع من دخوله فيها؛ لأنّ المانع هو اليقين أو الظنّ المعتبر بعدم السعة، و المفروض عدم حصولهما. فإذا دخل فيها مع الاحتمال المزبور و اتّسع لها صحّت، و إلّا يأتي بالظهر. و صاحب «الجواهر»- بعد تقوية القول بجواز الدخول في الجمعة مع احتمال السعة- علّله بقوله: «لإطلاق الأدلّة، و استصحاب بقاء الخطاب الذي لا يقطعه إلّا العلم بالقصور. و السعة- لو سلّم أنّها شرط- فهي شرط للصحّة واقعاً، لا العلم بها سابقاً على العمل، فيدخل- حينئذٍ- في العمل، فإن طابق امتثل، و إن قصر انتقل إلى الظهر- مثلًا- و إن شكّ فالأقوى عدم الامتثال»(جواهر الكلام 11: 144.) ، انتهى. و الأحوط استحباباً اختيار الظهر في مفروض المسألة؛ أي فيما علم مقدار الوقت، و شكّ في اتّساعه مع وقوع الفعل- و لو ركعة- في الوقت. و لعلّ وجهه فتوى جماعة بوجوب وقوع تمام الجمعة في الوقت، كما مرّ. ثمّ إنّه لا وجه لوجوب الاحتياط من المصنّف رحمه الله في الفرع السابق- أي فيما لو شكّ في بقاء الوقت و دخل في الجمعة مع إدراك ركعة منها في الوقت- إذ مع قيام الحجّة الشرعية- أعني الاستصحاب- على بقاء الوقت لا مانع شرعاً من الدخول في الجمعة، بل وجب، بناءً على القول بالوجوب التعييني. نعم، الأحوط استحباباً إتيان الظهر بعد فعل الجمعة؛ لما ذكره صاحب «المدارك» من عدم حصول اليقين بالبراءة إلّا بوقوع تمام الواجب في وقته(مدارك الأحكام 4: 16.)

ص: 206

الثالثة: لو شكّ في بقاء الوقت،
الرابعة: لو علم مقدار الوقت و شكّ في اتّساعه للجمعة

ص: 207

(مسألة 5): لو صلّى الإمام بالعدد المعتبر في اتّساع الوقت، و لم يحضر المأموم-
اشارة

من غير العدد- الخطبةَ و أوّلَ الصلاة، و لكنّه أدرك مع الإمام ركعة، صلّى جُمعة ركعة مع الإمام، و أضاف ركعة اخرى منفرداً، و صحّت صلاته.

و آخِرُ إدراكِ الركعة إدراكُ الإمام في الركوع، فلو ركع و الإمام لم ينهض إلى القيام صحّت صلاته، و الأفضل لمن لم يدرك تكبيرة الركوع الإتيان بالظهر أربع ركعات. و لو كبّر و ركع، ثمّ شكّ في أنّ الإمام كان راكعاً و أدرك ركوعه أولا، لم تقع صلاته جُمعة، و هل تبطل، أو تصحّ و يجب الإتمام ظهراً؟ فيه إشكال، و الأحوط إتمامها ظهراً ثمّ إعادتها (1).

هنا مسائل:
الاولى: لو انعقدت الجمعة بشروطها، و لم يحضر مَن سوى العدد المعتبر

1- الخطبةَ و أوّلَ الصلاة، و لكنّه أدرك مع الإمام ركعةً، صلّى جمعةً ركعة مع الإمام و أضاف ركعة اخرى منفرداً و صحّت صلاته، بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه فيما أدرك الإمام قبل تكبيره للركوع، و فيما أدرك ركوع الإمام خلاف سيجي ء في المسألة الثانية. و الدليل على إدراك الجمعة بإدراك ركعة هو الأخبار: منها: صحيح الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، فإن فاتته فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير و الفضل بن عبد الملك جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، و إن فاتته فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 4.) و صحيح عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة اخرى و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهّد فصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 5.) و صحيح ثالث للفضل بن عبد الملك، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 6.) و صحيح آخر لعبد الرحمن العرزمي، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «من أدرك الإمام يوم الجمعة و هو يتشهّد فليصلّ أربعاً، و من أدرك ركعة فليضف إليها اخرى يجهر فيها»(وسائل الشيعة 7: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 8.) و يظهر من بعض الأخبار اعتبار إدراك الخطبتين في صحّة الجمعة؛ فلا يجزي إدراك ركعتي الصلاة، فضلًا عن إدراك ركعة منها. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الجمعة لا تكون إلّا لمن أدرك الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 7.) و مقتضى الجمع بينه و بين الصحاح المتقدّمة حمله على الفضيلة. قال الشيخ في «التهذيب» بعد ذكر الصحيح المزبور: «المعنى في هذا الخبر: أنّه لا تكون جمعة فاضلة كاملة إلّا لمن أدرك الخطبتين»(تهذيب الأحكام 3: 243، ذيل الحديث 658.) ، انتهى. و يمكن حمل الصحيح على التقية؛ لموافقته مذهب جماعة من العامّة. بل لا بدّ من إدراكه قبل الركوع؛ بأن دخل في الصلاة حين تكبير الإمام للركوع؟ فيه خلاف بين أصحابنا: المشهور- شهرةً عظيمة- إجزاء إدراك الإمام في الركوع في إدراك الركعة و صحّة الجمعة. و يدلّ عليه عموم فقرتين من الروايات: الاولى: الأخبار الدالّة على استحباب إطالة الإمام ركوعه مثلي ركوعه إذا أحسّ بمن يريد الاقتداء به. كرواية الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أؤمّ قوماً، فأركع فيدخل الناس و أنا راكع، فكم أنتظر؟ فقال: «ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر! انتظر مثلي ركوعك، فإن انقطعوا و إلّا فارفع رأسك»(وسائل الشيعة 8: 394، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 1.) و مرسل مروك بن عبيد، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إنّي إمام مسجد الحيّ، فأركع بهم و أسمع خفقان نعالهم و أنا راكع؟ فقال: «اصبر ركوعك، فإن انقطعوا (انقطع) و إلّا فانتصب قائماً»(وسائل الشيعة 8: 395، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 2.) . و ضعف سند الروايتين منجبر. الثانية: الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك الإمام راكعاً فقد أدرك الركعة: منها: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 1.) و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع رأسه قبل أن يركع فقد فاتتك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 2.) و رواية زيد الشحّام أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل انتهى في الإمام و هو راكع؟ قال: «إذا كبّر و أقام صلبه ثمّ ركع فقد أدرك»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 3.) و سند الرواية ضعيف بمفضل بن صالح أبي جميلة؛ فإنّه و إن وقع في سند «كامل الزيارات» إلّا أنّه قد ضعّفه النجاشي. و رواية معاوية بن ميسرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا جاء الرجل مبادراً و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ الروايات المذكورة بفقرتيها إذا انضمّت إلى الصحاح المتقدّمة- الدالّة على أنّ من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة- تفيد أنّ المراد من إدراك ركعة من الجمعة هو إدراك الإمام في الركعة الأخيرة، و لو في ركوعه. و صاحب «الجواهر»- بعد ذكر الروايات المذكورة- قال: «فهي- حينئذٍ- منضمّة إلى ما تقدّم ممّا دلّ على إدراك الجمعة بإدراك الركوع كافية في إثبات المطلوب»(جواهر الكلام 11: 148.) ، انتهى. و نسب إلى المفيد في «المقنعة» و الشيخ في «النهاية» و «التهذيب» و «الاستبصار» و القاضي ابن البرّاج، اعتبار إدراك تكبير الركوع في إدراك الركعة. و لعلّ مستند هذا القول عموم بعض الأخبار الناهية عن الدخول في الركعة ما لم يدرك تكبير الركوع: منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: قال لي: «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام الركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 2.) و صحيحه الثالث عنه عليه السلام قال: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 3.) و صحيحه الرابع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 4.) و فيه أوّلًا: أنّ نسبة القول باعتبار إدراك تكبير الركوع في إدراك الركعة إلى المفيد رحمه الله غير ثابتة، و «مقنعته» عن المنسوب إليه خالية، و أنّ الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» وافق قول المشهور. و حكي عن «مجمع البرهان»(انظر مجمع الفائدة و البرهان 2: 368، تهذيب الأحكام 3: 48، ذيل الحديث 166.) : أنّ الشيخ في مسألة استحباب تطويل الإمام في الركوع للحوق المأموم قد عدل عن ذلك إلى القول المشهور. ثانياً: أنّ التكبير ليس من واجبات الركوع، فلا يكون لفواته أثر في فوات الاقتداء، كذا قيل. و يرد عليه: أنّ القائلين بهذا القول لا يريدون اعتبار إدراك تكبير ركوع الإمام بما أنّه تكبير، بل مرادهم اعتبار إدراك الإمام قبل هويّه إلى الركوع؛ سواء كبّر أم لا. و بعبارة اخرى: المعتبر إدراك الإمام في محلّ تكبيرة الركوع- أي حالة قبل الهويّ إلى الركوع- لا حال التكبير له. و ثالثاً: أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو حمل الأخبار الناهية عن الدخول في الركعة ما لم يدرك تكبير الركوع على نفي الفضيلة- فيما أدرك الإمام في الركوع- لا الإجزاء؛ فالأفضل لمن لم يدرك تكبيرة الإمام للركوع الإتيان بالظهر أربع ركعات. و لا يخفى: أنّ نفي الفضيلة فيما أدرك الإمام في الركوع يلائم القول بالوجوب التخييري. و أمّا بناءً على القول بالوجوب التعييني يتعيّن له الدخول في الجمعة بإدراك الإمام في الركوع، إلّا أن يحمل على صورة إمكان إدراكه حال التكبير قبل الركوع. و رابعاً: سلّمنا دلالة تلك الأخبار على نفي الصحّة و الإجزاء، و لكنّها مخالفة للشهرة القائمة على إجزاء إدراك الإمام في الركوع في إدراك الركعة. ثمّ إنّ العلّامة رحمه الله في «التذكرة» اعتبر في إدراك الركعة مع الإمام ذكر المأموم بقدر الواجب؛ قال في أحكام صلاة الجماعة: «إذا اجتمع مع الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع- و هو أن يكون رفع و لم يجاوز حدّ الركوع الجائز؛ و هو بلوغ يديه إلى ركبتيه- فأدركه المأموم في ذلك، و ذكر بقدر الواجب، أجزأه، و إن أدرك دون ذلك لم يجزئه»(تذكرة الفقهاء 4: 325.) ، انتهى. و فيه: أنّ الذكر ليس داخلًا في حقيقة الركوع، بل هو من واجباته، فيكفي في إدراك الركعة إدراك الإمام في ركوعه- و لو لحظةً- مع عدم إمهاله للمأموم في ذكره، فيصدق- حينئذٍ- أنّ المأموم أدرك الإمام في ركوعه. و فرّق السيّد العاملي في «المدارك» و السبزواري في «الذخيرة» بين صلاة الجمعة و غيرها؛ بأنّ إدراك الركعة في الجمعة لا يكون إلّا بإدراك الإمام قبل أن يركع، بخلاف غيرها. و ذلك لصحيح الحلبي المتقدّم: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، و إن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 3.) و فيه: أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله: «قبل أن يركع» قبل الفراغ من الركوع برفع رأسه منه، كما يمكن أن يكون المراد من قوله: «بعد ما ركع» بعد فراغه من الركوع و رفع رأسه منه. و ذلك لأنّ إدراك الركعة المجزي في إدراك الجمعة لا يتحقّق إلّا بإحراز كون الإمام في حال الركوع و لم يرفع رأسه حين وصول المأموم حدّ الركوع. و بعبارة اخرى: صحّة الجمعة مشروطة بإدراك الإمام في ركوعه، و هو مشكوك، و الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط، و قاعدة الشغل اليقيني بالجمعة تقتضي البراءة اليقينية منها، و لا تحصل البراءة مع الشكّ المزبور. إن قلت: يكفي في إثبات الشرط المزبور استصحاب بقاء الإمام في حال الركوع إلى زمان تحقّق الركوع من المأموم. قلنا- مضافاً إلى أنّ الاستصحاب المذكور يثبت لحوق المأموم بالإمام في ركوعه، و هو لازم عقلي للمستصحب، يترتّب عليه وجوب الجمعة و صحّتها، و لا نقول بحجّية الأصل المثبت- هو معارض باستصحاب عدم ركوع المأموم إلى زمان رفع رأس الإمام من ركوعه، و استصحاب عدم حدوث وصف اللحوق بالإمام في الركوع. و هذان الاستصحابان أيضاً مثبتان فوات الجمعة المترتّب عليه وجوب الظهر. و بالجملة: فلا يجوز البناء على كون صلاته جمعة حال شكّه في إدراك ركوع الإمام، و حينئذٍ فهل تبطل صلاته و تجب عليه الظهر فيستأنفها ظهراً، أو تصحّ و يجب عليه الإتمام ظهراً؟ فيه إشكال. وجه البطلان ما ذكرناه من انتفاء شرط الصحّة. و وجه الصحّة و الإتمام ظهراً: انعقاد تكبيرة الإحرام صحيحاً؛ لأنّ المفروض تحقّقها حال كون الإمام في الركوع؛ فلا مانع من نية الظهر حين الشكّ في إدراك الإمام في الركوع، مع حرمة قطع الصلاة في أثنائها. فالأحوط إتمامها ظهراً ثمّ إعادتها. و يعلم وجهه ممّا ذكرنا من وجه البطلان و الصحّة. و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد ذكر هذا الاحتياط قال: «و إن كان الأقوى عدم وجوب إتمامها؛ لأنّ النهي عن إبطالها إنّما ينجّز في حقّه لو علم بصحّتها، و هي مشكوكة. فمقتضى الأصل براءة الذمّة عن التكليف بإتمام هذا العمل الذي لا يعلم بكونه صلاة صحيحة، كما في نظائره من الشبهات الموضوعية. و أمّا الاكتفاء بمجرّد رفع اليد عنه و فعل الظهر من غير إحداث المنافي، لا يخلو من إشكال؛ لأنّ تكليفه في الواقع- على تقدير كونه مدركاً للركوع- هو الجمعة لا الظهر؛ فما لم يقطع ببطلانه لا يحرز التكليف بالظهر حتّى يجزم بموافقة المأتي به للمأمور به؛ إذ لا أمر بالظهر على تقدير صحّة فعله. و مجرّد رفع اليد عنه لا يؤثّر في بطلانه كي يتنجّز به التكليف بالظهر»(مصباح الفقيه، الصلاة: 435/ السطر 12.) ، انتهى. و يرد على ذيل كلامه: أنّ مجرّد رفع اليد عنه كافٍ في بطلانه، بناءً على اشتراط الاستدامة في النية، و لذا يقال ببطلان الصلاة و كذا الصوم، بمجرّد نية القطع- الذي هو عبارة عن رفع اليد عن الفعل- في الأثناء. هذا كلّه فيما لو شكّ في إدراك الإمام في الركوع قبل الفراغ من الركوع. و أمّا لو شكّ فيه بعد الفراغ من ركوعه و رفع رأسه منه لم يلتفت إلى شكّه؛ لقاعدة التجاوز.

ص: 208

ص: 209

الثانية: هل يكفي في إدراك الركعة إدراك الإمام في الركوع، أو لا،

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

المسألة الثالثة: لو كبّر و ركع، ثمّ شكّ قبل فراغه من الركوع في إدراك الإمام في ركوعه، لم تقع صلاته جمعةً.

ص: 215

ص: 216

فروع
الأوّل: شرائط الجماعة في غير الجُمعة معتبرة في الجمعة أيضاً؛

من عدم الحائل، و عدم عُلُوّ موقف الإمام، و عدم التباعد و غيرها، و كذا شرائط الإمام في الجمعة هي الشرائط في إمام الجماعة؛ من العقل و الإيمان و طهارة المولد و العدالة. نعم لا يصحّ في الجمعة إمامة الصبيان و لا النساء؛ و إن قلنا بجوازها لمثلهما في غيرها (1).

الثاني: الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة محرمة،

و هو الأذان الذي يأتي المخالفون به بعد الأذان الموظّف، و قد يطلق عليه الأذان الثالث، و لعلّه باعتبار كونه ثالث الأذان و الإقامة، أو ثالث الأذان للإعلام و الأذان للصلاة، أو ثالث باعتبار أذان الصبح و الظهر، و الظاهر أنّه غير الأذان للعصر (2).


1- سيأتي البحث تفصيلًا في الشرائط المذكورة في المتن في مبحث شرائط الجماعة و إمامها من مباحث «صلاة الجماعة»، فانتظر. و عدم صحّة إمامة الصبيان و النساء في الجمعة إجماعي، بل من ضروريات الدين.
2- اختلف فقهاؤنا في حكم الأذان الثاني يوم الجمعة: فقال جماعة بالحرمة، و هو المشهور المختار. و استدلّ له: بأنّه غير مشروع؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يفعله و لم يأمر بفعله؛ فكان بدعة، كالأذان للنافلة. و يدلّ على كونه بدعة خبر حفص بن غياث، عن أبي جعفر، عن أبيه عليهما السلام، قال: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»(وسائل الشيعة 7: 400، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 49، الحديث 1.) . و ضعف السند بحفص منجبر. و يدلّ على كون البدعة محرّمة ذيل صحيح الفضلاء- زرارة و محمّد بن مسلم و الفضيل- عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام: «ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار»(وسائل الشيعة 8: 45، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 1.) ، و مرفوع الفضل بن شاذان عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قال: «كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار»(وسائل الشيعة 16: 272، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الباب 40، الحديث 10.) و قال جماعة- منهم الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «المعتبر»- بالكراهة. و استدلّوا له: بأنّ البدعة أعمّ من الحرام: قال في «الذكرى»: «الحقّ أنّ لفظ «البدعة» غير صريح في التحريم؛ فإنّ المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ تجدّد بعده، و هو ينقسم إلى محرّم و مكروه»(ذكرى الشيعة 4: 144.)، انتهى. و استدلّوا أيضاً: بأنّ الأذان ذكر و دعاء إلى المعروف، و تكريرهما- كنفسهما- حسن. و فيه: أنّ الحسن لا يلائم الكراهة. و المحقّق في «المعتبر»- بعد حكاية القول بالحرمة، و الاستدلال له بخبر حفص بن غياث المتقدّم- قال: لكن حفص المذكور ضعيف، و تكرار الأذان غير محرّم؛ لأنّه ذكر يتضمّن التعظيم للربّ، لكن من حيث لم يفعله النبي صلى الله عليه و آله و سلم و لم يأمر به، كان أحقّ بوصف الكراهية»(المعتبر 2: 296.) ، انتهى. و يرد عليهم: أنّ المراد بالبدعة في اصطلاح الأئمّة المعصومين عليهم السلام عبارة عن المحرّم، بل الحرام الشديد عقوبةً- و يدلّ عليه صحيح الفضلاء المتقدّم- فلا تشمل المكروه، و أنّ الأذان المنهيّ عنه لأجل كونه بدعة لا يكون ذكراً مشروعاً. و نظيره الصلوات النوافل؛ فإنّها و إن كانت عبادة و لكنّها إذا انعقدت جماعة كانت بدعة محرّمة. ثمّ إنّ تسمية هذا الأذان بالثاني باعتبار ثانويتها بالنسبة إلى الأذان الأوّل الموظّف شرعاً في الظهر، فالواقع أوّلًا هو المأمور به و المحكوم بالصحّة، و يكون الثاني بدعة محرّماً. و قد يطلق عليه الأذان الثالث، إمّا باعتبار وقوعه في المرتبة الثالثة بعد الإقامة؛ فالأوّل هو الأذان الموظّف في الظهر، و الثاني هو الإقامة، و الثالث هو الأذان البدعي المحرّم. و إمّا باعتبار تقدّم الأذانين عليه- أي الأذان للإعلام و الأذان الموظّف للصلاة- فيكون الأذان البدعي ثالثاً و بعدهما. و إمّا باعتبار أذان الصبح و الظهر. و الظاهر: أنّ الأذان البدعي المحرّم- سواء كان ثانياً أو ثالثاً- غير الأذان للعصر؛ لأنّ الأذان يوم الجمعة لصلاة العصر مشروع بلا خلاف.

ص: 217

ص: 218

ص: 219

الثالث: لا يحرم البيع و لا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان في أعصارنا؛

ممّا لا تجب الجُمعة فيها تعييناً (1).


1- لا إشكال و لا خلاف بين علماء الإسلام في حرمة البيع يوم الجمعة بعد الأذان، بناءً على القول بالوجوب التعييني؛ للأمر بتركه في الآية الشريفة: «وَ ذَرُوا الْبَيْعَ»(الجمعة( 62): 9.) و كذا يحرم غيره من المعاملات- من العقود و الإيقاعات- لمشاركتها البيع في العلّة المومأ إليها في الآية الشريفة: «ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ». و ذكر خصوص البيع من باب المثال. و في «الحدائق»: «و إنّما خصّ البيع بالذكر لأنّ فعله كان أكثرياً؛ لأنّهم كانوا يهبطون إلى المدينة من سائر القرى لأجل البيع و الشراء»(الحدائق الناضرة 10: 174.) و صاحب «الجواهر» عمّم إلى غير البيع من العقود و سائر المنافيات، و قال: «لا فرق بين البيع و غيره من العقود و سائر المنافيات»(جواهر الكلام 11: 307.) و الأشهر، بل المشهور: أنّه لو باع أثم و كان البيع صحيحاً؛ لأنّ الأمر بترك البيع إنّما هو من جهة كونه مفوّتاً للواجب و مضادّاً له، و هو لا يدلّ على الفساد. و قد تقرّر في الاصول: أنّ النهي عن المعاملة لا يقتضي فسادها، إلّا إذا كان متعلّقاً بها لنفسها أو أحد أركانها أو وصفها اللازم، كالبيع الربوي و بيع الخمر- مثلًا- و بيع الملامسة و المنابذة- مثلًا- هذا كلّه بناءً على القول بالوجوب التعييني. و أمّا على القول بالوجوب التخييري فلا يحرم البيع في ذلك الوقت؛ لعدم كونه مفوّتاً للواجب بحيث لا يجبر أصلًا.

ص: 220

الرابع: لو لم يتمكّن المأموم- لزحام و نحوه- من السجود

مع الإمام في الركعة الاولى التي أدرك ركوعها معه، فإن أمكنه السجود و اللحاق به قبل الركوع أو فيه فعل و صحّت جمعته، و إن لم يمكنه ذلك لم يتابعه في الركوع، بل اقتصر على متابعته في السجدتين، و نوى بهما للُاولى، فيكمل له ركعة مع الإمام، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه، و قد تمّت صلاته. و إن نوى بهما الثانية، قيل: يحذفهما و يسجد للُاولى، و يأتي بالركعة الثانية، و صحّت صلاته. و هو مرويّ، و قيل: تبطل الصلاة. و يحتمل جعلهما للُاولى إذا كانت نيّته للثانية لغفلة أو جهل، و أتى بالركعة الثانية كالفرض الأوّل، و المسألة لا تخلو من إشكال، فالأحوط الإتمام بحذفهما و السجدة للُاولى و الإتيان بالظهر. و كذا لو نوى بهما التبعية للإمام (1).


1- لو أدرك المأموم الإمام في الركعة الاولى- و لو في ركوعه- و لكن لم يتمكّن من السجود معه- لزحام و نحوه- فإن أمكنه السجود بعد قيام الإمام و اللحوق به في الركعة الثانية قبل ركوعها أو فيه، سجد و لحق به و صحّت جمعته بلا خلاف. و ادّعى جماعة الإجماع عليه نقلًا و تحصيلًا. و فوات المتابعة لا يقدح؛ لكونه عن عذر. و إن لم يمكنه السجود حتّى ركع الإمام للركعة الثانية لم يتابعه في ركوعه، بل اقتصر على متابعته في السجدتين من دون ركوع، إجماعاً. فلو تابعه في ركوعه بطلت صلاته؛ للزيادة العمدية. فإذا تابعه في السجدتين نوى بهما للركعة الاولى و تكمل له ركعة تامّة مع الإمام، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه و صحّت صلاته جمعةً بلا خلاف بين الأصحاب، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه. و لو نوى بهما للثانية فقال جماعة- منهم السيّد المرتضى في «المصباح» و الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و يحيى بن سعيد في «جامع الشرائع» و غيرهم- إنّه لا تبطل صلاته بنية السجدتين للركعة الثانية قبل إتيان سجدتي الركعة الاولى؛ لجواز حذفهما و إلغائهما عن الجزئية للصلاة. فإذا ألغاهما جاز له أن يسجد للُاولى و تكمل له ركعة تامّة، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه و صحّت صلاته جمعةً. و يدلّ عليه ذيل رواية حفص بن غياث، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس، و كبّر مع الإمام و ركع و لم يقدر على السجود، و قام الإمام و الناس في الركعة الثانية، و قام هذا معهم، فركع الإمام و لم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام و قدر على السجود، كيف يصنع؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أمّا الركعة الاولى فهي إلى عند الركوع تامّة، فلمّا لم يسجد لها حتّى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له، فلمّا سجد في الثانية فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الاولى فقد تمّت له الاولى، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة ثمّ يسجد فيها ثمّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان لم ينو السجدتين للركعة الاولى لم تجز عنه الاولى و لا الثانية، و عليه أن يسجد سجدتين و ينوي بهما للركعة الاولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها»(وسائل الشيعة 7: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 17، الحديث 2.) و يرد عليهم- مضافاً إلى ضعف سند الرواية بحفص، و عدم انجباره- أنّ السجدة للركعة الاولى بعد إلغاء السجدتين توجب زيادة الركن. و قال جماعة اخرى- منهم الشيخ في «النهاية» و القاضي في «المهذّب» و المحقّق في غير «الشرائع» من كتبه و العلّامة في «القواعد»، على ما حكي عنهم- إنّه تبطل صلاته. و علّله في «الجواهر» بقوله: «لأنّه إن اكتفى بهما للُاولى و أتى بالركعة الثانية تامّة خالف نيته، و إنّما الأعمال بالنيات. و إن ألغاهما و أتى بسجدتين غيرهما للُاولى و أتى بركعة اخرى تامّة، زاد في الصلاة ركناً. و إن اكتفى بهما و لم يأت بعدهما إلّا بالتشهّد و التسليم، نقص من الركعة الاولى السجدتين، و من الثانية ما قبلهما»(جواهر الكلام 11: 313.) ، انتهى. و احتمل المصنّف رحمه الله في فرض المسألة- أي فيما نوى بهما للركعة الثانية- جعلهما للركعة الاولى إذا كانت نيته للثانية لغفلة أو جهل، و هما عذر؛ فتكمل به ركعته الاولى و يأتي بالركعة الثانية كالفرض الأوّل- أي كما لو نوى بهما للُاولى- و المسألة لا تخلو من إشكال. و الأحوط لزوماً عند المصنّف رحمه الله إتمام الصلاة بحذف السجدتين المأتيتين بنية كونهما للركعة الثانية، و إتيان السجدتين للركعة الاولى، و إتمام الصلاة جمعةً ثمّ الإتيان بالظهر. و المختار عندنا: البطلان في هذه الصورة؛ لزيادة الركن. نعم، لا يترك الاحتياط المزبور فيما لو أتى السجدتين لا بقصد الركعة الاولى و لا الثانية، بل لمجرّد التبعية للإمام، و الزيادة حينئذٍ غير مبطلة.

ص: 221

ص: 222

ص: 223

الخامس: صلاة الجمعة ركعتان، و كيفيّتها كصلاة الصبح،

و يُستحبّ فيها الجهر بالقراءة، و قراءة «الجمعة» في الاولى، و «المنافقين» في الثانية.

و فيها قنوتان: أحدهما قبل ركوع الركعة الاولى، و ثانيهما بعد ركوع الثانية.

و قد مرّ بعض الأحكام الراجعة إليها في مباحث القراءة و غيرها. ثمّ إنّ أحكامها- في الشرائط و الموانع و القواطع و الخلل و الشكّ و السهو و غيرها- ما تقدّمت في كتاب الطهارة و الصلاة (1).


1- الأخبار الدالّة على كون صلاة الجمعة ركعتين مستفيضة بل متواترة: منها: موثّق سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر؛ يعني إذا كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 3.) و موثّق آخر لسماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان، فمن صلّى وحده فهي أربع ركعات»(وسائل الشيعة 7: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 2.) و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 4.) و غيرها من روايات الباب السادس و غيره من بعض أبواب صلاة الجمعة. و الدليل على الجهر بالقراءة صحيح زرارة: «و القراءة فيها جهار»(وسائل الشيعة 7: 296، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 2.) ، و صحيح عمر بن يزيد: «و يجهر بالقراءة»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 5.) ثمّ إنّ الظاهر من بعض الأخبار و كلمات جماعة من الأصحاب وجوب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، كما في الصحيحين المذكورين، حيث إنّ الجملة الخبرية واردة في مقام إنشاء الحكم، و دلالتها على الوجوب آكد من دلالة صيغة الأمر عليه، كما قرّر في الاصول. و في بعضها ورد الأمر بالجهر فيها، كصحيح عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة اخرى و اجهر فيها»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 5.) . و أتى بالجملة الخبرية أيضاً في صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر؟ فقال: «يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 8.) و عن الصدوق في «الفقيه»: الأصل أنّه إنّما يجهر فيها إذا كانت خطبة(الفقيه 1: 269/ ذيل الحديث 1231.) و في «جامع الشرائع» ليحيى بن سعيد: «و يجهر الإمام بالجمعة»(الجامع للشرائع: 97.) و في «النهاية» و «المبسوط»: إذا صلّى الإمام بالناس ركعتين جهر فيهما»(النهاية: 106، المبسوط 1: 151.) و بالجملة: الظاهر من الأخبار المذكورة و كلمات جماعة من الأصحاب و إن كان هو وجوب الجهر في قراءة الجمعة، و لكنّها محمولة على الاستحباب؛ للإجماعات المنقولة المستفيضة القائمة عليه، هذا. مضافاً إلى صراحة بعض الأخبار في التخيير بين الجهر و الإخفات، كصحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال: «إن شاء جهر، و إن شاء لم يفعل»(وسائل الشيعة 6: 85، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 6.) و صاحب «المدارك» استدلّ بهذا الصحيح على رفع وجوب الجهر. و أورد عليه صاحب «الجواهر» بقوله: لكن فيه- بعد إرادة معنى «اللام» من قوله: «عليه»- أنّه لا مصداق له حينئذٍ إلّا الجمعة من اليومية المنساقة من لفظ «الفرائض»، و مثل هذا التخصيص فيه ما فيه(جواهر الكلام 11: 134.) ، انتهى. و يحتمل أن يكون الأمر بالجهر في بعض الأخبار المذكورة لدفع توهّم وجوب الإخفات في قراءة الجمعة، حيث إنّها لمّا كانت عوض الظهر توهّم وجوب الإخفات فيها كالظهر. و الدليل على جواز قراءة سورة الجمعة في الركعة الاولى و المنافقين في الركعة الثانية: صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة؟ فقال: «بأذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(الإخلاص( 112): 1.) ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، فيقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 7.) و صحيح سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: النافلة يوم الجمعة؟ قال: «ستّ ركعات قبل زوال الشمس، و ركعتان عند زوالها، و القراءة في الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين، و بعد الفريضة ثماني ركعات»(وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 11، الحديث 9.) و ذيل موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يقرأ في الاولى بسورة الجمعة، و في الثانية بسورة المنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و استحباب قراءة السورتين بالكيفية المزبورة مشهور بين أصحابنا، و عن «انتصار» السيّد دعوى الإجماع عليه. و نسب إلى بعض الأخباريين وجوب السورتين المذكورتين في الجمعة. و استدلّ له بأخبار امر فيها بقراءتهما فيها. و هي محمولة على الاستحباب، بقرينة الشهرة القائمة على الاستحباب، مضافاً إلى صراحة أخبار اخر في عدم الوجوب. و تفصيل البحث فيه موكول إلى مبحث القراءة في الصلاة. و الدليل على جواز القنوتين في صلاة الجمعة- أحدهما قبل ركوع الركعة الاولى، و ثانيهما بعد رفع الرأس من ركوع الركعة الثانية- هو صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: قال: «على الإمام فيها- أي في الجمعة- قنوتان: قنوت في الركعة الاولى قبل الركوع، و في الركعة الثانية بعد الركوع. و من صلّاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الاولى قبل الركوع»(وسائل الشيعة 6: 271، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 4.) و ذيل صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ قنوت قبل الركوع، إلّا في الجمعة؛ فإنّ الركعة الاولى القنوت فيها قبل الركوع، و الأخيرة بعد الركوع»(وسائل الشيعة 6: 273، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 12.) و استحباب القنوت في كلّ صلاة- و منها الجمعة- مشهور بين الأصحاب، بل عن «المعتبر» و «المنتهى» الإجماع عليه. و حكي عن ابن عقيل و الصدوق القول بوجوبه. و استدلّوا له بأخبار ظاهرة في الوجوب، و لكنّها محمولة على الاستحباب؛ لصراحة بعض الأخبار الصحيحة الصريحة في جواز تركه في غير حال التقية. و تفصيل البحث موكول إلى مبحث القنوت من أفعال الصلاة. ثمّ إنّه لا فرق بين صلاة الجمعة و غيرها من الصلوات الواجبة من حيث الشرائط و الموانع و القواطع و الخلل و الشكّ و السهو و غيرها. و قد تقدّمت مباحثها تفصيلًا في ضمن المسائل المربوطة بها. تمّت مباحث صلاة الجمعة في صبيحة يوم الجمعة الثاني و العشرين من رجب سنة 1421 ه. ق.

ص: 224

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

ص: 229

القول في صلاة العيدين: الفطر و الأضحى

اشارة

و هي واجبة مع حضور الإمام عليه السلام و بسط يده و اجتماع سائر الشرائط، و مستحبّة في زمان الغيبة، و الأحوط إتيانها فُرادى في ذلك العصر، و لا بأس بإتيانها جماعة رجاءً، لا بقصد الورود (1).


1- يقع البحث هنا في امور: الأمر الأوّل: لا خلاف بين أصحابنا في كون وجوب صلاة العيدين عينيّاً مع حضور الإمام عليه السلام بالشرائط المعتبرة في الجمعة في الجملة، و ادّعى جماعة الإجماع بكلا قسميه عليه. ففي «الخلاف»: العدد شرط في وجوب صلاة العيد، و كذلك جميع شرائط الجمعة ... إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة، و أيضاً إذا ثبت أنّها فرض، وجب اعتبار العدد فيها؛ لأنّ كلّ من قال بذلك يعتبر العدد، و ليس في الامّة من فرّق بينهما(الخلاف 1: 664، المسألة 437.) ، انتهى. و في «المعتبر»: صلاة العيدين فريضة على الأعيان مع شرائط الجمعة، و هو مذهب علمائنا أجمع. و فيه أيضاً: و يشترط في وجوبها شروط الجمعة؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم صلّاها مع شرائط الجمعة، فيقف الوجوب على صورة فعله، و لأنّ كلّ من قال بوجوبها على الأعيان اشترط ذلك(المعتبر 2: 308.) ، انتهى. و يدلّ على وجوبها الأخبار المستفيضة، منها: صحيح جميل بن درّاج عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «صلاة العيدين فريضة، و صلاة الكسوف فريضة»(وسائل الشيعة 7: 419، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 1.) ، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة، و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلّا الزوال»(وسائل الشيعة 7: 419، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 2.) . و قد فسّر الشيخ في التهذيب السنّة بما علم وجوبه من السنّة. و رواية أبي اسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال- في حديث-: «صلاة العيدين فريضة، و صلاة الكسوف فريضة»(وسائل الشيعة 7: 420، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 4.) و استدلّ جماعة من الأصحاب على الوجوب بالآية الشريفة «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ»(الكوثر( 108): 2.) و نسب في «المعتبر» و «المدارك» و «الذكرى» إلى أكثر المفسّرين أنّ المراد بالصلاة، صلاة العيد، و ظاهر الأمر الوجوب. و أجاب عنه في «الحدائق» بقوله: «لم أقف في الأخبار على تفسير الآية بهذا المعنى، و إنّما الذي ورد فيها التفسير بمطلق الصلاة(الحدائق الناضرة 10: 200.)، انتهى. الأمر الثاني: يعتبر الإمام و الجماعة في وجوب صلاة العيدين. و يدلّ على اشتراط الإمام صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلّا مع إمام عادل»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 1.) ، و صحيح معمّر بن يحيى العجلي و زرارة، جميعاً قالا: قال أبو جعفر عليه السلام: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 2.) ، و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 3.) ، و صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الصلاة يوم الفطر و الأضحى؟ فقال: «ليس صلاة إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 4.) ، و صحيح ثالث لزرارة عن أحدهما عليهما السلام، قال: «إنّما صلاة العيدين على المقيم، و لا صلاة إلّا بإمام»(وسائل الشيعة 7: 422، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 7.) ، و صحيح رابع لزرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «ليس يوم الفطر و الأضحى أذان و لا إقامة» ... إلى أن قال: «و من لم يصلّ مع إمام في جماعة فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 423، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 10.) و يدلّ على اشتراط الجماعة صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في صلاة العيدين: «إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»، و قال: «تقنت في الركعة الثانية»، قال: قلت: يجوز بغير عمامة؟ قال: «نعم، و العمامة أحبّ إليّ»(وسائل الشيعة 7: 482، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 39، الحديث 1.) الأمر الثالث: يظهر من جماعة من فقهائنا اعتبار وجود الإمام المعصوم عليه السلام في الوجوب العيني لا مطلق الإمام، و استدلّ له بموثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: قلت له: متى يذبح؟ قال: «إذا انصرف الإمام»، قلت: فإذا كنت في أرض (قرية) ليس فيها إمام فاصلّي بهم جماعة؟ فقال: «إذا استقلّت الشمس» و قال: «لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 422، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 6.) . وجه الاستدلال: أنّ السائل فرض عدم وجود الإمام المعصوم عليه السلام في القرية، و مع ذلك سأل عن الصلاة جماعة بإمام غير المعصوم عليه السلام، إذ من المعلوم عدم انعقاد الجماعة بدون الإمام مطلقاً، و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام: أ لا تخلّف رجلًا يصلّي في العيدين فقال: لا اخالف السنّة»(وسائل الشيعة 7: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 9.) . وجه الاستدلال أنّ السنّة جرت على إمامة الإمام المعصوم عليه السلام. و يظهر من صاحب «الجواهر» رحمه الله: اختيار اعتبار الإمام المعصوم عليه السلام في الوجوب العيني؛ حيث إنّه بعد الاستشهاد عليه بالموثّق المذكور «فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام» ، قال: على أنّك عرفت في الجمعة ما يظهر منه أنّ المراد بالإمام في أمثال هذه المقامات المعصوم عليه السلام أو نائبه فلاحظ و تأمّل. كما أنّك عرفت ما يقضي باشتراطه في الجمعة و العيد من دعاء الصحيفة السجّادية: «اللّهم إنّ هذا المقام مقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها» إلى أن قال: بل لا يخفى ظهور الصحيح: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام: لو أمرت من يصلّي بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد، قال عليه السلام: أكره أن أستنّ سنّة لم يستنّها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم» في أنّ صلاة العيد بنصب الإمام و إذنه و إلّا لما استأذنوه ... إلى أن قال: و قد تلخّص من ذلك كلّه اعتبار ما عدا الخطبتين في العيد كالجمعة من السلطان أو نائبه و العدد و الجماعة(جواهر الكلام 11: 334.) ، انتهى. الأمر الرابع: نسب إلى أكثر الأصحاب استحباب صلاة العيدين في زمان الغيبة مطلقاً، أي: سواء انعقدت جماعة أو فرادى. و عن ابن إدريس استحبابها جماعة. و عن المفيد في «المقنعة» و الشيخ في «المبسوط» و «التهذيب» و «الخلاف» و علم الهدى في «الناصريّات» و «جمل العلم و العمل» و الحلبي في «الكافي» و صاحبي «المدارك» و «الحدائق» استحبابها فرادى. و عن الصدوق أنّه لا يشرع في زمن الغيبة، قال في «المقنع»: و لا تصلّيان إلّا مع إمام في جماعة(المقنع: 149.) ، و عن ابن أبي عقيل سقوط استحبابها وحده، و المختار هو القول الأوّل. و استدلّ على استحبابها جماعة موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 422، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 6.) و فيه: أنّه قد تقدّم في الأمر الثالث أنّ المراد من الإمام هو المعصوم عليه السلام- على ما فرضه السائل- و حينئذٍ فلا دلالة في الموثّق على الاستحباب. و مرسل عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابنا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الفطر و الأضحى؟ فقال: «صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة و كبّر سبعاً و خمساً»(وسائل الشيعة 7: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 5، الحديث 1.) و يدل على استحبابها فرادى المرسل المزبور و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيّب بما وجد و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة»(وسائل الشيعة 7: 424، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 3، الحديث 1.) و وجه الاحتياط في إتيانها فرادى في عصر الغيبة الأخبار المستفيضة المصرّحة باعتبار الإمام في انعقادها جماعة، و الإمام ظاهر في الإمام الأصل، و لا أقلّ محتمل له، و قد تقدّم ذكر الأخبار في الأمر الثاني فراجع. و قد ادّعى السبزواري رحمه الله في «الذخيرة» أنّ المشهور بين الأصحاب استحباب هذه الصلاة منفرداً مع تعذّر الجماعة. و عن صاحب «الرياض»: أنّ الاحتياط في فعلها فرادى في زمان الغيبة. و الشيخ المفيد رحمه الله في «المقنعة» بعد اشتراط حضور الإمام في وجوب صلاة العيدين كالجمعة قال: و سنّة على الانفراد عند عدم حضور الإمام(المقنعة: 194.) ، انتهى. و قال صاحب «الحدائق»: و بالجملة فالظاهر هو انحصار الاستحباب في الانفراد كما هو مفاد الأخبار المتقدّمة مع كونه خلاف جميع العامّة(الحدائق الناضرة 10: 220.)، انتهى.

ص: 230

ص: 231

ص: 232

ص: 233

ص: 234

و وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال (1)،


1- كون وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال مشهور عند فقهائنا، بل حكي عن «الذخيرة» و «نهاية الإحكام» و «التذكرة» و غيرها اتّفاقهم على مبدإ التوقيت و منتهاه. و حكي عن بعض فقهائنا- كالشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الاقتصاد» و الحلبي في «الكافي» و أبي المكارم في «الغنية» و ابن حمزة في «الوسيلة» و ابن إدريس في «السرائر»- أنّ أوّل وقتها انبساط الشمس و ارتفاعها، قال في «المبسوط»: و وقت صلاة العيد إذا طلعت الشمس و ارتفعت و انبسطت ... إلى أن قال: و الوقت باقٍ إلى زوال الشمس، فإذا زالت فقد فاتت(المبسوط 1: 169.) ، انتهى. و لعلّ توقيت أوّلها بانبساط الشمس للسيرة المستمرّة على فعلها و الشروع فيها في ذلك الوقت كما يستفاد من الأخبار: منها: صحيح أبي بصير المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخرج بعد طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 7: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 18، الحديث 1.) و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تخرج من بيتك إلّا بعد طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 7: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 18، الحديث 2.) ؛ حيث إنّه إذا كان وقت الخروج بعد طلوع الشمس يتأخّر وقت فعل الصلاة عنه إلى انبساطها طبعاً. و منها: الخبر المنقول مستفيضاً عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن ياسر خادم الرضا عليه السلام، و الريّان بن الصلت الوارد في كيفية خروج الرضا عليه السلام لصلاة العيد ... إلى أن قال: «و اجتمع القوّاد و الجند على باب أبي الحسن عليه السلام فلمّا طلعت الشمس قام عليه السلام فاغتسل و تعمّم ...»(وسائل الشيعة 7: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 19، الحديث 1.) ، إلى آخر الحديث. و منها: صحيح آخر لزرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «ليس يوم الفطر و لا يوم الأضحى أذان و لا إقامة أذانهما طلوع الشمس، إذا طلعت خرجوا و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة»(وسائل الشيعة 7: 429، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 5.) . و من المعلوم أنّ الأذان إعلام بدخول الوقت لا للصلاة، و سيأتي أنّه ليس في صلاة العيدين أذان و لا إقامة.

ص: 235

ص: 236

و لا قضاء لها لو فاتت (1).


1- و يدل عليه صحيحا زرارة المتقدّمان، و هما الحديث الأوّل و العاشر من الباب الثاني من أبواب صلاة العيد من الوسائل(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 1 و 10.) ، فراجع. و أمّا رواية أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 5، الحديث 2.) ، فهي ضعيفة سنداً بأبي البختري وهب بن وهب- كان قاضياً عامياً كذّاباً له أحاديث عن الصادق عليه السلام كلّها لا يوثّق بها- و شاذّة لم يعمل بها أحد من علمائنا، و موافقة لجماعة من العامّة؛ حيث ذهبوا إلى إتيانها أربع ركعات، مع اختلافهم في أنّها تقضي بسلام واحد أو بسلامين، و محرّفة بتحريف «الجمعة» بالعيد. نعم قد ورد الأمر بتأخير خصوص صلاة عيد الفطر إلى الغد فيما لو ثبت الهلال للحاكم بعد زوال يوم الفطر كما في صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»(وسائل الشيعة 7: 432، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 9، الحديث 1.) و فيه: أنّه لا دلالة فيه على امتداد الوقت و لا على كونها قضاءً، فيحمل الأمر على الاستحباب.

ص: 237

و هي ركعتان في كلّ منهما يقرأ «الحمد» و سورة، و الأفضل أن يقرأ في الاولى سورة «الشمس» و في الثانية سورة «الغاشية»، أو في الاولى سورة «الأعلى» و في الثانية سورة «الشمس» (1)،


1- و يدلّ على كونها ركعتين صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلاة العيد ركعتان بلا أذان و لا إقامة، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء»(وسائل الشيعة 7: 429، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 7.) . و الموثّق المضمر لسماعة، قال: سألته عن الصلاة في يوم الفطر فقال: «ركعتان بلا أذان و لا إقامة»(وسائل الشيعة 7: 430، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 8.) . و مضمر معاوية بن عمّار، قال: سألته عن صلاة العيدين، فقال: «ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، و ليس فيهما أذان و لا إقامة تكبّر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة، تبدأ فتكبّر و تفتتح الصلاة، ثمّ تقرأ فاتحة الكتاب، ثمّ تقرأ وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها، ثمّ تكبّر خمس تكبيرات ثمّ تكبّر و تركع فيكون تركع بالسابعة و تسجد سجدتين، ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ، ثمّ تكبّر أربع تكبيرات و تسجد سجدتين، و تتشهّد و تسلّم»، قال: «و كذلك صنع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 7: 434، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 2.) ، الحديث. و مرسل عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم: «صلّهما ركعتين»(وسائل الشيعة 7: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 5، الحديث 1.) و نسب إلى بعض فقهائنا أنّها أربع ركعات لمن لحق خطبتي الإمام لرواية أبي البختري المتقدّمة، و تقدّم الجواب عن الاستدلال بها، فراجع. ثمّ إنّه تكفي في الركعتين قراءة أيّ سورة شاء بعد الحمد، و الأفضل أن يقرأ في الاولى سورة الشمس و في الثانية سورة الغاشية، أو يقرأ في الاولى الأعلى و في الثانية و الشمس و ضحاها. و يدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم، و صحيح جميل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس»، و قال: «صلاة العيدين فريضة»، قال: و سألته ما يقرأ فيهما؟ قال: «وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ و أشباههما»(وسائل الشيعة 7: 435، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 4.) ، و خبر إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام في صلاة العيدين، قال: «يكبّر واحدة يفتتح بها الصلاة ثمّ يقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ يكبّر خمساً يقنت بينهنّ، ثمّ يكبّر واحدة و يركع بها ثمّ يقوم فيقرأ امّ الكتاب و سورة، يقرأ في الاولى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى و في الثانية وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها، ثمّ يكبّر أربعاً و يقنت بينهنّ ثمّ يركع بالخامسة»(وسائل الشيعة 7: 436، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 10.)

ص: 238

و بعد السورة في الاولى خمس تكبيرات و خمسة قنوتات؛ بعد كلّ تكبيرة قنوت و في الثانية أربع تكبيرات و أربعة قنوتات؛ بعد كلّ تكبيرة قنوت (1)،


1- قام الإجماع على كون التكبيرات و القنوتات خمساً في الركعة الاولى و أربعاً في الركعة الثانية، كما قام على كون القنوتات بعد التكبيرات. و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة المذكورة في الباب العاشر من أبواب صلاة العيدين من كتاب الوسائل(وسائل الشيعة 7: 433، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10.) ، فراجع.

ص: 239

و يجزي في القنوت كلّ ذكر و دعاء كسائر الصلوات، و لو أتى بما هو المعروف رجاء الثواب لا بأس به و كان حسناً، و هو: «اللّهمَّ أهلَ الكِبرياءِ و العَظَمة، و أهلَ الجودِ و الجبَروتِ، و أهلَ العَفو و الرحمة و أهلَ التقوى و المغفِرة، أسألُكَ بحقِّ هذا اليوم الّذي جعَلتَهُ للمُسلمينَ عيداً، و لمُحمّدٍ صلّى اللَّه عليه و آلهِ ذُخراً و شرَفاً و كرامَةً و مزِيداً، أن تُصلِّي على مُحمّدٍ و آلِ مُحمَّد، و أن تُدخلَني في كُلِّ خيرٍ أدخَلتَ فيهِ مُحمّداً و آلَ محمّدٍ، و أن تُخرجني مِن كُلِّ سوءٍ أخرجتَ منهُ محمّداً و آلَ محمَّدٍ صلواتُكَ عليهِ و عليهِم، اللّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خيرَ ما سألَكَ بهِ عبادُك الصالحونَ، و أعوذُ بِكَ ممَّا استعاذَ منهُ عِبادُك المُخلَصُون» (1).


1- الدليل على إجزاء كلّ دعاء و ذكر في قنوتات صلاة العيدين هو إطلاق صحيح يعقوب بن يقطين، قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن التكبير في العيدين، قبل القراءة أو بعدها؟ و كم عدد التكبير في الاولى و في الثانية و الدعاء بينهما؟ و هل فيهما قنوت أم لا؟ فقال: «تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة، يكبّر تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثمّ يقرأ و يكبّر خمساً، و يدعو بينهما (بينها)، ثمّ يكبّر اخرى و يركع بها، فذلك سبع تكبيرات بالتي (بالذي) افتتح بها، ثمّ يكبّر في الثانية خمساً، يقوم فيقرأ ثمّ يكبّر أربعاً و يدعو بينهنّ، ثمّ يركع بالتكبيرة الخامسة»(وسائل الشيعة 7: 435، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 8.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الكلام الذي يتكلّم به في ما بين التكبيرتين في العيدين، قال: «ما شئت من الكلام الحسن»(وسائل الشيعة 7: 467، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 26، الحديث 1.) و قد ورد في بعض الأخبار الدعاء المعروف المرسوم المذكور في المتن: «اللّهمَّ أهلَ الكِبرياءِ و العَظَمة ...» إلى آخره بأدنى تفاوت، و لكن السند ضعيف، و لا بأس بإتيانه رجاء الثواب.

ص: 240

و لو صلّى جماعة رجاءً يأتي بخطبتين بعدها رجاءً أيضاً، و يجوز تركهما في زمان الغيبة (1).


1- ينبغي البحث في الجملة عن الخطبة في صلاة العيدين، يظهر من الشيخ و ابن إدريس وجوب الخطبة فيها، قال في «المبسوط»: و شرائطها شرائط الجمعة، سواء في العدد و الخطبة و غير ذلك(المبسوط 1: 169.) و عن العلّامة في «المنتهى»: أنّ الخطبتين واجبتان كوجوبهما في الجمعة، و هما بعد الصلاة، و لا نعرف خلافاً بين المسلمين في أنّ الخطبتين بعد الصلاة، إلّا من بني اميّة، روي أنّ عثمان و ابن الزبير و مروان بن الحكم خطبوا قبل الصلاة(منتهى المطلب 1: 345/ السطر 19.) و قال في الفرع الثالث: لا يجب حضور الخطبة و لا استماعها بغير خلاف، روى عبد اللّه بن ثابت قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم العيد فلمّا مضى الصلاة قال: «إنّا نخطب فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس و من أحبّ أن يذهب فليذهب» ، لكنّه مستحبّ لما فيه من الاتّعاظ و حضور مجالس الذكر(منتهى المطلب 1: 345/ السطر 33.) ، انتهى. و ادّعى النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» الإجماع على استحباب الخطبة و حكاه عن معتبر المحقّق(مستند الشيعة 6: 198.) ، قال في «المعتبر»: أنّ الخطبتين مستحبّتان فيهما بعد الصلاة، و تقديمهما أو إحداهما بدعة و لا يجب حضورهما و لا استماعهما، أمّا استحبابهما فعليه الإجماع(المعتبر 2: 324.) ، انتهى. و عن الشهيد في «الذكرى»: أنّ المشهور بين الأصحاب استحباب الخطبتين في صلاة العيدين(ذكرى الشيعة 4: 173.) و صاحب «المدارك» في شرح قول المصنّف «و هي واجبة مع وجود الإمام»، ذكر أنّ العلّامة جزم في جملة من كتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا، ثمّ قال: و هو كذلك تمسّكاً بالأصل و التفاتاً إلى كونهما متأخّرتين عن الصلاة، و لا يجب استماعهما إجماعاً، فلا تكونان شرطاً فيها(مدارك الأحكام 4: 96.) ، و في موضع آخر من «المدارك» بعد أن حكى عن العلّامة في جملة من كتبه القول بالوجوب و احتجاجه عليه في «التذكرة» بورود الأمر بهما قال: و المسألة محلّ تردّد، و كيف كان فيجب القطع بسقوطهما حال الانفراد للأصل السالم من العارض(نفس المصدر 4: 121.) ، انتهى. و قال صاحب «الحدائق»: الأظهر عندي هو القول بالوجوب، و يدلّ عليه قول الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الذي قد ظهر لك في غير موضع ممّا قدّمنا و سيجي ء أمثاله اعتماد الصدوقين سيّما الأوّل عليه و إفتاؤهما بعبائر الكتاب كما كشفنا عنه النقاب في غير باب من الأبواب، حيث قال عليه السلام: «فإنّ صلاة العيدين مع الإمام فريضة و لا تكون إلّا بإمام و خطبة» ، و ممّا يعضد ذلك و يؤيّده بأوضح تأييد ما رواه الصدوق في كتاب «العلل» و «العيون» من علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة؛ لأنّ الجمعة أمر دائم و تكون في الشهر مراراً و في السنة كثيراً، فإذا كثر على الناس ملّوا و تركوه و تفرّقوا عنه؛ و العيد إنّما هو في السنة مرّتان و الزحام فيه أكثر و الناس فيه أرغب، و إن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم» ، و التقريب فيه أنّه لو كان ما يدّعونه من الاستحباب حقّاً لكان هو الأولى بأن يذكر علّة للفرق في الخبر بأن يقال: إنّما اخّرت لأنّ استماعها غير واجب؛ حيث إنّها مستحبّة، فمن شاء جلس لاستماعها و من شاء انصرف، و ظاهر الخبر إنّما هو وجوبها في الصلاتين و إن اختلفتا بالتقدّم و التأخّر(الحدائق الناضرة 10: 212.) ، انتهى. و مال صاحب «الجواهر» إلى القول بالوجوب و أطال الكلام فيه إلى أربع صفحات؛ حيث إنّه- بعد نقل قول جماعة من الأعلام بوجوب الخطبتين و ذكر الأخبار الدالّة على الوجوب، و بعد ردّ قول «كشف اللثام»: لم أظفر بالأمر في خبر و لكن رأيت فيما قد ينسب إلى الرضا عليه السلام: «لا تكون إلّا بإمام و خطبة» بقوله: و فيه: أنّ ظهور الأمر في النصوص المزبورة و لو بعد الانجبار بما سمعت كافٍ- حكى عن «الدروس» و «الذكرى» الشهرة على الاستحباب و عن «المعتبر» الإجماع عليه، و وجّهه بقوله: إلّا أنّه يمكن إرادة شرعيّتهما- أي الخطبتين- و الرجحان من معقد الإجماع لا الاستحباب بالمعنى الأخص، ثمّ ردّ احتجاج القائلين بنفي الوجوب المستدلّين بعدم وجوب الاستماع بقوله: و عدم وجوب الاستماع لا ينافي الوجوب، كما هو مذهب البعض في الجمعة، على أنّه يمكن منعه كالحضور بالنسبة إلى البعض، نعم عدم الوجوب مسلّم بالنسبة إلى الجميع، أمّا البعض فلا، فيكون الوجوب حينئذٍ كفائياً و إن كان شرطياً، و أجاب أيضاً عن القائلين بنفي الوجوب- المستدلين بخبر عبد اللّه بن السائب، قال: حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يوم عيد فلمّا قضى صلاته قال: «من أحبّ أن يسمع الخطبة فليسمع و من أحبّ أن ينصرف فلينصرف»(وسائل الشيعة 7: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 30، الحديث 2.) - بقوله: و قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم غير ثابت من طرقنا المعتبرة(جواهر الكلام 11: 337- 340.) ، انتهى ملخصاً. ثمّ إنّ وجوب الخطبة مبني على القول بوجوب صلاة العيد في زمان الحضور و الغيبة، و على القول باستحباب الصلاة جماعة في زمن الغيبة يأتي بالخطبة رجاءً، و على القول بجواز إتيان الصلاة فرادى في هذه الأزمنة لا معنى لوجوب الخطبة، بل يكون بلا فائدة. قال في الجواهر: كما أنّ عدم وجوبهما مسلّم لو صلّيت فرادى؛ لعدم تعقّل الخطبة حينئذٍ، بل يمكن أن يكون كالفرادى لو صلّيت جماعة بواحد و نحوه، بل و بالعدد في مثل هذا الزمان أو غيره ممّا لا تكون واجبة فيه؛ فإنّ احتمال وجوب الخطبتين حينئذٍ شرطاً بعيد، فينحصر البحث حينئذٍ في وجوبهما حال وجوب الصلاة، و قد عرفت قوّة القول به(جواهر الكلام 11: 340.) ، انتهى.

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

و يستحبّ فيها الجهر للإمام و المنفرد، و رفع اليدين حال التكبيرات، و الإصحار بها إلّا في مكّة، و يُكره أن يصلّي تحت السقف (1).


1- وجه استحباب الجهر بالقراءة فيها للإمام و المنفرد صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يعتمّ في العيدين شاتياً كان أو قائظاً»(وسائل الشيعة 7: 441، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 11، الحديث 3.) و يدلّ على استحباب رفع اليدين مع كلّ تكبيرة خبر يونس، قال: سألته عن تكبير العيدين أ يرفع يده مع كلّ تكبيرة أم يجزيه أن يرفع في أوّل التكبير، فقال: «يرفع مع كلّ تكبيرة»(وسائل الشيعة 7: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 30، الحديث 1.) و يدلّ على الإصحار بها صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا ينبغي أن تصلّي صلاة العيدين في مسجد مسقّف و لا في بيت، إنّما تصلّي في الصحراء أو في مكان بارز»(وسائل الشيعة 7: 449، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 2.) ، و هذا الصحيح يدلّ على كراهة صلاة العيد تحت السقف. و قد ورد في الأخبار المستفيضة: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يخرج في يوم العيد حتّى يبرز لآفاق السماء، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: «أنّه كان إذا خرج يوم الفطر و الأضحى أبى ان يؤتى بطنفسة يصلّي عليها، و يقول: هذا يوم كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخرج فيه حتّى يبرز لآفاق السماء ثمّ يضع جبهته على الأرض»(وسائل الشيعة 7: 449، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 1.) و يدلّ على عدم إبراز أهل مكّة و الإصحار بالعيدين صحيح حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام: قال: «السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلّا أهل مكّة؛ فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام»(وسائل الشيعة 7: 449، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 3.)

ص: 245

(مسألة 1): لا يتحمّل الإمام فيها ما عدا القراءة كسائر الجماعات

(1).

(مسألة 2): لو شكّ في التكبيرات أو القنوتات و هو في المحلّ بنى على الأقلّ

(2).


1- و ذلك للإطلاق في أدلة ضمان الإمام لقراءة المأموم في القراءة فقط دون غيرها من الأقوال و الأذكار في أيّ صلاة شرّعت فيها الجماعة؛ كما في موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه سأله رجل، عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: «لا إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب الصلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب.
2- و يدلّ عليه- مضافاً إلى قاعدة الاشتغال بل استصحاب عدم الإتيان- عموم مفهوم صحيح زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر، قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال: «يمضي»، قلت: شكّ في القراءة و قد ركع، قال: «يمضي»، قلت: شكّ في الركوع و قد سجد، قال: «يمضي على صلاته»، ثمّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و كذا عموم مفهوم صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.)

ص: 246

(مسألة 3): لو أتى بموجب سجود السهو فيها فالأحوط الإتيان رجاءً؛

و إن كان عدم وجوبه في صورة استحبابها لا يخلو من قوّة. و كذا الحال في قضاء التشهّد و السجدة المنسيّين (1).


1- لو أتى بما يوجب سجدتي السهو- كالكلام سهواً و السلام في غير محلّه و غيرهما ممّا يوجب سجود السهو- في صلاة العيدين فبناءً على وجوبها يأتي به بلا إشكال، و أمّا في صورة استحبابها- كما في زمن الغيبة- ففيه وجهان، و عدم الوجوب لا يخلو من قوّة. و للمحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» عبارة يظهر منها عدم جريان أحكام الشك و السهو في صلاة العيدين بناءً على استحبابها؛ حيث خصّها بالواجب، قال: الظاهر مساواة هذه الصلاة لغيرها من الواجبات الثنائية في أحكام الشكّ و السهو، فتبطل بالشكّ في عدد ركعاتها، و في الشكّ في أجزائها و عدد تكبيراتها و قنوتاتها يبني على الأقل ما لم يتجاوز محلّه، و إلّا يمضي في صلاته، و تبطل بالإخلال بشي ء من أركانها عمداً أو سهواً، و لا تبطل بالإخلال بما عداها سهواً، بل عليه تدارك الفائت مع بقاء محلّه، و المضيّ في صلاته بعد دخوله في ركوع أو سجود(مصباح الفقيه، الصلاة: 471/ السطر 23.) ، انتهى.

ص: 247

(مسألة 4): ليس في هذه الصلاة أذان و لا إقامة.

نعم يُستحبّ أن يقول المؤذّن: «الصلاة» ثلاثاً (1).


1- و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت صلاة العيدين، هل فيهما أذان و إقامة؟ قال: «ليس فيهما أذان و لا إقامة، و لكن ينادي: «الصلاة» ثلاث مرّات»(وسائل الشيعة 7: 428، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله ذكر جملة من الصلوات المندوبة تبعاً للسيّد الأصبهاني في «وسيلة النجاة» و زاد عليه صلاة الاستسقاء، و لا مهمّ لنا في البحث عنها، و قد تمّ مباحث صلاة العيدين، و يتلوها البحث في صلاة المسافر. و الحمد للَّه و له الشكر، و صلى اللَّه على محمّد و آله أجمعين و لعنة اللَّه على أعدائهم أعداء اللَّه.

ص: 248

ص: 249

فصل في صلاة المسافر

اشارة

يجب القصر على المسافر في الصلوات الرباعية مع اجتماع الشروط الآتية، و أمّا الصبح و المغرب فلا قصر فيهما (1).


1- لا خلاف بين المسلمين في جواز القصر في السفر في الصلوات الرباعية مع اجتماع الشرائط الآتية. و في «التذكرة»: حتّى أنّه لو جحد جاحدٌ جواز القصر في السفر كفر(تذكرة الفقهاء 4: 349.) و لا قصر في الصبح و المغرب إجماعاً من الفريقين. و أمّا وجوب القصر ففيه خلاف بيننا و بين العامّة، و قد أجمع علماؤنا كافّة على وجوبه، بل هو من الضروريّات عندنا، و به قال مالك و أبو حنيفة و أصحابه. و حكي عن أبي حنيفة أنّه قال: إن زاد على ركعتين فإن كان تشهّد في الثانية صحّت صلاته، و ما زاد على الثنتين يكون نافلة، إلّا أن يأتمّ بمقيم فيصلّي أربعاً؛ فيكون الكلّ فريضة اسقط بها الفرض. و قال الشافعي بالخيار بين التقصير و الإتمام، و لكن التقصير أفضل. و قال المزني أيضاً بالخيار، و لكن قال: إنّ الإتمام أفضل، و هذا مذهب عثمان و عبد اللَّه بن مسعود و سعد بن أبي وقّاص و عائشة من الصحابة. ثمّ إنّ القصر في الصلوات الرباعية بحذف الركعتين الأخيرتين، و لا يجوز النقصان عن ذلك إجماعاً. و حكى مسلم في صحيحه عن عبد اللّه بن عبّاس أنّه قال في سفر الأمن يقصّر إلى الركعتين، و في سفر الخوف يقصّر إلى ركعة. و يدلّ على وجوب القصر في الرباعيات- مضافاً إلى الإجماع- أخبار كثيرة: منها: صحيح زرارة و محمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي؟ و كم هي؟ فقال: «إنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ»(النساء( 4): 101.) ؛ فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر»، قالا: قلنا له: قال اللَّه عزّ و جلّ: «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ» و لم يقل: افعلوا، فكيف أوجب ذلك؟ فقال: «قد قال اللَّه عزّ و جلّ- في الصفا و المروة: «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما»(البقرة( 2): 158.) ، أ لا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض؛ لأنّ اللَّه- عزّ و جلّ- ذكره في كتابه و صنعه نبيه، و كذلك التقصير في السفر شي ء صنعه النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ذكر اللَّه في كتابه»(وسائل الشيعة 8: 517، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 22، الحديث 2.) . و منها: صحيح آخر لهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: رجل صلّى في السفر أربعاً، أ يعيد أم لا؟ قال: «إن كان قد قُرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قُرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 4.) . و منها: صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: صلّيتُ الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: «أعد»(وسائل الشيعة 8: 507، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 6.) ، و غيرها من الروايات الواردة في صلاة المسافر. هنا فروع: الأوّل: إذا دخل وقت الظهر و مضى منه بمقدار الطهارة و الصلاة أربع ركعات و لم يصلّ و خرج إلى السفر، فهل يجب عليه الصلاة تماماً في السفر أو قصراً؟ قال العلّامة في «التذكرة»(تذكرة الفقهاء 4: 352.) : الأقرب عندي وجوب الإتمام، و نسبه إلى القول القديم للشافعي و أحمد. و استدلّ له بقول الصادق عليه السلام لبشير النبّال و قد خرج معه حتّى أتيا الشجرة: «يا نبّال»، قلت: لبّيك، قال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري و غيرك؛ و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج»(وسائل الشيعة 8: 515، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 10.) . رواه في «الكافي» و «التهذيب» و «الاستبصار»، و بأنّ الأربعة وجبت عليه و استقرّت في ذمّته؛ لما بيّنا من أنّ الفعل واجب في جميع أجزاء الوقت؛ و لهذا لو أدركت هذا الوقت ثمّ حاضت لم يسقط عنها الفرض، و كذا المغمى عليه. و حكي عن الشيخ جواز القصر و استحباب الإتمام. و استدلّ لجواز القصر بقوله تعالى: «وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ»(النساء( 4): 101.) ، و لاستحباب الإتمام بالجمع بين قول الصادق عليه السلام لبشير النبّال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري و غيرك» الدالّ على وجوب الإتمام، و بين قوله عليه السلام- و قد سأله إسماعيل بن جابر- قلت: يدخل وقت الصلاة و أنا في أهلي اريد السفر، فلا اصلّي حتّى أخرج، قال: «صلّ و قصّر، فإن لم تفعل فقد و اللَّه خالفت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 2.) ، رواه في «الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار»، حيث حمل رحمه الله رواية بشير النبّال على الاستحباب و رواية إسماعيل بن جابر على إجزاء القصر. أقول: لا وجه لحمل رواية البشير على الاستحباب، و هو ليس بأولى من حمل الأمر في رواية إسماعيل عليه؛ و لذا جمع العلّامة رحمه الله بين الروايتين بحمل رواية إسماعيل الدالّة على وجوب القصر على ما لو دخل الوقت و خرج إلى السفر قبل مضيّه بمقدار الصلاة و الطهارة. و التحقيق في المسألة: أنّ الصلاة بالنسبة إلى أجزاء وقته واجب تخييري؛ ففي أيّ جزء منه اتي المأمور به أجزأ و سقط التكليف؛ تماماً كان أو قصراً. الثاني: لو كان مسافراً و لم يصلّ قصراً ثمّ حضر و الوقت باقٍ أتمّ، و هو قول الشافعي. و يدلّ عليه قول الصادق عليه السلام لإسماعيل بن جابر و قد سأله: يدخل عليَّ وقت الصلاة و أنا في السفر، فلا اصلّي حتّى أدخل أهلي: «صلّ و أتمّ»(نفس المصدر.) ، هذا. مضافاً إلى أنّه حاضر، و لا سبب للقصر؛ فوظيفته الإتمام. الثالث: لو كان مسافراً و لم يصلّ حتّى بقي من الوقت بمقدار ركعة أو ركعتين فعن الشيخ في «الخلاف»: أنّ فيه خلافاً بين أصحابنا؛ فمن قال: إنّ الصلاة تكون أداءً بإدراك ركعة في الوقت أوجب القصر، و هو المشهور المختار، بل ادّعى في «الخلاف» إجماع الامّة. و من قال: إنّ بعضها أداء و بعضها قضاء قال بعدم جواز التقصير؛ لأنّه غير مؤدٍّ لجميع الصلاة في الوقت. الرابع: لو كان مسافراً و لم يصلّ حتّى بقي من الوقت أقلّ من ركعة واحدة لا يجوز له الصلاة أداءً؛ لفوات الوقت؛ فوجب عليه القضاء قصراً. الخامس: لو خرج إلى السفر و قد بقي من الوقت بمقدار أقلّ من ركعة وجب عليه القضاء تماماً إجماعاً؛ لفواتها في الحضر.

ص: 250

ص: 251

ص: 252

ص: 253

و يشترط في التقصير للمسافر امور:

أحدها: المسافة،
اشارة

و هي ثمانية فراسخ امتدادية ذهاباً أو إياباً أو ملفّقة؛ بشرط عدم كون الذهاب أقلّ من أربعة (1)؛


1- اشتراط المسافة المحدودة بحدّ معلوم ممّا لا خلاف فيه بيننا و بين العامّة، و خالف فيه داود الظاهري فإنّه قال: المسافر يقصّر بمجرّد الضرب في الأرض، فاكتفى بحصول مسمّى السفر؛ قليلًا كان أو كثيراً. و أمّا تحديد المسافة بكونها ثمانية فراسخ امتدادية لا أقلّ و لا أكثر، فيدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- النصوص المستفيضة، كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنّه سمعه يقول: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقلّ من ذلك و لا أكثر؛ لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل، فوجب التقصير في مسيرة يوم. و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة؛ لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم؛ فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في غيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما»(وسائل الشيعة 8: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 1.) . و منها: صحيح عبد اللّه بن يحيى الكاهلي أنّه سمع الصادق عليه السلام يقول في التقصير في الصلاة: «بريد في بريد أربعة و عشرون ميلًا»، ثمّ قال: «كان أبي يقول: إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء و الدابّة الناجية، و إنّما وضع على سير القطار»(وسائل الشيعة 8: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 3.) . و منها: رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون: «و التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد، و إذا قصّرت أفطرت»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 6.) . و منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن المسافر في كم يقصّر الصلاة؟ فقال: «في مسيرة يوم، و ذلك بريدان، و هما ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 8.) . و منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: كم أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال: «جرت السنّة ببياض يوم»، فقلت له: إنّ بياض يوم يختلف؛ يسير الرجل خمسة عشر فرسخاً في يوم، و يسير الآخر أربعة فراسخ و خمسة فراسخ في يوم، قال: فقال: «إنّه ليس إلى ذلك ينظر، أما رأيت سير هذه الأثقال (الأميال) بين مكّة و المدينة؟!» ثمّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلًا يكون ثمانية فراسخ(وسائل الشيعة 8: 455، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 15.) و قد نقل الشيخ رحمه الله في «الخلاف» أقوالًا عن علماء العامّة في تحديد المسافة؛ فقال: و قال الشافعي: مرحلتان ستّة عشر فرسخاً ثمانية و أربعون ميلًا، نصّ عليه في البويطي. و منهم من قال: ستّة و أربعون ميلًا. و منهم من قال: زيادة على الأربعين، ذكره في القديم. و قال أصحابه: إنّ كلّ ميلين اثنا عشر ألف قدم، و بمذهبه قال ابن عمر و ابن عبّاس و مالك و الليث بن سعد و أحمد و إسحاق. و قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري: السفر الذي يقصّر فيه ثلاث مراحل أربعة و عشرون فرسخاً اثنان و سبعون ميلًا، و روي ذلك عن ابن مسعود- ابن عبّاس خ. ل- و قال داود: أحكام السفر يتعلّق بالسفر الطويل و القصير(الخلاف 1: 568، المسألة 320.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الروايات تحديد المسافة بمسيرة يوم و ليلة، كما في صحيح زكريا بن آدم أنّه سأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التقصير في كم يقصّر الرجل إذا كان في ضياع أهل بيته و أمره جائز فيها يسير في الضياع يومين و ليلتين و ثلاثة أيّام و لياليهنّ؟ فكتب: «التقصير في مسيرة يوم و ليلة»(وسائل الشيعة 8: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 5.) . و في بعضها الآخر بمسيرة يومين، كما في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس للمسافر أن يتمّ الصلاة في سفره مسيرة يومين»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 9.) ، و الحكم بالإتمام محمول على التقية. و في ثالث بمسير ثلاثة برد، كما في صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يريد السفر في كم يقصّر؟ فقال: «في ثلاثة برد»(وسائل الشيعة 8: 454، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 10.) . و الجواب أوّلًا: أنّ الروايات المذكورة و إن كان بعضها صحيحاً سنداً و لكن التحديدات المذكورة فيها معرض عنها عند الأصحاب. و ثانياً: أنّها محمولة على التقية؛ لموافقتها للعامّة. ثمّ إنّه قد عبّر عن المسافة في بعض الروايات بمسير يوم، كما في صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يخرج في سفره و هو في مسيرة يوم، قال: «يجب عليه التقصير في مسيرة يوم و إن كان يدور في عمله»(وسائل الشيعة 8: 455، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 16.) . و في بعضها الآخر ببياض يوم، كما في صحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: في كم يقصّر الرجل؟ قال: «في بياض يوم أو بريدين»(وسائل الشيعة 8: 454، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 11.) . و قد يقع الاختلاف في مسير اليوم بحسب الأمكنة و الأزمنة و السائرين و دوابّ السير و السعي فيه و عدمه، و ربّما حصل اختلاف في تقديره فيما لو وقع السير في الليل أو الملفّق منه و من النهار؛ إذ لم يعلم أنّ التقدير بمقدار يوم تلك الليلة أو يوم آخر. فحينئذٍ نقول: إنّ المتبادر من بياض اليوم- الذي وقع التعبير به في بعض الأخبار- إرادة يوم الصوم من أوّل طلوع الفجر، و لكن المراد السير الواقع فيه بحسب الظاهر هو ما تعارف فيه عند سير القوافل لا استيعاب السير من أوّل طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة؛ بمعنى اعتبار الاعتدال و حدّ الوسط في الوقت و السير و المكان و السائر؛ و لذا عبّر في بعض الروايات ببريدين و ثمانية فراسخ، حيث إنّ المتعارف في مسير اليوم هو بريدان و ثمانية فراسخ. و قد اشير في بعض الروايات إلى هذا المتعارف، كما في صحيحة الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام المتقدّمة قال: «لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل و الأثقال»(وسائل الشيعة 8: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 1.) . و صحيحة عبد اللّه بن يحيى الكاهلي المتقدّمة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أبي يقول: «إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء و الدابّة الناجية، و إنّما وضع على سير القطار»(وسائل الشيعة 8: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 3.) و صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في جواب سؤال السائل عن اختلاف السير في بياض اليوم، قال عليه السلام: «إنّه ليس إلى ذلك ينظر، أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكّة و المدينة؟!»، ثمّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلًا يكون ثمانية فراسخ(وسائل الشيعة 8: 455، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 15.) إذا عرفت هذا كلّه فاعلم: أنّه لا خلاف بين الإمامية في وجوب القصر فيما كان الذهاب أو الإياب ثمانية فراسخ امتدادية. و أمّا إذا كان الذهاب و الإياب ملفّقاً ثمانية فراسخ، فعن الأكثر بل المشهور وجوب القصر، و عن الشيخ في «الاستبصار» و «التهذيب» التخيير بين القصر و الإتمام، و لكن التخيير ليس فتواه؛ لتصريحه في غير موضع من «المبسوط» و «النهاية» بوجوب القصر. و نسب الميل إلى التخيير إلى الشهيد في «الذكرى» و «الروض» و صاحب «المدارك». و يدلّ على وجوب القصر صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «التقصير في بريد، و البريد أربع فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ قال: «بريدٌ ذاهباً و بريد جائياً»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 2.) . و حسن سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهباً و جائياً ...»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 4.) الحديث. و موثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التقصير، قال: «في بريد»، قلت: بريد؟ قال: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه»(وسائل الشيعة 8: 459، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 9.) . و صحيح آخر لزرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التقصير، فقال: «بريد ذاهب و بريد جائي»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 14.) . و في الحديث الخامس عشر قال: «و كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتى ذباباً قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 15.) . و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «إنّما وجبت الجمعة على من يكون على (رأس) فرسخين لا أكثر من ذلك لأنّ ما تقصّر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً و بريد جائياً، و البريد أربعة فراسخ؛ فوجبت الجمعة على من هو نصف البريد الذي يجب فيه التقصير؛ و ذلك لأنّه يجي ء فرسخين و يذهب فرسخين، و ذلك أربعة فراسخ، و هو نصف طريق المسافر»(وسائل الشيعة 8: 462، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 18.) . و رواية «تحف العقول» عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «و التقصير في أربعة فراسخ بريدٌ ذاهباً و بريدٌ جائياً اثنى عشر ميلًا، و إذا قصّرت أفطرت»(وسائل الشيعة 8: 462، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 19.) . و قد ورد في الروايات المعتبرة وجوب القصر على أهل مكّة في خروجهم إلى عرفات و منى: فمنها: صحيح معاوية بن عمّار أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أهل مكّة يتمّون الصلاة بعرفات، فقال: «ويلهم أو ويحهم و أيّ سفر أشدّ منه؟! لا، لا تتمّ»(وسائل الشيعة 8: 463، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 1.) . و منها: موثّق معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: في كم اقصّر الصلاة؟ فقال: «في بريد، أ لا ترى أنّ أهل مكّة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير؟!»(وسائل الشيعة 8: 464، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 5.) . و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «حجّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأقام بمنى ثلاثاً يصلّي ركعتين، ثمّ صنع ذلك أبو بكر و صنع ذلك عمر، ثمّ صنع ذلك عثمان ستّ سنين، ثمّ أكملها عثمان أربعاً فصلّى الظهر أربعاً ثمّ تمارض ليشدّ (ليسدّ) بذلك بدعته، فقال للمؤذّن: اذهب إلى علي عليه السلام فقل له: فليصلّ بالناس العصر، فأتى المؤذّن علياً عليه السلام فقال له: إنّ أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلّي بالناس العصر، فقال: إذن لا اصلّي إلّا ركعتين كما صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فرجع (فذهب) المؤذّن فأخبر عثمان بما قال علي عليه السلام، فقال: اذهب إليه و قل له: إنّك لست من هذا في شي ء، اذهب فصلّ كما تُؤمر، فقال عليه السلام: لا و اللَّه لا أفعل، فخرج عثمان فصلّى بهم أربعاً. فلمّا كان في خلافة معاوية و اجتمع الناس عليه و قتل أمير المؤمنين عليه السلام حجّ معاوية فصلّى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثمّ سلّم، فنظر بنو اميّة بعضهم إلى بعض و ثقيف و من كان من شيعة عثمان، ثمّ قالوا: قد قضى على صاحبكم و خالف و أشمت به عدوّه، فقاموا فدخلوا عليه فقالوا: أ تدري ما صنعت؟ ما زدت على أن قضيت على صاحبنا و أشمتّ به عدوّه و رغبت عن صنيعه و سنّته، فقال: ويلكم أما تعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صلّى في هذا المكان ركعتين و أبو بكر و عمر و صلّى صاحبكم ستّ سنين كذلك، فتأمروني أن أدع سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و ما صنع أبو بكر و عمر و عثمان قبل أن يحدث؟! فقالوا: لا و اللَّه ما نرضى عنك إلّا بذلك، قال: فأقبلوا فإنّي متّبعكم (مشفعكم) و راجع إلى سنّة صاحبكم، فصلّى العصر أربعاً. فلم يزل الخلفاء و الامراء على ذلك إلى اليوم»(وسائل الشيعة 8: 465، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 9.) . و بهذه الأخبار يجمع بين ما دلّ على تحديد المسافة بالبريدين كالطائفة المشار إليها سابقاً، و بين ما دلّ على تحديدها بالبريد كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 1.) ، و صحيح زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «يقصّر الرجل الصلاة في مسيرة اثنى عشر ميلًا»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 3.) ، و صحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التقصير، فقال: «في أربعة فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 5.) . و يوضح ذلك الحمل ما في صحيح زرارة المتقدّم قال: «و كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتى ذباباً قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 15.) . و المروي في «الكافي» عن محمّد بن أسلم (مسلم) عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر، فلمّا انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم التقصير ... إلى أن قال عليه السلام: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما أقاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و روى الصدوق نحوه في «العلل» و زاد: قال: ثمّ قال: «هل تدري كيف صار هكذا؟» قلت: لا، قال: «لأنّ التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير ...»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) الخبر، و هو ضعيف بمحمّد بن أسلم. و الحاصل: أنّ صحيح زرارة و رواية إسحاق بن عمّار يفسّران الروايات الدالّة على كون المسافة ثمانية فراسخ بأنّها أعمّ من كونها ذهاباً أو إياباً أو ملفّقاً، و يقيّدان ما دلّ على أنّ المسافة أربعة فراسخ بكونها منضمّة إليها أربعة جائياً. و لا يخفى: أنّه اختلف فقهاؤنا في المسافة الملفّقة؛ فقال جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- إنّ الأقوى وجوب التقصير مطلقاً؛ أي سواء كان كلّ من الذهاب و الإياب أربعة فراسخ، أو كان الذهاب زائداً على الأربعة و الإياب ناقصاً عنه، أو بالعكس و لو كان الذهاب فرسخاً و الإياب سبعة فراسخ مثلًا. و قال جماعة اخرى- منهم السيّد الحكيم و السيّد الخوئي- إنّه يعتبر كون كلٍّ من الذهاب و الإياب أربعة فراسخ. و هذا القول هو المختار عندنا. و قال ثالث- منهم المصنّف رحمه الله- باعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ أو أزيد فلا يخلّ كون الإياب أقلّ من أربعة فراسخ في وجوب القصر فيما كان المجموع ثمانية فراسخ. و استدلّ للقول الأوّل أوّلًا: بأنّ المسافة في لسان الروايات محدودة بثمانية فراسخ و لو كانت ملفّقة، و أنّ التعبير عن التلفيق فيها و إن كان بعبارات تدلّ على كون الذهاب بريداً و الإياب أيضاً بريداً و لكنّه باعتبار أنّه مسير يوم؛ فالمعيار هو مسير اليوم مطلقاً و لو كان ملفّقاً مطلقاً؛ أي و لو كان إيابه أكثر من ذهابه. و يمكن استفادة ذلك من موثّقة ابن مسلم المتقدّمة قال عليه السلام: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه»(وسائل الشيعة 8: 459، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 9.) . و من التعليل في صحيحة زرارة المتقدّمة قال: «و كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ... لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 15.) ، حيث إنّ الرجوع و إن كان بريداً كالذهاب لكن التعليل بكون سفره بريدين ثمانية فراسخ يشمل ما كان الذهاب أقلّ، و كذا التعليل في رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة قال: «لأنّ التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و ثانياً: بأنّ التعبير في بعض الروايات بالبريد ذاهباً و البريد جائياً إنّما هو باعتبار الغالب الغير الصالح لتقييد مطلقات التعليلات المذكورة. و الجواب عن الأوّل: أنّ شغل يومه و كذا كون السفر بريدين و إن كان مطلقاً شاملًا لمطلق ثمانية فراسخ و إن كان الذهاب فيه أقلّ من الإياب، لكنّه يجب تقييده بنصوص البريد المقيّدة بالبريد ذاهباً و البريد جائياً؛ فلا وجه لتقديم التعليلات المذكورة على النصوص المقيّد فيها كون كلّ من الذهاب و الإياب بريداً. و استشكل في «المستمسك» على التمسّك بإطلاق التعليلات بأنّه يلزم الاكتفاء بمجرّد شغل اليوم و لو بالتردّد بميل ذاهباً و آيباً أربعاً و عشرين مرّة، و هو ممّا لا يمكن الالتزام به(مستمسك العروة الوثقى 8: 10.) ، انتهى. كذا في رسالة بحر العلوم «مبلغ النظر في حكم قاصد الأربعة من مسائل السفر»، قال: فلا رخصة في التعليل كالميل و الميلين و إن بلغ بكثرة التردّد مبلغ السفر، انتهى. و عن الثاني: أنّ تقييد مطلقات التعليلات بأخبار البريد ذاهباً و البريد جائياً أولى من حملها على الغالب. و استدلّ للقول الثاني بصريح الروايات و تقييدها الملفّق بكون كلّ من الذهاب و الإياب بريداً، و هو الأقوى عندنا. و استدلّ للقول الثالث بظهور أخبار البريد في كفاية كون الذهاب بريداً في وجوب التقصير، و ضمّ الإياب إنّما هو لتتميم الثمانية لا لكونه ملحوظاً بالأصالة كالذهاب. و فيه: أنّ الأخبار الصريحة بكون الذهاب بريداً و الإياب بريداً تدلّ على أنّ المعتبر عدم نقص كلّ من الذهاب و الإياب عن البريد.

ص: 254

ص: 255

ص: 256

ص: 257

ص: 258

ص: 259

ص: 260

ص: 261

ص: 262

ص: 263

ص: 264

سواء اتّصل إيابه بذهابه و لم يقطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء، أو قطعه بذلك؛ لا على وجه تحصل به الإقامة القاطعة للسفر و لا غيرها من القواطع، فيُقصِّر و يُفطر، إلّا أنّ الأحوط- احتياطاً شديداً- في الصورة الأخيرة التمام مع ذلك و قضاء الصوم (1).


1- لا خلاف بين أصحابنا في أنّ القاصد لثمانية فراسخ ذهاباً أو إياباً يقصّر مطلقاً- و إن بات قبل الوصول إلى الثمانية- ما دام لم يتحقّق أحد قواطع السفر. و أمّا في الثمانية الملفّقة ففيها خلاف بينهم؛ قال بحر العلوم في الرسالة: ففي وجوب القصر فيها مطلقاً تعييناً أو تخييراً، أو لمريد الرجوع مطلقاً على التعيين مع تعيين الإتمام لغيره، أو التخيير بينه و بين القصر، أو لمريد الرجوع ليومه على التخيير فيتعيّن الإتمام لغيره، أو التعيين فيتمّ غيره، أو يتخيّر، أو المنع من القصر مطلقاً، خلافٌ. منشؤه اختلاف الأخبار عن الأئمّة الأطهار- صلوات اللَّه عليهم آناء الليل و أطراف النهار- انتهى. و في المسألة أقوال: أحدها: عدم اعتبار كون الذهاب و الإياب في يوم واحد أو في ليلة واحدة أو في الملفّق منهما؛ فلا يعتبر اتّصال إيابه بذهابه في مقدار مسير اليوم و عدم قطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء، بل إذا كان من قصده الذهاب و الإياب و لو بعد تسعة أيّام يجب عليه التقصير. و هذا القول هو المشهور المختار. و في «الجواهر»: فمن كان من قصده السير بريدين أو مقدار بياض يوم قصّر و إن قطع ذلك في أيّام، فالثمانية الملفّقة كالممتدّة في إيجاب القصر. نسب هذا القول إلى العمّاني و الشيخ و القاضي و الفيض الكاشاني و المحدّث البحراني، و هو المشهور بين متأخّري المتأخّرين. و حكي عن العمّاني أنّه قال: «كلّ سفر كان مسافة بريدين- و هو ثمانية فراسخ- أو بريدٌ ذاهباً و بريدٌ جائياً- و هو أربعة فراسخ- في يوم واحد أو ما دون عشرة أيّام، فعلى من سافره عند آل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يصلّي صلاة المسافر ركعتين، بل ظاهره أو صريحه- الضمير يعود إلى العمّاني- دعوى الإجماع على ذلك، و هو الحجّة له بعد إطلاق النصوص التي كاد يكون بعضها صريحاً في عدم اعتبار الرجوع ليومه في التقصير»(جواهر الكلام 14: 213.) ، انتهى بتلخيص و توضيح منّا. و يدلّ على هذا القول إطلاق نصوص التلفيق، و ما دلّ على وجوب التقصير على أهل مكّة عند خروجهم إلى عرفات و منى مع عدم رجوعهم في يومه أو ليلته، حيث إنّ بعضها ظاهر و بعضها الآخر صريح في إرادة الخروج إلى عرفة للحجّ الذي لا يجوز معه الرجوع ليومه. ثانيها: تعيّن التمام لغير مريد الرجوع ليومه، و وجوب القصر لمن يريد الرجوع ليومه. و نسب هذا القول إلى السيّد المرتضى رحمه الله و ابن إدريس و العلّامة و المحقّق. و استدلّ له بموثّق ابن مسلم المتقدّم قال: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه»(وسائل الشيعة 8: 459، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 9.) . و بموثّق سماعة قال: سألته عن المسافر ... إلى أن قال: «و من سافر فقصّر الصلاة و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا مشيّعاً لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد، أو إلى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر و لا يفطر»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 4.) . و في رسالة بحر العلوم حكايةً عن صاحب «الوافي» في بيان معنى الحديث قال: كان المراد يكون القرية مسيرة يوم يكون مجموع ذهابه إليها و عوده منها إلى أهله ثمانية فراسخ، و إنّما لا يقصّر و لا يفطر لأنّه انقطع سفره في أثناء المسافة ببلوغه إلى قريته ... إلى أن قال: و إذا تحقّقت ذلك تبيّن لك دلالة الحديث على اشتراط الرجوع لليوم؛ فإنّه لم يكتف في صيرورة هذا المسير سفراً بمجرّد الرجوع، بل اعتبر فيه البيتوتة إلى الأهل؛ فهي في معنى الرجوع لليوم؛ فيكون شرطاً في التلفيق، و هو المطلوب، انتهى. و بما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خرج من الكوفة إلى النخيلة، فصلّى بالناس الظهر ركعتين ثمّ رجع من يومه(بحار الأنوار 86: 15.) ، حيث إنّ نقل رجوعه عليه السلام من يومه أمارة دخله في وجوب القصر. و الجواب عن موثّق ابن مسلم: أنّه في صدد بيان مقدار المسافة و أنّه بريد ذاهباً و بريد إياباً، فهو بمقدار شغل يومه. فالموثّقة بالنسبة إلى اشتراط الرجوع ليومه ساكتة. و عن موثّق سماعة: أنّ السفر و إن كان ثمانية فراسخ إلى القرية- و لو بالذهاب إليها و الإياب عنها- إلّا أنّ القرية كانت وطنه و كان أهله فيها. و ما روي من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ... إلى آخره مرسل غير منجبر. ثالثها: التخيير بين القصر و الإتمام لمن لم يرد الرجوع من يومه. و استدلّ له بما روي في «الفقه الرضوي» قال فيه: «و إن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار؛ فإن شئت أتممت و إن شئت قصّرت»(مستدرك الوسائل 6: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 2.) . و فيه: أنّه لم يثبت كون الكتاب للرضا عليه السلام، و في المسألة أقوال اخر فليطلب من مظانّها.

ص: 265

ص: 266

ص: 267

(مسألة 1): الفرسخ ثلاثة أميال، و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد،

الذي طوله عرض أربعة و عشرين إصبعاً، و كلّ إصبع عرض سبع شعيرات، و كلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون، فإن نقصت عن ذلك و لو يسيراً بقي على التمام (1).


1- المقدار المذكور في المتن للميل هو المشهور المعروف بين اللغويين و العرف و الفقهاء. و في «المدارك»: أنّه ممّا قطع به الأصحاب. و في «القاموس»: أنّ الميل قدر مدّ البصر، أو منار يبنى للمسافر، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حدّ، أو مائة ألف إصبع إلّا أربعة آلاف إصبع أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثنى عشر ألفاً بذراع المحدّثين؟ انتهى. و في «الشرائع»: و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع و عشرون إصبعاً؛ تعويلًا على المشهور بين الناس أو مدّ البصر من الأرض(جواهر الكلام 14: 198.) و في «الجواهر»: و لعلّهما بناءً على أنّ المراد ما يتميّز به الفارس من الراجل للبصر المتوسّط في الأرض المستوية أو المتوسّطة من مدّ البصر متقاربان؛ و لذا كان ظاهر المتن التخيير في الاعتبار بكلّ منهما(شرائع الإسلام 1: 122.) و في «المهذّب»: للميل تقديران: مشهوري: و هو أربعة آلاف ذراع باليد، و في بعض الروايات ثلاثة آلاف و خمسمائة، و هي متروكة- إلى أن قال- و وضعي: و هو قدر مدّ البصر في الأرض المستوية لمستوي البصر(المهذب البارع 1: 481.)، انتهى. و الرواية المتروكة إشارة إلى ذيل ما رواه في «الفقيه» مرسلًا عن الصادق عليه السلام قال: و قال الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لمّا نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: في كم ذلك؟ فقال: في بريد، فقال: و كم البريد؟ قال: ما بين ظلّ عير إلى في ء وعير، فذرعته بنو اميّة ثمّ جزّءوه على اثنى عشر ميلًا، فكان كلّ ميل ألفاً و خمسمائة ذراع، و هو أربعة فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 16.) . و في «الجواهر»: ينبغي القطع بسهو ما في «الفقيه» من رواية الخبر المزبور: «ألف و خمسمائة ذراع» بدل «ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع» ؛ لمخالفته لما عليه العلماء من الفقهاء و أهل اللغة، بل و لما يشاهد بالوجدان، كما قيل بين الجبلين المسمّيين بعير و وعير(جواهر الكلام 14: 201.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ الاختلاف في مقدار البريد ناشٍ من الاختلاف في مقدار الذراع، و يشهد له ما في «مصباح المنير» لأحمد بن محمّد بن الفيومي قال: الميل- بالكسر- في كلام العرب مقدار مدّ البصر من الأرض، قاله الأزهري. و الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع، و عند المحدّثين أربعة آلاف ذراع. و الخلاف لفظي فإنّهم اتّفقوا على أنّ مقداره ستّ و تسعون ألف إصبع، و الإصبع سبع شعيرات- و في نسخة «المصباح» ستّ- بطن كلّ واحدة إلى ظهر الاخرى، و لكن القدماء يقولون: الذراع اثنتان و ثلاثون إصبعاً، و المحدّثون يقولون: أربع و عشرون إصبعاً؛ فإذا قسّم الميل على رأي القدماء كلّ ذراع اثنين و ثلاثين كان المتحصّل ثلاثة آلاف ذراع، و إن قسّم على رأي المحدّثين أربعاً و عشرين كان المتحصّل أربعة آلاف ذراع، و الفرسخ عند الكلّ ثلاثة أميال(المصباح المنير: 588.)

ص: 268

ص: 269

(مسألة 2): لو كان الذهاب خمسة فراسخ و الإياب ثلاثة وجب القصر، بخلاف العكس

(1)، و لو تردّد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهباً و جائياً مرّات- حتّى بلغ المجموع ثمانية و أكثر- لم يقصّر و إن كان خارجاً عن حدّ الترخّص، فلا بدّ في التلفيق أن يكون المجموعُ من ذهاب واحد و إياب واحد ثمانيةً (2).


1- وجوب القصر في مفروض المسألة مبني على مختار المصنّف رحمه الله. و أمّا على ما اخترناه فالواجب الإتمام، و قد تقدّم تفصيل الكلام في شرح قوله: «أو ملفّقة بشرط عدم كون الذهاب أقلّ من أربعة»، فراجع.
2- هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا. و الظاهر من أخبار التلفيق وحدة الذهاب و الإياب، كما في صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت ، لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ قال: «بريد ذاهباً و بريد جائياً»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 2.) . و صحيح زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «يقصّر الرجل الصلاة في مسيرة اثنى عشر ميلًا»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 3.) . و رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ... ثمّ قال: «هل تدري كيف صار هكذا؟» قلت: لا، قال: «لأنّ التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير، و إن كانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلّا إتمام الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) الخبر؛ فلا يصدق على من قصد فرسخاً واحداً و تردّد أربع مرّات أنّه سافر ثمانية فراسخ.

ص: 270

(مسألة 3): لو كان للبلد طريقان و الأبعد منهما مسافة دون الأقرب،

فإن سلك الأبعد قصّر (1)


1- هذه المسألة ممّا ادّعي عليه الإجماع، و نسب إلى القاضي الخلاف فيها. و استدلّ له بوجوه مردودة: منها: الشكّ في شمول أدلّة وجوب التقصير عند قصد المسافة لهذا المورد. و فيه: أنّ المقصد إذا قطع من الطريق الأبعد يصدق عليه المسافة الشرعية عرفاً. و منها: أنّه إذا أمكن السير و الوصول إلى المقصد من الطريق الأقرب كان السير من الأبعد و قطع الزائد لا لداعٍ من قبيل السفر اللهوي. و فيه: أنّ السفر اللهوي منصرف إلى غير هذا المورد؛ فلا يشمله، بل قد يكون اختيار الأبعد لأغراض عقلائية، كالفرار من الصوم لاحتمال المرض، و تحرّك عضلات البدن لتحصيل الصحّة و السلامة، و غير ذلك.

ص: 271

و إن سلك الأقرب أتمّ (1)، و إن ذهب من الأقرب و كان أقلّ من أربعة فراسخ بقي على التمام؛ و إن رجع من الأبعد و كان المجموع مسافةً (2).

(مسألة 4): مبدأ حساب المسافة سور البلد،

و فيما لا سور له آخر البيوت. هذا في غير البلدان الكبار الخارقة، و أمّا فيها فهو آخر المحلّة إذا كان منفصل المحالّ؛ بحيث تكون المحلّات كالقُرى المتقاربة، و إلّا ففيه إشكال كالمتّصل المحالّ (3)،


1- لعدم كون سفره مسافة شرعية.
2- و كذا يبقى على التمام فيما إذا ذهب من الأبعد و كان أزيد من أربعة فراسخ و رجع من الأقرب و كان أقلّ من أربعة، و إن كان المجموع مسافة على ما اخترناه سابقاً في المسافة الملفّقة، خلافاً للمصنّف رحمه الله، و قد مرّ تفصيل الأقوال في المسافة الملفّقة. فرع: إذا كان مقصده أقلّ من أربعة فراسخ، و لكن كان إيابه من طريق كان مسافة شرعية ثمانية فراسخ، يجب عليه الإتمام في الذهاب و القصر في الإياب.
3- اختلف أصحابنا في مبدأ المسافة و أنّه مبتدئ البيت و المنزل، أو مبدأ السير، أو آخر خطّة البلد المعبّر عنها بالسور. فعن جماعة: أنّه آخر خطّة البلد في البلاد الصغيرة و المتوسّطة، و آخر محلّته في الكبيرة. و لا يخفى: أنّه لم يرد في خبر عنوان ظاهر في مبدأ المسافة، و ما ورد في الأخبار عبارة عن لفظ البريد و البريدين و مسيرة يوم و بياض يوم و ثمانية فراسخ و أربعة و عشرين ميلًا، و هذه الألفاظ بالنسبة إلى بيان مبدأ المسافة مجملة. نعم في بعض الروايات قد علّق التقصير على السير، كما في ذيل صحيحة أبي ولّاد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء، فسرت يومي ذلك، اقصّر الصلاة ثمّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر اصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام، و كيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: «إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير؛ لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك»، قال: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام، من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك؛ لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتّى رجعت؛ فوجب عليك قضاء ما قصّرت. و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) . و ذيل رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما قاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و في رواية «العلل»: «فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير، و إن كانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلّا إتمام الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) الخبر، فمبدأ المسافة هو ابتداء السير؛ و حينئذٍ يحمل سائر الألفاظ الوارد في الروايات على سير اليوم. و في «الكفاية»: أنّه لا يبعد أن يكون مبدأ التقدير مبدأ سيره بقصد السفر(كفاية الأحكام: 33.) و هذا القول اختاره الفاضل النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»، و قال: فهو المعتبر لا غير؛ سيّما فيما إذا كان المسافر من أهل البوادي و الخيام(مستند الشيعة 8: 209.) ، انتهى. و في بعض الروايات ذكر الخروج من المنزل، كما في حسنة أو صحيحة سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهباً و جائياً، و البريد ستّة أميال، و هو فرسخان، و التقصير في أربعة فراسخ؛ فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلًا، و ذلك أربعة فراسخ، ثمّ بلغ فرسخين و نيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر، و إن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام، و إن كان قصّر ثمّ رجع عن نيته أعاد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 4.) . و في «الوسائل»: و تفسير البريد بستّة أميال و بفرسخين شاذّ مخالف للنصوص الكثيرة ... إلى آخر ما ذكره. و مرسلة «المقنع» قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل أتى يتسوّق سوقاً بها و هي من منزله على أربع (سبع) فراسخ، فإن هو أتاها على الدابّة أتاها في بعض يوم، و إن ركب السفن لم يأتها في يوم، قال: «يتمّ الراكب الذي يرجع من يومه صوماً، و يقصّر صاحب السفن»(وسائل الشيعة 8: 467، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 13.) . و مرسلة إبراهيم بن هاشم عن رجل عن صفوان قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلًا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصّر؟ قال: «لا يقصّر و لا يفطر؛ لأنّه خرج من منزله، و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق، فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه. و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك»(وسائل الشيعة 8: 468، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 1.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخرج في حاجة، فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ، و يأتي قرية فينزل بها، ثمّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك، ثمّ ينزل في ذلك الموضع، قال: «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 3.) . و مرسلة عبد اللّه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج من منزله يريد منزلًا له آخر أو ضيعة له اخرى، قال: «إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤمّ بريدان قصّر، و إن كان دون ذلك أتمّ»(وسائل الشيعة 8: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 3.) إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ القاصد للمسافة في البلاد الصغيرة و المتوسّطة لا يصدق عليه المسافر ما دام لم يخرج من البلد؛ فلذا يعتبر أن يكون مبدأ المسافة فيها سور البلد، و فيما لا سور له آخر البيوت، و في البلاد الكبيرة جدّاً- كطهران في إيران- آخر محلّته إذا كان منفصل المحالّ كالقرى المتقاربة. و أمّا إذا كان متّصل المحالّ فإن صدق على الخارج من محلّته إلى محلّة اخرى أنّه مسافر عرفاً كان المبدأ آخر محلّته، و إلّا فسور البلد أو آخر البيوت.

ص: 272

ص: 273

ص: 274

ص: 275

فالأحوط الجمع فيها فيما إذا لم يبلغ المسافة من آخر البلد و كان بمقدارها إذا لوحظ منزله؛ و إن كان القول بأنّ مبدأ الحساب في مثلها من منزله ليس ببعيد (1).


1- و يمكن الاستئناس عليه من مرسلة إبراهيم بن هاشم عن رجل عن صفوان عن الرضا عليه السلام في حديث أنّه سُئل عن رجل خرج من بغداد فبلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ من بغداد، قال: «لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك»(وسائل الشيعة 8: 458، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 8.) . وجه الاستئناس: أنّ السائل و إن كان سأل عن الخروج من بغداد و لا يصدق الخروج منه إلّا بالخروج عن انتهائه، و لكن المعصوم عليه السلام أجاب بالخروج من المنزل. فالأحوط في البلاد الكبيرة الجمع فيما لم يبلغ المسافة من آخر البلد و كان بمقدارها من منزله، و كذا فيما كان بمقدارها من آخر محلّته في متّصل المحالّ. و لا بأس بنقل عبارة بعض الأعاظم في المسألة: قال العلّامة رحمه الله في «التذكرة»: لو كانت قريتان متقاربتان، فأراد أن يسافر من أحدهما على طريقة الاخرى فإن اتّصل البناء اشترط مفارقة الاخرى؛ لأنّهما صارتا كالقرية الواحدة، و إن كان بينهما فصل قصّر قبل مفارقة الاخرى إن خفيت جدران قريته و أذانها، و هو ظاهر مذهب الشافعي(تذكرة الفقهاء 4: 381.) ، انتهى. و قال الشيخ الأنصاري رحمه الله في «كتاب الصلاة» في بيان مبدأ المسافة: مبدؤها من آخر بلده على ما صرّح به غير واحد، و يمكن استفادته من تضاعيف الأخبار. و قيل من منزله، و قيل من حدّ الترخّص. و في موثّقة عمّار: «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» ، و لو كانت له بيت واحد في برية فمبدؤها من بيته، و لو كان في قرية فمن قريته(الصلاة، الشيخ الأنصاري: 388/ السطر 21.) ، انتهى. و لقد أجاد السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» حيث قال: فالأولى أن يقال: إنّ ظاهر الأدلّة اعتبار صدق السفر في تمام المسافة؛ فيكون مبدأ المسافة أوّل حركة يصدق عليها السفر، و لأجل ذلك حصل الاختلاف؛ فإنّ من كان في البيداء يصدق السفر على أوّل خطوة يخطوها، و من كان في القرية أو البلد لا يصدق عليه أنّه مسافر إلّا بالخروج عنهما، و من كان في البلاد الكبيرة جدّاً يصدق عليه المسافر إذا بعد عن أهله و وصل إلى موضع لا يحسب أنّه من أهله، و المسألة محتاج إلى التأمّل(مستمسك العروة الوثقى 8: 26.) ، انتهى.

ص: 276

ص: 277

(مسألة 5): لو كان قاصداً للذهاب إلى بلد، و كان شاكّاً في كونه مسافة أو معتقداً للعدم،

ثمّ بان في أثناء السير كونه مسافة يقصّر و إن لم يكن الباقي مسافة (1).


1- موضوع وجوب القصر هو قصد سفر كان مسافة في الواقع؛ سواءٌ علم به قبل الذهاب أو كان ظانّاً به أو كان شاكّاً فيه ثمّ بان أنّه ثمانية فراسخ، أو كان معتقداً و قاطعاً بأنّه أقلّ من المسافة ثمّ بان في أثناء السير كونه مسافة و إن لم يكن الباقي بعد التبيّن مسافة، ففي هذه الصور كلّها يقصّر؛ لأنّه كان قاصداً لمسافة واقعية، و لا دليل على اشتراط علمه أوّلًا بأنّ مقصوده مسافة و الأصل عدمه. و في «مستند الشيعة»: مع أنّ في مرسلة ابن بكير: «إذا كان بينك و بين ما تؤمّ بريدان تقصّر»(وسائل الشيعة 8: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 3( مع تفاوت يسير).) ، و هو صادق في المورد(مستند الشيعة 8: 212.)، انتهى. و احتمل الشهيد في «الروض» اشتراط سبق العلم بالمسافة، و هذا الاحتمال ضعيف؛ لمخالفته إطلاق أدلّة وجوب القصر في المسافة. و في «المستمسك»: و دعوى أنّ ظاهر أدلّة اعتبار القصد لزوم قصد الثمانية فراسخ الموقوف على العلم بها ممنوعة، بل الظاهر منها قصد السفر في مسافة هي في الواقع ثمانية(مستمسك العروة الوثقى 8: 21.)، انتهى. و هذه الدعوى صدرت من صاحب «الحدائق» رحمه الله حيث إنّه بعد نقل كلام صاحب «المدارك» القائل بوجوب التقصير على من سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثمّ ظهر أنّ المقصد مسافة، قال: فهو عندي محلّ إشكال، و إن كان قد تقدّمه في ذلك الشهيد في «الذكرى»؛ لأنّ من جملة الشروط- كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى- قصد المسافة، و هو السفر الشرعي، و هذا في حال خروجه و الحال هذه لم يحصل له هذا القصد؛ و لهذا إن فرضه التمام و قد صلّى تماماً بناءً على ذلك فهو حاضر غير مسافر، و قصد السفر بعد ظهور كون المقصد مسافة مع نقصان الباقي عن المسافة غير مجدٍ و لا مسوّغ للقصر؛ لعدم المسافة في الباقي، و البناء على ما مضى مع عدم نية قصد المسافة فيه مشكل، كما عرفت. و ما نحن فيه في الحقيقة مثل طالب الآبق و الحاجة الذي سار مسافة أو أقلّ من غير قصد المسافة ثمّ ظهر له أنّ حاجته في مكان يقصر عن المسافة الشرعية؛ فإنّه لا ريب و لا إشكال في أنّه يتمّ في سفره المذكور بعد خروجه و بعد ظهور كون حاجته في محلّ كذا من ما يقصر عن المسافة. و لا يضمّ ما تقدّم إلى هذه المسافة الباقية، و يجب عليه التقصير حينئذٍ، بل الواجب عليه هو التمام(الحدائق الناضرة 11: 308.) ، انتهى. و قياسه رحمه الله ما نحن فيه على طالب الآبق و الحاجة قياس مع الفارق؛ لأنّ المسافر فيما نحن فيه قاصد للمسافة، و طالب الآبق و الحاجة لم يقصد المسافة، كما صرّح به. فرع: لو شكّ في بلوغ المسافة- أيّ شكّ في كون سفره مسافة- و لا شي ء يرجع إليه من بيّنة و نحوها أتمّ؛ لأصالة عدم تحقّق موجب القصر. و لو صلّى قصراً أعاد و لو انكشف بعداً كونه مسافة.

ص: 278

ص: 279

(مسألة 6): تثبت المسافة بالعلم و بالبيّنة

(1)،


1- يجب القصر بالعلم بالمسافة؛ سواء حصل العلم بالاختبار أو بالشياع أو بالقرائن. و قال غير واحد من الأصحاب بثبوتها بالاطمئنان و الوثوق الجاري مجرى اليقين الخالص عن شائبة الاحتمال. و هل يكتفى في ثبوت المسافة بالبيّنة؟ فيه قولان: الأوّل: جواز الاكتفاء بها، و به قال أكثر فقهائنا، و في «الجواهر»: بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، كما لا يخفى على المتتبّع لكلمات الأصحاب في المقام و غيره(جواهر الكلام 14: 204.) و استدلّ عليه بعموم قوله عليه السلام: «إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم»(وسائل الشيعة 19: 82، كتاب الوديعة، الباب 6، الحديث 1.) ، و لعدم اشتراط قبولها بالتداعي عند الحاكم، حيث إنّ العدالة و الفسق و الاجتهاد و الأعلمية و الفقر و الغناء و غيرها من الموضوعات الخارجية تثبت بشهادة العدلين. و هذا القول هو الأقوى عندنا. و القول الآخر: عدم جواز الاكتفاء بالبيّنة في ثبوت المسافة. و لعلّ ذلك لتوهّم اختصاص حجّية البيّنة بالتداعي بين يدي الحاكم. ذهب إليه النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»، و قال: و لا دليل على اعتبار العدل أو العدلين في خصوص المورد أو كلّياً(مستند الشيعة 8: 212.) و فيه: أنّه لا دليل على اختصاص حجّيتها بالتداعي فقط؛ للإجماع على حجّيتها في غيره ممّا ذكرنا و غيره من الموضوعات الخارجية. و توقّف في «الذخيرة» في كفاية البيّنة في ثبوت المسافة، و هو في غير محلّه. بقي الكلام في تعارض البيّنتين: قال جماعة من فقهائنا بتقديم بيّنة الإثبات؛ منهم العلّامة و المحقّق و الشهيد في «الذكرى»، قال في «التذكرة»: لو تعارضت البيّنتان وجب القصر؛ عملًا ببيّنة الإثبات(تذكرة الفقهاء 4: 372.) و استدلّ له بأنّ إقامة البيّنة وظيفة المثبت للمسافة، و لأنّ شهادة النفي غير مسموعة، كتقديم شهادة بيّنة الجرح في الراوي، و لأنّ بيّنة النفي إذا كان مستندها الأصل تسقط عن الاعتبار بسقوط الأصل و بطلانه؛ لأنّ الأصل محكوم على البيّنة، و دليلٌ حيث لا دليل في البين. و لا يخفى: أنّ الاستدلال المزبور مسلّم فيما إذا كان مورد بيّنة النفي، نفي ما أثبتته بيّنة الإثبات فقط؛ بأن تشهد بيّنة الإثبات بأنّ السفر ثمانية فراسخ، و تشهد بيّنة النفي بأنّه ليست ثمانية فراسخ. و أمّا إذا كانت بيّنة النفي متضمّنة للإثبات، كما لو قال أحد البيّنتين: إنّه ثمانية فراسخ، و قال الآخر: لا بل سبعة- مثلًا- و لم يكن ترجيح في البين لإحدى البيّنتين على الاخرى، فقيل بالتخيير بينهما؛ لأنّهما دليلان تعارضا، و قيل بالاحتياط و الجمع بين القصر و الإتمام، و هو حسن. و الأقوى وجوب التمام؛ للأصل، كما في الشاكّ في المسافة، و سيأتي توضيحه.

ص: 280

ص: 281

و لو شهد العدل الواحد فالأحوط الجمع (1)، فلو شكّ في بلوغها أو ظنّ به بقي على التمام (2)،


1- قال الشهيد في «الذكرى»: لا يكفي إخبار الواحد، و يحتمل الاكتفاء به إذا كان عدلًا؛ جعلًا لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة(ذكرى الشيعة 4: 312.) ، انتهى. أقول: قول العدل الواحد في المسألة إن كان خبراً يجب قبوله و يترتّب عليه الأثر، و إن كان شهادة فلا يقبل؛ فلا يترك الاحتياط بالجمع. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قوّى احتمال قبوله. و استدلّ له بإطلاق أدلّة حجّية الخبر الواحد، و قبوله في الأعظم من ذلك، و عدم كون ما نحن فيه من باب الشهادة(جواهر الكلام 14: 205.)
2- أمّا وجوب التمام فيما إذا شكّ في بلوغ المسافة فلأصالة عدم تحقّق الموجب للقصر؛ فيرجع إلى عموم ما دلّ على وجوب التمام على كلّ مكلّف. و الخارج من هذا العموم و الأصل هو المسافر الثابت كون سفره ثمانية فراسخ وجداناً أو تعبّداً الواجد لسائر شرائط وجوب القصر، و غيره مندرج تحت العموم المذكور. و توهّم: أنّ مقتضى الأصل المزبور عدم وجوب القصر، و أمّا وجوب التمام فهو مبني على كون سفره ناقصاً من ثمانية فراسخ، و هذا ممّا لا يمكن إحرازه؛ لأنّه من قبيل تعيين الحادث بالأصل؛ فمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف هو الجمع بين القصر و الإتمام؛ تحصيلًا للبراءة اليقينية عمّا اشتغلت ذمّته عليه يقيناً. فأصالة عدم حدوث ما يوجب القصر لا يجدي في إحراز أنّ المسافة أقلّ من الثمانية كي يترتّب عليه وجوب التمام؛ لكونه من الاصول المثبتة. مدفوع: بأنّ وجوب التمام هو مقتضى عموم الدليل المثبت للتمام على المكلّفين الغير القاصدين سفراً واجداً لشرائط وجوب القصر؛ فمتى شكّ في تحقّق السفر المزبور يبني على عدمه بحكم الأصل. فلا يتوقّف تنجّز التكليف بالتمام على إحراز كون سفره ناقصاً عن المسافة كي يقال: إنّ الأصل بالنسبة إليه مثبت. و الحاصل: أنّ تنجّز التكليف بالتمام ليس مشروطاً بكون سفره ناقصاً من ثمانية فراسخ، بل عدم حدوث السفر الموجب للقصر موافق للأصل و كافٍ في تنجّز التكليف، و معه لا يبقى لعلمه الإجمالي أثرٌ في إيجاب الاحتياط؛ لأنّه مع جريان الأصل المزبور لا يلزم مخالفة قطعية للحكم المعلوم بالإجمال. و توهّم: أنّ إثبات حكم العامّ في السفر المشكوك كونه مسافة- الذي هو من الشبهات الموضوعية- من باب التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقية، مدفوع بأنّه ليس من ذلك الباب، بل من قبيل إحراز موضوع العامّ بالأصل. و أمّا وجوب التمام فيما إذا حصل الظنّ ببلوغ المسافة فلعدم الدليل على حجّية الظنّ، و الأصل حرمة العمل به. و في «مستند الشيعة»: و هل يقوم الظنّ ببلوغ المسافة مقام العلم؟ ظاهر الدليل لا، و لو كان حاصلًا من شهادة العدل بل العدلين؛ لأنّ الأصل حرمة العمل بالظنّ و عدم حجّيته إلّا ما قام عليه دليلٌ(مستند الشيعة 8: 212.) ، انتهى. و احتمل في «الروض» الاكتفاء بالظنّ، و لعلّه لحجّية الظنّ المطلق عند تعذّر العلم و تعسّر قيام البيّنة.

ص: 282

ص: 283

و لا يجب الاختبار المستلزم للحرج. نعم يجب الفحص بسؤال و نحوه عنها على الأحوط (1).


1- لا دليل على وجوب الاختبار و تحصيل العلم بالمسافة، نعم هو أحوط. و على القول بوجوبه يجب لو لم يكن موجباً للعسر. و أمّا وجوب الفحص ففيه وجهان: وجه الوجوب: أنّ وجوب القصر معلّق على كون السفر مسافة في الواقع، و مع الشكّ تجب رعاية تحصيل الواقع إمّا بالجمع بين القصر و الإتمام، و إمّا بالفحص عنها بسؤال و نحوه، و الأوّل منتفٍ إجماعاً؛ فيتعيّن الثاني. و وجه عدم الوجوب- و هو المختار- أنّ الفحص في موارد جريان الاصول إنّما يجب في الشبهات الحكمية دون الشبهات الموضوعية- حتّى الوجوبية منها- كما في المقام. و اختار جماعة من فقهائنا وجوب الفحص- كالمحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»- لكون العلم الإجمالي مانعاً من الرجوع إلى الاصول قبل الفحص، كالشبهات الحكمية(مصباح الفقيه، الصلاة: 725/ السطر 20.) ، انتهى. و ربّما فصّل بعضهم بين تعسّر الفحص و عدمه؛ فأوجب في الثاني دون الأوّل. و وجه عدم الوجوب في صورة التعسّر هو أدلّة نفي العسر. و وجه الوجوب في صورة عدم التعسّر هو تعليق الحكم بالقصر على المسافة النفس الأمرية؛ فيجب الفحص لتحصيل الواقع عند الشكّ. و لا يبعد عدم الوجوب؛ لحكم العرف بتعلّق الخطاب الوجوبي في أمثال المقام من الشبهات الموضوعية الوجوبية على الموضوع الذي يمكن العلم به بسهولة، لا المعلوم الحاصل بالفعل بصعوبة.

ص: 284

و لو شكّ العامّي في مقدار المسافة شرعاً و لم يتمكّن من التقليد، وجب عليه الاحتياط بالجمع (1).

(مسألة 7): لو اعتقد كونه مسافة فقصّر ثمّ ظهر عدمها وجبت الإعادة

(2)، و لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافة، وجبت الإعادة في الوقت على الأقوى، و في خارجه على الأحوط (3).


1- شكّ العامّي في مقدار المسافة تارةً يكون بنحو الشبهة الموضوعية، و اخرى بنحو الشبهة الحكمية و أنّ المسافة أيّ مقدار شرعاً: فعلى الأوّل لا فرق بينه و بين المجتهد في الرجوع إلى أصالة التمام اجتهاداً أو تقليداً، و لا يشترط الفحص. و على الثاني يجب عليه الرجوع إلى المجتهد و تقليده، و على المجتهد الرجوع إلى الأدلّة، هذا إذا تمكّن العامّي من تقليده. و مع عدم تمكّنه يجب عليه الاحتياط عقلًا بالجمع؛ لقاعدة الاشتغال، و ليس وظيفته الرجوع إلى الاصول بعد الفحص عن الدليل؛ لكونه من وظائف المجتهد.
2- لعدم الدليل على كفاية الأمر التخيّلي.
3- أمّا وجوب الإعادة في الوقت فيما لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافة، فلما مرّ من عدم الدليل على كفاية الأمر التخيّلي. و أمّا في خارج الوقت فكذلك، كما أفتى به السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى». و نسب إلى «المدارك» و «الروض» الإجزاء مطلقاً في الوقت و خارجه؛ لقاعدة الإجزاء. و لا يخفى ما فيه من عدم الدليل على الإجزاء بموافقة الأمر الظاهري، فضلًا عن الأمر التخيّلي مع كشف الخلاف.

ص: 285

(مسألة 8): الذهاب في المسافة المستديرة هو السير إلى النقطة المقابلة لمبدإ السير،

فإذا أراد السير مستديراً يقصّر و لو كان شغله قبل البلوغ إلى النقطة المقابلة؛ بشرط كون السير إليها أربعة فراسخ، و الأحوط الجمع إذا كان شغله قبلها (1).


1- لا بأس في توضيح هذه المسألة من نقل كلام صاحب «مفتاح الكرامة» قال: هل يشترط في الفراسخ الثمانية أن تكون ذهابية في غير الأربعة الملفّقة- على القول بأنّها ثمانية- أم لا فيقصّر في رجوعه فيما إذا ذهب فرسخين- مثلًا- و رجع ثمانية؟ و هل يشترط أن تكون امتدادية، أم لا؛ فلو تجاوز محلّ الترخّص ناوياً أن يسافر مستديراً حول بلده لحاجة عرضت له بحيث لا يصل في استدارته إلى محلّ الترخّص قصّر؟ قلت: أمّا الحكم الأوّل فليس له عنوان في كلام الأصحاب، لكنّهم صرّحوا به في مواضع: منها: مسألة البلد ذي الطريقين فإنّهم قالوا: لو رجع قاصد الأقرب بالأبعد قصّر في رجوعه لا غير، صرّح بذلك في «نهاية الإحكام» و «التذكرة» و «الذكرى» و «البيان» و «الموجز الحاوي» و «كشف الالتباس» و «إرشاد الجعفرية» و «المدارك» و «الذخيرة» و «الحدائق». و منها: مسألة الهائم- بمعنى المتحيّر- و طالب الآبق و مستقبل المسافر و العبد مع السيّد و الزوجة مع الزوج و الولد مع الوالد؛ فإنّهم قالوا: كلّ هؤلاء يقصّرون في العود إذا بلغ السفر مسافة، و في «المعتبر» و «التذكرة»: أنّه فتوى العلماء، و في «المنتهى»: عليه عامّة أهل العلم، و نقل جماعةٌ الإجماع عليه، و آخرون نفوا الخلاف فيه؛ فالحكم ممّا لا ريب به. و في «مصابيح الظلام» للُاستاذ- قدّس اللَّه سبحانه سرّه- عبارة توهم خلاف ذلك، قال: أمّا السفر فلا شكّ أنّه لغةً و عرفاً أن يطوي المسافة بعنوان امتداد ذهابي يذهب و يغيب عن الوطن؛ فلا بدّ من قيدين: أحدهما الإبعاد عن الوطن؛ فلو كان المسافر يمشي و يدور في البلد أو يدور حوله لا يكون مسافراً. و الثاني أن يكون الامتداد الذهابي بعنوان طيّ مسافة معتدّ بها؛ فلو كان يبعد عن الوطن قليلًا و يرجع لا يسمّى مسافراً، انتهى. و لكنّه قال في موضع آخر منه- بعد خمس ورقات- إنّه لو نقص من المسافة شي ء قليل لا تتحقّق مسافة القصر، إلّا أن يكون الإياب فقط قدر ثمانية أو ما زاد؛ فيكون الإياب فقط سفر القصر. فكلامه الأوّل ليس على ما يتوهّم منه قطعاً. و أمّا الحكم الثاني: فظاهر كلامه السابق قدس سره في الكتاب المذكور اعتبار الامتداد. و في «كشف الالتباس»: أنّ الشرط كون المقصود ثمانية فراسخ؛ سواء كان الطريق مستقيماً أو مستديراً؛ لأنّ الاستقامة و الاستدارة لا مدخل لهما في تحديد المسافة؛ لإطلاق الفتاوى و الروايات التحديد بالزرع أو مسير اليوم، من دون ذكر استقامة و استدارة؛ فلو اعتبر أحدهما لوجب ذكره، و إلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. ثمّ إنّه بنى على ذلك وجوب التقصير في زيارة مساجد البحرين، ثمّ استنهض قول المصنّف في «النهاية» و «التذكرة»: لو أراد السفر إلى بلد ثمّ إلى آخر بعده قصّر إن بلغ المجموع مسافة. قلت: قد صرّح بذلك الشهيد الثاني في «نفائح الأفكار»، و ظاهره أنّه لا كلام فيه. و في كلام الأصحاب ما هو أصرح ممّا استنهضه مولانا الصيمري؛ و ذلك أنّ الشيخ في «المبسوط» و جميع من تأخّر ممّن تعرّض لمسألة البلد ذي الطريقين قالوا: لو سلك الأبعد قصّر و إن كان ميلًا للرخصة، و نقل جماعة عليه الإجماع و نسبوا المخالفة إلى القاضي حيث قال: إنّه لا يقصّر؛ لأنّه كاللاهي، و نسبوه إلى الشذوذ. و من المعلوم: أنّ ذلك لا يخلو عن الاستدارة؛ و لا سيّما إذا كان الأقلّ نصف فرسخ و الآخر مسافة؛ فإنّه يكون هناك استدارة فاحشة. على أنّه لا قائل بالفصل بين أفراد الاستدارة(مفتاح الكرامة 3: 498/ السطر 5.) ، انتهى موضع الحاجة. و قال السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»: المسافة المستديرة تارةً تفرض مستديرة على البلد، و اخرى في جانب منها بحيث يلاصق البلد نقطة منها؛ فتكون مع البلد شبه الدائرتين المتلاصقتين. أمّا الثانية فلا ينبغي التأمّل في كونها موضوعاً للقصر؛ لإطلاق النصوص و الفتاوى و صدق السفر معها. و يشهد به ما ذكروه في البلد الذي له طريقان. و أمّا الاولى فدعوى انصراف النصوص عنها، بل الفتوى قريبة جدّاً، بل الظاهر عدم صدق السفر ذاهباً و آيباً بريدين في بعض صورها؛ فالبناء على التمام معها عملًا بأصالة التمام في محلّه، و الظاهر أنّها مورد كلام الوحيد رحمه الله فلاحظ(مستمسك العروة الوثقى 8: 23.) ، انتهى.

ص: 286

ص: 287

ص: 288

ثانيها: قصد قطع المسافة من حين الخروج،
اشارة

فلو قصد ما دونها، و بعد الوصول إلى المقصد قصد مقداراً آخر دونها و هكذا، يتمّ في الذهاب و إن كان المجموع مسافة و أكثر (1).


1- و تدلّ على اشتراط قصد قطع المسافة- قبل الإجماع بقسميه- مرسلة إبراهيم بن هشام عن رجل عن صفوان قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلًا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصّر؟ قال: «لا يقصّر و لا يفطر؛ لأنّه خرج من منزله، و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق، فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه. و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك»(وسائل الشيعة 8: 468، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 1.) أقول: لا يقدح إرسال هذه الرواية؛ لانجباره بالإجماع. و موثّقة عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر فيمضي في ذلك، فتمادى به المضيّ حتّى تمضي به ثمانية فراسخ، كيف يصنع في صلاته؟ قال: «يقصّر و لا يتمّ الصلاة حتّى يرجع إلى منزله»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 2.) . و موثّقة اخرى لعمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ، و يأتي قرية فينزل فيها ثمّ يخرج منها، فيسير خمسة فراسخ اخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك، ثمّ ينزل في ذلك الموضع، قال: «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 3.) و في «الجواهر» بعد ذكر هذه الموثّقة قال: إذ الظاهر منه- كما عن الشيخ في «التهذيبين»- إرادة من خرج من بيته من غير نية السفر، فتمادى به المسير إلى أن صار مسافراً من غير نية، و إنّما الاعتبار بقصد المسافة لا بقطعها، و المراد إتمام الصلاة في الذهاب(جواهر الكلام 14: 231.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الموثّق الأوّل لعمّار و إن كان يشعر بالإتمام في الذهاب أيضاً- كالرجوع- و لكن المراد أنّه يقصّر في الرجوع إلى منزله فقط بقرينة رواية صفوان و الموثّق الثاني لعمّار.

ص: 289

ص: 290

نعم لو شرع في العود يقصّر إذا كملت المسافة، و كان من قصده قطعها (1)،


1- كما أنّه يعتبر قصد المسافة في الذهاب كذلك يعتبر في الإياب؛ لإطلاق أدلّة وجوب التقصير في المسافة؛ ففي صحيحة فضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنّه سمعه يقول: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر؛ لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل و الأثقال؛ فوجب التقصير في مسيرة يوم. و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة؛ و ذلك لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم؛ فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما»(وسائل الشيعة 8: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 1.) ، و نحوها غيرها من روايات الباب، فراجع. و يدلّ على وجوب قصد المسافة في خصوص الإياب الموثّق الأوّل لعمّار المتقدّم قال: «يقصّر، و لا يتمّ الصلاة حتّى يرجع إلى منزله» ، و في «الوسائل»: المراد أنّه يقصّر في الرجوع(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 2.) فرع: يجب التقصير على من قصد ما دون المسافة و بعد الوصول إليه قصد مقداراً آخر يكون مع ضمّ العود مسافة؛ فإنّه يقصّر من حين الشروع في سيره الثاني بشرط أن يكون كلّ من الذهاب و الإياب في السير الثاني أربع فراسخ فزائداً مع قصد العود.

ص: 291

و كذا لو لم يكن له مقصد معيّن، و لا يدري أيّ مقدار يقطع، كما لو طلب دابّة شاردة- مثلًا- و لم يدرِ إلى أين مسيره، لا يقصّر في ذهابه و إن قطع المسافة فأكثر (1). نعم يقصّر في العود بالشرط المتقدّم (2). و لو عيّن في الأثناء مقصداً يبلغ المسافة و لو بالتلفيق مع الشرط المتقدّم فيه يقصّر (3). و لو خرج إلى ما دون الأربعة و ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم، و إلّا فلا، أو كان سفره منوطاً بحصول أمر، و لم يطمئنّ بتيسّر الرفقة أو حصول ذلك الأمر، يجب عليه التمام (4).


1- ففي المثال الذي ذكره المصنّف رحمه الله و نحوه- كطلب الغريم و الآبق- يجب الإتمام؛ لعدم قصد المسافة ابتداءً.
2- أي بشرط كون عوده ثمانية فراسخ مع قصدها في الشروع إلى العود.
3- يعني أنّ من لم يكن له مقصد معيّن في ابتداء سيره، و يسير و لا يدري أنّه أيّ مقدار يقطع، ثمّ عيّن في الأثناء مقصداً يبلغ المسافة و لو بالتلفيق، يقصّر مع الشرط المتقدّم فيه؛ و هو كون الذهاب أربعة فراسخ فزائداً، و إن كان إيابه ناقصاً عن الأربعة، و لكن المجموع مسافة، هذا بناءً على ما اختاره المصنّف رحمه الله. و أمّا بناءً على ما اخترناه فيشترط في وجوب القصر كون كلّ من الذهاب و الإياب أربعة.
4- و يدلّ عليه رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر، فلمّا انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلّا به، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم و هم لا يستقيم لهم السفر إلّا بمجيئه إليهم، فأقاموا على ذلك أيّاماً لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، بل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما أقاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.)

ص: 292

(مسألة 9): المدار قصد قطع المسافة

-و إن حصل ذلك منه في أيّام- مع عدم تخلّل أحد قواطع السفر؛ ما لم يخرج بذلك عن صدق اسم السفر عرفاً، كما لو قطع في كلّ يوم مقداراً يسيراً جدّاً للتنزّه و نحوه؛ لا من جهة صعوبة السير، فإنّه يتمّ حينئذٍ، و الأحوط الجمع (1).


1- لا يشترط في قصد قطع المسافة الموجبة للقصر اتّصال السير؛ فيجوز قطعها في أيّام و إن كان ذلك اختياراً لا لضرورة- من عدوّ أو برد أو انتظار رفيق أو نحو ذلك- و هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه من أصحابنا. و تشهد بها مكاتبة عمرو بن سعيد قال: كتب إليه جعفر بن محمّد (أحمد) يسأله عن السفر في كم التقصير؟ فكتب عليه السلام بخطّه و أنا أعرفه: «قد كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا سافر أو خرج في سفر قصّر في فرسخ»، ثمّ أعاد إليه المسألة من قابل، فكتب إليه: «في عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 471، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 2.) . نعم يشترط فيه عدم تخلّل أحد قواطع السفر. و لا يخفى: أنّ من يقطع المسافة في أيّام يقصّر مع صدق اسم المسافر عليه و صدق السفر على سيره عرفاً؛ لظهور النصوص في اعتبار السفر، كما في صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «الرجل يريد السفر (فيخرج) متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت»(وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.) . و صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يريد السفر، في كم يقصّر؟ فقال: «في ثلاثة برد»(وسائل الشيعة 8: 454، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 10.) ، و لا يخفى: أنّ تحديد المسافة بثلاثة برد في هذه الصحيحة محمول على التقية. ففي «التهذيب»: فهذا خبر موافق للعامّة و لسنا نعمل به. و قد صرّح في بعض الروايات بعنوان المسافر، كما في صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام؛ أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ قال: «بريدٌ ذاهباً و بريد جائياً»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 2.) . و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس للمسافر أن يتمّ الصلاة في سفره مسيرة يومين»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 9.) . و ذيل صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: «إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير؛ لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) . و من المحتمل في الروايات أن يكون المراد من السفر هو السفر الموجب للقصر؛ و هو ثمانية فراسخ يريدها المسافر و إن كان في ضمن أيّام عديدة، و هو من أفراد السفر، لكنّه غير متعارف؛ فيشمله إطلاق السفر. فالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام حسنٌ.

ص: 293

ص: 294

(مسألة 10): لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلًاّ، بل يكفي و لو من جهة التبعية

- سواء كان لوجوب الطاعة كالزوجة، أو قهراً كالأسير، أو اختياراً كالخادم (1)-


1- يشترط قصد المسافة للتابع كالمتبوع في وجوب القصر عليه؛ فلا يكفي قصد المتبوع عن قصد التابع. و الوجه في عدم اشتراط الاستقلال في قصد المسافة إطلاق النصوص و الفتاوى. و في «الجواهر»: و ما في «الدروس» و غيرها من أنّه يكفي قصد المتبوع عن قصد التابع يراد منه كفاية ذلك بعد بناء التابع على التبعية و إناطة مقصد بمقصد متبوعه و معرفته به؛ فإنّه حينئذٍ يتحقّق قصده المسافة بذلك، لا أنّه يكفي و إن لم يكن التابع قاصداً له، كما لو عزم على مفارقة متبوعه؛ لعدم الدليل بالخصوص، بل ظاهر الأدلّة خلافه؛ حتّى لو كان التابع ممّن يجب عليه إطاعة المتبوع، كالعبد و الزوجة فإنّهما لو كان من نيتهما الإباق و النشوز قبل بلوغ المسافة لم يترخّصا(جواهر الكلام 14: 237.) ، انتهى. و عن العلّامة رحمه الله في «النهاية»: أنّهما- العبد و الزوجة- متى احتملا العتق و الطلاق قبل بلوغ المسافة و عزما على الرجوع بحصولهما أتمّا، انتهى.

ص: 295

بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافة، و إلّا بقي على التمام (1)، و الأحوط الاستخبار و إن كان الأقوى عدم وجوبه (2). و لا يجب على المتبوع الإخبار و إن فرض وجوب الاستخبار على التابع (3).


1- يشترط في تحقّق قصد المسافة من التابع علمه بقصد المتبوع إيّاها؛ فلو جهل التابع قصد المتبوع أو احتمل عدم قصده إيّاها لم يتحقّق منه قصدها؛ فيكون كمن لم يكن له مقصد معيّن في سفره، و يتمّ و إن قطع مسافات.
2- قال في «العروة الوثقى»: و يجب الاستخبار مع الإمكان. و لعلّ حكمه بالوجوب في المسألة لبنائه على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية. و المختار عندنا عدم وجوب الاستخبار. و استشكل السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك على العروة الوثقى» بما حاصله: أنّ ما نحن فيه ليس من صغريات وجوب الفحص في الشبهات الحكمية و الموضوعية ليبنى فيه على قاعدة وجوب الفحص؛ لأنّ الوجوب هناك إرشادي لا يترتّب على مخالفته عقاب، و إنّما العقاب على مخالفة الواقع؛ و لذا يأمن من العقاب بفعل الواقع المحتمل، كالجمع بين القصر و الإتمام في موارد الاحتياط، و الوجوب هنا نفسي؛ إذ مع عدم الاستخبار يعلم بوجوب التمام و عدم وجوب القصر؛ لعدم تحقّق القصد المعتبر فيه. فلا مجال للاحتياط بالجمع، و إنّما الاحتياط بفعل الاختبار؛ لاحتمال وجوبه تعبّداً، و الأصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 8: 30.) ، انتهى ملخّصاً.
3- و ذلك لأصالة البراءة.

ص: 296

(مسألة 11): لو اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة،

أو شكّ في ذلك و علم في الأثناء أنّه كان قاصداً لها، فإن كان الباقي مسافة يجب عليه القصر، و إلّا فالظاهر وجوب التمام عليه (1).


1- إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شكّ في ذلك، فما دام لم يزل اعتقاده أو شكّه فيه فليتمّ. فإذا زال اعتقاده أو شكّه في الأثناء و علم أنّه كان قاصداً لها، فإن كان الباقي مسافة فلا كلام في وجوب القصر عليه، و إن لم يكن مسافة فالظاهر وجوب التمام عليه؛ لأنّه ما دام لم يزل اعتقاده أو شكّه لم يقصد المسافة، و في زمان العلم بكون المتبوع قاصداً لها لم يكن المقصد مسافة؛ فلا وجه لوجوب القصر عليه. و ليس هو كمن قصد بلداً معيّناً و اعتقد عدم كونه مسافة و بان في الأثناء أنّه مسافة. نعم لو كان المقصد معلوماً عند التابع و شكّ في كونه مسافة أو اعتقد عدمها و بان في الأثناء كونه مسافة، وجب عليه القصر. و في «العروة الوثقى»: الظاهر وجوب القصر عليه و إن لم يكن الباقي مسافة؛ لأنّه إذا قصد ما قصده متبوعه فقد قصد المسافة واقعاً، فهو كما لو قصد بلداً معيّناً و اعتقد عدم بلوغه مسافة فبان في الأثناء أنّه مسافة. و مع ذلك فالأحوط الجمع(العروة الوثقى 2: 118.) و فيه: أنّ من شرائط وجوب القصر قصد المسافة، و التابع في فرض المسألة لم يقصدها، و ليس مقصده مسافة بعد العلم في الأثناء بكون مقصد متبوعه مسافة؛ فالواجب عليه التمام. هنا فروع: الأوّل: إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل تحقّق المسافة في سيره- و لو ملفّقة- بقي على التمام؛ لعدم كون سفره مسافة. و علّله في «المستمسك» بانتفاء القصد المعتبر في القصر. و فيه: أنّ العلم بعدم المسافة كافٍ في البقاء على التمام، و التعليل بما ذكره ينفع فيما كان سفره مسافة و لكن لم يقصدها. و كذلك بقي على التمام لو ظنّ مفارقته و كان ظنّه حجّة. و في صورة «الشكّ» يقصّر، و كذلك يقصّر فيما لو ظنّ عدم المفارقة. الثاني: أنّه إذا علم التابع بتحقّق ما يوجب رفع التبعية في الأثناء قبل الوصول إلى المسافة- كالعتق و الطلاق- و كان عازماً على المفارقة حين تحقّقه فليتمّ، و إذا علم بعدم تحقّقه في الأثناء أو شكّ فيه وجب عليه القصر. الثالث: إذا اكره على السفر و كان مسافة فلا إشكال في وجوب القصر عليه؛ لتحقّق القصد منه إلى السير باختياره، و إن كان الداعي إليه رفع الضرر المتوعّد عليه. و أمّا إذا كان مجبوراً عليه- كمن القي في السفينة أو حُمل على الدابة- بحيث لم يصدر عنه الفعل الاختياري و لم يكن له حركة سيرية أصلًا، ففي وجوب القصر عليه إشكال. و الفاضل النراقي رحمه الله في «المستند» بعد الإشكال في وجوب القصر بأنّه لم يصدر منه عمل حتّى يكون قاصداً، و أنّ كثيراً من أخبار وجوب التقصير لا يشمله؛ لاحتمال إرادة القصد في مثل قوله عليه السلام: «التقصير في بريدين» ، و مثل ذلك لا يقصد و لا يسير، أجاب عن الإشكال بأنّ الظاهر الإجماع على وجوب القصر عليه، ثمّ قال: و يمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى: «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»(البقرة( 2): 185.) فإنّ ذلك كائن في السفر و إن لم يكن مقصوداً له(مستند الشيعة 8: 222.) و لا يخفى ما فيه أوّلًا: أنّ صدق المسافر عليه مشكل. و ثانياً: أنّه على فرض صدق المسافر عليه لا يصدق عليه أنّه قاصد للسفر؛ فبناءً على اشتراط قصد المسافة يشكل الحكم بوجوب القصر عليه. و في حاشية السيّد الشاهرودي رحمه الله على «العروة الوثقى»: الأقوى وجوب القصر عليه؛ لأنّ المدار هو العلم ببلوغ المسافة و لو لم يكن فعلًا مباشرياً و لا مسبّباً توليدياً له(العروة الوثقى 2: 119، الهامش 4.) ، انتهى. و لعلّ وجهه ما رواه في «العلل» عن محمّد بن أسلم (مسلم) نحو ما رواه عن إسحاق بن عمّار، و زاد ... إلى أن قال: «بلى إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأنّهم لم يشكّوا في مسيرهم و أنّ السير يجدّ بهم، فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) ، حيث إنّه يدلّ على أنّ تمام موضوع التقصير هو العلم بكون السفر ثمانية فراسخ. و ضعف هذا الخبر منجبر بكون مضمونه مشهوراً.

ص: 297

ص: 298

ثالثها: استمرار القصد،
اشارة

فلو عدل عنه قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردّد أتمّ (1)،


1- من شرائط وجوب القصر استمرار قصد المسافة؛ بمعنى أن لا يرجع عن قصد المسافة، و لا يتردّد فيه قبل بلوغ المسافة؛ فلو رجع قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردّد لا يقصّر، بلا خلاف فيه كما قيل. و قيل: إنّه إجماعي. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهباً و جائياً، و البريد ستّة أميال، و هو فرسخان، و التقصير في أربعة فراسخ؛ فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلًا و ذلك أربعة فراسخ، ثمّ بلغ فرسخين و نيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر، و إن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام، و إن كان قصّر ثمّ رجع عن نيته أعاد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 4.) ، هذا الصحيح صريح في أنّ من عدل عن قصد ثمانية فراسخ أتمّ. و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما أقاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . هذه الرواية تدلّ على أنّ من تردّد و لم يدر أنّه يمضي في سفره أو ينصرف فليتمّ الصلاة. و ضعف السند منجبر بالشهرة، بل الإجماع المدّعى عن بعض. و صحيح أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام، من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك؛ لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتّى رجعت؛ فوجب عليك قضاء ما قصّرت، و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) . هذه الصحيحة تدلّ على أنّ من خرج بقصد المسافة ثمّ بدا له الرجوع و لم يسر بريداً فعليه أن يتمّ الصلاة حال الرجوع إلى أن يصير إلى المنزل. و ظهورها في اشتراط صحّة التقصير ببلوغ المسافر المسافة التي قصدها بنحو الشرط المتأخّر بحيث لو لم يبلغها لم يصحّ ما صلّاه قصراً و يجب إعادتها أو قضاؤها غير معمول به؛ لكونه مخالفاً للمشهور.

ص: 299

ص: 300

و مضى ما صلّاه قصراً، و لا إعادة عليه في الوقت و لا خارجه (1)، و إن كان العدول أو التردّد بعد بلوغ الأربعة بقي على التقصير؛ و إن لم يرجع ليومه إذا كان عازماً على العود قبل عشرة أيّام (2).


1- و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا، و انصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلّاها ركعتين؟ قال: «تمّت صلاته و لا يعيد»(وسائل الشيعة 8: 521، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 23، الحديث 1.) . نعم صحيح أبي ولّاد يدلّ على وجوب قضاء ما صلّاه قصراً تماماً فيما لم يسر بريداً: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام» ، لكنّه مخالف للمشهور.
2- و يدلّ عليه رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كانوا قد بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و في رواية «العلل» قال عليه السلام: «فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) . و أمّا اشتراط البقاء على التقصير بالعزم على العود قبل عشرة أيّام فلكون العزم على الإقامة عشرة أيّام من قواطع السفر الموجب للقصر، كما سيأتي.

ص: 301

(مسألة 12): يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع و إن عدل عن الشخص،

كما لو قصد السفر إلى مكان خاصّ و كان مسافة، فعدل في أثناء الطريق إلى آخر يبلغ ما مضى مع ما بقي إليه مسافة، فإنّه يقصّر- حينئذٍ- على الأصحّ (1)،


1- لا يشترط في استمرار القصد استمرار ما قصده أوّلًا من المسافة، بل يكفي في استمراره بقاء قصد النوع و إن عدل عن شخص ما قصده أوّلًا؛ فمن قصد في الابتداء مقصداً خاصّاً و شرع في طيّه ثمّ عدل في أثناء الطريق و قصد مقصداً آخر، كان ما مضى مع ما بقي إلى مقصده الثاني مسافةً، يقصّر؛ فيشمله أدلّة اعتبار القصد و أدلّة اعتبار استمرار القصد. و الخارج من تلك الأدلّة عبارة عمّن لم يقصد المسافة أصلًا، و من عدل عن قصد المسافة إلى أقلّ منها. فمن قصد في ابتداء سيره المسافة ثمّ عدل عن مقصده الخاصّ إلى مقصد آخر و قطع بريدين يشمله أدلّة وجوب القصر، و يكون كمن قصد ابتداءً المسافة الامتدادية ذهاباً و إذا بلغ أربعة فراسخ بدا له الرجوع؛ فإنّه يقصّر حتّى يرجع إلى منزله. و ممّا ذكرناه يظهر ضعف ما احتمله الشهيد رحمه الله في «الروض» من عدم الترخّص؛ لأجل أنّ أدلّة اعتبار القصد ظاهرة في كون جميع ما يقطعه من المسافة بقصد واحد، و لأنّ ما قصده أوّلًا رجع عنه في الأثناء، و ما قصده ثانياً لم يكن مسافة؛ فما قصد لم يقع و ما وقع لم يكن مسافة.

ص: 302

كما أنّه يقصّر لو كان من أوّل الأمر قاصداً للنوع دون الشخص؛ بأن يشرع في السفر قاصداً للذهاب إلى أحد الأمكنة التي كلّها مسافة، و لم يعيّن أحدها، بل أوكل التعيين إلى وقت الوصول إلى الحدّ المشترك بينها (1).


1- لا فرق في قصد المسافة بين أن يكون مقصده مسافة خاصّة، أو أحد الأمكنة التي كلّها مسافة من غير تعيين أحدها ابتداءً. و على أيّ حال فلا بدّ من قصد المسافة ابتداءً حتماً كي لا يكون ممّن لا يدري أيّ مقدار يقطع؛ فيشمله إطلاق أدلّة وجوب القصر. و في «المستمسك»: و دعوى انصراف ما دلّ على الترخّص بمجرّد الخروج من المنزل مريداً للسفر ثمانية فراسخ إلى المسافة الشخصية، ساقطة جدّاً؛ لأنّ المراد من المسافة خطّ السير، و تعيينه متعذّرٌ غالباً. نعم، لا بأس بدعوى الانصراف إلى صورة تعيين المقصد، إلّا أنّه بدوي لا يعوّل عليه في رفع اليد عن الإطلاق(مستمسك العروة الوثقى 8: 38.) ، انتهى.

ص: 303

(مسألة 13): لو تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ، ثمّ عاد إلى الجزم،
اشارة

فإن لم يقطع شيئاً من الطريق حال التردّد، بقي على القصر و إن لم يكن ما بقي مسافة و لو ملفّقة. و إن قطع شيئاً منه حاله فإن كان ما بقي مسافة بقي على القصر أيضاً، و إن لم يكن مسافة فلا إشكال في وجوب التمام؛ إذا لم يكن ما بقي بضمّ ما قطع- قبل حصول التردّد- مسافة. و أمّا إذا كان المجموع بإسقاط ما تخلّل في البين مسافة فالأحوط الجمع؛ و إن لا يبعد العود إلى القصر، خصوصاً إذا كان القطع يسيراً (1).

هنا مسائل خمس:
الاولى: لو تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ و لم يقطع شيئاً من الطريق حال التردّد،
الثانية: عين ما ذكر في الاولى، و لكن لم يكن الباقي مسافة،

1- ثمّ عاد إلى الجزم، و كان ما بقي من الطريق مسافة- و لو ملفّقة- فليتمّ حال التردّد و لو كان إياباً و يقصّر فيما بقي؛ لكونه مسافة مقصودة. ففيها خلاف؛ فعن جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و جماعة من محشّي «العروة الوثقى»، تبعاً لصاحب «الجواهر» و غيره ممّن تقدّم عليه- وجوب القصر. قال في «الجواهر»: و اكتفي ببلوغ ما قطعه و ما بقي مسافة لتناول الأدلّة حينئذٍ له(جواهر الكلام 14: 236.) ، انتهى؛ يعني أنّ أدلّة وجوب القصر يشمله؛ لأنّه ممّن خرج من منزله بقصد المسافة، و الخارج عنه حال وجود التردّد و بعد زواله بالعود إلى الجزم يتعيّن الرجوع إلى أدلّة الترخّص. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: لكنّه مشكل؛ فلا يترك الاحتياط بالجمع؛ يعني أنّ لكلّ من البقاء على القصر و الإتمام وجهاً: أمّا وجه البقاء على القصر فعموم الأدلّة الدالّة على الترخّص، و شمولها لمن توسّط حال التردّد بين حالتي الجزم و القصد إلى السفر ثمانية فراسخ. و أمّا وجه الإتمام فهو استصحاب حكم الخاصّ، حيث إنّ حال التردّد في أقلّ من أربعة فراسخ خارج من العموم المزبور؛ فوجب التمام في تلك الحال؛ فيستصحب هذا الحكم في الزمان الثاني بعد زوال حال التردّد. و لا يخفى: أنّه لا مجال لاستصحاب حال التردّد؛ لأنّ الظاهر من أدلّة التقصير و الإتمام ثبوت الحكم في كلّ زمان بالنسبة إلى نفسه؛ فمن كان في زمان قاصداً للمسافة فليقصّر؛ فيشمل من كان فيما بعد زوال التردّد جازماً كما قبل حال التردّد. و في رواية إسحاق بن عمّار دلالة على ذلك، قال عليه السلام: «و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة أقاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) و كان ما بقي منه مسافة، فلا إشكال في وجوب التمام حال التردّد و التقصير فيما بقي. قبل التردّد مع ما بقي منه بعد التردّد مسافة، فلا إشكال أيضاً في وجوب التمام. و لكن كان ما قطع قبل التردّد مع ما بقي بعد العود إلى الجزم مسافة، فالأحوط الجمع بين القصر و الإتمام، و إن لا يبعد العود إلى القصر؛ خصوصاً إذا كان القطع حال التردّد يسيراً. و الفرق بين صورة قطع شي ء من الطريق حال التردّد مع عدم كون الباقي مسافة و لكن كان ما قطع قبل التردّد مع ما بقي بعد العود إلى الجزم مسافة، و بين صورة عدم قطعه، بالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام في الصورة الاولى و وجوب التقصير في الصورة الثانية، هو أنّ قطع شي ء من الطريق حال التردّد يوجب قطع اتّصال المسافة، و الظاهر من الأدلّة كون المسافة ثمانية متّصلة، بخلاف صورة عدم قطعه فإنّ اتّصال المسافة محفوظ، هذا. و وجه عدم البعد في العود إلى القصر إطلاق أدلّة وجوب التقصير للمسافر القاصد للمسافة، و الإطلاق المذكور مؤيّدٌ برواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة قال عليه السلام: «فإذا مضوا فليقصّروا» . و صاحب «الجواهر» رحمه الله قوّى وجوب القصر، و قال: و يحتمل- و لعلّه الأقوى- الاكتفاء ببلوغ ما قطعه حال الجزم و ما بقي مسافة، و إسقاط ما تخلّل بينهما ممّا قطعه حال التردّد(جواهر الكلام 14: 237.) ، انتهى.

ص: 304

الثالثة: لو تردّد في الأثناء و قطع شيئاً من الطريق حال التردّد
الرابعة: لو تردّد في الأثناء و قطع شيئاً من الطريق حال التردّد و لم يكن ما قطع من الطريق
الخامسة: لو تردّد في الأثناء و قطع شيئاً من الطريق حال التردّد و لم يكن الباقي مسافة

ص: 305

رابعها: أن لا ينوي قطع السفر؛
اشارة

بإقامة عشرة أيّام فصاعداً في أثناء المسافة، أو بالمرور على وطنه كذلك، كما لو عزم على قطع أربعة فراسخ قاصداً للإقامة في أثنائها أو على رأسها، أو كان له وطن كذلك و قد قصد المرور عليه؛ فإنّه يُتمّ حينئذٍ (1)،


1- شرط وجوب التقصير عدم قصد قطع المسافة بنية الإقامة عشراً في أثناء المسافة، أو بالمرور على وطنه كذلك؛ فلو قصد ذلك من أوّل الأمر أو بدا له ذلك في الأثناء أتمّ في موضع الإقامة و قبله، و كذا بعده إذا لم يبلغ المسافة. و في «مصباح الفقيه»: و هذا الشرط قد يراعى في أصل مشروعية التقصير، و قد يلاحظ بالنسبة إلى استمراره على القصر. و كان المراد بذكره هاهنا هو الأوّل، بشهادة السياق، فالمراد به- حينئذٍ- هو أن لا ينوي القطع بإقامته في أثناء المسافة المعتبرة في التقصير ... إلى أن قال رحمه الله: و في عدّ الإقامة قاطعة للسفر إيماءٌ إلى أنّ عوده إلى التقصير بعد الإقامة يحتاج إلى استئناف مسافة جديدة، و أنّه لا يضمّ ما قبلها إلى ما بعدها، و لا ما بعدها إلى ما قبلها؛ فلو عزم على مسافة و في طريقه ملك له قد استوطنه فيما مضى من الزمان ستّة أشهر فصاعداً- بناءً على تحقّق الوطنية به، كما هو المشهور- أتمّ في طريقه و في ملكه، و كذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة فإنّه يتمّ في طريقه و في محلّ الإقامة(مصباح الفقيه، الصلاة: 734/ السطر 28.) ، انتهى. و الدليل على اشتراط وجوب القصر في سفر المسافة بعدم قصد إقامة عشرة أيّام في أثناء المسافة أو المرور على وطنه كذلك- مضافاً إلى الإجماع المستفيض، و أصالة التمام- هو الأخبار المستفيضة، بل المتواترة. أمّا الأخبار الدالّة على وجوب الإتمام على من يقصد إقامة عشرة أيّام فصاعداً: فمنها؛ صحيح علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في المكان، عليه صوم؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة»، قال: و سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر، يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) . و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 4.) . و صحيح أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 5.) . و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أتى ضيعته ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 6.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ و متى ينبغي أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) . و صحيح أبي أيّوب قال: سأل محمّد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام- و أنا أسمع- عن المسافر «إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة»، فقال له محمّد بن مسلم: بلغني أنّك قلت خمساً، فقال: «قد قلتُ ذلك»، قال أبو أيّوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقلّ من خمسة أيّام، قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) . لا يخفى: أنّ حكم الخمسة في ذيل الحديث محمول على التقية؛ لموافقته لكثير من العامّة. و صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غداً فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 13.) . و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض، فقال: «إن حدثت نفسه أن يقيم عشراً فليتمّ، و إن قال: اليوم أخرج أو غداً أخرج و لا يدري فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن مضى شهر فليتمّ، و لا يتمّ في أقلّ من عشرة إلّا بمكّة و المدينة، و إن أقام بمكّة و المدينة خمساً فليتمّ»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 16.) ، و لا يخفى أنّ الأمر بالإتمام في مكّة و المدينة بإقامة خمسة للاستحباب. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ و لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا تمّ الشهر فأتمّ الصلاة»، قال: قلت: إن دخلتُ بلداً أوّل يوم من شهر رمضان و لستُ اريد أن اقيم عشراً؟ قال: «قصّر و أفطر»، قلت: فإن مكثتُ كذلك أقول: غداً أو بعد غدٍ فأفطر الشهر كلّه و اقصّر؟ قال: «نعم (هما) واحد إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا الأخبار الدالّة على وجوب الإتمام لمن يمرّ على وطنه: فمنها: موثّق عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة له بها دار و منزل فيمرّ بالكوفة، و إنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين، قال: «يقيم في جانب المصر و يقصّر»، قلت: فإن دخل أهله؟ قال: «عليه التمام»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 2.) . و موثّق عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) . و صحيح سعد بن خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) ، و غيرها من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ الأخبار المذكورة تدلّ على وجوب التمام في خصوص محلّ الإقامة عشراً و وطنه الممرور به، و أمّا قبلهما و بعدهما فلا؛ و لذا استشكل في «مستند الشيعة» فيهما؛ ثمّ قال: و لذا استدلّ لهما بعضهم بالإجماعات المنقولة، و بأنّ ما دلّ على القصر في المسافة يدلّ عليه إذا كانت المسافة سفراً واحداً، و هي هنا تُسار في سفرين، و باستصحاب وجوب التمام الثابت في البلد الأوّل- أي قبل أحد الموضعين- و في أحد الموضعين في الثاني- أي بعد أحد الموضعين- مدّعياً أنّه ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها؛ لاختصاصه بحكم التبادر بغيرها. ثمّ ضعّف الاستدلال المزبور بعدم حجّية الإجماع المنقول، و منع تعدّد السفر عرفاً؛ فإنّه لا وجه لكون المسافة المتخلّلة في أثنائها إقامة تسعة أيّام و نصف سفراً واحداً، و إقامة عشرة أيّام سفرين عرفاً. و كذا لا يفرّق العرف بين ما إذا مرّ بمنزله الذي يوطّنه- سيّما إذا مرّ راكباً؛ سيّما عن حواليه- و بين ما إذا لم يمرّ، و عدم إمكان منع شمول أكثر أخبار التقصير لمثل ذلك ... إلى أن حكي عن «الذخيرة»: أنّ هذا الحكم لم يعرف فيه خلاف، لكن إقامة حجّة واضحة عليه لا يخلو عن إشكال، و قال: و هو كذلك. ثمّ استدلّ للإتمام في بقية المسافة التي هي بعد المنزل بعموم التعليل في قوله: «لأنّه خرج من منزله لا يريد السفر ثمانية فراسخ» في رواية صفوان قال عليه السلام: «لا يقصّر و لا يفطر؛ لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 468، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 1.) . و للإتمام فيما قبل محلّ الإقامة عشرة أيّام بعموم نحو صحيح الخزّاز: «إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) ، خرج عنه ما خرج، فيبقى الباقي؛ و منه المورد. و استدلّ رحمه الله للإتمام فيما قبل المنزل الممرور به و فيما بعد محلّ الإقامة عشرة أيّام، بالإجماع المركّب(مستند الشيعة 8: 224.) ، انتهى كلامه ملخّصاً و توضيحاً منّا، نقلناه بطوله لعدم خلوّه عن الفائدة. و الإنصاف: أنّ المسألة و وجوب التمام قبل محلّ إقامة عشرة أيّام و وطنه الممرور به في أثناء المسافة و ما بعدهما إجماعية. إذا عرفت هذا فليعلم: أنّ للعامّة خلافاً في مقدار الإقامة القاطعة للسفر: قال الشافعي: إذا نوى مقام أربعة أيّام غير يوم دخوله و يوم خروجه وجب عليه الإتمام؛ لأنّ يوم الدخول في الحطّ و يوم الخروج في الترحال، و هما من أشغال السفر، و ثلاثة أيّام حدّ القلّة يقصّر فيها. و استدلّ له بقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً» ، فدلّ عنده على أنّ الثلاث في حكم السفر، و ما زاد في حكم الإقامة. و قال أبو حنيفة: إن نوى مقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يدخل فيه و اليوم الذي يخرج فيه بطل حكم سفره. و استدلّ له بأنّ ابن عبّاس و ابن عمر قالا: إذا قدمت بلدة و أنت مسافر و في نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة، و لم يعرف لهما مخالف. و حكي عن ابن عبّاس أنّه إن نوى مقام تسعة عشر يوماً وجب الإتمام، و إن كان أقلّ لم يجب. و روى البخاري عن ابن عبّاس أنّه أقام بموضع تسع عشرة أيّام يقصّر الصلاة، و قال: نحن إذا أقمنا تسع عشرة ليلة قصّرنا الصلاة، و إن زدنا على ذلك أتممنا. و عن أحمد: إن نوى مقام مدّة يفعل فيها أكثر من عشرين صلاة أتمّ. و حكي عن أنس بن مالك أنّه بنيسابور سنتين فكان يقصّر فيهما. و عن عائشة إذا وضعت الزاد و المزود فأتمّ ... إلى غير ذلك من الأقوال السخيفة الواهية.

ص: 306

ص: 307

ص: 308

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

و كذا لو كان متردّداً في نية الإقامة، أو المرور على المنزل المزبور؛ على وجه يُنافي قصد قطع المسافة (1)، و منه ما إذا احتمل عروض عارض منافٍ لإدامة السير، أو عروض مقتضٍ لنية الإقامة في الأثناء، أو المرور على الوطن؛ بشرط أن يكون ذلك ممّا يعتني به العقلاء. و أمّا مع احتمال غير معتنى به- كاحتمال حدوث مرض أو غيره؛ ممّا يكون مخالفاً للأصل العقلائي- فإنّه يقصّر (2).

(مسألة 14): لو كان حين الشروع قاصداً للإقامة، أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية،

أو كان متردّداً ثمّ عدل و بنى على عدم الأمرين، فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة- و لو ملفّقة- قصّر، و إلّا فلا (3).


1- و ذلك لأنّه مع التردّد في نية الإقامة أو المرور على المنزل المزبور لا يتمشّى قصد قطع المسافة؛ فينتفي- حينئذٍ- شرط وجوب القصر.
2- يعني أنّه من قبيل المتردّد في قطع المسافة؛ فمن يحتمل باحتمال عقلائي عروض عارض منافٍ لإدامة السير و قطع تمام المسافة أو عروض مقتضٍ لنية الإقامة في الأثناء أو المرور على الوطن كذلك، فهو من قبيل المتردّد و يتمّ. و أمّا إذا احتمل عروض عارض و كان الاحتمال ممّا لا يعتني به العقلاء فهو لا ينافي قصد المسافة؛ فيقصّر حينئذٍ.
3- فرض المسألة أن يكون عدوله عن قصد الإقامة أو المرور على الوطن و بناؤه على عدم الأمرين بعد الشروع في السفر و قطع مقدار من المسافة، و إلّا فلا معنى لفرض ما بقي بعد العدول مسافة، كما هو واضح.

ص: 313

(مسألة 15): لو لم يكن من نيّته الإقامة، و قطع مقداراً من المسافة، ثمّ بدا له قبل بلوغ الثمانية،

ثمّ عدل عمّا بدا له و عزم على عدم الإقامة، فإن كان ما بقي بعد العدول عمّا بدا له مسافةً قصّر بلا إشكال (1). و كذا إن لم يكن كذلك، و لم يقطع بين العزمين شيئاً من المسافة، و كان المجموع مسافة (2). و أمّا لو قطع شيئاً بينهما، فهل يضمّ ما مضى قبل العدول إلى ما بقي- بإسقاط ما تخلّل في البين- إذا كان المجموع مسافة، أم لا؟ فالأحوط الجمع و إن لا يبعد العود إلى التقصير، خصوصاً إذا كان القطع يسيراً، كما مرّ نظيره (3).


1- لو قصد المسافة و لم يكن من نيته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن و قطع مقداراً من المسافة ثمّ بدا له و نوى الإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية، فقد قطع السفر؛ فلو صلّى حينئذٍ أتمّ. ثمّ لو عدل عن نية الإقامة أو المرور على الوطن يكون كمن لم ينوهما ابتداءً؛ فإن كان ما بقي من الطريق مسافة قصّر بلا إشكال، و إلّا أتمّ.
2- فرض المسألة أن يقصد المسافة ابتداءً و قطع مقداراً منها، ثمّ توقّف عن قطع الطريق و قصد في حال التوقّف الإقامة أو المرور على الوطن في الأثناء، ثمّ عدل عن قصده هذا و قصد عدمهما في تلك الحال، و حينئذٍ فإن كان مجموع ما قطعه قبل القصدين و ما بقي بعدهما مسافةً قصّر بلا إشكال، و كان كالمتردّد في أثناء المسافة و لم يقطع شيئاً من الطريق حال التردّد ثمّ عاد إلى الجزم، فإنّه يقصّر.
3- قد مرّ في شرح ذيل المسألة الثالثة عشرة- المربوطة بمن تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ- أنّه إذا كان مجموع ما قطع و ما بقي مسافة مع إسقاط ما تخلّل في البين فالأحوط الجمع بين القصر و الإتمام. و اختار صاحب «الجواهر» رحمه الله فيها وجوب القصر. و مسألتنا هذه متّحدة مع تلك المسألة مناطاً، و المختار هو الاحتياط فيهما.

ص: 314

خامسها: أن يكون السفر سائغاً،
اشارة

فلو كان معصية لم يقصّر؛ سواء كان بنفسه معصية كالفرار من الزحف و نحوه، أو غايته كالسفر لقطع الطريق و نيل المظالم من السلطان و نحو ذلك (1).


1- اشتراط إباحة السفر في الترخيص و وجوب القصر إجماعي، قال في «التذكرة»: يشترط في جواز القصر إباحة السفر بإجماع علمائنا(تذكرة الفقهاء 4: 395.) سواء كان السفر واجباً كسفر حجّة الإسلام، أو مندوباً كسفر زيارة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام، أو مباحاً كسفر التجارة، أو مكروهاً كالسفر في بعض الأيّام و للتجارة المكروهة. فلو كان السفر معصية لم يقصّر؛ سواء كان السفر بنفسه معصية، أو كان غايته أمراً محرّماً: أمّا الأوّل فكالفرار عن الزحف، و إباق العبد، و سفر الزوجة بدون إذن الزوج في غير الواجب، و سفر الولد مع نهي الوالدين كذلك، و السفر المضرّ ببدنه، و السفر المنذور تركه مع رجحان تركه. و أمّا الثاني فكالسفر لقتل النفس المحترمة بغير حقّ أو للسرقة و الزنا، أو إعانة الظالم، أو نيل المظالم من السلطان و نحوها. و يدلّ على الأوّل مفهوم مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حقّ»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 1.) . و موثّق سماعة قال: سألته عن المسافر ... إلى أن قال: «و من سافر فقصّر الصلاة و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا مشيّعاً لسلطان الجائر أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر و لا يفطر»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 4.) ، حيث إنّ تشييع السلطان الجائر حرامٌ في نفسه. و رواية أبي سعيد الخراساني قال: دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لأحدهما: «وجب عليك التقصير؛ لأنّك قصدتني»، و قال للآخر: «وجب عليك التمام؛ لأنّك قصدت السلطان»(وسائل الشيعة 8: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 6.) ، و الرواية في غاية الضعف سنداً بأحمد بن هلال العَبَرْتائي. و يدلّ على الثاني صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللَّه عزّ و جلّ: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»(البقرة( 2): 173.) *، قال: «الباغي: الصيد، و العادي: السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي عليهما حرام، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 2.) . و صحيح عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا سفره إلى صيد أو في معصية اللَّه أو رسول لمن يعصي اللَّه أو في طلب عدوّ أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 3.) . و رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة ...» إلى أن قال: «و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدُّنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 5.) . و موثّق سماعة المتقدّمة: قال عليه السلام: «أو خرج إلى الصيد» . و موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة و البزاة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاثة، هل يقصّر من صلاته أم لا يقصّر؟ قال: «إنّما خرج في لهو، لا يقصّر»(وسائل الشيعة 8: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 1.) . و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الصيد، أ يقصّر أو يتمّ؟ قال: «يتمّ؛ لأنّه ليس بمسير حقّ»(وسائل الشيعة 8: 479، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 4.) ، و غيرها من روايات الباب. و في «الجواهر»: و بالجملة فالمراد تحريم السفر لغايته، كالسفر لقطع الطريق أو لنيل المظالم من السلطان و نحو ذلك ممّا هو مصرّح به في النصوص، بل لا تعرّض فيها- على الظاهر- لغيره، فالمناقشة حينئذٍ في ذلك بأنّ مقدّمة المحرّم غير محرّمة؛ فلا يعدّ السفر الذي غايته المعصية حينئذٍ محرّماً ضعيفة جدّاً، بل هي اجتهاد في مقابل النصّ، بل النصوص(جواهر الكلام 14: 258.) ، انتهى.

ص: 315

ص: 316

ص: 317

نعم ليس منه ما وقع المحرّم في أثنائه- مثل الغيبة و نحوها- ممّا ليس غاية لسفره، فيبقى على القصر (1)، بل ليس منه ما لو ركب دابّة مغصوبة على الأقوى (2).


1- ضرورة عدم تأدية مثل الغيبة و نحوها إلى حرمة السفر نفسه؛ لأنّ المدار على إطلاق كون السفر سفر معصية أو لغاية محرّمة، لا على مطلق حصول المعصية حال السفر.
2- و ذلك لأنّ التصرّف في الدابّة المغصوبة بالركوب عليها من مقدّمات قطع المسافة و تباعد راكبها من أهله و وطنه الذي هو مفهوم السفر؛ فحرمة التصرّف فيها غير مؤثّرة في حرمة سفره. و كذلك لو استصحب مال الغير أو لبس ثوباً مغصوباً أو جعل لدابّته نعلًا مغصوباً و سافر بها، فإنّ شيئاً من المذكورات لا يؤثّر في اتّصاف السفر من حيث هو بكونه سفر معصية؛ أو غايته معصية. نعم لو سافر و قطع المسافة في أرض مغصوبة كان نفس السفر حراماً في نفسه و يتمّ. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» في المسألة الثامنة و العشرين: إنّ الأقوى القصر فيما ركب دابّة غصبية أو كان المشي في أرض مغصوبة(العروة الوثقى 2: 123.) و وافقه المحشّون. و علّله في «المستمسك» بأنّ النصوص الدالّة على الإتمام مختصّة بما لو كان السفر بما أنّه طيّ للمسافة حراماً؛ فلا تشمل صورة ما لو كان التحريم بلحاظ كونه تصرّفاً في مال الغير(مستمسك العروة الوثقى 8: 49.) و فيه: أنّ تعليله مسلّم في الركوب على الدابّة الغصبية و لبس الثوب المغصوب حال طيّ الطريق و نحوهما، و أمّا المشي في أرض مغصوبة فهو قطع للمسافة و حرام في نفسه. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد اختيار أنّ المدار على كون السفر سفر معصية لا على مطلق حصول المعصية حال السفر، و أنّ شرب الخمر و فعل الزنا و نحوهما حال السفر لا تقدح في الترخّص؛ ضرورة عدم تأديته إلى حرمة السفر نفسه- قال: أمّا لو فرض كونه كذلك- أي مؤدّياً إلى حرمة السفر نفسه- كركوب دابّة مغصوبة، بل مطلق التصرّف بمغصوب بنفس السفر- حتّى نعل الدابّة أو رحلها- و بالجملة: ما يؤدّي إلى حرمة نفس قطع المسافة قدح فيه، لا ما لم يؤدّ إلى ذلك و إن كان هو محرّماً في نفسه(جواهر الكلام 14: 260.) ، انتهى. و يرد عليه ما عرفت من أنّ حرمة المذكورات لا يوجب اتّصاف السفر من حيث هو بكونه سفر معصية.

ص: 318

و كذا ما كان ضدّاً لواجب و قد تركه و سافر، كما إذا كان مديوناً و سافر؛ مع مطالبة الدُّيّان و إمكان الأداء في الحضر دون السفر (1).


1- أي يجب التقصير فيما إذا كان السفر مستلزماً لترك واجب حتّى عند من يقول باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ؛ لأنّ الحرمة نشأت من مزاحمة السفر للواجب لا من حيث كونه سفراً، و النصوص الدالّة على وجوب التمام في السفر الحرام منصرف إلى غير هذا الفرض. و في «مصباح الفقيه»: و لذا- أي للانصراف المزبور- لا نجد من أنفسنا الجزم بالتزام جميع القائلين بالضدّ بوجوب الإتمام في الأسفار المباحة التي يترتّب عليها الإخلال بواجب، كأداء دين أو نفقة واجبة عليه أو قراءة واجبة، إلى غير ذلك من الواجبات التي قلّما يتخلّف شي ء من الأسفار عن لزوم الإخلال بشي ء منها ... إلى أن قال رحمه الله: فالأقوى خروج هذا القسم عن مورد الحكم بالإتمام، و لو على القول بمقدّمية ترك الضدّ لفعل ضدّه. نعم لو قصد بسفره الفرار من ذلك التكليف اندرج في موضوع هذا الحكم، حيث إنّ الفرار من التكليف بذاته أمر قبيح لدى العقل و العقلاء(مصباح الفقيه، الصلاة: 741/ السطر 27.) ، انتهى.

ص: 319

نعم لا يترك الاحتياط بالجمع فيما إذا كان السفر لأجل التوصّل إلى ترك واجب؛ و إن كان تعيّن الإتمام فيه لا يخلو من قوّة (1).


1- و لقد أفتى السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بوجوب الإتمام فيما إذا كان السفر و قطع المسافة لأجل التوصّل إلى ترك الواجب، و قالوا بالاحتياط الاستحبابي في الجمع بين القصر و الإتمام(العروة الوثقى 2: 122.) أقول: و لمّا كان ترك الواجب حراماً و قصد من السفر و قطع المسافة التوصّل إلى الحرام، كان غاية السفر محرّمة؛ فحينئذٍ يتمّ.

ص: 320

(مسألة 16): التابع للجائر يقصّر إن كان مجبوراً في سفره،

أو كان قصده دفع مظلمة و نحوه من الأغراض الصحيحة. و أمّا إن كان من قصده إعانته في جوره، أو كان متابعته له معاضدة له في جهة ظلمه، أو تقوية لشوكته مع كون تقويتها محرّمة، وجب عليه التمام (1).

(مسألة 17): لو كانت غاية السفر طاعةً، و يتبعها داعي المعصية

- بحيث ينسب السفر إلى الطاعة- يقصّر (2). و أمّا في غير ذلك؛ ممّا كانت الغاية معصية يتبعها داعي الطاعة، أو كان الداعيان مشتركين- بحيث لو لا اجتماعهما لم يسافر- أو مستقلين، فيتمّ. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في غير الصورة الاولى؛ أي تبعية داعي الطاعة، فإنّه يتمّ بلا إشكال (3).


1- المجبور و المكرَه عن قبل الجائر على السفر يقصّر؛ لإباحة سفره، و كذا من لا يكون مجبوراً و لا مكرَهاً عليه بل يتبع الجائر في السفر لدفع مظلمة و نحوها من الأغراض الصحيحة المترتّبة على تبعيته في السفر. و من كان تبعيته فيه إعانة له في ظلمه أو تقوية لشوكته- مع كون تقويتها محرّمة- فيتمّ؛ لترتّب الغاية المحرّمة على سفره.
2- و ذلك لعدم صدق سفر المعصية عليه، و لا تترتّب عليه غاية محرّمة.
3- لا كلام و لا إشكال في وجوب الإتمام فيما كانت الغاية معصية يتبعها داعي الطاعة؛ لكون سفره في معصية. و أمّا فيما كان الداعيان مشتركين بحيث لا يتحقّق السفر بدون اجتماعهما، أو كانا مستقلّين بحيث يكفي داعي المعصية مستقلّاً في تحقّق السفر، فيتمّ؛ لصدق السفر في المعصية و إن كان في الطاعة أيضاً. و لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع؛ لاحتمال أنّ المراد من سفر المعصية في النصوص كون المعصية علّة مستقلّة للسفر حال كونها وحدها؛ فالنصوص لا تشمل صورة اشتراك الداعيين و استقلالهما مع تحقّقهما معاً. و في المسألة وجه للتفصيل بين كون الداعيين مشتركين، و بين كون داعي المعصية تابعاً؛ فيتمّ في الأوّل و يقصّر في الثاني، بدعوى أنّ الظاهر من النصوص هو أنّ المراد من سفر المعصية ما كانت للمعصية دخالة في السفر بحيث لو لم يكن معصية في البين لم يتحقّق السفر، و هو وجه وجيه.

ص: 321

(مسألة 18): لو كان ابتداء سفره طاعة، ثمّ قصد المعصية به في الأثناء،

فمع تلبّسه بالسير مع قصدها انقطع ترخّصه و إن كان قد قطع مسافات، و لا تجب إعادة ما صلّاه قصراً (1)، و مع عدم تلبّسه به فالأوجه عدم انقطاعه، و الأحوط الجمع ما لم يتلبّس به (2).


1- أي لا فرق في سفر المعصية الموجبة للإتمام بين الابتداء و الاستدامة؛ فلو كان ابتداء سفره طاعة ثمّ قصد به المعصية في الأثناء فمع قطع مقدار من المسافة مع قصد المعصية انقطع ترخّصه و يتمّ؛ لصدق سفر المعصية عليه حينئذٍ، و يجزي ما صلّاه قصراً حال قصد الطاعة، و لا تجب إعادته؛ لكونه واجداً لشرائط القصر حال الصلاة و عاملًا بوظيفته.
2- لا وجه لهذا الاحتياط؛ لأنّ الموجب للإتمام هو السفر في معصية، و المفروض عدم قطع الطريق حال قصد المعصية، و قصد المعصية حال مكثه و عدم الضرب في الأرض لا يؤثّر في بقاء الترخّص قبل قصد المعصية.

ص: 322

ثمّ لو عاد إلى قصد الطاعة بعد ضربه في الأرض، فإن كان الباقي مسافة- و لو مُلفّقة- بأن كان الذهاب إلى المقصد أربعة أو أزيد، يجب عليه القصر أيضاً (1).

و كذا لو لم يكن الباقي مسافة، لكن مجموع ما مضى مع ما بقي- بعد طرح ما تخلّل في البين من المصاحب للمعصية- بقدر المسافة، لكن في هذه الصورة الأحوط الأولى ضمّ التمام أيضاً (2). و لو لم يكن المجموع مسافة إلّا بضمّ ما تخلّل من المصاحب للمعصية، فوجوب التمام لا يخلو من قوّة. و الأحوط الجمع (3). و إن كان ابتداء سفره معصية ثمّ عدل إلى الطاعة، يقصّر إن كان الباقي مسافة و لو ملفّقة، و إلّا فالأحوط الجمع و إن كان البقاء على التمام لا يخلو من قوّة (4).


1- قد مرّ في البحث عن المسافة الملفّقة أنّ المستفاد من النصوص و المعتبر هو كون كلّ من الذهاب و الإياب أربعة.
2- قد تقدّم في ذيل المسألة الثالثة عشرة من مسائل هذا الفصل: أنّه لا يبعد العود إلى القصر فيما إذا كان مجموع ما قطع قبل حصول التردّد مع ما بقي بإسقاط ما تخلّل في البين مسافةً؛ و ذلك لإطلاق أدلّة وجوب القصر. و كذلك فيما نحن فيه حيث إنّه قطع مجموع المسافة بقصد الطاعة بعد إسقاط المتخلّل في البين.
3- وجه وجوب التمام اعتبار عدم قصد المعصية في مجموع المسافة، و مع قصد المعصية- و لو في جزء منها- يتمّ. و وجه الاحتياط بالجمع: أنّه من المحتمل أن يكون الموجب للتمام تحقّق قصد المعصية في جميع المسافة.
4- فلو صلّى في ابتداء سفره أتمّ، و بعد العدول إلى الطاعة مع كون الباقي مسافة و لو ملفّقة يقصّر. و إن لم يكن الباقي مسافة يتمّ على الأقوى، و إن كان الأحوط الجمع.

ص: 323

(مسألة 19): لو كان ابتداء سفره معصية فنوى الصوم، ثمّ عدل إلى الطاعة،

فإن كان قبل الزوال وجب الإفطار إن كان الباقي مسافة و لو ملفّقة، و إلّا صحّ صومه (1). و إن كان بعده لا يبعد الصحّة، لكن الأحوط الإتمام ثمّ القضاء (2). و لو كان ابتداؤه طاعة ثمّ عدل إلى المعصية في الأثناء، فإن كان بعد تناول المفطر أو بعد الزوال لم يصحّ منه الصوم (3)،


1- لا إشكال في أنّ مجرّد قصد المعصية في ابتداء السفر و قطع الطريق معه لا يوجب بطلان الصوم. و وجه وجوب الإفطار كونه مسافراً قاصداً للمسافة قبل الزوال في طاعة. و يشترط شروعه في السفر، و لا يفطر بمجرّد العدول إلى الطاعة قبل الشروع فيه، هذا إذا كان الباقي مسافة، و إن لم يكن مسافة صحّ صومه و وجب الإتمام؛ لكون بقية سفره حالة الطاعة أقلّ من المسافة.
2- أي إن كان عدوله إلى الطاعة بعد الزوال فلا يبعد صحّة صومه؛ لأنّه إلى الزوال كان مسافراً بقصد المعصية، و وظيفته بقاؤه على صومه؛ لأنّ المعيار في الإفطار و صومه إلى الزوال. و يحتمل أن يكون الإباحة قيداً للحكم و وجوب الترخّص لا للموضوع- الذي هو السفر الموجب للترخّص- فالمسافر حال قصد المعصية يصوم و إن كان قبل الزوال، و يفطر حال قصد الطاعة و إن كان بعد الزوال. و الأحوط الإتمام ثمّ القضاء.
3- بطلان الصوم فيما تناول المفطر قبل الزوال حال كون سفره طاعة ممّا لا كلام فيه. و لو كان سفره طاعة إلى الزوال و عدل إلى المعصية بعده فقد بطل صومه بمجرّد كونه في سفر الطاعة إلى تحقّق الزوال. و لا أثر للعدول إلى المعصية بعد الزوال و إن لم يتناول المفطر، و يكون كمن سافر قبل الزوال و لم يفطر شيئاً و رجع بعد الزوال؛ فيبطل صومه.

ص: 324

و إن كان قبلهما فصحّته محلّ تأمّل، فلا يترك الاحتياط بالصوم و القضاء (1).

(مسألة 20): الراجع من سفر المعصية: إن كان بعد التوبة، أو بعد عروض ما يخرج العود عن جزئية سفر المعصية

- كما لو كان محرّكه للرجوع غاية اخرى مستقلّة، لا الرجوع إلى وطنه- يقصّر (2)،


1- من كان ابتداء سفره طاعة و عدل إلى المعصية قبل الزوال و لم يفطر شيئاً كان كمن سافر أوّل النهار و حضر قبل الزوال فإنّه ينوي و يصحّ صومه، و الأحوط القضاء أيضاً.
2- لا إشكال في وجوب القصر على الراجع من سفر المعصية مع كون رجوعه مسافة و كان تائباً حين الشروع في الرجوع، أو كان رجوعه بقصد الطاعة لا بقصد العود إلى الوطن، فإنّ رجوعه حينئذٍ يكون سفراً مستقلّاً لا في إدامة سفره الأوّل الذهابي. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قال بوجوب القصر في العود مطلقاً، من غير تقييد بالتوبة أو بعروض ما يخرج العود عن جزئية سفر المعصية، قال: لا إشكال في الترخّص بعوده إلى محلّه عن سفر المعصية، إلّا أن يكون قصد به المعصية أيضاً(جواهر الكلام 14: 261.)

ص: 325

و إلّا فلا يبعد وجوب التمام عليه، و الأحوط الجمع (1).

(مسألة 21): يلحق بسفر المعصية السفر للصيد لهواً،

كما يستعمله أبناء الدنيا (2).


1- لعلّ وجه عدم البعد في وجوب التمام كون العود جزءاً من سفر المعصية. و فيه: أنّ الذهاب و الإياب و إن كان كلّ واحد منهما في سفر واحد إلّا أنّه يختلف عنوانهما؛ فإنّ الذهاب سفر في المعصية و الإياب سفر في الطاعة. و لا يترك الاحتياط بالجمع.
2- يظهر من المحقّق في «الشرائع»: أنّ السفر للصيد سفر معصية، قال: و لو كان معصية لم يقصّر، كاتّباع الجائر و صيد اللهو. و في «الجواهر»: و لعلّه لأنّ الصيد من الملاهي، كما هو صريح خبر زرارة عن الباقر عليه السلام سألته عمّن يخرج بأهله بالصقور و البزاة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاثة، هل يقصّر في صلاته أم لا يقصّر؟ قال: «إنّما خرج في لهو لا يقصّر»، قلت: الرجل يشيّع أخاه اليوم و اليومين في شهر رمضان؟ قال: «يفطر و يقصّر؛ فإنّ ذلك حقّ عليه»(وسائل الشيعة 8: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 1.) ؛ فيندرج فيما دلّ- حينئذٍ- على حرمتها. و لقول الصادق عليه السلام في خبر ابن بكير: «إنّ الصيد مسير باطل، لا تقصّر الصلاة فيه»(وسائل الشيعة 8: 480، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 7.) . و في خبر عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أيضاً: «يتمّ؛ لأنّه ليس بمسير حقّ»(وسائل الشيعة 8: 479، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 4.) و مرسل ابن أبي عمير عنه عليه السلام أيضاً قلت له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة، يقصّر أو يتمّ؟ فقال: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر، و إن خرج لطلب الفضول فلا، و لا كرامة»(وسائل الشيعة 8: 480، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 5.) . و لا يخفى: أنّ هذا الخبر المرسل رواه عمران بن محمّد بن عمران القمّي. و خبر حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللَّه تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»*، قال: «الباغي: باغي الصيد، و العادي: السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 2.) ، إلى غير ذلك ممّا يدلّ عليه من النصوص المعتضدة بالفتاوى التي لا أجد خلافاً فيها في ذلك(جواهر الكلام 14: 262.) ، انتهى. و يدلّ على وجوب التمام في سفر الصيد اللهوي قبل الإجماع- مضافاً إلى الأخبار التي نقلناها عن صاحب «الجواهر» رحمه الله- صحيح عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا سفره إلى صيد أو في معصية اللَّه أو رسول لمن يعصي اللَّه أو في طلب عدوّ أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 3.) . و موثّق سماعة قال: سألته عن المسافر ... إلى أن قال: «و من سافر قصّر الصلاة و أفطر إلّا أن يكون رجلًا مشيّعاً لسلطان جائر أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر و لا يفطر»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 4.) . و خبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة ...» إلى أن قال: «و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 5.) . و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الصيد، أ يقصّر أو يتمّ؟ قال: «يتمّ؛ لأنّه ليس بمسير حقّ»(وسائل الشيعة 8: 479، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 4.)

ص: 326

ص: 327

و أمّا إن كان للقوت يقصّر (1). و كذا إذا كان للتجارة بالنسبة إلى الإفطار، و أمّا بالنسبة إلى الصلاة ففيه إشكال، و الأحوط الجمع (2).


1- هذه المسألة إجماعية، و الدليل على وجوب القصر في المسألة- مضافاً إلى إطلاق أدلّة وجوب القصر للمسافر السالم عن المعارض؛ لظهور أدلّة وجوب التمام للسفر في الصيد في خصوص سفر الصيد للّهو- هو مرسل عمران بن محمّد بن عمران القمّي- الذي عبّر عنه صاحب «الجواهر» بمرسل ابن أبي عمير، و قد تقدّم نقله عنه رحمه الله-: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر».
2- إذا كان الصيد للتجارة فلا إشكال و لا خلاف بين علمائنا في وجوب الإفطار. و أمّا وجوب القصر في الصلاة ففيه خلاف بينهم: المعروف المشهور بين المتأخّرين هو وجوب القصر في الصلاة كالصوم. و المشهور عند القدماء- منهم بنو إدريس و حمزة و البرّاج و بابويه و الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي- هو وجوب التمام. و أشكلت المسألة على جماعة- منهم المصنّف رحمه الله- و قالوا بالاحتياط الوجوبي في الصلاة بالجمع بين القصر و الإتمام. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بالاحتياط الاستحبابي بالجمع في الصلاة و الصوم كليهما. و استدلّ للقول الأوّل بإطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر الذي سفره سائغ، و بقاعدة تلازم وجوب القصر و الإفطار المستفادة من صحيح عمّار بن مروان المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر و أفطر ...» الحديث، و نحوه غيره من الأحاديث. و هذه القاعدة ثبوتاً و نفياً تستفاد من موثّقة سماعة المتقدِّمة: «و من سافر فقصّر الصلاة و أفطر» . و يستفاد من بعض الروايات التلازم من الطرفين، كما في ذيل صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) . و حكى على هذه القاعدة الإجماع عن السيّد المرتضى، و بالغ في ثبوتها العلّامة رحمه الله في «المختلف». و استدلّ للقول الثاني بالشهرة بين القدماء. و في «الجواهر»: لعلّه لا خلاف فيه بينهم(جواهر الكلام 14: 265.) و في «السرائر»: أنّ أصحابنا أجمعوا على ذلك فتياً و روايةً. و في «المبسوط» نسبه إلى رواية أصحابنا. و حكى في «المستدرك» في كتاب الصلاة عن «فقه الرضا» أنّه يقصّر الصوم دون الصلاة(مستدرك الوسائل 6: 533، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 2.) ، و لكنّه حكى عن «الفقه» المزبور في كتاب الصوم أنّه قال: و إن كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصيام، و روي أنّ عليه الإفطار في الصوم(مستدرك الوسائل 7: 378، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 4، الحديث 1.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله(جواهر الكلام 14: 265.) قوّى هذا القول و بالغ في الاستدلال عليه بالإجماع المنقول عن «السرائر» المعتضد بما روي عن «الفقه الرضوي» و «المبسوط» و «السرائر»، و حمل ما حكي عن «فقه الرضا» في باب الصوم- و لو كان بعيداً- على إرادة من كان ذلك دأبه و أدرجه في كثير السفر؛ مستشهداً على الحمل المزبور بما حكاه المقدّس البغدادي عن أصل زيد النرسي في حديث طويل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و إن كان ممّن يطلبه للتجارة و ليس له حرفة إلّا من طلب الصيد فإنّ سعيه حقّ و عليه التمام في الصلاة و الصيام؛ لأنّ ذلك تجارته، فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور في الأسواق في طلب التجارة، أو كالمكاري و الملّاح ...»(مستدرك الوسائل 6: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 1.) ، الحديث طويل ذكر صدره في «المستدرك» في الباب السابع من أبواب صلاة المسافر الحديث الأوّل، و وسطه في الباب الواحد و الثمانين من أبواب ما يكتسب به الحديث الثاني، و ذيله في الباب التاسع و السبعين منها الحديث الرابع. و لا يخفى: أنّ الشهرة بين القدماء على التفصيل بين الصوم و الصلاة بالإفطار و الإتمام إن ثبت تحقّقها فهو، و إلّا فالإطلاق المقتضي عدم الفرق بينهما محكّم، و قاعدة التلازم ممّا ادّعى الإجماع عليه من السيّد المرتضى رحمه الله؛ فلا يصغى إلى ما عن صاحب «الجواهر» رحمه الله من أنّه من المحتمل خروج هذه المسألة من القاعدة عند السيّد رحمه الله. فالأقوى هو القول الأوّل، و إن كان الاحتياط بالجمع. و الظاهر من عبارة «العروة الوثقى» هو الاحتياط بالجمع في كلّ من الصوم و الصلاة، و لكن الإجماع قام على الإفطار في الصوم.

ص: 328

ص: 329

ص: 330

و لا يلحق به السفر بقصد مجرّد التنزّه، فلا يوجب ذلك التمام (1).

سادسها: أن لا يكون من الذين بيوتهم معهم،

كبعض أهل البوادي الذين يدورون في البراري، و ينزلون في محلّ الماء و العشب و الكلأ، و لم يتّخذوا مقرّاً معيّناً، و من هذا القبيل الملّاحون و أصحاب السفن الذين كانت منازلهم فيها معهم، فيجب على أمثال هؤلاء التمام في سيرهم المخصوص (2).


1- لا يخفى: أنّ سفر الصيد للتنزّه جائزٌ يقصّر فيه؛ لكون التنزّه في نفسه مباحاً؛ للأصل و السيرة القطعية.
2- لا خلاف بين أصحابنا في وجوب التمام على الذين بيوتهم معهم، كأهل البوادي الذين لا مسكن لهم معيّناً، بل يدورون في البراري و ينزلون في الأمكنة المناسبة لهم من محلّ الماء و الكلاء، بل ادّعى عليه الإجماع في «الانتصار» و «السرائر» و «الغنية» و «الأمالي» و «المهذّب البارع». و لا خلاف فيه إلّا من العمّاني حيث أطلق وجوب القصر على كلّ مسافر، و على خلافه انعقد الإجماع. ثمّ إنّ جماعة من فقهائنا أرجع هذا الشرط و ما بعده إلى شرط واحد، و اختلفت عباراتهم في بيانه: فعبّر بعضهم بأن لا يكون سفره أكثر من حضره، كالمفيد و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و العلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و «التحرير» و «نهاية الإحكام»، و نسبه في «الذكرى» إلى المعظم، و في «المسالك» إلى الأكثر، و في «جامع المقاصد» و «المدارك»: أنّه المشتهر على ألسنة الفقهاء. و بعضهم بأن لا يكون كثير السفر؛ قال في «الروض»: تسمية هذا النوع كثير السفر و زائد السفر حقيقة شرعية. و ثالث بأن لا يكون السفر عملًا له، كالعلّامة في بعض كتبه و الشهيد الأوّل و جماعة من المتأخّرين. و رابع بأن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام في السفر، كما في «المنتهى» و «البيان». و خامس بأن لا يكون سفره في حكم حضره، كما في «الوسيلة». و سادس- كما عن «الهداية»، و استحسنه استاذ صاحب «مفتاح الكرامة» و المقدّس الأردبيلي- اقتصر على ذكر العناوين الواردة في النصوص من المكاري و الجمّال و الملّاح و الراعي و الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته، و البدوي الذي يتطلّب مواضع القطر و منابت الشجر، و الاشتقان و هو البريد أو أمين البيدر، و الكريّ و هو الساعي. قال في «الوافي»: الكريّ كغنيّ: الكثير المشي، و كأنّه اريد به الذي يكري نفسه للمشي. و أمّا الاشتقان فقيل: هو أمين البيادر، و قال في «الفقيه»: هو البريد. و في «الحدائق» ما فسّر به الكريّ من أنّه الكثير المشي لم نجده في شي ء من كتب اللغة المشهورة. و نقل عن ابن الأنباري في كتاب «الأضداد»: إنّه يكون بمعنى المكاري، و يكون بمعنى المكتري. أقول: الأولى ذكر هذا الشرط و الشرط الآتي مستقلّاً؛ لاختلافهما مفهوماً، و لتضمّن النصوص كلّاً منهما بالخصوص، كما يأتي الإشارة إليه. و كيف كان: و يدلّ على الشرط المذكور- مضافاً إلى عدم صدق المسافر على من كان بيته معه من المذكورين في المتن- صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) . و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الملّاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: «لا، بيوتهم معهم»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 5.) . و مرسل سليمان بن جعفر الجعفري عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الأعراب لا يقصّرون؛ و ذلك أنّ منازلهم معهم»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 6.) ، هذه الرواية تدلّ بعموم التعليل أنّ كلّ من كان منزله معه يتمّ، و مثله مرسله الآخر عنه عليه السلام قال: «كلّ من سافر فعليه التقصير و الإفطار، غير الملّاح فإنّه في بيت و هو يتردّد حيث يشاء (شاء)»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 11.) و رواية عبد اللّه بن المغيرة عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 9.)

ص: 331

ص: 332

ص: 333

نعم لو سافروا لمقصد آخر- من حجّ أو زيارة و نحوهما- قصّروا كغيرهم (1).


1- لصدق المسافر عليهم حينئذٍ، بشرط أن لا يكون بيوتهم معهم، كما هو المستفاد من التعليل في النصوص. و لو كان بيوتهم معهم فالأحوط الجمع. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد أن أفتى بأنّه لو قصد بعضهم قطع مسافة لزيارة أو نحوها ممّا لا يندرج في الحال الأوّل يترخّص، و قوّى الترخّص فيمن يمضي منهم لاختيار المنزل لقومه من جهة النبت و نحوه؛ لإطلاق أدلّة الترخّص بعد أن احتمل عدم ترخّصه؛ لاحتمال عدم عدّ مثل ذلك بالنسبة إليه سفراً و اندراجه في البدوي الذي وظيفته التمام. قال: كما أنّ ظاهر التعليل للإتمام في المكاري و نحوه بأنّه عملهم و وصفه و الجمّال بالاختلاف- إشارة إلى صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) - الترخّص لو أنشئوا سفراً للحجّ و نحوه ممّا لا يدخل في المكاراة و نحوها من أعمالهم؛ اقتصاراً في تقييد الأدلّة أيضاً على المتيقّن، لا أنّه يشترط في إتمامهم كراؤهم للغير؛ فلو حملوا أمتعتهم و عيالهم من بلاد إلى بلاد كان اختلافهم فيما بينهما ترخّصوا، بل المراد إنشاؤهم سفراً لا يعدّ أنّه من عملهم الذي كانوا يختلفون فيه، كما لو قصد مكاري العراق حجّ البيت الحرام أو زيارة مشهد الرضا عليه السلام، و كان إيكاله إلى العرف أولى من التعرّض لتنقيحه(جواهر الكلام 14: 271.) ، انتهى ملخّصاً.

ص: 334

و لو سار أحدهم لاختيار منزل مخصوص أو لطلب محلّ الماء و العشب- مثلًا- و كان يبلغ مسافة، ففي وجوب القصر أو التمام عليه إشكال، فلا يُترك الاحتياط بالجمع (1).

سابعها: أن لا يتّخذ السفر عملًا له،
اشارة

كالمكاري و الساعي و أصحاب السيّارات و نحوهم، و منهم أصحاب السفن و الملّاح إذا كان منزلهم خارج السفينة و اتّخذوا الملاحة صنعة، و أمّا إذا كان منزلهم معهم فهم من الصنف السابق؛ فإنّ هؤلاء يتمّون الصلاة في سفرهم، الذي هو عمل لهم و إن استعملوه لأنفسهم لا لغيرهم، كحمل المكاري- مثلًا- متاعه و أهله من مكان إلى مكان آخر (2).


1- لو سار أحدهم لشي ء من المذكورات في المتن و كان بيته معه، وجب التمام عليه، و إلّا قصّر مع بلوغ المسافة؛ لأنّ وظيفتهم في الإتمام و القصر دائرة مدار وجود العلّة المنصوصة بها في النصوص المتقدّمة، كما لا يخفى.
2- و الدليل على اشتراط وجوب القصر بعدم اتّخاذ السفر عملًا، صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الاشتقان؛ لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 2.) . و مرسل ابن أبي عمير رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة يتمّون في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكريّ، و الاشتقان و هو البريد، و الراعي، و الملّاح؛ لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 12.) . ثمّ إنّ المستفاد من صحيح زرارة و مرسل ابن أبي عمير أنّ من كان شغله السفر- كالعناوين المذكورة في المتن- يتمّ؛ فلا يشمل من لم يكن السفر عمله بل كان عمله في السفر كثيراً، كمن كان له شغل يعمله في السفر مستمرّاً أو كثيراً بحيث يذهب من وطنه إلى محلّ شغله و يرجع إلى وطنه كلّ يوم، و لكن يقال في العرف لمن كان شغله في السفر غالباً: إنّ فعله و عمله السفر؛ فقوله عليه السلام: «لأنّه عملهم» يشمل من كان شغله في السفر عرفاً. و لذا عمّم الحكم جماعة من الفقهاء لكثير السفر حيث حملوا التعليل الوارد في النصّ: «لأنّه عملهم» على الارتكاز العرفي و أنّ كثير السفر يطلق عليه في العرف أنّ عمله السفر. و في «المستمسك»: و مقتضى حمل التعليل المذكور على الارتكاز العرفي عموم الحكم لمن كان بانياً على الاستمرار على السفر للتعليم أو للتعلّم أو لغير ذلك من الغايات المحلّلة. فالعمّال الذين يسافرون كلّ يوم من وطنهم إلى خارج المسافة للعمل ثمّ الرجوع إلى وطنهم ليلًا يتمّون صلاتهم و يصومون شهر رمضان، و إن لم يصدق أنّ عملهم السفر، بل عملهم البناء أو الحفر أو نحو ذلك، كلّ ذلك حملًا للتعليل على مقتضى الارتكاز العرفي؛ و هو الاستمرار على السفر لأيّ غاية كانت. مضافاً إلى ما ورد في التاجر الذي يدور في تجارته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و الجابي الذي يدور في جبايته؛ فإنّ هؤلاء شغلهم الجباية و الإمارة و التجارة، التي تكون في السفر، و ليس السفر نفسه شغلهم. و لا فرق بينهم و بين العمّال المذكورين في أنّ السفر مقدّمة لما هو عملهم(مستمسك العروة الوثقى 8: 70.)، انتهى.

ص: 335

ص: 336

نعم يقصّرون في السفر الذي ليس عملًا لهم، كما لو فارق الملّاح- مثلًا- سفينته، و سافر للزيارة أو غيرها (1).


1- و ذلك لأنّه و إن كان مسافراً و لكنّه ليس سفره عملًا له. و السفر الذي يتمّون فيه لا بدّ أن يكون من عملهم، و هو القدر المتيقّن من أدلّة وجوب التمام على المسافرين الذين كان السفر عملهم. و يمكن استفادته من صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمّال»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 4.) ، و نحوه صحيح آخر لابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكارين، و لا على الجمّالين»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 8.) . و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أصحاب السفن يتمّون في سفنهم»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 7.) . وجه الدلالة: أنّ مفهوم هذه الروايات وجوب التقصير على الملّاحين في سفرهم الذي لم يكونوا في سفينتهم.

ص: 337

و المدار صدق اتخاذ السفر عملًا و شغلًا له. و يتحقّق ذلك بالعزم عليه مع الاشتغال بالسفر مقداراً معتدّاً به، و لا يحتاج في الصدق تكرّر السفر مرّتين أو مرّات (1). نعم لا يبعد وجوب القصر في السفر الأوّل مع صدق العناوين أيضاً، و إن كان الأحوط الجمع فيه و في السفر الثاني، ويتعيّن التمام في الثالث (2).


1- يعني أنّ وجوب التمام على المكاري و الجمّال و غيرهما ممّا ذكر في النصوص دائر مدار صدق اتّخاذ السفر عملًا و شغلًا لهم عرفاً. و يتحقّق ذلك بالعزم عليه مع الاشتغال مقداراً معتدّاً به؛ فلا يكفي مجرّد العزم عليه بدون الاشتغال المعتدّ به في الصدق العرفي. و كذا لا يعتبر تكرّر السفر مرّتين أو مرّات؛ للصدق العرفي بالمرّة الاولى فيما كان مقداراً معتدّاً به.
2- لا يخفى: أنّه يمكن استفادة الاحتياج إلى تكرّر السفر لا أقلّ مرّتين فيمن صدق عليه أحد العناوين المذكورة في الروايات- كالمكاري و نحوه- من صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) . و رواية السندي بن الربيع قال: في المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام «يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 10.) ، حيث قيّد الحكم في المكاري و الجمّال بالاختلاف. قيل: إنّ المراد من الاختلاف تكرّر الذهاب و الإياب بلا فترة. و فيه: أنّ الاختلاف يصدق بكونه ملكة حاصلة بمجرّد التلبّس بالسفر و الصدق العرفي. و قال صاحب «الرياض» باشتراط تكرّر السفر و كثرته في وجوب الإتمام، من غير فرق بين المكاري و الملّاح و نحوهما ممّا ورد في النصوص من التاجر و الأمير، و بين غيرهم ممّن يكون السفر عمله؛ فلو صدق وصف أحد هؤلاء و لم يتحقّق الكثرة المزبورة لزم التقصير. و لعلّ من اعتبر ثلاث مرّات في وجوب التمام على المذكورين قال بتحقّق عملية السفر أو كثرته بها. و فيه: أنّ المعيار هو الصدق العرفي فيمن عمله السفر و فيمن يصدق عليه أحد العناوين المذكورة في النصوص. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد أن حكى عن بعض متأخّري أصحابنا: أنّ الحكم في بعض الأخبار ليس معلّقاً على الكثرة، بل على مثل المكاري و الجمّال و من اتّخذ السفر عمله، فوجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفاً- قال: لا وجه لاعتبار تثليث السفر بعد صدق العملية، كما هو ظاهر ذيل كلامه- أي كلام بعض متأخّري أصحابنا- بل صريحه ضرورة ظهور الأدلّة، إن لم يكن صراحتها في أنّ مدار الإتمام ذلك، كما أنّها ظاهرة أو صريحة في أنّه متى تحقّق صدق اسم واحد من المكاري و الملّاح و نحوهما عرفاً صدق عليه أنّه عمله السفر قطعاً. بل يمكن منع اعتبار التثليث المزبور في تحقّق أصل العملية أو المكارية عرفاً، بل ينبغي القطع بعدم اعتبار الرجوع إلى بلاده في ذلك؛ إذ لو بقي مدّة طويلة يعمل في المكاراة ذهاباً و إياباً إلى غير بلاده صدق عليه الوصفان المزبوران قطعاً. بل قد يقال بعدم اعتبار الرجوع في ذلك أيضاً، كما لو كارى إلى مقصد بعيد. بل استظهر المقدّس البغدادي تحقّق وصف المكاري و نحوه بأوّل سفره إذا تبع الدوابّ و سعى معها سعي المكارين، و هو لا يخلو من وجه(جواهر الكلام 14: 277.) ، انتهى.

ص: 338

ص: 339

(مسألة 22): من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس،

فالظاهر أنّه يجب عليه التمام في حال شغله و إن كان الأحوط الجمع (1). و أمّا مثل «الحملدارية» الذين يتشاغلون بالسفر في خصوص أشهر الحجّ، فالظاهر وجوب القصر عليهم (2).


1- و ذلك لإطلاق الأدلّة المتضمّنة لكون السفر عملًا، أو لصدق أحد العناوين المذكورة في النصوص كالمكاري و الجمّال و الملّاح و نحوها الشاملة لمن كان شغله السفر أو مكارياً و جمّالًا و نحوهما في تمام السنة أو بعضها. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد أن قال بعدم الفرق في وجوب الإتمام على من كان عمله السفر بين المكاري و الجمّال و الكريّ و صاحب السفينة، و بين غيرهم كالتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق بحيث صار ذلك عملًا له و حرفةً يستعملها في تمام السنة- قال: أمّا إذا كان يستعمل ذلك في الصيف دون الشتاء أو بالعكس ففي إتمامه و قصره وجهان ينشئان من إطلاق الدليل و صدق العملية له في هذا الحال مع اختلافه ذهاباً أو إياباً متكرّراً، و من أنّ المتيقّن الأوّل؛ فيبقى غيره على أدلّة القصر، و الأحوط له الجمع(جواهر الكلام 14: 274.) ، انتهى. و يرد عليه: أنّه مع وجود الإطلاق لا مجال لأخذ القدر المتيقّن. و الاحتياط بالجمع حسنٌ.
2- الظاهر وجوب القصر على مثل الحملدارية الذين يشتغلون بالسفر في خصوص أشهر الحجّ و إن اتّخذوا ذلك حرفةً و وسيلة المعيشة؛ و ذلك لعدم صيرورة السفر عملًا لهم، و لا ينطبق عليهم أحد العناوين المذكورة في النصوص من المكاري و الجمّال و نحوهما، و هم ممّن يقيمون في أوطانهم بعد أن رجعوا من الحجّ أشهراً؛ فلا مخرج لهم حينئذٍ عن إطلاق ما دلّ على إيجاب قصد المسافة القصر. و يدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) ، حيث إنّ المراد من الاختلاف تكرّر الذهاب و الإياب بلا فترة عند جماعة. و التلبّس بالسفر مع الصدق العرفي بكون السفر شغله. و خبر محمّد بن جزك قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام: إنّ لي جمالًا ولي قوّام عليها، و لستُ أخرج فيها إلّا في طريق مكّة لرغبتي في الحجّ أو في الندرة إلى بعض المواضع، فما يجب عليَّ إذا أنا خرجتُ معهم أن أعمل؟ أ يجب عليّ التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أو التمام؟ فوقّع عليه السلام: «إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كلّ سفر إلّا إلى مكّة فعليك تقصير و إفطار»(وسائل الشيعة 8: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 12، الحديث 4.)

ص: 340

(مسألة 23): يعتبر في استمرار من عمله السفر على التمام، أن لا يُقيم في بلده أو غير بلده عشرة أيّام

و لو غير منوية، و إلّا انقطع حكم عملية السفر و عاد إلى القصر (1)،


1- و يدلّ على اعتبار عدم إقامة عشرة أيّام في بلده أو غير بلده في الاستمرار على التمام بالنسبة إلى من عمله السفر و من كان من العناوين المذكورة في النصوص، كالمكاري و نحوه- مضافاً إلى الشهرة المحقّقة و نفي الخلاف، كما عن «المعتبر»، و الاتّفاق المدّعى عن «المدارك»- صحيح هشام بن الحكم المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان» ، وجه الدلالة: أنّ المتبادر من المقام- المصدر الميمي- عند الإطلاق في النصّ و الفتوى هو إقامة عشرة أيّام؛ للإجماع على عدم التقصير في الإقامة فيما دون العشرة. و مرسل يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتمّ، قال: «أيّما مكارٍ أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيّام وجب عليه الصيام و التمام أبداً، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير و الإفطار»(وسائل الشيعة 8: 488، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 12، الحديث 1.) . و ضعف السند بإسماعيل بن مرّار المجهول منجبر بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً. و تضعيف السند بالإرسال- كما في «المستمسك»- كما ترى؛ لأنّ الراوي عن بعض الرجال هو يونس، و هو من أصحاب الإجماع. و خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري إذا لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار و أتمّ صلاة الليل، و عليه صيام شهر رمضان. فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر قصّر في سفره و أفطر»(وسائل الشيعة 8: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 12، الحديث 5. و هذا الخبر صحيح من طريق الصدوق، و إن كان ضعيفاً من طريق الشيخ؛ لوقوع إسماعيل بن مرّار المجهول في طريقه. و مضمونه و إن كان غير معمول به بالنسبة إلى التقصير في الصلاة النهارية على من يستقرّ في منزله خمسة أيّام أو أقلّ، و كذلك غير معمول به بالنسبة إلى اشتراط القصر و الإفطار بإقامة العشرة في البلد الذي يذهب إليه و في منزله بحيث كانت الإقامة اللاحقة شرطاً متأخّراً لوجوب القصر في السفر بعد الإقامة السابقة، و لعلّ المراد من الإقامة في المكانين الإقامة عشراً ذهاباً و إياباً أي سواء كانت إقامة العشرة في السفر أو في منزله وجب التقصير و الإفطار. و كيف كان: فمتروكية ظهور الخبر في الموردين المذكورين لا يقدح في حجّيته بالنسبة إلى ما نحن فيه؛ و هو التقصير بالإقامة عشرة أيّام مطلقاً في منزله أو في أيّ مكان اتّفق في ضمن سفره.

ص: 341

ص: 342

لكن في السفرة الاولى خاصّة دون الثانية، فضلًا عن الثالثة (1).


1- و ذلك للاكتفاء فيما دلّ على القصر على القدر المتيقّن- و هو السفرة الاولى- و يبقى ما عدا السفرة الاولى مندرجاً في إطلاق ما دلّ على وجوب التمام على من كان عمله السفر، أو كان أحد العناوين المذكورة في النصوص. و حكي عن الشهيدين و المحقّق الثاني و غيرهم العود إلى التمام في الثالثة؛ لزعمهم إخراج الإقامة عشرة أيّام المسافر الكذائي عن اسم من عمله السفر أو عن العناوين المعهودة؛ فلا يعود- حينئذٍ- إلى اسمه و عنوانه إلّا بما أثبته له من الدفعات الثلاث. و فيه أوّلًا: أنّه يكفي في بقاء الاسم و العنوان الصدق العرفي. و ثانياً: أنّ مجرّد الإقامة عشراً لا يخرج المذكورين من عناوينهم، كما هو واضح.

ص: 343

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط- بالجمع- في السفرة الاولى لمن أقام في غير بلده عشرة من دون نية الإقامة، بل الأحوط الجمع في السفرة الثانية و الثالثة- أيضاً- له مطلقاً و لمن أقام في بلده بنية أو بلا نية (1).


1- القاطع للتمام فيمن عمله السفر و في المكاري و الجمّال و نحوهما من العناوين المذكورة في النصوص، هو إقامة عشرة أيّام مطلقاً؛ في بلده أو غيره، مع النية أو بلا نية. و نصّ الشيخ و من تبعه بأنّ القاطع للتمام هو إقامة العشرة في بلده. و ألحق المحقّق في «النافع» و العلّامة في «القواعد» و من تأخّر عنهما بإقامة العشرة في بلده إقامتها في غير بلده مع النية؛ فلو نواها في غير بلده ثمّ سافر قصّر في السفرة الاولى. و مقتضى الاكتفاء في الإلحاق بخصوص نية الإقامة في غير بلده هو الإتمام بالنسبة إلى مقيم العشرة في غير بلده بلا نية؛ فالمقيم عشرة في غير بلده بلا نية لا ينبغي له ترك الاحتياط بالجمع؛ فيقصّر لكونه مشمولًا لإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب القصر لمن أقام عشرة أيّام، و يتمّ لعدم إلحاقه بالمقيم في بلده. و وجه الاحتياط بالجمع في السفرة الثانية و الثالثة أيضاً على المقيم في غير بلده مطلقاً- مع النية أو بلا نية- هو أنّ مقتضى إطلاق الروايات المتقدّمة و إن كان هو القصر- حتّى في السفر الثالث، فضلًا عن الثاني، بناءً على ما ذكره صاحب «الرياض» من تكرّر السفر و كثرته حتّى يصدق عليه أنّه ممّن عمله السفر، أو يصدق عليه أحد العناوين المذكورة- و لكن الإجماع المحكي على إلحاق الإقامة في غير البلد على الإقامة في البلد لم يثبت؛ لإهمال جمع كثير من فقهائنا لذكر الإقامة في غير بلده، بل لا يعرف من تعرّض له إلى زمان المحقّق في «النافع». و مع هذا الاحتمال لا يبقى وثوق بنقل الإجماع على نحو يعتمد عليه. و وجه الاحتياط بالجمع في السفر الثاني و الثالث على المقيم في بلده بنية أو بلا نية، هو أنّ الإتمام فيهما للصدق العرفي، و أنّه ممّن عمله السفر أو ممّن يصدق عليه أحد العناوين المذكورة في النصوص. و أمّا القصر له فلخروجه عن اسم من عمله السفر و عن صدق أحد العناوين بالإقامة عشراً؛ فلا بدّ من التكرار في السفر و كثرته ثلاث مرّات حتّى يصدق عليه الاسم و العنوان، كابتداء سفره على ما ذكره صاحب «الرياض».

ص: 344

(مسألة 24): لو لم يكن شغله السفر، لكن عرض له عارض فسافر أسفاراً عديدة يقصّر،

كما لو كان له شغل في بلد؛ و قد احتاج إلى التردّد إليه مرّات عديدة، بل و كذا فيما إذا كان منزله إلى الحائر الحسيني- مثلًا- مسافة و نذر، أو بنى على أن يزوره كلّ ليلة جمعة، و كذا فيما إذا كان منزله إلى بلد كان شغله فيه مسافة، و يأتي منه إليه كلّ يوم، فإنّ الظاهر أنّ عليه القصر في السفر و البلد الذي ليس وطنه (1).


1- لو سافر أسفاراً عديدة لعارض عرض له و لكن لم يكن السفر عمله- كمن كان له طعام أو شي ء آخر في بعض مزارعه أو بعض القرى و أراد أن يجلبه إلى البلد و سافر أسفاراً عديدة- يقصّر و يفطر؛ لعدم كونه ممّن عمله السفر، و كذا إذا سافر في كلّ ليلة جمعة- مثلًا- للزيارة و كان سفره مسافة. و أمّا فيما إذا كان سفره إلى بلد مسافة، و كان شغله في ذلك البلد، و كان يأتي كلّ يوم من منزله إلى بلد شغله، و لم يكن ذلك البلد وطنه الآخر، فيجب عليه التقصير عند المصنّف رحمه الله، و قد عرفت سابقاً أنّ من كان شغله في محلّ و كان يسافر إليه كثيراً يصدق عليه أنّ فعله و عمله السفر عرفاً؛ فيتمّ إلحاقاً له بمن عمله السفر.

ص: 345

(مسألة 25): ممّن شغله السفر الراعي الذي كان الرعي عمله؛

سواء كان له مكان مخصوص أو لا، و التاجر الذي يدور في تجارته، و منه السائح الذي لم يتّخذ وطناً، و كان شغله السياحة، و يمكن إدراجه في العنوان السادس.

و كيف كان يجب عليهم التمام (1).


1- الراعي الذي كان الرعي عمله مع كون مقصده مسافة يتمّ؛ سواء كان له مكان مخصوص أو لا؛ و ذلك لكونه مشمولًا لقوله عليه السلام في صحيح زرارة: «لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 2.) ، مضافاً إلى ذكره بالخصوص في هذا الصحيح. و موثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 9.) . و مرفوع ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة يتمّون في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكريّ، و الاشتقان و هو البريد، و الراعي، و الملّاح؛ لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 12.) و لا يخفى: أنّ خصوص التاجر الذي يدور في تجارته أيضاً مذكور في موثّق السكوني المتقدّم. و أمّا السائح فإن كان يعدّ في العرف أنّ السياحة شغل له- و إن لم تكن وسيلة معاشه- و كان له منزل خاصّ يدخل فيمن عمله السفر. و إن لم تعدّ السياحة شغلًا له في العرف و لم يكن له منزل يدخل في العنوان السادس المذكور في المتن؛ و هم الذين لم يتّخذوا مقرّاً معيّناً و كانت منازلهم معهم، و يتمّ على كلا التقديرين. و في «المستمسك»: و كأنّه- أي الإتمام للسائح- لأنّ السفر يختصّ بمن كان له حضر، و السائح لا حضر له و لا سفر كي يثبت له حكم المسافر، أو لأنّه نظير الأعراب الذين بيوتهم معهم؛ و لا سيّما إذا كان قد اتّخذ بيتاً معه، لا أنّه يتّخذ له في كلّ منزل بيتاً(مستمسك العروة الوثقى 8: 86.)

ص: 346

ثامنها: وصوله إلى محلّ الترخّص،
اشارة

فلا يقصّر قبله. و المراد به: المكان الذي يخفى عليه فيه الأذان، أو يتوارى عنه فيه الجدران و أشكالها لا أشباحها.

و لا يُترك الاحتياط في مراعاة حصولهما معاً. و يعتبر أن يكون الخفاء و التواري المذكوران لأجل البعد لا عوارض اخر (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اشتراط وجوب القصر بالوصول إلى حدّ الترخّص؛ قد نسب إلى علي بن بابويه والد الصدوق رحمه الله أنّه لا يعتبر الوصول إليه في وجوب القصر، بل يجب التقصير بمجرّد الخروج من المنزل. و كذا يجب التقصير في العود من السفر حتّى يدخل منزله. و القائلون بالاشتراط اختلفوا في حدّه على أقوال: منها: أنّه هو المكان الذي يتوارى عنه فيه جدران بيوت البلد. اختاره الصدوق رحمه الله في «المقنع». و منها: أنّه المكان الذي يخفى عليه فيه الأذان. اختاره المفيد و سلّار و الحلّي. و منها: أنّه يعتبر أحد الأمرين من تواري الجدران و خفاء الأذان. و هذا القول هو الأشهر، بل المشهور بين القدماء، بل مطلقاً على ما ادّعاه بعضهم. و في «الحدائق»: و هو المشهور بين الأصحاب؛ سيّما المتقدّمين(الحدائق الناضرة 11: 405.) ، و هو المختار عندنا. و منها: ما نسب إلى كثير من المتأخّرين، بل إلى أكثرهم؛ تبعاً للسيّد و الشيخ في «الخلاف» اعتبار خفائهما معاً. و حكي عن الشهيد الثاني أنّ هذا القول هو المشهور بين المتأخّرين، و هو الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله. و منها: ما في «العروة الوثقى» من كفاية تحقّق أحدهما مع عدم العلم بعدم تحقّق الآخر، و أمّا مع العلم بعدم تحقّقه فالأحوط اجتماعهما. و استدلّ لما ذهب إليه والد الصدوق بما رواه الصدوق رحمه الله مرسلًا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 5.) ، و هذا المرسل يدلّ على وجوب القصر في العود عن السفر حتّى يدخل منزله. و يدلّ عليه أيضاً صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون مسافراً ثمّ يدخل و يقدم و يدخل بيوت الكوفة، أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله؟ قال: «بل يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 3.) . و صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يزال المسافر مقصّراً حتّى يدخل بيته»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 4.) . و صحيح علي بن رئاب أنّه سمع بعض الواردين يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة، و له بالكوفة دار و عيال، فيخرج فيمرّ بالكوفة يريد مكّة ليتجهّز منها، و ليس من رأيه أن يقيم أكثر من يوم أو يومين، قال: «يقيم في جانب الكوفة و يقصّر حتّى يفرغ من جهازه، و إن هو دخل منزله فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 6.) . و صاحب «الوسائل» بعد نقل هذه الروايات قال: جمع الشيخ بين هذه الأحاديث و أحاديث الباب السابق- الدالّة على اعتبار حدّ الترخّص في وجوب القصر- بأنّ المراد بدخول الأهل الوصول إلى محلّ رؤية الجدران و سماع الأذان، و هو جيّد؛ لوضوح الدلالة هناك و عدم التصريح هنا بما ينافيها؛ فهذا ظاهر و ذلك نصّ صريح ... إلى أن قال: و يمكن الحمل على التقية؛ لموافقتها للعامّة(وسائل الشيعة 8: 475، ذيل الحديث 6.) و استدلّ لقول الصدوق رحمه الله- و هو اشتراط تواري البيوت و الجدران- بصحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يريد السفر (فيخرج) متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت»(وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.) . و لا يخفى: أنّ هذا الصحيح و إن كان صريحاً في تواري المسافر من البيوت و غيبوبته عنها- التي هي من مقوّمات مفهوم المسافرة عنها، لا تواري البيوت منه، و فرق بين هذين المعنيين حيث إنّ تواري المسافر من البيوت يتحقّق ببُعده منها بمقدار غابت جثّته و لم يره أهلها، بخلاف تواري البيوت من المسافر فإنّها تُرى من مسافة فرسخ بل فرسخين، و لا يُرى المسافر من ربع هذا المقدار مثلًا- و لكن المراد به اختفاء تفاصيل أشكال البيوت و الجدران لا أشباحها. و استدلّ على اشتراط خفاء الأذان بصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن التقصير، قال: «إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتمّ، و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك»(وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.) . و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) ، و مفهومه إذا لم يسمع الأذان فلا يتمّ. و ذيل رواية محمّد بن أسلم (مسلم) قلت: أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه؟ قال: «بلى، إنّما قصّروا في ذلك الموضع»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) و استدلّ على القول المشهور بين القدماء بل مطلقاً من الاكتفاء بأحد الأمرين بأنّ الجملتين الشرطيتين: «إذا توارى من البيوت يقصّر» ، «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر» و إن كان لهما مفهوم و يعارض مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر، إلّا أنّه يقيّد مفهوم إحداهما بمنطوق الآخر. مثلًا مفهوم قوله: «إذا توارى من البيوت يقصّر» عبارة عن أنّه لا يقصّر إذا لم يتوار البيوت؛ سواء خفي الأذان أو لا. و هذا المفهوم المطلق يعارضه منطوق الشرطية الاخرى؛ و هي قوله: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر» تعارضَ المطلق و المقيّد. فيقيّد مفهوم إحداهما بمنطوق الاخرى. أو يرفع اليد عن المفهوم في الشرطيتين. أو يرفع اليد عن خصوصية الشرط في كلّ من الشرطيتين بجعل الموضوع لوجوب القصر هو الجامع بينهما- و هو حدّ الترخّص- أو بالتخيير بينهما، أو يتخيّر بينهما عند تعارض الدليلين.

ص: 347

ص: 348

ص: 349

ص: 350

(مسألة 26): كما أنّه يعتبر في التقصير الوصول إلى محلّ الترخّص إذا سافر من بلده،

فهل يعتبر في السفر من محلّ الإقامة و من محلّ التردّد ثلاثين يوماً أو لا؟ فيه تأمّل، فلا يُترك مراعاة الاحتياط فيهما (1).


1- قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: إنّ الأقوى عدم اختصاص اعتبار حدّ الترخّص بالوطن؛ فيجري في محلّ الإقامة أيضاً، بل في المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً. و هذا القول هو المختار عندي. و الدليل عليه إطلاق قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم المتقدّم: الرجل يريد السفر فيخرج، متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت» ، و قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان المتقدّم: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر» ، و قوله عليه السلام في صحيح حمّاد بن عثمان المتقدّم: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر» . و وجه تأمّل المصنّف رحمه الله في المسألة احتمال ظهور قوله في صحيح ابن سنان: «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» في خصوص الوطن، كظهور قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «الرجل يريد السفر» في السفر بعد الحضر. و لا يخفى ما فيه من أنّ القدوم من السفر و كذا إرادة السفر لا ظهور لهما في خصوص من سافر من بلده، بل يشمل من سافر من محلّ إقامته و محلّ بقائه ثلاثين يوماً متردّداً، هذا. و لا ينبغي ترك الاحتياط لهما إمّا بالجمع ما دام لم يبلغا حدّ الترخّص، أو بالتأخير إلى أن يبلغا حدّ الترخّص.

ص: 351

(مسألة 27): كما أنّه من شروط القصر في ابتداء السفر الوصول إلى حدّ الترخّص،

كذلك عند العود ينقطع حكم السفر بالوصول إليه، فيجب عليه التمام (1)،


1- كما أنّه يعتبر في وجوب القصر الوصول إلى حدّ الترخّص في ابتداء السفر، كذلك يعتبر عند العود عن السفر؛ فيقصّر في العود إلى حدّ الترخّص و يتمّ بعده و لو لم يدخل منزله. و هذا هو المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً. و يدلّ عليه الأخبار المتقدّمة الدالّة على اعتبار حدّ الترخّص بتواري البيوت و خفاء الأذان، حيث إنّ وجوب الإتمام فيما بين المنزل و حدّ الترخّص؛ فلو صلّى في أيّ نقطة من هذه المحدودة أتمّ، من غير خصوصية للذهاب من المنزل. فقوله عليه السلام في صحيح حمّاد بن عثمان المتقدّم: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) سواء فيه محلّ سماع الأذان للذاهب و الآئب، و ذيل صحيح ابن سنان المتقدّم: «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك»(وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.) واضح الدلالة على أنّ المسافر في العود من سفره يتمّ في الموضع الذي يسمع فيه الأذان، و يقصّر في الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان. و يظهر من بعض الأخبار: أنّ المسافر يقصّر في العود عن السفر حتّى يدخل منزله، كصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 1.) . و موثّق عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة، له بها دار و منزل، فيمرّ بالكوفة و إنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين، قال: «يقيم في جانب المصر و يقصّر»، قلت: فإن دخل أهله؟ قال: «عليه التمام»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 2.) . و صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يزال المسافر مقصّراً حتّى يدخل بيته»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 4.) . و مرسل الصدوق رحمه الله قال: روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 5.) و صحيح علي بن رئاب أنّه سمع بعض الواردين يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة و له بالكوفة دار و عيال، فيخرج فيمرّ بالكوفة يريد مكّة ليتجهّز منها، و ليس من رأيه أن يقيم أكثر من يوم أو يومين، قال: «يقيم في جانب الكوفة و يقصّر حتّى يفرغ من جهازه، و إن هو دخل منزله فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 6.) . و هذه الروايات و إن كان صحاحها في حدّ الاستفاضة، و أفتى على طبقها علي بن بابويه، و نسب إلى السيّد المرتضى و ابن جنيد موافقتهما لابن بابويه، و اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله و قال: الأظهر عندي بالنسبة إلى الذهاب ما تقدّم من التخيير؛ عملًا بالروايتين المتقدّمتين، و جمعاً بينهما بذلك. و أمّا في الإياب فهو ما ذهب إليه الشيخ علي بن بابويه و من تبعه(الحدائق الناضرة 11: 412.) ، انتهى. و أفتى جماعة- منهم صاحب «المدارك»- بالتخيير بين القصر و الإتمام؛ للتخيير بين الروايتين المتقدّمتين. و لكنّه قد تقدّم سابقاً: أنّ الأخبار المذكورة محمولة على التقية.

ص: 352

ص: 353

و الأحوط مراعاة رفع الأمارتين (1)،


1- اختلف أصحابنا القائلون باعتبار حدّ الترخّص في وجوب القصر في الإياب عن السفر في أنّه هل يكتفى فيه بخفاء خصوص الأذان، أو لا بدّ من خفاء الأذان و تواري البيوت معاً؟ و لا قائل بالاكتفاء بخصوص تواري البيوت دون خفاء الأذان. قال المحقّق رحمه الله في «الشرائع»: و كذا في عوده يقصّر حتّى يبلغ سماع الأذان من مصره. و صاحب «المدارك» بعد نقل عبارة المحقّق قال: ما اختاره المصنّف قدس سره في حكم العود أظهر الأقوال في المسألة؛ لقوله عليه السلام في رواية ابن سنان المتقدّمة: «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» و إنّما لم يكتف المصنّف رحمه الله هنا بأحد الأمرين- كما اعتبره في الذهاب- لانتفاء الدليل هنا على اعتبار رؤية الجدران(مدارك الأحكام 4: 458.) و قال صاحب «الجواهر» و نعم ما قال، بناءً على المختار- من اعتبار حدّ الترخّص في الإياب كالذهاب-: ينبغي اعتبارهما معاً حينئذٍ؛ ضرورة أنّه إذا كان أحدهما كافياً في وجوب القصر عند الذهاب فلا يرتفع ذلك إلّا برفع الموجب، و لا يتحقّق إلّا برفعهما(جواهر الكلام 14: 300.) و تبعه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» و قال: ثمّ إنّ مقتضى ما هو ظاهر المشهور من الاكتفاء بأحد الأمرين في الذهاب و أنّ أحدهما كافٍ في وجوب القصر؛ فلا بدّ من رفعهما معاً في الإياب؛ إذ لا يرتفع القصر إلّا برفع موجبه؛ فإذاً موجبه أحدهما فلا يرتفع إلّا بارتفاعهما معاً(مستمسك العروة الوثقى 8: 94.) ، انتهى. ثمّ إنّ القائلين بالاكتفاء بخصوص خفاء الأذان في وجوب القصر للآئب استدلّوا عليه بصحيح ابن سنان المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.) ، حيث اكتفي فيه بخصوص الأذان. و يمكن أن يستدلّ عليه أيضاً بصحيح حمّاد بن عثمان المتقدّم: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) . و أجاب عنهم صاحب «الجواهر» بأنّ الدليل غير منحصر به- كما سمعت- مع احتمال إرادة المصنّف المثال من ذكر الأذان، كما يومئ إليه قوله «و كذا»- قال في «الشرائع»: و لا يجوز له الترخّص قبل ذلك و إن نوى السفر ليلًا، و كذا في عوده يقصّر حتّى يبلغ سماع الأذان في مصره- و لعلّه لذا قال في «الرياض» ردّاً على «المدارك»: إنّ الظاهر عدم القائل بالفرق- كما قيل- و إن كان ربّما يتوهّم من الفاضلين في «الشرائع» و «التحرير»، أو أنّه متلازمان عنده؛ فمتى تحقّق أحدهما تحقّق الآخر، كما سمعته منّا سابقاً، بل لعلّ ذلك هو مقتضى كلّ من اكتفى بأحدهما في المقامين. أو أنّ نظرهم إلى غير مادّة الاجتماع، بل المراد المكان الذي لم يوجد فيه إلّا أحدهما، أو غير ذلك(جواهر الكلام 14: 300.) ، انتهى.

ص: 354

ص: 355

و الأحوط الأولى تأخير الصلاة إلى الدخول في منزله، و الجمع بين القصر و التمام إن صلّى بعد الوصول إلى الحدّ (1).


1- وجه الاحتياط احتمال اختصاص اعتبار حدّ الترخّص بالذهاب دون العود. و قد عرفت أنّ الأقوى عدم الاختصاص به، و الاحتياط المذكور في المتن حسنٌ.

ص: 356

و أمّا بالنسبة إلى المحلّ الذي عزم على الإقامة فيه، فهل يعتبر فيه حدّ الترخّص فينقطع حكم السفر بالوصول إليه أو لا؟ فيه إشكال، فلا يترك الاحتياط إمّا بتأخير الصلاة إليه أو الجمع (1).


1- قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» (مسألة 65): الأقوى عدم اختصاص اعتبار حدّ الترخّص بالوطن؛ فيجري في محلّ الإقامة أيضاً، بل و في المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً. و كما لا فرق في الوطن بين ابتداء السفر و العود عنه في اعتبار حدّ الترخّص، كذلك في محلّ الإقامة؛ فلو وصل في سفره إلى حدّ الترخّص من مكان عزم على الإقامة فيه ينقطع حكم السفر و يجب عليه أن يتمّ، و إن كان الأحوط التأخير إلى الوصول إلى المنزل، كما في الوطن. و قال السيّد الخوئي رحمه الله في حاشيته على «العروة» اعتبار حدّ الترخّص في محلّ الإقامة- و لا سيّما في العود إليه- محلّ إشكال بل منع، و الأولى رعاية الاحتياط فيه، انتهى. الوجه في اعتبار حدّ الترخّص في محلّ الإقامة هو إطلاق بعض أدلّة اعتباره، حيث إنّ قوله: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) مطلق شامل للمسافر الخارج من بلده و العائد إليه، و للواصل إلى حدّ الترخّص من محلّ عزم الإقامة فيه و الخارج عنه بتنزيل المقيم عشرة أيّام منزلة المتوطّن. و وجه عدم اعتباره بالنسبة إلى المسافر الواصل إلى حدّ ترخّص محلّ عزم الإقامة فيه عدم شمول أدلّة اعتبار حدّ الترخّص له لتقييد بعضها بالخارج عن بلده و العائد إليه؛ فلا تشمل الواصل إليه العازم للإقامة. و فصّل الشهيد الثاني و من تبعه في المقيم عشرة أيّام بين الداخل و الخارج، و اعتبروا الحدّ في الثاني دون الأوّل.

ص: 357

(مسألة 28): المدار في عين الرائي و اذُن السامع و صوت المؤذّن و الهواء هو المتوسّط المعتدل

(1).

(مسألة 29): الأقوى أنّ الميزان في خفاء الأذان: هو خفاؤه بحيث لا يتميّز بين كونه أذاناً أو غيره،

و ينبغي الاحتياط فيما إذا تميّز كونه أذاناً، لكن لا يتميّز بين فصوله، و فيما إذا لم يصل إلى حدّ خفاء الصوت رأساً (2).


1- المراد من الهواء الذي هو دخيل في الرؤية و السماع هو الخالي عن الغبار و الريح و سائر الموانع عن الرؤية أو السماع. و لا يخفى: أنّ المدار في عين الراعي و اذن السامع و صوت المؤذّن هو المتوسّط المعتدل؛ لأجل أنّه المعتاد؛ فينصرف إليه كلام المتكلّم الذي هو في مقام البيان من بين الأفراد المتفاوتة بالزيادة و النقصان.
2- اختلف فقهاؤنا في أنّ الميزان في خفاء الأذان خفاؤه بما أنّه أذان بحيث لو سمع الصوت و احتمل كونه أذاناً أو قراءة قرآن أو شعر- مثلًا- بصوت أعلى في حدّ صوت الأذان و لم يتميّز بالأخرة كونه أذاناً أو غيره، فيقصّر حينئذٍ؛ فالموجب للقصر عدم تميّز كونه أذاناً و لو بخفاء فصوله- أي عدم تميّزها- أو أنّ الميزان خفاؤه بما أنّه صوت بحيث كان الموجب للقصر خفاء صوت الأذان بما أنّه صوت لا بما أنّه أذان؛ فلو سمع الصوت و لم يتميّز كونه أذاناً- لعدم تميّز فصوله- أتمّ؟ الظاهر هو الثاني، و لا يخلو عن قوّة. قال النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» بالأوّل: و كذا المراد خفاء الأذان من حيث إنّه أذان و عدم تميّز فصول الأذان(مستند الشيعة 8: 297.) ، انتهى. و قال جماعة بالثاني؛ فعن صاحب «الرياض» أنّه قال: و لا يشترط في الأذان تميّز فصوله. و في «الجواهر»: بل قد يقال باعتبار مثله في الأذان على معنى اعتبار خفائه تمييز فصوله دون نفس الصوت، لنحو ما سمعته أيضاً من عدم صدقه على نفس الصوت أو عدم انصراف إطلاقه إليه. لكن المقدّس البغدادي و غيره اعتبر الصوت نفسه، و هو لا يخلو من وجه، بل قوّة؛ إذ الظاهر إرادة التمثيل من الأذان لكلّ صوت رفيع يشبهه، و إنّما خصّ به لأنّه في العادة أرفع الأصوات؛ حتّى تعارف في العرف الكناية به عن رفع الأصوات، و لأنّه على هذا التقدير تقرب العلامتان من الاتّحاد. نعم قد يقال: إنّ المعتبر سماع الصوت على أنّه أذان و إن لم يميّز بين فصوله. و لعلّه المراد ممّا حكي عن «إرشاد الجعفرية» و «الميسية» و «المقاصد» و «الروض» و غيرها؛ من أنّ المعتبر سماع صوت الأذان و إن لم يميّز بين فصوله، مع احتمال كون العبرة بعد السماع مطلقاً حتّى في المردّد بين كونه أذاناً أو غيره؛ لأصالة التمام، و لأنّ الظاهر إرادة البُعد عن البلد بحيث لا يسمع لها صوت أصلًا، و كنّي عن ذلك بالأذان لاقتضائه خفاء غيره بالأولى(جواهر الكلام 14: 295.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: و هل يعتبر في سماع الأذان أن يسمع فصوله بحيث يميّزها عن سائر الأصوات، أم يكفي مجرّد سماع صوته؟ وجهان، أوجههما الثاني؛ إذ الظاهر إرادة التمثيل من الأذان لكلّ صوت رفيع يشبهه. فالمدار في التقصير على وصوله إلى موضع لا يسمع فيه الأصوات المرتفعة في البلد التي أرفعها بمقتضى العادة أذان مصرهم؛ فتخصيص الأذان بالذكر على الظاهر لذلك، لا لإرادته بالخصوص كي يتّجه الالتزام باعتبار سماعه على وجه يتميّز عن غيره(مصباح الفقيه، الصلاة: 751/ السطر 7.) و في «المستمسك» مقتضى الجمود على عبارة النصّ خفاؤه بما هو أذان، بحيث لا يتميّز أنّه أذان أو غيره. نعم يحتمل قريباً أن يكون المراد خفاء صوت الأذان بما هو صوت عالٍ بمرتبة خاصّة من العلو؛ فيكون عنوان الأذان ملحوظاً طريقاً إلى نفس الصوت، و إنّما خصّه بالذكر من بين الأصوات لمعهوديته خارجاً، و ليس لغيره مثل هذه المعهودية. و لو بنى على اعتبار تميّز الفصول كان اللازم اعتبار تميّز الحروف؛ لعدم الفرق(مستمسك العروة الوثقى 8: 96.) ، انتهى. و في حاشية السيّد الحكيم رحمه الله على «العروة»: اعتبار خفاء مطلق الصوت لا يخلو من قوّة. هنا فروع: الأوّل: الظاهر اعتبار كون الأذان على مرتفع كالمنارة و نحوها في البلاد المعتاد فيها فلا يجزي السطح و نحوه فيها، و يعتبر أن لا تكون المنارة و نحوها خارق المعتاد في الارتفاع و الانخفاض. الثاني: الظاهر اعتبار كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر، حيث إنّ بُعده عن البلد بالمقدار المعلوم سبب لخفاء الأذان؛ فلا يكون ذلك إلّا بفرض كون الأذان في آخر البلد من ناحيته، هذا في البلاد الصغيرة و المتوسّطة. و أمّا في البلاد الكبيرة المتّسعة- كالكوفة التي قيل: إنّ بيوتها كانت ممتدّة إلى أربعة فراسخ و نحوها- فيعتبر فيها أذان آخر محلّته إذا كان منفصل المحالّ، كالقرى المتقاربة. و أمّا إذا كان متّصل المحالّ فإن صدق على الخارج من محلّته إلى محلّة اخرى من البلد الكبير أنّه مسافر عرفاً كان الاعتبار بأذان آخر محلّته، و إلّا فأذان آخر البلد. و قال السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها: الظاهر عدم اعتبار كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر في البلاد الصغيرة و المتوسّطة، بل المدار أذانها و إن كان في وسط البلد على مأذنة مرتفعة. نعم في البلاد الكبيرة يعتبر كونه في أواخر البلد من ناحية المسافر. و فيه أوّلًا: أنّ مقتضى إطلاق تقدير البعد المفروض بين المسافر و البلد بخفاء الأذان هو اعتبار كون الأذان في آخر البلد مطلقاً، إلّا في البلاد الكبيرة. و ثانياً: أنّه لو كان الاعتبار بأذان مأذنة مرتفعة- و إن كان في وسط البلد- للزم الاختلاف كثيراً؛ ففي بعض البلاد المتوسّطة يخفى أذانها قبل الخروج منه، أو بعد الخروج قليلًا بحيث يقرب من البلد و يرى بيوته بأشكالها و تصاويرها، و الالتزام به مشكل جدّاً. الثالث: قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» (مسألة 59): إذا كان البلد في مكان مرتفع بحيث يرى من بعيد يقدّر كونه في الموضع المستوي، كما أنّه إذا كان في موضع منخفض يخفى بيسير من السير أو كان هناك حائل يمنع عن رؤيته كذلك يقدّر في الموضع المستوي، و كذا إذا كانت البيوت على خلاف المعتاد من حيث العلوّ أو الانخفاض فإنّها تردّ إليه. لكن الأحوط خفاؤها مطلقاً، و كذا إذا كانت على مكان مرتفع فإنّ الأحوط خفاؤها مطلقاً(العروة الوثقى 2: 136، المسألة 59.) ، انتهى. و صاحب «الجواهر» رحمه الله علّل تقدير البلد الواقع في مكان مرتفع أو منخفض كونه في الموضع المستوي بقوله: تنزيلًا للإطلاق على الغالب؛ يعني أنّ الظاهر من إطلاق الدليل بحسب الغالب كون التواري لأجل البعد و الفاصلة المتعارفة المعتادة الحاصلة غالباً بين انتهاء البلد و الموضع الذي يتوارى البيوت عن رؤية المسافر. فالتواري المحقّق بفصل قليل من البلد من جهة انخفاضه لا يوجب القصر، و كذا عدم التواري في الفاصلة المتعارفة المعتادة من جهة ارتفاع البلد لا يوجب التمام، بل يعتبر في البلد المنخفض و المرتفع التقدير بالمكان المستوي(جواهر الكلام 14: 295.) و صاحب «المدارك» رحمه الله احتمل الاكتفاء بمجرّد التواري في البلد المنخفض. و حكي عن صاحب «الذخيرة» الاكتفاء بحصول الحائل بين المسافر و البلد و إن كان الفصل قليلًا جدّاً و لا يضرّ رؤيتها بعد ذلك. و لعلّ وجههما إطلاق قوله عليه السلام في جواب قول السائل: متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت»(وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.) . و فيه: أنّ المعتبر التواري لأجل البعد و الفصل المتعارف بين المسافر و البلد كما في الأذان، لا من جهة اخرى؛ فالإطلاق ينصرف إلى المتعارف المعتاد، و يقدّر غيره بتقديره.

ص: 358

ص: 359

ص: 360

ص: 361

ص: 362

(مسألة 30): لو لم يكن هناك بيوت و لا جدران يعتبر التقدير،

بل الأحوط ذلك في مثل بيوت الأعراب و نحوهم ممّن لا جدران لبيوتهم (1).

(مسألة 31): لو شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه،

فيبقى على التمام في الذهاب، و على القصر في الإياب، إلّا إذا استلزم منه محذور، كمخالفة العلم الإجمالي أو التفصيلي ببطلان صلاته، كمن صلّى الظهر تماماً في الذهاب في المكان المذكور، و أراد إتيان العصر في الإياب فيه قصراً (2).


1- قال صاحب «الجواهر»: و في اعتبار خصوص الجدران في البيوت نظر، بل قد يقوى عدمه، كما عن الأردبيلي رحمه الله التصريح به. فالبدوي و غيره ممّن لا جدران لهم يعتبرون خفاء بيوتهم؛ لإطلاق النصّ مع غلبة ذلك في الزمن السابق. و احتمال تقدير الجدار لهم- كما يحكى عن ظاهر «المقاصد»- بعيد، كاحتمال اختصاص إمارتهم بالأذان دون البيوت(جواهر الكلام 14: 297.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ خفاء الجدران لم يرد في نصّ من النصوص، كما نبّه عليه بعض فقهائنا، و لعلّ من عبّر به أراد منه تواري جدران البيوت.
2- مقتضى استصحاب عدم البلوغ إلى حدّ الترخّص في الذهاب هو البقاء على التمام، كما أنّ مقتضاه في الإياب البقاء على القصر؛ فتصحّ صلاته تماماً في الذهاب و قصراً في الإياب فيما إذا لم يستلزم مخالفة العلم الإجمالي أو التفصيلي ببطلان أحدهما. فلو صلّى قصراً في الإياب في خصوص المكان الذي صلّى فيه تماماً في الذهاب لبطلت إحدى الصلاتين؛ لتعارض الاستصحابين، حيث إنّ النقطة الخاصّة من المكان إذا لم تكن حدّ الترخّص تعبّداً بمقتضى الاستصحاب في الذهاب تكون الصلاة فيها قصراً في الإياب باطلًا. و كذلك في الإياب إذا لم تكن تلك النقطة حدّ الترخّص تعبّداً بمقتضى الاستصحاب تكون الصلاة فيها تماماً في الذهاب باطلًا. فلا بدّ في صحّة الصلاتين معاً إمّا من إتيان الصلاة في الإياب قبل الوصول إلى النقطة التي صلّاها في الذهاب. و إمّا من قضاء ما صلّاه تماماً في الذهاب قصراً في الإياب ثمّ إتيان الصلاة الاخرى في الإياب تماماً و قصراً. و لو لم يقض قصراً ما صلّاه تماماً في الذهاب و لم يعد ما صلّاه تماماً في الإياب قضى ما صلّاه تماماً قصراً، و ما صلّاه قصراً تماماً؛ و ذلك للعلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين. فرع: إذا اعتقد الوصول إلى حدّ الترخّص في الذهاب فصلّى قصراً ثمّ بان أنّه لم يصل إليه بطل ما صلّاه قصراً؛ فحينئذٍ لو لم يتجاوز عن ذلك المكان إلى خروج وقت تلك الصلاة يجب عليه إعادتها تماماً أو قضاؤها كذلك. و لو تجاوز عنه و وصل إلى حدّ الترخّص وجب عليه القصر أداءً أو قضاءً. و كذا في العود إذا اعتقد الوصول إلى حدّ الترخّص و صلّى تماماً ثمّ انكشف خلاف اعتقاده بطل ما صلّاه تماماً و وجب عليه القصر إن لم يتجاوز عن ذلك المكان حتّى خرج الوقت. و إذا تجاوز عنه و دخل في حدّ الترخّص وجب عليه التمام أداءً أو قضاءً. و لو اعتقد عدم الوصول في الذهاب فأتمّ ثمّ بان وصوله إليه قصّر. و إذا اعتقد عدم الوصول في الإياب فقصّر ثمّ بان وصوله إليه أتمّ.

ص: 363

ص: 364

(مسألة 32): لو كان في السفينة و نحوها، فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنية التمام

، ثمّ وصل إليه في الأثناء، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، أتمّها قصراً، و صحّت صلاته إن كان معتقداً لإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص (1)،


1- لا إشكال في عدم جواز الشروع في الصلاة تماماً فيما إذا لم يكن معتقداً بإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص؛ لعدم تمشّي نية الإتمام مع هذا الاعتقاد. و أمّا إذا اعتقد أنّه يتمّ أربعاً قبل الوصول إلى حدّ الترخّص فأحرم بنية التمام ثمّ وصل إليه قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، عدل عن نية التمام إلى القصر؛ فيجلس و يسلّم و صحّت صلاته؛ لتبدّل عنوان الحاضر إلى عنوان المسافر المتواري عنه البيوت و المخفي عنه الأذان، و يكون القيام زائداً واقعاً في غير محلّه. قال الشيخ في «المبسوط»: إذا أحرم في السفينة بصلاة مقيم ثمّ سارت السفينة لم يلزمه التقصير؛ لأنّ من شرط التقصير أن يتوارى عنه جدران مصره أو يخفى عليه أذان مصره(المبسوط 1: 140.) و قال العلّامة في «التذكرة»: و لو أحرم في السفينة قبل أن تسير و هي في الحضر ثمّ سارت حتّى خفي الأذان و الجدران، لم يجز له القصر؛ لأنّه دخل في الصلاة على التمام(تذكرة الفقهاء 4: 382.) ، انتهى.

ص: 365

و إلّا فإن وصل إليه قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمّها قصراً و صحّت، و مع الدخول فيها فمحلّ إشكال، فالأحوط إتمامها قصراً ثمّ إعادتها تماماً، أو تماماً ثمّ الإعادة قصراً (1). كما أنّه لو وصل إليه بعد الدخول في الركوع فمحلّ إشكال، فلا يُترك الاحتياط بإتمامها تماماً ثمّ إعادتها قصراً (2).


1- أي و لم يكن معتقداً لإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص، بل احتمل حين الشروع فيها إتمامها أربعاً، و احتمل أيضاً عدمه؛ فحينئذٍ إن وصل إلى حدّ الترخّص قبل أن يقوم إلى الركعة الثالثة فهو في هذه الحال قد تبدّل عنوانه من الحاضر إلى المسافر الداخل في حدّ الترخّص و وجب عليه إتمامها قصراً و صحّت صلاته، و إن وصل إليه بعد أن قام إلى الركعة الثالثة فمحلّ إشكال؛ لاحتمال بطلان صلاته. فالأحوط أحد الأمرين: إمّا إتمام ما بيده قصراً؛ لكونه مسافراً واصلًا حدّ الترخّص، و المفروض عدم دخوله في ركوع الركعة الثالثة ثمّ إعادتها تماماً؛ لاحتمال بطلان صلاته المنوية تماماً مع عدم اعتقاده بإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص و صيرورته مسافراً بعد الدخول في الركعة الثالثة. و إمّا إتمام ما بيده تماماً؛ لأنّ «الصلاة على ما فتحت»، ثمّ الإعادة قصراً.
2- وجه الإشكال في إتمامها أربعاً و الاكتفاء بها: أنّ من لا يعتقد إتمام الصلاة أربعاً قبل الوصول إلى حدّ الترخّص قد انقلب عن عنوان الحاضر إلى عنوان المسافر بعد أن دخل في ركوع الركعة الثالثة، و كون الصلاة على ما افتتحت لم يثبت بنحو يشمل المقام. فلا يترك الاحتياط بإتمامها أربعاً ثمّ إعادتها قصراً.

ص: 366

و لو كان في حال العود، و شرع في الصلاة بنية القصر قبل الوصول إلى الحدّ، ثمّ وصل إليه في الأثناء، أتمّها تماماً و صحّت (1).


1- وجه إتمامها تماماً و صحّتها تبدّل عنوان المسافر و صيرورته حاضراً. فالأحوط إتمامها قصراً؛ لكون «الصلاة على ما افتتحت»، ثمّ إعادتها تماماً.

ص: 367

القول في قواطع السفر

اشارة

و هي امور:

أحدها: الوطن،
اشارة

فينقطع السفر بالمرور عليه، و يحتاج في القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة؛ سواء كان وطنه الأصلي و مسقط رأسه أو المستجدّ (1)


1- انقطاع السفر بالمرور على الوطن ممّا لا خلاف فيه، و النصوص به مستفيضة، و القول بانقطاعه بالدخول في خصوص المنزل قد سبق البحث فيه مفصّلًا، و أنّه نادر مخالف للشهرة التي كادت أن تكون إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض، و إنّما ينزل قراه و ضيعته، قال: «إذا نزلت قراك و أرضك فأتمّ الصلاة، و إذا كنت في غير أرضك فقصّر»(وسائل الشيعة 8: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 2.) . و موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) . و مفهوم صحيح علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: الرجل يتّخذ المنزل فيمرّ به، أ يتمّ أم يقصّر؟ قال: «كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، و ليس لك أن تتمّ فيه»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 6.) . و مفهوم صحيحه الآخر قال: سألت أبا الحسن الأوّل عن رجل يمرّ ببعض الأمصار و له بالمصر دار، و ليس المصر وطنه، أ يتمّ صلاته أم يقصّر؟ قال: «يقصّر، و الصيام مثل ذلك إذا مرّ بها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 7.) . و صحيح سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) . و صحيح عمران بن محمّد الأشعري قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلًا خمسة فراسخ، فربّما خرجت إليها فاقيم فيها ثلاثة أيّام أو خمسة أيّام أو سبعة أيّام، فأتمّ الصلاة أم اقصّر؟ فقال: «قصّر في الطريق و أتمّ في الضيعة»(وسائل الشيعة 8: 496، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 14.) ، و غيرها من روايات الباب. فالمستفاد من مجموع الروايات: أنّ السفر ينقطع بالمرور على الوطن. و يحتاج في القصر بعد المرور على الوطن إلى قصد المسافة، و يقصّر بعد الوصول إلى حدّ ترخّص وطنه الممرور به.

ص: 368

و هو المكان الذي اتخذه مسكناً و مقرّاً له دائماً (1)،


1- اختلف العلماء في تعريف الوطن- أي الموضع الذي فيه الإتمام و الصيام- على أقوال، و قد أنهاها الفاضل النراقي رحمه الله في مستند الشيعة(مستند الشيعة 8: 227- 229.) إلى ثمانية، نذكرها ملخّصاً: الأوّل: أنّه ماله فيه ملك مطلقاً؛ أي سواء كان الملك منزله أو غيره كالبستان و المزرعة، و سواء استوطن فيه ستّة أشهر أو لا. نسب هذا القول إلى ظاهر الإسكافي. الثاني: أنّه ماله فيه ملك مطلقاً مع استيطان ستّة أشهر مطلقاً؛ أي سواء كانت من سنة واحدة أو من سنين متعدّدة. و نسب هذا التعريف إلى «المبسوط». قال في «الشرائع»: و الوطن الذي يتمّ فيه هو كلّ موضع له فيه ملك قد استوطنه ستّة أشهر. و في «المدارك»: إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الملك بين المنزل و غيره. و بهذا التعميم جزم العلّامة و من تأخّر عنه؛ حتّى صرّحوا بالاكتفاء في ذلك بالشجرة الواحدة. و استدلّوا عليه بما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) ، و هذه الرواية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية، انتهى(مدارك الأحكام 4: 443.) و أمّا أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال الواقع في السند فقد وثّقه الشيخ رحمه الله في «الفهرست» و النجاشي و المحقّق رحمه الله في غير موضع من «المعتبر» و غيرهم من الرجاليين. الثالث: أنّه ما يكون له فيه منزل مملوك مع استيطانه ستّة أشهر مطلقاً. اختاره في «النافع» و «الروضة». الرابع: أنّه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه ستّة أشهر في السنة. و هو قول الصدوق رحمه الله في «من لا يحضره الفقيه». الخامس: أنّه ما يكون له منزل، مع استيطانه فعلًا. و هو ظاهر الشيخ رحمه الله في «النهاية» و القاضي ابن البرّاج في «الكامل». السادس: ما يكون له فيه وطن فعلًا. و هو مذهب أبي الصلاح الحلبي. و الظاهر اتّحاده مع سابقه؛ لعدم انفكاك الوطن عن المنزل. السابع: ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه عرفاً. اختاره السبزواري في «الذخيرة» و «الكفاية». الثامن: ما يكون له فيه ملك أقام فيه ستّة أشهر؛ بأن يكون وطناً له عرفاً. اختاره بعض المتأخّرين. و محصّل الأقوال: أنّ بناء الأقوال الأربعة الاولى على الوطن الشرعي و إن اختلفوا فيما تحقّق به، و بناء الخامس و السادس يحتمل أن يكون على الشرعي و على العرفي، و بناء السابع على العرفي، و بناء الثامن على كلّ منهما. و الذي يظهر من بعض الأخبار- بل صريحه- اعتبار المنزل و المسكن في صدق الوطن، كصحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه»، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها»(وسائل الشيعة 8: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) . و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يسافر، فيمرّ بالمنزل له في الطريق، يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال: «يقصّر، إنّما هو المنزل الذي توطّنه»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 8.) ، هذه الرواية قد رواها الشيخ رحمه الله في «الاستبصار» بسنده عن حمّاد بن عثمان، و رواه في «التهذيب» عن الحلبي. و صحيح سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) . فالمستفاد من أمثال هذه الروايات: أنّ الوطن هو المكان الذي اتّخذه مسكناً و منزلًا له، و أمّا قصد اتّخاذه وطناً دائماً فلا دليل عليه. و لعلّ مراد من قيّده به عدم قصد التوقيت؛ فإنّه مضرّ و منافٍ للاستيطان.

ص: 369

ص: 370

ص: 371

و لا يعتبر فيه حصول ملك و لا إقامة ستّة أشهر (1).


1- قال صاحب «الجواهر» رحمه الله: «و المراد بالوطن الذي يتمّ فيه- و إن عزم على السفر قبل تخلّل العشرة- هو كلّ موضع يتّخذه الإنسان مقرّاً و محلّاً له على الدوام إلى الموت، لا أنّه قصد استيطانه مدّة و إن طالت مستمرّاً على ذلك غير عادل عنه ... إلى أن قال: أو كلّ موضع يكون له فيه ملك قد استوطنه فيما مضى من الزمان ستّة أشهر فصاعداً، كما هو المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل لا خلاف فيه إلّا من نادر، بل في «الروض»: و عن «التذكرة» الإجماع عليه، و هو الحجّة. مضافاً إلى استفادته أيضاً من مجموع النصوص، كالمستفيضة الدالّة على التمام إذا مرّ بقرية أو ضيعة، بعد تقييدها بغيرها من النصوص التي اعتبرت في الإتمام كون الضيعة و القرية وطناً له، و إلّا قصّر ما لم ينو مقام عشرة أيّام المعتضدة بفتوى الأصحاب، عدا ابن الجنيد فيما حكي عنه من العمل بإطلاق عدم اعتبار الستّة و غيرها ... إلى أن قال: فمن مجموع هذه النصوص يستفاد الإتمام بحصول الشرطين المزبورين- الملك، و الإقامة ستّة أشهر بقصد الوطن- أمّا الملك فمن اللام في الصحيح المزبور- صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام: «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر» - و غيره. و الإضافات في غيرها المنساق منها الملكية إلى الذهن. و أمّا الاستيطان ستّة أشهر فمن الصحيح أيضاً، كاستفادة أصل الاستيطان بدون التقييد من النصوص السابقة و غيرها ...». إلى أن قال رحمه الله: ربّما اشكل ذلك كلّه بعدم اقتضاء اللام و الإضافة التمليك؛ خصوصاً الثانية التي يكفي فيها أدنى ملابسة، بل و الأولى لغلبة مجيئها للاختصاص. ثمّ استشكل على الاستدلال بصحيح ابن بزيع على اعتبار إقامة ستّة أشهر؛ بأنّ ظاهر الصحيح اعتبار فعلية الاستيطان و تجدّده في كلّ سنة بقرينة المضارع: «يقيم فيه ستّة أشهر» الموضوع للتجدّد و الحدوث. و على الاستدلال بالموثّق على اشتراط الملك بأنّه مع احتمال التقية فيه لا دلالة له على اشتراط الملك ... إلى أن قال رحمه الله: و من هنا جزم في «الرياض» بعدم اعتبار الملك، و أنّه يكفي الاستيطان في المنزل خاصّة و إن لم يكن ملكاً، انتهى كلام صاحب الجواهر رحمه الله ملخّصاً. ثمّ أجاب رحمه الله عمّا أفاده صاحب «الرياض» مفصّلًا، فراجع(جواهر الكلام 14: 245- 254.) و لا يخفى: أنّ المستفاد من مجموع الروايات هو أنّ الوطن القاطع للسفر هو المكان الذي اتّخذه مسكناً و منزلًا له، و أمّا اشتراط كون المنزل و المسكن ملكاً فلا دلالة له فيها. و أمّا الإقامة ستّة أشهر فقد صرّح بها في صحيح إسماعيل بن بزيع المتقدّم فقلت: ما الاستيطان؟ قال: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) ، و مقتضاه اشتراط الإقامة ستّة أشهر في الوطن، إلّا أن تقوم الشهرة على عدم الاشتراط. و لا ينبغي ترك الاحتياط بالإقامة ستّة أشهر.

ص: 372

ص: 373

نعم يعتبر في المستجدّ الإقامة فيه بمقدار يصدق عرفاً أنّه وطنه و مسكنه، بل قد يصدق الوطن بواسطة طول الإقامة؛ إذا أقام في بلد بلا نية للإقامة دائماً و لا نية تركها (1).


1- لا وجه للتقييد بالمستجدّ في اعتبار الإقامة فيه بمقدار يصدق عرفاً أنّه وطنه و مسكنه؛ و لذا أرجع الضمير إلى مطلق الوطن في «العروة الوثقى»؛ فقال: نعم يعتبر فيه الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً أنّه وطنه. و لا يخفى: أنّ اعتبار الإقامة بمقدار يصدق به الوطن عرفاً إنّما هو في مقابل قول من يكتفي في صدق الوطن بمجرّد النية من غير إقامة مدّة. و في «الجواهر»: نعم يعتبر فيه الإقامة فيه في الجملة عرفاً، و لا يكتفى بالنية مع احتماله، بل اكتفى بها شيخنا في «بغية الطالب»، و لا يخلو من قوّة(جواهر الكلام 14: 245.) ، انتهى. و لا يخفى أيضاً: أنّ في صدق الوطن العرفي بطول الإقامة في محلّ مع عدم نية الإقامة كلاماً يأتي في آخر هذا المبحث فانتظر.

ص: 374

(مسألة 1): لو أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجدّ و توطّن في غيره،

فإن لم يكن له فيه ملك، أو كان و لم يكن قابلًا للسُّكنى، أو كان و لم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن الأبدي، يزول عنه حكم الوطنية (1). و أمّا إذا كان له ملك و قد سكن فيه ستّة أشهر، بعد اتّخاذه وطناً دائماً، أو كونه وطناً أصليّاً، فالمشهور على أنّه بحكم الوطن الفعلي، و يسمّونه بالوطن الشرعي، فيوجبون عليه التمام بالمرور عليه ما دام ملكه باقياً فيه، بل قال بعضهم:

بوجوب التمام إذا كان له فيه ملك غير قابل للسكنى و لو نخلة و نحوها، بل فيما إذا سكن ستّة أشهر و لو لم يكن بقصد التوطّن دائماً، بل بقصد التجارة مثلًا.


1- و ذلك لأنّ المكان الذي لم يكن له فيه ملك، أو كان و لكن لم يكن قابلًا للسكنى، أو كان قابلًا لها و لكن لم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن، و إن كان يصدق عليه الوطن العرفي بقصد التوطّن فيه و الإقامة فيه مدّة يصدق عرفاً أنّه وطنه ما دام لم يعرض عنه، و لكن العرف يحكم بخروجه عن كونه وطناً بمجرّد الإعراض؛ فالمرور عليه لا يوجب قطع حكم السفر، بل يقصّر و يفطر كلّما مرّ عليه.

ص: 375

و الأقوى خلاف ذلك كلّه، فلا يجري حكم الوطن فيما ذكر كلّه. و يزول حكم الوطن مطلقاً بالإعراض؛ و إن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن و غيره فيها، خصوصاً الصورة الاولى (1).


1- الوطن العرفي عند المشهور هو المكان الذي اتّخذه مسكناً و مقرّاً له دائماً مع الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً أنّه وطنه. و الوطن الشرعي ما اتّخذه مقرّاً له دائماً مع وجود ملك له فيه و قد سكن فيه ستّة أشهر. و لعلّ وجه المشهور في إجراء حكم الوطن العرفي على الوطن الشرعي المعرض عنه صحيح إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه»، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) . و صحيح سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) . و فيه: أنّ في جملة من الروايات المعتبرة قد قيّد الإتمام فيها بالاستيطان، كما في صحاح علي بن يقطين و غيرها من روايات الباب الرابع عشر من أبواب صلاة المسافر من «الوسائل»؛ فيقيّد بها الصحيحان المزبوران و أنّ الإتمام مع التوطّن و الاستيطان الفعلي، و هذا يصدق مع بقاء القصد إلى كونه وطناً. و أمّا مع الإعراض فلا يجري حكم الوطن في الصور المذكورة في المتن كلّها، و إن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن و غيره؛ خصوصاً في الصورة الاولى؛ و هي ما كان له ملك و قد سكن فيه ستّة أشهر، و قد كان اتّخذه وطناً دائماً أو كونه وطناً أصلياً ثمّ أعرض عنه. و أمّا تقييد المشهور وجوب التمام في الوطن المعرض عنه ببقاء ملكه فيه فيدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) ، و قد تقدّم البحث في دلالة اللام و الإضافة على الملك، فراجع.

ص: 376

(مسألة 2): يمكن أن يكون للإنسان وطنان فعليّان في زمان واحد؛

بأن جعل بلدين مسكناً له دائماً، فيقيم في كلّ منهما ستّة أشهر- مثلًا- في كلّ سنة.

و أمّا الزائد عليهما فمحلّ إشكال لا بدّ من مراعاة الاحتياط (1).


1- لا كلام و لا إشكال في تحقّق الوطنين الفعليين للإنسان. إنّما الكلام في الزائد عليهما فنقول: إنّ الوطن العرفي يتحقّق مع الاستيطان و الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً أنّه وطنه و مسكنه، كما عرّفه المصنّف رحمه الله و غيره. و الظاهر أنّ الصدق العرفي يختلف باختلاف الأشخاص و الخصوصيات؛ فحينئذٍ فلا مانع من جعل أزيد من بلدين وطناً بعد الصدق العرفي و يسكن في كلّ منها أشهراً من السنة؛ قلّت أو كثرت. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: بل يمكن الثلاثة أيضاً، بل لا يبعد الأزيد أيضاً.

ص: 377

(مسألة 3): الظاهر أنّ التابع- لذي لا استقلال له في الإرادة و التعيّش- تابع لمتبوعه

في الوطن، فيعدّ وطنه وطنه؛ سواء كان صغيراً- كما هو الغالب- أو كبيراً شرعاً، كما قد يتّفق للولد الذكر و كثيراً ما للُانثى، خصوصاً في أوائل البلوغ، و الميزان هو التبعية و عدم الاستقلال، فربما يكون الصغير المميّز مستقلًاّ في الإرادة و التعيّش، كما ربما لا يستقلّ الكبير الشرعي.

و لا يختصّ ذلك بالآباء و الأولاد، بل المناط هو التبعية و إن كانت لسائر القرابات أو للأجنبي أيضاً. هذا كلّه في الوطن المستجدّ (1). و أمّا الأصلي ففي تحقّقه لا يحتاج إلى الإرادة، و ليس اتّخاذيّاً إراديّاً (2)،


1- الظاهر من العبارات الواردة في الروايات، كقوله عليه السلام: «إنّما هو المنزل الذي توطّنه» ، و قوله: «يستوطنه» و «يقيم فيه ستّة أشهر» و نحوها هو الاستقلال في اتّخاذ الوطن و الإقامة فيه مدّة. فالتابع في الإرادة و التعيّش و الإقامة مدّةً، لا يتمشّى منه الاستيطان؛ لأنّ زمام أمره بيد المتبوع ما دام تابعاً؛ سواء في ذلك الصغير المميّز و الكبير الشرعي و الأقارب و الأجنبي. فالمعيار في الاستيطان هو الاستقلال في الإرادة و التعيّش؛ فمن لا استقلال له لا أثر لاستيطانه، بل وطنه هو وطن المتبوع.
2- حيث إنّ مسقط رأس الولد حين التكليف يعدّ وطنه عرفاً ما دام لم يعرض عنه. و يمكن أن يقال: إنّه قاصد إجمالًا كون وطن أبويه وطنه بحيث لو سئل عنه: هل لك وطن؟ أجاب: نعم هو وطني و وطن أبويّ.

ص: 378

لكن في الإعراض- الذي يحصل بالإعراض العملي- يأتي الكلام المتقدّم فيه (1).

(مسألة 4): لو تردّد في المهاجرة عن الوطن الأصلي، فالظاهر بقاؤه على الوطنية

ما لم يتحقّق الخروج و الإعراض عنه، و أمّا في الوطن المستجدّ فلا إشكال في زواله؛ إن كان ذلك قبل أن يبقى فيه مقداراً يتوقّف عليه صدق الوطن عرفاً، و إن كان بعد ذلك فالأحوط الجمع بين أحكام الوطن و غيره؛ و إن كان الأقوى بقاؤه على الوطنية أيضاً (2).


1- التابع ما دام تابعاً وطنه وطن المتبوع، و بالإعراض العملي ترتفع التبعية حقيقةً و يزول حكم الوطن.
2- الوطن الأصلي و كذلك المستجدّ- الذي يصدق عرفاً أنّه وطن- باقيان على الوطنية ما لم يتحقّق الخروج و الإعراض عنهما؛ فإذا قصد الإعراض عنهما و خرج يقصّر. فما دام لم يتحقّق الإعراض يتمّ و لو كان متردّداً في المهاجرة و البقاء؛ و ذلك لأنّ الظاهر من الأدلّة هو أنّ وجوب القصر وظيفة المسافر الواجد لشرائط التقصير، و المتردّد ما دام متردّداً و لم يتحقّق منه الإعراض يصدق عليه أنّه حاضر و مستقرّ في وطنه؛ أصلياً كان أو مستجدّاً، و وظيفته الإتمام. و أمّا المستجدّ المتردّد فيه قبل أن يقيم في ذلك المكان مدّة يصدق معها عرفاً أنّه وطنه كانت وظيفته القصر من ابتداء الإقامة ما دام مستقرّاً فيه، إلّا أن يقصد إقامة العشرة أو يبقى فيه ثلاثين يوماً متردّداً. و لا يخفى ما في عبارة المصنّف رحمه الله: «فلا إشكال في زواله» من المسامحة؛ لأنّ زوال الوطنية فرع ثبوتها، و لم تثبت لأنّ المفروض عدم صدق الوطن عرفاً قبل أن يبقى فيه مقداراً يتوقّف عليه صدق الوطن عرفاً، و لعلّ تعبيره به باعتبار قصده التوطّن قبل عروض حال التردّد. إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه قد وعدنا سابقاً أن نبحث عن أنّه هل يصدق الوطن بطول الإقامة في محلّ بلا قصد التوطّن دائماً إلى أن يموت، أو لا؟ قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» (مسألة 7): ظاهر كلمات العلماء- رضوان اللَّه تعالى عليهم- اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن العرفي؛ فلا يكفي العزم على السكنى إلى مدّة مديدة- كثلاثين سنة أو أزيد- لكنّه مشكل؛ فلا يبعد الصدق العرفي بمثل ذلك. و الأحوط في مثله إجراء الحكمين بمراعاة الاحتياط، انتهى. أقول: صدق الوطن العرفي على مكان لم يستوطنه المقيم فيه بعد، بل عزم على السكنى فيه مدّة طويلة- كثلاثين سنة- و إن كان مشكلًا جدّاً، و لكنّه لا يعدّ عند العرف مسافراً؛ فوجوب التقصير متعلّقه المسافر. و إطلاق المسافر على المقيم في محلّ مدّة مزبورة- مثلًا- ممّا لا يساعده العرف. قال في «المستمسك»: فالمسافر الذي يقصّر مقابل الحاضر الذي يتمّ، و الحضور يكون بالإقامة في الوطن الدائم و يكون بالوطن الموقّت؛ فإنّ المقيم فيه حاضر عرفاً. و يشهد بذلك: أنّ كثيراً من الأعراب الذين يسكنون هذه البيوت لهم أوطان مستقرّة يسكنونها في بعض السنة و يخرجون منها في أيّام الربيع لسوم مواشيهم؛ و على هذا يكون المقرّ بمنزلة وطنهم في وجوب الإتمام(مستمسك العروة الوثقى 8: 115.)، انتهى. و لا يخفى ما في كلامه رحمه الله من التعبير بالوطن الموقّت عن المحلّ المزبور، و الأولى ما ذكره رحمه الله في ذيل كلامه: «بمنزلة الوطن». و نِعم ما قال رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»: نعم هو بحكم الوطن، و تجري عليه أحكامه.

ص: 379

ص: 380

الثاني من قواطع السفر: العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات،
اشارة

أو العلم ببقائه كذلك و إن كان لا عن اختياره (1).


1- المراد من اشتراط التوالي في إقامة عشرة أيّام أن لا يخرج بينها من محلّ الإقامة إلى حدّ يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام في ذلك المحلّ، و سيأتي البحث فيه مفصّلًا في المسألة السابعة. نية الإقامة عشرة أيّام في غير بلده قاطع للسفر إجماعاً- محصّلًا و منقولًا إن لم يكن من ضروريات المذهب. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة إن لم تكن متواترة: منها: صحيح إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام ...»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) الحديث. و صحيح العمركي عن علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في المكان، عليه صوم؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة»، قال: و سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) و رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 4.) ، و في سند الرواية موسى بن عمر بن يزيد، و هو إمامي مجهول. و صحيح أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 5.) . و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أتى ضيعته ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر، و إن أراد المقام عشرة أيّام أتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 6.) . و صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 8.) . و صحيح أبي أيّوب قال: سأل محمّد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام- و أنا أسمع- عن المسافر: «إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة»، فقال له محمّد بن مسلم: بلغني أنّك قلت خمساً، فقال: «قد قلت ذلك»، قال أبو أيّوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقلّ من خمسة أيّام، قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) . و في «الوسائل» حكم الخمسة محمول على التقية؛ لموافقته العامّة. و صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غداً فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 13.) . و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض، فقال: «إن حدّثته نفسه أن يقيم عشراً فليتمّ، و إن قال: اليوم أخرج أو غداً أخرج و لا يدري فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن مضى شهر فليتمّ، و لا يتمّ في أقلّ من عشرة إلّا بمكّة و المدينة، و إن أقام بمكّة و المدينة خمساً فليتمّ»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 16.) . و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ و لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا أتمّ الشهر فأتمّ الصلاة»، قال: قلت: إن دخلت بلداً أوّل يوم من شهر رمضان و لست اريد أن اقيم عشراً؟ قال: «قصّر و أفطر»، قلت: فإن مكثتُ كذلك أقول: غداً أو بعد غدٍ فأفطر الشهر كلّه و اقصّر؟ قال: «نعم هذا (هما) واحد؛ إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و غيرها من روايات الباب. فرع: لا يكفي الظنّ بالبقاء عشرة أيّام في إتمام الصلاة- و إن كان ظنّاً قوياً لعدم الدليل على حجّيته؛ فيجب القصر عليه؛ لكونه مسافراً واجداً لشرائط التقصير.

ص: 381

ص: 382

ص: 383

(مسألة 5): الليالي المتوسّطة داخلة في العشرة،

دون الليلة الاولى و الأخيرة، فيكفي عشرة أيّام و تسع ليالٍ (1)، و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأقوى، كما إذا نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر (2).


1- معنى دخول الليالي المتوسّطة في العشرة أنّه لو خرج بين العشرة في إحدى الليالي المتوسّطة من محلّ الإقامة إلى حدّ يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام لأخلّ بالإقامة. و وجه دخولها فيها ظهور أدلّة تحديد موضوعات الأحكام بالزمان في الاستمرار. و أمّا الليلة الاولى و الأخيرة فهما خارجتان؛ لصدق اليوم عرفاً بدونهما؛ فيكفي عشرة أيّام و تسع ليالٍ فيما فرض حصول الإقامة من ابتداء اليوم الأوّل إلى انتهاء اليوم العاشر. نعم لو نوى الإقامة من أوّل الليل وجب إتمام صلاة تلك الليلة؛ لصيرورتها زائدة على العشرة المنوية، و كذلك الليلة الأخيرة.
2- المراد من اليوم هو اليوم الكامل- و لو ملفّقاً- فلا يجزي الناقص و لو يسيراً؛ لعدم صدق اليوم حقيقة على الناقص. و في «الجواهر»: فما يقال من احتساب يوم الدخول و الخروج كيف كان- حتّى لو كان الأوّل قبل المغرب بساعة أو ساعتين و الثاني بعد طلوع الفجر كذلك، أو إذا كان الذاهب من الأوّل يسيراً و الباقي من الثاني كذلك- ضعيف جدّاً، و التسامح العرفي في الإطلاق لا تحمل عليه الخطابات الشرعية؛ ضرورة عدم صيرورته حقيقة عرفية؛ إذ بعض اليوم لا يسمّى يوماً قطعاً(جواهر الكلام 14: 311.)، انتهى. و أمّا كفاية تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر فللصدق العرفي، و أنّ المراد من اليوم عرفاً هي الساعات النهارية المعهودة، لا خصوص الوقت الواقع بين الطلوع و الغروب، و هو المراد من ثلاثة أيّام في أقلّ الحيض. قال الشهيد رحمه الله في «الذكرى»: الأقرب أنّه لا يشترط عشرة أيّام غير يوم الدخول و الخروج؛ لصدق العدد حينئذٍ(ذكرى الشيعة 4: 304.) ، و هذا القول هو المشهور. و خالف في ذلك صاحب «المدارك» و قال: و إنّما يجب الإتمام بنية إقامة عشرة أيّام تامّة؛ فلو نقصت- و لو قليلًا- بقي على التقصير. و في الاجتزاء باليوم الملفّق من يومي الدخول و الخروج وجهان، أظهرهما العدم؛ لأنّ نصف اليومين لا يسمّى يوماً؛ فلا تتحقّق إقامة العشرة التامّة بذلك. و قد اعترف الأصحاب بعدم الاكتفاء بالتلفيق في أيّام الاعتكاف و أيّام العدّة، و الحكم في الجميع واحد(مدارك الأحكام 4: 460.) ، انتهى. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بأنّ ظاهر تعليله الأوّل يقضي بعدم التلفيق ممّا مضى؛ بمعنى عدم احتساب الناقص من يومي الدخول و الخروج يومين كاملين، و لا كلام لنا فيه كما عرفت. إنّما الكلام في احتساب النصفين- مثلًا بيوم على معنى تلفيق الأوّل من الثاني، و هكذا حتّى ينتهي فتكسر حينئذٍ الأيّام العشرة. و عدم الاجتزاء بمثله في الاعتكاف و العدّة لو كان فمن مانع خارجي من إجماع أو غيره(جواهر الكلام 14: 313.)، انتهى.

ص: 384

ص: 385

و مبدأ اليوم طلوع الفجر الثاني على الأقوى، فلو دخل حين طلوع الشمس، كان انتهاء العشرة طلوع الشمس من الحادي عشر، لا غروب الشمس من العاشر (1).

(مسألة 6): يشترط وحدة محلّ الإقامة،

فلو قصد الإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر، كما إذا عزم على الإقامة عشرة أيّام في النجف و الكوفة معاً. نعم لا يضرّ بوحدة المحلّ فصل مثل الشطّ و نحوه، بعد كون المجموع بلداً واحداً كجانبي بغداد و إسلامبول، فلو قصد الإقامة في مجموع الجانبين يكفي في انقطاع حكم السفر (2).


1- اختلف فقهاؤنا في اليوم: فالأكثر على أنّه يوم الصوم، و ابتداؤه طلوع الفجر الثاني. و قال بعضهم: إنّه يوم الأجير، و أوّله طلوع الشمس. فعلى الأوّل: لو دخل حين طلوع الشمس و عزم الإقامة كان انتهاء العشرة طلوع الشمس من الحادي عشر؛ لأنّ اليوم الأوّل كان ناقصاً بمقدار طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس؛ فلا بدّ من تكميل هذا المقدار من اليوم الحادي عشر. و على القول الثاني تنتهي إقامة عشرة أيّام بغروب الشمس من العاشر. و يظهر من النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» القول الثاني، قال: لو دخل أوّل طلوع الشمس من يوم و خرج أوّل غروبها من العاشر كفى(مستند الشيعة 8: 257.)، انتهى.
2- اشتراط وحدة محلّ الإقامة في قاطعية إقامة العشرة حكم السفر ممّا لا خلاف فيه، و هو الظاهر من النصوص المذكورة فيها البلدة و القرية و الضيعة و المكان و الأرض، كما في صحاح إسماعيل بن بزيع و علي بن جعفر و عبد اللَّه بن سنان و زرارة و محمّد بن مسلم، و رواية منصور بن حازم و موسى بن حمزة بن بزيع و سويد بن غفلة و غيرها المذكورات في الباب الخامس عشر من أبواب صلاة المسافر من «وسائل الشيعة»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15.) ، حيث إنّ المتبادر من إقامة الأيّام في المكان و البلدة و الضيعة و نحوها الإقامة المستمرّة، و استمرارها لا يكون إلّا بوحدة محلّها عرفاً. فلا يقال لمن أقام عشراً في بلدين- مثلًا- إنّه أقام عشرة أيّام في بلد. و لا يخفى: أنّ وحدة محلّ الإقامة و تعدّده موكول إلى العرف؛ فالقرى المنفصل بعضها عن بعض تعدّ عرفاً متعدّدة، و الإقامة عشرة أيّام فيها لا تعدّ إقامة واحدة مستمرّة في محلّ واحد. و الإقامة في بلد أزيد مساحةً من تلك القرى تعدّ إقامة واحدة في محلّ واحد.

ص: 386

(مسألة 7): لا يعتبر في نية الإقامة قصد عدم الخروج عن خطّة سور البلد،

بل لو قصد حال نيّتها الخروج إلى بعض بساتينها و مزارعها، جرى عليه حكم المقيم، بل لو كان من نيّته الخروج عن حدّ الترخّص، بل إلى ما دون الأربعة، أيضاً لا يضرّ إذا كان من قصده الرجوع قريباً؛ بأن كان مكثه مقدار ساعة أو ساعتين- مثلًا- بحيث لا يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام في ذلك البلد عرفاً، و أمّا الزائد على ذلك ففيه إشكال، خصوصاً إذا كان من قصده المبيت (1).


1- هل يشترط في نية الإقامة أن يكون في محلّ الإقامة بحيث لا يخرج إلى محلّ الترخّص؛ فيجوز له التردّد في حدود البلد و أطرافها- كبعض بساتينه و مزارعه- ما لم يصل إلى حدّ الترخّص، أو يكفي عدم السفر إلى المسافة الشرعية، أو يرجع فيه إلى العرف؟ ذهب إلى كلٍّ فريق: قال صاحب «المدارك»: الأظهر اشتراط عدم الخروج بين العشرة إلى محلّ الترخّص؛ لأنّه المتبادر من النصّ، ثمّ نسب إلى الشهيدين القطع به ... إلى أن قال رحمه الله: ينبغي الرجوع في صدق الإقامة إلى العرف؛ فلا يقدح فيها الخروج إلى بعض البساتين أو المزارع المتّصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفاً(مدارك الأحكام 4: 460.) ، انتهى كلامه ملخّصاً. و اختاره صاحب «الحدائق»، و نسبه إلى المشهور، و قال المشهور في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- اشتراط التوالي في هذه العشرة؛ بمعنى أنّه لا يخرج من ذلك المحلّ إلى محلّ الترخّص. و أمّا الخروج إلى ما دون ذلك فالظاهر أنّه لا خلاف و لا إشكال في جوازه(الحدائق الناضرة 11: 343.) ، انتهى. و نسب إلى فخر الدين في بعض حواشيه على «القواعد» عدم البأس في خروج المقيم إلى ما دون المسافة؛ سواء كان ذلك في نيته ابتداءً أو عرض له في الأثناء. و وافقه الكاشاني في «الوافي» و كاشف الغطاء في «مصابيحه». و حكي عن العلّامة رحمه الله في أجوبة المسائل السنانية المشهورة: أنّه سئل عمّن نوى المقام في الحلّة، ثمّ زار الحسين عليه السلام في عرفة، ثمّ عاد إلى الحلّة يريد التوجّه إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، هل يقصّر في الحلّة أم يتمّ؟ فأجاب بما نصّه: «جعل الشارع الإتمام على من نوى المقام في بلاد الغربة عشرة أيّام، فقد جعل حكم ذلك البلد حكم بلده؛ فالمقيم عشرة أيّام في الحلّة يجب عليه الإتمام، فإذا خرج إلى مشهد الحسين عليه السلام فقد خرج إلى ما دون المسافة؛ فلا يجوز له القصر، فإذا نوى العود إليه كان كما نوى العود إلى بلده من دون مسافة القصر، فإذا عزم على السفر إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام وجب عليه القصر بالشروع فيه»(جواهر الكلام 14: 305- 306.) ، انتهى ما حكي عنه. و لكن لا دلالة في كلام العلّامة على أنّ المقيم كان من ابتداء نيته الخروج إلى ما دون المسافة، بل ظاهر قوله: «فإذا خرج إلى مشهد الحسين عليه السلام فقد خرج إلى ما دون المسافة» هو الخروج في الأثناء اتّفاقاً. و المحقّق الأردبيلي رحمه الله بعد طرح محلّ الخلاف بقوله: و هل يشترط في نية الإقامة في بلد أن يكون بحيث لا يخرج إلى محلّ الترخّص، أو يكفي عدم السفر إلى مسافة، أو يحال إلى العرف؟ قال: الظاهر من الأخبار هو الإطلاق من غير قيد، و لو كان مثل ذلك شرطاً لكان الأولى بيانه في الأخبار، و إلّا يلزم التأخير و الإغراء بالجهل؛ فيمكن تنزيله على العرف؛ بمعنى أنّه جعل نفسه في هذه العشرة من المقيمين في البلد؛ بمعنى أنّ هذا موضعه و مكانه و محلّه مثل أهله. فلا يضرّه السير في الجملة إلى البساتين و التردّد في البلد و حواليه ما لم يصل إلى موضع بعيد بحيث يقال: إنّه ليس من المقيمين في البلد. و كذا لو تردّد كثيراً أو دائماً في المواضع البعيدة في الجملة. و لا يبعد عدم ضرر الخروج إلى محلّ الترخّص أحياناً لغرض من الأغراض مع كون المسكن و المنزل في موضع معيّن؛ لصدق إقامة العشرة عرفاً المذكورة في الروايات(مجمع الفائدة و البرهان 3: 408- 409.)، انتهى. و المختار عندنا: أنّ نية الخروج ساعة أو ساعتين إلى ما دون المسافة لا تضرّ قصد إقامة العشرة و لا تنافيه عرفاً. و أمّا الزائد على ذلك ففيه إشكال؛ خصوصاً إذا كان من قصده ابتداءً المبيت؛ فمن حيث إنّ المقيم في حكم أهل البلد يجوز له المكث أزيد من ساعتين و المبيت كأهل البلد، و من حيث إنّه بالأخرة مسافر قصد الإقامة لا يصدق عليه عرفاً أنّه مقيم عشرة أيّام في محلّ واحد. و لا يترك الاحتياط بالجمع.

ص: 387

ص: 388

ص: 389

(مسألة 8): لا يكفي القصد الإجمالي في تحقّق الإقامة

، فالتابع للغير- كالزوجة و الرفيق- إن كان قاصداً للمقام بمقدار ما قصده المتبوع، لا يكفي و إن كان المتبوع قاصداً لإقامة العشرة؛ إذا لم يدرِ من أوّل الأمر مقدار قصده، فإذا تبيّن له بعد أيّام أنّه كان قاصداً للعشرة يبقى على القصر، إلّا إذا نوى بعد ذلك بقاء عشرة أيّام (1)،


1- التابع للغير إذا كان قاصداً للمسافة الشرعية وجب عليه التقصير كمتبوعه، و إذا قصد المتبوع إقامة عشرة أيّام و تبيّن له قصد المتبوع عزم الإقامة و يتمّ كمتبوعه. و إذا علم أنّ متبوعه عزم إقامة أيّام في محلّ و لكن لم يعلم مقداره و أنّه عشرة أيّام أو أقلّ، و نوى الإقامة مقدار إقامة المتبوع، فالواجب عليه القصر. فإذا انكشف للتابع مقدار إقامة المتبوع و أنّه عشرة أيّام فهل يجب على التابع القصر في بقية الأيّام، أو الإتمام فيه؟ خلاف بين فقهائنا: فقال جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و بعض المحشّين- إنّه لا يبعد كفاية القصد الإجمالي في تحقّق الإقامة و وجوب الإتمام بعد الاطّلاع؛ لكونه قاصداً في الواقع إقامة عشرة أيّام. و قال بعضهم- و منهم المصنّف رحمه الله- بعدم كفايته؛ لاعتبار العلم التفصيلي بإقامة عشرة أيّام، و هو المختار عندنا. و يدلّ عليه صحيح علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في المكان، عليه الصوم؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) الحديث. و خصوص رواية أبي بصير قال: «إذا قدمت أرضاً و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و أتمّ ...»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 3.) الحديث. و رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 4.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ و متى ينبغي أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) الحديث. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم ...»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) الحديث، و غيرها من روايات الباب. و وجه الخصوصية فيها اقتران نية إقامة العشرة بالدخول على البلد؛ بأن كان المسافر حين قدم و دخل البلد كان بحيث إذا سئل عنه: ما مدّة إقامتك في البلد؟ أجاب بأنّها عشرة أيّام، و فيما نحن فيه ليس كذلك؛ فلو سئل عن التابع: إلى متى تقيم في هذا المحلّ، عشرة أو أقلّ؟ أجاب بأنّه لا أدري؛ فالواجب عليه القصر من حين قدم، و كذا بعد ما انكشف له أنّ متبوعه قصد إقامة العشرة.

ص: 390

ص: 391

بل لو كان قاصداً للمقام إلى آخر الشهر أو إلى يوم العيد- مثلًا- و كان في الواقع عشرة أيّام و لم يكن عالماً به حين القصد، لا يبعد عدم كفايته و وجوب القصر عليه، و لكن لا يُترك الاحتياط ما أمكن (1).

(مسألة 9): لو عزم على الإقامة ثمّ عدل عن قصده،

فإن صلّى مع العزم المذكور رباعية بتمام، بقي على التمام ما دام في ذلك المكان؛ و لو كان من قصده الارتحال بعد ساعة أو ساعتين (2)،


1- وجه عدم كفايته- مع كون المقام مدّة مضبوطة؛ أي من حين القدوم إلى آخر الشهر، و منطبقةً في الواقع على عشرة أيّام- هو احتمال اعتبار العلم التفصيلي بإقامة خصوص عشرة أيّام، و من المعلوم أنّه لو سئل عن التابع: هل تقيم عشرة أيّام؟ أجاب بأنّه لا أدري. و يحتمل الاكتفاء به لجزمه بإقامة مدّة هي عشرة أيّام في الواقع، و إن لم يعلم به تفصيلًا، و ليس مردّداً في مدّة إقامته. و لا يترك الاحتياط بالجمع في بقية الأيّام و قضاء ما صلّاه قصراً تماماً.
2- هذه المسألة إجماعية، حكاه جماعة. و يدلّ على البقاء على التمام فيما لو صلّى أربعاً تماماً صحيحاً ثمّ عدل عن قصده صحيح أبي ولّاد الحنّاط قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنت نويتُ حين دخلت المدينة أن اقيم بها عشرة أيّام و أتمّ الصلاة، ثمّ بدا لي بعد أن لا اقيم بها، فما ترى لي أتمّ أم اقصّر؟ قال: «إن كنت دخلت المدينة و حين صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار؛ إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) . و في «المستمسك» بعد الاستدلال بصحيحة أبي ولّاد استدلّ بإطلاق نصوص الإقامة لتعليق التمام فيها على مجرّد نية الإقامة و لو حدوثاً، و لا مقيّد لها بصورة البقاء. و فيه: أنّه يقيّد إطلاقها بما لم يعدل عن قصده قبل إتمام الرباعية؛ فخرج عن الإطلاق من عدل عن قصده و لم يتمّ أربعاً. و أمّا رواية حمزة بن عبد اللّه الجعفري قال: لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكّة فأتممت الصلاة حتّى جاءني خبر من المنزل فلم أجد بدّاً من المصير إلى المنزل، و لم أدر أتمّ أم اقصّر، و أبو الحسن عليه السلام يومئذٍ بمكّة، فأتيته فقصصت عليه القصّة، قال: «ارجع إلى التقصير»(وسائل الشيعة 8: 509، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 2.) فهي و إن كانت تدلّ على الرجوع إلى القصر في المسألة، لكنّها ضعيفة سنداً لا تعارض صحيح أبي ولّاد.

ص: 392

ص: 393

و إن لم يصلّ أو صلّى صلاة ليس فيها تقصير- كالصبح- يرجع بعد العدول إلى القصر (1)، و لو صلّى رباعية تماماً مع الغفلة عن عزمه على الإقامة، أو صلّاها تماماً لشرف البقعة بعد الغفلة عن نية الإقامة، فلا يُترك الاحتياط بالجمع؛ و إن كان تعيُّنُ القصر فيهما لا يخلو من وجه (2).


1- لأنّ البقاء على التمام في النصّ مشروط بإتيان صلاة فريضة بتمام، و المفروض في الصورتين أنّه لم يصلّ فريضة بتمام. و أضاف السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» صورة ثالثة بقوله: أو شرع في الرباعية لكن لم يتمّها و إن دخل في ركوع الركعة الثالثة(العروة الوثقى 2: 148، مسألة 15.) و في «الجواهر»: بل المدار- في البقاء على التمام- على خصوص إكمال الفريضة تماماً؛ حتّى أنّه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى ركوع الثالثة أو الرابعة أو قبل التسليم ثمّ عدل عن الإقامة(جواهر الكلام 14: 322.) ، انتهى.
2- الصلاة رباعية تماماً مع الغفلة عن عزمه الإقامة تتصوّر بأن نوى الإقامة ثمّ نسيها و شرع في الصلاة بنية القصر و أتمّها أربعاً نسياناً. فإذا صلّاها تماماً مع الغفلة عن عزمه الإقامة، أو نوى الإقامة ثمّ نسي أنّه نواها و صلّى تماماً لشرف البقعة، و بعد الفراغ عن الصلاة ذكر نية الإقامة في الصورتين ثمّ عدل عنها و أراد الخروج، فقال جماعة من فقهائنا- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جمع من المحشّين- الظاهر كفاية الصلاة تماماً في البقاء على التمام؛ و ذلك لإطلاق صحيح أبي ولّاد المتقدّم. و لذا أفتى في «مجمع البرهان» بأنّ الظاهر صحّة هذه الصلاة و عدم الإعادة. و لكن يمكن أن يقال: إنّ البقاء على التمام في الصحيح مستند على كون تمامية الصلاة مبتنيةً على نية الإقامة، كما يشعر به قوله عليه السلام في ذيل الصحيح: «و إن شئت فانو المقام عشراً فأتمّ» ، و لا يترك الاحتياط بالجمع بعد العدول.

ص: 394

(مسألة 10): لو فاتته الصلاة على وجه يجب عليه قضاؤها

، فقضاها تماماً، ثمّ عدل عن نية الإقامة، بقي على حكم التمام على إشكال، و الأحوط الجمع. و أمّا إن عدل عنها قبل قضائها فالظاهر العود إلى القصر (1).


1- لو نوى الإقامة ثمّ فاتته الصلاة على وجه لا يجب قضاؤها- بأن كان في تمام الوقت مغمى عليه أو مجنوناً أو حائضاً- ثمّ عدل عن نية الإقامة فلا إشكال و لا خلاف في الرجوع إلى القصر؛ لعدم تأثير نية الإقامة حينئذٍ. و لو فاتته على وجه يجب قضاؤها عليه- كالتارك عمداً أو نسياناً- فحينئذٍ لو عدل عن نية الإقامة قبل قضائها تماماً فالظاهر العود إلى القصر؛ لابتناء البقاء على التمام في صحيح أبي ولّاد على إتيان الصلاة تماماً، و المفروض عدم إتيان القضاء. و لا يكفي في البقاء على التمام استقرار الفائت تماماً في الذمّة. و حكى صاحب «الجواهر» عن غير واحد من الأصحاب وجوب التمام عليه بمجرّد استقرار تمام الفائت في الذمّة(جواهر الكلام 14: 324.)

ص: 395

(مسألة 11): لو عزم على الإقامة فنوى الصوم، ثمّ عدل بعد الزوال قبل إتيان الصلاة تماماً،

رجع إلى القصر في صلاته، لكن صحّ صومه، فهو كمن صام ثمّ سافر بعد الزوال (1).


1- قال صاحب «الجواهر»: إنّما الكلام في إرادة الكناية بالصلاة تماماً فيه- أي في صحيح أبي ولّاد المتقدّم- عن مطلق الشروع في عمل مشروط صحّته بالإقامة من صلاة نافلة أو الدخول في صوم و نحوهما، أو أنّه كناية عن ذلك لكن إذا أتمّ (تمّ خ. ل) أو وصل فيه إلى حدّ لا يجوز له إبطاله لو كان مقيماً كالصوم بعد الزوال، أو ليس كناية عن شي ء من ذلك بل المدار على خصوص إكمال الفريضة تماماً؛ حتّى أنّه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى ركوع الثالثة أو الرابعة أو قبل التسليم ثمّ عدل عن الإقامة؟ وجوه بل أقوال، أقواها- وفاقاً ل «المدارك» و «الرياض» و غيرهما- الأخير إن لم يثبت إجماع على خلافه، و الظاهر أنّه كذلك(جواهر الكلام 14: 322.) ، انتهى. الأقوال في إلحاق الصوم بالصلاة تماماً في البقاء على التمام أربعة: الأوّل: عدم إلحاقه بها مطلقاً، و هو المختار عندنا. ذهب إليه الأردبيلي و السبزواري في «الكفاية» و «الذخيرة» و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و «الرياض» و غيرهم. الثاني: إلحاقه بها بمجرّد الشروع في الصوم و إن عدل عن نية الإقامة قبل الزوال. ذهب إليه جماعة من فقهائنا؛ منهم العلّامة رحمه الله في «القواعد» و «التذكرة» و «التحرير» و «نهاية الإحكام» و ولده و الشهيد الثاني في «المسالك». و استدلّ له بأنّ مجرّد نية الإقامة كافٍ في صحّة الصوم. الثالث: إلحاقه بها إذا عدل بعد الزوال. ذهب إليه في «جامع المقاصد». و استدلّ له بما دلّ من العمومات على وجوب مضيّ الصوم إذا سافر بعد الزوال؛ فإذا صحّ فلا بدّ أن لا يبطل إقامته. الرابع: الإلحاق بشرط أن يكون العدول بعد إتمام الصوم. ذهب إليه جماعة. و استدلّ له بأنّ المراد من الفريضة تماماً هو الواجب التامّ مطلقاً و إن كان صوماً. و الجواب عن هذه الأقوال: أنّه قد اكتفي في البقاء على التمام في الصحيح المتقدّم على الصلاة تماماً فقط، قال عليه السلام: «إن كنت دخلت المدينة و صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) ، و الخروج عن مورده إلى غيره يحتاج إلى دليل. إن قلت: إنّ التلازم بين الصوم و الإتمام المستفاد من تلازم القصر و الإتمام في بعض الروايات: «إذا أفطرت قصّرت، و إذا قصّرت أفطرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) يقتضي الإلحاق. قلت: إنّ التلازم إنّما هو في التقصير و الإفطار، من غير تعرّض فيها للصوم و الإتمام.

ص: 396

ص: 397

(مسألة 12): لا فرق في العدول عن قصد الإقامة، بين أن يعزم على عدمها

، أو يتردّد فيها؛ في أنّه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام، و لو كان قبله رجع إلى القصر (1).

(مسألة 13): إذا تمّت العشرة لا يحتاج البقاء على التمام إلى قصد إقامة جديدة،

فما دام لم يُنشئ سفراً جديداً يبقى على التمام (2).


1- وجه عدم الفرق: أنّ الإتمام مشروط بأحد الأمرين: البقاء على نية الإقامة، و إتيان الصلاة الفريضة تماماً ثمّ العدول عن نية الإقامة. فينتفي الإتمام بانتفاء البقاء على نية الإقامة مع عدم إتيان الصلاة تماماً حال النية، و انتفاء البقاء على نية الإقامة كما يصدق بالعزم على عدم الإقامة كذلك يصدق بالتردّد فيها؛ لأنّ المتردّد في الإقامة غير ناوٍ لها. فرع: لو عزم ناوي الإقامة على أنّه إن حدث حادث أو عرض عارض يسافر حتماً فلا يضرّ عزمه المذكور نية إقامته، و لا ينافيها حتّى فيما لو علّق نية الإقامة بالعزم المزبور مع الاطمئنان بعدم حدوث الحادث و عروض العارض، و مع الاطمئنان بحدوثه يضرّ.
2- أمّا عدم احتياج البقاء على التمام إلى قصد إقامة جديدة بعد إتمام العشرة فلكفاية نية إقامة العشرة في الإتمام مطلقاً- حتّى بعد العشرة- بل لو نوى الإقامة و لم يصلّ و لو لغير عذر و تمّت العشرة بنى على التمام و إن لم يكن من نيته إقامة جديدة. كلّ ذلك لإطلاق أدلّة ترتّب الإتمام على نية إقامة عشرة أيّام. فالناوي للإقامة وظيفته الإتمام ما دام في ذلك المكان، و ما دام لم يعدل عن نيته، أو عدل عن نيته بعد إتيان الصلاة تماماً؛ و ذلك للإطلاق المذكور.

ص: 398

(مسألة 14): لو قصد الإقامة و استقرّ حكم التمام بإتيان صلاة واحدة بتمام،

ثمّ خرج إلى ما دون المسافة، و كان من نيّته العود إلى مكان الإقامة؛ من حيث إنّه مكان إقامته- بأن كان رحله باقياً فيه- و لم يعرض عنه، فإن كان من نيّته مقام عشرة أيّام فيه بعد العود إليه، فلا إشكال في بقائه على التمام (1).

و إن لم يكن من نيّته ذلك سواء كان متردّداً، أو ناوياً للعدم فالأقوى أيضاً البقاء على التمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة؛ ما لم يُنشئ سفراً جديداً، خصوصاً إذا كان المقصد في طريق بلده (2)،


1- الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة أنّ موضوع المسألة السابقة من نوى الخروج من محلّ الإقامة إلى ما دون المسافة حين نية الإقامة، و أنّه هل يشترط في تحقّق الإقامة أن ينوي عدم الخروج بحيث لو كان من نيته الخروج إلى ما دون المسافة لأخلّ بالإقامة، أو لا؟ و موضوع هذه المسألة أنّه بعد تحقّق الإقامة و العزم عليها لو بدا له الخروج إلى ما دون المسافة فهل يبقى على التمام أو لا؟ و في هذه المسألة صور أشار إليها المصنّف رحمه الله: الصورة الاولى: أن يقصد الإقامة و صلّى صلاة واحدة بتمام ثمّ خرج إلى ما دون المسافة، و كان من نيته العود إلى مكان الإقامة من حيث إنّه مكان إقامته- لا من حيث إنّه أحد منازله؛ فإنّ له حكماً آخر- فحينئذٍ لو كان من نيته مقام عشرة أيّام بعد العود و الاستقرار مع بقاء رحله فيه و عدم الإعراض عنه فلا إشكال في البقاء على التمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة؛ لأنّه لم ينشئ سفراً موجباً لقطع حكم الإقامة. مضافاً إلى استصحاب حكم التمام حتّى يثبت المزيل.
2- هذه هي الصورة الثانية. و وجه البقاء على التمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة مع عدم نية إقامة جديدة بعد العود إلى محلّ الإقامة، بل مع التردّد- حتّى مع نية عدم الإقامة بعد العود- هو أنّه بعد ما صلّى تماماً يبني على التمام ما دام لم ينشئ سفراً جديداً موجباً لوجوب التقصير، و لا تنتقض إقامته بمجرّد الخروج إلى ما دون المسافة. و لعلّ وجه الخصوصية فيما إذا كان المقصد في طريق بلده عدم صدق السفر على الذهاب من محلّ الإقامة إلى بلده.

ص: 399

و الأحوط الجمع خصوصاً في الإياب و محلّ الإقامة، و بالأخصّ فيما إذا كان محلّ الإقامة في طريق بلده (1). نعم لو كان مُنشئاً للسفر من حين الخروج عن محلّ الإقامة، و كان ناوياً للعود إليه؛ من حيث إنّه أحد منازله في سفره الجديد، كان حكمه وجوب القصر في العود و محلّ الإقامة،


1- وجه الاحتياط و التقصير إطلاق الخروج في صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة: «فليس لك أن تقصّر حتّى يخرج منها»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) ، و لفتوى جماعة بوجوب التقصير في الإياب و محلّ الإقامة دون الذهاب و المقصد؛ و ذلك لصدق السفر و أنّه مسافر من حين الخروج من محلّ الإقامة بلحاظ قصد الإياب. و وجه الأخصّية فيما إذا كان محلّ الإقامة في طريق بلده: أنّه إذا ذهب من محلّ الإقامة إلى مقصد واقع في طول محلّ إقامته فقد يصدق عليه أنّه سفر سفراً آخر من محلّ الإقامة إلى مقصد آخر أبعد من وطنه بالنسبة إلى محلّ الإقامة. و كيف كان فالاحتياط المزبور حسنٌ.

ص: 400

و أمّا في الذهاب و المقصد فمحلّ إشكال؛ لا يُترك الاحتياط بالجمع؛ و إن لا يبعد وجوب التمام فيهما (1). هذا كلّه فيما إذا لم يكن من نيّته الخروج- في أثناء العشرة- إلى ما دون المسافة من أوّل الأمر، و إلّا فقد مرّ: أنّه إن كان من قصده العود قريباً جدّاً يكون حكمه التمام، و إلّا ففيه إشكال (2). و لو خرج إلى ما دون المسافة، و كان متردّداً في العود إلى محلّ الإقامة و عدمه أو ذاهلًا عنه، فالاحتياط بالجمع بين القصر و التمام لا ينبغي تركه؛ و إن كان الأقوى البقاء على التمام ما لم يُنشئ سفراً جديداً (3).


1- هذه هي الصورة الثالثة، و وجه وجوب القصر في العود و محلّ الإقامة فيما إذا أنشأ سفراً إلى ما دون المسافة، مع كونه ناوياً للعود إلى محلّ الإقامة، لا بما أنّه محلّ إقامته و رحله فيه بل بالإعراض عن كونه محلّ الإقامة و العزم على كونه أحد المنازل في سفره الجديد، هو انقطاع الاستمرار المعتبر في محلّ الإقامة بالنسبة إلى الإتمام. و أمّا في الذهاب و المقصد فمحلّ إشكال فمن حيث إنّه صلّى صلاة واحدة تماماً و لم يقصد المسافة في سفره الجديد فعليه التمام فيهما، و من حيث إنّه أعرض عن كونه محلّ الإقامة. فلا يكفيه إتيان صلاة واحدة تماماً؛ لأنّ كفايته ما دام لم يخرج منه، أو خرج مع العود إليه بما أنّه محلّ إقامته؛ فلا يترك الاحتياط في الذهاب و المقصد بالجمع.
2- هذه هي الصورة الرابعة، و قد مرّ البحث في هذا مفصّلًا عند البحث في المسألة السابعة، فراجع.
3- هذه هي الصورة الخامسة، و التردّد في العود إلى محلّ الإقامة و عدمه يكون مع احتمال أن يقيم في المقصد، أو يعود إلى محلّ الإقامة و الإقامة فيه ثانياً، أو يعود من المقصد و يذهب إلى أهله؛ و حينئذٍ فيتمّ في الذهاب و المقصد على كلّ حال؛ لعدم كون السفر إليه مسافة. و أمّا في الإياب فإن كان قاصداً الإياب إلى محلّ الإقامة فيتمّ أيضاً، و التردّد غير مخلّ في الإقامة كما ذكرنا سابقاً. و إن كان قاصداً الإياب إلى أهله و المفروض كونه مسافة يقصّر في محلّ الإقامة إلى أن يصل إلى حدّ ترخّص أهله. و أمّا الذهول عن العود إلى محلّ الإقامة فقد يكون لأجل ذهنية كون سفره إلى المقصد، من دون توجّه إلى غيره من الإقامة فيه أو العود إلى محلّ الإقامة أو إلى أهله؛ فحينئذٍ يتمّ في الذهاب و المقصد؛ لعدم كون السفر إليه مسافة. و قد يكون للإقامة في المقصد أو للعود من المقصد إلى أهله فإن كان للإقامة في المقصد يتمّ في الذهاب و المقصد، و إن كان للعود من المقصد إلى أهله يقصّر في الذهاب و المقصد و في الإياب إلى أن يصل إلى حدّ ترخّص أهله. و الاحتياط بالجمع حسنٌ في جميع صور التردّد في العود إلى محلّ الإقامة و عدمه و الذهول عن العود؛ لما ذكر سابقاً من فتوى جماعة على وجوب القصر بمجرّد الخروج عن محلّ الإقامة.

ص: 401

(مسألة 15): لو بدا للمقيم السفر، ثمّ بدا له العود إلى محلّ الإقامة و البقاء عشرة أيّام،

فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب و المقصد و العود، و إن كان قبله، قصّر حال الخروج بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود، و لا يجب عليه قضاء ما صلّى قصراً (1).


1- لو بدا للمقيم السفر الموجب للقصر و بدا له العود إلى محلّ الإقامة و البقاء عشرة أيّام و قد بلغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب بعد حدّ الترخّص، و في المقصد و العود إلى محلّ الإقامة؛ لكونه مسافراً واجداً لشرائط وجوب التقصير، كما إذا خرج المسافر من وطنه إلى مسافة. و إذا بلغ محلّ الإقامة و قصد البقاء عشرة أيّام أتمّ. و لو بدا له العود قبل بلوغ أربعة فراسخ يقصّر بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود؛ لكونه مسافراً قاصداً للمسافة و وظيفته التقصير. و لا يجب عليه قضاء ما صلّاه قصراً تماماً؛ لصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين، فصلّوا و انصرف بعضهم فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلّاها ركعتين؟ قال: «تمّت صلاته و لا يعيد»(وسائل الشيعة 8: 521، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 23، الحديث 1.) . و لقد أشكل بعض المحشّين على «العروة الوثقى» في المسألة و قال بالاحتياط، و لعلّه لصحيح أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنتُ خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء، فسرت يومي ذلك اقصّر الصلاة، ثمّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر اصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام، و كيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: «إن كنتَ سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير؛ لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك» قال: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام، من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك؛ لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتّى رجعت؛ فوجب عليك قضاء ما قصّرت، و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) و قد تقدّم البحث في المسألة في شرح الشرط الثالث من شروط التقصير للمسافر في شرح قول المصنّف رحمه الله «ثالثها استمرار القصد»، فراجع.

ص: 402

ص: 403

و أمّا حال العزم فالأحوط الجمع و إن كان البقاء على القصر أقرب (1). و كذا إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتّى في محلّ الإقامة (2).


1- لعلّ وجه أقربية البقاء على القصر حال العزم و في العود إلى أن يصل إلى حدّ ترخّص محلّ عزم الإقامة فيه، هو عدم إلحاق محلّ العزم و الإياب بالإقامة السابقة، و الأصل البقاء على القصر ما دام لم يبلغ حدّ ترخّص محلّ الإقامة الجديدة، و ليس هو كالخارج من وطنه الذي قصد المسافة ثمّ بدا له العود و عدل عن قصده قبل أن يبلغ أربعة فراسخ. و فيه: أنّ الموجب للقصر هو قصد المسافة مع استمراره على القصد؛ فمع العدول عن قصده لا مجوّز له للقصر، فهو كمن خرج عن وطنه قاصداً للمسافة و الإقامة فيها، و بعد أن تجاوز حدّ الترخّص عدل عن قصده قبل أن يبلغ أربعة فراسخ، فهو في محلّ العدول عن القصد و العود إلى أهله يتمّ.
2- المقيم بعد أن صلّى تماماً إذا قصد المسافة فقد أخلّ باستمرار قصده الإقامة. و إذا بدا له العود إلى محلّ الإقامة السابقة قبل أن يبلغ أربعة فراسخ من غير عزم على الإقامة الجديدة فيه يقصّر في الذهاب، و في العود، و في محلّ الإقامة السابقة؛ لصيرورة محلّ الإقامة السابقة أحد المنازل. و لا يخفى: أنّه إذا بدا له العود فهو تارة يضرب في الأرض و يسير حيث يشاء و لو إلى محلّ إقامته السابقة بما أنّه أحد منازله مع كون سفره مسافة فلا إشكال في وجوب القصر عليه، و اخرى يسير إلى أهله و كان سيره و سفره من محلّ الإقامة السابقة فلا إشكال أيضاً في وجوب القصر عليه مع كونه مسافة، و مع عدم كونه مسافة لا مجوّز له للقصر؛ فهو كمن سافر بلا قصد المسافة.

ص: 404

(مسألة 16): لو دخل في الصلاة بنية القصر ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها

(1)،


1- و يدلّ عليه- قبل الإجماع المحكي عن «التذكرة» و «الذخيرة» و غيرهما- إطلاق أدلّة وجوب التمام على من قصد الإقامة و لو في أثناء الصلاة. و خصوص صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام سأله عن الرجل يخرج في السفر ثمّ يبدو له في الإقامة و هو في الصلاة، قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة»(وسائل الشيعة 8: 511، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 20، الحديث 1.) . و خبر محمّد بن سهل عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يخرج في سفر تبدو له الإقامة و هو في صلاته، أ يتمّ أم يقصّر؟ قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة»(وسائل الشيعة 8: 511، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 20، الحديث 2.) ، و الرواية ضعيفة بمحمّد بن سهل بن اليسع الإمامي المجهول حاله.

ص: 405

و لو نوى الإقامة و دخل فيها بنية التمام ثمّ عدل عنها في الأثناء، فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمّها قصراً، و إن كان بعده قبل الفراغ عن الصلاة، فالأقوى بطلان صلاته و الرجوع إلى القصر (1)؛


1- لو نوى إقامة عشرة أيّام و دخل في الصلاة بنية التمام ثمّ عدل عن نية الإقامة في أثناء الصلاة قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّها قصراً؛ لأنّه أخلّ بشرط الإتمام، حيث إنّ الإتمام على المسافر مشروط بقصد إقامة عشرة أيّام، و المفروض عدوله عن قصده في أثناء الصلاة. و لا يكفي في الإتمام تماماً الدخول فيها بنية التمام، نعم ذهب إليه الشيخ في «المبسوط». و وجه عدم كفاية مجرّد الدخول فيها بنية التمام صحيح أبي ولّاد المتقدّم: «و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار؛ إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) ، حيث إنّ الظاهر منه عدم الاكتفاء بها بمجرّد الدخول فيها، بل المعيار في الإتمام إتمام الرباعية مع البقاء على قصد الإقامة إلى آخر الصلاة. و إن عدل عن نية الإقامة بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة- و لو قبل السلام- بطلت صلاته؛ إذ لا محلّ للعود إلى القصر بعد الدخول في ركوع الثالثة، و لا مقتضي لإتمامها تماماً؛ لعدوله عن قصد الإقامة.

ص: 406

و إن كان الأحوط إتمامها تماماً ثمّ إعادتها قصراً و الجمع بينهما ما لم يسافر (1).

الثالث من القواطع: البقاء ثلاثين يوماً في مكان متردّداً،
اشارة

و يُلحق بالتردّد ما إذا عزم على الخروج غداً أو بعده و لم يخرج، و هكذا إلى أن يمضي ثلاثون يوماً، بل يلحق به- أيضاً- إذا عزم على الإقامة تسعة أيّام- مثلًا- ثمّ بعدها عزم على إقامة تسعة اخرى و هكذا، فيقصّر إلى ثلاثين يوماً، ثمّ يتمّ (2)


1- أمّا إتمامها تماماً فلفتوى الشيخ في «المبسوط» به، قال: فإن كان نوى المقام عشراً و دخل في الصلاة بنية التمام ثمّ عنّ له الخروج، لم يجز له القصر إلى أن يخرج مسافراً(المبسوط 1: 139.) ، انتهى. و مثله عبارة «الشرائع»، و لكنّه تردّد فيه، قال: و لو نوى الإقامة عشراً و دخل في الصلاة فعنّ له السفر لم يرجع إلى التقصير، و فيه تردّد(شرائع الإسلام 1: 126.) ، انتهى. و لعلّ الوجه في فتوى الشيخ بالإتمام تماماً هو أنّ «الصلاة على ما افتتحت» عليه. و أمّا إعادتها قصراً فلما ذكر من صحيح أبي ولّاد. و ممّا ذكرنا يعلم وجه الاحتياط بالجمع بينهما ما لم يسافر.
2- و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ و متى ينبغي أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غد فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة، و إن أردت أن تخرج من ساعتك»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) . و صحيح أبي أيّوب قال: سأل محمّد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام- و أنا أسمع- عن المسافر: «إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة ...»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) الخبر. و صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غداً فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 13.) . و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض، فقال: «إن حدّثته نفسه أن يقيم عشراً فليتمّ، و إن قال: اليوم أخرج أو غداً أخرج و لا يدري فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن مضى شهر فليتمّ ...»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 16.) الخبر. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ و لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا تمّ الشهر فأتمّ الصلاة»، قال: قلت: إن دخلتُ بلداً أوّل يوم من شهر رمضان و لستُ اريد أن اقيم عشراً؟ قال: «قصّر و أفطر»، قلت: فإن مكثتُ كذلك أقول: غداً أو بعد غدٍ فأفطر الشهر كلّه و اقصّر؟ قال: نعم هذا (هما) واحد، إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 407

ص: 408

و إن لم يبقَ إلّا مقدار صلاة واحدة (1).

(مسألة 17): الظاهر إلحاق الشهر الهلالي بثلاثين يوماً إن كان تردّده من أوّل الشهر

(2).


1- و يدلّ عليه قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح أبي أيّوب المتقدّم: «و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة» ، و إطلاق الصلاة في صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام: «فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك»
2- اختلف فقهاؤنا في إلحاق الشهر الهلالي الناقص- تسع و عشرين يوماً- بثلاثين يوماً إن كان تردّده من أوّل الشهر و عدمه. نسب إلى المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان» الاكتفاء بالشهر الهلالي؛ أي ما بين الهلالين و إن كان ناقصاً. و استدلّ له بأنّ لفظ «الشهر» حقيقة فيما بين الهلالين، و هو مشترك معنوي بين التامّ و الناقص. و صحيح أبي أيّوب المتقدّم المصرّح فيه بثلاثين يوماً: «فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ» لا يصلح لصرف الشهر عن الجامع إلى فرده الغالب- و هو غير الناقص المردّد من أوّل الشهر- لأنّ تعليق الحكم على الشهر يقتضي الإجزاء بكلّ من فرديه؛ فلا يجب حمل الإطلاق على الفرد الغالب و إبطال دلالته على ما عداه؛ لأنّ من شرط حمل المطلق على المقيّد تحقّق التعارض الموجب لذلك. و يؤيّده ما في صحيح ابن وهب المتقدّم من ارتباط الصلاة بالصيام، و أنّ شهر صيام كما يكون ثلاثين يوماً كذلك يكون تسعاً و عشرين يوماً. و عن العلّامة في «التذكرة» اعتبار خصوص الثلاثين لا الشهر الهلالي؛ لأنّ لفظ «الشهر» كالمجمل و لفظ «الثلاثين» كالمبيّن. و إليه مال صاحب «المدارك» و قال: لا بأس به. ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» بعد أن قال: إنّ ما عن «مجمع البرهان» من الاكتفاء بما بين الهلالين- و إن كان ناقصاً- لو اتّفق وقوع التردّد في أوّل الشهر و تعيّن الثلاثين لو كان التردّد في غيره، لا يخلو من قوّة، قال: و إن كان الأحوط إن لم يكن الأقوى خلافه؛ و هو تعيّن الثلاثين مطلقاً؛ لأصالة القصر و إطلاق أدلّته. و لفظ «الشهر» و إن كان حقيقة في القدر المشترك بينهما إلّا أنّه يجب صرف إطلاق الأمر بالتقصير فيما بينه و بينه إلى الغالب من وقوع التردّد في غير الأوّل(جواهر الكلام 14: 319.) ، انتهى. و الأحوط وجوباً في المسألة هو الجمع بين القصر و الإتمام في اليوم الثلاثين بعد الشهر الناقص ثمّ الإتمام و لو صلاة واحدة.

ص: 409

(مسألة 18): يشترط اتّحاد مكان التردّد كمحلّ الإقامة، فمع التعدّد لا ينقطع حكم السفر

(1).


1- اعتبار اتّحاد مكان التردّد هو الظاهر من صحيح زرارة المتقدّم: «و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) ، حيث إنّ ضمير «بها» يعود إلى الأرض التي دخلت بها، و كذا صحيح معاوية بن وهب المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و رواية سويد بن غفلة عن علي عليه السلام المتقدّمة(وسائل الشيعة 8: 504، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 20.)

ص: 410

(مسألة 19): حكمُ المتردّد المستقرّ عليه التمام بعد ثلاثين يوماً؛ إذا خرج عن مكان التردّد

إلى ما دون المسافة، و كان من نيّته العود إلى ذلك المكان، حكمُ العازم على الإقامة، و قد مرّ حكمه (1).

(مسألة 20): لو تردّد في مكان تسعة و عشرين- مثلًا

- أو أقلّ، ثمّ سافر إلى مكان آخر و بقي متردّداً فيه كذلك، بقي على القصر ما دام كذلك إلّا إذا نوى الإقامة بمكان أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً (2).


1- يعني أنّه بعد الإقامة ثلاثين يوماً متردّداً استقرّ عليه التمام كالمقيم عشرة أيّام؛ فكما أنّ المقيم عشرة أيّام قد اختلف فيه أنّه هل يجوز له الخروج إلى ما دون المسافة مع نية العود إلى ذلك المكان بما أنّه مكان إقامته، و إتمام صلاته ذهاباً و في المقصد و الإياب و محلّ الإقامة، أو لا يجوز إلّا إلى مزارعه و بساتينه، أو موكول إلى العرف؟ على أقوال، كذلك المتردّد ثلاثين يوماً المستقرّ عليه التمام اختلف فيه أيضاً. و المختار هنا هو المختار هناك، و لا نطيل الكلام بالإعادة، فراجع.
2- و وجه البقاء على القصر في مفروض المسألة هو أنّ المسافر القاصد للمسافة وظيفته القصر، إلّا في موارد معلومة، كالمرور على الوطن، و العزم على إقامة عشرة أيّام، و الإقامة ثلاثين يوماً متردّداً في محلّ واحد، و فرض المسألة ليس من تلك الموارد؛ فيبقى على القصر.

ص: 411

القول في أحكام المسافر

اشارة

قد عرفت: أنّه تسقط عن المسافر بعد تحقّق الشرائط ركعتان من الظهرين و العشاء، كما أنّه تسقط عنه نوافل الظهرين، و يبقى سائر النوافل، و الأحوط الإتيان بالوتيرة رجاءً (1).


1- و يدلّ على سقوط الركعتين من الظهرين و العشاء صحيح حذيفة بن منصور عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام(وسائل الشيعة 4: 81، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 2.) و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث»(وسائل الشيعة 4: 82، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و يدلّ على سقوط نوافل الظهرين صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر، قال: «لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً»(وسائل الشيعة 4: 81، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 1.) . و يدلّ على سقوط الركعتين من الظهرين و العشاء و سقوط نوافلها و عدم سقوط نوافل المغرب و صلاة الليل صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، إلّا المغرب فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر، و ليس عليك قضاء صلاة النهار، و صلّ صلاة الليل و اقضه»(وسائل الشيعة 4: 83، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 7.) . و ما روى رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا عليه السلام أنّه كان في السفر يصلّي فرائضه ركعتين ركعتين، إلّا المغرب فإنّه كان يصلّيها ثلاثاً، و لا يدع نافلتها و لا يدع صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر في سفر و لا حضر، و كان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئاً(وسائل الشيعة 4: 83، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 8.) و في سند الحديث وقع جماعة من المهملين. و لا يخفى: أنّ الأقوى- وفاقاً للسيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين- سقوط نافلة العشاء؛ لما يدلّ عليه صحيح أبي بصير المتقدّم من حصر ثبوت النوافل في نوافل المغرب و صلاة الليل، و قد عدّت ركعتا الفجر و ركعة الوتر و ركعتا نافلة الصبح من صلاة الليل في بعض الروايات المعتبرة. و عن الشيخ في «النهاية» جواز فعل الوتيرة في السفر؛ لرواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث قال: «و إنّما صارت العتمة مقصورة، و ليس تترك ركعتاها (ركعتيها)؛ لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع»(وسائل الشيعة 4: 95، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29، الحديث 3.) . و لعلّ القائلين بالاحتياط في إتيان الوتيرة رجاءً- و منهم المصنّف رحمه الله- نظرهم إلى الجمع بين هذه الرواية و الأخبار الدالّة على سقوط نافلة كلّ رباعية سقطت ركعتاها في السفر.

ص: 412

ص: 413

(مسألة 1): لو صلّى المسافر بعد تحقّق شرائط القصر تماماً،

فإن كان عالماً بالحكم و الموضوع بطلت صلاته و أعادها في الوقت و خارجه (1)،


1- هذه المسألة إجماعية، حكاه كثير من علمائنا. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع و إطلاق ما دلّ على وجوب القصر على المسافر بعد تحقّق الشرائط- صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: رجل صلّى في السفر أربعاً، أ يعيد أم لا؟ قال: «إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 4.) . و صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: «أعد»(وسائل الشيعة 8: 507، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 6.) . و رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين» قال: «و التقصير في ثمانية فراسخ؛ و هو بريدان، و إذا قصّرت أفطرت، و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 8.) . فهذه الروايات تدلّ على وجوب إعادة ما صلّاه المسافر تماماً قصراً؛ أداءً في الوقت و قضاءً في خارجه. نعم صحيح العيص بن القاسم يدلّ على الإعادة في الوقت دون خارجه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة، قال: «إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا»(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) ، و لكن مقتضى الجمع هو حمل هذا الصحيح على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه على العالم الناسي.

ص: 414

و إن كان جاهلًا بأصل الحكم- و أنّ حكم المسافر التقصير- لم يجب عليه الإعادة، فضلًا عن القضاء (1)، و إن كان عالماً بأصل الحكم و جاهلًا ببعض الخصوصيّات، مثل جهله بأنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر، أو أنّ من شغله السفر إذا أقام ببلده عشرة أيّام، يجب عليه القصر في السفر الأوّل، و نحو ذلك، فأتمّ، وجبت عليه الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه (2).


1- وجه عدم وجوب الإعادة و القضاء على الجاهل صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه».
2- و ذلك لإطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر بعد تحقّق الشرائط، و إطلاق خصوص صحيح الحلبي و رواية الأعمش المتقدّمين، بل إطلاق صحيح العيص المتقدّم بالنسبة إلى الوقت دون خارجه. و قد يتوهّم: أنّ صحيح زرارة و محمّد بن مسلم يدلّ على عدم وجوب الإعادة على العالم بأصل الحكم الجاهل ببعض الخصوصيات المذكورة في المتن؛ لدخوله في من لم يعلمها فلا إعادة عليه. و أنّ الجهل مطلقاً عذرٌ. و عمل الجاهل مطلقاً و لو كان جهله ببعض الخصوصيات المذكورة في المتن و نحوها مجزٍ. و أنّ الصوم و الصلاة مشتركان في الحكم؛ أي البطلان مع العمد على الإتمام في السفر و الصحّة مع الجهل، بدعوى القطع بالمساواة بينهما بتنقيح المناط أو عدم القول بالفصل. و يدلّ على صحّة صوم المسافر الجاهل صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صام في السفر، فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 3.) . و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال: «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 2.) ، و غيرهما من الروايات المعتبرة. و هذا التوهّم مدفوع بأنّ المراد من البلوغ و عدم البلوغ في الرواية بلوغ الحكم إليه و عدمه، و المفروض كونه عالماً بالحكم، و معذورية الجاهل مطلقاً غير ثابت. و دعوى القطع بالمساواة بين الصوم و الصلاة غير ثابتة، و إثباتها على مدّعيها؛ فالأحوط في الصلاة- لو لم يكن الأقوى- هو الاقتصار في الحكم بالمعذورية على الجهل بأصل الحكم، و هو القدر المتيقّن في الحكم المخالف للأصل. و سيجي ء أنّ الجاهل ببعض الخصوصيات و الجاهل بالموضوع لو صام في السفر يقضيه.

ص: 415

ص: 416

و كذا إذا كان عالماً بالحكم جاهلًا بالموضوع، كما إذا تخيّل عدم كون مقصده مسافة فأتمّ مع كونه مسافة (1).


1- و ذلك لكون العالم بالحكم الجاهل بالموضوع من أفراد من قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له. و في «مصباح الفقيه»: نعم قد يتّجه الالتزام في جاهل الموضوع الذي هو مكلّف شرعاً بالإتمام ما دام جهله، كما لو قصد بلداً لا يعلم ببلوغه حدّ المسافة فأتمّ بمقتضى تكليفه المتنجّز في حقّه بالفعل ثمّ انكشف كونه مسافة؛ فإنّه أولى بالمعذورية من جاهل الحكم قطعاً. مضافاً إلى ما قد يقال: يكون الأمر الشرعي المتوجّه إليه حال الفعل مقتضياً للإجزاء. و لكن يتوجّه على دعوى الأولوية عدم الجزم بإناطة الحكم بمحض المعذورية كي يتّجه دعوى الأولوية، كيف مع أنّ الناسي أولى بالمعذورية من الجاهل المقصّر قطعاً، و ليس له هذا الحكم؟! كما ستعرف. و أمّا الأمر المتوجّه إليه حال الفعل فهو أمر ظاهري ناشٍ من استصحاب وجوب الإتمام و نحوه؛ فيشكل كونه مجزياً عن الواقع لدى انكشاف خلافه كما تقرّر في محلّه؛ و لذا أوجب بعضٌ الإعادة عليه في الوقت. و لكن نفاه في خارجه، بناءً منه على أنّه لا يتحقّق معه صدق اسم الفوات المعلّق عليه وجوب القضاء. و لكنّك قد عرفت في محلّه: أنّ المراد بالفوت الموجب للقضاء هو ترك الصلاة الواجبة عليه في الواقع في وقتها؛ فالتفصيل ضعيف. و لكن لمانع أن يمنع كون تكليفه بالإتمام عند جهله بمقدار المسافة تكليفاً ظاهرياً، بدعوى أنّه لا يكاد ينسبق إلى الذهن من مثل قوله التقصير في بريدين أو مسيرة يوم إلّا إرادة إيجابه لدى إحراز كون المقصد بالغاً هذا الحدّ لا مطلقاً، فليتأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 762/ السطر 10.)، انتهى.

ص: 417

و أمّا إذا كان ناسياً لسفره فأتمّ، فإن تذكّر في الوقت وجبت عليه الإعادة، و إن تذكّر في خارجه لا يجب عليه القضاء (1).


1- الناسي للسفر إذا أتمّ ثمّ تذكّر في الوقت وجبت عليه الإعادة قصراً، و إن لم يعد حتّى خرج الوقت قضاها قصراً؛ لعموم أدلّة وجوب قضاء ما فات. و إن تذكّر خارج الوقت لا يجب عليه القضاء. هذه المسألة مشهورة، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه. و حكي عن الصدوق و والده و العمّاني و الشيخ في «المبسوط» القول بوجوب الإعادة مطلقاً- أي أداءً في الوقت و قضاءً في خارجه- و استدلّ له بالعمومات المستفيضة الدالّة ببطلان الصلاة بالزيادة، كما في صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) ، و بإطلاق صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر، قال: «أعد»(وسائل الشيعة 8: 507، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 4.) و فيه: أنّه يجب تخصيص العموم و تقييد الإطلاق بصحيح العيص بن القاسم(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) و رواية أبي بصير المتقدّمين الدالّين على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه، و الناسي هو القدر المتيقّن من رواية أبي بصير. و استدلّ للمشهور برواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات، قال: «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتّى مضى ذلك اليوم فلا إعادة عليه»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 2.) ، و سند الرواية ضعيف بسويد القلانسي المهمل، و اليوم و إن كان مختصّاً بالنهار- و حينئذٍ يختصّ الحكم المذكور بالظهرين دون العشاء- و لكنّه كناية عن عدم خروج وقت الفريضة؛ فيشمل العشاء أيضاً. و يشهده أيضاً ذكر خصوص الوقت في صحيح العيص بن القاسم قال: «إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا»(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) ، حيث إنّ القدر المتيقّن من مورده هو الناسي؛ فيكون هذا الصحيح قرينة على أنّ المراد من «ذلك اليوم» في رواية أبي بصير عدم خروج الوقت. و على فرض اختصاص الحكم المذكور في الرواية بالظهرين، يثبت الحكم في العشاء بعدم القول بالفصل. ثمّ إنّ السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر المحشّين لها عمّموا حكم النسيان لناسي الحكم، و قالوا بوجوب الإعادة عليه في الوقت دون خارجه. و المصنّف رحمه الله تبعاً للمحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» خصّصه بخصوص ناسي الموضوع. قال في «مصباح الفقيه»: ثمّ إنّ المنساق من الناسي في النصّ و الفتوى هو ناسي الموضوع، و أمّا ناسي الحكم فهل هو ملحق بجاهله؟ فيه تردّد، و الأحوط إن لم يكن الأقوى الإعادة في الوقت و خارجه؛ اقتصاراً في الحكم المخالف للأصل على موضع اليقين(مصباح الفقيه، الصلاة: 762/ السطر 32.) ، انتهى. و المختار عندي ما ذهب إليه السيّد رحمه الله؛ لإطلاق رواية أبي بصير، و ضعف الرواية منجبر بالشهرة.

ص: 418

ص: 419

(مسألة 2): يُلحق الصوم بالصلاة فيما ذكر على الأقوى،

فيبطل مع العلم و العمد، و يصحّ مع الجهل بأصل الحكم، دون خصوصيّاته و دون الجهل بالموضوع. نعم لا يلحق بها في النسيان، فمعه يجب عليه القضاء (1).


1- وجه بطلان صوم المسافر مع العلم و العمد- مضافاً إلى الإجماع القطعي- ما دلّ على بطلان الصوم في السفر، و مفهوم بعض النصوص الآتية، و منطوق بعضها الآخر. و وجه صحّته مع الجهل بأصل الحكم صحيح عبد الرحمن البصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال عليه السلام: «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 2.) . و صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صام في السفر، فقال عليه السلام: «إن كان بلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 3.) . و صحيح العيص بن القاسم: «من صام في السفر بجهالة لم يقضه»(وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 5.) . و في صحيح ليث: «و إن صامه بجهالة لم يقضه»(وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 6.) . و أمّا الجهل بخصوصيات الحكم و بالموضوع فلا يصحّ معه الصوم كالصلاة؛ اقتصاراً في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقّن؛ و هو الجهل بأصل الحكم. و لا دليل على إلحاق الناسي في الصوم على الناسي في الصلاة، إلّا دعوى المساواة بين الصوم و الصلاة، و إثباتها على مدّعيها.

ص: 420

(مسألة 3): لو قصّر من كانت وظيفته التمام بطلت صلاته مطلقاً؛

حتّى المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام (1).


1- لو قصّر من كانت وظيفته التمام لإقامة العشرة و نحوها من موجبات التمام بطلت صلاته، بلا خلاف و لا إشكال في العالم بالحكم. و أمّا الجاهل بالحكم فالمشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً هو البطلان. و يظهر من «الجواهر» الإجماع عليه، قال: بل ربّما كان ظاهر جميع الأصحاب أيضاً، حيث اقتصروا في بيان المعذورية على الاولى(جواهر الكلام 14: 346.) ، انتهى. مراده من الاولى عكس هذه المسألة؛ أي التمام لمن كانت وظيفته القصر. و خالف في المسألة ابن سعيد في كتاب «الجامع» و قال بالصحّة. و نفى عنه البعد في «مجمع البرهان»، و اختاره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين. و العمدة في الاستدلال لهذا القول صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، فإن تركه رجل جاهلًا فليس عليه إعادة»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 3.) . و فيه: أنّ الصحيح معرض عنه عند الأصحاب.

ص: 421

(مسألة 4): لو تذكّر الناسي للسفر في أثناء الصلاة،

فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، أتمّ الصلاة قصراً و اجتزأ بها، و إن تذكّر بعد ذلك بطلت، و وجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت و لو بإدراك ركعة منه (1).


1- إذا نوى أربع ركعات ظهراً أو عصراً أو عشاءً في السفر الموجب للقصر لنسيان السفر أو حكمه ثمّ تذكّر في أثناء الصلاة، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّ الصلاة قصراً و اجتزأ بها. و لا يضرّ كونه ناوياً للتمام قبل الشروع في الصلاة. و علّله في «العروة الوثقى» بأنّه من باب الداعي و الاشتباه في المصداق لا التقييد؛ فيكفي قصد الصلاة و القربة بها. و في «المستمسك» في شرح ما ذكره في «العروة» بتلخيص منّا: أنّ القصر و التمام حقيقة واحدة عنوانها الظهر- مثلًا- يختلف مصداقها باختلاف خصوصيتي السفر و الحضر، و أنّ المفروض من اللَّه تعالى هو الركعتان الاوليان، و السفر اقتضى سقوط الأخيرتين اللتين سنّهما النبي صلى الله عليه و آله و سلم. فالحاضر و المسافر كلاهما يقصدان التقرّب في الركعتين الاوليين و يأتيانهما امتثالًا لأمرهما، و الحاضر يقصد امتثال أمرهما في ضمن امتثال الأمر بأربع ركعات، و المسافر يقصد امتثال أمرهما مستقلّاً بلا ضمّ امتثال الأمر الآخر إليه. و هذا المقدار من الاختلاف بينهما اختلاف في الخصوصية، و هو لا يوجب فرقاً بينهما في أصل التقرّب المعتبر في العبادة بالنسبة إلى الركعتين الاوليين. نعم لو كانت الخصوصية معتبرة في المأمور به على نحو التقييد لا على نحو الداعي كان فواتها موجباً لفوات التقرّب الموجب للبطلان(مستمسك العروة الوثقى 8: 168.) ، انتهى ملخّصاً. و إن تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة بطلت صلاته و وجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت و لو بمقدار ركعة منه، و وجه البطلان تحقّق الزيادة المبطلة؛ فاذا بطلت وجبت عليه الإعادة قصراً مع سعة الوقت و لو بمقدار إدراك ركعة منه. و أمّا مع ضيق الوقت و عدم إدراك ركعة منه يجب عليه الإتمام تماماً؛ لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «و إن كان الوقت قد مضى فلا»(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) صورة عدم التمكّن من إتيان الفعل في الوقت- و لو بمقدار ركعة منه- فمن بقي له من الوقت أقلّ من مقدار ركعة واحدة يصدق عليه أنّه قد مضى وقت صلاته؛ فلو شرع في الصلاة في ذلك الوقت يجب عليه نية القضاء. و يحتمل أن يكون المراد من قوله عليه السلام: «و إن كان الوقت قد مضى فلا» أنّه بعد أن فرغ من الصلاة و مضى الوقت تذكّر أنّه صلّى تماماً؛ فلا يعيد، كما هو الظاهر من قوله: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة»، و كذا قوله: «فيصلّي في السفر أربع ركعات»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 2.) ؛ و حينئذٍ فيشكل شموله لمن ذكره قبل الفراغ من الصلاة. و الأحوط إتمامها تماماً ثمّ قضاؤها قصراً.

ص: 422

ص: 423

(مسألة 5): لو دخل الوقت و هو حاضر متمكّن من فعل الصلاة،
اشارة

ثمّ سافر قبل أن يصلّي حتّى تجاوز محلّ الترخّص و الوقت باقٍ قصّر، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام أيضاً، و لو دخل الوقت و هو مسافر فحضر قبل أن يصلّي و الوقت باقٍ أتمّ، و الأحوط القصر أيضاً (1).

هنا مسألتان:
الاولى: لو دخل وقت الفريضة و هو حاضر و مضى من الوقت مقدار تمكّن فيه من فعل الصلاة أربع ركعات

1- بجميع أجزائها و شرائطها و لم يصلّ ثمّ سافر و تجاوز محلّ الترخّص مع بقاء الوقت، فهل يجب عليه التقصير أو التمام؟ فيه أقوال: الأوّل: أنّه يقصّر. و به قال الشيخ المفيد و السيّد المرتضى و الشيخ في «المبسوط» و «التهذيب» و كثير من المتأخّرين، و في «الرياض» و حكي عن «السرائر» الإجماع عليه. و يدلّ عليه- مضافاً إلى إطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر الواجد لشرائط التقصير- صحيح محمّد بن مسلم في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، فقال: «إذا خرجت فصلّ ركعتين»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 1.) . و الاستدلال به مبني على إمكان إتيان الظهر من حين الخروج- و هو الزوال- إلى زمان وجوب القصر، و هو حين الوصول إلى حدّ الترخّص. و ذيل صحيح إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر، فلا اصلّي حتّى أدخل أهلي، فقال: «صلّ و أتمّ الصلاة»، قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي اريد السفر، فلا اصلّي حتّى أخرج، فقال: «فصلّ و قصّر، فإن لم تفعل فقد خالفت و اللَّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 2.) . و رواية الحسن بن علي الوشّاء قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: «إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتمّ، فإذا (خرج) خرجت بعد الزوال قصّر العصر»(وسائل الشيعة 8: 516، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 12.) ، و الاستدلال به مبني على إرادة الإتمام منه لو صلّى في المصر. و في «فقه الرضا»: «فإن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة في الحضر و لم تصلّ حتّى خرجت فعليك التقصير، و إن دخل عليك وقت الصلاة في السفر و لم تصلّ حتّى تدخل أهلك فعليك التمام»(مستدرك الوسائل 6: 541، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) . و حمل هذه الأخبار على صورة عدم التمكّن من الصلاة تماماً من حين الزوال إلى زمان الوصول إلى حدّ الترخّص- كما احتمله الشهيدان- خلاف ظاهر إطلاقها. مع أنّ الغالب سعة الوقت للصلاة تماماً في أهله من حين الزوال حتّى يخرج من حدّ الترخّص. نعم قد يعارض الأخبار المذكورة ذيل صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 5.) . و خبر بشير النبّال قال: خرجتُ مع أبي عبد اللّه عليه السلام حتّى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «يا نبّال»، قلت: لبّيك، قال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري و غيرك؛ و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج»(وسائل الشيعة 8: 515، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 10.) . و ذيل صحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يدخل مكّة من سفره و قد دخل وقت الصلاة، قال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفر و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 516، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 11.) . و ذيل صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: «يصلّي أربع ركعات في سفره»، و قال: «إذا دخل على الرجل وقت صلاة و هو مقيم ثمّ سافر صلّى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره»(وسائل الشيعة 8: 516، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 14.) و الموثّق عن الصادق عليه السلام قال: سئل إذا زالت الشمس و هو في منزله ثمّ يخرج في سفره، قال: «يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين؛ لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضره الاولى». و سئل: فإن خرج بعد ما حضرت الاولى؟ قال: «يصلّي أربع ركعات يصلّي بعد النوافل ثمّ ركعات؛ لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الاولى، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير- و هي ركعتان- لأنّه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر»(وسائل الشيعة 4: 85، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 23، الحديث 1.) . و نقول في العلاج بين الأخبار المتعارضة المذكورة: إنّ الأخبار الدالّة على وجوب القصر موافقة للمشهور و الإطلاقات الدالّة على وجوب القصر للمسافر. و يمكن حمل ذيل صحيحي ابن مسلم على صورة إرادة الصلاة أربعاً في البلد حين أراد الخروج إلى السفر أو قبل التجاوز عن محلّ الترخّص؛ إذ يصدق عليه- حينئذٍ أنّه خرج إلى سفره. و القول الثاني في المسألة وجوب التمام. نسب هذا القول إلى الصدوق في «المقنع» و ابن أبي عقيل و العلّامة في «المختلف» و «الإرشاد» و الشهيد في «الدروس»، و نسبه في «الروض» إلى المشهور بين المتأخّرين. و هذا القول مبني على اعتبار وقت الوجوب- و هو أوّل الوقت- و قد كان المكلّف حاضراً واجباً عليه التمام؛ فيجب أيضاً بعد أن صار مسافراً. و العمدة في الاستدلال على هذا القول هي الأخبار المذكورة. و يعلم جوابه ممّا ذكرناه من أنّها مخالفة للمشهور. و القول الثالث هو التخيير بين القصر و التمام. نسب إلى الشيخ في «الخلاف»؛ للأمر بالتخيير في الخبرين المتعارضين. و فيه: أنّ التخيير إنّما هو فيما لم يكن مرجّح لأحدهما على الآخر، و الحال أنّ الشهرة مرجّحة للأخبار الدالّة على وجوب القصر. و القول الرابع هو التمام مع سعة الوقت و القصر مع ضيقه. نسب هذا القول إلى الشيخ في «النهاية» و الصدوق في «الفقيه». و استدلّ له بأنّه مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة. و بموثّق إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة، فقال: «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 514، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 6.) . و فيه: أنّه لا وجه للجمع المذكور بعد اعتضاد الأخبار الدالّة على وجوب التقصير بالشهرة. و أمّا الموثّق فقد احتمل في «الوسائل» أن يكون المراد بالإتمام الصلاة في المنزل و بالقصر الصلاة في السفر. ففيه أيضاً أقوال أربعة: المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً وجوب الإتمام. و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن جابر المتقدّم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر، فلا اصلّي حتّى أدخل على أهلي، فقال: «صلّ و أتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 2.) . و صحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها، قال: «يصلّيها أربعاً»، و قال: «لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 4.) . و القول بوجوب القصر متعيّناً غير معروف، كما اعترف به غير واحد. و في «السرائر»: أنّه لم يذهب إلى ذلك أحد، و لم يقل به فقيه، و لا مصنّف ذكره في كتابه؛ لا منّا و لا من مخالفينا(السرائر 1: 333.) ، انتهى. نعم قد يدلّ عليه بعض الأخبار، كما في صدر صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال: «يصلّي ركعتين»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 5.) ، و لكن هذا الصحيح و نحوه معرض عنه عند الأصحاب، كما عرفت. و القولان الآخران في المسألة يظهر حالهما دليلًا و جواباً ممّا قدّمناه في المسألة الاولى. و الأحوط في المسألتين القصر و الإتمام؛ عملًا بكلا القسمين من الأخبار.

ص: 424

ص: 425

ص: 426

ص: 427

المسألة الثانية: لو دخل الوقت و هو مسافر و لم يصلّ حتّى حضر و الوقت باقٍ،

ص: 428

ص: 429

(مسألة 6): لو فاتت منه الصلاة في الحضر، يجب عليه قضاؤها تماماً و لو في السفر.

كما أنّه لو فاتت منه في السفر، يجب قضاؤها قصراً و لو في الحضر (1).

(مسألة 7): إن فاتت منه الصلاة، و كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً

أو بالعكس، فالأقوى مراعاة حال الفوت في القضاء و هو آخر الوقت، فيقضي في الأوّل قصراً و في الثاني تماماً، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالجمع (2).


1- و ذلك للأمر بقضاء ما فات عنه كما فات، و المسافر يقصّر صلاته الواجبة عليه حال السفر مع كونه واجداً لشرائط التقصير، كما هو المستفاد من أدلّة وجوب التقصير. و لا دليل على كون السفر مانعاً عن قضاء ما فات منه في الحضر تماماً، و الأصل جوازه.
2- هذه المسألة مبتنية على أنّ الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة- و هو آخر الوقت- أو بحال الخطاب بها و وجوبها- و هو أوّل الوقت- المشهور بين القدماء و المتأخّرين أنّ الاعتبار بحال الفوت. و يدلّ عليه عمومات أدلّة القضاء، كقوله عليه السلام: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(عوالي اللآلي 2: 54/ 143، و راجع وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) ، و من الواضح أنّ الصلاة في أوّل الوقت و إن كانت واجبة إلّا أنّه لو لم يصلّها في أوّل الوقت لا يصدق أنّه فاتت صلاته. فالقضاء مترتّب على الفوت الصادق بعدم إتيانها في آخر الوقت. و إن شئت قلت: لو أدّاها في أوّل الوقت فقد سقط التكليف مطلقاً، و لو لم يؤدّها فيه فقد سقط تكليف أوّل الوقت و ينتقل إلى بدله في ثاني الأوقات، و هكذا إلى أن يبقى من الوقت بمقدار أدائها- و هو آخر الوقت الذي يستقرّ عليه التكليف قصراً أو تماماً- فإن أدّاه فقد سقط التكليف، و إن فاته وجب قضاؤه كما فاته؛ إن قصراً فقصّر و إن تماماً فتمام. و قال أبناء الجنيد و إدريس و بابويه و المفيد و السيّد المرتضى و الشيخ في «المبسوط»: إنّ الاعتبار في القضاء بحال الوجوب. و يدلّ عليه خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر، فأخّر الصلاة حتّى قدم و هو يريد يصلّيها إذا قدم أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال: «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر؛ لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، كان ينبغي له أن يصلّي عند ذلك»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 3.) . و فيه: أنّ الخبر ضعيف سنداً أوّلًا، و معرض عنه عند الأصحاب ثانياً. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع؛ عملًا بالشهرة و خبر زرارة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: الأقوى أنّه مخيّر بين القضاء قصراً أو تماماً؛ لأنّه فاتت منه الصلاة في مجموع الوقت، و المفروض أنّه مكلّف في بعضه بالقصر و في بعضه بالتمام. و اختاره بعض المحشّين لها. و علّله في «مستمسك العروة» بأنّه يدور الأمر بين عدم وجوب قضاء أحدهما، و وجوب قضاء كلّ منهما، و وجوب قضاء أحدهما بخصوصه تعييناً، و وجوب قضاء أحدهما تخييراً. لكن الأوّل مخالف لدليل وجوب القضاء، و الثاني يتوقّف على وجود مصلحتين عرضيتين فيهما و هو منتفٍ، و الثالث ترجيح بلا مرجّح؛ لأنّ خصوصية كلّ من القصر للمسافر و التمام للحاضر على نحو واحد في اعتبارها في المصلحة؛ فيتعيّن الأخير. ثمّ اختار رحمه الله وجوب قضاء ما فات في آخر الوقت. و علّله بأنّ الفوت الذي هو موضوع القضاء إنّما يصدق على ما وجب في آخر الوقت. و أمّا ما وجب أوّلًا ففي حال الفوت ليس بفرض، و في حال كونه فرضاً ليس بفائت(مستمسك العروة الوثقى 8: 178.) ، انتهى ملخّصاً.

ص: 430

ص: 431

(مسألة 8): يتخيّر المسافر مع عدم قصد الإقامة بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة:

و هي المسجد الحرام، و مسجد النبي صلى الله عليه و آله و سلم و مسجد الكوفة، و الحائر الحسيني على مشرّفه السلام، و الإتمام أفضل (1).


1- يتخيّر المسافر بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة بدون قصد الإقامة. و أفضلية الإتمام هو المشهور، و عن «السرائر» و «الخلاف» و «التذكرة» و «الذكرى» و غيرها الإجماع عليه. و صاحب «الوسائل» بعد حمل ما ينافي التخيير من الأخبار على التقية، قال: على أنّ القول بالتخيير و ترجيح الإتمام مذهب جميع الإمامية أو أكثرهم، و خلافه شاذّ نادر(وسائل الشيعة 8: 534، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، ذيل الحديث 34.) ، انتهى موضع الحاجة. و ذهب الشافعي و بعض العامّة أيضاً إلى التخيير، و قال أكثرهم- منهم أبو حنيفة- إلى وجوب القصر. و نسب إلى السيّد المرتضى و ابن الجنيد وجوب الإتمام؛ لبعض الأخبار الآتي نقلها. و نسب إلى الصدوق رحمه الله وجوب التقصير فيها إلّا مع نية المقام عشرة أيّام، و قال: إنّه يستحبّ نية الإقامة في الأماكن الأربعة؛ لشرفها. و ذهب إليه بحر العلوم تبعاً للمحكي عن الفاضل البهبهاني، و نسبه إلى المشهور بين المتقدّمين. و لعلّ مأخذ النسبة إلى الشهرة ما حكي عن ابن قولويه في «كامل الزيارات» عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه قال: سألت أيّوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكّة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين عليه السلام، و الذي روي فيها، فقال: أنا اقصّر و كان صفوان يقصّر و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصّرون(مستدرك الوسائل 6: 545، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 3.) و صحيح علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين؛ فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة، و منها أن يأمر بقصر الصلاة؛ بأن يتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو عشرة أيّام، و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا؛ فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير إذا كنتُ لا أنوي مقام عشرة أيّام، فصرتُ إلى التقصير و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك، فكتب إليّ عليه السلام بخطّه: «قد علمت يرحمك اللَّه فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا احبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما من الصلاة»، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهةً: إنّي كتبت إليك بكذا و أجبتني بكذا، فقال: «نعم»، فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و المدينة»(وسائل الشيعة 8: 525، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 4.) ، فهذا الصحيح صريح في أنّ التقصير كان مشهوراً بين فقهاء الأصحاب من القدماء. و ينبغي ذكر الأخبار الدالّ بعضها على وجوب التمام و بعضها على وجوب القصر، و مقتضى الجمع بينهما هو التخيير: أمّا الأخبار الدالّة على وجوب التمام: فمنها: صحيح حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «من مخزون علم اللَّه الإتمام في أربعة مواطن: حرم اللَّه، و حرم رسوله صلى الله عليه و آله و سلم، و حرم أمير المؤمنين عليه السلام، و حرم الحسين بن علي عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 524، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 1.) . و منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التمام بمكّة و المدينة، فقال: «أتمّ و إن لم تصلّ فيهما إلّا صلاة واحدة»(وسائل الشيعة 8: 525، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 5.) ، و غيرهما من روايات الباب. و أمّا الأخبار الدالّة على وجوب التقصير: فمنها: صحيح أبي ولّاد الحنّاط قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن اقيم بها عشرة أيّام و أتمّ الصلاة، ثمّ بدا لي بعد أن لا أُقيم بها، فما ترى لي أتمّ أو اقصّر؟ قال: «إن كنت دخلت المدينة و حين صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار؛ إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا عليه السلام عن الصلاة بمكّة و المدينة تقصير أو تمام؟ فقال: «قصّر ما لم تعزم على مقام عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 533، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 32.) . و صحيح علي بن حديد قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت: إنّ أصحابنا اختلفوا في الحرمين؛ فبعضهم يقصّر و بعضهم يتمّ، و أنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام، و ذكرت عبد اللّه بن جندب أنّه كان يتمّ، فقال: «رحم اللَّه ابن جندب»، ثمّ قال لي: «لا يكون الإتمام إلّا أن تجمع على إقامة عشرة أيّام، و صلّ النوافل ما شئت» ، قال ابن حديد: و كان محبّتي أن تأمرني بالإتمام(وسائل الشيعة 8: 533، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 33.) و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التقصير في الحرمين و التمام، فقال: «لا تتمّ حتّى تجمع على مقام عشرة أيّام»، فقلت: إنّ أصحابنا رووا عنك أنّك أمرتهم بالتمام، فقال: «إنّ أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلّون و يأخذون نعالهم و يخرجون و الناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة، فأمرتهم بالتمام»(وسائل الشيعة 8: 534، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 34.) ثمّ إنّ بعض الأخبار يدلّ صريحاً على التخيير بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة، كصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة بمكّة، قال: «من شاء أتمّ و من شاء قصّر»(وسائل الشيعة 8: 526، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 10.) . و صحيحه الآخر قال: سألت أبا إبراهيم عن التقصير بمكّة، فقال: «أتمّ، و ليس بواجب، إلّا أنّي احبّ لك ما احبّ لنفسي»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 19.) . و رواية صالح بن عبد اللّه الخثعمي قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن الصلاة في المسجدين اقصّر أم أتمّ؟ فكتب عليه السلام إليّ: «أيّ ذلك فعلت فلا بأس»، قال: فسألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عنها مشافهةً، فأجابني بمثل ما أجابني أبوه، إلّا أنّه قال في الصلاة: «قصّر»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 28.) . و بعضها يدلّ على التخيير بينها و أفضلية الإتمام، كموثّق الحسين بن المختار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قلت له: إنّا إذا دخلنا مكّة و المدينة نتمّ أو نقصّر؟ قال: «إن قصّرت فذلك، و إن أتممت فهو خيرٌ تزداد»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 16.) . و رواية إبراهيم بن شيبة قال: كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين، فكتب إليّ: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يحبّ إكثار الصلاة في الحرمين، فأكثر فيهما و أتمّ»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 18.)

ص: 432

ص: 433

ص: 434

ص: 435

ص: 436

و في إلحاق بلدي مكّة و المدينة بمسجديهما تأمّل، فلا يُترك الاحتياط باختيار القصر (1).


1- القدر المتيقّن في التخيير الاكتفاء بالمساجد الثلاثة و الحائر، و لكن لا يبعد كون المدار على البلد في خصوص مكّة و المدينة؛ لكونهما مذكورين في بعض الروايات. كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج و موثّق الحسين بن المختار المتقدّمين، و غيرهما من روايات الباب؛ خصوصاً مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: بمكّة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 29.) ، وجه الخصوصية ذكر مسجد الكوفة و الحائر قبال مكّة و المدينة. و قد فسّر الحرمان بمكّة و المدينة في صحيح ابن مهزيار المتقدّم فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و المدينة» . و يحتمل أن يكون المراد من مكّة و المدينة حرميهما- أي مسجديهما- بقرينة الروايات المذكور فيها الحرم، كما في موثّق حمّاد بن عيسى المتقدّم: «حرم اللَّه، و حرم رسوله صلى الله عليه و آله و سلم، و حرم أمير المؤمنين عليه السلام، و حرم الحسين عليه السلام» . و لا ينبغي ترك الاحتياط بالقصر خارج المسجدين، و لا يترك الاحتياط في خارج مسجد الكوفة و الحائر.

ص: 437

و لا يلحق بها سائر المساجد و المشاهد (1). و لا فرق في تلك المساجد بين السطوح و الصحن و المواضع المنخفضة، كبيت الطشت في مسجد الكوفة (2)، و الأقوى دخول تمام الروضة الشريفة في الحائر، فيمتدّ من طرف الرأس إلى الشُّبّاك المتّصل بالرّواق، و من طرف الرِّجل إلى الباب المتّصل بالرّواق، و من الخلف إلى حدّ المسجد، و دخول المسجد و الرّواق الشريف فيه أيضاً لا يخلو من قُوّة، لكن الاحتياط بالقصر لا ينبغي تركه (3).


1- أي سائر مساجد مكّة و المدينة و الكوفة و سائر المشاهد المشرّفة غير الحائر. و وجه عدم الإلحاق عدم الدليل عليه.
2- و ذلك لكون المذكورات من المساجد.
3- قد اختلف الأخبار في الصلاة في كربلاء الحسين عليه السلام: فقد ذكر في بعضها الحرم، كصحيح حمّاد المتقدّم: «و حرم الحسين بن علي عليهما السلام»(وسائل الشيعة 8: 524، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 1.) ، و خبر خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و حرم الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 528، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 14.) ، و مرسلة حذيفة بن منصور عمّن سمع أبا عبد اللّه عليه السلام: «و حرم الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 530، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 23.) ، و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و حرم الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 531، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 25.) . و ذكر في بعضها الحائر، كمرسل الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: «و حائر الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 531، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 26.) ، و مرسل حمّاد بن عيسى: «و الحائر»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 29.) . و ذكر في بعضها عند قبر الحسين عليه السلام، كخبر أبي شبل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أزور قبر الحسين؟ قال: «نعم زر الطيّب، و أتمّ الصلاة عنده»، قلت: بعض أصحابنا يرى التقصير، قال: «إنّما يفعل ذلك الضعفة»(وسائل الشيعة 8: 527، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 12.) ، و خبر زياد القندي قال: قال أبو الحسن عليه السلام: «يا زياد احبّ لك ما احبّ لنفسي و أكره لك ما أكره لنفسي؛ أتمّ الصلاة في الحرمين و بالكوفة و عند قبر الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 527، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 13.) ، و خبر عمرو بن مرزوق قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في الحرمين و عند قبر الحسين عليه السلام، قال: «أتمّ الصلاة فيهنّ»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 30.) . و لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الأخبار أنّ حرم الحسين عليه السلام خمسة فراسخ من أربع جوانبه؛ ففي مرفوع منصور بن العبّاس رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حرم الحسين عليه السلام خمس فراسخ من أربع جوانبه»(وسائل الشيعة 14: 510، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 1.) . و في مرسل الصدوق رحمه الله قال: «حريم الحسين عليه السلام خمسة فراسخ من أربع جوانب القبر»(وسائل الشيعة 14: 513، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 8.) . و في بعضها أنّه فرسخ من أربع جوانبه، كمرسل محمّد بن إسماعيل البصري عمّن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر»(وسائل الشيعة 14: 510، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 2.) و هذان الخبران ضعيفان سنداً غير منجبرين؛ فحينئذٍ يكون المراد من الحرم مجملًا. و أمّا الحائر فعن «إرشاد» المفيد: أنّ الحائر محيط بهم عليهم السلام، إلّا العبّاس عليه السلام فإنّه قتل على المسناة. و عن «السرائر»: أنّه ما دار سور المشهد و المسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه؛ لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة؛ لأنّ الحائر في لسان العرب الموضع المطمئنّ الذي يحار الماء عليه(السرائر 1: 342.) و حكى في «البحار» عن بعض: أنّه مجموع الصحن المقدّس. و بعضهم: أنّه القبّة السامية. و بعضهم: أنّه الروضة المقدّسة و ما أحاط بها من العمارات المقدّسة من الرواق و المقتل و الخزانة و غيرها ... إلى أن قال: و الأظهر عندي أنّه مجموع الصحن القديم، لا ما تجدّد منه في الدولة الصفوية(بحار الأنوار 86: 89.) ، انتهى كلام «البحار». و حدّد بعضهم الحرم بخمسة و عشرين ذراعاً من جوانب أربعة، و اعتمد فيه بصحيح إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إنّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معروفة، من عرفها و استجار بها اجير»، قلت: فصف لي موضعها، قال: «امسح من موضع قبره اليوم خمسة و عشرين ذراعاً من ناحية رجليه، و خمسة و عشرين ذراعاً من ناحية رأسه، و موضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنّة، و منه معراج تعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء، و ما من ملك في السماء و لا في الأرض إلّا و هم يسألون اللَّه أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام، ففوج ينزل و فوج يعرج»(وسائل الشيعة 14: 511، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 4.) لا إشكال و لا خلاف في التخيير فيما يقرب من الضريح المقدّس؛ و هو المتيقّن من الحرم و الحائر و عند القبر. و يصدق الحرم عرفاً بالمقادير المذكورة في المتن. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالتقصير في الزائد عن المتيقّن، و اللَّه سبحانه أعلم.

ص: 438

ص: 439

ص: 440

(مسألة 9): التخيير في هذه الأماكن الشريفة استمراريّ،

فيجوز لمن شرع في الصلاة بنية القصر، العدولُ إلى التمام و بالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول، بل لا بأس بأن ينوي الصلاة؛ من غير تعيين للقصر و الإتمام من أوّل الأمر، فيختار أحدهما بعده (1).

(مسألة 10): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور،

فلا يصحّ له الصوم فيها ما لم ينوِ الإقامة أو لم يبقَ ثلاثين متردّداً (2).


1- لا دليل على خصوص التخيير الابتدائي فقط؛ فإطلاق الأخبار المتقدّمة الدالّة على التخيير يقتضي استمراره. و يجوز له نية الصلاة ابتداءً من غير تعيين القصر أو الإتمام، بل بقصد التقرّب؛ فيجوز له بعد التشهّد التسليم بركعتين أو القيام إلى الركعة الثالثة و الرابعة. و في «العروة الوثقى»: بل لو نوى القصر فأتمّ غفلةً أو بالعكس فالظاهر الصحّة؛ لكونه من قبيل الاشتباه في التطبيق، و قد تقدّم أنّه غير مضرّ، انتهى.
2- يعني أنّه لا تلازم بين الصلاة و الصوم بالكلّية، و إن ورد في بعض الأخبار أنّهما سواء في ذلك؛ فيتخيّر في الصلاة بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة؛ فمع إتمام الصلاة فيها لا يصحّ صومه ما لم ينو الإقامة أو البقاء ثلاثين يوماً متردّداً. و يدلّ عليه التفصيل بين إتمام الصلاة و الصيام في موثّق عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن إتمام الصلاة و الصيام في الحرمين، فقال: «أتمّها و لو صلاة واحدة»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 17.)

ص: 441

(مسألة 11): يُستحبّ أن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة: «سُبحان اللَّهِ و الحمدُ للَّهِ وَ لا إلهَ إلّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أكبر»

(1).


1- ففي رواية سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه العسكري عليه السلام: «يجب على المسافر أن يقول دبر كلّ صلاة يقصّر فيها: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر ثلاثين مرّة لتمام الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 523، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 24، الحديث 1.) . و في رواية الصدوق عن الرضا عليه السلام أنّه صحبه في سفر، فكان يقول في دبر (بعد) كلّ صلاة يقصّرها: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاثين مرّة، و يقول: «هذا تمام الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 523، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 24، الحديث 2.) . و حيث لم تثبت فتوى أحدٍ من فقهائنا بوجوب التسبيحات بعد صلاة القصر اتّجه حمل قوله: «يجب» في رواية المروزي على مطلق الثبوت. قد تمّ مبحث صلاة المسافر في صبيحة اليوم العاشر من شهر الصيام، السنة 1417 ه. ق. و للَّه الحمد و له الشكر.

ص: 442

ص: 443

فصل في صلاة الجماعة

و هي من المستحبّات الأكيدة في جميع الفرائض؛ خصوصاً اليومية،

اشارة

و يتأكّد في الصبح و العشاءين، و لها ثواب عظيم. و ليست واجبة بالأصل- لا شرعاً و لا شرطاً- إلّا في الجمعة مع الشرائط المذكورة في محلّها. و لا تشرع في شي ء من النوافل الأصلية و إن وجبت بالعارض بنذر و نحوه (1).


1- هنا مسائل: الاولى: أنّ صلاة الجماعة من المستحبّات الأكيدة في الفرائض كلّها؛ خصوصاً اليومية. و أكثر العامّة قالوا بوجوب الجماعة و حرمة تركها، و أصحابنا أجمعوا على عدم وجوبها. و يدلّ عليه في الفرائض كلّها صحيح زرارة و الفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلاة فريضة، و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنّها سنّة من تركها رغبةً عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 8: 285، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 2.) و يدلّ عليه في خصوص اليومية رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من صلّى الخمس في جماعة فظنّوا به خيراً»(وسائل الشيعة 8: 286، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 4.) و يدلّ على تأكّده في الصبح و العشاءين رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من صلّى المغرب و العشاء الآخرة و صلاة الغداة في المسجد في جماعة فكأنّما أحيا الليل كلّه»(وسائل الشيعة 8: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 3، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب الواردة في الصبح و العشاء. و يدلّ على ترتّب الثواب العظيم عليها الأخبار المتواترة، لا بأس بذكر بعضها تيمّناً: كرواية الصدوق عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: و من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة، و يرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات و هو على ذلك وكّل اللَّه به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره و يبشِّرونه و يؤنّسونه في وحدته و يستغفرون له حتّى يبعث»(وسائل الشيعة 8: 287، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 7.) و في كتاب «المجالس» عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: «جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فسأله أعلمهم عن مسائل، فأجابه ...» إلى أن قال: «أمّا الجماعة فإنّ صفوف امّتي كصفوف الملائكة، و الركعة في الجماعة أربع و عشرون ركعة، كلّ ركعة أحبّ إلى اللَّه- عزّ و جلّ- من عبادة أربعين سنة. فأمّا يوم الجمعة فيجمع اللَّه فيه الأوّلين و الآخرين للحساب، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلّا خفّف اللَّه عليه أهوال يوم القيامة ثمّ يأمر به إلى الجنّة»(وسائل الشيعة 8: 287، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 10.) الثانية: أنّ الظاهر من بعض الأخبار وجوب الجماعة و حرمة تركها بدون العذر، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 8: 291، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلّا مريض أو مشغول»(وسائل الشيعة 8: 291، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 2، الحديث 3.) ، و قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لقوم: لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم»(وسائل الشيعة 8: 291، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 2، الحديث 4.) إلى غير ذلك من روايات إحراق بيوت تاركي الجماعة. و هي تدلّ بظاهرها على وجوب الجماعة، و لكن يصرف ظاهرها و تحمل على تأكّد الاستحباب بالإجماع. و صحيح زرارة و الفضيل المتقدّم الصريح في كون الجماعة سنّة و نفي كونها فريضة. نعم هي واجبة في الجمعة مع الشرائط المذكورة في محلّها. الثالثة: أنّ الجماعة ليست مشروعة في شي ء من النوافل الأصلية إجماعاً. و يدلّ عليه خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين» قال: «و لا يصلّى التطوّع في جماعة؛ لأنّ ذلك بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار»(وسائل الشيعة 8: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 5.) . و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «لا يجوز أن يصلّى تطوّع في جماعة؛ لأنّ ذلك بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار»(وسائل الشيعة 8: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 6.) و قد ورد في بعض الأخبار المنع عن الجماعة في خصوص نوافل شهر رمضان، كصحيح زرارة و محمّد بن مسلم و الفضيل أنّهم سألوا أبا جعفر الباقر عليه السلام و أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة، فقالا: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثمّ يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي، فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي، فاصطفّ الناس خلفه، فهرب منهم إلى بيته و تركهم، ففعلوا ذلك ثلاثة ليالٍ، فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، و صلاة الضحى بدعة؛ فلا تجمعوا ليلًا في شهر رمضان لصلاة الليل، و لا تصلّوا صلاة الضحى؛ فإنّ تلك معصية، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار. ثمّ هو نزل و هو يقول: قليل في سنّة خير من كثير في بدعة»(وسائل الشيعة 8: 45، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللَّه و أثنى عليه، ثمّ صلّى على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان: اتّباع الهوى و طول الأمل ...» إلى أن قال: «قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم متعمّدين لخلافه فاتقين (ناقضين) لعهده، مغيّرين لسنّته، و لو حملت الناس على تركها فتفرق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي ...» إلى أن قال: «و اللَّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً، و قد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ...»(وسائل الشيعة 8: 46، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 4.) الحديث. و رواية محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب أبي القاسم جعفر ابن قولويه عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: «لمّا كان أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة أتاه الناس فقالوا له: اجعل لنا إماماً يؤمّنا في رمضان، فقال لهم: لا، و نهاهم أن يجتمعوا فيه، فلمّا أمسوا جعلوا يقولون ابكوا رمضان وا رمضاناه، و أتى الحارث الأعور في اناس فقال: يا أمير المؤمنين ضجّ الناس و كرهوا قولك، قال: فقال عند ذلك: دعوهم و ما يريدون ليصلّ بهم من شاءوا، ثمّ قال: «وَ مَنْ ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً»»(وسائل الشيعة 8: 47، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 5.) و رواية الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن الرضا عليه السلام في حديث قال: «و لا يجوز التراويح في جماعة»(وسائل الشيعة 8: 47، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 6.) الرابعة: أنّ الصلوات النوافل كلّها تكون واجبة بالعرض بسبب النذر و شبهه، و مع ذلك لا يجوز فعلها جماعة؛ لأنّها و إن كان واجباً إتيانها بالنذر و شبهه و لكن المصلّي الناذر ينوي الندب لا الوجوب؛ لأنّ الواجب هو الوفاء بالنذر و هو يحصل بفعل المندوب المنذور؛ فلو ترك النافلة المنذورة و لم يفعلها يعاقب على حنث النذر لو لم يتب و وجبت عليه الكفّارة، و لا يعاقب بعقوبة ترك الصلاة الواجبة.

ص: 444

ص: 445

ص: 446

ص: 447

ص: 448

عدا صلاة الاستسقاء (1). و قد مرّ: أنّ الأحوط في صلاة العيدين الإتيان بها فرادى، و لا بأس بالجماعة رجاءً (2).


1- صلاة الاستسقاء و إن كانت مندوبة و لكن الجماعة مشروعة فيها بالنصّ و الإجماع. و يدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن صلاة الاستسقاء، فقال: «مثل صلاة العيدين يقرأ فيها و يكبّر فيها كما يقرأ و يكبّر فيها، يخرج الإمام و يبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسكنة، و يبرز معه الناس، فيحمد اللَّه و يمجّده و يثني عليه و يجتهد في الدعاء و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير و يصلّي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلّم الإمام قلّب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر و الذي على الأيسر على الأيمن؛ فإنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كذلك صنع»(وسائل الشيعة 8: 5، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الاستسقاء، الباب 1، الحديث 1.) و غيرها من روايات الباب.
2- قد تقدّم من المصنّف رحمه الله أنّ وجوب صلاة العيدين مختصّ بزمان حضور الإمام عليه السلام و بسط يده و اجتماع سائر الشرائط المذكورة في محلّها، و أنّها مستحبّة في زمان الغيبة، و الأحوط إتيانها رجاءً لا بقصد الورود.

ص: 449

(مسألة 1): لا يشترط في صحّة الجماعة اتّحاد صلاة الإمام و المأموم نوعاً أو كيفيةً؛

فيأتمّ مصلّي اليومية- أيّ صلاة كانت- بمصلّيها كذلك و إن اختلفتا في القصر و الإتمام أو الأداء و القضاء، و كذا مصلّي الآية بمصلّيها و إن اختلفت الآيتان (1).


1- لا خلاف في عدم اشتراط اتّحاد صلاة الإمام و المأموم من حيث النوع و الكيفية في صحّة الجماعة، و ادّعى الفاضلان الإجماع عليه؛ فيجوز الاقتداء في كلّ من الصلوات اليومية بمصلّيها في أيّ صلاة كانت؛ سواء كانتا أداءين أو قضاءين أو مختلفين. و يدلّ عليه صحيح حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل إمام قوم فصلّى العصر و هي لهم الظهر، قال: «أجزأت عنه و أجزأت عنهم»(وسائل الشيعة 8: 398، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 53، الحديث 1.) و موثّق أبي بصير قال: سألته عن رجل صلّى مع قوم و هو يرى أنّها الاولى و كانت العصر، قال: «فليجعلها الاولى و ليصلّ العصر»(وسائل الشيعة 8: 399، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 53، الحديث 4.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر و الأخيرتين العصر»(وسائل الشيعة 8: 329، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 1.) و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة؛ فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك»(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر- و هو يصلّي بهم- أنّه لم يكن صلّى الاولى، قال: «فليجعلها الاولى التي فاتته و يستأنف العصر، و قد قضى القوم صلاتهم»(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل دخل مع قوم و لم يكن صلّى هو الظهر و القوم يصلّون العصر، يصلّي معهم؟ قال: «يجعل صلاته التي صلّى معهم الظهر، و يصلّي هو بعد العصر»(وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 6.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تقام الصلاة و قد صلّيتُ؟ فقال: «صلّ و اجعلها لما فات»(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 55، الحديث 1.) و الدليل على عدم اشتراط اتّحاد صلاة الإمام و المأموم في صلاة الآيات هو الإجماع. و نسب إلى الصدوق عدم جواز اقتداء العصر بمن يصلّي الظهر، إلّا أن يتوهّمها العصر. و استدلّ له بصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي معه و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معها و قد كانت صلّت الظهر؟ قال: «لا يفسد ذلك على القوم، و تعيد المرأة صلاتها»(وسائل الشيعة 8: 399، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 53، الحديث 2.) و في «المستمسك»: و هي- أي الصحيحة- كما ترى على خلاف مدّعاه؛ للأمر فيها بالإعادة في صورة توهّم العصر، و قد أفتى هو فيها بالصحّة(مستمسك العروة الوثقى 7: 175.)، انتهى. و في «الوسائل»: يمكن أن يكون المانع هنا محاذاتها للرجال و تكون الإعادة مستحبّة؛ لما مرّ في مكان المصلّي، أو ظنّها أنّها العصر فتكون نوت الصلاة التي نواها الإمام. على أنّ الحديث موافق للتقية، بل لأشهر مذاهب العامّة(وسائل الشيعة 8: 399، ذيل الحديث 2.)، انتهى.

ص: 450

ص: 451

نعم لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية بمصلّي العيدين و الآيات و الأموات، بل و صلاة الاحتياط و الطواف و بالعكس. و كذا لا يجوز الاقتداء في كلّ من الخمس بعضها ببعض، بل مشروعية الجماعة في صلاة الطواف و كذا صلاة الاحتياط محلّ إشكال (1).


1- وجه عدم جواز اقتداء مصلّي اليومية بمصلّي العيدين و الآيات و الأموات و كذا عكسه، هو الإجماع القطعي. و في «المستمسك»: هو من بديهيات المذهب أو الدين، انتهى. و أمّا اقتداء اليومية بصلاة الطواف و بالعكس فقد أفتى جماعة بجوازه؛ ففي «العروة الوثقى» قال: (مسألة 4) يجوز الاقتداء في اليومية- أيّاً منها كانت أداءً أو قضاءً- بصلاة الطواف، كما يجوز العكس، انتهى. و لعلّ الوجه فيه إطلاق الأدلّة، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الصلاة في جماعة تفضل على كلّ صلاة الفرد (الفذّ) بأربعة و عشرين درجة تكون خمسة و عشرين صلاة»(وسائل الشيعة 8: 285، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة و الفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلاة فريضة، و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنّها سنّة مَن تركها رغبةً عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 8: 285، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس و عشرين صلاة؟ فقال: «صدقوا»(وسائل الشيعة 8: 286، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. أو إطلاق معقد الإجماع على عدم اعتبار تساوي صلاتي الإمام و المأموم مع عدم تنصيصهم على عدم الجواز. و يرد عليه: أنّ المطلقات ليست في صدد بيان تمام المراد من الصلاة، بل هي لبيان فضيلة الجماعة؛ فلا يصحّ الاستدلال بها لإثبات أصل المشروعية في موارد الشكّ، و أنّ الأصل عدم مشروعية الجماعة فيها إلّا ما خرج بالدليل المعتبر، كاليومية و العيدين و الآيات و الأموات و الاستسقاء من النوافل؛ فلا تجوز الجماعة في الموارد المذكورة في المتن؛ ضرورة اشتغال الذمّة بيقين الذي يطلب فيه البراءة اليقينية، و ليس هو إلّا في الانفراد. و في «الحدائق»: و الأظهر في الاستدلال على منع ذلك بأنّ العبادة مبنية على التوقيف من صاحب الشريعة- كيفيةً و كمّيةً، و صحّةً و بطلاناً، و فرادى و جماعةً، و نحو ذلك- و لم يثبت عنهم عليهم السلام- فتوى و لا فعلًا- صحّة الاقتداء في موضع البحث؛ فيجب الحكم بالمنع حتّى يقوم الدليل عليه(الحدائق الناضرة 11: 148.)، انتهى.

ص: 452

ص: 453

(مسألة 2): أقلّ عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة و العيدين اثنان أحدهما الإمام؛

سواء كان المأموم رجلًا أو امرأة، بل أو صبياً على الأقوى (1).


1- انعقاد الجماعة باثنين ممّا قام به الإجماع. و في «مصباح الفقيه»: بل كاد يكون من ضروريات الدين. و يدلّ عليه صحيح زرارة في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجلان يكونان جماعة؟ فقال: «نعم، و يقوم الرجل عن يمين الإمام»(وسائل الشيعة 8: 296، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الرجلين يصلّيان جماعة؟ قال: «نعم، و يجعله عن يمينه»(وسائل الشيعة 8: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 3.) . و في «عيون أخبار الرضا عليه السلام» عن آبائه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة»(وسائل الشيعة 8: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 6.) و تدلّ على انعقاده باثنين أحدهما امرأة رواية الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته كم أقلّ ما تكون الجماعة؟ قال: «رجل و امرأة»(وسائل الشيعة 8: 298، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 7.) و تدلّ على انعقاده باثنين أحدهما مميّز رواية أبي البختري عن جعفر عليه السلام: «إنّ علياً عليه السلام قال: الصبي عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصفّ جماعة، و المريض القاعد عن يمين المصلّي (الصبي) جماعة»(وسائل الشيعة 8: 298، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 8.)

ص: 454

(مسألة 3): لا يعتبر في انعقاد الجماعة في غير الجمعة و العيدين و بعض فروع المعادة-

بناءً على المشروعية- نية الإمام الجماعة و الإمامة، و إن توقّف حصول الثواب في حقّه عليها. و أمّا المأموم فلا بدّ له من نية الاقتداء؛ فلو لم ينوه لم تنعقد و إن تابع الإمام في الأفعال و الأقوال (1).


1- عدم اشتراط نية الإمام الجماعة و الإمامة في غير الجمعة و العيدين و بعض فروع المعادة ممّا لا خلاف فيه من أحد من علمائنا، بل حكي عن جماعة الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: لو صلّى بنية الانفراد مع علمه بأنّ من خلفه يأتمّ به صحّ عند علمائنا، انتهى. نعم يشترط نية الإمام الجماعة و الإمامة في الجمعة و العيدين؛ لأنّ الجماعة مقوّمة لها؛ فيلزم من انتفائها انتفاء الصلاة. و لا يشترط نية الجماعة تفصيلًا، بل تكفي نيتها إجمالًا في ضمن نية أصل نوع الصلاة التي اخذ فيها الجماعة؛ فلا تبطل، فيستغنى بنية الجمعة التي اخذت في حقيقتها الجماعة عن نية الجماعة تفصيلًا؛ فلا تبطل الجماعة و لا الصلاة بترك نيتها تفصيلًا. و كذا يشترط نية الجماعة للإمام في بعض فروع الصلاة المعادة- بناءً على المشروعية- كما فيما لو كانت صحّة الصلاة موقوفة على الجماعة، كالفريضة المعادة لإدراك الجماعة. فلو لم ينو الإمام- حينئذٍ- الجماعة و الإمامة بطلت الصلاة؛ لعدم إمكان صيرورة المعادة فرادى ابتداءً. و يدلّ عليه مرسل الصدوق قال: و قال رجل للصادق عليه السلام: اصلّي في أهلي ثمّ أخرج إلى المسجد فيقدّمونني، فقال: «تقدّم لا عليك و صلّ بهم»(وسائل الشيعة 8: 401، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54، الحديث 3.) و صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام: إنّي أحضر المساجد مع جيرتي و غيرهم، فيأمرونني بالصلاة بهم و قد صلّيت قبل أن أتاهم، و ربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل، فاكره أن أتقدّم و قد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت ذلك فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه و أعمل به إن شاء اللَّه، فكتب عليه السلام: «صلّ بهم»(وسائل الشيعة 8: 401، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54، الحديث 4.) و صحيح يعقوب بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك تحضر صلاة الظهر، فلا نقدر أن ننزل في الوقت حتّى ينزلوا فننزل معهم فنصلّي، ثمّ يقومون فيسرعون فنقوم فنصلّي (و نصلّي) العصر و نريهم كأنا نركع، ثمّ ينزلون للعصر فيقدّمونا فنصلّي بهم، فقال: «صلّ بهم لا صلّى اللَّه عليهم»(وسائل الشيعة 8: 402، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54، الحديث 6.) وجه الاستدلال بهذه الروايات: أنّ المعصوم عليه السلام أمر السائل بالصلاة بهم جماعة حيث إنّه قد صلّى فريضته فرادى من قبل، فهو مأمور بالصلاة بهم لا بها مطلقاً؛ فلا بدّ من نية الجماعة حينئذٍ. و بالجملة: لا يشترط نيتها في غير العيدين و الجمعة و المعادة المذكورة. نعم حصول الثواب في حقّ الإمام يتوقّف على نية الجماعة و الإمامة؛ لأنّ استحقاق الثواب مترتّب على الإطاعة المتوقّفة على النية؛ فترتّب الثواب على الجماعة و الإمامة يتوقّف على قصدهما. هذا كلّه بالنسبة إلى الإمام. و أمّا المأموم فلا بدّ في انعقاد صلاته جماعة من نية الائتمام؛ فلو لم ينو الائتمام تكون صلاته فرادى و إن تابع الإمام في الأقوال و الأفعال؛ لأنّ عنوان الاقتداء- الذي هو مناط ترتّب الآثار من سقوط القراءة و نحوه- لا يتحقّق إلّا بنية الائتمام. فقصد الائتمام شرط في انعقاد الصلاة جماعة، و به يتحقّق إمامة الإمام و مأمومية المأموم. و ليس هو شرطاً في صحّة الصلاة من حيث هي؛ فلو تابع الإمام لا بقصد الائتمام بل لحفظ عدد الركعات و الأفعال عن السهو- مثلًا- فلا إشكال في صحّة صلاته ما لم يؤدّ ذلك إلى الإخلال بشي ء من واجباتها أو الإتيان بشي ء من منافياتها من زيادة ركوع أو سجود، بحيث لو كان مقتدياً لم تكن تلك الزيادة مخلّة للتبعية. فمجرّد قرن فعله بفعل غيره لا يكون قادحاً في الصلاة، بل لو صلّى بنية الانفراد خلف الإمام جاز لغيره أن يأتمّ به، فيلحقه وصف الإمامة، و يرجع كلّ منهما إلى الآخر في شكّه بلا إشكال و لا خلاف. ثمّ إنّ الدليل على وجوب نية الائتمام على المأموم هو الإجماع المستفيض، و بالائتمام يتحقّق الجماعة و إمامية الإمام و مأمومية المأموم. و وجوبها يظهر من بعض الأخبار الواردة في أبواب متفرّقة من أبواب صلاة الجماعة من «وسائل الشيعة»؛ ففي رواية علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ مواليك قد اختلفوا فاصلّي خلفهم جميعاً، فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 2.) و في «عيون الأخبار» عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 11.) و في «الخصال» عن الأعمش عن جعفر بن محمّد عليه السلام في حديث شرائع الدين قال: «و الصلاة تستحبّ في أوّل الأوقات، و فضل الجماعة على الفرد بأربع و عشرين، و لا صلاة خلف الفاجر، و لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 6.) . و رواية اخرى عن أبي علي بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 8.) . و رواية يزيد بن حمّاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: اصلّي خلف من لا أعرف؟ فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 319، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 12، الحديث 1.) و الاستظهار من هذه الروايات على المطلب من موضع الاقتداء و الخلف، حيث إنّ الاقتداء خلف من تثق بدينه لا يتحقّق إلّا بالقصد.

ص: 455

ص: 456

ص: 457

و يجب وحدة الإمام؛ فلو نوى الاقتداء بالاثنين لم تنعقد و لو كانا متقارنين (1).


1- و الوجه في وجوب وحدة الإمام و عدم انعقاد الجماعة بالاقتداء بالاثنين هو الإجماع.

ص: 458

و كذا يجب تعيين الإمام بالاسم أو الوصف أو الإشارة الذهنية أو الخارجية، كأن ينوي الاقتداء بهذا الحاضر و لو لم يعرفه بوجه؛ مع علمه بكونه عادلًا صالحاً للاقتداء. فلو نوى الاقتداء بأحد هذين لم تنعقد و إن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك (1).


1- وجوب تعيين الإمام بمعيّن من الاسم أو الوصف أو الإشارة مجمع عليه عند الأصحاب. فلو لم يعيّنه بل نوى الاقتداء بأحد هذين لم تنعقد الجماعة، و تكون صلاته فرادى صحيحة لو لم يخلّ بترك جزء من واجباتها، كالقراءة مثلًا. و الأصل عدم ترتّب أحكام الجماعة على الاقتداء بأحد هذين عند الشكّ في تناول الإطلاقات أو القطع بالعدم؛ لعدم المعهودية في عرف المتشرّعة، بل معهودية الخلاف. ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله قال: بل يحتمل أنّه كذلك- أي لا تنعقد صلاته- حتّى لو عيّن أحدهما بما يعيّنه في الواقع من الاسم أو الصفة لكن لم يعرف مصداقهما؛ بأن قصد الصلاة خلف زيد أو العالم منهما، و كان لا يعرف أنّ هذا أو هذا زيد أو العالم؛ إذ الترديد في المصداق كالترديد في المفهوم يشكّ في شمول الأدلّة له، و إطلاق الأصحاب الاجتزاء بالتعيين بالاسم أو بالصفة منزّل على مفيد التشخيص عند المعيّن لا في الواقع، كما هو المتبادر من اشتراط التعيين في الفتاوى(جواهر الكلام 13: 233.)، انتهى. و أورد عليه في «المستمسك» بأنّ لازمه بطلان ائتمام الصفوف المتأخّرة و غيرهم ممّن لا يرى الإمام؛ إذ لا تعيّن للإمام عندهم إلّا بنحو الإجمال ... إلى أن قال: فلا بدّ أن يكون مرادهم ما يعمّ الإجمالي(مستمسك العروة الوثقى 7: 181.) ، انتهى. و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» بعد اختياره عدم انعقاد الجماعة مع عدم تعيين الإمام اختار كفاية الائتمام بأحدهما المعيّن في الواقع و إن كان مردّداً عنده، فقال: نعم يمكن أن يتعلّق بواحد معيّن مردّد عنده بين شخصين أو أكثر، كما لو صلّوا جميعاً بين يديه و توافقوا في الأفعال، و كان أحدهم زيد الذي يعتقد بعدالته، فنوى الاقتداء به و أحرز متابعته بفعله في ضمن فعل الجميع. أو وقف بين جماعتين يعلم إجمالًا بأنّ إحداهما تقتدي بزيد و الاخرى بعمرو، فنوى الائتمام بزيد حال اشتغال الإمامين بالقراءة، و هو يعلم بأنّه لدى افتراق أحدهما عن الآخر يميّز مقتداه بصوت مؤذّنه- مثلًا- و يتمكّن من متابعته في أفعاله ... إلى غير ذلك من الفروض التي يتمكّن فيها من الائتمام بأحدهما المعيّن في الواقع المردّد عنده. ففي مثل هذه الموارد لا مانع عن الالتزام بالصحّة؛ لحصول الاقتداء بمعيّن في الواقع. و تردّده عنده بين شخصين أو أكثر مع علمه إجمالًا بوجوده بين يديه و كونه مقتدياً بأفعاله، غير قادح في ذلك؛ إذ لا دليل على اعتبار تمييز شخص الإمام عمّا عداه مفصّلًا، بل الأصل قاضٍ بعدمه. و لم يظهر من حكم الأصحاب بوجوب القصد إلى إمام معيّن إرادة ما ينافيه، بل كثيراً ما لدى كثرة الجماعة يشتبه شخص الإمام على من بعد عنه و يتردّد بين متعدّد أو بينه و بين شبح آخر يراه من بعيد. فغاية ما يلزم في فرض وقوفه بين الجماعتين مثلًا: أنّه لا يعلم بمكان إمامه الذي هو زيد و أنّ اتّصاله به هل هو من جانبه الأيمن أو الأيسر، فليتأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 656/ السطر 24.) ، انتهى. و الحقّ ما ذكره المحقّق الهمداني رحمه الله؛ لتعيّن الإمام بأنّه زيد حيث عيّنه من بينهما و اقتدى له؛ فالإمام متعيّن بتعيينه، و المُخلّ هو الائتمام بأحدهما لا على التعيين.

ص: 459

ص: 460

(مسألة 4): لو شكّ في أنّه نوى الاقتداء أم لا بنى على العدم،

و إن علم أنّه قام بنية الدخول في الجماعة، بل و إن كان على هيئة الائتمام. نعم لو كان مشتغلًا بشي ء من أفعال المؤتمّين- و لو مثل الإنصات المستحبّ في الجماعة- بنى عليه (1).


1- لو شكّ في نية الجماعة بعد ذكر تكبير الإحرام بنى على العدم؛ لأصل العدم- أي استصحاب عدم نية الاقتداء- و إن علم أنّه قام قبل الشروع في الصلاة و تكبيرة الإحرام بنية الإمام، حيث إنّ العلم بالقيام بنية الجماعة قبل الشروع في الصلاة لا ينفع مع الشكّ في حدوث النية حين التكبير، و استصحاب العلم المزبور إلى زمان الشروع في الصلاة مثبت بالنسبة إلى نية الائتمام حين الشروع فيها. و في «الذكرى»: أنّه يمكن بناؤه على ما قام إليه، فإن لم يعلم شيئاً بنى على الانفراد؛ لأصالة عدم نية الائتمام، انتهى. و كذا يبني على العدم و إن كان على هيئة الائتمام؛ لأنّ كونه على تلك الهيئة ليس من الظواهر العرفية المعتمد عليها في رفع الشكّ. نعم لو كان مشتغلًا بشي ء هو ظاهر في الائتمام- كالإنصات و الذكر في الجماعة مثلًا حال قراءة الإمام- فالأقوى عدم الالتفات بالشكّ، و لحوق أحكام الجماعة؛ لحجّية ظاهر الأحوال كظاهر الأقوال في المقاصد، و لقاعدة تجاوز المحلّ. و استشكل على جريانها في «المستمسك» بقوله: إنّ القاعدة إنّما تجري مع الشكّ في وجود ما له دخل في المعنون في ظرف الفراغ عن إحراز العنوان، و الشكّ في النية شكّ في أصل العنوان؛ فلا يرجع في نفيه إلى القاعدة(مستمسك العروة الوثقى 7: 182.) و فيه: أنّ مورد جريان قاعدة التجاوز الشكّ في إتيان شي ء بعد التجاوز عن محلّ إتيانه. فمحلّ نية الجماعة حين الشروع في الصلاة بالتكبير، و قد تجاوز عنه يقيناً حيث إنّ المفروض أنّه كبّر و تجاوز عنه، و الآن- أي حين الشكّ- مشتغل بشي ء من مستحبّات الجماعة- و هو الإنصات و الذكر مثلًا- فلا مانع من جريان القاعدة.

ص: 461

(مسألة 5): لو نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو،

فإن لم يكن عمرو عادلًا بطلت جماعته و صلاته إن زاد ركناً بتوهّم الاقتداء، و إلّا فصحّتها لا تخلو عن قوّة. و الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة. و إن كان عادلًا فالأقوى صحّة صلاته و جماعته؛ سواء كان من قصده الاقتداء بزيد و تخيّل أنّ الحاضر هو زيد، أو من قصده الاقتداء بهذا الحاضر و لكن تخيّل أنّه زيد. و الأحوط الإتمام و الإعادة في الصورة الاولى إن خالفت صلاة المنفرد (1).


1- وجه بطلان الجماعة فيما لو نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو و هو غير عادل، هو عدم انعقاد الجماعة؛ لأنّ المفروض عدم وجود إمام عادل- و هو زيد- و فسق إمام موجود- و هو عمرو- و كلاهما موجب لعدم انعقاد الجماعة. و أمّا بطلان الصلاة في الفرض المذكور فهو المشهور بين فقهائنا، بل و لم يعرف خلاف من أحد منهم. و وجّهه في «المستمسك» بكون صلاة الجماعة و صلاة الفرادى حقيقتين متباينتين؛ فلا يكون قصد الصلاة جماعة قصداً لصلاة الفرادى- و لو بنحو تعدّد المطلوب- فإذا بطلت الجماعة- لما سبق- بطلت الصلاة فرادى؛ لعدم القصد(مستمسك العروة الوثقى 7: 183.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله اختار بطلان الصلاة و قال: و لو نوى الاقتداء بزيد فظهر أنّه عمرو بطلت و إن كان أهلًا للإمامة أيضاً- كما في «التذكرة» و «الذكرى» و «الروض»، و عن «نهاية الإحكام» و «الروضة» و «إرشاد الجعفرية»- من غير فرق بين ظهور ذلك له بعد الفراغ أو في الأثناء؛ إذ نية الانفراد هنا كعدمها؛ لعدم وقوع ما نواه و عدم نية ما وقع منه. و فائدة التعيين التوصّل به إلى الواقع، لا أنّه يكفي و إن خالف الواقع. نعم لو كان قد شكّ فيه في الأثناء اتّجه له نية الانفراد و صحّت صلاته ما لم يظهر له أنّه خلاف ما عيّنه(جواهر الكلام 13: 234.) ، انتهى موضع الحاجة. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بما ملخّصه أوّلًا: أنّ ما نحن فيه لا محالة يؤول بما لو اقتدى بهذا الحاضر معتقداً أنّه زيد فبان أنّه عمرو، حيث اعترفوا بصحّة الاقتداء فيه؛ لكون مقتداه متعيّناً لديه بالإشارة. و اعتقاد كونه زيداً لا يخرجه عن كونه بعينه مقصوداً بالاقتداء؛ و ذلك لأجل أنّ الائتمام علاقة خارجية لا يعقل تعلّقه بمفهوم زيد، بل بالشخص الخارجي الذي اعتقده زيداً؛ و هو هذا الحاضر. فاعتقاد صدق عنوان زيد على هذا الحاضر سبب لقصد الائتمام بهذا الشخص الحاضر بعينه لا غير. غاية الأمر: أنّه قد يكون الداعي إلى الائتمام بزيد حضوره بحيث لو كان غيره الواجد لشرائط الائتمام حاضراً أيضاً لكان يأتمّ به. و قد يكون الداعي إليه اعتقاد كونه زيداً، بحيث كان هذا الاعتقاد علّة لاختيار الائتمام بهذا الشخص الحاضر؛ فالمنوي ليس إلّا الائتمام بهذا الحاضر، و لكن منشؤه الخطأ في كونه مصداقاً لمفهوم زيد. و ثانياً: سلّمنا عدم مدخلية قصد الحضور فيما تعلّق به قصد الاقتداء، و لكن نقول: إنّ اعتقاد كون هذا الشخص زيداً ينحلّ إلى قصد الائتمام بزيد أوّلًا و بالذات و قصد الاقتداء بهذا الشخص ثانياً و بالعرض و التبع، و مثل هذا القصد التبعي كافٍ في صحّة الاقتداء؛ إذ لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك. و ثالثاً: سلّمنا ذلك كلّه، و لكن مقتضى الدليل المزبور فساد القدوة لا بطلان أصل الصلاة. فالوجه إجراء أحكام المنفرد عليه؛ لأنّ الجماعة و الفرادى ليستا ماهيتين مختلفتين بالنوع حتّى يتوقّف تمييز كلّ منهما عن الاخرى بالقصد، بل الجماعة كيفية خاصّة اعتبرها الشارع موجبة لتأكّد مطلوبية الصلاة الواجبة عليه؛ فلو أخلّ بها فاتته الجماعة دون أصل الصلاة، إلّا أن يخلّ بشي ء من واجباتها ... إلى أن قال: فتلخّص ممّا ذكر: أنّ الأقوى في المقام إن لم يكن إجماع على خلافه هو الصحّة. و أولى منه في ذلك ما لو نوى الاقتداء بهذا الحاضر على أنّه زيد فبان عمرو؛ لعدم تجرّد الاقتداء بالشخص عن القصد إليه(مصباح الفقيه، الصلاة: 656- 657.) ، انتهى كلامه رفع مقامه. ثمّ إنّه إذا نوى الاقتداء بهذا الحاضر بتخيّل أنّه زيد فبان عمرو فقال جماعة بابتناء المسألة على ترجيح الإشارة على الاسم أو العكس في مقام المعارضة؛ فمن رجّح الإشارة قال بصحّة الصلاة، و من رجّح الاسم أبطلها. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد ذكر الوجهين قال: أحوطهما بل أقربهما البطلان ... إلى أن قال: بل ينبغي الجزم به لو كان عمرو عنده غير عادل ... إلى أن قال: إنّما البحث لو ظهر أنّه عمرو العدل عنده، و قد سمعت أنّ الأقوى البطلان فيه أيضاً إن كان أراد مصداق الحاضر الذي باعتقاده أنّه زيد؛ فإنّه حينئذٍ لم تزد الإشارة في نظره على الاسم، بل هو المقصود منها(جواهر الكلام 13: 235.) ، انتهى. و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد النظر في بناء المسألة على ترجيح الإشارة على الاسم أو عكسه، و تعليل نظره بأنّ الظاهر أنّ تلك المسألة من القواعد اللفظية التي يرجع إليها في مقام تشخيص ما قصده اللافظ أوّلًا و بالذات موضوعاً لحكمه، و تقويته ترجيح الإشارة على الاسم في تلك المسألة بأنّ القصد أوّلًا و بالذات يتعلّق بذات ما تصوّره المتكلّم موضوعاً لحكمه قبل أن يصدر منه إشارة أو لفظ و الإشارة تقع عليها، و هذا بخلاف الأسماء و الصفات فإنّها مفاهيم تصدق عليها باعتقاده، فيأتي بذكرها معرّفاً لبيان المقصود، فإذا تخلّف اعتقاده عن الواقع لا يتخلّف تلك الذات عن كونها مقصودة بالموضوعية فإنّه لا يرى لموضوع حكمه مصداقاً وراء ما أشار إليه حتّى يتعلّق به قصده. قال: و كيف كان فترجيح الإشارة أو الاسم إنّما يحسن لدى الشكّ في المقصود. و أمّا مع العلم به- كما في مفروض كلامنا- فلا وجه له. نعم قد يتّجه هاهنا الترجيح بأقوائية القصد و أصالته؛ بأن يقال: إن كان القصد أوّلًا و بالذات متعلّقاً بمسمّى الاسم ثمّ بهذا الحاضر باعتبار كونه مصداقاً له فالوجه البطلان، و إن كان بعكسه فالصحّة، و إن تساويا فوجهان؛ أوجههما الصحّة؛ إذ العبرة بقصد الاقتداء بهذا الحاضر و هو حاصل، لا بعدم قصد الائتمام بشخص غائب حتّى يكون قصده مقتضياً للبطلان كما قد يتوهّم(مصباح الفقيه، الصلاة: 657- 658.) ، انتهى.

ص: 462

ص: 463

ص: 464

ص: 465

(مسألة 6): لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء على الأحوط

(1).

(مسألة 7): الظاهر جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد- و لو اختياراً-

في جميع أحوال الصلاة، و إن كان من نيته ذلك في أوّل الصلاة، لكن الأحوط عدم العدول إلّا لضرورة و لو دنيوية؛ خصوصاً في الصورة الثانية (2).


1- و ذلك لعدم ثبوت مشروعية العدول إلى الائتمام في أثناء الصلاة و عدم تحقّق الجماعة المحفوظة في جوامع المسلمين خلفاً عن سلف و يداً بيد و زمناً بعد زمن إلى زمان المعصومين عليهم السلام و النبي صلى الله عليه و آله و سلم بذلك، فهو غير جائز على الأقوى.
2- العمدة في وجه جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد و لو اختياراً في جميع أحوال الصلاة، هي الشهرة العظيمة. و في «الرياض»: بلا خلاف أجده. و في «المدارك» و «الذخيرة»: أنّه مقطوع به بين الأصحاب. و يظهر من «الخلاف» و «المنتهى» و «التذكرة» نسبته إلى علمائنا. و حكي عن «النهاية» و «إرشاد الجعفرية» الإجماع عليه. خلافاً للشيخ رحمه الله في «المبسوط» قال: من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته، و إن فارق لعذر و تمم صلاته صحّت صلاته و لا يجب عليه إعادتها(المبسوط 1: 157.) و يظهر من بعض فقهائنا الاقتصار على موارد الضرورة. و استدلّ لقول المشهور- مضافاً إلى الشهرة- بامور نذكر بعضها: منها: الأصل. و فيه: أنّ مقتضاه عدم مشروعية قصد الانفراد في الصلاة المنعقدة جماعة؛ و ذلك لتوقيفية العبادات. و منها: استصحاب جواز الفرادى. و فيه: أنّ المتيقّن سابقاً ليس هو المشكوك لاحقاً؛ لأنّ المتيقّن هو جواز الدخول في الصلاة فرادى قبل الشروع فيها، و المشكوك فعلًا هو جواز الانفراد و العدول من الجماعة إلى الفرادى. و منها: إطلاق الأخبار الدالّة على جواز التسليم قبل الإمام: ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول الإمام بالتشهّد فيأخذ الرجل البول، أو يتخوّف على شي ء يفوت، أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: «يتشهّد هو و ينصرف و يدع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 2.) و صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، قال: «يسلّم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحبّ»(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 3.) و صحيح أبي المعزا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلّي خلف إمام فسلّم قبل الإمام، قال: «ليس بذلك بأس»(وسائل الشيعة 8: 414، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 4.) و صحيح آخر لأبي المعزا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون خلف الإمام فيسهو فيسلّم قبل أن يسلّم الإمام، قال: «لا بأس»(وسائل الشيعة 8: 414، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 5.) وجه الاستدلال: أنّ المتابعة في التسليم لو كانت واجبة لوجب عليه تكرار السلام مع الإمام كالأفعال؛ فيستفاد من هذه الأخبار عدم وجوب المتابعة في باقي الأقوال؛ ضرورة مساواتها له. و في «الروض»: أنّه لا قائل بالفرق بينه و بينها. ففيها أوّلًا: أنّها مقيّدة بخصوص التسليم، إلّا أن يقال بعدم القول بالفصل بينه و بين غيره من الأقوال و الأفعال. و ثانياً: أنّ بعضها مقيّد بصورة السهو، و بعضها مقيّد بموارد الاضطرار، كما في صحيح علي بن جعفر المتقدّم. و منها: الأخبار الواردة في جواز المفارقة عن الجماعة، كما في موارد اقتداء المسافر بالحاضر في الظهرين و العشاءين- مثلًا- في الركعة الاولى أو الثانية للإمام؛ فإنّه يتمّ صلاته و ينصرف و الإمام مشتغل بصلاته و في أثنائها. ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر و الأخيرتين العصر»(وسائل الشيعة 8: 329، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسافر يصلّي خلف المقيم، قال: «يصلّي ركعتين و يمضي حيث شاء»(وسائل الشيعة 8: 329، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 2.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إمام مقيم أمّ قوماً مسافرين، كيف يصلّي المسافرون؟ قال: «ركعتين ثمّ يسلّمون و يقعدون، و يقوم الإمام فيتمّ صلاته، فإذا سلّم و انصرف انصرفوا»(وسائل الشيعة 8: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 9.) و فيه: أنّ إتمام المسافر صلاته في أثناء صلاة الإمام ليس انفراداً، و لا يصدق أنّه قصد الانفراد عن الجماعة. و العمدة في وجه جواز العدول هي الشهرة التي كادت تكون إجماعاً. و إن كان الأحوط في مسألتنا الاقتصار في الانفراد في أيّ حال من حالات الصلاة على الضرورة؛ خصوصاً فيما كان من نيته ذلك في أوّل الصلاة.

ص: 466

ص: 467

ص: 468

ص: 469

(مسألة 8): لو نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع لا تجب عليه القراءة،

بل لو كان في أثناء القراءة تكفيه بعد نية الانفراد قراءة ما بقي منها، و إن كان الأحوط استئنافها بقصد القربة و الرجاء؛ خصوصاً في الصورة الثانية (1).


1- وجه عدم وجوب القراءة على المأموم فيما إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام و قبل الركوع، هو ضمان الإمام عنه؛ فتجزي قراءة الإمام عنه ما دامت التبعية متحقّقة. و على هذا التقدير تكفي قراءة الإمام عنه في كلّ جزء من أجزاء الحمد و السورة إلى تحقّق نية الانفراد؛ فلو نوى الانفراد في أيّ جزء من أجزاء الحمد و السورة قرأ من موضع القطع و المفارقة. و أوجب جماعة الابتداء من أوّل الحمد، و لعلّه لأجل أنّ عدم وجوب القراءة على المأموم لكونه مأموماً؛ فإذا انفرد قبل الركوع فقد خرج عن كونه مأموماً؛ فوجب عليه أن يقرأ لنفسه. و قد استوجه الشهيد في «الذكرى» الاستئناف للمأموم مطلقاً- أي سواء انفرد بعد قراءة الإمام، أو في أثنائها- بأنّه في محلّ القراءة، و قد نوى الانفراد. و فيه: أنّ الظاهر من أدلّة الضمان و الإجزاء هو الضمان في القراءة و لو في بعضها، كما في موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه سأله رجل، عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) . و غيره من روايات الباب الواحد و الثلاثين من أبواب صلاة الجماعة. و الأحوط استحباباً استئناف القراءة؛ خصوصاً في الصورة الثانية.

ص: 470

(مسألة 9): لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الائتمام على الأحوط

(1).

(مسألة 10): لو أدرك الإمام في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه و لو بعد الذكر،

أو أدركه قبله و لم يدخل في الصلاة إلى أن ركع، جاز له الدخول معه، و تحسب له ركعة. و هو منتهى ما يدرك به الركعة في ابتداء الجماعة. فإدراك الركعة في ابتداء الجماعة يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه. و أمّا في الركعات الاخر فلا يضرّ عدم إدراك الركوع مع الإمام؛ بأن ركع بعد رفع رأسه منه، لكن بشرط أن يدرك بعض الركعة قبل الركوع، و إلّا ففيه إشكال (2).


1- الأقوى عدم جواز العود إلى الائتمام بعد نية الانفراد في الأثناء؛ لما ذكر غير مرّة من توقيفية العبادات و عدم مشروعية الائتمام إلّا في موارد ثبت فيها الائتمام بدليل معتبر، و يبقى الباقي تحت أصل عدم المشروعية.
2- لا يشترط في انعقاد الجماعة إدراك الإمام من ابتداء الصلاة أو قبل الركوع، بل تنعقد بإدراكه في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه و لو بعد الذكر. فلو حضر من ابتداء الصلاة و لكن لم يدخل فيها و أبطأ إلى أن ركع الإمام و أتمّ ذكر الركوع ثمّ دخل في الصلاة قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الجماعة. و هذه المسألة مشهورة بين فقهائنا شهرة عظيمة. و في «الجواهر»: بل لا أجد فيه خلافاً بين المتأخّرين(جواهر الكلام 13: 146.) و نسب إلى الشيخ دعوى الإجماع عليه في «الخلاف». و تدلّ عليه الأخبار المعتبرة المستفيضة إن لم تكن متواترة. و ادّعى في «السرائر» تواترها؛ ففي صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه: «فقد أدرك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 2.) و رواية زيد الشحّام أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل انتهى في الإمام و هو راكع، قال: «إذا كبّر و أقام صلبه ثمّ ركع فقد أدرك»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 3.) و رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا جاء الرجل مبادراً و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة؛ لدخوله في الصلاة و الركوع»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 4.) و حديث محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ أوّل صلاة أحدكم الركوع»(وسائل الشيعة 8: 384، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 6.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إذا دخلت المسجد و الإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر و اركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فألحق بالصفّ، فإذا جلس فاجلس مكانك، فإذا قام فألحق بالصفّ»(وسائل الشيعة 8: 385، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 46، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. و قد يستدلّ على المسألة أيضاً برواية جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أؤمّ قوماً فأركع، فيدخل الناس و أنا راكع، فكم أنتظر؟ فقال: «ما أعجب ما تسأل عنه، يا جابر انتظر مثلي ركوعك، فإن انقطعوا و إلّا فارفع رأسك»(وسائل الشيعة 8: 394، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 1.) ، و الرواية ضعيفة بعمرو بن شمر بن يزيد الجعفي الكوفي، و قد ضعّفه النجاشي و ابنا الغضائري و داود. و مرسل مروك بن عبيد عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له إنّي إمام مسجد الحيّ، فأركع بهم فأسمع خفقان نعالهم و أنا راكع، فقال: «اصبر ركوعك و مثل ركوعك، فإن انقطعوا (انقطع) و إلّا فانتصب قائماً»(وسائل الشيعة 8: 395، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 2.) و صرّح الشيخ رحمه الله في «النهاية» بأنّ من لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك التكبيرة، فإن لم يلحقها فقد فاتته. و نسب إلى القاضي و غيره أيضاً. و استدلّ له بصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 3.) و صحيحه الثالث عن الصادق عليه السلام قال: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 4.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة، قال: «يصلّي ركعتين، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعاً»، و قال: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة. و إن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 26، الحديث 3.) و يظهر من بعض الأخبار اشتراط إدراك الإمام قبل تكبيرة الركوع، كما في صحيح رابع لابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 2.) و الجواب عمّا ذكره الشيخ في «النهاية»: أنّه يمكن حمل روايات ابن مسلم على فضيلة الدخول في الجماعة قبل ركوع الإمام و كراهة الدخول فيها حال ركوعه، و حمل صحيح الحلبي على إدراك الإمام بعد رفع رأسه عن ركوعه، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّ الترجيح بالأخبار الدالّة على انعقاد الجماعة بإدراك الإمام في الركوع؛ لكونها أشهر. ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله قد زعم أنّ الشيخ رحمه الله في «النهاية» قال باشتراط إدراك المأموم الإمام في حال الركوع باستماعه تكبيرة الإمام للركوع، قال: و ربّما كان ظاهر الشيخ في «النهاية» أنّه يكتفى في إدراك الركعة بمجرّد سماع المأموم تكبيرة الركوع، و إن لم يكن هو حال سماعها خارج الصلاة؛ فيكون نزاعه - حينئذٍ- مع المشهور باشتراط الإدراك حال ركوع الإمام بسماع التكبيرة و عدمها؛ فالمشهور لا يشترطونه فيكتفون بمجرّد الاجتماع معه في الركوع و إن لم يكن قد سمع، و هو يشترط الإدراك في هذا الحال بسماع المأموم تكبيرة الركوع، لا أنّ نزاعه في أصل الإدراك بإدراك الإمام راكعاً(جواهر الكلام 13: 148.) ، انتهى. و فيه: أنّ عبارة الشيخ: و من لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة، فإن لم يلحقها فقد فاتته، فإن سمع تكبيرة الركوع و بينه و بين الصفّ مسافة جاز له أن يركع و يمشي في ركوعه حتّى يلحق بالصفّ أو يتمّ ركوعه، فإذا رفع الإمام رأسه من الركوع سجد، فإذا نهض إلى الثانية لحق بالصفّ(النهاية: 115.) ، انتهى. شاملة لمسألتين، صرّح الشيخ في اولاهما بأنّ من لم يلحق تكبير الإمام للركوع فقد فاتته الركعة، و المشهور لا يقول به، بل يقول بإدراك المأموم ركوع الإمام و الاكتفاء به. هنا فرعان: الأوّل: الأقوى- وفاقاً لجماعة؛ منهم صاحب «الجواهر» رحمه الله- عدم الاكتفاء بدرك الإمام في الركوع حال رفع رأسه منه، مع عدم خروجه عن حدّ الركوع الشرعي بأن أدركه حال كون راحتي كفّيه أو أنامل يديه على ركبتيه مع رفع رأسه قليلًا؛ و ذلك لإطلاق رفع الرأس قبل ركوع المأموم؛ فبرفع رأس الإمام يصدق فوات الركعة، كما في صحيحي سليمان بن خالد و الحلبي المتقدّمين. و قال جماعة من فقهائنا بالاكتفاء بذلك أيضاً. قال في «التذكرة»: إذا اجتمع مع الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع- و هو أن يكون رفع و لم يجاوز حدّ الركوع الجائز؛ و هو بلوغ يديه إلى ركبتيه- فأدركه المأموم في ذلك و ذكر بقدر الواجب أجزأه. و إن أدرك دون ذلك لم يجزه(تذكرة الفقهاء 4: 325.) ، انتهى. و لعلّ وجه الاكتفاء به عدم كفاية رفع الرأس قليلًا من دون رفع الكفّين أو أنامل اليدين من الركبتين في الرفع من الركوع. و بعبارة اخرى: رفع الرأس كناية عن الانقلاب عن حالة الركوع. الثاني: لا فرق في إدراك المأموم ركوع الإمام بين إدراكه إيّاه ذكراً و بينه فارغاً عن الذكر؛ و ذلك لإطلاق النصوص المتقدّمة و الفتاوى. خلافاً للمحكي عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام»، حيث اشترطا إدراك المأموم ركوع الإمام حال كونه ذكراً قبل رفع رأسه. و لعلّ وجهه الخبر المروي عن الحميري في «احتجاج» الطبرسي عن صاحب الزمان عليه السلام أنّه كتب إليه يسأله عن الرجل يلحق الإمام و هو راكع فيركع معه و يحتسب بتلك الركعة، فإنّ بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ بتلك الركعة، فأجاب عليه السلام: «إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة و إن لم يسمع تكبيرة الركوع»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 5.) و فيه: أنّه ضعيف السند، و على فرض قوّته معرض عنه عند الأصحاب. ثمّ إنّ إدراك الإمام في الركوع شرط في الركعة الاولى، و أمّا في الركعات الاخر فيكفي فيها أن يدرك بعض الركعة قبل الركوع و إن لم يلحقه في ركوعه؛ بأن أطال المأموم القنوت في الركعة الثانية أو ذكر التسبيحات الأربعة في الركعة الثالثة أو الرابعة حتّى ركع الإمام و رفع رأسه من ركوعه ثمّ ركع المأموم، بل ركع بعد الدخول في السجود أيضاً؛ فلا يضرّ عدم إدراك الركوع مع الإمام مع إدراكه بعض الركعة في بقاء الائتمام و صحّة جماعته. و الدليل على الاكتفاء استصحاب الائتمام المتحقّق. و أمّا مع عدم إدراكه بعض الركعة قبل ركوع ففيه إشكال. و لعلّ وجه الإشكال ما ذكره في «المستمسك»: أمّا في إدراك الركعة الثانية فالذي يلوح من كلماتهم في صلاة الجمعة- فيما لو زوحم المأموم عن السجود مع الإمام في الركعة الاولى حتّى رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية- المفروغية عن عدم الفرق بين الركعة الاولى و الثانية، و أنّه لو أدركه بعد رفع رأسه من ركوع الثانية فقد فاتت تلك الركعة. و لم يحتمل أحدٌ جواز أن يقوم و يركع بدون قراءة و يلحقه في السجود. و ظاهر «جامع المقاصد» و «كشف اللثام» و «مفتاح الكرامة» و غيرها الاتّفاق عليه، فلاحظ كلماتهم فيما لو زوحم المأموم في الجمعة عن السجود في الركعة الاولى. و لعلّه الذي تقتضيه أصالة عدم إدراك الركعة، بل لعلّه يستفاد من النصوص المتقدّم إليها الإشارة بإلغاء خصوصية موردها(مستمسك العروة الوثقى 7: 202.)، انتهى.

ص: 471

ص: 472

ص: 473

ص: 474

ص: 475

ص: 476

ص: 477

(مسألة 11): الظاهر أنّه إذا دخل في الجماعة في أوّل الركعة أو في أثناء القراءة

و اتّفق تأخّره عن الإمام في الركوع و ما لحق به فيه صحّت صلاته و جماعته، و تحسب له ركعة. و ما ذكرناه في المسألة السابقة مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة (1).


1- وجه صحّة الصلاة و الجماعة فيما دخل في الجماعة في أوّل الركعة أو في أثناء القراءة و اتّفق تأخّره عن الإمام في الركوع الشهرة العظيمة المحقّقة. و حكي عليه الإجماع من «التذكرة» و «المدارك» و غيرهما. و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام في رجل صلّى في جماعة يوم الجمعة، فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو اسطوانة فلم يقدر على أن يركع، ثمّ يقوم في الصفّ و لا يسجد حتّى رفع القوم رءوسهم، أ يركع ثمّ يسجد و يلحق بالصفّ و قد قام القوم أم كيف يصنع؟ قال: «يركع و يسجد لا بأس بذلك»(وسائل الشيعة 7: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 17، الحديث 1.) و صحيحه الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام- أن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم جمعة و إمّا في غير ذلك من الأيّام، فيزحمه الناس إمّا إلى حائط و إمّا إلى اسطوانة، فلا يقدر على أن يركع و لا يسجد حتّى رفع الناس رءوسهم، فهل يجوز له أن يركع و يسجد وحده ثمّ يستوي مع الناس في الصفّ؟ فقال: «نعم لا بأس بذلك»(وسائل الشيعة 7: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 17، الحديث 3.) و في «المستمسك»: و موردهما و إن كان هو الضرورة إلّا أنّ ظهورهما في تحقّق الانعقاد قبل طروّ الضرورة كأنّه لا مجال لدفعه(مستمسك العروة الوثقى 7: 203.) ، انتهى. فإذا تحقّق الانعقاد قبل الضرورة فيستصحب بقاؤه بعد رفع الضرورة، و إليه يشير الصحيحان المذكوران. و لا ينافي هذا ما ذكره المصنّف رحمه الله في المسألة السابقة من أنّ إدراك الركعة في الركعة الاولى يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه؛ لأنّه مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة، لا فيما إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو أثنائها. و صرّح بعض فقهائنا بالتعميم و أنّه لا بدّ في إدراك الركعة من إدراك الإمام في ركوعه؛ حتّى فيما إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو في أثناء القراءة.

ص: 478

(مسألة 12): لو ركع بتخيّل أنّه يدرك الإمام راكعاً و لم يدركه،

أو شكّ في إدراكه و عدمه فلا تبعد صحّة صلاته فرادى، و الأحوط الإتمام و الإعادة (1).


1- لو نوى الائتمام و ركع بتخيّل أنّه يدرك الإمام راكعاً و لم يدركه في الركوع بل أدركه بعد رفع رأسه منه، أو شكّ في إدراكه فيه و عدمه، فقال جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين- ببطلان الصلاة؛ و ذلك لأنّه لمّا لم تنعقد الجماعة- لاشتراطها بإدراك الإمام في الركوع و المفروض عدم إدراكه فيه- فلا بدّ من نية الانفراد و قراءة الحمد و السورة و الركوع؛ و حينئذٍ تلزم زيادة الركن الموجبة للبطلان، و لم يثبت كون المورد من موارد اغتفار الزيادة. و لا يبعد أن يقال فيما ركع و لم يدركه في الركوع: إنّ ركوع المأموم وقع في محلّه، و زيادته بقصد المتابعة مغتفرة؛ فتكون صلاة صحيحة لحديث لا تعاد، و فرادى لعدم إدراك الإمام في الركوع. و لا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة جماعةً و الإعادة؛ لاحتمال عدم كون المورد من موارد اغتفار الزيادة. و أمّا فيما ركع و شكّ في إدراك الإمام حال ركوعه و عدمه فإن كان شكّه بعد الفراغ من الركوع فلا يلتفت إلى شكّه، و إن كان قبله بنى على عدم الإدراك، و هو المشهور. و عن «المنتهى» دعوى الإجماع عليه؛ و ذلك للأصل- أي استصحاب عدم إدراك الإمام في ركوعه- و قاعدة الاشتغال، و أمّا استصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى حين ركوع المأموم أو استصحاب عدم رفع رأسه إلى هذا الحين فمقتضاهما و إن كان إدراك الإمام راكعاً، و لكنّه من اللوازم العقلية للمستصحب. و في «الجواهر»: الأقوى عدم حصول الجماعة مع الشكّ في أنّه أدرك أو لا(جواهر الكلام 13: 150.) و في «المستمسك» فيما لو شكّ في إدراكه و عدمه قال: أمّا من حيث صحّة الائتمام و الحكم بإدراك الركعة ظاهراً فهو أنّ ظاهر النصوص المتقدّمة- في إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعاً- أنّ الشرط اقتران ركوع المأموم و ركوع الإمام؛ و حينئذٍ فالاقتران المذكور إن كان من الاعتباريات المحضة التي ليس لها خارجية أصلًا بل هو منتزع من ركوع المأموم في زمان ركوع الإمام أمكن إثباته باستصحاب ركوع الإمام إلى زمان ركوع المأموم، فيترتّب عليه أثره؛ و هو إدراك الركعة(مستمسك العروة الوثقى 7: 205.)، انتهى. و قال صاحب «الجواهر» رحمه الله بتلخيص منّا: إنّ استصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى حين ركوع المأموم يثمر جواز دخول المأموم في الجماعة و نيتها؛ ضرورة وضوح الفرق بين إثبات حصول الإدراك و تحقّقه بالاستصحاب، و بين إثبات بقاء الإمام على حال الركوع إلى أن يدركه المأموم؛ إذ الثاني كاستصحاب عدالة الإمام و عقله و غيرهما من سائر شرائط الأفعال المستمرّة المتأخّرة التي لا يعلم المكلّف حصولها في الآن الثاني، بل يكتفي في إحرازها حتّى ينوي القربة باستصحاب بقائها في الزمان المتجدّد(جواهر الكلام 13: 149.) ، انتهى. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بأنّه قياس مع الفارق؛ لأنّ كون الإمام راكعاً حال ركوعه ليس كالعدالة و الإيمان من الشرائط المعتبرة في صحّة صلاته من حيث هو حتّى يمكن إحرازه بالأصل، بل من حيث كونه سبباً لحصول اللحوق بالإمام و إدراكه راكعاً، الذي هو مناط إدراك الركعة. فالعبرة في صحّة الصلاة بتحقّق هذا المفهوم، الذي هو أمر إضافي يتوقّف حصوله في الخارج على تحقّق المنتسبين، و إلّا فمقتضى الأصل عدمه؛ لأنّه بنفسه حادث مسبوق بالعدم، هذا. مع أنّ استصحاب بقاء الإمام راكعاً في حدّ ذاته محلّ مناقشة؛ لأنّ بقاءه راكعاً تابع لاختياره و إرادته؛ فالشكّ فيه ليس ناشئاً من الشكّ في حصول رافعه مع قيام ما يقتضيه، بل في مقدار اقتضاء المقتضي، و الاستصحاب فيه ليس بحجّة(مصباح الفقيه، الصلاة: 627/ السطر 27.)، انتهى.

ص: 479

ص: 480

ص: 481

(مسألة 13): لا بأس بالدخول في الجماعة بقصد الركوع مع الإمام رجاءً؛

مع عدم الاطمئنان بإدراكه على الأقوى؛ فإن أدركه صحّت صلاته، و إلّا بطلت لو ركع. كما لا بأس بأن يكبّر للإحرام بقصد أنّه إن أدركه لحق، و إلّا انفرد قبل الركوع أو انتظر الركعة الثانية بالشرط الآتي في المسألة اللاحقة (1).


1- لو شكّ من أوّل الصلاة في أنّه هل يدرك الإمام في الركوع أو لا؟ فهل يجوز أن يكبّر بنية الائتمام و يهوي للركوع أو لا؟ قال جماعة من فقهائنا بالجواز؛ تعويلًا على استصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى أن يركع، فإذا كبّر و هوى للركوع فإن أدركه صحّت صلاته و إلّا بطلت لو ركع؛ لزيادة الركن و عدم الدليل على اغتفارها. و قال السيّد الحكيم رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»: الظاهر صحّة الصلاة فرادى. و قال في «المستمسك»: المستفاد من النصوص الواردة في إدراك الركوع و المعلوم من السيرة جواز الركوع بمجرّد احتمال إدراك الإمام راكعاً احتمالًا معتدّاً به، فضلًا عن الظنّ به. و عليه فلو ركع كذلك و لم يدركه راكعاً صحّت صلاته، و لا يضرّه فوات القراءة(مستمسك العروة الوثقى 7: 206.) ، انتهى. و قال جماعة بعدم الجواز إلّا لمن يعتقد أو يطمئنّ و يثق من قرائن الأحوال بإدراكه راكعاً، و لا يجزي في تحقّق هذا، الاستصحاب و التعبّد ببقاء الإمام إلى أن يلحقه. و اجيب عن ذلك بأنّ الاستصحاب طريق شرعي، فهو بحكم الشارع بمنزلة من تيقّن بقاءه راكعاً حتّى يلحقه في الركوع؛ فلا يبقى معه الشكّ المانع عن الائتمام. و اورد على هذا الجواب: أنّ الاستصحاب بالنسبة إلى إدراكه الركوع مثبتٌ. و لا يبعد جواز الدخول فيها رجاءً، فإن لحق صحّ و إلّا بطلت لو ركع. و إن لم يلحق و لم يركع بعد ينفرد أو ينتظر إلى أن يقوم الإمام إلى الركعة الاخرى؛ لما سنذكره في المسألة اللاحقة. كما لا يبعد جواز التكبير للإحرام بقصد أنّه إن أدركه لحقه، و إلّا انفرد قبل الركوع أو انتظر الركعة الاخرى بالشرط الآتي في المسألة اللاحقة.

ص: 482

(مسألة 14): لو نوى الائتمام و كبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع لزمه الانفراد أو انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاخرى؛

فيجعلها الاولى له بشرط أن لا يكون الإمام بطيئاً في صلاته بحيث يخرج به عن صدق القدوة، و إلّا فلا يجوز الانتظار (1).


1- لو نوى الائتمام و كبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع حرم إبطال الصلاة، بل لزمه الانفراد أو انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاخرى. أمّا الانفراد فلأنّه لم تنعقد الجماعة و لا تصلح الصلاة بانعقادها جماعة. و في «المستمسك»: و لا دليل على قدح مجرّد نية الائتمام بلا انعقاد له، و الأصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 7: 207.) و أمّا انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاخرى فقد أفتى به جماعة كثيرة من فقهائنا؛ منهم الشيخ في «المبسوط» و الشهيدان في «البيان» و «الروض» و «المسالك» و «الروضة». قال في «المبسوط»: من أدرك الإمام و قد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة و سجد معه السجدتين و لا يعتدّ بهما، و إن وقف حتّى يقوم إلى الثانية كان له ذلك(المبسوط 1: 159.)، انتهى. و يدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم»(وسائل الشيعة 8: 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 4.) و يمكن أن يستظهر البقاء على القدوة إلى الركعة الاخرى من بعض الأخبار، كرواية معلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سبقك الإمام بركعة و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها»(وسائل الشيعة 8: 392، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 2.) و رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و من أدرك الإمام و هو ساجد كبّر و سجد معه و لم يعتدّ بها»(وسائل الشيعة 8: 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 6.) ، و الظاهر أنّ التكبير المأمور به هو تكبير الافتتاح، و السجدة لا تفسده و إلّا يكون الأمر به لغواً. فالجماعة و التبعية للإمام في بقية الركعات تتحقّق بالتكبير، و لا يعتبر في تحقّقها تبعية الإمام في السجود الذي ليس جزءاً من صلاته و لا يعتدّ به. إن قلت: إذا لم تكن السجدة ممّا له دخل في تحقّق الجماعة فلما ذا أمر بها؟ قلنا: السجود المأمور به مع الإمام إنّما هو لمجرّد المتابعة و إدراك فضل الجماعة، كالمتابعة في سجدة الركعة الأخيرة، كما في رواية معاوية بن شريح: «و من أدرك الإمام و هو ساجد ...» ، و المتابعة في التشهّد الأخير كما في الرواية: «و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهّد فقد أدرك الجماعة». و أمّا اشتراط الانتظار بأن لا يكون الإمام بطيئاً في صلاته، فلعدم صدق القدوة في عرف المتشرّعة مع بطء الإمام أكثر من المقدار المتعارف.

ص: 483

ص: 484

(مسألة 15): لو أدرك الإمام في السجدة الاولى أو الثانية من الركعة الأخيرة

و أراد إدراك فضل الجماعة نوى و كبّر و سجد معه السجدة أو السجدتين و تشهّد، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام. و لا يترك الاحتياط بأن يتمّ الصلاة و يعيدها، و إن كان الاكتفاء بالنية و التكبير و إلقاء ما زاد تبعاً للإمام و صحّة صلاته لا يخلو من وجه. و الأولى عدم الدخول في هذه الجماعة (1).


1- جواز نية الائتمام و التكبير للإحرام و السجدة مع الإمام و التشهّد ثمّ القيام بعد تسليم الإمام مشهور بين الأصحاب، و حكي عن بعضهم نفي الخلاف فيه. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت له: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال: «إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 392، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 1.) و يحتمل أن يكون المراد من إدراك الإمام في السجدة مجرّد متابعته لإدراك فضيلة الجماعة، و يكون تكبيره بنية المتابعة رجاءً لدرك ثواب الجماعة و يتبع الإمام إلى سلامه، و إذا سلّم الإمام قام المأموم و استأنف الصلاة بتكبير مستأنف للافتتاح، و على هذا الاحتمال يكون مرجع ضمير التأنيث في رواية معاوية بن شريح المتقدّمة: «و لم يعتدّ بها» هو الصلاة؛ أي و لا يجعل ما أتاه جزءاً من الصلاة المفروضة. و لذا توقّف العلّامة في «المختلف» في هذا الحكم من أصله؛ للنهي عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها، كما في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 2.) . و في صحيحة اخرى له عنه عليه السلام قال: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 3.) . و في ثالثة له قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 4.) و يرد على العلّامة: أنّ المراد بالنهي في هذه الروايات- على فرض تسليم العمل بها- هو الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة؛ فلذا عبّر في بعضها ب «لا تعتدّ بالركعة ...» بدل النهي عن الدخول فيها. و حمل صاحب «المدارك» النهي في هذه الأخبار على الكراهة. و يحتمل أيضاً أن يكون المراد من إدراك الإمام في السجدة الدخول معه في الصلاة بأن ينوي الائتمام و يكبّر للافتتاح و يسجد سجدة واحدة أو سجدتين تبعاً للإمام. و على هذا الاحتمال يرجع ضمير التأنيث في الرواية إلى السجدة. و في نسخة من «الوسائل» كانت موجودة عند صاحب «الجواهر» تثنية الضمير في الرواية: «و لم يعتدّ بهما» ؛ فيتعيّن إرجاعه إلى السجدتين، كما أنّ الظاهر إرجاعه إلى الركعة في خبر المعلّى المتقدّم. و لا تكون زيادة السجدة المأتية للتبعية مبطلة للصلاة؛ لأنّ مقتضى مشروعية المتابعة في السجدة- كسائر الزيادات المشروعة في الجماعة- صيرورة الزائد جزءاً تبعياً للصلاة زائداً على أجزائها الأصلية؛ فيخرج حينئذٍ عن موضوع أدلّة الزيادة المبطلة؛ فتكون الأخبار الدالّة على عدم الاعتداد بالسجدة واردة على أدلّة مبطلية زيادتها. و وجه أولوية عدم الدخول في هذه الجماعة هو النهي عن الدخول فيها عند فوات تكبيرها، كما في صحاح محمّد بن مسلم المتقدّمة.

ص: 485

ص: 486

و لو أدركه في التشهّد الأخير يجوز له الدخول معه؛ بأن ينوي و يكبّر ثمّ يجلس معه و يتشهّد، فإذا سلّم الإمام يقوم فيصلّي و يكتفي بتلك النية و ذلك التكبير، و يحصل له بذلك فضل الجماعة و إن لم يدرك ركعة (1).


1- لم ينقل الخلاف من أحدٍ من علمائنا في هذه المسألة، بل حكي عن «المهذّب البارع» و «مفتاح الكرامة» دعوى الإجماع عليه. و لا مقتضي لبطلان الصلاة الموجب للإعادة، بخلاف ما أدرك الإمام في السجدة في الركعة الأخيرة؛ فإنّ المقتضي للبطلان فيه- و هو الزيادة- موجود؛ و لذا لم يخالف هنا من خالف هناك و قال فيه باستئناف التكبير. و يدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهّد، و ليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه، قال: «لا يتقدّم الإمام و لا يتأخّر الرجل، و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته»(وسائل الشيعة 8: 392، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 3.)

ص: 487

القول في شرائط الجماعة

و هي- مضافاً إلى ما مرّ- امور:
الأوّل: أن لا يكون بين المأموم و الإمام أو بين بعض المأمومين مع بعض آخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام حائل

يمنع المشاهدة. هذا إذا كان المأموم رجلًا. و أمّا المرأة: فإن اقتدت بالرجل فلا بأس بالحائل بينها و بينه و لا بينها و بين الرجال المأمومين. و أمّا بينها و بين النساء ممّن تكون واسطة في اتّصالها، و كذا بينها و بين الإمام إذا كان امرأة- على فرض المشروعية- فمحلّ إشكال (1).


1- اشتراط عدم وجود الحائل بين الإمام و المأموم أو بين بعض المأمومين مع بعض آخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام هو الإجماع المصرّح به في كلام جماعة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس لهم تلك بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليست تلك لهم بصلاة، إلّا من كان من حيال الباب» قال: و قال: «هذه المقاصير لم تكن في زمان أحد من الناس، و إنّما أحدثها الجبّارون، ليست لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة من فيها صلاة»، قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى، يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان»(الكافي 3: 385/ 4، وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 1 و 2، و الباب 59، الحديث 1.) و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» قد زاد في ذيل الحديث: «إذا سجد»(مصباح الفقيه، الصلاة: 628/ السطر 28.) قد نقله الصدوق رحمه الله في «الفقيه». و أمّا موثّق الحسن بن الجهم قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يصلّي بالقوم في مكان ضيّق و يكون بينهم و بينه سترٌ، أ يجوز أن يصلّي بهم؟ قال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 408، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 3.) ، الدالّ على جواز حيلولة الستر بين الإمام و المأموم. ففيه أوّلًا: أنّه معرض عنه عند الأصحاب. و ثانياً: أنّه محمول على التقية؛ لموافقته مذهب العامّة. و ثالثاً: أنّه مضطرب المتن حيث إنّه حكي عن بعض نسخ «الوافي» بالشين المعجمة و الباء الموحّدة بدل «الستر» بالسين المهملة و التاء المنقوطة، و لعلّ «الشبر» هو الأنسب بفرض كون المكان ضيّقاً؛ فيحتمل أن يكون بالسين و التاء تصحيفاً. و لا يخفى وجه دلالة الصحيح المزبور على اشتراط عدم وجود الحائل بين بعض المأمومين مع بعض آخر أيضاً، حيث إنّ المراد بقوله: «فإن كان بينهم سترة أو جدار» هو المنع عن الائتمام مع الحائل؛ سواءٌ كان الحائل واقعاً بين الصفّين، أو بين أهل صفّ واحد، أو بين الإمام و مأموميه من خلفه أو أحد جانبيه، هذا. مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل هو الاشتراط المزبور في الجماعة؛ لتوقيفية العبادات. هذا كلّه إذا كان المأموم رجلًا. و أمّا المرأة فإن اقتدت بالرجل فلا بأس بالحائل بينها و بين الإمام، و لا بينها و بين الرجال المأمومين. و الوجه فيه الشهرة المحقّقة، بل لا خلاف فيه من أحد من علمائنا، إلّا الحلّي فساوى بينها و بين الرجال في الحكم، بناءً على مبناه في الخبر الواحد من عدم الحجّية. و يدلّ على المشهور موثّق عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دارٌ و فيها نساء، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال: «نعم، إن كان الإمام أسفل منهنّ»، قلت: فإن بينهنّ و بينه حائطاً أو طريقاً؟ فقال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 409، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 60، الحديث 1.) و إن اقتدت بالمرأة- بناءً على مشروعية إمامتها- فمحلّ إشكال عند المصنّف، و الأقوى أنّها كالرجال؛ فيشترط عدم الحائل بينهما. و وجهه- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام بعض فقهائنا- هو الأصل المقتضي لعدم المشروعية مع الحائل، و إطلاق صحيح زرارة المتقدّم. و يمكن استفادة عموم الحكم للمرأة بواسطة القرينة المقامية و الاشتراك في التكليف، و إن كان الخطاب اللفظي متوجّهاً إلى الرجل، كما في قوله عليه السلام: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.) ، و قوله عليه السلام: «إذا شككت بين الأقلّ و الأكثر فابن على الأكثر»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) . و لعلّ وجه إشكال المصنّف رحمه الله هو منع العموم في الصحيحة للنساء حيث إنّ موردها ما إذا كان المأمومين رجالًا بقرينة قوله عليه السلام: «فإن كان بينهم سترة أو جدار».

ص: 488

ص: 489

ص: 490

الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين إلّا يسيراً،

و الأحوط الاقتصار على المقدار الذي لا يرى العرف أنّه أرفع منهم و لو مسامحةً. و لا بأس بعلوّ المأموم عن الإمام و لو بكثير، لكن كثرة متعارفة كسطح الدكّان و البيت، لا كالأبنية العالية المتداولة في هذا العصر على الأحوط (1).


1- اشتراط عدم كون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين إلّا يسيراً هو المشهور شهرة عظيمة، و نسبه في «التذكرة» و غيرها إلى علمائنا، و عن «الخلاف» كراهة كون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين، و عن «الشرائع» و النافع التردّد في اشتراطه و عدمه. و يدلّ على المشهور المختار صدر موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلّي فيه، فقال: «إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، فإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ إذا كان الارتفاع ببطن مسيل، فإن كان أرضاً مبسوطة أو كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدرة، قال: «لا (فلا) بأس»، قال: و سئل: فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه؟ قال: «لا بأس»، قال: «و إن كان الرجل فوق بيت أو غير ذلك دكّاناً أو غيره و كان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشي ء كثير»(وسائل الشيعة 8: 411، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 63، الحديث 1.) و يدلّ على قول المشهور أيضاً صدر صحيح صفوان عن محمّد بن عبد اللّه عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الإمام يصلّي في موضع و الذي خلفه يصلّون في موضع أسفل منه، أو يصلّي في موضع و الذين خلفه في موضع أرفع منه، فقال: «يكون مكانهم مستوياً»(وسائل الشيعة 8: 412، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 63، الحديث 3.) . و محمّد بن عبد اللّه في السند و إن كان مجهولًا لكن الراوي عنه هو صفوان، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه. و الحديث بالنسبة إلى ذيله الدالّ على عدم علوّ موضع المأموم عن موضع الإمام معرض عنه عند الأصحاب، و هو لا يخلّ حجّيته بالنسبة إلى صدره المعمول به. ثمّ إنّ الحكم المذكور مختصّ بما إذا كان العلوّ دفعياً لا انحدارياً؛ ففي «العروة الوثقى»: الثاني أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين علوّاً معتدّاً به دفعياً كالأبنية و نحوها، لا انحدارياً على الأصحّ(العروة الوثقى 1: 777.) ، انتهى. و الدليل على الجواز في العلوّ الانحداري- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة؛ ففي «الرياض»: و يجوز الائتمام بالأعلى لو كانا على أرض منحدرة بلا خلاف فيه(رياض المسائل 4: 301.) ، انتهى- ما ذكر في ذيل الموثّق المزبور من قوله عليه السلام: «فإن كان أرضاً مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدر، فلا بأس». و لا يخفى: أنّ القضية الشرطية في الذيل المزبور و تقييد نفي البأس عن ارتفاع موقف الإمام بكون الأرض مبسوطة منحدرة، إنّما هو لإخراج ما إذا كان الانحدار شبيهاً بالتسنيم كالجبل؛ فلا يجوز- حينئذٍ- ارتفاع موقف الإمام فيه؛ لمفهوم القضية الشرطية، و لما ذكر مراراً من توقيفية العبادات. و لا يخفى أيضاً: أنّ تحديد العلوّ اليسير الدفعي الغير المعتدّ به في موقف الإمام بمثل شبر و ما دون ذلك، ممّا لا يستفاد من الموثّقة المزبورة؛ لاختلاف النسخ في بعض فقراتها؛ ففي المحكي عن «الكافي» و بعض نسخ «التهذيب»: «إذا كان الارتفاع ببطن مسيل»، و في بعض آخر من نسخ «التهذيب»: «بقطع المسيل» أو «يقطع مسيلًا» ، و في نسخة ثالثة منها: «بقدر شبر» ، كذا في «التذكرة»، و في رابعة: «بقدر يسير» ، و في «الفقيه»: «يقطع سبيلًا» ، و في «الذكرى»: «بقدر إصبع إلى شبر». فمع هذه الاختلافات في النسخ لا يستدلّ بهذه الفقرة في الموثّق على حدّ محدود للعلوّ اليسير؛ فلا يجوز التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل. و في «صلاة» الحائري رحمه الله: و كذا الفقرة السابقة عليها؛ و هي قوله عليه السلام: «و إن كان أرفع منه بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ» لا يظهر منها هل هي شرطية مستقلّة محذوف، أو ساقط جزائها، أو أنّ كلمة «إن» وصلية حتّى يكون المراد: إنّ العلوّ الدفعي للإمام مانع لصحّة الجماعة، و إن كان بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ؟ و بالجملة: العلوّ اليسير الواقعي لا يعلم حاله من الرواية؛ فالقدر المتيقّن من العلوّ المانع الذي يفهم من الموثّق هو العلوّ الذي تكون مثل الدكّان و أمثاله. و كذا يفهم من ذيلها عدم البأس في العلوّ على وجه الانحدار مع كون الأرض مبسوطة، و المرجع في الباقي هو الأصل، و قد عرفت أنّ المرجع هو عموم «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(الصلاة، المحقّق الحائري: 479.)، انتهى. و لا بأس بعلوّ المأموم على الإمام و لو بكثير كثرة متعارفة، كسطح الدكّان و البيت لا كالأبنية العالية المتداولة في هذا العصر على الأحوط وجوباً. و يدلّ على جواز علوّ المأموم بكثير ذيل موثّق عمّار المتقدّم: «و إن كان الرجل فوق بيت أو غير ذلك دكّاناً أو غيره، و كان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه، جاز للرجل أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشي ء كثير». و وجه الاحتياط في تقييد العلوّ الكثير بكثرة متعارفة هو التمثيل في الرواية بالبيت و الدكّان.

ص: 491

ص: 492

ص: 493

الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن الصفّ المتقدّم عليه بما يكون كثيراً في العادة.

و الأحوط أن لا يكون بين مسجد المأموم و موقف الإمام- أو بين مسجد اللاحق و موقف السابق- أزيد من مقدار الخطوة المتعارفة، و أحوط منه أن يكون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل (1).


1- اشتراط عدم تباعد المأموم عن الإمام أو من الصفّ المتقدّم عليه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما لا خلاف بينهم في نفي البأس بالبعد مع الاتّصال. و على الاشتراط المزبور جرت السيرة المتشرّعة. ثمّ إنّهم اختلفوا في تحديد البعد المانع؛ فنسب إلى الحلبي و ابن زهرة و كثير من المتأخّرين تحديده بما لا يتخطّى. و عن السيّد في «المصباح» أنّه قال: ينبغي أن يكون بين كلّ صفّين قدر مسقط الإنسان إذا سجد أو مربض عنز، فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطّى لم يجز(انظر مصباح الفقيه، الصلاة: 634/ السطر 12.)، انتهى. و في «الخلاف» في (مسألة 302): و إن كان على بعد لم تصحّ صلاته و إن علم بصلاة الإمام، و به قال جميع الفقهاء، إلّا عطاء فإنّه قال: إن كان عالماً بصلاته صحّت صلاته و إن كان على بعد من المسجد(الخلاف 1: 556.)، انتهى. و نسب إلى الشيخ في «المبسوط»- كما في «المدارك»- جواز البعد بثلاثمائة ذراع(مدارك الأحكام 4: 322.) و اعترضه غير واحد بأنّه في «المبسوط» نسب الحدّ المذكور إلى القوم، لا أنّه اختاره. و ينبغي ذكر كلامه: قال في «المبسوط»: و متى بعد بينهما لم تصحّ صلاته، و إن علم بصلاة الإمام. و حدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً، و حدّ قوم ذلك بثلاثمائة ذراع، و قالوا: على هذا إن وقف و بينه و بين الإمام ثلاثمائة ذراع ثمّ وقف الآخر و بينه و بين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع و ثمّ على هذا الحساب و التقدير بالغاً ما بلغوا صحّت صلاتهم؛ قالوا: و كذلك إذا اتّصلت الصفوف في المسجد ثمّ اتّصلت بالأسواق و الدروب و الدور بعد أن يشاهد بعضهم بعضاً و يرى الأوّلون الإمام صحّت صلاة الكلّ، و هذا قريب على مذهبنا أيضاً(المبسوط 1: 156.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ صدر كلام «المبسوط» صريح في أنّ حدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً، و البعد بثلاثمائة ذراع حدّ البعد عند القوم لا عند الشيخ، و قوله: «هذا قريب على مذهبنا» إشارة إلى صحّة صلاة الصفوف الواقعة في خارج المسجد متّصلة بصفوف المسجد مع مشاهدة بعضهم بعضاً و رؤية الأوّلين الإمام. ثمّ إنّ المستفاد من فقرات من صحيح زرارة- المتقدّم سابقاً- عن أبي جعفر عليه السلام أنّ الواجب أن لا يكون بين مسجد المأموم و موقف الإمام أو بين مسجد اللاحق و موقف السابق أزيد من مقدار الخطوة المتعارفة. و تلك الفقرات- بناءً على نقل «الكافي»- عبارة عن قوله عليه السلام: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة الإمام و بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة، و أيّما امرأة صلّت خلف إمام و بينها و بينه ما لا يتخطّى فليس تلك بصلاة»(وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 2.) و دلالة الفقرات المذكورة بظاهرها على اشتراط عدم البعد المذكور بين المأموم و الإمام أو بينه و بين الصفّ المتقدّم مبنية على كون الموصول في قوله: «ما لا يتخطّى» ؛ بمعنى البعد الذي لا يتخطّى؛ بأن يكون أزيد ممّا بين القدمين. و على حمل النفي في قوله عليه السلام: «ليس ذلك الإمام لهم بإمام» على نفي الصحّة، و كذا في قوله عليه السلام: «فليس تلك لهم بصلاة» ، و كذا قوله عليه السلام: «لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى»، هذا. و قد تعارض دلالة ما ذكر بأنّ النفي في أقواله عليه السلام المذكورة محمول على نفي الكمال، بقرينة قوله عليه السلام: «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض»، حيث إنّ كلمة «ينبغي» لها ظهور قوي عرفاً في الاستحباب، و إنّ الفضل في وصل الصفوف بعضها إلى بعض بمقدار جسد الإنسان إذا سجد؛ فلا فضيلة في أزيد منه، و هو منشأ الاحتياط في كون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل. و في «مصباح الفقيه»: و الذي يقتضيه الإنصاف: أنّ كلمة «ينبغي» و إن كان لها ظهور قوي عرفاً في الاستحباب بحيث لم نستبعد ادّعاء كونه أقوى من ظهور النفي في نفي الصحّة، و لكن هذا فيما إذا تعلّق الحكم بخصوص ما وقع في حيّز النفي، و إلّا فهي في حدّ ذاتها كلمة جامعة يحسن التعبير بها عند بيان أحكام متعدّدة مختلفة بالوجوب و الاستحباب؛ فليس لها بالنسبة إلى كلّ واحدٍ من القضايا المتتابعة الواقعة في حيّزها- خصوصاً بالنسبة إلى ما عدا اولاهما- ظهور يعتدّ به في نفي الوجوب، فضلًا عن صلاحيتها لصرف النفي عن ظاهره؛ خصوصاً مع اعتضاده بإرادة نفي الصحّة من الفقرة الواردة في الحائل. و لكن إرادة الوجوب من تحديد البعد فيما بين الصفّين بما لا يتخطّى في حدّ ذاته بعيد، بل ينبغي القطع بعدمه إن اريد ذلك بالنسبة إلى موقف الصفّين، كما هو قضية إطلاق النصّ؛ خصوصاً بملاحظة ما وقع في ذيله من قوله عليه السلام: «يكون ذلك قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد» ؛ إذ الظاهر كونه بياناً لما لا يتخطّى؛ فإنّ مقتضاه اعتبار شدّة التواصل بين الصفوف بحيث يتّصل رأس المتأخّر عند سجوده بعقب المتقدّم، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام بوجوبه و إن التزم به صاحب «الحدائق» و طعن على الأصحاب بمخالفتهم للنصّ من غير معارض؛ لوضوح مخالفته للسيرة الجارية بين المسلمين من عدم التزامهم بهذا النحو من التواصل في صفوف الجماعة. فكأنّه إلى هذا نظر المصنّف رحمه الله في محكي «المعتبر» حيث أجاب عن الصحيحة بأنّ اشتراط ذلك مستبعد؛ فنحمل على الأفضل ... إلى أن قال: فتلخّص ممّا ذكر: أنّ الأظهر حمل الحدّ الوارد في الصحيحة على الاستحباب. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط برعايته بالنسبة إلى مسجد المتأخّر و موقف المتقدّم؛ إذ الظاهر أنّ المقصود بما لا يتخطّى ما لا يمكن قطعه بالخطوة؛ فلا يبعد أن يدّعى أنّ هذا المقدار من الفصل يعدّ بعيداً في العادة. و ليس للصحيحة المزبورة في فقراتها الثلاث الدالّة بظاهرها على البطلان ظهور يعتدّ به في خلافه- أي إرادة ما بين القدمين- فلا يبعد حملها عليه إبقاءً للنفي على ظاهره من البطلان. نعم إرادته من قوله: «لا يكون بين الصفّين بما لا يتخطّى» الواقع في حيّز كلمة «ينبغي» بعيدة في الغاية؛ فإنّه بقرينة ما بعده كالنصّ في إرادة ما بين موقف الصفّين(مصباح الفقيه، الصلاة: 635/ السطر 12.) ، انتهى موضع الحاجة.

ص: 494

ص: 495

ص: 496

ص: 497

الرابع: أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف،

و الأحوط تأخّره عنه و لو يسيراً. و لا يضرّ تقدّم المأموم في ركوعه و سجوده- لطول قامته- بعد عدم تقدّمه في الموقف، و إن كان الأحوط مراعاته في جميع الأحوال؛ خصوصاً حال الجلوس بالنسبة إلى ركبتيه (1).


1- اشتراط عدم تقدّم المأموم على الإمام ممّا لا خلاف فيه، و ادّعى غير واحد الإجماع عليه، و عليه جرت سيرة المتشرّعة في زمن بعد زمن إلى أن ينتهي إلى زمان المعصومين و النبي- صلّى اللَّه عليه و عليهم- مضافاً إلى أنّ الجماعة توقيفية متلقّاة من الشارع بكيفية خاصّة، فلا يجوز انعقادها كيفما اتّفقت. و علّله في «المدارك» بأنّ المأموم مع التقدّم يحتاج إلى استعلام حال الإمام بالالتفات إلى ما ورائه، و ذلك مبطل. و فيه: أنّ استعلام حال الإمام لا يلازم الالتفات إلى ما ورائه مطلقاً؛ لأنّ المأموم بالتقدّم يميناً أو يساراً يشرف على حالات الإمام. نعم قد يتوقّف عليه فيما كان مسجد الإمام خلف موقف المأموم، و لا يمكن للمأموم استعلام حال الإمام إلّا بالالتفات إلى ما ورائه. و قد يستدلّ على الاشتراط المزبور بصحيح محمّد بن عبد اللّه الحميري قال: كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمّة، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ و هل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة و يقوم عند رأسه و رجليه؟ و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب و قرأتُ التوقيع و منه نسختُ: «و أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الإمام. و لا يجوز أن يصلّي بين يديه؛ لأنّ الإمام لا يُتقدَّم، و يصلّي عن يمينه و شماله»(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 1.) و لعلّ تقريب الاستدلال: أنّ الإمام في التعليل: «لأنّ الإمام لا يُتقدّم» عامٌّ يشمل إمام الجماعة. و فيه: أنّ المراد من الإمام في الرواية خصوص المعصوم عليه السلام، و في الرواية إشعار بأنّ المعصوم عليه السلام لا يُتقدّم عليه؛ حيّاً كان أو ميّتاً و في القبر. و في «الحدائق»: و التقريب فيها: أنّه عليه السلام جعل القبر الشريف بمنزلة إمام الجماعة في الأحكام المذكورة؛ فكما لا يجوز التقدّم على الإمام في الجماعة لا يجوز التقدّم في الصلاة على القبر الشريف، و كما يجوز التأخّر و المساواة هناك فإنّهما يجوزان هنا(الحدائق الناضرة 11: 114.) ، انتهى. و قد سبقه في ذلك الشيخ البهائي في كتاب «الحبل المتين». و في «الاحتجاج» روى مثل هذا الحديث، إلّا أنّه قال: و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره؛ لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه و لا يساوى(الاحتجاج 2: 583.) و في «الوسائل»: الظاهر تعدّد الرواية و المروي عنه، و الاولى محمولة على الجواز و الثانية على الكراهة(وسائل الشيعة 5: 161، ذيل الحديث 1.) و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بأنّه لا وثوق بإرادة هذا المعنى من الرواية(مصباح الفقيه، الصلاة: 653/ السطر الأخير.) ، انتهى. ثمّ إنّ فقهاءنا اختلفوا في أنّه هل يشترط تأخّر المأموم عن الإمام، أو لا يشترط فيجوز تساويهما؟ ذهب جماعة- منهم ابن إدريس- إلى اشتراطه و عدم جواز التساوي، و نسب إلى المشهور جواز المساواة، بل عن «التذكرة» دعوى الإجماع عليه. و استدلّ القائلون بالاشتراط بأنّ الثابت المعلوم من فعل النبي و الأئمّة المعصومين- عليهم الصلاة و السلام- و الصحابة و التابعين و جميع المسلمين هو تأخّر المأموم عن الإمام. و بما ورد في «الاحتجاج» من تعليل عدم جواز الصلاة عن يمين القبر الشريف و يساره بأنّ الإمام لا يساوى. و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه»(وسائل الشيعة 8: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الرجل يؤمّ الرجلين، قال: «يتقدّمهما و لا يقوم بينهما»، و عن الرجلين يصلّيان جماعة؟ قال: «نعم، يجعله عن يمينه»(وسائل الشيعة 8: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 7.) . و هذان الصحيحان صريحان في وجوب تقدّم الإمام فيما كان المأموم أكثر من واحد. و ما دلّ على تقديم أحد المأمومين فيما لو مات الإمام في الأثناء أو حدث له مانع عن إتمام الصلاة، أو ذكر أنّه لم يكن على طهارة: ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل أمّ قوماً فصلّى بهم ركعة ثمّ مات، قال: «يقدّمون رجلًا آخر و يعتدون بالركعة و يطرحون الميّت خلفهم و يغتسل من مسّه»(وسائل الشيعة 8: 380، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 43، الحديث 1.) و رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: سألته عن رجل أمّ قوماً فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين، فقدّم رجلًا ممّن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: «يتمّ بهم الصلاة ثمّ يقدّم رجلًا فيسلّم لهم و يقوم هو فيتمّ بقية صلاته»(وسائل الشيعة 8: 378، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 5.) . و طلحة في السند لم يثبت الاعتماد عليه، نعم قال الشيخ في «الفهرست»: كتابه معتمد. و صحيح جميل بن درّاج عن الصادق عليه السلام في رجل أمّ قوماً على غير وضوء فانصرف و قدّم رجلًا و لم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله، قال: «يذكره من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 377، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد و هم في الصلاة و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر؛ فيعتلّ الإمام فيأخذ بيده و يكون أدنى القوم إليه فيقدّمه فقال: «يتمّ صلاة القوم ثمّ يجلس، حتّى إذا فرغوا من التشهّد أومأ إليهم بيده عن اليمين و الشمال، و كان الذي أومأ إليهم بيده التسليم و انقضاء صلاتهم، و أتمّ هو ما كان فاته أو بقي عليه»(وسائل الشيعة 8: 377، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 3.) و صحيح زرارة قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن إمام أمّ قوماً، فذكر أنّه لم يكن على وضوء، فانصرف و أخذ بيد رجل و أدخله فقدّمه، و لم يعلم الذي قدّم ما صلّى القوم، فقال: «يصلّي بهم، فإن أخطأ سبّح القوم به و بنى على صلاة الذي كان قبله»(وسائل الشيعة 8: 378، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 4.) و صحيح علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الإمام أحدث فانصرف و لم يقدّم أحداً، ما حال القوم؟ قال: «لا صلاة لهم إلّا بإمام، فليقدّم بعضهم فليتمّ بهم ما بقي منها، و قد تمّت صلاتهم»(وسائل الشيعة 8: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 72، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما كان من إمام تقدّم في الصلاة و هو جنب ناسياً أو أحدث حدثاً أو رعف رعافاً أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثمّ لينصرف و ليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه ثمّ ليتوضّأ و ليتمّ ما سبقه من الصلاة، و إن كان جنباً فليغتسل فليصلّ الصلاة كلّها»(وسائل الشيعة 8: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 72، الحديث 2.) و صحيحه الآخر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد، كيف يصنع؟ قال: «يقدّم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف، و قد تمّت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 427، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 72، الحديث 3.) وجه الاستدلال بهذه الروايات: أنّه لو لم يجب تأخّر المأموم عن الإمام لم يكن على الإمام أن يأخذ يد أحد المأمومين و يقدّمه عليهم، بل كان له أن يأمر بائتمامهم على واحد منهم مع وقوفهم في موقفهم. و ما دلّ على جواز إمامة العاري العراة جالسين مقدّماً إمامهم على مأموميهم: ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوساً و هو جالس»(وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قوم قطع عليهم الطريق و اخذت ثيابهم فبقوا عراةً و حضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال: «يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه، فيومئ إيماءً بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم»(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) و اجيب عن الاستدلال بالوجوه المذكورة بأنّ تأخّر المأموم عن الإمام و عدم تساويهما في الموقف و إن كان ثابتاً من فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام و الصحابة و التابعين، لكنّه لا يدلّ على الاشتراط و الالتزام بعدم جواز المساواة على حدّ التزامهم بعدم جواز تقدّم المأموم على الإمام؛ فلا يحصل الوثوق بكون الحكم متلقّى من المعصوم عليه السلام؛ خصوصاً مع ذهاب معظم الأصحاب على خلافه. و مع الشكّ في الشرطية المرجع هو البراءة دون الاحتياط. و أمّا رواية «الاحتجاج» فهي- على فرض صحّة سندها و تمامية دلالتها على الاشتراط- معارضة بصحيح الحميري المتقدّم الدالّ على جواز المساواة، و هو أوثق من رواية «الاحتجاج». و أمّا صحيحا محمّد بن مسلم فمحمولان على الاستحباب. و في «الجواهر»: بمعنى استحباب قيام المأموم إن كان متعدّداً خلف الإمام، فغير المستحبّ حينئذٍ أن يكونوا في أحد جنبيه أو فيهما بمعنى استحباب كون المأموم الواحد إلى جهة يمين الإمام، و إن جاز كونه على جهة يساره أو خلفه؛ لأنّ المراد مساواتهم و مساواته في الموقف(جواهر الكلام 13: 227.) ، انتهى. و لقد بالغ صاحب «الحدائق» في تأييد ما عليه ابن إدريس من التفصيل و القول بوجوب قيام المأموم إذا كان واحداً عن يمين الإمام، و إذا كان أكثر من واحد وقفوا خلف الإمام. و قال بعد ذكر الأخبار: و هي كما ترى متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة، على أنّ الحكم في الاثنين هو قيام المأموم عن يمين الإمام، و الحكم في الأكثر التأخّر، و قد عرفت أنّ العبادات مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة، و هذا هو الذي ورد به الشرع عنهم عليهم السلام في كيفية الائتمام في هذه الصورة؛ سيّما مع اشتمالها على الأوامر التي هي حقيقة في الوجوب ... إلى أن قال: و الخروج عنه من غير دليل و لا نصّ خروج عن المشروع ... إلى أن قال بعد صفحة: و بالجملة فالقول المذكور في غاية القوّة؛ لما عرفت، و لا أعرف لهم وجهاً في ردّ هذه الأخبار إلّا قصور النظر عن تتبّعها و الاطّلاع عليها و الجمود على ظواهر المشهورات المزخرفة بالإجماعات(الحدائق الناضرة 11: 92.) ، انتهى. ثمّ إنّه ممّا ذكرنا في صحيح ابن مسلم من حمل الأصحاب إيّاه على الاستحباب يظهر الجواب عن الروايات المدّعى دلالتها على تقديم أحد المأمومين فيما مات الإمام أو حدث له مانع عن إتمام صلاته، فهي محمولة على الاستحباب، كالأخبار الدالّة على تقدّم ركبتي الإمام في جماعة العراة. و القائلون بجواز تساوي الإمام و المأموم في الموقف- كالمحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «القواعد» و «المنتهى» و «التذكرة» و الشهيدين في «الذكرى» و «البيان» و «الدروس» و «الروض» و «المسالك»، و صاحب «المدارك» و «الرياض» و غيرهم- استدلّوا بالأصل، و بإطلاقات الجماعة، و بالشهرة التي ادّعاها جماعة من فقهائنا، كالشهيدين في «الروض» و «المسالك». و في «الرياض»: أنّه ممّا لا خلاف فيه، إلّا من الحلّي. و ادّعى العلّامة في «التذكرة» الإجماع عليه. و استدلّوا أيضاً بذيل رواية الحميري المتقدّم: «و يصلّي عن يمينه و شماله». و بما دلّ على الإذن بقيام المأموم حذاء الإمام مع ضيق الصفّ، كما في صحيح سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصفّ مقاماً، أ يقوم وحده حتّى يفرغ من صلاته؟ قال: «نعم، يقوم بحذاء الإمام»(وسائل الشيعة 8: 406، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 57، الحديث 3.) و ما دلّ على قيام المرأة وسط الصفّ لو أمّت النساء، كما في صحيح هشام بن سالم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ و لكن تقوم وسطهنّ»(وسائل الشيعة 8: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 1.) و ما دلّ على جواز الجماعة لقوم دخلوا المسجد قبل تفرّق الجماعة الاولى من غير أن يبدو لهم إمام، كما في رواية أبي علي الحرّاني قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلّيتُ في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن، فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع»، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة، قال: «يقومون في ناحية المسجد و لا يبدو بهم إمام»(وسائل الشيعة 8: 415، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 65، الحديث 2.) و أبو علي الحرّاني في السند لم يقف الرجاليون على اسمه و لا حاله، نعم روى عنه ابن أبي عمير. و ما دلّ على حكم أمير المؤمنين عليه السلام بصحّة المختلفين في دعوى كلّ منهما الإمام، كما في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين اختلفا، فقال أحدهما: كنت إمامك، و قال الآخر: أنا كنت إمامك، فقال: صلاتهما تامّة». قلت: فإن قال كلّ واحد منهما: كنت أئتمّ بك، قال: «صلاتهما فاسدة و ليستأنفا»(وسائل الشيعة 8: 352، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 29، الحديث 1.) و ما دلّ على أنّ الرجلين صفّ و فيما زاد على الاثنين تقدّم الإمام، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه»(وسائل الشيعة 8: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الرجل يؤمّ الرجلين، قال: «يتقدّمهما و لا يقوم بينهما»، و عن الرجلين يصلّيان جماعة، قال: «نعم، يجعله عن يمينه»(وسائل الشيعة 8: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 7.) و رواية «قرب الإسناد» عن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي عليه السلام قال: قال: «رجلان صفّ، فإذا كانوا ثلاثة تقدّم الإمام»(وسائل الشيعة 8: 344، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 13.) و يمكن المناقشة فيما عدا الشهرة من الوجوه المذكورة؛ فمن شاء فليرجع إلى «الجواهر» و «مصباح الفقيه». و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل الأخبار الدالّة بظاهرها على جواز التساوي و عن يمين الإمام فيما كان المأموم رجلًا واحداً على الاستحباب، كما يحمل عليه الأخبار الدالّة على قيام المأموم خلف الإمام فيما كان المأموم امرأة أو رجلين أو أزيد. فالمشهور المختار: أنّه لو وقف المأموم الواحد خلف الإمام أو شماله و المتعدّد عن يمينه و شماله جاز. و ادّعى العلّامة في «المنتهى» الإجماع عليه، و لعلّه كذلك؛ إذ لا خلاف فيه إلّا من الحلّي. و لكن الأحوط عدم التقدّم بشي ء من الأعضاء في شي ء من الأحوال، بل الأحوط عدم التساوي مطلقاً. و الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله تأخّر المأموم عن الإمام و لو يسيراً، و لعلّه لكونه متيقّناً من صحّة الجماعة، و لكثرة الأخبار المتفرّقة الدالّة على وجوب تقدّم الإمام بالنسبة إلى الأخبار الدالّة على جواز التساوي، و هذا هو الوجه في الاحتياط و مراعاة تأخّر المأموم عن الإمام في جميع الأحوال. و في «المستمسك»: بل لعلّه المتعيّن، كما يقتضيه إطلاق المنع من التقدّم. و من لم يتقدّم بعقبه و تقدّم برأسه في الركوع و السجود- لطول قامته- فهو متقدّم في الجملة، و الأصل كافٍ في المنع عنه(مستمسك العروة الوثقى 7: 235.) ، انتهى. و لا يضرّ عند المصنّف رحمه الله تقدّم المأموم في ركوعه و سجوده لطول قامته بعد عدم تقدّمه في الموقف؛ لأنّ الممنوع عنده هو تقدّم المأموم على الإمام في الموقف و لو يسيراً. و لا يخفى: أنّ المدار في التقدّم و التأخّر و كذا التساوي على الصدق العرفي، لا على المداقّة العقلية. و في «مصباح الفقيه»: ثمّ إنّ المدار في التقدّم و المساواة العرف، كما صرّح به غير واحد من المتأخّرين؛ إذ لم يتحقّق فيهما حقيقة شرعية و لا تحديد شرعي. فكأنّ ما وقع للأصحاب من تقديرهما في حال القيام، أو هو مع الركوع بالأعقاب، أو بها و الأصابع معاً، أو بالمناكب خاصّة و بأصابع الرجل في حال السجود و بمقاديم الركبتين و الأعجاز في حال التشهّد و الجلوس و بالجنب في حال الاضطجاع، لإرادة ضبط مفهومها عرفاً، و إلّا فليس في نصوص المقام تعرّض لشي ء من ذلك، عدا أنّه ورد في كيفية صلاة العراة أنّ الإمام يتقدّمهم بركبتيه. و لا يبعد أن يدّعى أنّ المقصود بذلك أدنى ما يجزي ممّا يتحقّق معه إطلاق اسم التقدّم في العرف(مصباح الفقيه، الصلاة: 655/ السطر 28.) ، انتهى. ثمّ إنّ وجه الخصوصية لمراعاة الاحتياط في تأخّر المأموم عن الإمام حال الجلوس هو صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوساً و هو جالسٌ»(وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 1.)

ص: 498

ص: 499

ص: 500

ص: 501

ص: 502

ص: 503

ص: 504

ص: 505

ص: 506

ص: 507

ص: 508

[مسائل الشرائط]
(مسألة 1): ليس من الحائل الظلمة و الغبار المانعان من المشاهدة،

و كذا نحو النهر و الطريق إن لم يكن فيه بعد ممنوع في الجماعة، بل الظاهر عدم كون الشبّاك أيضاً منه، إلّا مع ضيق الثقب بحيث يصدق عليه السترة و الجدار، و أمّا الزجاج الحاكي عن ورائه فعدم كونه منه لا يخلو من قرب، و الأحوط الاجتناب (1).


1- الظلمة و الغبار ليسا من الحائل المانع في الجماعة؛ ففي «الجواهر» ليست الظلمة من الحائل قطعاً(جواهر الكلام 13: 158.) ، و في «المستمسك»: لعلّه من الضروريات(مستمسك العروة الوثقى 7: 237.) ، و في «مصباح الفقيه»: المدار في صحّة الائتمام ليس على المشاهدة من حيث هي، و إلّا لم يصحّ مع الظلمة و العمى، بل و لا على أن لا يكون هناك جسم خارجي مانع عن مشاهدة المأموم الإمام؛ إذ لو كان بحيال وجهه فقط جسم كذلك لا يكون ذلك مانعاً عن الائتمام، بل على أن لا يكون بين جسديهما حائل يحجب ما ورائه من جدار و نحوه. فلو صلّى المأموم بحيال باب- مثلًا- و الإمام بحذائه، و لكن منعهما أطراف الباب عن المشاهدة و لو في جميع أحوال الصلاة لأطولية قامتهما عن مقدار مسافة الباب لم يقدح ذلك في صحّة صلاته بعد أن لا يصدق عرفاً أنّ بينهما سترة أو جدار على الإطلاق(مصباح الفقيه، الصلاة: 629/ السطر 32.) ، انتهى. و أمّا حيلولة النهر و الطريق بين الإمام و المأموم فعن «المنتهى» نسبة الجواز إلى الأكثر، و عن «الذخيرة» نسبته إلى المشهور. و نسب إلى الحلبي و ابن زهرة المنع من حيلولة النهر بين الإمام و المأموم، و لعلّه لما هو الغالب من استلزامه الفصل بما لا يتخطّى؛ فيشمله إطلاق صحيح زرارة المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 2.) ، هذا بناءً على مانعية الفصل بمقدار ما لا يتخطّى من الاقتداء. و أمّا بناءً على ما ذكره الشهيد من كون الصحيحة محمولة على الاستحباب فلا بأس بهذا الفصل. و نسب إلى أبي حنيفة المنع من حيلولة النهر و الطريق قياساً على الجسم الحائل. و فيه: أنّه- مضافاً إلى بطلان القياس- قياس مع الفارق. هذا كلّه من حيث النهرية و الطريقية. و أمّا بالنسبة إلى حيثية اخرى فيمكن أن يكونا مانعين من الائتمام؛ فقد أشار إليه المصنّف رحمه الله بقوله: إن لم يكن فيه بعد ممنوع في الجماعة. و في «الجواهر»: فمع فرض تحقّق المنع من جهة اخرى كعدم التخطّي- إن قلنا باعتباره- أو حصول التباعد السالب لاسم الجماعة أو غير ذلك لا إشكال في القدح(جواهر الكلام 13: 158.) ، انتهى. و أمّا الشبّاك فالمشهور شهرة عظيمة أنّه لا يعدّ من الحائل المانع من الاقتداء. و في «المستمسك»: بل لم يعرف الخلاف فيه إلّا من الشيخ و ابن زهرة و الحلبي(مستمسك العروة الوثقى 7: 237.) ، انتهى. نعم لو كان ثقب الشبّاك ضيّقة بحيث يصدق عليه معها السترة و الجدار عرفاً يخلّ بالجماعة و تبطل الصلاة. و أمّا الزجاج فعن كاشف الغطاء جوازه و عدم كونه مانعاً من الاقتداء، و لعلّه لظهور صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام في اعتبار المشاهدة و عدم الحائل(وسائل الشيعة 8: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 1.) و اختاره جماعة؛ منهم المحقّق و صاحب «الحدائق». قال في «الحدائق»: من الشرائط أيضاً عند الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- المشاهدة؛ بمعنى أن لا يكون ثمة بين الإمام و المأموم أو بين المأمومين بعض مع بعض حائل يمنع المشاهدة. قال في «المدارك»: هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، و الأصل فيه ما رواه الشيخ في الحسن و الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام(الحدائق الناضرة 11: 95.) ، انتهى موضع الحاجة من كلام صاحب «الحدائق». و إليه ذهب صاحب «الجواهر» قال: و كذا لا يندرج في الحائل الزجاج و نحوه ممّا يشاهد من خلفه(جواهر الكلام 13: 158.) ، انتهى. و الأحوط عندنا- لو لم يكن الأقوى- عدم الجواز؛ لصدق الجدار عليه، حيث إنّ الجدار هو الحائط، و هو قد يكون من الآجر و الحجر، و قد يكون من الخشب، و قد يكون من الزجاج و غيره من الموادّ، كما هو المتعارف في زماننا، و إن كان الغالب هو الأوّل.

ص: 509

ص: 510

ص: 511

(مسألة 2): لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع المشاهدة في أحوال الصلاة،

و إن كان مانعاً منها حال السجود- كمقدار شبر و أزيد- لو لم يكن مانعاً حال الجلوس، و إلّا ففيه إشكال لا يترك فيه الاحتياط (1).


1- هذه المسألة ممّا لا خلاف و لا إشكال فيه، بل و في كلام جماعة أنّه لا بأس بما لا يمنع المشاهدة حال الجلوس أيضاً؛ ففي «التذكرة»: لو كان الحائل قصيراً يمنع حالة الجلوس خاصّة من المشاهدة فالأقرب الجواز(تذكرة الفقهاء 4: 258.) و في «الحدائق»: فلو لم يمنع المشاهدة- كالحائل القصير المانع حالة الجلوس خاصّة و الشبّاك المانع من الاستطراق دون المشاهدة- فلا بأس بالصلاة و الحال هذه(الحدائق الناضرة 11: 96.) و في «الرياض»: و احترز بقوله: «يمنع المشاهدة» عمّا لا يمنع عنها و لو حال القيام خاصّة، كالحائل القصير و الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة؛ فإنّه تصحّ صلاة من خلفها مقتدياً بمن فيها كما هو المشهور(رياض المسائل 4: 298.) و في «الجواهر»: أمّا إذا كان الحائل قصيراً لا يمنع المشاهدة فلا خلاف بل و لا إشكال في عدم قادحيته. نعم قد يتوقّف فيما لو منعها حال الجلوس- مثلًا- دون القيام لقصره، كما عن «المصابيح»؛ لصدق السترة و الجدار، و توقيفية الجماعة. مع أنّ الذي صرّح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و ولده و أبو العبّاس و المقداد و الخراساني و عن غيرهم عدم قدحه أيضاً، بل لا أجد فيه خلافاً و لا إشكالًا ممّن عدا من عرفت بينهم، و لعلّه كذلك؛ لعدم الشكّ في شمول إطلاق الجماعة له، و عدم إرادة ما يشمله من السترة و الجدار(جواهر الكلام 13: 155.) ، انتهى. و لا يترك الاحتياط فيما لو كان مانعاً حال الجلوس؛ للشكّ في مشروعية الجماعة حينئذٍ؛ و لذا توقّف فيه في «المصابيح»؛ لصدق السترة و الجدار و توقيفية الجماعة، كما حكاه عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله.

ص: 512

(مسألة 3): لا يقدح حيلولة المأمومين المتقدّمين-

و إن لم يدخلوا في الصلاة- إذا كانوا متهيّئين مشرفين على العمل، كما لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأوّل أو أكثرهم للإمام إن كان ذلك من جهة استطالة الصفّ، و كذا عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الثاني للصفّ الأوّل من جهة أطوليته من الأوّل (1).


1- عدم قدح حيلولة المأمومين المتقدّمين إجماعي، بل من الضروريات. و هل يشترط في صحّة اقتداء الصفّ اللاحق دخول الصفّ السابق في الجماعة، أم لا بل يكفي مجرّد كون الصفّ السابق مستعدّين للصلاة و إن لم يكونوا داخلين فيها بعد؟ الأقوى هو الثاني؛ للسيرة القطعية التي ادّعاها جماعة من فقهائنا. و يدلّ عليه ما رواه الصدوق في «المجالس» عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم و أقيموها و سوّوا الفروج، و إذا قال إمامكم: اللَّه أكبر فقولوا: اللَّه أكبر، و إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهمّ ربّنا و لك الحمد»(وسائل الشيعة 8: 423، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 70، الحديث 6.) وجه الدلالة هو الاجتزاء بتكبير المأموم عقيب تكبير الإمام من دون انتظار السابق. و لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأوّل أو أكثرهم للإمام من جهة استطالة الصفّ. و كذا لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الثاني للصفّ الأوّل من جهة أطولية الصفّ؛ و ذلك لأنّ المستفاد من النصّ و الفتوى قادحية الحائل الخارجي كالجدار و السترة. و في «المستمسك»: أنّ عدم كونه قادحاً من القطعيات(مستمسك العروة الوثقى 7: 238.)

ص: 513

(مسألة 4): لو وصلت الصفوف إلى باب المسجد- مثلًا-

و وقف صفّ أو صفوف في خارج المسجد؛ بحيث وقف واحد منهم- مثلًا- بحيال الباب و الباقون في جانبيه،

ص: 514

فالأحوط بطلان صلاة من على جانبيه من الصفّ الأوّل ممّن كان بينهم و بين الإمام أو الصفّ المتقدّم حائل، بل البطلان لا يخلو من قوّة. و كذا الحال في المحراب الداخل، نعم تصحّ صلاة الصفوف المتأخّرة أجمع (1).


1- الأحوط لو لم يكن الأقوى بطلان صلاة من وقف خارج المسجد في أحد جانبي مَن بحيال الباب، و كذا من وقف على يمين المحراب الداخل في جدار و نحوه أو يساره. و في «المستمسك»: فإنّه المتيقّن من الصحيح المتقدّم و من معاقد الإجماعات على قدح الحائل(مستمسك العروة الوثقى 7: 239.) و في «الشرائع»: إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية دون صلاة من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه، و تجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصفّ الأوّل؛ لأنّهم يشاهدون من يشاهده(شرائع الإسلام 1: 116.) ، انتهى. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «إن صلّى قوم بينهم و بين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة، إلّا من كان حيال الباب» قال: و قال: «هذه المقاصير إنّما أحدثها الجبّارون، و ليس لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة من فيها صلاة»(وسائل الشيعة 8: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 1.) . وجه الدلالة: أنّ الظاهر من قصر صحّة الصلاة في صلاة من بحيال الباب فقط هو بطلان صلاة من بجانبيه. و ذهب جماعة إلى أنّه يكفي مشاهدة من يشاهد الإمام و لو بوسائط؛ سواء كان في صفّه أو صفّ المتقدّم عليه. و في «مصباح الفقيه»: لعلّ هذا القول هو المشهور بينهم، بل لم يثبت القول بخلافه ممّن عدا المحقّق البهبهاني؛ فإنّ كلمات من عرفت ممّن يظهر منه ذلك قد يدّعي كونها مؤوّلة؛ لقرائن داخلية أو خارجية بحمل الصفّ الأوّل في العبائر المزبورة على القطعتين المنعقدتين في جناحي المحراب محاذياً له، بناءً على أنّهما مع الإمام المتوسّط بينهم صفٌّ واحد، كما صنعه في «الرياض» و غيره؛ مستشهدين لذلك بكون الجانب حقيقةً في المحاذي للمنكب دون المتأخّر عنه الواقف في سمت جانبيه. و جعل في «الرياض» المراد بمن يشاهد الإمام من الصفّ الأوّل في عبارة «القواعد»، هو من دخل في المحراب مع الإمام، معترفاً بأنّه فرض نادر، مدّعياً أنّه لا يبعد تعرّض الفقيه للفروض النادرة. و في «المسالك» حمل من يقابله في عبارة الكتاب على الصفّ الواقع خلف المحراب(مصباح الفقيه، الصلاة: 630/ السطر 7.) ، انتهى كلام «مصباح الفقيه». هذا كلّه بالنسبة إلى صلاة الواقفين في جانبي من بحيال الباب. و أمّا الصفوف المتأخّرة الواقفين خلف من يقابل المحراب أو الصفّ المتقدّم فتجوز صلاتهم؛ لأنّهم يشاهدون من يشاهد الإمام.

ص: 515

(مسألة 5): لو تجدّد الحائل أو البعد في الأثناء

فالأقوى كونه كالابتداء؛ فتبطل الجماعة و يصير منفرداً (1).


1- و ذلك لإطلاق النصّ و الفتوى، حيث إنّ الظاهر كون عدم الحيلولة و كذا عدم البعد شرطاً في صحّة الائتمام من حيث هو؛ فما دام مأموماً يجب أن لا يكون بينه و بين الإمام حائل و بعد؛ فهما شرطان ابتداءً و استدامةً. فالمشار إليها ب «تلك» في صحيحي زرارة المتقدّمين: «فليس تلك لهم بصلاة»(وسائل الشيعة 8: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 1، و الباب 62، الحديث 2.) الواردين في شرطية عدم الحائل و البعد هي الصلاة التي أخلّ بشرطها، و الشرطية ظاهرة في الإطلاق، و كونها قضية طبيعية مقتضاها صدق الجزاء عند حصول مسمّى الشرط. فالقوم يقتدون بإمامهم من أوّل صلاتهم إلى آخرها، و يصلّون بصلاته ما دام لم ينفردوا؛ فإذا وجد حائل بينهما في شي ء من هذه المدّة أو حصل الفصل بما لا يتخطّى كذلك صدق حال حصوله أنّهم يصلّون بصلاة هذا الإمام، و الحال أنّ بينه و بينهم الحائل أو الفصل. فمقتضى إطلاق النصّ: أنّ الإمام في هذين الحالين ليس لهم بإمام و ليست تلك لهم بصلاة. و قال الشيخ الأنصاري رحمه الله بعدم دلالة الصحيحين على اعتبار عدم الحائل و الفصل استمراراً؛ لأنّ قوله عليه السلام: «فليس تلك لهم بصلاة» إشارة إلى الصلاة التي صلّيت مع الحائل و البعد بتمامها، و الحكم ببطلان الصلاة التي صلّيت تمامها مع الحائل أو البعد لا يستلزم الحكم ببطلان أبعاضها إذا وقعت كذلك، أو ببطلان الكلّ إذا وقع البعض كذلك(كتاب الصلاة، ضمن مجموعة تراث الشيخ الأعظم 7: 340.) و فيه: ما عرفت من أنّ الشرطية ظاهرة في الإطلاق، و مقتضاها صدق الجزاء عند حصول الشرط؛ أي نفي صلاتية الصلاة الفاقدة للشرط.

ص: 516

ص: 517

(مسألة 6): لا بأس بالحائل غير المستقرّ،

كمرور إنسان أو حيوان، نعم لو اتّصلت المارّة لا يجوز و إن كانوا غير مستقرّين (1).

(مسألة 7): لو تمّت صلاة أهل الصفّ المتقدّم يشكل بقاء اقتداء المتأخّر

و إن عادوا إلى الجماعة بلا فصل؛ فلا يترك الاحتياط بالعدول إلى الانفراد (2).


1- و ذلك لأنّ المانع المنصوص هو الجدار و السترة، و هما مستقرّان؛ فالنصّ منصرف عن الحائل الغير المستقرّ كمرور إنسان أو حيوان. نعم لو اتّصلت المارّة لا يجوز الائتمام و إن كانوا غير مستقرّين؛ و ذلك لأنّ اتّصالهم يجعلهم كالجدار و السترة في الحيلولة العرفية.
2- إذا تمّت صلاة أهل الصفّ المتقدّم حصل الفصل المخلّ بين الإمام و الصفّ المتأخّر، و تحقّق الانفراد القهري، و وجب عليه وظيفة المنفرد إن لم يتدارك شرط عدم الفصل بما لا يتخطّى بلحوقه بالصفّ المتّصل بالإمام من دون تراخٍ، هذا بناءً على اشتراط عدم الفصل بما لا يتخطّى و إخلال أزيد من الخطوة. و علّل في «العروة الوثقى» الإشكال بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر بكون الصفّ المتقدّم حينئذٍ حائلين غير مصلّين، قال: إذا تمّت صلاة الصفّ المتقدّم و كانوا جالسين في مكانهم اشكل بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر؛ لكونهم حينئذٍ حائلين غير مصلّين(العروة الوثقى 1: 781، المسألة 15.) و فيه: أنّ منشأ الإشكال تحقّق الفصل بينهما بما لا يتخطّى، لا وجود الحائل بينهما في الأثناء. هذا كلّه بناءً على عدم عود الصفّ المتقدّم إلى الجماعة بعد إتمام صلاتهم بلا فصل، و أمّا إذا عادوا إلى الجماعة بلا فصل فيشكل بقاء قدوة الصفّ المتأخّر، بل ظاهر صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام»(وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 2.) ، بطلان القدوة بالبُعد المخلّ مطلقاً و لو بمجرّد تحقّقه اتّفاقاً، إلّا أن يدّعى بانصرافها عن مفروض المسألة، و أنّ البعد الحاصل بطور الاتّفاق غير مانع؛ فلا يترك الاحتياط بالعدول إلى الانفراد لو لم يلحق بالإمام أو بالصفّ المتقدّم عليه. و في «مصباح الفقيه»: لو عرض البُعد في الأثناء بانتهاء صلاة الصفوف المتخلّلة- مثلًا- فهل يتدارك هذا الشرط بلحوقه بالصفّ المتّصل بالإمام من دون تراخٍ أو بعود من انتهت صلاته إلى الجماعة بنية صلاة اخرى بلا فصل يعتدّ به، أم تبطل القدوة بمجرّد حصول الفصل؟ و على تقدير البطلان فهل له أن يلحق بالصفّ و يجدّد نية الائتمام؟ وجوه لا يخلو أوّلها من قوّة؛ فإنّ كونه من أهل الجماعة و توجّهه إليهم لدى عروض البعد مع بقاء عزمه على الائتمام و اللحوق بالصفّ موجب لحفظ علاقة الارتباط و عدم كونه لدى العرف أجنبياً عن الجماعة، بل معدوداً في عدادهم. كما يؤيّده الروايات الواردة فيمن دخل المسجد فرأى الإمام راكعاً و خاف فوات الركعة بلحوقه بالصفّ، بناءً على كونها منافية لاشتراط عدم التباعد بالتقريب المزبور(مصباح الفقيه، الصلاة: 636/ السطر الأخير.) ، انتهى.

ص: 518

ص: 519

(مسألة 8): إن علم ببطلان صلاة أهل الصفّ المتقدّم تبطل جماعة المتأخّر

لو حصل الفصل أو الحيلولة، نعم مع الجهل بحالهم تحمل على الصحّة. و إن كانت صلاتهم صحيحة بحسب تقليدهم و باطلة بحسب تقليد أهل الصفّ المتأخّر يشكل دخوله فيها مع الفصل أو الحيلولة (1).


1- وجه بطلان جماعة المتأخّر فيما علم ببطلان صلاة أهل الصفّ المتقدّم هو حصول الفصل و الحيلولة بينهما، بناءً على بطلان الجماعة بهما، و مع الجهل بحال أهل الصفّ المتقدّم و أنّ صلاتهم باطلة، أولا تحمل على الصحّة؛ لأصالة الصحّة في عملهم. و أمّا فيما كانت صلاة الصفّ المتقدّم صحيحة باجتهادهم أو تقليدهم، و باطلة بحسب اجتهاد أهل الصفّ المتأخّر أو تقليدهم. ففي جواز دخول الصفّ المتأخّر في الجماعة مع فصل الصفّ المتقدّم و حيلولته إشكالٌ. و منشأ الإشكال عدم إحراز الصحّة في صلاة الصفّ المتقدّم بالنسبة إلى المتأخّر المعتقد ببطلان فعل المتقدّم. و في «المستمسك»: بل و كذا لو قيل بالإجزاء؛ للشكّ الموجب للرجوع إلى أصالة عدم المشروعية(مستمسك العروة الوثقى 7: 247.) ، انتهى. و سيأتي تفصيل البحث في مسألة اختلاف الإمام مع المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً؛ و هي المسألة السادسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة».

ص: 520

(مسألة 9): يجوز لأهل الصفّ المتأخّر الإحرام قبل المتقدّم إذا كانوا قائمين متهيّئين للإحرام تهيّؤاً مشرفاً على العمل

(1).


1- وجه الجواز هو السيرة القطعية المدّعاة في كلام جماعة من فقهائنا. و يظهر من «المسالك» و «المدارك» أنّه ينبغي أن لا يحرم البعيد قبل أن يحرم من قبله ممّن يزول معه التباعد. و أورد عليهما في «الجواهر»: بعدم عدّ مثله من التباعد في العادة، و بأنّه ليس في النصوص و الفتاوى ما يشهد له، إنّما الذي فيها وجوب افتتاح المأمومين بعد افتتاح الإمام خاصّة- قلّوا أو كثروا، استطالت صفوفهم أو قصرت- من غير مدخلية للمأمومين في ذلك بعضهم من بعض، كما هو لازم قولهما: عدا من كان متّصلًا بالإمام من الشخص و الشخصين. مع ما فيه من التضييق و التشديد لإدراك الجماعة؛ خصوصاً بالنسبة إلى بعض المأمومين الذين يتوقّفون في النية، بل فيه من الإفضاء إلى عدم حضور القلب و التوجّه ما لا يخفى. على أنّه غالباً يتعذّر أو يتعسّر على المتأخّر العلم بحصول تكبيرة الافتتاح من بين التكبيرات من المتقدّم؛ خصوصاً لو كان مجيئه للجماعة بعد اصطفاف الصفوف و تهيّؤهم للصلاة و شروعهم في تصوّرها و نيتها. بل قد يفضي مراعاة ذلك إلى عدم إدراك أوّل ركعة في الجماعات المعظمة، إلّا للقليل منها، بل و للركعة الثانية أيضاً، بل ربّما تفوت الفريضة تماماً؛ خصوصاً الثنائية أو الثلاثية، و خصوصاً مع إرادة الإسراع فيها لسفر أو نحوه من الأعذار. إلى غير ذلك ممّا يمكن دعوى القطع بخلافه من السيرة المستمرّة في سائر الأعصار و الأمصار و عظم الجماعات، كجماعة النبي و أمير المؤمنين- عليهما الصلاة و السلام- و غلبة تخلّل الصفوف من لا يوثّق بصحّة صلواتهم. و من أنّه لو كان كذلك لاشتهر روايةً و فتوى و عملًا- اشتهار الشمس في رابعة النهار- لتوفّر الدواعي و كثرة الاستعمال(جواهر الكلام 13: 179.) ، انتهى كلام صاحب «الجواهر» رحمه الله.

ص: 521

ص: 522

القول في أحكام الجماعة

اشارة

الأقوى وجوب ترك المأموم القراءة في الركعتين الاوليين من الإخفاتية، و كذا في الاوليين من الجهرية لو سمع صوت الإمام و لو همهمته، و إن لم يسمع حتّى الهمهمة جاز- بل استحبّ- له القراءة (1).


1- يظهر من بعض الأخبار حرمة قراءة المأموم في الركعتين الاوليين من الإخفاتية: ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه؛ سمعت قراءته أم لم تسمع، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة و لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 1.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال: «أمّا الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما امر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) و صحيح ابن سنان- يعني عبد اللّه- عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ، و كان الرجل مأموناً على القرآن؛ فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين»، و قال: «يجزيك التسبيح في الأخيرتين»، قلت: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: «أقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 9.) و إطلاق صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن كنتَ خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الأوّلتين، و أنصت لقراءته، و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول للمؤمنين: «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ»؛ يعني في الفريضة خلف الإمام «فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» فالأخيرتان تبعاً للأوّلتين»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و كذا إطلاق صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 4.) و إطلاق موثّق يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة خلف من أرتضي به، أقرأ خلفه؟ قال: «من رضيت به فلا تقرأ خلفه»(وسائل الشيعة 8: 359، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 14.) فالظاهر من الأخبار المذكورة حرمة قراءة المأموم في الركعتين الأوّلتين من الإخفاتية، و المطلقات منها مقيّدة بالإخفاتية؛ للأخبار الدالّة على الجواز في الجهرية لو لم يسمع قراءة الإمام. و يظهر من بعض أخبار اخر جواز القراءة في الاوليين من الإخفاتية، كما في صحيح علي بن يقطين في حديث قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال: «إن قرأت فلا بأس، و إن سكتّ فلا بأس»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 13.) ، و المراد من الصمت في الرواية هو الإخفات، كما عن جماعة من الأصحاب. و خبر إبراهيم بن علي المرافقي و عمرو بن الربيع البصري عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه سأل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «إذا كنت خلف الإمام تولّاه و تثق به فإنّه يجزيك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت؛ قال اللَّه تعالى: «وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»»(وسائل الشيعة 8: 359، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 15.) و مقتضى الجمع بين الأخبار هو حمل النهي في خصوص الإخفاتية على الكراهة، و حمل المطلقات على الجهرية مع سماع صوت الإمام و لو همهمته. فالقول بالجواز مع الكراهة في المسألة هو المختار المشهور كما في «الروضة»، و في «الجواهر»: و هو كذلك(جواهر الكلام 13: 181.) و يشهد على الكراهة صحيح سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أ يقرأ الرجل في الاولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال: «لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 8.) و في «الحدائق» بعد نقل هذا الحديث قال: قوله «و هو لا يعلم أنّه يقرأ» : ليس المراد به الشكّ في قراءة الإمام و عدمها؛ لأنّ فيه طعناً على الإمام بالإخلال بالواجب؛ فلا يجوز الاقتداء به حينئذٍ، و إنّما المراد بهذا الكلام الكناية عن عدم سماع قراءته؛ فكأنّه قال: و هو لا يسمع أنّه يقرأ، و كأنّه ظنّ أنّه إنّما يترك القراءة فيما إذا جهر الإمام؛ لوجوب الإنصات، و أمّا مع الإخفات و عدم السماع يجوز القراءة(الحدائق الناضرة 11: 129.)، انتهى. و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»- بعد ما استبعد ما ذكره صاحب «الحدائق» و اختار أولوية إبقاء السؤال على ظاهره- قال: و يحتمل بعيداً أن يكون الضمير في قوله: «و هو لا يعلم» راجعاً إلى الإمام؛ فكأنّ السائل كان يعلم بأنّ المأموم وظيفته في الجهرية الإنصات و أنّه ليس ينبغي له أن يسمع ما يقوله الإمام فسأل عن أنّه هل للمأموم في الإخفاتية- التي ليست وظيفته فيها الإنصات و لا الإمام يسمع قراءته- أن يقرأ(مصباح الفقيه، الصلاة: 638/ السطر 15.) ، انتهى. و قال جماعة من فقهائنا- منهم الصدوق في «المقنع» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «التحرير» و صاحب «المدارك» و جماعة من متأخّري المتأخّرين، و تبعهم المصنّف رحمه الله- بالحرمة في المسألة. و لعلّ الوجه فيه ظهور النهي في الأخبار المتقدّمة في الحرمة، مع ضعف ما دلّ على الجواز، كرواية المرافقي و البصري المتقدّمة. و الخدشة في دلالة صحيح علي بن يقطين المتقدّم بحمل الصمت في قوله: «يصمت فيه الإمام» على معناه الحقيقي؛ بأن كبّر للإحرام ثمّ سكت عن القراءة بتخيّل أنّه مأموم مثلًا، و حمل قوله: «لا ينبغي» في صحيح سليمان بن خالد على الحرمة بقرينة ظهور النهي في الأخبار في الحرمة. و فيه: أنّ ضعف رواية المرافقي و البصري منجبر بالشهرة. و في ذيل صحيح علي بن يقطين قرينة على إرادة الإخفات من الصمت؛ و هي قوله: «إن قرأت فلا بأس و إن سكتّ فلا بأس»، حيث إنّ قراءة المأموم و سكوته مفروض في صورة إخفات الإمام قراءته لا في سكوته، هذا كلّه في الاوليين من الإخفاتية. و أمّا الاوليان من الجهرية فيسقط عن المأموم القراءة إجماعاً، و يجب عليه ترك القراءة لو سمع صوت الإمام عند كثير من القدماء و المتأخّرين و عند بعض من لا يقول به في المسألة السابقة- أعني الاوليين من الإخفاتية- و هو المختار؛ و ذلك لوجود المعارضة هناك دون ما نحن فيه. و يدلّ على وجوب الترك فيما سمع قراءة الإمام الأخبار المعتبرة المستفيضة، كصحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و ذيل صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن قتيبة بن محمّد الأعشى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 7.) ، و نحوه في الدلالة خبر زرارة عنه عليه السلام: «أنّه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 2.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألت عن الرجل يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة و هو يقتدي به، هل له أن يقرأ من خلفه؟ قال: «لا، و لكن يقتدي به»(وسائل الشيعة 8: 359، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 16.) و قال جماعة بالكراهة، و عن «الدروس» و ظاهر «الروضة» نسبتها إلى الشهرة. و استدلّوا عليه بتعليل النهي عن القراءة في الأخبار بالإنصات، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «فلا تقرأنّ شيئاً في الأوّلتين، و أنصت لقراءته»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج: «و أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما امر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) و صحيح آخر لزرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت و سبّح في نفسك»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 6.) و لا يخفى: أنّ الإنصات مندوب بإجماع فقهائنا، و لم يوجد مخالف في كونه مندوباً إلّا ابن حمزة؛ فتعليل النهي عن القراءة بالإنصات المندوب قرينة على إرادة عدم الحرمة من النهي عن القراءة. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» بقوله: و فيه- مع خلوّ أكثر الأخبار عن التعليل به، و قوّة احتمال إرادة الحكمة منه لا التعليل الحقيقي أو ما يجري مجراه، و عدم ظهور إرادة التعليل من الأخيرين، بل أقصاهما الأمر به لنفسه، و إن استدلّ عليه في أوّلهما بالآية، و احتمال إرادة تعليل النهي الأوّل عن القراءة بالآية مع أنّه مبني على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضدّ بعيدٌ جدّاً، بل و كذا لا ظهور في الصحيح الأوّل بتعليل النهي عن القراءة بالإنصات، بل أقصاه بيان وجه الأمر بالجهر بالقراءة، و هو غير ما نحن فيه- أنّه يمكن منع دعوى الإجماع في المقام. و انعقاده على الندب في غير المقام بعد أن كان مورد الآية الفريضة كما في الصحيح لا يقتضي الاستحباب هنا. و نسبة ندبيته في «التنقيح» إلى من عدا ابن حمزة يمنعها التتبّع. و بالجملة: فالخروج عن تلك النواهي في تلك المعتبرة المستفيضة بمثل ذلك كما ترى(جواهر الكلام 13: 190.) ، انتهى كلام «الجواهر». هذا كلّه فيما لو سمع قراءة الإمام في الاوليين من الجهرية، و أمّا لو سمع همهمته فقد اختلف فيه أصحابنا؛ فقال جماعة بإلحاقها بالسماع حرمةً و كراهةً. و استدلّ عليه بخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام عنه عليه السلام: «أنّه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 2.) . و ذيل صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن قتيبة المتقدّم: «و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 7.) و يظهر من «مبسوط» الشيخ الفرق بين سماع القراءة و سماع الهمهمة؛ فينصت في الأوّل و يتخيّر بين القراءة و تركها في الثاني. و لعلّ وجه التخيير هو الإجزاء المصرّح به في موثّق سماعة في حديث قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 10.) ، هذا بناءً على أنّ الإجزاء بمعنى جواز الاكتفاء بالسماع. و هل يستحبّ التسبيح و الدعاء فيما لو سمع صوته- حتّى قراءته- أو لا؟ فيه وجهان: من ورود الأمر به في بعض الأخبار، كصحيح زرارة المتقدّم عن أحدهما عليهما السلام: «و سبّح في نفسك»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 6.) ، و صحيح أبي المعزا حميد بن المثنى قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فسأله حفص الكلبي، فقال: أكون خلف الإمام و هو يجهر بالقراءة فأدعو و أتعوّذ؟ قال: «نعم، فادع»(وسائل الشيعة 8: 361، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 2.) و من منافاة التسبيح و الدعاء للإنصات المأمور به في الأخبار. و الوجه الأوّل لا يخلو من قوّة؛ لما تقدّم من دعوى الإجماع على عدم وجوب الإنصات. و في «الجواهر»: بناءً على عدم منافاته- أي التسبيح و الدعاء- للإنصات؛ خصوصاً لو فسّر التسبيح في النفس بما يقرب إلى التصوّر(جواهر الكلام 13: 192.) و أمّا فيما لم يسمع حتّى همهمته فلا خلاف بين الأصحاب في جواز القراءة في الجملة، و لم يحك الخلاف فيه إلّا عن الحلّي، و خلافه غير ثابت، و على حاكيه الإثبات. نعم ذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب القراءة، كالشيخ في «المبسوط» و «النهاية» و المحقّق في «النافع» و علم الهدى و الحلبي و ابن حمزة؛ اقتصاراً على المتيقّن ممّا خرج من أصالة حرمة القراءة على المأموم في الجهرية، و عملًا بالأمر بالقراءة في بعض الأخبار، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّم: «و إن لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) و ذهب جماعة اخرى منهم إلى استحباب القراءة فيما لم يسمع؛ و هم العلّامة في «المختلف» و «التذكرة» و «المنتهى» و «التحرير» و الشهيد في «البيان» و «اللمعة» و كثير من المتأخّرين و متأخّريهم؛ جمعاً بين الأخبار بحمل الأمر الوارد فيها على الاستحباب بقرينة بعضها الدالّ على جواز فعلها و تركها، كما في صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: «لا بأس إن صمت و إن قرأ»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 11.)

ص: 523

ص: 524

ص: 525

ص: 526

ص: 527

ص: 528

ص: 529

ص: 530

و الأحوط في الأخيرتين من الجهرية تركه القراءة لو سمع قراءته و أتى بالتسبيح. و أمّا في الإخفاتية فهو كالمنفرد فيهما يجب عليه القراءة أو التسبيح مخيّراً بينهما؛ سمع قراءة الإمام أو لم يسمع (1).


1- اختلف أصحابنا في وظيفة المأموم في الأخيرتين من الجهرية و الإخفاتية على أقوال: الأوّل: أنّ الإمام يتحمّل عن المأموم في الركعتين الأخيرتين كالأُوليين في الجهرية و الإخفاتية، و أنّ سقوط القراءة و التسبيح فيهما عن المأموم عزيمة. نسب هذا القول إلى ابن إدريس. الثاني: أنّهما ساقطان عنه رخصةً و على سبيل الجواز لا الوجوب؛ يعني أنّه يجوز له أن يقرأ أو يسبّح و يجوز له تركهما، لا أنّه يجب عليه تركهما. ذهب إليه بعض متأخّري المتأخّرين. الثالث: حرمة خصوص القراءة و سقوطها مطلقاً؛ جهريةً كانت الصلاة أو إخفاتية، مع لزوم التسبيح عليه متعيّناً. الرابع: أنّ المأموم موظّف بوظيفة المنفرد من التخيير بين القراءة و التسبيح. و هذا القول هو المختار. و يظهر وجهه من الجواب عن استدلال القول الثالث. و استدلّ على القول الأوّل بما رواه ابن إدريس مرسلًا أنّه: «لا قراءة على المأموم في الأخيرتين و لا تسبيح»(وسائل الشيعة 8: 362، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 10.) قال في أوائل «السرائر»: روي أنّه: «لا قراءة على المأموم في جميع الركعات و الصلوات ...» إلى أن قال: و قد روي أنّه: «لا قراءة على المأموم في الأخيرتين و لا تسبيح»، و روي أنّه: «يقرأ فيهما أو يسبّح» و الأوّل أظهر(السرائر 1: 284.) ، انتهى. و فيه أوّلًا: أنّ ما رواه ابن إدريس مرسل غير منجبر و الشهرة على خلافه. و ثانياً: أنّه معارض بمرسله الآخر الدالّ على تخيير المأموم بين القراءة و التسبيح، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر. و استدلّ أيضاً بالأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام مطلقاً، أو في خصوص الأخيرتين، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) . و رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كان مأموناً على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين»(مستدرك الوسائل 6: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 6.) ، و غيرهما من بعض روايات الباب. و بالأخبار الدالّة على أنّ الإمام يضمن قراءة المأموم. و فيه أوّلًا: أنّ المطلقات من الروايات منصرفة إلى القراءة في الاوليين اللتين يتعيّن فيهما القراءة للإمام؛ فالإمام يتحمّل فيهما قراءة المأموم؛ فلا تشمل الأخيرتين. و ثانياً: أنّ غاية ما يدلّ عليه صحيح زرارة و رواية ابن سنان هو أنّ المأموم منهي عن خصوص القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، لا مطلقاً حتّى التسبيح. و منه يظهر الجواب عن الاستدلال بالأخبار الدالّة على ضمان الإمام، حيث صرّح في بعضها أنّ الإمام لا يضمن شيئاً ممّا عدا القراءة، كما في موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) و القول الثاني لا دليل ظاهر عليه. و استدلّ للقول الثالث بعموم الروايات الناهية عن القراءة خلف الإمام، و خصوص صحيح زرارة المتقدّم: «و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين». و صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، قال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح»(وسائل الشيعة 8: 361، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 5.) و رواية جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة، فقال: «بفاتحة الكتاب، و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 4.) فهذه الروايات و نحوها تدلّ على سقوط القراءة في الركعتين الأخيرتين و نفيها بالنسبة إلى المأموم. و أمّا تعيّن التسبيح فيهما عليه فباعتبار القاعدة المسلّمة؛ و هي أنّ تعذّر بعض أطراف الواجب التخييري- كالعتق و الصوم مثلًا في خصال الكفّارة- أو تعلّق النهي ببعضها- كما في مورد الروايات المذكورة- يوجب تعيّن بعضها الآخر. و اجيب عن الاستدلال المذكور بأنّ عموم الروايات الناهية عن القراءة خلف الإمام منصرف إلى الاوليين، و أنّ النهي فيها محمول على الكراهة. و أمّا صحيح زرارة فموردها بحسب الظاهر خصوص الجهرية، و المدّعى أعمّ منها. و أمّا صحيح معاوية بن عمّار ففيه أنّ قراءة الحمد في الركعتين الأخيرتين ليست واجبة على الإمام، بل هي أفضل له، و أفضلية القراءة على الإمام قرينة على صرفه عن ظاهره- من تعيّن التسبيح للمأموم- إلى أنّه أفضل له؛ و ذلك لوحدة السياق؛ فلا يدلّ على تعيّن التسبيح للمأموم لزوماً. و على سبيل التسليم لا بدّ من صرفه عن ظاهره و حمله على أفضلية التسبيح بالنسبة إلى الصلاة الإخفاتية، و هو مقتضى الجمع بين هذا الصحيح و صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و يجزيك التسبيح في الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 9.) ، حيث إنّ قوله: «يجزيك التسبيح» ظاهر في جواز القراءة له و عدم تعيّن التسبيح عليه. و وجه الاحتياط في ترك المأموم القراءة فيما لو سمع قراءة الإمام في الأخيرتين من الجهرية صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و الوجه في تخيير المأموم بين القراءة و التسبيح في الأخيرتين من الإخفاتية هو الجمع بين الأخبار: بعضها يدلّ على أنّ المأموم يقرأ في الأخيرتين، كرواية سالم بن مكرم أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين، و على الذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللَّه و الحمد لِلَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و هم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب، و على الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين (الأوّلتين خ. ل)»(وسائل الشيعة 8: 362، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 6.) و بعضها يدلّ على إجزاء التسبيح فيهما، كما في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ و كان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين»، و قال: «يجزيك التسبيح في الأخيرتين»، قلت: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: «أقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 9.) و بعضها يدلّ على تعيين التسبيح، كما في صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، قال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، و من خلفه يسبّح»(وسائل الشيعة 8: 361، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 5.) و يشهد على التخيير ما رواه ابن إدريس مرسلًا قال: و روي أنّه: «يقرأ فيهما أو يسبّح»(وسائل الشيعة 8: 362، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 11.) ثمّ إنّ هنا فروعاً: الأوّل: أنّه لو سمع بعض قراءة الإمام أو همهمته في الجهرية دون بعضها فهل تجوز عليه القراءة و لو فيما سمع، أو لا يجوز عليه حتّى فيما لم يسمع، أو فيه تفصيل؛ فيجوز فيما لم يسمع، دون ما سمع؟ فيه وجوه، لا يخلو الأخير من القوّة؛ لكون الجواز و عدمه دائراً مدار السماع و عدمه، سيأتي التعرّض من المصنّف رحمه الله لهذا الفرع في المسألة الثانية. الثاني: لو جهر الإمام في الصلوات التي يختار فيها بين الجهر و الإخفات- كالآيات و العيدين- و سمع المأموم قراءته و لو همهمته، فلا يجوز له القراءة، و لو لم يسمع يجوز له القراءة، و مع إخفات الإمام فيها لا يجوز له القراءة، كذا في «الجواهر»، قال: كما أنّه يقوى هذا أيضاً في باقي الصلوات التي لا يجب فيها جهر و لا إخفات، كصلوات الآيات و العيدين و نحوهما؛ فينصت حيث يسمع و يقرأ حيث لا يسمع، نحو ما سمعته من الوجوب و الحرمة و الكراهة(جواهر الكلام 13: 195.) ، انتهى. و لعلّ الوجه فيه إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، كموثّق سماعة في حديث قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 10.) و يحتمل قوياً اختصاص الحكم بالجهر و الإخفات في الصلوات اليومية؛ لما هو الظاهر من بعض الروايات المذكورة من تقييد الصلاة بجهر القراءة فيها و إخفاتها، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال: «أمّا الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما امر بالجهر لينصت من خلفه؛ فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) الثالث: لو سمع قراءة الإمام بعض المأمومين دون بعض- و لو للقوّة و الضعف في السامعة- لا يجوز للسامع القراءة دون غيره.

ص: 531

ص: 532

ص: 533

ص: 534

ص: 535

ص: 536

(مسألة 1): لا فرق بين كون عدم السماع للبعد أو لكثرة الأصوات أو للصمم أو لغير ذلك

(1).

(مسألة 2): لو سمع بعض قراءة الإمام دون بعض فالأحوط ترك القراءة مطلقاً

(2).


1- و في «مصباح الفقيه»: مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى- بل صريح بعض- عدم الفرق في عدم السماع بين كونه لبعد المأموم و غيره من الموانع، كصمم فيه أو مزاحمة أصوات تزاحم صوت الإمام و نحوهما(مصباح الفقيه، الصلاة: 642/ السطر 4.)، انتهى.
2- قد تقدّم في الفرع الأوّل من فروع «القول في أحكام الجماعة»: أنّ التفصيل بين ما سمعه من القراءة و ما لم يسمعه بالجواز في الثاني دون الأوّل لا يخلو عن قوّة؛ لكون الجواز و عدمه دائراً مدار السماع و عدمه، و هو الظاهر من الشرطية في روايات المسألة، و أنّ السماع سبب للإنصات مطلقاً، و عدمه سبب لجواز القراءة كذلك. و في المسألة وجه لجواز القراءة فيما سمعه أيضاً؛ و هي دعوى انصراف الأخبار الناهية عن القراءة مع السماع إلى سماع الكلّ؛ فينتفي المنع مع انتفاء سماع الكلّ. و فيها وجه أيضاً لترك القراءة- حتّى فيما لم يسمع- و هي دعوى انصراف استثناء صلاة الجهر- المحكومة بجواز القراءة للمأموم فيها- عن النهي عن القراءة خلف الإمام إلى صورة عدم السماع رأساً؛ و لذا احتاط المصنّف رحمه الله و جماعة من فقهائنا- كالسيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها- بالترك مطلقاً. و لا يخفى: أنّه لا يصغى بالدعويين المذكورتين مع الظهور المزبور.

ص: 537

(مسألة 3): لو شكّ في السماع و عدمه أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره، فالأحوط ترك القراءة،

و إن كان الأقوى جوازها (1).

(مسألة 4): لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام،

و إن كان الأحوط ذلك، و كذا لا تجب عليه المبادرة إلى القيام حال قراءته في الركعة الثانية، فيجوز أن يطيل سجوده و يقوم بعد أن قرأ الإمام بعض القراءة لو لم ينجرّ إلى التأخّر الفاحش (2).


1- وجه الاحتياط احتمال تحقّق سماع قراءة الإمام الموجب لترك القراءة على المأموم. و وجه القوّة في جوازها جريان أصالة عدم حدوث المانع، حيث إنّ تحقّق سماع قراءة خصوص الإمام مشكوك و إن كان تحقّق القراءة المهملة معلوماً، و هو لا يمنع من جريان الأصل المزبور؛ فما دام لم يحرز المانع و لو تعبّداً تجوز له القراءة.
2- لا دليل على وجوب الطمأنينة على المأموم حال قراءة الإمام، و الدليل الدالّ على وجوبها يدلّ على اعتبارها بالنسبة إلى قراءة نفس المصلّي. نعم لو قرأ المأموم فيما لم يسمع قراءة الإمام يجب عليه مراعاتها بناءً على القول بوجوب القراءة عليه حينئذٍ. و الأحوط استحباباً مراعاة الطمأنينة حال قراءة الإمام؛ تنزيلًا لقراءة الإمام منزلة قراءة نفسه. و كذا لا تجب عليه المبادرة إلى القيام مع الإمام أو حال قراءة الإمام في الركعة الثانية من غير تأخير؛ فيجوز له أن يطيل سجوده و يقوم بعد أن شرع الإمام و قرأ بعض الحمد؛ و ذلك لأنّ القيام واجب في حال القراءة حتّى في «باء» «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»* من الحمد، و المفروض سقوط الحمد عن المأموم و عدم وجوبه عليه؛ فيجوز له تأخير القيام بطول السجود حال قراءة الإمام بعض الحمد. نعم بناءً على وجوب متابعة المأموم الإمام في الأفعال لا يجوز له أن يتأخّر تأخّراً فاحشاً موجباً لذهاب هيئة الجماعة، فإن تأخّر فاحشاً بطلت جماعته. و سيأتي البحث فيه مفصّلًا في المسألة التاسعة من «أحكام الجماعة».

ص: 538

(مسألة 5): لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً غير القراءة في الاوليين
اشارة

إذا ائتمّ به فيهما، و أمّا في الأخيرتين فهو كالمنفرد و إن قرأ الإمام فيهما الحمد و سمع المأموم؛ مع التحفّظ على الاحتياط المتقدّم في صدر الباب. و لو لم يدرك الاوليين وجب عليه القراءة فيهما؛ لأنّهما اوّلتا صلاته، و إن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على الحمد و ترك السورة و لحق به في الركوع، و إن لم يمهله لإتمامه أيضاً فالأقوى جواز إتمام القراءة و اللحوق بالسجود، و لعلّه أحوط أيضاً، و إن كان قصد الانفراد جائزاً (1).

هنا مسائل:
الاولى: أنّ الإمام لا يتحمّل عن المأموم شيئاً غير القراءة في الاوليين

1- إذا ائتمّ به فيها. و يدلّ عليه خبر الحسين بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين هم من خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 353، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 1.) و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) و ما دلّ من الأخبار على عدم ضمان الإمام شيئاً من صلاة المأموم محمول على عدم ضمان خصوص القراءة؛ لتقييدها بموثّق سماعة؛ ففي صحيح أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنّه قال له: أ يضمن الإمام الصلاة؟ فقال: «لا ليس بضامن»(وسائل الشيعة 8: 353، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 2.) . و رواية زرارة قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 4.) فهو مخيّر بين قراءة الحمد و التسبيح؛ فله أن يسبّح و إن سمع قراءة الإمام فيهما؛ و ذلك لما ذكرناه في الجواب عن الاستدلال للقول الثالث من الأقوال الأربعة في وظيفة المأموم في الأخيرتين من الجهرية و الإخفاتية من أنّه مقتضى الجمع بين الأخبار، فراجع. لأنّهما أوّلتا صلاته. و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام و هي له الاولى، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: «يتجافى و لا يتمكّن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام و هي له الثانية فليلبث قليلًا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهّد ثمّ يلحق بالإمام»، قال: و سألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: «اقرأ فيهما فإنّهما لك الأوّلتان، و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 2.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته و هي ثنتان لك، فإن لم تدرك معه إلّا ركعة واحدة قرأت فيها و في التي تليها، و إن سبقك بركعة جلست في الثانية لك و الثالثة له حتّى تعتدل الصفوف قياماً ...»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 3.) الحديث. و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه؛ جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته امّ الكتاب، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما؛ لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها (في) بالأوّلتين في كلّ ركعة بامّ الكتاب و سورة، و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنّما هو تسبيح و تهليل و دعاء ليس فيهما قراءة. و إن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بامّ الكتاب و سورة ثمّ قعد فتشهّد، ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 4.) و قال جماعة من فقهائنا- منهم ابن إدريس في «السرائر» و العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» و «المختلف» و بعض متأخّري المتأخّرين، كالمحقّق الأردبيلي و صاحب «المدارك»- باستحباب القراءة للمأموم فيما أدرك الإمام في الركعتين الأخيرتين؛ و ذلك لوجهين: الأوّل: أنّه مقتضى الجمع بين الصحاح المذكورة الآمرة بالقراءة على المأموم، و بين الأخبار الدالّة على أنّ الإمام يضمن قراءة المأموم. الثاني: وجود القرينة في بعض الأخبار المذكورة على الحمل على الاستحباب، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، حيث ورد فيه الأمر بالتجافي و عدم التمكّن من القعود حين يتشهّد الإمام. و في «الجواهر»: بل قد يؤيّد ذلك كلّه استمرار السيرة في الأعصار و الأمصار على الدخول في الجماعة، من غير سؤال عن أنّ الإمام في الأوّلتين أو الأخيرتين كي يقرأ و لا يقرأ، معتضدة بخلوّ الفتاوى و النصوص؛ و سيّما أخبار الباب و أخبار التقدّم إلى الصفّ و التأخّر عنه و أخبار الحثّ على الدخول في الجماعة و غيرها عن التعرّض لوجوب هذا السؤال. بل في الصحيح أنّه إذا لم يدر المستناب المسبوق كم صلّى الإمام ذكره من خلفه، إلّا أن يحمل على النسيان و نحوه ممّا لا ينافي ذلك، كاستمرار السيرة على الدخول في الجماعة من غير اختبار حاله من تمكّن قراءة الحمد و عدمه. مع أنّه إذا لم يعلم أو علم العدم لا يجوز له الدخول(جواهر الكلام 14: 43.) ، انتهى. و يرد على الوجه الأوّل: أنّ الظاهر من ضمان الإمام قراءة المأموم فيما كان المأموم دخل في الجماعة في الركعة الاولى أو الثانية اللتين يقرأ الإمام فيهما. و على الوجه الثاني: أنّ اشتمال الخبر على المندوب أو المكروه لا يوجب حمل جميع ما ورد من الأوامر على الاستحباب و النواهي على الكراهة. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد أن وجّه القول بالحمل على الاستحباب بوجوه عديدة أجاب عنها بقوله: لكن الجميع- كما ترى- قاصر عن معارضة تلك الأخبار الكثيرة جدّاً ... إلى آخر ما ذكره، فراجعه(جواهر الكلام 14: 45.) و لحق به في الركوع؛ لوجوب متابعة المأموم الإمام، و لصحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام: «فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته امّ الكتاب» ، و به يقيّد إطلاق الأمر الوارد بقراءة السورة. هنا فرع ذكره النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» قال: لو أدرك بعض السورة فليس عليه قراءته، إلّا أنّ موثّقة الساباطي- عن الرجل يدرك الإمام و هو يصلّي أربع ركعات و قد صلّى الإمام ركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و يدخل معه و يقرأ خلفه في الركعتين، يقرأ في الأوّل الحمد و ما أدرك من سورة الجمعة و يركع مع الإمام، و في الثانية الحمد و ما أدرك من سورة المنافقين و يركع مع الإمام» - تدلّ على استحباب قراءة البعض أيضاً، و هو كذلك؛ لذلك. و لا ينافيه الصحيحة- أي صحيحة زرارة المتقدّمة: «فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته امّ الكتاب» - لأنّ الإجزاء لا يفيد أزيد من الرخصة، لو اريد الوجوب لحصلت المنافاة(مستند الشيعة 8: 149.)، انتهى. أو لا بل تجب عليه قراءة الحمد كملًا؟ قال جماعة من فقهائنا- منهم صاحب «الجواهر» رحمه الله- بوجوب المتابعة و ترك قراءة الحمد. و في «الجواهر»: قد عرفت أنّ الأقوى في النظر ترجيح مراعاة المتابعة في الركن على القراءة؛ لما سمعت، و لأنّها الجزء الأعظم في الجماعة؛ و لذا اغتفر لها زيادة الركن و نحوه، و لا يرد التخلّف للتشهّد- الذي هو أهون من القراءة، بل لا كلام في جواز المفارقة للعذر، و لا ريب في أنّ تأدية الواجب منه كالتشهّد- للفرق بينهما أوّلًا بالنصّ، ثانياً بأنّه ليس في التخلّف للتشهّد فوات ركن، على أنّه محتاج لزمان قليل، بل لعلّه لا يعدّ من المفارقة في مثل هذا التأخّر(جواهر الكلام 14: 49.) ، انتهى. و استدلّ بعضهم بوجوب المتابعة و ترك قراءة الحمد بالأمر بقضائه بعد الصلاة فيما لم يمهله الإمام. كما في صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هو أوّل صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال عليه السلام: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 5.) و بمفهوم الشرط في خبري «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «إذا سبق الإمام أحدكم بشي ء من الصلاة فليجعل ما يدركه مع الإمام أوّل صلاته، و ليقرأ فيما بينه و بين نفسه إن أمهله الإمام»(مستدرك الوسائل 6: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 38، الحديث 1.) و عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام و قد صلّى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أوّل صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب و سورة إن أمهلك الإمام أو ما أدركت إن تقرأ فاجعلها أوّل صلاتك»(مستدرك الوسائل 6: 490، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 38، الحديث 4.) و يرد على الاستدلال بالصحيح أوّلًا: أنّه لا يدلّ على وجوب ترك الحمد و الالتحاق بالإمام. و ثانياً: أنّ قضاء الحمد في آخر الصلاة مذهب العامّة. و على الاستدلال بمفهوم خبري «دعائم الإسلام»: أنّهما ضعيفان سنداً مع عدم جبره. و قال جماعة: إنّه تجب عليه قراءة الحمد؛ لصحيح زرارة المتقدّم: «أجزأته امّ الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 4.) ، و قوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) ثمّ إنّ الوجه في قوّة جواز إتمام القراءة و اللحوق بالسجود و كونه أحوط، و في جواز قصد الانفراد، بل وجوبه احتياطاً، ما ذكره السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»، قال: و هو- أي إتمام القراءة- الذي تقتضيه أدلّة وجوبها، و لا مجال لمعارضتها بدليل وجوب المتابعة- سواء كان مفاده شرطيتها في بقاء الائتمام في الصلاة، أم وجوبها النفسي، أم شرطيتها في صحّة الصلاة- لأنّ المتابعة بأيّ نحو اعتبرت إنّما تعتبر في الصلاة الصحيحة. فأدلّة الجزئية للصلاة و الشرطية مقدّمة على دليلها؛ فلا يكون دليل وجوب المتابعة مزاحماً لدليل وجوب القراءة، و لا وجوب غيرها من الأجزاء و الشرائط بوجه. و هكذا الحال في الموانع. إلّا أن يقوم دليل بالخصوص على سقوط الجزئية أو الشرطية أو المانعية؛ فيجب حينئذٍ إعمال دليل وجوب المتابعة. و لذا قوّى في «الجواهر» و غيرها وجوب المتابعة في المقام و ترك الفاتحة؛ لصحيح معاوية: عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هي أوّل صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى يقرأ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال عليه السلام: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 5.) إلى أن قال: و منه يظهر الإشكال في كون الإتمام أحوط بناءً على ما اختاره من وجوب المتابعة؛ إذ أنّه يلزم من الإتمام ترك المتابعة الواجبة. نعم هو أحوط بلحاظ صحّة الصلاة لا غير. نعم قصد الانفراد أحوط من حيث الوضع و التكليف معاً بناءً على جوازه، كما جزم به سابقاً. ثمّ إنّه لو بني على التزاحم بين وجوب القراءة و وجوب المتابعة وجب إعمال قواعد التزاحم بينهما من التخيير أو الترجيح. و يمكن أن يقال- حينئذٍ- بوجوب قصد الانفراد في نظر العقل؛ فراراً عن الابتلاء بالتزاحم بينهما و الوقوع في خلاف غرض الشارع؛ لعدم الفرق في القبح عند العقل بينه و بين تفويت الغرض بالمعصية(مستمسك العروة الوثقى 7: 284.) ، انتهى كلام «المستمسك». و لا يترك الاحتياط بقصد الانفراد.

ص: 539

الثانية: المأموم في الركعتين الأخيرتين كالمنفرد؛
الثالثة: من لم يدرك الإمام في الركعتين الاوليين و أدركه في إحدى الأخيرتين وجب عليه القراءة فيهما؛

ص: 540

ص: 541

ص: 542

الرابعة: لو لم يمهل الإمام لقراءة السورة اقتصر على الحمد و ترك السورة
الخامسة: لو لم يمهل الإمام لقراءة الحمد أو بعضها فهل تجب على المأموم المتابعة بترك قراءة الحمد،

ص: 543

ص: 544

ص: 545

(مسألة 6): لو أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها،

و يتابع الإمام في القنوت و التشهّد، و الأحوط التجافي فيه، ثمّ بعد القيام إلى الثانية تجب عليه القراءة فيها؛ لكونها ثالثة الإمام؛ سواء قرأ الإمام فيها الحمد أو التسبيح (1).


1- و الدليل على تحمّل الإمام قراءة المأموم فيما أدركه في الركعة الثانية صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه المتقدّم قال: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته و هي ثنتان لك»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 3.) و الدليل على تبعية الإمام في القنوت و التشهّد اللذين كانا مستحبّين للمأموم في ركعته الثانية، مع كون الإمام في الركعة الاولى، هو موثّق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام، فقنت الإمام، أيقنت معه؟ قال عليه السلام: «نعم، و يجزيه من القنوت لنفسه»(وسائل الشيعة 6: 287، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 17، الحديث 1.) و موثّق الحسين بن المختار و داود بن الحصين قال: سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام، فأدرك الثنتين فهي الاولى له و الثانية للقوم، يتشهّد فيها؟ قال: «نعم»، قلت: و الثانية أيضاً؟ قال: «نعم»، قلت: كلّهنّ؟ قال: «نعم، و إنّما هي بركة»(وسائل الشيعة 8: 416، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 66، الحديث 1.) و رواية إسحاق بن يزيد بن إسماعيل الطائي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك يسبقني الإمام بالركعة فتكون لي واحدة و له ثنتان، أ فأتشهّد كلّما قعدتُ؟ قال: «نعم، فإنّما التشهّد بركة»(وسائل الشيعة 8: 416، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 66، الحديث 2.) ، و سند الرواية ضعيف بسهل بن زياد. و أمّا التجافي حال تشهّد الإمام فقال جماعة من فقهائنا- منهم الصدوق و ابن إدريس و ابنا زهرة و حمزة و الحلبي- بوجوبه، و قوّاه في «الرياض» و «الجواهر»، قال في «الجواهر»: إنّ وجوبه لا يخلو من قوّة، من غير فرق فيه بين تشهّد الإمام أو تسليمه(جواهر الكلام 14: 50.) ، انتهى. و استدلّوا له بصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام و هي له الاولى، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: «يتجافى و لا يتمكّن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام فليلبث قليلًا بقدر ما يتشهّد ثمّ ليلحق بالإمام»(وسائل الشيعة 8: 418، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 67، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه يتجافى و أقعى إقعاءً و لم يجلس متمكّناً»(وسائل الشيعة 8: 418، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 67، الحديث 2.) و قال أكثر فقهائنا باستحبابه؛ و ذلك لإطلاق الجلوس في عبائرهم، و حملًا للأمر الوارد بالتجافي على الندب. و لم يقيّدوا القعود المذكور في رواية إسحاق بن يزيد المتقدّم: «أ فأتشهّد كلّما قعدت؟»؛ به لكونه الفرد الخفي الآبي عن حمل المطلق عليه. و اختلف فقهاؤنا في استحباب التشهّد للمأموم حال التجافي؛ فقال جماعة- منهم العلّامة في «المنتهى» و الشهيد في «الذكرى» و «البيان» و صاحب «الرياض»- باستحبابه. و استدلّوا له بموثّقة الحسين بن المختار و داود بن الحصين و رواية إسحاق بن يزيد المتقدّمتين. و قال السيّد أبو المكارم بن زهرة في «الغنية» و الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» و الحلبي و ابن حمزة و العلّامة في «التحرير» بأنّه يسبّح من غير تشهّد. و في «الجواهر»: و لم نعرف لهم شاهداً على ذلك و إن كان هو أحوط. أقول: لم أعرف وجهاً للاحتياط، إلّا كونه ذكراً حسناً في كلّ حال من الصلاة. و يدلّ على وجوب القراءة على المأموم في الثانية له بعد القيام إليها صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه المتقدّم: «قرأت في الثالثة من صلاته و هي ثنتان لك»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 3.) ، و إن كان الإمام قرأ الحمد؛ لأنّ حمده في الثالثة لا يسقط قراءة المأموم في ثانيته؛ لأنّه يضمن و يتحمّل في الاوليين، كما مرّ.

ص: 546

ص: 547

ص: 548

(مسألة 7): إذا قرأ المأموم خلف الإمام وجوباً-

كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين- أو استحباباً- كما في الاوليين من الجهرية- إذا لم يسمع صوت الإمام، يجب عليه الإخفات و إن كانت الصلاة جهرية (1).


1- و الدليل على وجوب إخفات القراءة على المأموم فيما وجبت عليه القراءة- كما فيما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين- هو صحيح زرارة المتقدّم: «إن أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 4.) ، هذا بناءً على كون المراد من القراءة في النفس الإخفاء بها، كما شاع التعبير به عنها في الأخبار، لا القراءة القلبية؛ لعدم وجوبها إجماعاً. و أمّا وجوب الإخفات في القراءة المستحبّة- كما في الاوليين من الجهرية مع عدم سماع المأموم صوت الإمام؛ حتّى همهمته- فيدلّ عليه صحيح قتيبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 7.) و موثّق سماعة في حديث قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 10.) و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»- بعد الاستظهار من أدلّة مشروعية القراءة أو استحبابها اتّحاد قراءة المأموم مع قراءة المنفرد في جميع الخصوصيات الراجعة إلى المادّة و الهيئة؛ حتّى الجهر و الإخفات- قال: ربّما يستفاد وجوب الإخفات ممّا يأتي في المسبوق- أي من صحيح زرارة: «قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة» - بدعوى كون المفهوم منه أنّ ذلك من أحكام الجماعة مطلقاً بلا خصوصية لمورده، و هو غير بعيد(مستمسك العروة الوثقى 7: 289.) ، انتهى. و فيه: أنّه مع وجود الدليل على وجوب الإخفات في المسألة- كصحيح قتيبة و موثّق سماعة- لا حاجة إلى الاستدلال بما يأتي في المسبوق كي يحتاج إلى إلغاء خصوصية مورده. و النراقي رحمه الله قال في «مستند الشيعة» بالتخيير بين الجهر و الإخفات. و علّله بقوله: إذ لا يجري أدلّة الجهر في جميع مواضعه- التي منها هنا- إلّا بالإجماع المركّب، و تحقّقه هنا غير معلوم(مستند الشيعة 8: 150.) ، انتهى. و فيه: أنّه مع وجود الدليل على وجوب الإخفات- كصحيح قتيبة و موثّق سماعة- لا وجه للقول بالتخيير.

ص: 549

ص: 550

(مسألة 8): لو أدرك الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه، وجبت عليه القراءة

و إن لم يمهله ترك السورة، و لو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة، فالأحوط عدم الدخول إلّا بعد ركوعه، فيحرم و يركع معه، و ليس عليه القراءة حينئذٍ (1).

(مسألة 9): تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال؛

بمعنى أن لا يتقدّم فيها عليه و لا يتأخّر عنه تأخّراً فاحشاً (2).


1- قد مرّ تفصيل البحث في وجوب قراءة الحمد و السورة على المأموم فيما لو أدرك الإمام في الأخيرتين مع الإمهال. و إن لم يمهله ترك السورة و اكتفى بالحمد، فراجعه. و لو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة فالأحوط عدم الإحرام إلّا حين ركوعه، أو بعد ركوعه و قبل رفع رأسه. و منشأ الاحتياط: أنّه مع الدخول معه قبل الركوع يلزم ترك المتابعة على تقدير إتمام القراءة أو ترك الفاتحة في أثنائها على تقدير المتابعة؛ فللاحتراز عن التركين المذكورين يحرم و يركع معه، هذا. و لكن بناءً على جواز قصد الانفراد يجوز له مع العلم المذكور أن يحرم قبل الركوع ائتماماً، و يقرأ و يقصد الفرادى حين ركع الإمام؛ و حينئذٍ يكون الاحتياط المذكور استحبابياً.
2- وجه وجوب متابعة الإمام على المأموم في الأفعال و عدم تقدّمه عليه فيها و لا تأخّره عنه تأخّراً فاحشاً، هو الإجماع بقسميه المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا، كالمحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهى» و الشهيد في «الذكرى» و صاحب «المدارك» و غيرهم. و يدلّ عليه النبويان المحكيان(راجع مستند الشيعة 8: 94، الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 7: 376.) عن «مجالس» الصدوق المنجبران برواية الأصحاب في كتبهم، بل و عملهم به؛ و هما قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به؛ فإذا كبّر فكبّروا و إذا ركع فاركعوا و إذا سجد فاسجدوا» ، و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «أما يخشى الذي يرفع رأسه و الإمام ساجداً أن يحوّل اللَّه رأسه رأس حمار؟!». و تشعر بوجوب المتابعة في الأفعال الأخبار الآمرة بعود المأموم لو رفع رأسه قبل الإمام من الركوع و السجدة و إن حصل مع ذلك زيادة ركن، كصحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد بركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 3.) و صحيح الفضيل بن يسار أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ثمّ رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد»(وسائل الشيعة 8: 390، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 1.) و موثّق ابن فضّال قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به، فيركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام، أ يفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ صلاته، و لا تفسد صلاته بما صنع»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 4.) و يشعر به أيضاً الأخبار الآمرة باشتغال المأموم بالذكر و التسبيح و التمجيد إذا فرغ قبل الإمام انتظاراً لركوع الإمام حتّى يركع معه، كموثّق زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: «ابق آية و مجّد اللَّه و أثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع»(وسائل الشيعة 8: 370، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 35، الحديث 1.) و مرسل إسحاق بن عمّار عمّن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام قال: اصلّي خلف من لا أقتدي به، فإذا فرغت من قراءتي و لم يفرغ هو، قال: «فسبّح حتّى يفرغ»(وسائل الشيعة 8: 370، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 35، الحديث 2.) و موثّق عمر بن أبي شعبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: «فأتمّ السورة و مجّد اللَّه و أثن عليه حتّى يفرغ»(وسائل الشيعة 8: 370، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 35، الحديث 3.)

ص: 551

ص: 552

و أمّا في الأقوال فالأقوى عدم وجوبها عدا تكبيرة الإحرام؛ فإنّ الواجب فيها عدم التقدّم و التقارن، و الأحوط عدم الشروع فيها قبل تمامية تكبيرة الإحرام؛ من غير فرق فيما ذكر بين المسموع من الأقوال و غيره؛ و إن كانت أحوط في المسموع و في خصوص التسليم (1).


1- لا خلاف في وجوب متابعة الإمام على المأموم في تكبيرة الإحرام، و ادّعى في «الروض» و «الحدائق» و «الرياض» الإجماع عليه. و لا يصدق الاقتداء مع فرض سبق المأموم على الإمام بتكبيرة الإحرام، و لا يبعد إلحاق المقارنة بالسبق بها في الفساد اقتصاراً في العبادة التوقيفية على المتيقّن. فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم الشروع فيها قبل تمامية تكبيرة الإحرام للإمام؛ لما ذكر في النبوي المتقدّم: «فإذا كبّر فكبّروا» ، حيث رتّب تكبير المأمومين بتكبير الإمام بالفاء. و لما رواه في «المجالس» عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم و أقيموها و سوّوا الفرج، و إذا قال إمامكم: اللَّه أكبر فقولوا: اللَّه أكبر، و إذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهمّ ربّنا و لك الحمد»(وسائل الشيعة 8: 423، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 70، الحديث 6.) و ما ورد في بعض الأخبار من أنّه لا يكبّر إلّا مع الإمام، كما في الصحيح عن «قرب الإسناد» عن موسى بن جعفر عليهما السلام في الرجل يصلّي، أله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال: «لا يكبّر إلّا مع الإمام»(وسائل الشيعة 3: 101، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 16، الحديث 1.) ، محمول على نفي تقدّمه عليه في التكبير، أو محمول على التقية؛ لقول أبي حنيفة بجواز المقارنة. و أمّا في غير تكبيرة الإحرام من الأقوال فالأقوى عدم وجوب المتابعة؛ للأصل و إطلاقات الجماعة، خرج منها الأفعال و بقي الأقوال، من غير فرق بين الواجب منها و المندوب، و المسموع منها من الإمام و غيره؛ و ذلك للإطلاق. و إن كان الأحوط المتابعة في المسموع؛ لشبهة خلاف من قال بوجوبها فيه، و هو الأحوط في خصوص التسليم؛ لما ذكره في «الجواهر» من قوله: مراعاةً لعدم خروج المأموم عن الصلاة قبل خروج الإمام كما يومئ إليه ما عن جماعة من تقييد جواز تسليمه بالعذر أو بقصد الانفراد(جواهر الكلام 13: 209.)، انتهى. و لكن المستفاد من بعض الروايات المعتبرة جواز تسليم المأموم قبل الإمام مطلقاً، كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، قال: «يسلّم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحبّ»(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 3.) و صحيح أبي المعزا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلّي خلف إمام فسلّم قبل الإمام، قال: «ليس بذلك بأس»(وسائل الشيعة 8: 414، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 4.)

ص: 553

ص: 554

و لو ترك المتابعة فيما وجبت فيه عصى، و لكن صحّت صلاته و جماعته أيضاً، إلّا فيما إذا ركع حال اشتغال الإمام بالقراءة في الاوليين منه و من المأموم؛ فإنّ صحّة صلاته- فضلًا عن جماعته- مشكلة، بل ممنوعة. كما أنّه لو تقدّم أو تأخّر فاحشاً على وجه ذهبت هيئة الجماعة، بطلت جماعته فيما صحّت صلاته (1).


1- المشهور بين أصحابنا: أنّ وجوب المتابعة فيما وجبت فيه تعبّدي، و ليست من شرائط صحّة الصلاة، و لا من شرائط الجماعة. فترك المتابعة موجب للعصيان، و لا يوجب بطلان الصلاة و لا بطلان الجماعة و ارتفاع أحكامها. و في «المدارك» نسبه إلى الأصحاب، و هو الظاهر من العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام» و المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان». و في «الجواهر»- بعد تأييده الإجماع بقوله: لعلّه كذلك؛ لاتّفاق ما وصل إلينا من فتاوى أساطين الأصحاب، من غير خلاف أجده فيه بينهم- وجّه قول الصدوق: إنّ من المأمومين من لا صلاة له؛ و هو الذي يسبق الإمام في ركوعه و سجوده و رفعه، و قول الشيخ في «المبسوط»: و من فارق الإمام بغير عذر بطلت صلاته، بما خلاصته: أنّ الظاهر من قول الصدوق: «لا صلاة له» نفي فضيلة الجماعة رأساً، بقرينة ذيل قوله: «و منهم من له صلاة واحدة؛ و هو المقارن له في ذلك، و منهم من له أربع و عشرون ركعة؛ و هو الذي يتبع الإمام في كلّ شي ء»، و أنّ الظاهر من قول «المبسوط» المفارقة الانفرادية بغير عذر لا ما نحن فيه(جواهر الكلام 13: 210.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه لا تبطل صلاة المأموم و جماعته بترك المتابعة فيما وجبت فيه، إلّا فيما إذا ركع حال اشتغال الإمام بالقراءة في الاوليين منه و من المأموم؛ فإنّ صحّة صلاته- فضلًا عن جماعته- ممنوعة. و وجه المنع: أنّ القراءة ساقطة عن المأموم بضمان الإمام قراءته لا مطلقاً؛ فهو ترك قراءة نفسه و بدلها. و أمّا بطلان الجماعة فيما تقدّم أو تأخّر فاحشاً موجباً لذهاب هيئة الجماعة، فلمنافاة التفاوت الفاحش بينهما للائتمام عرفاً.

ص: 555

(مسألة 10): لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم تكبيره كان منفرداً،

فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة و أتمّها ركعتين (1).


1- لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم تكبيره و توجّه أنّ الإمام لم يحرم لا يجوز له قطع الصلاة، و لا الانتظار حتّى يحرم الإمام؛ و ذلك لامتناع حصول القدوة للمصلّي من قبل أن يتلبّس الإمام بالصلاة؛ و حينئذٍ فإن أراد اللحوق بالجماعة عدل إلى النافلة و أتمّها ركعتين، و يجوز البناء على قطع النافلة بعد العدول إليها و اللحوق بالجماعة، و سيأتي تفصيل البحث فيه في ضمن المسألة الخامسة عشر.

ص: 556

(مسألة 11): لو رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً أو لزعم رفع رأسه، وجب عليه العود و المتابعة،

و لا يضرّ زيادة الركن حينئذٍ.

و إن لم يعد أثم و صحّت صلاته إن كان آتياً بذكرهما و سائر واجباتهما، و إلّا فالأحوط البطلان، و أحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة (1).


1- وجوب العود على المأموم و المتابعة للإمام فيما رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً أو نسياناً أو لزعم رفع رأسه مشهور بين الأصحاب. و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كصحيح الفضيل بن يسار أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ثمّ رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد»(وسائل الشيعة 8: 390، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 1.) و رواية محمّد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عمّن يركع مع إمام يقتدي به ثمّ رفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد ركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 390، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 2.) و صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد بركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 3.) و موثّق ابن فضّال عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: أسجد مع الإمام فأرفع رأسي قبله، اعيد؟ قال: «أعد و اسجد»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 5.) و بعض الأخبار يدلّ على عدم جواز العود إلى الركوع لمن رفع رأسه قبل الإمام، كما في موثّق غياث بن إبراهيم، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه معه؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 6.) و قد حمل الشيخ رحمه الله هذا الموثّق على من تعمّد رفع رأسه قبل الإمام؛ جمعاً بينه و بين الأخبار المستفيضة الدالّة على الجواز المحمولة على من رفع رأسه قبل الإمام سهواً أو نسياناً، و أورد على هذا الجمع بأنّه ارتكاب على التأويل في كلا المتعارضين بلا شاهد. و الحقّ أن يقال: إنّ الشهرة أو الإجماع على الرجوع و العود في السهو دون العمد مرجّح للأخبار المستفيضة؛ فيسقط الموثّق عن الحجّية. و قال جماعة: إنّ مقتضى الجمع العرفي هو حمل الأخبار المستفيضة على الاستحباب، و موثّق غياث على مجرّد نفي الوجوب و الإذن في الترك الغير المنافي لاستحباب العود، و هو جمع مقبول؛ و لذا اختار العلّامة رحمه الله في «التذكرة» و «نهاية الإحكام» استحباب العود، و مال إليه صاحب «المدارك». و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بعد نفي البأس عن هذا الجمع المقبول عرفاً، قال: فإذا ظهر لنا إمكان الجمع العرفي بينهما بالحمل على الفضيلة و الرخصة كان هو المتعيّن(مستمسك العروة الوثقى 7: 270.) و فيه: أنّ الالتزام بهذا الجمع من حيث مخالفته للمشهور مشكل، و الشهرة مسقطة لموثّق غياث عن الحجّية. ثمّ إنّه لا يضرّ زيادة الركن بالعود إلى الركوع أو السجدتين عمداً فيما رفع رأسه قبل الإمام سهواً؛ لأنّها مغتفرة في الجماعة بالنصوص المستفيضة المتقدّمة. و إذا وجب العود فإن خالف و لم يعد فهل تبطل صلاته، أو أنّه أثم و صحّت صلاته؟ وجهان بل قولان: وجه البطلان: أنّ الظاهر من الأمر بالعود هو الوجوب الشرطي، و أنّ الصلاة المأمور بها جماعة اعتبر في ماهيتها وجوب العود إلى الركوع و السجدة شرطاً على من رفع رأسه سهواً أو نسياناً، و هذا لا ينافي كون أصل المتابعة من حيث هي مع قطع النظر عن خصوص المورد واجباً تعبّدياً. و وجه كونه آثماً مع صحّة صلاته و جماعته هو: أنّه واجب تعبّدي و تركه عمداً إثم. و ليس وجوبه شرطاً للصلاة و لا للجماعة عند المشهور المختار؛ فلا يكون تركه قادحاً في صحّة الجماعة، فضلًا عن الصلاة. هذا فيما لو كان آتياً بالذكر و سائر واجبات الركوع و السجدة. و إلّا فالأحوط بطلان الصلاة؛ لبقاء المحلّ على إتيان الذكر بالعود إلى الركوع تبعاً للإمام، و أحوط منه الإتمام؛ لاحتمال الاكتفاء بالركوع المأتي ثمّ الإعادة؛ لما ذكر من احتمال بطلان الصلاة مع بقاء المحلّ على تدارك الذكر.

ص: 557

ص: 558

ص: 559

و لو رفع رأسه قبله عامداً أثم و صحّت صلاته لو كان ذلك بعد الذكر و سائر الواجبات، و إلّا بطلت صلاته إن كان الترك عمداً. و مع الرفع عمداً لا يجوز له المتابعة، فإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية، و إن تابع سهواً فكذلك لو زاد ركناً (1).


1- وجه الإثم و صحّة صلاته فيما رفع رأسه عمداً مع إتيان الذكر و سائر واجبات الركوع و السجدة، هو ترك الواجب التعبّدي الغير المشروط صحّة الصلاة به، فتركه إثم و صلاته صحيحة. فلو ترك الذكر أو سائر واجباتهما بطلت صلاته، لا للرفع قبل الإمام، بل لإخلاله بالذكر الواجب عمداً، و مع الإخلال به أو بسائر واجباتهما سهواً لا تبطل صلاته بلا ريب. و لو رفع رأسه عمداً مع إتيان الذكر و قلنا بصحّة صلاته مع كونه آثماً، فلا يجوز له المتابعة؛ فإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية، و هذه الزيادة ليست مغتفرة. و كذا تبطل فيما تابع سهواً لو زاد ركناً كالركوع و السجدتين؛ و ذلك لشمول أدلّة قادحية زيادة الركن. و أمّا في السجدة الواحدة فلا؛ لعدم قدح زيادتها سهواً. فرع: إذا رفع رأسه قبل الإمام سهواً مع نسيان الذكر فلا ريب في عدم بطلان الصلاة؛ و حينئذٍ لو عاد إلى الركوع- مثلًا- تحصيلًا للمتابعة ففي وجوب الذكر عليه- لرجوعه إلى محلّه بتنزيل الركوعين منزلة الركوع الواحد- و عدم وجوبه- لخروجه عن محلّه و حصول ركوع الصلاة الذي كان يجب فيه الذكر لو ذكر؛ و لذا لا يجوز له أن يرجع لتدارك الذكر لو لحقه الإمام؛ فالرجوع ثانياً تكليف مستقلّ للركوع الآخر غير الأوّل الذي وجب فيه الذكر، و هذا التكليف مستفاد من أدلّة وجوب التبعية- وجهان: أوّلهما أحوط و لا يخلو من قوّة؛ لأنّ المتبادر من الأمر بالعود هو العود إلى ما كان من الركوع و السجدة، و الأمر به لإلغاء ما حدث في الأثناء من رفع الرأس سهواً.

ص: 560

(مسألة 12): لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهواً،

ثمّ عاد إليه للمتابعة، فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع، لا يبعد بطلان صلاته، و الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة (1).

(مسألة 13): لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة،

فتخيّل أنّها الاولى، فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية، ففي احتسابها ثانية إشكال لا يترك الاحتياط بالإتمام و الإعادة (2).


1- وجه البطلان في المسألة: أنّه قد زاد ركناً من غير أن تكون الزيادة للمتابعة. و ليست هذه الزيادة مغتفرة؛ لأنّ المغتفر هو الركوع المأتي به المتحقّق به المتابعة بدرك المأموم الإمام في الركوع معه، و هو الظاهر من صحيح علي بن يقطين المتقدّم و غيره قال: «يعيد بركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 3.) و يمكن أن يقال: إنّ الركوع المأتي به لم يقصد به كونه جزءاً مستقلّاً، بل المقصود به مجرّد المتابعة لا غير؛ فالأحوط حينئذٍ الإتمام ثمّ الإعادة.
2- لو رفع رأسه من السجدة الاولى فرأى الإمام في السجدة و تخيّل أنّها الاولى للإمام فعاد إليها بقصد المتابعة فبان أنّها كانت ثانية للإمام، ففي احتسابها ثانية للمأموم إشكال. وجه احتسابها ثانية: أنّ المفروض اتّفاق تحقّق ما أتى به ثانياً مع الثانية من الإمام كالأُولى منهما؛ فمتابعة المأموم للإمام حاصلة في الواقع في كلّ من السجدتين، إلّا أنّ المأموم اشتبه في التطبيق، و هو غير مضرّ بامتثال الأمر بالمتابعة في الواقع. و وجه عدم الاحتساب: أنّ المأتي به ثانياً من المأموم ليس بقصد الجزئية حتّى يحتسب سجدة ثانية له؛ فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة بعد إتيان سجدة المتابعة ثمّ الإعادة.

ص: 561

و لو تخيّل أنّها الثانية فسجد اخرى بقصدها فبان أنّها الاولى، حسبت ثانية، فله قصد الانفراد و الإتمام، و لا يبعد جواز المتابعة في السجدة الثانية و جواز الاستمرار إلى اللحوق بالإمام، و الأوّل أحوط، كما أنّه مع المتابعة إعادة الصلاة أحوط (1).


1- لو رفع رأسه عن السجدة الاولى و تخيّل أنّ الإمام في السجدة الثانية فسجد اخرى بقصد الثانية تبعاً للإمام، حسبت ثانية؛ لكونها مأتيّاً بها بقصد الثانية، إلّا أنّه اشتبه في تخيّل أنّ الإمام في السجدة الثانية فقد أتى المأموم كلتا سجدتيه بقصد الجزئية من الصلاة، و الإمام أتى الاولى منهما؛ و حينئذٍ فللمأموم قصد الانفراد و الإتمام. و لا يبعد أن تحسب السجدة الثانية من المأموم متابعة، إلّا أنّه اشتبه في أنّ الإمام في الثانية؛ فيجوز له أن يسجد مع السجدة الثانية للإمام و يتبعه، و يكون للمأموم ثلاث سجدات، كما أنّه يجوز له الاستمرار في سجدته الثانية إلى أن يلحقه الإمام. و الأوّل- أي قصد الانفراد و الإتمام- أحوط، كما أنّه مع المتابعة في السجدة الثانية للإمام إعادة الصلاة أحوط.

ص: 562

(مسألة 14): لو ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة،

و إن كان سهواً فوجوبها- بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود- لا يخلو من وجه، و إن لا يخلو من إشكال، و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (1).

(مسألة 15): لو كان مشتغلًا بالنافلة، فاقيمت الجماعة و خاف عدم إدراكها، استحبّ قطعها

(2).


1- وجه عدم جواز المتابعة فيما لو ركع أو سجد قبل الإمام عمداً هو لزوم الزيادة العمدية، و هذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة. و لو ركع أو سجد قبل الإمام سهواً فوجوب المتابعة بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود لا يخلو من وجه. و وجهه موثّق ابن فضّال قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به، فيركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام، أ يفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ صلاته، و لا تفسد صلاته بما صنع»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 4.) ، هذا بناءً على إلغاء خصوصية الظنّ و شموله لمطلق المعذور، و التعدّي عن مورده- و هو الركوع- إلى السجود بالأولوية و عدم القول بالفصل. و وجه الإشكال: أنّ غاية ما يدلّ عليه الموثّق المزبور هو عدم فساد الصلاة برفع رأسه عن الركوع و العود إليه مع الإمام، و لا تعرّض فيه لوجوب المتابعة؛ فله أن يستمرّ الركوع أو السجود حتّى يلحقه الإمام، و هو الوجه في الاحتياط بالإعادة.
2- استحباب قطع النافلة لإدراك الجماعة إجماعي في الجملة. و يدلّ عليه صحيح عمر بن يزيد سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرواية التي يروون: أنّه لا يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال عليه السلام: «إذا أخذ المقيم في الإقامة»، فقال له: إنّ الناس يختلفون في الإقامة، فقال له عليه السلام: «المقيم الذي يصلّي معه»(وسائل الشيعة 5: 452، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 44، الحديث 1.) . و رواية «الفقه الرضوي»: «و إن كنت في صلاة نافلة و اقيمت الصلاة فاقطعها و صلّ الفريضة مع الإمام»(مستدرك الوسائل 6: 496، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) ثمّ إنّ عبارة الفقهاء في بيان هذه المسألة- من حيث تقييد قطع النافلة بخوف فوت الجماعة- و في وقت الفوت مختلفة؛ ففي «الخلاف»: إذا ابتدأ الإنسان بصلاة النافلة ثمّ أحرم الإمام بالفرض فإن علم أنّه لا يفوت الفرض تمّم نافلته و إن علم أنّه تفوته الجماعة قطعها. و في «فقه الرضا»: أنّه يقطعها إذا اقيمت الصلاة من دون تقييد خوف الفوت، و هو المنقول عن والد الصدوق رحمه الله، و استحسنه في «المسالك». و في «الشرائع»: إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها و استأنف إن خشي الفوت. و في «الإرشاد» و «الروض»: أنّه يقطعها إذا دخل الإمام في الصلاة. و في «المدارك»: أنّ المراد فوات ركعة. و في «الذخيرة»: لا فرق بين فوات كلّ الصلاة و فوات الركعة. و عن المحقّق الثاني: أنّ المراد فوات القراءة. و في «المسالك»: يحتمل أن يراد من عبارة «الشرائع» فوات الائتمام بأجمعه؛ فلو أدرك آخر الصلاة لم يستحبّ القطع و أن يراد فوات الركعة الاولى. و في «مجمع البرهان»: أنّ المراد بالدخول الدخول في الصلاة بتكبيرة الإحرام؛ إذ مجرّد الدخول إلى مكان الصلاة لا يوجب ذلك، و يبعد فهم معنى آخر مثل الدخول في مندوباته مثل «قد قامت الصلاة». الظاهر من الإقامة في صحيح عمر بن يزيد إقامة الصلاة بالدخول فيها بتكبيرة الإحرام.

ص: 563

ص: 564

و لو كان مشتغلًا بالفريضة منفرداً استحبّ العدول إلى النافلة و إتمامها ركعتين إن لم يتجاوز محلّ العدول، كما لو دخل في ركوع الركعة الثالثة (1).


1- استحباب العدول من الفريضة إلى النافلة و إتمامها ركعتين لإدراك الجماعة مشهور بين الأصحاب، و نسبه في «التذكرة» و «المدارك» إلى علمائنا، و في «الذخيرة»: أنّه مقطوع به بين الأصحاب. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة، قال: «فليصلّ ركعتين ثمّ ليستأنف الصلاة مع الإمام، و ليكن الركعتان تطوّعاً»(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال: «إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلهما تطوّعاً و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلّي ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع؛ فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) و ما روي في «الفقه الرضوي»: «و إن كنت في فريضتك و اقيمت الصلاة فلا تقطعها و اجعلها نافلة، و سلّم في الركعتين ثمّ صلّ مع الإمام. و إن كان ممّن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك و لا تجعلها نافلة و لكن اخط إلى الصفّ و صلّ معه، و إذا صلّيت أربع ركعات و قام الإمام إلى رابعته فقم معه و تشهّد من قيام و سلّم عن قيام»(مستدرك الوسائل 6: 496، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) و يستفاد من هذه الأخبار أنّه يجوز للمصلّي قطع الفريضة بالعدول إلى النافلة و إن أمكنه إتمام الفريضة و إدراك الجماعة بالإعادة استحباباً. و عن «مجمع البرهان»: أنّه يتمّ فريضته ثمّ يعيدها جماعة استحباباً. و فيه: أنّ إتمام الفريضة ثمّ إعادتها جماعة ليس محلّاً للكلام. و في «الجواهر» بعد تضعيف ما عن «مجمع البرهان» علّله بقوله: ضرورة كون المدار في المقام تحصيل فضيلة تلك الصلاة جماعة، لا إدراك الجماعة كيف كان(جواهر الكلام 14: 39.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ قطع الفريضة لإدراك الجماعة منحصر في هذا الطريق؛ فليس للمصلّي قطعها بغير هذا الطريق و إن خاف الفوت. خلافاً للشهيد في «البيان» و «الدروس» و «الذكرى» حيث ذهب إلى أنّ الفريضة كالنافلة، و أنّه إن يمكنه النقل إلى النفل نقل و إن خاف الفوت قطعها. و هذا القول محكي عن القاضي و موضعين من «المبسوط»، و استحسنه في «المدارك» و «الذخيرة» و «الحدائق»، و مال إليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»، و علّلوا جوازه بأنّه استدراك لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان، و بأنّها بعد العدول صارت نافلة، و حكمها ذلك. و فيه أوّلًا: أنّ التعليل الأوّل مستلزم للقياس، و قطعها للأذان و كذا الإقامة له محلّ مخصوص؛ و هو ما لم يركع على المشهور؛ لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن و تقيم ثمّ ذكرت قبل أن تركع، فانصرف و أذّن و أقم و استفتح الصلاة. و إن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك»(وسائل الشيعة 5: 434، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 29، الحديث 3.) و ثانياً: أنّ جواز قطعها بعد العدول إلى النافلة لا يستلزم الجواز مطلقاً، بل يستفاد من انحصار الطريق في ذلك في الأخبار أنّه لا يجوز غيره. و لا يخفى أيضاً: أنّ الظاهر من النصوص المذكورة في المسألة جواز النقل من الفريضة إلى النافلة و إتمامها ركعتين قبل انعقاد الجماعة؛ و ذلك للإطلاق فيها، حيث إنّ قوله عليه السلام: «ثمّ ليستأنف الصلاة مع الإمام»، و كذا قوله عليه السلام: «و ليدخل مع الإمام في صلاته» مطلق شامل للدخول معه من أوّل الصلاة. و الظاهر منها أيضاً: أنّ محلّ العدول قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، و هذا في غير الثنائية. و في «الجواهر»: و قضية الاحتياط و الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن عدم التعدّي منه إلى غيره؛ حتّى لو كان في قيام الثالثة قبل أن يركع؛ ضرورة أصالة عدم جواز العدول؛ فيستمرّ حينئذٍ إلى إتمام فرضه(جواهر الكلام 14: 40.) ثمّ إنّه لو علم بعدم إدراك الجماعة بعد النقل إلى النافلة و إتمامها ركعتين لم يجز له النقل إليها. و لو عدل إلى النافلة فبان له أنّه لا يدرك الجماعة فهل يتمّها نافلة، أو يرجع عن نية النافلة إلى النية السابقة؟ وجهان بل قولان، اختار أوّلهما الشهيد الثاني في «الروض»، و حكي الثاني عن «مجمع البرهان». وجه الأوّل: أنّه ليس من موارد جواز العدول، و عدم الدليل عليه دليل على عدم مشروعيته. و وجه الثاني: أنّ نية النقل إلى النفل في أثناء الفريضة لمّا لم تقع في محلّها تكون كالعدم و غير منافية للفرض. و في «الجواهر»: بل هي في الحقيقة كالعزم على إرادة التسليم على الركعتين؛ أي في الثلاثية و الرباعية(نفس المصدر: 39.)

ص: 565

ص: 566

ص: 567

ص: 568

القول في شرائط إمام الجماعة

اشارة

و يشترط فيه امور: الإيمان (1).


1- اشتراط الإيمان بالمعنى الأخصّ- الذي به يكون الإنسان إمامياً- ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، بل هو مجمع عليه بكلا قسميه، و المنقول منه مستفيض بل متواتر. و المراد بالإيمان المذكور هو الاعتراف بإمامة أئمّتنا الاثني عشر عليهم السلام؛ فلا تصحّ الائتمام خلف المخالف، و لا من وقف على أحد أولادهم، كالزيدية و الإسماعيلية و الفطحية و الواقفية و غيرهم؛ إذ إنكار بعضهم كإنكار الجميع. و في «الجواهر»: و لا ريب في تحقّق الكفر الموجب للخلود في جهنّم، و فيه أيضاً: بل قد يندرج في ذلك أيضاً أهل العقائد الفاسدة من الغلوّ و التجسيم و التجبير و التكذيب بقدر اللَّه، بناءً على تحقّق الكفر بها(جواهر الكلام 13: 274.) ، انتهى. و الدليل على اشتراط الإيمان صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة خلف المخالفين، فقال: «ما هم عندي إلّا بمنزلة الجدر»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 1.) و رواية علي بن سعد البصري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي نازل في قوم بني عدي و مؤذّنهم و إمامهم و جميع أهل المسجد عثمانية يبرءون منكم و من شيعتكم، و أنا نازل فيهم، فما ترى في الصلاة خلف الإمام؟ فقال عليه السلام: «صلّ خلفه و احتسب بما تسمع، و لو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار و أخبرته بما أفتيتك، فتأخذ بقول الفضيل و تدع قولي»، قال عليّ: فقدمتُ البصرة فأخبرتُ فضيلًا بما قال، فقال: هو أعلم بما قال، و لكنّي قد سمعته و سمعت أباه يقولان: «لا تعتدّ بالصلاة خلف الناصبي، و اقرأ لنفسك كأنّك وحدك»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 4.) و مكاتبة محمّد بن أبي عبد اللّه البرقي أنّه قال: كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أ يجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك و جدّك؟ فأجاب: «لا تصلّ وراءه»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 5.) و مرسل خلف بن حمّاد بن ياسر عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجهول، و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصداً»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 6.) و رواية إسماعيل بن مسلم أنّه سأل الصادق عليه السلام خلف رجل يكذب بقدر اللَّه- عزّ و جلّ- قال: «ليعد كلّ صلاة صلّاها خلفه»(وسائل الشيعة 8: 311، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 8.) و مكاتبة علي بن مهزيار قال: كتبتُ إلى محمّد بن علي الرضا عليه السلام: اصلّي خلف من يقول بالجسم و من يقول بقول يونس، فكتب عليه السلام: «لا تصلّوا خلفهم، و لا تعطوهم من الزكاة، و أبرءوا منهم برئ اللَّه منهم»(وسائل الشيعة 8: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 10.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون- لعنه اللَّه- قال: «لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 11.) ، و غيرها من روايات الباب. و يدلّ عليه أيضاً: الأخبار الدالّة على عدم جواز الصلاة خلف الفاسق، حيث إنّه لا فسق أعظم من عدم الإيمان، و هي تدلّ أيضاً على عدم جواز الصلاة خلف من ينسب إلى اللَّه تعالى ما لا يناسب شأنه؛ لكونه من أكبر الكبائر.

ص: 569

ص: 570

و طهارة المولد (1).


1- و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال:» و عدّ منهم «المجنون و ولد الزنا»(وسائل الشيعة 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلّين أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا ...»(وسائل الشيعة 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 2.) الحديث. و لا يخفى: أنّه قد اختلف تعابير الفقهاء في هذا الشرط: فمنهم من عبّر بطهارة المولد كما في «القواعد» و «الشرائع» و «المختصر النافع» و «المدارك» و «مستند الشيعة». و قد فسّره جماعة كثيرة من فقهائنا بأن لا يعلم كونه ولد زنا؛ ففي «مفتاح الكرامة»: و معنى طهارة المولد- كما نصّ عليه كثير منهم- أن لا يعلم كونه ولد زنا، انتهى. و منهم من عبّر بأن لا يكون ولد زنا، و هو المعبّر به في النصوص. و مقتضى التعبير الأوّل عدم جواز الائتمام في صورة الشكّ؛ لأصالة عدم طهارة المولد، بخلاف التعبير الثاني؛ لأصالة عدم كونه عن زنا، بناءً على جريان الأصل في العدم الأزلي، هذا. و لكن لا فرق بين التعبيرين عند المتشرّعة، حيث كان مرادهم من طهارة المولد أن لا يعلم كونه عن زنا؛ فيجب الحكم به عند الشكّ؛ لأصالة طهارة المولد و كونه عن نكاح صحيح شرعاً و عرفاً. و في «مصباح الفقيه»: ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بطهارة المولد- التي اعتبروها في الإمام- هو أن لا يعرف كونه من سفاح؛ فإنّ من لم يعرف كونه كذلك محكوم شرعاً و عرفاً بكونه طاهر المولد؛ لأصالة الصحّة و السلامة في نسبه فإنّه أصل معوّل عليه شرعاً و عرفاً في هذا الباب. مع إمكان أن يدّعى: أنّ المنساق من النهي عن إمامة ابن زنا أو الائتمام به إنّما هو إرادة أفراده المعلومة؛ نظراً إلى ما أشرنا إليه من عدم جريان أحكام ابن الزنا شرعاً و عرفاً إلّا من علم كونه كذلك؛ فلا ينسبق إلى الذهن من النهي إلّا إرادته(مصباح الفقيه، الصلاة: 676/ السطر 10.) ، انتهى. و في «مفتاح الكرامة»: و معنى طهارة المولد- كما نصّ عليه كثير منهم- أن لا يعلم كونه ولد زنا، قالوا: و لا منع فيمن تناله الألسن، و لا ولد الشبهة، و لا من جهل أبوه(مفتاح الكرامة 3: 95/ السطر 4.)

ص: 571

ص: 572

و العقل (1) و البلوغ إذا كان المأموم بالغاً، بل إمامة غير البالغ و لو لمثله محلّ إشكال، بل عدم جوازه لا يخلو من قرب (2).


1- اشتراط العقل في إمام الجماعة إجماعي في الجملة، حكاه جماعة كثيرة من فقهائنا. و يدلّ عليه صحيحا أبي بصير و زرارة تقدّما في اشتراط طهارة المولد. ثمّ إنّ فقهاءنا اختلفوا في جواز الائتمام بالمجنون حال إفاقته، نسب في «مستند الشيعة» الجواز مع الكراهة إلى المشهور؛ و منهم المحقّق و العلّامة في بعض كتبه و الشهيدان و صاحب «جامع المقاصد» و «المدارك» و السبزواري و الفاضل الهندي. و استدلّ للجواز بالأصل و العمومات. و القائلون بالكراهة علّلوها بإمكان عروض الجنون حال الصلاة و عدم أمنه عن الاحتلام حال الجنون. و روي أنّ المجنون يمني حال جنونه؛ و لذا قيل باستحباب الغسل له حال الإفاقة، بأنّه ناقص عن المرتبة الجليلة للإمامة. و ذهب جماعة إلى عدم جوازه؛ منهم الشيخ، و ادّعى الإجماع عليه في «الخلاف»، قال: الإجماع على أنّ المجنون لا يؤمّ على كلّ حال، و قال العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: إنّ من يعتوره الجنون لا يكون إماماً و لو في وقت إفاقته. و الحقّ: أنّه في حال الإفاقة عاقل؛ فمع اجتماع سائر الشرائط يجوز الائتمام به، و لا يصدق عليه في تلك الحال أنّه مجنون، و الإجماع المدّعى من «الخلاف» غير ثابت، و الشهرة في المسألة متّبعة.
2- اشتراط البلوغ في إمام الجماعة مشهور بين الأصحاب، و عن «المنتهى»: أنّه ممّا لا خلاف بينهم. و يدلّ عليه خبر إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه: «إنّ علياً عليه السلام كان يقول: لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم، و لا يؤمّ حتّى يحتلم، فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 7.) ، و في سند الرواية غياث بن كلّوب، قال النجاشي و الشيخ: إنّ له كتاباً. و قد أهمله العلّامة في «الخلاصة»، و ضعّفه في الحاوي. و عن الشيخ في «العدّة»: أنّ غياث هذا من العامّة، إلّا أنّ الطائفة عملت بأخباره. و استدلّ أيضاً بفحوى ما دلّ على اعتبار العدالة، حيث إنّ كون الفاسق مكلّفاً، و علمه بأنّه يعاقب على ما يرتكبه من الحرام حاجز عن الارتكاب، و مع ذلك لا تجوز إمامته و لا يأتمّ به؛ فالصبي المطمئنّ من عدم العقوبة عليه أولى بالمنع. و في «الجواهر»: و لفحوى اعتبار العدالة المتوقّف تحقّقها على التكليف، مؤيّداً ذلك كلّه بعدم جواز الائتمام به في النافلة؛ خصوصاً للمفترض، و بعدم ائتمانه بسبب عدم تكليفه على إحراز ما يعتبر في صحّة الصلاة، بل ينبغي القطع به بناءً على التمرينية(جواهر الكلام 13: 325.) ، انتهى. ثمّ إنّ الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» جوّز إمامة المراهق المميّز العاقل، و ادّعى عليه الإجماع. قال في «الخلاف»: دليلنا إجماع الفرقة؛ فإنّهم لا يختلفون في أنّ من هذا صفته تلزمه الصلاة. و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «مروهم بالصلاة لسبع» يدلّ على أنّ صلاتهم شرعية(الخلاف 1: 553/ المسألة 295.) ، انتهى. و فيه: أنّ الإجماع غير ثابت، و أنّ شرعية عباداته لا تستلزم صحّة الائتمام به، هذا. مع قوله في «النهاية» بعدم جواز إمامته، و لعلّه في الجمعة؛ و لذا احتمل في «كشف اللثام» و «المدارك» و «مصابيح الظلام»: أنّ الشيخ ممّن يفرق بين الجمعة و غيرها. و نسب الجواز إلى السيّد في «مصباحه». و استدلّ على القول بالجواز برواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحُلُم أن يؤمّ القوم، و أن يؤذّن»(وسائل الشيعة 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 3.) . و موثّق سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «يجوز صدقة الغلام و عتقه، و يؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 5.) . و رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم، و أن يؤمّ»(وسائل الشيعة 8: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 8.) و فيه: أنّ روايتي غياث و طلحة ضعيفتان سنداً. و موثّق سماعة معرض عنه عند الأصحاب. و نسب إلى الشهيد في «الدروس»: أنّه جوّز إمامة الصبي لمثله مطلقاً، و لغيره في النافلة، و استقربه جماعة ممّن تأخّر عنه. و لعلّ وجهه انصراف النهي عن إمامته إلى إمامته للبالغين؛ فيكون إمامته لغير البالغين كسائر عباداته شرعية على القول بشرعيتها. و جمع بعضهم بين القول بالجواز و القول بعدمه؛ بحمل الأوّل على المميّز، و الثاني على غير المميّز. و في «مصابيح الظلام» حمل أخبار الجواز على إمامته في النوافل. فالقول بجواز إمامته لغير البالغين بناءً على شرعية عباداتها مشكل. نعم لا بأس به على القول بتمرينيتها.

ص: 573

ص: 574

ص: 575

و الذكورة إذا كان المأموم ذكراً، بل مطلقاً على الأحوط (1).


1- اشتراط الذكورة في إمام الجماعة إجماعي في الجملة، كما ادّعاه في «الخلاف» و «المنتهى» و «التذكرة» و «الروض» و غيرها. و علّل في «الجواهر» عدم جواز إمامة المرأة للرجال بأصالة عدم سقوط القراءة(جواهر الكلام 13: 336.) و يدلّ عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم من أنّه: «لا تؤمّ امرأةٌ رجلًا»(السنن الكبرى، البيهقي 3: 90.) ، و ما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أيضاً أنّه قال: «أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللَّه»(مستدرك الوسائل 3: 333، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 1.) ، و ما روي في «دعائم الإسلام» مرسلًا عن علي عليه السلام قال: «لا تؤمّ المرأةُ الرجالَ، و لا تؤمّ الخنثى الرجال، و لا الأخرس المتكلّمين، و لا المسافر المقيمين»(دعائم الإسلام 1: 151.) ، و ضعف سندها منجبر بالإجماع. و قد يستدلّ عليه أيضاً بالأخبار الناهية عن صلاة الرجل و بحذائه أو بين يديه امرأة تصلّي، بناءً على القول بحرمة المحاذاة و التقدّم. و أمّا بناءً على القول بالكراهة فيشكل الاستدلال بها على الاشتراط. و يستدلّ أيضاً بأنّ المرأة مأمورة بالحياء و الاستتار، و الإمامة للرجال يقتضي الظهور و الاشتهار. و فيه: أنّ إمامتها لا تستلزم خلاف الستر و الحياء. و في «مصباح الفقيه»: لا بأس بذكر مثل هذه الوجوه في مقام التأييد كما صنعه الأصحاب ... إلى أن قال مع قصور إطلاقات أدلّة الجماعة عن إثبات جواز إمامتها حتّى للنساء، فضلًا عن الرجال(مصباح الفقيه، الصلاة: 679/ السطر 25.) ، انتهى. هذا كلّه في إمامتها للرجال. و أمّا إمامتها للنساء: فالمشهور شهرة عظيمة جوازها مطلقاً. و في «المدارك»: فهو قول معظم الأصحاب. و في «التذكرة»: أنّه قول علمائنا أجمع. و قد ادّعى الإجماع جمع كثير من فقهائنا. و يدلّ عليه موثّق سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال: «لا بأس به»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 11.) و موثّق ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «نعم تقوم وسطاً بينهنّ و لا تتقدّمهنّ»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 10.) و رواية حسن بن زياد الصيقل قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام كيف تصلّي النساء على الجنائز ... إلى أن قال: ففي صلاة مكتوبة، أ يؤمّ بعضهنّ بعضاً؟ قال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 2.) و في النبوي المروي المستدلّ به على المطلوب في كتب أصحابنا: أنّه صلى الله عليه و آله و سلم أمر امّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها و جعل لها مؤذّناً(كنز العمّال 8: 306، انظر جواهر الكلام 13: 337.) و يدلّ عليه أيضاً من حيث الإشعار الأخبار الواردة في جواز جهر القراءة للمرأة، كما في خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب «قرب الإسناد» عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المرأة تؤمّ النساء، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة؟ قال: «قدر ما تسمع»، و سألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة و النافلة؟ قال: «لا، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»(قرب الإسناد: 223/ 866 و 867، وسائل الشيعة 6: 95، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 31، الحديث 3.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المرأة تؤمّ النساء، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة و التكبير؟ فقال: «قدر ما تسمع»(وسائل الشيعة 8: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 7.) و في «مصباح الفقيه»: و المنساق منها إرادتها في الفريضة التي يعمّ بها الابتلاء، دون صلاة الاستسقاء و نحوها من النوافل التي يجوز الاجتماع فيها، التي قد لا يتّفق ابتلاء النساء بها(مصباح الفقيه، الصلاة: 679/ السطر 36.) ، انتهى. و ذهب جماعة من فقهائنا إلى التفصيل و منع إمامة المرأة للنساء في الفريضة، و جوازها في النافلة؛ منهم أبو علي و علم الهدى و الجعفي، و في «المختلف»: أنّه لا بأس به، و مال إليه صاحب «المدارك»، و اختاره كاشف الغطاء، و استظهره من الكليني و الصدوق. و يدلّ عليه صحيح هشام بن سالم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ و لكن تقوم وسطهنّ»(وسائل الشيعة 8: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تؤمّ المرأة النساء في الصلاة و تقوم وسطاً بينهنّ و يقمن عن يمينها و شمالها، تؤمّهنّ في النافلة و لا تؤمّهنّ في المكتوبة»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 9.) و صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال: «إذا كنّ جميعاً أمّتهنّ في النافلة، فأمّا المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ و لكن تقوم وسطاً منهنّ»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 12.) و استدلّ أيضاً على منع إمامتها لها في الفريضة بأنّ الإمامة كالجماعة توقيفية، و مقتضى الأصل عند الشكّ عدم تحقّقها، و عدم سقوط القراءة عن المأمومة، و عدم البراءة من الشغل اليقيني. و يؤيّد المنع: أنّه لم يعهد في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام إمامة المرأة على جماعة النساء، مع وجود أشخاص ذات حسب و نسب بينهنّ. و في «الجواهر»: بل معهودية خلافه؛ لتعارف خروج النساء- مع مطلوبية الحياء و الستر منهنّ و القرار في البيوت- إلى جماعة الرجال و الائتمام بهم. و لو كان ذلك مشروعاً لكان أولى لهنّ من الخروج قطعاً. و لوقع يوماً في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو الأئمّة- عليهم الصلاة و السلام- خصوصاً مع فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام و باقي نسائهم و بناتهم، و لشاع و ذاع حتّى خرق الأسماع؛ ضرورة توفّر الدواعي إلى الجماعة و كثرة تكرّر الصلاة و عموم البلوى بها(جواهر الكلام 13: 339.) ، انتهى. و الجواب أمّا عن الأخبار المذكورة: فهي و إن كانت معتبرةً سنداً، و لكنّها معرض عنها عند الأصحاب، و الشهرة قائمة على خلافها. و في «المنتهى»: أنّه لم يعمل بها أحد من علمائنا، و أنّها نادرة. و حكيت ندرتها عن «المعتبر»، هذا. مضافاً إلى كونها موافقة لجماعة من العامّة القائلين بجواز إمامتها لهنّ في مطلق النافلة و عدم جوازها في المكتوبة، بل المنع مطلقاً مذهب أكثرهم و إن اختلفوا فيه كراهةً و تحريماً؛ فتكون الأخبار المجوّزة مشهورة بين أصحابنا، و بالترجيح أولى. و لا بدّ من طرح ما خالفها أو حملها على التقية أو على عدم تأكّد الاستحباب، كما في «الذكرى». و لا تحمل على الكراهة؛ لثبوت الاستحباب عند المشهور، كما في «المنتهى». و قال صاحب «الوسائل»: ما تضمّن المنع من إمامة المرأة فالمراد به الكراهة، بدلالة التصريح في باقي الأحاديث. و نقل عن «منتهى» العلّامة: إنّه يحتمل أن يكون ذلك راجعاً إلى من لم تعرف فرائض الصلاة و واجباتها منهنّ؛ فلا تؤمّ غيرها في الواجب، قال: و خصّصهنّ بالذكر لأغلبية الوصف فيهنّ(وسائل الشيعة 8: 337، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، ذيل الحديث 13.) ، انتهى. و قد جمع صاحب «الحدائق» رحمه الله بين الأخبار المذكورة بجعل النافلة و المكتوبة صفتين للجماعة، لا للصلاة- أي الجماعة المستحبّة و الجماعة الواجبة- و حمل الأخبار المجوّزة على الجماعة المستحبّة كالجماعة في الصلوات اليومية، و الأخبار المانعة على الجماعة الواجبة كالجماعة في صلاة الجمعة و العيدين(الحدائق الناضرة 11: 189.) و فيه: أنّ المعهود عند المتشرّعة من لفظ النافلة و المكتوبة هو كونهما و صفين للصلاة، و حملهما على ما ذكره خلاف المعهود. و أمّا الجواب عن الاستدلال على المنع بالاصول: فهو أنّ الاصول دليلٌ حيث لا دليل على المسألة. و أمّا عدم معهودية إمامة المرأة للنساء فهو لا ينافي ثبوت الحكم لها بالنصوص؛ فالأحكام تثبت للموضوعات بالدليل و إن لم يتحقّق الموضوع في الخارج.

ص: 576

ص: 577

ص: 578

ص: 579

ص: 580

و العدالة؛ فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق (1).


1- اشتراط العدالة في إمام الجماعة ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب. و ادّعى جماعة كثيرة منهم الإجماع عليه. و في «مصباح الفقيه»: و أرسلوه إرسال المسلّمات على وجه كاد تعدّ من ضروريات الفقه. و الأخبار الدالّة على اشتراط العدالة في إمام الجماعة و عدم جواز الاقتداء بالفاسق متضافرة، و ضعف سند بعضها منجبر: منها: موثّق سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال: «إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلها تطوّعاً و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو، و يصلّي ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع؛ فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) و منها: رواية علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ مواليك قد اختلفوا فاصلّي خلفهم جميعاً، فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 2.) و في «مصباح الفقيه»: إذ المتبادر منه إرادة من تطمئنّ بتديّنه و صلاحه، و هو معنى العدالة كما ستعرف، و لكن عن «الكافي» نقلها بإسقاط قوله: «و أمانته» ، و على هذا أيضاً لا يبعد دعوى دلالتها على المدّعى؛ إذ الظاهر أنّ المراد بالوثوق بدينه هو الاطمئنان بالتزامه و تديّنه بما دان به و عدم التعدّي عن الحدود الشرعية التي دان بها باتّباع هواه، لا الوثوق بكونه إمامياً(مصباح الفقيه، الصلاة: 667/ السطر 17.) ، انتهى. و منها: ما روي في «الفقه الرضوي» مرسلًا عن العالم عليه السلام قال: «و لا تصلّ خلف أحد إلّا خلف رجلين: أحدهما من تثق به و بدينه و ورعه، و آخر من تتّقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شنيعته، فصلّ خلفه على سبيل التقية و المداراة، و أذّن لنفسك و أقم و اقرأ فيها؛ فإنّه غير مؤتمن به»(مستدرك الوسائل 6: 481، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 29، الحديث 1.) و منها: ما روي في «مستطرفات السرائر» من كتاب أبي عبد اللّه السيّاري صاحب موسى و الرضا عليهما السلام قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدّم بعضهم فيصلّي بهم جماعة، فقال: «إن كان الذي يؤمّ بهم ليس بينه و بين اللَّه طلبة فليفعل»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 12.) و منها: رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين» قال: «و الصلاة تستحبّ في أوّل الأوقات، و فضل الجماعة على الفرد بأربع و عشرين، و لا صلاة خلف الفاجر، و لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 6.) و منها: رواية سعد بن إسماعيل بن عيسى عن أبيه، قال: قلت للرضا عليه السلام: رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر، اصلّي خلفه؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 10.) و منها: رواية أبي القاسم بن قولويه عن الأصبغ قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: «ستّة لا يؤمّون الناس- منهم- شارب النبيذ و الخمر»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 11.) و غيرها من الروايات التي ذكر المحقّق الهمداني جملة منها في «مصباح الفقيه»، و قال بعد ذكرها: ثمّ إنّ المحصّل من مجموع الأخبار: أنّه يشترط في الإمام أن لا يكون فاسقاً فاجراً، بل ممّن يوثّق بدينه و أمانته كما في خبر علي بن راشد، أو به و بدينه و ورعه كما في المرسل المنقول عن «الفقه الرضوي»، و كونه كذلك مساوق لمفهوم العدالة، و لم يرد في شي ء من الأخبار المزبورة التصريح بلفظ «العدالة»، عدا مضمرة سماعة و معاقد الإجماعات المحكية. و كيف كان: فهي معتبرة في جواز الائتمام بلا شبهة(مصباح الفقيه، الصلاة: 668/ السطر 8.)، انتهى.

ص: 581

ص: 582

ص: 583

و لا مجهول الحال (1).


1- و في «الجواهر»:- بعد اشتراط العدالة في إمام الجماعة- قال: فلا يجوز الائتمام بالفاسق ... إلى أن قال: بل و لا المجهول حاله أيضاً، بناءً على عدم الاكتفاء في العدالة بعدم ظهور الفسق، كما ستعرف إن شاء اللَّه تعالى؛ لوجوب إحراز الشرط في الحكم بصحّة المشروط؛ إذ عرفت أنّ الإجماع محكي و محصّل على كونها شرطاً، لا على أنّ الفسق مانع(جواهر الكلام 13: 276.) ، انتهى. و يدلّ على عدم جواز الصلاة خلف مجهول الحال خبر خلف بن حمّاد الأسدي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجهول، و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصداً»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 6.) و ما رواه الصدوق رحمه الله في «الفقيه» مرسلًا عن الصادق عليه السلام قال: «ثلاثة لا يصلّى خلفهم: المجهول، و الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصداً»(وسائل الشيعة 8: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 4.) و ضعف سند الخبرين منجبر.

ص: 584

و هي حالة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى مانعة عن ارتكاب الكبائر، بل و الصغائر على الأقوى، فضلًا عن الإصرار عليها الذي عدّ من الكبائر، و عن ارتكاب أعمال دالّة عرفاً على عدم مبالاة فاعلها بالدين. و الأحوط اعتبار الاجتناب عن منافيات المروّة، و إن كان الأقوى عدم اعتباره (1).


1- العدالة في اللغة بمعنى الاستواء و الاستقامة و أن يكون الإنسان متعادل الأحوال و متساوياً فيها. و اختلف عبارات الأصحاب و غيرهم في معناها شرعاً. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد حكاية المعنى اللغوي للعدالة عن «المبسوط» و «السرائر» بقوله: أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساوياً، و عن «المدارك» و غيرها: أنّه الاستواء و الاستقامة- قال بما خلاصته: الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها، كما يظهر من الأخبار، و ممّن نسب تعريفها الآتي إلى الشرع، بل لو لم نقل بالحقيقة الشرعية فالمجاز الشرعي لا شكّ في ثبوته، و أنّها في الشرع من متّحد المعنى على الظاهر، لا فرق فيها بالنسبة إلى كلّ ما اعتبرت فيه من شهادة و طلاق و غيرهما(جواهر الكلام 13: 280.) ، انتهى ملخّصاً. و في «مفتاح الكرامة»(مفتاح الكرامة 3: 80/ السطر 16.) : فكلام الأصحاب في المعتبر منه في إمام الجماعة، و الشاهد في الطلاق و غيره، و في الراوي، و مستحقّ الزكاة- على القول باعتبارها فيه- مختلف على الظاهر؛ و لذا اختلفت أفهام متأخّري المتأخّرين في مرادهم، إلّا أنّ الظاهر- كما نصّ جماعة- أنّ العدالة المعتبرة في إمام الجماعة و الشاهد واحدة ... إلى أن قال بما خلاصته: إنّه قد تحصّل: أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة؛ اثنان منها للمتقدّمين، و واحدٌ للمتأخّرين: الأوّل: أنّها ظاهر الإسلام؛ أي الإيمان مع عدم ظهور الفسق. و إليه ذهب المفيد و الشيخ في «الخلاف» و «النهاية» و «الاستبصار» و «المبسوط» و الشهيد الثاني في «المسالك». الثاني: أنّها حسن الظاهر. نسب هذا القول إلى من عدا المذكورين من القدماء، و اختاره جماعة من المتأخّرين. و المراد بالظاهر خلاف الباطن، الذي لا يعلم به إلّا اللَّه، و بحسنه كونه جارياً على مقتضى الشرع بعد الاختبار و الاطّلاع على أحواله. الثالث: أنّها ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى مانعة عن ارتكاب الكبائر و الإصرار على الصغائر، و قيل: عن منافيات المروّة أيضاً. و استدلّ للقول الأوّل بامور: الأوّل: الأصل، و قرّره في «الجواهر» بقوله: بأصالة الصحّة في أفعال المسلمين و أقوالهم المستلزمة للحكم بأنّه لم يقع منه ما يوجب الفسق؛ فيكون عدلًا لعدم الواسطة بينهما(جواهر الكلام 13: 281.) الثاني: الإجماع المنسوب إلى الشيخ في «الخلاف». الثالث: الأخبار: منها: مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البيّنة إذا اقيمت على الحقّ أ يحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، و المناكح، و الذبائح، و الشهادات، و الأنساب؛ فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يسأل عن باطنه»(وسائل الشيعة 27: 392، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 3.) و منها: ما رواه الصدوق رحمه الله في «الفقيه» بسند صحيح عن عبد اللّه بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيين، قال: «كلّ من ولد على الفطرة و عرّف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»(وسائل الشيعة 27: 393، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 5.) و منها: ما رواه الصدوق رحمه الله أيضاً عن علقمة بن محمّد الحضرمي قال: قال الصادق عليه السلام و قد قلت له: يا ابن رسول اللَّه أخبرني عمّن تقبل شهادته و من لا تقبل، فقال: «يا علقمة كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته» قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال: «يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام؛ لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق؛ فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة، و إن كان في نفسه مذنباً، و من اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللَّه داخل في ولاية الشيطان»(وسائل الشيعة 27: 395، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 13.) و منها: صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل آخران، فقال: «إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور اجيزت شهادتهم جميعاً و اقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا و علموا. و على الوالي أن يجيز شهادتهم، إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق»(وسائل الشيعة 27: 397، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 18.) ، و غيرها من الأخبار التي ذكرها صاحب «الجواهر» و غيره. و اجيب عن الأوّل أوّلًا: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل على المسألة؛ فمع وجود النصّ فيها لا يرجع إليه. و ثانياً: أنّ غاية ما يستفاد من الأصل المذكور هو حمل فعل المسلم و قوله المحتملين في نفسهما للصحّة و الفساد على الصحّة و الحسن ما لم يكونا نصّين أو ظاهرين في الفساد، و ليس مقتضاه عدم وقوع ما يقتضي الفسق منه. و مجرّد حمل فعل المسلم و قوله على الصحّة لا يكفي في قبول الشهادة و الإشهاد على الطلاق و غيرهما ممّا يشترط فيه العدالة. و عن الثاني: أنّ الإجماع غير ثابت مع وجود المخالفين في تعريف العدالة بغير ما ذكر، مع عدم اكتفاء جماعة من القدماء في التعديل بظاهر الإسلام. و عن الثالث: فقد أجاب في «الجواهر» بما محصّله بتلخيص منّا: أنّها- مضافاً إلى ضعف سند كثير منها غير صريحة في المقصود، بل بعضها دالّ على ضدّه- محمولة على إرادة كونه معروفاً بأنّه لم يعرف بشهادة زور، كحمل رواية «المجالس» على إرادة من لم تره بعينك بعد الفحص عن حاله، لا و لو لأنّه مجهول الحال غريب لم تره مدّة عمرك؛ ضرورة احتمال كون مثله معروفاً مشهوراً بالفسق و شهادة الزور في بلاده أو عند من خالطه. و حاصل كلامه رحمه الله: أنّ المستفاد من تلك الأخبار و كلام جماعة أنّه ليس المراد من العدالة ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق، بل المراد منها ظهور عدم الفسق- أي حسن الظاهر- و أيّده بتأييدات ... إلى أن قال رحمه الله: و كذلك ما عن الكاتب- الظاهر أنّه ابن الجنيد- إذا كان الشاهد حرّاً بالغاً مؤمناً بصيراً معروف النسب مرضياً غير مشهور بكذب في شهادته، و لا بارتكاب كبيرة، و لا مقام على صغيرة، حسن التيقّظ، عالماً بمعنى الأقوال، عارفاً بأحكام الشهادة، غير معروف بحيف على معامل، و لا تهاون بواجب من علم أو عمل، و لا معروف بمباشرة أهل الباطل و الدخول في جملتهم، و لا بالحرص على الدنيا، و لا بساقط المروّة، بريئاً من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمن البراءة من أهلها، فهو من أهل العدالة المقبولة شهادتهم. فإنّ التأمّل في كلامه هذا يقضي بحسن الظاهر. و أمّا المفيد فقد صرّح في «المقنعة»- على ما نقل عنه- أنّ العدل من كان معروفاً بالدين و الورع عن محارم اللَّه. و هو ظاهر في حسن الظاهر(جواهر الكلام 13: 285- 287.) ، انتهى كلام صاحب «الجواهر» ملخّصاً. و استدلّ للقول الثاني بالإجماع المنسوب إلى الوحيد البهبهاني رحمه الله في حاشيته على «معالم الاصول» في كلّ مقام اشترطت فيه العدالة. و بالأخبار المستفيضة: منها: بعض الأخبار المتقدّمة المستدلّ بها على القول الأوّل، حيث حكينا عن صاحب «الجواهر» رحمه الله القول بأنّها صريحة الدلالة على حسن الظاهر، كمرسل يونس بن عبد الرحمن المتقدّم: «فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يسأل عن باطنه»(وسائل الشيعة 27: 392، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 3.) ، و نحوه غيره من الأخبار. و منها: رواية علاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أبا جعفر عليه السلام قال: «لا تقبل شهادة سابق الحاجّ؛ لأنّه قتل راحلته، و أفنى زاده، و أتعب نفسه، و استخفّ بصلاته»، قلت: فالمكاري و الجمّال و الملّاح؟ فقال: «و ما بأس بهم، تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء»(وسائل الشيعة 27: 381، كتاب الشهادات، الباب 34، الحديث 1.) و منها: صحيح عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: «أن تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار؛ من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك. و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه؛ حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين، و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّا من علّة؛ فإذا كان كذلك لازماً لمصلّاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه؛ فإنّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين؛ و ذلك أنّ الصلاة ستر و كفّارة للذنوب. و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلّاه و يتعاهد جماعة المسلمين، و إنّما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي، و من يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيّع. و لو لا ذلك لم يمكن أحدٌ أن يشهد على آخر بصلاح؛ لأنّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم همّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلّي في بيته؛ فلم يقبل منه ذلك. و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من اللَّه- عزّ و جلّ- و من رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فيه الحرق في جوف بيته بالنار؟! و قد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(وسائل الشيعة 27: 395، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 10.) و منها: ما روي عن تفسير العسكري عليه السلام في تفسير قوله تعالى: «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ»(البقرة( 2): 282.) ، قال عليه السلام: «يعني ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تميّزه؛ فما كلّ صالح مميّز و لا محصّل، و لا كلّ محصّل مميّز صالح، و إنّ من عباد اللَّه لمن هو أهل لصلاحه و عفّته لو شهد لم يقبل شهادته؛ لقلّة تميّزه؛ فإذا كان صالحاً عفيفاً مميّزاً محصّلًا مجانباً للمعصية و الهوى و الميل و التحامل فذلك الرجل الفاضل فيه فتمسّكوا و بهداه فاقتدوا، و إن انقطع عنكم المطر فاستمطروا به، و إن امتنع نبات فاستخرجوا به النبات، و إن تعذّر عليكم الرزق فاستدروا به الرزق؛ فإنّ ذلك ممّن لا يخيّب طلبه، و لا تردّ مسألته»(التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: 672.) و منها: موثّق سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: «من عامل الناس فلم يظلمهم و حدّثهم فلم يكذّبهم و واعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروّته، و ظهر عدله، و وجبت اخوّته»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 9.) و استدلّ للقول الثالث بما نقله في «الجواهر» ملخّصاً منّا، من أنّ العدالة في اللغة بمعنى الاستقامة و عدم الميل إلى جانب أصلًا. و المراد من الاستقامة هو الاستقامة الواقعية؛ فحيث صارت العدالة شرطاً فلا بدّ من ثبوتها واقعاً و العلم بها؛ لأنّ الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط، و العلم بثبوتها واقعاً لا يحصل إلّا بالمعاشرة و المراودة بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق و الاطمئنان باستقامته و عدم ميله عن الحقّ و الطريق المستقيم، و هو معنى الملكة و الهيئة الراسخة. و يمكن حمل الأخبار على إرادة تتبّع الآثار المطلعة على الملكة؛ سيّما صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة؛ فإنّ هذه الأشياء المذكورة فيها غالباً توصل إلى اطمئنان النفس بالملكة. و أجاب رحمه الله عنه بما ملخّصه: أوّلًا: أنّه بناءً على اعتبار العلم بثبوت الملكة واقعاً لا يمكن الحكم بعدالة شخص أبداً، إلّا في مثل المقدّس الأردبيلي و السيّد هاشم، بل و لا فيهما؛ فإنّه أيّ نفس تطمئنّ بأنّهما كان يعسر عليهما كلّ معصية ظاهرة و باطنة. و دعوى أنّه بمجرّد الخلطة على جملة من أحواله يحصل الجزم و الاطمئنان بأنّ له ملكة يعسر عليه مخالفة سائر المعاصي ظاهرها و باطنها، مقطوع بفسادها. و ثانياً: أنّ مراعاة الأخبار تقضي أنّ العدالة أمرها سهل، كما ينبئ عنه الحثّ على الجماعة سفراً و حضراً، و قولهم: «إذا مات الإمام أو أحدث قدم شخص آخر ممّن خلفه». على أنّ أمر العدالة محتاج إليه في كثير من الأشياء، كالطلاق و الديون و الوصايا و سائر المعاملات، و هي على هذا الفرض- أي اعتبار العلم بثبوت الملكة واقعاً- في غاية الندرة، بل لا يخلو من العسر و الحرج قطعاً. بل يظهر من بعض الروايات عدم اعتبار العلم بثبوتها واقعاً؛ لقوله عليه السلام فيها: «ساتراً لعيوبه، و أن يكون معروفاً بالستر و العفاف، و إذا سئل عنه قيل: لا نعلم منه إلّا خيراً»(جواهر الكلام 13: 294- 296.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ملخّصاً منّا. مراده رحمه الله من بعض الروايات- الظاهر في عدم اعتبار العلم بثبوت العدالة واقعاً- صحيح ابن أبي يعفور المتقدّم، فراجع. و المختار عندنا- تبعاً لكثير من فقهائنا- أنّ العدالة كيفية نفسانية تحصل بالمبالاة الدائمة و المواظبة على فعل الواجبات و ترك المحرّمات، بحيث كان الفعل و الترك المزبوران سبباً و طريقاً إلى العدالة و مظهراً- بالفتح- لها. و يظهر هذا من بعض الأخبار، كموثّق سماعة المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ظهر عدله»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 9.) ، و رواية عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروّته، و ظهرت عدالته، و وجبت اخوّته، و حرمت غيبته»(وسائل الشيعة 27: 396، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 15.) و هذا المعنى هو المستفاد من صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة عند التأمّل، حيث سأل عنه عليه السلام عن أسباب معرفة العدالة بِمَ تعرف العدالة؟ و أجاب عليه السلام بما يرجع إلى فعل الواجبات و ترك المحرّمات، فقال: «أن تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج ...» إلى آخره. بقي الكلام في مقامين: الأوّل: أنّه هل يعتبر في مفهوم العدالة الاجتناب عن منافيات المروّة، أو لا؟ و سيأتي بيان المراد من منافيات المروّة في المقام الثاني؛ فقد حكي عن الشيخ الأنصاري رحمه الله نسبة اعتباره إلى المشهور بين من تأخّر عن العلّامة، حيث عرّفوا العدالة بأنّها هيئة راسخة تبعثه على ملازمة التقوى و المروّة. و الحقّ: أنّه إن ثبتت الشهرة- خصوصاً بين القدماء- على اعتباره فهو، و إلّا فالقول باعتبارها لا دليل معتبر عليه. و استدلّ لاعتباره بامور نشير إلى بعضها: منها: الشهرة المدّعاة في كلام جماعة. و منها: أنّ معنى العدالة لغةً و عرفاً الاستواء و الاستقامة في جادّة الشرع؛ فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بمباشرة الأفعال المنكرة عرفاً فلا يعدّ في العرف من أهل الاستقامة. و منها: إطلاق قوله تعالى: «وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»(الطلاق( 65): 2.) و منها: ما رواه أبو عبد اللّه الأشعري عن بعض أصحابه مرفوعاً إلى هشام عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: «يا هشام لا دين لمن لا مروّة له، و لا مروّة لمن لا عقل له»(الكافي 1: 19/ 12.) و منها: موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم: «و كملت مروّته»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 9.) و منها: بعض جملات صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام، كقوله: «و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه»، حيث إنّ ارتكاب المنافيات العرفية عيب في العرف؛ فعموم جميع العيوب يشمل المنافيات العرفية. و كذا قوله عليه السلام: «و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) ، بناءً على أنّ منافيات المروّة غالباً من شهوات الجوارح. و أجاب المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بما خلاصته: أنّ الاستواء و الاستقامة في جادّة الشرع، و كذا إطلاق العدل في الآية، و الستر و العفاف في الروايات منصرف إلى عدم التجاهر بالفسوق و العصيان. و المنسبق إلى الذهن من كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان عبارة عن المحرّمات الصادرة من تلك الجوارح. و إن أبيت عن ذلك كلّه فنقول: قوله عليه السلام في رواية علقمة: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة»(وسائل الشيعة 27: 395، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 13.) ، حاكم على جميع ذلك، و شاهد على أنّ المراد بالستر و العفاف المأخوذ في تعريف العدالة ليس إلّا عدم تظاهره بالفسوق و العصيان(مصباح الفقيه، الصلاة: 673/ السطر الأخير.) ، انتهى. و أمّا قوله عليه السلام خطاباً لهشام: «لا دين لمن لا مروّة له، و لا مروّة لمن لا عقل له» فقد أجاب عنه في «الجواهر» بأنّها ليست بالمعنى الذي ذكروه، بل هو كقول أمير المؤمنين عليه السلام جواب سؤال جويرية عن الشرف و العقل و المروّة: «و أمّا المروّة فإصلاح المعيشة»(جواهر الكلام 13: 303.) و روي عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «ستّة من المروّة؛ ثلاثة منها في الحضر، و ثلاثة منها في السفر؛ فأمّا التي في الحضر: فتلاوة القرآن و عمارة المسجد و اتّخاذ الإخوان، و أمّا التي في السفر: فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه»(وسائل الشيعة 11: 436، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر، الباب 49، الحديث 14.) و عن الصادق عليه السلام: «المروّة- و اللَّه- أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، و المروّة مروّتان: مروّة في الحضر و مروّة في السفر؛ فأمّا التي في الحضر فتلاوة القرآن، و لزوم المساجد، و المشي بين الإخوان في الحوائج، و النعمة ترى على الخادم تسرّ الصديق و تكبت العدوّ، و أمّا في السفر فكثرة الزاد و طيبه و بذله، و كتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك، و كثرة المزاح في غير ما يسخط اللَّه»(وسائل الشيعة 11: 432، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر، الباب 49، الحديث 1.) ، إلى غير ذلك(جواهر الكلام 13: 303.) ، انتهى. و بالجملة: ارتكاب منافيات المروّة لا تخلّ بالعدالة، إلّا أن ينطبق عليه بعض العناوين المحرّمة، كالتوهين و الهتك و الإذلال و إن كان على نفسه؛ إذ يجب على الإنسان حفظ احترام نفسه. نعم يعتبر في العدالة بمعنى الملكة كونها مانعة عن ارتكاب أعمال دالّة عرفاً على عدم مبالاة فاعلها بالدين؛ لكون الارتكاب المذكور حاكياً عن عدم استقامته في جادّة الدين. و في «الجواهر»: نعم لا يبعد قدح بعض الأشياء التي تقضي بنقصان عقل فاعلها، كما إذا لبس الفقيه- مثلًا- لباس أقبح الجند من غير داعٍ إلى ذلك، بل قد يقال: إنّها محرّمة حينئذٍ بالعارض؛ للأمر بحفظ العرض(جواهر الكلام 13: 302.) ، انتهى. المقام الثاني: في بيان المراد من الكبائر و الصغائر و الإصرار عليها و منافيات المروّة؛ فقد حكي عن الشيخ في «المبسوط» و عن المتأخّرين: أنّ المعصية نوعان: كبيرة و صغيرة، و ليس كلّ معصية كبيرة. و نسب إلى المفيد و القاضي و الحلبي و الطبرسي و غيرهم: أنّ كلّ معصية كبيرة، و كلّها مخالفة لأوامر اللَّه تعالى. و لكن الكبيرة ذات مراتب بعضها أكبر من بعضها الآخر، و إطلاق الصغر و الكبر إضافي بالنسبة إلى ما فوق أو إلى ما تحت. و قد مثّلوا بقُبلة الأجنبية حيث إنّها صغيرة بالنسبة إلى الزنا و كبيرة بالنسبة إلى النظر إليها. و على هذا القول تزول العدالة بالمعصية و لو كانت صغيرة بالنسبة. و كيف كان: فقد اختلفت عبارات الأصحاب في تعريف الكبيرة؛ فعن «مجمع البرهان» و غيره: أنّها ما توعّد اللَّه تعالى عليه بالنار، و عن شريف العلماء في «مناسك الحجّ»: أنّها ما أوجب اللَّه تعالى عليه النار. و هذا القول هو المشهور. و يدلّ عليه جملة من النصوص: منها: ذيل صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمّداً، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم ظلماً، و أكل الربا بعد البيّنة، و كلّ ما أوجب اللَّه عليه النار»(وسائل الشيعة 15: 322، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 6.) و منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الكبائر التي قال اللَّه عزّ و جلّ: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ» قال: «التي أوجب اللَّه عليه النار»(وسائل الشيعة 15: 326، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 21.) و منها: بعض جملات صحيح ابن أبي يعفور المتقدّم: «و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) و عن السبزواري: أنّ المعروف بين أصحابنا أنّها ما توعّد اللَّه تعالى عليه العقاب في الكتاب العزيز. و نسبه في «الذخيرة» إلى المشهور. و قيل: إنّها كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّاً و صرّح فيه بالوعيد. و قيل: إنّها كلّ معصية توعّد عليه توعّداً شديداً في الكتاب و السنّة. و قيل: هي كلّ معصية تؤذن بقلّة اعتناء فاعلها بالدين. و قيل: كلّما علمت حرمته بدليل قاطع. و قال بعض المعتزلة: إن أردت الفرق بين الصغيرة و الكبيرة فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها؛ فإن نقصت عن أقلّ مفاسدها فهي من الصغائر، و إلّا فمن الكبائر. و قال السيّد في «العروة الوثقى»: المعصية الكبيرة هي كلّ معصية ورد النصّ بكونها كبيرة، كجملة من المعاصي المذكورة في محلّها، أو ورد التوعيد بالنار عليه في الكتاب أو السنّة صريحاً أو ضمناً، أو ورد في الكتاب أو السنّة كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة أو الموعود عليها بالنار، أو كان عظيماً في أنفس أهل الشرع. و في عبارة المصنّف رحمه الله: «أو شدّد عليها تشديداً عظيماً»، كما ورد في بعض النصوص: أنّ الغيبة أشدّ من الزنا، و الكذب شرّ من الشراب، و في الكتاب العزيز: «الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ»(البقرة( 2): 191.) ، و في آية اخرى: «الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ»(البقرة( 2): 217.) و في عبارته أيضاً: «أو حكم العقل بأنّها كبيرة»، مثل حبس المحصنة للزنا فإنّه أشدّ من القذف بحكم العقل، و مثل إعلام الكفّار بما يوجب غلبتهم على المسلمين، فإنّه أشدّ من الفرار من الزحف بحكمه. و اختلفت عباراتهم في عدد الكبائر أيضاً: فعن الشهيد في «الدروس»: و عدّت سبعاً، و هي إلى السبعين أقرب. و عنه في «الروض»: أنّها عدّت سبعاً، و إلى السبعمائة أقرب. و حكي عن العلّامة الطباطبائي بحر العلوم أنّه عمّم الوعيد بالنار إلى الصريح و الضمني، و أنّه حصر الوارد في الكتاب في أربع و ثلاثين: منها: أربع عشرة ممّا صرّح فيها بخصوصها بالوعيد بالنار؛ و هي الكفر باللَّه العظيم، الإضلال عن سبيل اللَّه، الكذب على اللَّه تعالى، و الافتراء عليه، قتل النفس التي حرّم اللَّه قتلها، الظلم، الركون إلى الظالمين، الكبر، المنع عن الزكاة، التخلّف عن الجهاد، الفرار من الزحف، أكل الربا، أكل مال اليتيم ظلماً، الإسراف. و منها: أربع عشرة ممّا وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار؛ و هي كتمان ما أنزل اللَّه، و الإعراض عن ذكر اللَّه عزّ و جلّ، الإلحاد في بيت اللَّه عزّ اسمه، المنع من مساجد اللَّه، أذية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، الاستهزاء بالمؤمنين، نقض العهد، و نقض اليمين، قطع الرحم، المحاربة و قطع السبيل، الغناء، الزنا، إشاعة الفاحشة، و قذف المحصنات. و منها: ستّة يستفاد من الكتاب العزيز وعيد النار عليها ضمناً؛ و هي الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى، اليأس من روح اللَّه، ترك الحجّ، عقوق الوالدين، الفتنة، و السحر. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قد ذكر الآيات الواردة في القرآن الكريم في خصوص كلّ من الكبائر المزبورة، ثمّ أورد على العلّامة الطباطبائي بما ملخّصه: أوّلًا: أنّه يلزم- بناءً على الحصر في أربع و ثلاثين- أن يكون ما عداها صغائر و غير قادح في العدالة ما لم يكن فيه إصرارٌ، كاللواط، و شرب الخمر، و ترك الصوم يوماً من شهر رمضان، و شهادة الزور، و نحوها، و هو واضح الفساد. و ثانياً: أنّه قد صرّح في بعض الأخبار بجملة من الكبائر و ليست مذكورة فيما حصره(جواهر الكلام 13: 316.) ، انتهى. و قد ذكر أكثر الكبائر في ضمن أحاديث الباب الستّ و الأربعين من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه من «الوسائل»، فراجع(وسائل الشيعة 15: 318، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46.) ثمّ إنّ الصغيرة- بناءً على كونها في مقابل الكبيرة- في نفسها لا تقدح في العدالة، و القادح فيها هو الإصرار عليها، و المراد من الإصرار عليها المداومة و الإقامة عليها، و الإصرار عليها من الكبائر. و يدلّ على كون الإصرار عليها كبيرة- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة- الأخبار: منها: رواية الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا تحقروا شيئاً من الشرّ و إن صغر في أعينكم، و لا تستكثروا شيئاً من الخير و إن كثر في أعينكم؛ فإنّه لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار»(وسائل الشيعة 15: 312، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 43، الحديث 8.) و منها: ذيل حسنة الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «الإيمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر، و هو معرفة بالقلب، و إقرار باللسان، و عمل بالأركان ...» إلى أن قال: «و اجتناب الكبائر؛ و هي قتل النفس التي حرّم اللَّه تعالى، و الزنا، و السرقة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلماً، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ من غير ضرورة، و أكل الربا بعد البيّنة، و السحت، و الميسر- و هو القمار- و البخس في المكيال و الميزان، و قذف المحصنات، و الزنا، و اللواط، و اليأس من روح اللَّه، و الأمن من مكر اللَّه، و القنوط من رحمة اللَّه، و معونة الظالمين، و الركون إليهم، و اليمين الغموس، و حبس الحقوق من غير عسر، و الكذب، و الكبر، و الإسراف، و التبذير، و الخيانة، و الاستخفاف بالحجّ، و المحاربة لأولياء اللَّه، و الاشتغال بالملاهي، و الإصرار على الذنوب»(وسائل الشيعة 15: 329، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 33.) ، نقلناها بطولها لاشتمالها على بعض الكبائر غير المذكورة سابقاً. و منها: ذيل رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين»: «و الإصرار على صغائر الذنوب»(وسائل الشيعة 15: 331، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 36.) و منها: ذيل رواية محمّد بن أبي عمير عن موسى بن جعفر عليهما السلام ... إلى أن قال: «قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لا كبير مع الاستغفار، و لا صغير مع الإصرار»(وسائل الشيعة 15: 335، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 47، الحديث 11.) ثمّ إنّه هل يعتبر في الإصرار على الصغيرة أن يكون الإكثار من نوعٍ واحد، أو لا؟ الظاهر أنّ الإكثار من أنواع مختلفة من الصغائر لا يعدّ إصراراً بالنسبة إلى كلّ واحد منها قطعاً، نعم بالنسبة إلى الجميع يصدق الإصرار و الإدامة على الصغيرة؛ فقد صرّح غير واحد بعدم الفرق بين المداومة على النوع الواحد من الصغيرة و الإكثار منه و بين غيره في صدق الإصرار على الصغيرة؛ لأنّ المراد بها الجنس؛ فمن كرّرت منه الصغيرتان لا من نوع واحد يصدق عليه عرفاً أنّه أصرّ على الصغيرة، و هذا واضح. بقي الكلام في المراد من منافيات المروّة: فهي عبارة عن كلّ فعل تنفّر النفوس عنها و إن لم يكن منهياً عنه في نفسه، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة. و مثّل له في «الجواهر»: بمثل الأكل في الطرقات و لبس الثياب المصبّغات للنساء(جواهر الكلام 13: 280.) ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله بعد ذكر جملة من الكبائر قال: «و أمّا الإشراك باللَّه تعالى و إنكار ما أنزله و محاربة أوليائه فهي من أكبر الكبائر، لكن في عدّها من التي يعتبر اجتنابها في العدالة مسامحة». وجه المسامحة: أنّ هذه المذكورات و نظائرها تزيل أصل الإسلام و الإيمان؛ فلا يصدق عليها أنّها منافية للعدالة حقيقةً؛ إذ التنافي لها يكون مع بقاء الإسلام و الإيمان، و ذلك واضح.

ص: 585

و أمّا الكبائر فهي كلّ معصية ورد التوعيد عليها بالنار أو بالعقاب أو شدّد عليها تشديداً عظيماً، أو دلّ دليل على كونها أكبر من بعض الكبائر أو مثله، أو حكم العقل بأنّها كبيرة، أو كان في ارتكاز المتشرّعة كذلك، أو ورد النصّ بكونها كبيرة. و هي كثيرة: منها اليأس من رَوح اللَّه، و الأمن من مكره، و الكذب عليه أو على رسوله و أوصيائه عليهم السلام، و قتل النفس التي حرّمها اللَّه إلّا بالحقّ، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلماً، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و قطيعة الرحم، و السحر، و الزنا، و اللواط، و السرقة، و اليمين الغموس، و كتمان الشهادة، و شهادة الزور، و نقض العهد، و الحيف في الوصيّة، و شرب الخمر، و أكل الربا، و أكل السحت، و القمار، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما اهِلَّ لغير اللَّه من غير ضرورة، و البخس في المكيال و الميزان، و التعرُّب بعد الهجرة، و معونة الظالمين، و الركون إليهم، و حبس الحقوق من غير عذر، و الكذب، و الكبر، و الإسراف، و التبذير، و الخيانة، و الغيبة، و النميمة، و الاشتغال بالملاهي، و الاستخفاف بالحجّ، و ترك الصلاة، و منع الزكاة، و الإصرار على الصغائر من الذنوب.

و أمّا الإشراك باللَّه تعالى و إنكار ما أنزله و محاربة أوليائه فهي من أكبر الكبائر، لكن في عدّها من التي يعتبر اجتنابها في العدالة مسامحة.

ص: 586

ص: 587

ص: 588

ص: 589

ص: 590

ص: 591

ص: 592

ص: 593

ص: 594

ص: 595

ص: 596

ص: 597

ص: 598

ص: 599

ص: 600

ص: 601

ص: 602

ص: 603

(مسألة 1): الإصرار الموجب لدخول الصغيرة في الكبائر هي المداومة و الملازمة على المعصية من دون تخلّل التوبة.

و لا يبعد أن يكون من الإصرار العزم على العود إلى المعصية بعد ارتكابها و إن لم يعد إليها؛ خصوصاً إذا كان عزمه على العود حال ارتكاب المعصية الاولى. نعم الظاهر عدم تحقّقه بمجرّد عدم التوبة بعد المعصية من دون العزم على العود إليها (1).


1- و لعلّ الوجه في كون العزم على العود إلى المعصية بعد ارتكابها مع عدم العود إلى نفس المعصية إصراراً هو الصدق عرفاً، بل لغةً؛ إذ يصدق على من ارتكب معصية غير كبيرة مع العزم على الإدامة أنّه مصرٌّ عليها؛ ففي «الصحاح» و «القاموس»: أنّ الإصرار الإقامة و الملازمة و المداومة على الشي ء. و حكي عن «مجمع البرهان»: أنّ الإصرار يحصل بالمرّة الواحدة مع العزم على العود و بتكرّر فعل الصغيرة غالباً، و نسبه إلى المشهور. و في «الجواهر»: الظاهر أنّه ليس منه فاعل الصغيرة مع العزم على عدم العود، بل و لا ما لا يخطر بباله عودٌ و عدمه. نعم إذا كان عازماً على العود لا يبعد أن يكون منه عرفاً، بل لغة(جواهر الكلام 13: 322.)، انتهى. و لصاحب «مفتاح الكرامة» هنا كلام في توجيه كون العزم على الصغيرة- بعد فعلها- إصراراً، لا بأس بنقله: قال: و يمكن أن يقال: إنّه لمّا عصى و لم يتب فهو مخاطب بالتوبة، و لمّا لم يتب في الحال فقد عصى؛ فهو في كلّ آنٍ مخاطب بالتوبة، و لمّا لم يتب فقد أقام و استمرّ على عدم التوبة التي هي معصية، و ينزّل ما جاء في الخبر على إرادة العزم؛ فإنّ الفاعل للشي ء العازم على المعاودة عليه مقيم، بل لا معنى للإقامة على الذنب إلّا ذلك؛ إذ ليس المراد الملازمة الفعلية(مفتاح الكرامة 3: 88/ السطر 4.)، انتهى.

ص: 604

(مسألة 2): الأقوى جواز تصدّي الإمامة لمن يعرف من نفسه عدم العدالة مع اعتقاد المأمومين عدالته،

و إن كان الأحوط الترك. و هي جماعة صحيحة يترتّب عليها أحكامها (1).


1- هل يعتبر في جواز الإمامة كون الإمام عادلًا واقعاً- بحيث لا يجوز له الإمامة ما لم يحرز من نفسه العدالة، فضلًا عمّا لو احرز له فسق نفسه- أم لا يعتبر بل يكفي ثبوتها عند المأموم؟ ذهب إلى كلٍّ فريقٌ، الأقوى الجواز؛ للأصل، و عدم الدليل على اعتبار عدالة الإمام واقعاً و شرطيتها في أصل الجماعة. و الأخبار الناهية عن الصلاة إلّا خلف من يوثّق بدينه و أمانته و ورعه(وسائل الشيعة 8: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11.) لا تدلّ على شرطية الوثوق المذكور في أصل الجماعة من حيث هي- أي بحيث يتحقّق في الإمام واقعاً- و تكون حينئذٍ شرطاً واقعياً لصحّة الائتمام، بل غاية مدلولها اعتبار الوثوق بها في صحّة الائتمام؛ فمتى تحقّق الوثوق بها عند المأموم فقد حصل الشرط و إن لم يكن عدلًا في الواقع؛ و لذا تصحّ الصلاة و لو انكشف خلافه على المشهور. و لو سلّمنا ظهور تلك الأخبار في الشرطية الواقعية لوجب صرفها عن ظهورها و حملها على الشرطية في اعتقاد المأموم؛ جمعاً بينها و بين ما دلّ على صحّة صلاة المأموم فيما لو تبيّن بعد الصلاة فسق الإمام أو كفره، كما في مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوم قد خرجوا من خراسان أو بعض الجبال، و كان يؤمّهم رجلٌ، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال: «لا يعيدون»(وسائل الشيعة 8: 374، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 1.) و القائلون بعدم جواز تصدّي الإمامة لمن يعرف من نفسه عدم العدالة مع اعتقاد المأمومين عدالته استدلّوا بمفهوم رواية أبي عبد اللّه السيّاري صاحب موسى و الرضا عليهما السلام قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة، فيقدّم بعضهم فيصلّي بهم جماعة، فقال: «إن كان الذي يؤمّ بهم ليس بينه و بين اللَّه طلبة فليفعل»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 12.) . فمفهومها أنّ من كان بينه و بين اللَّه طلبة و إثم فلا يفعل؛ فلا يجوز له الإمامة. و لقد بالغ صاحب «الحدائق» رحمه الله في تقوية هذا القول، و أطال الكلام فيه حتّى تمسّك في الاستدلال له برواية السيّاري المزبورة، و قال: إنّها من أظهر الأدلّة(الحدائق الناضرة 10: 69.) ، و لم يلاحظ ضعفها. و الجواب عن الاستدلال المذكور: أنّ الرواية ضعيفة سنداً بأبي عبد اللّه السيّاري- و هو أحمد بن محمّد بن سيّار- و قد ضعّفه جماعة، قال النجاشي في حقّه: ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفوّ الرواية، كثير المراسيل، كذا قال الشيخ في «الفهرست». و قال ابن الغضائري: إنّه ضعيف متهالك غالٍ محرّف. و أجاب صاحب «الجواهر» رحمه الله عن الرواية بأنّه يحتمل إرادة عدم معرفة من ائتمّ به ذلك منه أو الفرد الكامل(جواهر الكلام 13: 277.) و فيه: أنّ حملها على إرادة عدم معرفة من ائتمّ به ذلك منه بعيدٌ غاية البعد. نعم لا يبعد حملها على إرادة الفرد الكامل، كما يومئ إليه جواب أبي جعفر عليه السلام عن سؤال السيّاري ثانياً، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ القوم من مواليك يجتمعون، فتحضر الصلاة فيؤذّن بعضهم و يتقدّم أحدهم فيصلّي بهم، فقال: «إن كانت قلوبهم كلّها واحدة فلا بأس»، قال: و من لهم بمعرفة ذلك؟ قال: «فدعوا الإمامة لأهلها»(وسائل الشيعة 8: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 4.) و يؤمي إليه أيضاً ما رواه في «الفقيه» عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إمام القوم وافدهم؛ فقدّموا أفضلكم»(الفقيه 1: 247/ 1100، وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 2.) قال في «روضة المتّقين» في شرح الخبر: وافدهم أي رسولهم و المتكلّم عنهم؛ و لهذا ورد القرآن بلفظ الجماعة ملفوظاً في «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» و مثله، و مقدّراً في «الْحَمْدُ لِلَّهِ» و نحوه؛ و لهذا لا يقرأ خلفه كما سيجي ء؛ فقدّموا أفضلكم من جهة العلم و التقوى و الزهد و أنواع القرب ليصير صلاتكم ببركة صلاته مقبولة(روضة المتّقين 2: 490.) ، انتهى. و ما رواه أيضاً في «الفقيه» عنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إن سرّكم أن تزكّوا صلاتكم؛ فقدّموا خياركم»(الفقيه 1: 247/ 1101، وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 3.) بقي الكلام في ثمرة القولين في المسألة؛ فعلى القول بالجواز تكون الجماعة صحيحة و تترتّب عليها أحكامها، كرجوع الإمام في شكّه- مثلًا- إلى حفظ المأموم و البناء على صحّة صلاته فيما إذا كانت الجماعة شرطاً للصحّة، كالجمعة و المعادة. و على القول بعدم الجواز لا تنعقد الجماعة، و لا تترتّب أحكامها بالنسبة إليه.

ص: 605

ص: 606

ص: 607

(مسألة 3): تثبت العدالة بالبيّنة و الشياع الموجب للاطمئنان، بل يكفي الوثوق و الاطمئنان من أيّ وجه حصل؛

و لو من جهة اقتداء جماعة من أهل البصيرة و الصلاح. كما أنّه يكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّاً عن العدالة، بل الأقوى كفاية حسن الظاهر و لو لم يحصل منه الظنّ، و إن كان الأحوط اعتباره (1).


1- ثبوت العدالة بالبيّنة القائمة عليها ممّا لا إشكال فيه؛ لكونها حجّة شرعية. و كذا لا إشكال في ثبوتها بالشياع بين المتديّنين المتشرّعين حيث إنّه موجب للاطمئنان بالعدالة، بل يكفي الوثوق و الاطمئنان بها من أيّ وجه و طريق حصل، و لو من جهة اقتداء جماعة من أهل البصيرة و الصلاح؛ و ذلك لإطلاق رواية أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ مواليك قد اختلفوا فاصلّي خلفهم جميعاً، فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 2.) و وجه القوّة في ثبوت العدالة بكفاية حسن الظاهر و لو لم يحصل منه الظنّ هو إطلاق ذيل مرسل يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البيّنة إذا اقيمت على الحقّ، أ يحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، و المناكح، و الذبائح، و الشهادات، و الأنساب؛ فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يسأل عن باطنه»(وسائل الشيعة 27: 392، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 3.) و يمكن استفادته أيضاً من بعض فقرات صحيح ابن أبي يعفور المتقدّم، حيث إنّه اكتفى في معرفة عدالة الرجل بكونه معروفاً بالستر و العفاف و بالتعاهد للصلوات إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ؛ «فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه؛ فإنّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) و من الواضح: أنّ مساق هذه الفقرة من الصحيح المزبور المعاملة مع الشخص الذي يحضر الجماعة في الأوقات الخمسة معاملة العادل، لا أنّه إرشاد إلى ما يفيد الظنّ الفعلي بالعدالة، هذا. و لكن التأمّل الدقيق في الصحيح و أنّ العناية فيه بخصوص المواظبة على الصلوات الخمس كلّها، و حفظ مواقيتها، و الحضور في الجماعة، و عدم التخلّف عنها إلّا من علّة، و كذا كونه ساتراً لجميع عيوبه، و معروفيته في قبيلته و محلّته بالخير، يورث الظنّ القوي بالعدالة.

ص: 608

ص: 609

(مسألة 4): لا يجوز إمامة القاعد للقائم، و لا المضطجع للقاعد،
اشارة

و لا من لا يحسن القراءة- بعدم تأدية الحروف من مخرجه أو إبداله بغيره حتّى اللحن في الإعراب و إن كان لعدم استطاعته- لمن يحسنها، و كذا الأخرس للناطق و إن كان ممّن لا يحسنها. و في جواز إمامة من لا يحسن القراءة- في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم، كالركعتين الأخيرتين- لمن يحسنها إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).

هذه المسألة تتضمّن مسائل:
الاولى: لا تجوز إمامة القاعد للقائم؛

1- للإجماع المدّعى في كلام جماعة. و لأصالة عدم المشروعية. و لما روي عن الفريقين، و رواه في «الفقيه» عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صلّى بأصحابه جالساً، فلمّا فرغ قال: لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً»(وسائل الشيعة 8: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 1.) ، و استدلّ أيضاً بموثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يؤمّ المقيّد المطلقين، و لا صاحب الفلج الأصحّاء، و لا صاحب التيمّم المتوضّئين»(وسائل الشيعة 8: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 22، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و ضعف سند بعضها منجبر بعمل الأصحاب. و نسب إلى ابن حمزة في «الوسيلة» و «الواسطة»: القول بالكراهة، و إليه ذهب صاحب «الوسائل» حيث عقد الباب بعنوان «باب كراهة إمامة المقيّد المطلقين، و صاحب الفلج الأصحّاء». و لعلّ الوجه فيه إطلاق أدلّة انعقاد الجماعة مع ضعف رواية السكوني. و فيه أوّلًا: أنّ السكوني عامّي موثّق. و ثانياً: أنّه على فرض ضعفه منجبر بعمل الأصحاب. و في «الحدائق»(الحدائق الناضرة 11: 193.) بما لخّصه في «الجواهر»: و من غفلات صاحب «الوسائل»: أنّه تفرّد بالقول بالكراهة مع إجماع الأصحاب على التحريم و صراحة الخبر فيه بلا معارض(جواهر الكلام 13: 328.) و ذهب جماعة من العامّة- كأبي حنيفة و الشافعي و الثوري و أبي ثور و مالك- إلى الجواز من غير كراهة، و اعتمدوا بفعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم. و قال جماعة اخرى منهم- كالأوزاعي و أحمد و غيرهما- بجواز إمامة القاعد مع جلوس المأمومين خلفه قادرين على القيام؛ لرواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به؛ فلا تختلفوا عليه»(مسند الإمام أحمد بن حنبل 2: 314.) و في رواية اخرى عنه صلى الله عليه و آله و سلم: «و إذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً أجمعون»(نفس المصدر.) هذا كلّه في إمامة القاعد للقائم. و أمّا إمامة القاعد للقاعد العاجز عن القيام فتجوز إجماعاً، كما ادّعاه في «التذكرة»(تذكرة الفقهاء 4: 289.) لأصالة عدم المشروعية، حيث إنّ المأموم وظيفته الصلاة قاعداً؛ فمع الائتمام بالمضطجع فإن تابعه مضطجعاً لزم العمل على خلاف وظيفته، و إن لم يتبعه بل عمل بوظيفته قاعداً لزم الإخلال بالمتابعة. إمّا لعدم إخراج الحرف عن مخرجه، أو لعدم إبداله بآخر، أو حذفه، أو نحو ذلك؛ حتّى اللحن في الإعراب- لمن يحسنها على المشهور، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه. و استدلّ له بأصالة عدم المشروعية، و بأنّ قراءة الإمام غير الصحيحة لا تجزي عن قراءة المأموم. و الاجتزاء بقراءة الإمام في الجماعة و سقوطها عن المأموم بضمان الإمام إيّاها إنّما هو فيما كانت قراءة الإمام صحيحة لا مطلقاً. و القول بوجوب قراءة المأموم بالمقدار الذي لا يحسنه الإمام ممّا لم يعهد من الشرع، و لم يقل به أحدٌ. ثمّ إنّه لا فرق فيمن لا يحسن القراءة بين أن لا يحسنها اختياراً، و بين أن لا يحسنها لعدم استطاعته على القراءة الصحيحة؛ فلا تجوز إمامة الملحن للمتقن مطلقاً؛ لأنّ الإمام يتحمّل ما هو وظيفة المأموم- لو صلّى منفرداً- من القراءة الصحيحة المأمور بها، و غير المستطيع على القراءة الصحيحة و إن كان معذوراً في قراءة نفسه و لكنّه لا يتحمّل وظيفة الغير. و قال الشيخ في «المبسوط» بكراهة إمامة من يلحن في قراءته؛ سواء كان في الحمد أو غيرها، أحال المعنى أو لم يحل، إذا لم يحسن إصلاح لسانه(المبسوط 1: 153.) و نسب إلى «السرائر» القول بالجواز فيما إذا لم يغيّر المعنى. و إن كان ممّن لا يحسنها؛ و ذلك لأنّ الأخرس لا قراءة له، و وظيفته الإشارة إلى القراءة. و الإمام بقراءته يتحمّل قراءة المأموم، و لا دليل على إجزاء إشارة الإمام عن قراءة المأموم، و مقتضى الأصل عدم المشروعية. و في جواز إمامة الأخرس لمثله إشكال، ينشأ من أنّ المجزي للمأموم قراءة الإمام؛ فلا قراءة له حتّى يجزي عن المأموم فلا تجوز، و من أنّ المأموم لا قراءة له حتّى يخلّ الائتمام على الأخرس. و الأحوط الترك؛ خصوصاً مع وجود غيره. - كالأذكار الواجبة و المستحبّة و التشهّد و السلام- لمن يحسنها، أم لا؟ إشكال عند المصنّف رحمه الله ينشأ من عدم جواز إمامة الناقص للكامل فلا تجوز، و من عدم تحمّل الإمام غير القراءة في الركعتين الأوّلتين فتجوز، مع فرض صحّة صلاة الإمام واقعاً في مفروض المسألة. و الأقوى- وفاقاً لجماعة كثيرة من فقهائنا- الجواز؛ لحصول التبعية فيما يتحمّله الإمام مع كونه محسناً فيه. و لا متابعة و لا تحمّل في غير القراءة، بل يجب فعله على نفس المأموم، و عدم جواز إمامة الناقص للكامل و إن كان مسلّماً، و لكنّه بالنسبة إلى ما يتحمّله الإمام لا مطلقاً. و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الأقوى جواز الاقتداء بمن لا يحسن القراءة عن غير استطاعة في الركعة الثالثة و الرابعة؛ لأنّ الإمام لا يتحمّل فيهما شيئاً، بل القراءة فيهما على عهدة المأموم، و إن قرأ الإمام فيهما الحمد. فكلّ من الإمام و المأموم يعمل بوظيفته من غير متابعة في القراءة فيهما، و لا وجه لاحتياط المصنّف رحمه الله.

ص: 610

ص: 611

الثانية: لا تجوز إمامة المضطجع للقاعد؛
الثالثة: لا تجوز إمامة من لا يحسن القراءة-

ص: 612

الرابعة: لا تجوز إمامة الأخرس للناطق
الخامسة: هل تجوز إمامة من لا يستطيع أن يحسن ما لا يتحمّله الإمام

ص: 613

(مسألة 5): جواز الاقتداء بذوي الأعذار مشكلٌ،

لا يترك الاحتياط بتركه؛ و إن كان إمامته لمثله أو لمن هو متأخّر عنه رتبةً- كالقاعد للمضطجع- لا يخلو من وجه. نعم لا بأس بإمامة القاعد لمثله و المتيمّم وذي الجبيرة لغيرهما (1).


1- قد علم من مطاوي ما ذكرناه في ضمن البحث عن المسألة الرابعة من المتن عدم جواز اقتداء الكامل بالناقص، كاقتداء القائم بالقاعد و القاعد بالمضطجع. و ادّعى صاحب «الجواهر» رحمه الله إمكان دعوى استفادة اعتبار عدم نقصان صلاة الإمام نفسها عن صلاة المأموم من استقراء الأدلّة(جواهر الكلام 13: 327.)، انتهى. و الحاصل: أنّه لا يجوز الاقتداء بذوي الأعذار. نعم يجوز إمامته لمثله أو من هو متأخّر عنه رتبةً، كالقاعد للمضطجع. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوساً و هو جالسٌ»(وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قوم قطع عليهم الطريق و اخذت ثيابهم فبقوا عراةً و حضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال: «يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماءً بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم»(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) و النبوي المروي عن الفريقين المتقدّم الدالّ على النهي عن إمامة الجالس: «لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً»(وسائل الشيعة 8: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 1.) ، محمولٌ على ما إذا كان المأموم قائماً. و صاحب «الجواهر» رحمه الله ادّعى عدم الخلاف في جواز ائتمام كلّ مساوٍ بمساويه نقصاً أو كمالًا، و الناقص بالكامل(جواهر الكلام 13: 330.) و كذا يجوز إمامة المتيمّم للمتوضّي، وذي الجبيرة لغيره. و يدلّ على جواز إمامة المتيمّم للمتوضّي- مضافاً إلى الشهرة المدّعاة في كلام جماعة- صحيح جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إمام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللَّه جعل التراب طهوراً»(وسائل الشيعة 8: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 1.) و موثّق عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب ثمّ تيمّم فأمّنا و نحن طهور، فقال: «لا بأس به»(وسائل الشيعة 8: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 2.) و غيرهما من روايات الباب. و ما دلّ على عدم الجواز محمول على الكراهة؛ جمعاً بين الأخبار، كموثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «لا يؤمّ صاحب التيمّم المتوضّئين، و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء»(وسائل الشيعة 8: 328، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 5.) و موثّق عباد بن صهيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لا يصلّي المتيمّم بقوم متوضّئين»(وسائل الشيعة 8: 328، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 6.) ، و غيرهما من روايات الباب. و الدليل على جواز إمامة ذي الجبيرة لغيره الشهرة المدّعاة في كلام جماعة. و يظهر من السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» الاستدلال على جواز إمامة ذي الجبيرة لغيره بذيل صحيح جميل المتقدّم: «فإنّ اللَّه جعل التراب طهوراً»(مستمسك العروة الوثقى 7: 326.) ، و لعلّه رحمه الله يريد عموم التعليل؛ أي كما أنّ التراب جعل طهوراً للمعذور عن الطهارة المائية كذلك جعل طهارة ذي الجبيرة طهوراً له. و زاد السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» «مستصحب النجاسة من جهة العذر لغيره»، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس و المبطون لغيرهما، فضلًا عن مثلهما، و كذا إمامة المستحاضة للطاهرة(العروة الوثقى 1: 798، المسألة 2.) و في «التذكرة»: يجوز للطاهر أن يأتمّ بالمستحاضة؛ لأنّها متطهّرة؛ فأشبهت المتيمّم. و يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس؛ لأنّه متطهّر، و الحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم، و يجوز ائتمام الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة؛ لأنّه كالمتيمّم(تذكرة الفقهاء 4: 303.)، انتهى.

ص: 614

ص: 615

ص: 616

(مسألة 6): لو اختلف الإمام مع المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً صحّ الاقتداء به-

و إن لم يتّحدا في العمل- فيما إذا رأى المأموم صحّة صلاته مع خطائه في الاجتهاد أو خطأ مجتهده، كما إذا اعتقد المأموم وجوب التسبيحات الأربعة ثلاثاً، و رأى الإمام أنّ الواجب واحدة منها و عمل به. و لا يصحّ الاقتداء مع اعتقاده- اجتهاداً أو تقليداً- بطلان صلاته (1).


1- لو اختلف الإمام و المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً صحّ الاقتداء به فيما اتّحدا في العمل بلا إشكال؛ سواء قال الإمام بوجوبه و المأموم باستحبابه أو بالعكس، و بالأخرة قد أتى الإمام ما هو المعتبر عند المأموم اجتهاداً أو تقليداً، فلا اختلاف بينهما في مقام العمل، و إن كان بينهما اختلاف في الرأي، و هو غير قادح في الائتمام. و إنّما الكلام فيما لم يتّحدا في العمل، كما إذا رأى المأموم اجتهاداً أو تقليداً وجوب التسبيحات الأربعة ثلاثاً و رأى الإمام وجوبها مرّة واحدة و اكتفى في مقام العمل بالمرّة؛ و حينئذٍ فإمّا أن يرى المأموم اجتهاداً أو تقليداً صحّة صلاة الإمام مع خطأه في الاجتهاد أو خطأ مجتهده، أو يرى بطلان صلاته جزماً و وجداناً. فبناءً على صحّة صلاة الإمام في اعتقاد المأموم يصحّ الاقتداء به؛ لأنّ كلّاً من الإمام و المأموم استند إلى الدليل الشرعي الظنّي الاجتهادي في العمل بوظيفته، و لكلّ منهما حجّة شرعية بالنسبة إلى ما وصل إليه نظره أو نظر مجتهده من الحكم الشرعي الظاهري، و ليس لأحدهما الحكم ببطلان صلاة الآخر. فصلاة كليهما صحيحة على الفرض، و يجوز اقتداء أحدهما بالآخر. و بالجملة: المأموم المعتقد بوجوب التسبيحات الأربعة ثلاث مرّات يجوز له أن يقتدي بإمام يعتقد بوجوبها مرّة واحدة و يكتفي بها؛ لكون صلاته صحيحة عند المأموم. و بناءً على بطلان صلاة الإمام في اعتقاد المأموم علماً وجدانياً لا يصحّ الاقتداء؛ إذ مع انكشاف الواقع و بطلان صلاة الإمام واقعاً لدى المأموم كيف يصحّ له الاقتداء بالصلاة المقطوع فسادها؟! فلو اقتدى بطلت صلاته. و لا يخفى: أنّ جواز الاقتداء فيما لم يتّحدا في العمل مع كون نظر المأموم و رأيه صحّة صلاة الإمام مبني على القول بالسببية و الموضوعية في أدلّة حجّية ما وصل إليه نظر المجتهد بالطرق الاجتهادية؛ فحينئذٍ يرى المأموم عمل الإمام موافقاً للحكم الواقعي الفعلي المتوجّه إليه. و أمّا على القول بالطريقية و العذرية في أدلّة الحجّية فلا يجوز له الاقتداء؛ لأنّ معنى حجّية ما وصل إليه نظر المجتهد حينئذٍ إلغاء احتمال الخلاف؛ فحينئذٍ يجب على المأموم ترتيب آثار الفساد على صلاة الإمام، فكيف يصحّ له الائتمام؟! و بالجملة: فبناءً على الطريقية في أدلّة الحجّية لا فرق بين حصول العلم للمأموم بوجوب شي ء في الصلاة و بين قيام الدليل العلمي عليه عنده في عدم جواز الاقتداء على من لا يعتقد بوجوبه مع فرض كونه تاركاً له، بخلاف القول بالسببية و الموضوعية فيها فإنّه فرق بينهما؛ فلا يجوز الائتمام لدى حصول العلم للمأموم بوجوب شي ء، و يجوز فيما قام الدليل العلمي عليه عنده.

ص: 617

كما يشكل ذلك فيما إذا اختلفا في القراءة (1).


1- إذا اختلف الإمام و المأموم فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له و كان قراءة الإمام صحيحة عنده و باطلة عند المأموم من جهة ترك الإدغام اللازم أو المدّ اللازم أو نحو ذلك، فمشكل ائتمامه به عند المصنّف رحمه الله. ينشأ من أنّ الإمام ضامن لقراءة المأموم على فرض كون قراءته لا مطلقاً، و المفروض بطلان قراءته لدى المأموم، فكيف يخرج الضامن عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون له؟! فلا يجوز الائتمام. و من أنّ القراءة ساقطة عن المأموم بضمان الإمام عليها؛ فهي في عهدة الإمام بحيث يجب على الإمام الخروج عنها، حسب وظيفة نفسه و لا شي ء على المأموم؛ فيصحّ الائتمام. و فيه: أنّ المسقط عن المأموم و المبرء ذمّته في الجماعة عبارة عن القراءة الصحيحة للإمام لدى المأموم؛ فذمّة المأموم مشغولة بها ما دام لم يؤدّ الإمام القراءة الصحيحة، فبمجرّد ضمان الإمام إيّاها لا تسقط ذمّة المأموم. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: نعم يمكن أن يقال بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه كأن قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً(العروة الوثقى 1: 794، المسألة 31.) و فيه: أنّ إثبات صحّة الجماعة و مشروعيتها بالقراءة التلفيقية بعضها من الإمام و بعضها من المأموم يحتاج إلى دليل مفقود، و مقتضى الأصل عدم مشروعية الجماعة الكذائية.

ص: 618

و لو رأى المأموم صحّة صلاته- كما لو لم ير الإمام وجوب السورة و تركها، و رأى المأموم وجوبها- فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء (1).


1- و الوجه في الاحتياط بترك الاقتداء هو احتمال عدم خروج الإمام عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون له، على ما ذكرناه مفصّلًا في صورة اختلافهما فيما تعلّق بالقراءة.

ص: 619

نعم إذا لم يعلم اختلافهما في الرأي يجوز الائتمام، و لا يجب الفحص و السؤال.

و أمّا مع العلم باختلافهما في الرأي و الشكّ في تخالفهما في العمل فالأقوى عدم جواز الاقتداء فيما يرجع إلى المسائل التي لا يجوز معها الاقتداء مع وضوح الحال، و يشكل فيما يرجع إلى المسائل المحكومة بالإشكال (1).

(مسألة 7): لو دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت و اعتقد المأموم عدمه أو شكّ فيه،

لا يجوز له الائتمام في تلك الصلاة. نعم لو علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام، جاز له الائتمام عند دخوله إذا دخل الإمام على وجه يحكم بصحّة صلاته (2).


1- إذا لم يعلم اختلاف الإمام و المأموم في الرأي يجوز الائتمام؛ لإحراز صحّة صلاة الإمام- و لو بإجراء أصالة الصحّة فيها- و لا يجب الفحص و السؤال؛ لأصالة البراءة عن وجوب الفحص بعد ثبوت جواز الائتمام. و إذا علم اختلافهما في الرأي و شكّ في تخالفهما في العمل، فالأقوى عدم جواز الاقتداء فيما يرجع إلى المسائل التي لا يجوز معها الاقتداء مع وضوح الحال، كما فيما يعتقد المأموم اجتهاداً أو تقليداً بطلان صلاة الإمام. و لعلّ الوجه فيه اشتغال ذمّة المأموم يقيناً حتّى يحصل له اليقين بالبراءة بتحمّل الإمام ما هو وظيفة المأموم. و يشكل فيما يرجع إلى المسائل المحكومة بالإشكال، كما فيما إذا اختلفا في القراءة، و فيما رأى المأموم وجوب السورة و رأى الإمام عدم وجوبها و تركها.
2- هذه المسألة مبتنية على التفصيل المذكور في المسألة الرابعة عشرة من مسائل «أوقات الصلوات اليومية» من المتن- لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى أو عوّل على أمارة معتبرة كشهادة العدلين، فإن وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت، و إن وقع بعضها فيه و لو قليلًا منها صحّت- و قد ذكرنا هناك: أنّ من صلّى باعتقاد دخول الوقت جازماً أو اعتماداً على الأمارة المعتبرة فبان له وقوع بعض صلاته و لو قليلًا في الوقت صحّت صلاته؛ لرواية إسماعيل بن رباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك»(وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.) ، و سند الرواية على فرض ضعفه منجبر بعمل الأصحاب. و نقول هاهنا: لو دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت و اعتقد المأموم عدمه، لا يجوز له الائتمام؛ لبطلان صلاة الإمام في اعتقاد المأموم؛ لوقوعه قبل الوقت؛ فكيف يصحّ له الائتمام بصلاة باطلة؟! و كذا لا يجوز له الائتمام فيما لو شكّ في دخول الوقت؛ لاستصحاب عدم دخول الوقت. نعم لو دخل الإمام في الصلاة قبل الوقت على وجه يحكم بصحّة صلاته- بأن تيقّن بدخول الوقت أو عوّل على أمارة معتبرة و دخل في الصلاة- و علم المأموم أو قام عنده أمارة معتبرة بدخول الوقت، جاز له الائتمام؛ لأنّ المفروض- كما ذكرنا- صحّة صلاة الإمام. و أمّا لو دخل الإمام في الصلاة قبل الوقت على وجه لا يحكم بصحّة صلاته فلا يجوز الائتمام و إن علم المأموم بدخول الوقت في أثناء الصلاة. ففي «العروة الوثقى»: نعم لو دخل الإمام نسياناً من غير مراعاة للوقت أو عمل بظنّ غير معتبر لا يجوز الائتمام به و إن علم المأموم بالدخول في الأثناء؛ لبطلان صلاة الإمام- حينئذٍ- واقعاً، و لا ينفعه دخول الوقت في الأثناء في هذه الصورة؛ لأنّه مختصّ بما إذا كان عالماً أو ظانّاً بالظنّ المعتبر(العروة الوثقى 1: 797، المسألة 38.) ، انتهى.

ص: 620

ص: 621

(مسألة 8): لو تشاحّ الأئمّة فالأحوط الأولى ترك الاقتداء بهم جميعاً.

نعم إذا تشاحّوا في تقديم الغير و كلّ يقول: تقدّم يا فلان، يرجّح من قدّمه المأمومون، و مع الاختلاف أو عدم تقديمهم يقدّم الفقيه الجامع للشرائط، و إن لم يكن أو تعدّد يقدّم الأجود قراءةً، ثمّ الأفقه في أحكام الصلاة، ثمّ الأسنّ (1).


1- لو تشاحّ الأئمّة لغرض دنيوي- العياذ باللَّه- سقطوا عن العدالة و رجع تشاحّهم إلى التكالب على الرئاسة الدنيوية، إلّا أن يدّعي كلّ واحد منهم أنّه المتّصف بالأولوية الموجبة للتقدّم أو أنّه للرغبة في تحصيل ثواب الإمامة، فالأحوط الأولى حينئذٍ ترك الاقتداء بهم جميعاً؛ لأنّ منزلة الإمامة على الجماعة أجلّ من أن يكون مورد المنازعة و التشاحّ- و لو لتحصيل الثواب لنفسه- و ليس هذا من قبيل الاستباق إلى الخيرات المطلوب في الشرع، بل هو من قبيل منع الغير عن تحصيل الثواب في الحقيقة، و هو لا يناسب شأن إمام الجماعة. و في «مصباح الفقيه»: فالأولى ترك الائتمام بجميعهم؛ إذ قلّما يبقى معه الوثوق بخلوص إمامتهم عن قصد الرئاسة(مصباح الفقيه، الصلاة: 612/ السطر 17.)، انتهى. و لو تشاحّوا في تقديم الغير و كلّ يقول: تقدّم يا فلان، يرجّح من قدّمه المأمومون، و مع الاختلاف أو عدم تقدّم أحدهم الخاصّ يقدّم الفقيه الجامع لشرائط الإمامة، كما ذهب إليه العلّامة في «المختلف» و صاحب «المدارك» و السبزواري في «الذخيرة» و صاحب «الحدائق»، و اختاره المصنّف رحمه الله. و استدلّ له في «المختلف»(مختلف الشيعة 2: 493.) بأنّ الأفقه أشرف و أعلم بأركان الصلاة و إمكان تدارك السهو و مراتبه و كيفية الصلاة؛ فيكون أولى بالتقديم؛ قال اللَّه تبارك و تعالى: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»(الزمر( 39): 9.) ، انتهى. و نحوه قوله تعالى: «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى»(يونس( 10): 35.) و استدلّ جماعة بحكم العقل بقبح تقديم المفضول على الفاضل، كما هو مفروغ عنه بين الإمامية. و استدلّ أيضاً بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الصلاة خلف العبد؟ فقال: «لا بأس به إذا كان فقيهاً و لم يكن هناك أفقه منه»(وسائل الشيعة 8: 325، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 16، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن المملوك يؤمّ الناس؟ فقال: «لا، إلّا أن يكون هو أفقههم و أعلمهم»(وسائل الشيعة 8: 326، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 16، الحديث 3.) و رواية عبد الرحمن العرزمي عن أبيه، رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من أمّ قوماً و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة»(وسائل الشيعة 8: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 1.) و ما رواه في «الفقيه» قال: و قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «إمام القوم وافدهم؛ فقدّموا أفضلكم»(وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 2.) و موثّق مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أئمّتكم وافدكم إلى اللَّه؛ فانظروا من توفدون في دينكم و صلاتكم»(وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 4.) و بما رواه الشهيد في «الذكرى» عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من صلّى خلف عالم فكأنّما صلّى خلف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 8: 348، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 5.) ، و غيرها من الروايات الدالّة على فضل العلماء، و أنّهم الحجج على الناس، و أنّهم كأنبياء بني إسرائيل. و ذهب جماعة بتقديم الأقرأ على الأفقه. و صاحب «الحدائق» نسب هذا القول إلى المشهور بين الأصحاب(الحدائق الناضرة 11: 204.) و استدلّ له بما رواه الكليني عن أبي عبيدة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة، فيقول بعض لبعض: تقدّم يا فلان، فقال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: يتقدّم القوم أقرأهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّاً، فإن كانوا في السنّ سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة و أفقههم في الدين. و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله، و لا صاحب سلطان في سلطانه»(وسائل الشيعة 8: 351، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 28، الحديث 1.) و بما رواه في «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: «يؤمّ القوم أقدمهم هجرةً، فإن استووا فأقرأهم، و إن استووا فأفقههم، و إن استووا فأكبرهم سنّاً، و صاحب المسجد أحقّ بمسجده»(مستدرك الوسائل 6: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 2.) و بما رواه في «فقه الرضا»: «إنّ أولى الناس بالتقدّم في الجماعة أقرأهم للقرآن، و إن كانوا في القرآن سواء فأفقههم، و إن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرةً، و إن كانوا في الهجرة سواء فأسنّهم، فإن كانوا في السنّ سواء فأصبحهم وجهاً، و صاحب المسجد أولى بمسجده»(مستدرك الوسائل 6: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 4.) ثمّ إنّ صاحب «الحدائق» بعد ذكر أخبار القولين المذكورين في المسألة حمل الأخبار الدالّة على تقديم الأقرأ على التقية، و قال: و الذي يقرب عندي أنّ هذه الأخبار الدالّة على تقديم الأقرأ إنّما خرجت مخرج التقية؛ فإنّه قول جمهور العامّة، و به تكاثرت أخبارهم(الحدائق الناضرة 11: 207.) ، انتهى. و يمكن حملها- كما في «الجواهر»- على أنّ المراد بالأقرإ فيها هو العالم بالأحكام مع القراءة أيضاً؛ لأنّها في زمن الصحابة كانت مستلزمة للفقه؛ إذ حكي عن ابن مسعود: أنّا كنّا لا نتجاوز عشر آيات حتّى نعرف أمرها و نهيها و أحكامها و المراد منها(جواهر الكلام 13: 360.) ، انتهى موضع الحاجة. ثمّ إنّه يستفاد من خبر أبي عبيدة المتقدّم تقديم الأسنّ ثمّ الأفقه في الدين، عكس ما ذكره المصنّف رحمه الله. و ترتيب المصنّف يستفاد من روايتي «فقه الرضا عليه السلام» و «دعائم الإسلام» المتقدّمين، و ما روي عن «كنز العمّال» عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يؤمّ القوم أقرأهم لكتاب اللَّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّاً»(كنز العمّال 8: 265/ 22849.)

ص: 622

ص: 623

ص: 624

ص: 625

و الإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره و إن كان أفضل، لكن الأولى له تقديم الأفضل (1)، و صاحب المنزل أولى من غيره المأذون في الصلاة، و الأولى له تقديم الأفضل (2).


1- و يدلّ على أولوية الإمام الراتب في المسجد على غيره- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا- رواية «دعائم الإسلام» المتقدّمة: «و صاحب المسجد أحقّ بمسجده» ، و كذا رواية «فقه الرضوي» المتقدّمة: «و صاحب المسجد أولى بمسجده» ؛ فالإمام الراتب أولى من غيره مطلقاً- أي و إن كان غيره أفضل منه- و هو مقتضى إطلاق الأحقّية و الأولوية في الروايتين. و لكنّ الأولى للإمام الراتب تقديم الأفضل؛ لأولويته، كما يستفاد من رواية العرزمي و موثّق مسعدة بن صدقة و غيرهما، و هو لا ينافي أولوية صاحب المسجد؛ فصاحب المسجد أولى فيما لم يكن أفضل منه.
2- وجه أولوية صاحب المنزل من غيره المأذون في الصلاة خبر أبي عبيدة المتقدّم: «و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله»(وسائل الشيعة 8: 351، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 28، الحديث 1.) و وجه أولوية تقديم صاحب المنزل الأفضل ما ذكرناه في وجه تقديم الإمام الراتب الأفضل.

ص: 626

و الهاشمي أولى من غيره المساوي له في الصفات (1). و الترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضلية و الاستحباب، لا على وجه اللزوم و الإيجاب حتّى في أولوية الإمام الراتب، فلا يحرم مزاحمة الغير له و إن كان مفضولًا من جميع الجهات، لكن مزاحمته قبيحة، بل مخالفة للمروّة و إن كان المزاحم أفضل منه من جميع الجهات (2).


1- و الوجه فيه ما رواه العامّة من قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «قدّموا قريشاً، و لا تقدموهم»(كنز العمّال 12: 22/ 33789.)
2- و العلّامة رحمه الله في «التذكرة» بعد ذكر الترجيحات قال: فإن استووا في ذلك كلّه فالأقرب القرعة، و به قال أحمد؛ لأنّ سعد بن أبي وقّاص أقرع بينهم في الأذان؛ فالإمامة أولى، و لأنّهم تساووا في الاستحقاق و تعذّر الجمع فاقرع بينهم. فلو قدّم المفضول جاز، و لا نعلم فيه خلافاً(تذكرة الفقهاء 4: 311.) ، انتهى. نعم حكي عن العمّاني و ظاهر «المبسوط» و صريح «المراسم» القول بإيجاب تقديم الأقرأ على الأفقه، و لا دليل معتبر لهم على الإيجاب، مع عدم الخلاف في استحباب المراتب المذكورة في الروايات التي ذكرناها. و حملها على الاستحباب من باب التسامح في أدلّة السنن. فإذا كان الترجيح في المراتب المذكورة من باب الأفضلية فلا يحرم تقدّم المفضول من جميع الجهات على الأفضل كذلك ما لم يبلغ حدّ المزاحمة؛ فإذا بلغ ذلك الحدّ يعدّ منافياً للمروّة. و على القول باعتبار الاجتناب عن منافيات المروّة في العدالة لا يصلح المزاحم للإمامة. و قد قلنا في البحث عن العدالة: إنّ ارتكاب منافيات المروّة لا يخلّ بالعدالة ما لم ينطبق عليه بعض العناوين المحرّمة، كالتوهين و الإذلال و الهتك.

ص: 627

(مسألة 9): الأحوط للأجذم و الأبرص و المحدود بعد توبته ترك الإمامة و ترك الاقتداء بهم

(1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا إلى جواز إمامة الأجذم و الأبرص مع كراهة، و هذا القول مشهور بين المتأخّرين، و في «الرياض»: بل عامّة المتأخّرين إلّا النادر منهم، و حكي عن السيّد في «الانتصار» الإجماع عليه. و الشيخ رحمه الله حمل أخبار الجواز على صورة الضرورة بأن لا يوجد غيرهما، أو أن يكونا إمامين لأمثالهما. و دليل المشهور على الجواز رواية عبد اللّه بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال: «نعم»، قلت: هل يبتلي اللَّه بهما المؤمن؟ قال: «نعم، و هل كتب اللَّه البلاء إلّا على المؤمن»(وسائل الشيعة 8: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 1.) و صحيح حسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المجذوم و الأبرص منّا أ يؤمّان المسلمين؟ قال: «نعم»، و هل يبتلي اللَّه بهذا (إلّا) المؤمن؟ قال: «نعم، و هل كتب اللَّه البلاء إلّا على المؤمنين»(وسائل الشيعة 8: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 4.) و الدليل على الكراهة النهي الوارد في بعض الأخبار، المحمول على الكراهة جمعاً بينه و بين دليل الجواز. فمن الأخبار الوارد فيها النهي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «لا يصلّي بالناس من في وجهه آثار»(وسائل الشيعة 8: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 2.) . و قد وقع في سند الرواية عبد الرحمن بن حمّاد، و هو و إن وقع في طريق «كامل الزيارات» و لكن طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و ابن بطّة. و رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «خمسة لا يؤمّون الناس و لا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص، و المجذوم، و ولد الزنا، و الأعرابي حتّى يهاجر، و المحدود»(وسائل الشيعة 8: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 3.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و ولد الزنا، و الأعرابي»(وسائل الشيعة 8: 325، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 5.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلّين أحدكم خلف المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و المحدود، و ولد الزنا، و الأعرابي لا يؤمّ المهاجرين»(وسائل الشيعة 8: 325، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 6.) و نسب إلى جماعة من القدماء- كالشيخ و السيّد المرتضى و أتباعهما- المنع عن إمامتهما. و الشيخ حمل أخبار الجواز على صورة الضرورة؛ بأن لا يوجد غيرهما، أو أن يكونا إمامين لأمثالهما. و يحتمل قوياً أن يكون المنع مشهوراً بين القدماء؛ و لذا قال جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى»- بوجوب الاحتياط بترك إمامتهما. و في «الرياض»: فالمسألة محلّ إشكال، إلّا أنّ المصير إلى المنع أحوط للعبادة(رياض المسائل 4: 349.) ، انتهى. و أمّا إمامة المحدود بالحدّ الشرعي قبل التوبة فهو فاسق لا يجوز الاقتداء به. و أمّا بعد التوبة فقد ورد في بعض الأخبار المنع منه، كرواية الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «ستّة لا ينبغي أن يؤمّوا الناس: ولد الزنا، و المرتدّ، و الأعرابي بعد الهجرة، و شارب الخمر، و المحدود، و الأغلف»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 6.) ، و قد وقع في سند الرواية أبو جميلة المفضّل بن صالح و سعد بن طريف الحنظلي، و قد ضعّفهما جماعة، و أبو جميلة و إن وقع في طريق «كامل الزيارات»- في حديث قول جبرئيل لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّ الحسين عليه السلام تقتله امّتك من بعدك»(كامل الزيارات: 128/ 2.) - و لكن قال النجاشي: إنّ ضعف المفضّل بن صالح كان من المتسالم عليه عند الأصحاب. و نحوها في الدلالة رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة و صحيح زرارة المتقدّم. و مقتضى الإطلاق في هذه الروايات المانعة عن إمامة المحدود و إن كان عدم الفرق فيه بين قبل التوبة و بين بعدها، لكن القائلين بالجواز حملوها على الكراهة فيما بعد التوبة؛ جمعاً بينها و بين الأخبار الدالّة على جواز الائتمام خلف كلّ من يوثّق بدينه. و لا يخفى: أنّ مقتضى قوّة احتمال تحقّق الشهرة بين القدماء على المنع عن إمامة المحدود هو وجوب الاحتياط، بل الاحتياط هنا آكد من الاحتياط في ترك إمامة الأجذم و الأبرص؛ إذ لم يرد هنا خبر دالّ على الجواز أصلًا و لو كان ضعيفاً، بخلاف الأجذم و الأبرص، و قد عرفت صراحة دلالة بعض الأخبار على جواز إمامتهما، هذا. مضافاً إلى أنّ المنع عن إمامة المحدود ليس لأجل كونه فاسقاً- حتّى يقيّد إطلاقات المنع بالأخبار الدالّة على جواز الصلاة خلف كلّ من يوثّق بدينه، و يختصّ مورد المنع بالمحدود قبل التوبة، و يحمل المحدود بعد التوبة على الكراهة- بل بما أنّه محدود موضوع للحكم، كالأجذم و الأبرص و ولد الزنا و الأغلف؛ و لذا قال العلّامة في «التذكرة»: تكره إمامة المحدود بعد توبته؛ لأنّ فسقه و إن زال بالتوبة إلّا أنّ نقص منزلته و سقوط محلّه من القلوب لم يزل؛ فكره لذلك و إن لم يكن محرّماً(تذكرة الفقهاء 4: 299.) ، انتهى.

ص: 628

ص: 629

ص: 630

و يكره إمامة الأغلف المعذور من ترك الختان (1).


1- الأغلف الغير المعذور من الختان لا تجوز إمامته، و لا يجوز الاقتداء به؛ لفسقه بالتقصير في ترك الختان. و عن الشهيد الثاني في «المسالك» و «الروض» القول ببطلان صلاته، و لا دليل عليه. و أمّا المعذور من ترك الختان فقد نسب إلى المشهور بين المتأخّرين القول بجواز إمامته، و في «الرياض»: وفاقاً لعامّة متأخّري أصحابنا(رياض المسائل 4: 351.) و استدلّ له بمعتبرة عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: «الأغلف لا يؤمّ القوم و إن كان أقرأهم؛ لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها، و لا تقبل لها شهادة، و لا يصلّي عليه، إلّا أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه»(وسائل الشيعة 8: 320، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 13، الحديث 1.) و ذهب جماعة إلى المنع، و نسبه في «التذكرة» إلى الأصحاب و قال: قال أصحابنا: الأغلف لا يصحّ أن يكون إماماً(تذكرة الفقهاء 4: 299.) و في «مستند الشيعة»: فالقول بالحرمة- كما عن بعض القدماء- قوي(مستند الشيعة 8: 46.) و استدلّ للمنع برواية الأصبغ بن نباتة المتقدّم: «ستّة لا يؤمّون الناس ...» إلى أن قال: «و الأغلف»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 6.) . و رواية عبد اللّه طلحة النهدي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «لا يؤمّ الناس المحدود و ولد الزنا و الأغلف»(مستدرك الوسائل 6: 464، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 12، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّ أخبار المنع من إمامة الأغلف ضعيفة سنداً. و لا يصغى إلى ما في «مستند الشيعة» من اعتبار بعض روايات المنع(مستند الشيعة 8: 46.) ، و لم يذكر ما هو المعتبر منها حتّى نلاحظ سنده. و كلام السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» يوهم اعتبار سند رواية الأصبغ المتقدّمة، حيث إنّه- بعد ذكر الخبرين عن الأصبغ و طلحة و حملهما على الكراهة- علّل الحمل بقوله: لقصور الأوّل دلالةً، و الثاني سنداً(مستمسك العروة الوثقى 7: 350.) وجه الإيهام: إسناد القصور السندي إلى الثاني فقط؛ فتوصيف الأوّل بقصور الدلالة يوهم تمامية السند، و قد عرفت ضعفه بأبي جميلة و سعد بن طريف. و كيف كان: فرواية عمرو بن خالد الواسطي عن زيد بن علي الدالّة على الجواز معتبرة؛ لأنّ رجال السند عبارة عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد. أمّا محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي فهو ثقة في الحديث. و في «رجال» الأردبيلي- حكايةً عن «خلاصة» العلّامة و النجاشي-: كان ثقة في الحديث، إلّا أنّ أصحابنا قالوا: إنّه كان يروي عن الضعفاء و يعتمد المراسيل و لا يبالي عمّن أخذ، و ما عليه في نفسه طعن في شي ء(جامع الرواة 2: 64.) و من الواضح: أنّ روايته عن الضعفاء لا تخلّ برواياته عن الأقوياء. و أمّا أبو جعفر فهو منبّه بن عبد اللّه التميمي، قد وثّقه النجاشي بقوله: و هو صحيح الحديث، و كذا العلّامة في «الخلاصة»، و توصيف الحديث بالصحيح ظاهر في وثاقة ناقله. و أمّا الحسين بن علوان الكلبي فقد وثّقه النجاشي. و عن الكشّي: أنّه من رجال العامّة، و لكنّه شديد الحبّ، و قيل: إنّ الكلبي كان مستوراً و لم يكن مخالفاً، و هو من أصحاب الصادق عليه السلام، و قد وقع في طريق «تفسير» القمي. و أمّا عمرو بن خالد الواسطي فهو ثقة قد وقع في طريق «كامل الزيارات» في فضل الصلاة في مسجد الكوفة. ثمّ إنّ الروايات الدالّة على المنع عن إمامة الأغلف- على فرض تماميتها سنداً و دلالةً- تحمل على الكراهة؛ لمعتبرة الواسطي الدالّة على الجواز.

ص: 631

ص: 632

ص: 633

و من يكره المأمومون إمامته (1).


1- كراهة إمامة من يكره المأمومون إمامته مشهور بين الفقهاء، و هو الظاهر من بعض الروايات: ففي النبوي المروي عن الصدوق رحمه الله قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «ثمانية لا يقبل اللَّه لهم صلاة: العبد الآبق حتّى يرجع إلى مولاه، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة، و إمام قوم يصلّي بهم و هم له كارهون، و تارك الوضوء، و المرأة المدركة تصلّي بغير خمار، و الزبين؛ و هو الذي يدافع البول و الغائط، و السكران»(وسائل الشيعة 8: 348، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 1.) و مفهوم رواية الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: «و نهى أن يؤمّ الرجل قوماً إلّا بإذنهم، و قال: من أمّ قوماً بإذنهم و هم به راضون فاقتصد بهم في حضوره و أحسن صلاته بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده و قعوده، فله مثل أجر القوم، و لا ينقص عن اجورهم شي ء»(وسائل الشيعة 8: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 2.) و رواية عبد الملك بن عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام الجائر، و الرجل يؤمّ القوم و هم له كارهون، و العبد الآبق من مولاه من غير ضرورة، و المرأة تخرج من بيت زوجها بغير إذنه»(وسائل الشيعة 8: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 3.) و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ثلاثة لا يقبل اللَّه لهم صلاة: عبد آبق من مواليه حتّى يرجع إليهم فيضع يده في أيديهم، و رجل أمّ قوماً و هم له كارهون، و امرأة باتت و زوجها عليها ساخط»(وسائل الشيعة 8: 350، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 6.) و فصّل العلّامة رحمه الله في «التذكرة» و قال: الأقرب أنّه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته، و الإثم على من كرهه، و إلّا كرهت(تذكرة الفقهاء 4: 305.) ، انتهى. و قد حسّنه النراقي في «مستند الشيعة» و قال: لأنّ المتبادر الظاهر من الأخبار الثاني، فتختصّ الكراهة بمن لم يكن للمأمومين فيه مزيد اعتقاد و يرجّحون غيره عليه و يريدون الائتمام بغيره، و هو- مع ذلك- يحملهم على الائتمام به و يمنعهم من غيره(مستند الشيعة 8: 47.) ، انتهى.

ص: 634

و المتيمّم للمتطهّر (1)، بل الأولى عدم إمامة كلّ ناقص لكامل (2).


1- قد ذكرنا في ذيل شرح المسألة الخامسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة» وجه كراهة إمامة المتيمّم للمتطهّر تفصيلًا، و لا نطيل الكلام بالإعادة، فراجع.
2- و العمدة في دليل عدم إمامة كلّ ناقص لكامل هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة. و قد يستدلّ بجملة من الأخبار: منها: موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يؤمّ المقيّدُ المطلقين، و لا صاحب الفلج الأصحّاء، و لا صاحب التيمّم المتوضّئين»(وسائل الشيعة 8: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 22، الحديث 1.) . و الاستدلال بهذه الموثّقة مبني على استفادة الكبرى الكلّية من الموارد المذكورة فيها من باب المثال، خرج منها إمامة المتيمّم للمتوضّي فإنّها مكروهة؛ لدلالة بعض الأخبار الصحيحة- كصحيح جميل المتقدّم في شرح المسألة الخامسة- على الجواز. و منها: رواية الشعبي- هو عامر بن شرحبيل- قال: قال علي عليه السلام في حديث: «لا يؤمّ المقيّد المطلقين»(وسائل الشيعة 8: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 22، الحديث 3.) و منها: مرسل الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صلّى بأصحابه جالساً، فلمّا فرغ قال: لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً»(وسائل الشيعة 8: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 1.) و سند بعضها ضعيف، و لكن منجبرٌ بعمل الأصحاب. و قد تقدّم في شرح المسألة الرابعة و الخامسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة» ما يرتبط بالمقام، فراجع.

ص: 635

(مسألة 10): لو علم المأموم بطلان صلاة الإمام- من جهة كونه محدثاً أو تاركاً لركن و نحوه-

لا يجوز له الاقتداء به؛ و إن اعتقد الإمام صحّتها جهلًا أو سهواً (1).


1- قد علم وجه هذه المسألة ممّا تقدّم في شرح المسألة السادسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة» من أنّه بناءً على بطلان صلاة الإمام في اعتقاد المأموم- علماً وجدانياً- لا يصحّ الاقتداء؛ إذ مع انكشاف الواقع و بطلان صلاة الإمام واقعاً لدى المأموم كيف يصحّ له الاقتداء بالصلاة المقطوع فسادها؟! فلو اقتدى بطلت صلاته. و اعتقاد الإمام صحّة صلاة نفسه جهلًا أو سهواً ينفعه في كونه معذوراً ما لم ينكشف الخلاف، و لا ينفع المأموم شيئاً أصلًا.

ص: 636

(مسألة 11): لو رأى المأموم في ثوب الإمام نجاسة غير معفوّ عنها،

فإن علم أنّه قد نسيها لا يجوز الاقتداء به، و إن علم أنّه جاهل بها يجوز الاقتداء به، و إن لم يدر أنّه جاهل أو ناسٍ ففي جوازه تأمّل و إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).


1- لو رأى المأموم في ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها فله حالات ثلاث: الاولى: أن يعلم أنّ الإمام كان متوجّهاً إلى النجاسة قبل الصلاة و قد نسيها و دخل في الصلاة، فالمأموم يقطع ببطلان صلاة الإمام واقعاً؛ فلا يجوز له الاقتداء، و الإمام معذور ما دام لم يلتفت و لم يتذكّر بعد؛ فلو تذكّر بعد الصلاة تجب عليه الإعادة و القضاء. الثانية: أن يعلم أنّ الإمام جاهل بالنجاسة و لم يتوجّه إليها قبل الصلاة. فصلاة الإمام محكومة بالصحّة الواقعية عند المأموم؛ لأنّ النجاسة مانعة ذكراً لا واقعاً؛ و لذا لا تجب على الإمام الإعادة أو القضاء فيما توجّه إليها بعد الصلاة؛ لحديث لا تعاد، فيجوز للمأموم الاقتداء به. الثالثة: أن لا يعلم أنّ الإمام ناسٍ أو جاهل؛ ففي جواز الاقتداء و عدمه تأمّل و إشكال، و لا يترك الاحتياط عند المصنّف رحمه الله؛ لاحتمال بطلان صلاة الإمام واقعاً. قيل: و لا يبعد جواز الاقتداء؛ و ذلك لاستصحاب عدم علم الإمام بالنجاسة؛ فيترتّب عليه صحّة صلاة الإمام؛ فإذا صحّت صلاته بالاستصحاب جاز للمأموم الاقتداء به(مستمسك العروة الوثقى 7: 306، مستند العروة الوثقى، الصلاة 5: 357.) و فيه: أنّ عدم علم الإمام بالنجاسة ليس متيقّناً سابقاً حتّى يستصحب؛ لاحتمال حصول العلم للإمام حين عروض النجاسة ثمّ نسيانه. فاحتمال علم الإمام بالنجاسة حين عروضها و احتمال عدمه متساويان، و لا يترك الاحتياط بترك الاقتداء. لو علم المأموم في أثناء الجماعة أنّ الإمام كان متوجّهاً إلى النجاسة قبل الصلاة و نسيها و دخل في الصلاة، فلا يجوز له الإدامة، بل وجب عليه قصد الانفراد، و وجب عليه القراءة مع بقاء محلّها؛ لما ذكر من القطع ببطلان صلاة الإمام. و كذا يجب قصد الفرادى و القراءة مع بقاء محلّها فيما لو تبيّن له بطلان صلاة الإمام بجهة من الجهات؛ لكونه على غير طهور أو لتركه ركناً مثلًا.

ص: 637

(مسألة 12): لو تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقاً أو محدثاً صحّ ما صلّى معه جماعة،
اشارة

و يغتفر فيه ما يغتفر في الجماعة (1).

فرع:

1- وجه صحّة صلاة المأموم فيما تبيّن له فسق الإمام بعد الصلاة- مضافاً إلى الشهرة القطعية التي كادت تكون إجماعاً- الأخبار الدالّة صريحاً على نفي الإعادة على المأموم: منها: مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال: «لا يعيدون»(وسائل الشيعة 8: 374، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 1.) و منها: ما رواه الصدوق عن محمّد بن أبي عمير و عن زياد بن مروان القندي في كتابه، أنّ الصادق عليه السلام قال في رجل صلّى بقوم حتّى خرجوا من خراسان حتّى قدموا مكّة، فإذاً هو يهودي أو نصراني، قال: «ليس عليهم إعادة»(وسائل الشيعة 8: 374، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 2.) . وجه الاستدلال: أنّه إذا لم تجب الإعادة فيما تبيّن بعد الصلاة كون الإمام يهودياً أو نصرانياً؛ ففيما تبيّن كونه فاسقاً بطريق أولى. و ما دلّ على الإعادة محمول على الاستحباب، كموثّق إسماعيل بن مسلم السكوني أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف رجل يكذّب بقدر اللَّه، قال: «ليعد كلّ صلاة صلّاها خلفه»(وسائل الشيعة 8: 375، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 3.) . و في «الوسائل»: هذا الحديث ظاهر في أنّ المأموم كان عالماً باعتقاد الإمام، و ليس فيه إشعار بأنّه كان جاهلًا به و إنّما علم بعد. و وجه صحّة صلاة المأموم فيما تبيّن بعد الصلاة كون الإمام محدثاً- مضافاً إلى الشهرة القطعية- الأخبار الكثيرة الصريحة في نفي وجوب الإعادة على المأموم: منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «من صلّى بقوم و هو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، و ليس عليهم أن يعيدوا، و ليس عليه أن يعلمهم، و لو كان ذلك عليه لهلك»، قال: قلت: كيف كان يصنع بمن قد خرج إلى خراسان؟ و كيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال: «هذا عنه موضوع»(وسائل الشيعة 8: 371، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 1.) و منها: صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء، قال: «يتمّ القوم صلاتهم؛ فإنّه ليس على الإمام ضمان»(وسائل الشيعة 8: 371، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 2.) و منها: صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أمّ قوماً و هو على غير طهور، فأعلمهم بعد ما صلّوا، فقال: «يعيد هو، و لا يعيدون»(وسائل الشيعة 8: 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 3.) و منها: صحيح آخر عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يؤمّ القوم و هو على غير طهر، فلا يعلم حتّى تنقضي صلاته، قال: «يعيد، و لا يعيد من صلّى خلفه و إن أعلمهم أنّه كان على غير طهر»(وسائل الشيعة 8: 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 4.) و منها: صحيح آخر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّى بهم إمامهم و هو غير طاهر، أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: «لا إعادة عليهم، تمّت صلاتهم، و عليه الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع»(وسائل الشيعة 8: 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 5.) ، و غيرها من روايات الباب. و ذهب بعض فقهائنا كابن جنيد و السيّد المرتضى- على ما حكي عنهما- إلى وجوب الإعادة على المأموم. و استدلّ لهذا القول بالأخبار: منها: رواية «دعائم الإسلام» عن علي عليه السلام، قال: صلّى عمر بالناس صلاة الفجر، فلمّا قضى الصلاة أقبل عليهم فقال: أيّها الناس إنّ عمر صلّى بكم الغداة و هو جنب، فقال له الناس: فما ذا ترى؟ فقال: عليّ الإعادة و لا إعادة عليكم، فقال له علي عليه السلام: «بل عليك الإعادة و عليهم؛ إنّ القوم بإمامهم يركعون و يسجدون؛ فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين»(مستدرك الوسائل 6: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 2.) و منها: رواية موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جدّه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: «من صلّى بالناس و هو جنب أعاد و أعاد الناس»(مستدرك الوسائل 6: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 3.) و منها: رواية العرزمي عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلّى علي عليه السلام بالناس على غير طهر و كانت الظهر، ثمّ دخل، فخرج مناديه: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى على غير طهر فاعيدوا و ليبلغ الشاهد الغائب»(وسائل الشيعة 8: 373، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 9.) و فيه: أنّ هذه الأخبار ضعيفة سنداً لا تصلح للاعتماد عليها؛ خصوصاً خبر العرزمي، قال الشيخ: هذا خبر شاذّ مخالف للأحاديث كلّها، و هو ينافي العصمة(تهذيب الأحكام 3: 40، ذيل الحديث 140.) ، انتهى؛ فهي معرض عنها عند الأصحاب، و يمكن حملها على التقية. تمّت مباحث صلاة الجماعة بعون اللَّه، و له الحمد و الشكر، و أستعينه في تأليف سائر المباحث.

ص: 638

ص: 639

ص: 640

ص: 641

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.